بذل المجهود في إفحام اليهود ت الشرقاوي

السموأل بن يحيى المغربي

ترجمة السموأل لنفسه

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم رب يسر وأعن يَا الله قَالَ السموأل بعد حمد الله وَالصَّلَاة على نبيه مُحَمَّد الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْعِنَايَة الإلهية لتسوقه من تسبق فِي علم الله هدايته حَتَّى يُوجد مِنْهُ الاهتداء فِي الْوَقْت الَّذِي سبق فِي علم الله تَعَالَى وجوده مِنْهُ فِيهِ وَأَنا أذكر سَبَب مَا وفقنى الله لَهُ من الْهِدَايَة وَكَيف انساقت بِي الْحَال مُنْذُ نشأت إِلَيّ انتقالى عَن مَذْهَب الْيَهُود ليَكُون عِبْرَة وموعظة لمن يَقع إِلَيْهِ وليعلم متأمله أَن اللطف الإلهي أخْفى من أَن يحاط بكنهه فَإِن الله يخص بفضله من يَشَاء وَيُؤْتى الْحِكْمَة من يَشَاء ويهديه صراطا مُسْتَقِيمًا وَذَلِكَ أَن أَبى كَانَ يُقَال لَهُ الرآب يهوذا بن آبون من مَدِينَة فاس الَّتِي بأقصى الْمغرب

والرآب لقب وَلَيْسَ باسم وَتَفْسِيره الحبر وَكَانَ أعلم أهل زَمَانه بعلوم التَّوْرَاة وأقدرهم على التَّوَسُّع فِي الْإِنْشَاء والإعجاز والارتجال لمنظوم العبراني ومنثوره وَكَانَ اسْمه الْمَدْعُو بِهِ بَين أهل الْعَرَبيَّة أَبَا الْبَقَاء يحيى بن عَبَّاس المغربي وَذَلِكَ أَن أَكثر متخصصيهم يكون لَهُ اسْم عَرَبِيّ غير اسْمه العبري أَو مُشْتَقّ مِنْهُ كَمَا جعلت الْعَرَب الِاسْم غير الكنية وَكَانَ اتِّصَاله بأمي بِبَغْدَاد وَأَصلهَا من الْبَصْرَة وَهِي إِحْدَى الْأَخَوَات الثَّلَاث المنجبات فِي عُلُوم التَّوْرَاة وَالْكِتَابَة بالقلم العبرى وَهن بَنَات إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْبَصْرِيّ الليوى أَعنِي من سبط ليوي وَهُوَ سبط مضبوط النّسَب لِأَن مِنْهُ كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ إِسْحَاق هَذَا ذَا عُلُوم يدرسها بِبَغْدَاد وَكَانَت أمهن نفيسة بنت أبي نصر الداوودى وَهَذَا من رُؤَسَائِهِمْ الْمَشَاهِير وَذريته إِلَى الْآن بِمصْر وَكَانَ اسْم أُمِّي باسم أم شموائيل النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ هَذَا

النَّبِي قد ولد بعد أَن مكثت أمه عاقرا لَا ترزق ولدا وَلَا تحمل عدَّة سِنِين حَتَّى دعت رَبهَا فِي طلب ولد يكون ناسكا لله ودعا لَهَا رجل صَالح من الْأَئِمَّة يُقَال لَهُ عيلى فرزقت شموائيل النَّبِي وَذَلِكَ كُله مشروح فِي أَوَائِل سفر شموائيل النَّبِي فَمَكثت أُمِّي عِنْد أبي مُدَّة لَا ترزق ولدا حَتَّى استشعرت العقم فرأت فِي منامها أَنَّهَا تتلو مُنَاجَاة حنة أم شموائيل لِرَبِّهَا فنذرت أَنَّهَا إِن رزقت ولدا ذكرا تسميه شموائيل لِأَن اسْمهَا كَانَ باسم ام شموائيل فاتفق أَنَّهَا بعد ذَلِك اشْتَمَلت عَليّ وَحين رزقتني دعتني شموائيل وَهُوَ إِذا عرب السموأل وَكَنَّانِي أبي أَبَا نصر وَهِي كنية جدي وشغلنى أبي بِالْكِتَابَةِ بالقلم العبري ثمَّ بعلوم التَّوْرَاة وتفاسيرها حَتَّى أحكمت علم ذَلِك عِنْد كَمَال السّنة الثَّالِثَة عشرَة من مولدِي

فشغلني حِينَئِذٍ بتَعَلُّم الْحساب الْهِنْدِيّ وَحل الزيجات عِنْد الشَّيْخ الْأُسْتَاذ أبي الْحسن بن الدسكري وَقِرَاءَة علم الطِّبّ على الفيلسوف أبي البركات هبة الله بن على والتأمل فِي علاج الْأَمْرَاض ومشاهدة مَا يتَّفق من الْأَعْمَال الصناعية فِي الطِّبّ والمعالجات الَّتِي يعالجها خَالِي أَبُو الْفَتْح بن الْبَصْرِيّ فَأَما الْحساب الْهِنْدِيّ والزيج فَإِنِّي أحكمت علمهما فِي أقل من سنة وَذَلِكَ حِين كمل لي أَربع عشرَة سنة وَأَنا فِي خلال ذَلِك لَا أقطع الْقِرَاءَة فِي الطِّبّ ومشاهدة علاج الْأَمْرَاض ثمَّ قَرَأت الْحساب الديواني وَعلم المساحة على الشَّيْخ أبي المظفر الشهرزوري وقرأت الْجَبْر والمقابلة أَيْضا عَلَيْهِ وترددت إِلَى الْأُسْتَاذ أبي الْحسن بن الدسكري وَأبي الْحسن بن

النقاش لقِرَاءَة الهندسة حَتَّى حللت المقالات الَّتِي كَانَا يحلانها من إقليدس وَأَنا فِي خلال ذَلِك متشاغل بالطب حَتَّى استوعبت مَا عِنْد من ذكرته من الاستاذين من هَذِه الْعُلُوم وبقى بعض كتاب إقليدس وَكتاب الواسطى فِي الْحساب وَكتاب البديع فِي الْجَبْر والمقابلة للكرخى لَا أجد من يعرف مِنْهُ شَيْئا وَغير

ذَلِك من الْعُلُوم الرياضية مثل كتاب شُجَاع بن أسلم فِي الْجَبْر والمقابلة وَغَيره وَكَانَ بِي من الشغف بِهَذِهِ الْعُلُوم والعشق لَهَا مَا يلهيني عَن الْمطعم وَالْمشْرَب إِذا فَكرت فِي بَعْضهَا فخلوت بنفسي فِي بَيت مُدَّة وحللت جَمِيع تِلْكَ الْكتب وشرحتها ورددت على من أَخطَأ من واضعيها وأظهرت أغلاط مصنفيها وعزمت على ماعجزوا عَن تَصْحِيحه وتحقيقه وأزريت على إقليدس فِي تَرْتِيب أشكال كِتَابه بِحَيْثُ أمكنني إِذا غيرت نظام أشكاله أَن اسْتغنى عَن عدَّة مِنْهَا لَا يبْقى إِلَيْهَا حَاجَة بعد أَن كَانَ كتاب إقليدس معجزا لسَائِر المهندسين إِذْ لم يحدثوا أنفسهم بتغيير نظام أشكاله وَلَا بالاستغناء عَن بَعْضهَا كل ذَلِك فِي هَذِه السّنة أعنى الثَّامِنَة عشرَة من مولدِي واتصلت تصانيفي فِي هَذِه الْعُلُوم مُنْذُ تِلْكَ السّنة وَإِلَى الْآن وَفتح الله عَليّ كثيرا مِمَّا ارتج على من سبقني من الْحُكَمَاء المبرزين فدونت ذَلِك لينْتَفع بِهِ من يَقع إِلَيْهِ

وَفِي خلال ذَلِك لَيْسَ لي مكسب إِلَّا بصناعة الطِّبّ وَكَانَ لي مِنْهَا أوفر حَظّ إِذا أَعْطَانِي الله من التأييد فِيهَا مَا عرفت بِهِ كل مرض يقبل العلاج من الْأَمْرَاض الَّتِي لَا علاج لَهَا فَمَا عَالَجت مَرِيضا إِلَّا وعوفي وَمَا كرهت علاج مَرِيض إِلَّا وَعجز عَن علاجه سَائِر الْأَطِبَّاء وَكفوا عَن تَدْبيره فَالْحَمْد لله على جزيل نعْمَته وعظيم فَضله واتضح لي بعد مطالعة مَا طالعته من الْكتب الَّتِي بالعراق وَالشَّام وآذربيجان وكوهستان الطَّرِيق إِلَى اسْتِخْرَاج عُلُوم كَثِيرَة واختراع أدوية لم أعرف أَنِّي سبقت إِلَيْهَا مثل الدرقاق الَّذِي وسمته بالمخلص ذِي الْقُوَّة النافذة وَهُوَ يُبرئ من عدَّة أمراض عسيرة فِي بعض يَوْم وَغَيره من الْأَدْوِيَة الَّتِي ركبتها مِمَّا فِيهِ مَنَافِع وشفاء للنَّاس بِإِذن الله تَعَالَى وَقد كنت قبل اشتغالي بِهَذِهِ الْعُلُوم وَذَلِكَ فِي السّنة الثَّانِيَة عشرَة وَالثَّالِثَة عشرَة مشغوفا بالأخبار والحكايات شَدِيد الْحِرْص على الِاطِّلَاع على مَا كَانَ فِي الزَّمَان الْقَدِيم والمعرفة بِمَا جرى فِي الْقُرُون الخالية فاطلعت على التصانيف الْمُؤَلّفَة فِي الحكايات والنوادر على اخْتِلَاف فنونها ثمَّ انْتَقَلت من ذَلِك إِلَى محبَّة الأسمار والخرافات الطوَال ثمَّ إِلَى الدَّوَاوِين الْكِبَار مثل ديوَان أَخْبَار عنتر وديوان ذى الهمه والبطال والبطال وأخبار الْإِسْكَنْدَر ذِي القرنين وأخبار

العنقاء وأخبار الطّرف بن لوذان وَغير ذَلِك ثمَّ إِنِّي لما طالعت ذَلِك اتَّضَح لي أَن أَكْثَره من تأليف المؤرخين فطلبت الْأَخْبَار الصَّحِيحَة فمالت همتي إِلَى التواريخ فَقَرَأت كتاب أبي على بن مسكويه الَّذِي سَمَّاهُ تجارب الْأُمَم وطالعت تَارِيخ الطَّبَرِيّ وَغَيرهمَا من التواريخ فَكَانَت تمر بِي فِي هَذِه التواريخ أَخْبَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وغزواته وَمَا أظهر الله لَهُ من المعجزات وَمَا خصّه بِهِ من الكرامات وحباه بِهِ من النَّصْر والتأييد فِي غَزْوَة بدر وغزوة خَيْبَر وَغَيرهمَا وقصة منشئه فِي الْيُتْم

والضعف ومعاداة أَهله لَهُ وإقامته فِيمَا بَين أعدائه يجاهدهم بإنكار دينهم عَلَيْهِم والدعوة إِلَى دينه مُدَّة طَوِيلَة وسنين كَثِيرَة إِلَى أَن أذن الله لَهُ فِي الْهِجْرَة إِلَى دَار غَيرهَا وَمَا جرى للأعداء الَّذين جاهدوه من النكبات ومصرعهم بَين يَدَيْهِ بسيوف أوليائه ببدر وَغَيرهَا وَظُهُور الْآيَة العجيبة فِي هزيمَة الْفرس ورستم الْجَبَّار مَعَهم فِي أُلُوف كَثِيرَة على غَايَة من الحشد وَالْقُوَّة بَين يدى سعد بن أبي وَقاص وهم فِي فِئَة يسيرَة على حَال من الضعْف وَمَدَائِن كسْرَى أنو شرْوَان وانكسار الرّوم وهلاك عساكرهم على يَدي أبي عُبَيْدَة بن الْجراح رَحْمَة الله عَلَيْهِ ثمَّ سياسة أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وعدلهما وزهدهما

وَمَعَ ذَلِك فَإِنِّي كنت لِكَثْرَة شغفي بأخبار الوزراء وَالْكتاب قد أكتسبت بِكَثْرَة مطالعتي لحكاياتهم وأخبارهم وَكَلَامهم قُوَّة فِي البلاغة وَمَعْرِفَة بالفصاحة وَكَانَ لي فِي ذَلِك مَا حَمده الفصحاء وتعجب بِهِ البلغاء وَقد يعلم ذَلِك مني من تَأمل كَلَامي فِي بعض الْكتب الَّتِي ألفتها فِي أحد الْفُنُون العلمية فشاهدت المعجزة الَّتِي لاتباريها الفصاحة الْآدَمِيَّة فِي الْقُرْآن فَعلمت صِحَة إعجازة ثمَّ إِنِّي لما هذبت خاطري بالعلوم الرياضية ولاسيما الهندسية وبراهينها راجعت نَفسِي فِي اخْتِلَاف النَّاس فِي الْأَدْيَان والمذاهب وَكَانَ أبر المحركات لي فِي الْبَحْث عَن ذَلِك مطالعتي كتاب برذويه

الطّيب من كتاب كليلة ودمنة وَمَا وجدت فِيهِ فَعلمت أَن الْعقل حَاكم يجب تحكيمه على كليات أُمُور عالمنا هَذَا إِذا لَوْلَا أَن الْعقل أرشدنا إِلَى اتِّبَاع الْأَنْبِيَاء وَالرسل وتصديق الْمَشَايِخ وَالسَّلَف لما صدقناهم فِي سَائِر مَا تلقيناه عَنْهُم وَعلمت أَنه إِذا كَانَ اصل التَّمَسُّك بالمذاهب الموروثة عَن السّلف وأصل اتِّبَاع الْأَنْبِيَاء مِمَّا أدّى إِلَيْهِ الْعقل فَإِن تحكيم الْعقل على كليات جَمِيع ذَلِك وَاجِب وَإِذا نَحن حكمنَا الْعقل على مَا نَقَلْنَاهُ عَن الْآبَاء والأجداد علمنَا أَن النَّقْل عَن السّلف لَيْسَ يُوجب الْعقل قبُوله من غير امتحان لصِحَّته بل بِمُجَرَّد كَونه مأخوذا عَن السّلف لَكِن من أجل أَنه يكون أمرا ذَا حَقِيقَة فِي ذَاته وَالْحجّة مَوْجُودَة بِصِحَّتِهِ فَأَما الْأُبُوَّة والسلفية وَحدهمَا فليستا بِحجَّة إِذْ لَو كَانَتَا حجَّة لكانتا أَيْضا حجَّة لسَائِر الْخُصُوم الْكفَّار كالنصارى فَإِنَّهُم نقلوا عَن أسلافهم أَن عِيسَى ابْن الله وَأَنه الرازق الْمَانِع الضار النافع فَإِن كَانَ تَقْلِيد

الْآبَاء والأسلاف يدل على صِحَة مَا نقل عَنْهُم فَإِن ذَلِك يلْزم مِنْهُ الْإِقْرَار بِصِحَّة مقَالَة النَّصَارَى ومقالة الْمَجُوس وَإِن كَانَ هَذَا التَّقْلِيد لأسلاف الْيَهُود خَاصَّة دون غَيرهم من الْأُمَم فَلَا يقبل مِنْهُ ذَلِك إِلَّا أَن يَأْتُوا بِدَلِيل على أَن آبَاءَهُم كَانُوا أَعقل من آبَاء الْأُمَم وأسلافهم فَإِن الْيَهُود ادَّعَت ذَلِك فِي حق آبائها وأسلافها فَجَمِيع أَخْبَار أسلافهم ناطقة بتكذيبهم فِي ذَلِك وَإِذا تركنَا التعصب لَهُم فَنحْن نجْعَل لِآبَائِهِمْ أُسْوَة بِسَائِر آبَاء غَيرهم من الْأُمَم فَإِذا كَانَت آبَاء النَّصَارَى وَغَيرهم قد نقلو عَن آبَائِهِم الْكفْر والضلال الَّذِي تهرب الْعُقُول مِنْهُ وتنفر الطباع السليمة عَنهُ فَلَيْسَ بممتنع أَن يكون

مَا نَقله الْيَهُود عَن آبَائِهِم أَيْضا بِهَذِهِ الصّفة فَلَمَّا علمت أَن الْيَهُود لَهُم أُسْوَة بغيرهم فِيمَا نقلوه عَن الْآبَاء والأسلاف علمت أَنه لَيْسَ بِأَيْدِيهِم حجَّة

صَحِيحَة بنبوة مُوسَى إِلَّا شَهَادَة التَّوَاتُر وَهَذَا التَّوَاتُر مَوْجُود لعيسى وَمُحَمّد كوجوده لمُوسَى عَلَيْهِم السَّلَام أَجْمَعِينَ فَإِن كَانَ التَّوَاتُر يُفِيد تَصْدِيقًا فالثلاثة صَادِقُونَ ونبوتهم مَعًا صَحِيحَة وَعلمت أَيْضا أَنِّي لم أر مُوسَى بعيني وَلم أشاهد معجزاته وَلَا معجزات غَيره من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَلَوْلَا النَّقْل وتقليد الناقلين لما عرفنَا شَيْئا من ذَلِك فَعلمت أَنه لَا يجوز للعاقل أَن يصدق بِوَاحِد ويكذب بِوَاحِد من هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام لِأَنَّهُ لم ير أحدهم وَلَا شَاهد أَحْوَاله إِلَّا بِالنَّقْلِ وَشَهَادَة التَّوَاتُر مَوْجُودَة لثلاثتهم فَلَيْسَ من الْعقل وَلَا من الْحِكْمَة أَن يصدق أحدهم ويكذب الْبَاقُونَ بل الْوَاجِب عقلا إِمَّا تَصْدِيق الْكل وَإِمَّا تَكْذِيب الْكل

فَأَما تَكْذِيب الْكل فَإِن الْعقل لَا يُوجِبهُ أَيْضا لأَنا إِنَّمَا نجدهم قد أَتَوا بمكارم الْأَخْلَاق وندبوا إِلَى الْفَضَائِل ونهوا عَن الرذائل ولأنا نجدهم ساسوا الْعَالم بسياسة بهَا صَلَاح حَال أَهله فصح عِنْدِي بِالدَّلِيلِ الْقَاطِع نبوة الْمَسِيح والمصطفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآمَنت بهما فَمَكثت بُرْهَة أعتقد ذَلِك من غير أَن الْتزم الْفَرَائِض الإسلامية مراقبة لأبي وَذَلِكَ أَنه كَانَ شَدِيد الْحبّ لي قَلِيل الصَّبْر عني كثير الْبر بِي وَكَانَ قد أحسن تربيتي إِذا شغلني مُنْذُ أول حداثتي بالعلوم البرهانية وربي ذهني وخاطري فِي الْحساب والهندسة العلمين اللَّذين مدح أفلاطون عقل من يتربى ذهنه فِي النّظر فيهمَا فَمَكثت مُدَّة طَوِيلَة لَا يفتح على وَجه الْهِدَايَة وَلَا تنْحَل عني هَذِه الشُّبْهَة وَهِي مراقبة أبي إِلَى أَن حَالَتْ الْأَسْفَار بيني وَبَينه وبعدت دَاري عَن دَاره وَأَنا مُقيم على مراقبته والتذمم من أَن أفجعه بنفسي وحان وَقت الْهِدَايَة وجاءتني الموعظة الإلهية برؤيتي للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسِع ذِي الْحجَّة سنه ثَمَان وَخمسين وخمسائة وَكَانَ ذَلِك بمراغة من آذربيجان وَهَذَا شرح مَا رَأَيْت

قصة إسلام السموأل ورؤياه النبي صلى الله عليه وسلم

الْمَنَام الأول رَأَيْت كَأَنِّي فِي صحراء فيحاء مخضرة الأرجاء يلوح من شرقيها شَجَرَة عَظِيمَة وَالنَّاس يهرعون إِلَى تِلْكَ الشَّجَرَة فَسَأَلت بَعضهم عَن حَال النَّاس فَقَالَ إِن تَحت الشَّجَرَة شموائيل النَّبِي جَالس وَالنَّاس يسلمُونَ عَلَيْهِ فسررت بِمَا سمعته وقصدت الشَّجَرَة فَوجدت فِي ظلها شَيخا جسيما بهيا وقورا شَدِيد بَيَاض الشّعْر عَظِيم الهيبة بِيَدِهِ كتاب ينظر فِيهِ فَسلمت عَلَيْهِ وَقلت بِلِسَان عَرَبِيّ السَّلَام عَلَيْك يانبي الله فَالْتَفت إِلَى مُبْتَسِمًا وهش إِلَيّ وَقَالَ وَعَلَيْك السَّلَام يَا شريكنا فِي الِاسْم اجْلِسْ لنعرض عَلَيْك أمرا فَجَلَست بَين يَدَيْهِ فَدفع إِلَيّ الْكتاب الَّذِي بِيَدِهِ وَقَالَ اقْرَأ مَا تَجدهُ بَين يَديك فَوجدت بَين يَدي هَذِه الْآيَة من التَّوْرَاة نابي أقيم لاهيم مقارب أحيهم كاموخا إيلاويشماعون تَفْسِيره نَبيا أقيم لَهُم من وسط أخوتهم مثلك بِهِ فليؤمنوا

وَهَذِه مُنَاجَاة من الله عز وَجل لمُوسَى وَكنت أعرف أَن الْيَهُود يَقُولُونَ إِن هَذِه الْآيَة نزلت فِي حق شموائيل النَّبِي لِأَنَّهُ كَانَ مثل مُوسَى يعنون أَنه كَانَ من سبط ليوى وَهُوَ السبط الَّذِي كَانَ مِنْهُ مُوسَى فَلَمَّا وجدت بَين يَدي هَذَا الْآيَة من التَّوْرَاة قرأتها وظننت أَنه يذهب إِلَى الافتخار بِأَن الله تَعَالَى ذكره فِي التَّوْرَاة وَبشر بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقلت هَنِيئًا لَك يَا نَبِي الله مَا خصك الله بِهِ من هَذِه الْمنزلَة فَنظر إِلَيّ مغضبا وَقَالَ أَو إيَّايَ أَرَادَ الله بِهَذَا يَا ذكيا مَا أفادتك إِذا الْبَرَاهِين الهندسية فَقلت يَا نَبِي الله فَمن أَرَادَ الله بِهَذَا قَالَ الَّذِي أَرَادَ بِهِ فِي قَوْله هُوَ فيع ميهار فاران وَتَفْسِيره إِشَارَة إِلَى نبوة وعد بنزولها على جبال فاران فَلَمَّا قَالَ لي ذَلِك عرفت أَنه يَعْنِي الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ الْمَبْعُوث من جبال فاران وَهِي جبال مَكَّة لِأَن التَّوْرَاة ناطقة نصا بِأَن فاران مسكن آل إِسْمَاعِيل

وَذَلِكَ قَول التَّوْرَاة ويشب بِمد نَار فاران تَفْسِيره وَأقَام فِي بَريَّة فاران يَعْنِي إِسْمَاعِيل ولد إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام ثمَّ إِنَّه عَاد والتفت إِلَى وَقَالَ وَأما علمت أَن الله لم يبعثنى بنسخ شَيْء من التَّوْرَاة وَإِنَّمَا بعثنى لأذكرهم بهَا وأحيي شرائعها وأخلصهم من أهل فلسطين فَقلت بلَى يَا نَبِي الله قَالَ فَأَي حَاجَة لَهُم إِلَى أَن يوصيهم رَبهم بِاتِّبَاع من لم ينْسَخ دينهم وَلم يُغير شريعتهم أرأيتهم احتاجوا إِلَى أَن يوصيهم بِقبُول نبوة دانيال أَو أرميا أَو حزقيل

فَقلت لَا لعمري لم يحْتَج إِلَى ذَلِك ثمَّ أَخذ الْمُصحف من يَدي وَانْصَرف مغضبا فارتعت لغضبه وازدجرت لموعظته واستيقظت مذعورا فَجَلَست وَكَانَ وَقت السحر والمصباح يقد فِي غَايَة استنارته فتذكرت الْمَنَام جَمِيعه فَإِذا أَنا قد تخيلته لَا يذهب عَليّ مِنْهُ شَيْء فَعلمت أَن ذَلِك لطف من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وموعظة لإِزَالَة الشُّبْهَة الَّتِي كَانَت تمنعني من إعلان كلمة الْحق والتظاهر بِالْإِسْلَامِ فتبت إِلَى الله من ذَلِك واستغفرته وَأَكْثَرت من الصَّلَاة على رَسُول الله الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

وأسبغت الْوضُوء وَصليت عدَّة رَكْعَات لله عز وَجل وَأَنا شَدِيد الْفَرح وَالسُّرُور بِمَا قد انْكَشَفَ لي من الْهِدَايَة ثمَّ جَلَست مفكرا فغلب على النّوم عِنْد تفكري ونمت

المنام الثاني

الْمَنَام الثَّانِي فَرَأَيْت كَأَنِّي جَالس فِي سكَّة عامرة لَا أعرفهَا إِذْ أَتَانِي آتٍ عَلَيْهِ ثِيَاب المتصوفة وزي الْفُقَرَاء فَلم يسلم عَليّ لكنه قَالَ أجب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فهبته وَقمت مَعَه مَسْرُورا مسرعا مُسْتَبْشِرًا بلقاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَار بَين يَدي وَأَنا من وَرَائه حَتَّى انْتهى إِلَى بَاب دَار فدخله واستدخلني فَدخلت وَرَاءه وسرت خَلفه فِي دهليز طَوِيل قَلِيل الظلمَة إِلَّا أَنه مظلم فَلَمَّا انْتَهَيْت إِلَى طرف الدهليز وَعلمت أَنه قد حَان إشراف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هبت لقاءه هَيْبَة شَدِيدَة فَأخذت فِي الاستعداد للقائه وَسَلَامه وَذكرت أَنِّي كنت قد قَرَأت فِي أخباره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ إِذا لَقِي فِي جمَاعَة قيل سَلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَإِذا لَقِي وَحده قيل السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فعزمت على أَنِّي أسلم عَلَيْهِ سَلاما عَاما لتدخل الْجَمَاعَة فِي السَّلَام لِأَنِّي رَأَيْت ذَلِك كَأَنَّهُ الأولى والأليق

ثمَّ أشرفت على صحن الدَّار وَكَانَ مُقَابل الدهليز مجْلِس طَوِيل وَعَن يسرة الدَّاخِل مجْلِس آخر وَلَيْسَ فِي الدَّار غير هذَيْن المجلسين وَفِي كل وَاحِد من المجلسين رجلَانِ لَا أحقق الْآن صور أُولَئِكَ الرجل إِلَّا أَنِّي أَظن أَكْثَرهم كَانُوا شبانا لكِنهمْ كَانُوا كالمتهيئين للسَّفر فَمَنعهُمْ من يلبس ثيابًا للسَّفر وأسلحتهم قريبَة مِنْهُم وَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِما فِيمَا بَين المجلسين أَعنِي فِي الزاوية الَّتِي فِي ذَلِك الرُّكْن من أَرْكَان الصحن وَكَأَنَّهُ قد كَانَ فِي شغل وَقد فرغ مِنْهُ وانقلب عَنهُ ليشرع فِي غَيره ففجأته بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ قبل شُرُوعه فِي غَيره وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا بسا ثيابًا بيضًا وعمامته معتدلة اللطافة وعَلى عُنُقه رِدَاء أَبيض حول عُنُقه وَهُوَ معتدل الْقَامَة نبيل جسيم معتدل اللَّوْن بَين الْبيَاض والحمرة واليسير من السمرَة أسود الحاجبين والعينين وَشعر محاسنه نصف كَأَنَّهُ شعره وشعره ومحاسنه أَيْضا معتدلة بَين الطول وَالْقصر وَلما دخلت عَلَيْهِ ورأيته الْتفت إِلَى ورآني فَأقبل عَليّ مُبْتَسِمًا وهش إِلَى جدا فذهلت لهيبته عَمَّا كنت قد عزمت عَلَيْهِ من السَّلَام فَسلمت سَلاما خَاصّا فَقلت السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وألغيت الْجَمَاعَة فَلم ألتفت ببصري وقلبي إِلَّا إِلَيْهِ

فَقَالَ وَعَلَيْك السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَلم يكن بَين تسليمي عَلَيْهِ وَبَين سعيي إِلَيْهِ توقف ولازمان بل جريت إِلَيْهِ مسرعا وأهويت بيَدي إِلَيّ يَده وَمد يَده الْكَرِيمَة إِلَيّ فأمسكتها بيَدي وَقلت أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله وَذَلِكَ أَنه خطر بقلبي أَن النجَاة مِنْهُم من زعم أَن الْأَسْمَاء الْأَعْلَام هِيَ أعرف المعارف وَمِنْهُم من يَقُول إِن الْأَسْمَاء المضمرة هِيَ أعرف المعارف وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن الْكَاف من قولي أَنَّك لَا يُشَارك الْمُخَاطب فِيهِ أحد لِأَنَّهَا لَا تقع إِلَّا عَلَيْهِ وَحده فرأيته قد ملئ ابتهاجا ثمَّ جلس فِي الزاوية الَّتِي بَين المجلسين وَجَلَست بَين يَدَيْهِ وَقَالَ تأهب للمسير مَعنا إِلَى غمدان للغزاة فَلَمَّا قَالَ ذَلِك وَقع فِي نَفسِي أَنه يَعْنِي الْمَدِينَة الْعُظْمَى الَّتِي هِيَ كرْسِي ملك وَأَن الْإِسْلَام لم يستول عَلَيْهَا بعد وَكنت قد قَرَأت قبل ذَلِك أَن الطَّرِيق الْأَقْرَب المسلوك إِلَى الصين فِي الْبَحْر الْأَخْضَر وَهُوَ أَشد الْبحار أهوالا وَأَعْظَمهَا أخطارا

فَلَمَّا سَمِعت ذَلِك القَوْل من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خفت من ركُوب الْبَحْر وَقلت فِي نَفسِي إِن الْحُكَمَاء لَا يركبون الْبحار فَكيف أركب الْبَحْر ثمَّ قلت فِي نَفسِي أَيْضا من غير توقف يَا سُبْحَانَ الله أَنا قد آمَنت بِهَذَا النَّبِي وبايعته أفيأمرني بِأَمْر وَلَا أتابعه فَإِذا أَي مبايعة تكون مبايعتي لَهُ وعزمت على السّمع وَالطَّاعَة ثمَّ وَقع لي خاطر آخر وَقلت إِذا كَانَ مَعنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فَإِن الْبر وَالْبَحْر يكونَانِ مسخرين لنا وَلَا خوف علينا من سَائِر الأخطار وطاب قلبِي بذلك وَحسن يقيني وقبولي وَأَنا أذكر أَن هَذِه الأفكار والخواطر ظَهرت لي وَأَنا بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غير زمَان أعنى من غير توقف يستبطئني بِهِ عَن إجَابَته فَمَا كَانَ بأسرع من ان قلت لَهُ سمعا وَطَاعَة يَا رَسُول الله فَقَالَ على خيرة الله تَعَالَى فَقُمْت بَين يَدَيْهِ وَخرجت فَمَا وجدت فِي الدهليز الظلمَة الَّتِي كَانَت فِيهِ عِنْد الدُّخُول فَلَمَّا خرجت من الدَّار ومشيت قَلِيلا وجدت كَأَنِّي فِي سوق مراغة فِيمَا بَين الصيارف وَبَين الْمدرسَة القضوية وَكَأَنِّي أرى ثَلَاثَة نفر

عَلَيْهِم زِيّ المتصوفة وَثيَاب الزهاد وَمِنْهُم من على بدنه صدرة صوف خشن أسود وعَلى رَأسه مئزر من جِنْسهَا وَبِيَدِهِ قَوس ملفوفة فِي لباد خلق وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى حَرْبَة نصابها من سعف النّخل وَالْآخر متقلد سَيْفا غمده من خوص النّخل لِأَنَّهُ كَانَ قد انطبع فِي خيالي مُنْذُ كنت صَغِيرا حِين قَرَأت أَخْبَار ظُهُور دولة الْإِسْلَام كَيفَ كَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضعفاء فُقَرَاء وَلَيْسَ لَهُم من الْآلَات إِلَّا شَبِيها بِمَا ذكرنَا وَأَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ ذَلِك ينْصرُونَ على الجيوش الكثيفة والخيول العديدة ذوى الشَّوْكَة القوية فَلَمَّا رَأَيْت النَّفر الثَّلَاثَة قلت هَؤُلَاءِ هم المجاهدون والغزاة هَؤُلَاءِ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ هَؤُلَاءِ أسافر وأغزو وَكَانَت الدمعة تبدر من عَيْني فِي النّوم لفرط سروري بهم وغبطني إيَّاهُم ثمَّ استيقظت وَالصُّبْح لم يسفر بعد فأسبغت الْوضُوء وَصليت الْفجْر وَأَنا شَدِيد الْحِرْص على إشهار كلمة الْحق وإعلان الِانْتِقَال إِلَى دين الْإِسْلَام وَكنت حِينَئِذٍ بمراغة من آذربيجان فِي ضِيَافَة الصاحب الأمجد فَخر الدّين عبد الْعَزِيز بن مَحْمُود بن سعد بن عَليّ بن حميد المضرى رَحْمَة الله عَلَيْهِ

وَكَانَ قد ابتلى بِمَرَض قد عافاه الله مِنْهُ ولى بِهِ أنس مُتَقَدم فَدخلت إِلَيْهِ فِي أَوَائِل نَهَار الْجُمُعَة الْمَذْكُور يَوْمئِذٍ وعرفته أَن الله قد رفع الْحجاب عني وهداني فَمَا أعظم استبشاره يَوْمئِذٍ بذلك وَقَالَ الله إِن هَذَا الْأَمر مازلت أتمناه وأترجاه وطالما قد حاورت قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين فِي ذَلِك وَكُنَّا جَمِيعًا نتأسف على علومك وفضائلك أَن لَا تكون إسلامية فَالْحَمْد لله على مَا ألهمك بِهِ من صَلَاح وهداية وعَلى استجابته دعاءنا فِي ذَلِك فَقل لي كَيفَ فتح الله ذَلِك عَلَيْك وسهله بعد إرتاجه وامتناعه فَقلت ذَلِك أَمر أوقعه الله فِي نَفسِي بالإلهام والفكر وَدَلِيله الْعقلِيّ وبرهانه قد كنت قَدِيما أعرفهُ وَدَلِيله فِي التوراه إِلَّا أَنِّي كنت أراقب أبي وأكره أَن أفجعه بنفسي تذمما من الله تَعَالَى والآن قد زَالَت عني هَذِه الشُّبْهَة مد يدك فَأَنا أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَقَامَ الصاحب لفرط سروره قَائِما واهتز فَرحا وَكَانَ قبل ذَلِك لَا يقوم إِلَّا بالتكلف وَغَابَ عني واستجلسني إِلَى عودته وأفاض عَليّ من الملابس أجلهَا وحملني من المراكب على أنبلها وَأمر خواصه بالسعي إِلَى الْجَامِع بَين يَدي

وَكَانَ الصاحب قد تقدم إِلَى الْخَطِيب وَأمره بِالتَّأْخِيرِ والتوقف إِلَى وَقت حضوري فِي الْمَسْجِد لِأَن الْوَقْت ضَاقَ إِلَى أَن فرغ الخياطون من خياطَة الْجُبَّة الَّتِي أَمر الصاحب بتفصيلها فسرت إِلَى الْجَامِع وَالْجَمَاعَة فِي انتظاري وارتفع التَّكْبِير من جمَاعَة أهل الْمَسْجِد حيف أشرفت عَلَيْهِم وَارْتجَّ الْمَسْجِد الْجَامِع من صلَاتهم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رقى الْخَطِيب الْمِنْبَر وَوعظ النَّاس القَاضِي صدر الدّين ملك الوعاظ أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله ابْن عبد الرَّحِيم بن لل وَأَطْنَبَ فِي مدحي وإحماد مَا أيدني الله بِهِ من التيقظ وَالْهِدَايَة وَبَالغ فِي ذَلِك مُبَالغَة تجَاوز حد الْوَصْف وَكَانَ أَكثر الْمجْلس مُتَعَلقا بِي وَفِي عَشِيَّة ذَلِك الْيَوْم أَعنِي عيد النَّحْر ابتدأت بتحرير الْحجَج المفحمة للْيَهُود وألفتها فِي كتاب وسميته بإفحام الْيَهُود واشتهر ذَلِك الْكتاب وطار خَبره وانتسخ مني فِي عدَّة بقاع نسخ كَثِيرَة بالموصل وأعمالها وديار بكر وَالْعراق وبلد الْعَجم ثمَّ أضفت إِلَيْهِ بعد وَقت فصولا كَثِيرَة من الِاحْتِجَاج على الْيَهُود

من التَّوْرَاة حَتَّى صَار كتابا بديعا لم يعْمل فِي الْإِسْلَام مثله فِي مناظرة الْيَهُود الْبَتَّةَ وَأما الْمَنَام الأول والمنام الثَّانِي فَإِنِّي لم أذكرهما للصاحب وَلَا لغيره من أهل مراغة إِلَى انْقِضَاء أَربع سِنِين من أَوَان رُؤْيَتهمَا وَكَانَ ذَلِك لشيئين أَحدهمَا أَنِّي كرهت أَن أذكر أمرا لَا يقوم عَلَيْهِ الْبُرْهَان فَرُبمَا يسْرع خاطر من يسمعهُ إِلَى تَكْذِيبه لِأَنَّهُ أَمر نَادِر قَلِيلا مَا يتَّفق إِذا كَانَ الْعَاقِل يكره أَن يعرض كَلَامه للتكذيب سرا أَو عَلَانيَة وَالثَّانِي أَنِّي كرهت أَن يصل خبر المنامين إِلَى من يحسدني فِي الْبِلَاد على مَا فضلني الله بِهِ من الْعلم وَالْحُرْمَة فَيجْعَل ذَلِك طَرِيقا إِلَى التشنيع عَليّ والإزراء على مذهبي فَيَقُول إِن فلَانا ترك دينه لمنام رَآهُ وانخدع لأضغاث أَحْلَام فأخفيت ذَلِك إِلَى أَن اشْتهر كتاب إفحام الْيَهُود وَكَثُرت نسخه وقرأه على جمَاعَة كَثِيرَة من النَّاس

فَلَمَّا تحقق النَّاس أَعنِي أَن التقالي من مَذْهَب الْيَهُود إِنَّمَا كَانَ بِدَلِيل وبرهان وحجج قَطْعِيَّة قَطْعِيَّة عرفتها وَأَنِّي كنت أُخْفِي ذَلِك وَلَا أبوح بِهِ مُدَّة مراقبة لأبي وَبرا بِهِ فَحِينَئِذٍ أظهرت قصَّة المنامين وأوضحت أَنَّهُمَا كَانَا موعظة من الله تَعَالَى وتنبيها على مَا يجب تَقْدِيمه وَلَا يحل لي تَأْخِيره بِسَبَب وَالِد أَو غَيره وكتبت كتابا إِلَى أبي إِلَى حلب وَأَنا يَوْمئِذٍ بحصن كيفا وأوضحت لَهُ فِي ذَلِك الْكتاب عدَّة حجج وبراهين مِمَّا أعلم أَنه لَا يُنكره وَلَا يقدر على إِبْطَاله وأخبرته أَيْضا بِخَبَر المنامين فانحدر إِلَى الْموصل ليلقاني وفاجأه مرض جَاءَهُ بالموصل فَهَلَك فِيهِ فَليعلم الْآن من يقْرَأ هَذِه الأوراق أَن الْمَنَام لم يكن باعثا على ترك الْمَذْهَب الأول فَأن الْعَاقِل لَا يجوز أَن ينخدع عَن أَحْوَاله بالمنامات والأحلام من غير برهَان وَلَا دَلِيل لكنني كنت قد عرفت قبل ذَلِك بِزَمَان طَوِيل الْحجَج والبراهين والأدلة على نبوة سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتلك الْحجَج والبراهين هِيَ سَبَب الِانْتِقَال وَالْهِدَايَة وَأما الْمَنَام فَإِنَّمَا كَانَت فَائِدَته الانتباه والازدجار من التَّمَادِي فِي الْغَفْلَة والتربص بإعلان كلمة الْحق بعد هَذَا ارتقابا لمَوْت أبي فَالْحَمْد لله على الْإِسْلَام وَكلمَة الْحق وَنور الْإِيمَان وَنور الْهِدَايَة

وأسأله الْإِرْشَاد لما يرضيه بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا

كتاب إفحام اليهود

مُقَدّمَة الْكتاب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم رب يسر وأعن يَا الله أما بعد حمد الله تَعَالَى على مَا ألهم من الْهِدَايَة وعصم عَنهُ من الغواية وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وعَلى آله الطاهرين فَإِن سَبِيل من فضل من الْعباد بالفطانة والرشاد إِن يجد فِي الْبَحْث عَن أَحْوَال الْمعَاد والتأمل لما أَخذه عَن الْآبَاء والأجداد بِعَين الامتحان والانتقاد فَإِن رَآهُ فَضِيلَة سما لإدراكها وَإِن ألفاه رذيلة نجا منت شراكها لتضحى حقائبه بطانا من الزَّاد فَإِن هَاتِف الْمَوْت بالمرصاد وَلنْ يحمد العقبى مَضْجَع فِي تحصين شَرعه وموزع مواقيته على مَا ينقاد إِلَيْهِ بطبعه وَلنْ يظفر بضالة الْحق إِلَّا ناشدوها وَلنْ يبهرج الأباطيل على أنفسهم إِلَّا مفسدوها

الغرض من تأليف الكتاب

الْغَرَض من تأليف الْكتاب وَالْغَرَض الْأَقْصَى من إنْشَاء هَذِه الْكَلِمَة الرَّد على أهل اللجاج والعناد وَأَن تظهر مَا يعتور كلمتهم من الْفساد على أَن الْأَئِمَّة ضوعف ثوابهم قد انتدبوا قبلي لذَلِك وسلكوا فِي مناظرة الْيَهُود أَنْوَاع المسالك إِلَّا أَن أَكثر مَا نُوظِرُوا بِهِ يكادون لَا يفهمونه أَو لَا يلتزمونه وَقد جعل إِلَى إفحامهم طَرِيقا مِمَّا يتداولونه فِي أَيْديهم من نَص تنزيلهم وَأَعْمَاهُمْ الله عَنهُ عِنْد تبديلهم ليَكُون حجَّة عَلَيْهِم مَوْجُودَة فِي أَيْديهم فصل فِي إلزامهم النّسخ بِنَصّ كِتَابهمْ وَهَذَا أول مَا أبتدى بِهِ من إلزامهم النّسخ من نَص كِتَابهمْ وَمَا تَقْتَضِيه أصولهم نقُول لَهُم هَل كَانَ قبل نزُول التَّوْرَاة شرع أم لَا فَإِن جَحَدُوا كذبُوا بِمَا نطق بِهِ الْجُزْء الثَّانِي من السّفر الأول من

التَّوْرَاة إِذْ شرع الله تَعَالَى على نوح عَلَيْهِ السَّلَام الْقصاص فِي الْقَتْل ذَلِك قَوْله شوفيخ دَامَ هاأدام دامو يشافيخ كي بصلم ألوهيم عَاما إث هاأدام تَفْسِيره سافك دم الْإِنْسَان فليحكم بسفك دَمه لِأَن الله تَعَالَى خلق الْآدَمِيّ بِصُورَة شريفة وَبِمَا يشْهد بِهِ الْجُزْء الثَّالِث من السّفر الأول من التَّوْرَاة إِذْ شرع الله على إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ختانة الْمَوْلُود فِي الْيَوْم الثَّامِن من ميلاده وَهَذِه وأمثالها شرائع لِأَن الشَّرْع لَا يخرج عَن كَونه أمرا أَو نهيا من الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ سَوَاء نزل على لِسَان رَسُول أَو كتب فِي أسفار أَو أَلْوَاح أَو غير ذَلِك فَإِذا أقرُّوا بِأَن قد كَانَ شرع قُلْنَا لَهُم مَا تَقولُونَ فِي التَّوْرَاة هَل أَتَت بِزِيَادَة على تِلْكَ الشَّرَائِع أم لَا

فَإِن لم تكن أَتَت بِزِيَادَة فقد صَارَت عَبَثا إِذْ لَا زِيَادَة فِيهَا على مَا تقدم وَلم تغن شَيْئا فَلَا يجوز أَن تكون صادرة عَن الله تَعَالَى فيلزمكم أَن التَّوْرَاة لَيست من عِنْد الله تَعَالَى وَذَلِكَ كفر على مذهبكم وَإِن كَانَت التَّوْرَاة أَتَت بِزِيَادَة فَهَل فِي تِلْكَ الزِّيَادَة تَحْرِيم مَا كَانَ مُبَاحا أم لَا فَإِن أَنْكَرُوا ذَلِك بَطل قَوْلهم من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن التَّوْرَاة حرمت الْأَعْمَال الصناعية فِي يَوْم السبت بعد أَن كَانَ ذَلِك مُبَاحا وَهَذَا بِعَيْنِه هُوَ النّسخ وَالثَّانِي أَنه لَا معنى للزِّيَادَة فِي الشَّرْع إِلَّا تَحْرِيم مَا تقدّمت إِبَاحَته أَو إِبَاحَة مَا تقدم تَحْرِيمه فَإِن قَالُوا إِن الْحَكِيم لَا يحظر شَيْئا ثمَّ يبيحه لِأَن ذَلِك إِن جَازَ مثله كَانَ كمن أَمر بِشَيْء وضده فَالْجَوَاب أَن من أَمر بِشَيْء وضده فِي زمانين مُخْتَلفين غير مُنَاقض بَين أوامره وَإِنَّمَا يكون كَذَلِك لَو كَانَ الْأَمْرَانِ فِي وَقت وَاحِد فَإِن قَالُوا إِن التَّوْرَاة حظرت أُمُور كَانَت مُبَاحَة من قبل وَلم تأت بِإِبَاحَة مَحْظُور والنسخ الْمَكْرُوه هُوَ إِبَاحَة الْمَحْظُور لِأَن من أُبِيح لَهُ شَيْء فَامْتنعَ عَنهُ وحظره على نَفسه فَلَيْسَ بمخالف وَإِنَّمَا الْمُخَالف من منع من شَيْء فَأَتَاهُ لاستباحته الْمَحْظُور

فَالْجَوَاب إِن من أحل مَا حظره الشَّرْع فِي طبقَة الْمحرم لما أحله الشَّرْع إِذْ كل مِنْهُمَا قد خَالف الْمَشْرُوع وَلم يقر الْكَلِمَة على معاهدها فَإِن جَازَ أَن يَأْتِي شرع التَّوْرَاة بِتَحْرِيم مَا كَانَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَمن تقدمه على استباحته فَجَائِز أَن تَأتي شَرِيعَة اخرى بتحليل مَا كَانَ فِي التَّوْرَاة مَحْظُورًا وَأَيْضًا فَلَا تَخْلُو الْمَحْظُورَات من أَن يكون تَحْرِيمهَا مفترضا فِي كل الْأَزْمِنَة لِأَن الله تَعَالَى يكره ذَلِك الْمَحْظُور لعَينه وَإِمَّا أَن لَا يكرههُ الله لعَينه بل ينْهَى عَنهُ فِي بعض الْأَزْمِنَة فَإِن كَانَ الله تَعَالَى ينْهَى عَن عمل الصناعات فِي يَوْم السبت لعين السبت فَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا التَّحْرِيم على إِبْرَاهِيم ونوح وآدَم أَيْضا لِأَن عين السبت كَانَت مَوْجُودَة أَيْضا فِي زمانهم وَهِي عِلّة التَّحْرِيم وَإِن كَانَ ذَلِك غير محرم على إِبْرَاهِيم وَمن تقدمه فَلَيْسَ النَّهْي عَنهُ لعَينه أعنى فِي جَمِيع أَوْقَات وجود عينه وَإِذا لزمكم أَن تَحْرِيم الْأَعْمَال الصناعية فِي يَوْم السبت لَيْسَ بِمحرم فِي جَمِيع وجود أَوْقَات السبت فَلَيْسَ بممتنع أَن ينْسَخ هَذَا التَّحْرِيم فِي زمَان آخر وَإِذا ظهر قَائِم بمعجزات الرسَالَة وأعلام النُّبُوَّة فِي زمن آخر بعد فَتْرَة طَوِيلَة فَجَائِز أَن يَأْتِي بنسخ كثير من أَحْكَام الشَّرِيعَة سَوَاء حظر مباحاتها أَو أَبَاحَ محظوراتها وَكَيف يجوز أَن يحاج من جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ باعتراض فِيمَا ورد بِهِ من أَمر وَنهي سَوَاء وَافق الْعُقُول البشرية أَو باينها وَلَا سِيمَا أَن الْخُصُوم

قد طَال مَا تعبدوا بفرائض مباينة للعقول كطهارة أنجاسهم برماد الْبَقَرَة الَّتِي كَانَ الإِمَام الهاروني يحرقها قبيل أَوَان الْحَج ونجاسة طاهرهم بذلك الرماد بِعَيْنِه على أَن الَّذِي يروم تَنْزِيله منزلَة هذاأقرب كثيرا إِلَى الْعقل فَإِن الْأَفْعَال والأوامر الإلهية منزهة عَن الْوُقُوف عِنْد مُقْتَضى الْعُقُول البشرية وَإِذا كَانَت التعبدات الشَّرْعِيَّة غير عَائِدَة بنفع لله عز وَجل وَلَا دافعة عَنهُ ضَرَرا لتنزهه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَن الِانْتِفَاع والتأذي بِشَيْء فَمَا الَّذِي يحِيل أَو يمْنَع كَونه تَعَالَى يَأْمر أمة بشريعة ثمَّ ينْهَى أمة أُخْرَى عَنْهَا وَيحرم مَحْظُورًا على قوم ويحلة لأولادهم ثمَّ يحظره ثَانِيًا على من يَجِيء من بعد وَكَيف يجوز للمتعبد أَن يُعَارض الرَّسُول فِي تَحْلِيله مَا كَانَ حَرَامًا على قوم ويستدل بذلك على كذبه بعد أَن جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ وَأوجب الْعقل تَصْدِيقه وتحكيمه أَلَيْسَ هَذَا تحكما وضلالا وعدولا عَن الْحق

إفحام اليهود والنصارى بالحجة العقلية وإلزامهم الإسلام

إفحام الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِالْحجَّةِ الْعَقْلِيَّة وإلزامهم الْإِسْلَام لَا يسع عَاقِلا أَن يكذب نَبيا ذَا دَعْوَة شائعة وَكلمَة قَائِمَة وَيصدق غَيره لِأَنَّهُ لم ير أَحدهمَا وَلَا شَاهد معجزاته فَإِذا اخْتصَّ أَحدهمَا بالتصديق وَالْآخر بالتكذيب فقد تعين عَلَيْهِ الملام والإزراء عقلا ولنضرب لذَلِك مِثَالا وَهُوَ أَنا إِذا سَأَلنَا يَهُودِيّا عَن مُوسَى ليه السَّلَام وَهل رَآهُ وعاين معجزاته فَهُوَ بِالضَّرُورَةِ يقر بِأَنَّهُ لم يُشَاهد شَيْئا من ذَلِك عيَانًا فَنَقُول لَهُ بِمَاذَا عرفت نبوة مُوسَى وَصدقه فَإِن قَالَ إِن التَّوَاتُر قد حقق ذَلِك وشهادات الْأُمَم بِصِحَّتِهِ دَلِيل ثَابت فِي الْعقل كَمَا قد ثَبت عقلا وجود بِلَاد وأنهار لم نشاهدها وَإِنَّمَا تحققنا وجودهَا بتواتر الأنبار وَالْأَخْبَار قُلْنَا إِن هَذَا التَّوَاتُر مَوْجُود لمُحَمد وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام كَمَا هُوَ مَوْجُود لمُوسَى فيلزمك التَّصْدِيق بهما وَإِن قَالَ الْيَهُودِيّ إِن شَهَادَة أبي عِنْدِي بنبوة مُوسَى هِيَ سَبَب تصديقي بنبوته قُلْنَا لَهُ وَلم كَانَ أَبوك عنْدك صَادِقا فِي ذَلِك مَعْصُوما عَن الْكَذِب وَأَنت ترى الْكفَّار أَيْضا يعلمهُمْ آباؤهم مَا هُوَ كفر عنْدك

إِمَّا تعصبا من أحدهم لدينِهِ وكراهية لمباينة طائفته ومفارقة قومه وعشيرته وَإِمَّا لِأَن أَبَاهُ وأشياخه نقلوه إِلَيْهِ فتلقنه مِنْهُم مُعْتَقدًا فِيهِ الْهِدَايَة والنجاة فَإِذا كنت يَا هَذَا قد ترى جَمِيع الْمذَاهب الَّتِي تكفرها قد أَخذهَا أَرْبَابهَا عَن آبَائِهِم كأخذك مذهبك عَن أَبِيك وَكنت عَالما إِنَّمَا هم عَلَيْهِ ضلال وَجَهل فيلزمك أَن تبحث عَمَّا أَخَذته عَن أَبِيك خوفًا من أَن تكون هَذِه حَالَته فَإِن قَالَ إِن الَّذِي أَخَذته عَن أبي أصح مِمَّا أَخذه النَّاس عَن آبَائِهِم لزمَه أَن يُقيم الْبُرْهَان على نبوة مُوسَى من غير تَقْلِيد لِأَبِيهِ لِأَنَّهُ قد ادّعى صِحَة ذَلِك بِغَيْر تَقْلِيد وَإِن زعم أَن الْعلَّة فِي صِحَة مَا نَقله عَن أَبِيه أَن أَبَاهُ يرجح على آبَاء النَّاس بِالصّدقِ والمعرفة كَمَا تدعى الْيَهُود فِي حق آبائها لزمَه أَن يَأْتِي بِالدَّلِيلِ على أَن أَبَاهُ كَانَ أَعقل من سَائِر أباء النَّاس وَأفضل فَإِن هُوَ ادّعى ذَلِك كذب فِيهِ لِأَن من هَذِه صفته يجب أَن يسْتَدلّ على فضائله بآثاره وَقَول الْيَهُود بَاطِل بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُم من الْآثَار فِي الْعَالم مَا لغَيرهم مثله بل على الْحَقِيقَة لَا ذكر لَهُم بَين الْأُمَم الَّذين اسْتخْرجُوا الْعُلُوم الدقيقة ودونوها لمن يَأْتِي بعدهمْ وَجَمِيع مَا نسب إِلَيْهِم من الْعُلُوم مَعَ مَا استفادوه من عُلُوم غَيرهم لَا يضاهي بعض الْفُنُون الْحكمِيَّة الَّتِي استخرجها حكماء اليونان والعلوم الَّتِي استنبطتها النبط وَأما تصانيف الْمُسلمين فيستحيل لكثرتها أَن يقف أحد من النَّاس على جَمِيع مَا صنفوه فِي أحد الْفُنُون العلمية لسعته وكثرته وَإِن كَانَ هَذَا موقعهم من الْأُمَم فقد بَطل قَوْلهم إِن آبَائِهِم أَعقل النَّاس وأفضلهم وأحكمهم وَلَهُم أُسْوَة بِسَائِر آبَاء النَّاس المماثلين لَهُم من

وجه آخر في إثبات النسخ بأصولهم

ولد سَام بن نوح عَلَيْهِمَا السَّلَام فَإِذا أقرُّوا بتأسي آبَائِهِم بآباء غَيرهم فقد لقنوهم الْكفْر ولزمهم أَن شَهَادَة الْآبَاء لَا تجوز أَن تكون حجَّة فِي صِحَة الدّين فَلَا تبقى لَهُم حجَّة بنبوة مُوسَى إِلَّا شَهَادَة التَّوَاتُر وَهَذَا التَّوَاتُر مَوْجُود لعيسى وَمُحَمّد عَلَيْهِمَا السَّلَام كوجوده لمُوسَى وَإِذا كَانُوا قد آمنُوا بمُوسَى بِشَهَادَة التَّوَاتُر بنبوته فقد لَزِمَهُم التَّصْدِيق بنبوة الْمَسِيح والمصطفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجه آخر فِي إِثْبَات النّسخ بأصولهم نقُول لَهُم هَل أَنْتُم الْيَوْم على مِلَّة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَإِن قَالُوا نعم قُلْنَا لَهُم أَلَيْسَ فِي التَّوْرَاة أَن من مس عظما أَو وطئ فبرا أَو حضر مَيتا عِنْد مَوته فَإِن يصير من النَّجَاسَة فِي حَال لَا مخرج لَهُ مِنْهَا إِلَّا برماد الْبَقَرَة الَّتِي كَانَ الإِمَام الهاروني يحرقها فَلَا يُمكنهُم مُخَالفَة ذَلِك لِأَنَّهُ نَص مَا يتداولونه فَنَقُول لَهُم فَهَل أنتهم الْيَوْم على ذَلِك فَيَقُولُونَ لَا نقدر عَلَيْهِ فَنَقُول لَهُم فَلم جعلتم ان من لمس الْعظم والقبر وَالْمَيِّت فَهُوَ طَاهِر يصلح للصَّلَاة وَحمل الْمُصحف وَالَّذِي فِي كتابكُمْ بِخِلَافِهِ أما إِن قَالُوا لأَنا عدمنا أَسبَاب الطَّهَارَة وَهِي رماد الْبَقَرَة وَالْإِمَام المطهر المستغفر

قُلْنَا فَهَل ترَوْنَ هَذَا الْأَمر مَعَ عجزكم عَن فعله مِمَّا تستغنون فِي الطَّهَارَة عَنهُ أم لَا فَإِن قَالُوا نعم قد نستغني عَنهُ فقد أقرُّوا بالنسخ لتِلْك الْفَرِيضَة لحَال اقتضاها هَذَا الزَّمَان وَإِن قَالُوا لَا نستغني فِي الطَّهَارَة عَن ذَلِك الطّهُور فقد أقرُّوا بِأَنَّهُم الأنجاس أبدا ماداموا لَا يقدرُونَ على سَبَب الطَّهَارَة فَنَقُول لَهُم فَإِذا كُنْتُم أنجاسا على رَأْيكُمْ وأصولكم فَمَا بالكم تعتزلون الْحَائِض بعد انْقِطَاع الْحيض وارتفاعه سَبْعَة أَيَّام اعتزالا تفرطون فِيهِ إِلَى حد أَن أحدكُم لَو لمس ثَوْبه ثوب الْمَرْأَة لَا ستنجستموه مَعَ ثَوْبه فَإِن قَالُوا لِأَن ذَلِك من أَحْكَام التَّوْرَاة قُلْنَا أَلَيْسَ فِي التَّوْرَاة أَن ذَلِك يُرَاد بِهِ الطَّهَارَة فَإِن كَانَت الطَّهَارَة قد فاتتكم والنجاسة الَّتِي أَنْتُم فِيهَا على معتقدكم لَا ترْتَفع بِالْغسْلِ كنجاسة الْحيض فَهِيَ لذَلِك أَشد من نَجَاسَة الْحيض ثمَّ إِنَّكُم ترَوْنَ أَن الْحَائِض طَاهِرَة إِذا كَانَت على غير ملتكم وَلَا تستنجسون لامسها وَلَا الثَّوْب الَّذِي تلمسه وَتَخْصِيص هَذَا الْأَمر أعنى نَجَاسَة الْحيض بطائفتكم مِمَّا لَيْسَ فِي التَّوْرَاة فَهَذَا كُله مِنْكُم نسخ أَو تَبْدِيل فَإِن قَالُوا إِن هَذَا وَإِن كَانَ النَّص غير نَاطِق بِهِ فقد جَاءَ فِي الْفِقْه

قُلْنَا لَهُم فَمَا تَقولُونَ فِي فقهائكم هَل الَّذِي اخْتلفُوا فِيهِ من مسَائِل الْخلاف والمذاهب على كثرتها لديكم كَانَت ثَمَرَة اجْتِهَاد واستدلال أَو مَنْقُولًا بِعَيْنِه فهم يَقُولُونَ إِن جَمِيع مَا فِي كتب فقهنا نَقله الْفُقَهَاء عَن الْأَحْبَار عَن الثِّقَات من السّلف عَن يهوشع بن نون عَن مُوسَى الكليم عَلَيْهِمَا السَّلَام عَن الله تَعَالَى فيلزمكم فِي هَذَا أَن الْمَسْأَلَة الْوَاحِدَة الَّتِي اخْتلف فِيهَا اثْنَان من فقهائكم يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا ينْقل مذْهبه فِيهَا نقلا مُسْندًا إِلَى الله عز وَجل وَفِي ذَلِك من الشناعة اللَّازِمَة لَهُم أَن يجْعَلُوا الله قد أَمر فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة بِشَيْء وَخِلَافَة وَهُوَ النّسخ الَّذِي يدفعونه بِعَيْنِه فَإِن قَالُوا إِن هَذَا الْخلاف غير مُسْتَعْمل لِأَن الْأَوَّلين كَانُوا بعد اخْتلَافهمْ فِي الْمَذْهَب فِي الْمَسْأَلَة يرجعُونَ بهَا إِلَى اصل وَاحِد هُوَ الْمَقْطُوع بِهِ قُلْنَا إِن رجوعهم بعد الِاخْتِلَاف إِلَى الِاتِّفَاق على مَذْهَب وَاحِد إِمَّا لِأَن أحدهم رَجَعَ عَمَّا نقل أَو طعن فِي نَقله فَيلْزمهُ السُّقُوط عَن الْعَدَالَة

إلزامهم النسخ بوجه آخر

وَلَا يجوز لكم أَن تعاودوا الِالْتِفَات إِلَى نَقله وَإِمَّا أَن يكون الْفُقَهَاء اجْتَمعُوا على نسخ أحد المذهبين أَو تكون رِوَايَة أَحدهمَا ناسخة لرِوَايَة الآخر وَمَا من الْفُقَهَاء إِلَّا من ألفى مذْهبه فِي مسَائِل كَثِيرَة وَهَذَا جُنُون مِمَّن لَا يقر بالنسخ وَلَا يرى كَلَام أَصْحَاب الْخلاف اجْتِهَادًا ونظرا بل نفلا مَحْضا إلزامهم النّسخ بِوَجْه آخر نقُول لَهُم مَا تَقولُونَ فِي صلواتكم وأصوامكم فَهَل هِيَ الَّتِي فارقكم عَلَيْهَا مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن قَالُوا نعم قُلْنَا فَهَل كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَأمته يَقُولُونَ فِي صلواتهم كَمَا تَقولُونَ نقاع شوفار كادول تحيرو تيئنو وسانيس لقنو حينوا وقبعنو بِأحد مسَاء

رباع كنفوت هاأرض إِن نوى قد شَيخا باروخ تَفْسِيره اللَّهُمَّ اضْرِب ببوق عَظِيم لعتقنا واقبضنا جَمِيعًا من أقطار الأَرْض إِلَى قدسك سُبْحَانَكَ يَا جَامع تشتيت قومه إِسْرَائِيل

أم هَل كَانُوا يَقُولُونَ على عهد مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا تَقولُونَ فِي كل يَوْم هاشيب شو فطينوا كبار يشؤنا ويوعصينوا كبتحلا وانبى إث يروشالام عين قد سخا بحيدنوا وناحمينوا بنياناه باروخ انا أذوناى بؤي برشالايم تَفْسِيره أردد حكامنا كالأولين ومشيرينا كالابتداء وَابْن يروشليم قَرْيَة قدسك فِي أيامنا وعزنا ببنائها سُبْحَانَكَ ياباني يروشليم أم هَذِه فُصُول شاهدة بأنكم لفقتموها بعد زَوَال الدولة وَأما صَوْم إحراق بَيت الْمُقَدّس وَصَوْم حصاره وَصَوْم كدليا الَّتِي جعلتموها فرضا هَل كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يصومها أَو أَمر بهَا هُوَ أَو خَلِيفَته يُوشَع بن نون أَو صَوْم صلب هامان هَل هَذِه الْأُمُور مفترضة فِي التَّوْرَاة أَو زيدت لأسباب اقْتَضَت زيادتها فِي هَذِه الْأَعْصَار

إثبات النسخ على وجه آخر

فَإِن قَالُوا فَكيف يلْزمنَا النّسخ بِهَذَا الْأَمر قُلْنَا لِأَن التَّوْرَاة نطقت بِهَذِهِ الْآيَة لوثوا سيفو على هذابار اشيرا نوخي فعوى اثحنيم وَلَو نغير عوممينو تَفْسِيره لَا تَزِيدُوا على الْأَمر الَّذِي أَنا موصيكم بِهِ شَيْئا وَلَا تنقصوا مِنْهُ شَيْئا وَإِذا زدتم أَشْيَاء من الْفَرَائِض فقد نسحتم تِلْكَ الْآيَة إِثْبَات النّسخ على وَجه آخر نقُول لَهُم أَلَيْسَ عنْدكُمْ أَن الله اخْتَار من بني إِسْرَائِيل الْأَبْكَار ليكونوا خَواص فِي الْخدمَة للأقداس فَيَقُولُونَ بلَى فَنَقُول لَهُم أَلَيْسَ عنْدكُمْ أَيْضا أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لما نزل من الْجَبَل وببده الألواح وَوجد الْقَوْم عاكفين على الْعجل وقف بِطرف المعسكر ونادى

من كَانَ لله فليحضرني فانضم إِلَيْهِ بَنو ليوى وَلم يَنْضَم إِلَيْهِ البكور على أَن مناداته وَإِن كَانَ لَفظهَا يَقْتَضِي الْعُمُوم لم يكن أَشَارَ بهَا إِلَّا إِلَى البكور إِذْ هم خَاصَّة الله يَوْمئِذٍ دون أَوْلَاد ليوى فَلَمَّا خذله البكور وَنَصره أَوْلَاد ليوى قَالَ الله لمُوسَى

إلزامهم نبوة المسيح صلى الله عليه وسلم

وإإقاح إث هلوييم تاحث كل بخور ببني يسراييل تَفْسِيره وَقد أخذت الليوانيين عوضا عَن كل بكر فِي بني إِسْرَائِيل وَفِي عقيب نزُول هَذِه الْآيَة أَلَيْسَ أَن الله عزل الْأَبْكَار عَن ولَايَة الِاخْتِصَاص وَأخذ أَوْلَاد ليوى عوضا عَنْهُم فهم لَا يقدرُونَ على إِنْكَار ذَلِك وَهَذَا يلْزمهُم مِنْهُ القَوْل بالبداء أَو النّسخ إلزامهم نبوة الْمَسِيح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نقُول لَهُم أَلَيْسَ فِي التَّوْرَاة الَّتِي فِي أَيْدِيكُم لَو ياسور شبيط ميهودا ومحط قيومبين رغلاف تَفْسِيره لَا يَزُول الْملك من آل يهوذا والراسم بَين ظهرانيهم إِلَى إِن يَأْتِي الْمَسِيح وَلَا يقدرُونَ على جَحده فَنَقُول لَهُم أفما علمْتُم أَنكُمْ كنت أَصْحَاب دولة وَملك إِلَى ظُهُور الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ انْقَضى ملككم فَإِن لم يكن لكم الْيَوْم ملك فقد لزمكم من التَّوْرَاة أَن الْمَسِيح قد أرسل

إلزامهم نبوته ونبوة المصطفى عليهما السلام

وَأَيْضًا فَإنَّا نقُول لَهُم أَلَيْسَ مُنْذُ بعث الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام استولت مُلُوك الرّوم على الْيَهُود وَبَيت الْمُقَدّس وَانْقَضَت دولتهم وتفرق شملهم فَلَا يقدرُونَ على جحد ذَلِك إل بالبهتان ويلزمهم على أصلهم الَّذِي فِي التَّوْرَاة أَن عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ الْمَسِيح الَّذِي كَانُوا ينتظرونه إلزامهم نبوته ونبوة الْمُصْطَفى عَلَيْهِمَا السَّلَام نقُول لَهُم مَا تَقولُونَ فِي عِيسَى بن مَرْيَم فَيَقُولُونَ ولد يُوسُف النجار سِفَاحًا كَانَ قد عرف اسْم الله الْأَعْظَم يسخر بِهِ كثيرا من الْأَشْيَاء فَنَقُول لَهُم أَلَيْسَ عنْدكُمْ فِي أصح نقلكم أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قد أطلعه الله

على الإسم الْمركب من اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين حرفا وَبِه شقّ الْبَحْر وَعمل المعجزات فَلَا يقدرُونَ على إِنْكَار ذَلِك فَنَقُول لَهُم فَإِذا كَانَ مُوسَى أَيْضا قد عمل المعجزات بأسماء الله فَلم صَدقْتُمْ بنبوته وكذبتم بنبوة عِيسَى فَيَقُولُونَ لِأَن الله تَعَالَى علم مُوسَى الْأَسْمَاء وَعِيسَى لم يتعلمها من الْوَحْي وَلكنه تعلمهَا من حيطان بَيت الْمُقَدّس فَنَقُول لَهُم فَإِذا كَانَ الْأَمر الَّذِي يتَوَصَّل بِهِ الى عمل المعجزات قد يصل إِلَيْهِ من لَا يختصه الله بِهِ وَلَا يُرِيد تَعْلِيمه إِيَّاه فَبِأَي شىء جَازَ تَصْدِيق مُوسَى

فَيَقُولُونَ لِأَنَّهُ أَخذهَا عَن ربه فَنَقُول وَبِأَيِّ شَيْء عَرَفْتُمْ أَنه أَخذهَا عَن ربه فَيَقُولُونَ بِمَا تَوَاتر من أَخْبَار أسلافنا وَأَيْضًا فَإنَّا نلجئهم إِلَى نقل أسلافهم بِأَن نقُول لَهُم بِمَاذَا عَرَفْتُمْ نبوة مُوسَى فَإِن قَالُوا بِمَا عمله من المعجزات قُلْنَا لَهُم وَهل فِيكُم من رأى هَذِه المعجزات لَيْسَ هَذَا لعمري طَرِيقا إِلَى تَصْدِيق النبوات لِأَن هَذَا كَانَ يلْزم مِنْهُ أَن تكون معجزات الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام بَاقِيَة من بعدهمْ ليراها كل جيل فيؤمنوا بهَا وَلَيْسَ ذَلِك بِوَاجِب لِأَنَّهُ إِذا اشْتهر النَّبِي فِي عصر وَصحت نبوته فِي ذَلِك الْعَصْر بالمعجزات الَّتِي ظَهرت مِنْهُ لأهل عصره وَوصل خَبره إِلَى أهل

عصر آخر وَجب عَلَيْهِم تَصْدِيق نبوته واتباعه لِأَن المتواترات والمشهورات مِمَّا يجب قبُولهَا فِي الْعقل ومُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمّد صلوَات الله عَلَيْهِم وَسَلَامه فِي هَذَا الْأَمر متساوون وَلَعَلَّ تَوَاتر الشَّهَادَات بنبوة مُوسَى أَضْعَف من تَوَاتر الشَّهَادَات بنبوة عِيسَى وَمُحَمّد لِأَن شَهَادَة الْمُسلمين وَالنَّصَارَى بنبوة مُوسَى لَيست إِلَّا بِسَبَب أَن كِتَابَيْهِمَا شَهدا لَهُ بذلك فتصديقهم بنبوة مُوسَى فرع عَن تصديقهم بِكِتَابِهِمْ وَأما معْجزَة الْقُرْآن فَإِنَّهَا 4 ب وَإِن كَانَت بَاقِيَة فَتلك فَضِيلَة زَائِدَة لَا يحْتَاج إِلَى كَونهَا سَبَب الْإِيمَان فَأَما من أعْطى ذوق الفصاحة فَإِن إيمَانه بإعجاز الْقُرْآن إِيمَان من شَاهد المعجزة لَا من اعْتمد على الْخَبَر إِلَّا أَن هَذِه دَرَجَة لم يرسخ بهَا كل وَاحِد

فَإِن قَالُوا إِن نَبينَا يشْهد لَهُ جَمِيع الْأُمَم فالتواتر بِهِ أقوى فَكيف تَقولُونَ إِنَّه أَضْعَف قُلْنَا أَو كَانَ إِجْمَاع شَهَادَات الْأُمَم صَحِيحا لديكم فَإِن قَالُوا نعم قُلْنَا فَإِن الْأُمَم الَّذين قبلتم شَهَادَتهم مجمعون على تكفيركم وتضليلكم فيلزمكم ذَلِك لِأَن شهادتكم عنْدكُمْ مَقْبُولَة فَإِن قَالُوا لَا نقبل شَهَادَة أحد لم يبْق لَهُم تَوَاتر إِلَّا من طائفتهم وَهِي أقل الطوائف عددا فَيصير تواترهم وشرعهم لذَلِك أَضْعَف الشَّرَائِع ويلزمهم مِمَّا تقدم أَن كل من أظهر معجزات شهد بهَا التَّوَاتُر مُصدق فِي مقَالَته ويلزمهم من ذَلِك التَّصْدِيق بنبوة الْمَسِيح والمصطفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

فصل فيما يحكونه عن عيسى عليه السلام

فصل فِيمَا يحكونه عَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام هم يَزْعمُونَ أَنه كَانَ من الْعلمَاء لَا من الْأَنْبِيَاء وَأَنه كَانَ يطبب المرضى بالأدوية ويوهمهم أَن الإنتفاع إِنَّمَا حصل لَهُم بدعائه وَأَنه أَبْرَأ جمَاعَة من المرضى من أسقامهم فِي يَوْم السبت فأنكرت عَلَيْهِ الْيَهُود ذَلِك

فَقَالَ لَهُم أخبروني عَن الشاه من الْغنم إِذا وَقع فِي الْبِئْر يَوْم السبت أما تَنْزِلُونَ إِلَيْهِ وتحلون السبت لتخليصه قَالُوا بلَى قَالَ فَلم أحللتم السبت لتخليص الْغنم وَلَا تحلونه لتخليص الْإِنْسَان الَّذِي هُوَ أكبر حُرْمَة من الْغنم فأفحمهم وَلم يُؤمنُوا وَأَيْضًا فَإِنَّهُم يحكون عَنهُ أَنه كَانَ مَعَ قوم من تلاميذه فِي جبل وَلم يحضرهم الطَّعَام فَأذن لَهُم فِي تنَاول الْحَشِيش فِي يَوْم السبت فأنكرت عَلَيْهِ الْيَهُود قطع الْحَشِيش فِي يَوْم السبت فَقَالَ لَهُم أَرَأَيْتُم لَو أَن أحدكُم لَو كَانَ وحيدا مَعَ قوم على غير مِلَّته وأمروه بِقطع النَّبَات فِي يَوْم السبت وإلقائه لدوابهم لَا يقصدون بذلك كسر السبت ألستم تجيزون لَهُ قطع النَّبَات

قَالُوا بلَى قَالَ فَإِن هَؤُلَاءِ الْقَوْم أَمرتهم بِقطع النَّبَات ليأكلوه وليغتذوا بِهِ لَا لِلطَّعْنِ فِي أَمر السبت كل ذَلِك ملاطفة مِنْهُ لعقولهم الَّتِي لَا ينطبع فِيهَا النّسخ وَلَئِن كَانَ مَا يحكونه من ذَلِك صَحِيحا فَلَعَلَّهُ كَانَ فِي ابْتِدَاء ظُهُور أَمر الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام

ذكر الآيات والعلامات التي في التوراة الدالة على نبوة سيدنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم

ذكر الْآيَات والعلامات الَّتِي فِي التَّوْرَاة الدَّالَّة على نبوة سيدنَا مُحَمَّد الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّهُم لَا يقدرُونَ على أَن يجحدوا هَذِه الْآيَة من الْجُزْء الثَّانِي من السّفر الْخَامِس من التوراه نابي أقيم لاهيم مقارب اجئهيم كاموخا ايلا ويشماعون تَفْسِيره نَبيا أقيم لَهُم من وسط أخوتهم مثلك بِهِ فليؤمنوا وَإِنَّمَا أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنهم يُؤمنُونَ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن قَالُوا إِنَّه قَالَ من وسط إِخْوَتهم وَلَيْسَ فِي عَادَة كتَابنَا أَن يَعْنِي بقوله إخوتكم إِلَّا بني إِسْرَائِيل

قُلْنَا بلَى فقد جَاءَ فِي التَّوْرَاة إخوتكم بَنو الْعيص وَذَلِكَ فِي الْجُزْء الأول من السّفر الْخَامِس قَوْله أتيم عوبريم بِقبُول احيحم بنى عِيسَى وهيو شئيم بسيعير وَتَفْسِيره أَنْتُم عابرون فِي تخم إخوتكم بني الْعيص المقيمين فِي سعير إيَّاكُمْ أَن تطمعوا فِي شَيْء من أَرضهم فَإِذا كَانَ بَنو الْعيص إخْوَة لبني إِسْرَائِيل لِأَن الْعيص وَإِسْرَائِيل ولدا إِسْحَاق فَكَذَلِك بَنو إِسْمَاعِيل إخْوَة لجَمِيع ولد إِبْرَهِيمُ وَأَن قَالُوا إِن هَذَا القَوْل إِنَّمَا أُشير بِهِ الى شموائيل النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّهُ قَالَ من وسط إِخْوَتهم مثلك وشموائيل كَانَ مثل مُوسَى لِأَنَّهُ من أَوْلَاد ليوى يعنون من السبط الَّذِي كَانَ مِنْهُ مُوسَى قُلْنَا لَهُم فَإِن كُنْتُم صَادِقين فَأَي حَاجَة بكم إِلَى أَن يُوصِيكُم بِالْإِيمَان بشموائيل وَأَنْتُم تَقولُونَ إِن شموائيل لم يَأْتِ بِزِيَادَة وَلَا بنسخ أأشفق من أَن لَا تقبلوه

إِنَّه إِنَّمَا أرسل ليقوى أَيْدِيكُم على أهل فلسطين وليردكم إِلَى شرع التَّوْرَاة وَمن هَذِه صفته فَأنْتم أسبق النَّاس إِلَى الْإِيمَان بِهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يخَاف تكذيبكم لمن ينْسَخ مذهبكم ويغير أوضاع ديانتكم فَالْوَصِيَّة بالايمان بِهِ مِمَّا لَا يَسْتَغْنِي مثلكُمْ عَنهُ وَلذَلِك لم يكن لمُوسَى حَاجَة أَن يُوصِيكُم بِالْإِيمَان بنبوة أرميا وأشعيا وَغَيرهمَا من الْأَنْبِيَاء

وَهَذَا دَلِيل على أَن التَّوْرَاة أَمرتهم فِي هَذَا الْفَصْل بِالْإِيمَان بالمصطفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واتباعه

الإشارة إلى اسمه في التوراة

الْإِشَارَة إِلَى اسْمه فِي التَّوْرَاة قَالَ الله تَعَالَى فِي الْجُزْء الثَّالِث من السّفر الأول من التَّوْرَاة مُخَاطبا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَأما فِي إِسْمَاعِيل فقد قبلت دعاءك هَا أَنا قد باركت فِيهِ وأثمره وَأَكْثَره جدا جدا ذَلِك قَوْله وليشماعيل شمعيتخا هني يبرختي أونوا وهفريثي أوثو وهز بيثي أوثو بمادماد فَهَذِهِ الْكَلِمَة بمادماد إِذا عددنا حِسَاب حروفها بالجمل كَانَ

اثْنَيْنِ وَتِسْعين وَذَلِكَ عدد حِسَاب حُرُوف اسْم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ أَيْضا اثْنَان وَتسْعُونَ وَإِنَّمَا جعل ذَلِك فِي هَذَا الْمَوْضُوع ملغزا لِأَنَّهُ لَو صرح بِهِ لبدلته الْيَهُود أَو أسقطته من التَّوْرَاة كَمَا عمِلُوا فِي غير ذَلِك فَإِن قَالُوا إِنَّه قد يُوجد فِي التَّوْرَاة عدد كَلِمَات مِمَّا يكون عدد حِسَاب حُرُوفه مُسَاوِيا لعدد حِسَاب حُرُوف اسْم زيد وَعَمْرو وخَالِد وَبكر فَلَا يلْزم من ذَلِك أَن يكون زيد وَعَمْرو وخَالِد وَبكر أَنْبيَاء فَالْجَوَاب إِن الْأَمر كَمَا يَقُولُونَ لَو كَانَ لهَذِهِ الْآيَة أُسْوَة بغَيْرهَا من كَلِمَات التَّوْرَاة لَكنا نَحن نُقِيم الْبَرَاهِين والأدلة على أَنه لَا أُسْوَة لهَذِهِ الْكَلِمَة بغَيْرهَا من سَائِر التَّوْرَاة وَذَلِكَ أَنه لَيْسَ فِي التَّوْرَاة من الْآيَات مَا حَاز بِهِ إِسْمَاعِيل الشّرف كهذه الْآيَة لِأَنَّهَا وعد من الله إِبْرَاهِيم بِمَا يكون من شرف إِسْمَاعِيل وَلَيْسَ فِي التَّوْرَاة آيَة أُخْرَى مُشْتَمِلَة على شرف لقبيلة زيد وَعَمْرو وخَالِد وَبكر

ثمَّ إِنَّا نبين أَنه لَيْسَ فِي هَذِه الْآيَة كلمة تساوى بمادماد الَّتِي مَعْنَاهَا جدا جدا وَذَلِكَ أَنَّهَا كلمة الْمُبَالغَة من الله سُبْحَانَهُ فَلَا أُسْوَة لَهَا بِشَيْء من كَلِمَات الْآيَة الْمَذْكُورَة وَإِذا كَانَت هَذِه الْآيَة أعظم الْآيَات مُبَالغَة فِي حق إِسْمَاعِيل وأولادة وَكَانَت تِلْكَ الْكَلِمَة أعظم مُبَالغَة من بَاقِي كَلِمَات تِلْكَ الْآيَة فَلَا عجب أَن تَتَضَمَّن الْإِشَارَة إِلَى أجل أَوْلَاد إِسْمَاعِيل شرفا وأعظمهم قدرا صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَصَحبه وَسلم وَإِذ قد بَينا أَنه لَيْسَ لهَذِهِ الْكَلِمَة أُسْوَة بغَيْرهَا من كَلِمَات هَذِه الْآيَة وَلَا لهَذِهِ الْآيَة أُسْوَة بغَيْرهَا من آيَات التَّوْرَاة فقد بَطل اعتراضهم

ذكر المواضع الذي أشير فيه إلى نبوة الكليم والمسيح والمصطفى صلى الله عليه وسلم عليهم السلام

ذكر الْمَوَاضِع الَّذِي أُشير فِيهِ إِلَى نبوة الكليم والمسيح والمصطفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم السَّلَام وآماد أذوناى مسيناى إشكلي ودبهور يقايه مسيعير اثحزى لانا استخى بغبورتيه تمل طوراد فإران وعميه ربواث قديسين تَفْسِيره قَالَ إِن الله تَعَالَى من سيناء تجلى وأشرق نوره من سيعير وأطلع من جبال فاران وَمَعَهُ ربوات القديسي وهم يعلمُونَ أَن جبل سيعير هُوَ جبل الشراة الَّذِي فِيهِ بَنو الْعيص الَّذين آمنُوا بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام بل فِي هَذَا الْجَبَل كَانَ مقَام الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام ويعلمون أَن سيناء هُوَ جبل الطّور لكِنهمْ لَا يعلمُونَ أَن جبل فاران هُوَ جبل مَكَّة وَفِي الْإِشَارَة إِلَى هَذِه الْأَمَاكِن الثَّلَاثَة الَّتِي كَانَت مقَام نبوة هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاء مَا يَقْتَضِي للعقلاء أَن يبحثوا عَن تَأْوِيله الْمُؤَدى إِلَى الْأَمر بِاتِّبَاع مقالتهم

فَأَما الدَّلِيل الْوَاضِح من التَّوْرَاة على أَن جبل فاران هُوَ جبل مَكَّة فَهُوَ أَن إِسْمَاعِيل لما فَارق أَبَاهُ الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام سكن إِسْمَاعِيل فِي بَريَّة فاران ونطقت التَّوْرَاة بذلك فِي قَوْله وييسب بمذبار فاران وتقاح لَو إمو إشامياء يزمن مصرايم تَفْسِيره وَأقَام فِي بَريَّة فاران وأنكحته أمه امْرَأَة من أَرض مصر فقد ثَبت فِي التَّوْرَاة أَن جبل فاران مسكن لآل إِسْمَاعِيل وَإِذا كَانَت التَّوْرَاة قد أشارت فِي الْآيَة الَّتِي تقدم ذكرهَا إِلَى نبوة تنزل على جبل فاران لزم أَن تِلْكَ النُّبُوَّة على آل إِسْمَاعِيل لأَنهم سكان فاران وَقد علم النَّاس قاطبة أَن الْمشَار إِلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ من ولد إِسْمَاعِيل

مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه بعث من مَكَّة الَّتِي كَانَ فِيهَا مقَام إِسْمَاعِيل فَدلَّ ذَلِك على أَن جبال فاران هِيَ جبال مَكَّة وَأَن التَّوْرَاة أشارت فِي هَذَا الْموضع إِلَى نبوة الْمُصْطَفى صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ وبشرت بِهِ إِلَّا أَن الْيَهُود لجهلهم وضلالهم لَا يحسنون الْجمع بَين هَاتين الْآيَتَيْنِ بل يسلمُونَ المقدمتين ويجحدون النتيجة لفرط جهلهم وَقد شهِدت عَلَيْهِم التَّوْرَاة بالإفلاس من الفطنة والرأي ذَلِك قَوْله تَعَالَى كي بمو أَو باذ عيصوث هيما وَأَيْنَ باهيم تبونا تَفْسِيره إِنَّهُم لشعب عادم الرَّأْي وَلَيْسَ فيهم فطانة

فصل في إبطال ما يدعونه من محبة الله إياهم

فصل فِي إبِْطَال مَا يَدعُونَهُ من محبَّة الله إيَّاهُم هم يَزْعمُونَ أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُحِبهُمْ دون جَمِيع النَّاس وَيُحب طائفتهم وسلالتهم وَأَن الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ لَا يختارهم الله إِلَّا مِنْهُم وَنحن نناظرهم على ذَلِك فَنَقُول لَهُم مَا قَوْلكُم فِي أَيُّوب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أتقرون بنبوته فَيَقُولُونَ نعم

فَنَقُول لَهُم هَل هُوَ من بني إِسْرَائِيل فَيَقُولُونَ لَا فَنَقُول لَهُم مَا تَقولُونَ فِي جُمْهُور بني إِسْرَائِيل أعنى التِّسْعَة أَسْبَاط وَالنّصف الَّذين أغواهم يربعام بن نباط الَّذِي خرج على ولد سُلَيْمَان بن دَاوُود عَلَيْهِمَا السَّلَام وصنع لَهُم الكبشين من الذَّهَب وَعَكَفَ على عبادتهما جمَاعَة بني إِسْرَائِيل وَأهل جَمِيع ولَايَة دَار ملكهم الملقبة يَوْمئِذٍ بشومرون إِلَى أَن

جرت الْحَرْب بَينهم وَبَين السبطين وَالنّصف الَّذين كَانُوا مُؤمنين مَعَ ولد سُلَيْمَان فِي بَيت الْقُدس وَقتل فِي معركة وَاحِدَة خَمْسمِائَة ألف إِنْسَان فَمَا تَقولُونَ فِي أُولَئِكَ الْقَتْلَى بأسرهم وَفِي التِّسْعَة أَسْبَاط وَالنّصف هَل كَانَ الله يُحِبهُمْ لأَنهم إسرائيليون فَيَقُولُونَ لأَنهم لأَنهم كفار فَنَقُول لَهُم أَلَيْسَ عنْدكُمْ فِي التَّوْرَاة انه لَا فرق بَين الدخيل فِي دينكُمْ وَبَين الصَّرِيح النّسَب فَيَقُولُونَ بلَى لِأَن التَّوْرَاة ناطقة بِهَذَا ككيركا إِن رَاح كاخيم بيمى نفنى أذوناى تَفْسِيره إِن الْأَجْنَبِيّ والصريح النّسَب مِنْكُم سَوَاء عِنْد الله تورا أحاث ومسقاط إيحاذ بيمى لأخيم وَيكبر هكار يثوخخيم تَفْسِيره شَرِيعَة وَاحِدَة وَحكم وَاحِد يكن لكم والغريب السَّاكِن فِيمَا بَيْنكُم فَإِذا اضطررناهم إِلَى الْإِقْرَار بِأَن الله لَا يحب الضَّالّين مِنْهُم وَيُحب الْمُؤمنِينَ من غير طائفتهم ويتخذ أَنْبيَاء وأولياء من غير سلالتهم فقد نفوا مَا ادعوهُ من اخْتِصَاص محبَّة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بطائفتهم من بَين المخلوقين

فصل في ذكر طرف من كفرهم وتبديلهم

فصل فِي ذكر طرف من كفرهم وتبديلهم إِن من سَبِيل ذوى التَّحْصِيل أَن يتجنبوا الرذائل وينفروا مِمَّا قبح فِي الْعُقُول السليمة وَرجح 6 ب تزييفه عِنْد الأفهام المستقيمة ولهذه الطَّائِفَة من فنون الضلال والاختلال مَا تنأى عَن مثله الْعُقُول وَيُخَالِفهُ الْمَعْقُول والمشروع فَمن ذَلِك أَنهم مَعَ ذهَاب دولتهم وتفرق شملهم وعلمهم بِالْغَضَبِ الْمَمْدُود عَلَيْهِم يَقُولُونَ فِي كل يَوْم فِي صلواتهم أَنهم أَبنَاء الله وأحباؤه ذَلِك قَوْلهم كل يَوْم فِي الصَّلَوَات آهبان عولام أهبتانو أذوناى ألو هينوا تَفْسِيره محبَّة الدَّهْر أحببتنا يَا إلهنا هسيبينو أبينوا لثور أثيخا تَفْسِيره أرددنا يَا أَبَانَا إِلَى شريعتك أبينو ملكينو ألوهينو

تَفْسِيره يَا أَبَانَا يَا ملكنا يَا إلهنا أَتَا أذوناى أبنيو كوالينو تَفْسِيره أَنْت اللَّهُمَّ أَبونَا ومنقذنا وأيث كل روذ فِي باتيخا وأويتى عد انيخا كولام كسامويام إِيجَاد ميهيم لونوثار تَفْسِيره وَجَمِيع الَّذين اقتفوا أثر نبيك وأعداء جماعتك كلهم غطاهم الْبَحْر وَاحِد مِنْهُم لم يبْق ويمثلون أنفسهم بعنا قيد الْعِنَب وَسَائِر الْأُمَم بالشوك الْمُحِيط بأعالي حيطان الْكَرم وَهَذَا من قلَّة عُقُولهمْ وَفَسَاد نظرهم لِأَن المعتني بمصالح الْكَرم إِنَّمَا يَجْعَل على أعالى حيطانه الشوك حفظا وحياطة للكرم ولسنا نرى للْيَهُود من بَقِيَّة الْأُمَم إِلَّا الضَّرَر والذل وَالصغَار وَذَلِكَ مُبْطل لقَولهم وينتظرون قَائِما يَأْتِيهم من آل دَاوُد النَّبِي إِذا حرك شَفَتَيْه بِالدُّعَاءِ مَاتَ جَمِيع الْأُمَم وَلَا يبْقى إِلَّا الْيَهُود وَأَن هَذَا المنتظر بزعمهم هُوَ الْمَسِيح الَّذِي وعدوا بِهِ

وَقد كَانَ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام ضربوا لَهُم أَمْثَالًا أشاروا بهَا إِلَى جلالة دين الْمَسِيح وخضوع الجبارين لأهل مِلَّته وإتيانه بالنسخ الْعَظِيم فَمن ذَلِك قَول يشعيا فِي نبوءته

عَم كيس يحدا ويرتصو سنيهيم وفارا وأذوب ترعينا وأرياكيا قار يوخل تيين تَفْسِيره إِن الذِّئْب والكبش يرعيان جَمِيعًا ويربضان مَعًا وَإِن الْبَقَرَة والدب يرعيان جَمِيعًا وَإِن الْأسد يَأْكُل التِّبْن كالبقرة فَلم يفهموا من تِلْكَ الْأَمْثَال إِلَّا صورها الحسية دون مَعَانِيهَا الْعَقْلِيَّة فتولو عَن الْإِيمَان بالمسيح عِنْد مبعثه وَأَقَامُوا ينتظرون الْأسد حَتَّى يَأْكُل التِّبْن وَتَصِح لَهُم حِينَئِذٍ عَلامَة الْمَسِيح ويعتقدون أَيْضا أَن هَذَا المنتظر مَتى جَاءَهُم يجمعهُمْ بأسرهم إِلَى الْقُدس وَتصير لَهُم الدولة ويخلو الْعَالم من سواهُم ويحجم الْمَوْت عَن جنابهم الْمدَّة الطَّوِيلَة وسبيلهم أَن لَا يعدلُوا عَن تتبع الْأسود فِي غاباتهم وَطرح التِّبْن بَين أيديها ليعلموا وَقت أكلهَا إِيَّاه وَأَيْضًا فَإِنَّهُم فِي الْعشْر الأول من كل سنة يَقُولُونَ فِي صلواتهم الهوينوا أَو الوهى أدنواتينوا لملوخ عل يوشبى تيبيل أرضيخا وتوماركول اسير نسئاما بأفوا ذوناى ألوها يسرائيل مالاخ وملخو ثوبوبكول ماسالا تَفْسِيره يَا إلهنا وإله أبائنا املك على جَمِيع أهل الأَرْض ليقول كل ذِي نسمَة

الله إِلَه إِسْرَائِيل قد ملك ومملكته فِي الْكل متسلطه وَيَقُولُونَ فِي هَذِه الصَّلَاة أَيْضا وسيكون لله الْملك وَفِي ذَلِك الْيَوْم يكون الله وَاحِدًا ويعنون بذلك أَنه لَا يظْهر أَن الْملك لله إِلَّا إِذا صَارَت الدولة إِلَى الْيَهُود الَّذين هم أمته وصفوته فَأَما مادامت الدولة لغير الْيَهُود فَإِن الله خامل الذّكر عَن الْأُمَم وَأَنه مطعون فِي ملكه مَشْكُوك فِي قدرته

فَهَذَا معنى قَوْلهم اللَّهُمَّ املك على جَمِيع أهل الأَرْض وَمعنى قَوْلهم وسيكون الْملك لله وَمِمَّا ينخرط فِي هَذَا السلك قَوْلهم لاما يومى وهليوبين أَنا ناألوهيم تَفْسِيره لم تَقول الْأُمَم أَيْن إلآههم وَقَوْلهمْ عورا لاما ببشان أذوناى هاقيضائتا نيخا

وَتَفْسِيره انتبه لم تنام يارب اسْتَيْقَظَ من رقدتك وَهَؤُلَاء إِنَّمَا نطقوا بِهَذِهِ الهذايانات والكفريات من شدَّة الضجر من الذل والعبودية وَالصغَار وانتظار فرج لَا يزْدَاد مِنْهُم إِلَّا بعدا فأوقعهم ذَلِك فِي الطيش والضجر وأخرجهم إِلَى نوع من التزندق والهذيان الذى لَا تستحسنه إِلَّا عُقُولهمْ الرَّكِيكَة فتجرأوا على الله بِهَذِهِ المناجاه القبيحة كَأَنَّهُمْ ينخون الله بذلك لينتخى لَهُم ويحمي لنَفسِهِ لأَنهم إِذا ناجوا رَبهم بذلك فكأنهم يخبرونه بِأَنَّهُ قد اخْتَار الخمول لنَفسِهِ وينخونه للنباهة واشتهار الصيت فترى أحدهم إِذا تَلا هَذِه الْكَلِمَات فِي الصَّلَاة يقشعر جلده وَلَا بشك فِي أَن كَلَامه يَقع عِنْد الله بموقع عَظِيم وَأَنه يُؤثر فِي ربه ويحركه بذلك ويهزه وينخيه وَهَؤُلَاء على حَقِيقَة يَنْبَغِي أَن يرحم جهلهم وَضعف عُقُولهمْ وَأَيْضًا فَإِن عِنْدهم فِي توراتهم أَن مُوسَى صعد الْجَبَل مَعَ مشائخ أمته فَأَبْصرُوا الله جهرة وَتَحْت رجلَيْهِ كرْسِي منظره كمنظر البلور ذَلِك قَوْله ويراو إيث الوهى يسرائيل وتاحث رغلا وكراي لبناث هسفير وخعيصم مشامايم لَا ظوهر

ويزعمون أَن اللَّوْحَيْنِ مكتوبان بأصبع الله فِي قَوْلهم بأصباع ألوهيم وَيطول الْكتاب اذا عددنا مَا عِنْدهم من كفريات التجسيم على أَن أَحْبَارهم قد تهذبوا كثيرا عَن مُعْتَقد آبَائِهِم بِمَا استفادوه من تَوْحِيد الْمُسلمين وأعربوا عَن تَفْسِير مَا عِنْدهم بِمَا يدْفع عَنْهُم إِنْكَار الْمُسلمين عَلَيْهِم مِمَّا لَا تَقْتَضِيه الْأَلْفَاظ الَّتِي فسروها ونقلوها وصاروا مَتى سئلوا عَمَّا عِنْدهم من هَذِه الفضائح استتروا بالجحد والبهتان خوفًا من فظيع مَا يلْزمهُم من الشناعة

وَمن ذَلِك أَنهم ينسبون إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى النَّدَم على مَا يفعل فَمن ذَلِك قَوْلهم فِي التوراه الَّتِي بِأَيْدِيهِم ويتناحم أذوناى كى عاشا إث هاأدم باإرض ويتعصب إِن لبون تَفْسِيره وَنَدم الله على خلق الْبشر فِي الأَرْض وشق عَلَيْهِ وَقد أفرط المترجم فِي تعصبه وتحريفه للألفاظ عَن مُوجب اللُّغَة وَفسّر ويناحم أذوناي وثاب أدوناي بميمره يَعْنِي وَعَاد الله فِي رَأْيه وَهَذَا التَّأْوِيل وَإِن كَانَ غير مُوَافق للغة فَهُوَ أَيْضا كفر بل مُنَاقض لما يدفعونه من البداء والنسخ وَأما الدَّلِيل إِلَى أَن تَفْسِير ويتعصيب أل لبو وشق عَلَيْهِ فَهُوَ مَا جَاءَ فِي مُخَاطبَة حَوَّاء عَلَيْهَا السَّلَام سعيصب تليدي بانيم تَفْسِيره وبمشقة تلدين الْأَوْلَاد فقد تبين أَن أل عصيب فِي اللِّسَان العبراني هُوَ الْمَشَقَّة وَهَذِه الْآيَة عِنْدهم فِي قصَّة قوم نوح زَعَمُوا أَن الله تَعَالَى لما رأى فَسَاد قوم نوح وَأَن شرهم وكفرهم قد عظما نَدم على خلق الْبشر وشق عَلَيْهِ

وَلَا يعلمُونَ البله أَن من يَقُول بِهَذِهِ الْمقَالة لزمَه أَن الله قبل أَن يخلق الْبشر لم يكن عَالما بِمَا سَيكون من قوم نوح وَغير ذَلِك من النَّقْص تَعَالَى الله عَمَّا يكفرون وَعِنْدهم أَيْضا أَن الله تَعَالَى قَالَ لشموائيل النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام نيحا مَتى كى هملاخي إِن شاو الميلخ على يسراييل تَفْسِيره نَدِمت إِذْ وليتك شاؤول ملكا على بني إسرائيلوفي مَوضِع آخر من سفر شموائيل واذوناى نيحام كى هميليخ إنى شااول على يسراييل تَفْسِيره وَالله نَدم على تَمْلِيكه شاؤول على إِسْرَائِيل وَأَيْضًا فَإِن عِنْدهم أَن نوحًا النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لما خرج من السَّفِينَة بَدَأَ بِبِنَاء مذبح لله تَعَالَى وَقرب عَلَيْهِ قرابين وَيَتْلُو ذَلِك ويارح أذوناي اث دييح هنيجو وح ولومر أذوناي ال لبو لواسيف عوذ لقَلِيل إث اه إِذا ماعا عبورها إِذا م كى ييصير ليب هاأو رَاع منعور اَوْ وَلَو أَو سيف مود لهلكوث إث كل حاي كَا اثير عاسيثي

ذكر السبب في تبديل التوراة

تَفْسِيره فاستنشق الله رَائِحَة القتار فَقَالَ الله تَعَالَى فِي ذَاته لن أعاود لعنة الأَرْض بِسَبَب النَّاس لِأَن خاطر الْبشر مطبوع على الرداءة وَلنْ أعاود إهلاك جَمِيع الْحَيَوَان كَمَا صنعت ولسنا نرى أَن هَذِه الكفريات كَانَت فِي التَّوْرَاة الْمنزلَة على مُوسَى صلوَات الله عَلَيْهِ وَلَا نقُول أَيْضا إِن الْيَهُود قصدُوا تغييرها وأفسادها بل الْحق أولى مَا اتبع وَنحن نذْكر الْآن حَقِيقَة سَبَب تَبْدِيل التَّوْرَاة ذكر السَّبَب فِي تَبْدِيل التَّوْرَاة علماؤهم وَأَحْبَارهمْ يعلمُونَ أَن هَذِه التَّوْرَاة الَّتِي بِأَيْدِيهِم لَا يعْتَقد أحد من عُلَمَائهمْ وَأَحْبَارهمْ أَنَّهَا الْمنزلَة على مُوسَى الْبَتَّةَ لِأَن مُوسَى

صان التَّوْرَاة عَن بني إِسْرَائِيل وَلم يبثها فيهم وَإِنَّمَا سلمهَا إِلَى عشيرته أَوْلَاد ليوى وَدَلِيل ذَلِك قَول التَّوْرَاة ويختوب موشى إث هتورا هزوت وبيتناه ال هكوا هنيم بنى ليوى تَفْسِيره وَكتب مُوسَى هَذِه التَّوْرَاة وَدفعهَا إِلَى الْأَئِمَّة بني ليوى وَكَانَ بَنو هَارُون قُضَاة الْيَهُود وحكامهم لِأَن الْإِمَامَة وخدمة القرابين وَبَيت الْمُقَدّس كَانَت مَوْقُوفَة عَلَيْهِم وَلم يبْذل مُوسَى من التَّوْرَاة لبنى إِسْرَائِيل إِلَّا نصف سُورَة يُقَال لَهَا هاأزينو فَإِن هَذِه السُّورَة من التَّوْرَاة هِيَ الَّتِي علمهَا مُوسَى بنى إِسْرَائِيل ذَلِك قَوْله ويختوب مُوسَى إنى هئسيرا هزوث ويلمذاه لبنى يسراييل تَفْسِيره وَكتب مُوسَى هَذِه السُّورَة وَعلمهَا بنى إِسْرَائِيل وَأَيْضًا فَإِن الله قَالَ لمُوسَى عَن هَذِه السُّورَة وهايت إِلَى هشيرا هزوث لعيد ببنى يسراييل وَتَفْسِيره وَتَكون لي هَذِه السُّورَة شَاهدا على بنى إِسْرَائِيل وَأَيْضًا فَإِن الله قَالَ لمُوسَى عَن هَذِه السُّورَة

كى لوتشا خَاخ مفى زرعون تَفْسِيره لِأَن هَذِه السُّورَة لَا تنسى من أَفْوَاه أَوْلَادهم يعْنى أَن هَذِه السُّورَة مُشْتَمِلَة على ذمّ طباعهم وَأَنَّهُمْ سيخالفون شرائع التَّوْرَاة وَأَن السخط يَأْتِيهم بعد ذَلِك وتخرب دِيَارهمْ ويشتتون فِي الْبِلَاد قَالَ فَهَذِهِ السُّورَة تكون متداولة فِي أَفْوَاههم كالشاهد عَلَيْهِم الْمُوَافق لَهُم على صِحَة مَا قيل لَهُم فَهَذِهِ السُّورَة لما قَالَ الله تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا لَا تنسى من أَفْوَاه أَوْلَادهم دلّ ذَلِك على أَن الله تَعَالَى علم أَن غَيرهَا من السُّور تنسى وَأَيْضًا فَإِن هَذَا دَلِيل على أَن مُوسَى لم يُعْط بنى إِسْرَائِيل من التَّوْرَاة إِلَّا هَذِه السُّورَة فَأَما بَقِيَّة التَّوْرَاة فَدَفعهَا إِلَى أَوْلَاد هَارُون وَجعلهَا فيهم وصانها عَن سواهُم وَهَؤُلَاء الْأَئِمَّة الهارونيون الَّذين كَانُوا يعْرفُونَ التَّوْرَاة ويحفظون أَكْثَرهَا قَتلهمْ بخت نصر على دم وَاحِد يَوْم فتح بَيت الْمُقَدّس

وَلم يكن حفظ التَّوْرَاة فرضا وَلَا سنة بل كَانَ كل وَاحِد من الهارونيين يحفظ فصلا من التَّوْرَاة فَلَمَّا رأى عزرا أَن الْقَوْم قد أحرق هيكلهم وزالت دولتهم وتفرق جمعهم وَرفع كِتَابهمْ جمع من محفوظاته وَمن الْفُصُول الَّتِي يحفظها الكهنة مَا لفق مِنْهُ هَذِه التَّوْرَاة الَّتِي بِأَيْدِيهِم الْآن

وَلذَلِك بالغوا فِي تَعْظِيم عزرا هَذَا غَايَة الْمُبَالغَة وَزَعَمُوا أَن النُّور إِلَى الْآن يظْهر على قَبره الَّذِي عِنْد بطائح الْعرَاق لِأَنَّهُ عمل لَهُم كتابا يحفظ دينهم فَهَذِهِ التَّوْرَاة الَّتِي بِأَيْدِيهِم على الْحَقِيقَة كتاب عزرا وَلَيْسَ كتاب الله

وَهَذَا يدل على انه أعنى الَّذِي جمع هَذِه الْفُصُول الَّتِي بِأَيْدِيهِم رجل فارغ جَاهِل بِالصِّفَاتِ الإلهية فَلذَلِك نسب إِلَى الله تَعَالَى صِفَات التجسم والندامة على ماضى من أَفعاله والإقلاع عَن مثلهَا وَغير ذَلِك مِمَّا تقدم ذكره وَأَيْضًا فمما يسْتَدلّ بِهِ على بطلَان تأويلاتهم وإفراطهم فِي التعصب وَتَشْديد الإصر مَا ذَكرُوهُ فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة ريست بكورى إِذْ ماشخا تخا تابى ببث أذوناى ألوهيخا لَو تبشيل كدى باحليب أمو تَفْسِيره بكور ثمار أَرْضك تحمل إِلَى بَيت الله رَبك لَا تنضج الجدي بِلَبن أمه

وَالْمرَاد من ذَلِك أَنهم أمروا عقيب افتراض الْحَج عَلَيْهِم أَن يستصحبوا مَعَهم إِذا حجُّوا إِلَى الْقُدس أبكار أغنامهم وأبكار مستغلات أَرضهم لأَنهم قد كَانَ فرض عَلَيْهِم قبل ذَلِك أَن تبقى سخولة الْبَقَرَة وَالْغنم وَرَاء أمهاتها سَبْعَة أَيَّام وَمن الْيَوْم الثَّامِن فَصَاعِدا تصلح أَن تكون قربانا لله تَعَالَى فَأَشَارَ فِي هَذِه الْآيَة فِي قَوْله لَا تنضج الجدي بِلَبن أمه إِلَى أَنهم لَا يبالغوا فِي إطالة مكث بكور أَوْلَاد الْغنم وَالْبَقر وَرَاء أمهاتهن بل يستصحبوا أبكارهن اللَّاتِي قد عبرن سَبْعَة أَيَّام من ميلادهن مَعَهم إِذا حجُّوا إِلَى بَيت الْمُقَدّس ليتخذوا مِنْهَا القرابين فَتوهم المشائخ البلة المترجمون لهَذِهِ الْآيَة والمفسرون لمعانيها أَن المشرع يُرِيد بالإنضاج هُنَا إنضاج الطبيخ فِي الْقدر وهبهم صَادِقين فِي هَذَا التَّفْسِير فَلَا يلْزم من تَحْرِيم الطَّبْخ تَحْرِيم الْأكل إِذْ لَو أَرَادَ المشرع الْأكل لما مَنعه مَانع من التَّصْرِيح بذلك وَمَا كفاهم هَذَا الْغَلَط فِي تَفْسِير هَذِه اللَّفْظَة حَتَّى حرمُوا أكل سَائل اللحمان بالبن وَهَذَا مُضَاف إِلَى مَا يسْتَدلّ بِهِ على جهل الْمُفَسّرين والنقلة وكذبهم على الله تَعَالَى وَتَشْديد الإصر على طائفتهم

فَأَما الدَّلِيل على تَفْسِير تبشيل الإنضاج الَّذِي هُوَ الْبلُوغ فَهُوَ قَول رَئِيس السقاة ليوسف الصّديق وهما فِي السجْن إِذْ شرح لَهُ رُؤْيَاهُ فَقَالَ فِي جملَة كَلَامه ويكيفن شلوشا ساريفيم وَهِي حفوراحث عالثا نصاه هبشيلو سكلوثيها غنابين تَفْسِيره وَفِي الكرمة ثَلَاثَة عناقيد وَهِي كَأَنَّهَا قد أثمرت وَصعد نوارها ونضجت عَنَّا قيدها عنبا فقد تبين أَن الإنضاج الَّذِي يعبر عَنهُ بَال هبشيلو إِنَّمَا هُوَ الْبلُوغ وَلَا يَنْبَغِي للعاقل أَن يستبعد اصْطِلَاح كَافَّة هَذِه الطَّائِفَة على الْمحَال واتفاقهم على فنون من الْكفْر والضلال فَإِن الدولة إِذا انقرضت عَن أمة باستيلاء غَيرهَا عَلَيْهَا وَأَخذهَا بلادها انطمست حقائق سالف أَخْبَارهَا واندرس قديم آثارها وَتعذر الْوُقُوف عَلَيْهَا لِأَن الدولة إِنَّمَا يكون زَوَالهَا عَن أمة بتتابع الغارات والمصادمات وإخراب الْبِلَاد وإحراق بَعْضهَا فَلَا تزَال هَذِه الْفُنُون متتابعة عَلَيْهَا إِلَى أَن تستحيل علومها جهلا وَكلما كَانَت الْأمة أقدم وَاخْتلفت عَلَيْهَا الدول المناولة لَهَا بالإذلال والإيذاء كَانَ حظها من اندراس الْآثَار أَكثر

وَهَذِه الطَّائِفَة بِلَا شكّ أعظم الطوائف حظا مِمَّا ذَكرْنَاهُ لِأَنَّهَا من أقدم الْأُمَم عهدا ولكثرة الْأُمَم الَّتِي استولت عَلَيْهَا من الكنعانيين والبابليين وَالْفرس واليونان وَالنَّصَارَى وَالْإِسْلَام وَمَا من هَذِه الْأُمَم إِلَّا من قصدهم أَشد الْقَصْد وَطلب استئصالهم وَبَالغ فِي إحراق بِلَادهمْ وإخرابها وإحراق كتبهمْ إِلَّا الْمُسلمين فَإِن الْإِسْلَام صَادف الْيَهُود تَحت ذمَّة الْفرس وَلم يبْق لَهُم مَدَنِيَّة وَلَا جَيش إِلَّا الْعَرَب المتهودة بِخَيْبَر فأشد على الْيَهُود من جَمِيع هَذِه الممالك مَا نالهم من مُلُوكهمْ العصاة مثل أحاب وأحزيا وأمصيا ويهورام ويربعام بن نباط وَغَيرهم من الْمُلُوك الإسرائيليين الَّذين قتلوا الْأَنْبِيَاء وبالغوا فِي تطلبهم ليقتلوهم وعبدوا الْأَصْنَام وأحضروا من الْبِلَاد سدنة للأصنام لتعظيمها وَتَعْلِيم رسوم عبادتها وابتنوا لَهَا البيع الْعَظِيمَة والهياكل وَعَكَفَ على عبادتها الْمُلُوك ومعظم بنى إِسْرَائِيل وَتركُوا أَحْكَام التَّوْرَاة وَالشَّرْع مُدَّة طَوِيلَة وأعصارا مُتَّصِلَة

فَإِذا كَانَ هَذَا تَوَاتر الْآفَات على شرعهم من قبل مُلُوكهمْ وَمِنْهُم على أنفسهم فَمَا ظَنك بالآفات المتفتنة الَّتِي تَوَاتَرَتْ عَلَيْهِم من اسْتِيلَاء الْأُمَم فِيمَا بعد عَلَيْهِم وَقتل أئمتهم وإحراق كتبهمْ ومنعهم إيَّاهُم عَن الْقيام بشرائعهم فَإِن الْفرس كثيرا مَا منعوهم عَن الختانة وَكَثِيرًا مَا منعوهم عَن الصَّلَاة لمعرفتهم أَن مُعظم صلوَات هَذِه الطَّائِفَة دُعَاء على الْأُمَم بالبوار وعَلى الْعَالم بالخراب سوى بِلَادهمْ الَّتِي هِيَ أَرض كنعان فَلَمَّا رَأَتْ الْيَهُود الْجد من الْفرس فِي مَنعهم عَن الصَّلَاة اخترعوا أدعية مزجوا بهَا فصولا من صلَاتهم وسموها الخزانة وصاغوا لَهَا ألحانا عديدة وصاروا يَجْتَمعُونَ أَوْقَات صلواتهم على تلحينها وتلاوتها وَالْفرق بَين هَذِه الخزانة وَبَين الصَّلَاة أَن الصَّلَاة بِغَيْر لحن وَأَن الْمصلى يَتْلُو الصَّلَاة وَحده وَلَا يجْهر مَعَه غَيره وَأما الْخزَّان فيشاركه جمَاعَة فِي الْجَهْر بالخزانة ويعاونونه فِي الألحان فَكَانَت الْفرس إِذا أنْكرت ذَلِك مِنْهُم زعمت الْيَهُود أَنهم يغنون أَحْيَانًا وينوحون أَحْيَانًا على أنفسهم فتركوهم وَذَلِكَ وَمن الْعجب أَن دولة الْإِسْلَام لما جَاءَت مقرة للذمة على أديانها وَصَارَت الصَّلَاة مُبَاحَة لَهُم صَارَت الخزانة عِنْد الْيَهُود من السّنَن المستحبة فِي الأعياد والمواسم والأفراح يجعلونها عوضا عَن الصَّلَاة ويستغنون بهَا عَنْهَا من غير ضَرُورَة تبعثهم على ذَلِك

فصل فيما يعتقدونه في دين الإسلام

فصل فِيمَا يعتقدونه فِي دين الْإِسْلَام هم يَزْعمُونَ أَن الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَشرف وَعظم وكرم كَانَ قد رأى أحلاما تدل على كَونه صَاحب دولة وَأَنه سَافر إِلَى الشَّام فِي تِجَارَة لِخَدِيجَة رضوَان الله عَلَيْهَا وَاجْتمعَ بأحبار الْيَهُود وقص عَلَيْهِم أحلامه فَعَلمُوا أَنه صَاحب دولة فأصحبوه عبد الله بن سَلام فَقَرَأَ عَلَيْهِ عُلُوم التَّوْرَاة وفقهها مُدَّة زَعَمُوا وأفرطوا فِي دَعوَاهُم إِلَى أَن نسبوا الفصاحة المعجزة الَّتِي فِي الْقُرْآن إِلَى تأليف عبد الله بن سَلام وانه قرر فِي شرح النِّكَاح أَن الزَّوْجَة لَا تستحل بعد الطَّلَاق الثَّالِث إِلَّا بِنِكَاح آخر ليجعل بزعمهم أَوْلَاد الْمُسلمين ممزريم وَهَذِه كلمة جمع واحده ممزير وَهُوَ اسْم لولد الزِّنَا لِأَن فِي شرعهم أَن الزَّوْج إِذا رَاجع زَوجته بعد أَن نكحت غَيره كَانَ أولادهما معدودين من أَوْلَاد الزِّنَا

فَلَمَّا كَانَ النّسخ مِمَّا لَا ينطبع فهمه فِي عُقُولهمْ ذَهَبُوا إِلَى أَن هَذَا الحكم فِي النِّكَاح من مَوْضُوعَات عبد الله بن سَلام قصد بِهِ أَن يَجْعَل أَوْلَاد الْمُسلمين ممزريم بزعمهم ثمَّ أَكثر الْعجب مِنْهُم أَنهم جعلُوا دَاوُد النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام ممزير من وَجْهَيْن وَجعلُوا منتظرهم ممزير من وَجْهَيْن وَذَلِكَ أَنهم لَا يَشكونَ فِي أَن دَاوُد بن بشاى بن عَابِد وَأَبُو هَذَا عَابِد يُقَال لَهُ بوعز من سبط يهوذا وَأمه يُقَال لَهَا رَوْث الموابية من بني مؤاب ومؤاب هَذَا مَنْسُوب عِنْدهم فِي نَص التَّوْرَاة فِي هَذِه الْقِصَّة وَهِي أَنه لما أهلك الله تَعَالَى أمة لوط لفسادها وَنَجَا بابنتيه فَقَط خالتا ابنتاه أَن الأَرْض قد خلت مِمَّن تستبقيان مِنْهُ نَسْلًا فَقَالَت الْكُبْرَى للصغرى إِن أَبَانَا لشيخ وإنسان لم يبْق فِي الأَرْض ليَأْتِينَا كسبيل الْبشر فهمى نسقى أَبَانَا خمرًا ونضاجعه لنستبقى من أَبينَا نَسْلًا فَفَعَلَتَا ذَلِك بزعمهم لعنهم الله وَجعلُوا ذَلِك النَّبِي قد شرب الْخمر حَتَّى سكر وَلم يعرف ابْنَتَيْهِ ثمَّ وطئهما فأحبلهما وَهُوَ لَا يعرفهما فَولدت إِحْدَاهمَا ولدا سمته مؤاب تعنى أَنه من الْأَب وَالثَّانيَِة سمت وَلَدهَا بن عمى تعنى أَنه من قبيلتها وَذَلِكَ الْوَالِدَان عِنْد الْيَهُود ممزريم ضَرُورَة لِأَنَّهُمَا من الْأَب وابنتيه فَإِن أَنْكَرُوا ذَلِك لِأَن التَّوْرَاة لم تكن نزلت لَزِمَهُم ذَلِك لِأَن عِنْدهم

أَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام لما خَافَ فِي ذَلِك الْعَصْر من أَن يقْتله المصريون بِسَبَب زَوجته أخْفى نِكَاحهَا وَقَالَ هِيَ أُخْتِي علما مِنْهُ بِأَنَّهُ إِذْ قَالَ ذَلِك لم يبْق للظنون إِلَيْهِمَا سَبِيل وَهَذَا دَلِيل على أَن حظر نِكَاح الْأُخْت كَانَ فِي ذَلِك الزَّمَان مَشْرُوعا فَمَا ظَنك بِنِكَاح الْبِنْت الَّذِي لم يجز وَلَا فِي زمن آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذِه الْحِكَايَة منسوبة إِلَى لوط النَّبِي فِي التَّوْرَاة الْمَوْجُودَة بأيدى الْيَهُود فَلَنْ يقدروا على جَحدهَا فيلزمهم من ذَلِك أَن الْوَلَدَيْنِ المنسوبين إِلَى لوط ممزريم إِذْ توليدهما على خلاف الْمَشْرُوع

وَإِذا كَانَت رَوْث من ولد مؤاب وَهِي جدة دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَجدّة مسيحهم المنتظر فقد جعلوهما جَمِيعًا من نسل الأَصْل الَّذِي يطعنون فِيهِ وَأَيْضًا فَمن أفحش الْمحَال أَن يكون شيخ كَبِير قد قَارب الْمِائَة سنة قد سقى الْخمر حَتَّى سكر سكرا حَال بَينه وَبَين معرفَة ابْنَتَيْهِ فضاجعته إِحْدَاهمَا واستنزلت منيه وَقَالَت عَنهُ وَهُوَ لَا يشْعر قَاتلهم الله أَنى يؤفكون نطق كِتَابهمْ فِي قَوْله وَلَو ياذاع بشخبا وبقوماه

تَفْسِيره وَلم يشْعر باضطجاعها وقيامها وَهَذَا حَدِيث من لَا يعرف كَيْفيَّة الْحَبل لِأَنَّهُ من الْمحَال أَن تهلق الْمَرْأَة من شيخ طَاعن فِي السن قد غَابَ حسه لفرط سكره وَمِمَّا يُؤَكد اسْتِحَالَة ذَلِك أَنهم زَعَمُوا أَن ابْنَته الصُّغْرَى فعلت كَذَلِك بِهِ فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة فعلقت أَيْضا وَهَذَا مُمْتَنع من المشائخ الْكِبَار أَن يعلق من أحدهم فِي لَيْلَة ويلعق مِنْهُ أَيْضا فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة إِلَّا أَن الْعَدَاوَة الَّتِي مازالت بَين بني عمون مؤاب وَبَين بني إِسْرَائِيل بعثت وَاضع هَذَا الْفَصْل على تلفيق هَذَا الْمحَال ليَكُون أعظم الْأَخْبَار فحشا فِي حق بني عمون ومؤاب وَأَيْضًا فَأن عِنْدهم أَن مُوسَى جعل الْإِمَامَة فِي الهارونيين فَلَمَّا ولى طالوت وثقلت وطأته على الهارونيين وَقتل مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة ثمَّ انْتقل الْأَمر إِلَى دَاوُد بقى فِي نفوس الهارونيين التشوق إِلَى الْأَمر الَّذِي زَالَ عَنْهُم وَكَانَ عزرا هَذَا خَادِمًا لملك الْفرس حظيا لَدَيْهِ فتوصل إِلَى بِنَاء بَيت

الْمُقَدّس وَعمل لَهُم هَذِه التَّوْرَاة الَّتِي بِأَيْدِيهِم فَلَمَّا كَانَ هارونيا كره أَن يتَوَلَّى عَلَيْهِم فِي الدولة الثَّانِيَة داودى فأضاف فِي التَّوْرَاة فصلين طاعنين فِي نسب دَاوُد أَحدهمَا قصَّة بَنَات لوط وَالْآخر قصَّة ثامار وَسَيَأْتِي ذكرهَا وَلَقَد بلغ لعمري غَرَضه فَإِن الدولة الثَّانِيَة الَّتِي كَانَت لَهُم فِي بَيت الْمُقَدّس لم يملك عَلَيْهِم فِيهَا داوديون بل كَانَت مُلُوكهمْ هارونيين وعزرا هَذَا لَيْسَ هُوَ العزير كَمَا يظنّ لِأَن العزير هُوَ تعريب العازار فَأَما عزرا فَإِنَّهُ إِذا عرب لم يتَغَيَّر عَن حَاله لِأَنَّهُ اسْم خَفِيف الحركات والحروف وَلِأَن عزرا عِنْدهم لَيْسَ بِنَبِي وَإِنَّمَا يسمونه عزرا هوفير وَتَفْسِيره النَّاسِخ وَأَيْضًا فَإِن عِنْدهم فِي التَّوْرَاة قصَّة أعجب من هَذِه وَهِي أَن

يهوذا بن يَعْقُوب عَلَيْهِمَا السَّلَام زوج وَلَده الْأَكْبَر من امْرَأَة يُقَال لَهَا ثامار وَكَانَ يَأْتِيهَا مستدبرا فَغَضب الله من فعله فأماته فَزَوجهَا من وَلَده الآخر فَكَانَ إِذا دخل بهَا أمنى على الأَرْض علما مِنْهُ بِأَنَّهُ إِن أولدها كَانَ

أول الْأَوْلَاد مدعوا باسم أَخِيه ومنسوبا إِلَى أَخِيه فكره الله ذَلِك من فعله فأماته أَيْضا فَأمرهَا يهوذا باللحاق بِأَهْلِهَا إِلَى أَن يكبر شيلا وَلَده وَيتم عقله حذرا من أَن يُصِيبهُ مَا أصَاب أَخَوَيْهِ فأقامت فِي بَيت أَبِيهَا فَمَاتَتْ من بعد زَوْجَة يهوذا وأصعد إِلَى منزل يُقَال لَهُ ثمناث ليجز غنمه فَلَمَّا أخْبرت ثامار بإصعاد حميها إِلَى ثمناث لبست زِيّ الزوانى وَجَلَست فِي مستشرف على طَرِيقه لعلمها بشيمه فَلَمَّا مر بهَا خالها زَانِيَة فَرَاوَدَهَا فطالبته بِالْأُجْرَةِ فوعدها بجدي وَرهن عِنْدهَا عصاة وخاتمه وَدخل بهَا فعلقت مِنْهُ بفارص وزارح وَمن نسل فارص هَذَا كَانَ بوعز المتزوج بروث الَّتِي من نسل مؤاب وَمن وَلَدهَا كَانَ دَاوُد النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَأَيْضًا فَفِي هَذِه الْحِكَايَة دقيقة ملزمة بالنسخ وَهِي أَن يهوذا لما أخبر بِأَن كمنته قد علقت من الزِّنَا أفتى بإحراقها فَبعثت إِلَيْهِ بِخَاتمِهِ وَعَصَاهُ وَقَالَت من رب هذَيْن أَنا حَامِل فَقَالَ صدقت مني ذَلِك وَاعْتذر بِأَنَّهُ لم يعرفهَا وَلم يعاودها وَهَذَا يدل على أَن شَرِيعَة ذَلِك الزَّمَان كَانَت مقتضية إحراق الزوانى

وَأَن التَّوْرَاة أَتَت بنسخ ذَلِك وأوجبت الرَّجْم عَلَيْهِنَّ وفيهَا أَيْضا من نسبتهم الزناء وَالْكفْر إِلَى بَيت النُّبُوَّة مَا يُقَارب مَا نسبوه إِلَى لوط النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذَا كُله عِنْدهم فِي نَص كِتَابهمْ وهم يجْعَلُونَ هَذَا نسبا لداود وَسليمَان ولمسيحهم المنتظر ثمَّ يرَوْنَ الْمُسلمين أَحَق بِهَذَا اللقب من منتظرهم وكذبهم فِي هَذَا القَوْل من أظهر الْأُمُور وأبينها فإمَّا دفعهم لإعجاز الْقُرْآن للفصحاء فلست أعجب مِنْهُ إِذا كَانُوا لَا يعْرفُونَ من الْعَرَبيَّة مَا يفرقون بِهِ بَين الفصاحة والعي مَعَ طول مكثهم فِيمَا بَين الْمُسلمين وَأَيْضًا فَمن اعتراضهم على الْمُسلمين أَنهم يَقُولُونَ كَيفَ يجوز أَن ينْسب إِلَى الله تَعَالَى كتاب ينْقض بعضه بَعْضًا يُرِيدُونَ بذلك ينْسَخ بعضه بَعْضًا فَنَقُول لَهُم أما تَحْسِين جَوَاز ذَلِك فقد ذَكرْنَاهُ فِي أول هَذِه الْكَلِمَة وَأما تعجبكم مِنْهُ وتشنيعكم بِهِ فَإِن كتابكُمْ غير خَال من مثله فَإِن أَنْكَرُوا ذَلِك قُلْنَا لَهُم

ماتقولون فِي السبت أَيهمَا أقدم افتراضها عَلَيْكُم أَو افتراض الصَّوْم الْأَكْبَر فَيَقُولُونَ السبت أقدم لأَنهم إِن قَالُوا الصَّوْم أقدم كذبناهم بِأَن السبت فرضت عَلَيْهِم فِي أول إعطائهم الْمَنّ وَالصَّوْم الْأَكْبَر فرض عَلَيْهِم بعد نزُول اللَّوْحَيْنِ ومخالفتهم وعبادتهم الْعجل وَلما رفع عَنْهُم عِقَاب ذنبهم ذَلِك فِي هَذَا الْيَوْم فرض عَلَيْهِم صَوْمه وتعظيمه فَإِذا أقرُّوا بِتَقْدِيم السبت قُلْنَا لَهُم مَا تَقولُونَ فِي يَوْم السبت هَل فرضت فِيهِ عَلَيْكُم الرَّاحَة والدعة وَتَحْرِيم المشقات أم لَا

فَيَقُولُونَ بلَى فَنَقُول لَهُم فَلم فرضتم فِيهِ الصَّوْم إِذا اتّفق صومكم الْأَكْبَر يَوْم السبت مَعَ كَون صومكم فرض بعد فَرِيضَة السبت وَلكم فِي ذَلِك الصَّوْم أَنْوَاع من الْمَشَقَّة مِنْهَا الْقيام جَمِيع النَّهَار أَلَيْسَ هَذَا أَيْضا قد نسخ فَرِيضَة السبت وَأما سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعظم وكرم فَلهُ فِيمَا بَينهم اسمان فَقَط فَعَلَيْهِم لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ أَحدهمَا فاسول وَتَفْسِيره السَّاقِط وَالثَّانِي موشكاع وتأويله الْمَجْنُون وَأما الْقُرْآن الْعَظِيم فأنهم يسمونه فِيمَا بَينهم قالون وَهُوَ اسْم للسوءة بلسانهم يعنون بذلك أَنه عَورَة الْمُسلمين وَبِذَلِك وَأَمْثَاله صَارُوا أَشد عَدَاوَة للَّذين آمنُوا فَكيف لَا يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون

فصل معرب عن بعض فضائحهم

فصل مُعرب عَن بعض فضائحهم وَمن الفضائح الَّتِي عِنْدهم مَذْهَبهم فِي قصَّة الْيَتَامَى والحالوص وَذَلِكَ أَنهم أمروا أَنه إِذا أَقَامَ أَخَوان فِي مَوضِع وَاحِد وَمَات أَحدهمَا وَلم يعقب ولدا فَلَا تخرج امْرَأَة الْمَيِّت إِلَى رجل أَجْنَبِي بل ولد حميها ينْكِحهَا وَأول ولد يولدها ينْسب إِلَى أَخِيه الدارج فَإِن أَبى أَن ينْكِحهَا خرجت مشتكية مِنْهُ إِلَى مشيخة قَومهَا قائلة قد أبي ابْن حميى أَن يستبقى إسما لِأَخِيهِ فِي إِسْرَائِيل وَلم يرد نِكَاحي فيحضره الْحَاكِم هُنَاكَ ويكلفه أَن يقف وَيَقُول لوجافا صتى لفختاه تَفْسِيره مَا أردْت نِكَاحهَا فتتناول الْمَرْأَة نَعله فتخرجها عَن رجله وتمسكها بِيَدِهَا وتبصق فِي وَجهه وتنادى عَلَيْهِ كاخا يعاسى لَا اه يش اشير لَو بينى إث بيث أحيو تَفْسِيره كَذَا فليصغ بِالرجلِ الَّذِي لَا يَبْنِي بَيت أَخِيه ويدعى فِيمَا بعد اسْمه بالمخلوع النَّعْل وينبز بَيته بِهَذَا اللقب أعنى بَيت المخلوع النَّعْل هَذَا كُله مفترض فِي التَّوْرَاة عَلَيْهِم

وَفِي حِكْمَة ملجئة للرجل إِلَى نِكَاح زَوْجَة أَخِيه الدارج لِأَنَّهُ إِذا علم أَنه قد فرض على الْمَرْأَة أَن تَشْتَكِي إِلَى نَادِي قَومهَا فَذَلِك مِمَّا يحملهُ على نِكَاحهَا فَإِن لم يردعه الْحيَاء من ذَلِك فَرُبمَا إِذا حضر استحيا أَن يَقُول مَا أردْت نِكَاحهَا فَإِن لم يخجله ذَلِك فَرُبمَا يستحي من انتهاك الْعرض بخلع نَعله وَكَون الْمَرْأَة تشيل نَعله وتبصق فِي وَجهه وتنادي عَلَيْهِ بقلة الْبركَة والمروءة فَإِن هُوَ استهان بذلك فَرُبمَا استعظم أَن ينبز باللقب وَيبقى عَلَيْهِ وعَلى آله من بعده عاره وقبح اسْمه فيلجئه ذَلِك إِلَى نِكَاحهَا فَإِن كَانَ من الزّهْد فِيهَا بِحَيْثُ يهون عَلَيْهِ جَمِيع ذَلِك فقد فرق الشَّرْع بَينهمَا بعد ذَلِك وَلَيْسَ فِي التَّوْرَاة غير هَذَا ففرع فقهاؤهم على ذَلِك مَا فِيهِ خزيهم وفضيحتهم وَذَلِكَ أَنه إِذا زهدت الْمَرْأَة فِي نِكَاح أخى زَوجهَا الْمُتَوفَّى أكرهوه على النُّزُول عَنْهَا ثمَّ ألزموها الْحُضُور عِنْد الْحَاكِم بِمحضر من مشيختهم الحاخاميم ولقنوها أَن تَقول مباين بيامن لَهَا قيم لَا جو شيم بيسرايل لوا ابا يبمى تَفْسِيره أَبى ابْن حميي أَن يُقيم لِأَخِيهِ اسْما فِي إِسْرَائِيل وَلم يرد نِكَاحي فيلزمونها الْكَذِب عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَرَادَ فمنعته فَكَانَ الإمتناع مِنْهَا والإرادة مِنْهُ وَإِذا لقنوها تِلْكَ الْأَلْفَاظ فهم يأمرونها بِالْكَذِبِ ويحضرونه ويأمرونه بإن يقوم وَيَقُول

لوحا فاصيتي لفحتا تَفْسِيره مَا أردْت نِكَاحهَا وَلَعَلَّ ذَلِك سؤله ومناه فيأمرونه بِأَن يكذب وَأما إخراقها بِهِ وبصقها فِي وَجهه فغاية التَّعَدِّي لِأَنَّهُ مَا كفاهم بِأَن يكذبوا عَلَيْهِ وألزموه بِأَن يكذب حَتَّى ألزموه عقَابا على ذَنْب لم يجنه فصاروا كَمَا قَالَ الشَّاعِر (وجرم جَرّه سُفَهَاء قوم ... فَحل بِغَيْر جانيه الْعقَاب)

ذكر السبب في تشديدهم الإصر على أنفسهم

ذكر السَّبَب فِي تشديدهم الإصر على أنفسهم تشديدهم الإصر على أنفسهم لَهُ سببان أَحدهمَا من جَانب فقهائهم وهم الَّذين يدعونَ الحاخاميم وَتَفْسِير هَذِه اللَّفْظَة الْحُكَمَاء وَكَانَ الْيَهُود فِي قديم الزَّمَان تسمى فقهاءها بالحكماء وَكَانَت لَهُم فِي الشآم والمدائن مدارس وَكَانَ لَهُم أُلُوف من الْفُقَهَاء وَذَلِكَ فِي زمَان دولة النبط البابليين وَالْفرس ودولة اليونان ودولة الرّوم حَتَّى اجْتمع الكتابان اللَّذَان اجْتمع فقهاؤهم على تأليفهما وهما المشنا والتلمود فاما المشنا فَهُوَ الْكتاب الْأَصْغَر وَحَجمه نَحْو ثَمَانمِائَة ورقة وَأما التلمود فَهُوَ الْكتاب الْأَكْبَر ومبلغه نَحْو نصف حمل بغل لكثرته وَلم يكن الْفُقَهَاء الَّذين ألفوه فِي عصر وَاحِد وَإِنَّمَا ألفوه فِي جيل بعد جيل فَلَمَّا نظر الْمُتَأَخّرُونَ مِنْهُم إِلَى هَذَا التَّأْلِيف وَأَنه كلما مر عَلَيْهِ جيل

زادوا فِيهِ وَأَن فِي هَذِه الزِّيَادَات الْمُتَأَخِّرَة مَا يُنَاقض أَوَائِل هَذَا التَّأْلِيف علمُوا أَنهم إِن لم يقطعوا ذَلِك ويمنعوا من الزِّيَادَة فِيهِ أدّى إِلَى الْخلَل الظَّاهِر والمتناقض الْفَاحِش فَقطعُوا الزِّيَادَة فِيهِ وَمنعُوا من ذَلِك وحظروا على الْفُقَهَاء الزِّيَادَة فِيهِ وَإِضَافَة شَيْء آخر إِلَيْهِ وحرموا من يضيف إِلَيْهِ شَيْئا آخر فَوقف على ذَلِك الْمِقْدَار وَكَانَ أئمتهم قد حرمُوا عَلَيْهِم فِي هذَيْن الْكِتَابَيْنِ مؤاكلة الْأَجَانِب أَعنِي من كَانَ على غير ملتهم وحظروا عَلَيْهِم أكل اللحمان من ذباحة من لم يكن على دينهم لأَنهم أعنى علماءهم وأئمتهم علمُوا أَن دينهم لَا يبْقى عَلَيْهِم فِي هَذِه الجلوة مَعَ كَونهم تَحت الذل والعبودية إِلَّا إِن صدوهم عَن مُخَالطَة

مُخَالطَة من كَانَ على غير ملتهم وحرموا عَلَيْهِم مناكحتهم وَالْأكل من ذَبَائِحهم وَلم يُمكنهُم الْمُبَالغَة فِي ذَلِك إِلَّا بِحجَّة يبتدعونها من أنفسهم ويكذبون بهَا على الله تَعَالَى لِأَن التَّوْرَاة إِنَّمَا حرمت عَلَيْهِم مناكحة غَيرهم من الْأُمَم لِئَلَّا يوافقوا أَزوَاجهم فِي عبَادَة الْأَصْنَام وَالْكفْر بِاللَّه تَعَالَى

وَحرم عَلَيْهِم فِي التَّوْرَاة أكل ذَبَائِح الْأُمَم الَّذين يذبحونها قربانا للأصنام لِأَنَّهَا قد سمى عَلَيْهَا غير اسْم الله تَعَالَى فَأَما الذَّبَائِح الَّتِي لم تذبح قربانا فَلم تنطق التَّوْرَاة بتحريمها وَإِنَّمَا نطقت التَّوْرَاة بإباحتهم تنَاول المأكل من يَدي غَيرهم من الْأُمَم فِي قَول الله تَعَالَى لمُوسَى حِين اجتازوا على أَرض بني الْعيص لوثنكار وبام كي لَو ابتين ثخاميأ رحمام عاذ بذراح كف راغل تَفْسِيره لَا تتحرشوا بهم فَإِنِّي لَا أُعْطِيك من أَرضهم وَلَا مَسْلَك قدم أوحل تشبروميا ثام بنسيف زاخلين وَعم ياعم تخزو باءتام تكيف وشيدثيم تَفْسِيره مَأْكُولا تمتاروا مِنْهُم بِفِضَّة وتأكلوه وَأَيْضًا مَاء تشتروا مِنْهُم بِفِضَّة وتشربوا فقد تبين من نَص التَّوْرَاة أَن الْمَأْكُول مُبَاح للْيَهُود تنَاوله من يَد غَيرهم من الْأُمَم وَأكله وهم يعلمُونَ أَن بني الْعيص كَانُوا عابدي الْأَصْنَام وَأَصْحَاب كفر فَلَا يكون الْمُسلمُونَ على كل حَال بِدُونِ هَذِه الْمنزلَة أَعنِي أَن يساوى بَينهم وَبَين بني الْعيص فَيَنْبَغِي لَهُم أَن يَأْكُلُوا من مأكولات الْمُسلمين وَأَن يجْعَلُوا للْمُسلمين تَفْضِيلًا بتوحيدهم وَإِيمَانهمْ وكونهم لَا يعْبدُونَ الْأَصْنَام فموسى عَلَيْهِ

السَّلَام إِنَّمَا نَهَاهُم عَن مناكحة عباد الْأَصْنَام وَأكل مَا يذبحونه بأسمائها ولسنا نَعْرِف أحد من الْمُسلمين يذبح ذَبِيحَة باسم صنم وَلَا وثن فَمَا بَال هَؤُلَاءِ لَا يَأْكُلُون من ذَبَائِح الْمُسلمين بل مَا بَال من سكن بِالشَّام وبلد الْعَجم مِنْهُم لَا يَأْكُلُون من أَيدي الْمُسلمين اللَّبن والجبن والحلوى وَالْخبْز وَغير ذَلِك من المأكولات فَإِن قَالُوا لِأَن التَّوْرَاة حرمت علينا أكل الطريفا قُلْنَا لَهُم إِن الطريفا هِيَ الفريسة الَّتِي يفترسها الْأسد أَو الذِّئْب أَو غَيره من السبَاع وَدَلِيل ذَلِك قَول التَّوْرَاة وباساد بساذى طريفا لوثر حانو لمكيلب تشيلخووثو تَفْسِيره وَلَحْمًا فِي الصَّحرَاء فريسة لَا تَأْكُلُوا للكلب ألقوه فَلَمَّا نظر أئمتهم إِلَى أَن التَّوْرَاة غير ناطقة بِتَحْرِيم مأكل الْأُمَم عَلَيْهِم إِلَّا عباد الْأَصْنَام وَأَن التَّوْرَاة قد صرحت بِأَن تَحْرِيم مواكلتهم ومخالطتهم خوف استدراجهم بالمخالطة إِلَى مناكحتهم وَأَن مناكحتهم إِنَّمَا تكره خوف استتباعها الِانْتِقَال إِلَى أديانهم وَعبادَة أوثانهم ووجدوا جَمِيع هَذَا وَاضحا فِي التَّوْرَاة اختلقوا كتابا سموهُ هَلَكت شحيطا وَمَعْنَاهُ علم الذباحة

وَوَضَعُوا فِي هَذَا الْكتاب من تَشْدِيد الإصر عَلَيْهِم مَا شغلوهم بِهِ عماهم فِيهِ من الذل وَالْمَشَقَّة وَذَلِكَ أَنهم أمروهم بِأَن ينفخوا الرئة حَتَّى تمتلئ هَوَاء ويتأملوها حَتَّى يخرج الْهَوَاء من ثقب مِنْهَا أم لَا فَإِن خرج مِنْهَا الْهَوَاء حرمُوهُ وَإِن كَانَت بعض أَطْرَاف الرئة لاصقة بِبَعْض لم يأكلوه وَأَيْضًا فَإِنَّهُم أمروا الَّذِي قد الذَّبِيحَة أَن يدْخل يَده فِي بطن الذَّبِيحَة ويتأمل بإصبعه فَإِن وجد الْقلب ملتصقا إِلَى الظّهْر أَو أحد الْجَانِبَيْنِ وَلَو كَانَ الالتصاق بعرق دَقِيق كالشعرة حرمُوهُ وَلم يأكلوه وسموه طريفا ويعنون بذلك أَنه نجس وَهَذِه التَّسْمِيَة هِيَ أول التَّعَدِّي مِنْهُم لِأَنَّهُ لَيْسَ موضوعها فِي اللُّغَة إِلَّا المفترس الَّذِي يفترسه بعض الوحوش وَدَلِيل ذَلِك قَول يَعْقُوب لما جاؤوه بقميص يُوسُف ملوثا بِالدَّمِ

ويكيراه ويومر كثوث بنى حياراعا احالا ثهوطاروف طوارف يوسيف تَفْسِيره فتأملها وَقَالَ دراعة ابْني وَحشِي رَدِيء أكله افتراسا افترس يُوسُف فقد تبين أَن تَفْسِير طروف طوراف يُوسُف افتراسا افترس يُوسُف فالطريفا هِيَ الفريسة وَدَلِيل آخر أَنه قَالَ وَلَحْمًا فِي الصَّحرَاء فريسة لَا تَأْكُلُوا والفريسة أبدا أَنما تُوجد فِي الصَّحرَاء وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يعجب من ذَلِك فَإِن هَذَا النَّهْي عَن أكل الفريسة إِنَّمَا ترك على قوم ذَوي أخبية يسكنون الْبر وَذَلِكَ أَنهم مَكَثُوا يَتَرَدَّدُونَ فِي التيه والبراري تَمام أَرْبَعِينَ سنة وَكَانُوا أَكثر هَذِه الْمدَّة لَا يَجدونَ طَعَاما إِلَّا الْمَنّ فَلَمَّا اشْتَدَّ قرمهم إِلَى اللَّحْم جَاءَهُم مُوسَى بالسلوى وَهُوَ طَائِر صَغِير يشبه السمانى وخاصيته أَن أكل لَحْمه يلين الْقُلُوب القاسية وَيذْهب بالخنزوانة والقساوة

وَذَلِكَ ان هَذَا الطَّائِر يَمُوت إِذا سمع صَوت الرَّعْد كَمَا أَن الخطاف يقْتله الْبرد فيلهمه الله عز وَجل أَن يسكن جزائر الْبَحْر الَّتِي لَا يكون بهَا مطر وَلَا رعد إِلَى انْقِضَاء أَوَان الْمَطَر والرعد فَيخرج من الجزائر وينتشر فِي الأَرْض فجلب الله إِلَيْهِم هَذَا الطَّائِر لينتفعوا بِمَا فِي أكل لَحْمه من الخاصية وَهِي تليين الْقُلُوب القاسية وَكَانَ قد اشْتَدَّ قرمهم إِلَى اللَّحْم قبل ذَلِك بِحَيْثُ لم يمنعهُم من أكل الفريسة وَالْميتَة إِلَّا نزُول تَحْرِيمهَا فِي التَّوْرَاة فقد تبين التَّعَدِّي من شائخهم فِي تَفْسِير الطريفا وَأَنه الفريسة

فَأَما فقهاؤهم فَإِنَّهُم اختلقوا من أنفسهم هذيانات وخرافات تتَعَلَّق بالرئة وَالْقلب وَقَالُوا مَا كَانَ من الذَّبَائِح سليما من هَذِه الشُّرُوط فَهُوَ دخيا وَتَفْسِير هَذِه الْكَلِمَة طَاهِر وَمَا كَانَ خَارِجا عَن هَذِه الشُّرُوط فَهُوَ طريفا وَتَفْسِير هَذِه الْكَلِمَة حرَام وَقَالُوا معنى قَول التَّوْرَاة وَلَحْمًا فريسة فِي الصَّحرَاء لَا تَأْكُلُوا للكلب ألقوه يَعْنِي إِذا ذبحتم ذبيحتكم وَلم تُوجد فِيهَا هَذِه الشُّرُوط فَلَا تَأْكُلُوهَا بل تَبِيعُوهَا على من لَيْسَ من أهل ملتكم وَذَلِكَ أَنهم فسروا قَوْله للكلب ألقوه أَي لمن لَيْسَ على ملتكم أطعموه وبيعوه أَلا إِنَّهُم على الْحَقِيقَة أشبه بالكلاب وأحق بِهَذَا اللقب والتشبيه لقبح عُقُولهمْ وَسُوء ظنونهم واعتقادهم فِيمَن سواهُم من الْأُمَم

ثمَّ إِن الْيَهُود فرقتان إِحْدَاهَا عرفت أَن أُولَئِكَ السّلف الَّذين ألفوا المشنا والتلمود وهم فُقَهَاء الْيَهُود قوم كذابون على الله تَعَالَى وعَلى مُوسَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَصْحَاب حماقات ورقاعات هائلة من ذَلِك أَن أَكثر مسَائِل فقههم ومذهبهم يَخْتَلِفُونَ فِيهَا ويزعمون أَن الْفُقَهَاء كَانُوا إِذا اخْتلفُوا فِي كل وَاحِدَة من هَذِه الْمسَائِل يوحي الله إِلَيْهِ بِصَوْت يسمعهُ جمهورهم يَقُول الْحق فِي هَذِه المسالة مَعَ الْفَقِيه فلَان وهم يسمون هَذَا الصَّوْت بَث قَول فَلَمَّا نظر الْيَهُود القراؤون وهم أَصْحَاب عانان بن دَاوُد وبنيامين إِلَى هَذِه المحالات الشنيعة وَإِلَى هَذَا الافتراء الْفَاحِش وَالْكذب الْبَارِد انفصلوا بِأَنْفسِهِم عَن الْفُقَهَاء وَعَن كل من يَقُول بمقالتهم وكذبوهم فِي كل مَا افتروا على الله تَعَالَى وَقَالُوا بعد أَن ثَبت كذبهمْ على الله وَأَنَّهُمْ ادعوا النُّبُوَّة وَزَعَمُوا أَن الله تَعَالَى كَانَ يُوحى إِلَى جَمِيعهم فِي كل يَوْم مَرَّات فقد فسقوا وَلَا يجوز قبُول شَيْء مِنْهُم فخالفوهم فِي سَائِر

مَا أضلوه من الْأُمُور الَّتِي لم ينْطق بهَا نَص التَّوْرَاة وأكلوا اللَّحْم بِاللَّبنِ وَلم يحرموا سوى ابْن الجدي بِلَبن أمه فَقَط مُرَاعَاة للنَّص أَعنِي قَول التَّوْرَاة لَا ينضج الجدي بِلَبن أمه

وَأما الترهات الَّتِي ألفها الحخاميم الْفُقَهَاء وسموها هَلَكت شحيطا أَعنِي علم الذباحة وَهِي الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة الَّتِي رتبها الْفُقَهَاء

ونسبوها إِلَى مُوسَى عَن الله تَعَالَى فَإِن القرائين اطرحوها مَعَ غَيرهَا وألغوها وصاروا لَا يحرمُونَ شَيْئا من الذَّبَائِح الَّتِي يتولون ذباحتها الْبَتَّةَ فَهَذَا حَال هَذِه الطَّائِفَة من الْيَهُود أَعنِي القرائين وَلَهُم أَيْضا فُقَهَاء أَصْحَاب تصانيف إِلَّا أَنهم لم يبالغوا فِي الْكَذِب على الله تَعَالَى إِلَى حد أَن يدعوا النُّبُوَّة وَلَا نسبوا شَيْئا من تفاسيرهم إِلَى النَّبِي وَلَا إِلَى الله تَعَالَى بل إِلَى اجتهادهم والفرقة الثَّانِيَة يُقَال لَهُم الربانيون وهم أَكثر عددا وهم شيعَة الحخاميم الْفُقَهَاء المفترين على الله عز وَجل الَّذين يَزْعمُونَ أَن الله كَانَ يخاطبهم فِي كل مَسْأَلَة بالصوت الَّذِي أسموه بَث قَول وَهَذِه الطَّائِفَة أَشد الْيَهُود عَدَاوَة لغَيرهم من الْأُمَم لِأَن أُولَئِكَ الْفُقَهَاء المفترين على الله تَعَالَى قد أوهموهم أَن المأكولات والمشروبات إِنَّمَا تحل للنَّاس بِأَن يستعملوا فِيهَا هَذَا الْعلم الَّذِي نسبوه إِلَى مُوسَى وَإِلَى الله تَعَالَى وَأَن سَائِر الْأُمَم لَا يعْرفُونَ هَذَا وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا شرفهم الله بِهَذَا وَأَمْثَاله من الترهات الَّتِي أفسدوا بهَا عُقُولهمْ فَصَارَ أحدهم ينظر إِلَى من لَيْسَ على مِلَّته كَمَا ينظر إِلَى بعض الْحَيَوَانَات الَّتِي لَا عقل لَهَا وَينظر إِلَى المآكل الَّتِي تأكلها الْأُمَم كَمَا ينظر الرجل الْعَاقِل إِلَى الْعذرَة أَو إِلَى صديد الْمَوْتَى وَغير ذَلِك من الْأَشْيَاء القذرة الَّتِي لَا يسوغ لأحد أكلهَا

فَهَذَا هُوَ الأَصْل فِي بَقَاء هَذِه الطَّائِفَة على أديانها لشدَّة مباينتها لغَيْرهَا من الْأُمَم وَلِأَنَّهُم ينظرُونَ إِلَى النَّاس بِعَين النَّقْص والإزراء إِلَى أبعد غَايَة وَأما الطَّائِفَة الأولى وهم القراؤون فأكثرهم خرج إِلَى دين الْإِسْلَام أَولا فأولا إِلَى أَن لم يبْق مِنْهُم إِلَّا نفر يسير لأَنهم أقرب إِلَى الاستعداد لقبُول الْإِسْلَام لسلامتهم من محاولات فُقَهَاء الربانيين أَصْحَاب الافتراء الزَّائِد الَّذين شَدَّدُوا على جَمَاعَتهمْ الإصر فقد تبين مِمَّا ذَكرْنَاهُ أَن الحخاميم هم الَّذين شَدَّدُوا على هَذِه الطَّائِفَة دينهم وضيقوا عَلَيْهِم الْمَعيشَة والإصر فقصدوا بذلك مبالغتهم فِي مضادة مَذَاهِب الْأُمَم حَتَّى لَا يختلطوا بهم فَيُؤَدِّي اختلاطهم بهم إِلَى خُرُوجهمْ من دينهم وَالسَّبَب الثَّانِي فِي تضييق الإصر عَلَيْهِم أَن الْيَهُود مبددون فِي شَرق الْبِلَاد وغربها فَمَا من جمَاعَة مِنْهُم فِي بَلْدَة إِلَّا إِذا قدم عَلَيْهِم رجل من أهل دينهم من بِلَاد بعيدَة يظْهر لَهُم الخشونة فِي دينه وَالْمُبَالغَة فِي التورع وَالِاحْتِيَاط فَإِن كَانَ من المتفقهة فَهُوَ يشرع فِي إِنْكَار أَشْيَاء عَلَيْهِم ويوهمهم التَّنَزُّه عَمَّا هم فِيهِ وينسبهم إِلَى قلَّة الدّين وينسب مَا يُنكره عَلَيْهِم إِلَى مشائخه وَأهل بَلَده وَيكون فِي أَكثر ذَلِك الْإِسْنَاد كَاذِبًا وَيكون قَصده بذلك إِمَّا الرِّئَاسَة عَلَيْهِم وَإِمَّا تَحْصِيل غَرَض مِنْهُم وَلَا سِيمَا إِن أَرَادَ الْمقَام بَينهم أَو التَّدْبِير بَينهم فتراه أول مَا ينزل بهم لَا يَأْكُل من أطعمتهم وَلَا من ذَبَائِحهم ويتأمل سكين ذباحهم وينكر عَلَيْهِم بعض أَمرهم وَيَقُول أَنا لَا آكل إِلَّا من ذباحة يَدي فتراهم مَعَه فِي عَذَاب لَا يزَال يُنكر عَلَيْهِم الْحَلَال والمباح ويوهمهم تَحْرِيمه

بإسنادات يخترعها حَتَّى لَا يشكوا فِي ذَلِك فَإِن وصل بعد مُدَّة طَوِيلَة من أهل بَلَده من يعرف أَنه كَاذِب فِي تِلْكَ الإسنادات فَلَا يَخْلُو أمره من أَن يُوَافقهُ أَو يُخَالِفهُ فَإِن وَافقه فَإِنَّمَا يُوَافقهُ ليشاركه فِي الرِّئَاسَة الناموسية الَّتِي حصلت لَهُ وخوفا من أَن يكذب إِن خَالفه وينسب إِلَى قلَّة الدّين وَأَيْضًا فَإِن القادم الثَّانِي فِي أَكثر الْأَمر يستحسن مَا اعْتَمدهُ القادم الأول من تَحْرِيم الْمُبَاحَات وإنكار المحللات وَيَقُول لَهُم لقد عظم الله ثَوَاب فلَان إِذْ قوى ناموس الدّين فِي قُلُوب هَذِه الْجَمَاعَة وشيد سياج الشَّرْع عِنْدهم وَإِذا لقِيه على الِانْفِرَاد يشكره ويجزيه خيرا أَو يَقُول لَهُ لقد زين الله بك أهل بلدنا وَإِن كَانَ القادم الثَّانِي يُنكر مَا أَتَى بِهِ القادم الأول من الْإِنْكَار عَلَيْهِم والتضييق لم يبْق من الْجَمَاعَة وَاحِد يستصحبه وَلَا يصدقهُ بل جَمِيعهم ينسبونه إِلَى قلَّة الدّين لِأَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم يَعْتَقِدُونَ أَن تضييق الْمَعيشَة وَتَحْرِيم المحللات هُوَ الْمُبَالغَة فِي الدّين والزهد وهم أبدا يَعْتَقِدُونَ أَن الدّين وَالْحق مَعَ من يضيق عَلَيْهِم وَلَا ينظرُونَ هَل يَأْتِي بِدَلِيل أم لَا وَلَا يبحثون عَن كَونه محقا أم مُبْطلًا هَذَا حَال القادم إِلَى بلد من متفقهتهم

فَأَما إِن كَانَ القادم أحد أَحْبَار الْيَهُود وعلمائهم فهنالك ترى الْعجب من الناموس الَّذِي يعتمده وَالسّنَن الَّتِي يحدثها ويلحقها بالفرائض وَلَا يقدر أحدهم على الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ فتراهم مستسلمين إِلَيْهِ وَهُوَ يحتلب دِرْهَم ويجتلب بحيله درهمهم حَتَّى لَو بلغه أَن بعض أَحْدَاث الْيَهُود قد جلس على قَارِعَة الطَّرِيق فِي يَوْم السبت اَوْ اشْترى لَبَنًا من بعض الْمُسلمين أَو خمرًا ثلبه وسبه فِي مجمع من يهود الْمَدِينَة وأباحهم عرضه وَنسبه إِلَى قلَّة الدّين فَهَذَا السَّبَب وَالسَّبَب الَّذِي ذَكرْنَاهُ قبله هما الْعلَّة فِي تَشْدِيد الإصر الَّذِي جعلته الْيَهُود على أَنْفسهَا وتضييق الْمَعيشَة عَلَيْهَا وتجنبهم مآكل غَيرهم ومخالطة من كَانَ على غير ملتهم وَقد أوضحناهما للمتأمل

خاتمة الكتاب

خَاتِمَة الْكتاب أَحَق النَّاس بِأَن يوسم بالجهالة وينبذ بالضلالة من كَانَ طبعه آبيا عَن الانقياد للحقائق وعقله بَعيدا عَن فهم الْيَقِين فَأَما من شقَّتْ دَرَجَته عَن ذَلِك وَكَانَ مَعَ امْتِنَاعه عَن تَسْلِيم الْحَقَائِق مسرعا إِلَى قبُول الْبَاطِل وتصديق المستحيل فَهُوَ حقيق بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجُنُون والسقوط وَهَذِه الطَّائِفَة أَحَق النَّاس بذلك لِأَن آبَائِهِم كَانُوا يشاهدون فِي كل يَوْم من الْآيَات الحسية وَالنَّار السماوية مَا لم يره غَيرهم من الْأُمَم وهم مَعَ ذَلِك يهمون برجم مُوسَى وَهَارُون فِي كثير من الْأَوْقَات وَكفى بإتخاذهم الْعجل فِي أَيَّام مُوسَى وإيثارهم العودة إِلَى مصر وَالرُّجُوع إِلَى الْعُبُودِيَّة ليشبعوا من أكل اللَّحْم والبصل والقثاء ثمَّ عِبَادَتهم الْأَصْنَام بعد عصر يُوشَع بن نون ثمَّ انضمامهم إِلَى أبشالوم الْوَلَد الْعَاق ولد دَاوُد من بنت ملك الكرج فَإِن سوادهم الْأَعْظَم انْضَمَّ إِلَى هَذَا الْوَلَد العَاصِي الْعَاق وشدوا مَعَه على حَرْب الْملك الْكَبِير وَالنَّبِيّ الْكَرِيم نَبِي الله دَاوُد ثمَّ أَنهم لما عَادوا إِلَى طَاعَة دَاوُد جَاءَت وفودهم وعساكرهم متقاطرة إِلَيْهِ مستغفرين مِمَّا ارتكبوه مستبشرين بسلامة الْملك دَاوُد بِحَيْثُ اخْتصم

الأسباط مَعَ سبط يهوذا إِذا عبروا بِالْملكِ الْأُرْدُن قبل مَجِيء عَسَاكِر الأسباط غيرَة مِنْهُم على السَّبق إِلَى خدمَة الْملك وتعاتبوا فِي ذَلِك عتابا دَقِيقًا فَقَالَ سبط يهوذا نَحن أَحَق النَّاس بِالسَّبقِ إِلَى الْملك والاختصاص بخدمته لِأَنَّهُ منا فَلَا وَجه لعتبكم علينا يَا بني إِسْرَائِيل فنبغ فُضُولِيّ يُقَال لَهُ شيبع بن بكري فَنَادَى برفيع صَوته لَا نصيب لنا فِي دَاوُد ولاحظ فِي ابْن يساي ليمض كل مِنْكُن إِلَى خبائه يَا إسرائيليين فَمَا كَانَ أسْرع من انفضاض عَسْكَر بني إِسْرَائِيل عَن دَاوُد بِسَبَب كلمة ذَلِك الْفُضُولِيّ وَلما توصل الْوَزير يؤاب إِلَى قتل ذَلِك المشغب عَادَتْ العساكر جَمِيعهَا إِلَى طَاعَة دَاوُد فَمَا كَانَ الْقَوْم إِلَّا مثل رعاع همج الْعَوام الَّذين تجمعهم دبدبة وتفرقهم صَيْحَة وَأما عِبَادَتهم الكبشين وتركهم الْحَج إِلَى الْقُدس ثمَّ إصرارهم على مُخَالفَة الْأَنْبِيَاء إِلَى انْقِضَاء دولتهم فمما لَا يصدر عَن متمسك بأهداب الْعقل وسبيلهم أَن لَا يتطرقوا إِلَى معايب أحد من الْأُمَم إِذا كَانَت هَذِه مخازيهم وفضائحهم فَأَما تسرعهم إِلَى قبُول الْبَاطِل والمستحيل فَإنَّا نذْكر مِنْهُ طرفا يُنبئ عَن

قلَّة عُقُولهمْ وَهُوَ مَا جرى فِي زَمَاننَا من أذكاهم وأكيسهم وأمكرهم وهم يهود بَغْدَاد فَإِن محتالا من شُبَّان الْيَهُود نَشأ بسواد الْموصل يُقَال لَهُ مناحيم بن سُلَيْمَان وَيعرف بِابْن الروحى وَكَانَ ذَا جمال فِي صورته وَقد تفقه فِي دينهم بِالْإِضَافَة إِلَى الْجُمْهُور من الْيَهُود الساكنين بالناحية الْمَعْرُوفَة بالعمادية من بلد الْموصل وَكَانَ المتولى هُنَاكَ ذَا ميل إِلَى ذَلِك الْمُحْتَال وَحب لَهُ لحسن اعْتِقَاده فِيهِ وَلما توهم فِيهِ من ديانَة اظاهر بهَا بِحَيْثُ كَانَ الْوَالِي يسْعَى إِلَى زيارته فطمع ذَلِك الْمُحْتَال فِي جَانب الْوَالِي واستضعف عقله فَتوهم أَنه يتَمَكَّن من الْوُثُوب على القلعة وَأَخذهَا وَأَنَّهَا تضحي لَهُ معقلا حصينا فَكتب إِلَى الْيَهُود المستقرين بنواحي بِلَاد آذربيجان وَمَا والاها لِأَنَّهُ علم أَن يهود الْأَعَاجِم أقوى جَهَالَة من سائد الْيَهُود وَذكر فِي كتبه أَنه قَائِم قد غَار للْيَهُود من يَد الْمُسلمين وخاطبهم بأنواع من الْمَكْر والخديعة فبعض فُصُول كتبه الَّتِي رَأَيْتهَا يحوي مَا هَذَا مَعْنَاهُ ولعلكم تَقولُونَ هَذَا لأي شئ قد استنفرنا الْحَرْب أم لقِتَال لَا لسنا نريدكم لِحَرْب وَلَا لقِتَال بل لِتَكُونُوا واقفين بَين يَدي هَذَا الْقَائِم ليراكم هُنَاكَ من يَغْشَاهُ من رسل الْمُلُوك الَّذين بِبَابِهِ

وَفِي أَوَاخِر الْكتب يَنْبَغِي أَن يكون مَعَ كل وَاحِد مِنْكُم سيف أَو غَيره من آلَات الْحَرْب ويخفيه تَحت أثوابه فاستجابت إِلَيْهِ يهود الْأَعَاجِم وَأهل نواحي الْعمادِيَّة وَسَوَاد الْموصل ونفروا إِلَيْهِ بِالسِّلَاحِ الْمُسْتَتر حَتَّى صَار عِنْده مِنْهُم جمَاعَة كثيفة وَكَانَ الْوَالِي لحسن ظَنّه بِهِ يظنّ أَن أُولَئِكَ القادمين إِنَّمَا جَاءُوا لزيارة ذَلِك الحبر الَّذِي قد ظهر لَهُم بِزَعْمِهِ فِي بَلَده إِلَى أَن انكشفت لَهُ مطامعهم وَكَانَ حَلِيمًا عَن سفك الدِّمَاء فَقتل صَاحب الْفِتْنَة الْمُحْتَال وَحده فَأَما الْبَاقُونَ فتهاجوا مُدبرين بعد أَن ذاقوا وبال الْمَشَقَّة والخسارات والفقر وَلم تنكشف هَذِه الْقِصَّة لَهُم مَعَ ظُهُورهَا لكل ذِي عقل بل هم إِلَى الْآن يفضلونه على كثير من أَنْبِيَائهمْ أَعنِي يهود الْعمادِيَّة وَفهم من يَعْتَقِدهُ الْمَسِيح المنتظر بِعَيْنِه وَلَقَد رَأَيْت جمَاعَة من يهود الْأَعَاجِم بخوى وسلماس وتبريز ومراغه وَقد جعلُوا اسْمه قسمهم الْأَعْظَم وَأما من بالعمادية من الْيَهُود فصاروا أَشد مباينة وَمُخَالفَة فِي جَمِيع أُمُورهم للْيَهُود من النَّصَارَى

وَفِي تِلْكَ الْولَايَة جمَاعَة مِنْهُم على دين يَسُبُّونَهُ إِلَى مناحيم الْمُحْتَال الْمَذْكُور وَلما وصل خَبره إِلَى بَغْدَاد اتّفق هُنَاكَ شخصان من محتالى الْيَهُود ودواهي مشيختهم فزورا على لِسَان مناحيم كتبا إِلَى بَغْدَاد تبشرهم بالفرج الَّذِي كَانُوا قَدِيما ينتظرونه وَأَنه يعين لَهُم لَيْلَة يطيرون فِيهَا أَجْمَعِينَ إِلَى بَيت الْمُقَدّس فانقاد الْيَهُود البغداديون إِلَيْهِ مَعَ مَا يَدعُونَهُ من الذكاء ويفخرون بِهِ من الخب انقادوا بأسرهم إِلَى تَصْدِيق ذَلِك وَذَهَبت نسوانهم بأموالهن وحليهن إِلَى ذَيْنك الشَّيْخَيْنِ ليتصدقا بِهِ عَنْهُن على من يسْتَحقّهُ بزعمهما وَصرف الْيَهُود جلّ أَمْوَالهم فِي هَذَا الْوَجْه واكتسوا ثيابًا خضرًا واجتمعوا فِي تِلْكَ اللَّيْلَة على السطوح ينتظرون الطيران بزعمهم على أَجْنِحَة الْمَلَائِكَة إِلَى بَيت الْمُقَدّس وارتفع للنسوان مِنْهُم بكاء على أطفالهن المرتضعين خوفًا أَن يطرن قبل طيران أَوْلَادهنَّ أَو يطير أطفالهن قبلهن فتجوع الْأَطْفَال بتأخر الرَّضَاع عَنْهُم وتعجب الْمُسلمُونَ هُنَاكَ مِمَّا اعترى الْيَهُود حِينَئِذٍ بِحَيْثُ أحجموا عَن معارضتهم حَتَّى تنكشف آثَار مواعيدهم العرقوبية فَمَا زَالُوا متهافتين إِلَى الطيران إِلَى أَن أَسْفر الصَّباح عَن خذلانهم وإمتهانهم

وَنَجَا ذَانك المحتالان بِمَا وصل إِلَيْهِمَا من أَمْوَال الْيَهُود وانكشف لَهُم بعد ذَلِك وَجه الْحِيلَة وَمَا تظاهر بِهِ من جِلْبَاب الرذيلة فسموا ذَلِك الْعَام عَام الطيران وصاروا يعتبرون بِهِ سنى كهولهم والشبان وَهُوَ تَارِيخ البغداديين من المتهودة فِي هَذَا الزَّمَان فكفاهم هَذَا الْأَمر عارا دَائِما وشنارا ملازما وَفِيمَا قد أوردناه كِفَايَة قاضية للوطر من إفحامهم وإلجامهم بِمَا هُوَ عين مَا عِنْدهم وَأَعُوذ بِاللَّه مِمَّا يشركُونَ وَإِلَيْهِ الْبَرَاءَة مِمَّا يكفرون

رسالة إلى السموأل وجوابها

رِسَالَة إِلَى السموأل وجوابها بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم انْتِقَال سيدنَا الإِمَام الحبر الْعَالم الأوحد الرئيس مؤيد الدّين شمس الْإِسْلَام أوحد الْعَصْر ملك الْحُكَمَاء أدام الله تأييده وأرغم حسوده من الْملَّة الإسرائيلية إِلَى الْملَّة الإسلامية إِمَّا هوى واستحسان وعبث أَو بِدَلِيل وبرهان فَأَما الْهوى وَالِاسْتِحْسَان والعبث فَهُوَ مَا يقبح بِمثلِهِ وَلَا يَلِيق لمن وصل إِلَى دَرَجَته من الْعلم وَلَا سِيمَا فِي الِاعْتِقَاد وَالدّين وَإِن قَالَ إِنَّه بِدَلِيل وبرهان وَبحث وَنظر فَإِن كَانَ هَذَا الْبَحْث وَالنَّظَر بعقل حدث لَهُ فِيمَا بعد فَرُبمَا حدث لَهُ عقل آخر فيريه أَن مَا هُوَ عَلَيْهِ الْآن بَاطِل وَإِن كَانَ ذَلِك الْبَحْث بِالْعقلِ الأول فَهَلا كَانَ ذَلِك الْبَحْث قبل ذَلِك الْوَقْت وَلَعَلَّه لَو ازْدَادَ فِي الْبَحْث وَالنَّظَر لعلم أَن الْحق فِي غير الْمَذْهَب الَّذِي صَار إِلَيْهِ وَإِن قَالَ عرفت أَن الْحق فِي هَذَا الدّين بِالدَّلِيلِ والبرهان قُلْنَا بِأَيّ طَرِيق ثمَّ إِنَّه لَا يعلم أحد أَن مذهبا أصح من سَائِر الْمذَاهب إِلَّا إِذا بحث واستقصى عَن جَمِيع الْمذَاهب وَتَأمل جَمِيع مَا اصله أَرْبَابهَا وحججهم

فَإِن هُوَ أدعى ذَلِك فَهُوَ محَال لِأَن عمره لَا يَفِي لمطالعة جَمِيع مَا أَصله سَائِر أَصْحَاب الْمذَاهب والأديان وَلَعَلَّه لَو سُئِلَ عَن حَقِيقَة دين الْمَجُوس والثنوية والبراهمة لما كَانَ قيمًا بعلوم مَذْهَبهم وَأَيْضًا فَإِن الْملَّة الَّتِي قد انْتقل إِلَيْهَا هِيَ على مَذَاهِب كَثِيرَة فَإلَى أَيهَا انتسب وأيها اخْتَار فَإِن كَانَ إِلَى الْآن غير منتسب إِلَى أَحدهَا فَهُوَ إِلَى الْآن غير مُسلم وَإِن كَانَ قد رجح أحد الْمذَاهب فَبِأَي طَرِيق إِن ادّعى الْبُرْهَان اسْتَحَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ أَن يكون قد اطلع على سَائِر كَلَام أَصْحَاب الشَّافِعِي وَابْن حنيفَة وَمَالك وَأحمد وَإِن كَانَ قد رجح أحد الْمذَاهب اسْتِحْسَانًا وَهوى أَو تقليدا فَذَلِك مِمَّا لَا يَلِيق بالعلماء والحكماء وَحِينَئِذٍ يرْتَفع عَنْهُم الْملك وَرَأى سيدنَا الإِمَام الحبر فِي تَأمل ذَلِك والإجابة عَنهُ أَعلَى

نسخة الجواب

نُسْخَة الْجَواب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {سَيَقُولُ السُّفَهَاء من النَّاس مَا ولاهم عَن قبلتهم الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قل لله الْمشرق وَالْمغْرب يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} تَأَمَّلت مَا ذكره هَذَا الْمُعْتَرض السَّائِل عَمَّا لَا يعنه فَليعلم أَن الله هَدَانِي بِالدَّلِيلِ الْوَاضِح وَالْحجّة الثَّابِتَة من غير تَقْلِيد لمعلم أَو وَالِد وَأما سُؤَاله عَن وَقت الإذعان بِالْكَلِمَةِ الإسلامية هَل كَانَ تاليا لاعتقادها أَو تخَلّل بَينهمَا زمَان كَانَت هَذِه الْكَلِمَة فِيهِ مضمرة غير مظهرة فَهُوَ ضرب من الفضول لِأَن الْإِسْلَام مَقْبُول عِنْد الله وَعند أهل الدّين فِي أَي الْوَقْتَيْنِ كَانَ وَأما نسبته لتأخير إِظْهَاره إِلَى الْعَبَث فَمن أَيْن لَهُ أَن تَأْخِير الإذعان والإشهار لم يكن لتوخي وَقت أَو لمحاذرة عَدو على أَنا نبرأ إِلَى الله من التضجيع فِي إِجَابَة الدَّاعِي إِلَى الْحق بعد مَعْرفَته

وَلَكِن عقيب مَا كشف الله عَن البصيرة وجاد بِنور الْهِدَايَة بادرت إِلَى الانضمام إِلَى زمرة الْحق وَأما قَوْله إِنَّه كَمَا حدث لَهُ هَذَا عقلا فَرُبمَا حدث لَهُ عقل آخر يرِيه أَن مَا هُوَ عَلَيْهِ بَاطِل فَجَوَابه أَن هَذَا تَمْثِيل فَاسد وَكَلَام مختل لِأَن هَذَا الإعتراض إِنَّمَا يرد على من انْتقل إِلَى دين ببحث وَنظر ثمَّ انْتقل عَن الدّين الثَّانِي إِلَى دين ثَالِث ببحث آخر وَنظر آخر لَا على من نبذ المحالات الَّتِي حصلت فِي وهمه بالتلفق من الْآبَاء فِي الطفولة وَأنس بهَا واعتادها من غير أَن تصح عِنْده ببحث وَنظر ثمَّ انه لما اتّفق لَهُ اعمال الْفِكر والبحث أَدَّاهُ الْعقل والأدلة الصَّحِيحَة إِلَى الْحق لِأَن ذَلِك المهجور الْمَتْرُوك لم يؤده إِلَيْهِ نظر. فَكيف يلْزمه مَا ذكر من الشُّبْهَة وَأما قَوْله: هَل بحث عَن جَمِيع الْمذَاهب فانه لَا حَاجَة لي إِلَى ذَلِك لِأَن الْحق فِي جِهَة وَاحِدَة وَلَيْسَ بمتعدد فَلَمَّا قادني الدَّلِيل إِلَى الْمَذْهَب الْحق لزم من صِحَّته بطلَان سَائِر الْمذَاهب الْمُخَالفَة لَهُ من غير حَاجَة إِلَى الإطلاع على جَمِيع مَا حَرَّره أَرْبَابهَا وَأما قَوْله لَو بحث لعلم أَن الْحق فِي غير مَا هُوَ عَلَيْهِ فَهُوَ محَال لِأَن الْحق لَا يَتَعَدَّد وَأما سُؤَاله عَن مَا الطَّرِيق الَّذِي صحت بِهِ عِنْدِي دَعْوَة الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن شَهَادَة هَذِه الْأُمَم الْعَظِيمَة بنبوته مَعَ المعجز الْأَعْظَم الَّذِي لم يبار فِيهِ وَهُوَ فصاحة الْقُرْآن دلَّنِي على ذَلِك وأكد ذَلِك إشارات فهمتها من التَّوْرَاة دلّت عَلَيْهِ إِلَّا أَن الأول هُوَ الأَصْل فِي الدّلَالَة

وآما سُؤَاله عَن الْمَذْهَب الإسلامي الَّذِي انتسبت إِلَيْهِ وَمَا زعم أَنه يلْزَمنِي من مطالعة جَمِيع مَذَاهِب الْأَئِمَّة فَهُوَ شُبْهَة لَا تلزمني وسئال عَمَّا لَا يعنيه إِلَّا أَن جوابي عَنهُ هُوَ الْجَواب الأول بِعَيْنِه وَهُوَ أَن الدَّلِيل قادني إِلَى مَذْهَب اعْتقد بِصِحَّتِهِ فَلَا حَاجَة لي إِلَى تصفح غَيره لِأَن الْحق غير مُتَعَدد فِي الْمذَاهب كَمَا أَنه غير مُتَعَدد فِي الْملَّة على أَن الِاخْتِلَاف بَين الْأَئِمَّة الْمُسلمين إِنَّمَا هُوَ فِي تَوَابِع وصغائر لَا فِي أصل العقيدة بِحَيْثُ يكفر بَعضهم بَعْضًا أَعنِي أَصْحَاب الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد رَضِي الله عَنْهُم دون أَصْحَاب الْبدع على أَن هَذَا السَّائِل عَمَّا لَا يعنيه إِذا قَامَ هَذَا الْمقَام فسبيله أَن يقوى مَا هدمت من حجج الْيَهُود ويتشاغل بنصرتهم عَن السُّؤَال عَمَّا لَا يعنيه لِأَنِّي قد أظهرت فَسَاد اعْتِقَادهم وتناقض مَا عِنْدهم فِي الإفحام فَذَلِك أولى من الإخلاد إِلَى شُبْهَة الزَّنَادِقَة وهذيانات المتفلسفة الْكفَّار الَّذين يجب قَتلهمْ فِي الْملَّة الَّتِي فارقتها وَالْملَّة الَّتِي هَدَانِي الله إِلَيْهَا أما مَا ختم بِهِ كَلَامه فَذَاك أَمر مَرْفُوع على الْحَقِيقَة إِلَّا أَن الْمُلُوك والسلاطين جرت عَادَتهم أَن يخصوا كل وَاحِد بِمَا يرونه لَهُ أَهلا حراسة للمراتب من تطاول غير الْأَكفاء (والحسد لَا يزِيد أَهله إِلَّا خمولا ... ) (وَإِذا خفيت على الغبي فعاذر ... أَن لَا تراني مقلة عمياء) وَالسَّلَام تمّ الْجَواب

§1/1