السنة قبل التدوين

محمد عجاج الخطيب

المقدمة:

الكِتَابُ: المُقَدِّمَةُ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين وعلى آله وصحبه، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين. وبعد، فإن القرآن الكريم هو المصدر التشريعي الأول في الإسلام، والسُنَّة هي المصدر الثاني، لأنها مبيِّنة له، مُفَصِّلةٌ لأحكامه، مفرِّعة لأصوله، وهي التطبيق العملي للإسلام على يد رسول الإنسانية محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، دان المسلمون لأحكامها من لدُن الرسول الكريم إلى يومنا هذا، وستبقى إلى جانب القرآن مصدر الأحكام، ومعين الآداب والأخلاق، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فقد كان التمسك بهما سرَّ نجاج الأُمَّة الإسلامية، وتقدمها، مصداقاً لقوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللهِ , وَسُنَّتِي». ولكنه لم يرق لأعداء الإسلام قديماً وحديثاً، أنْ يروا ازدهار الأُمَّة الإسلامية وتقدمها، فعملوا على هدم أسس الإسلام، وتشكيك المسلمين في دينهم، وكان من الصعب أنْ ينالوا من القرآن الكريم، فوجَّهُوا سهامهم إلى السُنَّة، وحاولوا تشويهها، فوضعوا الأحاديث، وطعنوا في بعض الصحيح منها، واتَّهمُوا بعض الرُواة الثقات، ولكن هذا لم ينل من السُنَّة أمام يقظة الأُمَّة وعلمائها الذين ذبُّوا عنها وحافظوا عليها. وسلك أعداء الإسلام سُبُلاً مختلفة لإنكار السُنَّة جملة بعد التشكيك فيها ,

فادَّعى بعضهم أن السُنّة أهملت بعد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر من قرنين إلى أنْ جمعها بعض المُصَنِّفين في كتب السُنن في القرن الثالث الهجري، فلم تحفظ كالقرآن الكريم منذ ظهور الإسلام، ولهذا تسرَّبَ إليها الوضع، وأصبح من الصعب تمييز الحديث الصحيح من الموضوع ... !! وادَّعَى بعض المستشرقين أنَّ جانباً من الحديث قد وضعه الفقهاء ليدعموا مذاهبهم الفقهية!!! وادَّعَى آخرون أنَّ السُنَّة كانت أحكاماَ مؤقتة لعصر النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأصبحت الآن عديمة الجدوى، وتسرَّبت هذه الفكرة إلى بعض البلاد الإسلامية، وأخذت شكلاً منظماً، فظهر في الهند جماعة تنادي بعدم الاحتجاج بالسُنَّة، سَمَّتْ نفسها (أهل القرآن)، وألَّفَتْ كُتُباً ورسائل كثيرة لنشر أفكارها (¬1). هذه بعض دعاوى أعداء الإسلام، الذين أرادوا من ورائها إبعاد المسلمين عن دينهم، وخلخلة العقيدة في نفوسهم، ليتمكَّنُوا من نشر مبادئهم في بلادنا الإسلامية الطيبة، والسيطرة عليها مادياً بعد السيطرة عليها فكرياً، ومما يؤسف له أنَّ بعض شبابنا الذين لم يُتَحْ لهم أن يتثقَّفُوا بثقافة الإسلام قد اعتنقوا هذه الأفكار التي تخدم أعداءنا، وتفرق صفوفنا، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى التمسك بما جاء في السُنَّة من أحكام وأخلاق وآداب وتوجيه وإرشاد، كما تعتز الأمم بتراثها وتفخر به، ويشهد المنصفون من علماء الأمم الأخرى ¬

_ (¬1) انظر مقالة «تحقيق معنى السُنَّة وبيان الحاجة إليها» للعلامة السيد سليمان الندوي - رَحِمَهُ اللهُ -.

بعظمة تراثنا التشريعي، فكيف يتنكر له بعض المسلمين، ونحن أحوج ما نكون إلى التمسك به، بعد أن عانى المسلمون وطأة الإستعمار فترة طويلة، وذاقوا مرارة التفرقة والهوان، بعد أن كانوا سادة العالم. نحن - في نهضتنا - بحاجة إلى الرجوع إلى شريعتنا، إلى قرآننا وسُنَّة رسولنا، بعد أن حطمنا القيود، ونقضنا غبار الجهالة، ومزَّقنا عصابة العماية عن العيون، فلا بد لإتمام تحرُّرنا من أنْ نتخلَّص من هذه الأفكار التي تسرَّبت إلى صفوفنا، وحملها بعض إخواننا وأبنائنا، سواء أكان هذا عن حسن نية منهم أم عن سوء نية، لأنها تخدم أعداءنا الذين لا يسرهم اجتماع كلمتنا وسعادتنا. ولما كانت السنة مُبيِّنة للقرآن الكريم، ولا يمكن الاستغناء عنها، ولما كان الواقع في حفظ السُنَّة يخالف ما ادعاه المغرضون، كان لا بد من تناول السُنَّة بدراستها وبحث تاريخها، وقد بيَّن الأصوليون وبعض المُحدِّثين مكانة السُنَّة من التشريع الإسلامي، وبقي أن تُبيِّن الحقيقة التاريخية للسُنَّة وكيف اعتنى السلف الصالح بها وحفظها ونقلها قبل أن تصلنا في كتبها المشهورة. وقد رأيت أن أتناول هذا الجانب من البحث في فترة ما قبل التدوين، وأقصد بالتدوين هنا التدوين والتصنيف المشهور، الذي كان في مطلع القرن الهجري الثاني تمشياً مع عرف علماء الحديث، والذي يعود الفضل فيه إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز، فليكن هذا هو التدوين الرسمي، ذلك لأنه قد ثبت تدوين جانب من السُنَّة في عهده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعهد الصحابة. تلك أسباب لاختيار هذا الموضوع، وسبب آخر هو أنه لم يسبق لأحد أنْ بَحَثَ كيف اجتازت السُنَّة تلك الحقبة بحثاً دقيقاً وافياً، إنما كان بحث السلف في هذه الناحية لا يعدو ذكر لمحات عن تلك الحقبة، لاقتناعهم واقتناع المسلمين بأنَّ

السُنَّة قد حفظت على أحسن وجه، بفضل حُفَّاظها وعلمائها، لهذا توزعت مادة البحث في مراجع كثيرة، في كتب الحديث وشروحها، وكتب مصطلحه وعلومه، وفي تراجم الرُواة، وكتب التاريخ والأصول وغيرها، وإذا كانت هذه النتف تشكل معظم مادة الموضوع، فإنها لا تعطي - كما هي - صورة كاملة عن حقيقة السُنَّة وحفظها آنذاك. هكذا أقدمت على دراسة السُنَّة في تلك الفترة، من خلال أمهات المصادر، المخطوط منها والمطبوع، قديماً وحديثاً، ويممت شطر أمهات دور الكتب العامة والخاصة، في دمشق وحلب والقاهرة .. ورجعت إلى مخطوطات نادرة، كما صَوَّرْتُ بعض المخطوطات من البلاد التي لم تتيسَّرْ لي زيارتها، فكان البحث شاقاً من جهة، ويتطلَّب الدقة من جهة أخرى، واضحاً حيناً، ومُعَقَّداً أحياناً، ومع هذا تابعت البحث بروح علمية، يحدوني الصبر، وتعللني ومضات الأمل. وكان لإشراف فضيلة الأستاذ علي حسب الله وتشجيعه، أثر طيب في إخراج هذا الموضوع بثوب جديد، يصوِّرُ السُنَّة في تلك الفترة تصويراً دقيقاً، من حيث عناية الأمَّة بها وحفظها، والاهتمام بنقلها، والتثبت في روايتها على أسلم القواعد العلمية، وكتابتها ونشاط العلماء في تبليغها، وحرصهم على صيانتها، وعوامل انتشارها، ودراسة الأسباب التي كادت تسيء إليها، وجهود العلماء في سبيل حفظها. وقد تعرضتُ لكثير من الشبهات والآراء، وناقشتها، ورددت عليها، وبيَّنت وجه الحق مدعماً بالأدلة والبراهين، فكان الموضوع في تمهيد وخمسة أبواب وخاتمة.

التمهيد، وفيه: أولاً: التعريف بالسُنَّة لغة وشرعاً. ثانياً: موضوع السُنَّة ومكانتها من القرآن الكريم. الباب الأول: السُنَّة في العهد النبوي. وفيه تحدَّثتُ عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حيث هو معلم ومربّ، وبيَّنتُ موقفه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - من العلم، ومنهجه في التبليغ، وتعليم أصحابه - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، وكيف كان الصحابة يتلقون السُنَّة عنه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -. الباب الثاني: السُنَّة في عصر الصحابة والتابعين، وفيه فصلان: الفصل الأول، وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: تأسِّي الصحابة والتابعين بالرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتمسُّكهم بسُنَّته. المبحث الثاني: احتياط الصحابة والتابعين وورعهم في رواية الحديث. المبحث الثالث: ثتبُّت الصحابة والتابعين في قبول الحديث. المبحث الرابع: كيف رُوِيَ الحديث في ذلك العصر باللفظ أم بالمعنى؟ الفصل الثاني، وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: النشاط العلمي في عصر الصحابة والتابعين. المبحث الثاني: انتشار الحديث في عصر الصحابة والتابعين. المبحث الثالث: الرحلة في طلب الحديث.

الباب الثالث: الوضع في الحديث، وفيه أربعة فصول: الفصل الأول: ابتداء الوضع وأسبابه. الفصل الثاني: جهود الصحابة والتابعين ومن تبعهم في مقاومة الوضع وحفظ الحديث. الفصل الثالث: آراء بعض المستشرقين وأشياعهم في السُنَّة ونقدها. الفصل الرابع: أشهر ما أُلِّف في الرجال والموضوعات، وهو ثمار جهود العلماء في المحافظة على الحديث. الباب الرابع: متى دُوِّن الحديث؟ وفيه ثلاثة فصول: الفصل الأول: حول تدوين الحديث، وفيه أخبار حول كتابة السُنَّة، وأخرى حول كراهية كتابتها، ومناقشة الأخبار وخلاصة هذه المناقشة. الفصل الثاني: ما دُوِّنَ في عصر الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي صدر الإسلام. الفصل الثالث: آراء في التدوين. الباب الخامس: بعض أعلام رُواة الحديث من الصحابة والتابعين، وفيه فصلاة: الفصل الأول: بعض أعلام الرُواة من الصحابة. وفيه تعريف الصحابي، وعدالة الصحابة، ثم ترجمة المكثرين من الحديث منهم وهم: 1 - أبو هريرة. 2 - عبد الله بن عمر. 3 - أنس بن مالك. 4 - عائشة أم المؤمنين. 5 - عبد الله بن عباس. 6 - جابر بن عبد الله. 7 - أبو سعيد الخدري.

الفصل الثاني: بعض أعلام الرُواة من التابعين: 1 - سعيد بن المسيب. 2 - عروة بن الزبير. 3 - محمد بن مسلم بن شهاب الزهري. 4 - نافع مولى ابن عمر. 5 - عبيد الله بن عبد الله. 6 - سالم بن عبد الله بن عمر. 7 - إبراهيم النخعي. 8 - عامر الشعبي. 9 - علقمة النخعي. 10 - محمد بن سيرين. وقد يتبادر للوهلة الأولى أنه يمكننا الاستغناء عن الباب الخامس، بما جاء في كتب التراجم، ولكني رأيت من الأهمية بمكان أن أدرس بعض رجال الحديث من الصحابة والتابعين، لأُقَدِّم نموذجاً عظيماً عن القلوب الواعية التي حفظت السُنَّة، والأيدي الطاهرية التي نقلتها بأمانة وإخلاص، على أسلم قواعد التثبت العلمي، وبخاصة أنَّ بعض أهل الأهواء والمستشرقين، كانوا قد طعنوا في مشاهير الرُواة منهم، فرأيت إتماماً للبحث أنْ أُفَنِّدَ طعونهم وافتراءاتهم حين أترجم لهم، وأبيِّنُ الحق من الباطل، بعد أنْ أصحبت أمهات كتب تراجم رجال الحديث في عصرنا نادرة جِدًّا، وقد يعْسر على طلاب العلم الرجوع إليها، فرجح عندي الإقدام على ضم هذا الباب إلى الموضوع، وبهذا أكونُ قد بيَّنْتُ حياة السُنَّة في هذه الحقبة، ودرست مشاهير حُفَّاظها ونَقَلَتِهَا. وكانت الخاتمة خلاصة عامة للبحث. وإني لأرجو الله الكريم أنْ أكون قد وُفِّقْتُ لعرض الموضوع بشكل يحقق الغاية منه، فإني لم آلًُ جهداً، ولم أدَّخِرْ وُسعاً للوصول إلى الحقيقة، وأنا مع هذا لا أدَّعي الكمال في بحثي، وكل ما قُمتُ به لا يعدو محاولة علمية لدراسة السُنَّة وتاريخها في فترة معينة على منهج علمي يسهل الرجوع إليه.

وأسأل الله - عَزَّ وَجَلَّ - أنْ يوفق الأجيال إلى دراسة الشريعة الإسلامية الخالدة، وفهمها وتطبيقها، وأنْ يجمع العرب والمسلمين جَمِيعًا على كتاب الله وسُنَّة رسوله، ليهتدي بهديه، وتعيد للعالم نضارته، وتُحَقِّقَ سعادته، كما حقَّقَها أسلافنا العظام. وأخيراً أشكر فضيلة أستاذي المشرف، الذي شملني بعطفه وتوجيهاته، مع كثرة واجباته وتبعاته، وضيق وقته، كما أشكر كل مَنْ ساعدني مِنْ أساتذتي وإخواني، وسهَّل مُهمَّتي. وختاماً أرجو كل من يطَّلع على هذ البحث فيجد ما يحتاج إلى تعديل أو تبديل، أن يفيدني بما عنده، والله أسأله الرشاد والسداد. ... 29 جمادى الأولى 1382 هـ 28 أكتوبر (تشرين الأول) 1962 م محمد عجاج الخطيب

تمهيد:

تَمْهِيدٌ: - التعريف بالسُنَّة لغة وشرعاً ... - موضوع السُنَّة ومكانتها من القرآن الكريم. ختم الله - عَزَّ وَجَلَّ - رسالات السماوات العلا إلى الأرض، برسالة الإسلام، فبعث محمداً - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رسولاً هادياً، مُبشراً ونذيراً، {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} (¬1). ونبأه بذلك عام 610 من ميلاد عيسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بعد أربعين سَنَة من مولده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فشرَّفه الله - عَزَّ وَجَلَّ - بحمل الرسالة السامية الخالدة، إلى الناس كافة {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (¬2). وأمره أنْ يبلِّغ أحكام الإسلام وتعاليمه فقال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (¬3). وأمره أن يدعو أهله وعشيرته إلى الإسلام فقال: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ، وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (¬4). ليهدي قومه إلى سبيل الرشاد، فيحملوا عبء تبليغ الرسالة إلى الأمم الأخرى، ¬

_ (¬1) [سورة الأحزاب، الآية: 46]. (¬2) [سورة الأعراف، الآية: 158]. (¬3) [سورة المائدة، الآية: 67]. (¬4) [سورة الشعراء، الآية: 214 - 215].

فيكون لهم شرف المُبَلِّغ الهادي، ويخلد اسمهم أبد الدهر كما أراد الله للرسول الكريم - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وللأمَّة العربية التي انطلقت تحرِّرُ العالم من الظلم والطغيان، وتوجه مركب الإنسانية إلى شاطئ السلام، وتخرجه من الظلمات إلى النور سالكة سبيل الهداية والحق بعد أن تنكب الناس الصراط المستقيم، وتخبطوا في غياهب الجهالة والضلال. تتقاذفهم أمواج الأهواء كما تشاء، وتحملهم أعاصير الجبابرة كالهباء. إلاَّ أنَّ هداية العرب لم تكن سهلة، بل تحمَّلَ السلو الكريم - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - في سبيلها المشاق الكثيرة، وأُوذِيَ في جسمه وماله وأهله وأصحابه ووطنه، وكان يدعو ليلا ًونهاراً وسرّاً وإعلاناً، ويسأل الله السداد والرشاد، متطلِّعاً إلى هداية قومه ليتحمَّلوا الرسالة ويؤدوا الأمانة. لقد أحِيَ إلى الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقومه على دين آبائهم، وثنية وأصنام، يسودهم النظام القبلي، وتربط بينهم صلة القرابة والدم، لا يحكمهم نظام عام، بل يخضعون للعادات والأعراف، يدفعهم الشرف والمفاخرة بالأنساب إلى المنافسة في المكارم والمروءات، يعيشون في حلقة القبيلة والأسرة، في إطار الجزيرة العربية. وكان لهذا أثر بعيد في صفاء نفوسهم ومحافظتهم على أمجادهم وعاداتهم، وتفانيهم في سبيل مثلهم الأعلى، حتى كانوا يسرفون في ذلك، فهم كرام يبذلون ما يستطيعون للضيف، فيبلغون في ذلك حدَّ الإسراف. ويأبون العار ولو أدى بأعز ما لديهم إلى الردى، ولهذا وَأَدُوا بناتهم خشية الفقر والزلل. ويحبُّون تحقيق الأمجاد والبطولات، ولكنهم ضلوا الطريق وحرموا العقيدة الموصلة إلى ذلك، ترى العفة والكرامة من أخلاقهم،

والكرم والشجاعة من سجاياهم، والحمية والثأر تسير في عروقهم، فلا ينامون على ضيم، وويل لمن غضب عليه العرب، إذْ كانوا يثورون لأتفه الأسباب، يكفي أنْ يستفز القبيلة فردٌ أهينت كرامته، فتنطلق جميعها كباراً وصغاراً تدفع عنه ما أصابه، لأنَّ كرامة الفرد من كرامة القبيلة، وإلى هذا يمكننا أنْ نَرُدَّ أكثر الغزوات والغارات التي كانت بين القبائل قبل الإسلام. وقد حفظت ذاكرتهم القوية أشعارهم وأنسابهم التي كانت بمثابة سجل تاريخي لهم، وكان كل ذلك من المؤهلات التي أعدَّتْهُم لحمل الرسالة الإسلامية فيما بعد. وإذا كانوا قد عبدوا الأوثان فإنهم لم يروها خالقة مدبِّرة لأمور الكون وشؤونه، بل عبدوها زُلْفَى إلى الله {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (¬1). ولم تكن عقائدهم معقدة مركبة كما كانت عليه عقائد سكان البلاد المجاورة من الفرس والهند، بل كانوا أصفياء النفوس، ويمكننا أنْ نقول: إنَّ عندهم فراغا عقدياً تستره تلك العبادات والمعتقدات الأولية، التي لم تقف على قدميها أمام عقيدة الإسلام المتماسكة الكاملة. ولهذا كان العرب يمتازون عن غيرهم من الأمم بتلك الصفات التي أهَّلَتْهُم فيما بعد لأنْ يكونوا جنود الإسلام وحملة لوائه إلى العالم. ومع هذا لم يكن من السهل أنْ يستجيب العرب جَمِيعًا إلى دعوة الرسول الكريم بادئ ذي بدء، إذْ كان من الصعب أنْ يتركوا دين آبائهم وأجِدًّادهم، فإذا ما دعاهم إلى الله قال له أقرب الناس إليه: تبّاً لك!! ألهذا دعوتنا؟ وأوذي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سبيل دعوته كثيراً، ولم يؤمن به إلاَّ نفر قليل: زوجه، ¬

_ (¬1) [سورة الزمر، الآية: 3].

وبعض ذويه، وقليل من أهله. وكان لا يفتر عن دعوتهم، ويسخرون منه فيزداد نشاطًا وحيوية وراء أمله، ويصوِّرُهم الله تعالى في قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ} (¬1) {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ} (¬2). إلاَّ أنَّ الباطل لا يقوى أمام الحق، فسرعان ما يتقوَّض، ويظهر ضعفه، كما يتلاشى الظلام حين يكون وراءه النور الساطع. وهكذا بدأ الإسلام يستولي على القلوب في مكة رُويداً رُويداً، ثم انتشر بين بعض سكان يثرب (المدينة المنورة)، وازداد إيذاء المشركين للمسلمين واضطروهم إلى هجر وطنهم فرارًا بدينهم. وفي المدينة بدأت الدولة الإسلامية منظمة برياسة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وانتشر خبر الإسلام في أطراف الجزيرة، ولم تمنع أضاليل المشركين العرب من الدخول في دين الله، دين المساواة والعدالة، عقيدة سهلة سامية، إيمان بالله وطاعة لرسول الله، وعبادات تدخل السعادة والطمأنينة إلى النفوس، نظام يضبط الجماعة ويُؤَمِّنُ حقوق الأفراد ... كل هذا جعل القبائل العربية تتهافت إلى المدينة من كل حَدَبٍ وصوبٍ، يعلنون إسلامهم، وعمَّ الإسلام الجزيرة العربية بعد الفتح الأكبر، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وانقلبت مكة والمدينة بل الجزيرة العربية إلى موطن إسلامي متماسك تنبع منه إشعاعات الهداية لتنير العالم. وقد تم ذلك للرسول الكريم خلال اثنتين وعشرين سَنَةً وبضعة أشهر. ¬

_ (¬1) [سورة البقرة، الآية: 170]. (¬2) [سورة المائدة، الآية: 104].

وخرج العرب باعتناقهم هذا الدين الحنيف من نطاق القبيلة المغلق إلى صعيد الإنسانية الواسع، ومن إطار الصحراء إلى العالم الشاسع، وانقلبت رابطة الدم والقرابة إلى الأُخُوَّة في الدين، وانتهى نظام القبيلة وحلَّ مكانه نظام الدولة الإسلامية في مختلف مرافق الحياة وانتقلت حميَّتُهُم للقبيلة إلى نُصرة الحق، وأصبح اعتزازهم بالإسلام وبما يقدمونه من تضحيات وخدمات بدلاً من اعتزازهم بالأنساب، واتجه حُبُّهُم للأمجاد والبطولات صعداً إلى تحقيق ما يُرضِي الله ورسوله، وتحوَّلَتْ شجاعتهم وجُرأتهم المحصورة في النطاق القبلي إلى شجاعة وجرأة في سبيل نشر الدين الجديد، وتحوَّل كرمهم الذي بلغ حَدَّ السرف إلى إعانة الفقراء وإغاثة الملهوفين، وتزويد الجيوش للدفاع عن معتقداتهم وعن إخوانهم في الدين، وتحرير الأمم من نير العبودية إلى الحرية وعبادة إله واحد ... فكان الإسلام شرفاً عظيماً لهم كما قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} (¬1) وكان العرب بحقٍّ كما قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (¬2). يتبيَّنُ لنا مما ذكرت أنَّ هؤلاء العرب الذين انطوت نفوسهم على صفات كريمة، وخصال طيبة، وراءها دوافع قوية وحيويَّة فائقة، كان ينقصهم العقيدة الصالحة، والنظام الحسن، فما إنْ وجدوهما في الإسلام دين الحنيفية السمحة، حتى كانوا خير حافظ لها، وأول داع إليها، ومن ثمَّ فتحوا قلوبهم للرسول الكريم - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وأصغوا إليه، والتفوا حوله ¬

_ (¬1) [سورة الزخرف، الآية: 44] وإنه لذكر: أي لشرف عظيم. انظر " تفسير أبي السعود ": ص 45 جـ 5. (¬2) [سورة آل عمران، الآية: 110].

أولا - التعريف بالسنة:

ينهلون من المعين الذي لا ينضب، ويتلقون تعاليم الإسلام من رائده ليقوموا بدورهم في هداية الناس جَمِيعًا، وهكذا تضافر العامل الفطري الذي تميَّز به العرب مع العامل المكتسب الجديد (الروحي)، فظهر الرعيل الأول الذي حمل مشعل النور والحق إلى العالم، ونقل القرآن الكريم والسُنَّة المطهَّرة بكل أمانة وإخلاص. ولما كان موضوعنا متعلِّقاً بالسُنَّة، فلننتقل إلى التعريف بها. أَوَّلاً - التَّعْرِيفُ بِالسُنَّةِ: 1 - السُنَّة فِي اللُّغَةِ: السُنَّة: السيرة حسنة كانت أو قبيحة. قال خالد بن عتبة الهذلي: فَلاَ تَجْزَعَنْ مِنْ سِيرةٍ أَنتَ سِرْتَهَا * ... * ... * فأَوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُهَا وسننتها سناً واستننتها سرتها، وسننت لكم سنة فاتبعوها. وفي الحديث: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً» (¬1)، يريد من عملها ليقتدى به فيها. وكل من ابتدأ أمراً عمل به قوم بعده، قيل هو الذي سنَّهُ. قال نُصَيْبٌ: كأَنِّي سَنَنتُ الحُبَّ، أَوَّلَ عاشِقٍ * ... * ... * مِنَ النَّاسِ، إِذْ أَحْبَبْتُ مِنْ بَيْنِهم وَحْدِي ¬

_ (¬1) روى الإمام مسلم بسنده عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: قال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ». " صحيح مسلم ": ص 705 جـ 2 وص 2059 جـ 4.

وقد تكرَّرَ في الحديث ذكر السُنَّة وما تصرف منها. والأصل فيه الطريقة والسيرة. وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ونهى عنه، وندب إليه قولاً وفعلاً، ولهذا يقال في أدلة الشرع الكتاب والسُنَّة، أي القرآن والحديث. ويجوز أن يكون لفظ (سُنَّة) من سننت الإبل إذا أحسنت رعيتها والقيام عليها (¬1). 2 - السُنَّةُ فِي الشَّرْعِ: يختلف معنى السُنَّةِ في اصطلاح المتشرعين حسب اختلاف فنونهم وأغراضهم، فهي عند الأصوليين غيرها عند المُحَدِّثين والفقهاء، ولذلك نرى مدلول معناها من خلال أبحاثهم. (أ) فعلماء الحديث إنما بحثوا عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإمام الهادي، الذي أخبر الله عنه أنه أسوة لنا وقدوة، فنقلوا كل ما يتَّصل به من سيرة، وخُلُقٍ، وشمائل، وأخبار، وأقوال، وأفعال، سواء أثْبَتَ ذلك حُكماً شرعياً أم لا. (ب) وعلماء الأصول إنما بحثوا عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المُشرِّع الذي يضع القواعد للمجتهدين من بعده، ويُبيِّنُ للناس دستور الحياة، ولذلك عنوا بأقواله، وأفعاله، وتقريراته التي تثبت الأحكام وتقررها. (جـ) وعلماء الفقه إنما بحثوا عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الذي تدُلُّ ¬

_ (¬1) " لسان العرب ": في مادة (سنن).

أفعاله على حكم شرعي، وهم يبحثون عن حكم الشرع في أفعال العباد وجوباً أو حرمة، أو إباحة، أو غير ذلك (¬1). مما تقدم يتلخَّص لدينا ما يلي: السُنَّة في اصطلاح المُحَدِّثِينَ هي: كل ما أُثِرَ عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صِفة خَلقية أو خُلُقيَّة، أو سيرة سواء أكان ذلك قبل البعثة كتحَنُّثِهِ في غار حراء، أو بعدها. والسُنَّة بهذا المعنى مرادفة للحديث النبوي. السُنَّة في اصطلاح علماء أصول الفقه: هي كل ما صدر عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير القرآن الكريم، من قول، أو فعل، أو تقرير، مما يصلح أنْْ يكون دليلاً لحكم شرعي. أما القول فهو أحاديثه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التي قالها في مختلف الأغراض والمناسبات، فترتَّب على ذلك حكم شرعي، كقوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وقوله: «لاَ ضَرَر وَلاَ ضِرَارَ» (¬2) وقوله في زكاة الزروع: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرَ، وَمَا سُقِىَ بِالنَّضْحِ نِصْفَ الْعُشْرِ» (¬3) وقوله في البحر: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» (¬4). ¬

_ (¬1) انظر " فتح الغفار بشرح المنار ": ص 75 جـ 2 و" المدخل إلى السُنَّة وعلومها ": ص 7 و" السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 61. (¬2) انظر " سُبُل السلام ": ص 84 جـ 3 ورواه الإمام أحمد وابن ماجه. (¬3) " فتح الباري": ص 90 جـ 4، والعثري: ما امتدَّت عروقه فضرب من نهر أو مستنقع من غير سقي. (¬4) انظر " سُبُل السلام ": ص 14 جـ 1 وأخرجه الأربعة وأبو بكر بن أبي شيبة.

وأما الفعل فهو أفعاله التي نقلها إلينا الصحابة، مثل أدائه الصلوات الخمس بهيئاتها وأركانها، وأدائه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مناسك الحج، وقضائه بالشاهد واليمين (¬1)، وما إلى ذلك. وأما التقرير فكل ما أقرَّهُ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مما صدر عن بعض أصحابه من أقوال وأفعال، بسكوت منه وعدم إنكار، أو بموافقته وإظهر استحسانه وتأييده، فيُعْتبَرُ ما صدر عنهم بهذا الإقرار والموافقه عليه صادراً عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن ذلك ما رواه أبو سعيد الخُدري - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أنه خرج رجلان في سفر وليس معهما ماء فحضرت الصلاة فتيمَّما صعيداً طيِّباً، فصلَّيا ثم وجِدًّا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر، ثم أتيا النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكرا ذلك له، فقال الذي لم يعد: «أَصَبْتَ السُنَّةَ» وقال للآخر: «لَكَ الأَجْرَ مَرَّتَيْنِ» (¬2). ومنه أَيْضًا إقراره الاجتهاد للصحابة في أمر صلاة العصر في غزوة بين قريظة، حين قال لهم: «لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدكُمْ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ»، ففهم بعضهم هذا النهي على حقيقته، فأخَّرها إلى ما بعد المغرب، وفهمه بعضهم على أنَّ المقصود حث الصحابة على الإسراع فصلاَّها في وقتها، وبلغ النبي - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - ما فعل الفريقان، فأقرَّهُما ولم ينكر على أحدهما (¬3). ومنه إقرارُهُ لطريقة معاذ بن جبل في القضاء حينما بعثه إلى اليمن. إذْ قال له: «كَيْفَ تَصْنَعُ إِنْ عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟ قَالَ: أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ ¬

_ (¬1) ثبت قضاء الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشاهد ويمين، راجع " مسند الإمام أحمد ": الأحاديث رقم 2224 و 2888 و 2969 و 2970 جـ 4 و " سبل السلام ": ص 131 جـ 4. (¬2) " سبل السلام ": ص 97 جـ 1 رواه أبو داود والنسائي. (¬3) " المدخل إلى السنة وعلومها ": ص 10، و" السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 60.

اللَّهِ؟ قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي لاَ آلُو، قَالَ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرِي ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ» (¬1). وأما السُنَّة في اصطلاح الفقهاء: فهي كل ما ثبت عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يكن من باب الفرض ولا الواجب، فهي الطريقة المتبعة في الدين من غير افتراض ولا وجوب. وقد تطلق السُنَّة عند الفقهاء في مقابلة البدعة (¬2). والبدعة لغة: الأمر المستحدث، ثم أطلقت في الشرع على كل ما أحدثه الناس من قول وعمل في الدين وشعائره مما لم يؤثر عنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن أصحابه. وقد قال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» (¬3). ومن ذلك قولهم «فُلاَنٌ عَلَى سُنَّةٍ» إذا عمل على وفق ما عمل النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه، سواء أكان ذلك مما نص عليه في الكتاب أم لم يكن، وقولهم: «فُلاَنٌ عَلَى بِدْعَةٍ» إذا عمل على خلاف ما عملوه أو أحدث في الدين ما لم يكن عليه السلف. وتُطلَقُ السُنَّةُ أحيانًا عند المُحَدِّثِينَ وعلماء أصول الفقه على ما عمل به أصحابُ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سواء أكان ذلك في الكتاب الكريم أم في المأثور عن النبي ¬

_ (¬1) " إعلام الموقعين ": ص 202 جـ 1. (¬2) انظر " المدخل إلى السنة وعلومها ": ص 10 و " السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 61 عن " إرشاد الفحول ": ص 31، و " تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها ": ص 22 و " تاريخ التشريع الإسلامي ": ص 64. (¬3) " صحيح مسلم ": ص 1343 جـ 3.

- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أم لا (¬1). ويحتج لذلك بقوله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» (¬2)، وقوله أَيْضًا: «تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةً، قَالُوا: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» (¬3). ومن أبرز ما ثبت من السُنَّة بهذا المعنى «سُنَّةُ الصَّحَابَةِ» حَدَّ الخمر، وتضمين الصناع، وجمع المصاحف في عهد أبي بكر برأي الفاروق، وحمل الناس على القراءة بحرف واحد من الحروف السبعة، وتدوين الدواوين ... وما أشبه ذلك مما اقتضاه النظر المصلحي الذي أقرَّهُ الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - (¬4). وأعني بالسُنَّة في بحثي هذا ما أراده المُحَدِّثُونَ، وهي ما يرادف الحديث عند جمهورهم. وإنْ كان بعضهم يُفرِّقُ بينهما. فيرى الحديث ما ينقل عن النبي - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، والسُنَّة ما كان عليه العمل المأثور في الصدر الأول، ولذلك قد تَرِدُ أحاديث تخالف السُنَّةَ المعمول بها، فيلجأ العلماء حينئذٍ إلى التوفيق والترجيح، وعلى ذلك يحمل قول عبد الرحمن بن مهدي: «لَمْ أرَ أَحَدًا قَطُّ أَعْلَمَ بِالسُنَّةِ وَلاَ بِالحَدِيثِ الذِي يَدْخُلُ فِي السُنَّةِ مِنْ حَمَّادٍ بْنَ زَيْدٍ» (¬5). وكذلك قوله عندما سئل عن سفيان الثوري والأوزاعي ومالك: «سُفْيَانُ ¬

_ (¬1) انظر " المدخل إلى السنة وعلومها ": ص 11 و " الحديث والمحدثون ": ص 9 و " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 60. (¬2) من حديث طويل رواه العرباض بن سارية: " سنن أبي داود ": ص 506 جـ 2، الطبعة الأولى لمصطفى البابي الحلبي: سَنَةَ 1371 هـ. (¬3) انظر " المقاصد الحسنة ": ص 158، و " سنن ابن ماجه ": ص 1322 جـ 2 و " الموافقات ": ص 5 - 6 جـ 4. (¬4) انظر " المقاصد الحسنة ": ص 158، و " سنن ابن ماجه ": ص 1322 جـ 2 و " الموافقات ": ص 5 - 6 جـ 4. [تنبيه]: في الطبعة الثانية: رمضان 1408 هـ - أبريل 1988 م، نشر مكتبة وهبة - مصر ورد في الهامش الآتي: (3 و 4) انظر " المدخل إلى السنة وعلومها ": ص 11 - 13 و " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 60. (¬5) تقدمة " الجرح والتعديل ": ص 177.

الثَّوْرِيُّ إِمَامٌ فِي الْحَدِيثِ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ فِي السُّنَّةِ، وَالأَوْزَاعِيُّ إِمَامٌ فِي السُّنَّةِ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ فِي الْحَدِيثِ، وَمَالِكٌ إِمَامٌ فِيهِمَا جَمِيعًا» (¬1). ومما يدل على أنَّ السُنَّة هي العمل المُتَّبَع في الصدر الأول قول علي بن أبي طالب لعبد الله بن جعفر عندما جلد شارب الخمر أربعين جلدة: «كُفَّ. جَلَدَ رَسُولُ اللِه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَينَ وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعَينَ، وَكَمَلَهَا عُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ» (¬2). وبعد أن بيَّنْتُ معنى السُنَّة لغة وشرعا أرى من واجبي أن أبيِّنَ معاني بعض الألفاظ التي تداولها أهل هذا الفن في علمهم. 3 - معنى الحديث والخبر والأثر: الحديث لغة: الجديد من الأشياء، والحديث الخبر يأتي على القليل والكثير، والجمع أحاديث كقطيع وأقاطيع وهو شاذ على غير قياس. وقوله تعالى: {إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (¬3)، عني بالحديث القرآن الكريم، وقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (¬4) أي بَلِّغْ ما أرسلت به (¬5). فالحديث والخبر في اللغة مترادفان من وجه. وقد تطور استعمال هذا اللفظ، وأصبح يطلق على نوع خاص من الأخبار في الأوساط الدينية بدون أن يخرجه ذلك عن معناة العام، يقول ابن مسعود: ¬

_ (¬1) انظر " الزرقاني على الموطأ ": ص 3 جـ 1. (¬2) " مسند الإمام أحمد ": ص 48 - 49 حديث 624 جـ 2. (¬3) [سورة الكهف، الآية: 6]. (¬4) [سورة الضحى، الآية: 11]. (¬5) " لسان العرب " في مادة (حديث): ص 438 جـ 2.

«إِنَّ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وهكذا أصبح القرآن أحسن الحديث، ثم حدَّدَ معنى الحديث أخيراً بأخبار الرسول، سأل أبو هريرة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فقال له الرسول: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَلاَّ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ» (¬1). وقد سبق أن ذكرتُ معنى الحديث مرادفاً للسُنّة عند المُحَدِّثِينَ، وقيل الحديث ما جاء عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخبر ما جاء عن غيره، ومن ثم قيل لمن يشتغل بالسُنَّة مُحَدِّثٌ، وبالتواريخ ونحوها إخباري» (¬2). وقال ابن حجر في " شرح نخبة الفكر ": «الخَبَرُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْفَنِّ مُرَادِفٌ لِلْحَدِيثِ، فَيُطْلَقَانِ عَلَى الْمَرْفُوعِ وَعَلَى الْمَوْقُوفِ وَالْمَقْطُوعِ»، فيشمل ما جاء عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن الصحابة والتابعين، وقيل بينهما عموم وخصوص مطلق فكل حديث خبر ولا عكس. وقد سمَّى المُحَدِّثُونَ المرفوع والموقوف من الأخبار (أثراً). إلاَّ أنَّ فقهاء خراسان يُسمُّون الموقوف بالأثر، والمرفوع بالخبر (¬3). فخلاصة القول: إذا أطلق لفظ (الحديث) أريد به ما أضيف إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

_ (¬1) " نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي ": ص 116 والحديث أخرجه البخاري " فتح الباري": ص 204 جـ 1. (¬2) انظر " تدريب الراوي ": ص 6 و " منهج ذوي النظر ": ص 8. (¬3) انظر المرجع السابق: ص 6 و " منهج ذوي النظر ": ص 8 و " المنهج الحديث في علوم الحديث ": ص 31.

من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خَلْقية أو خُلُقية. وقد يراد به ما أضيف إلى صحابي أو تابعي، ولكن الغالب أن يقيد إذا ما أريد به غير النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ويطلق الخبر والأثر ويراد بهما ما أضيف إلى النبي - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - وما أضيف إلى الصحابة والتابعين وهذا رأي الجمهور. إلاَّ أنَّ فقهاء خراسان يسمُّون الموقوف أثراً والمرفوع خبراً. الحديث القدسي: وكل حديث يضيف فيه رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قولاً إلى الله - عَزَّ وَجَلَّ - يُسمَّى بالحديث القدسي أو الإلهي، والأحاديث القدسية أكثر من مائة حديث، وقد جمعها بعضهم في جزء كبير (¬1)، ونسبة الحديث إلى القدس (وهو الطهارة والتنزيه) وإلى الإله أو إلى الرب، لأنه صادر عن الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - «من حيث إنه المتكلِّم به أولاً والمنشئ له. وأما كونه حديثاً، فلأنَّ الرسول هو الحاكي له عن ربه - عَزَّ وَجَلَّ -، والفرق بينه وبين سائر الأحاديث، أنَّ هذه نسبتها إليه، وحكايتها عنه فهو القائل وهو الحاكي عن نسفه، وأما تلك فلا» (¬2). ¬

_ (¬1) انظر " قواعد التحديث ": ص 39، وانظر " الفرق بين الحديث القدسي والقرآن الكريم والحديث النبوي ": لنوح بن مصطفى الحنفي القونوي، مخطوطة دار الكتب المصرية (مجاميع تيمور 33): ص 71 - 72. (¬2) " المنهج الحديث في علوم الحديث ": ص 31، وقال: «وأما الفرق بينه وبين القرآن فقد ذكروا للقرآن مزايا لم تكن لتلك الأحاديث فقالوا [1] القرآن معجزة باقية على مر الدهور محفوظة من التغيير والتبديل، متواترة اللفظ في جميع الكلمات والحروف والأسلوب. [2] حرمة روايته بالمعنى. [3] حرمة مسِّهِ للمُحْدِثِ وتلاوته لنحو الجُنُب. [4] تَعَيُّنُهُ في الصلاة. [5] تسميته قرآناً. [6] التَعَبُّدُ بقراءته بكل حرف منه عشر حسنات. [7] امتناع بيعه في رواية أحمد وكراهيته عند الشافعي. [8] تسمية الجملة منه آية، ومقدار من الآيات مخصوص سورة =

ثانيا - موضوع السنة ومكانتها من القرآن الكريم:

وقبل أن ندخل الباب الأول من الكتاب أرى من الواجب أنْ أبيِّنَ موضوع السُنَّة ومكانتها من القرآن. ثَانِيًا - مَوْضُوعُ السُنَّةِ وَمَكَانَتُهَا مِنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ: (¬1) لم يكن للأحكام في عهد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مصدر سوى الكتاب والسُنَّة. ففي كتاب الله تعالى الأصول العامة للأحكام، دون التعرض إلى تفصيلها جميعها والتفريع عليها، إلاَّ ما كان منها متفقاً مع الأصول ثابتاً بثبوتها، لا يتغيَّر بمرور الزمن، ولا يتطور باختلاف الناس في بيئاتهم وأعرافهم، كل هذا حتى يساير القرآن الكريم كل زمن، ويبقى صالحاً لكل أمَّة، مهما كانت بيئتها وأعرافها، فتجد فيه ما يكفل حاجتها التشريعية في سبيل النهوض والتقدم. وإلى جانب هذه الأصول في القرآن الكريم نجد العقائد والعبادات وقصص الأمم الغابرة، والآداب العامة والأخلاق .. وقد جاءت السُنَّة في الجملة موافقة للقرآن الكريم، تفسِّرُ مُبْهَمَهُ، وتُفَصِّلُ ¬

_ = [9] القرآن ما كان لفظه ومعناه من عند الله بوحي جلي، وأما الحديث القدسي فهو ما كان لفظه من عند رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومعناه من عند الله تبارك وتعالى، بالإلهام أو المنام. وقد يكون بوحي جليّ وليس الوحي الجلي شرطاً له بخلاف القرآن الكريم فإنه لا يكون إلاَّ بوحي جليّ، أي ينزل به الملك من عند الله بلفظه، وعلى هذا قد يكون الحديث النبوي بوحي، وقد يكون باجتهاد إلاَّ أنَّ الرسول لا يقرُّ على اجتهاد خطأ. والحديث القدسي لا يكون إلاَّ بوحي أعم من أنْ يكون جلياً، فيجوز روايته بالمعنى لأنَّ لفظه للرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. انظر " المنهج الحديث في علوم الحديث ": ص 13 - 32 وهوامشها نقلنا عنه بإيجاز وبتصرف. (¬1) لمعرفة منزلة السُنَّة من القرآن وعلاقتها به، راجع: " الرسالة " للإمام الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ -: ص 91 رقم 299، و" أصول التشريع الإسلامي ": ص 40 وما بعدها، و " المدخل إلى علم أصول الفقه ": ص 55، و" السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 426 وما بعدها، و " أسباب اختلاف الفقهاء ": ص 11، و " المدخل إلى السنة وعلومها ": ص 17 وما بعدها، و " علم أصول الفقه ": ص 41 - 43، و " تاريخ التشريع الإسلامي " للسبكي وإخوانه ": ص 66 وما بعدها، و " تاريخ التشريع الإسلامي " للشيخ محمد الخضري: ص 35.

مجمله، وتُقيِّدُ مُطلقه، وتُخَصِّصُ عامه، وتشرح أحكامه وأهدافه كما جاءت بأحكام لم ينص عليها القرآن الكريم (¬1)، فكانت في الواقع تطبيقاً عملياً لما جاء به القرآن العظيم، تطبيقاً يتخذ مظاهر مختلفة، فحيناً يكون عملاً صادراً عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحيناً آخر يكون قولاً يقوله في مناسبة، وحيناً ثالثاً يكون تصرُّفاً أو قولاً من أصحابه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيرى العمل أو يسمع القول ثم يقر هذا وذاك، فلا يعترض عليه ولا ينكره، بل يسكت عنه أو يستحسنه فيكون هذا منه تقريراً. وهكذا كان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبيّن ما جاء في القرآن الكريم، والصحابة يقبلون ذلك منه، لأنهم مأمورون باتباعه وطاعته، ولم يخطر ببال امرئ منهم أن يترك قول رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - أو فعله، وقد عرفوا ذلك من كتاب الله تعالى، ففيه {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (¬2)، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا (¬3)} {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (¬4)، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬5)، {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬6). فتقبَّل المسلمون السُنَّة من الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما تقبَّلوا القرآن (¬7) ¬

_ (¬1) انظر ص 27 من هذا الكتاب. (¬2) [سورة الفتح، الآية: 10]. (¬3) [سورة المائدة، الآية: 92]. (¬4) [سورة النساء، الآية: 80]. (¬5) [سورة الحشر، الآية: 7]. (¬6) [سورة النساء، الآية: 65]. (¬7) انظر كيف تلقى الصحابة السُنَّةَ وتمسكوا بها بعد قليل.

الكريم استجابة لله ورسوله، لأنها المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم بشهادة الله - عَزَّ وَجَلَّ - ورسوله. وقد بيَّنت السُنَّة القرآن من وجوه (¬1)، فبيَّنت ما أجمل من عبادات وأحكام، فقد فرض الله تعالى الصلاة على المؤمنين، من غير أن يبيِّن أوقاتها وأركانها وعدد ركعاتها، فبيَّن الرسول الكريم هذا بصلاته وتعليمه المسلمين كيفية الصلاة، وقال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِى أُصَلِّى» (¬2). وفرض الحج من غير أن يبيِّن مناسكه، وقد بيَّن الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - كيفيته، وقال: «خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ» (¬3). وفرض الله تعالى الزكاة من غير أن يبيِّن ما تجب فيه من أموال وعروض وزروع، كما لم يبيِّن النصاب الذي تجب فيه الزكاة من كل، فبيَّنت السُنَّة ذلك كله. ومن بيان الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للقرآن تخصيص عامه، من هذا ما ورد في بيان قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (¬4) فهذا حكم عام في وراثة الأولاد آباءهم وأمهاتهم يثبت في كل أصل موروث، وكل ولد وارث فخصَّت السُنَّةُ المُوَرِّثَ بغير الأنبياء، بقوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَحْنُ مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ (¬5)»، وخصَّت الوارث ¬

_ (¬1) راجع المصادر المذكورة في الهامش (1): ص 23 وخاصة " أصول التشريع الإسلامي " لأستاذنا فضيلة الشيخ علي حسب الله: الصفحة 40 وما بعدها. (¬2) أخرجه البخاري في حديث طويل، انظر " صحيح البخاري بحاشية السندي ": جـ 1 ص 125 - 126 وجـ 4 ص 52 وأخرجه الدارمي: " سنن الدارمي ": 148 ط كانفور سَنَةَ 1293 هـ وأخرجه الإمام أحمد. (¬3) " صحيح مسلم " ص 943 حديث 310 جـ 2 وراجع " جامع بيان العلم ": ص 190 جـ 2. (¬4) [سورة النساء، الآية: 11]. (¬5) " فتح الباري ": ص 289، 335، 239 جـ 6 وانظر " صحيح مسلم ": ص 1378 - 1383 جـ 3 و" مسند الإمام أحمد ": ص 158 و160 جـ 1.

بغير القاتل بقوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لاَ يَرِثُ الْقَاتِلُ» (¬1). ومن بيانه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقييد مطلق القرآن كما في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (¬2) فإنَّ قطع اليد لم يقيَّد في الآية بموضع خاص، فتطلق اليد على الكف وعلى الساعد وعلى الذراع. ولكن السُنَّة قيَّدَتْ القطع بأنْ يكون من الرسغ، وقد فعل ذلك رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عندما «أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقْطَعَ يَدُهُ مِنْ مَفْصِلِ الْكَفِّ» (¬3). وتأتي سُنَّة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثبتة ومؤكدة لما جاء في القرآن الكريم أو مُفرّعة على أصل تقرر فيه، ومن ذلك جميع الأحاديث التي تدل على وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج. ومثال السُنََّة التي وردت تفريعاً على أصل في الكتاب (¬4) منع بيع الثمار قبل بُدُوِّ صلاحها، ففي القرآن الكريم قوله تعالى: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬5). وعندما هاجر رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة، وجد المزارعين يتبايعون ثمار الأشجار قبل أنْ يبدو صلاحها، من غير أنْ يتمكَّن المشتري من معرف كميتها وصلاحها، فإذا حان جني الثمار كانت المفاجئات غير الطيبة كثيراً ما تثير النزاع بين المتعاقدين، وذلك عندما طرأ طارئ من برد شديد، أو مُرَاض شجري يقضي على الزهر، وينعدم معه الثمر. لذلك حرَّم رسول ¬

_ (¬1) " سنن الترمذي ": كتاب الفرائض، الباب 17 و " سنن ابن ماجه ": في كتاب الديات باب (14) وكتاب الفرائض باب (18) كما أخرجه الإمام مالك وأحمد وغيرهما. (¬2) [سورة المائدة، الآية: 38]. (¬3) " سبل السلام ": ص 27 و28 جـ 4 وقد روي هذا من حديث عمرو بن شعيب، وأخرجه الدارقطني. (¬4) انظر " المدخل إلى علم أصول الفقه " ص 56. (¬5) [سورة النساء، الآية: 29].

الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا النوع من البيع ما لم يبدُ صلاح الثمر (¬1)، ويتمكَّن المشتري من التثبت من تمام تكوُّنها، وقال: «أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟» (¬2). وفي السُنَّةِ أحكام لم ينصَّ عليها الكتاب وليست بيانًا له، ولا تطبيقًا مؤكدًا لما نص عليه كتحريم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع، وتحريم نكاح المرأة على عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا (¬3). بعد هذا التمهيد نتقدم لدراسة السُنَّةِ، منذ عهده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عصر التصنيف المشهور وبالله التوفيق. ... ¬

_ (¬1) راجع " فتح الباري ": ص 298 جـ 5، كِتَابُ البُيُوعِ - بَابُ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا. (¬2) المرجع السابق: ص 302 جـ 5، كِتَابُ البُيُوعِ - بَابُ إِذَا بَاعَ الثِّمَارَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، ثُمَّ أَصَابَتْهُ عَاهَةٌ فَهُوَ مِنَ البَائِعِ. وقد روى هذا الحديث أنس بن مالك. (¬3) إن النوعين السابقين من البيان: [1] بيان السنة للكتاب بتأكيد ما جاء فيه أو التفريع على أصوله كتطبيق له. [2] «بيان السنة المجملة وتخصيص عامه وتقييد مطلقه». متفق عليهما إجماعًا كما ورد في " الرسالة ": ص 91. وأما هذا النوع ففيه خلاف، والعلماء مذاهب في تخريج ذلك وتعليله، راجع " الرسالة ": ص 92 وما بعدها و " إعلام الموقعين ": ص 288 - 290 جـ 2 و " أصول التشريع الإسلامي ": ص 42 والمراجع المذكورة في الصفحة 23 من هذا الكتاب. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: في الكتاب المطبوع الذي بين يدي: في صفحة 27 من طبعة دار الفكر: 1411 هـ - 1990 م، حذف هذا الهامش.

الباب الأول: السنة في العهد النبوي:

البَابُ الأَوَّلُ: السُنَّةُ فِي العَهْدِ النَّبَوِيِّ: - نتحدث في هذا الباب عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حيث هو مُعَلِّمٍ وَمُرَبٍّ وعن تجاوبه مع دعوته، وموقفه من العلم، ومنهجه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التعليم. - ونتناول مادة السُنَّةِ وحاجة المسلمين إليها، ثم نُبَيِّنُ كيف كان الصحابة يتلقَّونها عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. - ثم نختتمه بانتشار السُنَّةِ في عهد الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وبيان عوامل هذا الانتشار آنذاك.

تمهيد:

تَمْهِيدٌ: عرفنا البيئة التي ظهر فيها رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والفترة التي قَضَّاهَا في دعوته الطاهرة وقد كانت مرحلة تعليمية تطبيقية، وأساسًا متينًا لبنيان الحضارة الإسلامية الشامخ، الذي غَيَّرَ وجه التاريخ، وَأَمَدَّهُ بذخيرة حضارية في مختلف نواحي الحياة. فإذا ما نظرنا إلى تلك الحقبة التي لا تتجاوز ربع قرن من عمر الزمن، منذ بدء دعوة محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى وفاته، ألفينا أنفسنا أمام مدرسة كبيرة جِدًّا تمر في مرحلة تربوية جديدة، يشرف على توجيهها وتربية طلابها وتعلمهم محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، و «موادها» القرآن وَالسُنَّةُ، وطلابها الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ -. وإذا حاولنا أنْ نحكم على هذه التجربة التربوية، حُكْمًا عِلْمِيًّا صَحِيحًا كان لا بد لنا من أَنْ نستعمل طرق القياس والدراسة التربوية، لنتمكن من معرفة مدى نجاح تلك المدرسة الكبرى، ومقدار الإفادة من تلك المادة العلمية التي كانت موضوع الدرس والبحث والتطبيق، ولا يتحقَّق لنا هذا إلاَّ بدراسة شخصية المعلم المُرَبِّي، وتفاعله مع مادته ورسالته، وعلاقته بطلابه وتفاعلهم معه، ومدى تجاوب هؤلاء الطلاب مع مُرَبِّيهِمْ ومع مادته، لنعرف من خلال هذا الفائدة العلمية التربوية التي جنوها، ونطمئنَّ إلى مصير العلم الذي تلقَّوهُ وشاركوا في تطبيقه. لهذا كله كان لِزَامًا علينا أنْ نتعرف على شخصية الرسول الكريم - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، مُربِّيًا وَمُعلِّمًا، ونطَّلِعَ على منهجه وأسلوبه، وعلى المادة

1 - الرسول - صلى الله عليه وسلم -:

التي كانت موضوع العناية والتطبيق من حيث اتصالها ببيئة الطلاب وحياتهم اليومية ونَطَّلِعَ على منهج الصحابة أنفسهم في التلقي، ومدى تجاوبهم مع رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتفاعلهم مع الشريعة الغراء، وخاصة السُنَّة الشَّرِيفَةَ، كل هذا ليكون بحثنا موضوعيًا دقيقًا، يُصَوِّرُ الواقع الذي كانت عليه السُنَّةُ تصويرًا صحيحًا. وإنَّ دراسة المُربِّي والمادة والطلاب لَتُبَيِّنُ مدى نجاح تلك التجربة لأنَّ كل جانب من هذه النواحي الثلاثة أثره البعيد في فهم المادة العلمية المدروسة وبقائها مدة طويلة في نفوس الطلاب واضحة جلية، فكلما تضافرت هذه العوامل الثلاثة في طرق الإيجاب، كانت الفائدة عظيمة جليلة، وبقيت المادة في أذهان الطلاب أَمَدًا بعيدًا، وإذا تنافرت هذه العوامل وَقََلَّ تجاوبها فيما بينها لم تؤت أكلها، وتضاءلت الفائدة المرجوة منها، وسرعان ما يأتي النسيان على تلك المادة التي كانت موضوع البحث والدراسة والتطبيق، وعلى ضوء هذا نتناول البحث من أطرافه الثلاثة المذكورة في هذا الباب. ... 1 - الرَّسُولُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: [أ] مُعَلِّمٌ وَمُرَبٍّ: مهما حاولت أنْ أصف الدرجة التي وصل إليها الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الخٌلُقِ الكريم والسلوك المستقيم فلن أستطيع الإحاطة بذلك، ولا غرابة فأي أديب يمكنه أن يُعبِّرَ عن العناية الإلهية التي شملت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جميع مراحل حياته؟ وأيُّ مؤرِّخ يمكنه أنْ يستقصي جميع أخباره دقيقها

وجليلها في هذا المجال؟ ومع هذا فَإِنَّ المؤلفات التي دُوِّنَتْ عن حياة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مختلف ظواهرها لم يُدَوَّنْ مثلها لرجل في التاريخ قط. وأحاول الآن أنْ أتناول الخطوط الكبرى لموضوعنا هذا. لقد اصطفى الله تعالى مُحَمَّدًا - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وربَّاه وعلَّمه بعنايته الإلهية ليتمكَّن من حمل الرسالة وتبليغها، فأُعِدَّ إعدادًا عظيمًا، حَتَّى كَانَ القُرْآنُ خُلُقَهُ: يرضى برضاه، ويسخط بسخطه (¬1)، بُعث لِيُتَمِّمَ مكارم الأخلاق، «فَلَمْ يَكُنْ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ أَخْلاَقًا» (¬2). «كَانَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا» (¬3)، «وَإِذَا كَرِهَ شَيْئًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ» (¬4)، «وَإِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ» (¬5) وَكَانَ أَصْحَابه يَعْرِفُونَ ذَلِكَ مِنْهُ. وَلَمْ يَحْقِدْ عَلَى إِنْسَانٍ قَطُّ لِنَفْسِهِ، وَمَا اِنْتَقَمَ لِنَفْسِهِ «إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا» (¬6). كان سيد الناس في أخلاقه ومعاملاته؛ وكيف لا وقد اختاره الله تعالى ليكون للعالم أسوة حسنة، وأوحى إليه ليكون لهم بشيراً ونذيراً؟ {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ} (¬7) فكانت مُهِمَّتُهُ - عَلَيْهِ ¬

_ (¬1) روي عن عائشة نحوه، انظر " سنن ابن ماجه ": الأحكام. (¬2) روي عن عبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: " فتح الباري ": ص 285 جـ 7. (¬3) عن أبي سعيد الخُدري: " فتح الباري ": ص 387 جـ 7. (¬4) من طريق شُعبة بن الحجاج: " فتح الباري ": ص 388 جـ 7. (¬5) " فتح الباري ": ص 384 جـ 7. (¬6) المرجع السابق: ص 387 جـ 7 من حديث عائشة. (¬7) [سورة الجمعة، الآية: 2].

[ب] تجاوبه مع دعوته:

الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - مُهِمَّة صعبة جليلة، يبلغ الناس آيات الله - جَلَّ وَعَلاَ -، وَيُفقِّهَهُمْ في الدين، ويطهرهم وينقذهم مما كانوا فيه، لذلك كله كان - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ - يتمتع بصفات خُلُقِيَّةٍ سامية، وَيَتَمَيَّزُ بشخصية تربوية عالية، تتجلَّى فيها الآداب الكريمة، التي تتدفق من خصاله الحميدة الكثيرة، ويكفينا في ذلك كله شهادة الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - له إذْ يقول: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (¬1). أما من الناحية العلمية فقد شرح الله صدره وعلمه ما لم يكن يعلم، فبلغ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من العلم غاية لم يبلغها بشر سواه، فكان المرجع الأول للمسلمين في أحكام القرآن، وتعاليم الإسلام، وعرف سير الأمم الغابرة، وجمع إلى ذلك علم أهل الكتاب، وأُتِيَ جوامع الكلم، إلى جانب معرفته بالعلوم الأخرى التي تتصل بالحياة الإنسانية، يدرك ذلك من تتبع أخباره - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسيرته، قال تعالى: { ... وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ... } (¬2) فعلم دقائق أحكام القرآن فحمله إلى الناس، وَبَيَّنَهُ بِسُنَّتِهِ الطاهرة وسلوكه المستقيم، فكان المعلم الأول، والمُرشد الصادق الأمين إلى الطريق القويم، وكان بحق رحمة للعالمين. ... [ب] تَجَاوُبُهُ مَعَ دَعْوَتِهِ: لما كان لتجاوب المُرَبِّي مع مادته أثر بعيد في إفادة طلابه، وبقاء المادة العلمية ثابتة راسخة في أذهانهم، أحببت أنْ أُنَبِّهَ إلى تجاوب الرسول الكريم مع رسالته ودعوته، لندرك فيما بعد أثر ذلك في حفظ السُنَّةِ الشَّرِيفَةِ. ¬

_ (¬1) [سورة القلم، الآية: 4]. (¬2) [سورة النساء، الآية: 113].

إنه لا يشك إنسان في أنَّ رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، قد اندفع من صميم فؤاده وبجميع قواه في سبيل تبليغ رسالته، وقد تَحَمَّلَ الكثير من الأذى وَقَاسَى الصعاب وصبر الصبر الجميل لتدعيم أركان الحنيفية السمحة، واضطهد كثيرًا حتى غادر مسقط رأسه. ومع هذا كان يَتَمَنَّى لقومه الهداية والرشاد، فَيُطَيِّبُ اللهُ خاطره، ويُخفِّفُ عنه، مُبيِّنًا أنَّ هدايتهم بيده - عَزَّ وَجَلَّ - فيقول: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (¬1). وَيُصَوِّرُ الله تعالى ضيقه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سبيل هداية قومه فيقول: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (¬2). حتى إذا مَا رَسَتْ دَعَائِمُ الإسلام وقويت شوكته، وقامت دولته كان الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، القائد المُوجِّهَ والرئيس المشرف، والفقيه المعلم، والمُفتي الصادق يمارس كل هذا بنفسه الصافية، وروحه العالية مندفعًا في أداء الأمانة فقضى عمره داعيًا إلى الله مُعَلِّمًا وَمُرْشِدًا، يُحِبُّ أصحابه حُبًّا جَمًّا، يشاركهم آلامهم وأفراحهم، وفي هذا كله كان منسجمًا انسجامًا تَامًّا مع رسالته سعيدًا بدعوته، خير من يهتدي بسيرته في مختلف مظاهر الحياة، وقد كان الأسوة الحسنة لأصحابه الذين خالطوه ورأوه وسمعوا منه وعرفوا عنه كل دقيق وجليل، فنقلوه إلينا بإخلاص ودقة. ... ¬

_ (¬1) [سورة القصص، الآية: 56]. (¬2) [سورة الكهف، الآية: 6].

[ج] موقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - من العلم:

[ج] مَوْقِفُ الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ العِلْمِ: لقد نزل الوحي على رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - أول ما نزل بآيات توجه النظر الإنساني إلى التعلم، وتطالبه بالقراءة، فصدع بقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ... } (¬1). وإنا لنجد القرآن يدعو إلى التعلم، ويحض على طلب العلم، وَيُبَيِّنُ درجات العلماء، ويخاطب العقلاء، ويحضهم على التدبر في آيات الله تعالى وآلائه، من ذلك قوله تعالى: { ... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} (¬2) وقوله سبحانه: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالمَلاَئِكَةُ وَأُولُو العِلْمِ قَائِمًا بِالقِسْطِ} (¬3) وقوله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ} (¬4) وقد حض على سؤال العلماء فقال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (¬5) وأوجب نشر العلم وبيان أحكام الله فقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} (¬6) كما حض على طلب العلم والتعليم فقال: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (¬7)، بَلْ حَثَّ على الاستزادة من العلم فقال: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (¬8). ¬

_ (¬1) [سورة العلق، الآية: 1]. (¬2) [سورة الزمر، الآية: 9]. (¬3) [سورة آل عمران، الآية: 18]. (¬4) [سورة المجادلة، الآية: 11]. (¬5) [سورة النحل، الآية: 43] و [سورة الأنبياء، الآية: 7]. (¬6) [سورة آل عمران، الآية: 187]. (¬7) [سورة التوبة، الآية: 122]. (¬8) [سورة طه، الآية: 114].

1 - حض الرسول - صلى الله عليه وسلم - على طلب العلم:

ولسنا بصدد إحصاء آيات العلم والتعليم والعلماء في القرآن الكريم، فإنَّ المقام لا يتسع لذلك، وإنما الغاية أنْ نعرف موقف الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من العلم والحث على طلبه، وتشجيعه للعلماء وطلاب العلم على ممارسة التعليم والتعلم، فنطَّلع على سُنَّته - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - في ذلك، لأنَّ لهذا أثرًا بعيدًا في حفظ «السُنَّةِ» إلى جانب القرآن الكريم. وإنَّ ما سنعرضه الآن إنما هو غيض من فيض. 1 - حَضُّ الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى طَلَبِ العِلْمِ: بيَّنَ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منزلة العلم وحض على طلبه فقال: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» (¬1) وقال - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ» (¬2)، وجعل العلم ركنا من أركان الخير وَمَيَّزَ الناس به فقال: «النَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ في الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ في الإسْلاَمِ إِذَا فَقهُوا» (¬3). وجعل طلب العلم الشرعي الذي يحتاج إليه المسلم ليقيم أمور دينه فريضة على المسلم فقال - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة في " مسنده ": ص 180 حديث 7193 جـ 12، إسناده صحيح. ورواه الطبراني في " الصغير " ورجاله رجال الصحيح، انظر " مجمع الزوائد ": ص 121 جـ 1 و" سنن ابن ماجه ": ص 49 جـ 1، وأخرجه البخاري في " صحيحه " في غير موضع مسندًا ومعلقًا على صيغة الجزم فهي في حكم المسند. (¬2) رواه ابن ماجه: ص 50 جـ 1 وذكره ابن عبد البر في " جامع بيان العلم ": ص 26 جـ 1 كما أخرجه الترمذي. (¬3) رواه الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله، انظر " مجمع الزوائد ": ص 121 جـ 1 وقال: رجاله رجال الصحيح، وانظر " جامع بيان العلم ": ص 18 جـ 1. (¬4) " سنن ابن ماجه ": ص 50 جـ 1، رواه أنس عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وأما العلوم الأخرى التي يحتاج إليها المسلمون في حياتهم فهي من باب فرض الكفاية، يأثم جميع المسلمين إذا احتاجوا إلى علم ولم يوجد بينهم من يكفيهم إياه، ثم لاَ يَتَحلَّلُونَ من ذلك حتى يَسُدُّوا ذلك النقص. وجعل العلم من الأمور التي يغتبط فيها ويتنافس في مضمارها فقال - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ أَتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِى الْحَقِّ، وَآخَرُ أَتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا» (¬1). وحثَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسلمين على أنْ يكون لكل منهم نصيب مِنَ العلم فقال: «اغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُسْتَمِعًا أَوْ مُحِبًّا، وَلاَ تَكُنِ الْخَامِسَةَ فَتَهْلَكَ» (¬2)، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ لِي مِسْعَرُ: «زِدْتَنَا خَامِسَةً لَمْ تَكِنْ عِنْدَنَا، وَالخَامِسَةَ أَنْ تَبْغَضَ العِلْمَ وَأَهْلَهُ». وكان الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - يحض أصحابه على تفهم أمور دينهم، ويأمرهم أَنْ يسألوا عما يجهلونه، ويمنعهم أنْ يفتوا من غير علم، ومن ذلك ما رواه عبد الله بن عباس: أَنَّ رَجُلاً أَصَابَهُ جُرْحٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَدْ أَصَابَهُ اِحْتِلاَمٌ، فَأُمِرَ بِالاِغْتِسَالِ فَمَاتِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «قَتَلُوهُ!! قَتَلَهُمُ اللَّهُ!! أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعِىِّ السُّؤَالَ؟!» (¬3). ¬

_ (¬1) " مسند الإمام أحمد " عن عبد الله بن عباس: ص 78 حديث 4109 جـ 6، إسناده صحيح. ورواه البخاري ومسلم، وانظر " جامع بيان العلم ": ص 17 جـ 1. والمراد بالحسد هنا الغِبْطة وهي أنْ يتمنَّى المرءُ مثل ما عند غيره من غير أن يتمنَّى زواله عنه، وأما الحسد فهو أنْ يتمنَّى زوال النعمة عن غيره لتكون له وهو مُحَرَّمٌ في الإسلام ونهى عنه رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬2) " مجمع الزوائد ": ص 122 جـ 1 ورجاله موثوق بهم، وقد رواه الطبراني في " معاجمه الثلاثة "، والبزار. (¬3) " مسند الإمام أحمد: ص 22 حديث 3057 جـ 5 بإسناد صحيح. وأخرج أبو داود عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: «خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلاً مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: " هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ " فقالوا: " فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى المَاءِ، =

ولم يقتصر حض رسول الله لأصحابه على طلب العلم الشرعي من خلال القرآن والسُنَّةِ الطاهرة، بل دعاهم إلى كل علم يفيد المسلمين، حتى إنه أول ما قدم المدينة، وسمع من زيد بن ثابت بضع عشرة سورة من القرآن، وهو صغير السن أعجب به، وأمره أن يتعلَّم لغة اليهود، فقال: «يَا زَيْدُ تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُودَ، فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي» وفي رواية: «إِنِّي أَكْتُبُ إِلَى قَوْمٍ فَأَخَافُ أَنْ يَزِيدُوا عَلّيَّ أَوْيُنْقِصُوا، فَتَعَلَّمَ السُّرْيَانِيَّةَ» قَالَ زَيْدٌ: «فَتَعَلَّمْتُهَا فِي سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا» (¬1). وكان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثيراً ما يدعو الله - عَزَّ وَجَلَّ - فيقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، وَمِنْ دُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ (¬2)». وذكر - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - العلم النافع في ثلاثة لا ينقطع أجرها بعد الموت، فقال: «إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثَةِ أَشْيَاءَ: صَدَقَةٍ جَارِية، أوَ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَهُ، أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (¬3). هكذا بَيَّنَ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكانة العلم وحض أصحابه ¬

_ = فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: «قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمُ اللهُ، أَلاَ سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا؟ فَإِنَّمَا شِفَاءُ العِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ ... يَعْصِبَ - عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» انظر " سنن أبي داود ": ص 82 جـ 1. (¬1) " تاريخ دمشق " لابن عساكر: ص 280 و 281 جـ 6، و" طبقات ابن سعد ": ص 115 قسم 2 جـ 2، وللاستزادة راجع كتابنا " زيد بن ثابت ": ص 4 و 17. (¬2) " سنن ابن ماجه ": ص 56 جـ 1 عن أبي هريرة وأخرج نحوه زهير بن حرب في كتاب "العلم "، انظر: كتاب "العلم ": ص 194. (¬3) " جامع بيان العلم ": ص 15 جـ 1 عن أبي هريرة، ورواه البخاري في (الأدب) ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي.

2 - حضه على تبليغ العلم:

والمسلمين جَمِيعًا على طلبه، ولم يكتف بذلك بل أمر بتبليغه. 2 - حَضُّهُ عَلَى تَبْلِيغِ العِلْمِ: إنَّ الغاية من العلم أن ينتفع أصحابه، وينفعوا غيرهم به، ولا فائدة من علم مكتوم أو فقه في صدور العلماء، لا ينال منه الناس شيئًا، لذلك أمر رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنشر العلم، وَحَرَّمَ كتمانه، وذكر ذلك في مناسبات كثيرة، وشهد على هذا ألوف المسلمين. قال ابن مسعود: سمعت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «نَضَّرَ اللهُ امْرُءًا سَمِعَ مِنَّا حَدِيْثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَحْفَظُ لَهُ مِنْ سَامِعٍ» (¬1) والحديث مشهور، وطرقه كثيرة بألفاظ متقاربة، منها: «رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» ومنها: «نَضَّرَ الله عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لاَ فِقْهَ لَهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلاَثٌ لاَ يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ الْمُؤْمِنُ: إِخْلاَصُ الْعَمَلِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَطَاعَةُ ذَوِي الأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تَكُونُ مِنْ وَرَائِهِمْ» (¬2). وكان يُبَلِّغُ الوفود التي تَفِدُ إليه أنْ يحملوا الإسلام إلى من خلفهم، ويُفَقِّهُوهُمْ في الدين، ومن ذلك ما فعله عندما قدم إليه وفد عبد القيس، قال - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: رَبِيعَةُ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالقَوْمِ - أَو الْوَفْدِ - ¬

_ (¬1) " مسند الإمام أحمد ": ص 96 حديث 4157 جـ 6 بإسناد صحيح، ورواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان. (¬2) " الجرح والتعديل ": ص 9 و 10 و 11 جـ 1. وانظر " سنن ابن ماجه ": ص 84 - 85 جـ 1، و" جامع بيان العلم ": ص 39 جـ 1، رواه عن زيد بن ثابت.

غيرَ خَزايا، ولا ندامَى. قالوا: إنا نأتيك (¬1) من شُقَّة بعيدة، وبيننا وبينك هذا الحيُّ من كفار مُضَرَ، ولا نستطيع أن نأتيَكَ إلاَّ في شهر حرام، فمُرْنا بأمرٍ نُخبر به مَنْ وراءنا، ندخُلُ به الجنة، فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع .... قال: «احْفَظُوهُ وَأَخْبِرُوهُ مَنْ وَرَاءَكُمْ» (¬2). ولم يترك رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طريقة من طرق التبليغ والإعلام في ذلك العصر إلاَّ استعملها في سبيل تبليغ الإسلام، فأرسل الرُّسُلَ، وطيَّرَ الكُتُبَ، ووجَّهَ الأمراءَ والقضاة، فكان مثالاً طيِّبًا لنشر الرسالة، وتلبيغ الأمانة، ومنع كتمان العلم: فقال: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ، أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (¬3) وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَثَلُ الذِي يَتَعَلَّمُ عِلْماً ثُمَّ لاَ يُحَدِّثُ بِهِ مَثَلُ رَجُلٍ رَزَقَهُ اللهُ مالاً فَكَنَزَهُ فَلَمْ يُنْفِقْ مِنْهُ» (¬4) فهو بمعنى الآية الكريمة: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ ¬

_ (¬1) هكذا النص. (¬2) " فتح الباري ": ص 194 جـ 1. وتتمة الحديث: أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ، قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَتُعْطُوا الخُمُسَ مِنَ المَغْنَمِ» وَنَهَاهُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالحَنْتَمِ وَالمُزَفَّتِ " قَالَ شُعْبَةُ: رُبَّمَا قَالَ: «النَّقِيرِ» وَرُبَّمَا قَالَ: «المُقَيَّرِ» قَالَ: «احْفَظُوهُ وَأَخْبِرُوهُ مَنْ وَرَاءَكُمْ». (¬3) " مسند الإمام أحمد ": ص 5 حديث 7561 جـ 14 وص 86 حديث 7930 جـ 15. (¬4) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 71: ب.

3 - منزلة العلماء (المعلمين):

وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (¬1). 3 - مَنْزِلَةُ العُلَمَاءِ (المُعَلِّمِينَ): يكفي رجال العلم فضلاً أنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رائدهم، وأول من حمل لواء التحرير من الجهالة والضلال. وَقَدْ بَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - منزلتهم فقال: «العُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ» (¬2) وَحَثَّ الأُمَّةَ على احترام العلماء ومعرفة حقوقهم فقال: «لَيْسَ مِنْ أُمَّتِى مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ» (¬3) وإنَّ للعالم نصيبه عند الله - عَزَّ وَجَلَّ - من هذا الأجر كما لطالب العلم نصيبه منه. وفي ذلك يقول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - «العَالِمُ وَالمُتَعَلِّمُ شَرِيكَانِ فِي الأَجْرِ» (¬4) وقال - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مُعَلِّمُ الْخَيْرِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي البِحَارِ» (¬5) 4 - مَنْزِلَةُ طُلاَّبِ العِلْمِ: من أعظم ميزات الإسلام، أَنَّ كل عمل يقوم به المسلم يعود عليه بالفائدة ¬

_ (¬1) [سورة التوبة، الآيتان: 34، 35]. (¬2) " مجمع الزوائد ": ص 127 جـ 1 رواه عن أبي الدرداء وقال: «العُلَمَاءُ خُلَفَاءُ الأَنْبِيَاءِ» وله في " السنن " «العُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ» وقال: رواه البزار ورجاله موثوق بهم. (¬3) " مجمع الزوائد ": ص 127 جـ 1. رواه الإمام أحمد والطبراني في " الكبير " وإسناده صحيح. (¬4) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 28 جـ 1 من حديث طويل ذكره ابن عبد البر عن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬5) " مجمع الزوائد ": ص 124 جـ 1، وقد رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه إسماعيل بن عبد الله بن زرارة وَثَّقَهُ ابن حبان وقال الأزدي: «مُنْكَرُ الحَدِيثِ»، ولا يلتفت إلى قول الأزدي في مثله، وبقية رجاله رجال الصحيح. عن جابر بن عبد الله.

والخير يكتب له به عند الله أجره حتى طلب العلم، قال - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ غَدَا إلَى الْمَسْجِدِ لاَ يُرِيدُ إلاَّ أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمَهُ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا (¬1) حِجَّتُهُ» (¬2) وفي رواية: «كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (¬3) و «مَنْ طَلَبَ عِلْمًا فَأَدْرَكَهُ، كَتَبَ الله لَهُ كِفْلَيْنِ مِنَ الأَجْرِ، وَمَنْ طَلَبَ عِلْمًا فَلَمْ يُدْرِكْهُ، كَتَبَ الله لَهُ كِفْلاً مِنَ الأَجْرِ» (¬4) وقال: «إِذَا جَاءَ المَوْتُ طَالِبَ العِلْمِ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ مَاتَ شَهِيداً (¬5)». وإنَّ فضل العلم ليربو على فضل العبادة أحيانًا لقوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَضْلُ العِلْمِ خَيْرٌ مِنْ فَضْلِ العِبَادَةِ، وَمِلاَكُ الدِينِ الوَرَعُ» (¬6). وإنَّ منزلة طلاب العلم لتبدو مجسَّمة واضحة فيما روى أبو هريرة عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: « ... وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، ¬

_ (¬1) هكذا النص. (¬2) " مجمع الزوائد ": ص 123 جـ 1. الأول رواه الطبراني في " الكبير " عن أبي أمامة ورجاله موثوق بهم، والثاني أخرجه الطبراني أَيْضًا في " الكبير " عن سهل بن سعد وفي سنده يعقوب بن حميد بن كاسب، وثَّقَهُ البخاري وابن حبان وَضَعَّفَهُ النسائي وغيره ولم يستندوا في تضعيفه إلاَّ إلى أنه محدود وسماعه صحيح. " مجمع الزوائد ": ص 123 جـ 1. وانظر " سنن ابن ماجه ": ص 51 جـ 1 و " جامع بيان العلم ": ص 33 جـ 1. (¬3) " مجمع الزوائد ": ص 123 جـ 1. الأول رواه الطبراني في " الكبير " عن أبي أمامة ورجاله موثوق بهم، والثاني أخرجه الطبراني أَيْضًا في " الكبير " عن سهل بن سعد وفي سنده يعقوب بن حميد بن كاسب، وثَّقَهُ البخاري وابن حبان وَضَعَّفَهُ النسائي وغيره ولم يستندوا في تضعيفه إلاَّ إلى أنه محدود وسماعه صحيح. " مجمع الزوائد ": ص 123 جـ 1. وانظر " سنن ابن ماجه ": ص 51 جـ 1 و " جامع بيان العلم ": ص 33 جـ 1. (¬4) " مجمع الزوائد ": ص 123 جـ 1 رواه الطبراني في " الكبير " عن واثلة بن الأسقع ورجاله موثوق بهم. (¬5) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 31 جـ 1 رواه البزار عن أبي هريرة وأبي ذر. (¬6) المرجع السابق: ص 22 جـ 1 رواه البزار والطبراني في " الأوسط " والحاكم.

5 - وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطلاب العلم:

وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَنْ عِنْدَهُ. وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» (¬1). وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي المَسْجِدِ مُتَّكِئٌ عَلَى بُرْدٍ لَهُ أَحْمَرَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي جِئْتُُ أَطْلُبُ العِلْمَ، فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِطَالِبِ الْعِلْمِ، إِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ لَتَحُفُّهُ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا، ثُمَّ يَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَبْلُغُوا السَّمَاءَ الدُّنْيَا مِنْ مَحَبَّتِهِمْ لِمَا يَطْلُبُ» (¬2) وفي رواية: «مِنْ حُبِّهِمْ لِمَا طَلَبَ» (¬3). 5 - وَصِيَّةُ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطُلاَّبِ العِلْمِ: عَنْ أَبِي هَارُونَ العَبْدِيِّ قَالَ: كُنَّا إِذَا أَتَيْنَا أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ قَالَ: " مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". قَالَ: " قُلْنَا: وَمَا وَصِيَّةُ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ " قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّهُ سَيَأْتِي بَعْدِي قَوْمٌ يَسْأَلُونَكُمْ الحَدِيثَ عَنِّي، فَإِذَا جَاؤُوكُمْ فَأَلْطِفُوا بِهِمْ، وَحَدِّثُوهُمْ» (¬4). وفي رواية أنه: إِذَا رَأَى الشَّبَابَ قَالَ: " مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ ¬

_ (¬1) " مسند الإمام أحمد ": ص 161 حديث 7421 جـ 13 بإسناد صحيح، رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان. ونحوه في " مجمع الزوائد ": ص 122 جـ 1، و " سنن ابن ماجه ": ص 51 جـ 1. (¬2) " مجمع الزوائد ": ص 131 جـ 1، رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله رجال الصحيح، وانظر " الجرح والتعديل ": ص 13 جـ 1. (¬3) " مجمع الزوائد ": ص 131 جـ 1، رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله رجال الصحيح، وانظر " الجرح والتعديل ": ص 13 جـ 1. (¬4) " شرف أصحاب الحديث ": ص 72: آ، وقد رواه الخطيب البغدادي بسنده الآتي: «أَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الصَّفَّارُ إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ السَّرَخْسِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ ح وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ المُعَدِّلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، إِمْلاَءً، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ الوَاسِطِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو هَارُونَ العَبْدِيُّ». ولفظ الحديث لابن بشران.

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْصَانَا رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُوَسِّعَ لَكُمْ فِي المَجْلِسِ وَأَنْ نُفَقِّهَكُمْ، فَإِنَّكُمْ خُلُوفُنَا، وَأَهْلُ الحَدِيثِ بَعْدَنَا " (¬1). وفي رواية أخرى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَأْمُرُهُمْ بِأَنْ يُرَحِّبُوا بِطُلاَّبِ العِلْمِ، فَيَقُولُ: «سَيَأْتِيكُمْ أَقْوَامٌ يَطْلُبُونَ العِلْمَ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَقُولُوا لَهُمْ مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [وَاقْنُوهُمْ] (*)» (¬2). وفي رواية: «وَإِنَّهُمْ سَيَأْتُونَكُمْ مِنْ أَقْطَارِ الأَرْضِ يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ فَإِذَا جَاؤُوكُمْ فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا» (¬3). تلك لمحة سريعة عن موقف رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من العلم، وتشجيعه العلماء وطلاب العلم على التعليم والتعلم، فَبَيَّنَ فضل العلماء وطلابه، ومنزلة كل منهم وأجره، حتى إنَّ المرء لا يكاد يسمع شَيْئًا من ذلك، إلاَّ اندفع تِلْقَائِيًّا، ليكون أحد أطراف الحياة العلمية، فهل بعد هذا كله وسيلة تشجيعية لطلب العلم وتحصيله؟ وهل وراء ذلك ما يثني الصحابة ومن بعدهم عن دراسة الحديث وحفظه وإتقانه؟! إِنَّ التشجيع العلمي بلغ أَوْجَهُ، وسبيل العلم متيسر للجميع ليس بينه وبين طلابه حاجز أو مانع، ومعلم الخير يرحب بكل طالب. وننتقل بعد هذا إلى منهج الرسول الكريم في تعليم أصحابه. ... ¬

_ (¬1) " شرف أصحاب الحديث ": ص 22: ب. (¬2) " سنن ابن ماجه ": ص 55 جـ 1. (¬3) " سنن ابن ماجه ": ص 56 جـ 1. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) ورد في المطبوع من الكتاب (وَأَفْتُوهُمْ) وإنما هي (وَاقْنُوهُمْ) كما أثبتها. انظر: ابن ماجه: " السنن "، تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، المُقَدِّمَةُ، (22) بَابُ الوَصَاةِ بِطَلَبَةِ العِلْمِ، حديث رقم 247، 1/ 90 و 91، طبعة سَنَةَ: 1395 هـ - 1975 م، نشر دار إحياء التراث العربي. بيروت - لبنان.

[د] منهجه - صلى الله عليه وسلم - في التعليم:

[د] مَنْهَجُهُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّعْلِيمِ: إنَّ منهج الرسول الكريم في تبليغ أصحابه لاَ يَتَعَدَّى منهج القرآن العظيم، إذْ كان الرسول مُبَلِّغًا لكتاب الله تعالى، مُبَيِّنًا أحكامه، مُوَضِّحًا آياته، وقد نزل القرآن الكريم مُنَجَّمًا عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلال ثلاث وعشرين سَنَةٍ، والرسول الكريم يبلغ قومه، ومن حوله، ويفصل تعاليم الإسلام، ويطبق أحكام القرآن، فكان معلمًا وحاكمًا وقاضيًا ومفتيًا وقائدًا طيلة حياته - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، فكل ما يتعلق بِالأُمَّةِ الإِسْلاَمِيَّةِ في جميع شؤونها، دقيقها وعظيمها، وكل ما يتناول الفرد والجماعة في مختلف نوحي حياتهم، مما لم يرد في القرآن فهو من السُنَّةِ، العملية أو القولية أو التقريرية، ومن ثَمَّ نجد بين يدينا أحكامًا وآدابًا وعبادات وقربات شُرِّعَتْ وَطُبِّقَتْ وَسُنَّتْ خلال ربع قرن، فلم توضع السُنَّةُ دفعة واحدة (¬1) كمجموعة من الشرائع الوضعية، أو الأحكام الخلقية، التي يمليها بعض الحكماء والوعاظ، وإنما شُرِّعَتْ لتربية الأُمَّة دينيًا واجتماعيًا وخلقيًا وسياسيًا، في السلم والحرب، في الرخاء والعسر، وتتناول النواحي العلمية والعملية، فلم يكن من السهل أن ينقلب الناس آنَئِذٍ فجأة، ويتحوَّلوا بين عشية وضحاها عن تعاليمهم القديمة، وديانتهم ¬

_ (¬1) وَالسُنَّةُ لم تكن قط نتيجة التطور الديني والسياسي والاجتماعي للإسلام في القرنين الأول والثاني كما ادَّعَى «جولدتسيهر» الذي يضيف فيقول: «وليس صحيحًا ما يقال من أنه - أي الحديث - وثيقة للإسلام في عهده الأول عهد الطفولة، ولكنه أثر من آثار جهود الإسلام في عصر النضوج» راجع " نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي " عن " دراسات إسلامية " لجولدتسيهر. كما ذكر «غاستون ويت» هذا الرأي لجولدتسيهر في مقالته عن الحديث في " التاريخ العام للديانات ": ص 366 جـ 4 بالفرنسية. وذكر واضعو " دائرة المعارف الإسلامية " قريبًا من هذا القول عن جولدتسيهر في مادة (حديث)، نَقْلاً عن كتابه " دراسات إسلامية " ويرى أَنَّ السُنَّةَ من وضع المسلمين. وهذا محض افتراء سَأَتَعرَّضُ له في «باب وضع الحديث»، فليراجع.

وعاداتهم وتقاليدهم إلى الإسلام في نظمه وتعاليمه وعقائده وعباداته. لقد تَدَرَّجَ القرآن الكريم في انتزاع العقائد الفاسدة والعادات الضارة، ومحاربة المنكرات التي كان عليها الناس في الجاهلية، وثبت بالتدرج أَيْضًا العقائد الصحيحة، والعبادات، والأحكام، ودعا إلى الآداب السامية والأخلاق الفاضلة، وشجع الذين التفوا حول الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الصبر والثبات وفي هذا كله كان الرسول الكريم يُبيِّنُ القُرْآنَ، ويفتي الناس، ويفصل بين الخصوم ويقيم الحدود، ويُطبِّقُ تعاليم القرآن، وكل ذلك سُنّةٌ، وسنتناول الآن منهج الرسول الكريم - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، في ذلك كله، مُتَوَخِّينَ الإِيجَازَ، وإِنَّ لدراسة أسلوبه ومنهجه لأثرًا بعيدًا في تثبيت سُنَنِ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولولا ذلك لَمْ نَتَعَرَّضْ لدراسته. كان الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد اتخذ دار الأرقم مَقَرًّا له ولأصحابه حين كانت الدعوة سرية، فيلتف حوله المسلمون الأوائل بعيدًا عن المشركين يتذاكرون كتاب الله، وهو يُعَلِّمُهُمْ مبادئ الإسلام، ويحفظهم ما يتنزل عليه من القرآن، وبعد ذلك أصبح منزل الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - في مكة ندوة المسلمين، ومعهدهم الذي يَتَلَقَّوْنَ فيه القرآن الكريم، وينهلون من الحديث الشريف على يدي رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ولا شك في أَنَّ الصحابة كانوا يستظهرون آيات القرآن، ويتدارسونها فيما بينهم، في بيوتهم وفي حوانيتهم، في المدينة وفي البيداء، ليثبتوا ما سمعوا من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقد يتذاكرون تفسير مَا تَلَقَّوْهُ، وما تفسيره إلاَّ شرح رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو الحديث. فحفظ حديث رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - كان متمشيًا جنبًا إلى جنب مع حفظ القرآن العظيم من الأيام

الأولى لظهور الإسلام. وقصة إسلام عمر تُثْبِتُ أَنَّ المسلمين كانوا يقرأون القرآن في بيوتهم، وَيَتَفَقَّهُونَ في الدين ... ثم أصبح المسجد فيما بعد - المكان المعهود للعمل والفتوى والقضاء، إلى جانب العبادة وإقامة الشعائر الدينية، وعرض لأمور العامة على المسلمين. ومع هذا لم يقتصر تبليغ الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - على مكان محدود ولا على مناسبة مُعَيَّنَةٍ، فقد كان يُسْتَفْتَى في الطريق فَيُفْتِي، وَيُسْألُ في المناسبات فيجيب، يُبَلِّغُ الأحكام في كل فرصة تسنح له، وفي كل مكان يتسع لذلك: في حله وترحاله، في سلمه وحربه. وإلى جانب هذا كانت له مجالس علمية كثيرة يتخول فيها أصحابه بالموعظة، فإذا جلس جلس إليه أصحابه حِلَقًا حِلَقًا (¬1). ويقول أنس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «إِنَّمَا كَانُوا إِذَا صَلُّوا الغَدَاةَ قَعَدُوا حلقاً حلقاً، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ، وَيَتَعَلَّمُونَ الفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ» (¬2) ومن تاريخ الصحابة وحياتهم العلمية تعلم أَنَّ الرسول الكريم لم يكن يضن على مسلم بالعلم، وأنه كان يكثر مجالسة أصحابه يعلمهم وَيُزَكِّيهِمْ. وسيظهر لنا ذلك من البحث. عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَتَخَوَّلُنَا بِالمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ، كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا» (¬3) فقد كان - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - يخشى أَنْ يَمَلَّ أصحابه فَيَتَخَوَّلُهُمْ بالموعظة بين وقت وآخر، لأَنَّ الاستمرار في تعليمهم وتوجيههم، يدخل الملل إلى نفوسهم، فتقل الفائدة، فمن الحكمة سلوك هذا ¬

_ (¬1) انظر " مجمع الزوائد ": ص 132 جـ 1. وإن كان في بعض رجالهما مقال فإنَّ الطرق الكثيرة التي رويا بها تؤيِّدُ الاستشهاد بهما. (¬2) انظر " مجمع الزوائد ": ص 132 جـ 1. وإن كان في بعض رجالهما مقال فإنَّ الطرق الكثيرة التي رويا بها تؤيِّدُ الاستشهاد بهما. (¬3) " فتح الباري ": ص 172 و 173 جـ 1 و " مسند الإمام أحمد ": ص 202 حديث 3851 جـ 5.

الطريق في التعليم، وهو الطريق الذي تعتمده اليوم المؤسسات التربوية في مناهجها التعليمية، وهي خير طريقة لتثبيت ما يتلقاه الطالب من المعلومات. وكان - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخاطب الناس على قدر عقولهم، فإنَّ الكلام الذي لا يبلغ عقول السامعين ولا يفهمونه قد يكون فتنة لهم، فيأتي بغير المقصود منه. لقد كان الرسول الكريم يخاطب حضوره بما يدركونه، فيفهم البدوي الجافي بما يناسب جفاءه وقسوته، ويفهم الحضري بما يلائم حياته وبيئته، وكما أنه كان يراعي تفاوت المدارك، وانتباه أصحابه وقدرهم الفطرية والمكتسبة، فتكفي منه الإشارة إلى الألمعي الذكي، واللمحة العابرة إلى الحافظ المجيد. من ذلك: مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ وإنِّي أَنْكَرْتُهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ». قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَمَا أَلْوَانُهَا؟». قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: «هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟». قال: إنَّ فِيهَا لَوِرْقًا. قال: «فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ؟». قَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ. قَالَ: «وَهَذَا عَسَى أَنْ نَزَعَهُ عِرْقٌ» (¬1). ومن ذلك أَنَّ فتى من قريش أتى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي فِي الزِّنَا، فأقبل القوم عليه وزجروه فقالوا: مه مه!! فقال: «ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا». فقال: «أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ». قَالَ: لاَ وَاللَّهِ جَعَلَنِى اللَّهُ ¬

_ (¬1) " صحيح مسلم ": ص 1137 من الحديثين 18 و20 جـ 2. الأورق الذي فيه سواد ليس بصاف، والمراد بالعرق هنا الأصل من النسب.

فِدَاكَ. قَالَ «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لاِبْنَتِكَ؟». قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ» - ثم ذكر له رسول الله أخته وعمَّته وخالته، وفي ذلك يقول الفتى مقالته: «لاَ وَاللَّهِ يا رسول الله جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ» - قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ». قَالَ (الرَّاوِي): فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ الفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ (¬1). لقد اتبع رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسلوبًا جعل الفتى يدرك أثر الزنا في المجتمع، وكيف أَنَّ الناس جَمِيعًا لا يرضونه لأنفسهم وأهليهم كما أنه لا يرضاه هو لذويه، مما حمله على الاقتناع بالإقلاع عنه، وخير الأمور ما كان الدافع إليه من قرارة النفس. وكان يخاطب القوم بلغتهم ولهجتهم، ومن هذا ما رواه الخطيب البغدادي بسنده عَنْ عَاصِمٍ الأَشْعَرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لَيْسَ مِنْ امْبِرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَرِ». أَرَادَ لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ وَهَذِهِ لُغَةُ الأَشْعَرِيِّينَ يَقْلِبُونَ اللاَّمَ مِيمًا (¬2). وَ «كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ ثَلاَثًا لِكَيْ يُفْهَمَ عَنْهُ» (¬3)، وَإِذَا تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ فَصْلاً يُبَيِّنُهُ، فَيَحْفَظُهُ مِنْهُ مَنْ سَمِعَهُ (¬4). ¬

_ (¬1) " مجمع الزوائد ": ص 129 جـ 1 عن أبي أمامة الباهلي، رجاله رجال الصحيح وقد رواه الطبراني في " الكبير ". (¬2) " الكفاية ": ص 183 وقد أخرجه الإمام أحمد. وأخرج الشيخان ومالك وأبو داود والنسائي «لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصِّوْمُ فِي السَّفَرِ» " تيسير الوصول ": ص 312 جـ 2. (¬3) " مجمع الزوائد ": ص 129 جـ 1 عن أبي أمامة رواه الطبراني في " الكبير " بإسناد حسن وأخرج البخاري نحوه عن أنس، انظر " صحيح البخاري بحاشية السندي ": ص 29 جـ 1. (¬4) كتاب " تسمية ما ورد به الخطيب ": ص 29 جـ 1 رواه عن عروة عن عائشة، مخطوطة المكتبة الظاهرية، دمشق. مجموع (18).

وعن عائشة «أنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لاَ يَسْرِدُ الكَلاَمَ كَسَرْدِكُمْ، وَلَكِنْ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلاَمِ فَصْلٍ يَحْفَظُهُ مَنْ سَمِعَهُ» (¬1). وفي رواية: «إِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا، لَوْ عَدَّهُ العَادُّ لأَحْصَاهُ» (¬2). ويظهر أنه كان من عادة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ يعيد كلامه ويكرره على السامعين حتى يدركوه جَمِيعًا فلا يفوت أحدهم بعضه فَعَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - «كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا، حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاَثًا (¬3)». ولا يفهم من حديث أنس هذا أنه كان يفعل ذلك دائمًا بل بقدر ما تقتضيه الحاجة. فمن جميع ما سبق يَتَبَيَّنُ لنا أنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يُبَيِّنُ للناس الأحكام جَيِّدًا حتى لا يبقى لسامع سؤال، ولا لسائل مشكل يقف عنده. حتى إنه كان يجيب السائل بأكثر مما سأله (¬4). كان يتغيَّا التيسير في جميع أموره، وينهى عن التشديد والتعقيد، يريد من المسلمين أَنْ يأتوا الرخص كما يأتون بالعزائم، وينهى عن التنطع في العبادة. والتضييق في الأحكام، ولا بعد في ذلك كله، فإنه ناطق بلسان الشريعة السمحة الميسرة. ويظهر لنا أسلوبه في ذلك كله من تتبع سيرته - عَلَيْهِ ¬

_ (¬1) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 96: ب، و " فتح الباري ": ص 390 جـ 7 القسم الأول من الحديث. (¬2) " فتح الباري ": ص 389 جـ 7 و" قبول الأخبار ومعرفة [الرجال] ": ص 58 ذكره أبو القاسم البلخي يريد الطعن في أبي هريرة فلم يفلح. (¬3) " فتح الباري ": ص 198 و 199 جـ 1، ولعل المراد بالسلام هنا سلام الاستئذان في الدخول. (¬4) انظر في ذلك " فتح الباري ": ص 241 جـ 1. باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله.

الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -. ويتجلَّى مع هذا حلمه تارة، وحبه لأُمَّته تارة أخرى وغضبه للحق حِينًا، ونهيه عن التعقيد أحيانًا. من ذلك ما رواه أبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قال: دَخَلَ أَعْرَابِىٌّ المَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِى وَمُحَمَّدًا، وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا!! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا!!». ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِى الْمَسْجِدِ!! فَأَسْرَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ، أَهرِيقُوا عَلَيْهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ أَوْ سِجْلاً مِنْ مَاءٍ» (¬1). وكان يدعو إلى التيسير دائمًا، فعن ابن عباس عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا، وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ» (¬2) وعن أنس قال: قال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، وخَيْرُ العِبَادَةِ الفِقْهُ» (¬3) كما كان ينهى عن الأغلوطات ¬

_ (¬1) القسم الثاني من الحديث أي بول الأعرابي في المسجد ذكره البخاري عن أنس وعن أبي هريرة، انظر " فتح الباري ": ص 335 و 336 جـ 1 وقصة الدعاء في موضع آخر. والحديث المذكور أخرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح في " مسنده "، انظر " المسند ": ص 244 حديث 7254 جـ 12 وص 209 حديث 7786 جـ 14، قوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا»: أي ضيَّقْتَ ما وسعه الله، يقال: حجرت الأرض واحتجرتها إذا ضربت عليها مَنَارًا تمنعها به عن غيرك. ويرد الأستاذ أحمد شاكر على المستشرق بروكلمان لفهمه هذا الحديث فَهْمًا خَاطِئًا. راجع هامش ص 245 جـ 12 منه. (¬2) " مسند الإمام أحمد ": ص 12 حديث 2136 وص 191 حديث 2556 جـ 4 وص 150 حديث 3448 جـ 5 و " مجمع الزوائد ": ص 131 جـ 1، وراجع " فتح الباري ": ص 196 جـ 1. فيه غضبه مِمَّنْ يطول الصلاة وفي المصلين الضعيف وذو الحاجة، وطلب مِمَّنْ يصلي بالناس التخفيف لذلك. (¬3) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 21 جـ 1 وقال: رواه البخاري في " الأدب المفرد ".

تعليم النساء:

وصعاب المسائل (¬1)، ومشهور عن معلم الخير - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه: «مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ أَخَذَ (¬2) أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ. وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ فَيَنْتَقِمَ للهِ بِهَا» (¬3). وكان - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في معاملته للمسلمين جَمِيعًا أَخًا مُتَوَاضِعًا ومُعلِّمًا حَلِيمًا، بَلْ كَانَ أَبًا رَحِيمًا، فإذا ما أراد أَنْ يُعَلِّمَ أصحابه بعض الآداب خاطبهم ألين الخطاب وأحبه إلى نفس المخاطب، فيقول مثلاً: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الوَالِدِ إِذَا أَتَيْتُمْ الغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا» (¬4) وإذا ما أعجب أصحابه به، وحاول بعضهم الثناء عليه أو اطراءه أبى ذلك وقال: «لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» (¬5)، فلم يرض أن يرفعوه عن درجة البشر ويعظموه، وما كان ينتظر منهم جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا. تَعْلِيمُ النِّسَاءِ: جَاءَ نِسْوَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا نَقْدِرُ ¬

_ (¬1) انظر " عيون الأخبار ": ص 117 جـ 2، ذَكَرَ حَدِيثًا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قال: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الأُغْلُوطَاتِ». قال الأوزاعي: «يَعْنِي صِعَابَ المَسَائِلِ». (¬2) كذا في النص. (¬3) " فتح الباري " في حديث عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: ص 385 و 386 جـ 7. (¬4) " مسند الإمام أحمد ": ص 100 حديث 7362 جـ 13 ونحوه في " فتح الباري ": ص 255 جـ 1. (¬5) " مسند الإمام أحمد ": ص 226 حديث 164 جـ 1 بإسناد صحيح عن ابن عباس عن عمر عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

عَلَيْكَ فِي مَجْلِسِكَ مِنَ الرِّجَالِ، فَوَاعِدْنَا مِنْكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ. قَالَ: «مَوْعِدُكُنَّ بَيْتُ فُلاَنٍ». وَأَتَاهُنَّ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، وَلِذَلِكَ الْمَوْعِدِ، قَالَ (أبو هريرة): فَكَانَ مِمَّا قَالَ لَهُنَّ: «مَا مِنِ امْرَأَةٍ تُقَدِّمُ ثَلاَثًا مِنَ الوَلَدِ تَحْتَسِبُهُنَّ، إِلاَّ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ» فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: أَوِ اثْنَتَانِ؟ قَالَ: «أَوِ اثْنَتَانِ» (¬1). وكانت النساء يسألن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيُجيبُهُنَّ عن أمور دِينِهِنَّ ولم يكن ذلك صدفة أو نَادِرًا، بل خَصَّصَ لَهُنَّ أوقاتًا خاصة يجلسن فيها إليه، وَيَتَلقَّيْنَ عنه تعاليم الإسلام، وَيُفْتِيهِنَّ، قالت عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: «نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ» (¬2). وها هي ذي أُمُّ سُلَيْمٍ - وهي بنت ملحان والدة أنس بن مالك - تأتي رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأم سلمة حاضرة - فتقول: " إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِي مِنَ الحَقِّ، هَلْ عَلَى المَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ " فقال النَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ»، فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ - تَعْنِي وَجْهَهَا - وَقَالَتْ: يَا رَسولَ اللهِ، أَوَتَحْتَلِمُ المَرْأَةُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا؟» (¬3). وبهذه الروح الطيبة، والنفس السامية، والصدر الرحب، والمنهج التربوي الصحيح كان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُ أصحابه والمسلمين عامة أحكام الإسلام وتعاليمه وآدابه، ولم يكن بين الرسول الكريم والمسلمين حاجب ¬

_ (¬1) " مسند الإمام أحمد ": ص 85 حديث 7351 جـ 13 و " فتح الباري ": ص 206 جـ 1، تحتسبهنَّ: أي تحتسب أجرها على الله في الصبر على المصيبة. (¬2) " فتح الباري ": ص 239 جـ 1. (¬3) " فتح الباري ": ص 239 جـ 1 عن هشام بن عروة عن زينب، ابنة سلمة عن أم سلمة قالت: جاءت أم سليم (أو نحتلم) من غير همزة في الأصل وفي رواية الكشميهني (أو تحتلم).

كالملوك والقياصرة، بل كان المسجد معهده يُعَلِّمُ فيه المسلمين الشريعة، وقد يرونه في الطريق فيسألونه، فيبش لهم ويجيبهم، وقد يعترضونه في مناسكه وَحَجِّهِ، أو على راحلته يستفتونه فيفتيهم (¬1) والابتسامة لا تفارق ثغره، وقد تكون إجابته لسائل عن مسألة وحوله جمع قليل أو كثير، وقد يكون على منبر مسجده يبلغ الناس الإسلام وتعاليمه، ويفصل الأحكام يشرحها ... فينقل السامعون ما تلقوه إلى إخوانهم وذويهم فإنْ سمع وشاهد ووعى ستبقى آثار ما تلقاه واضحة جلية في نفسه أَمَدًا طويلاً، حتى إذا ما شك فيما سمع، عاد إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ليزيل وهمه، ويثبته على الصواب ويرده إلى الحق. من كل ما سبق يَتَبَيَّنُ لنا أَنَّ منهج رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفِيلٌ بأنْ يُحَقِّقَ ما كان يريده الرسول الكريم من تعليم أصحابه وتربيتهم وتطبيق أحكام الشريعة، وكفيلٌ بأنْ يثبت تلك الأحكام والتعاليم في نفوسهم. بعد هذا نقدم على دراسة «المادة» لنرى تفاعل الصحابة معها وتجاوبهم. ¬

_ (¬1) راجع " مسند الإمام أحمد ": ص 17 حديث 562 جـ 2 حول حج رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه: ... وَاسْتَفْتَتْهُ جَارِيَةٌ شَابَّةٌ مِنْ خَثْعَمَ فَقَالَتْ: " إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ أَفْنَدَ وَقَدْ أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الحَجِّ، فَهَلْ يُجْزِئُ عَنْهُ أَنْ أُؤَدِّيَ عَنْهُ؟ " قَالَ: «نَعَمْ، فَأَدِّي عَنْ أَبِيكِ» قَالَ (علي بن أبي طالب): " وَقَدْ لَوَى عُنُقَ الفَضْلِ "، فَقَالَ لَهُ العَبَّاسُ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ؟ " قَالَ: «رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنِ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا» قَالَ: ثُمَّ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ ".قَالَ: «انْحَرْ وَلا حَرَجَ». ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَفَضْتُ قَبْلَ أَنْ أَحْلِقَ؟ قَالَ: «احْلِقْ أَوْ قَصِّرْ وَلا حَرَجَ ... ». إنَّ هذا القسم من الحديث يعطينا صورة حية عن فتاوى الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمسلمين. وراجع " فتح الباري ": ص 191 و 233 جـ 1.

2 - مادة السنة:

وإياها، ثم ننتقل إلى الصحابة وكيفية تَلَقِّيهِمْ الشريعة عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ... 2 - مَادَّةُ السُنَّةِ: عرفنا في مقدمة هذا الباب أَنَّ السُنَّةَ هي المادة التي تلقاها الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - مع القرآن الكريم عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وشاركوا في تطبيقها واتباعها. وإنا لنرى هذه المادة تتعلق بالمسلمين في جميع أمور حياتهم: في عقائدهم وعباداتهم، ومناسكهم، وبيوعهم ومعاملاتهم، وفي أحوالهم الشخصية، وفي آدابهم، كما تتصل اتصالاً وَثِيقًا بمختلف مظاهر حياتهم اليومية في السلم والحرب في اليسر والعسر. والمادة التي تتصف بهذه الصفات تجعل التلميذ متعلقًا بها مُحِبًّا لها، حريصًا عليها، لأنها الناظم لأموره وتصرفاته. وقد كان الصحابة حريصين على سُنَّةِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحِبِّينَ لها، يتسابقون إلى مجالس الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يدفعهم إلى ذلك إيمانهم القوي وَحُبُّهُمْ لِمُعَلِّمِهِمْ الكَبِيرِ، وقد سمعوا وعرفوا ما للعلم من فضل ومكانة، وما للعلماء وطلاب العلم من منزلة وأجر فأقبلوا على تلقي السُنَّةَ وتطبيقها من قلوبهم صادقين مخلصين. ويظهر لنا ذلك جَلِيًّا في دراسة كيفية تَلَقِّيهِمْ السُنَّةَ عَنْ الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

3 - كيف كان الصحابة يتلقون السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟:

3 - كَيْفَ كَانَ الصَّحَابَةُ يَتَلَقَّوْنَ السُنَّةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟: ما كان الإيمان يخالط قلوب المسلمين أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وينير سبيلهم - حتى عرفوا عظمة الإسلام، فانكبوا ينهلون من القرآن الكريم: ذلك المعين الذي لا ينضب بعد أَنْ رأوا فيه المعجزة الكبرى والهداية العظمى وامتلأت قلوبهم حُبًّا للهِ ورسوله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، فتفانوا في الدفاع عن مبادئهم وحماية قائدهم وَمُعلِّمِهِمْ، حتى إنَّ الرجل منهم ليفديه بماله ودمه وولده. لقد تحولت جميع قواهم الفطرية، وفضائلهم الطبيعية، وحيوياتهم الدائمة، وتضافرت للمحافظة على الإسلام ونشره، وإِنَّ التاريخ ليحفظ تلك المفاخر الخالدة من التضحيات العظيمة النادرة ... فإذا ما دعت الحاجة إلى المال سارع المسلمون متنافسين في تقديم أموالهم بين يدي رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا يَتَبَرَّعُ بثلث ماله، وذلك بنصف ماله، وآخر بماله كله ... !! وقد تضيق الحال بالمسلمين أنفسهم، فترى عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يهب قافلته التجارية القادمة من الشام للمسلمين، ويأبى أَنْ يبيعها بالمبالغ المغرية التي عرضت عليه ويقول: «دُفِعَ لِي بِهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ... ». وقد بذلوا نفوسهم للذود عن حياض الإسلام، وَفَدَوْا الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأرواحهم فإذا ما نزل بهم الخطب في غزوة أُحُدْ رأيناهم يتسابقون للدفاع عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا أبو دجانة يجعل ظهره ترسًا لرسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حتى أثخنته الجراح، وإلى جانبه عَلِيٌّ يَذُبُّ عنه بسيفه، وسعد بن أبي وقاص يرمي بقوسه حتى كتب لهم النصر ..

هذه نماذج قليلة لتفاني الصحابة وبذلهم في سبيل عقيدتهم ودينهم وبهذه الروح السامية والحيوية الدائمة أقدموا على تلقي العلم عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. كان الصحابة يتعلَّمون من النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القرآن الكريم آيات معدودات: يَتَفَهَّمُونَ معناها، ويتعلَّمون فقهها، ويطبقونه على أنفسهم، ثم يحفظون غيرها، وفي ذلك يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ: «حَدَّثَنَا الذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا القُرْآنَ: كَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَغَيْرُهُمًا - أًنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا مِنَ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ آيَاتٍ، لَمْ يَتَجَاوَزُوهَا حَتَّى يَتَعَلَّمُوا مَا فِيهَا مِنَ العِلْمِ وَالعَمَلِ ... قَالُوا فَتَعَلَّمْنَا القُرْآنَ وَالعِلْمَ وَالعَمَلَ جَمِيعًا» (¬1). وكان بعضهم يقيم عند الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَعَلَّمُ أحكام الإسلام وعباداته، ثم يعود إلى أهله وقومه يُعلِّمُهُم وَيُفَقِّهُهُمْ، ومن هذا ما أخرجه البخاري عن مالك بن الحويرث قال: أَتَيْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، فَظَنَّ أَنَّا اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، وَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا فِي أَهْلِنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، وَكَانَ رَفِيقًا رَحِيمًا، فَقَالَ: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، وَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» (¬2). وكان الصحابة يحرصون على حضور مجالس رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

_ (¬1) " المدخل لدراسة القرآن الكريم " ص 24، وأبو عبد الرحمن السُّلَمِي هو عبد الله بن حبيب بن ربيعة أحد كبار التابعين الذين سمعوا من عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وابن مسعود وزيد بن ثابت، توفي سَنَةَ 72 هـ، وقال البخاري بين سنتي (70 و 80)، انظر " الطبقات " لابن سعد ص 119 جـ 6 و " تهذيب التهذيب " ص 183 جـ 5. (¬2) " صحيح البخاري بحاشية السِنْدِي " ص 52 جـ 4 و " سنن الدارمي " ص 148 طبعة كانفور سَنَةَ 1293 هـ.

حِرْصًا شَدِيدًا، إلى جانب قيامهم بأعمالهم المعاشية من الرعاية والتجارة وغيرها، وقد يعسر على بعضهم الحضور، فيتناوبون مجالسه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، كما كان يفعل ذلك عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قال: «كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ - وَهِيَ مِنْ عَوَالِي المَدِينَةِ - وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ اليَوْمِ مِنَ الوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ» (¬1). وَيَقُولُ البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ الأْوسِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «مَا كُلُّ الحَدِيثِ سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ يُحَدِّثُنَا أَصْحَابُنَا، وَكُنَّا مُشْتَغِلِينَ فِي رِعَايَةِ الإِبِلِ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَطْلُبُونَ مَا يَفُوتُهُمْ سَمَاعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَسْمَعُونَهُ مِنْ أَقْرَانِهِمْ، وَمِمَّنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُمْ، وَكَانُوا يُشَدِّدُونَ عَلَى مَنْ يَسْمَعُونَ مِنْهُ» (¬2). وفي رواية عنه: «لَيْسَ كُلُّنَا كَانَ يَسْمَعُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ لَنَا ضَيْعَةٌ وَأَشْغَالٌ، وَلَكِنِ النَّاسُ لَمْ يَكُونُوا يَكْذِبُونَ يَوْمَئِذٍ، فَيُحَدِّثُ الشَّاهِدُ الغَائِبَ» (¬3). وعن أنس بن مالك - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «[وَاللَّهِ مَا كُلُّ مَا نُحَدِّثُكُمْ سَمِعْنَاهُ] مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَكِنْ كَانَ يُحَدِّثُ بَعْضُنَا بَعْضًا وَلاَ يَتَّهِمُ بَعْضُنَا بَعْضًا» (¬4). وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَ بِحَدِيثٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ¬

_ (¬1) " فتح الباري ": ص 195 جـ 1. (¬2) " معرفة علوم الحديث ": ص 14. (¬3) " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ": ص 32 - 33. و " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 12: آونحوه في " قبول الأخبار ومعرفة الرجال ": ص 9 و 10. (¬4) " قبول الأخبار ": ص 9. أورد أبو القاسم البلخي في الصفحات الأولى من كتابه من (1 - 46) أخبارًا جيدة عن السُنَّةِ والحديث وسماع الصحابة ثم ما لبث أَنْ قلب ظهر المجن لهم وبدأ يطعن في أهل الحديث، وهو معتزلي مشهور، وفاته (317 أو 319 هـ) وَسَأَتَعَرَّضُ لِلْرَدِّ عَلَيْهِ في مواطن أخرى من هذا الكتاب.

أَسَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟»، قَالَ: «نَعَمْ، أَوْ حَدَّثَنِي مَنْ لَمْ يَكْذِبْ، وَاللهِ مَا كُنَّا نَكْذِبُ وَلاَ كُنَّا نَدْرِي مَا الكَذِبُ». (¬1). وكان الصحابة يتذاكرون دَائِمًا ما يسمعون من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال أنس بن مالك: «كُنَّا نَكُونُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَسْمَعُ مِنْهُ الحَدِيثَ فَإِذَا قُمْنَا تَذَاكَرْنَاهُ فِيمَا بَيْنَنَا حَتَّى نَحْفَظُهُ» (¬2). وإلى جانب هذه المجالس، كان الصحابة يَتَلَقَّوْنَ السُنَّةَ عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من وجوه يمكن حصرها فيما يأتي: [أ] حوادث كانت تقع للرسول نفسه، فَيُبيِّنُ حُكْمَهَا، وينتشر هذا الحكم بين المسلمين بمن سمعوه منه، وقد يكون هؤلاء كثرة تُمَكِّنُهُمْ كثرتهم من إذاعة الخبر بسرعة، وقد يكونون قلة فيبعث الرسول الكريم - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - من ينادي في الناس بذلك الحكم. مِثَالُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: نَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا، فَسَأَلَهُ: «كَيْفَ تَبِيعُ؟» فَأَخْبَرَهُ، فَأُوحِىَ إِلَيْهِ أَدْخِلْ يَدَكَ فِيهِ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ مَبْلُولٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ» (¬3). وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ القَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا، وَهِيَ مُسْتَتِرَةٌ بِقِرَامٍ (¬4)، فِيهَا صُورَةُ تَمَاثِيلَ فَتَلَوَّنَ ¬

_ (¬1) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 12: آ، ورواه السيوطي في " مفتاح الجنة ". (¬2) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 46: ب. (¬3) " مسند الإمام أحمد ": ص 18 حديث 7290 جـ 13 بإسناد صحيح. (¬4) القِرَامُ بكسر القاف: ثوب من صوف مُلَوَّنٍ. وهو صفيق يتخذ سترًا وقيل هو الستر الرقيق، وقيل هو ستر فيه رقم ونقوش وجمعه قِرَمٌ. انظر " لسان العرب ": ص 374 جـ 15.

وَجْهُهُ، ثُمَّ أَهْوَى الْقِرَامَ فَهَتَكَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (¬1). وقد يرى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو يسمع صحابيا يخطئ، فيُصَحِّحُ له خطأه، ويرشده، من ذلك ما رواه عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أنه رأى رجلاً توضأ للصلاة، فترك موضع ظفر على ظهر قدمه، فأبصره النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ»، فرجع فتوضأ ثم صلى (¬2). ومن ذلك ما رواه عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ [صَحَابَةِ] النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا فُلاَنٌ شَهِيدٌ، فُلاَنٌ شَهِيدٌ حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا فُلاَنٌ شَهِيدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَلاَّ إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ: اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ المُؤْمِنُونَ» قَالَ: فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ أَلاَ إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ المُؤْمِنُونَ (¬3). [ب] حوادث كانت تقع للمسلمين، فيسألون الرسول عنها، فيُفتيهم ويجيبهم، مُبيِّنًا حُكْمَ ما سألوا عنه، من الحوادث ما يتناول خصوصيات السائل نفسه، ومنها ما يتعلق بغيره، وجميعها من الوقائع التي تعرض للإنسان في حياته فترى الصحابة لا يخجلون في ذلك كله، بل يسرعون إلى المُعَلِّمِ ¬

_ (¬1) " معرفة علوم الحديث " للحاكم: ص 129 ونحوه في " صحيح مسلم ": ص 1667 حديث 91 جـ 3. (¬2) " مسند الإمام أحمد ": ص 214 حديث 124 جـ 1 بإسناد صحيح ورواه مسلم أَيْضًا. (¬3) " مسند الإمام أحمد " ص 242 جـ 1، وإسناده صحيح.

الأول، ليقفوا على حقيقة تطمئن قلوبهم إليها، وتثلج صدورهم عندها. وقد يخجل الصحابي من الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيكلف غيره عبء السؤال، من ذلك ما يرويه عليُّ بن أبي طالب قال: كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً، فَكُنْتُ أَسْتَحْيِى أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَكَانِ ابْنَتِهِ، فَأَمَرْتُ المِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ (¬1) فَسَأَلَهُ فَقَالَ: «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» (¬2). وَرَوَى قَيْسٌ بْنِ طَلْقٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْ سَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: بَيْنَا أَنَا فِي الصَّلاةِ ذَهَبْتُ أَحُكُّ فَخِذِي، فَأَصَابَتْ يَدِي ذَكَرِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هَلْ هُوَ إِلاَّ بِضْعَةٌ مِنْك؟» (¬3). وقد يسألونه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أخص من ذلك كما روى عروة عن عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قال: جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ رِفَاعَة طَلَّقَنِي، فَبَتَّ (¬4) طَلاَقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ. فَقَالَ: «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لاَ حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلا تَسْمَعُ مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ (¬5). لقد كان المسلمون يسألونه عن أمورهم وأحوالهم، لا يحجبهم عنه حاجب، ¬

_ (¬1) " فتح الباري ": ص 294 جـ 1 و " صحيح مسلم ": ص 247 حديث 17 جـ 1. (¬2) " مسند الإمام أحمد ": ص 39 حديث 606 وص 46 حديث 618 جـ 2 بإسناد صحيح، و" فتح الباري ": ص 294 و 394 جـ 1، و" صحيح مسلم ": ص 247 حديث 17 - 19 جـ 1. (¬3) " معرفة علوم الحديث ": ص 132، وقال الحاكم ... «لم يذكر الزيادة في حك الفخذ غير عبد الله بن رجاء عن همام بن يحيى وهما ثقتان». (¬4) بَتَّ وأَبَتَّ أي طلقني ثلاثاً. والبَتُّ: القطع. ورفاعة المذكور هو رفاعة القرظي. (¬5) " معرفة علوم الحديث ": ص 130 و " صحيح مسلم ": ص 1055 حديث 111 وما بعده جـ 2.

لا يمنعهم منه مانع، لذلك نرى الأعرابي البعيد عنه يسأله كما يساله الصحابي الملازم له، كلهم يريدون الحق، قال عليٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّا نَكُونُ بِالبَادِيَةِ، فَتَخْرُجُ مِنْ أَحَدِنَا الرُّوَيْحَةُ (¬1)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ الله - عَزَّ وَجَلَّ - لاَ يَسْتَحِي مِنَ الحَقِّ، إِذَا فَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلاَ تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ» (¬2). إنَّ هؤلاء الصحابة الذي يسألون رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مثل هذه الأمور الشخصية التي قد يخجل منها غيرهم، كانوا لا يحجبون عن سؤاله في معاملاتهم وعباداتهم وعقائدهم وسائر أمورهم، بل إِنَّ بعضهم كان إذا وصله خبر عن رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، يعود إليه لينهل من معينه، وَيَتَزَوَّدُ مِنْ عِلْمِهِ، كَمَا حَدَثَ لِضَمَامٍ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَقَوْمَهُ حِينَ جَاءَهُمْ رَسُولُ رَسُولِ اللهِ يُبَلِّغُهُم الرِّسَالَةَ (¬3)، فَانْطَلَقَ ضِمَامٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ حَوْلَهُ أَصْحَابُهُ، فَدَخَلَ المَسْجِدَ عَلَى جَمَلٍ، قَالَ أَنَسٌ: « ... فَأَنَاخَهُ فِي المَسْجِدِ، عَقْلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ وَالنَّبِيُّ مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ. فَقُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ المُتَّكِئُ. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ (ضِمَامٌ): ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَدْ أَجَبْتُكَ» فَقَالَ الرَّجُلُ لِلْنَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي المَسْأَلَة، فَلاَ تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ. فَقَالَ: «سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ». قَالَ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ ¬

_ (¬1) الرويحة تصغير رائحة وَكَنَّى بها هنا عن الريح الذي ينطلق من البطن عن طريق الشرج. (¬2) " مسند الإمام أحمد ": ص 64 حديث 655 جـ 2 (وقال مرة: «فِي أَدْبَارِهِنَّ»). (¬3) انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 5 وقد أخرجه مسلم.

كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ نَعَمْ». قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهَ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّىَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ» ... فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، وَأََنَا ضِمَام بْن ثَعْلَبَة أَخُو بَنِي سَعْدٍ بْنِ بَكْرٍ» (¬1). ومن ذلك ما حديث لأحد الصحابة حِينَ قبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ، فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ وَجْدًا شَدِيدًا، فَأَرْسَلَ امْرَأَتَهُ تَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ، فَدَخَلَتْ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ أمٌّ المُؤْمِنِين، فَأَخْبَرَتْهَا فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، فَرَجَعَتْ المَرْأَةُ إِلَى زَوْجَهَا فَأَخْبَرَتْهُ، فَزَادَهُ ذّلِكَ شَرًّا!! وَقَالَ: لَسْنَا مِثْلَ رَسُولِ اللهِ، يُحِلُّ اللهُ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ. فَرَجَعَتِ المَرْأَةُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَوَجَدَتْ رَسُولَ اللهِ عِنْدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ «مَا بالِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ؟» فَأَخْبَرَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ، فَقَالَ: «أَلاَ أَخْبَرْتِيهَا أَنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ؟» فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: «قَدْ أَخْبَرْتُهَا، فَذَهَبَتْ إِلَى زَوْجِهَا فَأَخْبَرَتْهُ فَزَادَهُ شَرًّا، وَقَالَ: لَسْنَا مِثْلَ رَسُولِ اللهِ، يُحِلُّ اللهُ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ».، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلى الله عَلَيه وَسَلم -، وَقَالَ: «وَاللَّهِ إِنِّي لأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ» (¬2). لقد حمله ورعه أن يظن هذا الحكم خَاصًّا بالرسول حتى أكد الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - أنه حكم عام. وقد كانت السيدة عائشة أم المؤمنين لا تسمع شَيْئًا لا تعرفه إلاَّ راجعت فيه حتى تعرفه (¬3). ¬

_ (¬1) " فتح الباري ": ص 159 جـ 1 ونحوه في " معرفة علوم الحديث ": ص 5. (¬2) " الرسالة ": ص 404 فقرة 1109 وهكذا اللام ثابتة في الأصل في (أَعْلَمُكُمْ). (¬3) انظر " فتح الباري ": ص 207 جـ 1.

وقد يختصم مسلمان في قضية أو حكم، فيرجعان إلى رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - ليفصل بينهما ويبيِّن وجه الصواب. من ذلك ما رواه المسور بن مخرمة: أنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ بنَ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فَقَرَأَ فِيهَا حُرُوفًا لَمْ يَكُنْ نَبِيُّ اللَّهِ أَقْرَأَنِيهَا، قَالَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أُسَاوِرَهُ وأنا فِي الصَّلاةِ، فَلَمَّا فَرَغَ، قُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ القِرَاءَةَ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: كَذَبْتَ، وَاللَّهِ مَا هَكَذَا أَقْرَأَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ أَقُودُهُ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ أَقْرَأْتَنِي سُورَةَ الفُرْقَانِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ فِيهَا حُرُوفًا لَمْ تَكُنْ أَقْرَأْتَنِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ يَا هِشَامُ»، فَقَرَأَ كَمَا كَانَ قَرَأَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ» (¬1)، ثُمَّ قَالَ: «اقْرَأْ يَا عُمَرُ» فَقَرَأْتُ، فَقَالَ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ» (¬2). إنَّ في هذه الأجوبة والفتاوى والأقضية مادة كثيرة في مختلف أبواب كُتُبِ السُنَّةِ، حتى إنها تُؤَلِّفُ جَانِبًا كَبِيرًا من سُنَّةِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويبعد أن ينسى هذه الحوادث من وقعت له وسأل عنها الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لأنها جزء من حياة السائل بل واقعة بارزة من وقائع عمره. [ج] وقائع وحوادث شاهد فيها الصحابة تصرفات الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهذه كثيرة في صلاته وصيامه وحجه وسفره وإقامته ... فنقلوها إلى التابعين الذين بَلَّغُوهَا إلى من بعدهم وهي تُؤَلِّفُ جَانِبًا كَبِيرًا مِنَ السُنَّةِ، وخاصة ¬

_ (¬1) " مسند الإمام أحمد ": ص 224 حديث 158 جـ 1 بإسناد صحيح. (¬2) " مسند الإمام أحمد ": ص 274 حديث 277 جـ 1 بإسناد صحيح، وليس في هذه الرواية مُسَاوَرَةَ عمر لهشام في الصلاة. وأخرج البخاري ومسلم نحوه، انظر " فتح الباري ": ص 399 جـ 10 وصحيح مسلم ص 560 حديث 270 جـ 1.

هديه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العبادات والمعاملات وسيرته ... ومن ذلك سؤال جبريل النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الإيمان، والإسلام والإحسان وعلم الساعة، وإجابته - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك كله وقال: «يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ» (¬1). ومن ذلك ما رواه علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: «أَوْتَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَآخِرِهِ، وَأَوْسَطِهِ، فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ» (¬2). ومن ذلك أَيْضًا ما رواه سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر: «أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجَنَازَةِ» (¬3). ومن ذلك ما رواه علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: «بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُصَلِّى، إِذِ انْصَرَفَ وَنَحْنُ قِيَامٌ، ثُمَّ أَقْبَلَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَصَلَّى لَنَا الصَّلاَةَ، ثُمَّ قَالَ: " إِنِّى ذَكَرْتُ أَنِّى كُنْتُ جُنُبًا حِينَ قُمْتُ إِلَى الصَّلاَةِ، وَلَمْ أَغْتَسِلْ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ فِى بَطْنِهِ رِزًّا (¬4) أَوْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا كُنْتُ عَلَيْهِ فَلْيَنْصَرِفْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حَاجَتِهِ أَوْ غُسْلِهِ، ثُمَّ يَعُودُ إِلَى ¬

_ (¬1) " شرح الأربعين النووية ": ص 12 رواه مسلم وانظر " فتح الباري ": ص 123 - 132 جـ 1 و " مسند الإمام أحمد " ص 311 حديث 367 جـ 1 بإسناد صحيح. وكان جبريل - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - قد جاء إلى الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه حوله على هيئة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا تظهر عليه علائم السفر قال عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ولا يعرفه منا أحد. والحديث مشهور عن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. (¬2) " مسند الإمام أحمد ": ص 64 حديث 653 جـ 2 بإسناد صحيح. (¬3) المرجع السابق: ص 247 حديث 4539 جـ 6 بإسناد صحيح. (¬4) الرِزُّ: الصوت الخفي ويريد به القرقرة، وقيل هو غمز الحدث وحركته للخروج.

صَلاَتِهِ» (¬1). وما رواه أَيْضًا فقال: كَانَ آخِرُ كَلاَمِ رَسُولِ اللِه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ، اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» (¬2). مما سبق يتضح لنا أنَّ عوامل ثلاثة تضامنت وتضافرت في سبيل حفظ السُنَّةِ المُشَرَّفَةِ في عهد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذه العوامل هي: شخصية الرسول من حيث هو مُرَبٍّ وَمُعَلِّمٍ، وفوق هذا، وأكثر من هذا من حيث هو رسول رب العالمين، وَالسُنَّةُ من حيث مادتها، والصحابة وهم الطلاب الذين تَلَقَّوْا السُنَّةََ وشاركوا في تطبيقها، وتجاوبوا مع المعلم الأول والمادة مُخلصين، بقلوب عظيمة انطوت على رغبة مُلِحَّةٍ، وإرادة قوية في اتباع ما به يتم إيمانهم، ويقطع صلتهم بما كانوا فيه من ضلال. كل ذلك كان له الأثر الكبير في حفظ الصحابة لِلْسُنَّةِ دقيقها وجليلها، ثم نقلها إلى التابعين الذين نقلوها إلى من بعدهم طِبْقًا لما قاله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصحابه: «تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ وَيُسْمَعُ مِمَّنْ يُسْمَعُ مِنْكُمْ» (¬3). ويمكننا أنْ نقول - ونحن واثقون مطمئنون -: إنَّ السُنَّةَ في عهد رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - كانت محفوظة عند الصحابة جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ مع القرآن الكريم، وَإِنْ كان نصيب كل صحابي منها يختلف عن نصيب الآخر، فمنهم المُكْثِرُ من حفظها، ومنهم المُقِلُّ، ومنهم المتوسط في ذلك. ومن ثم نستطيع تأكيد أنهم قد أحاطوا بِالسُنَّةِ، وتكفلوا بنقلها إلى التابعين. ويخطئ من يَدَّعِي أَنَّ بعض السُنن فات الصحابة جَمِيعًا بعد أنْ رأينا مدى ¬

_ (¬1) " مسند الإمام أحمد ": ص 74 رقم 668 جـ 2. (¬2) المرجع السابق: ص 29 جـ 2 وإسناده صحيح. (¬3) " مسند الإمام أحمد ": ص 340 حديث 2942 جـ 4 وانظر " الجرح والتعديل ": ص 8 جـ 1.

4 - انتشار السنة في عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام -:

عنايتهم بها، وحرصهم عليها، فكيف يغيب عنهم شيء منها، وهم الذين صحبوا رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَيِّفًا وَعِشْرِينَ عَامًا قبل الهجرة وبعدها، فحفظوا عنه أقواله وأفعاله، «ونومه ويقظته، وحركته، وسكونه، وقيامه، وقعوده، واجتهاده، وعبادته، وسيرته، وسراياه ومغازيه، ومزاحه وزجره، وخطبه وأكله وشربه، ومعاملته أهله، وتأديبه فرسه وكتبه إلى المسلمين والمشركين، وعهوده ومواثيقه، وألحاظه وأنفاسه وصفاته، هذا سوى ما حفظوا عنه من أحكام الشريعة، وما سألوه عن العبادات والحلال والحرام أو تحاكموا فيه إليه» (¬1) فكانوا بحق خير خلف لخير سلف - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -. 4 - انْتِشَارُ السُنَّةِ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: انتشرت السُنَّةُ مع القرآن الكريم منذ الأيام الأولى للدعوة، يوم كان المسلمون قلة يجتمعون سِرًّا في دار الأرقم بن عبد مناف، يَتَلقَّوْنَ تعاليم الدين الجديد يقرأون القرآن، ويقيمون شعائرهم، وما لبث النبي - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - أنْ صدع بأمر الله تعالى، وكثر المسلمون، وَعَمَّ الإسلام الجزيرة العربية، وكان الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جميع مراحل الدعوة يبلغ الناس، ويفتيهم ويقضي بينهم، ويخطبهم ويسوسهم في السلم والحرب، وفي الشِدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَيُعَلِّمُهُمْ فيحفظون الأحكام وَيُطبِّقُونَهَا. وقد تضافرت عوامل عِدَّةٍ تَكَفَّلَتْ بنشر السُنَّةِ في الآفاق منها: ¬

_ (¬1) " المدخل إلى كتاب الإكليل في أصول الحديث ": ص 7، 8.

1 - نشاط رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وجده في تبليغ دعوته ونشر الإسلام، فلم يترك وسيلة للدعوة إِلاَّ استفاد منها، ولا سبيلاً إلاَّ سلكها، فعرض نفسه على القبائل، وَتَحَمَّلَ الصعاب وَصُنُوفَ الأذى، واتصل بوفود المواسم وعرض عليهم الإسلام ... فلم يَأْلُ جُهْدًا في تبليغ الرسالة .. حتى عَزَّ الإسلام وقويت دولته .. وفي جميع تلك التطورات كانت السُنَّةُ تأخذ مكانها في نفوس المسلمين. 2 - طبيعة الإسلام ونظامه الجديد، الذي جعل الناس يتساءلون عن أحكامه، وعن رسوله وأهدافه، فكان بعض من يسمع بالدعوة يُقْبِلُ على رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، يسأله عن الإسلام فيعلن إسلامه، وينطلق إلى قومه لِيُبَلِّغَهُمْ ما رأى ويخبرهم ما سمع ... 3 - نشاط أصحاب الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، واندفاعهم في طلب العلم وحفظه وتبليغه، وقد سبق أَنْ تكلمت مفصلاً عن نشاطهم العلمي في بحث «كَيْفَ كَانَ الصَّحَابَةُ يَتَلَقَّوْنَ السُنَّةَ؟». 4 - أمهات المؤمنين - رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ -: كان لأمهات المؤمنين فضل عظيم في تبليغ الدين، ونشر السُنَّةِ بين نساء المسلمين، فقد كان بعض النساء يخجلن مِنْ أنْ يسألن رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - عن أُمُورِهِنَّ فيجدن عند أزواجه ما يُشفي غَلِيلَهُنَّ، لأنهنَّ على صلة دائمة به، يَتَعَلَّمْنَ منه الأحكام، وَيَنْقُلْنَ عنه ما لا يتاح لغيرهن نقله، وقد اشتهرت السيدة عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - بعلمها الغزير، وحرصها على فهم الأحكام، فعن ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ «كَانَتْ لاَ تَسْمَعُ شَيْئًا لاَ تَعْرِفُهُ إِلاَّ رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:

«مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] قَالَتْ: فَقَالَ إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ، وَلكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَهْلِكْ» (¬1). وقد عرف المسلمون سمو مكانتها، وتعمُّقها في أحكام الإسلام، فكانت - بعد وفاة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - - محطَّ أنظار طلاب العلم والمستفتين ومرجعهُم في كثير من أمور دينهم. 5 - الصحابيات: كان للنساء أثر عظيم في حفظ السُنَّةِ وتبليغها لا يقل عن أثر الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، وقد رأينا حِرْصَهُنَّ على حضور مجالس الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، حتى إذا ما رأين الرجال قد غَلَبُوهُنَّ على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، طلبن منه أنْ يُعيِّنَ لهنَّ جلسات خاصة بِهِنَّ يسألنه فيها عن أمورهن ويستمعن إلى أحاديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد كان لهؤلاء الصحابيات أثر عظيم في حمل أحكام كثيرة تتعلق بالنساء وحياتهن الزوجية، كان من الصعب أنْ يسأل الصحابة عنها رسولَ الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 6 - رُسُله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُلاَّتُهُ: أصحبت المدينة بعد الهجرة مقر الدولة الإسلامية، وقاعدة الدعوة: تنبعث منها الهداية إلى الآفاق، وتتحطَّم على إثرها أصنام الشرك، وَتَتَقَوَّضُ أمامها عروش الطغيان، فمن يثرب انطلق رسل النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى القبائل المجاورة والنائية، يدعونهم إلى الإسلام، ويُعلِّمونهم أحكامه ونظمه، عندما كانت قريش تحول بين القبائل المسلمة والنبي - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وكان ¬

_ (¬1) " فتح الباري ": ص 207 جـ 1.

رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوَجِّهُ رسله ويرشدهم وَيُعلِّمُهُمْ أصول الدعوة ويأمرهم أنْ يدعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن ذلك وصيته لمعاذ بن جبل ولأبي موسى الأشعري عندما وَجَّهَهُمَا إلى اليمن (¬1): قال - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا»، وقال لمعاذ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افتََرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» (¬2): «وَكَانَ يُشَجِّعُ عُمَّالَهُ وَقُضَاتَهُ، قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: " بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْيَمَنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ تَبْعَثُنِي إِلَى قَوْمٍ هُمْ أَسَنُّ مِنِّي لأَقْضِيَ بَيْنَهُمْ "، قَالَ: " اذْهَبْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ وَيَهْدِي قَلْبَكَ "» (¬3). وقد كانت بعوثه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - وَوُلاَّتُهُ خير من يحمل الرسالة وَيُؤَدِّي الأمانة. وفي السَّنَةِ السَّادِسَةِ كثرت بُعُوثُهُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد وجه بعد صلح الحديبية رسله إلى الملوك، يحملون إليهم كتبه، ففي يوم واحد انطلق ستة نفر إلى جهات مختلفة يَتَكَلَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بلسان القوم الذين بعث إليهم (¬4)، ¬

_ (¬1) انظر " صحيح البخاري " بحاشية السِندي: ص 72 جـ 3 وكان ذلك في السنة التاسعة للهجرة. (¬2) " صحيح مسلم ": ص 50 حديث 29 و 30 جـ 1. (¬3) " مسند الإمام أحمد ": ص 73 حديث 666 جـ 2 بإسناد صحيح. (¬4) انظر " المصباح المضيء ": ص 40.

فقد اشتهر أنه أرسل رسله إلى قيصر الروم (¬1)، وإلى أمير بُصْرَى، وإلى الحَارِثِ بْنِ أَبِي شَمَّرْ أمير دمشق من قبل هرقل، وإلى المقوقس أمير مصر من قبل هرقل يدعوهم إلى الإسلام، كما وجه كتبه إلى النجاشي ملك الحبشة، وإلى كسرى ملك الفرس، وإلى المنذر بن ساوى ملك البحرين، وأرسل كتبه ورسله إلى عُمَانَ وَاليَمَامَةَ وغيرها ... وكان الرسل يجيبون عما يسألهم عنه الملوك والأمراء ورؤساء القبائل، وَيُبَيِّنُونَ لهم الإسلام وغاياته على ضوء ما يزودهم به الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - من التوجيه والإرشاد، وكان - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - يولي على كل قوم قبلوا الإسلام كبيرهم، ويمدهم بمن يُفقِّهُهُمْ وَيُعَلِّمُهُمْ. 7 - غزوة الفتح (الفتح الأعظم). في سَنَةِ ثمان من الهجرة نقضت قريش صلح الحديبية، فدعا رسول الله القبائل المسلمة أن تحضر رمضان في المدينة، وانطلق بعشرة آلاف (¬2) مجاهد إلى مكة، ففتحها وقوض الوثنية وَحَطَّمَ الأصنام، ثم قام خطيبًا في ألوف المسلمين والمشركين فعفا عن أعدائه الذين اضطهدوه وآذوه. ثم أعلن كثيرًا من الأحكام، منها أَلاَّ يقتل مسلم بكافر، ولا يتوارث أهل مِلَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، ولا تُنكح المرأة على عمَّتها أو خالتها ... ثم أقبل الناس يبايعون رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - ... لقد كان فتح مكة حدثًا تاريخيًا عظيمًا، نقله جموع غفيرة، ونقلت معه خطبة الرسول الكريم - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - إلى الآفاق، كما نقل المسلمون ¬

_ (¬1) انظر " سيرة ابن هشام ": ص 279 جـ 4 و " صحيح مسلم: ص 1393 و 1397 جـ 3 وانظر أخبار الرسل إلى الملوك والأمراء في " المصباح المضيء ": ص 60 - 114. (¬2) انظر " سيرة ابن هشام ": ص 17 جـ 4.

الجدد ما سمعوا من إرشاد وتوجيه إلى أهلهم وذويهم في مكة وغيرها. 8 - حجة الوداع: خرج رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شهر ذي الحجة من السَّنَةِ العَاشِرَةِ للهجرة، إلى مكة المكرمة وَحَجَّ بالناس، وكان معه جمع عظيم يبلغ تسعين (¬1) ألفًا، ووقف في عرفة في هذه الجموع الكثيرة وخطب خطبة جامعة بَيَّنَ فيها كثيرًا من الأحكام، منها حرمة دماء المسلمين وأموالهم، وأداء الأمانة، ووضع ربا الجاهلية وإبطاله، كما وضع دماء الجاهلية التي كانت بينهم ومنع العادات الباطلة ... ومنع النسيء تأكيدًا لما في كتاب الله، وَبَيَّنَ بعض حقوق الرجال وحقوق النساء وحث على حُسْنِ مُعَامَلَتِهِنَّ ... ومنع الوصية للوارث ... لقد كانت هذه الخطبة الجامعة من أهم العوامل في انتشار السُنَّةِ بين القبائل العربية، لأنه سمعها عدد كبير جِدًّا، ونقلوها إلى الآفاق، طِبْقًا لما جاء فيها من قوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلاَ هَلْ بَلَّغتُ؟ اللهُمَّ فَاشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغْ الشَاهِدُ مِنْكُمْ الغَائِبَ» (¬2). 9 - الوفود بعد الفتح الأعظم وَحَجَّةِ الوداع: بعد فتح مكة أقبلت وفود العرب من سائر أطراف الجزيرة العربية يبايعون الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَنْضَمُّونَ تحت لواء الإسلام، وتتابعت هذه الوفود وكثرت بعد حجة الوداع، وكان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرحب بالوافدين، ويعلمهم الإسلام، وَيُزَوِّدَهُمْ بنصائحه وإرشاداته، وكانت بعض الوفود تقيم ¬

_ (¬1) اختلف في عدد من حضر حجة الوداع وفي رواية عن أبي زرعة أنهم أربعون ألفًا، انظر " تلقيح فهوم أهل الأثر " ص 27: ب. (¬2) انظر " سيرة ابن هشام ": ص 276 جـ 4، ونحوه في " صحيح مسلم ": ص 1306 جـ 3.

عنده أيامًا ثم تعود إلى قبائلها تُبَلِّغُهُمْ الدين الحنيف، ومن هذه الوفود وفد ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ الذي علمه الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإسلام، فعاد إلى قومه ودعاهم فأسلموا، ووفد عبد القيس، ووفود بني حنيفة وطيء وَكِنْدَةَ وأزد شنوءة، ووفد رسول ملوك حِمْيَرْ، الذين أسلموا وأرسلوا رسولهم بذلك إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فبعث إليهم - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - كتابًا يخبرهم أنه علم بإسلامهم، وَيَحُثُّهُمْ على طاعة الله والتمسُّك بدينه، وفيه وَصِيَّتُهُ لهم برسله وببعوثه، ويوصيهم الخير في الرعية ... كما قدمت وفود همدان، وتجيب - قبيلة من كندة - ووفود ثعلبة وبني سعد من هُذَيْمٍ ووفود كثيرة يضيق المقام عن ذكرها (¬1). لقد كان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرى في هذه الوفود الخير، فيكرمهم وَيُعلِّمُهُمْ، وكانوا يسألونه ويجيبهم، وقد سمعوا حديثه، وشهدوا بعض مواقفه، وشاركوه في العبادة، ورأوا كثيرًا من تصرفاته. فكان لهذه الوفود أثر عظيم في نقل السُنَّةِ وانتشارها. ونرى أَنَّ تلك العوامل الكثيرة كانت كافية لنشر السُنَّةِ وتبليغها المسلمين، في مختلف أرجاء الدولة الإسلامية آنذاك. تلك لمحة سريعة عن انتشار السُنَّةِ في عهده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد حرص الصحابة والمسلمون جَمِيعًا على حفظها وتبليغها، ولم ينتقل رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - إلى الرفيق الأعلى إلاَّ بعد أنْ انتشر الإسلام في الجزيرة العربية كلها وساد ربوعها، وملأ القرآن والسُنَّةُ صدور أهلها، مِصْدَاقًا لقوله - عَزَّ وَجَلَّ - {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (¬2) ¬

_ (¬1) انظر " سيرة ابن هشام ": ص 221 جـ 4. (¬2) [سورة المائدة، الآية: 3].

الباب الثاني: السنة في عصر الصحابة والتابعين:

البَابُ الثَّانِي: السُنَّةُ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: الفصل الأول: 1 - اقتداء الصحابة والتابعين بالرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 2 - احتياط الصحابة والتابعين وورعهم في رواية الحديث. 3 - تثبت الصحابة والتابعين في قبول الحديث. 4 - كيف روي الحديث في ذلك العصر .. باللفظ أو بالمعنى؟ الفصل الثاني: 1 - النشاط العلمي في عصر الصحابة والتابعين. 2 - انتشار الحديث في عصر الصحابة والتابعين. 3 - الرحلة في طلب الحديث.

الفصل الأول:

الفَصْلُ الأَوَّلُ: بَيْنَ يَدَيْ الفَصْلِ: كان مصدر التشريع في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتاب الله وَسُنَّةَ رسوله: ينزل الوحي، فيبلغه النبي الكريم - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - إلى الناس كافة، وَيُبيِّنُ مقاصده، ثم يطبق أحكامه، فكان - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المرجع الأعلى في جميع أمور الأمَّة، في القضاء والفتوى، والتنظيم المالي والسياسي والعسكري: يعالج الأمور على مرأى من أصحابه - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، وعلى ضوء القرآن الكريم، فإنْ وجد حُكْمًا للقضية فصل فيها، وإن لم يجد اجتهد فيها حِينًا، أو انتظر الوحي أحيانًا، ليعرف حكم الله تعالى، وقد يجتهد فينزل الوحي مُصَحِّحًا لاجتهاده، لأنَّ الله - عَزَّ وَجَلَّ - لا يُقِرُّ رسوله على الخطأ. ثم ما لبث أن انتقل محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الرفيق الأعلى، وانقطع الوحي. ولم يبق أمام الأُمَّةِ إلاَّ القرآن العظيم وَالسُنَّةِ الشَّرِيفَةِ، مصداقًا لقوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ , وَسُنَّتِي» (¬1) وتمسك الصحابة والتابعون بِسُنَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - اتباعًا لأوامر الله تعالى بطاعته وقبول حكمه في قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬2) وقوله: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في " المستدرك "، وانظر " جامع بيان العلم وفضله ": ص 180 جـ 2. (¬2) [سورة الحشر، الآية: 7].

حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬1) وقوله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (¬2). والاستجابة لرسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واجبة في حياته وبعد وفاته، وقد امتثل الصحابة لأوامر الله تعالى في عهد الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - وَنَفَّذوهَا مخلصين، وحموا الشريعة بالمال والدماء، وكذلك فعلوا بعد وفاته، وُقُوفًا عند وصيته - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، التي سمعها منه الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ -، ويرويها العرباض بن سارية - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فيقول: «وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوعظةً وَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ، فَقُلْنَا: يَا رسولَ اللهِ، كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأوْصِنَا، قَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإنْ تَأمَّر عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اختِلافًا كَثيرًا، فَعَليْكُمْ بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِيِّنَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فإنَّ كُلَّ بِدعَةٍ ضَلالةٌ» (¬3). فأخذوا بِسُُنَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وتمسكوا بها , وَأَبَوْا أنْ يكونوا ذلك الرجل الذي ينطبق عليه قوله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ ¬

_ (¬1) [سورة النساء، الآية: 65]. (¬2) [سورة آل عمران، الآية: 132]. (¬3) الحديث الثامن والعشرون من " الأربعين النووية ": ص 67 وقال: رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وأقول: رواه أَيْضًا الدارمي في " سننه "، انظر " سنن الدارمي ": ص 26، طبعة سنة 1293 هـ.

حَرَّمْنَاهُ، أَلاَ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ» (¬1)، بل وقفوا من السُنَّةِ موقفًا عظيمًا، وَرَدُّوا على كل من فهم ذاك الفهم، رَوَى أَبُو نَضْرَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ: «أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَحَدَّثَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: حَدِّثُوا عَنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ تُحَدِّثُوا عَنْ غَيْرِهِ. فَقَالَ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ أَحْمَقُ!! أَتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ صَلاَةَ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، لاَ يُجْهَرُ فِيهَا [بِالْقِرَاءَةِ]؟، وَعَدَّ الصَّلَوَاتِ وَعَدَّ الزَّكَاةَ وَنَحْوِهَا. ثُمَّ قَالَ: «أَتَجِدُ هَذَا مُفَسَّرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ إِنَّ كِتَابَ اللَّهِ قَدْ أَحْكَمَ ذَلِكَ، وَالسُنَّةُ تُفَسِّرُ ذَلِكَ» (¬2)، وَقَالَ رَجُلٌ لِلْتَّابِعِيِّ الجَلِيلِ مُطَرِّفْ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ: لا تُحدِّثُونا إلاَّ بِالقُرْآنِ. فَقَالَ لَهُ مُطَرِّفٌ: «وَاللَّهِ مَا نُرِيدُ بِالْقُرْآنِ بَدَلاً، وَلَكِنْ نُرِيدُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِالقُرْآنِ مِنَّا» (¬3). وسنستعرض الآن تَأَسِّي الصحابة والتابعين بالرسول وَتَمَسُّكَهُمْ بِالسُنَّةِ المُطَهَّرَةِ، ثم احتياطهم وورعهم في رواية السُنَّةِ، ثُمَّ تَثَبُّتَهُمْ في قبول الأخبار والآثار عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ¬

_ (¬1) " سنن ابن ماجه ": ص 5 جـ 1 و " سنن البيهقي ": ص 6 جـ 1 رواه المقدام بن معدي كرب. (¬2) " كتاب العلم " للمقدسي، مخطوطة الظاهرية: ص 51 و " جامع بيان العلم وفضله " ص 191 جـ 2. (¬3) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 191 جـ 2.

المبحث الأول: اقتداء الصحابة والتابعين بالرسول - صلى الله عليه وسلم -:

المَبْحَثُ الأَوَّلُ: اقْتِدَاءُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِالرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لقد استجاب المسلمون الأوائل إلى قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬1) فتفانوا في اتباع محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وساروا على هديه، وهذه صور سريعة عن تمسكهم بالسُنَّةِ النبوية، تتناول أحوال الرعية والرعاة في مختلف جوانب الحياة. فها هو ذا أبو بكر الصدِّيق يعقد لواء أسامة بن زيد، ويأبى أنْ يحتفظ بجيشه وهو في أشد الحاجة إليه، ويقول: «مَا كَانَ لِي أَنْ أَحِلَّ لِوَاءً عَقَدَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، ويعقد اللواء لخالد بن الوليد ليقاتل المُرْتَدِّينَ، وَيَقُولُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «نِعْمَ عَبْدُ اللهِ وَأَخُو العَشَيرَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَسَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، سَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ» (¬2). وتأتيه فاطمة بنت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، تطلب سهم رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، فيقول لها: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَطْعَمَ نَبِيًّا طُعْمَةً، ثُمَّ قَبَضَهُ جَعَلَهُ لِلَّذِي يَقُومُ مِنْ بَعْدِهِ، فَرَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّهُ عَلَى المُسْلِمِينَ، فَقَالَتْ فَأَنْتَ وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ» (¬3) وقال: في رواية: «لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ ¬

_ (¬1) [سورة الأحزاب، الآية: 21]. (¬2) " مسند الإمام أحمد ": ص 173 جـ 1 بإسناد صحيح عن أبي بكر. (¬3) " مسند الإمام أحمد ": ص 160 جـ 1 بإسناد صحيح ونحوه في ص 177 و 178 جـ 1.

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِ إِلاَّ عَمِلْتُ بِهِ إِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ» (¬1). ولما ارْتَدَّ مسيلمة الكذاب وقومه قال عمر لأبي بكر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: «تُقَاتِلُهُمْ وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى) -؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: " وَاللهِ لاَ أُفَرِّقُ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، وَلأُقاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: " فَقَاتَلْنَا مَعَهُ فَرَأَيْنَا ذَلِكَ رُشْدًا "» (¬2). وَعَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، ابْنُ أُخْتِ نَمِرٍ، أَنَّ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّعْدِىِّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ، قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فِي خِلافَتِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّكَ تَلِي مِنْ أَعْمَالِ النَّاسِ أَعْمَالاً، فَإِذَا أُعْطِيتَ العُمَالَةَ كَرِهْتَهَا؟ قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ عُمَرُ: فَمَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ لِي أَفْرَاسًا وَأَعْبُدًا، وَأَنَا بِخَيْرٍ، وَأُرِيدُ أَنْ تَكُونَ عَمَالَتِي صَدَقَةً عَلَى المُسْلِمِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: فَلا تَفْعَلْ، فَإِنِّي قَدْ كُنْتُ أَرَدْتُ الذِي أَرَدْتَ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِينِي الْعَطَاءَ، فَأَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالاً، فَقُلْتُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، قَالَ: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ، وَتَصَدَّقْ بِهِ، فَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلا سَائِلٍ، فَخُذْهُ وَمَا لاَ، فَلا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» (¬3). ¬

_ (¬1) " مسند الإمام أحمد ": ص 167 جـ 1 بإسناد صحيح من حديث طويل. (¬2) " مسند الإمام أحمد ": ص 181 جـ 1 بإسناد صحيح، وما بين القوسين الكبيرين نص الحديث الذي ذكره أبو هريرة أولاً ثم ذكر مناقشة عمر وأبي بكر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -. (¬3) " مسند الإمام أحمد ": ص 197 جـ 1 بإسناد صحيح قال الحافظ ابن حجر في " التهذيب " =

وَعَنْ فَرُّوخَ، مَوْلَى عُثْمَانَ، أَنَّ عُمَرَ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ -، خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ فَرَأَى طَعَامًا مَنْثُورًا، فَقَالَ: مَا هَذَا الطَّعَامُ؟ فَقَالُوا: طَعَامٌ جُلِبَ إِلَيْنَا، قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ، وَفِيمَنْ جَلَبَهُ، قِيلَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ قَدِ احْتُكِرَ، قَالَ: وَمَنِ احْتَكَرَهُ؟ قَالُوا: فَرُّوخُ مَوْلَى عُثْمَانَ، وَفُلانٌ مَوْلَى عُمَرَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا فَدَعَاهُمَا، فَقَالَ: مَا حَمَلَكُمَا عَلَى احْتِكَارِ طَعَامِ المُسْلِمِينَ؟ قََالاَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، نَشْتَرِي بِأَمْوَالِنَا، وَنَبِيعُ، فَقَالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ احْتَكَرَ عَلَى المُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ، ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالإِفْلاسِ، أَوْ بِجُذَامٍ»، فَقَالَ فَرُّوخُ عِنْدَ ذَلِكَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أُعَاهِدُ اللَّهَ، وَأُعَاهِدُكَ، أَنْ لاَ أَعُودَ فِي طَعَامٍ أَبَدًا، وَأَمَّا مَوْلَى عُمَرَ فَقَالَ: إِنَّمَا نَشْتَرِي بِأَمْوَالِنَا وَنَبِيعُ. قَالَ أَبُو يَحْيَى: فَلَقَدْ رَأَيْتُ مَوْلَى عُمَرَ مَجْذُومًا (¬1). وفي وقعة اليرموك كتب القادة إلى عمر بن الخطاب: «إِنَّهُ قَدْ جَاشَ إِلَيْنَا المَوْتُ» يستمدونه، فكان فيما أجابهم: «إِنِّي أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَعَزُّ نَصْرًا وَأَحْضَرُ جُنْدًا، اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَاسْتَنْصِرُوهُ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نُصِرَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي أَقَلَّ مِنْ عِدَّتِكُمْ، فَإِذَا أَتَاكُمْ كِتَابِي هَذَا فَقَاتِلُوهُمْ، وَلا تُرَاجِعُونِي» (¬2)!! وهكذا كان الصحابة يَتَمَسَّكُونَ بِهُدَى النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

_ = جـ 3 ص 66 - 67 في ترجمة حُويطب (روى له الشيخان والنسائي حديثًا واحدًا في العمالة، وهو الذي اجتمع في إسناده أربعة من الصحابة) يريد هذا الحديث والصحابة الأربعة هم: السائب وحويطب وعبد الله بن السعدي وعمر) انظر هامش ص 197 جـ 1 من " مسند أحمد ". ومعنى مشرف في الحديث: متطلع إلى المال. (¬1) " مسند الإمام أحمد ": ص 214 حديث 135 جـ 1 بإسناد صحيح وأبو يحيى المكي هو راوي الحديث عن فروخ. (¬2) " مسند الإمام أحمد ": ص 304 جـ 1.

وَسُنَّتِهِ، ولو كانوا يشرفون على الموت والهلاك. وكان الصحابة جَمِيعًا يحرصون على سُنَنِ النبي - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، ويأمر بعضهم بعضًا باتباعها، مِنْ ذَلِكَ أََنَّ عُمَرَ بْنُ الخَطَّابِ رَأَى زَيْدَ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ يَرْكَعُ بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ فَمَشَى إِلَيْهِ وَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ، فَقَالَ لَهُ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اضْرِبْ فَوَاللَّهِ لاَ أَدَعْهُمَا بَعْدَ أَنْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا»، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «يَا زَيْدُ لَوْلاَ أَنِّي أَخْشَى أَنْ [يَتَّخِذَهُمَا] النَّاسُ سُلَّمًا إِلَى الصَّلاَةِ حَتَّى اللَّيْلِ لَمْ أَضْرِبْ فِيهِمَا» (¬1). ويرى عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - الناس قد أقبلوا على طيبات الدنيا مما أَحَلَّ لهم الله تعالى، فيُذكِّرهم برسولهم - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيقول: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي، مَا يَجِدُ دَقَلاً يَمْلأُ بِهِ بَطْنَهُ». (¬2). لقد كان عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وصحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَأَسَّوْنَ بالرسول الكريم ما استطاعوا في جميع أحوالهم، فلما طعن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قِيلَ لَهُ: أَلاَ تَسْتَخْلِفُ؟ فَقَالَ: «إِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو بَكْرٍ» (¬3). حَدَّثَ مَالِكٌ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الزِّيَادِيَّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانٍ، فَأَذِنَ لَهُ وَبِيَدِهِ عَصَاهُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا كَعْبُ، إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ مَالاً، فَمَا تَرَى فِيهِ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ يَصِلُ فِيهِ حَقَّ اللهِ فَلا بَأْسَ عَلَيْهِ. فَرَفَعَ ¬

_ (¬1) كتاب " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ": ص 92، وقد روى الإمام مسلم عن أنس قال: «كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ الأَيْدِي عَلَى صَلاَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ». (¬2) " مسند الإمام أحمد ": ص 307 و 324 جـ 1 بإسناد صحيح، والدقل هو رديء التمر ويابسه. (¬3) المرجع السابق: ص 284 جـ 1.

أَبُو ذَرٍّ عَصَاهُ فَضَرَبَ كَعْبًا، وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا أُحِبُّ لَوْ أَنَّ لِي هَذَا الجَبَلَ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ وَيُتَقَبَّلُ مِنِّي، أَذَرُ خَلْفِي مِنْهُ سِتَّ أَوَاقٍ» أَنْشُدُكَ اللهَ يَا عُثْمَانُ، أَسَمِعْتَهُ - ثَلاثَ مَرَّاتٍ -؟ قَالَ: نَعَمْ (¬1). عَطَاءٌ الخُرَاسَانِيَّ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: «رَأَيْتُ عُثْمَانَ قَاعِدًا فِي المَقَاعِدِ، فَدَعَا بِطَعَامٍ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ فَأَكَلَهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ فَصَلَّى، ثُمَّ قَالَ عُثْمَانُ: " قَعَدْتُ مَقْعَدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلْتُ طَعَامَ رَسُولِ اللهِ، وَصَلَّيْتُ صَلاةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "» (¬2). وَعَنْ مَيْسَرَةَ بْنَ يَعْقُوبٍ الطُّهَوِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا، يَشْرَبُ قَائِمًا قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ تَشْرَبُ قَائِمًا؟ فَقَالَ: «إِنْ أَشْرَبْ قَائِمًا، فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ قَائِمًا، وَإِنْ أَشْرَبْ قَاعِدًا، فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ قَاعِدًا» (¬3). وَعَن عَبْدِ خَيْرٍ بن يَزِيدٍ الخَيْوَانِىِّ الهَمَدَاني (تابعي) عَنْ عَلِىِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: «كُنْتُ أُرَى أَنَّ بَاطِنَ الْقَدَمَيْنِ أَحَقُّ بِالمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِمَا حَتَّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ ظَاهِرَهُمَا» (¬4). وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا أُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ: بِسْمِ اللهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَيْهَا قَالَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ، سُبْحَانَ الَّذِي ¬

_ (¬1) " مسند الإمام أحمد ": ص 357 جـ 1 بإسناد صحيح. (¬2) المرجع السابق: ص 378 جـ 1 بإسناد صحيح. ويظهر أنَّ المقاعد مكان في المسجد كانوا يتوضَّؤون عنده، وقد ورد ذكره في حديث رواية عثمان لوضوء الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬3) " مسند الإمام أحمد ": ص 179 حديث 916 جـ 2 بإسناد حسن ومن طريق زَاذَان، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، شَرِبَ قَائِمًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّاسُ كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهُ، فَقَالَ: «مَا تَنْظُرُونَ؟ إِنْ أَشْرَبْ قَائِمًا»، الحديث بإسناد صحيح، نفس المرجع: ص 130 جـ 2 حديث 795. (¬4) " مسند الإمام أحمد ": ص 103 حديث 737 و 917 جـ 2 بإسناد صحيح.

سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ»، ثُمَّ حَمِدَ اللهَ ثَلاثًا، وَكَبَّرَ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: «سُبْحَانَكَ لاَ إِلَهَ إِلا أَنْتَ، قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي». ثُمَّ ضَحِكَ، فَقُلْتُ: مِمَّ ضَحِكْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلْتُ، ثُمَّ ضَحِكَ، فَقُلْتُ: مِمَّ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «يَعْجَبُ الرَّبُّ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَيَقُولُ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي» (¬1). وكان الصحابة يَتَأَسَّوْنَ بالرسول الكريم، ويحافظون على سُنَّتِهِ، سواء أعرفوا علة ذلك أم لم يعرفوا عِلَّةَ ذلك أم لم يعرفوا، وسواء أَتَوَقَّعُوا حكمة لما يفعلون أم لم يَتَوَقَّعُوا، وقد اشتهر عبد الله بن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - بمحافظته الشديدة على سُنَنِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان الرسول أسوته في كل شيء، في صلاته وَحَجِّهِ وصيامه، حتى في قضاء حاجته (¬2) وكان كثيراً ما يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬3)، وكان إذا سمع من الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئًا، أو شهد معه مشهدًا، لم يُقَصِّرْ دُونَهُ أَوْ يَعْدُوهُ (¬4)، كان يقف عند الحد الوارد في الحديث أو الفعل النبوي من غير إفراط ولا تفريط. عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي سَفَرٍ، فَمَرَّ بِمَكَانٍ فَحَادَ عَنْهُ، فَسُئِلَ لِمَ فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَذَا فَفَعَلْتُ» (¬5)، وَكَانَ يَأْتِي ¬

_ (¬1) " مسند الإمام أحمد ": ص 109 حديث 753 جـ 2. (¬2) راجع " مسند الإمام أحمد " ص 191 حديث 6391 و 6151 جـ 9. (¬3) [سورة الأحزاب، الآية: 21]. (¬4) انظر " مسند الإمام أحمد ": ص 297 حديث 5546 جـ 7 بإسناد صحيح، و " سنن ابن ماجه ": ص 3 جـ 1. (¬5) " مسند الإمام أحمد ": ص 54 حديث 4870 جـ 7 بإسناد صحيح.

شَجَرَةً بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ فَيَقِيلُ تَحْتَهَا، وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ (¬1). ووقف عمر بن الخطاب على الركن قائلاً: «إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، وَلَوْ لَمْ أَرَ حَبِيبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَكَ أَوْ اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ وَلاَ قَبَّلْتُكَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}» (¬2). وكان ينهى أن يزيد إنسان على ما فعله رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ،: طُفْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا كُنْتُ عِنْدَ الرُّكْنِ الَّذِي يَلِي البَابَ مِمَّا يَلِي الحَجَرَ، أَخَذْتُ بِيَدِهِ لِيَسْتَلِمَ، فَقَالَ: «أَمَا طُفْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟»، قُلْتُ: «بَلَى»، قَالَ: «فَهَلْ رَأَيْتَهُ يَسْتَلِمُهُ؟»، قُلْتُ: «لاَ»، قَالَ: «فَانْفُذْ عَنْكَ فَإِنَّ لَكَ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةً حَسَنَةً» (¬3). وَقَالَ عليٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في القيام للجنازة: «قَدْ رَأَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَقُمْنَا، وَقَعَدَ فَقَعَدْنَا» (¬4). وكان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أمر الصحابة ومن معه يوم الفتح بِأَنْ يكشفوا عن مناكبهم، ويهرولوا في الطواف، ليرى المشركون قُوَّتَهُمْ وَجَلَدَهُمْ، وقويت دولة الإسلام ورأى عمر أَنَّ هذا الأمر قد ذهبت عِلَّتُهُ، ولكنه قال: «فِيمَ الرَّمَلانُ (¬5) الآنَ، وَالكَشْفُ عَنِ المَنَاكِبِ، وَقَدْ أَطَّأَ اللهُ الإِسْلامَ، وَنَفَى الكُفْرَ ¬

_ (¬1) " نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي ": ص 126 وقد أخرجه البزار. (¬2) " مسند الإمام أحمد ": ص 213 و 197 جـ 1 بإسناد صحيح. (¬3) المرجع السابق: ص 265 جـ 1 بإسناد صحيح. (¬4) " مسند الإمام أحمد ": ص 52 جـ 2 بإسناد صحيح. (¬5) في الأصل (فيما) وانظر الهامش التالي.

وَأَهْلَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ لاَ نَدَعُ شَيْئًا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (¬1). وَقِيلَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: لاَ نَجِدُ صَلاَةَ السَّفَرِ فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ إِلَيْنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ نَعْلَمُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا نَفْعَلُ كَمَا رَأَيْنَا مُحَمَّدًا يَفْعَلُ» (¬2). وفي رواية «وَكُنَّا ضُلاَّلاً فَهَدَانَا اللهُ بِهِ، فَبِهِ نَقْتَدِي» (¬3). كان الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - لا يرضون ترك سُنَّةٍ كان عليها رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا يقبلون مع السُنَّةِ رأي أحد مهما كان شأنه، ومهما علت مكانته بل كانوا يغضبون عضبًا شديدًا وينكرون إنكارًا قَوِيًّا على من لا يستجيب لِسُنَّةٍ سَنَّهَا الرسول الكريم، أو لِخُلُقٍ تَخَلَّقَ بِهِ، ولو كان من ينكرون ذلك عليهم ولدهم أو أقرب الناس إليهم. ومن ذلك ما رواه سعيد بن جُبير عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ (¬4) أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا إِلَى جَنْبِهِ ابْنُ أَخٍ لَهُ فَخَذَفَ (¬5) فَنَهَاهُ وَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا وَقَالَ: إِنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْدًا وَلاَ تَنْكِي عَدُوًّا، وَإِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ، ¬

_ (¬1) " مسند الإمام أحمد ": ص 293 حديث 317 جـ 1 بإسناد صحيح. أطَّأ: ثَبَّتَ وَأَرْسَى والهمزة فيه بدل واو (وطأ). فيما: استفهامية وظاهر كلام النحويين وجوب حذف ألفها إذا دخل عليها حرف الجر، ولكن قرأ عبد الله وأُبيْ وعكرمة وعيسى {عَمَّا يَتَسَأَلُونَ} بالألف. (¬2) " مسند الإمام أحمد ": ص 68 حديث 5683 جـ 8 وص 209 حديث 5333 جـ 7 والسائل في الحديث المذكور هو خالد بن أسيد. (¬3) المرجع نفسه: ص 77 حديث 5698 جـ 8. (¬4) عبد الله بن مغفل صحابي جليل من أصحاب الشجرة روى عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن أبي بكر وعثمان وغيرهم، وعنه روى ثابت البناني. سكن المدينة ثم تحوَّل إلى البصرة وتوفي فيها سنة (57 هـ)، وقيل 61 وقيل 60. انظر " تهذيب التهذيب ": جـ 6 ص 42. (¬5) خَذَفَ: من الخذف وهو أَنْ يجعل الحصاة أو النواة بين سبَّابتيه ويرمي بها.

وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ قَالَ: فَعَادَ ابْنُ أَخِيهِ فَخَذَفَ فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا ثُمَّ عُدْتَ تَخْذِفُ لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَدًا!!» (¬1). وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ أَنْ يُصَلِّينَ فِي المَسْجِدِ» فَقَالَ ابْنٌ لَهُ: إِنَّا لَنَمْنَعُهُنَّ، فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ: إِنَّا لَنَمْنَعُهُنَّ (¬2). وفي رواية: «فَانْتَهَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أُفٍّ لَكَ!! أَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ: لاَ أَفْعَلُ» (¬3). وَعَنْ سَعِيدٍ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ المُتْعَةِ!! فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا يَقُولُ عُرَيَّةُ؟ قَالَ: يَقُولُ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ الْمُتْعَةِ!! فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ! أَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ!! (¬4). وهذا عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ الأَنْصَارِيَّ، النَّقِيبَ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَزَا مَعَ مُعَاوِيَةَ أَرْضَ الرُّومِ، فَنَظَرَ إِلَى النَّاسِ وَهُمْ يَتَبَايَعُونَ كِسَرَ الذَّهَبِ بِالدَّنَانِيرِ، وَكِسَرَ الْفِضَّةِ بِالدَّرَاهِمِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَأْكُلُونَ الرِّبَا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ تَبْتَاعُوا الذَّهَبَ ¬

(¬1) " سنن ابن ماجه ": ص 6 جـ 1. (¬2) " سنن ابن ماجه ": ص 6 جـ 1 ونحوه في " مسند الإمام أحمد ": ص 266 حديث 5468 جـ 7 بإسناد صحيح. وابن عبد الله بن عمر هذا هو بلال: كما ذكره في الحديث رقم 5640 من " المسند " ص 43 جـ 8. (¬3) " مسند الإمام أحمد ": ص 290 حديث 6101 جـ 8 وص 132 حديث 6296 جـ 9 بإسناد صحيح وانظر نحوه في " جامع بيان العلم ": ص 195 جـ 2. (¬4) " مسند الإمام أحمد ": ص 48 حديث 3121 جـ 5 بإسناد صحيح.

بِالذَّهَبِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، لاَ زِيَادَةَ بَيْنَهُمَا وَلاً نَظِرَةً»، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: «يَا أَبَا الوَلِيدِ لاَ أَرَى الرِّبَا فِي هَذَا إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ نَظِرَةٍ»، فَقَالَ عُبَادَةُ: «أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُحَدِّثُنِي عَنْ رَأْيِكَ، لَئِنْ أَخْرَجَنِي اللَّهُ لاَ أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ لَكَ عَلَيَّ فِيهَا إِمْرَةٌ، فَلَمَّا قَفَلَ لَحِقَ بِالمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَا أَقْدَمَكَ يَا أَبَا الوَلِيدِ؟ فَقَصَّ عَلَيْهِ القِصَّةَ، وَمَا قَالَ مِنْ مُسَاكَنَتِهِ. فَقَالَ: ارْجِعْ يَا أَبَا الوَلِيدِ إِلَى أَرْضِكَ، فَقَبَحَ اللَّهُ أَرْضًا لَسْتَ فِيهَا وَأَمْثَالُكَ، وَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، لاَ إِمْرَةَ لَكَ عَلَيْهِ، وَاحْمِلْ النَّاسَ عَلَى مَا قَالَ، فَإِنَّهُ هُوَ الأَمْرُُُ» (¬1). أولئك صحابة رسول الله الذين حفظوا سُنَّتَهُ، وَوَجَّهُوا الأُمَّةَ إلى السبيل القويم، وحملوا الأمراء على تطبيق أحكام الشريعة، وَأَبَوْا أَنْ يماروا في دين الله صَادِعِينَ بِالحَقِّ، لا يخافون لومة لائم. وَعَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ اسْتِلاَمِ الحَجَرِ فَقَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَرَأَيْتَ إِنْ زُحِمْتُ؟»، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «اجْعَلْ (أَرَأَيْتَ) بِاليَمَنِ!! رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ» (¬2). وَعَنْ وَبَرَة بنُ عَبْدِ الرَحْمَنِ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ إِلَى ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: أَيَصْلُحُ أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَأَنَا مُحْرِمٌ؟ قَالَ: «مَا يَمْنَعُكَ مِنْ ذَلِكَ؟»، قَالَ: إِنَّ فُلاَنًا يَنْهَانَا عَنْ ¬

_ (¬1) " سنن ابن ماجه ": ص 7 جـ 1. كَسِرَةُ الذهب كالقطعة لفظاً ومعنى، وجمعها كِسَرٌ كقطع. نَظِرَةٌ: انتظار أي أجل. (¬2) " مسند الإمام أحمد ": ص 194 جـ 9 بإسناد صحيح وقد أخرجه " البخاري ". ومن الخطأ أَنْ يَظُنَّ ظان من قول ابن عمر أَنَّ اليمن كانت تعتمد على الرأي إنما ضرب اليمن مثلاً لجهة قاصية يرمي إليها هذا الاعتراض أَدَبًا مَعَ السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، مُبيِّنًا أنه لا مجال للسؤال والجواب إذا ما وجدت السُنَّةُ في أمر ما، ويدل على، ذلك رواية " الطيالسي " وفيها: «اجْعَلْ (أَرَأَيْتَ) مَعَ [ذَلِكَ] الكَوْكَبِ».

ذَلِكَ حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ مِنْ المَوْقِفِ وَرَأَيْتُهُ كَأَنَّهُ مَالَتْ بِهِ الدُّنْيَا وَأَنْتَ أَعْجَبُ إِلَيْنَا مِنْهُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَسُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ مِنْ سُنَّةِ ابْنِ فُلاَنٍ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا» (¬1). وفي رواية أخرى: صَرَّحَ بِأَنَّ الذِي كُنِّيَ عَنْهُ بِفُلاَنٍ هُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ». وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يُفْتِي بِالذِي أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الرُّخْصَةِ بِالتَّمَتُّعِ، وَبِمَا سَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، فَيَقُولُ نَاسٌ لابْنِ عُمَرَ: كَيْفَ تُخَالِفُ أَبَاكَ وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ عَبْدُ اللهِ: «وَيْلَكُمْ، أَلاَ تَتَّقُونَ اللهَ، إِنْ كَانَ عُمَرُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فَيَبْتَغِي فِيهِ الخَيْرَ يَلْتَمِسُ بِهِ تَمَامَ الْعُمْرَةِ، فَلِمَ تُحَرِّمُونَ ذَلِكَ وَقَدْ أَحَلَّهُ اللهُ وَعَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!، أَفَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا سُنَّتَهُ، أَمْ سُنَّةَ عُمَرَ؟ إِنَّ عُمَرَ لَمْ يَقُلْ لَكُمْ إِنَّ العُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ» (¬2). وفي ختام ذلك أسوق تمسك عبد الله بن عمرو بن العاص بعبادته التي فارق عليها رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد كان عبد الله بن عمرو من أعبد الصحابة وأورعهم وأزهدهم، كثير الصيام والقيام، وكان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

_ (¬1) " مسند الإمام أحمد ": ص 169 حديث 5194 جـ 7 بإسناد صحيح. (¬2) " مسند الإمام أحمد ": ص 77 حديث 5200 جـ 8 وإسناده صحيح. وفي " الموطأ " كما رواه محمد: مالك عن نافع، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: «افْصِلُوا بَيْنَ حَجِّكُمْ وَعُمْرَتِكُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَتَمُّ لِحَجِّ أَحَدِكُمْ، وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِهِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الحَجِّ» انظر هامش صفحة 78 في الجزء الثامن.

وقد رَخَّصَ له أن يصوم أَيَّامًا من كل شهر إلاَّ أنه وجد في نفسه القوة على الصيام وأراد أَنْ يصوم الدهر كله، وفي آخر أيامه ضعف عن ذلك فقال: «لأََنْ أَكُونَ قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ أَوْ عَدَلَ، لَكِنِّي فَارَقْتُهُ عَلَى أَمْرٍ أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَهُ إِلَى غَيْرِهِ» (¬1). ... ¬

_ (¬1) " مسند الإمام أحمد ": ص 240 حديث 6477 جـ 9. عدل به: أي وزن. أي من كل شيء يقابل ذلك من الدنيويات، أو عدل أي ساوى والمعنى مقارب في الحرفين. وانظر " الرسالة ": ص 446 فيها أخبار عن تمسك بعض الصحابة بِالسُنَّةِ وعدم قبول رأي لأحد مع حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

المبحث الثاني: احتياط الصحابة والتابعين في رواية الحديث:

المَبْحَثُ الثَّانِي: احْتِيَاطُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي رِوَايَةِ الحَدِيثِ: لقد عرف الصحابة منزلة السُنَّةِ فَتَمَسَّكُوا بِهَا، وَتَتَبَّعُوا آثار رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبَوْا أنْ يخالفوها متى ثبتت عندهم، كما أَبَوْا أنْ ينحرفوا عن شيء، فارقهم عليه، واحتاطوا في رواية الحديث - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، خشية الوقوع في الخطأ، وَخَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَسَرَّبَ إِلَى السُنَّةِ المُطَهَّرَةِ الكذب أو التحريف، وهي المصدر التشريعي الأول بعد القرآن الكريم، ولهذا تَتَبَّعُوا كل سبيل يحفظ على الحديث نوره، فآثروا الاعتدال في الرواية عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بل إِنَّ بعضهم فَضَّلَ الإقلال منها، قال ابن قتيبة: «كان عمر شديد الإنكار على من أكثر الرواية، أو أتى بخبر في الحكم لا شاهد له عليه، وكان يأمرهم بأنْ يُقِلُّوا الرواية، يريد بذلك ألاَّ يتسع الناس فيها، ويدخلها الشوب، ويقع التدليس والكذب من المنافق والفاجر والأعرابي، وكان كثير من جلة الصحابة وأهل الخاصة برسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كأبي بكر والزُبير وأبي عُبيدة والعباس بن عبد المطلب - يُقِلُّونَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ، بل كان بعضهم لا يكاد يروي شيئًا كسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة» (¬1). والتزم الصحابة - في الخلافة الراشدة - منهاج عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وأتقنوا أداء الحديث، وضبطوا حروفه ومعناه (¬2)، وكانوا يخشون كثيرًا أنْ يقعوا في الخطأ، لذلك نرى بعضهم - مع كثرة تحمُّلهم عن الرسول - صَلََّى ¬

_ (¬1) " تأويل مختلف الحديث ": ص 48، 49. (¬2) انظر المبحث الرابع من الفصل الأول في الباب الثاني فيما يلي، وقد بَيَّنْتُ فيه كيف رُوِيَ الحديث.

اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يكثر من الرواية في ذلك العهد، حتى إنَّ منهم من كان لا يحدث حَدِيثًا فِي السُنَّةِ، ونرى من تأخذه الرعدة، ويقشعر جلده، وَيَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ وَرَعًا واحترامًا لحديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن هذا، مَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنَ مَيْمُونٍ، قَالَ: " مَا أَخْطَأَنِي ابْنُ مَسْعُودٍ عَشِيَّةَ خَمِيسٍ إِلاَّ أَتَيْتُهُ فِيهِ، قَالَ: فَمَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ لِشَيْءٍ قَطُّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ عَشِيَّةٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَنَكَسَ، قَالَ: «فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَهُوَ قَائِمٌ مُحَلَّلَةً، أَزْرَارُ قَمِيصِهِ، قَدْ اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ، وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ» قَالَ: «أَوْ دُونَ ذَلِكَ، أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، أَوْ شَبِيهًا بِذَلِكَ» (¬1). وَقَالَ أَنَسُ بْنَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «لَوْلاَ أَنِّي أَخْشَى أَنْ أُخْطِئَ لَحَدَّثْتُكُمْ بِأَشْيَاءَ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (¬2). وَكَانَ إِذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا فَفَرَغَ مِنْهُ، قَالَ: أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللِه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬3)، وكذلك كان يفعل أبو الدرداء وغيره. وَجَالَسَ الشَّعْبِيُّ ابْنَ عُمَرَ سَنَةً فَمَا سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا (¬4). وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدِيثًا كَثِيرًا ¬

_ (¬1) " سنن ابن ماجه ": ص 8 جـ 1. نكس أي طأطأ رأسه وخفضه. وانظر نحوه في " مسند الإمام أحمد ": ص 46 حديث 4015 جـ 6 وفي " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 98: آ. (¬2) " سنن الدارمي ": ص 77 جـ 1. (¬3) " سنن ابن ماجه ": ص 8 جـ 1 و " سنن الدارمي ": ص 84 جـ 1 و " السنن الكبرى " للبيهقي: ص 11 جـ 1. (¬4) " سنن الدارمي ": ص 84 جـ 1 وانظر " السنن الكبرى ": ص 11 جـ 1 وأخرجه ابن ماجه في " سننه ": ص 8 جـ 1.

أنَّ النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» (¬1). وَعَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ: أَنَّ بَنِي أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالُوا لأَبِيهِمْ: يَا أَبَانَا أَلا تُحَدِّثُنَا كَمَا تُحَدِّثُ الْغُرَبَاءَ؟ قَالَ: «أَيْ بَنِيَّ إِنَّهُ مَنْ يُكْثِرْ يُهْجِرْ» (¬2). وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى: «أَدْرَكْتُ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِنَ الأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ إِلاَّ وَدَّ أنَّ أَخَاهُ كَفَاهُ إِيَّاهُ، وَلاَ يُسْتَفْتَى عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ وَدَّ أنَّ أَخَاهُ كَفَاهُ». وَفِي رِوَايَةٍ: «يُسْأَلُ أَحَدُهُمْ المَسْأَلَةَ فَيَرُدَّهَا هَذَا إِلَى هَذَا حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى الأَوَّلِ» (¬3). قَالَ مُجَاهِدٌ: «صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَا سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ هَذَا الحَدِيثِ: " مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّخْلَةِ "» (¬4). وَقَالَ: السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّهُ صَحِبَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ مِنَ المَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، قَالَ: «فَمَا سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا حَتَّى رَجَعَ» (¬5). وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، مَالِيَ لاَ أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَسْمَعُ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا؟ قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً، يَقُولُ: «مَنْ كَذَبَ ¬

_ (¬1) " صحيح البخاري بحاشية السندي ": ص 31 جـ 1. (¬2) " طبقات " ابن سعد: ص 14 جـ 7. (¬3) " مختصر كتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول ": ص 13. (¬4) انظر " صحيح مسلم ": ص 2165 جـ 4، و" قبول الأخبار ": ص 25. (¬5) " طبقات " ابن سعد: ص 102 قسم 1 جـ 3، وانظر " سنن ابن ماجه ": ص 9 جـ 1 و" سنن البيهقي ": ص 12 جـ 1، وانظر " المحدث الفاصل ": ص 134: آوفي " قبول الأخبار ": ص 25: أَنَّهُ صَحِبَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَالمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ ... الحديث.

عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» (¬1) وَفِي رِوَايَةٍ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» (¬2). وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى , قَالَ: قُلْنَا لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: حَدِّثْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ، قَالَ: «كَبِرْنَا وَنَسِينَا , وَالحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ شَدِيدٌ» (¬3). هكذا تشدَّدَ الصحابة في الحديث، وأمسك بعضهم عنه كراهية التحريف، أو الزيادة والنقصان في الرواية عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأَنَّ كثرة الرواية كانت في نظر كثير منهم مظنة الوقوع في الخطأ، والكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد نهى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الكذب عليه وعن رواية ما يرى أنه كذب، من ذلك قوله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «مَنْ رَوَى عَنِّي حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبَيْنِ» (¬4). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَفَى بِالمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» (¬5). وكان الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - يخشون أنْ يقعوا في الكذب عامة، فكيف ¬

_ (¬1) " سنن ابن ماجه ": ص 10 جـ 1 وقوله: «أَمَا إِنِي لَمْ أُفَارِقْهُ» يعني به أَنَّ ذلك ليس لقلة صحبته. (¬2) " الكفاية ": ص 102، وأخرجه " البخاري " كذلك: انظر " فتح الباري ": ص 210 جـ 1، ونظر " المصباح المضيء ": ص 20: ب و" تمييز المرفوع من الموضوع ": ص 2: ب. وفي رواية " الكفاية ": قال: «قُلْتُ لأَبِي الزُّبَيْرِ ... » الحديث. وانظر " طبقات " ابن سعد: ص 75 قسم 1 جـ 3 من طريق وهب بن جرير وقال بعد رواية الحديث: «وَاللَّهِ مَا قَالَ مُتَعَمِّدًا وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ مُتَعَمِّدًا». (¬3) " سنن ابن ماجه ": ص 8 جـ 1 و" سنن البيهقي ": ص 11 جـ 10 و" المحدث الفاصل ": ص 132: آ. (¬4) مقدمة " التمهيد " لابن عبد البر: ص 11. (¬5) مقدمة " التمهيد ": ص 11 وفي رواية ابن مسعود (إِنَّمَا) بدل (كَذِبًا) وانظر " تذكرة الحفاظ ": ص 15 جـ 1.

يَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «إذا حدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا فَلأَنْ أَخِرَّ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ ... » (¬1). وقد تَشَدَّدَ عمر بن الخطاب في تطبيق هذا المنهج، فحمل الناس على التثبت مِمَّا يسمعون، والتروي فيما يُؤَدُّونَ، فكان له الفضل الكبير في صيانة الحديث من الشوائب وَالدَّخل، وقد طَبَّقَ ذلك الصحابة أَيْضًا، يقول ابن مسعود: «لَيْسَ العِلْمُ بِكَثْرَةِ الحَدِيثِ، وَلَكِنَّ العِلْمَ الْخَشْيَةُ» (¬2). ويُصوِّرُ لنا أبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - محافظة الصحابة على السُنَّةِ في عهد عمر بإجابته عن سؤال طرحه عليه أبو سلمة، قال له: أكُنتَ تُحدِّثُ فِي زَمَانِ عُمَرَ هَكَذَا؟ فَقَالَ: «لَوْ كُنْتُ أُحَدِّثُ فِي زَمَانِ عُمَرَ مِثْلَ مَا أُُحَدِّثُكُمْ لَضَرَبَنِي بِمِخْفَقَتِهِ» (¬3). وفي رواية: «لَقَدْ حَدَّثَتُكُمْ بِأَحَادِيثَ، لَوْ حَدَّثْتُ بِهَا زَمَنَ عُمَرَ لَضَرَبَنِي عُمَرُ بِالدِّرَّةِ» (¬4). وقد كان تَشَدُّدَ عمر هذا والصحابة معه للمحافظة على القرآن الكريم، بجانب المحافظة على السُنَّةِ، فقد خشي أنْ يشتغل الناس بالرواية عن القرآن الكريم، وهو دستور الإسلام، فأراد أنْ يحفظ المسلمون القرآن جَيِّدًا، ثم يعتنوا بالحديث الشريف الذي لم يكن قد دُوِّنَ كله في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كالقرآن. فنهج لهم التثبت العلمي والإقلال من الرواية مخافة الوقوع ¬

_ (¬1) " مسند الإمام أحمد ": ص 45 جـ 2. (¬2) " مختصر كتاب المؤمل في الرد إلى الأمر الأول: ص 6. (¬3) " تذكرة الحفاظ: ص 7 جـ 1، وانظر في هذا الكتاب أبا هريرة. القسم الثاني في دفع شبهات عنه وقد اشتهرت الرواية عن أبي هريرة بأن عمر سَمَحَ لَهُ بِالرِّوَايَةِ عِنْدَمَا عَرَفَ خِشْيَتَهُ وَوَرَعَهُ. (¬4) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 121 جـ 2.

في الخطأ، وقد عرف إتقان بعض الصحابة وحفظهم الجيد فسمح لهم بالتحديث. وَيَتَجَلَّى منهاج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في وَصِيَّتِهِ التي أوصى بها وفده إلى الكوفة فيما روي عَنْ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَنَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ إِلَى الكُوفَةِ، وَشَيَّعَنَا إِلَى مَوْضِعٍ قُرْبَ المَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ: صِرَارٌ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ لِمَ مَشَيْتُ مَعَكُمْ؟» قَالَ: «قُلْنَا: لِحَقِّ صُحْبَةِ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِحَقِّ الأَنْصَارِ». قَالَ: «لَكِنِّي مَشَيْتُ مَعَكُمْ لِحَدِيثٍ أَرَدْتُ أَنْ أُحَدِّثكُمْ بِهِ، فَأَرَدْتُ أَنْ تَحْفَظُوهُ لِمَمْشَايَ مَعَكُمْ: إِنَّكُمْ تَقْدِمُونَ عَلَى قَوْمٍ لِلْقُرْآنِ فِي صُدُورِهِمْ هَزِيزٌ كَهَزِيزِ المِرْجَلِ، فَإِذَا رَأَوْكُمْ مَدُّوا إِلَيْكُمْ أَعْنَاقَهُمْ، وَقَالُوا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ، فأقِلُّوا الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَا شَرِيكُكُمْ» (¬1). وفي رواية: «فَلَمَّا قَدِمَ قَرَظَةُ بْنُ كَعْبٍ قَالُوا: " حَدِّثْنَا "، قَالَ: " نَهَانَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - "» (¬2). ورُوِيَ عن أمير المؤمنين عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أنه اتَّبَعَ منهج الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ومنع الإكثار من الرواية، قَالَ مَحْمُودٌ بْنُ لَبِيدٍ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ: «لاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ يَرْوِي حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ أَسْمِعْ بِهِ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَلاَ عَهْدِ عُمَرَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنَا أَنْ نُحَدِّثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ لا أكون أوعى لأصحابه منه، ألاَ إنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ¬

_ (¬1) " سنن ابن ماجه ": ص 9 جـ 1 و" طبقات ابن سعد ": ص 2 جـ 6، والهزيز: الصوت. وقوله: أنا شريككم: أي شريككم في الإقلال أي أنصحكم بذلك وأعمل بنصيحتي لا كما ذهب إليه السِنْدِي من أنه شريك في الأجر بسبب أنه الدال الباعث لهم على الخير. انظر هامش ص 9 جـ 1 من " سنن ابن ماجه "، ذلك لأنَّ المقام لا يحتمله. (¬2) " تذكرة الحفاظ ": ص 7 جـ 1 و" جامع بيان العلم ": ص 120 جـ 2 و" شرف أصحاب الحديث ": ص 97: آ، وانظر " سنن الدارمي ": ص 85 جـ 1، و " سنن البيهقي ": ص 12 جـ 1.

«مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» (¬1). وقد سبق لي أنْ بيَّنتُ تطبيق الإمام عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لمنهج الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ -. وَيُرْوَى أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ يَقُولُ: «اتَّقُوا الرِّوَايَاتِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلاَّ مَا كَانَ يُذْكَرُ مِنْهَا فِي زَمَنِ عُمَرَ، فَإِنَّ عُمَرَ كَانَ يُخَوِّفُ النَّاسَ فِي اللهِ تَعَالَى» (¬2). تلكم طريقة الصحابة ومنهجهم في المحافظة على حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، خشية الوقوع في الخطأ، أو تَسَرُّبِ الدَسِّ إلى الحديث الشريف من الجهلاء وأصحاب الأهواء، أو أنْ تحمل بعض الأحاديث على غير وجه الحق والصواب، فيكون الحكم بخلاف ما أخذ به. فعلوا ذلك كله احْتِيَاطًا للدين ورعاية لمصلحة المسلمين، لا زاهدًا في الحديث النبوي ولا تعطيلاً له. فلا يجوز لإنسان أنْ يفهم من منهاج الصحابة ومن تَشَدُّدِ عُمَرَ خاصة، هَجْرَ الصَّحَابَةِ لِلْسُنَّةِ أو زهدهم فيها، معاذ الله أن يقول هذا إلاَّ جاهل أو صاحب هوى، لا علم له بقليل من السُنَّةِ، ولم تخالط قلبه رُوحَ الصحابة، ولا أنار سبيله قبس مِنْ هُدَاهُمْ، فقد ثبت عن الصحابة جَمِيعًا تَمَسُّكَهُمْ بالحديث الشريف وإجلالهم إياه، وأخذهم به، وقد تواتر خبر اجتهاد الصحابة إذا وقعت لهم حادثة شرعية من حلال أو حرام، وفزعهم إلى كتاب الله تعالى، فإنْ وجدوا فيه ما يريدون تَمَسَّكُوا به، وأجروا (حكم الحادثة) على مقتضاه، وإنْ ¬

_ (¬1) " قبول الأخبار ": ص 29. والحديث بإيجاز في " مسند الإمام أحمد ": ص 363 جـ 1 بإسناد صحيح. (¬2) " رد الدارمي على بِشر المريسي ": ص 135، وانظر " تذكرة الحفاظ ": ص 7 جـ 1.

1 - رأي ابن عبد البر:

يجدوا ما يطلبون فزعوا إلى «السُنَّةِ»، فإنْ رُوِيَ لهم خبر أخذوا به، ونزلوا على حكمه، وإنْْ لم يجدوا الخبر فزعوا إلى الاجتهاد والرأي (¬1). وطريقة أبي بكر وعمر في الحكم مشهورة: كان أبو بكر الصدِّيق إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله تعالى، فإنْ وجد فيه ما يقضي به قضى به، وإنْ لم يجد في كتاب الله نظر في سُنَّةِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنْ وجد فيها ما يقضي به قضى به، فإنْ أعياه ذلك سأل الناس: هل علمتم أنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى فيه بقضاء؟ فربما قام إليه القوم فيقولون: قضى فيه بكذا وكذا، فإنْ لم يجد سُنَّةً سَنَّهَا النَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع رؤساء الناس فاستشارهم (¬2) .. وكان عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يفعل ذلك. هكذا كان منهج الصحابة جَمِيعًا في كل ما يرد عليهم، وليس لأحد بعد هذا أَنْ يتَّخذ بعض ما ورد عن الصحابة ذريعة لهواه، ونستعرض موقف بعض علماء الحديث في ذلك. 1 - رَأْيُ ابْنِ عَبْدِ البَرِّ: قال: «احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ لاَ عِلْمَ لَهُ وَلاَ مَعْرِفَةً مِنْ أَهْلِ البِدَعِ وَغَيْرِهِمْ، الطَّاعِنِينَ فِي السُّنَنِ، بِحَدِيثِ عُمَر هَذَا قَوْلُهُ: " أَقِلُّوا الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .. وجعلوا ذلك ذريعة إلى الزهد في سُنَنِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، التي لا يوصل إلى مراد كتاب الله إلاَّ بها، والطعن على أهلها ولا حُجَّةَ في هذا الحديث، ولا دليل على شيء مِمَّا ذهبوا إليه من وجوه قد ذكرها أهل العلم، منها: ¬

_ (¬1) انظر " الملل والنحل " للشهرستاني: ص 446، 447. (¬2) " إعلام الموقعين ": ص 62 جـ 1 عن كتاب " القضاء " لأبي عبيد.

- أنَّ وجه قول عمر كان لقوم لم يكونوا أحصوا القرآن فخشي عليهم الاشتغال بغيره عنه، إذ هو الأصل لكل علم، هذا معنى قول أبي عبيد في ذلك. - وقال غيره: إنَّ عمر إنما نهى عن الحديث عما لا يفيد حُكْمًا ولا يكون سُنَّةً. - وطعن غيرهم في حديث قرظة هذا وَرَدَّهُ، لأنَّ الآثار الثابتة عن عمر خلافه، منها ما روى مالك ومعمر وغيرهما عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي حَدِيثِ السَّقِيفَةِ أَنَّهُ خَطَبَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ أَنْ أَقُولَهَا [لاَ أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي] فَمَنْ وَعَاهَا وَعَقِلَهَا وَحَفِظَهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ تَنْتَهِي بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَمَنْ خَشِيَ أَلاَّ يَعِيَهَا فَإِنِّي لاَ أُحِلُّ [لأَحَدٍ] أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ ... » (¬1). وهذا يدل على أَنَّ نهيه عن الإكثار، وأمره بالإقلال من الرواية عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما كان خوف الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وخوفًا من [أَنْ] يكونوا - مع الإكثار - يُحَدِّثُونَ بما لم يَتَيَقَّنُوا حِفْظَهُ، وَلَمْ يَعُوهُ، لأنَّ ضبط من قَلَّتْ روايته أكثر من ضبط المستكثر، وهو أبعد من السهو والغلط الذي لا يؤمن مع الإكثار، فلهذا أمرهم بالإقلال من الرواية، ولو كره الرواية، وَذَمَّهَا لنهي عن الإقلال منها والإكثار، ألا تراه يقول: «فَمَنْ حَفِظَهَا وَوَعَاهَا، فَلْيُحَدِّثْ بِهَا»، فكيف يأمرهم بالحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وينهاهم عنه؟ هذا لا يستقيم، بل كيف ينهاهم عن الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ ¬

_ (¬1) انظر هذا القول لعمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - رواه الخطيب البغدادي عن ابن عباس في " الكفاية ": ص 166.

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويأمرهم بالإقلال منه، وهو يندبهم إلى الحديث عن نفسه، بقوله: «مَنْ حَفِظَ مَقَالَتِي وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ تَنْتَهِي بِهِ رَاحِلَتُهُ» ثم قال: «وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لاَ يَعِيَهَا فَلاَ يَكْذِبْ عَلَيَّ» وهذا يُوضِّحُ لك ما ذكرنا، والآثار الصحاح عنه من رواية أهل المدينة بخلاف حديث قرظة هذا، وإنما يدور على (بيان) (¬1) عن (الشعبي) وليس مثله حُجَّةٌ في هذا الباب، لأنه يعارض السُنَنَ وَالكِتَابَ. قال الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬2) ... وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬3) ... ومثل هذا في القرآن كثير، ولا سبيل إلى اتباعه (¬4) والتأسي به، والوقوف عند أمره، إلاَّ بالخبر عنه، فكيف يَتَوَهَّمُ أحد على عمر أنه يأمر بخلاف ما أمر الله به، وقد قال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَضَّرَ الله عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ... » الحديث. وفيه الحض الوكيد على التبليغ عنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال: «خُذُوا عَنِّي فِي غَيْرِ مَا حَدَّثْتُ وَبَلِّغُوا عَنِّي»، والكلام في هذا أوضح من النهار لأُولِي النُّهَى والاعتبار. ولا يخلو الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أنْ يكون خَيْرًا أَوْ شَرًّا. فإنْ كان خَيْرًا ولا شك في أنه خير فالإكثار من الخير أفضل، وإنْ كان شَرًّا - فَلاَ (¬5) ¬

_ (¬1) هو بيان بن بشر الأحمسي أبو بشر الكوفي كما في " الخلاصة ". وهو ثقة، وطعن ابن عبد البر في روايته هذه لأنه خالف من هو أوثق منه. وهذا لا يمنع صحتها، وأرى أَنَّ جميع ما ورد عن عمر غير متعارض كما أبيِّنُهُ بعد قليل، وطَعَنَ ابن حزم في حديث قرظة أَيْضًا، وناقش نهي عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عن الإكثار من التَحَدُّثِ مناقشة طيبة قريبة من مناقشة ابن عبد البر، انظر " الإحكام ": ص 137 جـ 2 وما بعدها. (¬2) [سورة الأحزاب، الآية: 21]. (¬3) [سورة الحشر، الآية: 7]. (¬4) أي اتِّباع الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬5) في الأصل (وَلاَ) وقد تكون خطأ من الناسخ فأثبتْناها (فَلاَ) لأنَّ الفاء رابطة لجواب (إِنَّ) الشرطية.

يجوز أن يَتَوَهَّمَ أَنَّ عمر يوصيهم بالإقلال من الشر (¬1). وهذ يَدُلُّكَ أنه إنما أمرهم بذلك خوف مواقعة الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وخوف الاشتغال عن تدبر السنن والقرآن، لأنَّ المكثر لا تكاد تراه إلاَّ غير مُتَدَبِّرٍ ولا مُتَفَقِّهٍ. وذكر مسلم بن الحَجَّاجِ في كتاب " التمييز " ... عن قيس بن عُبادة قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: «مَنْ سَمِعَ حَدِيثًا، فَأَدَّاهُ كَمَا سَمِعَ فَقَدْ سَلِمَ». ومما يدل على هذا ما ذكرناه فيما يُرْوَى عن عمر أنه كان يقول: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَالسُّنَّةَ كَمَا تَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ». فسَوَّى بينهما، ... وكتب عمر: «تعلَّمُوا السُنَّةَ وَالفَرَائِضَ وَاللَّحْنَ كَمَا تَتَعَلَّمُونَ القُرْآنَ» ... قالوا: اللحن معرفة وجوه الكلام وَتَصَرُّفِهِ وَالحُجَّةُ بِهِ، وعمر هو الناشد للناس في غير موقف بل في مواقف شتى: مَنْ عنده علم عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كذا، نحو ما ذكره مالك وغيره عنه في توريث المرأة من دية زوجها، وفي الجنين يسقط مَيِّتًا عند ضرب بطن أمه وغير ذلك ... وكيف يَتَوَهَّمُ على عمر ما تَوَهَّمَهُ الذين ذكرنا قولهم وهو القائل: «إِيَّاكُمْ وَالرَّأْيَ، فَإِنَّ أَصْحَابَ الرَّأْيِ أَعْدَاءُ السُّنَنِ، أَعْيَتْهُمُ الأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا» ... وعمر أَيْضًا هو القائل: «خَيْرُ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، وهو القائل: «سَيَأْتِي قَوْمٌ يُجَادِلُونَكُمْ بِشُبُهَاتِ الْقُرْآنِ فَخُذُوهُمْ بِالسُّنَنِ؛ فَإِنَّ أَصْحَابَ السُّنَنِ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ... ». ويقول ابن عبد البر: «وَقَدْ يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ تَكُونَ الآثَارُ كُلُّهَا عَنْ عُمَرَ صَحِيحَةً مُتَّفِقَةً، وَيَخْرُجُ مَعْنَاهَا عَلَى أَنَّ مَنْ شَكَّ فِي شَيْءٍ تَرَكَهُ، وَمَنْ حَفِظَ شَيْئًا وَأَتْقَنَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ، وَأَنَّ الإِكْثَارَ يَحْمِلُ الإِنْسَانَ عَلَى التَّقَحُّمِ فِي ¬

_ (¬1) انظر ما رُوِي عن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في الحرص على السُنن " إعلام الموقعين ": ص 55 جـ 1.

2 - رأي الخطيب البغدادي:

أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ مِنَ جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ وَغَثٍّ وَسَمِينٍ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَفَى بِالمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» رواه مسلم ... وَلَوْ كَانَ مَذْهَبُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مَا ذَكَرْنَا لَكَانَتِ الحُجَّةُ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ قَوْلِهِ، فَهُوَ الْقَائِلُ: «نَضَّرَ الله عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا وَبَلَّغَهَا» ... وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ»، رواه أبو داود والإمام أحمد والحاكم. اهـ.) (¬1). 2 - رَأْيُ الخَطِيبِ البَغْدَادِيِّ: قال الخطيب: «إنْ قال قائل: ما وجه إنكار عمر على الصحابة روايتهم (¬2) عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتشديده عليهم في ذلك، قيل له: فعل ذلك عمر احتياطًا للدين وحسن نظر للمسلمين، لأنه خاف أَنْ يتَّكِلُوا عن الأعمال وَيَتَّكِلُوا على ظاهر الأخبار، وليس حكم جميع الأحاديث على ظاهرها ولا كل من سمعها عرف فقهها، فقد يَرِدُ الحَدِيثُ مُجْمَلاً ويستنبط معناه وتفسيره من غيره، فخشي عمر أَنْ يُحْمَلَ حديث على غير وجهه، أو يؤخذ بظاهر لفظه والحكم بخلاف ما أخذ، ونحو هذا، الحديث الآخر ... عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى حِمَارٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ عُفَيْر فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ؟» فَقُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ»، قُلْتُ: أَفَلاَ ¬

_ (¬1) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 121 - 124 جـ 2 باختصار. (¬2) لم يُنكر عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - على الصحابة روايتهم عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إنما أنكر الإكثار منها عند عدم الحاجة، ولا يكون إكثار إلا عند عدم الحاجة إلى الإكثار.

أُبَشِّرَ النَّاسَ؟ فَقَالَ: «لاَ، فَيَتَّكِلُوا» (¬1) ... وَأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: قَالَ لَنَا أَبُو عَلِيٍّ الطُّومَارِيُّ كُنَّا عِنْدَ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى ثَعْلَبٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ايْشِ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ، وَقَدْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ: «هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ (¬2)، لاَ تُخْبِرْهُمَا يَا عَلِيُّ»؟ قَالَ: أَشْفَقَ [عَلَيْهِمَا] مِنَ التَّقْصِيرِ فِي العَمَلِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُلْتُ: وَكَذَلِكَ نَهَى عُمَرُ الصَّحَابَةَ أَنْ يُكْثِرُوا رِوَايَةَ الحَدِيثِ إِشْفَاقًا عَلَى النَّاسِ أَنْ يَنْكُلُوا عَنِ العَمَلِ إنْكَالاً عَلَى الحَدِيثِ. وَفِي تَشْدِيدِ عُمَرَ أَيْضًا عَلَى الصَّحَابَةِ فِي رِوَايَاتِهِمْ، حِفْظٌ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَرْهِيبٌ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنْ يُدْخِلَ فِي السُّنَنِ مَا لَيْسَ مِنْهَا، لأَنَّهُ إِذَا رَأَى الصَّحَابِيَّ المَقْبُولَ القَوْلِ، المَشْهُورِ بِصُحْبَةِ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَدْ تَشَدَّدَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ، كَانَ هُوَ أَجْدَرَ أَنْ يَكُونَ لِلْرِّوَايَةِ أَهْيَبَ) (¬3). وبهذا يسلم حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلا يتطرق إليه الكذب، ولا يزاد عليه ما ليس منه. وروى الخطيب عن عبد الله بن عامر اليحصبي، قال: «سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ عَلَى المِنْبَرِ بِدِمِشْقَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِيَّاكُمْ وَأَحَادِيثَ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلاَّ حديثاً كَانَ يُذْكَرُ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فَإِنَّ عُمَرَ كَانَ يُخِيفُ النَّاسَ ¬

_ (¬1) ونحو هذا الحديث رواه البخاري في " صحيحه " عن أنس بن مالك أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُعاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ، قَالَ: «يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ»، الحديث، وقال في آخر الحديث: وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا. انظر " فتح الباري ": ص 236 جـ 1. (¬2) انظر " مسند الإمام أحمد ": ص 37 حديث 602 جـ 2 ذكر نحوه بإسناد صحيح وفيه زيادة «سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَشَبَابِهَا بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ». (¬3) " شرف أصحاب الحديث ": ص 97 - 98: ب.

فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» (¬1). وإلى هذا المعنى الذي ذكرناه ذهب عمر في طلبه من أبي موسى الأشعري أن يحضر معه رجل يشهد أنه سمع من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديث السلام، لكن فعله على الوجه الذي بَيَّنَّاهُ من الاحتياط، لحفظ السنن والترهيب في الرواية والله أعلم. انتهى (¬2). مما سبق يَتَبَيَّنُ لنا أَنَّ الصحابة جَمِيعًا كانوا يَتَثَبَّتُونَ في الحديث، وَيَتَأَنَّوْنَ في قبول الأخبار وأدائها، وكانوا لا يحدثون بشيء إلاَّ وهم واثقون من صحة ما يَرْوُونَ، وقد حرصوا على المحافظة على الحديث بكل وسيلة تفضي إلى ذلك، فاتَّبعوا مَنْهَجًا سَلِيمًا يمنع الشوائب من أنْ تدخل السٌنَّةَ النَّبَوِيَّةَ فتفسدها. وقد حمل لواء هذه المحافظة والحرص على السنن جميع الصحابة، وتميز منهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وقد ظهر لنا مما رُوِيَ عنه اهتمامه بِالسُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وإجلاله للحديث الشريف. وَإِنَّ الأخبار التي رويت عنه في هذا الشأن ليدعم بعضها بعضًا في سبيل نشر العلم والحرص على سلامة السُنَّةِ، ومن ثم ليس لأحد أنْ يرى تَنَاقُضًا بين وصية عمر لأهل العلم والآثار الأخرى المروية عنه، فهو إذا طلب الإقلال من الرواية فإنما يطلبه من باب الاحتياط لحفظ السُنَنِ والترهيب من الرواية، وأما من كان يتقن ما يُحَدِّثُ به ويعرف فقهه وحكمه فلا يتناوله أمر عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فكل ما ورد عن أمير المؤمنين إنما يدل على المحافظة على السُنَّةِ ونشرها وتبليغها صحيحة، وَلاَ يَتَيَسَّرُ نشرها صحيحة مَا لَمْ يَتَثَبَّتْ حاملوها من مروياتهم، والإقلال من الرواية مظن عدم ¬

_ (¬1) انظر نحو هذا القول عن معاوية في كتاب " رد الدرامي على بِشْر المريسي ": ص 135، و" تذكرة الحفاظ ": ص 7 جـ 1. (¬2) " شرف أصحاب الحديث ": ص 99: آ.

الوقوع في الخطأ، ولهذا أمر به - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. وهذا ما رآه ابن عبد البر والخطيب البغدادي وغيرهما من أئمة الحديث، وإليه أَذْهَبُ، وبه أقول، فالصحابة لم يزهدوا في السُنَّةِ، بل كان لهم الفضل الأول في المحافظة عليها. وقبل أنْ نختتم هذا الفصل لاَ بُدَّ مِنْ أنْ نَتَعَرَّضَ لما رُوي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من أنه حبس بعض الصحابة لأنهم أكثروا الرواية عن رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -! فنتناول هذا الخبر من حيث صحته، ثم لو صَحَّ هذا الخبر فكيف كان ذلك الحبس؟ روى الحافظ الذهبي (¬1) عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أَنَّ عمر حبس ثلاثة: «ابْنَ مَسْعُودٍ (¬2) وَأَبَا الدَّرْدَاءَ (¬3)، وَأَبَا مَسْعُودَ الأَنْصَارِيَّ (¬4)، فَقَالَ: " قَدْ أَكْثَرْتُمْ الحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "». هؤلاء ثلاثة من جِلَّةِ أصحاب الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأتقاهم وأورعهم. هل يعقل من مثل عمر بن الخطاب أن يحبسهم؟ وهل يكفي أنهم أكثروا من الرواية؟. ¬

_ (¬1) " تذكرة الحفاظ ": ص 7 جـ 1، وفيه سعيد بن إبراهيم والصواب سعد، وهو حفيد عبد الرحمن بن عوف كما في " تهذيب التهذيب "، و" المحدث الفاصل " ص 133: آ، وانظر " مجمع الزوائد ": ص 149 جـ 1. (¬2) عبد الله بن مسعود الهُذلي صحابي جليل من السابقين إلى الإسلام كان مخالطًا لرسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصاحب وساده وسواكه ونعليه، وجهه عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - إلى الكوفة - وَامْتَنَّ عَلَى أَهْلِهَا بِهِ - ليُفَقِّهَهُمْ فِي الدِّينِ وَيُعَلِّمَهُمْ القُرْآنَ، وقد جمع القرآن في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقراءته مشهورة. توفي سَنَةَ 32 هـ في المدينة. انظر بسط ترجمته في " سير أعلام النبلاء ": ص 331 - 357 جـ 1. (¬3) أبو الدرداء: عويمر بن مالك بن قيس صحابي أنصاري خزرجي. كان حكيمًا، ولي القضاء لمعاوية في دمشق بأمر عمر بن الخطاب، وهو أحد من حفظ القرآن في عهد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتوفي في الشام سَنَةَ 32 هـ، انظر " تاريخ الإسلام " للذهبي: ص 107 جـ 2. (¬4) أبو مسعود الأنصاري: هو عُقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري البدري، كان أصغر من شهد العقبة مع الأنصار، توفي في الكوفة سَنَةَ 39 أو 40، انظر " خلاصة " الخزرجي، و " تقريب التهذيب ": ص 27 جـ 2.

إِنَّ المرء ليقف متسائلاً أمام هذا الخبر ويعتريه الشك فيه، ويتبادر إلى نفسه أن يتساءل عن الحد الذي يمكن أن يعرف به الإقلال والإكثار! وقد ناقش الإمام ابن حزم هذا وَرَدَّهُ، وقال: «هَذَا مُرْسَلٌ وَمَشْكُوكٌ فِيهِ مِنْ (شُعْبَةَ) فَلاَ يُصِحُّ وَلاَ يَجُوزُ الاِحْتِجَاجُ بِهِ، ثَمَّ هُوَ فِي نَفْسِهِ ظاهِرُ الْكَذِبِ وَالتّوْلِيدِ، لأَنَّه لاَ يَخْلُو عُمَرُ مِنْ أَنْ يُكُونَ اِتَّهَمَ الصَّحَابَةَ، وَفِي هَذَا مَا فِيهِ، أَوْ يُكُونَ نَهَى عَنْ ' نَفْسِ الحَديثِ '، وَعَنْ تَبْلِيغِ سَنَنِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى المُسْلِمِينَ، وَأَلْزَمَهُمْ كِتْمَانَهَا وجَحْدِهَا وَأَنْ لاَ يَذْكُرُوهَا لأَحِدُ، فَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ الإِسْلاَمِ '، وَقَدْ أَعَاذَ اللهُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، وَلَئِنْ كَانَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ مُتَّهَمِينَ فِي الكَذِبِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمَا عُمَرُ إلاَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهَذَا قولٌ لاَ يَقُولُهُ مُسَلِمٌ أَصْلاً، وَلَئِنْ كَانَ حَبَسَهُمْ وَهُمْ غَيْرُ مُتَّهَمِينَ لَقَدْ ظَلَمَهُمْ، فَلْيَخْتَرْ المُحْتَجُّ لِمَذْهَبِهِ الفَاسِدَ بِمِثْلِ هَذِهِ الرِّوايَاتِ المَلْعُونَةِ أََيَّ الطَّرِيقَتَيْنِ الخَبِيثَتَيْنِ شَاءَ، وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا ... ». ثُمَّ قَالَ: «وَقَدْ حَدَّثَ عُمَرُ بِحَديثِ كَثِيرِ، فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى خَمْسَمِائَةِ حَدِيثٍ وَنَيِّفًا عَلَى قُرْبِ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهُوَ كَثِيرُ الرُّوَاِيَةِ، وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ أَكْثَرُ رِوايَةَ مِنْه إلاَّ بِضْعَةً عَشَرَ مِنْهُمْ» (¬1). وَلَوْ سَلَّمْنَا جَدَلاً بِصِحَّةِ الرواية فهناك خلاف في المحبوسين، فالذهبي يذكر ابن مسعود، وأبا الدرداء، وأبا مسعود الأنصاري، بينما يذكر ابن حزم - ابن مسعود، وأبا الدرداء، وأبا ذر، فهل تَكَرَّرَ الحبس من عمر؟ ولو تَكَرَّرَ لاشتهر ثم إِنَّ حادثة كهذه سيطير خبرها في الآفاق من غير أن تحتمل الشك في المحبوسين، لأنهم من أعيان الصحابة، ولو سَلَّمْنَا أَنَّ العبرة في الحادثة نفسها من حيث حبسه ¬

_ (¬1) " الإحكام " لابن حزم: ص 139 جـ 2 وما بعدها.

بعض الصحابة دون نظر إلى أعيانهم وأشخاصهم، لأنهم أكثروا الرواية، قلنا: قد كان غير هؤلاء أكثر منهم حَدِيثًا، ولم يَرِدْنَا خبر عن حبسهم، فلا يعقل أن يحبس أمير المؤمنين بعضًا دون بعض في قضية واحدة، هم فيها سواء، وهي الإكثار من الحديث، مَعَاذَ اللهِ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فيحبس هؤلاء ويترك أبا هريرة مَثَلاً وهو أكثر حَدِيثًا منهم. فقد رُوِيَ عن أبي هريرة (5374) خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون حَدِيثًا وعن ابن مسعود (848) ثمانمائة وثمانية وأربعون حَدِيثًا، وعن أبي الدرداء (179) مائة وتسعة وسبعون حَدِيثًا، وعن أبي ذر (281) مائتان وواحد وثمانون حَدِيثًا (¬1). فإن قيل إِنَّ أبا هريرة لم يكثر من الرواية في عهد عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لأنه خَشِيَهُ. فنقول لِمَ لَمْ يَخْشَهُ هَؤُلاَءِ؟ بل إِنَّ عمر نفسه سمح لأبي هريرة أن يروي عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عندما عرف وَرَعَهُ وَخِشْيَتَهُ مِنَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، روى الذهبي عن أبي هريرة قال: «بَلَغَ عُمَرَ حَدِيثِي، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ، فَقَالَ: كُنْتَ مَعَنَا يَوْمَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِ فُلاَنٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَقَدْ عَلِمْتُ لأَيِّ شَيْءٍ سَأَلْتَنِي. قَالَ: وَلِمَ سَأَلْتُكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَئِذٍ: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ). قَالَ: أَمَا لاَ، فَاذْهَبْ فَحَدِّثْ (¬2)». فهل يتصور إنسان أن يحبس عُمَرُ ابنَ مسعود وأبا الدرداء وأبا ذَرٍّ أو أبا مسعود الأنصاري وقد عرف حفظهم وورعهم؟ بل إِنَّ أمير المؤمنين امْتَنَّ على أهل العراق كما أسلفنا عندما أرسل ¬

_ (¬1) ذكر ذلك الإمام الحافظ بقي بن مخلد في " مسنده "، انظر " البارع الفصيح في شرح الجامع الصحيح " لأبي البقاء الأحمدي الشافعي. مخطوطة دار الكتاب المصرية: ص 9 - 13: ب. (¬2) " سير أعلام النبلاء ": ص 434 جـ 2.

إليهم عبد الله بن مسعود فكتب إلى أهل الكوفة: «إِنِّي وَاللهِ الذِي لاَ إِلَهُ إِلاَّ هُوَ آثَرْتُكُمْ بِهِ عَلَى نَفْسِي فَخُذُوا مِنْهُ» (¬1) وَذَكَرَ عُمَرُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: «كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْمًا آثَرْتُ بِهِ أَهُلَ القَادِسِيَّةِ» (¬2) كيف يأمر الناس بالأخذ منه، ويشهد له بالعلم، ثم يحبسه!!؟ وما ورد على حبس ابن مسعود يرد على حبس الصحابة الباقين، ففيهم أبو الدرداء إمام الشام وقاضيها ومعلمها القرآن .. وبهذا البيان، لا يرقى إلى الصحة خبر حبس عمر للصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، لأنهم أكثروا من الرواية عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل إنه يُرْوَى عن ابن مسعود أنه نهى عن الإكثار من الرواية، فهل يُتَصَوَّرُ مِنْهُ أَنْ يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ يَفْعَلُهُ؟ وقد رُوِيَ عنه قوله: «لَيْسَ العِلْمُ بِكَثْرَةِ الحَدِيثِ، وَلَكِنَّ العِلْمَ الخَشْيَةَ» (¬3). وفي رواية سعيد بن إبراهيم عن أبيه، التي ذكرها الخطيب البغدادي، ما يدل على أنه استبقاهم في المدينة حتى عرف لفظهم سواء. وهذه هي رواية الخطيب. قال: «بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَإِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَإِلَى أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيَّ فَقَالَ: " مَا هَذَا الحَديثُ الذِي تُكْثِرُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ -؟ فَحَبَسَهُمْ بِالمَدِينَةِ حَتَّى اِسْتَشْهَدَ لَفْظَهُمْ سَواءَ» (¬4). فيكون هذا من باب تَثَبُّتِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في الحديث، وهذه الرواية تثبت أنه لَمْ يَزُجَّ بهم في السجن، بل استبقاهم في المدينة ريثما يَتَثَبَّتُ من لفظهم، فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَلاَ ضَيْرَ عَلَيْهِمْ. ¬

_ (¬1) " سير أعلام النبلاء ": ص 351، جـ 1، وَالكُنَيْفُ: الوِعَاءُ. (¬2) " سير أعلام النبلاء ": ص 351، جـ 1، وَالكُنَيْفُ: الوِعَاءُ. (¬3) " مختصر كتاب المؤمل في الرد إلى الأمر الأول ": ص 6. (¬4) " شرف أصحاب الحديث ": ص 92: آ.

ومما يؤكد لنا أنه لم يحبس أحدًا - وهو ما استنبطناه من مناقشة الروايات السابقة - ما يرويه الرامهرمزي عن شيخه ابْنِ البُرِّيِّ من طريق سعد بن إبراهيم عن أبيه (*): أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، حَبَسَ بَعْضَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ فَقَالَ: «قَدْ أَكْثَرْتُمُ الحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ البُرِّيِّ: يَعْنِي مَنَعَهُمُ الحَدِيثَ، وَلَمْ يَكُنْ لِعُمَرَ حَبْسٌ (¬1). فقد فَسَّرَ ابْنُ البُرِّيِّ الخبر تَفْسِيرًا جَيِّدًا وَإِنْ جَاءَ مُقْتَضَبًا، فهو يريد أنه منعهم كثرة الحديث، خَوْفًا مِنْ أَنْ لاَ يَتَدَبَّرَ السامعون كلام رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - إذا كثر عليهم. كل ما سبق ينفي صحة ما ورد من أخبار حول حبس عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - للصحابة لأنهم أكثروا الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفي عهد التابعين ازداد النشاط العلمي لانتشار الصحابة في الأمصار، ثم ما لبث التابعون أَنْ تَصَدَّرُوا للرواية، ومع هذا سلكوا سبيل الصحابة، وساروا على نهجهم، فكانوا على جانب عظيم من الورع والتقوى، وليس بَعِيدًا ما تقول، لأنهم تَخَرَّجُوا في مدارس الصحابة تلامذة رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، فنسمع الشعبي - وهو أحد كبار التابعين الحفاظ الثقات - يقول: «لَيْتَنِي انْفَلَتُّ مِنْ عِلْمِي كَفَافًا لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِي» (¬2). وكأنه يشعر بأنه أكثر من التحديث فيقول: «كَرِهَ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُونَ الإِكْثَارَ مِنَ الحَدِيثِ، وَلَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا حَدَّثْتُ إِلاَّ بِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الحَدِيثِ (¬3)». وكان شُعْبِةُ بْنُ ¬

_ (¬1) " المحدث الفاصل ": ص 133: آ. (¬2) " جامع بيان العلم ": ص 130، جـ 2 وَيُرْوَى نحوه عن سفيان الثوري. انظر " الكامل ": ص 5: ب، جـ 3 في المجلد الأول في دار الكتب المصرية تحت رقم (95) مصطلح الحديث. و " جامع بيان العلم وفضله ": ص 129، جـ 2. (¬3) " تذكرة الحفاظ ": ص 77، جـ 1. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ (خَ، م) الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، أَبُو إِسْحَاقَ الزُّهْرِيُّ، العَوْفِيُّ، المَدَنِيُّ. وَقِيْلَ: كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ، أَخُو أَبِي سَلَمَةَ الفَقِيهِ، وَحُمَيْدٍ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيهِ. وَعَنْ: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَسَعْدٍ، وَعَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ، وَجُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، وَطَائِفَةٍ. رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ قَاضِي المَدِيْنَةِ، وَصَالِحُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، وَغَيْرُهُم. وَأُمُّهُ: هِيَ المُهَاجِرَةُ أُمُّ كُلْثُوْمٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بنِ أَبِي مُعَيْطٍ. انظر: " سير أعلام النبلاء " للذهبي، تحقيق الشيخ شُعَيْب الأرناؤوط، الطبعة: الثالثة، 1405 هـ / 1985 م، نشر مؤسسة الرسالة: 4/ 292.

الحَجَّاِج يقول: «التَّدْلِيسُ فِي الحَدِيثِ أَشَدُّ مِنَ الزِّنَا ; وَلأَنْ أَسْقُطَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ» (¬1). وفي رواية عنه أنه كان يقول: «لأَنْ أَقَعََ مِنْ فَوْقِ هَذَا القَصْرِ - لِدَارٍ حِيَالَهُ (¬2) - عَلَى رَأْسِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ لَكُمْ: قَالَ فُلاَنٌ، لِرَجُلٍ تَرَوْنَهُ، أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ ذَاكَ مِنْهُ وَلَمْ أَسْمَعْهُ» (¬3). وَمِنْهُمْ مِنْ كَانَ يَقْتَصِدُ فِى رِوايَةَ الحَديثِ عَلَى طُلاَّبِهِ لِيَفْهَمُوا مَا يُحَدِّثُهُمْ بِهِ وَيَعْقِلُوهُ وَيَتَدَبَّرُوهُ، وَمِنْ هَذَا مَا رَوَاهُ خَالِدٌ الْحَذَّاء، قَالَ: «كُنَّا نَأْتِي أَبَا قِلاَبَةَ، فَإِذَا حَدَّثَنَا بِثَلاَثَةِ أَحَادِيثَ قَالَ: قَدْ أَكْثَرْتُ» (¬4)، وَيُؤَكِّدُ هَذَا مَا قَالَهُ اِبْنُ عَبْدِ البَرِّ: «إِنَّمَا عَابُوا الإِكْثَارَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَرْتَفِعَ التَدَبُّرُ وَالتَّفَهُّمُ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا حَكَاهُ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: سَأَلَنِي الأَعْمَشُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، وَأَنَا وَهُوَ لاَ غَيْرَ، فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا يَا يَعْقُوبُ؟ فَقُلْتُ: بِالحَدِيثِ الَّذِي حَدَّثْتَنِي أَنْتَ، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ، فَقَالَ لِي: «يَا يَعْقُوبُ إِنِّي لأَحْفَظُ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجْتَمِعَ أَبَوَاكَ (¬5) مَا عَرَفْتُ تَأْوِيلَهُ إِلَى الآنَ» (¬6). وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا: أَنَّهُ جَرَى بَيْنَ الأَعْمَشِ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَبِي حَنِيفَةَ، فَكَانَ مِنْ قَوْلِ الأَعْمَشِ: «أَنْتُمُ الأَطِبَّاءُ وَنَحْنُ الصَّيَادِلَةُ» (¬7). ¬

_ (¬1) مقدمة " التمهيد ": ص 5: ب. (¬2) هكذا النص والمعنى: لدار قريبة منه. (¬3) مقدمة " الجرح والتعديل ": ص 174، ويروى نحوه عن مطرف بن طريف، انظر نفس المصدر: ص 42. (¬4) انظر " المحدث الفاصل ": ص 145، 146. (¬5) أي من قبل أنْ يُخْلَقَ، كناية عن أنه حفظه منذ زمن بعيد. (¬6) هكذا النص والأصوب أَنْ تَكُونَ «إلاَّ». (¬7) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 130، جـ 2.

المبحث الثالث: تثبت الصحابة والتابعين في قبول الحديث:

المَبْحَثُ الثَّالِثُ: تَثَبُّتُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي قَبُولِ الحَدِيثِ: وكما احتاط الصحابة والتابعون في التحديث، احتاطوا وَتَثَبَّتُوا في قبول الأخبار عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسنعرض هذا فيما يلي: [أ] تَثَبُّتُ أَبِي بَكْرٍ الصِدِّيقَ فِي قَبُولِ الأَخْبَارِ: كان أبو بكر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قُدوة حسنة للمسلمين في المحافظة على السُنَّةِ، والتثبت في قبول الأخبار خشية أن يقع ويقع المسلمون في خطأ يُؤَدِّي بهم إلى ما لا تحمد عُقْبَاهُ. وَسَأُورِدُ بعض الأخبار التي تُبَيِّنُ لنا طريق الصحابة ومنهجهم في ذلك. 1 - قال الحافظ الذهبي: «كَانَ أَبُو بَكْرٌ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، أَوَّلَ مَنْ احْتَاطَ فِي قَبُولِ الأَخْبَارِ، فَرَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ قَُبَيْصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنََّ الجَدََّةَ جَاءَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَلْتَمِسُ أَنْ تُوَرَّثَ، فَقَالَ: " مَا أَجِدُ لَكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْئًا، وَمَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ الْلَّهِ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ لَكِ شَيْئًا "، ثُمَّ سَأَلَ النَّاسَ فَقَامَ المُغيرَةُ فَقَالَ: " سَمِعُتُ رَسُولَ الْلَّهِ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيهَا الْسُّدُسَ ". فَقَالَ لَهُ: " هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ " فَشَهِدَ مُحَمَّدٌ بْن مَسْلَمَةَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُوْ بَكْرٍ - رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ -» (¬1). 2 - عَنْ يُونُسَ «بْنَ يَزِيدٍ» (¬2) عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَ رَجُلاً ¬

_ (¬1) " تذكرة الحفاظ ": ص 3، جـ 1. و" معرفة علوم الحديث ": ص 15. و" الكفاية ": ص 26. وقد أخرجه الإمام مالك في " الموطأ ": ص 513، جـ 2. كما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه. (¬2) يُونُسُ بنُ يَزِيدٍ بنِ أَبِي النِّجَادِ، سمع من الزُّهْرِيِّ، انظر ص 153، جـ 1 من " تذكرة الحفاظ ".

[ب] تثبت عمر بن الخطاب في قبول الأخبار:

حَدِيثًا فاستفهمه الرجل إياه، فقال أبو بكر: «هُوَ كَمَا حَدَّثْتُكَ، أََيُّ أَرْضٍ تَقِلُنِي إِذَا أَنَا قُلْتُ مَا لَمْ أُعْلَمْ!؟». وَصَحَّ أنَّ الصِدِّيقَ خَطَبَهُمْ فَقَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالكَذِبَ، فَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، والفُجُورُ يَهْدِي إِلَى النَّارِ» (¬1). فأبو بكر يُبَيِّنُ للناس جَمِيعًا أنه لا يُحَدِّثُ إلاَّ بما يعلم ويثق منه، ثم إنه لم يكتف بالحيطة لنفسه، بل أمر الناس بذلك أَيْضًا، وَحَثّهُمْ على التثبت فيما يُحَدِّثُونَ به أو يستمعونه، ومن ذلك ما رواه الذهبي من مراسيل ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: «أَنَّ الصِدِّيقَ جَمَعَ النَّاسَ بَعْدَ وَفَاةِ نَبِيِّهِمْ فَقَالَ: إِنَّكُم تُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ تَخْتَلِفُونَ فِيهَا وَالنَّاسُ بَعْدَكُمْ أَشَدُّ اخْتِلاَفًا فَلاَ تُحَدِّثُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ شَيْئًا فَمَنْ سَأَلَكُمْ فَقُولُوا: بَيْنَنَا وَبَيْنكُمْ كِتَابُ اللهِ فَاسْتَحِلُّوا حَلاَلَهُ وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ». ثم قال الذهبي: «يَدُلُّكَ (هَذَا) أَنَّ مُرَادَ الصِدِّيقِ التَثَبُّتَ فِي الأَخْبَارِ وَالتَحَرِّي، لاَ سَدَّ بَابَ الرِّوَايَةِ، أَلاَ تَرَاهُ لَمَّا نَزَلَ بِهِ أَمْرُ الجَدَّةِ وَلَمْ يَجِدْهُ فِي الكِتَابِ كَيْفَ سَأَلَ عَنْهُ فِي السُّنَنِ، فلَمَّا أَخَبَرَهُ مَا اكْتَفَى حَتَّى اسْتَظْهَرَ بِثِقَةٍ آخَرَ، وَلَمْ يَقُلْ حَسْبُنَا كِتَابَ اللهِ كَمَا تَقُولُهُ الخَوَارِجُ» (¬2). [ب] تَثَبًّتُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فِي قَبُولِ الأَخْبَارِ: 1 - روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ، فَقَالَ اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ؟ قُلْتُ: اسْتَأْذَنْتُ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي ¬

_ (¬1) " تذكرة الحفاظ ": ص 4 جـ 1، وفي مقدمة " التمهيد ": ص 11: قال أبو بكر الصِدِّيق - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «إِيَّاكُمْ وَالكَذِبَ، فَإِنَّهُ مُجَانِبُ الإِيمَانِ». (¬2) " تذكرة الحفاظ ": ص 3، 4، جـ 1.

فَرَجَعْتُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ». فَقَالَ: «وَاللَّهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ» (¬1) أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: «وَاللَّهِ لاَ يَقُومُ مَعَكَ إِلاَّ أَصْغَرُ القَوْمِ، فَكُنْتُ أَصْغَرَ القَوْمِ، فَقُمْتُ مَعَهُ فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ» (¬2). فَقَالَ عُمَرُ: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَتَّهِمْكَ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَتَقَوَّلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (¬3). 2 - روى مسلم عن المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: اسْتَشَارَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - النَّاسَ فِي إِمْلاَصِ المَرْأَةِ (¬4)، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: «شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ (¬5) عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ»، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: ائْتِنِي بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ، قَالَ: فَشَهِدَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلمَةَ (¬6). 3 - وَرَوَى صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى: أَخَبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالِ: كَانَ لِلْعباسِ بَيْتٌ فِي قِبْلَةِ المَسْجِدِ، فَضَاقَ المَسْجِدُ عَلَى النَّاسِ فَطَلَبَ إِلَيْهِ ¬

_ (¬1) وفي رواية " مسلم ": فقال عمر: «أَقِمْ عَلَيْهِ البَيِّنَةَ، وَإِلاَّ أَوْجَعْتُكَ». (¬2) " صحيح البخاري بحاشية السندي ": ص 88، جـ 4، وأخرجه الإمام مسلم في " صحيحه ": ص 1694، جـ 3. كما أخرجه الإمام مالك في " الموطأ ": ص 964 جـ 2، وانظره مُوجَزًا في " الرسالة " للإمام الشافعي: ص 435. (¬3) " موطأ الإمام مالك ": ص 964 جـ 2، و" الرسالة ": ص 435. (¬4) مَلاَصٌ: هو جنين المرأة، والمعروف في اللغة إِمْلاَصُ المَرْأَةِ .. يُقَالُ أَمْلَصَتْ بِهِ إِذَا وَضَعَتْهُ قَبْلَ أَوَانِهِ. انظر هامش ص 1311 جـ 3 من " صحيح مسلم ". (¬5) الغُرَّةُ بضم الغين وراء مشددة مفتوحة: العَبْدُ وَالأَمَةُ، فكأنه عَبَّرَ في الحديث عن الجسم كله، كقوله رقبة، وأصل الغرة بياض في جبهة الفرس، وَغُرَّةُ كل شيء أوله وأكرمه. انظر هامش ص 1311 جـ 3 من " صحيح مسلم "، و" لسان العرب " مادة (غَرَرَ). (¬6) " صحيح مسلم ": ص 1311 جـ 3.

عُمَرُ البَيْعَ فَأَبَى فَذَكَرَ الحَدِيثَ (¬1) وَفِيهِ: فَقَالَ عُمَرُ لأُبَيٍّ: «لِتَأْتِينِي عَلَى مَا تَقُولُ بِبَيِّنَةٍ، فَخَرَجَا فَإِذَا نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: فَذَكَرَهُمْ، قَالُوا: قَدْ سَمِعْنَا هَذَا (¬2) مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ عُمَرُ: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَتَّهِمْكَ، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَتَثَبَّتَ» (¬3). 4 - عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ، يَقُولُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ¬

_ (¬1) وَفِيهِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ سَالِمِ أَبِي النَّضْرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ: «اخْتَرْ مِنِّي إِحْدَى ثَلاثٍ. إِمَّا أَنْ تَبِيعَنِيهَا بِمَا شِئْتَ مِنْ بَيْتِ مَالِ المُسْلِمِينَ، وَإِمَّا أَنْ أَخْطُطَكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ المَدِينَةِ وَأَبْنِيَهَا لَكَ مِنْ بَيْتِ مَالِ المُسْلِمِينَ، وَإِمَّا أَنْ تَصَّدَّقَ بِهَا عَلَى المُسْلِمِينَ فَنُوَسِّعَ بِهَا فِي مَسْجِدِهِمْ» فَقَالَ: «لاَ، وَلا وَاحِدَةً مِنْهَا»، فَقَالَ عُمَرُ: «اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ مَنْ شِئْتَ»، فَقَالَ: «أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ»، فَانْطَلَقَا إِلَى أُبَيٍّ، فَقَصَّا عَلَيْهِ القِصَّةَ فَقَالَ أُبَيٌّ: «إِنْ شِئْتُمَا حَدَّثْتُكُمَا بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، فَقَالاَ: «حَدِّثْنَا»، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى دَاوُدَ أَنِْ ابْنِ لِي بَيْتًا أُذْكَرُ فِيهِ». فَخَطَّ لَهُ هَذِهِ الخِطَّةَ، خِطَّةَ بَيْتِ المَقْدِسِ فَإِذَا تُرْبِيعُهَا بَيْتُ رَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَسَأَلَهُ دَاوُدُ أَنْ يَبِيعَهُ إِيَّاهُ، فَأَبَى. فَحَدَّثَ دَاوُدُ نَفْسَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَا دَاوُدُ أَمَرْتُكَ أَنْ تَبْنِيَ لِي بَيْتًا أُذْكَرُ فِيهِ فَأَرَدْتَ أَنْ تُدْخِلَ فِي بَيْتِيَ الْغَصْبَ، وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِيَ الْغَصْبُ. وَإِنَّ عُقُوبَتَكَ أَنْ لا تَبْنِيَهُ. قَالَ: يَا رَبِّ فَمِنْ وَلَدِي؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِكَ». قَالَ: فَأَخَذَ عُمَرُ بِمَجَامِعِ ثِيَابِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَقَالَ: «جِئْتُكَ بِشَيْءٍ فَجِئْتَ بِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ». لِتَخْرُجَنَّ مِمَّا قُلْتَ. فَجَاءَ يَقُودُهُ حَتَّى أَدْخَلَهُ الْمَسْجِدَ فَأَوْقَفَهُ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ أَبُو ذَرٍّ فَقَالَ: «إِنِّي نَشَدْتُ اللَّهَ رَجُلاً سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ حَدِيثَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حِينَ أَمَرَ اللَّهُ دَاوُدَ أَنْ يَبْنِيَهُ إِلاَّ ذَكَرَهُ». فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: «أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وقَاَلَ آخَرٌ: «أَنَا سَمِعْتُهُ». وقَاَلَ آخَرٌ: «أَنَا سَمِعْتُهُ». يَعْنِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَأَرْسَلَ عُمَرُ أُبَيًّا. قَالَ: وَأَقْبَلَ أُبَيٌّ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ: «يَا عُمَرُ أَتَتَّهِمُنِي عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟»، فَقَالَ عُمَرُ: «يَا أَبَا المُنْذِرِ، لاَ وَاللَّهِ مَا أَتَّهَمْتُكَ عَلَيْهِ، وَلَكِنِّي كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَاهِرًا». قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ لِلْعَبَّاسِ: «اذْهَبْ فََلاَ أَعْرِضُ لَكَ فِي دَارِكَ». فَقَالَ الْعَبَّاسُ: «أَمَّا إِذْ فَعَلْتَ هَذَا فَإِنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أُوَسِّعُ بِهَا عَلَيْهِمْ فِي مَسْجِدِهِمْ، فَأَمَّا وَأَنْتَ تُخَاصِمُنِي فَلاَ». قَالَ: فَخَطَّ عُمَرُ لَهُمْ دَارَهُمْ التِي هِيَ لَهُمْ اليَوْمُ وَبَنَاهَا مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. (انظر " طبقات ابن سعد ": ص 13، 14. قسم 1، جـ 4 وص 203. قسم 1، جـ 3. (¬2) أي حديث بناء بيت المقدس الذي ذكره أُبَيُّ بن كعب. (¬3) " تذكرة الحفاظ ": ص 8 جـ 1 وانظر " طبقات ابن سعد ": ص 13، 14. قسم 1 جـ 4.

[ج] تثبت عثمان - رضي الله عنه - في الحديث:

وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَسَعْدٍ: نَشَدْتُكُمْ بِاللهِ الَّذِي تَقُومُ بِهِ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِهِ أَعَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّا لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» قَالُوا: «اللهُمَّ نَعَمْ» (¬1). [ج] تَثَبُّتُ عُثْمَانٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِي الحَدِيثِ: عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَتَى عُثْمَانُ الْمَقَاعِدَ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَتَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، وَيَدَيْهِ ثَلاثًا ثَلاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَرِجْلَيْهِ ثَلاثًا ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا يَتَوَضَّأُ، يَا هَؤُلاءِ أَكَذَاكَ؟» قَالُوا: نَعَمْ. لِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ (¬2). [د] تَثَبُّتُ عَلِيٍّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِي الحَدِيثِ: وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: «كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُ، وَإِذَا حَدَّثَنِي غَيْرُهُ اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَنِي، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٌ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - قَالَ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا، فَيَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الوُضُوءَ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ» (¬3). تِلْكَ آثارٌ تُبَيِّنُ مَنْهَجَ الصَّحَابَةِ فِي التَثَبَُتِ وَالتَّأَكُّدِ مِنَ الأَخْبَارِ، وَهَذَا لاَ يَعْنِي أَبَدًا أَنَّ الصَّحَابَةَ اِشْتَرَطُوا قَبُولَ الحَديثِ، أَنْ يَرْوِيهِ رَاوِيَانِ فَأَكْثَرُ، ¬

_ (¬1) " مسند الإمام أحمد ": ص 228 وص 186 و 187، جـ 1 بإسناد صحيح. (¬2) " مسند الإمام أحمد ": ص 272، جـ 1 بإسناد صحيح. (¬3) المرجع السابق: ص 154 و 174 و 178، جـ 1 بإسناد صحيح. ونحوه في " الكفاية ": ص 28، وانظر " تذكرة الحفاظ ": ص 10، جـ 1 ومقدمة " معرفة علوم الحديث ". رواه مسلم.

أو أنْ يشهد الناس على الراوي أو أنْ يستحلف، فإذا لم يحصل شيء من هذا رَدَّ خبره!! بل كان الصحابة يَتَثَبَّتُونَ في قبول الأخبار، ويتبعون الطريقة التي ترتاح إليها ضمائرهم، فأحيانًا يطلب عمر سماع آخر، وأحيانًا يقبل الخبر من غير ذلك، ولا يقصد من وراء عمله إِلاَّ حمل المسلمين على جادة التثبت العلمي والتحفظ في دين الله حتى لا يتقول أحد على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما لم يقل، ويتضح هذا في قول عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عندما رجع أبو موسى الأشعري مع أبي سعيد الخُدري وشهد له، قال عمر: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَتَّهِمْكَ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَتَقَوَّلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (¬1). ويظهر ذلك أَيْضًا من قول الذهبي بعد أن روى قصة أبي موسى: «أَحَبَّ عُمَرُ أَنْ يَتَأَكَّدَ عِنْدَه خَبَرَ أَبِي مُوسَى بِقَوْلِ صَاحِبٍ آخر، فَفِي هَذَا دَليلَ عَلَى أَنَّ الخَبَرَ إذَا رَوَاهُ ثِقَتَانِ كَانَ أَقْوَى وَأَرْجَحَ مِمَّا اِنْفَرَدَ بِهِ وَاحِدٌ , وَفِي ذَلِكَ حَضٌّ عَلَى تَكْثِيرِ طُرُقِ الحَديثِ لِكَيْ يَرْتَقِي عَنْ دَرَجَةٍ الظَّنِّ إِلَى دَرَجَةِ العِلْمِ، إِذْ الوَاحِدُ يَجُوزُ عَلَيْهِ النِّسْيَانُ وَالوَهْمُ , وَلاَ يُكَادُ يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى ثِقَتَيْنِ لَمْ يُخَالِفْهُمَا أَحَدٌ» (¬2). وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ بَعْدَ إِيرَادِ طَرِيقَةً الصِدِّيقِ فِي التَثَبُّتِ: «إِنَّ مُرَادَ الصِدِّيقِ التَثَبُّتَ فِي الأَخْبَارِ وَالتَحَرِّي، لاَ سَدَّ بَابَ الرِوَايَةِ» (¬3). وكما طلب الصحابة من الراوي شهادة غيره أَيْضًا، قبلوا أحاديث كثيرة برواية الآحاد وَبَنَوْا عليها أحكامهم. ومن الغريب أن يجعل بعض المُتَطَرِّفِينَ في الإسلام عمل الصحابة هذا دُسْتُورًا في قبول الأخبار ولا يجعلون قبول الصحابة خبر الآحاد دُسْتُورًا لهم ¬

_ (¬1) " موطأ مالك ": ص 964 جـ 2 , و" الرسالة ": ص 435، و" توجيه النظر ": ص 16. (¬2) " تذكرة الحفاظ ": ص 6، 7 جـ 1. (¬3) المرجع السابق: ص 4 جـ 1.

أَيْضًا بَلْ يَردُّونه ولا يقبلونه، وقد حكى ذلك الحافظ أبو بكر محمد بن أبي عثمان الْحَازِمِيُّ (¬1) عَنْ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي الْمُعْتَزِلَةِ، وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، قال شيخ الإسلام (ابن حجر): «وَقَدْ فَهِمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ مِنْ خِلاَلِ كَلاَمِ الحَاكِمِ فِي " عُلُومِ الْحَدِيثِ "، وفي " الْمَدْخَلِ " ... وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْمَيَانَجِيُّ (¬2) فِي كِتَابِ " مَا لاَ يَسَعُ الْمُحَدِّثَ جَهْلُهُ ": «شَرْطُ الشَّيْخَيْنِ فِي " صَحِيحِهِمَا " أَنْ لاَ يُدْخِلاَ فِيهِ» (¬3) إِلاَّ مَا صَحَّ عِنْدَهُمَا، وَذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فَأَكْثَرُ، وَأَنْ يَكُونَ (¬4) عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةٍ». انْتَهَى. قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ: «وَهُوَ كَلاَمُ مَنْ لَمْ يُمَارِسْ " الصَّحِيحَيْنِ " أَدْنَى مُمَارَسَةٍ، فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: لَيْسَ فِي الكِتَابَيْنِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمَا أَبْعَدَ». وَقَالَ ابْنُ العَرَبِيِّ فِي " شَرْحِ المُوَطَّأِ ": «كَانَ مَذْهَبُ الشَّيْخَيْنِ (البُخَارِي وَمُسْلِمٌ) أَنَّ الحَدِيثَ لاَ يَثْبُتُ حَتَّى يَرْوِيهِ اثْنَانِ، قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ، بَلْ رِوَايَةُ الوَاحِدِ عَنِ الوَاحِدِ صَحِيحَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (¬5). ¬

_ (¬1) المُتَوَفَّى سَنَةَ (584 هـ). (¬2) المُتَوَفَّى سَنَةَ (580 هـ). (¬3) هكذا في " التدريب " والأصوب أَنْ يقول: «فِيهِمَا». (¬4) هكذا في " التدريب " والأصوب أنْ يقول: «وَكَانَ رُوَاتُهُ». (¬5) " تدريب الراوي ": ص 27. وقد قال باشتراط رجلين عن رجلين في شرط القبول إبراهيم بن إسماعيل بن عُلَيَّةَ (وهو إسماعيل بن مقسم الأسدي، حافظ من الطبقة الثامنة نُسِبَ إِلَى أُمِّهِ وهو ثقة كما في " التقريب ") تُوُفِيَ سَنَةَ 193 هـ وهو من الفُقَهَاءِ المُحَدِّثِينَ، إلاَّ أنه مهجور القول عند الأئمة لميله إلى الاعتزال، وقد كان الشافعي يَرُدُّ عَلَيْهِ ويُحَذِّرُ مِنْهُ. انظر " تدريب الراوي ": ص 28.

يقول الدكتور السباعي: «وَاِنْتَقَلَ هَذَا الفَهْمُ (أَنْ لاَ يَقْبَلَ الصَّحَابَةُ إِلاَّ مَا رَوَاهُ اثْنَانِ) إِلَى كَثِيرِ مِمَّنْ كَتَبَ فِي تَارِيخِ التَّشْرِيعِ الإِسْلاَمِيِّ وَتَارِيخِ السُنَّةِ فِي العَصْرِ الحَديثِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَهُمْ قََضِيَّةً مُسَلَّمَةً لاَ يَذْكُرُونَ غَيْرَهَا، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا أَسَاتِذَتُنَا الأَجِلاَّءُ مُؤَلِّفُو " مُذَكَّرَةَ تَارِيخِ التَّشْرِيعِ الإِسْلاَمِيِّ " فِي كُلًيَةِ الشَّرِيعَةَِ بِالأَزْهَرِ، فَقَدْ ذَكَرُوا فِي " بَابَ شُرُوطِ الأَئِمَّةِ لِلْعَمَلِ بِالحَديثِ " أَنَّ هَذَا كَانَ شَرْطُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍِّ، لِلْعَمَلِ بِالحَديثِ» (¬1). إِنَّ تثبت الصحابة في بعض الأحايث بطلب رَاوِيَيْنِ للخبر لم يكن شرطًا لقبول جميع المروايات، بل قبلوا أخبارًا كثيرة عن مُخْبِرٍ واحدٍ، وعملوا بها في مواضع كثيرة، مِمَّا يَدُلُّ على أنهم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - كانوا يطلبون الراوي الثاني لمجرد التثبت والتأكد، لاَ لأَنَّ الخبر لا يثبت عندهم إلاَّ بِرَاوِيَيْنِ، والأخبار التي قَبِلَهَا الخلفاء الأربعة وغيرهم برواية آحَادٍ أكثر بكثير من الأخبار التي طلبوا فيها رَاوِيَيْنِ، وإليكم بعض تلك الآثار: 1 - عَنْ سَعِيدٍ بْنِ المُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: «الدِّيَةُ لِلْعَاقِلَةِ، وَلاَ تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا شَيْئًا، حَتَّى أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَتِهِ»، فَرَجَعَ إِلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬2). ¬

_ (¬1) " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 81. ذكر الأساتذة مُؤَلِّفُو " تاريخ التشريع الإسلامي " بالحرف الواحد: «أَمَا الآحَادُ فَلِمَقَامِ الشُبْهَةِ فِي ثُبُوتِهُ اِخْتَلَفَتْ طُرُقُ الصَّحَابَةِ فِي الأَخْذِ بِهِ، فَلَمْ يَكُنْ أَبُو بَكْرٍ وَلاَ عُمَرَ يَقْبَلاَنِ مِنْ الأَحَادِيثِ إلاَّ مَا شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُمَا سَمِعَاهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». انظر الصفحة 93 من " تاريخ التشريع الإسلامي " لِلْسُّبْكِي وزملائه، وهذا التعميم غير مطابق للواقع كما سنرى. (¬2) " الرسالة " ص 426، الفقرة 1172.

2 - عَنْ طَاوُوسَ: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: " أُذَكِّرُ اللهَ امْرَأً سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الجَنِينِ شَيْئًا " فَقَامَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ، فَقَالَ: " كُنْتُ بَيْنَ جَارِيَتَيْنِ لِي - يَعْنِي ضَرَّتَيْنِ - فَضَرَبَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِمِسْطَحٍ (¬1) فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغُرَّةٍ " فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: " لَوْ لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ لَقَضَيْنَا بِغَيْرِهِ "» (¬2). 3 - «عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، خَرَجَ إِلَى الشَّامِ , حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغٍ , لَقِيَهُ أَهْلُ الأَجْنَادِ (¬3) , أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ , وَأَصْحَابُهُ , فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ» (¬4). وَاِسْتَشَارَ المُهَاجِرِينِ وَالأَنْصَارَ وَمَشْيَخَةَ قُرَيْشِ مِنْ مُهَاجَرَةِ الفَتْحِ، وَاِخْتَلَفَتْ آرَاؤُهُمْ حَتَّى جَاءَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ، فَقَالَ: «إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمًا , إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ , فَلاَ تَقْدُمُوا عَلَيْهِ , وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا , فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ " (¬5) قَالَ: فَرَجَعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بِالنَّاسِ لِخَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَمِيعًا -. 4 - رَوَى الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَنْ الإِمَامِ مَالِكٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ (زَيْنُ العَابِدِينَ): أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ المَجُوسَ. فَقَالَ: " مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي ¬

_ (¬1) المسطح: عود من أعواد الخباء والفسطاط. (¬2) الغُرَّةُ: العَبْدُ أَوْ الأَمَةُ. " الرسالة " ص 426، 427، الفقرة 1174. (¬3) سرغ: هي قرية في طرف الشام مِمَّا يلي الحجاز. والأجناد: المراد بها مُدُنُ الشام الخمسة، وهي فلسطين والأردن ودمشق وحمص وقنسرين. قال الإمام النووي: «هَكَذَا فَسَّرُوهُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِلَسْطِينَ اسْمٌ لِنَاحِيَةِ بَيْتِ المَقْدِسِ، وَالأَرْدُنُّ اسْمٌ لِنَاحِيَةِ سِيَّانَ وَطَبَرِيةَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا وَلاَ يَضُرُّ إِطْلاَقُ اسْمِ المَدِينَةِ عَلَيْهِ» انظر هامش الصفحة 1740، جـ 4 من " صحيح مسلم ". (¬4) " صحيح الإمام مسلم ": ص 1740، جـ 4 ولَخَّصَ الخَبَرَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي " رسالته ": ص 429 فقرة 1180، وانظر " الإحكام " لابن حزم: ص 13، جـ 2. (¬5) " صحيح الإمام مسلم ": ص 1740، جـ 4.

أَمْرِهِمْ؟ " فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» (¬1) 5 - وَقَبِلَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ خَبَرَ سَعْدٍ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ في المسح عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَأَمَرَ ابْنَهَ عَبْدَ اللهِ أَلاَّ يُنْكِرَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: «إِذَا حَدَّثَكَ سَعْدٌ بِشَيْءٍ فَلا تَرُدَّ عَلَيْهِ، " فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ "» (¬2). وفي رواية: «إِذَا حَدَّثَكَ سَعْدٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَلا تَسْأَلْ عَنْهُ غَيْرَهُ» (¬3). وهذا دليل واضح على قبول خبر الآحاد، حتى إنَّ عُمَرَ ينهى ابنه عن أنْ يسأل غير سعد إذا حَدَّثَهُ سعدٌ عن رسول الله، ولو كان شرط عمر عدم قبول الخبر إلاَّ عن رَاوِيَيْنِ لأَمَرَ ابنه أَنْ يطلب مع سَعْدٍ رَاوِيًا آخر، ولم ينهه عن سؤال غيره. 6 - وأراد رجم مجنونة حتى أُعْلِمَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ (¬4)»، فَأَمَرَ أَنْ لاَ تُرْجَمَ. وأمر برجم مولاة حَاطِبٍ، حَتَّى ذَكَّرَهُ عثمان بِأَنَّ الجاهل لاَ حَدَّ عليه، فأمسك عن رجمها (¬5). ¬

_ (¬1) " الرسالة ": ص 430 فقرة 1182 وانظر " الكفاية في علم الرواية ": ص 27 و" الإحكام ": ص 13، جـ 2. (¬2) " مسند الإمام أحمد ": ص 191 حديث 87، جـ 1 وفي ص 192 مختصرًا وكلاهما بإسناد صحيح. (¬3) " مسند الإمام أحمد ": ص 192 حديث 88، جـ 1. بإسناد صحيح. (¬4) أخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم عن السيدة عَائِشَة عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ المُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ» " الجامع الصغير ": ص 23، جـ 2 بإسناد صحيح. وأخرج الإمام أحمد وأبو داود والحاكم عن عمر وعَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - عَنْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ القَلَم عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنْ المَجْنُونِ المَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنْ النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ». المرجع نفسه. (¬5) " الإحكام " لابن حزم: ص 13، جـ 2.

7 - وكان يفاضل بين ديات الأصابع حتى بلغه عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره بالمساواة بينها، فترك قوله وأخذ بالمساواة (¬1). 8 - وقد اشتهر خبر تناوب عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وجاره في حضور حلقات الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفيه يقول عمر: « ... يَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ اليَوْمِ مِنْ الوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ... » (¬2). وهذا إقرار من أمير المؤمنين - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بقبول خبر جاره، ولا فرق بين جاره وغيره ممن تقبل روايته. وهكذا نرى من تلك الأخبار وغيرها أَنَّ عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لم يشترط لقبول الأخبار راويين، وما صدر منه مع أبي موسى - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بَيَّنَ سببه بنفسه كما سبق أنْ ذكرت ذلك، وكان من باب الاحتياط والتثبت، لا من باب عدم قبول الخبر إِلاَّ مِنْ رَاوِيَيْنِ. ومثل هذا يقال في بقية الأخبار التي طلب فيها رَاوِيَيْنِ. وأما ما ذكر عن موقف أبي بكر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وَتَثَبُّتِهِ فِي قبول الأخبار، فإنه لا يعدو باب الاستظهار والاستيثاق، ثم إنه لم يرو عنه أنه طلب رَاوِيًا آخر إلاَّ في تلك الحادثة التي ذكرها الإمام الذهبي، وقد رَدَّهَا ابن حزم (¬3) وَأَعَلَّهَا بالانقطاع، فهي لا تصلح مِقْيَاسًا صَحِيحًا لشرط أبي بكر في قبول الأخبار، وهو ¬

_ (¬1) " الإحكام " لابن حزم: ص 13 جـ 2، وانظر " الرسالة ": ص 422 فقرة 116 إلاَّ أنَّ الشافعي يَنُصُّ على أنَّ الصحابة بعد وفاة عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وجدوا كتاب آل عمرو بن حزم وفيه أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «وَفِي كُلِّ إِصْبَعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الإِبِل»، فصاروا إليه. انظر الفقرة (1162) من الصفحة 422. (¬2) " فتح الباري ": 195 جـ 1. (¬3) انظر " الإحكام " لابن حزم: ص 141 جـ 2.

الذي قبل أخبارًا كثيرة برواية مخبر واحد. وقد سبق أنْ بَيَّنْتُ منهجه في حكمه وقضائه كما ذكره ابن القيم، ولم يذكر أنه كان يطلب ممن يأتيه بالخبر شاهدًا على ما يقول ... وقد قَبِلَ خَبَرَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - فِي كَفَنِ الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1). وأما عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَإِنَّه لَمْ يَطْلُبْ رَاوِيَيْنِ لَكُلِّ خَبَرٍ، وَكُلُّ مَا صَدَرَ عَنْهُ أَنَّهُ اِسْتَشْهَدَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ وَضُوءَهُ، لِيُؤَكِّدُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَضُوءُ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ عَمَلَ بِأَخْبَارِ الآحَادِ، فَقَدْ سَأَلَ الفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكٍ بْنَ سِنَانِ أُخْتَ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ عَنْ عِدَّتِهَا لِوَفَاةِ زَوْجِهَا (¬2)، وَقَضَى بِخَبَرِهَا. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - من استحلاف مُخْبِرِيهِ، فَإِنَّ هذا لم يكن منهجه وديدنه في قبول جميع الأخبار، بل قَبِلَ بعض الأخبار من غير أَنْ يستحلف الرُوَاةَ، فَقَبِلَ أخبار أبي بكر - كما ذكر هو نفسه - ولا فرق بين أبي بكر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وغيره ممن تقبل روايته، كما عمل بخبر المقداد بن الأسود في حُكْمِ المَذْيِ (¬3) من غير أنْ يحلفه. وهكذا يتبين لنا أَنَّ الخلفاء الأربعة لم تكن لهم شروط خاصة لقبول الأخبر، وَأَنَّ كل ما روي عنهم مما يوهم ذلك لا يعدو التثبت والاستظهار، وقد قبلوا أخبار الآحاد كما قبلها غيرهم من عامة الصحابة وعلمائهم. وكل ما صدر ¬

_ (¬1) " الإحكام " لابن حزم: ص 12 جـ 2. (¬2) أخرج حديث فريعة أحمد وأصحاب السنن الأربعة وصححه الترمذي والذهلي. انظر " سبل السلام ": ص 203 جـ 3، وانظر " الكفاية ": ص 22 و " الإحكام ": ص 15 جـ 2. (¬3) انظر " مسند الإمام أحمد " ص 39 حديث 606 وص 46 حديث 618، جـ 2 بإسناد صحيح، و " فتح الباري ": ص 294 و 394 جـ 1، و " صحيح مسلم ": ص 247 حديث 17 - 19 جـ 1.

عنهم كان في سبيل المحافظة على السُنَّةِ الطَّاهِرَةِ. [هـ] ولم يكن التابعون وأتباعهم أقل اهتمامًا من الصحابة بالاحتياط لقبول الحديث، فكانوا يتثبتون من الراوي بكل وسيلة تطمئن إليها قلوبهم، وَإِنَّ من يتتبع تاريخ الرُوَاةِ، وكيفية تحملهم الحديث الشريف ليدرك تَمَامًا جهود التابعين وأتباعهم، تلك الجهود التي بذلوها لنقل السُنَّةِ إِلَى خَلَفِهِمْ. وإليكم بعض أخبارهم في هذا الموضوع: قِيلَ لِمِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ: مَا أَكْثَرَ تَشَكُّكَ؟ قَالَ: «تِلْكَ مَحَامَاةٌ عَنِ اليَقِينِ» (¬1). وكان يزيد بن أبي حبيب مُحَدِّثُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتَ الحَدِيثَ فَانْشُدْهُ كَمَا تُنْشَدُ الضَالَّةُ، فَإِنْ عُرِفَ فَخُذْهُ، وَإِلاَّ فَدَعْهُ» (¬2). فلم يكن للتابعين وأتباعهم شروط خاصة في قبول الرواية، ولم يُرْوَ عن أحدهم أنه اشترط لقبول الخبر راويين أو أكثر، بل كانوا يتحملون عن كل من توافرت فيه شروط التحمل والأداء، إلى جانب العدالة التي أجمع عليها المحدثون، فإذا ما سقطت عدالة رَاوٍ طرحوا أخباره وامتنعوا عن الأخذ عنه. ومع هذا كانوا يتثبتون في قبول الأخبار بكل وسيلة تطمئن إليها قلوبهم، لأَنَّ وصايا الصحابة وكبار التابعين لا تزال قائمة في نفوسهم، تذكرهم «أَنَّ هَذَا الحَدِيثَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ». وكانوا يرون الأمانة في الذهب والفضة أيسر من الأمانة في الحديث (¬3)، فَنَسْمَعُ عَنْ سُلَيمان بن موسى أنه لقي طاوسًا فقال له: «إِنَّ رَجُلاً حَدَّثَنِي بِكِيتَ ¬

_ (¬1) " المحدث الفاصل ": ص 132: ب. (¬2) " الجرح والتعديل ": ص 19 جـ 1. (¬3) انظر " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 160: آ.

وَكِيتَ، فَيَقُولُ لَهُ: " إِنْ كَانَ مَلِيًّا فَخُذْ مِنْهُ "» (¬1). وكان ابن عون يقول: «لاَ يُؤْخَذُ هَذَا العِلْمُ إِلاَّ مِمَّنْ شُهِدَ لَهُ بِالطَّلَبِ (¬2)». ويسمع شُعْبَةُ بن الحجاج عبدَ اللهِ بن دينار يُحَدِّثُ في الولاء وهبته عن عبد الله بن عمر، فيستحلفه: هل سمعه من ابن عمر؟ فيحلف له (¬3). وَيُحَدِّثُ الحَكَمُ عن سعيد بن المسيب في دية اليهودي والنصراني والمجوسي، فيقول له شعبة: «أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ سَعِيدٍ بْنِ المَسَيِّبِ؟» فَيَقُولَ: «لَوْ شِئْتَ سَمِعْتَ مِنْ ثَابِتَ الحَدَّادِ»، قَالَ شُعْبَةُ: «فَأَتَيْتُ ثابتًا الحَدَّادَ فَحَدَّثَنِي عَنْ سَعِيدٍ بْنِ المُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ مِثْلَهُ» (¬4). فلا يمكننا أن نحكم على شعبة أنه لم يكن يقبل رواية أحد إلا بعد تحليفه، أو الاستيثاق برواية آخر معه. بل كل هذا كان من باب التثبت والاستيثاق والتأكد مما يسمعون، حِرْصًا منهم على حفظ الحديث النبوي الشريف. ... ¬

_ (¬1) " الجرح والتعديل ": ص 27 جـ 1. (¬2) المرجع السابق: ص 28 جـ 1. (¬3) تقدمة " الجرح والتعديل ": ص 170. (¬4) المرجع السابق: ص 170. ومن هذا الباب ما كان يتأكد منه رجال الحديث، فقد قال الليث بن سعد: «قَدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ يُرِيدُ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ مُرَابِطًا، فَنَزَلَ عَلَىَ جَعْفَرَ بْنَ رَبِيعَةَ، قَالَ: فَعَرَضُوا لَهُ بِالحُمْلاَنِ، وَعَرَضُوا لَهُ بِالمَعُونَةِ فَلَمْ يَقْبَلْ، وَاجْتَمَعَ هُوَ وَأَصْحَابُنَا يَزِيدُ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ وَغَيْرَهُ فَأَقْبَلَ يُحَدِّثُهُمْ: حَدَّثَنِي نَافِعُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: فَجَمَعُوا تِلْكَ الأَحَادِيْثِ وَكَتَبُوا بِهَا إِلَى ابْنِ نَافِعٍ، وَقَالُوا لَهُ: " إِنَّ رَجُلاً قَدِمَ عَلَيْنَا وَخَرَجَ إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّةِ مُرَابِطًا وَحَدَّثَنَا، فَأَجَبْنَا أَلاَّ يَكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ فِيهَا أَحَدٌ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ، " وَاللهِ مَا حَدَّثَ أَبِي مِنْ هَذَا بِحَرْفٍ قَطُّ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ وَاحْذَرُوا قُصَّاصَنَا وَمَنْ يَأْتِيَكُمُ "» انظر مقدمة " التمهيد ": ص 14: ب.

المبحث الرابع: كيف روي الحديث في ذلك العصر .. باللفظ أم بالمعنى؟:

المَبْحَثُ الرَّابِعُ: كَيْفَ رُوِيَ الحَدِيثُ فِي ذَلِكَ العَصْرِ .. بِاللَّفْظِ أَمْ بِالمَعْنَى؟: رأينا كيف كان الصحابة والتابعون وأتباعهم يتثبتون في قبول الأخبار، وعرفنا وَرَعَهُمْ وَخِشْيَتَهُمْ عِنْدَمَا يَرْوُونَ حَدِيثًا عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان أحدهم لا يروي الحديث إلا بعد الاستيثاق من ضبط حروفه وفهم معناه، وكان الواحد منهم إِذَا سُئِلَ يَوَدُّ لو أن أخاه كفاه مؤونة السؤال، حتى إن بعضهم كان يأبى أن يروي شيئًا عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مخافة الزيادة والنقصان، وَمِنْ هَذَا مَا يَرْوِيه اَلعَلاَء بْنِ سَعْدٍ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قِيلَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لَكَ لاَ تُحَدِّثُ كَمَا يُحَدِّثُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ؟ فَقَالَ: «مَا بِي أَلاَّ أَكُونَ سَمِعْتُ مِثْلَ مَا سَمِعُوا، أَوْ حَضَرْتُ مِثْلَ مَا حَضَرُوا، وَلَكِنْ لَمْ يُدْرَسِ الأَمْرُ بَعْدُ، وَالنَّاسُ مُتَمَاسِكُونَ، فَأَنَا أَجِدُ مَنْ يَكْفِينِي، وَأَكْرَهُ التَّزَيُّدَ وَالنُّقْصَانَ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (¬1). وإلى جانب ما رويناه من أخبار حول تثبت الصحابة والتابعين في رواية الحديث، وَمَنَاهِجِهِمْ في الإقلال من الرواية مخافة الوقوع في الخطأ، لا بد لنا من أن نتتبع بعض أخبارهم لنرى كيف كانوا يَرْوُونَ الحديث النبوي؟ وهل كانوا يحافظون على لفظ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو كانوا يَرْوُونَ ما يسمعون بألفاظ من عندهم دون أن يغيروا معنى ما سمعوا؟ إذا استعرضنا تلك الأخبار رأينا كثيرًا من الصحابة حرصوا على نقل الحديث بألفاظه، وبعضهم ترخص عند الضرورة في روايته بالمعنى، وكما روى ¬

_ (¬1) " الكفاية ": ص 172.

بعض الصحابة الحديث باللفظ وبعضهم بالمعنى نرى التابعين أَيْضًا قد نهجوا نهج الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ -، ولكن مما لا شك فيه أن جميع الصحابة حرصوا على أداء الحديث كما سمعوه من الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، حتى إن بعضهم ما كان يرضى أن يبدل حرفًا بحرف، أو كلمة مكان كلمة، أو يقدم كلمة على أخرى وردت في الحديث قبلها، وقد رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «مَنْ سَمِعَ حَدِيثًا فَحَدَّثَ بِهِ كَمَا سَمِعَ، فَقَدَ سَلِمَ (¬1)» وَرُوِيَ نَحْوَهُ عَنْ عَبْدِ اَللهِ بْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمْ. وَقَدْ اِشْتَهَرَ مِنْ بَيْنِ اَلصَّحَابَةِ الذِينَ كَانُوا يَتَشَدَّدُونَ فِي الحِرْصِ عَلَى لَفْظِ اَلرَّسُولِ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , عَبْد اَللهِ بْنِ عُمَرَ. روى مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ قال: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُولُ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ إِذَا سَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، أَوْ شَهِدَ مَعَهُ مَشْهَدًا، لَمْ يُقَصِّرْ دُونَهُ أَوْ يَعْدُوهُ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ يَقُصُّ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، إِذْ قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: " مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ، إِنْ أَقْبَلَتْ إِلَى هَذِهِ الْغَنَمِ نَطَحَتْهَا، وَإِنْ أَقْبَلَتْ إِلَى هَذِهِ نَطَحَتْهَا "، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: " لَيْسَ هَكَذَا "، فَغَضِبَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَفِي المَجْلِسِ عَبْدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ، فَقَالَ: " يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَيْفَ قَالَ رَحِمَكَ اللهُ؟ " فَقَالَ: قَالَ: " مَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ الشَّاةِ بَيْنَ الرَّبِيضَيْنِ، إِنْ أَقْبَلَتْ إِلَى ذَا الرَّبِيضِ نَطَحَتْهَا، وَإِنْ أَقْبَلَتْ إِلَى ذَا الرَّبِيضِ نَطَحَتْهَا "، فَقَالَ لَهُ: " رَحِمَكَ اللهُ هُمَا وَاحِدٌ "، قَالَ: " كَذَا سَمِعْتُ " (¬2). وروى ابن عمر حديث «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ»، فأعاده رجل فقال له ابْنُ ¬

_ (¬1) " المحدث الفاصل ": ص 127: ب و" الكفاية ": ص 122. (¬2) " مسند الإمام أحمد ": ص 297 حديث 5546 جـ 7. وانظر حديث 5359 ونحوه في ص 20 حديث 5610 جـ 8.

عُمَرَ: «لاَ، اجْعَلْ صِيَامَ رَمَضَانَ آخِرَهُنَّ، كَمَا سَمِعْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (¬1) ولهذا نرى في بعض الأحاديث، قول الراوي - كذا وكذا - لا أدري بأيهما بدأ، أو أيهما قال قبل، ونحو ذلك. وهذا تنبيه من الراوي إلى أنه أدرك الحديث وفهمه، ولكنه لم يتأكد من ترتيب اسمين فيه أو كلمتين فَبَيَّنَ موضع شكه وأن الشك منه ليس في أصل الحديث، ومن هذا ما رواه خالد بن زيد الجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ، وَأَسْلَمُ وَغِفَارٌ، - أَوْ غِفَارٌ وَأَسْلَمُ -» (¬2). وتشدد بعض الرواة في المحافظة على نص الحديث بألفاظه، فمنع زيادة حرف واحد، أو حذفه وإن كان لا يُغَيِّرُ المعنى، ومن هذا ما رواه سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ أَنْ يُنْتَبَذَ فِيهِ» فَقِيلَ لِسُفْيَانَ: أَنْ يُنْبَذَ فِيهِ؟ فَقَالَ: لاَ، هَكَذَا قَالَهُ لَنَا الزُّهْرِيُّ: «يُنْتَبَذَ فِيهِ» (¬3). وكان بعض الرُوَّاةِ شديدي الحرص على اللفظ الذي سمعوه، فَلاَ يُخَفِّفُونَ حَرْفًا ثَقِيلاً، وَلاَ يُثَقِّلُونَ حَرْفًا خَفِيفًا، ولا يبدلون حركات الحروف التي يسمعونها، بل يروونها كما سمعوها، وإن كان ذلك التغيير لا يبدل معناها، نحو (نَمَا - نَمَّى) في حديثه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ الكَاذِبُ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ خَيْرًا أَوْ نَمَى خَيْرًا» قال حماد: «سَمِعْتُ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: " نَمَا خَيْرًا " (خفيفة) وَقَالَ الآخَرُ: " نَمَّى خَيْرًا " (مثقلة)» (¬4). ¬

_ (¬1) " الكفاية ": ص 176. (¬2) المرجع السابق: ص 177. (¬3) " الكفاية ": ص 178. (¬4) المصدر السابق: ص 180، 181.

وبلغ من حرص بعض المحدثين على لفظ الحديث أنهم لم يكونوا يحدثون طلابهم إلا إذا كتبوا عنهم، إذ كانوا يكرهون أن يحفظوا عنهم، خَوْفًا من الوهم عليهم، من هذا ما يرويه الخطيب البغدادي بسنده عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو: «لاَ وَاللَّهِ لاَ أُحَدِّثُكُمْ حَتَّى تَكْتُبُوهُ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَكْذِبُوا عَلَيَّ - وَفِي رِوَايَةٍ -: أَخَافُ أَنْ تَغْلُطُوا عَلَيَّ» (¬1). ومنه ما رواه الرامهرمزي بسنده عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: «أَتَيْتُ القَاسِمَ وَسَأَلْتُهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَقُلْتُ: أَكْتُبُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لابْنِهِ: " انْظُرْ فِي كِتَابِهِ، لاَ يَزِيدُ عَلَيَّ شَيْئًا "، قُلْتُ: " يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنِّي لَوْ أَرَدْتُ أَنْ أَكْذُبَ لَمْ آتِكَ "، قَالَ: " إِنِّي لَمْ أُرِدْ، إِنَّمَا أَرَدْتُ إِنْ أَسْقَطْتَ شَيْئًا يُعَدِّلْهُ لَكَ "» (¬2). وَكَانَ الأَعْمَشَ يَقُولُ: «كَانَ هَذَا الْعِلْمُ عِنْدَ أَقْوَامٍ، كَانَ أَحَدُهُمْ لأَنْ يَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ وَاوًا، أَوْ أَلِفًا، أَوْ دَالاً ... » (¬3). وَقَدْ أَدْرَكَ اِبْنُ عَوْنٍ ثَلاَثَةَ مِمَّنْ يَتَشَدَّدُونَ فِي رِوَايَةِ اَلحَدِيثِ عَلَى حُرُوفِهِ , وَهُمْ اَلْقَاسِمُ بْنِ مُحَمَّدٍ بِالْحِجَازِ , وَمُحَمَّدٍ بْنِ سِيرِين بِالبَصْرَةِ , وَرَجَاء بْنِ حَيْوَةَ بِالشَّامِ (¬4)، وكان إبراهيم بن ميسرة وطاووس يحدثان الحديث على حروفه (¬5)، وَكَانَ طَاوُسٌ يَعُدُّ الحَدِيثَ حَرْفًا حَرْفًا (¬6). وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَوْلَهُ: «مُحَدِّثُو الحِجَازِ ابْنُ شِهَابٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ يَجِيئُونَ بِالحَدِيثِ عَلَى ¬

_ (¬1) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 101: آ. (¬2) " المحدث الفاصل ": ص 128: آ. (¬3) " الكفاية ": ص 178. (¬4) انظر " المحدث الفاصل ": ص 126: ب. و" الكفاية ": ص 205. و" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 100: ب. و" جامع بيان العلم وفضله ": ص 80 جـ 1. (¬5) انظر " الكفاية ": ص 205. (¬6) " المحدث الفاصل ": ص 127: ب.

وَجْهِهِ» (¬1)، وَكَانَ مَالِكُ بْنِ أَنَسٍ يَحْرِصُ عَلَى أَدَاءِ حَدِيثِ رَسُولِ اَللَّهِ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حُرُوفِهِ (¬2). وإلى جانب هذه الأخبار ترى أخبارًا أخرى تدل على أن بعض الصحابة والتابعين رَوَوْا بعض الأحاديث بمعانيها، أو أنهم أجازوا إبدال كلمة بأخرى عند الضرورة، وكان أحدهم إذا اضطر إلى هذا أشار إلى أن ما يرويه ليس لفظه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. لذلك نرى بعض الصحابة يَتَوَرَّعُونَ كثيرًا عند ذكر حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خشية الخطأ. وَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ إِذَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «هَكَذَا أَوْ نَحْوًا مِنْ هَذَا، أَوْ قَرِيبًا مِنْ هَذَا، وَكَانَ يَرْتَعِدُ» (¬3). وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا فَرَعَ مِنَ الحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «هَذَا أَوْ نَحْوِ هَذَا أَوْ شَكْلَهُ» وَقَدْ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِلاَّ هَكَذَا، فَكَشَكْلِهِ» (¬4). وَقَالَ مُحَمَّدٌ بْنُ سِيرِينَ: «كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَلِيلَ الحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ: وَكَانَ مِمَّا إِذَا حَدَّثَ عَنْهُ قَالَ: أَوْ كَمَا قَالَ» (¬5). ¬

_ (¬1) تقدمة " الجرح والتعديل ": ص 43. (¬2) انظر " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 106: ب. و" جامع بيان العلم وفضله ": ص 81 جـ 1. و" الكفاية ": ص188. (¬3) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 107: آ. و" جامع بيان العلم وفضله ": ص 29 جـ 1. و" الكفاية ": ص 188. (¬4) " الكفاية ": ص 205. و " جامع بيان العلم وفضله ": ص 79 جـ 1.و" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 207. وذكر ذلك زهير بن حرب عن أبي الدرداء في كتاب "العلم ": ص 191: ب. (¬5) " الكفاية ": ص 205. و " جامع بيان العلم وفضله ": ص 79 جـ 1.و" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 207. وذكر ذلك زهير بن حرب عن أبي الدرداء في كتاب "العلم ": ص 191: ب.

وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ اَلزُّبِيرِ قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - «يَا بُنَيَّ [إِنَّهُ] يَبْلُغُنِي أَنَّكَ تَكْتُبُ عَنِّي الحَدِيثَ ثُمَّ تَعُودُ فَتَكْتُبُهُ»، فَقُلْتُ لَهَا: «أَسْمَعُهُ مِنْكِ عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْمَعُهُ عَلَى غَيْرِهِ». فَقَالَتْ: «هَلْ تَسْمَعُ فِي المَعْنَى خِلاَفًا؟»، قُلْتُ: «لاَ»، قَالَتْ: «لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ» (¬1). وَعَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: «رُبَّمَا سَمِعْتُ الحَدِيثَ عَنْ عَشَرَةٍ، كُلِّهِمْ يَخْتَلِفُ فِي اللَّفْظِ، وَالمَعْنَى وَاحِدٌ» (¬2). قَالَ مَكْحُولٌ: " دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو الأَزْهَرِ، عَلَى وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا الأَسْقَعِ حَدِّثْنَا بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيهِ وَهْمٌ وَلا تَزَيُّدٌ وَلا نِسْيَانٌ قَالَ: «هَلْ قَرَأَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ القُرْآنِ شَيْئًا؟ قَالَ: فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَمَا نَحْنُ لَهُ بِحَافِظِينَ جِدًّا إِنَّا لَنُزِيدُ الوَاوَ وَالأَلِفَ وَنُنْقِصُ. قَالَ: فَهَذَا القُرْآنُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ لاَ تَأْلُونُ حِفْظًا وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تُزِيدُونَ وَتُنْقِصُونَ فَكَيْفَ بِأَحَادِيثَ سَمِعْنَاهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ أَنْ لاَ نَكُونَ سَمِعْنَاهَا مِنْهُ إِلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً، حَسْبُكُمْ إِذَا حَدَّثْنَاكُمُ الحَدِيثَ عَلَى المَعْنَى» (¬3). وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى قَالَ: «لَقِيتُ عِدَّةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاخْتَلَفُوا عَلَيَّ فِي اللَّفْظِ، وَاجْتَمَعُوا فِي المَعْنَى» (¬4). وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: «سَمِعْتُ الحَسَنَ يُحَدِّثُ بِالحَدِيثِ: الأَصْلُ وَاحِدٌ وَالكَلاَمُ مُخْتَلِفٌ» (¬5)، وَقَالَ عِمْرَانُ القَصِيرُ، عَنِ الحَسَنِ: قُلْتُ لَهُ (لِلْحَسَنِ البَصْرِيِّ): ¬

_ (¬1) " الكفاية ": ص 205. (¬2) " المحدث الفاصل ": ص 126: ب. و" جامع بيان العلم ": ص 79 جـ 1 و" الكفاية ": ص 205. (¬3) " الجامع لأخلاق الراوي ": ص 106 و" تدريب الراوي ": ص 312. وموجزًا في كتاب "العلم " لزهير بن حرب: ص 191: ب. (¬4) " المحدث الفاصل ": ص 125. (¬5) " الجامع لأخلاق الراوي ": ص 106: آ.

" إِنَّا نَسْمَعُ الحَدِيثَ، فَلاَ نَجِيءُ بِهِ عَلَى مَا سَمِعْنَاهُ قَالَ: «لَوْ كُنَّا لاَ نُحَدِّثُكُمْ إِلاَّ كَمَا سَمِعْنَاهُ مَا حَدَّثْنَاكُمْ بِحَدِيثَيْنِ وَلَكِنْ إِذَا جَاءَ حَلاَلُهُ وَحَرَامُهُ فَلاَ بَأْسَ» (¬1). ورويت إجازة التحديث بالمعنى عن عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء وأنس بن مالك، وعائشة أم المؤمنين، وعمرو بن دينار، وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي، وابن أبي نجيح، وعمرو بن مرة، وجعفر بن محمد بن علي، وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان (¬2). وقد أدرك ابن عون ثلاثة مِمَّنْ يُرَخِّصُونَ في روايةالحديث على المعنى هم: الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وعامر الشعبي (¬3). ونرى هؤلاء الذين رَوَوْا بعض الحديث على المعنى بقولهم بعد التحديث، «أَوْ كَمَا قَالَ»، «أََوْ نَحْوِ هَذَا»، ومنهم من كان لا يبيح لمن يسمع أن يكتب عنه الحديث حتى لا يظن أن ما رواه لَفْظَ الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان عمرو بن دينار يحدث على المعنى ويقول: «أُحَرِّجُ عَلَى مَنْ يَكْتُبُ عَنِّي» (¬4). وَلاَ بُدَّ من أن نقرر أن من أباح رواية الحديث على المعنى أباحها بشروط، ولم يطلق هذا لأي إنسان، وأجازوا ذلك للضرورة، كأن يند اللفظ عن الذاكرة، أو يغيب لفظ الحديث عن المحدث عند الحاجة إلى روايته فيرويه بالمعنى، والضرورة تقدر بقدرها. قال الإمام الشافعي في صفات الراوي: «أنْ يَكُونَ مَنْ حَدَّثَ بِهِ ثِقَةً فِي دِينِهِ، مَعْرُوفًا بِالصِّدْقِ فِي حَدِيثِهِ، عَاقِلاً لِمَا يُحَدِّثُ ¬

_ (¬1) " الجامع لأخلاق الراوي ": ص 106: آ. (¬2) انظر المرجع السابق: ص 106. (¬3) " المحدث الفاصل ": ص 126: ب. و " جامع بيان العلم ": ص 80 جـ 1، " الكفاية ": ص 205. (¬4) " تذكرة الحفاظ ": ص 107 جـ 1.

بِهِ، عَالِمًا بِمَا يُحِيلُ مَعانِيَ الحَدِيثِ مِنَ اللَّفظِ، أَوْ يَكُونَ مِمَّنْ يُؤَدِّي الحَدِيثَ بِحُرُوفِهِ، كَمَا سَمِعَهُ، لاَ يُحَدِّثُ بِهِ عَلَى المَعْنَى؛ لأنَّهُ إِذَا حَدَّثَ بِهِ عَلَى المَعْنَى، وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِمَا يُحِيلُ مَعْنَاهُ، لَمْ يَدْرِ لَعَلَّهُ يُحِيلُ الحَلاَلَ إِلَى الحَرَامِ. وَإِذَا أَدَّاهُ بِحُرُوفِهِ فَلَمْ يَبْقَ وَجْهٌ يُخَافُ فِيهِ إِحَالَتُهُ الحَدِيثَ ... » (¬1). قَالَ الرَّامَهُرْمُزِي: «وَقَدْ دَلَّ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي صِفَةِ المُحَدِّثِ مَعَ رِعَايَةِ اتِّبَاعِ اللَّفْظِ عَلَى أَنَّهُ يَسُوغُ لِلْمُحَدِّثِ أَنْ يَأْتِيَ بِالمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ، إِذَا كَانَ عَالِمًا بِلُغَاتِ العَرَبِ وَوُجُوهِ خِطَابِهَا، بَصِيرًا بِالمَعَانِي وَالفِقْهِ، عَالِمًا بِمَا يُحِيلُ المَعْنَى وَمَا لاَ يُحِيلُهُ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ جَازَ لَهُ نَقْلُ اللَّفْظِ، فَإِنَّهُ يَحْتَرِزُ بِالفَهْمِ عَنْ تَغْييرِ المَعَانِي وَإِزَالَةِ أَحْكَامِهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَانَ أَدَاءُ اللَّفْظِ لَهُ لاَزِمًا، وَالعُدُولُ عَنْ هَيْئَةِ مَا يَسْمَعُهُ عَلَيْهِ مَحْظُورًا، وَإِلَى هَذَا رَأَيْتُ الفُقَهَاءَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْهَبُونَ. [وَمِنَ الحُجَّةِ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا المَذْهَبِ] (*) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَصَّ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ قَصَصًا، كَرَّرَ ذِكْرَ بَعْضِهَا فِي مَوَاضِعَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَنَقَلَهَا مِنْ أَلْسِنَتِهِمْ إِلَى اللِّسَانِ العَرَبِيِّ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لَهَا فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَالحَذْفِ وَالإِلْغَاءِ، وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ» (¬2). ولم يكن الصحابة والتابعون بِدَعًا في رواية بعض الأحاديث بمعناها، بل وجدوا دليل الجواز في منهج القرآن الكريم - كما ذكر الرامهرمزي - وفي سُنَّةِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد كان يرسل سفراءه ورسله فينقلون رسائله ¬

_ (¬1) " الرسالة ": ص 370، 371، الفقرة 1001 وانظر فيما يتعلق بالرواية على المعنى الفقرات: 744، 757، 1013 - 1015 و 1036 - 1042 من " الرسالة ". ونقل الرامهرمزي قول الشافعي في " المحدث الفاصل ": ص 79: ب وص 128: آ، وانظر أَيْضًا " معرفة السنن والآثار " للبيهقي: ص 9 جـ 1. (¬2) " المحدث الفاصل ":ص 124: ب. --------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) هكذا ورد في " المحدث الفاصل " للرامهرمزي، تحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب، ص 530، الفقرة رقم 681، الطبعة الأولى: بيروت 1391 هـ - 1971 م، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. بيروت.

ويترجمونها إلى غير العربية، فإباحة ترجمة الحديث إلى لغة ثانية دليل على إباحة نقله بنفس اللغة على معناه، بلفظ عربي هو أقرب إلى لفظ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ألفاظ اللغة الأجنبية (¬1)، بل هذا أولى بأن يكون مُبَاحًا. وللذين كرهوا الرواية على المعنى أدلة منها حديث «نَضَّرَ اللهُ امْرُءًا سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَأَدَّاهُ كَمَا سَمِعَهُ»، وَمَا رَوَاهُ البَرَاءُ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا بَرَاءُ كَيْفَ تَقُولُ إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ طَاهِرًا، فَتَوَسَّدْ يَمِينَكَ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَى مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ»، فَقُلْتُ كَمَا عَلَّمَنِي غَيْرَ أَنِّي قُلْتُ: وَرَسُولِكَ، فَقَالَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي: «وَ (بِنَبِيِّكَ)، فَمَنْ قَالَهَا مِنْ لَيْلَتِهِ ثُمَّ مَاتَ، مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ» (¬2). وقد أطال بعض العلماء القول في أدلة كل من المجيزين للرواية على المعنى والمانعين لها (¬3). وأجمع العلماء كلهم على أنه لا يجوز للجاهل بمعنى ما ينقل أن يروي الحديث على المعنى. ومن أجاز هذه الرواية إنما أجازها للعالم بشروط، قَالَ المَاوَرْدِيُّ: «إِنْ نَسِيَ اللَّفْظَ جَازَ، لأَنَّهُ تَحَمَّلَ اللَّفْظَ وَالمَعْنَى، وَعَجَزَ عَنْ أَدَاءِ ¬

_ (¬1) انظر " الكفاية ": ص 203. (¬2) " الكفاية ": ص 175. و" المحدث الفاصل ": ص 125: آ. (¬3) تكلم الخطيب البغدادي في الرواية على المعنى واللفظ وذكر الأدلة في ذلك، راجع " الكفاية ": ص 198 - 203 وتكلم العراقي حول الرواية بالمعنى، انظر " فتح المغيث ": ص 48 جـ 3 وما بعدها، وكذلك السيوطي في " تدريب الراوي ": انظر ص 311 وما بعدها. وكذلك الحافظ ابن كثير، انظر " الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ": ص 157 وما بعدها، وَفَصَّلَ الشيخ طاهر الجزائري أقوال العلماء وأدلتهم في " توجيه النظر ": ص 298 - 314 وهو خير من استوفى هذا البحث من المتأخرين.

أَحَدِهِمَا فَيَلْزَمُهُ أَدَاءُ الآخَرِ، لاَ سِيَّمَا أَنَّ تَرْكَهُ قَدْ يَكُونُ كَتْمًا لِلأَحْكَامِ، فَإِنْ لَمْ يَنْسَهْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُورِدَهُ بِغَيْرِهِ، لأَنَّ فِي كَلاَمِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْفَصَاحَةِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِ» (¬1). وقال السيوطي: «وَلاَ شَكَّ فِي اشْتِرَاطِ أَنْ لاَ يَكُونَ مِمَّا تَعَبَّدَ بِلَفْظِهِ ... وَعِنْدِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لاَ يَكُونَ مِنْ جَوَامِعِ الكَلِمِ» (¬2). بعد هذا يمكننا أن نحكم أن رواية الحديث بالمعنى كانت للضرورة، وكانت بقدر وخاصة بعد أن عرفنا ورع الصحابة والتابعين، ودقتهم في رواية الأخبار، وتحفظهم وتثبتهم مما يَرْوُونَ أو يسمعون، وهذا يُرَجِّحُ عندي أن الرواية بالمعنى إن وقعت تاريخيًا من بعض الصحابة، فإنما كانت بألفاظ قريبة جِدًّا من ألفاظه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لأنهم رَأَوْا رَسُولَ اللهِ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وسمعوا منه وتخرجوا بحلقاته، واستضاءت قلوبهم بتوجيهه وعنايته، وكانوا على جانب عظيم من البيان والفصاحة، وهم أعلم الأُمَّةِ بلغة العرب، لم يتسرب إلى كلامهم اللحن، ولم يغير سليقتهم ولسانهم امتزاج الأمم والشعوب. وَيُقَوِّي عندي أن معظم ما رواه الصحابة والتابعون كان بلفظ الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن بعضهم كان يكتب الحديث بين يدي النبي الكريم، وكانوا يعقدون الحلقات يتذاكرون فيها ما يسمعونه منه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، ويصحح بعضهم أخطاء بعض، وإذا شكوا في أمر أو أشكل عليهم شيء رجعوا إلى النبي الأمين - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان أكثر الرواة من التابعين يكتبون ما يسمعون من الصحابة ويحفظونه، فمنهم من يذاكر الحديث حتى إذا ما وعاه صدره محاه، ومنهم من يحفظه ويحتفظ بصحفه وألواحه، ومنهم من حرص ¬

_ (¬1) " تدريب الراوي ": ص 313. (¬2) المرجع السابق: ص 314.

على كتابة الحديث وجمعه في كراريس أو في مصنف كالمصحف (¬1). وأما من كان لا يكتب من التابعين وأتباعهم فقد حرص على حفظ الحديث في صدره، وكانوا يتذاكرون الأحاديث بين آونة وأخرى، ويرحلون من بلد إلى آخر ليسمعوا من الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، أو ليتأكدوا من صحة ما سمعوه عن [رَسُولِ] اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيفهموا معناه ويضبطوا حروفه وألفاظه. ويزيدنا ثقة بأن جل ما رُوِيَ عن رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان بلفظه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، تلك الحوافظ التي وهبها الله - عَزَّ وَجَلَّ - لِحَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ، وَرُوَاةُ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعهمْ، فيروي لنا التاريخ ما كان يحفظه أبو هريرة وغيره، وإن المرء ليعجب عندما يطلع على أخبار صحيحة، تذكر تلك الحوافظ العظيمة التي حملت إلينا السُنَّةَ كذاكرة عبد الله بن عباس الذي اشتهر بسرعة حفظه، حتى إنه كان يحفظ الحديث من مرة واحدة، وَيُُرْوَى أنه سمع قصيدة لابن أبي ربيعة عدتها ثمانون بَيْتًا فحفظها من المرة الأولى، وفي الصحابة أمثاله كزيد بن ثابت الذي حفظ معظم القرآن قبل بلوغه، وتعلم لغة اليهود في سبعة عشر يومًا، وفيهم عائشة أم المؤمنين التي كانت آية من آيات الذكاء والحفظ وغير هؤلاء. وفي التابعين نافع مولى عبد الله بن عمر الذي لم يخطئ فيما حفظ، وأجمع النُقَّادُ على دقة حفظه، وفيهم ابن شهاب الزُّهْرِي حافظ زمانه، وعامر الشعبي ديوان عصره، وقتادة بن دعامة السدوسي مضرب المثل في سرعة الحفظ والضبط والإتقان. فإذا طالعنا ما اختلف فيه الرواة من حيث اللفظ، مما تعددت طرقه وجدنا ¬

_ (¬1) تعرضت لهذا في الباب الرابع من هذا الكتاب، وفصلت القول فيه.

معظمه مما كان أخبارًا عن عمل من أعماله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو تبليغًا لحكم واقعة شاهدوها بأعينهم، فنراهم يقولون: «أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَذَا»، و «نَهَى رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كَذَا»، والمعنى في كل هذا واحد، وهذا طبيعي لا يدخل الريب في مروياتهم، لاختلافهم في صيغ الأداء، لأن كل رَاوٍ عَبَّرَ عما شاهده بلفظه، ومن النادر أن نرى اختلافًا فيما نقلوه إلينا من جوامع الكلم، أو مما يتعبد بلفظه، كصيغ الأذان والإقامة والدعاء والتشهد وغير ذلك. وليس جميع ما نقل إلينا مما اختلف لفظه بسبب الرواية بالمعنى، فجله يعود إلى تعدد مجالس الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكثرتها، فقد يتناول موضوعًا وَاحِدًا في مناسبات مختلفة، ويجيب السائلين بما يتناسب مع مداركهم، وقد يستفتيه أكثر من واحد في واقعة واحدة، فيفتي كل واحد بما يكفيه وَيُرْوِي غليله، بألفاظ مختلفة، وعبارات متفاوتة، تؤدي الغاية المقصودة، وما روي بالمعنى مع هذا لا يكاد يخفى على أهل هذا العلم، لكثرة دراستهم حديث الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وللأمانة العلمية التي كان عليها الرواة، فكانوا مَثَلاً رَائِعًا في الضبط والدقة والإتقان، يتبعون بعض ما يَرْوُونَهُ بعبارة تفيد احتياطهم فيما نقلوه، وَيُنَبِّهُونَ في أثناء سياق الحديث على موضع السهو أو الظن، وكانوا يحرصون دائمًا على نقل اللفظ النبوي كما صدر عنه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -. بعد هذا لا نرى داعيًا للتهويل الذي يثيره بعض الكُتَّابِ وبعض المغرضين حول رواية بعض الأحاديث بالمعنى، ولا وجه لإثارة خلاف أصبح طَيَّ التاريخ، وكان معظم ما ذهب إليه العلماء من إباحة رواية الحديث بالمعنى وعدم روايته خِلاَفًا عَقْلِيًّا نَظَرِيًّا، وإن وقع تَارِيخِيًّا فإنما وقع في الصدر الأول وبقدر

لا ضرر منه، لذلك نرى أنه من العبث إثارة مثل هذا الموضوع - الذي انصرم أوانه - وتشكيك الأُمَّةِ في حديث رسولها الأمين، وليس هناك أي مسوغ لإدخال الريب في النفوس، بعد أن أجمعت الأُمَّةُ على قبول الكتب الصحاح، وعلى أنها حديث رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الذي نُقِلَ إلينا بأسلم الطرق العلمية، على أيدي خيار علماء الأُمَّةِ من الصحابة والتابعين ومن تبعهم. وقد تناول (أَبُو رَيَّةَ) في كتابه " أضواء على السنة المحمدية " هذا البحث، إلا أنه أحاط الموضوع بهالة، تُوهِمُ من لا خبرة له بأن معظم الحديث النبوي قَدْ رُوِيَ بألفاظ الرواة (¬1)، وَجَسَّمَ خطر الرواية بالمعنى، بما لا يتفق والواقع التاريخي، وتحدث عن بعض الخلاف العقلي النظري على أنه مما وقع بالفعل، وَرَتَّبَ على جواز الرواية بالمعنى نتائج، إن صح ترتبها على رواية غير الحديث بالمعنى. لا يمكن أن تنتج عن رواية الحديث ¬

_ (¬1) افتتح أَبُو رَيَّةَ موضوعه فقال: «يحسب الذين لا خبرة لهم بالعلم، ولا علم عندهم بالخبرة أن أحاديث الرسول التي يقرؤنها في الكتب، أو يسمعونها ممن يتحدثون بها، قد جاءت صحيحة المبنى مُحْكَمَةَ التأليف، وأن ألفاظها قد وصلت إلى الرواة مصونة كما نطق النبي بها، بلا تحريف ولا تبديل، وكذلك يحسبون أن الصحابة ومن جاء بعدهم، ممن حملوا عنهم إلى زمن التدوين، قد نقلوا هذه الأحاديث بنصها كما سمعوها، وأدوها على وجهها كما لقنوها، فلم ينلها تغير ولا اعتراها تبديل، ومما وقر في أذهان الناس أن هؤلاء الرواة قد كانوا جَمِيعًا صِنْفًا خَاصًّا بين بني آدم في جودة الحفظ وكمال الضبط وسلامة الذاكرة ... ولقد كان ولا جرم لهذا الفهم أثر بالغ في أفكار شيوخ الدين - إلا من عصم ربك - فاعتقدوا أن هذه الأحاديث في منزلة آيات الكتاب العزيز، من وجوب التسليم بها، وفرض الإذعان لأحكامها، بحيث يأثم أو يَرْتَدُّ أو يفسق من خالفها، ويستتاب من أنكرها أو شك فيها». انظر " أضواء على السنة المحمدية ": ص 54. ولا مجال للرد على فريته هذه هنا، وستظهر لنا عناية النُقَّادِ والرواة وضبطهم في الفصول التالية من هذا الكتاب.

فضلاً عن أنها لم تترتب من جراء رواية بعض الأحاديث بمعناها، لما عرفنا ما في الأمر أن بعض الأحاديث رويت بمعناها، ولم ينتج عن ذلك خطر على الدين ولا غاب ذلك عن المسلمين. ونحن لا نشك أن الرواية بالمعنى قد تُوقِعُ فِي الخَطَأِ، ولكن هذا الخطأ - إذا وقع - لَمْ يَخْفَ عَلَى عُلَمَاءِ الأُمَّةِ، فلا وجه لذلك التهويل والإيهام، لأن النُقَّادَ والعلماء اعتنوا عناية عظيمة بحفظ الحديث وروايته، وأشاروا إلى كل كبيرة وصغيرة وَرَوَوْا أكثر الأحاديث من طرق عدة تنفي الشك وتطرح الخبث، فما الداعي - بعد هذا - لأن يثير (أَبُو رَيَّةَ) شبهة حول الحديث وروايته؟ على أنه لم يكتف بذكر اختلاف السابقين في الرواية وذكر أقوالهم، بل حاول أن يثبت أن جميع ما رُوِيَ مُخْتَلِفًا لَفْظُهُ إنما كان نتيجة لرواية الحديث بالمعنى، وساق شواهد على هذا، فذكر اختلاف صيغ التشهد، واستطرد وخرج عن الموضوع، ثم ذكر «حَدِيثَ الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ» وحديث «زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك [مِنْ الْقُرْآن]» وغير ذلك، وما من شيء استشهد به إلا وللعلماء قول فيه. وقد رَدَّ على (أَبُو رَيَّةَ) العَلاَّمَة المعاصر (عبد الرحمن بن يحيى المُعَلَّمِي اليَمَانِي) رَدًّا مُفَصَّلاً (¬1) يكفي أن استشهد بفقرة واحدة منه. ¬

_ (¬1) في كتابه " الأنوار الكاشفة " الذي وضعه رَدًّا على كتاب أبي رية " أضواء على السنة ". انظر ص 82 - 88 وانظر " ظلمات أبي رية " لمحمد عبد الرزاق حمزة: ص 68 - 99.

قال العَلاَّمة اليماني: «قَالَ - أَبُو رَيَّةَ - (ص 60): (صِيَغُ [اَلتَّشَهُدَاتِ]) , وَذَكَرَ اِخْتِلاَفهَا (¬1). أَقُولُ: يَتَوَهَّمُ أَبُو رَيَّةَ - أَوْ يُوهِمُ - أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا عَلَّمَهُمْ تَشَهُّدًا وَاحِدًا , وَلَكِنَّهُمْ أَوْ بَعْضهمْ لَمْ يَحْفَظُوهُ , فَأَتَوْا بِأَلْفَاظٍ مِنْ عِنْدِهِمْ مَعَ نِسْبَتِهَا إِلَى اَلنَّبِيِّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا , فَإِنَّ اَلتَّشَهُّدَ يُكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ بِضْعَ عَشْرَةَ مَرَّةٍ عَلَى الأَقَلِّ فِي الفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ , وَكَانَ اَلنَّبِيُّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَفِّظُ أَحَدَهُمْ حَتَّى يَحْفَظَ , وَقَدْ كَانَ اَلنَّبِيُّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْرِئُ اَلرَّجُلَيْنِ اَلسُّورَةَ الوَاحِدَةَ هَذَا بِحَرْفٍ وَهَذَا بِآخَرَ. فَكَذَلِكَ عَلَّمَهُمْ مُقَدِّمَةْ اَلتَّشَهُّدِ بِأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ , هَذَا بِلَفْظٍ وَهَذَا بِآخَرَ , وَلِهَذَا أَجْمَعَ أَهْلُ اَلعِلْمِ عَلَى صِحَّةِ اَلتَّشَهُّدِ بِكُلِّ مَا صَحَّ عَنْ اَلنَّبِيِّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , وَأَمَّا ذِكْرُ عُمَرَ اَلتَّشَهُّدَ عَلَى اَلمِنْبَرِ , وَسُكُوتِ اَلحَاضِرِينَ فَإِنَّمَا وَجْهَهُ المَعْقُولَ تَسْلِيمِهمْ أَنَّ اَلتَّشَهُّدَ اَلَّذِي ذَكَرَهُ صَحِيحٌ مُجْزِئٌ. وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يَقْرَأُ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا القُرْآنَ وَلاَ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَحَدٌ , مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ تَلَقَّوْا عَنْ اَلنَّبِيِّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَرْفٍ غَيْرَ الحَرْفَ الذِي تَلَقَّى بِهِ عُمَرُ , وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ. وَمِنْ الجَائِزِ أَنْ يَكُونُوا - أَوْ بَعْضُهُمْ - لَمْ يَعْرِفُوا اللَّفْظ الّذِي ذَكَرَهُ عُمَرُ , وَلَكِنَّهُمْ قَدْ عَرَفُوا أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَعُمَرُ عِنْدَهُمْ ثِقَةٌ» (¬2). ¬

_ (¬1) بعد أن ذكر أَبُو رَيَّةَ صيغ التشهد عن الصحابة (ص 60 - 62) قال: «هذه تشهدات ثمانية وردت عن الصحابة، وقد اختلفت ألفاظها، ولو أنها كانت من الأحاديث القولية التي رويت بالمعنى لقلنا عسى!، ولكنها من الأعمال المتواترة التي كان يؤديها كل صحابي مرات كثيرة كل يوم، وهم يعدون بعشرات الآلاف، ومما يلفت النظر أن كل صاحب تشهد يقول: إن الرسول كان يعلمه التشهد كما يعلمهم القرآن، وأن تشهد عمر قد ألقاه من فوق منبر رسول الله والصحابة جَمِيعًا يسمعون، فلم ينكر عليه أحد منهم ما قال، كما ذكر مالك في " الموطأ "». اهـ. انظر " أضواء على السنة ": ص 63، إنه يريد أن يشككنا حتى فيما نتعبد به وفيما ثبت متواترًا، والرد على أَبِي رَيَّةَ وعلى دعواه في طي عبارته، فلو تجرد وانطلق إلى أفق أوسع من أفقه ما استغرب تعدد هذه الصيغ ولا فتح على المسلمين باب الشك والريبة ولا شكك في الصحابة حفظة الشريعة وَحُرَّاسِهَا. (¬2) " الأنوار الكاشفة ": ص 83.

وأرى أن نستكمل بحثنا هذا بما ذهب إليه أئمة اللغة العربية، الذين أجازوا الاستشهاد بالحديث النبوي لإثبات قواعد النحو. قال عبد القادر البغدادي صاحب " خزانة الأدب ": «وَأَمَّا الاِسْتِدْلاَلُ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ فَقَدْ جَوَّزَهُ اِبْنُ مَالِكٍ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ المُحَقِّقُ (اَلرَّضِيُّ) فِي ذَلِكَ , وَزَادَ عَلَيْهِ بِالاحْتِجَاجِ بِكَلاَمِ أَهْلِ البَيْتِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - وَقَدْ مَنَعَهُ اِبْن اَلضَّائِعِ وَأَبُو حَيَّانِ وَسَنَدَهُمَا أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ اَلأَحَادِيثَ لَمْ تُنْقَلْ كَمَا سُمِعَتْ مِنْ اَلنَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا رُوِيَتْ بِالمَعْنَى. وَثَانِيهمَا أََنَّ أَئِمَّة النَّحْوِ المُتَقَدِّمِينَ مِنَ المَصْرِيِّينَ لَمْ يَحْتَجُّوا بِشَيْء مِنْهَا. وَرَدَّ اَلأَوَّل - عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ - بِأَنَّ اَلنَّقْلَ بِالمَعْنَى إِنَّمَا كَانَ فِي الصَّدْرِ الأَوَّلِ قَبْلَ تَدْوِينَه فِي الكُتُبِ وَقَبْلَ فَسَادِ اَللُّغَةِ , وَغَايَتِهِ تَبْدِيلَ لَفَظٍ بِلَفْظٍ يَصِحُّ اَلاحْتِجَاجُ بِهِ فَلاَ فَرْقَ، عَلَى أَنَّ اليَقِينَ غَيْرَ شَرْطٍ بَلْ الظَّنُّ كَافٍ. وَرَدَّ اَلثَّانِي بِأَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اِسْتِدْلَالِهِمْ بِالحَدِيثِ عَدَمَ صِحَّةِ الاسْتِدْلاَلِ بِهِ. وَالصَّوَابُ جَوَازُ الاِحْتِجَاجِ بِالحَدِيثِ لِلْنَّحْوِيِّ فِي ضَبْطِ أَلْفَاظِهِ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا رُوِيَ عَن الصَّحَابَةِ وَأَهْلِ البَيْتِ كَمَا صَنَعَ الشَّارِحُ المُحَقِّقُ». اهـ. ثُمَّ قَالَ نَقْلاً عَنْ الدَّمَامِينِيِّ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ لاَ يَحْتَجُّ بِالحَدِيثِ فِي اللُّغَةِ: «وَقَدْ رَدَّ هَذَا المَذْهَب الذِي ذَهَبُوا إِلَيْهِ البَدْرُ الدَّمَامِينِيِّ فِي " شَرْحِ التَّسْهِيلِ " - وَلِلَّهِ دَرُّهُ فَإِنَّهُ قَدْ أَجَادَ فِي الرَّدِّ - قَالَ: وَقَدْ أَكْثَرَ اَلْمُصَنَّفُ مِنْ الاسْتِدْلاَلِ بِالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَشَنَّعَ أَبُو حَيَّان عَلَيْهِ , وَقَالَ: إِنَّ مَا اِسْتَنَدَ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِك

لاَ يَتِمُّ لَهُ , لِتَطَرُّقِ اِحْتِمَالِ الرِّوَايَةِ بِالمَعْنَى فَلاَ يُوثَقُ بِأَنَّ ذَلِكَ المُحْتَجَّ بِهِ لَفْظُهُ - عَلَيْهِ اَلصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - حَتَّى تَقُومَ بِهِ الحُجَّةُ وَقَدْ أَجْرَيْتُ ذَلِكَ لِبَعْضِ مَشَايِخِنَا فَصَوَّبَ رَأْي اِبْنِ مَالِكٍ فِيمَا فَعَلَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اليَقِينَ لَيْسَ بِمَطْلُوبٍ فِي هَذَا البَابِ، وَإِنَّمَا المَطْلُوبُ غَلَبَةُ الظَنِّ الذِي هُوَ مَنَاطُ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَكَذَا مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ مِنْ نَقْلِ مُفْرَدَاتِ الأَلْفَاظِ وَقَوَانِينِ الإِعْرَابِ، فَالظَّنُّ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ كَافٍ وَلاَ يَخْفَى أَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى اَلظَّنِّ أَنَّ ذَلِكَ المَنْقُولَ المُحْتَجِّ بِهِ لَمْ يُبَدَّلْ , لأَنَّ اَلأَصْلَ عَدَمُ اَلتَّبْدِيلِ , لاَ سِيَّمَا وَالتَّشْدِيدُ فِي اَلضَّبْطِ وَالتَّحَرِّي فِي نَقْلِ اَلأَحَادِيثِ شَائِعٌ بَيْنَ اَلنَّقْلَةِ وَالمُحْدَثِينَ. وَمَنْ يَقُولُ مِنْهُمْ بِجَوَازِ النَّقْلِ بِالمَعْنَى فَإِنَّمَا هُوَ عِنْده بِمَعْنى التجويز العقلِيِّ الَّذِي لاَ يُنَافِي وُقُوعَ نقيضه فَلذَلِك تراهم يَتَحَرَّوْنَ فِي الضَّبْطِ وَيَتَشَدَّدُونَ مَعَ قََوْلِهِمْ بِجَوَازِ النَّقْلِ بِالْمَعْنَى، فيغلب عَلَى الظَّنِّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهَا لَمْ تُبَدَّلْ وَيَكُونُ احْتِمَالُ التَّبْدِيلِ فِيهَا مَرْجُوحًا فيلغى وَلاَ يقْدَح فِي صِحَة الاسْتِدْلاَل بهَا. ثمَّ إِن الْخلاف فِي جَوَاز النَّقْل بِالْمَعْنَى إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لم يُدَوَّنْ وَلاَ كتب وَأما مَا دُوِّنَ وَحَصَلَ فِي بُطُونِ الكُتُبِ فَلاَ يَجُوزُ تَبْدِيلُ أَلْفَاظه من غير خلاف بَينهم قَالَ ابْن الصَّلاَحِ بعد أَن ذكر اخْتلاَفهمْ فِي نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى إِنَّ هَذَا الْخلاف لاَ نرَاهُ جَارِيًا وَلاَ أجراه النَّاسُ فِيمَا نَعْلَمُ فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ بُطُونُ الكُتُبِ فَلَيْسَ لأحد أَن يُغَيِّرَ لَفْظَ شَيْءٍ مِنْ كِتَابٍ مُصَنَّفٍ وَيُثْبِتَ فِيهِ لَفْظًا آخَرَ». اهـ. «وَتَدْوِينُ الأَحَادِيثِ وَالأَخْبَارِ - بَلْ تَدْوِينُ (¬1) كَثِيرٍ مِنَ المَرْوِيَّاتِ - وَقَعَ ¬

_ (¬1) في الأصل (بل وكثير) فحذفنا الواو لأنه لا يجتمع حرفا عطف مَعًا وأضفنا كلمة (تدوين) تحريرًا للعبارة.

فِي الصَّدْرِ الأَوَّلِ قَبْلَ فَسَادِ اللُّغَةِ العَرَبيَّةِ حِينَ كَانَ كَلاَمُ أُولَئِكَ المُبَدِّلِينَ - عَلَى تَقْدِيرِ تَبْدِيلِهِمْ - يَسُوغُ الاحْتِجَاجُ بِهِ، وَغَايَتُهُ يَوْمئِذٍ تَبْدِيلُ لَفْظٍ بِلَفْظٍ يَِصِحُّ الاحْتِجَاجُ بِهِ، فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الجَمِيعِ فِي صِحَةِ الاسْتِدْلاَلِ ثمَّ دُونَ ذَلِكَ المُبَدَّلِ - عَلَى تَقْدِيرِ التَّبْدِيلِ - وَمَنَعَ مِنْ تَغْيِِيرِهِ وَنَقْلِهِ بِِالمَعْنَى، كَمَا قََالَ ابْنُ الصَّلاَحِ فَبَقيَ حُجَّةً فِي بَابِهِ، وَلاَ يَضُرُّ تَوَهُّمَ ذَلِكَ السَّابِقِ فِي شَيْء مِنْ اسْتِدْلاَلِهِمْ المُتَأَخِّرِ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ» (¬1). ¬

_ (¬1) " خزانة الأدب ": ص 4 - 7 جـ 1.

الفصل الثاني: وفيه ثلاثة مباحث:

الفَصْلُ الثَّانِي: وَفِيهِ ثَلاَثَةُ مَبَاحِثَ: المَبْحَثُ الأَوَّلُ: النَّشَاطُ العِلْمِيُّ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: شعر الصحابة بالتبعة الملقاة على عاتقهم لحفظ الشريعة وتطبيقها، فسارعوا إلى صيانة مصادرها الأولى خشية ضياع القرآن الكريم من صدور القُرَّاءِ (الحُفَّاظ)، إثر حروب الردة، ومن ثم جمعوه في مصحف على عهد الصِدِّيقِ، وخافوا عاقبة الاختلاف في القراءات في الأمصار المختلفة، فنسخوه في مصاحف وُزِّعَتْ على الأقاليم الإسلامية في عهد عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وكانوا في أحكامهم يرجعون إلى الكتاب الكريم ثم إلى السُنَّةِ، يسألون عن حكم مأثور عن الرسول فيما يَجِدُّ لهم من قضايا، فإذا ما ثبت عندهم شيء عن رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسمكوا به وطبقوه، وقد ذكرت طريقة اجتهادهم فيما سبق. وقد وجد الصحابة ضرورة تلح لحفظ السُنَّةِ، فحاول الصِدِّيقُ ثُمَّ الفَارُوقُ حفظها كتابة - وما منعهم من ذلك إلا حرصهم على القرآن وَالسُنَّةِ كما سيتبين لنا هذا في بحث تدوين السُنَّةِ - فما كان منهم إلا أن أَكَبُّوا على دراستها والسؤال عنها، والبحث عن الحديث عند حفاظه، ويكفينا مثالاً لهذا ما كان يفعله ابن عباس بعد وفاة رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد روى عِكْرِمَةُ [عَنْ] ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ: هَلُمَّ فَلْنَسْأَلْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُمُ اليَوْمَ كَثِيرٌ، قَالَ: وَاعَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! أَتَرَى النَّاسَ يَفْتَقِرُونَ إِلَيْكَ، وَفِي النَّاسِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فِيهِمْ؟ قَالَ: فَتَرَكَ ذَاكَ، وَأَقْبَلْتُ أَنَا أَسْأَلُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الحَدِيثِ، فَإِنْ كَانَ لَيَبْلُغُنِيَ الحَدِيثُ عَنِ

الرَّجُلِ، فَآتِي بَابَهُ، وَهُوَ قَائِلٌ (¬1)، فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي عَلَى بَابِهِ تُسْفِي الرِّيحُ عَلَيَّ مِنَ التُّرَابِ؛ فَيَخْرُجُ فَيَقُولُ: " يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ، مَا جَاءَ بِكَ؟ أَلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيكَ؟ " فَأَقُولُ: " أَنَا أَحَقُّ أَنْ آتِيَكَ "، فَأَسْأَلُهُ عَنِ الحَدِيثِ» (¬2). وكانت رغبة الصحابة في سماع حديث رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عظيمة، وهل أحب إلى المرء من أن يسمع حكم مُرَبِّيهِ وأحكامه وتشريعاته؟ وهل من شيء أعز على المسلم من أن يُحْيِي آثار منقذه من الضلال ورائده إلى الخير؟ لقد كان الصحابة مندفعين بإخلاص إلى سماع حوادث رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسيرته وحديثه، فهذا أبو بكر الصِدِّيقُ يقف عند عازب والد البراء فيشتري منه رَحْلاً وهو للناقة كالسرج للفرس، ثم يقول له: «مُرْ البَرَاءَ فَلْيَحْمِلْهُ إِلَى مَنْزِلِي، فَقَالَ: لاَ، حَتَّى تُحَدِّثَنَا كَيْفَ صَنَعْتَ حِينَ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتَ مَعَهُ؟»، فقص عليه خبر الهجرة (¬3). وهذا عَلِيٌّ أمير المؤمنين يَلْتَقِي بكَعْبِ الأَحْبَارِ فَيَقُولُ لَهُ كَعْبٌ: " يَا عَلِيُّ، أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي المُنْجِيَاتِ؟ " قَالَ: " لاَ، وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي المُوبِقَاتِ "، فَقَالَ كَعْبٌ لِعَلِيٍّ: " حَدِّثْنِي بِالمُوبِقَاتِ، حَتَّى أُحَدِّثَكَ بِالْمُنْجِيَاتِ " فَقَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «المُوبِقَاتُ: تَرْكُ السُّنَّةِ، وَنَكْثُ البَيْعَةِ، وَفِرَاقُ الْجَمَاعَةِ» فَقَالَ كَعْبٌ لِعَلِيٍّ: " الْمُنْجِيَاتُ: كَفُّ لِسَانِكَ، وَجُلُوسٌ فِي بَيْتِكَ، وَبُكَاؤُكَ عَلَى خَطِيئَتِكَ " (¬4). ¬

_ (¬1) أي هو في نوم الظهيرة من القيلولة والقائلة. (¬2) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 24: آ، وانظر ص 24: ب منه و" تذكرة الحفاظ ": ص 38 جـ 1. (¬3) " مسند الإمام أحمد ": ص 154 - 156 جـ 1 وانظر " فتح الباري ": ص 435 جـ 7. (¬4) " المحدث الفاصل ": ص 149: آ.

وقد روى بعض الصحابة عن بعض كثيرًا سواء في حياته - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - أو بعد وفاته، من ذلك رواية الفاروق عمر عن الصِدِّيقِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - عن رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديث «لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» وهو حديث صحيح أخرجه " مسلم "، ومنها رواية عُثْمَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لاَ يَقُولُهَا عَبْدٌ حَقًّا إِلاَّ حُرِّمَ عَلَى النَّارِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ» أخرجه مسلم في " صحيحه "، ورواية أبي بكر عَنْ بِلاَلٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا بِلاَلُ أَصْبِحُوا بِالصُّبْحِ فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ». ورواية عبد الرحمن بن عوف عن الفاروق - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ». وما رواه بجالة بن عبدة قال: «كُنْت كَاتِبًا لِجَرِيرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَلَى مِنَاذَرِ (¬1) , فَجَاءَنَا كِتَابُ عُمَرِ بْنِ اَلْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: اُنْظُرْ مَجُوسَ هَجَرَ مِنْ قِبَلِك , فَخْذ مِنْهُمْ الجِزْيَة، فَإِنَّ عَبْدَ اَلرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخْبَرَنِي أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صَلْىَ اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ أَهْلِ هَجَرَ»، وروت عائشة عن الصِدِّيقِ، كما روى عنها، وروى ابن عمر عن ابن عباس، وابن عباس عن ابن عمر، كما روت عائشة عنه، وروى ابن عباس عنها، وروى جابر بن عبد الله عن أبي سعيد الخُدري، كما روى أبو سعيد عن جابر، وأنس عن جابر، وجابر عن أنس، وروى ابن عباس عن جابر بن عبد الله كما روى جابر عنه، وروى أبو سعيد الخُدري عن ابن عباس كما روى ابن عباس عنه (¬2)، ومن يراجع كتب السُّنَنِ، وتراجم الرواة يجد كثيرًا من روايات بعض الصحابة عن بعض، ¬

_ (¬1) مناذر هما بلدتان بنواحي خوزستان، مناذر الكبرى ومناذر الصغرى، وهما من كور الأهواز، وقد فُتِحَتََا سَنَةَ (18 هـ). انظر " معجم البلدان ": ص 160 جـ 8. (¬2) انظر " اللطائف في دقائق المعارف من علوم الحفاظ الأعارف " مخطوطة الظاهرية: ص 1: آ - 3: ب.

وهذا دليل واضح على النشاط العلمي الذي كان بينهم، يتبادلون الأحاديث ويسمعون ويسمع منهم وَيَرْوُونَ وَيُرْوَى عنهم. كل هذا في سبيل معرفة الحق وحفظ السُنَّةِ المُطَهَّرَةِ. ولم يكتف الصحابة بدراسة الحديث فيما بينهم، بل حَثُّوا على طلبه وحفظه وحضوا التابعين على مجالسة أهل العلم والأخذ عنهم، ولم يتركوا وسيلة لذلك إلا أفادوا منها. من هذا ما رُوِيَ عن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا» (¬1) وقال أَيْضًا: «تَعَلَّمُوا الفَرَائِضَ وَالسُّنَّةَ كَمَا تَتَعَلَّمُونَ القُرْآنَ» (¬2). وكان أبو ذر مثلاً رائعًا لنشر الحق وتبليغ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يروي عنه أنه قال: «لَوْ وَضَعْتُمْ الصَّمْصَامَةَ - السيف الصارم - عَلَى هَذِهِ - وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ - ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ لأَنْفَذْتُهَا» (¬3). وما كان أبو ذر بِدَعًا من الصحابة، إنما كان أحد الألوف الذين ساهموا في حفظ السُنَّةِ. عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، «عَلَيْكُمْ بِالعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ، وَقَبْضُهُ ذَهَابُ أَهْلِهِ ... (¬4)» وكان ينهى عن البدع ويأمر باتباع السُنَّةِ فيقول: «الاقْتِصَادُ فِي السُّنَّةِ [خَيْرٌ] مِنَ الاجْتِهَادِ فِي البِدْعَةٍ» (¬5). وقال أمير المؤمنين عَلِيٌّ بن أبي طالب: «تَزَاوَرُوا وَتَذَاكَرُوا الحَدِيثَ، فَإِنَّكُمْ إِلاَّ تَفْعَلُوا يَدْرُسُ» (¬6). ¬

_ (¬1) " فتح الباري " ص 175 جـ 1. (¬2) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 34 جـ 2. (¬3) " فتح الباري " ص 170 جـ 1. (¬4) " تذكرة الحفاظ ": ص 15 جـ 1 و" مجمع الزوائد ": ص 125 جـ 1، وانظر حضه على مذاكرة الحديث في " معرفة علوم الحديث ": ص 141. (¬5) " تذكرة الحفاظ ": ص 15 جـ 1 و" مجمع الزوائد ": ص 125 جـ 1، وانظر حضه على مذاكرة الحديث في " معرفة علوم الحديث ": ص 141. (¬6) " شرف أصحاب الحديث: ص 69. وانظر أَيْضًا " معرفة علوم الحديث ": ص 60 و 141.

ووقف عمرو بن العاص على حلقة من قريش فقال: «مَا لَكُمْ قَدْ طَرَحْتُمْ هَذِهِ الأُغَيْلِمَةَ؟ لاَ تَفْعَلُوا، وَأَوْسِعُوا لَهُمْ فِي المَجْلِسِ، وَأَسْمِعُوهُمُ الحَدِيثَ، وَأَفْهِمُوهُمْ إِيَّاهُ، فَإِنَّهُمْ صِغَارُ قَوْمٍ أَوْشَكَ أَنْ يَكُونُوا كِبَارَ قَوْمٍ، وَقَدْ كُنْتُمْ صِغَارَ قَوْمٍ فَأَنْتُمُ اليَوْمَ كِبَارُ قَوْمٍ» (¬1). وكان ابن عباس يحض طلابه على مذاكرة الحديث، فيقول: «تَذَاكَرُوا هَذَا الحَدِيثَ، لاَ يَنْفَلِتْ مِنْكُمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِثْلَ القُرْآنِ، القُرْآنُ مَجْمُوعٌ مَحْفُوظٌ، وَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَذَاكَرُوا هَذَا الحَدِيثَ يَنْفَلِتْ مِنْكُمْ، وَلاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ حَدَّثْتُ أَمْسِ لاَ أُحَدِّثُ اليَوْمَ، بَلْ حَدِّثْ أَمْسِ، وَحَدِّثْ اليَوْمَ، وَحَدِّثْ غَدًا» .. ، كما كان يقول: «إِذَا سَمِعْتُمْ مِنَّا، شَيْئًا فَتَذَاكَرُوهُ بَيْنَكُمْ» (¬2). وكان أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يحب طلاب العلم ويفسح لهم المجالس، وكثيرًا ما كان يقول: «تَحَدَّثُوا، فَإِنَّ الحَدِيثَ يُذَكِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا» (¬3). وَمِمَّا يُرْوَى عَنْ أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِطُلاَّبِهِ: «إِنَّ هَذَا المَجْلِسَ مِنْ بَلاَغِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَلَّغَ مَا أُرْسِلَ بِهِ، وَأَنْتُمْ فَبَلِّغُوا عَنَّا أَحْسَنَ مَا تَسْمَعُونَ». وفي رواية: كَانَ يُحَدِّثُهُمْ حَدِيثًا كَثِيرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا سَكَتَ قَالَ: «اعْقِلُوا، بَلِّغُوا عَنَّا كَمَا [بُلِّغْتُمْ]» (¬4). وهكذا كان الصحابة الكرام يتواصون بحفظ الحديث ومذاكرته ويحضون طلابهم على ذلك، ويحثونهم على تبليغ ما يسمعون منهم. ¬

_ (¬1) " شرف أصحاب الحديث ": ص 89: ب. (¬2) " شرف أصحاب الحديث ": ص 99: آ. وانظر نحوه في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " نسخة الظاهرية: ص 48: ب. (¬3) " شرف أصحاب الحديث ": ص 100: آ. (¬4) " شرف أصحاب الحديث ": ص 100: آ.

وقد سار التابعون وأتباعهم على نهج الصحابة، فكانوا يوصون أولادهم وتلاميذهم بحفظ السُنَّةِ وحضور مجالس العلم، فقد أوصى عُرْوَةُ بَنِيهِ بهذا كما أوصى طلابه (¬1)، وكان علقمة يشجع طلابه على مذاكرة الحديث ودراسته (¬2)، كما كان عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، يَقُولُ: «إِحْيَاءُ الحَدِيثِ مُذَاكَرَتُهُ فَتَذَاكَرُوهُ» (¬3). واشتهرت بين العلماء عبارة «تَذَاكَرُوا الحَدِيثَ فَإِنَّ الحَدِيثَ يُهَيِّجُ الحَدِيثَ» (¬4). وأكثر من هذا، كان بعض الآباء يشجعون أبناءهم على حفظ الحديث، ويقدمون إليهم جوائز كلما حفظوا شيئًا منه، من هذا ما رواه النَّضْرُ بْنُ الحَارِثِ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ، يَقُولُ: قَالَ لِي أَبِي: «يَا بُنَيَّ، اطْلُبِ الحَدِيثَ، فَكُلَّمَا سَمِعْتَ حَدِيثًا، وَحَفِظْتَهُ، فَلَكَ دِرْهَمٌ. فَطَلَبْتُ الحَدِيثَ عَلَى هَذَا» (¬5). ومهما يكن موقف المُرَبِّينَ في هذا العصر من هذا التشجيع فإنه وسيلة مبدئية لحفظ الحديث ودراسته، إن كانت في نظر الطفل هي الغاية فإنها لا تلبث أن تصبح، وسيلة إذا ما ألف حفظ الحديث، وتعطشت نفسه إليه تجسمت الغاية الأصلية أمامه، وعرف قيمتها، وقدر نفع الحديث، وعرف معناه، وأصبح من عشاقه، سواء أنقطعت تلك الجوائز أم لم تنقطع. وإن التاريخ ليحفظ لنا أخبارًا كثيرة تثبت إقبال طلاب العلم على طلب ¬

_ (¬1) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 134، 135 قسم 2 جـ 2، وانظر " المحدث الفاصل " نسخة دمشق: ص 15: ب، جـ 1. (¬2) انظر " شرف أصحاب الحديث ": ص 100: ب، وانظر كتاب "العلم " لزهير بن حرب، فإن فيه بعض هذا: ص 189: ب وكذلك في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 446: ب، و " المحدث الفاصل ": ص 129: ب - 130: ب. (¬3) انظر " شرف أصحاب الحديث ": ص 100: ب، وانظر كتاب "العلم " لزهير بن حرب، فإن فيه بعض هذا: ص 189: ب وكذلك في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 446: ب، و " المحدث الفاصل ": ص 129: ب - 130: ب. (¬4) انظر " شرف أصحاب الحديث ": ص 100: ب، وانظر كتاب "العلم " لزهير بن حرب، فإن فيه بعض هذا: ص 189: ب وكذلك في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 446: ب، و " المحدث الفاصل ": ص 129: ب - 130: ب. (¬5) " شرف أصحاب الحديث ": ص 90، وإبراهيم بن أدهم عاصر الثوري ويغلب أن وفاته سَنَةَ (161 هـ) كان وَرِعًا مجاهدًا، انظر " البداية والنهاية ": ص 135 جـ 10.

الحديث إقبالاً لا مثيل له، بدافع ذاتي، وميل نفسي، حتى إن بعض طلاب العلم المتفانين في حُبِّ الحديث كانوا يؤدون بعض الخدمات من أجل سماع حديث أو حديثين (¬1). وقد كانت المنافسة العلمية المحببة قائمة بين طلاب الحديث في ذلك العصر، فالذكي من تمكن من حفظ أحاديث في باب كذا وباب كذا، وَالمُجِدُّ من أسرع إلى صحابي وأخذ عنه قبل وفاته، وَالمُفْلِحُ من حظي بحب شيخه، وتمكن من الانفراد به، والكتابة عنه، والقراءة عليه ثم العرض والتصحيح بين يديه .. لكل هذا رأينا أصحاب الحديث يَجِدُّونَ في طلب العلم الشريف، ويتبارون في تحصيله (¬2)، وكثر طلاب العلم كثرة تثلج لها الصدور، وتشرق بها النفوس حتى إن أحد الصحابة كان يحدث الناس، فيكثرون عليه، فيصعد فوق بيت ويحدثهم (¬3). قال أنس بن سيرين: «قَدِمْتُ الكُوفَةَ قَبْلَ الجَمَاجِمِ، فَرَأَيْتُ [فِيهَا] أَرْبَعَةَ آلاَفٍ يَطْلُبُونَ ¬

_ (¬1) رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: «كَانَ أَبِي صَيْرَفِيًّا بِالكُوفَةِ، فَرَكِبَهُ الدَّيْنُ، فَحَمَلَنَا إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَى المَسْجِدِ لِصَلاَةِ الظُّهْرِ، وَصِرْتُ إِلَى بَابِ المَسْجِدِ، إِذَا شَيْخٌ عَلَى حِمَارٍ، فَقَالَ لِي: يَا غُلاَمُ أَمْسِكْ عَلَيَّ هَذَا الحِمَارَ حَتَّى أَدْخُلَ المَسْجِدَ فَأَرْكَعَ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ أَوْ تُحَدِّثُنِي، قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ أَنْتَ بِالحَدِيثِ؟، وَاسْتَصْغَرَنِي، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي، فَقَالَ: " حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ "، فَحَدَّثَنِي بِثَمَانِيَةِ أَحَادِيثٍ، فَأَمْسَكْتُ حِمَارَهُ، وَجَعَلْتُ أَتَحَفَّظُ مَا حَدَّثَنِي بِهِ، فَلَمَّا صَلَّى وَخَرَجَ، قَالَ: مَا نَفَعَكَ مَا حَدَّثْتُكَ، حَبَسْتَنِي فَقُلْتُ: حَدَّثْتَنِي بِكَذَا، وَحَدَّثْتَنِي بِكَذَا، فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، تَعَالَ غَدًا إِلَى المَجْلِسِ، فَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ» (48 - 126 هـ)، انظر "المحدث الفاصل " مخطوطة دمشق ص 16: ب - 17: آجـ 1. (¬2) انظر " المحدث الفاصل " ص 143: ب، فيها أخبار عن ذلك. (¬3) انظر كتاب "العلم " لزهير بن حرب: ص 192.

الحَدِيثَ» (¬1)، وفي رواية زاد: فقال: «وَأَرْبَعَمِائَةٍ قَدْ فَقِهُوا» (¬2). فَقَبْلَ بِدَايَةِ الربع الأخير من القرن الأول أضحت الكوفة محط أنظار أهل الحديث، ولم يقتصر هذا النشاط على قُطْرٍ دُونَ آخَرٍ، بل كان عَامًّا شاملاً. فحلقات العلم كانت تعقد في كل مكان، ففي جامع دمشق حلقات أبي الدرداء التي تضم نَيِّفًا وخمسمائة وألف طالب (¬3) إلى جانب حلقات غيره من شيوخ دمشق التي كان يكتب فيها الطلاب (¬4)، كما كانت تعقد في حمص وحلب والفسطاط والبصرة والكوفة واليمن إلى جانب حلقات ينبوع الإسلام في مكة والمدينة، فقد كانت في المدينة كالروضة يختار منها طالب العلم ما يشاء (¬5). وفي عهد عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي، كان المسجد الحرام يغص بطلاب العلم، حتى إن الخلفية أعجب بهم عندما زاره فوجد فيه حِلَقًا لا تحصى، تضم أبناء المسلمين وطلاب العلم، فسأل عن شيوخ هذه الحلقات، فكان فيها عطاء، وسعيد بن جُبير، وميمون بن مهران، ومكحول، ومجاهد وغيرهم، فحث أبناء قريش على طلب العلم والمحافظة عليه (¬6). وسيتجلى لنا نشاط المراكز العلمية في الدولة الإسلامية عندما نتكلم عن انتشار العلم في عهد الصحابة والتابعين. ¬

_ (¬1) " المحدث الفاصل ": ص 81: آ، وكانت دير الجماجم وقعة مشهورة بين الحَجَّاجِ وعبد الرحمن بن الأشعث سَنَةَ (82 هـ) وفيها قتل عبد الرحمن بن الأشعث وكثير من القُرَّاءِ. انظر " تاريخ الطبري ": ص 157 جـ 5. ودير الجماجم بظاهر الكوفة على سبعة فراسخ منها على طرف البر السالك إلى البصرة: " معجم البلدان ": ص 131 جـ 4. (¬2) " المحدث الفاصل ": ص 135: ب. (¬3) انظر " التاريخ الكبير " لابن عساكر: ص 69 جـ 1. (¬4) انظر " التاريخ الكبير " لابن عساكر: ص 69 جـ 1. (¬5) انظر " المحدث الفاصل ": ص 9: ب. (¬6) انظر المرجع السابق: ص 35: ب - 36.

وقد قَيَّضَ الله لهذه الأُمَّةِ أساتذة أوتوا العلم والأدب وأصول التربية ترعرعوا بين يدي رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويدي أصحابه الكرام، واجتهد القائمون على التعليم منهم في ذلك العصر في تعليم تلاميذهم وجلسائهم، واعتنوا عناية عظيمة بالنشء الجديد، فنرى إسماعيل بن رجاء - من أقران الأعمش - «يَجْمَعُ الصِّبْيَانَ وَيُحَدِّثَهُمْ» (¬1) ومر رجل بالأعمش - سليمان بن مهران - وهو يحدث فقال له: تحدث هؤلاء الصبيان؟ فقال الأعمش: هؤلاء الصبيان يحفظون عليك دينك (¬2). وكان مُطَرَّفٌ بن عبد الله يقول: «لأَنْتُمْ أَحَبُّ إِلَيَّ مُجَالَسَةً مِنْ أَهْلِي» (¬3). وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيَّ، يَقُولُ: «لَوْ لَمْ يَأْتُونِي - (يعني طلاب الحديث) - لأَتَيْتُهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ» (¬4). وكانوا يعلمونهم الحديث والأدب فيه، واحترامه وإجلاله (¬5)، وكانت لحلقات العلم مكانة جليلة، وكان طلاب الحديث يوقرون أساتذتهم، ويفخرون بخدمتهم، والأخذ عنهم، وكان سلوكهم مع أساتذتهم في غاية الأدب والاحترام، سواء أكان هذا في التلقي عنهم أم في مناقشتهم، ويؤثر عن كثير من الصحابة والتابعين نصائح لطلاب العلم في هذا الصدد (¬6). وأما حلقات العلم وشيوخها وطريقة تعليمهم فإنها تحتاج إلى بحث كبير قائم بذاته، وإن لدينا من الأخبار ما يملأ أكثر من مجلد في هذا. ولكن المقام يضيق بإيرادها، ويكفينا أن نذكر شَيْئًا مُوجَزًا عن الصحابة والتابعين يتناول طريقة تعليمهم. ¬

_ (¬1) انظركتاب "العلم " لزهير بن حرب: ص 190. (¬2) " شرف أصحاب الحديث ": ص 89: آ، وانظر " المحدث الفاصل " نسخة دمشق: ص 15 جـ 1. (¬3) " شرف أصحاب الحديث ": ص 102: ب. (¬4) " شرف أصحاب الحديث ": ص 103: ب، واشتهر عن عروة بن الزبير أنه كان يتألف الناس على حديثه، انظر " كتاب العلم " لابن حرب: ص 187. (¬5) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 345 جـ 5. (¬6) انظر " العقد الفريد ": ص 78 جـ 2.

وأول ما يسترعي انتباهنا في هذا خطوط كبرى تعتبر من الأسس الهامة في التربية الحديثة، من هذه الأسس: 1 - مُرَاعَاةُ أَحْوَالِ المُحَدِّثِينَ: ---------------------------- فقد لاحظ الصحابة والتابعون أحوال طلابهم ملاحظة دقيقة، فكانوا لا يحدثونهم إلا بما يناسب مداركهم، ويشرحون الأحاديث، ويبينون مناسبتها حتى يدرك الطلاب ما يرويه شيوخهم، يُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحَدِّثُ بِالحَدِيثِ فَيَسْمَعُهُ مَنْ لاَ يَبْلُغُ عَقْلَهُ فَهْمُ ذَلِكَ الحَدِيثِ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِتْنَةً» (¬1) وفي رواية عنه: «مَا أَنْتَ مُحَدِّثٌ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إِلاَّ كَانَ فِتْنَةً لِبَعْضِهِمْ» (¬2). وعن حماد بن زيد قال: قَالَ أَيُّوبُ: «لاَ تُحْدِثُوا النَّاسَ بِمَا لاَ يَعْلَمُونَ فَتَضُرُّوهُمْ» (¬3). 2 - الحَدِيثُ لِمَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ: ---------------------------- وكما حرص الصحابة والتابعون على مراعاة أحوال الرواة، حرصوا على نشر الحديث بين أهله وطلابه، ورفعه عن السفهاء وأهل الغايات والأهواء، فكانوا يحاولون جهدهم ألا يحضر مجالسهم إلا طلاب العلم، وفي هذا كان يقول الزُّهْرِيِّ: « ... وَهُجْنَتُهُ (أي الحديث) نَشْرُهُ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ» (¬4)، وَ «كَانَ الأَعْمَشُ ¬

_ (¬1) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 129: ب. (¬2) " تذكرة الحفاظ ": ص 15 جـ 1. وَرُوِيَ نحو هذا عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، انظر " المحدث الفاصل ": ص 143: ب. (¬3) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 129: ب. (¬4) " المحدث الفاصل ": ص 141: آ. وَالهُجْنَةُ وَالتَّهْجِينُ الأَمْرُ [القَبِيحُ].

يَرَى أَنَّ إِضَاعَةَ الحَدِيثِ التَّحْدِيثُ بِهِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ» (¬1) وكثيرًا ما كان يَقُولُ: «لاَ تَنْثُرُوا اللُّؤْلُؤَ عَلَى أَظْلاَفِ الْخَنَازِيرِ» يَعْنِي الحَدِيثَ (¬2) أي لا تحدثوا الحديث لغير أهله. وَرَأَى الأَعْمَشُ شُعْبَةََ بْنَ الحَجَّاجِ يُحَدِّثُ قَوْمًا، فَقَالَ لَهُ: «وَيْحَكَ يَا شُعْبَةُ! تُعَلِّقُ الدُّرَّ فِي أَعْنَاقِ الخَنَازِيرِ (¬3)؟». قَالَ مُجَالِدٌ بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنِي الشَّعْبِيُّ بِحَدِيثِ ... فَرَوَيْتُهُ عَنْهُ، فَأَتَاهُ قَوْمٌ فَسَأَلُوهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا حَدَّثْتُ بِهَذَا الحَدِيثِ قَطُّ، فَأَتَوْنِي، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: أَوَ مَا حَدَّثْتَنِي؟ فَقَالَ: «أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثِ الحُكَمَاءِ، وَتُحَدِّثُ بِهِ السُّفَهَاءَ!؟» (¬4). وكان يقول: «إِنَّمَا كَانَ يَطْلُبُ هَذَا العِلْمَ مَنْ جَمَعَ النُّسُكَ وَالعَقْلَ، فَإِنْ كَانَ عَاقِلاً بِلاَ نُسُكٍ قِيلَ: هَذَا لاَ يَنَالُهُ، وَإِنْ كَانَ نَاسِكًا بِلاَ عَقْلٍ قِيلَ: هَذَا أَمْرٌ لاَ يَنَالُهُ إِلاَّ العُقَلاَءُ» (¬5). وأختتم هذه الفقرة بذكر شيء من أساليب الحيطة، التي كان يفعلها زائدة بن قدامة (¬6) مع من يأتيه طالبًا للحديث، حِرْصًا منه على صيانة السُنَّةِ المُطَهَّرَةِ وحفظها. رَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ المُهَلَّبِ الأَزْدِيُّ، قَالَ: «كَانَ زَائِدَةُ لاَ يُحَدِّثُ أَحَدًا حَتَّى يَمْتَحِنَهُ، فَإِنْ كَانَ غَرِيبًا، قَالَ لَهُ: مَنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ البَلَدِ قَالَ: أَيْنَ مُصَلاَّكَ؟ وَيَسْأَلُ كَمَا يَسْأَلُ القَاضِي عَنِ البَيِّنَةِ، فَإِذَا قَالَ لَهُ سَأَلَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ قَالَ: لاَ تَعُودَنَّ إِلَى هَذَا المَجْلِسِ، ¬

_ (¬1) " المحدث الفاصل ": ص 141: آ. (¬2) " المحدث الفاصل ": ص 141: آ. (¬3) " المحدث الفاصل ": ص 142: آ. (¬4) " المحدث الفاصل ": ص 141: ب، ولعل الشعبي أنكر ذلك لأنه خشي من القوم السفهاء أن يتخذوا ما حَدَّثَ به ذريعة إلى أهوائهم. (¬5) " تذكرة الحفاظ ": ص 77 جـ 1. (¬6) انظر ترجمته في " تذكرة الحفاظ ": ص 194 جـ 1، وهو إمام حُجَّةٌ تُوُفِّيَ سَنَةَ 161 هـ.

، فَإِنْ بَلَغَهُ عَنْهُ خَيْرًا أَدْنَاهُ وَحَدَّثَهُ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا الصَّلْتِ، لِمَ تَفْعَلْ هَذَا؟ قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ العِلْمُ عِنْدَهُمْ، فَيَصِيرُوا أَئِمَّةً يُحْتَاجُ إِلَيْهِمْ، فَيُبَدِّلُوا كَيْفَ شَاءُوا» (¬1). قد يُظَنُّ أن في تَشَدُّدِ زائدة مَنْعًا للعلم ونشره، وأن طريقته هذه تتنافى مع رسالة المعلمين المرشدين الهادين، والحقيقة أن منهجه هذا كان من وسائل المحافظة على السُنَّةِ، كما كان حائلاً دون أهل البدع والأهواء من أن يستغلوا الحديث الشريف، أو يُحَرِّفُوهُ تَبَعًا لأهوائهم. 3 - طَلَبُ الحَدِيثِ بَعْدَ القُرْآنِ الكَرِيمِ: ----------------------------------- من البدهي أن يهتم المسلمون بكتاب الله تعالى وحفظه ودراسته وتلاوته، وفهمه وتفسيره. وقد أجمع المُحَدِّثُونَ على أنه لا ينبغي أن يطلب المرء الحديث إلا بعد قراءته القرآن وحفظه كله أو أكثره، ثم يبدأ سماع الحديث وكتابته عن الشيوخ، وكان كثير من المُحَدِّثِينَ لا يقبلون الطلاب في حلقاتهم إلا إذا وثقوا من دراستهم القرآن الكريم وحفظ بعضه على الأقل، وفي هذا قَالَ حَفْصُ بْنَ غِيَاثٍ: «أَتَيْتُ الأَعْمَشَ فَقُلْتُ: " حَدِّثْنِي "، قَالَ: " أَتَحْفَظُ القُرْآنَ؟ " قُلْتُ: " لاَ "، قَالَ: " اذْهَبْ فَاحْفَظِ القُرْآنَ، ثُمَّ هَلُمَّ أُحَدِّثُكَ " قَالَ: " فَذَهَبْتُ فَحَفِظْتُ القُرْآنَ، ثُمَّ جِئْتُهُ فَاسْتَقْرَأَنِي، فَقَرَأْتُهُ، فَحَدَّثَنِي "» (¬2). 4 - عَدَمُ تَتَبُّعِ المُنْكَرِ مِنَ الحَدِيثِ: --------------------------------- خشي الصحابة والتابعون من بث بعض الأحاديث الواهية والضعيفة، ¬

_ (¬1) " المحدث الفاصل ": ص 142: ب. (¬2) " المحدث الفاصل ": نسخة دمشق: ص 19 جـ 1.

فنهوا عن روايتها وطلبوا التثبت في الرواية كما سبق أن ذكرنا، وحثوا على رواية الأحاديث المعروفة ونشرها بين طلاب العلم وخاصة الجدد منهم. وفي هذا يُرْوَى عن أمير المؤمنين عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ: «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ وَدَعُوا مَا يُنْكِرُونَ!! أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» (¬1). قال الإمام الذهبي: «فَقَدْ زَجَرَ الإِمَامُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ رِوَايَةِ المُنْكَرِ، وَحَثَّ عَلَى التَّحْدِيثِ بِالمَشْهُورِ، وَأَصْلُ هَذَا كَبِيرٌ فِي الكَفِّ عَنْ بَثِّ الأَشْيَاءِ الوَاهِيَةِ، وَالمُنكِرةِ مِنَ الأَحَادِيثِ فِي الفَضَائِلِ وَالعَقَائِدِ، وَالرَّقَائِقِ، وَلاَ سَبِيِلَ إِلَى مَعْرِفَةِ هَذَا مِنْ هَذَا إِلاَّ بِالإِمْعَانِ فِي مَعْرِفَةِ الرِّجَالِ» (¬2). وأما الأحاديث المنكرة والشاذة وطرقها، والأحاديث الموضوعة، فقد كان يحفظها الشيوخ حتى إذا ذكر لهم حديث منها بَيَّنُوهُ، وكانوا يَرْوُونَ منها لطلابهم بعد بيان عِلَلِهَا، وبعد أن يقطع الطلاب مرحلة جيدة في دراساتهم. وسنبين هذا عندما نتكلم عن الحديث الموضوع. 5 - التَّنْوِيعُ وَالتَّغْيِيرُ دَفْعًا لِلْمَلَلِ: -------------------------------- عرف الصحابة والتابعون ما يجدد نشاط طلابهم، فعملوا به، وأفادوا منه لتحقق الغاية من دروسهم وحلقاتهم، فكانوا بتناولون دراسة الأحاديث المختلفة حِينًا، ويتكلمون في الرجال أحيانًا، وينتقلون إلى سيرة الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تارة، ويذكرون أسباب ورود الحديث ومناسبته تارة أخرى. ¬

_ (¬1) " تذكرة الحفاظ ": ص 12، 13 جـ 1، و" فتح الباري ": ص 235 جـ 1. (¬2) " تذكرة الحفاظ ": ص 12، 13 جـ 1.

فكانت دراسة الحديث شيقة، تجذب الطالب إليها لتعدد موضوعاتها وتناولها كَثِيرًا من الأمور التي تتعلق بدينه ودنياه. ومع هذا كان شيوخ الحلقات يخشون إدخال السآمة إلى نفوس تلاميذهم، فكانوا يتخولونهم بالموعظة كما كان يفعل رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكما فعل الصحابة من بعده (¬1) وكانت السيدة عائشة توصي التابعين بهذا، فَقَدْ قَالَتْ لِعُبَيْدٍ بْنِ عُمَيْرٍ: «إِيَّاكَ وَإِمْلاَلَ النَّاسِ وَتَقْنِيطَهُمْ» (¬2). ولهذا كانوا لا يطيلون المجلس حتى لا تضيع الفائدة عليهم، وفي هذا يقول الإِمَامُ الزُّهْرِيُّ: «إِذَا طَالَ المَجْلِسُ كَانَ لِلشَّيْطَانِ فِيهِ نَصِيبٌ» (¬3) وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: - إِذَا فَاضَ مَنْ عِنْدَهُ بِالحَدِيثِ بَعْدَ القُرْآنِ وَالتَّفْسِيرِ -: «أَحْمِضُوا [بِنَا]». أَيْ: خُوضُوا فِي الشِّعْرِ وَ [الأَخْبَارِ] وغيره ... ، وعن أبي الدرداء - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أنه قال: «إِنِّي لأَسْتَجِمُّ قَلْبِي بِالشَّيْءٍ مِنَ اللَّهْوِ، لأَقْوَى بِهِ عَلَى الحَقِّ» (¬4). وقد كان الصحابة أحيانًا يتناولون في مجالسهم بعض الشعر وأيام الجاهلية ليسروا عن أنفسهم، فيبدلوا الموضوع ليستعيدوا نشاطهم، فَعَنْ أَبِي خَالِدٍ [الوَالِبِيِّ] قَالَ: «كُنَّا نُجَالِسُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَتَنَاشَدُونَ الأَشْعَارَ وَيَتَذَاكَرُونَ أَيَّامَهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ» (¬5)، وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يُحَدِّثُ ثُمَّ يَقُولُ: ¬

_ (¬1) انظر هذا عن عبد الله بن مسعود في " مسند الإمام أحمد ": ص 202 حديث 3581 جـ 5، و " جامع بيان العلم وفضله ": ص 105 جـ 1. (¬2) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 136: آ. (¬3) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 136: آ. (¬4) " الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ": ص 41، واللهو المقصود هنا اللهو المشروع مِمَّا يُرَوِّحُ القلب ويجدد النشاط. (¬5) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 105 جـ 1.

«هَاتُوا مِنْ أَشْعَارِكُمْ، هَاتُوا مِنْ أَحَادِيثِكُمْ، فَإِنَّ الأُذُنَ مَجَّاجَةٌ، وَالنَّفَسَ حَمْضَةٌ» (¬1). وكان يقول: «رَوِّحُوا الْقُلُوبَ سَاعَةً وَسَاعَةً» (¬2). 6 - اِحْتِرَامُ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَوْقِيرُهُ: ------------------------------------------------------------ ذكرت تمسك الصحابة والتابعين بالسنة، وتقديمها على كل شيء بعد القرآن، فقد كانوا لا يقبلون رَأْيًا مَعَ السُنَّةِ مهما يكن شأنه، ومهما تكن منزلة صاحبه، وكما تمسكوا بالسنة احترموا مجالس الحديث، ووقروا حفاظه، وتأدب الناس مع حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُيُوخًا وَطُلاَّبًا. عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ضِرَارِ بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: «كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُحْدِثُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ (¬3)»، قَالَ إِسْحَاقُ: «[فَرَأَيْتُ] الأَعْمَشَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَحَدَّثَ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ تَيَمَّمْ (¬4)». وَقَالَ قَتَادَةُ «لَقَدْ كَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ تُقْرَأَ الأَحَادِيثُ الَّتِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ عَلَى طُهُورٍ»، وفي رواية: «إِلاَّ عَلَى وُضُوءٍ (¬5)». وروي هذا عن كثير من العلماء. ويذكر سعيد بن المسيب - وهو على فراش المرض - حديثًا عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيقول: «أَجْلِسُونِي، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُحَدِّثَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُضْطَجِعٌ» (¬6). ¬

_ (¬1) " جامع بيان العلم ": ص 104 جـ 1. مَجَّ الشَّرَابَ مِنْ فِيهِ: رَمَى بِهِ، وَمَجَّ الحَدِيثَ طَرَحَهُ وَمَلَّ مِنْهُ. وَالحِمْضَةُ: الشَّهْوَةُ لِلْشَّيْءِ، وَحَمَضَتِ الإِبِلُ عَنْ الحِمْضِ: كَرِهَتْهُ وَبِهِ اشْتَهَتْهُ. انظر " القاموس المحيط ". (¬2) " جامع بيان العلم ": ص 105 جـ 1. (¬3) " جامع بيان العلم ": ص 198 جـ 2. و" المحدث الفاصل ": ص 147: آ. (¬4) " جامع بيان العلم ": ص 199 جـ 2. (¬5) " جامع بيان العلم ": ص 199 جـ 2. (¬6) " جامع بيان العلم ": ص 199 جـ 2.

قال الرامهرمزي: كان أكثرهم يتطهرون عندما يتصدرون للتحديث فيلبس العالم أحسن ثيابه، ويتوضأ وضوءه للصلاة، ومن ذلك قول أَبِي الْعَالِيَةِ: «إِذَا حَدَّثْتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا فَازْدَهِرْ»، وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ يُحَدِّثَ، تَوَضَّأَ وَضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، وَلَبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، وَلَبِسَ قَلَنْسُوَةَ، وَمَشَطَ لِحْيَتَهُ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: «أُوَقِّرُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (¬1). وكان مالك يحدث أحيانًا أبناء كل قطر حتى لا يزداد الازدحام في داره، فكان مناد على بابه ينادي: «لِيَدْخُلَ أَهْلُ الْحِجَازِ»، فلا يدخل غيرهم، ثم يخرج فينادي: «لِيَدْخُلْ أَهْلُ الشَّامِ» (¬2) ... يفعل هذا حتى لا يكثر الطلاب، فيكثر السؤال، وتفوت الفائدة جل الحاضرين. وهناك آداب كثيرة، وأصول متبعة للسؤال والقراءة والعرض على المحدث والجلوس بين يديه، وحضور حلقات العلم، تكفلت بذكرها كتب خاصة (¬3)، وأفردت لها أبواب في أكثر كتب مصطلح الحديث وعلومه. 7 - مُذَاكَرَةُ الحَدِيثِ: -------------------- لم يكن طلاب العلم يكتفون بحضور مجلس الحديث ثم ينصرفون إلى أعمالهم حتى يحين المجلس القادم، من غير أن يذاكروا ما يسمعونه. ولم يكن حضور حلقات العلم للتسلية وشغل أوقات الفراغ .. ، متى شاء الطالب حضر ومتى أحب ¬

_ (¬1) انظر " المحدث الفاصل ": ص 146: ب. (¬2) انظر المرجع السابق: ص 147: أ. (¬3) فقد الف الخطيب كتابًا كبيرًا في هذا سماه " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " تعرض فيه لجميع ما يتعلق بطلاب الحديث وأساتذتهم ودروسهم ومذاكرتهم ... الخ، ولا يزال هذا المؤلف مخطوطًا، ومنه نسخة كاملة في دار الكتب في الإسكندرية، صورت عنها نسخة ونقلت إلى دار الكتب المصرية في «196» لوحة، كل لوحة فوتوغرافية صفحتان من النسخة الأصلية، وقد باشرت تحقيقه مع بعض إخواني، أرجو أن نوفق لنشره فينتفع المسلمون به (*). ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) طبع الكتاب " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " للخطيب البغدادي، تحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب، الطبعة الثالثة: 1416 هـ - 1996 م، 2 مج، 10 ج، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان.

انصرف منها، كلا، بل كان الطلاب يحضرون في أوقات معينة يخصصها لهم أستاذهم بعد صلاة الفجر مثلاً حتى الضحى، أو بين الظهر والعصر، فيتسابق الطلاب إلى الحلقة قبل انعقادها، ليتخذوا أماكنهم (¬1)، حتى إذا حضر الأستاذ كان جميع الطلاب على استعداد لتلقي الحديث عنه. وقد يتغيب عن الحلقة طالب، فيسأل عنه الشيخ ويعرف سبب غيابه، وقد يكلف بعض إخوانه السؤال عنه، فالحلقات في العصور الماضية كانت كالفصول النظامية في مدارسنا الحديثة. لهذا كان أصحاب الحديث يحرصون على حضور مجالسه، ويحفظون ما يسمعونه، ويذاكرونه. وقد كان الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - يفعلون هذا في عهد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فعن أنس بن مالك قال: «كُنَّا نَكُونُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَسْمَعُ مِنْهُ الحَدِيثَ فَإِذَا قُمْنَا تَذَاكَرْنَاهُ فِيمَا بَيْنَنَا حَتَّى نَحْفَظُهُ» (¬2). وكان التابعون وأتباعهم يذاكرون حديث رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - جماعات وأفرادًا، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَمَّانِ (¬3) قَالَ: «حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمًا بِحَدِيثٍ فَلَمْ نَحْفَظْهُ، فَتَذَاكَرْنَاهُ بَيْنَنَا حَتَّى حَفِظْنَاهُ» (¬4). وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «كُنَّا نَكُونُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَيُحَدِّثُنَا، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ تَذَاكَرْنَا حَدِيثَهُ» (¬5) .. ، وَعَنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ، قَالَ: «رَأَيْتُ أَبَا يَحْيَى الأَعْرَجَ - وَكَانَ عَالِمًا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - اجْتَمَعَ هُوَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ، ¬

_ (¬1) انظر انعقاد المجالس في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ". حيث بسط القول في هذا. (¬2) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 46: ب. (¬3) لم يذكر الحاكم لقبه وهو من أصحاب أبي هريرة وقد سمع من ابن عباس وهو ذكوان المدني. انظر " تهذيب التهذيب ": ص 132 جـ 12. (¬4) " معرفة علوم الحديث ": ص 141. (¬5) كتاب "العلم " لزهير بن حرب: ص 190: آ.

فَتَذَاكَرَا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ» (¬1). وقال مرة عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: «إِحْيَاءُ الْحَدِيثِ مُذَاكَرَتُهُ»، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: «يَرْحَمُكَ اللَّهُ، كَمْ مِنْ حَدِيثٍ قَدْ أَحْيَيْتَهُ مِنْ صَدْرِي قَدْ كَانَ مَاتَ» (¬2). وقد تطول مجالس المذاكرة من أول الليل حتى نداء الفجر (¬3)، وكان من طلاب العلم من ينتظر انصرام الليل ليلقى إخوانه فيذاكرهم، وكان إِبْرَاهِيمُ النَّخعِي يَقُولُ: «إِنَّهُ لَيَطُولُ عَلَيَّ اللَّيْلُ حَتَّى أَلْقَى أَصْحَابِي فَأُذَاكِرُهُمْ» (¬4). ومما يروى عن شعبة بن الحجاج أنه خَرَجَ مِنْ عِنْدِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ، وَقَدْ عَقَدَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا فَكَلَّمَهُ بَعْضُ إِخْوَانِهِ، فَقَالَ: «لاَ تُكَلِّمْنِي فَإِنِّي قَدْ حَفِظْتُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَشَرَةَ أَحَادِيثَ أَخَافُ أَنْ أَنْسَاهَا» (¬5). هكذا كان يذاكر أصحاب الحديث حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حتى يثبت في صدورهم ولا ينسوه. وكان بعضهم يتخذ التحديث بما سمع وسيلة إلى حفظه، فإذا لم يجد من يحدثه حدث خادمه أو بنيه، وفي هذا يروى عَنْ الإِمَامِ الزُّهْرِيِّ كَانَ يَبْتَغِي الْعِلْمَ مِنْ عُرْوَةَ وَغَيْرِهِ، فَيَأْتِي جَارِيَةً لَهُ نَائِمَةً فَيُوقِظُهَا فَيَقُولُ لَهَا «حَدَّثَنِي فُلاَنٌ بِكَذَا، وَفُلاَنٌ بِكَذَا»، فَتَقُولُ لَهُ: «مَا لِي وَلِهَذَا؟» فَيَقُولُ: «قَدْ عَلِمتُ أَنَّكِ لاَ تَنْتَفِعِينَ بِهِ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ الآنَ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَسْتَذكِرَهُ» (¬6)، ولا يجد إسماعيل بن رجاء من يذاكر الحديث معه فيجمع غلمان المكاتب ويحدثهم كيلا ينسى حديثه (¬7). ¬

_ (¬1) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 184: آ. (¬2) كتاب "العلم " لزهير بن حرب: ص 190: آ (¬3) انظر المرجع السابق: ص 191: ب. (¬4) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 182: ب. (¬5) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 47: آ. (¬6) " تاريخ الإسلام " للذهبي: ص 148 جـ 5. (¬7) انظر " المحدث الفاصل " نسخة دمشق: ص 15: ب، وانظر " عيون الأخبار ": ص134 جـ 2، و " تهذيب التهذيب ": ص 296 جـ 1.

وكثيرًا ما كانت تعقد مجالس المذاكرة وتقام المناظرات بين أصحاب الحديث لتعرف طرقه، ويكشف عن القوي والضعيف منها، وفي هذا يقول يَزِيدُ بْنِ هَارُونَ: «أَدْرَكْتُ النَّاسَ يَكْتُبُونَ عَنْ كُلٍّ - مِنَ المَشَايِخِ الأَقْوِيَاءِ وَالضُّعَفَاءِ -، فَإِذَا وَقَعَتِ الْمُنَاظَرَةُ حَصَّلُوا» (¬1). مما سبق يتبين لنا اهتمام الصحابة والتابعين وأتباعهم بالسنة المطهرة، وحرصهم على الحديث النبوي الشريف، فعرفنا كيف كانوا يحدثون طلابهم وكيف كانوا يعتنون بصغارهم، ويحرصون على تربيتهم التربية الصالحة، على هدى محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما عرفنا آدابهم في الحديث وطلبه، واحترامهم لعلمائهم، وحرص الطلاب على دراسة السنة وحفظها ومذاكرتها وتثبيتها في صدورهم والعمل بها، كل ذلك يعطينا صورة حية عن النشاط الحديثي في ذلك العصر، صورة مخطوطة عن الحركة العلمية القوية التي كانت في عصر الصحابة والتابعين، تلك الحركة التي كان لها الفضل العظيم في حفظ السُنَّةِ. وإن ما قدمناه لا يعدو الخطوط العريضة لتلك الحركة الواسعة، التي كانت في الصدر الأول وقد أغفلنا كثيرًا من التفصيلات التي تتعلق بسن السماع وطريقة الرواية والتلقي، وكيفية القراءة على المحدث، وكل ما يتعلق بدرجات تحمل الحديث وأدائه، مما تكفلت بشرحه كتب مصطلح الحديث وعلومه. وهكذا خرجنا من هذا البحث بخلاصة هامة، هي أن الحديث الشريف لقي عناية وحفظًا واهتمامًا عظيمًا من أبناء ذلك العصر، الذين تولوا نقله بأمانة وإخلاص إلى الجيل الذي تلاهم، ثم أدت الأجيال المتعاقبة هذه الأمانة حتى وصلت إلينا في أمهات الكتب الصحيحة. ¬

_ (¬1) " المحدث الفاصل ": ص 83: ب، و" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 167: آ.

المبحث الثاني: انتشار الحديث في عصر الصحابة والتابعين:

المَبْحَثُ الثَّانِي: اِنْتِشَارِ الحَدِيثِ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: انتقل رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الرفيق الأعلى، بعد أن عم الإسلام الجزيرة العربية كلها، وأصبحت هذه البلاد قلعة حصينة للإسلام، وقاعدة تنبعث منها أضواء الهداية في العالم، وقد عقد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل وفاته لواء جيش الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسامة لفتح الشام، ولكن المنية اخترمته قبل إنفاذه، وخلفه الصِدِّيقُ فوجه جيش الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى بلاد الشام، واتسعت الفتوحات الإسلامية، وامتدت الدولة الإسلامية حول الجزيرة العربية، ففتحت بلاد الشام كلها (فلسطين والأردن وسوريا ولبنان) والعراق جميعها في سَنَةِ سبع عشرة هجرية (¬1)، وفتحت مصر سَنَةَ عشرين من الهجرة (¬2)، ووصل المسلمون إلى ما وراء النهر في خلافة عثمان بعد أن فتحوا (فارس) سَنَةَ إحدى وعشرين، ووصلوا سمرقند سَنَةَ ست وخمسين (¬3)، وما لبثت الرايات الإسلامية أن خفقت في ربوع الأندلس غربًا سَنَةَ ثلاث وتسعين (¬4) وارتفعت بنود الإسلام وأعلامه على ذرا جبال البرانس (¬5) (*) سَنَةَ ست وتسعين، وعلى حدود الصين شَرْقًا سَنَةَ ست وتسعين أَيْضًا (¬6). كان في طليعة الجيوش الإسلامية صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ¬

_ (¬1) انظر " تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي " للدكتور حسن إبراهيم حسن: ص 299 جـ 1 وما بعدها. (¬2) انظر المرجع السابق: ص 236 جـ 1. (¬3) انظر المرجع السابق: ص 279 وما بعدها جـ 1. (¬4) انظر المرجع السابق: ص 313 جـ 1. (¬5) انظر المرجع السابق: ص 318 وما بعدها جـ 1. (¬6) انظر المرجع السابق: ص 305 جـ 1. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) جبال البرانس، البيريني أو البرينيو (بالفرنسية: Atlantiques Pyrénées) ( بالإسبانية: Pirineos) سلسلة جبلية تقع جنوب غرب أوروبا، بين فرنسا وإسبانيا وتمثل الحدود الطبيعية بينهما. تمتد لمسافة قدرها 430 كلم من خليج بسكاي بالمحيط الاطلسي في الغرب إلى البحر المتوسط في الشرق. أعلى نقطة بها تسمى "بيكو دي أنيتو" وتعلو بارتفاع 3406.2 م. تفصل الجبال شبه جزيرة أيبيريا عن فرنسا. تقع إمارة أندورا بين قمم السلسلة. كما تقع ستة أقسام فرنسية وست مقاطعات إسبانية في السلسلة. توجد بعض الممرات التي تتخلل الجبال، ونشأ الممر الموجود في رونسافالز في القرن 12. مساحتها 55374 كم2. من أشهر المدن الواقعة في السلسلة: بربينيان وبايون وأورتيز بفرنسا، وجيرونا وواسكا وبامبلونا وإيرون بإسبانيا. (نقلاً عن " موسوعة ويكيبيديا ").

وكانوا كلما دخلوا بَلَدًا فيه أقاموا فيه المساجد (¬1)، ومكث فيه بعض الصحابة والتابعين يدبرون أموره، وينشرون فيه الإسلام، ويعلمون أبناءه القرآن الكريم وَسُنَّةَ رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وكان الخلفاء يمدون البلاد الجديدة بالعلماء، وقد استوطن كثير من الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - تلك الأمصار، يرشدون أهلها، ويعلمون أبناءها، وقد دخل الناس في دين الله أفواجًا، والتفوا حول الرسول الكريم - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ينهلون من الينابيع التي أخذت عن الرسول الكريم - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - وتخرج في حلقاتهم التابعون الذين حملوا لواء العلم بعدهم، وحفظوا السنة الشريفة، وهكذا أصبحت في الأقاليم والأمصار الإسلامية مراكز علمية عظيمة، تشع منها أنوار الإسلام وعلومه، إلى جانب مراكز الإشعاع الأولى التي أمدت هذه الأقطار بالأساتذة الأول. ويجدر بنا أن نذكر لمحة موجزة عن مراكز التعليم هذه فيما يخص بحثنا، فنتناول أهم تلك المراكز العلمية والقائمين عليها في الأمصار الإسلامية: 1 - المَدِينَةُ المُنَوَّرَةُ: -------------------- هي دار الهجرة، وحاضرة الدولة الإسلامية، التي آوت الرسول الكريم بعد هجرته، ومعه الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ -، وشهدت الجانب التشريعي الأول في صدر الإسلام، وفي مساجدها التف المسلمون حول محمد - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، يتلقون القرآن العظيم، ويسمعون الحديث الشريف، وفيها شاهدوا قضاءه وقسمته للغنائم، واستنفاره للجيوش، وموادعته لخصومه، وإليها التجأ المسلمون المهاجرون بدينهم، تحت ضغط قريش والقبائل الأخرى في أطراف الجزيرة العربية، وتعلقت بها الأنظار، وعقدت عليها الآمال، حتى كان صلح الحديبية ¬

_ (¬1) انظر " الخطط " للمقريزي: ص 246 جـ 2.

ثم الفتح الأعظم، فأصبحت مركز الحجاز السياسي، وعاصمة الدولة الإسلامية إلى أوائل خلافة عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. وقد يخطر ببالنا أن المهاجرين عادوا إلى مكة بعد وفاته - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكن التاريخ يؤكد لنا أن الصحابة والخلفاء آثروا أن يجاوروا رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1)، ويقيموا حيث أقام. لذلك نرى في المدينة كبار الصحابة الذين رسخوا في العلم، وكانت لهم مكانة عظيمة في الحديث، ومن هؤلاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - وأبو هريرة وعائشة أم المؤمنين، وعبد الله بن عمر وأبو سعيد الخُدري، وزيد بن ثابت الذي اشتهر بفهم القرآن والحديث والفرائض خاصة، وكانت له مكانة رفيعة عند الخلفاء الراشدين حتى إنهم ما كانوا يقدمون عليه أَحَدًا في القضاء أو الفتوى والفرائض والقراءة (¬2). وقد تخرج في المدينة كبار التابعين، ومنهم سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وابن شهاب الزهري، وعبيد الله بن عتبة بن مسعود، وسالم بن عبد الله بن عمر، ومحمد بن المنكدر وغير هؤلاء ممن كانوا مرجع الأمة في السُنَّةِ والقضاء والفتوى. 2 - مَكَّةُ المُكَرَّمَةُ: ------------------ لما فتح رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة، خلف فيها مُعَاذًا يعلم ¬

_ (¬1) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 328 جـ 5، وفيه كان يكره المسلمون المهاجرون أن يعود أحدهم إلى مكة بعد أن فارق الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المدينة. (¬2) انظر " تاريخ دمشق ": ص 284 جـ 6، و" سير أعلام النبلاء ": ص 215 جـ 1 و" تذكرة الحفاظ ": ص 30 جـ 1.

أهلها الحلال والحرام، ويفقههم في الدين، ويقرئهم القرآن الكريم، وكان معاذ من أفضل شباب الأنصار عِلْمًا وَحِلْمًا وَسَخَاءً، شهد مع رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المشاهد كلها، وكان يُعَدُّ من أعلم الصحابة بالحلال والحرام. قال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه: «مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَرَامِ اللهِ وَحَلاَلِهِ» (¬1) وقال - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ، مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ» (¬2). وقد روى عنه عدد كبير من الصحابة، منهم عبد الله بن عباس، الذي كانت له الصدارة بعد أن عاد من البصرة إلى مكة المكرمة، كما كان في مكة عتاب بن أسيد الذي أَمَّرَهُ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للصلاة في أهلها (¬3)، وأخوه خالد بن أسيد، والحكم بن أبي العاص، وعثمان بن أبي طلحة وغيرهم (¬4). وقد تخرج في مكة على أيدي الصحابة مجاهد بن جبر، وعطاء بن أبي رباح، وطاوس بن كيسان، وعكرمة مولى ابن عباس، وغيرهم (¬5). ولا بد أن نذكر هنا علو منزلة مكة المكرمة، وأثرها في تبادل الثقافة ونشر الحديث النبوي في مواسم الحج، حيث يلتقي فيها المسلمون ويجتمع أكثرهم بصحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبالتابعين، يحملون معهم الكثير الطيب من حديثه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - إلى بلادهم، ولا تزال لمكة والمدينة هذه المكانة إلى يومنا هذا، وستبقى ما بقي الإسلام إلى يوم الدين. ¬

_ (¬1) " سير أعلام النبلاء ": ص 320 جـ 1. (¬2) " سير أعلام النبلاء ": ص 319 جـ 1. (¬3) المرجع السابق: ص 321 جـ 1. (¬4) انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 192. (¬5) انظر " فجر الإسلام ": ص 174.

3 - الكُوفَةَ: ------------ لقد نزل في الكوفة عدد كبير من أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي عهد عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، حين فتحت العراق للمسلمين، وأصبحت الكوفة والبصرة قاعدتي الفتح الإسلامي في خراسان وفارس والهند، فقد هبط الكوفة ثلاثمائة من أصحاب الشجرة، وسبعون من أهل بدر (¬1) من أشهرهم علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الله بن مسعود وغيرهم (¬2). وكان لعبد الله بن مسعود أثر كبير في رفع اسم الكوفة، لما بذله في سبيل تعليم أبنائها، وقد تخرج في هذه المدرسة كبار التابعين الذين حفظوا الشريعة وحافظوا على السنة المطهرة، فقد كان في الكوفة ستون شَيْخًا من أصحاب عبد الله بن مسعود، وكان في بني ثور الذين نزلوا الكوفة ثلاثون رجلاً، ما فيهم رجل دون الربيع بن خثيم (¬3) المشهور بعبادته وورعه وعلو مكانته في الحديث، وكان فيها كميل بن [زياد] النخعي، وعامر بن شراحيل الشعبي، وسعيد بن جبير الأسدي، وإبراهيم النخعي، وأبو إسحاق السبيعي، وعبد الملك بن عمير (¬4) وغيرهم. 4 - البَصْرَةُ: ------------- ونزل البصرة من الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - أنس بن مالك، وكان إمام البصرة في الحديث، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عباس الذي وَلَّى إمارتها لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، ونزل فيها غير هؤلاء ¬

_ (¬1) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 4 جـ 6. (¬2) انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 191. (¬3) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 4 جـ 6. (¬4) انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 243 - 248.

عتبة بن غزوان ن وعمران بن حصين، وأبو برزة الأسلمي، ومعقل بن يسار، وعبد الرحمن بن سمرة، وأبو زيد الأنصاري، وعبد الله بن الشِخِّيرْ، والحكم وعثمان ابنا أبي العاص وغيرهم (¬1). وأشهر من تخرج من مدرسة البصرة الحسن البصري الذي أدرك خمسمائة من الصحابة، ومحمد بن سيرين، وأيوب السختياني، وبهز بن حكيم القشيري، ويونس بن عبيد، وخالد بن مهران الحذاء، وعبد الله بن عون، وعاصم بن سليمان الأحول، وقتادة بن دعامة السدوسي، وهشام بن حسان (¬2) وغيرهم. وأما بغداد فلم تشتهر إلا منذ عهد المنصور العباسي. 5 - الشَّامُ: ----------- نزل الشام من الصحابة عدد كبير كانوا في جيش الفتح الإسلامي، وقد استوطن أكثرهم المدن الكبرى بادئ الأمر، ثم ما لبث سكان القرى أن تمسكوا ببعضهم عندما شعروا بالفائدة العلمية الكبرى التي حملها إليهم المسلمون، ومن الصعب حصر عدد الصحابة الذين حلوا في بلاد الشام، ولكن الوليد بن مسلم يقرب هذا لنا فيقول: «دَخَلَتْ الشَّامَ عَشْرَةُ آلاَفِ عَيْنٍ رَأَتْ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (¬3). وكان يزيد بن أبي سفيان قد كتب إلى عمر بن الخطاب ليعينه بالعلماء، ليفقهوا أهل الشام (¬4)، فأرسل إليه معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبا الدرداء - الذين توزعوا في بلاد الشام، فأقام عبادة ¬

_ (¬1) انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 192. (¬2) انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 248. (¬3) " التاريخ الكبير ": ص 169 جـ 1. (¬4) انظر " غوطة دمشق ": ص 131.

في حمص، وأبو الدرداء في دمشق، ومعاذ في فلسطين، ثم أرسل عمر بعد هؤلاء عبد الرحمن بن غنم (¬1). ونشطت الحركة العلمية في بلاد الشام وخاصة في دمشق أيام الأمويين، وما زال بها فقهاء ومحدثون ومقرئون (¬2)، وانتشر فيها العلماء حتى أضحت قرية داريا حاضرة العلم والأدب في غوطة دمشق، ويقول السمعاني: «إِنَّهُ كَانَ فِي دَارْيَا جماعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُحَدِّثِينَ قَدِيمًا وَحَديثًا، وَمِمَّنْ نَبَغَ فِيهَا مِنَ الصَّحَابَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدٍ الأَزْدِيَّ الدَّارَانِيَّ، وَيُعَدُّ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّامِ» (¬3). وقد نزل بلاد الشام غير الصحابة المذكورين أبو عبيدة بن الجراح، وبلال بن رباح وشرحبيل بن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياض بن غنم، والفضل بن العباس بن عبد المطلب - وهو مدفون بالأردن -، وعوف بن مالك الأشجعي، والعرباض بن سارية (¬4) وغيرهم. وتخرج على أيدي الصحابة في هذه المدرسة كبار علماء الشام من التابعين منهم سالم بن عبد الله المحاربي قاضي دمشق، وأبو إدريس الخولاني (عائذ بن عبد الله) الذي تولى القضاء بدمشق لمعاوية وابنه يزيد، ومنهم أبو سليمان الداراني، قاضي دمشق لعمر بن عبد العزيز، وليزيد وهشام ابني عبد الملك، قضى لهم ثلاثين سَنَةً، ومنهم عُمير بن هانئ العنسي الداراني المُحَدِّثُ (¬5). ¬

_ (¬1) انظر " فجر الإسلام ": ص 188، 189. (¬2) انظر " الإعلام بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ": ص 138. (¬3) انظر " غوطة دمشق ": ص 134. (¬4) انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 193. (¬5) انظر " غوطة دمشق ": ص 134، 135. وانظر " تاريخ داريا " للقاضي عبد الجبار الخولاني: ص 29 - 72.

وتخرج في هذه المدرسة عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، الذي يقرن بمالك وأبي حنيفة ويلقب بإمام أهل الشام، ومكحول الدمشقي، وعمر بن عبد العزيز، ورجاء بن حيوة (¬1)، وبحير بن سعد الكلاعي، وثور بن يزيد الكلاعي، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر (¬2) وغيرهم. 6 - مِصْرُ: ----------- دخل المسلمون مصر في عهد عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وكان معه من الصحابة عدد كبير منهم الزبير بن العوام، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد، والمقداد بن الأسود، كانوا على رأس المدد الذي أرسله عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص (¬3)، كما كان معه عبد الله بن عمرو: أحد الصحابة المكثرين عن رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - والذي كان يُدَوِّنُ الحديث بين يدي رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد مكث بمصر إلى ما بعد وفاة والده، وعنه روى كثير من مُحَدِّثِيهَا. ونزل مصر من الصحابة عقبة بن عامر الجهني، وخارجة بن حذافة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وَمَحْمِيَّةُ بْنُ جَزْءٍ، وعبد الله بن الحارث بن جزء، وأبو بصرة الغفاري، وأبوسعد الخير، ومعاذ بن أنس الجهني، ومعاوية بن حُديج، وزياد بن الحارث الصدائي وغيرهم (¬4). وتخرج على أيدي هؤلاء في هذه المدرسة، يزيد بن أبي حبيب مُحَدِّثُ ¬

_ (¬1) انظر " فجر الإسلام ": ص 189. (¬2) انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 242. (¬3) انظر " تاريخ الإسلام السياسي ": ص 236 جـ 1. (¬4) انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 193، وانظر " فتوح مصر " لابن عبد الحكم: ص 248 - 319، وانظر " حسن المحاضرة ": ص 72 وما بعدها جـ 1.

الديار المصرية، وعمر بن الحارث، وخير بن نعيم الحضرمي، وعبد الله بن سليمان الطويل، وعبد الرحمن بن شريح الغافقي، وحيوة بن شريح التجيبي، وغيرهم، وقد كان ليزيد بن أبي حبيب أثر بعيد في نشر الحديث في مصر، فقد تتلمذ عليه الليث بن سعد، وعبد الله بن لهيعة (¬1) اللذان تتلمذ عليهما خلق كثير، وكانا في عصرهما مُحَدِّثِي الديار المصرية. 7 - المَغْرِبُ وَالأَنْدَلُسَ: ---------------------- كان عمرو بن العاص قد وصل إلى برقة وطرابلس سَنَةَ (21 هـ) في عهد عمر بن الخطاب، فاستأذن عمرو الخليفة بفتح إفريقية فلم يأذن له، فاستجاب لأمر أمير المؤمنين وعاد إلى مصر، فكان عمرو وأصحابه أول المسلمين الذين دخلوا أطراف المغرب، وعندما تولى عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - الخلافة أذن لأمير مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح بغزو إفريقية، وكان ذلك سَنَةَ (25 هـ) ثم أمده بجيش من المدينة فيه جماعة من الصحابة، منهم عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن جعفر، والحسن والحسين، وعبد الله بن الزبير، ولقيهم عقبة بن نافع ببرقة، فتابعوا فتح البلاد (¬2)، ثم خرج لفتح المغرب مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ سَنَةَ (34 هـ) وكان في غزاته هذه جماعة من المهاجرين والأنصار (¬3)، وقال سليمان بن يسار: «غَزَوْنَا إِفْرِيقِيَّةَ مَعَ ابْنِ حُدَيْجٍ وَمَعَنَا مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ بَشَرٌ كَثِيرٌ» (¬4). ثم ولي عقبة بن نافع المغرب، وكان في جيشه كثير من الصحابة والتابعين وهو الذي فتح المغرب الأقصى ووطد أركان الإسلام في شمال إفريقية (¬5). ¬

_ (¬1) انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 241. (¬2) انظر " الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ": ص 67 - 70 جـ 1. (¬3) " فتوح مصر وأخبارها " لابن عبد الحكم: ص 193. (¬4) " فتوح مصر وأخبارها " لابن عبد الحكم: ص 193. (¬5) انظر " فتوح مصر وأخبارها ": ص 193 وما بعدها، و " الاستقصا ": ص 69، 70 جـ 1.

وقد نزل إفريقية من الصحابة غير الذين ذكرناهم مسعود بن الأسود البلوي أحد الصحابة الذين بايعوا الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحت الشجرة، والمسور بن مخرمة، والمقداد بن الأسود الكِنْدِي أحد الصحابة السابقين (¬1)، وبلال بن الحارث بن عاصم المُزَنِيِّ صاحب لواء مزينة يوم الفتح، وجبلة بن عمرو بن ثعلبة أخو أبي مسعود البدري، كان فاضلاً من فقهاء الصحابة، وسلمة بن الأكوع الصحابي المشهور وغيرهم كثير (¬2). ودخل إفريقية من التابعين خلق كثير منهم السائب بن عامر بن هشام ومعبد أخو عبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن الأسود، وعاصم بن عمر بن الخطاب، وعبد الملك بن مروان، وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وسليمان بن يسار فقيه المدينة، وعكرمة مولى ابن عباس (¬3)، وأبو منصور والد يزيد بن منصور من كبار التابعين، كما أرسل عمر بن عبد العزيز عشرة من التابعين يفقهون أهل إفريقية منهم: حبان بن أبي جبلة، وإسماعيل بن عبيد الله الأعور، وإسماعيل بن عبيد (¬4)، وعبد الرحمن بن رافع التنوخي الذي ولي قضاء إفريقية، وسعيد بن مسعود التجيبي وغيرهم (¬5) ممن ساهموا في نشر الإسلام وتعليم أبناء البلاد وتفقيههم. ¬

_ (¬1) انظر " الاستقصا ": ص 75 - 80 جـ 1. (¬2) انظر " فتوح مصر وأخبارها ": ص 248 - 319. و" طبقات علماء إفريقية ": ص 16، 17. (¬3) لم يدخل عكرمة غازيًا، وكان له مجلس في مؤخر مسجد الجامع في غربي المنارة، الموضع الذي يسمى بِالرَّكِيبِيَّةِ. انظر " طبقات علماء إفريقية ": ص 19. (¬4) هو صاحب سوق مسجد إسماعيل والأحباس، وهو الذي يقال له تاجر الله. أنظر " طبقات علماء إفريقية ": ص 20. (¬5) انظر " طبقات علماء إفريقية ": ص 19 - 21.

وقد تخرج على أيدي هؤلاء من أهل إفريقية خلق كثير منهم: زياد بن أنعم المعافري، وعبد الرحمن بن زياد، ويزيد بن أبي منصور، والمغيرة بن أبي بردة، ورفاعة بن رافع، وعمرو بن راشد بن مسلم الكناني، وعمران بن عبد المعافري، والمغيرة بن سلمة، ومسلم بن يسار الإفريقي، وغيرهم ممن حمل لواء العلم (¬1). وما لبثت مدينة القيروان أن أضحت محط أنظار أهل المغرب فكان فيها سحنون بن سعيد، وسعيد بن محمد الحداد (¬2). كما لمعت قرطبة وإشبيلية وغرناطة وبلنسية، من بلدان الأندلس في مطلع القرن الثالث الهجري بيحيى بن يحيى وابن حبيب، وببقي بن مخلد وغيرهم (¬3). 8 - اليَمَنُ: ------------ كان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد وجه معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن، كما نزل غيرهما من الصحابة فيها، وتخرج في اليمن علماء من ألمع التابعين، منهم همام ووهب بنا منبه، وطاوس وابنه، ثم معمر بن راشد، ثم عبد الرزاق بن همام وأصحابه (¬4). 9 - خُرَاسَانُ: ------------- نزل خراسان من الصحابة وتوفي بها بُرَيْدَةُ بن الحصيب الأسلمي وهو مدفون بمرو، وأبو برزة الأسلمي، والحكم بن عمرو الغفاري، وعبد الله بن ¬

_ (¬1) انظر " طبقات علماء إفريقية ": ص 21 - 24. (¬2) انظر " إعلام الموقعين ": ص 27 جـ 1. (¬3) انظر " الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ": ص 140، وانظر " إعلام الموقعين ": ص 27 جـ 1. (¬4) انظر " الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ": ص 139، 140.

حازم الأسلمي المدفون بنيسابور، وقثم بن العباس المدفون بسمرقند (¬1)، وفي هذه البلاد ظهر كبار المحدثين. في (بخارى) كان عيسى بن موسى غنجار، وأحمد بن حفص الفقيه، ومحمد بن سلام البيكندي، وعبد الله بن محمد السندي، ثم أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. وفي (سمرقند) أبو عبد الله بن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ثم محمد بن نصر المروزي. كما ظهر في [الشاش] فيما بعد الحسن بن الحاجب والهيثم بن كليب. وفي (فرياب) تخرج جماعة من العلماء أقدمهم محمد بن يوسف الفريابي صاحب الثوري، ثم القاضي جعفر بن محمد الفريابي صاحب التصانيف المُتَوَفَّى سَنَةَ (226 هـ) (¬2). من كل ما تقدم يتبين لنا أن المسلمين عندما ساروا إلى البلاد المجاورة، لم يسيروا وراء دنيا يصيبونها، ولا خلف تجارة يربحون منها، وإنما انطلقوا ليحرروا الأمم من الظلم والطغيان، وينشروا بين أبناء البلاد الجديدة تعاليم الإسلام، ويأخذوا بأيديهم إلى جادة الصواب، ويفتحوا عيونهم على نور الهداية والحق. وبهذا، تتميز الفتوحات الإسلامية عن جميع الفتوحات التي عرفها التاريخ، إلى جانب ميزات كثيرة يضيق المقام بذكرها، ومن أجل تحقيق تلك الغاية المذكورة، استقر علماء الصحابة في الأقطار المختلفة، وأمد الخلفاء الأمصار ¬

_ (¬1) انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 194. (¬2) انظر " الإعلان بالتوبيخ لم ذم التاريخ: ص 143.

بالعلماء ليسرعوا في حركة التحرير والهداية والتعليم، وقد التف المسلمون الجدد حول من عندهم من الصحابة. وكان الصحابة يتفاوتون في العلم، ولم يكن عند كل واحد منهم جميع ما قاله الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشرعه، ولهذا بدأت الرحلات العلمية في سبيل جمع الحديث وتلقيه، وقد ظهرت هذه أَيْضًا بين الصحابة، وكثرت الرحلات من التابعين وأتباعهم ليسمعوا ما فاتهم، أو ليتأكدوا مما سمعوا، ولهذا نرى كثيرًا من التابعين يقصدون الصحابة في أقاصي البلاد يسافرون الليالي والأيام في طلب حديث أو حديثين كما سيظهر لنا بعد قليل. وقد رأينا بروز بعض الصحابة ولمعانهم في الأقطار المختلفة، فانطبع تلامذتهم بطابعهم وساروا على نهجهم، ثم حلوا محلهم وحملوا لواء العلم ونشره. ***

المبحث الثالث: الرحلة في طلب الحديث:

المَبْحَثُ الثَّالِثُ: الرِّحْلَةُ فِي طَلَبِ الحَدِيثِ: كانت الرحلة في طلب الحديث قائمة في عهده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان بعض من يسمع بالرسالة الجديدة، يسافر إلى الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - ليسمع القرآن الكريم، ويتفهم تعاليم الإسلام، ثم ينصرف إلى قومه بعد أن يعلن إسلامه كما فعل ضمام بن ثعلبة. فالرحلة في عهد الرسول كانت عامة من أجل معرفة تعاليم الدين الجديد. وأما في عهد الصحابة والتابعين وأتباعهم فقد تمت رحلات كثيرة من العلماء في طلب الحديث خاصة، وكثيرًا ما كانوا يقطعون المسافات الطويلة لسماع حديث أو التأكد من حديث وضبطه، أو للالتقاء بصحابي وملازمته، للأخذ عنه، لأن الصحابة في عهد التابعين توزعوا في البلدان ونقلوا في صدورهم الحديث النبوي، فكان لا بد لمن أراد أن يجمع حديث محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أن ينتقل من بلد إلى آخر، وراء الصحابة الذين سمعوا منه ورأوه وأخذوا الأحكام عنه، ثم رحل أتباع التابعين إلى التابعين، ولازموهم وأخذوا عنهم، حتى تم جمع الحديث في مراجعه الكبرى، ومع هذا لم تنقطع رحلة العلماء في سبيل المذاكرة والعرض على الشيوخ المشهورين. ومما يروى في رحلة الصحابة ما حَدَّثَ به عَطَاءُ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يَقُولُ: "خَرَجَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ إِلَى عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، يَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيثٍ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُهُ، وَغَيْرُ عُقْبَةَ، فَلَمَّا قَدِمَ إِلَى مَنْزِلِ مُسْلِمَةَ بْنَ مَخْلِدٍ الأَنْصَارِيَّ - وَهُوَ أَمِيرُ مِصْرَ -،

فَأَخْبَرَهُ فَعَجَلَ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَعَانَقَهُ ثُمَّ قَالَ: " مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا أَيُّوبَ؟ " فَقَالَ: " حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرِي وَغَيْرُ عُقْبَةُ، فَابْعَثْ مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى مَنْزِلِهِ "، قَالَ: " فَبَعَثَ مَعَهُ مَنْ يَدُلُّهُ عَلَى مَنْزِلِ عُقْبَةَ، فَعَجَّلَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَعَانَقَهُ، وَقَالَ: " مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا أَيُّوبُ " فَقَالَ: " حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ سَمِعَهُ غَيْرِي وَغَيْرُكَ فِي سَتْرِ الْمُؤْمِنِ "، قَالَ عُقْبَةُ: " نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ سَتَرَ مُؤْمِنًا فِي الدُّنْيَا عَلَى خِزْيَةٍ (¬1) سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، فَقَالَ لَهُ أَبُو أَيُّوبَ: " صَدَقْتَ"، ثُمَّ انْصَرَفَ أَبُو أَيُّوبَ إِلَى رَاحِلَتِهِ، فَرَكِبَهَا رَاجِعًا إِلَى المَدِينَةِ، فَمَا أَدْرَكَتْهُ جَائِزَةُ مَسْلَمَةَ بْنِ مَخْلَدٍ إِلاَّ بِعَرِيشِ مِصْرَ" (¬2). لقد خشي أبو أيوب أن يكون نسي شيئًا من حديث «سَتْرِ المُؤْمِنِ»، فأحب أن يتأكد من ذلك، ويتثبت من صحة ما يحفظه عن الرسول الكريم، فرحل من الحجاز إلى مصر، يقطع الفيافي والقفار في سبيل ذلك!!. وَعَنِ ابْنِ عَقِيلٍ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ بَلَغَهُ حَدِيثٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:" فَابْتَعْتُ بَعِيرًا فَشَدَدْتُ إِلَيْهِ رَحْلِي شَهْرًا، حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، فَبَعَثْتُ إِلَيْهِ أَنَّ جَابِرًا بِالبَابِ، فَرَجَعَ الرَّسُولُ فَقَالَ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَخَرَجَ فَاعْتَنَقَنِي، قُلْتُ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي لَمْ أَسْمَعْهُ، خَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ أَوْ تَمُوتَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ¬

_ (¬1) الخِزْيَةُ: هو الشيء الذي يستحيا منه. وانظر " لسان العرب ": ص 247 جـ 18. (¬2) " معرفة علوم الحديث ": ص 8، و" جامع بيان العلم وفضله ": ص 93، 94 جـ 1. وذكره زهير بن حرب في كتابه " العلم " عن رجل ولم يذكر أبا أيوب الأنصاري، انظر: ص 187: ب. كما ذكر الخطيب مثله في " الجامع لأخلاق الراوي ": ص 168: ب - 169: آ.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَحْشُرُ اللَّهُ العِبَادَ - أَوِ النَّاسَ - عُرَاةً غُرْلاً (¬1) بُهْمًا»، قُلْنَا: "مَا بُهْمًا؟ " قَالَ: " لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ - أَحْسَبُهُ قَالَ: كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ -: أَنَا المَلِكُ، لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ يَدْخُلُ الجَنَّةَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلَمَةٍ، وَلاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَدْخُلُ النَّارَ، وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلَمَةٍ "، قُلْتُ: وَكَيْفَ؟ وَإِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ عُرَاةً بُهْمًا؟ قَالَ: «بِالحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ» (¬2). وتنشط الرحلات في طلب الحديث بين التابعين وأتباعهم، حتى لقد كان أحدهم يخرج وما يخرجه إلا حديث عند صحابي يريد أن يسمعه منه لأنه سمعه من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي هذا يروى عَنْ أَبِي العَالِيَةِ قَوْلُهُ: «كُنَّا نَسْمَعُ الرِّوَايَةَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالبَصْرَةِ، فَلَمْ نَرْضَ حَتَّى رَكِبْنَا إِلَى المَدِينَةِ، فَسَمِعْنَاهَا مِنْ أَفْوَاهِهِمْ» (¬3). وَخَرَجَ الشَّعْبِيُّ [إِلَى مَكَّةَ] فِي ثَلاَثَةِ أَحَادِيثَ ذُكِرَتْ لَهُ، فَقَالَ: «لَعَلِيِّ أَلْقَى رَجُلاً لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (¬4)، وروى الزُّهْرِي عَنْ سَعِيدٍ بْنِ المُسَيَّبِ قَالَ: «إِنْ كُنْتُ لأَسِيرُ ثَلاَثًا فِي الحَدِيثِ الوَاحِدِ» (¬5). وأقام أبو قلابة بالمدينة وليس له بها حاجة إلا رجل عنده حديث واحد ليسمعه منه (¬6). وَيُرْوَى أن «مَسْرُوقًا» ¬

_ (¬1) غُرْلاً: جمع (أغرل) وهو الذي لم يختن. (¬2) " الأدب المفرد ": ص 237 و" جامع بيان العلم وفضله ": ص 93 جـ 1 و" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 168: ب. (¬3) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 168: ب. " الكفاية ": ص 402. (¬4) انظر " المحدث الفاصل ": ص 29: آ. (¬5) انظر " المحدث الفاصل ": ص 28: ب. و " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 169: ب، و" تذكرة الحفاظ ": ص 52 جـ 1، و" جامع بيان العلم وفضله ": ص 64 جـ 1. (¬6) انظر " المحدث الفاصل ": ص 28: ب.

رحل في حرف (¬1)، ويظهر أن «مَسْرُوقًا» (¬2) كان كثير الترحال، ولذلك قَالَ عَامِرُ الشَّعْبِيِّ: «مَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ كَانَ أَطْلَبَ [لِلْعِلْمِ] فِي أُفُقٍ مِنَ الآفَاقِ مِنْ مَسْرُوقٍ» (¬3). ويروى عن الشعبي أنه حَدَّثَ بحديث ثم قال لمن حدثه: «أَعْطَيْتُكَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ الرَّاكِبُ لَيَرْكَبُ إِلَى المَدِينَةِ فِيمَا دُونَهُ» (¬4). وكان الصحابة الكرام يشجعون على طلب العلم، وعلى الرحلة من أجله، من هذا ما رُوِيَ عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «لَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا هُوَ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى مِنِّي، تَبْلُغُهُ الإِبِلُ، لأَتَيْتُهُ» (¬5)، وكانوا يرحبون بطلاب العلم كما سبق أن ذكرنا، وكل هذا حَبَّبَ إلى التابعين الرحلة، حتى إِنَّ عَامِرًا الشَّعْبِيَّ قَالَ: «لَوْ أَنَّ رَجُلاً سَافَرَ مِنْ أَقْصَى الشَّامِ إِلَى أَقْصَى اليَمَنِ؛ لِيَسْمَعَ كَلِمَةَ حِكْمَةٍ مَا رَأَيْتُ سَفَرَهُ ضَاعَ (¬6)»، وفعلاً كانوا يرحلون إلى الصحابة ولا يرون أن سفرهم قد ضاع. عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، أَتَيْتُكَ مِنَ المَدِينَةِ، مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ ¬

_ (¬1) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 94 جـ 1. (¬2) ومسروق هو ابن الأجدع الهمداني أبو عائشة تابعي ثقة يمني الأصل، رحل إلى المدينة أيام أبي بكر ثم سكن الكوفة وشهد حروب علي وكان يفتي، تُوُفِّيَ سَنَةَ (62 هـ). انظر: " تهذيب التهذيب ": ص 109 جـ 10. (¬3) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 94 جـ 1. و" المحدث الفاصل ": ص 29: آ. (¬4) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 94 جـ 1. و" معرفة علوم الحديث ": ص 7، وقد أخرج الشيخان نحوه، انظر " صحيح البخاري بحاشية السندي ": ص 171 جـ 2، وانظر " الأدب المفرد ": ص 81، و" صحيح مسلم ": ص 135 جـ 1، كما أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه. (¬5) " الكفاية ": ص 402. (¬6) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 95 جـ 1. و" الرحلة الحجازية والرياض الأنسية ": ص 14.

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُ بِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَمَا جَاءَ بِكَ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: وَلاَ جَاءَ بِكَ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ المَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ العِلْمِ، وَإِنَّ طَالِبَ العِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، حَتَّى الحِيتَانِ فِي المَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» (¬1). وَعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ (¬2)، قَالَ: أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ المُرَادِيَّ، فَقَالَ: " مَا جَاءَ بِكَ؟ "، قُلْتُ: " أُنْبِطُ العِلْمَ "، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ خَارِجٍ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ فِي طَلَبِ العِلْمِ، إِلاَّ وَضَعَتْ لَهُ المَلاَئِكَةُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا بِمَا يَصْنَعُ» (¬3). وأخبار العلماء ورحلاتهم كثيرة يضيق المقام بذكرها، ويكفينا أن نذكر شيئًا منها، فقد رحل ابن شهاب إلى الشام ليلقى عطاء بن يزيد وابن مُحيريز وابن حيوة، ورحل يحيى بن أبي كثير إلى المدينة للقاء من بها من أولاد الصحابة، ورحل محمد بن سيرين إلى الكوفة فلقي بها عبيدة وعلقمة وعبد الرحمن ¬

_ (¬1) " سنن البيهقي ": ص 81 جـ 1، و" الجرح والتعديل ": ص 12 جـ 1 وقد رواه ابن ماجه في " سننه ": ص 81 جـ 1. (¬2) زِرٍّ: بزاي مكسورة فراء مشددة بوزن هِرٍّ. (¬3) " سنن ابن ماجه ": ص 82 حديث 226 جـ 1 طبعة عيسى البابي الحلبي، وانظر " مجمع الزوائد ": ص 131 جـ 1، و" الجرح والتعديل ": ص 13 جـ 1. و «أَنْبَطَ العِلْمَ»: أي طلبه واستخرجه من عند أهله.

ابن أبي ليلى، ورحل الأوزاعي إلى يحيى بن أبي كثير باليمامة ودخل البصرة، ورحل سفيان الثوري إلى اليمن ثم دخل البصرة، ورحل عيسى بن يونس إلى الأوزاعي بالشام ... ورحل شعيب بن أبي حمزة إلى الزهري وهو يومئذٍ بالشام. وأما رحلة العلماء من بلد إلى بلد في الإقليم الواحد، فكثيرة كثرة تفوق الحصر (¬1). وكان لرحلات العلماء في طلب الحديث أثر بعيد في انتشار السُنَّةِ، فمما لا شك فيه أن الراوي يرى مَنْ يُرْوِي عَنْهُ، ويقف على سيرته، ويسأل أهل بلده عنه، وكثيرًا ما كانوا يتشددون في السؤال عن الراوي، حتى يقال لهم: «أَتُرِيدُونَ أَنْ تُزَوِّجُوهُ؟» (*). كذلك كان للرحلات فائدة عظيمة في معرفة طرق كثيرة للحديث الواحد فقد يسمع الراوي من علماء المصر الذي رحل إليه زيادات لم يسمعها من علماء مصره وكثيرًا ما يجد عندهم ما لم يجده عند شيوخه، وقد تقع مناظرات بين علماء الأمصار، تعارض فيها طرق الحديث الواحد، فيحصل فيها القوي ويعرف الضعيف، ويزداد طلاب العلم معرفة لأسباب ورود الأحاديث، حين يلقون من سمع من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو أفتاه أو قضى له. ويكفي الرحلة فائدة أن تساعد على نشر الحديث وجمعه، وتمحيصه والتثبت فيه، فكان لرحلات الصحابة والتابعين وأتباعهم أثر جليل في المحافظة على السُنَّةِ وجمعها وتدلنا تراجم الرواة على الصعاب التي كانوا ¬

_ (¬1) " المحدث الفاصل ": ص 31: ب و 22: ب. وراجع " جامع بيان العلم وفضله ": ص 94 و 95 جـ 1. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) عَنْ الحَسَنِ بْنَ صَالِحٍ بْنَ حَيٍّ - أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَكْتُبَ عَنِ الرَّجُلِ سَأَلْنَا عَنْهُ حَتَّى يُقَالَ لَنَا: أَتُرِيدُونَ أَنْ تُزَوِّجُوهُ؟»، "الكفاية في علم الرواية " للخطيب البغدادي، تحقيق: أبو عبد الله السورقي , إبراهيم حمدي المدني، 1/ 92، نشر المكتبة العلمية. المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

يستعذبونها في سبيل حفظ السنة، وسماع أحاديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من منابعها الصحيحة، ويكفينا أن نقرأ في ترجمة أحدهم، هو فلان اليمني، ثم المكي، ثم المدني، ثم الشامي، ثم الكوفي، ثم البصري، ثم المصري، لنعرف مقدار ما قاسى في قطع الفيافي والبعد عن الأهل والأوطان، وما تحمله من مشاق حتى أصبح من رجال الحديث في عصره، فلم يصلنا الحديث في مصنفاته وكتبه، مرتبًا باسانيده، وعلى أبواب جامعة كل منها في موضوع خاص، إلا بعد أن خدمه الصحابة، والتابعون وأتباعهم، والعلماء من بعدهم ووقفوا عليه حياتهم، فجزاهم الله عنا خير الجزاء، وأسكنهم فسيح جناته. لا شك في أن الحديث النبوي قد انتشر جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ مع القرآن الكريم، ووصل إلى الأقاليم الإسلامية الجديدة، ولا نشك في أن العلم لم يبق مقصورًا على مكة والمدينة، بل تعددت مراكزه ومجالسه، وشهدت الأمصار البعيدة ما شهدته حواضر العالم الإسلامي، من نشاط علمي على يدي الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ -، ويمكننا أن نتصور مدارس متنقلة في مختلف الأمصار، روادها الصحابة وكبار التابعين، إذ كان يكفي لأهل خراسان مثلاً أن يحل بينهم صحابي حتى يسرعوا إليه، ويلتفوا حوله ويسألوه ويستقرئوه القرآن ويسمعوا منه حديث الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. هذا جانب عظيم يصور لنا انتشار السُنَّةِ في أبعد حدود الدولة الإسلامية ولكن لا بد لنا من أن نقول الحق وإن كان مُرًّا، فإن بعض من دخل الإسلام - إثر الفتح - إنما دخله نفاقًا، أو اعتنقه على

أنقاض عقائد فاسدة بقيت رواسبها في نفسه، فجعلته ينتهز أية فرصة للطعن في الدين الجديد، الذي قوض أمجاد آبائه، وأطاح بمصالحه الشخصية، ومنهم من كان متعصبًا لقومه وبلده. وهناك بعض الخلافات السياسية التي حدثت عقب الفتنة وظهور الفرق والأحزاب، كل هذا كان عاملاً في ظهور الوضع في الحديث الشريف إلى جانب انتشاره في الآفاق. وهذا ما سندرسه في الباب التالي ونفصل أسبابه ونبين جهود الصحابة والتابعين وأتباعهم، والعلماء من بعدهم، في سبيل المحافظة على السُنَّةِ، وصيانتها من عبث أعداء الدين.

الباب الثالث: الوضع في الحديث:

البَابُ الثَّالِثُ: الوَضْعُ فِي الحَدِيثِ: الفصل الأول: ابتداء الوضع وأسبابه. الفصل الثاني: جهود الصحابة والتابعين ومن تبعهم في مقاومة الوضع وحفظ الحديث. الفصل الثالث: آراء بعض المستشرقين وأشياعهم في السُنَّةِ ونقدها. الفصل الرابع: أشهر ما ألف في الرجال والموضوعات وهو ثمار جهود العلماء في المحافظة على الحديث.

الفصل الأول: ابتداء الوضع وأسبابه:

الفَصْلُ الأَوَّلُ: ابْتِدَاءُ الوَضْعِ وَأَسْبَابُهُ: أَوَّلاً: ابْتِدَاءُ الوَضْعِ: بقي الحديث النبوي صافيًا لا يعتريه الكذب، ولا يتناوله التحريف والتلفيق طول اجتماع كلمة الأمة على الخلفاء الأربعة الراشدين، قبل أن تنقسم إلى شيع وأحزاب، وقبل أن يندس في صفوفها أهل المصالح والأهواء وكانت المبادرة الأولى التي ترتبت عليها الاضطرابات الكثيرة في القرن الهجري الأول هي فتنة عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - واستشهاده، فقد هزت العالم الإسلامي هزة عظيمة، وأورثت الأمة عواقب وخيمة، امتدت آثارها إلى يومنا، ثم اجتمعت - بعد الفتنة - كلمة المسلمين على أمير المؤمنين عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، إلا أن الأحداث كانت أقوى من أن تفسح للهدوء والسلام سبيلهما إلى الدولة آنذاك، فحصل انقسام كبير في صفوف الأمة، تجسم في معسكر أمير المؤمنين عَلِيٌّ الذي انطوى تحت جناحه أهل الحجاز والعراق، ومعسكر أمير الشام معاوية الذي انضم إليه أكثر أهلها وأهل مصر. وقد جر هذا الانقسام على الأمة الحروب الطاحنة، وما لبث أن انتهى بالتحكيم الذي كان سببًا لظهور فرق سياسية مختلفة (¬1)، فالجمهور يؤيدون عَلِيًّا ¬

_ (¬1) انظر " تاريخ الإسلام " للدكتور حسن إبراهيم حسن: ص 268 جـ 1، و" التبصير في الدين ": ص 6، و" فجر الإسلام ": ص 256.

- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، لأنه الخليفة الذي بايعته الأمة بعد مقتل عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وحزب معاوية قام مطالبًا بدم عثمان، وانتهى به الأمر إلى طلب الخلافة، وممارسة الحكم فعلاً بعد التحكيم، والخوارج قوم من شيعة أمير المؤمنين عَلِيُّ انشقوا عنه لأنه قبل التحكيم ونادوا (لاَ حُكْمَ إِلاَّ للهِ)، ونقموا على معاوية لأنه يريد أن يتولى أمر المؤمنين، وهذا لا يكون إلا بالشورى بينهم، وكان هؤلاء أشداء أقوياء، جلهم من العرب الجفاة القساة، وكان لأمير المؤمنين عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - معهم مواقع كثيرة وحروب دامية مدة خلافته، كما كان لهم أثر بعيد في إقلاق مضاجع خلفاء بني أمية طيلة الحكم الأموي. وبعد استشهاد عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قام بعض شيعته يطالبون بحقهم في الخلافة. وهكذا نشأت الأحزاب والفرق التي اتخذت شكلاً دينيًا كان له أبلغ الأثر في قيام المذاهب الدينية في الإسلام (¬1). وقد حاول كل حزب أن يدعم ما يَدَّعِي بالقرآن والسنة، ومن البدهي ألا يجد كل حزب ما يؤيد دعواه في نصوص الحديث بما لا تحتمله، إلا أن هذا لم يحقق ما يرمون إليه، ولم يجد بعضهم إلى تحريف القرآن أو تأويله سبيلاً، لكثرة حفاظه، فتناولوا السُنَّةَ بالتحريف وزادوا عليها، ووضعوا على رسول الله ما لم يقل (¬2)، ونشطت حركة الوضع مع الزمن، حتى اختلط الحديث الصحيح بالموضوع، وظهرت أحاديث موضوعة في فضائل الخلفاء الأربعة وغيرهم من رؤساء الفرق وزعماء الأحزاب، ثم ظهرت ¬

_ (¬1) انظر " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " [للدكتور مصطفى السباعي]: ص 89. (¬2) انظر " اللآلئ المصنوعة ": ص 248 جـ 2.

أحاديث صريحة في دعم المذاهب السياسية والفرق الدينية، وكانت الأحاديث الموضوعة تولد مع ظهور الفرق، فينبري من يضع أحاديث تنتقص تلك الفرق، كما يقف الواضعون من الخصوم للدفاع عنها وهكذا، حتى تكونت مجموعة من الأحاديث الموضوعة التي كشف عنها جهابذة هذا العلم ورجاله، ولم يقتصر الوضع على فضائل الأشخاص، ودعم الآراء والأفكار العقائدية والمذاهب السياسية، بل تعداها إلى مختلف أبوب الحديث، وكادت الأحاديث الموضوعة تتناول جميع جوانب الحياة الخاصة والعامة، فوضعت أحاديث في الفضائل والمثالب، وأحاديث في مناقب البلدان والأيام، وأخرى في العبادات المختلفة، وفي المعاملات والأطعمة والأدب والزهد والذكر والدعاء، وفي الطب والمرض والفتن والمواريث وغيرها. ويجدر بنا أن نبين أن الوضع لم يصل إلى ذروته في هذا القرن، لأنه نشأ قبل منتصف القرن الهجري الأول بقليل، وسرعان ما كان يعرف الحديث الموضوع لكثرة الصحابة والتابعين الذين عرفوا الحديث وحفظوه، ولم يؤخذوا بأراجيف الكذابين، وأخبار الوضاعين، هذا إلى أن أسباب الوضع في ذلك القرن لم تكن كثيرة، وكانت الأحاديث الموضوعة تزداد بازدياد البدع والفتن، وكان الصحابة وكبار التابعين وعلماؤهم في معزل عنها. ويصور لنا الإمام ابن تيمية ذلك في قوله: «الصَّحَابَة - رَضِي اللهُ عَنْهُم - كَانُوا أَقَلَّ فِتَنًا مِنْ سَائِرِ مَنْ بَعْدَهُمْ، فَإِنَّهُ كلما تاخر الْعَصْر عَن النُّبُوَّة كثر التَّفَرُّق وَالْخلاف، وَلِهَذَا لم يحدث فِي خلاَفَة عُثْمَان بِدعَة ظاهرة فَلَمَّا قتل وتفرق النَّاسُ حدثت بدعتان متقابلتان بِدعَة الخَوَارِج المُكَفِّرِينَ لِعَلِيٍّ وَبِدْعَةُ الرَّافِضَةِ المُدَّعِينَ لإِمَامَتِهِ وَعِصْمَتِهِ أََوْ نُبُوَّتِهِ

أَو إلاهيته (¬1)، ثمَّ لما كَانَ فِي آخر عصر الصَّحَابَة فِي إِمَارَة ابْن الزبير وَعبد الْملك حدثت بِدعَة المرجئة والقدرية. ثمَّ لما كَانَ فِي أول عصر التَّابِعين، فِي أَوَاخِر الخلاَفَة الأموية حدثت بِدْعَةُ الجَهْمِيَّةِ وَالمُشَبِّهَةِ الممثلة، وَلم يكن عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَة شَيْء من ذَلِك، وَكَذَلِكَ فتن السَّيْف، فَإِن النَّاس كَانُوا فِي ولاَيَة مُعَاوِيَة - رَضِي الله عَنهُ - متفقين يغزون العَدُوَّ، فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَة قتل الحُسَيْن، وَحُوصِرَ ابْنُ الزبير بِمَكَّة، ثمَّ جرت فتْنَة الحَرَّةِ بِالمَدِينَةِ (¬2) ثمَّ لما مَاتَ يزِيد جرت فتْنَة بِالشَّام بَين مَرْوَان وَالضَّحَّاكِ بمرج راهط، ثمَّ وثب المُخْتَار على ابْن زِيَاد فَقتله وَجَرَتْ فِتْنَةٌ، ثمَّ جَاءَ مُصعب بن الزبير فَقتل المُخْتَارَ وَجَرت فتْنَة ثمَّ ذهب عبد الملك إِلَى مُصعب فَقتله وَجَرت فتْنَة، وَأرْسل الحجَّاج إِلَى ابْن الزبير فحاصره مُدَّة ثمَّ قَتله، وَجَرت فتْنَة ثمَّ لما تولى الحَجَّاجُ العِرَاقَ خرج عَلَيْهِ مُحَمَّد بن الأَشْعَث مَعَ خلق عَظِيم من العراق وَكَانَت فتْنَة كَبِيرَة، فَهَذَا كُله بعد موت مُعَاوِيَة، ثمَّ جرت فتْنَة ابْن الْمُهلب بخراسان، وَقتل زيد بن عَلِيٍّ بِالْكُوفَةِ وَقتل خلق كثير آخَرُونَ، ثمَّ قَامَ أَبُو مُسلم وَغَيره بخراسان وَجَرَتْ حروب وَفتن يطول وصفهَا (¬3). وعلى هذا فإنا نستبعد ظهور الوضع قبل الفتنة، كما نستبعد تطوع أحد من الصحابة بوضع الحديث على لسان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا يعقل أن يتصور مسلم الصحابة الأجلاء، الذين بذلوا نفوسهم وأموالهم في سبيل الله ¬

_ (¬1) على اختلاف الرافضة في ذلك حسب فرقهم وما ذهبت إليه كل فرقة منهم. (¬2) وقعة الحرة مشهورة كانت سَنَةَ ثلاث وستين أيام خلافة يزيد بن معاوية، وسميت بذلك نسبة إلى «حَرَّةِ وَاقِمٍ» قرب المدينة. انظر هامش صفحة: 293 من " المنتقى من منهاج الاعتدال ". (¬3) " المنتقى من منهاج الاعتدال ": ص 386، 387.

ودافعوا عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهجروا أوطانهم وقاسوا ألوان العذاب، ومرارة العيش استجابة للرسول الكريم - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، لا يعقل أن يتصورهم يفترون ويكذبون على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهو الذين نشؤوا في رعايته، وتخرجوا في جامعته، ونهلوا من معينه، وتأسوا بفعله، فكانوا على جانب عظيم من التقى والورع والخشية، لذلك ننفي إقدام الصحابة الكرام على الكذب على رسول الله. وإن ما نقله بعض أهل الأهواء من أن بعض الصحابة والتابعين كانوا يضعون في عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - الأخبار القبيحة التي تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، إرضاء لمعاوية الذي «جَعَلَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ جُعْلاً يُرَغِّبُ فِي مِثْلِهِ فَاخْتَلَفُوا مَا أَرْضَاهُ. مِنْهُمْ: أَبُو هَرَيرَةَ، وَعَمْرُو بْنُ العَاصِ، وَالمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَمِنَ التَّابِعِينَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ» (¬1). إن ما نقله هؤلاء وغيرهم لا يرقى إلى الصحة، وتاريخ الصحابة ينفي هذه الادعاءات ويدحض مثل هذه المزاعم. وإن الواقع التاريخي في حياة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبعد وفاته ينفي كل افتراء على الصحابة في هذا الموضوع، والصحابة أسمى بكثير من أن يخوضوا في الكذب والوضع، وهم الذين سمعوا من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مواطن كثيرة قوله: «مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» (¬2)، وقوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، ¬

_ (¬1) نقله ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر الإسكافي، انظر " شرح نهج البلاغة " طبعة بيروت: ص 467 جـ 1، وقد رددنا رَدًّا مفصلاً على هذا الادعاء في الفصل الثاني من (أبي هريرة)، وانظر كتابنا " أبو هريرة راوية الإسلام ". (¬2) أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني، وأخرج نحوه الإمام أحمد، انظر " تمييز المرفوع من الموضوع ": ص 2.

مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» (¬1)، فلا يعقل أن يقدم أحد من الصحابة - بعد أن عرف جزاء الكذب على رسول الله - على وضع واختلاق ما لم يقله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا يعقل أن يجازف أحد منهم بالنور النبوي الذي خالط قلبه وروحه، فيطفئه بوضع حديث في سبيل دعم فكرة أو للانتصار لحزب أو للتقرب من شخص، وإن أية محاولة في سبيل إثبات الوضع من قبل الصحابة ستبوء بالفشل، لكثرة الأدلة القاطعة على ورعهم وخشيتهم وبعدهم عن المعاصي، واعتزال أكثرهم الفتن وابتعادهم عن الضلالات والبدع، بل إن الأدلة على أنهم كانوا حفظة للشريعة يَذُبُّونَ عن السُنَّةِ التحريف والتأويل أكثر من أن تحصى، ولو فرضنا جدلاً وقوع الوضع من بعض الصحابة - وهذا بعيد - فإن ذلك سينكشف أمره وينتقل إلينا كما انتقلت أخبار كثير من الحوادث الجليلة والدقيقة (¬2) ويقوي هذا عندنا، ذلك الوعي الرفيع الذي كان يتميز به الصحابة وكبار التابعين، إلى جانب رسوخهم في الحديث النبوي، الذي يسهل عليهم معرفة الصحيح من الموضوع، وراء هذا كله جرأتهم ¬

_ (¬1) أخرجه الشيخان والترمذي عن المغيرة بن شعبة، انظر " تمييز المرفوع من الموضوع ": ص 2: ب. (¬2) وقد ذكر لنا المؤرخون والمحدثون حادثة واحدة كذب فيها رجل على رسول الله فكان مصيره الموت: أخرج الطبراني في " الأوسط " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلاً لَبِسَ حُلَّةً مِثْلَ حُلَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَتَى أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ المَدِينَةِ فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَيَّ أَهْلِ بَيْتٍ شِئْتُ اسْتَطْلَعْتُ، [فَقَالُوا: عَهْدُنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لاَ يَأْمُرُ بِالفَوَاحِشِ] قَالَ: فَأَعَدُّوا لَهُ بَيْتًا، وَأَرْسَلُوا رَسُولاً إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: «انْطَلِقَا إِلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدْتُمَاهُ [حَيًّا فَاقْتُلاَهُ، ثُمَّ حَرِّقَاهُ بِالنَّارِ]، وَإِنْ وَجَدْتُمَاهُ قَدْ كُفِيتُمَاهُ فَحَرِّقَاهُ، وَلاَ أَرَاكُمَا إِلاَّ وَقَدْ كُفِيتُمَاهُ»، فَأَتَيَاهُ فَوَجَدَاهُ قَدْ خَرَجَ مِنَ اللَّيْلِ يَبُولُ، فَلَدَغَتْهُ حَيَّةٌ [أَفْعَى]، فَمَاتَ، فَحَرَّقَاهُ بِالنَّارِ، ثُمَّ رَجَعَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَاهُ الخَبَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». انظر " تمييز المرفوع عن الموضوع ": ص 4: ب. وفي سنده عطاء بن السائب قد اختلط. انظر " مجمع الزوائد ": ص 145 جـ 1.

المثالية في الحق، وهي جرأة لم ترض لهم أن يسكتوا عن آبائهم وأعز الناس إليهم إذا انحرفوا عن سواء السبيل، ولم يكن يخيفهم آنذاك سلطان الحاكم، ولا نفوذ القوي، بل كثيرًا ما كانوا يعترضون على الحكام والعلماء وغيرهم، يبينون وجه الحق، لا يخافون فيه لومة لائم. وإن التاريخ الإسلامي ليعتز بذلك الجيل الذي تمثل الإسلام، وعمل به فكان قدوة حسنة للأجيال التالية، وإن هذا كله ليدفع كل شبهة تحوم حول إيقاع الصحابة في نار الوضع (¬1). وكما نفينا عن الصحابة انغماسهم في الوضع ننفي عن كبار التابعين وعلمائهم ذلك أَيْضًا ونقرر أنه إذا حصل الوضع في النصف الأول من القرن الهجري الأول، فإنما صدر عن بعض المستهترين الجاهلين من طبقة التابعين وأتباع التابعين، الذين حملتهم الخلافات السياسية والأهواء الشخصية على انتحال الكذب، ووضع الأحاديث على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفي هذا العصر - عصر التابعين - كان الوضع أقل من الوضع في عصر أتباع التابعين، لكثرة الصحابة الذين مَارَسُوا السُنَّةَ وَبَيَّنُوا السَّقِيمَ مِنَ الصَّحِيحِ، ولعدم تفشي التحلل والكذب في الأمة، لقربها من عصر الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذ لا تزال متأثرة بتوجيهاته، محافظة على وصاياه، تعمها التقوى والورع والخشية، كل هذا خفف من انتشار الكذب والوضع، إلى جانب أن دواعي الوضع وأسبابه كانت ضيقة محدودة في نشأتها الأولى، ثم كثرة وازدادت فيما بعد. ¬

_ (¬1) لقد سبق أن بينت أن الصحابة كانوا لا يكذبون في عهد الرسول وبعد وفاته في بحث (تلقي الصحابة السنة عن الرسول الكريم) صفحة: 57 وكيف كانوا يصدق بعضهم بعضًا، وانظر " المحدث الفاصل ": ص 23: ب - 33: آ. و" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 12: آ.

ثانيا: أسباب الوضع:

ونرى الأحاديث الموضوعة قد ظهرت بكثرة في العراق، حيث قامت أكثر الفتن والحوادث في هذا الإقليم، كما نشأت بذور الفرق الدينية فيه، وكادت ثقة المحدثين تفقد بعلماء هذا القطر، لولا قيام نقاد الحديث ورجاله وعلمائه بالكشف عن الكذابين، وبيان أحوالهم وتتبعهم. وقد اشتهرت العراق بالوضع حتى سميت «دَارَ الضَّرْبِ» تضرب فيها الأحاديث كما تضرب الدراهم، وكان أهل المدينة يتوقون أحاديثهم، وكان مالك يقول: «نَزِّلُوا أَحَادِيثَ أَهْلِ العِرَاقِ مَنْزِلَةَ أَحَادِيثِ أَهْلِ الكِتَابِ، لاَ تُصَدِّقُوهُمْ وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ». وَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن بْنُ مَهْدِي: «يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ سَمِعْنَا فِي بَلَدِكُمْ - (المَدِينَةَ) - أَرْبَعمِائَةَ حَدِيثٍ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَنَحْنُ (أَيْ فِي العِرَاقِ) فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ نَسْمَعُ هَذَا كُلَّهُ»، فَقَالَ لَهُ: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، مِنْ أَيْنَ لَنَا دَارَ الضَّرْبِ التِي عِنْدَكُمْ؟ دَارُ الضَّرْبِ تَضْرِبُونَ بِاللَّيْلِ وَتُنْفِقُونَ بِالنَّهَارِ» (¬1). وقال ابن شهاب: «يَخْرُجُ الحَدِيْثُ مِنْ عِنْدِنَا شِبْرًا فَيَعُودُ فِي العِرَاقِ ذِرَاعًا» (¬2). وقال عبد الله بن عمرو بن العاص لجماعة من أهل العراق جاؤوا يسألونه أن يُحَدِّثَهُمْ: «إِنَّ مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ قَوْمًا يَكْذِبُونَ وَيُكَذِّبُونَ وَيَسْخَرُونَ» (¬3). ... ثَانِيًا: أَسْبَابُ الوَضْعِ: ذكرت فيما سبق أن أسباب الوضع الرئيسية هي انقسام الأمة إلى أحزاب سياسية، اتخذت شكلاً دينيًا، وحاول كل حزب أن يدعم موقفه ويؤيد آراءه ¬

_ (¬1) " المنتقى من منهاج السنة ": ص 88، ثم قال ابن تيمية بعد هذا: «وَمَعَ هَذَا إِنَّهُ كَانَ فِي الكُوفَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الثِّقَاتِ الأَكَابِرِ كَثِيرٌ». (¬2) " ضحى الإسلام ": ص 152 جـ 2. (¬3) " طبقات ابن سعد ": ص 13 قسم 2 جـ 4.

[1] الأحزاب السياسية:

بوضع أحاديث على لسان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم ازدادت الأسباب التي كان لها أثر بعيد في وضع الحديث، ونجمل هذه الأسباب فيما يلي: [1] الأَحْزَابُ السِّيَاسِيَّةُ: كان أول ما ظهر عقب فتنة أمير المؤمنين عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - شيعة الإمام عَلِيٍّ، وحزب معاوية، ثم ظهر الخوارج بعد وقعة «صِفِّينْ»، وسنتناول بإيجاز أثر كل حزب في وضع الحديث. [أ] أَثَرُ الشِّيعَةِ وَخُصُومِهِمْ فِي وَضْعِ الحَدِيثِ: قال ابن أبي الحديد في " شرح نهج البلاغة ": «إِنَّ أَصْلَ الأَكَاذِيبِ فِي أَحَادِيثِ الفَضَائِلِ كَانَ مِنْ جِهَةِ الشِيعَةِ، فَإِنَّهُمْ وَضَعُوا فِي مَبْدَإِ الأَمْرِ أَحَادِيثَ مُخْتَلِفَةً فِي صَاحِبِهِمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى وَضْعِهَا عَدَاوَةُ خُصُومِهِمْ. فَلَمَّا رَأَتْ البَكْرِيَّةُ مَا صَنَعَتْ الشِيعَةُ وَضَعَتْ لِصَاحِبِهَا أَحَادِيثَ فِي مُقَابَلَةِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ» (¬1). ومما يؤسف له أن بعض أهل الأهواء وأعداء الإسلام اتخذوا التشيع سِتَارًا لتحقيق أهوائهم، والوصول إلى مآربهم، فكان كثير من الفتن يقوم باسمهم، فنكب أهل البيت نكبات متوالية، ذهب ضحيتها خيرة أبناء أمير المؤمنين عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وأحفاده، وسجل لهم التاريخ مآسي تتفطر لها القلوب، وتقشعر لها الأبدان، كل ذلك بسبب استغلال أعداء الدين اسم أهل البيت، وهؤلاء المستغلون هم الذين وضعوا الأحاديث في سبيل تأييد حركاتهم وشجعوا على وضعها (¬2). ¬

_ (¬1) " شرح نهج البلاغة ": ص 26 جـ 3. (¬2) من هذا ما روي عَنْ أَبِي أَنَسٍ الْحَرَّانِيِّ، قَالَ: قَالَ المُخْتَارُ (الثَّقَفِي) لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيثِ: «ضَعْ لِي حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَائِنٌ بَعْدَهُ خَلِيفَةً، مُطَالِبًا لَهُ بِتِرَةِ وَلَدِهِ، وَهَذِهِ عَشَرَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَخُلْعَةٌ وَمَرْكُوبٌ وَخَادِمٌ»، فَقَالَ الرَّجُلُ: «أَمَّا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ =

وإنا لا نتصور قط أن يوافق الحسن أو الحسين أو محمد بن الحنفية أو جعفر الصادق أو زيد بن علي وغيرهم من أهل البيت على الكذب على رسول الله جدهم وهم على جانب عظيم من الورع والتقى والصفاء، وإن أهل البيت لأرفع بكثير من أن يكذبوا على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهذا أحببت أن أُبَيِّنَ من أول هذا البحث أن أهل البيت براء من هذا كله، وإنما حمل إثم الوضع باسمهم من لف حولهم من شيعتهم، وكثر الوضع، وأساؤوا إلى إمامهم عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أكثر مما أحسنوا إليه بذلك، قال أبو الفرج بن الجوزي: «فَضَائِلُ عَلِيٍّ الصَّحِيحَةُ كَثِيرَةٌ، غَيْرَ أَنَّ الرَّافِضَةَ لاَ تَقْنَعُ، فَوَضَعَتْ لَهُ مَا يَضَعُ، لاَ مَا يَرْفَعُ» (¬1). وقد كثر الوضع منهم حتى أساءوا إلى سمعة العراق، وأصبح أهل المدينة يتوقون حديثهم، «وَصَارَ الأَمْرُ يَشْتَبِهُ عَلَى مَنْ لاَ يُمَيِّزُ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ الغَرِيبِ إِذَا دَخَلَ إِلَى بَلَدٍ نِصْفُ أَهْلِهِ كَذَّابُونَ خَوَّانُونَ، فَإِنَّهُ يَحْتَرِسُ مِنْهُمْ حَتَّى يُعْرَفَ الصَّدُوقُ الثِّقَةُ» (¬2)، وقال أحد أصحاب عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «قَاتَلَهُمُ اللهُ، أَيَّ عِلْمٍ أَفْسَدُوا؟» (¬3)، وَقَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ: «مَا كُذِبَ عَلَى أَحَدٍ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ كَمَا كُذِبَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ» (¬4)، ويقول ابن تيمية: «وَكَذِبُ الرَّافِضَةِ مِمَّا يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ» (¬5)، وقال ابن المبارك: «الدِّينُ لأَهْلِ الحَدِيثِ، وَالكَلاَمُ وَالحِيَلُ لأَهْلِ الرَّأْيِ، وَالكَذِبُ لِلْرَّافِضَةِ» (¬6)، و «سُئِلَ ¬

_ = عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ، وَلَكِنِ اخْتَرْ مَنْ شِئْتَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَحُطَّ مِنَ الثَّمَنِ مَا شِئْتَ»، قَالَ: «عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْكَدُ» قَالَ: «وَالعَذَابُ عَلَيْهِ أَشَدُّ». انظر: " اللآلئ المصنوعة ": ص 248 جـ 2، نقله عن ابن الجوزي. (¬1) " المنتقى من منهاج الاعتدال ": ص 480. (¬2) المرجع السابق: ص 88. (¬3) " صحيح مسلم بشرح النووي ": ص 83 جـ 1. (¬4) " تذكرة الحفاظ ": ص 77 جـ 1. (¬5) " المنتقى من منهاج الاعتدال ": ص 480. (¬6) " المنتقى من منهاج الاعتدال ": ص 480.

مَالِكٌ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ الرَّافِضَةِ، فَقَالَ: " لاَ تُكَلِّمْهُمْ، وَلاَ تَرْوِ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ "» (¬1)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: «لَمْ أَرَ أَحَدًا أَشْهَدَ بِالزُّورِ مِنَ الرَّافِضَةِ» (¬2)، وقال يزيد بن هارون: «يُكْتَبُ عَنْ كُلِّ مُبْتَدِعٍ - إِذَا لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً - إِلاَّ الرَّافِضَةَ، فَإِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ» (¬3)، وَقَالَ حَمَّادٌ بْن سَلَمَةَ: «حَدَّثَنِي شَيْخٌ لَهُمْ تَابَ - يَعْنِي الرَّافِضَةَ - قَالَ: كُنَّا إِذَا اجْتَمَعْنَا، فَاسْتَحَسَنَّا شَيْئًا جَعَلْنَاهُ حَدِيثًا» (¬4). وقد صنع الشيعة أحاديث كثيرة، وحرفوا بعض الأحاديث حسب أهوائهم وفرقهم التي كانت تزداد يومًا بعد يوم، فوضعوا أحاديث في مناقب عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وأخرى وضعوها في مثالب معاوية والأمويين، وكتب الموضوعات مملوءة بأكاذيبهم، وسنذكر بعض ما وضعوا على سبيل المثال، ونبين أثره في الأحزاب المعادية لهم. وكان يهم الشيعة إثبات وصية الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ بالخلافة من بعده، فوضعوا كثيرًا من الأحاديث في هذا، منها: «وَصِيِّي، وَمَوْضِعُ سِرِّي، وَخَلِيفَتِي فِي أَهْلِي وَخَيْرُ مَنْ أَخْلُفُ بِعْدِي عَلِيٌّ» (¬5) و «يَا عَلِيٌّ، أَخُصُّكَ بِالنُبُوَّةِ وَلاَ نَبِيَّ بَعْدِي» (¬6). و «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وَصِيًّا وَوَارِثًا، وَإِنَّ وَصِيِّي وَوَارِثِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ» (¬7) وحديث: «لَمَّا أَنْ عُرِجَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ]، أَرَاهُ اللَّهُ مِنَ ¬

_ (¬1) " المنتقى من منهاج الاعتدال ": ص 21، وانظر " الكفاية ": ص 126. (¬2) " المنتقى من منهاج الاعتدال ": ص 21، وانظر " الكفاية ": ص 126. (¬3) " المنتقى من منهاج الاعتدال ": ص 22، وانظر " الجرح والتعديل ": ص 28 قسم 1 جـ 1. (¬4) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 18: ب، و" اللآلئ المصنوعة ": ص 248 جـ 2. (¬5) " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ": ص 369. (¬6) " اللآلئ المصنوعة ": ص 323 جـ 1. (¬7) " اللآلئ المصنوعة ": ص 2 جـ 1.

العَجَائِبَ فِي كُلِّ سَمَاءٍ. فَلَمَّا أَصْبَحَ جَعَلَ يُحَدِّثُ النَّاسَ مِنْ عَجَائِبِ رَبِّهِ، وَكَذَّبَهُ مَنْ كَذَّبَهُ مَنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَصَدَّقَهُ مَنْ صَدَّقَهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ انْقَضَّ نَجْمٌ مِنَ السَّمَاءِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: " فِي دَارِ مَنْ وَقَعَ هَذَا النَّجْمُ فَهُوَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي"، وَطَلَبُوا ذَلِكَ النَّجْمَ فَوَجَدُوهُ فِي دَارِ علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فَقَالَ أَهْلُ مَكَّةَ: ضَلَّ مُحَمَّدٌ وَغَوَى وَهَوَى أَهْلَ بَيْتِهِ، وَمَالَ إِلَى ابْنِ عَمِّهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} (¬1)، وحديث: «خَلَقْتُ أَنَا وَعَلِيٌّ مِنْ نُورٍ، وكنا عَلَى يَمِينِ العَرْشِ ... » (¬2) وافتنوا في وضع الأحاديث كما يحبون ويهوون، من ذلك: «سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، فَإِنْ أَدْرَكَهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِخَصْلَتَيْنِ: كِتَابِ اللَّهِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ... وَهُوَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي» (¬3) و «مَنْ لَمْ يَقُلْ: عَلِيٌّ خَيْرُ النَّاسِ، فَقَدْ كَفَرَ» (¬4)، و «النَّظَرُ إِلَى عَلِيٍّ عِبَادَةٌ» (¬5)، و «حُبُّ عَلِيٍّ يَأْكُلُ السَّيِّئَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الحَطَبَ» (¬6)، و «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى آدَمَ فِي عِلْمِهِ، وَنُوحٍ فِي فَهْمِهِ، وَإِبْرَاهِيمَ فِي حُكْمِهِ، وَيَحْيَى فِي زُهْدِهِ، وَمُوسَى فِي بَطْشِهِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى عَلِيٍّ» (¬7)، و «مَنْ مَاتَ وَفِي قَلْبِهِ بُغْضٌ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَلْيَمُتْ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» (¬8)، وحديث: «مَثَلِي مَثَلُ شَجَرَةٍ، أَنَا أَصْلُهَا، وَعَلِيٌّ فَرْعُهَا، وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ ثَمَرَتُهَا، وَالشِّيعَةُ وَرَقُهَا. فَأَيُّ شَيْءٍ يَخْرُجُ مِنَ الطِّيبِ إِلاَّ الطَيِّبَ» (¬9)، وحديث: «مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ عَلِيًّا، وَمَنْ أَبْغَضَ عَلِيًّا ¬

_ (¬1) " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ": ص 369 وانظره في " المنتقى من منهاج السنة ": ص 426، وفي رواية: «فَهُوَ الوَصِيُّ مِنْ بَعْدِي»، واختراع أسطورة الوصي كانت عند عبد الله بن سبأ. انظر هامش الصفحة 307 من " المنتقى من منهاج السنة ". (¬2) " الفوائد المجموعة ": ص 342. (¬3) " الفوائد المجموعة ": ص 345. (¬4) " الفوائد المجموعة ": ص 347. (¬5) المرجع السابق: ص 359. (¬6) المرجع السابق: ص 367. (¬7) المرجع السابق: ص 367. (¬8) " الفوائد المجموعة ": ص 373. (¬9) المرجع السابق: ص 379.

فَقَدْ أَبْغَضَنِي، وَمَنْ أَبْغَضَنِي، فَقَدْ أَبْغَضَ اللَّهَ، وَمَنْ أَبْغَضَ اللَّهَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ» (¬1)، وحديث: «يَا عَلِيُّ، إِنَّ اللَّهَ [قَدْ] غَفَرَ لَكَ وَلِذُرِيَّتِكَ وَلِوَالِدَيْكَ وَلأَهْلِكَ وَلِشِيعَتِكَ وَلِمُحِبِّي شِيعَتِكَ» (¬2). وإلى جانب هذا وضع الشيعة أخبارًا بشعة تنال من أبي بكر وعمر وغيرهما يزعمون فيها إساءة هؤلاء الصحابة إلى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وأهله، وفي هذا يقول ابن أبي الحديد: «فَأَمَّا الأُمُورُ الشَّنِيعَةُ المُسْتَهْجَنَةُ التِي تَذْكُرُهَا الشِّيعَةُ مِنْ إِرْسَالِ قُنْفُذٍ إِلَى بَيْتِ فَاطِمَةَ ... وَأَنَّ عُمَرَ ضَغَطَهَا بَيْنَ البَابِ وَالجِدًّارِ ... وَجَعَلَ فِي عُنُقِ عَلِيٍّ حَبْلاً يُقَادُ بِهِ ... فَكُلُّهُ لاَ أَصْلَ لَهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَلاَ يُثْبِتُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلاَ رَوَاهُ أَهْلُ الحَدِيثِ وَلاَ يَعْرِفُونَهُ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ تَنْفَرِدُ الشِّيعَةُ بِنَقْلِهِ» (¬3). لقد رأى بعض الوضاعين من الأحزاب الأخرى أن هذه الأحاديث تنتقص أبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية، فوضعوا مقابلها أحاديث أخرى ترفع من شأن الشيخين ومعاوية، من ذلك الحديث الموضوع: «لَمَّا عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ قُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ الخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَارْتَجَّتِ السَّمَوَاتُ، وَهَتَفَ بِي المَلائِكَةُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. يَا مُحَمَّدُ اقْرَأْ {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ}، قَدْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَعْدِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ» (¬4)، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ، قَالَ: «كُنَّا عِنْد رَسُول الله، فَأُتِيَ بِفَرَسٍ فَرَكِبَهُ ثُمَّ قَالَ: " يَرْكَبُ هَذَا الفَرَسَ مَنْ يَكُونُ الخَلِيفَةَ بَعْدِي، فَرَكبهُ أَبُو بَكْرٍ "» (¬5). ¬

_ (¬1) " الفوائد المجموعة ": ص 383. (¬2) المرجع السابق: ص 384. (¬3) " شرح نهج البلاغة ": ص 158، 159 جـ 1. (¬4) " تنزيه الشريعة المرفوعة ": ص 345 جـ 1. (¬5) المصدر السابق: ص 346 جـ 1.

وَحَدِيثُ: «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِلْنَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنِّي كُنْتُ مَعَكَ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ، فَكَبَّرْتَ وَكَبَّرْتُ فَاسْتَفْتَحْتُ بِالحَمْدِ فَقَرَأْتُهَا، فَوُسْوِسَ إِلَيَّ شَيْءٌ مِنَ الطُّهُورِ فَخَرَجْتُ إِلَى بَابِ المَسْجِدِ، فَإِذَا أَنَا بِهَاتِفٍ يَهْتِفُ بِي وَهُوَ يَقُولُ: وَرَاءَكَ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِقَدَحٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءٍ مَاءً أَبْيَضَ مِنَ الثَّلْجِ وَأَعْذَبَ مِنَ الشَّهْدِ، وَأَلْيَنَ مِنَ الزُّبْدِ، عَلَيْهِ مِنْدِيلٌ أَخْضَرُ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الصِّدِّيقُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذْتُ المِنْدِيلَ فَوَضَعْتُهُ عَلَى مَنْكِبِي وَتَوَضَّأْتُ لِلصَّلاةِ وَأَسْبَغْتُ الوُضُوءَ، وَرَدَدْتُ المِنْدِيلَ عَلَى القَدَحِ، وَلَحِقْتُكَ وَأَنْتَ رَاكَعٌ الرَّكْعَةَ الأُولَى فَتَمَّمْتُ صَلاَتِي مَعَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ النَّبِيُّ: " أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ الذِي وَضَّأَكَ لِلْصَّلاَةِ جِبْرِيلُ وَالذِي مَنْدَلَكَ مِيكَائِيلُ وَالَّذِي مَسَكَ رُكْبَتِي حَتَّى لَحِقْتَ الصَّلاةَ إِسْرَافِيلُ "» (¬1). وحديث: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ أَبَا بَكْرٍ خَلِيفَتِي عَلَى دِينِ اللَّهِ وَوَحْيِهِ، فَاسْمَعُوا لَهُ تُفْلِحُوا، وَأَطِيعُوهُ تَرْشُدُوا» (¬2)، وحديث: «عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ، فَمَا مَرَرْتُ بِسَمَاءٍ إِلا وَجَدْتُ فِيهَا اسْمِي مَكْتُوبًا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ مِنْ خَلْفِي» (¬3)، وحديث: «إِنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ يَكْرَهُ أَنْ يُخَطَّأَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ» (¬4)، وحديث: «لَمَّا أُسْرِيَ بِي رَأَيْتُ فِي السَّمَاءِ خَيْلاً مَوْقُوفَةً مُسْرَجَةً مُلْجَمَةً ... رُؤُوسُهَا مِنَ اليَاقُوتِ الأَحْمَرِ ... ذَوَاتُ أَجْنِحَةٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذِهِ؟ فَقَالَ جِبْرِيلُ: هَذِهِ لِمُحِبِّي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، يَزُورُونَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (¬5)، وحديث عن ¬

_ (¬1) " الفوائد المجموعة ": ص 330. وقد رُوِيَ نحو هذا لعلي بن أبي طالب وفيه: «ذِكْرُ السَّطْلِ وَالمِنْدِيلِ»، والكل كذب موضوع. انظر " الفوائد المجموعة ": ص 331. (¬2) المرجع السابق: ص 332. (¬3) " الفوائد المجموعة ": ص 333. (¬4) المرجع السابق: ص 335. (¬5) " تنزيه الشريعة المرفوعة ": ص 347 جـ 1، و" الفوائد المجموعة ": ص 337.

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبى أوفى: رَأَيْت النبى مُتَّكِئًا عَلَى عَلِيٍّ، وَإِذَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَقْبَلا، فَقَالَ «يَا أَبَا الحَسَنِ أَحِبَّهُمَا فَبِحُبِّهِمَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ» (¬1). وحديث: «إِنَّ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثَمَانِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لِمَنْ أَحَبَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَفِي السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ ثَمَانُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَلْعَنُونَ مَنْ أَبْغَضَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ» (¬2). وحديث: «مَا فِي الجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلا مَكْتُوبٌ عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مِنْهَا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ الْفَارُوقُ وَعُثْمَانُ ذُو النُّورَيْنِ (¬3)». ووضع بعض الكذابين من حزب معاوية بعض الأحاديث، منها: «إِنَّ جَمَاعَةً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يُحَوِّلَ الكِتَابَةَ مِنْ مُعَاوِيَةَ، فَنَزَلَ الوَحْيُ بِاخْتِيَارِهِ» (¬4)، ووضعوا أحاديث مطولة في كتابته آية الكرسي وغيرها، ذكرتها كتب الموضوعات، منها «أَنَّهُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ القَلَمَ مِنْ يَدِ عَلِيٍّ فَدَفَعَهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ» (¬5)، وَ «الأُمَنَاءُ عِنْدَ اللَّهِ ثَلاثَةٌ: أَنَا، وَجِبْرِيلُ، وَمُعَاوِيَةُ» (¬6)، وحديث: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم نَاوَلَ مُعَاوِيَةَ سَهْمًا. وَقَالَ: " خُذْ هَذَا السَّهْمَ حَتَّى تَلْقَانِي بِهِ فِي الجَنَّةِ (¬7)». وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ «جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَرَقَةِ آسٍ أَخْضَرَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا لاَ إِلَه إِلاَّ الله مُحَمَّد رَسُولُ اللَّهِ حُبُّ مُعَاوِيَةَ فَرْضٌ عَلَى عِبَادِي» (¬8). ¬

_ (¬1) " تنزيه الشريعة المرفوعة ": ص 347 جـ 1. و" الفوائد المجموعة ": ص 338. (¬2) " الفوائد المجموعة ": ص 338. (¬3) المرجع السابق: ص 342. (¬4) " الفوائد المجموعة ": ص 403. وانظر " تنزيه الشريعة المرفوعة ": ص 19 جـ 2 ذكره بطوله. (¬5) " الفوائد المجموعة ": ص 403. (¬6) " تنزيه الشريعة المرفوعة ": ص 4 جـ 2. (¬7) " تنزيه الشريعة المرفوعة ": ص 6 جـ 2. (¬8) المرجع السابق: ص 21 جـ 2.

وَحَرَّفَ الشِّيعَةُ حَدِيثَ: «اللَّهُمَّ أَرْكِسْهُمَا فِي الفِتْنَة رَكْسًا، اللَّهُمَّ دُعَّهُمَا إِلَى النَّارِ دَعًّا» (¬1) في أنه قيل في معاوية وعمرو بن العاص حين كانا يتغنيان، والواقع أنهما لم يفعلا شيئًا من هذا، إنما قيل هذا في معاوية بن رافع وعمرو بن رفاعة بن التابوت، فَحَرَّفَ الرَّوِاي الأَسْمَاءَ. ووضع بعض المغرضين من أتباع حزب معاوية « ... ثمَّ قَالَ النَّبِي: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنَّ فِي جَهَنَّمَ كِلاَبًا زُرْقَ الأَعْيُنِ، عَلَى أَعْرَافِهَا شَعْرٌ كَأَمْثَالِ أَذْنَابِ الخَيْلِ، لَوْ أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِكُلٍّ مِنْهَا أَنْ تَبْلَعَ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ فِي لُقْمَةٍ وَاحِدَةٍ لَهَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، تُسَلَّطُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنْ لَعَنَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ» (¬2). وأمثال هذه الأحاديث كثيرة، كلها من صنيعة الأحزاب المتناوئة، التي حاولت أن تدعم بها موقفها، وترفع من قدر أصحابها وزعمائها، وكان بوسع هؤلاء الابتعاد عن الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكتفين بما للصحابة من فضائل ثابتة، ولكن الهوى ساق بعضهم إلى ذلك والجهل أعمى قلوب بعضهم. وقد رأي بعض ذوي النيات الحسنة ما كان من هذه الأحزاب، وما دار بينهم من طعون مختلفة تناولت الصحابة، وانتقصتهم وكادت تقضي على فضائلهم، فدفعهم حبهم للصحابة جَمِيعًا إلى وضع أحاديث تذكر فضلهم، وترفع من شأنهم، وتبين أنه لا فرق بين الخلفاء الأربعة، وقد ظن هؤلاء - بحسن نيتهم - أنهم يفعلون خيرًا، لأنهم يمنعون بوضع هذه الأحاديث اللعن الذي ¬

_ (¬1) " تنزيه الشريعة المرفوعة ": ص 16 جـ 2. و" الفوائد المجموعة ": ص 407. (¬2) " تنزيه الشريعة المرفوعة ": ص 23 جـ 2.

كان يتبادله أتباع كل صحابي، ويقطعون دابر الشتم والسباب فيجمعون أمر الأمة وكأنهم لم يعلموا أنهم يفتئتون على رسول الله الكذب. ومن ذلك حديث «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَتَّخِذَ أَبَا بَكْرٍ وَالِدًا وَعُمَرَ مُشِيرًا وَعُثْمَانَ سَنَدًا وَأَنْتَ يَا عَلِيُّ ظَهِيرًا. أَنْتُمْ أَرْبَعَةٌ أَخَذَ اللَّهُ لَكُمُ الْمِيثَاقَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، لاَ يُحِبُّكُمْ إِلاَّ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَلا يُبْغِضُكُمْ إِلا مُنَافِقٌ مُسِيءٌ أَنْتُمْ خُلَفَاءُ نُبُوَّتِي، وَعَقْدُ ذِمَّتِي» (¬1). حديث «يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ تَحْتِ الْعَرْش أَيْنَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ؟ فَيُؤْتَى بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -» (¬2)، و «أَبُو بَكْرٍ وَزِيرِي، وَالقَائِمُ فِي أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي، وَعُمَرُ حَبِيبِي يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِي، وَأَنَا مِنْ عُثْمَانَ وَعُثْمَانُ مِنِّي، وَعَلِيٌّ أَخِي وَصَاحِبُ لِوَائِي» (¬3). و «أَبُو بَكْرٍ أَوْزَنُ أُمَّتِي، وَأَرْحَمُهَا، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ خَيْرُ أُمَّتِي وَأَكْمَلُهَا، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَحْيَى أُمَّتِي وَأَعْدَلُهَا، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَلِيُّ أُمَّتِي وَأَوْسَمُهَا، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَمِينُ أُمَّتِي وَأَوْصَلُهَا، وَأَبُو ذَرٍّ أَزْهَدُ أُمَّتِي وَأَرَقُّهَا، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ أَعْدَلُ أُمَّتِي وَأَرْحَمُهَا، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سفيان أَحْلَمُ أُمَّتِي وَأَجْوَدُهَا» (¬4)، وَ «مَنْ شَتَمَ الصِّدِّيقَ فَإِنَّهُ زِنْدِيقٌ، وَمَنْ شَتَمَ عُمَرَ فَمَأْوَاهُ سَقَرُ، وَمَنْ شَتَمَ عُثْمَانَ خَصْمُهُ الرَّحْمَنُ، وَمَنْ شَتَمَ عَلِيًّا فَخَصْمُهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسلم» (¬5)، ومن حديث طويل: « ... ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى مُبْغِضِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ» (¬6). وإذا رجعنا إلى كتب الموضوعات رأينا أن الشيعة قد أسرفوا في الوضع أكثر من غيرهم. ¬

_ (¬1) " الفوائد المجموعة ": ص 384. (¬2) " الفوائد المجموعة ": ص 384. (¬3) المرجع السابق: ص 386. (¬4) " الفوائد المجموعة ": ص 409. (¬5) المرجع السابق: ص 339. (¬6) المرجع السابق: ص 338.

[ب] الخوارج ووضع الحديث:

[ب] الخَوَارِجُ وَوَضْعِ الحَدِيثِ: لم نعثر في المراجع القريبة منا على ما يدل على وضع الخوارج للحديث، أو على اعتمادهم على ذلك لدعم موقفهم وإثبات دعواهم، اللهم إلا ما ذكر عن ابن لهيعة قال: سمعت شيخًا من الخوارج تاب ورجع، وهو يقول: «إِنَّ هَذِهِ الأَحَادِيثَ دِينٌ، فَانظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ، فَإِنَّا كُنَّا إِذَا هَوَيْنَا أَمْرًا صَيَّرْنَاهُ حَدِيثًا» (¬1). وما رواه عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: قَالَ لِي رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ: «إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَنْ مَنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ، إِنَّا كُنَّا إِذَا هَوَيْنَا أَمْرًا جَعَلْنَا فِي حَدِيثٍ» (¬2). وما رواه السيوطي: رُوِيَ عَنْ شَيْخٍ خَارِجِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الأَحَادِيثَ دِينٌ، فَانظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ، فَإِنَّا كُنَّا إِذَا هَوَيْنَا أَمْرًا صَيَّرْنَاهُ حَدِيثًا» (¬3). هذه أخبار ثلاثة بمعنى واحد، وطرق مختلفة، تدل على وضع الخوارج للحديث، إلا أننا لم نجد دليلاً يثبت عليهم هذا بين الأحاديث الموضوعة، وربما كان عدم كذبهم هذا لاعتقادههم أن مرتكب الكبيرة كافر، والكذب من الكبائر. وهناك أدلة كثيرة على أنهم أصدق من نقل الحديث، ومن هذا ما قاله ابن تيمية للرافضة في الرد عليهم: «وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الخَوَارِجَ شَرٌّ مِنْكُمْ، وَمَعَ هَذَا فَمَا نَقْدِرُ أَنْ نَرْمِيهِمْ بِالكَذِبِ، لأَنَّنَا جَرَّبْنَاهُمْ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَتَحَرَّوْنَ الصِّدْقَ لَهُمْ ¬

_ (¬1) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 18: ب وانظر " المدخل " للحاكم: ص 19. (¬2) " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ": ص 83: آ. (¬3) " الآلئ المصنوعة ": ص 248 جـ 2.

وَعَلَيْهِمْ» (¬1)، كما قال أَيْضًا: «وَمَنْ تَأَمَّلَ كُتُبَ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ رَأَى المَعْرُوفَ عِنْدَ مُصَنِّفِيهَا بِالكَذِبِ فِي الشِّيعَةِ أَكْثَرَ مِنْهُمْ فِي جَمِيعِ الطَّوَائِفِ، وَالخَوَارِجُ مَعَ مُرُوقِهِمْ مِنَ الدِّينِ فَهُمْ مِنْ أَصْدَقِ النَّاسِ حَتَّى قِيلَ إِنَّ حَدِيثَهُمْ مِنْ أَصَحِّ الحَدِيثِ» (¬2). وَقَالَ أَبُو دَاوُدُ: «لَيْسَ فِي أَصْحَابِ الأَهْوَاءِ أَصَحُّ حَدِيثًا مِنَ الْخَوَارِجِ» (¬3). لا بد لنا بعد هذا من مخرج لما رُوِيَ عنهم من الكذب، فالأخبار الأولى تدل على وقوع الوضع منهم، باعتراف أحد شيوخهم، إلا أننا لم نعرف هذا الشيخ!! وقد روى الخطيب عن حماد بن سلمة (¬4) نحو حديث ابن لهيعة عن (شيخ من الرافضة)، في نفس الصفحة التي روى فيها خبر ابن لهيعة، فيمكن أن يحمل على أنه خطأ من الكاتب أو الراوي. وإذا فرضنا أنه خطأ، فما موقفنا من الخبرين الآخرين اللذين لا سبيل إلى تسرب الخطأ إليهما؟ إلا أن الأخبار التي تدل على صدقهم تعارض هذه الروايات، والبحث لا يؤدي إلى دليل يُدِينُ الخوارج بالوضع فلا بد من حمل تلك الأخبار على وهم الراوي: أن «الشيخ» خارجي، وهو ليس كذلك. وَأُرَجِّحُ من هذا أن الخبرين ضعيفان لجهالة «الشيخ». وأما ما روي عن عبد الرحمن بن مهدي: أن الخوارج والزنادقة قد وضعوا هذا الحديث: «إِذَا أَتَاكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ فَإِنْ وَافَقَ كِتَابَ اللهِ فَأَنَا قُلْتُهُ .. » - فقد فَنَّدَ الدكتور مصطفى السباعي هذا القول، وَبَيَّنَ أنه ¬

_ (¬1) " المنتقى من منهاج الاعتدال ": ص 480. (¬2) المرجع السابق: ص 22. (¬3) " الكفاية ": ص 130. (¬4) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 18: ب.

[2] أعداء الإسلام (الزنادقة):

من وضع الزنادقة (¬1). وهكذا يثبت أن الخوارج لم ينغمسوا في حمأة الوضع لما عرف عنهم من الورع والتقوى. [2] أَعْدَاءُ الإِسْلاَمِ (الزَّنَادِقَةُ): لقد قوضت دولة الإسلام دولتي كسرى وقيصر، وقضت على عروش الملوك والأمراء الذين كانوا يحكمون الشعوب الخاضعة لهم، يذيقونها العذاب ويستنزفون خيراتها، ويسترقون أبناءها، وكان حول هؤلاء الحكام طبقة من الخواص والمستغلين، الذين يفيدون من وراء أولئك الملوك والأمراء، وكانت لهم وسائلهم الخاصة في استغلال رعاياهم، فعندما انتشر الإسلام، وخالط قلوب الأمم المظلومة، والشعوب المغلوبة على أمرها من قبل رعاياها تذوق هؤلاء نعمة الحرية، وشعروا بالكرامة الإنسانية، في حين أفلتت السلطة من يد الحكام، وخسروا مناصبهم، وضاعت تلك المنافع التي كانوا ينالونها باستغلال أبناء الشعب، الذي عرف قيمة الحياة بعد أن حطم قيود الظلم باعتناق الإسلام، ولم يرق الوضع الجديد أولئك المتسلطين، فأضمروا الحقد والكيد للإسلام والمسلمين، ولم يستطيعوا أن يحققوا آمالهم بقوة السيف، لقوة الدولة الإسلامية، فراحوا ينفرون المسلمين من العقيدة الجديدة، بدس الأباطيل والأكاذيب السخيفة على رسول الله، قاصدين من وراء ذلك إبعاد الناس عن الإسلام، الذي حاولوا أن يُصَوِّرُوهُ أبشع الصور في عقائده وعباداته وأفكاره، وظهر هؤلاء بمظاهر مختلفة، وتحت أسماء فرق متعددة، إلا أنهم لم يوفقوا إلى ¬

_ (¬1) انظر " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 97.

ما أرادوا، وباءت محاولاتهم بالفشل أمام قوة الإسلام، وسمو مقاصده، وصفاء عقيدته. وسنذكر أمثلة موجزة مما صنعوه ليضللوا أتباع الدين، وَيُنَفِّرُوا مِنْهُ من يحب اعتناقه، فمن ذلك: ما رووه: «أَنَّ نَفَرًا مِنَ اليَهُودِ أَتَوْا الرَّسُولَ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالُوا: مَنْ يَحْمِلُ العَرْشَ؟ فَقَالَ: " تَحْمِلُهُ الهَوَامُّ بِقُرُونِهَا، وَالمَجَرَّةُ التِي فِي السَّمَاءِ مِنْ عَرَقِهِمْ "، قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (¬1). قال أبو قاسم البلخي: «هَذَا وَاللهِ تَقَوُّلٌ، وَقَدْ أَجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ مَلاَئِكَةٌ» (¬2)، وحديث عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المَجَرَّةُ التِي فِي السَّمَاءِ عَرَقُ الأَفْعَى التِي تَحْتَ العَرْشِ» (¬3). وقال أبو القاسم: «وَمَا يَسْتَجِيز أَن يَرْوِي مِثْلَ هَذَا عَنْ رَسُول اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلاَّ مَنْ لاَ يُبَالِي بِدِينِهِ، وَمَتَى قَالَ المُسْلِمُونَ إِنَّ تَحْتَ العَرْشِ أَفْعَى؟ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ دَسِيسِ الزَّنَادِقَةِ لِيُقَبِّحُوا الإِسلاَمَ» (¬4)، وحديث: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , مِمَّ رَبُّنَا؟ قَالَ: " مِنْ مَاءٍ مَرُورٍ لا مِنْ أَرْضٍ وَلا سَمَاءَ , خَلَقَ خَيْلا فَأَجْرَاهَا فَعَرِقَتْ فَخَلَقَ نَفْسَهُ مِنْ ذَلِكَ العَرَقِ» (¬5). إنه لا يضع مثل هذه الأحاديث مسلم ولا عاقل!!. وإن هؤلاء لأشد ضَرَرًا وبلاء على الإسلام من غيرهم، فقد كان منهم من يفحش في الكذب والافتراء، ومن هؤلاء عبد الكريم بن أبي العوجاء، الذي اعترف قبل أن تضرب عنقه بوضعه الحديث، فقال: «وَاللهِ لَقَدْ وَضَعْتُ فِيكُمْ ¬

_ (¬1) " قبول الأخبار ": ص 14. (¬2) " قبول الأخبار ": ص 14. (¬3) " قبول الأخبار ": ص 14. (¬4) " قبول الأخبار ": ص 14. (¬5) " تنزيه الشريعة المرفوعة ": ص 134 جـ 1.

[3] التفرقة العنصرية والتعصب للقبيلة والبلد والإمام:

أَرْبَعَة آلاَفِ حَدِيثٍ، أُحَرِّم فِيهَا الحَلاَلَ، وَأُحَلُّ فِيهَا الحَرَامَ» (¬1) وقال المهدي: «أَقَرَّ عِنْدِي رَجُلٌ مِنَ الزَّنَادِقَةِ أَنَّهُ وَضَعَ أَرْبَعِمِائَةِ حَدِيثٍ، فَهِيَ تَجُولُ بَيْنَ أَيْدِي النَّاسِ» (¬2). وقال حماد بن زيد: «وَضَعَتْ الزَّنَادِقَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إثني عشر ألف حديث، بثوها في الناس (¬3)» وفي رواية قال: «وَضَعَتْ الزَّنَادِقَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ (¬4). إلا أن هذه الأحاديث لَمْ تَخْفَ على رجال هذا العلم، فبينوها وتتبعوا الكاذبين الذين وضعوها. [3] التَّفْرِقَةُ العُنْصُرِيَّةُ وَالتَّعَصُّبُ لِلْقَبِيلَةِ وَالبَلَدِ وَالإِمَامِ: اعتمد الأمويون في إدارة دولتهم وتسيير أمورها على العرب خاصة، وتعصب بعضهم للعرب والعربية، وربما نظر بعض العرب إلى المسلمين من العناصر الأخرى نظرة لا توافق روح العصر، حتى إن طبقة الموالي «وهم المسلمون من غير العرب» شعرب بهذه العنصرية، فكانوا يحاولون المساواة بينهم وبين العرب وانتهزوا أكثر الاضطرابات والحركات الثورية فانضموا إليها في سبيل تحقيق ذلك، (¬5) ¬

_ (¬1) " اللآلئ المصنوعة ": ص 248 جـ 2. وعبد الكريم هذا خال معن بن زائدة الشيباني المعروف وقد أمر بضرب عنقه محمد بن سليمان بن علي أمير مكة. وقال الذهبي في " الميزان ": «أمير البصرة»، انظر " توضيح الأفكار ": ص 75 جـ 2، وانظر " ميزان الاعتدال ": ص 144 جـ 2. (¬2) " الكفاية ": ص 431، و" اللآلئ المصنوعة ": ص 248 جـ 2. (¬3) مقدمة " التمهيد " لابن عبد البر: ص 12، و" الكفاية ": ص 431. (¬4) " تدريب الراوي ": ص 186، و" توضيح الأفكار ": ص 75 جـ 2. وذكر عنه أربعة آلاف، انظر" اللآلئ المصنوعة ": ص 248 جـ 2، وأظن أنه خطأ مطبعي أو خطأ من الراوي. (¬5) انظر " تاريخ الإسلام " للدكتور حسن إبراهيم حسن: ص 342 جـ 1.

وإلى جانب هذا كانوا يبادلون العرب الاعتزاز والفخار، فحملهم هذا على وضع أحاديث ترفع من قدرهم، وتبين فضائلهم، ومن ذلك حديث: «إِنَّ كَلامَ الَّذِينَ حَوْلَ العَرْشِ بِالفَارِسِيَّةِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَوْحَى أَمْرًا فِيهِ لِينٌ أَوْحَاهُ بِالفَارِسِيَّةِ، وَإِذَا أَوْحَى أَمْرًا فِيهِ شِدَّةٌ أَوْحَاهُ بِالعَرَبِيَّةِ» (¬1) فوضع مقابله حديث: «أَبْغَضُ الكَلامِ إِلَى اللَّهِ الفَارِسِيَّةُ، وَكَلامُ الشَّيَاطِينِ الخُوزِيَّةُ، وَكَلامُ أَهْلِ النَّارِ البُخَارِيَّةُ، وَكَلامُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْعَرَبِيَّةُ» (¬2)، وحديث: «دَعُونِي مِنَ السُّودَانِ إِنَّمَا الأَسْوَدُ لِبَطْنِهِ وَفَرْجِهِ» (¬3). ومنشأ وضع الأحاديث في فضائل بعض القبائل العربية يرجع - في غالب ظني - إلى إثارة تلك العصبية القبلية التي ظهرت في الدولة الأموية عقب وفاة يزيد بن معاوية (¬4). وكانت وضعت أحاديث في الجنس والقبيلة واللغة وضعت أحاديثُ في تفضيل البلدان والأئمة، وأظن أن انتقال مركز إدارة الدولة الإسلامية من بلد إلى آخر كان له أثر بعيد في دفع بعض المتعصبين إلى وضع الأحاديث في فضائل بلدانهم أو أئمتهم. ومما لا شك فيه أن التعصب للأئمة لم يظهر إلا في القرن الثالث الهجري، ولم تبد هذه الظاهرة إلا من الأتباع الجاهلين، فَوُضِعَتْ أحاديث كثيرة في فضائل البلدان منها: «أَرْبَعُ مَدَائِنَ مِنْ مُدُنِ الجَنَّةِ فِي الدُّنْيَا: مَكَّةُ، وَالْمَدِينَةُ، ¬

_ (¬1) " تنزيه الشريعة المرفوعة ": ص 136 جـ 1. (¬2) " تنزيه الشريعة المرفوعة ": ص 137 جـ 1. (¬3) المرجع السابق: ص 31 جـ 2. (¬4) انظر " تاريخ الإسلام " للدكتور حسن إبراهيم حسن: ص 337 جـ 1.

[4] القصاصون:

وَبَيْتُ المَقْدِسِ وَدِمَشْقُ ... » (¬1) وفي الآئمة حديث: «يَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ بْنُ إِدْرِيسَ هُوَ أَضَرُّ عَلَى أُمَّتِي مِنْ إِبْلِيسَ، وَيَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ سِرَاجُ أُمَّتِي» (¬2)، و «سَيَأْتِي مِنْ بَعْدِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ وَيُكَنَّى أَبَا حَنِيفَةَ لَيُحْيَيَنَّ دِينُ اللَّهِ وَسُنَّتِي عَلَى يَدَيْهِ» (¬3). [4] القَصَّاصُونَ: ظهرت حلقات القصاصين والوعاظ في أواخر عهد الخلافة الراشدة (¬4)، وكثرت هذه الحلقات فيما بعد في مختلف مساجد الأقطار الإسلامية (¬5)، وكان بعض القصاص لا يهمه إلا أن يجتمع الناس عليه، فيضع لهم ما يرضيهم من الأحاديث التي تستثير نفوسهم، وتحرك عواطفهم، وقد كان معظم البلاء من هذا الصنف الذي يكذب على رسول (¬6) الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا يرى في ذلك إثمًا ولا بُهتانًا. ومما يؤسف له أن هؤلاء القصاس - على تعالمهم وكذبهم على رسول الله ¬

_ (¬1) " تنزيه الشريعة المرفوعة ": ص 48 جـ 2. (¬2) المرجع السابق: ص 30 جـ 2. (¬3) المرجع السابق: ص 30 جـ 2. (¬4) استشار تميم الداري - صحابي مشهور - عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ليقص على الناس فأبي عليه ولم يسمح له. انظر ص 18: ب من " تمييز المرفوع عن الموضوع ". وعن نافع عن ابن عمر أنه لم يقص على عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا على عهد أبي بكر ولا عمر ولا عثمان وإنما قص حين وقعت الفتنة. انظر كتاب " العلم " للمقدسي: ص 52، وانظر " ذكر أخبار أصبهان ": ص 136 جـ 1، طبع ليدن سنة 1931. (¬5) انظر " الخطط " للمقريزي: ص 246 و 256 جـ 2 حيث يذكر بعض القصاص والمساجد التي كانوا يقصون بها، وكذلك " البيان والتبيين ": ص 368 جـ 1. (¬6) انظر " اللآلئ المصنوعة ": ص 249 جـ 2.

- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد وجدوا آذانًا نسمع لهم ونصدقهم وندافع عنهم، وكان هؤلاء من جهلة العامة التي لا يهمها البحث والتقصي. ومما وضعه القصاص حديث: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً يَخْرُجُ مِنْ أَعْلاهَا الْحُلَلُ، وَمِنْ أَسْفَلِهَا خَيْلٌ بُلْقٌ مِنْ ذَهَبٍ مُسَرَّجَةٌ مُلَجِمَةٌ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، لاَ تَرُوثُ وَلا تَبُولُ، ذَوَاتُ أَجْنِحَةٍ، فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَتَطِيرُ بِهِمْ حَيْثُ شَاءُوا ... » (¬1). وقد قاوم رجال الحديث القُصَّاصَ، وبينوا كذبهم، فلقوا من أتباعهم الإنكار والأذى، وفي ذلك حوادث طريفة منها: أن الشعبي أنكر على أحد القصاص في بلاد الشام، فقامت عليه العامة تضربه، ولم يدعه أتباع القاص حتى قال الشعبي برأي شيخهم نجاة بنفسه (¬2). وكان رجال الحديث ينهون طلابهم وإخوانهم عن مجالسة القصاص، من ذلك ما رواه عاصم قال: «كُنَّا نَأْتِي أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ وَنَحْنُ غِلْمَةٌ أَيْفَاعٌ، وَكَانَ يَقُولُ: لاَ تُجَالِسُوا الْقُصَّاصَ غَيْرَ أَبِي الأَحْوَصِ، وَإِيَّاكُمْ وَشَقِيقًا، قَالَ وَكَانَ شَقِيقٌ هَذَا يَرَى رَأْيَ الْخَوَارِجِ وَلَيْسَ بِأَبِي وَائِلٍ» (¬3). وكان بعض هؤلاء القصاص شحاذين يضعون من الحديث ما يرغب الناس في الإحسان إليهم والعطف عليهم، من هذا ما روى ابن الجوزي بإسناده إلى أبي جعفر بن محمد الطيالسي، قال: صَلَّى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي مَسْجِدِ الرُّصَافَةِ. فَقَامَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ قَاصٌّ فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله «مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ خَلَقَ اللهُ مِنْ كُلِّ كَلِمَةٍ طَيْرًا مِنْقَارُهُ مِنْ ذَهَبٍ، ¬

_ (¬1) " تنزيه الشريعة المرفوعة ": ص 378 جـ 2. (¬2) انظر " تمييز المرفوع عن الموضوع ": ص 16: ب، و " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ". (¬3) " صحيح مسلم بشرح النووي ": ص 100 جـ 1.

وَرِيشُهُ مِنْ مَرْجَانَ!!» وَأَخَذَ فِي قِصَّةٍ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ وَرَقَةً. فَجَعَلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَنْظُرُ إِلَى يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ، وَجَعَلَ يحيى بْنَ مَعِينٍ ينظر إِلَى أَحْمد. فَقَالَ لَهُ: «حَدَّثْتَهُ بِهَذَا!؟» فَيَقُولُ: «وَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ بِهَذَا إِلاَّ السَّاعَةَ»، فلما فرغ من قصصه وأخذ العطيات، ثم قعد ينتظر بقيتها، قال له يحيى بن معين بيده: تعال، فجاء متوهمًا لنوال، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: «مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا الحَدِيثِ؟!» فَقَالَ: «أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ». فَقَالَ: «أَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَهَذَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. مَا سَمِعْنَا بِهَذَا قَطُّ فِي حَدِيث رَسُول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -!. فَقَالَ: «لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ أَنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ أَحْمَقٌ، مَا تَحَقَّقْتُ هَذَا إِلاَّ السَّاعَةَ! ... كَأَنْ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَحْمَدُ ابْن حَنْبَلٍ غَيْرُكُمَا؟. قَدْ كَتَبْتُ عَنْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنَ مَعِينٍ!!» فوضع أحمد كمه على وجهه، وقال: «دَعْهُ يَقُومُ»، فقام كالمستهزئ بهما» (¬1)!!. وكان من هؤلاء القصاص المتكسبين من يحفظون أسانيد مشهورة، يكررونها كالببغاء ويلصقون بها ما يضعوه من الأحاديث العجيبة بكل وقاحة وصفاقة وجه، كما فعل القاص المذكور مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وَكَمَا فَعَلَ قََاصٌّ آخَرَ حَكَى عَنْه أَبُو حَاتِمٍ البُسْتِي جَهْلَهُ وَكذِبَهُ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: دَخَلْتُ مَسْجِدًا، فَقَامَ بَعْدَ الصَّلاَةِ شَابٌّ فَقَالَ: «حَدَثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ: حَدَثَنَا أَبُو الوَلِيدَ عَنْ شُعَبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ» وَذَكَرَ حَدِيثًا، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: «فَلَمَّا فَرَغَ دَعْوَتَهُ، قُلْتُ: رَأَّيْتَ أَبَا خَلِيفَةً؟ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: كَيْفَ تَرْوِي عَنْهُ وَلَمْ تَرَهُ؟ فَقَالَ: إِنَّ المُنَاقَشَةَ مَعَنَا مِنْ قِلَّةِ المُرُوءَةِ! أَنَا أَحْفَظُ هَذَا الإِسْنَادَ، ¬

_ (¬1) " الباعث الحثيث ": ص 93، 94، و" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 149: آ - 149: ب، و " تمييز المرفوع عن الموضوع ": ص 16: ب، و" توضيح الأفكار ": ص 76، 77 جـ 2.

[5] الرغبة في الخير مع الجهل بالدين:

فكلما سمعت حديثًا ضممته إلى هذا الإسناد!!» (¬1). وقد بين أيوب السختياني أثر القصاص في إفساد الحديث فقال: «مَا أَفْسَدَ عَلَى النَّاسِ حَدِيثَهُمْ إِلاَّ القُصَّاصُ» وقال أَيْضًا: «مَا أَمَاتَ العِلْمَ إِلاَّالْقُصَّاصُ» (¬2). والأحاديث التي وضعها القصاص في القرن الأول قليلة، ازدادت فيما بعد، وقد كشف عنها رجال هذا العلم وَبَيَّنُوا واضعيها وتتبعوهم حتى تميز الصحيح من الباطل. [5] الرَّغْبَةُ فِي الخَيْرِ مَعَ الجَهْلِ بِالدِّينِ: بينت فيما تقدم أن بعض ما حدث من الفتن، وما ترتب عليه من ظهور الفرق والأحزاب السياسية والدينية، قد دفع هذه الأحزاب إلى وضع الأحاديث لتأييد مذاهبهم، ورفع شأن زعمائهم، والحط من قيمة خصومهم، وقد ظهر إثر هذا بعض الصالحين والزهاد وَالعُبَّادِ، الذين ساءهم هذا الانشقاق وتفرقة الأمة، فوضعوا الأحاديث يقربون فيها بين المتخاصمين ويرفعون قدر زعمائهم جَمِيعًا، ومع الزمن ساء هؤلاء أن يروا إنشغال الناس بالدنيا عن الآخرة، فوضعوا أحاديث في الترهيب والترغيب حسبة لله (¬3)، وقد حملهم جهلهم بالدين ¬

_ (¬1) " الباعث الحثيث ": ص 93. (¬2) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 147: ب. (¬3) ومن هنا ما يرويه علي بن المديني أن جرير بن عبد الواحد روى أن عبد الله بن المسور كان «يَضَعُ الحَديثَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ -، وَلاَ يَضَعُ إلاَّ مَا فِيهِ أَدَبٌ أَوْ زُهْدٌ، فَيُقَالُ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَيَقُولُ: إِنَّ فِيه أجرًا». انظر: ص 7، 8 " قبول الأخبار ". وعبد الله بن المسور هو نفسه أبو جعفر المدائني الهاشمي الذي أرسل عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلاَمًا =

على استساغة ما سولت لهم أنفسهم لِيُرَغِّبُوا الناس في صالح الأعمال، وكأن هذه الثروة من الأحاديث النبوية التي لا تدرك البيان وصفها - لم تشف صدروهم، ولم ترو ظمأهم، فراحوا يضعون الأكاذيب على رسول الله، وإذا ما ذُكِّرُوا بقوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» قالوا: نحن ما كذبنا عليه، إنما كذبنا له (¬1). ومن الغريب والمؤسف أن صلاحهم خدع العامة، فكانوا يصدقونهم ويثقون بهم، فكان خطرهم شديدًا على الدين (¬2)، بل هم أعظم ضَرَرًا من غيرهم، لما عرفوا به من الصلاح والورع والزهد، الذي لا يتصور معه العامي إقدام مثل هؤلاء الصالحين على الكذب، وفي هذا يروي محمد بن يحيى بن سعيد القطان عن أبيه قوله: «لَمْ نَرَ الصَّالِحِينَ فِي شَيْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الحَدِيثِ» (¬3). وقال أبو عاصم النبيل: «مَا رَأَيْتُ الصَّالِحَ يَكْذِبُ فِي شَيْءٍ أَكْثَرَ مِنَ الحَدِيثِ» (¬4)، وفي رواية عن يحيى بن سعيد القطان «مَا رَأَيْتُ الكَذِبَ فِي أَحَدٍ أَكْثَرَ مِنْهُ فِيمَنْ يُنْسَبُ إِلَى الخَيْرِ وَالزُّهْدِ» (¬5). ومما وضعه الصالحون أحاديث فضائل السور، وفي هذا مَا يَرْوِيهِ الْحَاكِمُ بِسَنَدِهِ ¬

_ = حقًا ليس عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاحتمله الناس في الدعاء ونحوه، انظر أَيْضًا " قبول الأخبار ": ص 15 وعبد الله بن المسور هذا هو الذي يروي عنه خالد بن أبي كريمة. انظر ترجمته في " ميزان الاعتدال ": ص 78 جـ 2 ترجمه (563) وذكر الإمام مسلم هذا في " صحيحه ": انظر " مسلم بشرح النووي ": ص 107 جـ 1. (¬1) انظر " اختصار علوم الحديث ": ص 86. (¬2) انظر " تدريب الراوي ": ص 184. (¬3) " صحيح مسلم بشرح النووي ": ص 94 جـ 1، ونحوه في مقدمة " التمهيد ": ص 14: آ، وفي " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 159: آ. (¬4) " المحدث الفاصل ": ص 83: آ. (¬5) " اللآلئ المصنوعة ": ص 248 جـ 2.

[6] الخلافات المذهبية والكلامية:

إِلَى أَبِي عَمَّارٍ الْمَرْوَزِيِّ، أَنَّهُ قِيلَ لأَبِي عِصْمَةَ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ: «مِنْ أَيْنَ لَكَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ سُورَةً سُورَةً، وَلَيْسَ عِنْدَ أَصْحَابِ عِكْرِمَةَ هَذَا؟ فَقَالَ: " إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ قَدْ أَعْرَضُوا عَنِ الْقُرْآنِ وَاشْتَغَلُوا بِفِقْهِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَغَازِي ابْنِ إِسْحَاقَ، فَوَضَعْتُ هَذَا الحَدِيثَ حِسْبَةً (¬1)». وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ لِمَيْسَرَةَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ: «مِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ، مَنْ قَرَأَ كَذَا فَلَهُ كَذَا؟» قَالَ: «وَضَعْتُهَا أُرَغِّبُ النَّاسَ فِيهَا» (¬2)، وقال أبو عبد الله النهاوندي لغلام خليل - هو أحمد بن محمد بن غالب الباهلي -: «مَا هَذِهِ الرَّقَائِقُ التِي تُحَدِّثُ بِهَا؟» قَالَ: «وَضَعْنَاهَا لِنُرَقِّقَ بِهَا قُلُوبَ العَامَّةِ (¬3)»، وقد كان مشهورًا بزهده حتى عرف بزاهد بغداد، وقد غلقت أسواق بغداد لموته (¬4)، وحمل في تابوت إلى البصرة، وكان يحفظ علمًا كثيرًا، ومع هذا لم يحمل عنه العلماء وبينوا أمره وأمر غيره. [6] الخِلاَفَاتُ المَذْهَبِيَّةُ وَالكَلاَمِيَّةُ: وكما دعم أتباع الأحزاب السياسية آراءهم وأحزابهم بوضع الأحاديث وضع أتباع المذاهب الفقهية والكلامية أحاديث لتأييد مذاهبهم؛ من هذا ما روي أَنَّهُ قِيلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ عُكَّاشَةَ الكِرْمَانِيِّ: إِنَّ قَوْمًا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الرُّكُوعِ، وَفِي الرَّفْعِ مِنْهُ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْمُسَيَّبُ بْنُ وَاضِحٍ ... عَنْ أَنَسٍ، مَرْفُوعًا: ¬

_ (¬1) " تدريب الراوي ": ص 184، و " اللآلئ المصنوعة ": ص 248 جـ 2. (¬2) " تدريب الراوي ": ص 184، و " اللآلئ المصنوعة ": ص 248 جـ 2. (¬3) " ميزان الاعتدال ": ص 66، 67 جـ 1، و " تدريب الراوي ": ص 185، و " اللآلئ المصنوعة ": ص 248 جـ 2. (¬4) كانت وفاته في رجب من سَنَةِ (275 هـ). انظر " ميزان الاعتدال ": ص 66، 67 جـ 1.

[7]- التقرب من الحكام وأسباب أخرى:

«مَنْ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ» (¬1)، وحديث: «كُلُّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَهُوَ مَخْلُوقٌ غَيْرُ اللَّهِ وَالقُرْآنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ وَيَجِيءُ أَقْوَامٌ مِنْ أُمَّتِي يَقُولُونَ: القُرْآنُ مَخْلُوقٌ، فَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ فَقَدْ كَفَرَ بِاللَّهِ العَظِيمِ، وَطُلِّقَتِ امْرَأَتُهُ مِنْ سَاعَتِهِ، لأَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةٌ تَحْتَ كَافِرٍ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ سَبَقَتْهُ بِالقَوْلِ» (¬2).وعلائم الوضع ظاهرة جلية في تعليلاته وركاكة لفظه. وَمِنْ هَذَا مَا رَوَاهُ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا مُحْرِزٌ أَبُو رَجَاءٍ، - وَكَانَ يَرَى القَدَرَ فَتَابَ مِنْهُ -، فقالَ: «لاَ تَرْوُوا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقَدَرِ شَيْئًا، فَوَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نَضَعُ الأَحَادِيثَ نُدْخِلُ بِهَا النَّاسَ فِي القَدَرِ، نَحْتَسِبُ بِهَا، وَلَقَدْ أَدْخَلْتُ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ مِنَ النَّاسِ». قَالَ زُهَيْرُ: فَقُلْتُ لَهُ: «كَيْفَ تَصْنَعُ بِمَنْ أَدْخَلْتَهُمْ؟» قَالَ: «هَا أَنَا ذَا أُخْرِجُهُمْ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ» (¬3). [7]- التَّقَرُّبُ مِنَ الحُكَّامِ وَأَسْبَابٌ أُخْرَى: لم يذكر أحد - فيما اطلعت - أَنَّ أَحَدًا من رجال الحديث أو غيرهم تقرب من خلفاء بني أمية وأمرائهم بوضع ما يرضي ميولهم من الحديث، اللهم إلا ما اتهم به الشيعة بعض الصحابة والتابعين في ذلك، وقد رَدَدْنَا هذا في الفصل ¬

_ (¬1) " تدريب الراوي ": ص 181. و" الباعث الحثيث ": ص 90، وقال فيه عن الحاكم: فهذا مع كونه كذبًا من أنجس الكذب، فإن الرواية عن الزهري بهذا السند بالغة مبلغ القطع بإثبات الرفع عند الركوع وعند الاعتدال، وهي في " الموطأ " وسائر كتب الحديث. اهـ. من " لسان الميزان ": ص 288، 289 جـ 5. (¬2) " تنزيه الشريعة المرفوعة: ص 134 جـ 1. (¬3) " الجرح والتعديل ": ص 32 جـ 1، وفيه (هُوَذَا) وما أثبته أصوب.

الثاني من «أبي هريرة»، وطبيعي أن يتقرب بعض المرائين إلى الطبقة الحاكمة بوضع ما يرضيهم من الحديث، وقد حدث هذا فعلاً في عهد العباسيين، فقد أَسْنَدَ الحَاكِمُ «عَنْ هَارُونَ بْنِ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ الْمَهْدِيُّ: أَلاَ تَرَى مَا يَقُولُ لِي مُقَاتِلٌ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ وَضَعْتُ لَكَ أَحَادِيثَ فِي العَبَّاسِ، قُلْتُ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيهَا» (¬1). وقد كذب غياث بن إبراهيم للمهدي في حديث «لاَ سَبَقَ إِلاَّ فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ» فزاد فيه «أَوْ جَنَاحٍ» حين رآه يلعب بالحمام، فتركها المهدي بعد ذلك، وأمر بذبحها، بعد أن أعطاه عشرة آلاف درهم، وقال فيه بعد أن ولي: «أَشْهَدُ عَلَى قَفَاكَ أَنَّهُ قَفَا كَذَّابٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (¬2). وإن هذا الإنكار من المهدي لا يكفي، بل كان عليه ألا يعطيه عشرة آلاف درهم من أموال المسلمين، لكذبه على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأن يمنعه من هذا ويزجره ويحبسه إذا لم يشأ أن يقتله (¬3). وهناك أسباب أخرى بَيَّنَهَا رجال الحديث، وضربوا لها الأمثال، مثال ذلك ما أسنده الحاكم عَنْ سَيْفِ بْنِ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ، فَجَاءَ ابْنُهُ مِنَ الكُتَّابِ يَبْكِي، فَقَالَ: " مَالَكَ؟ " قَالَ: " ضَرَبَنِي المُعَلِّمُ " فَقَالَ: " لأُخْزِيَنَّهُمُ اليَوْمَ، حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مُعَلِّمُو صِبْيَانِكُمْ ¬

_ (¬1) " تدريب الراوي ": ص 187، و" الباعث الحثيث ": ص 94 وأبو عبيد الله هو وزير المهدي. (¬2) " المدخل ": ص 20، 21 و" الباعث الحثيث ": ص 94، و" تدريب الراوي ": ص 187، و" توضيح الأفكار ": ص 76 جـ 2. (¬3) راجع " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 104، فقد كتب أستاذنا الدكتور السباعي كلمة طيبة جريئة لما كان لتساهل الخلفاء والأمراء مع الوضاعين من أثر سيء في الدين.

شِرَارُكُمْ، أَقَلُّهُمْ رَحْمَةً لِلْيَتِيمِ وَأَغْلَظُهُمْ عَلَى المِسْكِينِ» (¬1). وحديث «خَيْرُ تِجَارَتِكُمُ البَزُّ وَخَيْرُ صَنَائِعِكُمُ الخَرْزُ» (¬2)، و «مِنْ سِيَادَةِ المَرْءِ خِفَّةُ عَارِضَيْهِ» (¬3) و «النَّاسُ أَكْفَاءٌ إِلاَّ حَائِكٌ أَوْ حَجَّامٌ» (¬4). ومن الوضاعين من جعل الأسانيد المشهورة للحكم القديمة، وللأقوال المعسولة، ومنهم من وضع الحديث للإغراب ليقصدوا بالطلب لما عندهم من غريب الحديث، وهؤلاء من جهال أهل الحديث، بل من المتطفلين على الحديث النبوي وعلمائه، ومنهم من وضع الأحاديث في أصناف معينة من المآكل لترويجها، أو في مهن خاصة للرفع من قدرها .. وفي غير هذا وذاك، وقد بَيَّنَ العلماء جميع هذا، ووضعوا قواعد علمية دقيقة لحفظ الحديث. ¬

_ (¬1) " تدريب الراوي ": ص 180، 181. و" الباعث الحثيث ": ص 89 حيث قال: وسعد بن طريف هذا، قال فيه ابن معين: «لاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَرْوِي عَنْهُ». وقال ابن حبان: «كَانَ يَضَعُ الحَدِيثَ». وراوي القصة عنه سيف بن عمر، قال فيه الحاكم: «اتُّهِمَ بِالزَّنْدَقَةِ وَهُوَ فِي الرِّوَايَةِ سَاقِطٌ». اهـ. (¬2) " قبول الأخبار ": ص 21. وانظر في " المدخل ": ص 24 بعض ما وضعه الكذابون في الشهوات والملذات. (¬3) " قبول الأخبار ": ص 21. وانظر في " المدخل ": ص 24 بعض ما وضعه الكذابون في الشهوات والملذات. (¬4) " قبول الأخبار ": ص 21. وانظر في " المدخل ": ص 24 بعض ما وضعه الكذابون في الشهوات والملذات.

الفصل الثاني: جهود الصحابة والتابعين وأتباعهم في مقاومة الوضع:

الفَصْلُ الثَّانِي: جُهُودُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ فِي مُقَاوَمَةِ الوَضْعِ: كاد الوضاعون يسيئون إلى الدين إساءة خطيرة، ويشوهون بكذبهم وجه الإسلام، ويدخلون في تعاليمه ما ليس منه، لولا عناية الله - عَزَّ وَجَلَّ - الذي حفظ الإسلام من التحريف والتبديل، وصان كلام نبيه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أن يكون مطية لأهل الأهواء، فَقَيَّضَ للأمة رجالاً أمناء مخلصين، قاوموا الوضاعين وتتبعوهم، ومازوا الباطل من الصحيح، فلولا الجهود التي بذلها الصحابة والتابعون وعلماء الأمة من بعدهم لاشتبه على كثير من الناس بعض أمور دينهم، لكثرة ما اختلقه الكذبة الوضاعون، ونسبوه إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زُورًا وَبُهْتَانًا. وإن المنصف لا يسعه إلا أن يقف إجلالاً وإكبارًا لجهود علماء الأمة التي بذلوها - منذ عصر الصحابة إلى أن تم تدوين السُنَّةِ - في تنقيح السُنَّةِ الشَّرِيفَةِ وتطهيرها مما أدخلته فيها يد الوضع، وإن المرء ليزداد إعجابًا بتلك القواعد العلمية الدقيقة التي طبقها العلماء، وبذلك المنهج الخاص الذي اتبعوه في سبيل الحفاظ على حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولندرك قيمة بحثهم ودراستهم وصبرهم وتتبعهم إزاء تلك الكثرة من الأحاديث الموضوعة، التي يصعب استقصاؤها وحصرها - يكفينا لهذا أن نعلم أنه قد وضع أعداء الإسلام بشهادة حماد بن زيد أربعة عشر ألف حديث، وأقر محرز أبو رجاء القدري التائب بأنهم وضعوا أحاديث في القدر أدخلت أربعة آلاف

أولا - التزام الإسناد:

إنسان فيه، وغير هؤلاء كثيرون، فكانت مهمة العلماء شاقة لما يحف بها من الحذر، وما يترتب عليها من الآثار الجليلة في الدين والدنيا، وبفضل الله ورحمته ذللت تلك الصعوبات على أيدي جهابذة الأمة، الذين شهد بعلمهم وفضلهم وحسن منهجهم ودقة قواعدهم علماء المشرق والمغرب، وحفظت السنة من عبث العابثين وتأويل المعرضين، وتحريف الجاهلين المضلين، وَصَدَقَ ابْنُ المُبَارَكِ حِينَ قِيلَ لَهُ: هَذِهِ الأَحَادِيثُ المَوْضُوعَةُ!!؟ فَقَالَ: «تَعِيشُ لَهَا الجَهَابِذَةُ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}» (¬1). ونستعرض ما بذله علماء الأمة في سبيل حفظ الحديث الشريف، فقد بحثوا في كل ما يتعلق بالحديث النبوي رواية ودراية، وخطوا خطوات جليلة كفلت سلامة السنة من العبث، ونحن نلخصها فيما يلي: أَوَّلاً - الْتِزَامُ الإِسْنَادِ: لم يكن المسلمون في صدر الإسلام - منذ عهد الرسول صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى فتنة عثمان - يُكَذِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، بل كانت الثقة تملأ صدورهم، والإيمان يغمر قلوبهم، حتى إذا ما وقعت الفتنة، وتكونت الفرق والأحزاب، وبدأ الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يُتَّخَذُ مطية لأهل الأهواء، وقف الصحابة والتابعون من هذه الظاهرة وقفة قوية للحفاظ على الحديث الشريف، وأصبحوا يشددون في طلب الإسناد من الرواة، والتزموه في الحديث، لأن السند للخبر كالنسب للمرء، ويخبرنا الإمام محمد بن سيرين عن ذلك فيقول: «لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الفِتْنَةُ قَالُوا: سَمُّوا ¬

(¬1) " تدريب الراوي ": ص 184 و" الكفاية ": ص 37، و " الجرح والتعديل ": ص 18 جـ 1 وروي عن عبد الرحمن بن مهدي نحو هذا في " توضيح الأفكار ": ص 79 جـ 2 والآية 9 من سورة الحجر.

لَنَا رِجَالَكُمْ. فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُنّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ، وَيُنظَرُ إِلَى أَهْلِ البِدَعِ فَلاَ يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ» (¬1). وهذا لا يدل على أن الصحابة والتابعين لم يكونوا يسندون الأحاديث قبل الفتنة بل كان بعضهم يسند ما يروي تارة ولا يسنده أخرى، لأنهم كانوا على جانب كبير من الصدق والأمانة والإخلاص، وهناك أمثلة واضحة تبين إسناد الصحابة للروايات قبل الفتنة، من هذا ما حَدَّثَ بِهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: «أَنَّ فَاطِمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهَا أَنْ تَحِلَّ، فَحَلَّتْ وَنَضَحَتْ البَيْتَ بِنَضُوحٍ» (¬2). وَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - (¬3). وقد حَدَّثَ الصحابة بعضهم عن بعض. وخلاصة القول أن المسلمين قبل الفتنة لم يلتزموا الإسناد دَائِمًا لما كانوا عليه من الصدق والأمانة، عِلْمًا بأن الإسناد لم يكن طَارِئًا وجديدًا على العرب بعد الإسلام، بل عرفوه قبل الإسلام، وكانوا أحيانًا يسندون القصص والأشعار في الجاهلية (¬4). وإنما التزم هذا التثبت في الإسناد بعد الفتنة في عهد صغار الصحابة وكبار التابعين، وفي هذا يروي الإمام مسلم بسنده المتصل عن ¬

_ (¬1) " صحيح مسلم بشرح النووي ": ص 84 جـ 1. و" سنن الدارمي ": ص 112 جـ 1. ومحمد بن سيرين تابعي جليل ولد سَنَةَ 33 هـ وتوفي سَنَةَ 110 هـ، انظر ترجمته في الباب الخامس من هذه الرسالة. (¬2) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 82: ب. (¬3) انظر " البداية والنهاية ": ص 109 جـ 8، و" سير أعلام النبلاء ": ص 436 جـ 2. (¬4) وقد ينتهي الإسناد إلى الشاعر أو إلى راويته، ولم يكن التزام الإسناد المتصل دائمًا بل من النادر، أما الإسناد المرسل فهو أكثر و «يَكَادُ يَكُونُ مُلْتَزِمًا فِي رِوَايَةِ الأَدَبِ اِلْتِزَامًا لاَ إِخْلاَلَ فِيهِ». انظر: " مصادر الشعر الجاهلي ": ص 258.

مُجَاهِدٍ - قَالَ: جَاءَ بُشَيْرٌ العَدَوِيُّ (¬1) إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ، وَيَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ لاَ يَأْذَنُ لِحَدِيثِهِ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَالِي لاَ أَرَاكَ تَسْمَعُ لِحَدِيثِي، أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ تَسْمَعُ؟، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «إِنَّا كُنَّا مَرَّةً إِذَا سَمِعْنَا رَجُلاً يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا، وَأَصْغَيْنَا إِلَيْهِ بِآذَانِنَا، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ، وَالذَّلُولَ، لَمْ نَأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ مَا نَعْرِفُ» (¬2). وفي رواية عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: [جَاءَ هَذَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - يَعْنِي بُشَيْرَ بْنَ كَعْبٍ -] فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا، فَعَادَ لَهُ، ثُمَّ حَدَّثَهُ، فَقَالَ لَهُ: عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا، فَعَادَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا أَدْرِي أَعَرَفْتَ حَدِيثِي كُلَّهُ، وَأَنْكَرْتَ هَذَا؟ أَمْ أَنْكَرْتَ حَدِيثِي كُلَّهُ، وَعَرَفْتَ هَذَا؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: «إِنَّا كُنَّا نُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ لَمْ يَكُنْ يُكْذَبُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ، تَرَكْنَا الحَدِيثَ عَنْهُ» (¬3)، وكان بعدهم التابعون يسألون عن الإسناد ويلتزمونه، ومن هذا ما يرويه ابن عبد البر عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، قَالَ: «مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مَرَّاتٍ كَانَ لَهُ كَعِتْقِ رِقَابٍ أَوْ رَقَبَةٍ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَقُلْتُ لِلرَّبِيعِ بْنِ خَثْيَمٍ: مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا الحَدِيثِ؟ فَقَالَ: عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ الأَوْدِيُّ، فَلَقِيتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ فَقُلْتُ: مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا الحَدِيثِ؟ فَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، فَلَقِيتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَقُلْتُ: مَنْ ¬

_ (¬1) هُوَ بُشَيْرٌ - مُصَغَّرًا - ابن كعب بن أبي الحمير العدوي، أبو أيوب البصري ثقة، مخضرم من الطبقة الثانية، وفاته قبل سَنَةِ مائة من الهجرة. انظر " تقريب التهذيب ": ص 104 جـ 1. (¬2) " صحيح مسلم بشرح النووي ": ص 81 جـ 1. (¬3) " صحيح مسلم بشرح النووي ": ص 80 جـ 1.

حَدَّثَكَ؟ قَالَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (¬1). قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: «وَهَذَا أَوَّلُ مَا فُتِّشَ عَنِ الإِسْنَادِ» (¬2). وقال أبو العالية: «كُنَّا نَسْمَعُ الرِّوَايَةَ بِالْبَصْرَةِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَضِينَا حَتَّى رَحَلْنَا إِلَيْهِمْ، فَسَمِعْنَاهَا مِنْ أَفْوَاهِهِمْ» (¬3). وكان التابعون وأتباعهم يتواصون بطلب الإسناد، قال هشام بن عروة: «إذَا حَدَّثَكَ رَجُلٌ بِحَدِيثٍ فَقُلْ عَمَّنْ هَذَ؟» (¬4)، وكان الزهري إِذَا حَدَّثَ أَتَى بِالإِسْنَادِ وَيَقُولُ: «لاَ يَصْلُحُ أَنْ يُرْقَى السَّطْحُ إِلاَّ بِدَرَجِهِ» (¬5)، وقال الأوزاعي: «مَا ذَهَابُ العِلْمِ إِلاَّ ذَهَابُ الإِسْنَادِ» (¬6)،، وقال سفيان الثوري: «الإِسْنَادُ سِلاَحُ الْمُؤْمِنِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سِلاَحٌ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يُقَاتِلُ؟» (¬7)، ويقول عبد الله بن المبارك: «الإِسْنَادُ مِنَ الْدِّينِ، وَلَوْلاَ الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ» (¬8)، وعنه أنه قال: «بَيْنَنَا وَبَيْنَ القَوْمِ القَوَائِمُ» يَعْنِي الإِسْنَادَ. (¬9). وقد أتقن التابعون الإسناد وبرزوا فيه كما برزوا في غيره من علوم الحديث، وفي هذا يَقُولُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيَّ: «وَجَدْنَا الحَدِيثَ عِنْدَ أَرْبَعَةٍ: الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَالأَعْمَشِ، فَكَانَ قَتَادَةُ أَعْلَمَهُمْ بِالاخْتِلاَفِ، وَ [كَانَ] الزُّهْرِيُّ ¬

_ (¬1) مقدمة " التمهيد " لابن عبد البر: ص 14: ب. وانظر " المحدث الفاصل ": ص 20: آ. (¬2) " المحدث الفاصل ": ص 20: آ. (¬3) مقدمة " التمهيد ": ص 15: آ. ونحوه في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 168: ب. (¬4) " الجرح والتعديل ": ص 34 جـ 1. (¬5) المرجع السابق: ص 16 جـ 1. (¬6) مقدمة " التمهيد ": ص 15: ب. (¬7) " شرف أصحاب الحديث ": ص 80: ب مخطوط دار الكتب المصرية ضمن مجموعة برقم (ب - 23736) وعن مخطوطة المكتبة الظاهرية بدمشق: ص 39 جـ 1. (¬8) " صحيح مسلم بشرح النووي ": ص 87 جـ 1. (¬9) المرجع السابق: ص 88 جـ 1.

أَعْلَمَهُمْ بِالإِسْنَادِ، وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ أَعْلَمَهُمْ بِحَدِيثِ عَلِيِّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَكَانَ عِنْدَ الأَعْمَشِ مِنْ كُلِّ هَذَا ... » (¬1). وأصبح الإسناد أَمْرًا بَدَهِيًّا مُسَلَّمًا به عند العامة والخاصة، ويظهر هذا فيما يرويه الأصمعي فيقول: «حَضَرْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ وَأَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: كَيْفَ أَصْبَحَ الشَّيْخُ يَرْحَمُهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ سُفْيَانُ: بِخَيْرٍ نَحْمَدُ اللَّهَ، قَالَ: مَا تَقُولُ فِي امْرَأَةٍ مِنَ الحَاجِّ حَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ بِالبَيْتِ؟ فَقَالَ: تَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ , غَيْرَ أَنَّهَا لاَ تَطُوفُ بِالبَيْتِ , فَقَالَ: هَلْ مِنْ قُدْوَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ «عَائِشَةُ حَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ بِالبَيْتِ , فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ غَيْرَ الطَّوَافِ» , قَالَ: هَلْ مِنْ بَلاَغٍ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ , حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِذَلِكَ. قَالَ الأَعْرَابِيٌّ: لَقَدِ اسْتَسْمَنْتَ القُدْوَةَ , وَأَحْسَنْتَ البَلاَغَ , وَاللَّهُ لَكَ بِالرَّشَادِ» (¬2)، وقال المدائني سمع أعرابي رجلاً يحدث بأحاديث غير مسندة فقال: «لِمَ تُرْسِلُهَ بِلاَ أَزِمََّةُ وَلاَ خَطْمِ (¬3)؟». ولا يطعن فيما قررناه من التزام التابعين للإسناد المتصل ما روي عن بعض التابعين من المراسيل، لأن هناك روايات تؤكد أن التابعي كان يذكر من حدثه عندما يسأل عن الإسناد، ومن هذا ما يرويه ابن عبد البر بإسناده المتصل عَنْ مَالِكٍ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ إِلَى الزُّهْرِيِّ وَإِلَى مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ فَيَقُولُ الزُّهْرِيُّ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ جَلَسْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ: الذِي ذَكَرْتَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَنْ أَخْبَرَكَ بِهِ؟ قَالَ: ابْنُهُ سَالِمٌ. وَقَالَ حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينْ: سَلْ الحَسَنَ مِمَّنْ سَمِعَ حَدِيثَ العَقِيقَةِ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: ¬

_ (¬1) " تذكرة الحفاظ ": ص 108 جـ 1. (¬2) " الكفاية ": ص 404. (¬3) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع "، نسخة الإسكندرية: ص 164: ب.

مِنْ سَمُرَةَ قَالَ أَبُو عُمَرَ (ابن عبد البر): فَهَكَذَا مَرَاسِيلُ الثِّقَاتِ، إِذَا سُئِلُوا أَحَالُوا عَلَى الثِّقَاتِ ... قَالَ سُلَيْمَانُ الأَعْمَشِ: «قُلْتُ لإِبْرَاهِيمَ: إِذَا حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا فَأَسْنِدْهُ، فَقَالَ: إِذَا قُلْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ (عنه)، وَإِذَا سَمَّيْتُ لَكَ أَحَدًا فَهُوَ الَّذِي سَمَّيْتُ» (¬1). ومن هنا يتبين لنا أن أكثر من أرسلوا الحديث كانوا على جانب كبير من العلم، وكانوا يعرفون السند، وإنما لم يذكروه اختصارًا، ويظهر لنا هذا فيما رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: «كُنَّا نَأْتِي قَتَادَةَ، فَيَقُولُ: بَلَغَنَا عَنِ النَّبِيِّ [عَلَيْهِ السَّلاَمُ]، وَبَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ، وَبَلَغَنَا عَنْ عَلِيٍّ، وَلاَ يَكَاد يُسْنِدُ، فَلَمَّا قَدِمَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ البَصْرَةَ جَعَلَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَبَلَغَ قَتَادَةَ ذَلِكَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: سَأَلْتُ مُطَرِّفًا، وَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَحَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَأَخْبَرَ بِالإِسْنَاد» (¬2) ولم يكونوا يسألونه عن السند لثقة القوم به، ويدل على هذا ما رواه ابن سعد عَنْ مَعْمَرٍ: «وَكُنَّا نُجَالِسُ قَتَادَةَ وَنَحْنُ أَحْدَاثٌ، فَنَسْأَلُ عَنِ السَّنَدِ، فَيَقُولُ مَشْيَخَةٌ حَوْلَهُ: مَهْ، إِنَّ أَبَا الخَطَّابِ سَنَدٌ، فَيَكْسِرُونَا عَنْ ذَلِكَ» (¬3). وَيَقُولُ شُعْبَةُ: «كُنْتُ أُجَالِسُ قَتَادَةَ، فَيَذْكُرُ الشَّيْءَ فَأَقُولُ: كَيْفَ إِسْنَادُهُ؟ فَيَقُولُ المَشْيَخَةُ الذِينَ حَوْلَهُ: " إِنَّ قَتَادَةَ سَنَدٌ "، فَأَسْكُتُ، فَكُنْتُ أُكْثِرُ مُجَالَسَتَهُ، فَرُبَّمَا ذَكَرَ الشَّيْءَ فَأَذْكُرَهُ، فَعَرَفَ مَكَانِي، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ يُسْنِدُ لِي» (¬4). وهكذا نرى أن الإسناد المتصل كان قد أخذ نصيبه من العناية والاهتمام ¬

_ (¬1) مقدمة " التمهيد " لابن عبد البر: ص 10، وإبراهيم هو ابن يزيد النخعي. (¬2) " طبقات ابن سعد ": ص 7 قسم 2 جـ 2. (¬3) المرجع السابق: ص 7 قسم 2 جـ 2. (¬4) " تقدمة الجرح والتعديل ": ص 166.

ثانيا - مضاعفة النشاط العلمي والتثبت في الحديث:

في عهد التابعين حتى أصبح من واجب المحدث أن يبين نسب ما يُرْوَى، وقد شبه بعضهم الحديث من غير إسناد بالبيت بلا سقف ولا دعائم، ونظموه في قولهم: وَالعِلْمُ إِنْ فَاتَهُ إِسْنَادُ مُسْنَدِهِ * ... * ... * كَالْبَيْتِ لَيْسَ لَهُ سَقْفٌ وَلاَ طُنُبُ (¬1). وكان المحدث بإسناده الحديث يرفع العهدة عن نفسه، ويطمئن إلى صحة ما ينقل عندما ينتهي سنده المتصل إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬2). ثَانِيًا - مُضَاعَفَةُ النَّشَاطِ العِلْمِيِّ وَالتَّثَبُّتُ فِي الحَدِيثِ: من نعم الله - عَزَّ وَجَلَّ - على المسلمين أن انبث الصحابة في الأمصار والبلدان، وَكُتِبَ لبعضهم طول العمر ليساهموا في حفظ السُنَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ إثر الفتنة، وبعد ظهور الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان طلاب العلم يسمعون ¬

_ (¬1) " المحدث الفاصل ": ص 22: آ. (¬2) ونثبت هنا كلمة للدكتور [ناصر] الدين الأسد عن مرد التزام الإسناد المتصل في رواية الحَدِيثِ فَيَقُولُ: «وَيَبْدُو لَنَا أَنَّ الإِسْنَادَ المُتَّصِلَ فِي رِوَايَةِ الحَدِيثِ إِلَى أَمْرَيْنِ: أَمْرٌ دَاخِلِيٌّ، وَآخَرَ خَارِجِيٌّ. أَمَّا الدَّاخِلِيُّ فَمَبْعَثُهُ مِنْ نَفْسِ الرَّاوِي، وَمَصْدَرُهُ شُعُورُهُ بِالتَّحَرُّجِ الدِّينِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَنْقُلُ كَلاَمًا مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ الذِي قَالَ فِي حَدِيثِهِ المَشْهُورِ: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".وَفِي الإِسْنَادَ المُتَّصِلِ مَا يَجْعَلُ الُمَحَدِّثَ يَطْمَئِنُّ إِلَى أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ شُيُوخِهِ وَشُيُوخِ شُيُوخِهِ ثُمَّ التَّابِعِينَ وَالصَّحَابَةَ يَشْتَرِكُونَ مَعَهُ فِي تَحَمُّلِ تَبِعَةَ هَذَا الحَدِيثِ وَنَقْلِهِ، وَأَنَّهُ لاَ يَسْتَقِلُّ وَحْدَهُ بِحَمْلِ هَذَا العِبْءِ، وَأَنَّ تَبِعَتَهُ لاَ تَعْدُو النَّقْلَ الأَمِينَ لِمَا سَمِعَهُ عَنْ شَيْخٍ ثِقَةٍ ثَبْتٍ. وَأَمَّا الأَمْرُ الخَارِجِيُّ فَمَرْجِعُهُ إِلَى سَامِعِي الحَدِيثِ مِنَ الُمَحَدِّثِ، وذلك أن الحَدِيثَ يَتَضَمَّنُ جُزْءًا كَبِيرًا مِنَ السُنَّةِ، أَوْ هُوَ السُنَّةُ كُلَّهَا، وَهُوَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَصْدَرٌ مِنْ مَصَادِرِ التَّشْرِيعِ الإِسْلاَمِيِّ، بَلْ إِنَّهُ هُوَ المَصْدَرُ الثَّانِي الذِي يَتْلُو فِي القِيمَةِ كِتَابَ اللهِ، وَلِذَلِكَ كَانَ مِنَ التَّدْقِيقِ وَالتَّحْقِيقِ، وَمِمَّا يَبْعَثُ الطُّمَأْنِينَةَ فِي نُفُوسِ السَّامِعِينَ وَيُوحِي إِلَيْهِمْ بِالثِّقَةِ فِي حَدِيثِ الُمَحَدِّثِ أَنْ يَصِلَ بَيْنَ عَصْرِهِ وَعَصْرِ الرَّسُولِ الكَرِيمِ بِسِلْسِلَةٍ مُتَّصِلَةٍ مِنَ الرُوَّاةِ المُحَدِّثِينَ كُلُّهُمْ يَشْهَدُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِمَّنْ قَبْلَهُ حَتَّى يَصِلَ الإِسْنَادَ إِلَى الصَّحَابِيِّ فَالرَّسُولَ». " مصادر الشعر الجاهلي ": ص 258، 259.

من الصحابة، وإذا ما سمعوا من غيرهم أسرعوا إلى من عندهم من أصحاب رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - ليتأكدوا مما سمعوا، فكانوا يبينون لهم الغث من السمين، من هذا ما فعل ابن عباس مع ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: كَتَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابًا، وَيُخْفِي عَنِّي (¬1)، فَقَالَ: «وَلَدٌ نَاصِحٌ أَنَا أَخْتَارُ لَهُ الأُمُورَ اخْتِيَارًا، وَأُخْفِي عَنْهُ»، قَالَ: فَدَعَا بِقَضَاءِ عَلِيٍّ، فَجَعَلَ يَكْتُبُ مِنْهُ أَشْيَاءَ، وَيَمُرُّ بِهِ الشَّيْءُ، فَيَقُولُ: «وَاللهِ مَا قَضَى بِهَذَا عَلِيٌّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ ضَلَّ» (¬2). وكان كثير من طلاب العلم يرحلون إلى الصحابة، يقطعون الفيافي والقفار، للتأكد من حديث سمعوه من تابعي عندهم، وهذا معنى قول أَبِي الْعَالِيَةِ السَّابِقِ: «كُنَّا نَسْمَعُ الرِّوَايَةَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالبَصْرَةِ، فَلَمْ نَرْضَ حَتَّى رَكِبْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَسَمِعْنَاهَا مِنْ أَفْوَاهِهِمْ». بل إن الصحابة رحل بعضهم إلى بعض في سبيل هذا، فقد ارتحل أبو أيوب إلى عقبة بن عامر في مصر (¬3) ورحل جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن أُنَيْسٍ في حديث (¬4)، وغير هؤلاء ممن سبق ذكرهم. وأما التابعون وأتباعهم فقد كانوا على نطاق واسع من التنقل والارتحال في سبيل تحمل الحديث عن الثقات ومذاكرة الأحاديث، فهناك من ارتحل ¬

_ (¬1) «يُخْفِي عَنِّي»: أي يكتم عني أشياء ولا يكتبها. انظر " صحيح مسلم بشرح النووي ": ص 82 جـ 1، ولعله كان يخفي عنه ما لا يثق بصحته. (¬2) " صحيح مسلم بشرح النووي ": ص 82 جـ 1. (¬3) انظر " جامع بيان العلم ": ص 93 جـ 1. (¬4) انظر " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 168: ب، و" جامع بيان العلم ": ص 93 جـ 1. و " تهذيب التهذيب ": ص 149، 150 جـ 5.

إلى أبي الدرداء لحديث عنده في دمشق (¬1) كما رحل ابن شهاب إلى الشام إلى عطاء بن يزيد وابن مُحيريز وابن حَيْوَهْ، ورحل يحيى بن أبي كثير إلى المدينة للقاء من بها من أولاد الصحابة، ورحل محمد بن سيرين إلى الكوفة ليلقى عبيدة وعلقمة وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ورحل الأوزاعي إلى يحيى بن أبي كثير باليمامة ودخل البصرة، كما رحل سفيان الثوري إلى اليمن (¬2) ... وقال سعيد بن المسيب: «إِنْ كُنْتُ لأَسِيرُ اللَّيَالِيَ وَالأَيَّامَ فِي طَلَبِ الحَدِيثِ الوَاحِدِ» (¬3). وعن الزهري عن ابن المسيب: «إِنْ كُنْتُ لأَسِيرُ ثَلاَثًا فِي الحَدِيثِ الوَاحِدِ» (¬4). وقد كان مسروق كثير الرحلة في طلب الحديث ومذاكرته (¬5)، وَحَدَّثَ الشَّعْبِيُّ بحديث ثم قال لسامعه: «خُذْهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، قَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَهَا إِلَى المَدِينَةِ» (¬6). وكثيرًا ما كان التابعون وأتباعهم يتذاكرون الحديث، فيأخذون ما عرفوا ويتركون ما أنكروا، قَالَ الإِمَامُ الأَوْزَاعِيَّ: «كُنَّا نَسْمَعُ الحَدِيثَ، فَنَعْرِضُهُ عَلَى أَصْحَابِنَا كَمَا يَعْرِضُ الدِّرْهَمَ [الزَّائِفَ]، فَمَا عَرَفُوا مِنْهُ أَخَذْنَا [بِهِ]، وَمَا [أَنْكَرُوا] تَرَكْنَا» (¬7) (*)، وكانوا دائمًا يرجعون إلى من يثقون به، فإذا ما اختلف سعيد وأبو ¬

_ (¬1) انظر " الجرح والتعديل ": ص 12 جـ 1. (¬2) انظر " المحدث الفاصل ": ص 31: آ. (¬3) " جامع بيان العلم ": ص 94 جـ 1، و" تذكرة الحفاظ ": ص 52 جـ 1 ونحوه في " الجامع لأخلاق الراوي: ص 169: آ. (¬4) " المحدث الفاصل ": ص 28: ب. (¬5) انظر " جامع بيان العلم وفضله ": ص 94 جـ 1. (¬6) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 92 ونحوه في ص 93 و 94 جـ 1. (¬7) " الجرح والتعديل ": ص 21 جـ 1، و" المحدث الفاصل ": ص 64: آ. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) في تصحيح ما بين [ ..... ] انظر " المحدث الفاصل " للرامهرمزي، تحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب، ص 318، الحديث رقم 217، الطبعة الأولى: بيروت 1391 هـ - 1971 م، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. بيروت. ٍٍ

هلال وشعبة في قتادة رجعوا إلى هشام الدستوائي (¬1)، وَإِذَا اخْتَلَفَ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ قَالاَ: «اذْهَبَا بِنَا إِلَى المِيزَانِ مِسْعَرٍٍ» (¬2). وَعَنْ الأَعْمَشِ، قَالَ: «كَانَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ صَيْرَفِيًّا فِي الحَدِيثِ، وَكُنْتُ أَسْمَعُ مِنَ الرِّجَالِ، فَأَجْعَلُ طَرِيقِي عَلَيْهِ، فَأَعْرِضُ عَلَيْهِ مَا سَمِعْتُ، وَكُنْتُ آتِي زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ وَضُرَبَاءَهُ فِي الحَدِيثِ فِي الشَّهْرِ مَرَّةً وَالمَرَّتَيْنِ، وَكَانَ الذِي لاَ أَكَادُ أَغَبُّهُ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ» (¬3). وكان أئمة الحديث في هذا العصر على جانب عظيم من الوعي والاطلاع، فقد كانوا يحفظون الصحيح والضعيف والموضوع حتى لا يختلط عليهم الحديث، وليميزوا الخبيث من الطيب، وفي هذا يَقُولُ الإِمَامُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ,: «إِنِّي لأَرْوِي الحَدِيثَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ , أَسْمَعُ الحَدِيثَ مِنَ الرَّجُلِ أَتَّخِذُهُ دِينًا , وَأَسْمَعُ مِنَ الرَّجُلِ أَقِفُ حَدِيثَهُ , وَأَسْمَعُ مِنَ الرَّجُلِ لاَ أَعْبَأُ بِحَدِيثِهِ وَأُحِبُّ مَعْرِفَتَهُ» (¬4). وَيَرْوِي لَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمَ، يَقُولُ: رَأَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ بِصَنْعَاءَ فِي زَاوِيَةٍ وَهُوَ يَكْتُبُ صَحِيفَةَ مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانَ عَنْ أَنَسٍ، فَإِذَا طَلَعَ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ ¬

_ (¬1) انظر " المحدث الفاصل ": ص 76: آ. وسعيد أُرَجِّحُ أنه ابن أبي صدقة البصري من الطبقة السادسة، وأبو هلال هو محمد بن سليم الراسبي، بصري من الطبقة السادسة، مات سَنَةَ 167 هـ، وشعبة هو ابن الحجاج الإمام المشهور من الطبقة السابعة، توفي سَنَةَ 160 هـ، وهشام الدستوائي هو ابن عبد الله حافظ مشهور من كبار الطبقة السابعة، توفي سَنَةَ 154 هـ وله (78) سَنَةً. انظر تفصيل تراجمهم في " تهذيب التهذيب ". (¬2) " المحدث الفاصل ": ص 75: ب، وسفيان هو ابن سعيد الثوري أبو عبد الله الكوفي أمير المؤمنين في الحديث، إمام حُجَّةٌ من رؤوس الطبقة السابعة، كان آية في الحفظ، توفي سَنَةَ (161 هـ) وله أربع وستون سَنَةً. " تهذيب التهذيب ": ص 111 - 115 جـ 4. وانظر " طبقات ابن سعد ": ص 257 جـ 6. ومسعر هو ابن كدام الهلالي العامري، أبو سلمة الكوفي، كان آية في الحفظ ثقة من الطبقة السابعة، توفي سَنَةَ (152 هـ). " تهذيب التهذيب ": ص 113 جـ 1. (¬3) " الجرح والتعديل ": ص 17 جـ 1، وانظر ترجمة إبراهيم النخعي في الباب الخامس من هذا الكتاب. (¬4) " الكفاية ": ص 402، وانظر " الكامل " لابن عدي: ص 2 جـ 1 وعنه: «إِنِّي لأَكْتُبُ الحَدِيثَ عَلَى ثَلاَثَةِ وُجُوهٍ ... ». انظر " الجامع لأخلاق الراوي ": ص 157: ب.

ثالثا - تتبع الكذبة:

كَتَمَهُ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: تُكْتُبُ صَحِيفَةَ مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانَ عَنْ أَنَسٍ وَتَعْلَمُ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ؟ فَلَوْ قَالَ لَكَ قَائِلٌ: إِنَّكَ تَتَكَلَّمُ فِي أَبَانَ ثُمَّ تَكْتُبُ حَدِيثَهُ عَلَى الوَجْهِ؟ فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَكْتُبُ هَذِهِ الصَّحِيفَةَ عَنْ عَبْدِ الرَزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَلَى الوَجْهِ فَأَحْفَظُهَا كُلَّهَا، وَأَعْلَمُ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ حَتَّى لاَ يَجِيءَ بَعْدَهُ إِنْسَانٌ فَيُجْعَلُ بَدَلَ أَبَانَ ثَابِتًا، وَيَرْويِهَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَأَقُولُ لَهُ: «كَذَبْتَ إِنَّمَا هِيَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانَ لاَ عَنْ ثَابِتٍ!» (¬1). ثَالِثًا - تَتَبُّعِ الكَذَبَةِ: إلى جانب احتياط العلماء وتثبتهم في قبول الأخبار كان بعضهم يحاربون الكذابين علانية ويمنعونهم من التحديث، ويستعدون عليهم السلطان. فقد كان عامر الشعبي «يَمُرُّ بِأَبِي صَالِحٍ صَاحِبَ التَّفْسِيرِ، فَيَأْخُذَهُ بِأُذُنِهِ وَيَقُولُ: وَيْحَكَ! كَيْفَ تُفَسِّرُ القُرْآنَ وَأَنْتَ لاَ تُحْسِنُ أَنْ تَقْرَأَ» (¬2). وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: «لَوْلاَ شُعْبَةُ مَا عُرِفَ الحَدِيثُ بِالعِرَاقِ، كَانَ يَجِيءُ إِلَى الرَّجُلِ فَيَقُولُ: لاَ تُحَدِّثْ وَإِلاَّ اسْتَعْدَيْتُ عَلَيْكَ السُّلْطَانَ» (¬3). وقد كان شعبة شديدًا على الكذابين، قَالَ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الجُدِّيُّ الثِّقَةُ المَأْمُونُ: «رَأَيْتُ شُعْبَةَ مُغْضَبًا مُبَادِرًا فَقُلْتُ: " مَهْ يَا أَبَا بِسْطَامٍ " فَأَرَانِي طِينَةً (¬4) فِي يَدِهِ وَقَالَ: «أَسْتَعْدِي عَلَى جَعْفَرِ ¬

_ (¬1) " الجامع لأخلاق الراوي ": ص 157: ب. (¬2) " قبول الأخبار ": ص 42، وَفِيهِ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ اِعْتَرَفَ لِلْكَلْبِيِّ بِأَنَّ كُلَّ مَا حَدَّثَهُ كَانَ كَذِبًا. (¬3) " الجامع لأخلاق الراوي ": ص 149: آ. (¬4) هكذا في الأصل. والطينة واحدة الطين وهو الوحل، ولعل الراوي أراد بها (اللَّبِنَةَ) بفتح اللام وكسر الباء واحدة اللبن التي يُبْنَى بها الجِدَارُ، ولعله قال ذلك باعتبار أصلها.

بْنِ الزُّبَيْرِ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (¬1). وفي رواية: «عَلَى هَذَا يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَضَعَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَمِائَةِ حَدِيثٍ كَذِبٍ» (¬2). وَعَنْ حَمَّادٍ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كَلَّمَنَا شُعْبَةُ أَنا وَعَبَّادَ بْنَ عَبَّادٍ وَجَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ فِي رَجُلٍ، يُرِيدُ أَبَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ فَقُلْنَا: لَوْ كَفَفْتَ عَنهُ؟ فَكَأَنَّهُ لاَنَ، وَأَجَابَنَا، قَالَ فَذَهَبتُ يَوْمًا أُرِيدُ الجُمُعَةَ، فَإِذَا شُعْبَةُ يُنَادِي مِنْ خَلْفِي فَقَالَ: «ذَاكَ الَّذِي قُلْتُمْ لاَ أرَاهُ يَسَعُنِي» (¬3). وكان شعبة يفعل هذا كله حسبة لله (¬4). وَعَنْ أَحْمَدَ بْنَ سِنَانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، يَقُولُ: «اسْتَعْدَيْتُ عَلَى عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ الَّتِي يُحَدِّثُهَا عَنِ [القَاسِمِ]، فَقَالَ:" لاَ أَعُودُ "» (¬5). وكان الإمام سفيان الثوري شديدًا على الكذابين، لا يتوانى عن إظهار عيوبهم، وفي هذا يقول ابْنُ أَبِي غُنَيَّة: «مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَصْفَقَ وَجْهًا فِي ذَاتِ اللهِ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ - رَحِمَهُ اللهُ -» (¬6). وَحَدَّثَ حَمَّادٌ الْمَالِكِيُّ (¬7) - وَكَانَ كَذَّابًا - حَدِيثًا فجاءه عَمْرُو الأَنْمَاطِيَّ وَقَالَ لَهُ: «وَاللَّهِ لاَ تُفَارِقُنِي حَتَّى أَسْتَعْدِيَ عَلَيْكَ، فَأَقَرَّ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الحَسَنِ، وَحَلَفَ لاَ يُحَدِّثُ بِهِ، (قَالَ): فَكَتَبْتُ عَلَيْهِ كِتَابًا، وَأَشْهَدْتُ عَلَيْهِ شُهُودًا» (¬8). وكان بعض المحدثين لا يتحملون كذب هؤلاء، ¬

_ (¬1) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 149: ب. (¬2) " تهذيب التهذيب ": ص 91 جـ 2. (¬3) انظر " الجرح والتعديل ": ص 21 جـ 1. (¬4) انظر " الجرح والتعديل ": ص 21 جـ 1. (¬5) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 150: ب. ويروى نحو هذا عن أبي الوليد الطيالسي، انظر " تهذيب التهذيب ": ص 242 جـ 10. (¬6) " الكامل " لابن عدي: ص 2 جـ 1. (¬7) هو حماد بن مالك ويقال المالكي، شيخ روى عن الحسن، رموه بالكذب: ص 282 جـ 1 " ميزان الاعتدال ". (¬8) " المحدث الفاصل ": ص 63: ب، و" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": 150: آ.

رابعا - بيان أحوال الرواة:

فيضربونهم ويهددونهم بالقتل، روى الإمام مسلم بإسناده المتصل عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ قَالَ: «سَمِعَ مُرَّةُ الهَمْدَانِيُّ مِنَ الحَارِثِ (الأَعْوَرِ) شَيْئًا فَأَنْكَرَهُ فَقَالَ: لَهُ اقْعُدْ بِالبَابِ، قَالَ: فَدَخَلَ مُرَّةُ وَأَخَذَ سَيْفَهُ، قَالَ: وَأَحَسَّ الحَارِثُ بِالشَّرِّ فَذَهَبَ» (¬1). وكان نتيجة هذا أن توارى كثير من الكذابين، وكفوا عن كذبهم، كما أصبح عند العامة وعي جيد: يميزون به بين المتطفلين على الحديث وأهله ورجاله الثقات، ويدل على هذا ما رواه ابن حجر عن يزيد بن هارون قال: «كان جعفر بن الزبير وعمران بن حُدَيْرٍ في مسجد واحد مصلاهما، وكان الزحام على جعفر بن الزبير وليس عند عمران أحد، وكان شعبة يمر بهما فيقول: يا عجبًا للناس! اجتمعوا على أكذب الناس وتركوا أصدق الناس، قال يزيد: فما أتى عليه قليل حتى رأيت ذلك الزحام على عمران، وتركوا جعفرًا وليس عنده أحد» (¬2). وكان الناس لا يجرؤون على الكذب في زمن سفيان الثوري، لأنه كان شديدًا على الكذابين: يكشف عنهم، ويبين عوارهم، وفيه قال قتيبة بن سيعد: «لَوْلاَ سُفْيَانُ لَمَاتَ الوَرَعُ» (¬3). رَابِعًا - بَيَانُ أَحْوَالِ الرُوَّاةِ: وكان لا بد للصحابة والتابعين ومن تبعهم من معرفة رواة الحديث، ¬

_ (¬1) " صحيح مسلم بشرح النووي ": ص 99 جـ 1، وكان الحارث الأعور كذابًا من غلاة الشيعة، توفي سَنَةَ (65 هـ)، انظر " صحيح مسلم بشرح النووي ": ص 98 و 99 جـ 1، وانظر " ميزان الاعتدال ": ص 202 جـ 1، ومُرَّةُ بْنُ شَرَاحِيلَ الهَمْدَانِيُّ، أبو إسماعيل الكوفي تابعي ثقة عابد جليل توفي سَنَةَ (76 هـ)، انظر " تهذيب التهذيب ": ص 88، 89 جـ 10. (¬2) " تهذيب التهذيب ": ص 91 جـ 2. (¬3) " الكامل " لابن عدي: ص 2 جـ 1.

معرفة تمكنهم من الحكم بصدقهم أو كذبهم، حتى يتمكنوا من تمييز الحديث الصحيح من المكذوب، لذلك درسوا حياة الرواة وتاريخهم، وتتبعوهم في مختلف حياتهم، وعرفوا جميع أحوالهم، كما بحثوا أشد البحث «حَتَّى [يَعْرِفُوا] الأَحْفَظَ فَالأَحْفَظَ، وَالأَضْبَطَ فَالأَضْبَطَ، وَالأَطْوَلَ مُجَالَسَةً لِمَنْ فَوْقَهُ مِمَّنْ كَانَ أَقَلَّ مُجَالَسَةً (¬1)» .. ، وقد قال سفيان الثوري: «لَمَّا اسْتَعْمَلَ الرُّوَاةُ الكَذِبَ اسْتَعْمَلْنَا لَهُمُ التَّارِيخَ» (¬2). وكانوا يبينون أحوال الرواة وينقدونهم ويعدلونهم حسبة لله، لا تأخذهم خشية أحد ولا تتملكهم عاطفة، فليس أحد من أهل الحديث يحابي في الحديث أباه ولا أخاه ولا ولده، فهذا زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ يَقُولُ: «لاَ تَأْخُذُوا عَنْ أَخِي (¬3)!!!». وَقَالَ عَلِيٌّ بْنُ المَدِينِيِّ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ أَبِيهِ: «سَلُوا عَنْهُ غَيْرِي» فأعادوا المسألة، فأطرق، ثم رفع رأسه فقال: «هُوَ الدِّينُ، إِنَّهُ ضَعِيفٌ» (¬4)، «وَكَانَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ لِكَوْنِ وَالِدِهِ كَانَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، يُقْرِنُ مَعَهُ آخَرَ إِذَا رَوَى عَنْهُ» (¬5). وكان أئمة النقاد يُعَيِّنُونَ أيامًا للتكلم في الرجال وأحوالهم، قَالَ أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ النَّحْوِيُّ: أَتَيْنَا شُعْبَةَ يَوْمَ مَطَرٍ فَقَالَ: «لَيْسَ هَذَا يَوْمَ حَدِيثٍ , اليَوْمَ يَوْمُ غِيبَةٍ , تَعَالَوْا حَتَّى نَغْتَابَ الْكَذَّابِينَ» (¬6)، وكانوا يأمرون طلابهم وإخوانهم أن يبينوا حال الراوي الذي يكثر غلطه، والمتهم في حديثه، قال عبد الرحمن ¬

_ (¬1) " شرف أصحاب الحديث ": ص 38: ب. (¬2) " الكامل " لابن عدي: ص 4: ب، جـ 3. و " الكفاية ": ص 119. (¬3) " صحيح مسلم بشرح النووي ": ص 121 جـ 1. (¬4) " الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ": ص 66. (¬5) " الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ": ص 66. (¬6) " الكفاية ": ص 45.

ابن مهدي: «سَأَلْتُ شُعْبَةَ وَابْنَ المُبَارَكِ وَالثَّوْرِيَّ وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنِ الرَّجُلِ يُتَّهَمُ بِالكَذِبِ، فَقَالُوا: انْشُرْهُ فَإِنَّهُ دِينٌ» (¬1). وعن يحيى بن سعيد قَالَ: «سَأَلْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَشُعْبَةَ، وَمَالِكًا، وَابْنَ عُيَيْنَةَ، عَنِ الرَّجُلِ لاَ يَكُونُ ثَبْتًا فِي الحَدِيثِ، فَيَأْتِينِي الرَّجُلُ، فَيَسْأَلُنِي عَنْهُ، قَالُوا: " أَخْبِرْ عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِثَبْتٍ "» (¬2). وكان طلاب العلم يسألون الأئمة ويكتبون إليهم ليخبروهم عن الرواة، من ذلك ما رواه الإمام مسلم بإسناده عن عبيد الله بن معاذ العنبري عن أبيه قال: «كَتَبْتُ إِلَى شُعْبَةَ أَسْأَلُهُ عَنْ أَبِي شَيْبَةَ قَاضِي وَاسِطَ فَكَتَبَ إِلَيَّ: " لاَ تَكْتُبْ عَنْهُ [شَيْئًا] وَمَزِّقْ كِتَابِي» (¬3). وكان النقاد يدققون في حكمهم على الرجال، يعرفون لكل محدث ما له وما عليه، قال الشعبي: «وَاللهِ لَوْ أَصَبْتُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ مَرََّةٍ، وَأَخْطَأْتُ مَرََّةً لَعَدُّوا عَلَيَّ تِلْكَ الوَاحِدَةَ» (¬4). وكانت المظاهر لا تغريهم، وكل ما يهمهم أن يخلصوا العمل لله، ويصلوا إلى ما ترتاح إليه ضمائرهم، لخدمة الشريعة ودفع ما يشوبها، وبيان الحق من الباطل، قَالَ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ: «إِنَّا لَنَطْعُنُ عَلَى أَقْوَامٍ لَعَلَّهُمْ قَدْ حَطُّوا رِحَالَهُمْ فِي الجَنَّةِ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ سَنَةٍ» (¬5). قال السخاوي: «أَيْ أَنَاسٌ صَالِحُونَ، وَلَكِنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الحَدِيثِ» (¬6). وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ خَلاَّدٍ , قَالَ: قُلْتُ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ: أَمَا تَخْشَى ¬

_ (¬1) مقدمة " التمهيد ": ص 12: ب. (¬2) " صحيح مسلم بشرح النووي": ص 92 جـ 1. (¬3) المرجع السابق: ص 110 جـ 1. (¬4) " تذكرة الحفاظ ": ص 77 جـ 1. (¬5) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 160: آ. (¬6) " الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ": ص 52.

أَنْ يَكُونَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ تَرَكْتَ حَدِيثَهُمْ خُصَمَاءَكَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: لأَنْ يَكُونَ هَؤُلاَءِ خُصَمَائِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ , يَقُولُ: «لِمَ حَدَّثْتَ عَنِّي حَدِيثًا تَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ؟» (¬1). وهكذا تَكَوَّنَ علم الجرح والتعديل الذي وضع أسسه كبار الصحابة والتابعين وأتباعهم على ضوء الشريعة الحنيفية متأسين برسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (¬2). وقال النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجرح: «بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ»، وفي التعديل: «إِنَّ عَبْدَ اللهِ رَجُلٌ صَالِحٌ» (¬3)، وقال السخاوي: «وأما المتكلمون في الرجال فخلق من نجوم الهدى ومصابيح الظلام المستضاء بهم في دفع الردى، لا يتهيأ حصرهم في زمن الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، سرد ابن عدي في مقدمة " كامله " منهم خَلَْقًًَا إلى زمنه (277 - 365 هـ) فالصحابة الذين أوردهم: عمر، وعلي، وابن عباس، وعبد الله بن سلام، وعبادة بن الصامت، وأنس، وعائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، و " أَوْرَدَ " (¬4) تصريح كل منهم بتكذيب من لم يصدقه فيما قاله، وسرد من التابعين عَدَدًا كالشعبي، وابن سيرين، وسعيد بن المسيب، وابن جبير، ولكنهم فيهم قليل بالنسبة لمن بعدهم من المتبوعين أكثرهم ثقات، ولا يكاد يوجد في القرن الأول الذي انقرض فيه الصحابة وكبار التابعين ضعيف إلا الواحد ¬

_ (¬1) " الكفاية ": ص 44. (¬2) [سورة الحجرات، الآية: 6]. (¬3) " الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ": ص 52. وانظر " الكفاية ": ص 38، 39. (¬4) ليست في النص زدناها لتستقيم العبارة.

بعد الواحد، كالحارث الأعور، والمختار الكذاب. فلما مضى القرن الأول ودخل الثاني كان في أوائله من أوساط التابعين جماعة من الضعفاء الذين ضعفوا غالبًا من قبل تحملهم وضبطهم للحديث. فلما كان عند آخرهم (¬1) عصر التابعين وهو حدود الخمسين ومائة تكلم في التوثيق والتجريح طائفة من الأئمة، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «مَا رَأَيْتُ أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الجُعْفِيِّ»، وَضَعَّفَ الأَعْمَشُ جَمَاعَةً وَوَثَّقَ آخَرِينَ، ونظر في الرجال شعبة وكان متثبتًا لا يكاد يروي إلا عن ثقة، وكذلك كان مالك، وممن إذا قال في هذا العصر قُبِلَ قوله: معمر، وهشام الدستوائي، والأوزاعي، والثوري، وابن الماجشون، وحماد بن سلمة، والليث بن سعد، وغيرهم، ثم طبقة أخرى بعد هؤلاء: كابن المبارك، وَهُشَيْمٌ، وأبي إسحاق الفزاري، والمعافى بن عمران الموصلي، وبشر بن المفضل، وابن عيينة، وغيرهم ... » (¬2). وقد بَيَّنَ هؤلاء من تقبل روايته ومن لا تقبل، وتكلموا في العدالة وموجباتها، وفي الجرح وأسبابه، وقد نص عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في كتابه إلى أبي موسى الأشعري على العدالة، ووضع أول الأسس في ذلك، وَبَيَّنَ من تقبل شهادته ومن لا تقبل، ولما كانت الرواية لا تختلف عن الشهادة من ناحية التحمل والأداء، فبوسعنا أن نقول: إن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قد نص على العدالة التي يجب أن يتحلى بها كل مسلم حتى تقبل شهادته وروايته، فقد قال - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «وَالْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إلاَّ مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ، أَوْ مَجْلُودًا فِي حَدٍّ، ... فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى مِنْ العِبَادِ السَّرَائِرَ» (¬3). وتكلم بعده الصحابة والتابعون، وَبَيَّنُوا ¬

_ (¬1) أي ما كان عند آخر التابعين انتهاء عصر التابعين. (¬2) " الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ": ص 163، 164. (¬3) " إعلام الموقعين ": ص 86 جـ 1.

من تترك روايته مطلقًا، ومن لا تقبل روايته ولو تاب، كالوضاعين الكاذبين على رسول الله، وأصحاب البدع إلى بدعهم إذا استحلوا الكذب، قال الإمام مالك: «لاَ يُؤْخَذُ الْعِلْمُ عَنْ أَرْبَعَةٍ، وَيُؤْخَذُ مِمَّنْ سِوَى ذَلِكَ: لاَ يُؤْخَذُ مِنْ صَاحِبِ هَوًى يَدْعُو النَّاسَ إِلَى هَوَاهُ، وَلاَ مِنْ سَفِيهٍ مُعْلِنٌ بِالسَّفَهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَرْوَى النَّاسِ، وَلاَ مِنْ رَجُلٍ يَكْذِبُ فِي أَحَادِيثِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ لاَ تَتَّهِمُهُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ مِنْ رَجُلٍ لَهُ فَضْلٌ وَصَلاَحٌ وَعِبَادَةٌ إِذَا كَانَ لاَ يَعْرِفُ مَا يُحَدِّثُ» (¬1). وَقِيلَ لِشُعْبَةَ: مَتَى يُتْرَكُ حَدِيثُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: «إِذَا رَوَى عَنِ المَعْرُوفِينَ مَا لاَ يَعْرِفُهُ المَعْرُوفُونَ فَأَكْثَرَ، وَإِذَا أَكْثَرَ الغَلَطَ، وَإِذَا اتُّهِمَ بِالْكَذِبِ، وَإِذَا رَوَى [حَدِيثَ غَلَطٍ] مُجْتَمِعٌ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَتَّهِمْ نَفْسَهُ فَيَتْرُكْهُ طُرِحَ حَدِيثُهُ، وَمَا كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ [فَارْوِ] عَنْهُ» (¬2). وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: «كَانَ ابْنُ سِيرِينَ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَطَاوُسٌ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنْ لاَ يَقْبَلُوا الحَدِيثَ إِلاَّ عَنْ ثِقَةٍ يَعْرِفُ مَا يَرْوِي وَيَحْفَظُ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الحَدِيثِ يُخَالِفُ هَذَا المَذْهَبَ» (¬3). هكذا بَيَّنَ جهابذة هذا العلم - منذ صَدْرِ الإسلام إلى عهد التدوين والتصنيف - أحوال الرواة: المقبول منهم والمتروك. وتكامل علم الجرح والتعديل، وألفت مصنفات ضخمة في الرواة وأقوال النقاد فيهم، حتى إنه لم يعد يختلط الكذابون والضعفاء بالعدول الثقات، كما ألفت مصنفات ومعاجم خاصة ¬

_ (¬1) " المحدث الفاصل ": ص 79: آ - 79: ب. و" الجرح والتعديل: ص 32 جـ 1، و" الكفاية ": ص 116. (¬2) " الجرح والتعديل ": ص 32 جـ 1. و" المحدث الفاصل ": ص 81: ب - 82: آ. وروى نحو هذا عن ابن المبارك، انظر " الكفاية ": ص 143، وأَيْضًا نحوه عن الإمام أحمد، انظر " الكفاية ": ص 144. (¬3) مقدمة " التمهيد ": ص 10: ب.

بالضعفاء والمتروكين، وأصبح من السهل جِدًّا على أصحاب الحديث أن يميزوا الخبيث من الطيب في كل عصر، وقد بنى النقاد حكمهم في الرواة على قواعد دقيقة، فقدموا للحضارة الإنسانية أعظم إنتاج في هذا المضمار، يفخر به المسلمون أبد الدهر، وتعتز به الأمة الإسلامية التي شهد لها كبار العلماء بأياديها البيضاء في خدمة السنة النبوية، قال المستشرق الألماني «شبرنجر» في تصدير كتاب " الإصابة " لابن حجر - طبعة كلكتا سَنَةَ 1853 - 1864: «لَمْ تَكُنْ فِيمَا مَضَى أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ السَّالِفَةِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ تُوجَدُ الآنَ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ المُعَاصَرَةِ أَتَتْ فِي عِلْمِ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ المُسْلِمُونَ فِي هَذَا العِلْمِ العَظِيمِ الخَطِرِ الذِي يَتَنَاوَلُ أَحْوَالَ خَمْسَمِائَةِ أَلْفِ رَجُلٍ وَشُؤُونِهِمْ ... » (¬1). ولم يكتف العلماء بالتزام الإسناد، والتثبت من الأحاديث بالارتحال إلى الصحابة وكبار التابعين، وبمراجعتها ومقارنتها ومعرفة طرقها وأسانيدها ومعرفة رواتها وأحوالهم، والثقة منهم والمجروح، بل قسموا الحديث إلى درجات يعرف بها المقبول والمردود، والقوي والضعيف، فقسموه إلى صحيح وحسن وضعيف، وبينوا حَدَّ كل منها وما يندرج تحته، أما الحديث الحسن فلم يكن معروفًا عند المحدثين في القرن الهجري الثاني، وإنما عرف بعد ذلك، ويعتبر " كتاب الترمذي " أصلاً في معرفة الحسن (¬2)، كَمَا «يُوجَدُ - الحَسَنُ - فِي مُتَفَرِّقَاتٍ مِنْ كَلاَمِ بَعْضِ مَشَايِخِهِ، وَالطَّبَقَةِ التِي قَبْلَهُ كَأَحْمَدَ وَالبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا» (¬3). وتكلموا في أنواع الضعيف، وبنوا ذلك على منشأ الضعف من السند أو المتن، ¬

_ (¬1) " أضواء على التاريخ الإسلامي ": ص 136. (¬2) انظر " اختصار علوم الحديث ": ص 43. (¬3) " الباعث الحثيث ": ص 44، أي في كلام بعض مشايخ الترمذي.

خامسا - وضع قواعد لمعرفة الموضوع من الحديث:

وقد قسمه ابن حبان تسعة وأربعين قِسْمًا (¬1)، وقسمه ابن الصلاح أقسامًا كثيرة باعتبار الصفة التي فقدها من صفات القبول الستة، وهي: الاتصال، والعدالة والضبط، والمتابعة في المستور، وعدم الشذوذ، وعدم العلة، وباعتبار فقد صفة مع صفة أخرى تليها أولاً، أو مع أكثر من صفة إلى أن تفقد الستة، فبلغت فيما ذكره العراقي في " شرح الألفية " اثنين وأربعين قسمًا (¬2)، وقسمه غيره إلى أنواع أكثر من ذلك لا يتسع المجال لذكرها. خَامِسًا - وَضْعُ قَوَاعِدَ لِمَعْرِفَةِ المَوْضُوعِ مِنَ الحَدِيثِ: وكما وضع العلماء قواعد دقيقة لمعرفة الصحيح والحسن والضعيف من الحديث، وضعوا قواعد لمعرفة الموضوع منه، وذكروا ما يدل على الوضع في سند الحديث، وما يدل عليه في متنه، وسنوجز هذه العلامات فيما يلي: [أ] عَلاَمَاتُ الوَضْعِ فِي السَّنَدِ: 1 - أَنْ يَعْتَرِفَ رَاوِي الحَديثِ بِكَذِبِهِ، وَيُقِرُّ بِاِخْتِلاَقِهِ مَا يَرْوِي: كما أقر عبد الكريم الوضاع، وأبو عصمة نوح بن أبي مريم، وكما اعترف أبو جزي وهو مريض فقال: «لَوْلاَ أَنَّهُ حَضَرَنِي مِنَ اللهِ مَا تَرَوْنَ كُنْتُ خَلِيقًا أَلاَّ أُقِرَّ وَلاَ أَعْتَرِفَ، وَلَكِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي وَضَعْتُ مِنَ الحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا، وَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْهَا وَأَتُوبُ إِلَيْهِ» (¬3). وهذا أقوى دليل على كون الحديث موضوعًا. ¬

_ (¬1) انظر " تدريب الراوي ": ص 105. (¬2) انظر المرجع السابق: ص 105. و " فتح المغيث ": ص 55 جـ 1. (¬3) " قبول الأخبار ": ص 6.

2 - وُجُودُ قَرِينَةٍ تَقُومُ مَقَامَ الاِعْتِرَافِ بِالوَضْعِ: كأن يروي عن شيخ لم يلقه، أو يروي عن شيخ في بلد لم يرحل إليه، أو يروي عن شيخ ولد بعد وفاته، أو توفي هذا الشيخ والراوي صغير لا يدرك، قِيلَ لِشُعْبَةَ: لِمَ لاَ تُحَدِّثْ عَنْ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي اليَقْظَانَ، - وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَيْرٍ -؟ فَقَالَ: «كَيْفَ أُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ قَدْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ أُولَدَ!؟» (¬1). وإن هذا الصنف لا يمكن معرفته إلا بمعرفة مولد الشيوخ ووفاتهم، والبلدان التي رحلوا إليها، والأماكن التي أقاموا فيها، كيلا يستغل الوضاعون الشيوخ الثقات لترويج ما يضعون، وقد وفق علماء الأمة في هذا، فقسموا الرواة طبقات، وعرفوا كل شيء عنهم، ولم يخف عليهم من أحوالهم شيء، وفي هذا قال حفص بن غياث: «إِذَا اتَّهَمْتُمْ الشَّيْخَ فَحَاسِبُوهُ [بِالسِّنِينَ]» - يَعْنِي احْسِبُوا سِنَّهُ وَسِنَّ مَنْ كَتَبَ عَنْهُ -. وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ يَزِيدَ: «لَمْ نَسْتَعِنْ عَلَى الكَذَّابِينَ بِمِثْلِ التَّارِيخِ. نَقُولُ لِلشَّيْخِ: كَمْ سَنَةٍ؟ وَفِي أَيِّ تَارِيخٍ وُلِدَ؟ فَإِنْ أَقَرَّ بِمَوْلِدِهِ عَرَفْنَا صِدْقَهُ مِنْ كَذِبِهِ» (¬2). 3 - أَنْ يَنْفَرِدَ رَاوٍ مَعْرُوفٍ بِالكَذِبِ بِرِوَاِيَةِ حَدِيثٍ، وَلاَ يَرْوِيهِ ثِقَةٌ غَيْرُهُ فَيْحَكَمُ عَلَى رِوَاِيَتِهِ بِالوَضْعِ: وقد استقصى جهابذة الأمة الكذابين، وبينوا ما كذبوا فيه حتى لم يخف منهم أحد. 4 - ومن القرائن التي يدرك بها الوضع، ما يؤخذ من حال الراوي، «كَمَا وَقَعَ لِمَأْمُونِ بْنِ أَحْمَدَ، أَنَّه ذُكِرَ بِحَضْرَتِهِ الخِلاَفُ فِي كَوْنِ الحَسَنِ سَمِعَ مِنْ ¬

_ (¬1) " قبول الأخبار ": ص 16. (¬2) " تهذيب التاريخ الكبير " لابن عساكر: ص 26 جـ 1.

[ب] علامات الوضع في المتن:

أَبِي هُرَيْرَةَ أَوَّلاً، فَسَاقَ فِي الحَالِ إِسْنَادَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: سَمِعَ الحَسَنُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ» (¬1). ومن هذا ما ذكرناه عن سيف بن عمر الذي روى خبر وضع سعد بن طريف لحديث «مُعَلِّمُو صِبْيَانِكُمْ شِرَارُكُمْ ... » (¬2). ... [ب] عَلاَمَاتُ الوَضْعِ فِي المَتْنِ: مقدمة: قال الإمام ابن قيم الجوزية: «وَسُئِلْتُ: هَلْ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ [الحَدِيثِ] المَوْضُوعِ بِضَابِطٍ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْظَرَ فِي سَنَدِهِ؟ فَهَذَا سُؤَالٌ عَظِيمُ الْقَدْرِ وَإِنَّمَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مَنْ تَضَلَّعَ فِي مَعْرِفَةِ السَّنَنِ الصَّحِيحَةِ، وَاخْتَلَطَتْ [بِلَحْمِهِ وَدَمِّهِ] وَصَارَ لَهُ فِيهَا مَلَكَةٌ، وَصَارَ لَهُ اخْتِصَاصٌ شَدِيدٌ بِمَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالآثَارِ وَمَعْرِفَةِ [سِيرَةِ] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَدْيِهِ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ، وَيُخْبِرُ عَنْهُ وَيَدْعُو إِلَيْهِ، وَيُحِبُّهُ وَيَكْرَهُهُ وَيُشْرِعُهُ لِلأُمَّةِ بحيث كَأَنَّهُ مُخَالِطٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَوَاحِدٍ مِنَ أَصَحَابِهِ. فَمِثْلُ هَذَا يَعْرِفُ مِنْ أَحْوَالِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَدْيِهِ وَكَلامِهِ، وَمَا يَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ وَمَا لا يَجُوزُ مَا لا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ، وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ مُتَّبِعٍ مَعَ مَتْبُوعِهِ، [فَإِنَّ] لِلأَخَصِّ بِهِ الحَرِيصَ عَلَى تَتَبُّعِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ مِنَ الْعِلْمِ بِهَا، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ مَا يَصِحُّ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ وَمَا لا يَصِحُّ مَا لَيْسَ لِمَنْ لا يَكُونُ كَذَلِكَ. وَهَذَا شَأْنُ المُقَلِّدِينَ مَعَ أَئِمَّتِهِمْ يَعْرِفُونَ أَقْوَالَهُمْ وَنُصُوصَهُمْ وَمَذَاهِبَهُمْ» (*) وأساليبهم ومشاربهم - ما لا يعرفه غيرهم (¬3). ¬

_ (¬1) " قواعد التحديث ": ص 133. وَقِيلَ لِمَأْمُونِ بْنِ أَحْمَدَ الهَرَوِيِّ: أَلاَ تَرَى إِلَى الشَّافِعِيِّ، وَمَنْ تَبِعَهُ بِخُرَاسَانَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ... عَنْ أَنَسٍ، مَرْفُوعًا: «يَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، أَضَرُّ عَلَى أُمَّتِي مِنْ إِبْلِيسَ». انظر " تدريب الراوي ": ص 181. (¬2) انظر ص 217، 218 في الفصل السابق من هذا الباب. (¬3) " المنار " لابن قيم الجوزية: ص 15. وانظر " قواعد التحديث ": ص 148. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) إلى هذا الحد ينتهي كلام ابن القيم، وما بعده من كلام الشيخ محمد جمال الدين القاسمي. انظر " المنار المنيف " لابن القيم، تحقيق وتعليق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، ص 44، الطبعة الثانية: 1403 هـ - 1983 م، نشر مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، سوريا.

قال ابن دقيق العيد: «وَكَثِيرًا مَا يَحْكُمُونَ بِذَلِكَ (أَيْ بِالوَضْعِ) بِاعْتِبَارٍ يَرْجِعُ إِلَى المَرْوِيِّ وَأَلْفَاظِ الحَدِيثِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا حَصَلَتْ لَهُمْ بِكَثْرَةِ مُحَاوَلَةِ أَلْفَاظِ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَيْئَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ وَمَلَكَةٌ يَعْرِفُونَ بِهَا مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَلْفَاظِهِ وَمَا لاَ يَجُوزُ، ... فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الوَضْعِ مِنْ قَرِينَةِ حَالِ المَرْوِيِّ أَكْثَرُ مِنْ قَرِينَةِ حَالِ الرَّاوِي» (¬1). ومن القرائن التي تدل على الوضع في المتن: 1 - ركاكة اللفظ في المروي: بحيث يدرك من له إلمام باللغة أن هذا ليس من فصاحة النبي، وقد وضعت أحاديث ركيكة تشهد ألفاظها ومعانيها لوضعها. قال الحافظ ابن حجر: «المَدَارُ فِي الرِّكَّةِ عَلَى رِكَّةِ المَعْنَى، فَحَيْثُمَا وُجِدَتْ دَلَّ عَلَى الوَضْعِ، وَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ إِلَيْهِ رِكَّةُ اللَّفْظِ ; لأَنَّ هَذَا الدِّينَ كُلُّهُ مَحَاسِنُ، وَالرِّكَّةُ تَرْجِعُ إِلَى الرَّدَاءَةِ، أَمَّا رَكَاكَةُ اللَّفْظِ فَقَطْ، فَلاَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، لاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى، فَغَيَّرَ أَلْفَاظَهُ بِغَيْرِ فَصِيحٍ، ثُمَّ إِنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَاذِبٌ» (¬2). 2 - فساد المعنى: كالأحاديث التي يكذبها الحس، نحو حديث: «البَاذِنْجَانُ لِمَا أُكِلَ لَهُ» (¬3) و «البَاذِنْجَانُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ» (¬4)، ومنها سماجة الحديث، وكونه مما يسخر منه كحديث: «لَوْ كَانَ الأَرُزُّ رَجُلا لَكَانَ حَلِيمًا، مَا أَكَلَهُ جَائِعٌ إِلا أَشْبَعَهُ» (¬5). قال ابن قيم الجوزية: «فَهَذَا مِنَ السَّمِجِ الْبَارِدِ الَّذِي يُصَانُ عَنْهُ كَلاَمِ العُقَلاَءِ، فَضْلاً ¬

_ (¬1) " توضيح الأفكار ": ص 94 جـ 2. (¬2) " الباعث الحثيث ": ص 90. (¬3) " المنار " لابن قيم الجوزية: ص 19. (¬4) " المنار " لابن قيم الجوزية: ص 19. (¬5) " المنار " لابن قيم الجوزية: ص 20.

عَنْ كَلاَمِ سَيِّدِ الأَنْبِيَاءِ» (¬1)، وحديث: «مَنِ اتَّخَذَ دِيكًا أَبْيَضَ لَمْ يَقْرَبْهُ شَيْطَانٌ وَلا سِحْرٌ» (¬2)، وكل ما يدل على إباحة المفاسد والسير وراء الشهوات كحديث: «ثَلاثَةٌ تُزِيدُ فِي البَصَرِ: النَّظَرُ إِلَى الخُضْرَةِ، وَالمَاءِ الْجَارِي، وَالوَجْهِ الحَسَنِ» (¬3). وحديث «النَّظَرُ إِلَى الوَجْهِ الجَمِيلِ عِبَادَةٌ» (¬4). قال ابن قيم الجوزية: «وَكُلُّ حَدِيثٍ فِيهِ ذِكْرِ حِسَانِ الوُجُوهِ أَوِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، أَوِ الأَمْرِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِمْ، أَوِ الْتِمَاسِ الحَوَائِجِ مِنْهُمْ، أَوْ أَنَّ النَّارَ لا تَمَسَّهُمْ - فَكِذْبٌ مُخْتَلَقٌ، وَإِفْكٌ مُفْتَرَى» (¬5). ومن الموضوعات كل حديث تقوم الشواهد الصحيحة على بطلانه كـ «حَدِيثِ عَوَجْ بْنُ عُنُقٍ» الطويل، الذي قصد واضعه الطعن في أخبار الأنبياء، فإن في هذا الحديث: «أَنَّ طُولَهُ كَانَ ثَلاثَةَ آلافِ ذِرَاعٍ وَثَلاثِ مِائَةٍ وَثَلاثَةَ وَثَلاثِينَ وَثُلْثًا، وَأَنَّ نُوحًا لَمَّا خَوَّفَهُ الْغَرَقُ، قَالَ لَهُ: احْمِلْنِي فِي قَصْعَتِكَ هَذِهِ، وَأَنَّ الطُّوفَانَ لَمْ [يَصِلْ] إِلَى كَعْبِهِ، وَأَنَّهُ خَاضَ البَحْرَ، فَوَصَلَ إِلَى حُجْزَتِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الحُوتَ مِنْ قَرَارِ البَحْرِ فَيَشْوِيهِ فِي عَيْنِ الشَّمْسِ، وَأَنَّهُ قَلَعَ صَخْرَةً عظيمة عَلَى قَدْرِ عَسْكَرِ مُوسَى، وَأَرَادَ أَنْ يَرْمِيهِمْ بِهَا [فَقَوَّرَهَا] (*) اللَّهُ فِي عُنُقِهِ مِثْلَ الطَّوْقِ» (¬6). وكذلك كل حديث يشتمل على سخافات لا تصدر عن العقلاء، فكيف تصدر عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي أوتي جوامع الكلم كحديث: «المَجَرَّةُ التِي فِي السَّمَاءِ مِنْ عَرَقِ الأَفْعَى الَّتِي تَحْتَ العَرْشِ» (¬7)، وحديث: «المُؤْمِنُ حُلْوٌ يُحِبُّ الحَلاَوَةَ» (¬8). ¬

_ (¬1) " المنار المنيف " لابن قيم الجوزية: ص 20. (¬2) المرجع السابق: ص 21. (¬3) " المنار ": ص 24. (¬4) " المنار ": ص 24. (¬5) " المنار ": ص 24. (¬6) المرجع السابق: ص 29، 30. (¬7) المرجع السابق: ص 23. (¬8) " المنار ": ص 25. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) ورد في الكتاب المطبوع: (فَطَوَّقَهُ اللهُ) في حين أنه ورد في " المنار المنيف " كما أثبتها. انظر " المنار المنيف في الصحيح والضعيف " لابن قيم الجوزية، تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، ص 77، حديث رقم 135، فصل 17، طبعة سَنَةِ 1403 هـ - 1983 م، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب - سوريا.

وحديث «الهَرِيسَةُ تَشُدُّ الظَهْرَ» (¬1) - كلها وأمثالها من وضع الوضاعين الذين افتروا على رسول الله الكذب، ووضعوا ما يخالف الشريعة وما ينافي رسالة الأنبياء الذين جاءوا يخاطبون أولي الألباب ويأمرون بالمعقول، ولم تكن رسائلهم لتفضيل طعام على طعام، وإثارة الشهوات، ورواية الأساطير، والخرافات، والإتيان بما يرده الحق ويرفضه العقل. وفي هذا كلمة لابن الجوزي قال: «مَا أَحْسَنَ قَوْلَ القَائِلِ: إِذَا رَأَيْتَ الحَدِيثَ يُبَايِنُ المَعْقُولَ أَوْ يُخَالِفُ المَنْقُولَ أَوْ يُنَاقِضُ الأُصُولَ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ» (¬2). 3 - ما يناقض نص الكتاب أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعي (¬3)، وما يناقض السنة مناقضة بَيِّنَةً: قال ابن قيم الجوزية: «وَمِنْهَا (¬4) مُخَالَفَةُ الحَدِيثِ صَرِيحَ الْقُرْآنِ كَحَدِيثِ " مِقْدَارِ الدُّنْيَا وَأَنَّهَا سَبْعَةُ آلافِ سَنَةٍ " وَيَجِيءُ فِي الأَلْفِ السَّابِعَةِ» (¬5). وهذا من أبين الكذب، لأنه لو كان صحيحًا لكان كل أحد عالمًا أنه قد بقي للقيامة من وقتنا هذا (¬6) مائتان وخمسون سَنَةً. والله تعالى يقول: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي، لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ. ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً. يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} (¬7) وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ ¬

_ (¬1) " المنار ": ص 25. (¬2) " تدريب الراوي ": ص 180. (¬3) انظر " توضيح الأفكار ": ص 96 جـ 2. (¬4) أي الأمور التي يعرف بها كون الحديث موضوعًا. (¬5) لعله يريد أنه يجيء نهاية عمر الدنيا في الألف السابعة. (¬6) عاش ابن قيم الجوزية من سَنَةِ (691 إلى سَنَةِ 752 هـ). (¬7) [سورة الأعراف، الآية: 187].

عِلْمُ السَّاعَةِ} (¬1) وقال النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لاَ يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ اللَّهُ» (¬2). ومما وضع مناقضًا للسنة مناقضة بينة «أَحَادِيثُ مَدْحِ مَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ أَوْ أَحْمَدُ وَأَنَّ كُلَّ مَنْ يُسَمَّى بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ لا يَدْخُلُ النَّارَ. وَهَذَا مُنَاقِضٌ لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ دِينِهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ النَّارَ لا يُجَارُ مِنْهَا بِالأَسْمَاءِ وَالأَلْقَابِ، وَإِنَّمَا النَّجَاةُ مِنْهَا بِالإِيمَانِ وَالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ» (¬3). وجميع الأحاديث التي تنص على وصاية عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أو على خلافته غير صحيحة، وهي موضوعة، لأنها تخالف ما أجمعت عليه الأمة من أنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم ينص على تولية أحد بعده. 4 - كل حديث يَدَّعِي تواطؤ الصحابة على كتمان أمر، وعدم نقله كما تزعم الشيعة: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ، وَهُمْ رَاجِعُونَ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَأَقَامَهُ بَيْنَهُمْ حَتَّى عَرِفَهُ الجَمِيعُ ثُمَّ قال: "هَذَا وَصِيِّي وَأَخِي وَالْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِي، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا " ثُمَّ اتَّفَقَ الكُلُّ عَلَى كِتْمَانِ ذَلِكَ وَتَغْيِيرِهِ، وَمُخَالَفَتِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» (¬4). 5 - كل حديث يخالف الحقائق التاريخية التي جرت في عصر الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو اقترن بقرائن تثبت بطلانه، مِثْلَ «حَدِيثِ وَضْعِ الجِزْيَةِ عَنْ أَهْلِ خَيْبَرَ»، كذب من عدة وجوه: ¬

_ (¬1) [سورة لقمان، الآية: 34]. (¬2) " المنار ": ص 21. (¬3) " المنار ": ص 22. (¬4) " المنار ": ص 22.

أحدها: أن فيه شهادة سعد بن معاذ، وسعد توفي قبل ذلك في غزوة الخندق. الثاني: أن الجزية لم تكن نزلت حينئذٍ، ولا يعرفها الصحابة ولا العرب وإنما نزلت بعد عام تبوك، حين وضعها النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على نصارى نجران ويهود اليمن ... وَبَيَّنَ ابن قيم الجوزية كذب هذا في عشرة أدلة قوية (¬1). ومثاله ما رواه الإمام مسلم بسنده عَنْ أَبِي وَائِلٍ قال: «خَرَجَ عَلَيْنَا ابْنُ مَسْعُودٍ بِصِفِّينَ»، فَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ -: «أَتُرَاهُ بُعِثَ بَعْدَ المَوْتِ؟» (¬2) فابن مسعود تُوُفِّيَ قبل صِفِّينَ سَنَةَ 32 هجرية. 6 - «أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ أَمْرٍ جَسِيمٍ كَحَصْرِ العَدُوِّ لِلْحَاجِّ عَنْ البَيْتِ، ثُمَّ لاَ يَنْقُلُهُ مِنْهُمْ إِلاَّ وَاحِدٌ، لأَنَّ العَادَةَ جَارِيَةٌ بِتَظَاهُرِ الأَخْبَارِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. قُلْتُ: وَيُمَثِّلُهُ الأُصُولِيُّونَ بِقَتْلِ الخَطِيبِ عَلَى المِنْبَرِ، وَلاَ يَنْقُلُهُ إِلاَّ وَاحِدٌ مِنَ الحَاضِرِينَ» (¬3). 7 - «مُوَافَقَةُ الحَدِيثِ لِمَذْهَبِ الرَّاوِي، وَهُوَ مُتَعَصِّبٌ مُغَالٍ فِي تَعَصُّبِهِ، كَأَنْ يَرْوِي رَافِضِيٌّ حَدِيثًا فِي فَضَائِلِ أَهْلِ البَيْتِ، أَوْ مُرْجِئٌ حَدِيثًا فِي الإِرْجَاءِ، مِثْلَ مَا رَوَاهُ حَبَّةُ بْنُ جُوَيْنٍ قَالَ: «سَمِعْتُ عَلِيًّا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: " عَبَدْتُ اللهَ مَعَ رَسُولِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْبُدَهُ أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ خَمْسَ سِنِينَ أَوْ سَبْعَ سِنِينَ "، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: " كَانَ حَبَّةُ غَالِيًا فِي التَشَيُّعِ، وَاهِيًا فِي الحَدِيثِ "» (¬4). ¬

_ (¬1) انظر " المنار ": ص 37، 38. (¬2) انظر " صحيح مسلم بشرح النووي ": ص 117 جـ 1. (¬3) " توضيح الأفكار ": ص 96 جـ 2. (¬4) " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " للدكتور مصطفى السباعي: ص 118.

8 - اشتمال الحديث على مجازفات وإفراط في الثواب العظيم مقابل عمل صغير، مثال ذلك: «مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، خَلَقَ اللهُ لَهُ طَائِرًا لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ لِسَانٍ، سَبْعُونَ أَلْفَ لُغَةٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ». و «مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، أُعْطِيَ فِي الجَنَّةِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَدِينَةٍ، فِي كُلِّ مَدِينَةٍ سَبْعُونَ أَلْفَ قَصْرٍ، فِي كُلِّ قَصْرٍ سَبْعُونَ أَلْفَ حَوْرَاءَ». وأمثال هذه المجازفات الباردة التي لا يخلو حال واضعها من أحد أمرين: إما أن يكون في غاية الجهل والحمق، وإما أن يكون زنديقًا قصد التنقيص بالرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1). وإلى جانب هذه القواعد، فقد تكونت عند أكثر العلماء ملكة خاصة، نتيجة لدراستهم حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحفظه ومقارنة طرقه، فأصبحوا يعرفون - لكثرة ممارستهم هذا - ما هو كلام الصادق المصدوق وما ليس من كلامه، وفي هذا يقول ابن الجوزي: «الحَدِيثُ المُنْكَرُ يَقْشَعِرُّ لَهُ جَلْدُ الطَّالِبِ لِلْعِلْمِ، وَيَنْفِرُ مِنْهُ قَلْبُهُ فِي الغَالِبِ» (¬2)، ويقول الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ التَّابِعِيُّ الجَلِيلُ - أَحَدُ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ -: «إِنَّ مِنَ الحَدِيثِ حَدِيثًا لَهُ ضَوْءٌ كَضَوْءِ النَّهَارِ نَعْرِفُهُ بِهِ، وَإِنَّ مِنَ الْحَدِيثِ حَدِيثًا لَهُ ظُلْمَةٌ كَظُلْمَةِ اللَّيْلِ نَعْرِفُهُ بِهَا» (¬3). هذه أهم القواعد التي وضعها جهابذة علم الحديث لتمييز الموضوع من ¬

_ (¬1) " المنار ": ص 19. (¬2) " الباعث الحثيث ": ص 90. (¬3) " معرفة علوم الحديث ": ص 62، و " المحدث الفاصل ": ص 63: آ. وانظر " الكفاية ": ص 431: وذكر الربيع بن خثيم في بعض المصادر (خَيْثَمُ) كما في كتاب " الجمع بين رجال الصحيحين ": ص 134 جـ 1 والصواب (خُثَيْمٍ) كما في " طبقات " ابن سعد: ص 127 جـ 6 وغيره.

الصحيح، كما أنهم بحثوا بدقة تامة عن الأحاديث الموضوعة، وصنفوها حتى تعرف لأهل العلم ولا تشتبه عليهم، ونلاحظ أن هذه القواعد تناولت الحديث سَنَدًا وَمَتْنًا، فلم تقتصر جهود العلماء على نقد سند الحديث فقط دون متنه، كما ادعى بعض المستشرقين وَأَيَّدَهُمْ في ذلك بعض الكاتبين المسلمين، وسنستعرض بعض آرائهم في هذا الموضوع، ليظهر لنا بطلان ما ادعوا وزيف ما زعموا على ضوء ما بَيَّنَّاهُ. ***

الفصل الثالث: آراء بعض المستشرقين وأشياعهم في السنة ونقدها:

الفَصْلُ الثَّالِثُ: آرَاءُ بَعْضِ المُسْتَشْرِقِينَ وَأَشْيَاعَهُمْ فِي السُنَّةِ وَنَقْدِهَا: أَوَّلاً - رَأْيُ جُولدْتْسِيهِرْ: يقول الدكتور علي حسن عبد القادر: «وهنا مسألة جد خطيرة، نجد من الخير أن نعرض لها ببعض التفصيل، وهي (وضع الحديث) في هذا العصر، ولقد ساد إلى وقت قريب في أوساط المستشرقين الرأي القائل: " بأن القسم الأكبر من الحديث ليس إلا نتيجة للتطور الديني والسياسي والاجتماعي للإسلام في القرنين الأول والثاني، وأنه ليس صحيحًا ما يقال من أنه وثيقة للإسلام في عهده الأول عهد الطفولة، ولكنه أثر من آثار جهود الإسلام في عصر النضوج»، ويقول في الهامش: «هذا الرأي الذي ننقله هو رأي جولدتسيهر في كتابه " دراسات إسلامية "» (¬1). وقد انتشر رأي (جولدتسيهر) هذا في الغرب والشرق وأصبح من مُسَلَّمَاتِ البحث عند المستشرقين، كما أن (جولدتسيهر) نفسه بَيَّنَ رأيه في السُنَّةِ واضحًا في كتابه " العقيدة والشريعة في الإسلام "، فقد قال: «ولا نستطيع أن نعزو الأحاديث الموضوعة للأجيال المتأخرة وحدها، بل هناك أحاديث عليها طابع القِدَمِ، وهذه إما قالها الرسول، أو هي من عمل رجال الإسلام القدامى، ولكن من ناحية أخرى فإنه ليس من السهل تَبَيُّنُ هذا الخطر المتجدد عن بعد الزمان والمكان من المنبع الأصلي، ¬

_ (¬1) " نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي ": ص 126، 127، وانظر " دائرة المعارف الإسلامية " مادة (حديث) و Shorter Encyclopedia of Islam by H.A.R. Gibb and J.H. Kramers P, 116.

بأن يخترع أصحاب المذاهب النظرية والعملية أحاديث لا يرى عليها شائبة في ظاهرها، ويرجع بها إلى الرسول وأصحابه. فالحق أن كل فكرة، وكل حزب وكل صاحب مذهب، يستطيع دعم رأيه بهذا الشكل، وأن المخالف له في الرأي يسلك أَيْضًا هذا الطريق، ومن ذلك لا يوجد في دائرة العبادات أو العقائد أو القوانين الفقهية أو السياسية مذهب أو مدرسة لا تعزز رأيها بحديث أو بجملة من الأحاديث ظاهرها لا تشوبه أية شائبة. ولم يستطع المسلمون أنفسهم أن يخفوا هذا الخطر، ومن أجل هذا وضع العلماء علمًا خاصًا له قيمته، وهو علم نقد الحديث، لكي يفرقوا بين الصحيح وغير الصحيح من الأحاديث، إذا أعوزهم التوفيق بين الأقوال المتناقضة، ومن السهل أن يفهم أن وجهات نظرهم في النقد ليست كوجهات النظر عندنا، تلك التي تجد مجالاً كبيرًا في النظر في تلك الأحاديث التي اعتبرها النقد الإسلامي صحيحة غير مشكوك فيها، ووقف حيالها لا يحرك ساكنًا. ولقد كان من نتائج هذه الأعمال النقدية الاعتراف بالكتب الستة أصولاً، وكان ذلك في القرن السابع الهجري، فقد جمع فيها علماء من رجال القرن الثالث الهجري أنواعًا من الأحاديث كانت مبعثرة، رأوها أحاديث صحيحة» (¬1). إن سوء ظن هذا الباحث في السُنَّةِ ظهر في طيات كتابه المذكور، في أبحاث ونقاط كثيرة، وإنما استشهدتُ ببعض ما يتناول بحثنا، ويتجلى لنا مما أوردت عن جولدتسيهر ما يلي: 1 - يرى أن أكثر الحديث نتيجة للتطور الإسلامي السياسي والاجتماعي أي أنه موضوع. ¬

_ (¬1) " العقيدة والشريعة ": ص 49، 50.

2 - يرى أن رجال الإسلام القدامى (الصحابة والتابعين) كان لهم يد في وضع الأحاديث. 3 - إن بُعْدَ الزمان والمكان من عهد الرسالة يسمح لأصحاب المذاهب أن ينتحلوا الأحاديث لدعم مذاهبهم، بل ما من مذهب نظري أو عملي إلا وقد عزز رأيه في مختلف النواحي العقائدية أو الفقهية أو السياسية حتى في العبادات بأحاديث ظاهرها لا تشوبه أية شائبة. 4 - وجهة نظر النقاد المسلمين تختلف عن وجهة نظر النقاد الأجانب الذين لا يسلمون بصحة كثير من الأحاديث التي قرر المسلمون صحتها. 5 - يصور " الكتب الستة " بأنها ضم لأنواع من الأحاديث التي كانت مبعثرة رأى جامعوها أنها صحيحة. هذ النقاط الخمسة هي خلاصة رأي جولدتسيهر في الوضع والنقد، وله آراء كثيرة متفرقة خارجة عن إطار بحثنا (¬1)، وسنناقش هذه النقاط بإيجاز على ضوء ما سبق أن أثبتناه. [1]- إن ما ادعاه من أن أكثر الحديث نتيجة للتطور غير صحيح، لأن المسلمين منذ القرن الأول ومن عهد الصحابة كانوا يتثبتون في قبول الأحاديث، وكانوا يتتبعون الكذابين والوضاعين، وعرفوا الأحاديث الموضوعة والصحيحة. ثم إن القرآن الكريم قد جاء بالقواعد الكلية التي تناسب كل زمان ومكان ولم يتعرض للجزئيات وطرق تنفيذها التي يمكن أن تتبدل وتتغير حسب البيئة والزمان دون أن تؤثر على القواعد الكبرى والأهداف العليا للإسلام، وترك ¬

_ (¬1) تصدى الدكتور مصطفى السباعي للمستشرقين ورد عليهم في كتابه " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " وَرَدَّ على جولدتسيهر رَدًّا قَيِّمًا فليراجع هناك ص 364 وما بعدها.

الله تعالى للحكام وسائل التطبيق والتنفيذ في ظلال الكتاب والسنة والأصول التي تليها. فالمسلمون ليسوا بحاجة إلى اختلاق أحاديث تبرر ما يقومون به نتيجة لحياتهم الجديدة، فقد كفاهم الله - عَزَّ وَجَلَّ - هذا بما شرعه لهم من أسس وقواعد خالدة إلى يوم الدين، رضيها لهم ورضوها لأنفسهم، وقد قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (¬1). [2]- يرى أن رجال الإسلام القدامى لهم يد في الوضع. فمن هم رجال الإسلام القدامى إذا لم يكونوا الصحابة والتابعين؟ فإذا كان قصدهم فإننا قد بَيَنَّا فيما سبق احتراز الصحابة عن ذلك وعدم انغماس كبار التابعين في حمأة الوضع فلا داعي للتكرار. [3]- إذا كان بعض أهل الأهواء قد استجازوا الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لدعم أهوائهم فهذا لا يعني قط أن أصحاب المذاهب الفقهية والسياسية والعقائدية قد اختلقوا الأحاديث لدعم مذاهبهم، ثم لِمَ يَظُنُّ السوء بهذه المذاهب؟ وَلِمَ يَدَّعِي كذبها ووضعها بعض الأحاديث؟ يجب أن يعلم كل إنسان أن الاختلافات الفقهية بين الصحابة أو الفقهاء لم يكن مردها هوى في النفس أو تعصبًا في الرأي، وإنما كانت لأسباب كثيرة أهمها أن بعض الأحاديث وصلت إلى الأئمة دون بعض فحكموا بها، أو أنها وصلتهم ولكنها ثبتت عند بعضهم ولم تثبت عند الآخرين، أو أنها ثبتت عند الجميع واختلفوا في الاستنباط منها وما إلى هذا (¬2)، فالفقهاء جَمِيعًا متفقون على اتباع سُنَّةِ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فهل يعقل ¬

_ (¬1) [سورة المائدة، الآية: 3]. (¬2) انظر " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " لابن تيمية، وهي رسالة صغيرة جليلة القدر وعظيمة النفع.

من هؤلاء أن يكذبوا على رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - لدعم مذاهبهم!؟ وإنما قامت مذاهبهم على القرآن الكريم والسنة المطهرة، وشربت من ينبوع الرسول الصافي - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -. إن تعميم جولدتسيهر لم يبن على دراسة موضوعية للمذاهب الفقهية والعقائدية بل اكتفى بما وجده عند أهل الأهواء من الأحاديث الموضوعة، أو بما رآه في كتب بعض أتباع المذاهب الفقهية التي دُسَّ فيها بعض الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة، ثم ألصق هذا بأصحاب هذه المذاهب جريًا وراء هواه، لدعم رأيه في وضع أكثر الأحاديث. [4]- إن وجهة نظر النقاد المسلمين مبنية على القواعد والأصول التي وضعوها في نقدهم، وقد رأينا دقتها وعرفنا قيمتها، فمن الطبيعي أن تختلف عن وجهة نظر النقاد الأجانب، الذين لا يؤمنون برسالة محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا يعتقدون الإيحاء إليه، فنحن مختلفون معهم من نقطة البداية، لأن كثيرًا من الأحاديث التي تتناول العقائد والغيبيات سلمنا بصحتها بعد التحقيق العلمي، وسلمنا بكل ما جاء فيها لأنها عن الصادق المصدوق، فاختلاف وجهة نظرهم لا يضيرنا ما دمنا قد سلكنا في نقدنا وبحثنا أسلم طرق البحث العلمي وأدقها، وقد شهد لنا بذلك المنصفون منهم. [5]- أما رأيه في " الكتب الستة ": أنها مجموعة من الأحاديث التي ضمنها مؤلفوها بعد أن كانت مبعثرة في القرن الثالث، ورأوا أنها صحيحة، فهذا رأي مردود، فيه إنكار لجهود العلماء الجبارة التي بذلوها خلال القرن الأول والثاني في سبيل صيانة السنة وحفظها، فالسنة لم تكن مبعثرة متفرقة، بل كان معظمها عَمَلِيًّا، يطبقه المسلمون، ويقيمون تعاليم رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على

ثانيا - رأي غاستون ويت:

هداه، ولم يقتصر هذا على عهد الصحابة والتابعين، أو على موطن الإسلام الأول، بل انتشرت سُنَّةُ رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - في القرن الأول والقرون التالية، وذاعت في الآفاق عندما حرر المسلمون الأوائل البلاد المجاورة من طغيان الحكام، وانتقلت السُنَّةُ العملية والقولية والتقريرية، جيلاً بعد جيل، تحفظًا صدور الحفاظ وصحفهم إلى أن جمعت في كتب مصنفة، وفي أجزاء مبوبة في منتصف القرن الثاني الهجري على أيدي كبار العلماء والحفاظ، وإن ما جمعه البخاري ومسلم وغيرهما في القرن الثالث لم يكن مُبَعْثَرًا، وإنما اختير من ألوف الأحاديث التي كانت عند الحفاظ متوخين الأحاديث الصحيحة وسيتضح هذا لنا جَلِيَّا عندما نتكلم عن تدوين السنة. ثَانِيًا - رَأْيُ غَاسْتُونْ وَيَتْ: كاتب مقال (الحديث) في التاريخ العام للديانات. أورد غاستون ويت رأي جولدتسيهر السابق وأيده (¬1)، ونعرض لنقد الحديث فقال: «وقد درس رجال الحديث السنة بإتقان إلا أن تلك الدراسة كانت موجهة إلى (السند) ومعرفة الرجال، والتقائهم وسماع بعضهم من بعض ... »، ثم يقول: «لقد نقل لنا الرواة حديث الرسول مشافهة، ثم جمعه الحفاظ ودونوه، إلا أن هؤلاء لم ينقدوا " المتن " ولذلك لسنا متأكدين من أن الحديث قد وصلنا كما هو عن رسول الله من غير أن يضيف إليه الرواة شيئًا عن حسن نية في أثناء روايتهم الحديث، ومن الطبيعي أن يكونوا قد زادوا شيئًا عليه في أثناء ¬

_ (¬1) انظر: Histoire Générale Des Religions (Islam) P.366

ثالثا - رأي الأستاذ أحمد أمين:

روايتهم (لأنه كان بالمشافهة)، ومهما كان هذا الرأي صحيحًا فإن المسلمين يقبلون الحديث على أنه كلام صحيح» (¬1). ... ثَالِثًا - رَأْيُ الأَسْتَاذِ أَحْمَدْ أَمِينْ: قال: «وَقَدْ وَضَعَ عُلَمَاءُ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ قَوَاعِدَ لَيْسَ هُنَا مَحَلُّ ذِكْرِهَا وَلَكِنَّهُمْ - وَالحَقُّ يُقَالُ - عَنُوا بِنَقْدِ الإِسْنَادِ أَكْثَرَ مِمَّا عَنُوا بِنَقْدِ المَتْنِ، فَقَلَّ أَنْ نَظْفَرَ مِنْهُمْ بِنَقْدٍ مِنْ نَاحِيَةٍ أَنَّ مَا نُسِبَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لاَ يَتَّفِقُ وَالظُّرُوفَ التِي قِيلَتْ فِيهِ، أَوْ أَنَّ الحَوَادِثَ التَّارِيخِيَّةَ الثَّابِتَةَ تُنَاقِضُهُ، أَوْ أَنَّ عِبَارَةَ الحَدِيثِ نَوْعٌ مِنَ التَّعْبِيرِ الفَلْسَفِيِّ يُخَالِفُ المَأْلُوفَ فِي تَعْبِيرِ النَّبِيِّ، أَوْ أَنَّ الحَدِيثَ أَشْبَهُ فِي شُرُوطِهِ وَقُيُودِهِ بِمُتُونِ الفِقْهِ وَهَكَذَا، وَلَمْ نَظْفَرْ مِنْهُمْ فِي هَذَا البَابِ بِعُشْرِ مِعْشَارِ مَا عَنُوا بِهِ مِنْ جَرْحِ الرِّجَالِ وَتَعْدِيلِهِمْ حَتَّى نَرَى البُخَارِيَّ نَفْسَهُ - عَلَى جَلِيلِ قَدْرِهِ وَدَقِيقِ بَحْثِهِ - يُثْبِتُ أَحَادِيثَ دَلَّتْ الحَوَادِثُ الزَّمَنِيَّةُ وَالمُشَاهَدَةُ التَّجْرِيبِيَّةُ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ، لاقْتِصَارِهِ عَلَى نَقْدِ الرِّجَالِ، كَحَدِيثِ: «لاَ يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ» وَحَدِيثِ «مَنْ اصْطَبَحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِنْ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ ذَلِكَ اليَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ» (¬2). إن ما ذكره (غاستون ويت) والأستاذ أحمد أمين - فيه حيف وظلم للجهود التي بذلها علماء السنة لحفظ الحديث الشريف وتخليصه من كل ما يشوبه، فإن علماء الجرح والتعديل تناولوا نقد سند الحديث كما تناولوا نقد متنه، وإن الجهود التي بذلوها في نقد المتن لا تقل عن جهودهم في نقد السند، وقد لمسنا تلك ¬

_ (¬1) ( Histoire Générale Des Religions. Islam P.365 (¬2) " فجر الإسلام ": ص 217، 218.

الجهود حينما استعرضنا القواعد التي وضعوها لتمييز الموضوع من الصحيح. ونستطيع أن نرد على كل من يدعي أن نقد العلماء كان مُنْصَبًّا على (السند) دون (المتن) بأنهم - كما وضعوا علامات لتمييز السند الضعيف من السند الصحيح - وضعوا علامات تمييز متن الخبر الموضوع عن غيره، وهذه العلامات ثمانية للمتن وأربعة للسند، كما ثبت لدينا، فهل بقيت مع هذا حُجَّةٌ لدعم ذلك الزعم!؟. وأما ما ادعاه (غاستون ويت) من زيادة الرواة شيئًا على مَا يَرْوُونَهُ عن حسن نية، فهذا مدفوع بما حققه العلماء في أبحاثهم الدقيقة عن زيادة الراوي شيئًا على الخبر، وَبَيَّنُوا أن هذه الزيادة قد تكون في المتن أو في الإسناد (¬1)، وما يضيفه الراوي يسمى (المُدْرَجَ)، والإدراج على الحقيقة إنما يكون في المتن، وبينوا صور المدرج ونصوا على كثير من إدراجات الرواة، فلم يلتبس على علماء الأمة المدرج، بل عرفوا كل ذلك. ومعظم ما أدرج كان نتيجة لتفسير الشيخ، يسمعه الطالب فيظنه من الحديث. وقد عرف العلماء هذا، وَبَيَّنُوا أن ما يقع من الراوي خطأ من غير عمد فلا حرج على المخطئ، إلا إن كثر خطؤه، فيكون جَرَحًا في ضبطه وإتقانه (¬2)، ويعرف ما أدرجه الراوي بإقراره، أو بمقارنة طرق الخبر، فيتبين بهذه المقارنة ما أدرج من قبل الراوي. وقد عرف النقاد هذا كله ونصوا عليه. وأما ما قاله الأستاذ أحمد أمين من أن «البُخَارِيَّ نَفْسَهُ - عَلَى جَلِيلِ قَدْرِهِ ¬

_ (¬1) انظر " الباعث الحثيث ": ص 80. (¬2) انظر المرجع السابق: ص 84.

وَدَقِيقِ بَحْثِهِ - يُثْبِتُ أَحَادِيثَ دَلَّتْ الحَوَادِثُ الزَّمَنِيَّةُ وَالمُشَاهَدَةُ التَّجْرِيبِيَّةُ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ، لاقْتِصَارِهِ عَلَى نَقْدِ الرِّجَالِ ... ». فهذا حُكْمٌ لا نوافقه عليه ولا نقول به، لأن ما استشهد به لدعم رأيه لا يثبت هذا بل يعارضه، بل إن حديث «لاَ يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ» صحيح، وقد فهمه الأستاذ فهمًا مخالفًا للحقيقة، وذهب في تأويله مذهبًا بعيدًا كل [البُعْدِ] عن الصواب، فقد رُوِيَ هذا الحديث من طرق عدة فَسَّرَ بَعْضُهَا بَعْضًا، فالمراد من الحديث أنه عند انقضاء مائة سَنَةٍ من قول رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لن يبقى أحد ممن كان مَوْجُودًا في عهده - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - لأنه لم يبق أحد ممن كان في عهده - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - أكثر من مائة عام، فكل ما في الأمر أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ لأصحابه أنهم لن يعمروا كما عمر من قبلهم من الأمم (¬1)، ولذلك عليهم أَنْ يَجِدُّوا في طاعاتهم، ويعملوا في دنياهم لآخرتهم وليس في هذا ما يخالف الحوادث الزمنية والمشاهدات التجريبية، ويقول الدكتور مصطفى السباعي: «فَأَنْتَ تَرَىَ أَنََّ هَذَا الحَدِيثَ الذِي كَانَ فِي الوَاقِعِ مُعْجِزَةً مِنْ مُعْجِزَاتِ الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْقَلِبُ فِي مَنْطِقِ النَّقْدِ الجَدِيدِ الذِي دَعَا إِلَيْهِ صَاحِبُ " فَجْرِ الإِسْلامِ " إِلَى أَنْ يَكُونَ مَكْذُوبًا مُفْتَرَىً!» (¬2). وأما حديث «مَنْ اصْطَبَحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِنْ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ ذَلِكَ ¬

_ (¬1) انظر " فتح الباري ": ص 222 جـ 1، ذكر البخاري بعض الحديث وَبَيَّنَ ابن حجر أقوال العلماء فيه وأشار إلى الحديث كاملاً في (كتاب الصلاة) حيث تفسيره واضح كما بَيَّنَّا، وانظر " تأويل مختلف الحديث ": ص 119، وانظر " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 259 - 363 حيث فَنَّدَ الدكتور السباعي أخطاء الأستاذ أحمد أمين وَرَدَّ عليه رَدًّا مُفَصَّلاً. (¬2) " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 261.

اليَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ». فقد أخرجه الإمام البخاري في (كتاب الطب) (¬1) كما أخرجه الإمام مسلم (¬2) والإمام أحمد (¬3)، وقد بَيَّنَ العلماء هذا الحديث فمنهم من خَصَّصَهُ بتمر المدينة اعتمادًا على الأحاديث المقيدة بذلك، ومنهم من أطلقه، (والذي ارتضاه الأكثرون تخصيصه بعجوة المدينة)، قال ابن القيم في " زاد المعاد ": «[وَهُوَ غِذَاءٌ] فَاضِلٌ حَافِظٌ لِلصِّحَّةِ، لاَ سِيَّمَا لِمَنِ اعْتَادَ الْغِذَاءَ بِهِ ... وَنَفَعَ هَذَا العَدَدُ مِنْ [هَذَا] التَّمْرِ مِنْ هَذَا البَلَدِ مِنْ هَذِهِ البُقْعَةِ بِعَيْنِهَا - مِنَ السُّمِّ وَالسِّحْرِ، بِحَيْثُ تَمْنَعُ إِصَابَتُهُ - مِنَ الخَوَاصِّ التِي لَوْ قَالَهَا أَبُقْرَاط وَجَالِينُوسْ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الأَطِبَّاءِ، لَتَلَقَّاهَا عَنْهُمُ الأَطِبَّاءُ بِالقَبُولِ وَالإِذْعَانِ وَالانْقِيَادِ، مَعَ أَنَّ القَائِلَ إِنَّمَا مَعَهُ الحَدْسُ وَالتَّخْمِينُ وَالظَّنُّ، فَمَنْ كَلاَمُهُ كُلُّهُ يَقِينٌ وَقَطْعٌ وَبُرْهَانٌ، وَوَحْيٌ أَوْلَى أَنْ تُتَلَقَّى أَقْوَالُهُ بِالقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ، وَتَرْكِ الاعْتِرَاضِ». «هَذَا خُلاَصَةُ مَا ذَكَرُوهُ فِي هَذَا المَقَامِ، وَالذِي أَرَاهُ أَنَّ المُبَادَرَةَ إِلَى تَكْذيبِ حَديثٍ وَرَفْضِهِ لاَ تَصِحُّ، إلاَّ إذَا وَهُنَ طَرِيقَهُ، أَوْ حَكَمَ العَقْلُ وَالطُّبُّ حُكْمًا قَاطِعًا بِتَكْذيبِهِ وَبُطْلاَنِهِ، وَهَذَا الحَديثُ قَدْ صَحَّ سَنَدُهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ عَنْ أَئِمَّةِ الحَديثِ، وَرَوَاهُ ثِقَاتٌ عُدُولٌ لاَ مَجَالَ لِتَكْذِيبِهِمْ وَمَتْنُهُ صَحِيحٌ عَلَى وَجْهِ الإِجْمَالِ، إِذْ أَثَبْتَ لِلْعَجْوَةِ فَائِدَةً، وَحَضَّ عَلَى أَكْلِهَا، وَمِنَ المُقَرَّرِ حَتَّى فِي الطُّبِّ الحَديثِ أَنْ العَجْوَةَ مُغَذِّيَةٌ، مُلَيِّنَةٌ لِلْمَعِدَةِ، مُنَشَّطَةٌ لِلْجِسْمِ، مُبِيدَةٌ لِلْدِّيدَانِ المُنْتَشِرَةِ فِيهِ، وَلاَ شَكَّ أَنَّ الأَمْرَاضَ الدَّاخِلِيَّةََ مِنْ تَعَفُّنِ الأَمْعَاءِ وَاِنْتِشارِ الدِّيدَانِ، سُمُومٌ تُودِي بِحَيَاةِ الإِنْسَانِ إِذَا اِسْتَفْحَلَ أَمْرُهَا. وَإذًا فَالحَديثُ مِنْ حَيْثُ مُعَالَجَةِ العَجْوَةِ لِلْسُمُومِ بِالجُمَلَةِ، صَادِقٌ لاَ غُبَارَ عَلَيْهِ. أَمَا السِّحْرُ فَإذَا ذَهَبْنَا إِلَى أَنَّهُ مَرَضٌ نَفْسِيٌّ، وَأَنَّه يَحْتَاجُ إِلَى عِلاَجِ نَفْسِيٌّ، وَأَنَّ الإِيحَاءَ النَّفْسِيَّ لَهُ أَثَرٌ كَبِيرٌ ¬

_ (¬1) " صحيح البخاري بحاشية السندي ": ص 20 جـ 4. (¬2) " صحيح مسلم ": ص 1618 جـ 3. (¬3) في " مسنده ": حديث 1442، 1528، 1571، 1572 جـ 3.

فِي شِفَاءِ المرضى بِمِثْلِ تِلْكَ الأَمْرَاضِ، وَإذَا أَخَذْنَا العَجْوَةَ إِلَى أَنَّهَا مُغَذِّيَةُ مُفِيدَةٌ لِلْجِسْمِ، مُقَوِّيَةٌ لِلْبُنْيَةِ، قَاتِلَةً لِلْدِّيدَانِ، قَاضِيَةً عَلَى تَعَفُّنِ الفَضَلاَتِ، وَأَنَّهَا مِنْ عَجْوَةِ المَدِينَةِ، مَدِينَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ -، وَأَنَّ هَذَا عِلاَجٌ وَصَفَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلامُ، وَهُوَ الذِي لاَ يَنْطِقُ عَنْ الهَوَى. فَلاَ أَشُكَّ فِي أَنَّ ذَلِكَ يُحْدِثُ أَثرًا طَيِّبًا فِي نَفْسِ المَسْحُورِ ... إِنَّكَ لاَ تَشُكُّ مَعِي فِي أَنَّ إِقْدَامَ مُؤَلِّفِ " فَجْرِ الإِسْلاَمِ " عَلَى القَطْعِ بِتَكْذِيبِ هَذَا الحَدِيثِ جُرْأَةٌ بَالِغَةٌ مِنْهُ، لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُقْبَلَ فِي المُحِيطِ العِلْمِيِِّ بِأََيُّ حَالٍ: مَا دَامَ سَنَدُهُ صَحِيحًا بَلاَ نِزَاعٍ، وَمَا دَامَ مُتْنُهُ صَحِيحًا عَلَى وَجْهِ الإِجْمَالِ، وَلاَ يَضُرُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الطِبَّ لَمْ يَكْتَشِفْ حَتَّى الآنَ بَقِيَّةَ مَا دَلُّ عَلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ العَجْوَةِ، وَيَقِينِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الحِجَازِ مَعَاهِدَ طِبِّيَّةً رَاقِيَةً، أَوْ لَوْ كَانَ تَمْرُ العَالِيَةِ مَوْجُودًا عِنْدَ الغَرْبِيِّينَ، لاسْتَطَاعَ التَّحْلِيلُ الطِّبِّيُّ الحَديثُ أَنْ يَكْتَشِفَ فِيهِ خَوَاصَّ كَثِيرَةً، وَلَعَلَّهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَكْتَشِفَ هَذِهِ الخَاصَّةِ العَجِيبَةِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ اليَوْمَ فَفِي المُسْتَقْبَلِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» (¬1).انتهى ما نقلناه عن الدكتور مصطفى السباعي. ولم يكتف الأستاذ أحمد أمين بما ذكرناه، بل حاول أن يستشهد بأحاديث عدة على اكتفاء النقاد بنقد السند دون المتن، إلا أنه لم يوفق إلى إثبات ما ادعى بما استشهد به، وما من حديث استشهد به إلا فَنَّدَ العلماء القول فيه، وبينوا طرقه , وأزالوا كل ما قد يستشكله الباحثون وأهل الأهوء (¬2). ¬

_ (¬1) " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 263 - 266. (¬2) رَدَّ أستاذنا الدكتور مصطفى السباعي على الأستاذ أحمد أمين جميع شبهاته رَدًّا عِلْمِيًّا قَوِيًّا، فليراجع في كتابه " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 212 - 303 وما يتعلق بموضوعنا هذا: ص 266 - 271.

الفصل الرابع: أشهر ما ألف في الرجال والموضوعات:

الفَصْلُ الرَّابِعُ: أَشْهَرُ مَا أُلِّفَ فِي الرِّجَالِ وَالمَوْضُوعَاتِ: وَهُوَ ثِمَارُ جُهُودِ العُلَمَاءِ فِي المُحَافَظَةِ عَلَى الحَديثِ. كان لظهور الوضع أثر بعيد في نفوس العلماء حملهم على بذل تلك الجهود العظيمة للمحافظة على الحديث، وكان الوضع من الأسباب القوية التي دفعت العلماء إلى جمع الحديث وتدوينه وتصنيفه، حِرْصًا منهم على صيانته من عبث الوضاعين. وقد عبر الإمام الزهري عن هذا فقال: «لَوْلاَ أَحَادِيثَ تَأْتِينَا مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ نُنْكِرُهَا لاَ نَعْرِفُهَا , مَا كَتَبْتُ حَدِيثًا وَلاَ أَذِنْتُ فِي كِتَابِهِ» (¬1). وقد فصلت القول في جمع الحديث الشريف وتصنيفه في الباب الرابع من هذا الكتاب، وفيه يتجلى لنا اهتمام العلماء بجمع الحديث، وتخليصه من الموضوع، ثم حرصهم على تصنيف الصحيح منه. والآن سنستعرض آثار العلماء فيما صنفوه من كتب كان لها الأثر الطيب في حفظ الحديث النبوي، فيما يتناول موضوعنا من الرجال وتاريخهم وأحوالهم، وَكُنَاهُمْ وألقابهم وأنسابهم وضبط أسمائهم، وبيان الثقات والضعفاء منهم، وما ألف في الموضوع وغير ذلك - وإن كان قد ألف بعد هذا العصر - مما كان له فضل في صيانة الحديث. وتعتبر هذه المؤلفات حصنًا منيعًا حول الحديث، تتحطم على جنباته سهام أعداء السُنَّةِ، وستبقى أعظم دليل على اهتمام ¬

_ (¬1) " تقييد العلم ": ص 108.

أولا: أشهر الكتب التي ألفت في الصحابة:

المسلمين بِسُنَّةِ رسولهم - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومساهمتهم في بناء تراث الإنسانية العلمي. وقد اعتنيت بجمع هذه المؤلفات، وحاولت حصرها مما طالعته من المطبوع منها والمخطوط، ومما ذكره السيد محمد الكتاني في كتابه " الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة " الذي ذكر فيه مؤلفات كثيرة في الحديث وعلومه. وما ذكره الأستاذ عمر كحالة في كتابه " معجم المؤلفين "، وما ذكره الأستاذ خير الدين الزركلي في " الأعلام "، وما مَرَّ عَلَيَّ من كُتُبِ بعض علماء الحديث ورواته في طيات تراجمهم مما لم يذكر في هذه الكتب وما وجدته في فهارس دور الكتب - وكان من العسير حصر جميع ما أُلِّفَ في موضوعنا هذا - وإذا بي أمام ثروة علمية ضخمة تُرْبِى عَلَى نيف وخمسين ومائتي مؤلف، ورأيت المقام يضيق عن ذكرها، ولهذا فضلت أن أكتفي بذكر بعض المشهور منها. أَوَّلاً: أَشْهَرُ الكُتُبِ التِي أُلِّفَتْ فِي الصَّحَابَةِ: كان الصحابة والتابعون وأتباعهم يعرفون من له صُحْبَةٌ، وخاصة من عانى منهم نقل الحديث وروايته عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكانوا يحفظون أسماء كثير منهم، وقد حرص العلماء على حصرهم، وبيان مروياتهم وأحوالهم وأوطانهم وتاريخ وفاة كل منهم، وقد جَمَعْتُ قَرِيبًا مِنْ أَرْبَعِينَ مُؤَلَّفًا في الصحابة منها: 1 - " معرفة من نزل من الصحابة سائر البلدان " في خمسة أجزاء للإمام الثقة صاحب التصانيف الكثيرة أبي الحسن علي بن عبد الله المديني (161 - 234 هـ) (¬1). ¬

_ (¬1) " الرسالة المستطرفة ": ص 95.

2 - " كتاب المعرفة " في مائة جزء وهو في معرفة الصحابة للإمام أبي محمد عبد الله بن عيسى المروزي مفتي مرو وعالمها (220 - 293 هـ) (¬1). 3 - " كتاب الصحابة " في خمسة أجزاء للإمام محمد بن حبان أبي حاتم البُسْتِي (270 - 354 هـ) (¬2). 4 - " الاستيعاب في معرفة الأصحاب " لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي (368 - 463 هـ)، وقد طبع في مجلدين بالهند سَنَتَيْ (1318، 1319 هـ)، ثم طبع أخيرًا في أربعة أجزاء بمصر، وقد سماه بهذا الاسم ظَنًّا منه أنه استوعب الأصحاب، ولكنه فاته كثير منهم، وفيه خمسمائة وثلاثة آلاف ترجمة (¬3). 5 - " أسد الغابة في معرفة الصحابة " في خمس مجلدات للمؤرخ عز الدين أبي الحسن علي بن محمد (ابن الأثير) (555 - 630 هـ)، وطبع الكتاب سَنَةَ (1286 هـ) (¬4) في مصر، وفيه سبعة آلاف وخمسمائة وأربعة وخمسون ترجمة. 6 - " تجريد أسماء الصحابة " في جزأين للإمام الحافظ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي (673 - 748 هـ)، وقد طبع بالهند سَنَةَ (1310 هـ) (¬5). ¬

_ (¬1) " الرسالة المستطرفة ": ص 95، و" معجم المؤلفين ": ص 135 جـ 6. (¬2) " الأعلام ": ص 306 جـ 6. (¬3) راجع نسخة دار الكتب المصرية تحت رقم (مصطلح الحديث 159 و 161 و 257) كما طبع " الاستيعاب " على هامش كتاب " الإصابة " في مصر سَنَةَ (1328 هـ) في أربع مجلدات، يوجد منها في دار الكتب المصرية عدة نسخ تحت رقم (مصطلح الحديث: 229 و 230). واختصر " الاستيعاب " العَلاَّمَةُ محمد بن يعقوب الخليلي في كتاب سماه " إعلام الإصابة بأعلام الصحابة " مخطوط في دار الكتب تحت الرقم (109 مصطلح). وَذَيَّلَ غير واحد على " الاستيعاب ". (¬4) راجع نسخة دار الكتب المصرية (مصطلح الحديث 103). (¬5) راجع نسخة دار الكتب المصرية (مصطلح الحديث 263).

7 - " الإصابة في تمييز الصحابة " للإمام شهاب الدين أحمد بن علي الكناني العسقلاني (ابن حجر) صاحب التصانيف الكثيرة (773 - 852 هـ) وهو أجمع ما كتب في هذا الباب، وقد طبع سَنَةَ (1853 م) بالهند، ثم طبع في مصر سَنَةَ (1323 هـ) في ثمانية أجزاء، جعلت الستة الأولى منها للأسماء، وفيها (9477) ترجمة والمجلد السابع لِلْكُنَى، وفيه (1257) كُنْيَةً، والمجلد الثامن في تراجم النساء، وَهُنَّ (1545) ترجمة (¬1). 8 - " الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة " للشيخ يحيى بن أبي بكر العامري اليمني (816 - 893 هـ) وقد طبع في (92) صفحة بالهند سَنَةَ (1303 هـ) (¬2) (*). 9 - " در السحابة في من دخل مصر من الصحابة " لخاتمة الحفاظ جلال الدين: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (849 - 911 هـ). وهو جزء صغير طبع في أول كتابه " حسن المحاضرة " بمصر سَنَةَ (1327 هـ) (**). 10 - " البدر المنير في صحابة البشير النذير " للشيخ محمد قائم بن صالح السندي الحنفي القادري، كان حَيًّا قبل سَنَةِ 1145 هـ، وقد ذكر في كتابه أسماء الصحابة الذين وردت صحبتهم بطريق الرواية أو بما يدل على الصحبة بأي طريق (¬3). ¬

_ (¬1) النسخة التي وصفناها مطابقة لنسخة الهند، محفوظة في خزانة قسم الإرشاد في دار الكتب المصرية، وطبعة " الإصابة " طبعات أخرى مختلفة منها طبعة مصر سَنَةَ 1325 هـ - 1907 م. (¬2) ذكر في هذا الكتاب من له رؤية للرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورواية في الصحيحين، وقد رتبه على الحروف، وذكر ما روى له الشيخان في كتابيهما ثم ما اتفقا عليه ثم ما انفرد به البخاري، ثم ما انفرد به مسلم، وذكر للصحابي من روى عنه من أصحاب " الكتب الأربعة ". راجع الكتاب المذكور في دار الكتب المصرية (مصطلح 162) وهو كتاب مفيد. (¬3) ويسمى هذا الكتاب أَيْضًا " تيسير المرام بذكر صحابة أفضل من طاف ببيت الله الحرام " أو " شموس الهدى في صحابة المصطفى المُقتدى " وهو مخطوط في (287) ورقة مسطرتها = ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) طبع كتاب " الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة " وأشرف على تحقيقه وتصحيحه: عبد الله بن إبراهيم الأنصار وعبد التواب هيكل، وطبع على نفقه الشؤون الدينية بوزارة التربية والتعليم - دولة قطر، طبع بمطابع الدوحة الحديثة، الطبعة بدون تاريخ، 368 صفحة. وهناك تحقيق آخر: لعمر الديراواي أبو حجلة، ط1. بيروت: مكتبة المعارف، 1974م. (**) " در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة " لجلال الدين السيوطي (المتوفى سنة 911 هـ)، حققه وعلق عليه الدكتور حمزة النشرتي، الشيخ عبد الحفيظ فرغلي والدكتور عبد الحميد مصطفى إبرهيم، نشر المكتبة القيمة - القاهرة.

ثانيا: أشهر ما صنف في تواريخ الرجال وأحوالهم:

وهناك كتب كثيرة استقت من هذه الأصول، كما اختصر بعض العلماء بعض هذه الكتب أو ذيلوا عليها. فهناك ذيول على " الاستيعاب " لابن عبد البر، كـ " ذيل ابن فتحون الأندلسي " (- 517 هـ)، و " ذيل أبي الحجاج يوسف بن محمد بن مقلد " (- 558 هـ)، وغيرها من الذيول والمختصرات (¬1). كما اختصر الإمام السيوطي كتاب " الإصابة "، وسماه " عين الإصابة في معرفة الصحابة " (¬2). ثَانِيًًا: أَشْهَرُ مَا صُنِّفَ فِي تَوَارِيخِ الرِّجَالِ وَأَحْوَالِهِمْ: وإذا انتقلنا إلى أخبار الرواة وأحولهم نرى مصنفات مختلفة المنهج. فمن المحدثين والمؤرخين من صنف كتبه على ترتيب السنين، ومنهم من صنف حسب البلدان، ومنهم من رتب كتبه على الحروف، كما هي الحال في كتب التراجم، وآخرون جعلوا الرجال على طبقات أو أجيال. وتتفاوت هذه المصنفات بين إسهاب واختصار، فنرى الإيجاز في كتب التراجم، والتفصيل في التواريخ الكبيرة كـ " تاريخ دمشق "، و " تاريخ بغداد "، و" تاريخ الإسلام "، وقد جمعت نَيِّفًا وتسعين كتابًا أقتصر على ذكر أشهرها، ¬

_ = 21 سطرًا: 21 * 12 سم توجد نسخة منه في دار الكتب المصرية تحت رقم (مصطلح: 325). (¬1) اختصر الشيخ محمد بن محمد السندروسي الشافعي الطرابلسي (- 1177 هـ) كتاب " الاستيعاب " لابن عبد البر وسماه " الشموس المضية في ذكر أصحاب خير البرية " وهو مرتب على حروف المعجم، حذف منه الطويل في ذكر الأنساب والأشعار. وذكر فيه ما للصحابي من أحاديث في الصحيحين أو في أحدهما. والكتاب مخطوط في (318) ورقة مسطرتها 25 سطرًا: 20 * 14سم. في دار الكتب المصرية تحت رقم (مصطلح: 130). (¬2) " الرسالة المستطرفة ": ص 153.

[أ] كتب في تواريخ الرجال وأحوالهم:

فنستعرض أولاً أشهر ما كتب في التاريخ والتراجم التي تناولت أحوال الرجال، ثم نتناول بالبحث كتب الطبقات. [أ] كُتُبٌ فِي تَوَارِيخِ الرِّجَالِ وَأَحْوَالِهِمْ: 1 - " تاريخ الرواة " للإمام يحيى بن معين (158 233 هـ) وهو مرتب على حروف المعجم (¬1)، وله أَيْضًا " معرفة الرجال " و " التاريخ والعلل " (¬2). 2 - " التاريخ " في عشرة أجزاء للمحدث النسابة الإخباري خليفة بن خياط الشيباني العصفري (- 240 هـ) (¬3). 3 - " التاريخ " للإمام أحمد بن محمد بن حنبل (164 - 241 هـ) (¬4). 4 - " التاريخ الكبير " لسيد الحفاظ وأميرهم الإمام محمد بن إسماعيل البخاري أبي عبد الله (194 - 256 هـ) وهو تاريخ عظيم ذكر فيه أسماء من رُوِيَ عنه الحديث، وكأنه حاول استيعاب الرواة من الصحابة فمن بعدهم إلى طبقة شيوخه، فبلغ عددهم قريبًا من أربعين ألفًا، بين رجل وامرأة وضعيف وثقة (¬5)، وقد قدر شيوخه ومعاصروه تاريخه هذا، حتى إن شيخه الإمام أسحاق بن إبراهيم (ابْنُ رَاهُوَيْهْ) لما رأى التاريخ لأول مرة فرح به كثيرًا، ودخل به على الأمير عبد الله بن طاهر فقال: «أَيُّهَا الأَمِيرُ أَلاَ أُرِيكَ سِحْرًا» (¬6). والكتاب في أربعة أجزاء كبيرة، رتبه على حروف ¬

_ (¬1) انظر " الرسالة المستطرفة ": ص 96، 97، وتاريخه معروف باسمه " تاريخ ابن معين ". (¬2) انظر " معجم المؤلفين ": ص 232 جـ 13. (¬3) انظر " الأعلام ": ص 361 جـ 2. (¬4) " الأعلام ": ص 192 جـ 1. (¬5) " الرسالة المستطرفة " ص 96. (¬6) " مقدمة فتح الباري ": ص 484.

المعجم (¬1)، وفيه قال التاج السبكي: «إِنَّهُ لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ وَمَنْ أَلَّفَ بَعْدَهُ فِي التَّارِيخِ أَوْ الأَسْمَاءِ أَوْ الكُنَى فَعِيَالٌ عَلَيْهِ» (¬2). وطبع " التاريخ الكبير " في ثمان مجلدات في حيدر آباد (¬3) سَنَةَ (1361 - 1362 هـ)، وله أَيْضًا " التاريخ الوسط " و" الصغير "، وقد طبع " التاريخ الصغير " بالهند سَنَةَ (1325 هـ) وهو ثمانية أجزاء صغيرة في مجلد واحد (¬4). 5 - " التاريخ الكبير " للمؤرخ الأندلسي أحمد بن سعيد بن حزم الصدفي أبي عمر (284 - 350 هـ) وهو في المُحَدِّثِينَ، قال ابن الفرضي: «بَلَغَ الغَايَةَ»، وقال ابْنُ خَيِّرْ: «خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ جُزْءًا» (¬5). 6 - " الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد " لأبي النصر أحمد بن محمد بن الحسين الكلاباذي (306 - 398 هـ) ذكر فيه الذين ¬

_ (¬1) بدأ بالمحمدين تعظيمًا لاسم الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتوج غرة كتابه باسم الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - ونسبه الشريفين. وقد جعل لكل اسم بابًا ورتب الأسماء في الباب الواحد على حروف المعجم وراعى هذا في الحرف الأول من أسماء الآباء أَيْضًا، ولم يراع ترتيب أبواب الأسماء حسب حروف المعجم فذكر (باب إبراهيم، ثم باب إسماعيل، ثم باب إسحاق، ثم باب أيوب، ثم باب أشعث، ثم باب إياس، وهكذا، ويذكر اسم المترجم له وبعض من روى عنهم وبعض من روى عنه وقد يذكر حديثًا له، وقلما يذكر جَرْحًا أَوْ تَعْدِيلاً، وإذا كان صحابيًا أشار إلى ذلك. (¬2) " الرسالة المستطرفة ": ص 96. (¬3) انظر الجزء الأول مطبوعًا في مجلدين فيهما (2894) ترجمة في خزانة دار الكتب المصرية تحت رقم (ح 10340) ويوجد من " التاريخ الكبير " في دار الكتب المصرية الأجزاء (1 و 2 و 4) مصورة في ست مجلدات عن النسخة المخطوطة بمكتبة آيا صوفيا بالآستانة، ينتهي الجزء الأول والثاني منها في آخر باب الظاء ويبتدئ الرابع من ترجمة عباس إلى آخر الكتاب. راجع النسخة تحت الرقم (تاريخ: 1890). (¬4) توجد عدة نسخ منه في دار الكتب المصرية منها تحت الرقم (تاريخ 402 و 2707). (¬5) انظر " الأعلام ": ص 126 جـ 1، و" معجم المؤلفين ": ص 232 جـ 1.

خرجهم الإمام البخاري في " جامعه " (¬1). 7 - " تاريخ نيسابور " لمحمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، المعروف بابن البيع (321 - 405 هـ) قال فيه السبكي: «وَهُوَ عِنْدِي مِنْ أَعْوَدِ التَّوَارِيخِ عَلَى الفُقَهَاءِ بِفَائِدَةٍ، وَمَنْ نَظَرَهُ عَرَفَ تَفَنُّنَ الرَّجُلِ فِي العُلُومِ جَمِيعِهَا» (¬2)، وله أَيْضًا " تراجم الشيوخ "، و " تسمية من أخرجهم البخاري ومسلم " (¬3). 8 - " تاريخ بغداد " لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد البغدادي الشافعي المعروف بالخطيب البغدادي (392 - 493 هـ) وهو من أجل الكتب وأعودها فائدة، ذكر فيه رجالها ومن ورد إليهم وضم إليه فوائد جمة، وقد رتبه على حروف المعجم، وذكر فيه الثقات والضعفاء والمتروكين، وعليه ذيولات متعددة، وقد طبع بالقاهرة سَنَةَ (1349 هـ - 1931 م) في أربعة عشر جزءًا تضم (7831) ترجمة. 9 - " السابق واللاحق في تباعد ما بين وفاة الراويين عن شيخ واحد " للخطيب البغدادي أَيْضًا (¬4). ¬

_ (¬1) توجد منه نسخ مخطوطة في دار الكتب المصرية منها نسخة كاملة تحت الرقم (16 مصطلح) تم نسخها سَنَةَ (825 هـ) في (215) ورقة ومسطرتها 17 سطرًا 17 * 13،5 سم ونسخة ثانية مقابلة ومعارضة تحت الرقم (76 مصطلح) تم نسخها في سَنَةِ (544) وفي أول هذه النسخة نقص. ورتبه على حروف المعجم وبدأ باب الألف بمن اسمه أحمد وباب الميم بمن اسمه محمد تصريفًا لاسمه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬2) ومما يؤسف له أن الكتاب مفقود، وقد اطلعت على قطعة منقولة ومنتخبة منه في (74) لوحة في فلم محفوظ تحت الرقم (657 تاريخ)، في معهد المخطوطات بالجامعة العربية. (¬3) " الأعلام ": ص 101 جـ 7، و" الرسالة المستطرفة ": ص 99. (¬4) انظر المخطوط رقم (381 مصطلح) في دار الكتب المصرية وهو في (148) لوحة مصورة، يذكر في هذا الكتاب من روى عنه راويان أو أكثر وبين وفاتهما أمد كبير مثال ذلك (أحمد بن محمد بن حنبل ... حدث عنه أبو عبد الله بن إدريس الشافعي ... وأبو القاسم بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، وبين وفاتيهما مائة وثلاث عشرة سنة).

10 - " الجمع بين رجال الصحيحين ": " صحيح البخاري" و " مسلم " للإمام الحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي المعروف بابن القيسراني الشيباني (448 - 507 هـ) جمع فيه بين كتابي أبي نصر الكلاباذي وأبي بكر أحمد بن علي الأصبهاني في رجال " البخاري " و " مسلم ". وطبع الكتاب بالهند سَنَةَ (1323 هـ) في (638) صفحة في مجلدين (¬1). وللمؤلف أَيْضًا " تاريخ أهل الشام ومعرفة الأئمة منهم والأعلام " مجلدان و" إيضاح الإشكال فيمن أبهم اسمه من النساء والرجال " (¬2) وله " المغني في أسماء رجال الحديث " طبع في آخر " تقريب التهذيب " بالهند سَنَةَ (1320 هـ). 11 - " تاريخ دمشق " في ثمانين مجلدًا أو أكثر (¬3)، للحافظ المؤرخ أبي القاسم علي بن الحسين (ابن عساكر) الدمشقي (499 - 571 هـ) وهو كتاب عظيم جامع، وقد اختصره الشيخ عبد القادر بدران بحذف الأسانيد والمكررات وسمى المختصر " تهذيب تاريخ ابن عساكر "، طبع منه سبعة أجزاء في دمشق ابتداء من سَنَةِ (1329 هـ). ولابن عساكر أَيْضًا " تاريخ المزة "، ¬

_ (¬1) انظر نسخ دار الكتب المصرية منها تحت رقم (171 و 264 مصطلح) وقد استدرك المقدسي في كتابه هذا ما فات الكلاباذي والأصبهاني، واختصر بعض ما يستغنى عنه من التطويل، ورتبه على حروف المعجم، وابتدأ حرف الألف بمن اسمه (أحمد) وحرف الميم بمن اسمه (محمد) تَبَرُّكًا باسمه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويترجم أولاً لمن اتفقا عليه ثم لمن أفرده البخاري ثم لمن أفرده مسلم. (¬2) " الأعلام ": ص 41 جـ 7. (¬3) انظر " الرسالة المستطرفة ": ص 99 وهذا الكتاب يشتمل على ذكر من حل دمشق من أوائل البرية، واجتاز بها أو بأعمالها من ذوي الفضل والمزية ... والفقهاء والقضاة العلماء ... وإيراد ما ذكروه من تعديل وجرح وحكاية عنها ... وقد رتبه على التراجم وبدأ بمن اسمه (أحمد) تَبَرُّكًا باسمه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وسلك في تأليفه مسلك الخطيب البغدادي في " تاريخه "، ويوجد منه في دار الكتب المصرية في قسم المخطوطات (37 مجلدًا).

و" معجم النسوان "، و" معجم الشيوخ والنبلاء " (¬1)، و" المعجم المشتمل على أسماء الكتب الستة "، قال في مقدمته: «فَإِنِّي لَمَّا أَخْرَجْتُ أَحَادِيثَ كُتُبِ السُّنَنِ لِلأَئِمَّةِ الأُوَلِ وَرَتَّبْتُهَا تَرْتِيبًا لاَ يُفْضِي بِالنَّاظِرِ إِلَى السَّآمَةِ وَالمَلَلِ، رَأَيْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَسْمَاءَ شُيُوخِهِمْ الثِّقَاتَ النُّبْلِ، وَأُضِيفَ إِلَيْهَا أَسْمَاءَ شُيُوخِ " البُخَارِيِّ " وَ " مُسْلِمٍ "» (¬2). 12 - كتاب " الكمال في أسماء الرجال " في مجلدين (¬3) للحافظ أبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الجَمَّاعِيلِي الحَنْبَلِي الدِّمِشْقِي (541 - 600 هـ). 13 - " جامع الأصول لأحاديث الرسول " (¬4) لمجد الدين أبي السعادات: مبارك بن محمد المعروف بابن الأثير (544 - 606 هـ). 14 - " المعجم " في تاريخ المحدثين في ثمانية عشر جزءًا. لأبي المظفر عبد الكريم بن منصور السمعاني (00 - 615 هـ) (¬5). 15 - " التدوين في ذكر أخبار قزوين " لأبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني (557 - 623 هـ) ذكر فيه خصائصها، وما ورد فيها من ¬

_ (¬1) انظر " الأعلام ": ص 82 جـ 5. (¬2) راجع مخطوطة دار الكتب المصرية (مصطلح: 337) وهي في (100) ورقة ومسطرتها 13 سطرًا. (¬3) راجع النسخة المخطوطة في دار الكتب المصرية تحت رقم (55 مصطلح) وهي ثلاثة أجزاء في مجلدين في (377 و 290) ورقة ومسطرتها 25 سطرًا. (¬4) يوجد من الكتاب المذكور في دار الكتب المصرية مجلد واحد فيه الجزءان التاسع والعاشر، وبه ينتهي الكتاب، وهو في أسماء الرجال والصحابة، في (255) ورقة ومسطرتها: 27 سطرًا: 27 * 18 سم تحت رقم (مصطلح: 225 طلعت). (¬5) انظر " الرسالة المستطرفة ": ص 103.

الأخبار النبوية والآثار، وفي أسمائها، ومن وردها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن عرف بنوع من العلم والدراسة من سكانها وأهلها، ومن توطنها وغيرهم، ورتب التراجم على الحروف وابتدأه بذكر المحمدين تَبَرُّكًا بالرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو في أربع مجلدات مصورة في دار الكتب المصرية (¬1). 16 - " التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد " للحافظ محمد بن عبد الغني بن أبي بكر معين الدين: (ابن نقطة) الحنبلي البغدادي (- 629 هـ) (¬2). وقد ذَيَّلَ عليه تقي الدين محمد بن أحمد الحسيني الفاسي المكي المالكي (- 832 هـ) (¬3). 17 - " تهذيب الكمال في أسماء الرجال " للحافظ جمال الدين أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المِزِّي الدمشقي (654 - 742 هـ)، وهو تهذيب لما جمعه الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي في كتابه " الكمال في أسماء الرجال ": رجال " البخاري " و " مسلم " و " أبي داود " و " الترمذي " و " النسائي " و " ابن ماجه "، فرتب المِزِّي في " تهذيبه " عامة رواة العلم وَحَمَلَةِ الآثار وعامة المشهورين من كل طائفة من طوائف أهل العلم على حروف المعجم، ثم ذكر أسماء ¬

_ (¬1) انظر الكتاب في خزانة دار الكتب المصرية تحت الرقم (2648: تارخ). (¬2) جمع فيه كل من علمه روى شيئًا من كتب السُنَّةِ كـ " الموطأ " و" الصحيحين " و" السنن الأربعة "، و" صحيح ابن حبان " ومن المعاجم والمسانيد للإمامين الشافعي وابن حنبل، ومن كتب السير والتواريخ و" الآداب " للبيهقي. انظر النسخة الموصوفة في دار الكتب المصرية تحت الرقم (ب 20886) وهي مصورة في (317) لوحة في كل لوحة صفحتان، ومسطرتها 25 سطرًا: 22 * 26 سم. (¬3) جمع فيه كل من علمه روى شيئًا من كتب السُنَّةِ كـ " الموطأ " و" الصحيحين " و" السنن الأربعة "، و" صحيح ابن حبان " ومن المعاجم والمسانيد للإمامين الشافعي وابن حنبل، ومن كتب السير والتواريخ و" الآداب " للبيهقي. انظر النسخة الموصوفة في دار الكتب المصرية تحت الرقم (ب 20886) وهي مصورة في (317) لوحة في كل لوحة صفحتان، ومسطرتها 25 سطرًا: 22 * 26 سم.

النساء، وقد استغرق تأليفه من سَنَةِ (705 - 712 هـ) وهو خمسون جزءًا في انثي عشر مجلدًا (¬1). 18 - " تذهيب تهذيب الكمال " (¬2) للحافظ محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (673 - 748 هـ) وفيه اختصر " تهذيب الكمال " لِلْمِزِّي ثم اختصره أَيْضًا في كتابه " الكاشف عن رجال الكتب الستة "، واقتصر فيه على من له رواية في هذه الكتب، ووضع رُمُوزًا لمن أخرج له من أصحاب " الكتب الستة " أو أحدهم أو بعضهم، وذكر تواريخ وفياتهم، ورتبه على حروف المعجم، وبدأ في حرف الألف بالأحمدين، وفي حرف الميم بالمحمدين، تَشْرِيفًا لاسمه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - (¬3). 19 - " تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام " للإمام الذهبي أَيْضًا. ¬

_ (¬1) توجد نسخة مخطوطة في دار الكتب المصرية تحت رقم (35 مصطلح) وقد كتبت العشرة المجلدات الأولى بين سَنَتَيْ (740 و 748 هـ) وعدة أوراق الجميع على التوالي: 391/ 408 / 322/ 411 / 456/ 403 / 374/ 426 / 392/ 375 / 354/ 336 ورقة. وقد استدرك المحدث الحافظ علاء الدين مغلطاي (690 - 762 هـ) على ما فات المزي في " تهذيب الكمال " في كتاب سماه " إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال " في (13) مجلدًا، انظر " معجم المؤلفين ": ص 313 جـ 12، واختصر " تهذيب الكمال " وأضاف عليه محمد بن علي الحسيني. انظر " الأعلام ": ص 177 جـ 7. (¬2) وهو في خمسة أجزاء مخطوطة، يوجد منها في دار الكتب المصرية الأجزاء (1 و 2 و 3 و 5) وهي نسخة مقابلة، ومصححة في حياة المؤلف سَنَةَ 736 هـ أوراقها على التوالي: (220/ 248 / 207/ 199) ورقة ومسطرتها مختلفة. وللحافظ صفي الدين أحمد بن عبد الله الخزرجي (المُتَوَفَّى سَنَةَ 923 هـ) كتاب " خلاصة تذهيب الكمال في أسماء الرجال " طبع بمصر سَنَةَ (1301 هـ) في مجلد. (¬3) انظر النسخة المخطوطة في دارالكتب المصرية تحت رقم (59 مصطلح) في مجلد عدة أوراقه (213) ورقة ومسطرتها 23 سطرًا: 27 * 8 سم، وتوجد نسختان أخريان.

جمع فيه بين الحوادث والوفيات ورتبه على السنين، فابتدأه من الهجرة النبوية، وانتهى فيه إلى آخر سَنَةِ (700 هـ) وقسمه إلى سبعين طبقة، وجعل كل طبقة عشر سنين، ورتب أسماء كل طبقة على ترتيب حروف المعجم، والحوادث على السنين في ست وثلاثين مجلدًا (¬1)، طبع منهما في مصر خمسة أجزاء سَنَةَ (1367 هـ - 1947 م). واختصر الذهبي من " تاريخه " مختصرات منها " سير أعلام النبلاء " في أربعة عشر مجلدًا (¬2)، طبع منها الجزءان الأول والثاني بمصر سَنَةَ (1957 م) والثالث سَنَةَ (1962 م). 20 - " التذكرة برجال العشرة " لمحمد بن علي بن حمزة الحُسيني الدمشقي (715 - 765 هـ)، ضم في كتابه هذا إلى من في " تهذيب الكمال " لشيخه المزي من في " الكتب الأربعة ": " الموطأ " و" مسند الشافعي " و" مسند أحمد " و" مسند أبي حنيفة " الذي خرجه الحسين بن محمد بن خسرو من حديث أبي حنيفة، واقتصر على من في " الكتب الستة " دون من أخرج لهم مصنفوها في مصنفاتهم الأخرى كـ " الأدب المفرد " للبخاري (¬3). 21 - " تهذيب التهذيب " للحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773 - 852 هـ) وفيه لخص " تهذيب الكمال " للمزي ¬

_ (¬1) انظر " الأعلام " ص 222 جـ 6، ويوجد منه في دار الكتب المصرية (34) مجلدًا مخطوطًا. (¬2) انظر " الرسالة المستطرفة ": ص 101، وفي دارالكتب نسخة مصورة منه. (¬3) انظر مقدمة " تعجيل المنفعة ". وكان ابن حجر قد اطلع على الكتاب وتتبع ما في كتاب " الغرائب عن مالك " وما في " معرفة السنن والآثار " للبيهقي من الرجال الذين وقع ذكرهم في روايات الشافعي مما ليس في " المسند " وما في كتاب " الزهد " للإمام أحمد مما ليس في " مسنده " وما في كتاب " الآثار " لمحمد بن الحسن وسماه " تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة " طبع بالهند سَنَةَ 1324 هـ.

[ب] كتب الطبقات:

وزاد عليه فوائد كثيرة، وقد طبع بالهند سَنَةَ (1325 - 1327 هـ) في انثي عشر مجلدًا، ويعتبر " تهذيب التهذيب " من أجمع كتب تراجم رواة الحديث المتداولة بين العلماء في هذا العصر، وأصبحت نسخه نادرة وعزيزة، وقد لخصه ابن حجر في مجلد واحد سماه " تقريب التهذيب في أسماء الرجال " طبع بالهند سَنَةَ (1320 هـ) ثم طبع سَنَةَ (1356 هـ) مع " تعقيب التقريب " للمولوي أمير علي (¬1) (*). 22 - " إسعاف المبطأ برجال الموطأ " للحافظ جلال الدين السيوطي، وقد طبع بالهند سَنَةَ (1320 هـ). ... [ب] كُتُبُ الطَّبَقَاتِ: وهي الكتب التي جعل مصنفوها الرجال على طبقات، وذكروا أحوالهم طبقة بعد طبقة إلى عصر المؤلف وقد جمعت نَيِّفًا وعشرين مُؤَلَّفًا في موضوعنا. أقتصر على ذكر أشهرها. 1 - " الطبقات الكبرى " للمؤرخ الثقة محمد بن سعد بن منيع الحافظ كاتب الواقدي (المولود سَنَةَ 168 هـ والمتوفى سَنَةَ 230 هـ). فقد صنف سيرة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم ترجم للصحابة على طبقاتهم، فالتابعين، فمن بعدهم إلى وقته، فأجاد وأحسن، ويعتبر كتابه هذا من أوثق وأهم المصادر الإسلامية في التاريخ والرجال. ¬

_ (¬1) كما طبع على هامش " التقريب " كتاب " المغني في أسماء رجال الحديث " لِلْعَلاَّمَةِ محمد بن طاهر بالهند سَنَةَ (1290 هـ) وهناك طبعات أخرى وظهرت أخيرًا طبعة جيدة لـ " تقريب التهذيب " طبعت في القاهرة سَنَةَ (1380 هـ). ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) من بين الطبعات المحققة تحقيقًا علميَّا الطبعة التي حققها الشيخ محمد عوامة، حيث قدم للكتاب بمقدمة علمية ودراسة وافية وقابله بأصل مؤلفه مقابلة دقيقة، يقع الكتاب في 788 صفحة، طبعة ثالثة منقحة: 1411 هـ - 1991 م، نشر دارالقلم للطباعة والنشر والتوزيع. بيروت - لبنان. دمشق - سوريا.

وقد طبعت " الطبقات " بمدينة لِيدِنْ سَنَةَ (1322 هـ) في ثلاثة عشر مجلدًا خصص الأخير منها للنساء، وَوُضِعَ لِكُلِّ مَنْ تَرْجَمَ لَهُمْ ابن سعد في المجلد الرابع عشر فهرس عام، مما يسهل الرجوع إليه. ولابن سعد أَيْضًا " طبقات صغرى ثانية " و " ثالثة " (¬1). 2 - " طبقات الرواة " في ثمانية أجزاء (¬2) للحافظ أبي عمرو خليفة بن خياط الشيباني العصفري (- 240 هـ) أحد شيوخ البخاري. 3 - " طبقات التابعين " للإمام مسلم بن الحجاج القشيري (204 - 261 هـ (¬3)). 4 - كتاب " التابعين " في انثي عشر جزءًا، للحافظ محمد بن حبان أبي حاتم البُسْتِيِّ، (270 - 354 هـ) وله " أتباع التابعين " و " تباع التبع " كلاهما في خمسة عشر جزءًا (¬4) و " الطبقات الأصبهانية " (¬5). 5 - " طبقات المحدثين والرواة " لأبي نعيم. أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني (336 - 430 هـ) (¬6). 6 - " طبقات الحفاظ " للحافظ شمس الدين الذهبي (673 - 748 هـ) ¬

_ (¬1) انظر " الطبقات الكبرى " في قسم الإرشاد في دار الكتب المصرية، وانظر " الرسالة المستطرفة ": ص 104. (¬2) " الأعلام ": ص 361 جـ 2 ويوجد في دار الكتب المصرية جزء من نسخة فيه من سكن المدينة من الصحابة والتابعين في (209) ورقات، مسطرتها بين 21 و 22 سطرًا: 29 * 20 سم، نقلاً عن نسخة قديمة ترجع إلى القرن الرابع الهجري، محفوظة بالمكتبة الظاهرية بدمشق، ونسخة دار الكتب المصرية تحت الرقم (475 مصطلح). (¬3) " معجم المؤلفين ": ص 232 جـ 12. (¬4) " الأعلام ": ص 306 جـ 6. (¬5) " معجم المؤلفين ": ص 173 جـ 9. (¬6) " الأعلام ": ص 150 جـ 1.

ثالثا: كتب في معرفة الأسماء والكنى والألقاب والأنساب:

ترجم فيه رواة الحديث من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن تلاهم إلى عصره وجعلهم على إحدى وعشرين طبقة، طبع في أربعة أجزاء بالهند، ويعتبر من أنفس كتب الطبقات (¬1). 7 - " طبقات الحفاظ " لجلال الدين السيوطي (849 - 911 هـ) ذكر فيه تراجم الحفاظ موجزة وقد طبع سَنَةَ (1833 م) بغوطا. وغير هذه الكتب كثير، مما ألف في طبقات علماء المذاهب، وطبقات حفاظ البلدان ككتاب " المحدثين بأصبهان والواردين عليها " لعبد الله [بن] محمد الأصبهاني، و" طبقات علماء [إفريقية] لأبي العرب محمد بن أحمد التميمي المغربي الإفريقي، وغير ذلك. ... ثَالِثًا: كُتُبٌ فِي مَعْرِفَةِ الأَسْمَاءِ وَالكُنَى وَالأَلْقَابِ وَالأَنْسَابِ: وكما صنف العلماء تراجم الرواة وأحوالهم، رأوا أن يصنفوا ما يضبط أسماء الرواة لدفع الالتباس، ومنع الوقوع في الخطأ بسبب تشابه أسماء الرجال وكناهم وأنسابهم، فصنفوا كُتُبًا كثيرة في الكُنَى والألقاب والأنساب، وهذه الكتب أكثر من أن تحصى، وقد جمعت منها نَيِّفًا وثلاثين كتابًا، سأذكر أشهر ما ألف في الأسماء والكنى والألقاب، ثم أتبعها بأشهر كتب أنساب الرواة. ¬

_ (¬1) انظر هذه النسخة في قسم الإرشاد من دار الكتب المصرية باسم " تذكرة الحفاظ ".

[أ] كتب في الأسماء والكنى والألقاب:

[أ] كُتُبٌ فِي الأَسْمَاءِ وَالكُنَى وَالأَلْقَابِ: 1 - " الأسامي والكنى " في ثمانية أجزاء (¬1) لعلي بن عبد الله بن جعفر المديني (المولود سَنَةَ 161 هـ، وَالمُتَوَفَّى سَنَة 234 هـ). 2 - " الأسماء والكنى " (¬2) للإمام أحمد بن حنبل (164 - 241 هـ). 3 - " الكنى " ألف بهذا الاسم كثير من أئمة الحديث في ذلك العصر، منهم الإمام البخاري والنسائي وعبد الرحمن بن أبي حاتم وغيرهم (¬3). 4 - " كتاب الكنى والأسماء " (¬4) للإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري (204 - 261 هـ). 5 - " الكنى والأسماء " لأبي بشر محمد بن أحمد بن حماد بن سعد الأنصاري الدولابي (234 - 320 هـ) وهو كتاب جامع مشهور، طبع في جزأين بالهند سَنَةَ (1322 - 1323 هـ) (¬5). 6 - " الأسماء والكنى " (¬6) في أربعة عشر مجلدًا للحاكم الكبير أبي أحمد محمد بن محمد بن أحمد النيسابوري الحافظ المحدث (285 - 378 هـ). 7 - " فتح الباب في الكنى والألقاب " لأبي عبد الله محمد بن إسحاق ¬

_ (¬1) " معجم المؤلفين ": ص 132 جـ 7. (¬2) " الرسالة المستطرفة ": ص 90. (¬3) انظر " الرسالة المستطرفة ": ص 90، 91. (¬4) توجد نسخة مخطوطة منه في دار الكتب المصرية في (76) ورقة متوسط مسطرتها 21 سطرًا تحت رقم (221 طلعت: مصطلح). (¬5) الجزءان على التوالي (202/ 171) صفحة سوى (94) صفحة فهارس وتوجد نسخة مخطوطة منه في دار الكتب المصرية تحت الرقم (60 مصطلح). (¬6) " الرسالة المستطرفة ": ص 91، و" الأعلام ": ص 244 جـ 7. و " معجم المؤلفين ": ص 180 جـ 11.

ابن منده الأصبهاني (310 - 395 هـ) نشره وعلق عليه (وي دونج) بألمانيا سَنَةَ (1927 م). 8 - " المؤتلف والمختلف في أسماء نقلة الحديث " و " المشتبه في النسبة " للإمام النسابة أبي محمد عبد الغني بن سعيد الأسدي المصري شيخ حفاظ الحديث بمصر في عصره (322 - 409 هـ) وقد طبع الكتابان في مجلد واحد في (216) صفحة بالهند سَنَةَ (1326 هـ). 9 - " تكملة المؤتلف والمختلف " و" الأسماء والألقاب " (¬1) و" الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة " (¬2) و" تلخيص المتشابه في الرسم في أسماء الرواة " (¬3) لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، المعروف بالخطيب البغدادي (392 - 463 هـ). 10 - " الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب " للأمير الحافظ أبي نصر علي بن هبة الله بن جعفر: ابن ماكولا البغدادي (421 - 486 هـ)، وهو كتاب قيم، ألفه بعد أن اطلع على كتب البغدادي وعلى كتابي عبد الغني بن سعيد الأزدي (¬4). ¬

_ (¬1) " الأعلام " ص 166 جـ 1 وبالنسبة لـ " تكملة المؤتلف والمختلف " انظر مقدمة " ألإكمال في رفع الارتياب " لابن ماكولا. (¬2) توجد نسخة مخطوطة منه ضمن مجموعة بدار الكتب المصرية تحت الرقم (1558 حديث). (¬3) توجد نسخة مخطوطة منه في دار الكتب المصرية تحت الرقم (31 مصطلح) وقد رتب الكتاب على خمسة فصول، وبعد أن انتهى من هذا الكتاب أتبعه بكتاب ثان ضمنه ما يتفق من أسماء المحدثين وأنسابهم، والكتابان في مجلد واحد، الأول في (280) ورقة والثاني في (68) ورقة، ومسطرته 22 سطرًا: 5 و 24 * 17 سم. (¬4) انظر مقدمة الكتاب في النسخة المخطوطة منه في دار الكتب المصرية تحت الرقم (8 مصطلح) وهي في جزأين، الأول (319) ورقة والثاني (324) ورقة، ورتبه على الحروف الهجائية وجعل لكل اسم من الحرف بابًا.

قال ابن خلكان: «لَمْ يُوضَعْ مِثْلُهُ» (¬1). 11 - " كشف النقاب عن الأسماء والألقاب " (¬2) لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي (ابن الجوزي) (508 - 597 هـ). 12 - " المستدرك على الإكمال لابن ماكولا " للحافظ محمد بن عبد الغني البغدادي (ابن نقطة) المُتَوَفَّى سَنَةَ (629 هـ) (¬3). 13 - " المشتبه في أسماء الرجال " للحافظ محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (673 - 748 هـ) وهذا الكتاب ثمرة الجهود التي بذلها من سبق الذهبي في هذا الباب، مما جاء في كتب الأزدي وابن ماكولا وابن نقطة، وشيخ الذهبي أبي يعلى الفرضي وغيرهم، وأضاف إلى ذلك ما وقع له أو تنبه إليه (¬4)، وطبع هذا الكتاب في ليدن سَنَةَ (1863 و 1881 م) في (612) صفحة، وقد له الدكتور (دوجونغ). وللذهبي أَيْضًا " المقتنى في سرد الكنى " وهو مختصر كتاب الحاكم الكبير بعد أن زاد الذهبي عليه ورتبه على حروف المعجم (¬5). 14 - " تحفة ذوي الأرب في مشكل الأسماء والنسب " لابن خطيب ¬

_ (¬1) " الأعلام ": ص 183 جـ 5. (¬2) " الرسالة المستطرفة ": ص 90. (¬3) توجد نسخة مخطوطة منه في دار الكتب المصرية تحت الرقم (10 مصطلح) في 160 ورقة مسطرتها: 27 سطرًا: 28 * 20 سم. (¬4) ذكر الذهبي هذا في مقدمته. ولابن ناصر الدين محمد بن أبي بكر الدمشقي (777 - 842 هـ) كتاب " التوضيح لكتاب المشتبه في الرجال " للذهبي يوجد منه الجزء الأول في دار الكتب المصرية تحت رقم (ب 23291) مصورًا عن النسخة الخطية في مكتبة سوهاج تحت رقم (111 حديث). (¬5) " الرسالة المستطرفة ": ص 91.

[ب] وأما كتب الأنساب فأشهرها:

الدهشة محمود بن أحمد الهمذاني الفيومي الأصل، (750 - 834 هـ) وقد ألفه سَنَةَ (804 هـ) وطبع بليدن سَنَةَ (1905 م) مع مقدمة بالألمانية. 15 - " نزهة الألباب في الألقاب " للحافظ أبي الفضل شهاب الدين: ابن حجر الكناني العسقلاني (773 - 852 هـ) جمع فيه ما لغيره وزاد أشياء كثيرة مما فات سلفه (¬1). [ب] وَأَمَّا كُتُبُ الأَنْسَابِ فَأَشْهَرُهَا: 1 - " ما اتفق من أسماء المحدثين وأنسابهم غير أن في بعضه زيادة حرف واحد " (¬2) لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت، الخطيب البغدادي (392 - 463 هـ). 2 - " الأنساب المتفقة في الخط المتماثلة في النقط والضبط " للشيخ محمد بن طاهر المقدسي (488 - 507 هـ) وَذَيَّلَ تلميذه محمد بن أبي بكر عمر بن أبي عيسى الأصبهاني (المُتَوَفَّى سَنَةَ 581 هـ) عليه وَطُبِعَا مَعًا في مجلد واحد بليدن سَنَةَ (1865 م). 3 - " اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب الصحابة، ورواة الآثار " لأبي محمد عبد الله بن علي اللخمي الأندلسي المعروف بالرشاطي (466 - 542 هـ) وهو كتاب قد أحسن فيه وأجاد، وتلقاه عنه الناس (¬3). ¬

_ (¬1) توجد نسخة مخطوطة منه في دار الكتب المصرية تحت الرقم (336 مصطلح) في (70) ورقة مسطرتها 23 سطرًا: 25،5 * 17 سم. وقد رتبه على أبواب ثلاثة. (¬2) توجد نسخة مخطوطة منه في دار الكتب المصية ملحقة بكتاب " تلخيص المشتبه " في (67) ورقة تحت رقم (31 مصطلح). (¬3) " الرسالة المستطرفة ": ص 94.

رابعا: كتب في الجرح والتعديل:

4 - " الأنساب " لتاج الإسلام [أبي سعد] عبد الكريم بن محمد بن أبي المظفر التميمي السمعاني صاحب التصانيف الكثيرة (506 - 562 هـ) ذكر فيه أنساب الرجال، وذكر لمن يترجم له سيرته وقول الناس فيه من جرح أو تعديل، وشيوخه ومن روى عنه، ورتبه على حروف المعجم. قدم له المستشرق (مارجليوث) وطبع بالزنكوغراف سَنَةَ (1912 م) بمدينة ليدن (¬1). 5 - " اللباب " في ثلاثة مجلدات لعلي بن محمد الشيباني الجزري (555 - 630 هـ) اختصر به " أنساب " السمعاني وزاد فيه. وقد طبع في ثلاثة أجزاء بمصر سَنَةَ (1356 - 1359 هـ) (¬2). 6 - " نسبة المحدثين إلى الآباء والبلدان " (¬3) لمحمد بن محمود محب الدين: ابن النجار (578 - 643 هـ). 7 - " الاكتساب في تلخيص كتب الأنساب " للقاضي قطب الدين محمد بن محمد الخيضري الشافعي (821 - 894 هـ) وهو مختصر كتاب " أنساب " السمعاني وضم إليه ما عند ابن الأثير والرشاطي وغيرهما (¬4). ... رَابِعًا: كُتُبٌ فِي الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ: إن ظهور هذا النوع من المصنفات كان نتيجة حتمية لجهود النقاد، ¬

_ (¬1) توجد نسخة منه في دار الكتب المصرية تحت الرقم (2636 تاريخ). (¬2) وقد لخص السيوطي " اللباب " في كتابه " لب اللباب في تحرير الأنساب " وطبع في ليدن سَنَةِ (1851 م). (¬3) انظر " الأعلام ": ص 307 جـ 7، وقارن بـ " الرسالة المستطرفة ": ص 94. (¬4) انظر " الرسالة المستطرفة ": ص 94.

ودراستهم أحوال الرجال من حيث قبول أخبارهم أو عدم قبولها، وقد رأينا القوانين التي طبقها النقاد على كل راو لمعرفة حاله، وعرفنا سُمُوَّهُمْ وَنَزَاهَتِهِمْ في نقدهم، قال الذهبي: «وقد ألف الحفاظ مصنفات جمة في الجرح والتعديل، ما بين اختصار وتطويل، فأول من جمع كلامه في ذلك الإمام الذي قال فيه أحمد بن حنبل: " مَا رَأَيْتُ بِعَيْنِي مِثْلَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ القَطَّانَ "، وتكلم في ذلك بعده تلامذته: يحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وعمرو بن علي الفلاس، وأبو خيثمة، وتلامذتهم، كأبي زرعة، وأبي حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبي إسحاق الجوزجاني السعدي، وخلق من بعدهم، مثل النسائي، وابن خزيمة، والترمذي، والدولابي، والعقيلي، وله مصنف مفيد في معرفة الضعفاء ... ولأبي أحمد بن عدي كتاب الكامل ... » (¬1). والمصنفون في هذا العلم لهم مناهج مختلفة في التصنيف، فمنهم من ذكر في مصنفه الكذابين والضعفاء، ومنهم من أضاف على ذلك فذكر بعض الموضوعات، ومنهم من صنف في الثقات فقط، ومنهم من صنف في الضعفاء والثقات مَعًا، ولذلك نستعرض في هذه الفقرة ما صنف في الضعفاء أو الثقات، أو ما صنف فيهما، ونفرد في فقرة خاصة ما صنف في الموضوعات. وقد جمعت في موضوع الجرح والتعديل نَيِّفًا وَثَلاَثِينَ كِتَابًا، أذكر أشهرها: 1 - " الجرح والتعديل " (¬2) للإمام أحمد بن محمد بن حنبل (164 - 241 هـ). ¬

_ (¬1) انظر " ميزان الاعتدال ": ص 2 جـ 1. (¬2) " معجم المؤلفين ": ص 96 جـ 1.

2 - " الضعفاء " (¬1) لمحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي الزهري (- 249 هـ). 3 - " الجرح والتعديل " و " الضعفاء " (¬2) لأبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب السعدي الجوزجاني، المُتَوَفَّى سَنَةَ 259 هـ. 4 - " الضعفاء " للإمام محمد بن إسماعيل البخاري (194 - 256 هـ). وقد طبع بالهند مع " التاريخ الصغير " للبخاري، وطبع معه كتاب " الضعفاء والمتروكين " للنسائي. وذلك سَنَةَ (1325 هـ). 5 - " تاريخ " في الثقات والضعفاء لأحمد بن أبي خيثمة النسائي البغدادي (185 - 279 هـ) قال فيه الخطيب البغدادي: «لاَ أَعْرِفُ أَغْزَرَ فَوَائِدَ مِنْهُ» (¬3). 6 - " تاريخ الضعفاء والمتروكين " للإمام الحافظ أبي عبد الرحمن أحمد بن علي النسائي (215 - 303 هـ) وقد رتبه على حروف المعجم، وطبع ضمن (مجموعة بالهند سَنَةَ 1325 هـ). 7 - " الجرح والتعديل " لعبد الرحمن بن أبي حاتم بن إدريس الحنظلي الرازي (240 - 327 هـ) وهو من أعظم كتب الجرح والتعديل التي وصلتنا ومن أغزرها فائدة، وأوثقها صلة بنقاد الرجال الذين عرفهم تاريخ الحديث. لهذا لا بد من بسط القول فيه. فقد تتلمذ ابن أبي حاتم على والده أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي وعلى أبي زُرْعَةَ عبيد الله بن عبد الكريم الرازي وهما من طبقة البخاري، فأخذ عنهما ¬

_ (¬1) " الأعلام ": ص 92 جـ 7. (¬2) " معجم المؤلفين ": ص 28 جـ 1 وقارن بـ " الرسالة المستطرفة ": ص 110. (¬3) " الرسالة المستطرفة ": ص 97. ويقع في ثلاثين مجلدًا صغارًا واثني عشر كبارًا.

علم الجرح والتعديل، وأفاد منهما كثيرًا في تصنيف كتابه، وحرص على استيعاب نصوص أئمة العلم في الحكم على الرواة بتعديل أو جرح، وزاد فوائد وزيادات في كثير من التراجم، يندر وجودها عند من سبقه، كما استدرك على البخاري في بعضها، وقد جمع كتابه نصوص أبيه في الجرح والتعديل، ونصوص أبي زرعة، ونصوص البخاري، إلا أنه استغنى عن نصوص البخاري بموافقة أبيه للبخاري في غالب تلك الأحكام، وتتبع ابن أبي حاتم نصوص الأئمة، فأخذ عن أبيه وعن محمد بن إبراهيم بن شعيب ما روياه عن عمرو بن الفلاس مما قاله باجتهاده، ومما يرويه عن عبد الرحمن بن مهدي (135 - 198 هـ) ويحيى بن سعيد القطان (120 - 198 هـ) مما يقولانه باجتهادهما، ومما يرويانه عن سفيان الثوري (97 - 161 هـ) وشعبة بن الحجاج (82 - 160 هـ)، وأخذ عن صالح بن أحمد بن حنبل ما يرويه عن أبيه، وأخذ عن صالح أَيْضًا وعن محمد بن أحمد بن البراء ما يرويانه عن علي بن المديني (161 - 234 هـ) مما يقوله باجتهاده ومما يرويه عن سفيان بن عيينة (107 - 198 هـ) وعن عبد الرحمن بن مهدي وعن يحيى بن سعيد القطان، واتصل بجميع أصحاب الإمام أحمد ويحيى بن معين (158 - 233 هـ) فروى عن أبيه عنهما، وعن أبيه عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين، وروى عن غيرهم، كما أخذ عن عباس الدوري (المُتَوَفَّى سَنَةَ 271 هـ). لهذا كان كتابه زاخرًا بنصوص الأحكام التي أصدرها جهابذة علم الجرح والتعديل، وبهذا يفوق كتاب " التاريخ الكبير " للبخاري، لأنه قلما ذكر البخاري في " تاريخه " جَرْحًا وَتَعْدِيلاً، وهذا لا ينقص من قيمة كتاب البخاري، فربما فعل ذلك عَمْدًا لأنه ألف في الضعفاء كتابًا منفردًا. ورتب ابن أبي حاتم كتابه على حروف المعجم بالنسبة للحرف الأول من

الاسم فقط، ففي باب الألف نرى باب أحمد، ثم باب إبراهيم، ثم باب إسماعيل، ثم باب أيوب، ثم باب آدم وهكذا، وإذا كثرت التراجم في الباب رتبها على أبواب ذيلية بحسب أول أسماء الآباء، فقدم في الأحمدين من أول اسم أبيه ألف ثم من أول اسم أبيه باء ... وإذا كثرت التراجم في الباب رَتَّبَهُمْ باعتبار اسم الأب والجد، كما فعل في من اسمه محمد واسم أبيه عبد الله، فذكر أولاً من أول اسم جده ألف ثم من اسمه محمد واسم أبيه عبد الله وأول اسم جده باء وهكذا جعله في أربعة أجزاء كبيرة ضمت (18050) ترجمة ذكر كل راو وما قيل فيه بأسانيد صحيحة، وجعل للكتاب مقدمة هي مفتاح له، في جزء مفرد سماها (تقدمة المعرفة لكتاب " الجرح والتعديل ")، وهي عظيمة جِدًّا، تكلم فيها حول هذا العلم وترجم لجهابذته ترجمة وافية، فكان الكتاب فريدًا في فنه، لا يستغني عنه عالم في الحديث وعلومه. وهو صورة صادقة عن مؤلفات لا ندري عددها كانت في ذلك العصر، لم يكتب لها الوصول إلينا، وقد طبع هذا الكتاب بالهند (سَنَةَ 1373 هـ) في تسع مجلدات، مجلد للمقدمة، ومجلدان لكل جزء من أجزائه الأربعة (¬1). 8 - " الثقات " (¬2) لأبي حاتم بن حبان البُسْتِي، (المُتَوَفَّى سَنَةَ 354 هـ) ¬

_ (¬1) راجع نسخة دار الكتب المصرية تحت الرقم (ب 28112) وقد حصلت مكتبة كلية دار العلوم أخيرًا على نسخة منه. (¬2) توجد نسخة مخطوطة منه في دار الكتب المصرية ولكنها ناقصة والموجود يبدأ من أسماء (أتباع التابعين) وقسم من (أتباع أتباع التابعين) من الألف إلى آخر حرف الذال في (183) ورقة تحت رقم (208 طلعت مصطلح)، وقد رتب نور الدين الهيثمي (735 - 807 هـ) ثقات ابن حبان على حروف المعجم وسماه " ترتيب كتاب الثقات " توجد نسخة مخطوطة منه في دار الكتب المصرية في مجلدين في (196/ 183) ورقة تحت رقم (37 مصطلح).

ولكنه تساهل في توثيق بعض من ذكرهم، ولهذا وجب التنبيه إلى أن توثيق ابن حبان دون توثيق غيره. 9 - " الكامل " (¬1) في معرفة المحدثين وعلل الحديث. للحافظ الكبير أبي أحمد عبد الله بن محمد بن عدي الجرجاني (277 - 365 هـ) ذكر في كتابه هذا كل من تكلم فيه ولو كان من رجال " الصحيحين "، وذكر في ترجمة كل واحد حديثًا فأكثر من غرائبه ومناكيره، وهو أكمل كتب الجرح وعليه الاعتماد فيها. 10 - " تاريخ أسماء الثقات ممن نقل عنهم العلم " (¬2) لأبي حفص، عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين (297 - 385 هـ). وقد رتبه على حروف المعجم. 11 - " المدخل " للإمام الحاكم (¬3) أبي عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري (321 - 405 هـ) تكلم في قسم منه عن المجروحين وبسط القول في هذا. 12 - كتاب " الضعفاء والمتروكين - أو أسماء الضعفاء الواضعين " (¬4) لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي: ابن الجوزي (510 - 597 هـ)، وقد ذكر ¬

_ (¬1) يوجد منه في دار الكتب المصرية خمسة عشر جزءًا مخطوطًا بأرقام مختلفة تكون أجزاء مختلفة من " الكامل " لثلاث نسخ إلا أنها ناقصة وهي تحت رقم (92 - 96 مصطلح). (¬2) انظر " الأعلام ": ص 196 جـ 5. (¬3) طبع بحلب سَنَةَ (1351 هـ - 1932 م) بإشراف الشيخ راغب الطباخ. (¬4) توجد نسخة منه في دارالكتب المصرية مأخوذة بالتصوير الشمسي عن نسخة كتبت سَنَةَ (710) في (176) لوحة وتشتمل كل لوحة على صفحتين وفيها طبارات كثيرة. تحت رقم (371 مصطلح).

فيه الضعفاء الواضعين، وذكر من جرحهم من الأئمة الكبار الحافظين، ورتبه على حروف المعجم. 13 - " ميزان الاعتدال " للإمام شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي (673 - 748 هـ) وهو في ثلاثة أجزاء، سلك فيه مسلك ابن عدي، فذكر كل من تكلم فيه وإن كان ثقة، وذكر في ترجمة كل راو حديثًا أو أكثر من غرائبه ومناكيره. طبع في مصر سَنَةَ (1325 هـ) في ثلاث مجلدات فيها (10907) تراجم، وللذهبي " رسالة في الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم " (¬1). 14 - " الاغتباط بمعرفة من رمي بالاختلاط " (¬2) لبرهان الدين إبراهيم بن محمد الحلبي سبط ابن العجمي (المُتَوَفَّى سَنَةَ 841 هـ) وله أَيْضًا " التبيين لأسماء المدلسين " (¬3) وله أَيْضًا " الكشف الحثيث على من رمي بوضع الحديث " (¬4). 15 - " لسان الميزان " للحافظ ابن حجر (773 - 852 هـ) ضمنه " الميزان " وزاد عليه، وفيه نحو (14343) ترجمة وقد طبع بالهند سَنَةَ (1329 - 1331 هـ) في ستة أجزاء. ولابن حجر أَيْضًا " طبقات المدلسين " طبع بمصر سَنَةَ (1322 هـ). 16 - " الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة " لزين الدين قاسم بن قطلوبغا ¬

_ (¬1) طبع في مصر سَنَةَ (1324 هـ - 1906 م) وقد استدرك على الذهبي في " ميزانه " سبط ابن العجمي في كتاب سماه " نثل الهميان في معيار الميزان " توجد منه نسخة مخطوطة بخط المؤلف في دار الكتب المصرية تحت رقم (23346 ب). (¬2) ذكر في كتابه هذا من اختلط في آخر عمره من الثقات، وذكر من نعته بذلك. وقد يبين أحيانًا السَّنَةَ التي اختلط فيها الراوي. وقد طبع بحلب سَنَةَ (1350 هـ - 1931 م) بإشراف الشيخ راغب الطباخ. (¬3) طبع بحلب بإشراف الشيخ راغب الطباخ مع " رسالة الاغتباط " السالفة الذكر. (¬4) انظر " تحذير المسلمين من الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين ": ص 18.

خامسا: المؤلفات في الموضوعات:

(802 - 879 هـ) وهو في أربع مجلدات (¬1). وقد أغفلت كثيرًا من المؤلفات التي استمدت من هذه الأصول خشية الإطالة. خَامِسًا: المُؤَلَّفَاتُ فِي المَوْضُوعَاتِ: جمعتُ في هذا الموضوع نَحْوًا من أربعين مؤلفًا أذكر أشهرها: 1 - " تذكرة الموضوعات " لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي (448 - 507 هـ) [ورتبه] على حروف المعجم، وفيه يذكر الحديث مَنْ جَرَّحَ رَاوِيهِ من الأئمة. طبع بمصر سَنَةَ (1323 هـ). 2 - " الموضوعات في الأحاديث المرفوعات " (¬2) لأبي عبد الله الحسين بن إبراهيم الهمداني الجوزقي (المُتَوَفَّى سَنَةَ 543 هـ) نص فيه على أحاديث موضوعة، وَبَيَّنَ بطلان أحاديث واهية بمعارضة أحاديث صحاح لها. 3 - " الموضوعات الكبرى " لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (508 - 597 هـ) وهو في أربع مجلدات، تناول فيه ما ورد من الأحاديث في كتاب " الكامل " لابن عدي و " الضعفاء " لابن حبان "، والعقيلي والأزدي و " تفسير " ابن مردويه و" معاجم الطبراني الثلاثة " وتصانيف الخطيب، ومصنفات أبي نعيم، وغيرها من الكتب، وتساهل في الحكم على تلك المرويات بالوضع، فقد أورد فيه الضعيف بل الحسن بل الصحيح مما ورد في " سنن أبي داود " (¬3). لهذا كثر انتقاد العلماء له. ¬

_ (¬1) " الرسالة المستطرفة ": ص 110. (¬2) " الرسالة المستطرفة ": ص 112. (¬3) انظر مقدمة كتاب " تنزيه الشريعة ": ص: ل، ويوجد الجزء الثاني من " موضوعات " ابن الجوزي في دار الكتب المصرية من نسخة تحت الرقم (147 م) والجزء الأخير من نسخة تحت الرقم (488 حديث) وكلاهما مخطوط.

4 - " المغني عن الحفظ والكتاب بقولهم لم يصح شيء في هذا الباب " للحافظ ضياء الدين أبي حفص عمر بن بدر الموصلي الحنفي (المُتَوَفَّى سَنَةَ 623) (¬1). 5 - " الأحاديث الموضوعة التي يرويها العامة والقصاص " (¬2) رسالة لعبد السلام بن عبد الله (ابن تيمية) الحراني (- 652 هـ) جد الإمام أحمد بن عبد الحليم (ابن تيمية)، وله رسالتان في الموضوعات تشدد فيهما كابن الجوزي (¬3). 6 - " الباعث على الخلاص من حوادث القصاص " (¬4) للحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي (725 - 806 هـ). 7 - " اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " للحافظ جلال الدين السيوطي (849 - 911 هـ) اختصر فيه كتاب ابن الجوزي واستدرك عليه وزاد فيه ما ورد في " تاريخ " ابن عساكر، وابن النجار، و" مسند الفردوس "، وتصانيف أبي الشيخ (¬5). وله أَيْضًا " ذيل اللآلئ المصنوعة "، و" التعقبات على الموضوعات "، و" النكت البديعات ". 8 - تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة " لأبي الحسن علي بن محمد (ابن عُرَاقْ) الكناني (المُتَوَفَّى سَنَةَ 963 هـ) وهو كتاب جامع زاد فيه على السيوطي في " لآلئه " واستدرك عليه، وجعله في مقدمة وقسمين. ذكر في القسم الأول أسماء الوضاعين ومن اتهمهم بالكذب من رجال النقد، وذكر في القسم ¬

_ (¬1) طبع الكتاب سَنَةَ (1342 هـ) بالقاهرة. (¬2) انظر النسخة المخطوطة في دار الكتب المصرية تحت رقم (176 مجاميع). (¬3) انظرهما تحت الرقم (87 مجاميع) في قسم المخطوطات من دار الكتب المصرية. (¬4) لخصه السيوطي في كتابه " تحذير الخواص من أكاذيب القصاص " في الفصل التاسع منه واستدرك عليه في الفصل العاشر، وقد طبع كتاب السيوطي سَنَةَ (1351 هـ) بمصر. (¬5) انظر مقدمة " اللآلئ " وقد طبع الكتاب في مجلدين بمصر سَنَةَ (1317 هـ). وطبعت " تعليقاته على ابن الجوزي " سَنَة (1886 م) بالهند.

الثاني الأحاديث الموضوعة، وبين الرواة المتهمين بوضعها. وطبع الكتاب سَنَةَ (1378 هـ) بمصر في مجلدين. 9 - " تذكرة الموضوعات " لرئيس مُحَدِّثِي الهند جمال الدين بن طاهر بن علي الفتني (المُتَوَفَّى سَنَةَ 986 هـ) وله أَيْضًا " قانون الأخبار الموضوعة والرجال الضعفاء " طُبِعَا (سَنةَ 1343 هـ) بالقاهرة في مجلد واحد. 10 - " الكشف الإلهي عن شديد الضعف والموضوع الواهي " لمحمد بن محمد الحسيني السندروسي (المُتَوَفَّى سَنَةَ 1177 هـ) جمع فيه الأحاديث الشديدة الضعف والواهية والموضوعة (¬1). 11 - " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " للقاضي أبي عبد الله محمد بن علي الشوكاني (1173 - 1255 هـ) وقد أفاد من مؤلفات السلف، إلا أنه تساهل في الحكم على بعض الأحاديث بالوضع، فأدرج فيه بعض الأحاديث الصحيحة والحسنة، وقد نبه إلى هذا عبد الحي اللكنوي في كتابه " ظفر الأماني " (¬2)، وطبع الكتاب سَنَةَ (1380 هـ - 1960 م) بمصر. 12 - " تحذير المسلمين من الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين " لعبد الله: محمد البشير ظافر المالكي (- 1325 هـ) ذكر فيه الأحاديث الموضوعة المشتهرة على الألسنة، ورتبها على حروف المعجم، وقدم لكتابه بتمهيد قيم جامع حول المؤلفات في الموضوعات والكتب والرسائل المشحونة بالموضوعات. وقد طبع هذا الكتاب سَنَةَ (1321 هـ - 1903 م) بمصر. وهناك مؤلفات ورسائل كثيرة في مواضيع مختلفة، تذكر الأحاديث ¬

_ (¬1) توجد نسخة مخطوطة منه في دار الكتب المصرية تحت رقم (110 م - الحديث). (¬2) انظر " الرسالة المستطرفة ": ص 114.

الموضوعة في باب من أبواب العبادات أو المعاملات وغير ذلك لم أتعرض لذكرها وهي أكثر من أن تحصى. وإلى جانب هذه المؤلفات ظهرت مؤلفات كثيرة في الأحاديث المشتهرة بين الناس، تبين منزلة الحديث من القوة أو الضعف، أو الوضع، ومن أشهر هذه الكتب: 1 - " التذكرة في الأحاديث المشتهرة " لبدر الدين الزركشي (745 - 794 هـ) (¬1). 2 - " اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة، مما ألفه الطبع وليس له أصل في الشرع " للحافظ شهاب الدين بن حجر العسقلاني (773 - 852 هـ) (¬2). 3 - " المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة " للحافظ المؤرخ محمد بن عبد الرحمن السخاوي (831 - 902 هـ) رتبه على حروف المعجم، كما رتبه على الأبواب وهو كتاب جيد مفيد طبع سَنَةَ (1375 هـ - 1956 م) بمصر. وقد أغفلتُ كثيرًا من الكتب التي ألفت في الأحاديث المشتهرة مما لخصه الخلف من كتب السلف، فلم أذكر مؤلفات السيوطي، والسمهودي، والمنوفي، والخليلي، والغزي العامري، والعجلوني الجراحي، وابن جار الله، والبيروتي وغيرهم. مكتفيًا بأمهات الكتب. تلك أشهر الكتب التي تناولت موضوعنا، وأما الكتب التي ألفت في مصطلح الحديث وعلومه وآراء العلماء فيها، والمقبول من الحديث والمردود، ¬

_ (¬1) " الرسالة المستطرفة ": ص 143 (¬2) انظر " تحذير المسلمين " للبشير ظافر: ص 15.

وغير ذلك مما تناولته كتب المصطلح الكثيرة المنظوم منها والمنثور - فهي تفوق الحصر، ومن النادر أن نرى مُحَدِّثًا ليس له مصنف أو رسالة يتناول فيها علم مصطلح الحديث أو بعضه. كما ألفت كتب كثيرة في علل الحديث وغريبه ومختلفه (¬1)، ومن يطلع على مخطوطات دار الكتب المصرية ومخطوطات المكتبة الظاهرية بدمشق وغيرهما من المكتبات الإسلامية يجد كنوزًا علمية نادرة ساهمت في حفظ الحديث سَنَدًا وَمَتْنًا، وَبَيَّنَتْ صحيحه من سقيمه، وقد كانت تلك المؤلفات نتيجة لجهود العلماء على مر السنين، وستبقى إلى ما شاء الله، لأنها الحصن المنيع لحماية السُنَّةِ الطاهرة المفسرة للكتاب الكريم. مصداقًا لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (¬2). ¬

_ (¬1) انظر " الرسالة المستطرفة " التي ضمت معظم ما ألف في الحديث وعلومه. (¬2) [سورة الحجر، الآية: 9].

الباب الرابع: متى دون الحديث .. ؟

البَابُ الرَّابِعُ: مَتَى دُوِّنَ الحَدِيثُ .. ؟ - الفصل الأول: حول تدوين الحديث. - الفصل الثاني: ما دون في عصر الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي صدر الإسلام. - الفصل الثالث: آراء في التدوين.

الفصل الأول: حول تدوين الحديث ... :

الفَصْلُ الأَوَّلُ: حَوْلَ تَدْوِينِ الحَدِيثِ ... : 1 - الكِتَابَةُ عِنْدَ العَرَبِ قَبْلَ الإِسْلاَمِ: تدل الدراسات العلمية على أن العرب كانوا يعرفون الكتابة قبل الإسلام، فكانوا يؤرخون أهم حوادثهم على الحجارة، وقد أثبتت الأبحاث الأثرية ذلك بأدلة قاطعة، تعود إلى القرن الثالث الميلادي، وأكثر الآثار التي تحمل كتابات العرب كانت في الأطراف الشمالية للجزيرة العربية (¬1) حيث كان الاتصال وثيقًا بالحضارة الفارسية والرومية، ومما يذكر أن عدي بن زيد العبادي (- 35 ق هـ) حين نما وأيفع طرحه أبوه في الكُتَّابِ حتى حذق العربية، ثم دخل ديوان كسرى، وهو أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى (¬2). وهذا يدل على وجود بعض الكتاتيب في الجاهلية، يتعلم فيها الصبيان الكتابة والشعر وأيام العرب، ويشرف على هذه الكتاتيب معلمون ذَوُو مكانة رفيعة، أمثال أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس، وبشر بن عبد الملك السكوني، وأبي قيس بن عبد مناف بن زهرة، وعمرو بن زرارة المسمى بـ (الكاتب) وغيرهم (¬3)، وقد اسْتُقْدِمَ أبو جفينة إلى المدينة ليعلم الكتابة (¬4)، وَ «كَانَ بَعْضُ اليَهُودِ قَدْ عَلِمَ كِتَابَ العَرَبِيَّةِ، وَكَانَ يُعَلِّمُهُ الصِّبْيَانَ بِالمَدِينَةِ فِي الزَّمَنِ الأَوَّلِ، ¬

_ (¬1) انظر " مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية ": ص 24 - 32 وقد فصل القول في هذا. (¬2) انظر " الأغاني ": ص 101، 102 جـ 2. (¬3) انظر كتاب " المحبر ": ص 475. وقد ذكرهم تحت عنوان (أشراف المعلمين). (¬4) انظر " تاريخ الأمم والملوك " للطبري: ص 42 جـ 5.

فَجَاءَ الإِسْلاَمُ وَفِي الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ عِدَّةٌ يَكْتُبُونَ» (¬1). وكان العرب يطلقون اسم (الكامل) على كل رجل يكتب، ويحسن الرمي، ويجيد السباحة (¬2)، ولكن كثيرًا من الشعراء كانوا يفخرون بحفظهم، وقوة ذاكرتهم، بل إن بعضهم كان يخفي على الناس معرفته بالكتابة، ويخشى أن يكشف أحد أمره، وإذا ما كشف أمر أحدهم قال: «اُكْتُمْ عَلَيَّ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا عَيْبٌ» (¬3). بعد هذا نستبعد أن يكون قول بعض المؤرخين: «دَخَلَ الإِسْلاَمُ وَبِمَكَّةَ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً يَكْتُبُ» (¬4) - صورة دقيقة لحقيقة معرفة العرب بالكتابة قبيل الإسلام، ونستبعد أن يكون هذا على وجه الإحصاء والضبط، ومع هذا لا يباح لنا أن نغالي في معرفة العرب للكتابة، ونذهب مذهب من ادعى كثرة الكتابة عند العرب في الجاهلية، وكثرة الكاتبين القارئين، وقد حاول بعض المستشرقين وبعض الكاتبين العرب أن يدعموا رأيهم هذا بتأويل وصف الله تعالى للعرب (بِالأُمِّيِّينَ) - في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ} (¬5) - بأنه «لاَ يَعْنِي بِالأُمِيَّةِ الكِتَابِيَّةِ ¬

_ (¬1) " فتوح البلدان ": ص 459. (¬2) انظر " طبقات " ابن سعد: ص 136 قسم 2 جـ 2.و" عيون الأخبار ": ص 168 جـ 2. و" فتوح البلدان ": ص 459. (¬3) " الأغاني ": ص 116 جـ 16 هذا ما روي عن ذِي الرُمَّةِ. (¬4) انظر مثالاً على هذا ما جاء في " قبول الأخبار ": ص 64، وانظر عبارة المؤرخين التي يُرَدِّدُونَهَا: «وَكَانَتْ الكِتَابَةُ فِي العَرَبِ قَلِيلَةً». ومثال هذا في " طبقات " ابن سعد: ص 83 قسم 2 جـ 2 وص: 77 قسم 2 جـ 3. (¬5) [سورة الجمعة، الآية: 2].

وَلاَ العِلْمِيَّةِ، وَإِنَّمَا الأُمِّيَّةُ الدِّينِيَّةُ، أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ قَبْلِ القُرْآنِ الكَرِيمِ كِتَابٌ دِينِيٌّ، وَمِنْ هُنَا كَانُوا أُمِّيِّينَ دِينِيًّا، وَلَمْ يَكُونُوا مِثْلَ (أَهْلِ الكِتَابِ) مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى الذِينَ كَانَ لَهُمْ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلَ» (¬1). وَحَمْلُ هذا اللفظ على هذا المعنى من غير قرينة لا مسوغ له، لأنه يقتضي التفريق بين تفسير الأميين وهم العرب (جهلة الشريعة) وتفسير ما وصف به الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأمية - في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ} (¬2). بأنه الذي لا يعرف القراءة والكتابة، ولا داعي لهذا التفريق في المعنى، ولا مؤيد له فلا بد من حمل اللفظ على أحد المعنيين، والأصل فيه عدم معرفة القراءة والكتابة (¬3)، على أن الرسول الكريم - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ الأُمِّيَّةَ المعنية بما لا يرقى إليه الشك، فقد أخرج الشيخان وأصحاب السنن عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ. الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا ... » (¬4). ¬

_ (¬1) " مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية ": ص 45. (¬2) [سورة الأعراف، الآية: 157]. (¬3) لقد اختار الدكتور [ناصر] الدين الأسد تفسير (الأُمِّيِّينَ) بمعنى جهلة الشريعة، أي الأمية الدينية لا الأمية المتعلقة بالقراءة والكتابة، ودعم رأيه هذا بشواهد فصل فيها، انظر ذلك في كتابه " مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية ": ص 45. وتعرض الدكتور صبحي الصالح في كتابه " علوم الحديث ومصطلحه " لهذا التفسير الذي اعتمد عليه المستشرقون في زعمهم أن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان كاتبًا قارئًا، وأن وصفه بالأمية - كوصف العرب بها - لا ينافي معرفة القراءة والكتابة. انظر كتابه الصفحة: 2 - 4 وهوامشها، وقد رد عليهم رَدًّا جليلاً. (¬4) وتتمة الحديث «وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَمَرَّةً ثَلاَثِينَ» انظر " فتح الباري ": ص 28، 29 جـ 5 و " صحيح مسلم ": ص 761 حديث 15 جـ 2 وقد رُوِيَ من طرق كثيرة، قال هذا - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمناسبة رؤية هلال رمضان، ورأى جمهور المحدثين على أن المراد بالأمة الأمة العربية آنذاك، والمراد من الأمية، أمية القراءة والكتابة، وقد قيل للعرب أميون لأن =

2 - الكتابة في العصر النبوي وصدر الإسلام:

2 - الكِتَابَةُ فِي العَصْرِ النَّبَوِيِّ وَصَدْرِ الإِسْلاَمِ: مما لا شك فيه أن الكتابة انتشرت في عهد النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على نطاق أوسع مما كانت عليه في الجاهلية، فقد حث القرآن الكريم على التعلم، وحض الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك أَيْضًا، واقتضت طبيعة الرسالة أن يكثر المتعلمون، القارئون، الكاتبون، فالوحي يحتاج إلى كُتَّابٍ، وأمور الدولة من مراسلات وعهود ومواثيق تحتاج إلى كُتَّابٍ أَيْضًا، وقد كثر الكاتبون بعد الإسلام فعلاً ليسدوا حاجات الدولة الجديدة، فكان للرسول كُتَّابٌ للوحي بلغ عددهم أربعين كاتبًا، وكتاب للصدقة، وكتاب للمداينات والمعاملات، وكتاب للرسائل يكتبون باللغات المختلفة (¬1) وإن ما ذكره المؤرخون من أسماء كُتَّابِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن على سبيل الحصر، بل ذكروا من دوام على الكتابة بين يديه، ويظهر هذا واضحًا في قول المسعودي: «وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَسْمَاءِ كُتَّابِهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ ثَبَتَ عَلَى كِتَابَتِهِ وَاتَّصَلَتْ أَيَّامُهُ فِيهَا وَطَالَتْ مُدَّتُهُ وَصَحَّتْ الرِّوَايَةُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ دُونَ مَنْ كَتَبَ الكِتَابَ وَالكِتَابَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ إِذَ كَانَ لاَ يَسْتَحِقُّ بِذَلِكَ أَنْ يُسَمَّى كَاتِبًا وَيُضَافَ إِلَى جُمْلَةِ كِتَابِهِ» (¬2). ¬

_ = الكتابة كانت فيهم قليلة، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} [سورة الجمعة، الآية: 2]. ولا يرد على ذلك أنه كان فيهم من يكتب ويحسب لأن الكتابة كانت فيهم قليلة ونادرة آنذاك. والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها ولم يكونوا يعرفون من ذلك إلا اليسير. انظر تفصيل هذا في " فتح الباري ": ص 28، 29 جـ 5. (¬1) راجع " المصباح المضيء في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عرب وعجم " لمحمد بن علي بن حديد الأنصاري. مخطوط مكتبة الأوقاف بحلب، تحت رقم (270) وقد فصل القول في ذلك في ص: 16 - 40. (¬2) " التنبيه والإشراف ": ص 246.

وقد كثر الكاتبون بعد الهجرة عندما استقرت الدولة الإسلامية، فكانت مساجد المدينة التسعة إلى جانب مسجد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1) محط أنظار المسلمين، يتعلمون فيها القرآن الكريم، وتعاليم الإسلام، والقراءة والكتابة، وقد تبرع المسلمون الذين يعرفون الكتابة والقراءة بتعليم إخوانهم، وأرجح أنه كان من أوائل هؤلاء المعلمين سعد بن الربيع الخزرجي أحد النقباء الاثني عشر (¬2)، وبشير بن سعد بن ثعلبة (¬3)، وأبان بن سعيد بن العاص (¬4)، وغيرهم - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ -. وكان إلى جانب هذه المساجد كتاتيب يتعلم فيها الصبيان الكتابة والقراءة إلى جانب القرآن الكريم (¬5). ولا يفوتنا أن نذكر أثر غزوة (بدر) في تعليم ¬

_ (¬1) انظر " مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ": ص 131. (¬2) المُتَوَفَّى سَنَةَ «3 هـ». انظر " طبقات ابن سعد ": ص 77 و 141 قسم 2 جـ 3. (¬3) المُتَوَفَّى سَنَةَ «12 هـ». انظر " طبقات ابن سعد: ص 83 قسم 2 جـ 3. و " تهذيب التهذيب ": ص 46 جـ 1. و" الإصابة ": ص 63 جـ 1. (¬4) انظر " الإصابة ": ص 10، 11 و" المصباح المضيء ": ص 16 وقد اختلف في وفاة أبان بن سعيد، فقيل توفي سَنَةَ «13 هـ» وقيل سَنَةَ «15 هـ» وقيل غير ذلك والصواب أنه عاش إلى خلافة عثمان، وأنا أرجح هذا لأنه كان أحد الصحابة الذين نسخوا المصاحف مع زيد بن ثابت في عهد عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَمِيعًا -، انظر " صحيح البخاري بحاشية السندي ": ص 225، 226 جـ 3، وكتابنا " زيد بن ثابت ": ص 35. (¬5) كتب جولدتسيهر مقالاً هَامًّا في " دائرة معارف الأديان والأخلاق " عن التعليم الأولي عند المسلمين، وقد حاول أن يثبت أن كتاب تعليم القرآن ومبادئ الدين الإسلامي قد أنشئ في عهد مبكر، وأنه يرجع إلى صدر الإسلام، وقد دعم رأيه بالأسانيد الآتية: أ - أرسلت أم سلمة إحدى زوجات الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرة إلى معلم كتاب تطلب منه أن يرسل لها بعض تلاميذ كتابه ليساعدوها في ندف الصوف وغزله. ب - كان عمر بن ميمون يحفظ الصيغة التي تقي الإنسان شر العين، وقد أسندها إلى سعد بن أبي وقاص الذي كان يعلمها أولاده، ويكتبها لهم كما يفعل المدرس مع تلاميذه. ج - مر (ابن عمر) و (أبو أسيد) في مناسبة ما بكتاب، فلفتا إليهم إليهم أنظار التلاميذ =

صبيان المدينة، حينما أذن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأسرى بدر بأن يفدي كل كاتب منهم نفسه بتعليم عشرة من صبيان المدينة الكتابة والقراءة (¬1)، ولم يقتصر تعليم الكتابة والقراءة على الذكور فقط، بل كانت الإناث تتعلمن هذا في بيوتهن، فقد روى أَبُو بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنِ الشِّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عِنْدَ حَفْصَةَ فَقَالَ لِي: «أَلاَ تُعَلِّمِينَ هَذِهِ رُقْيَةَ النَّمْلَةِ كَمَا عَلَّمْتِيهَا الكِتَابَةَ؟» (¬2). ثم اتسع نطاق التعليم، وانتشر في الآفاق الإسلامية، بانتشار الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ -، وكثرت حلقات العلم، وانتظمت في المساجد (¬3)، وأضحت بعض الحلقات تضم نَيِّفًا وألفًا من طلاب العلم (¬4)، وكثر ¬

_ = كان اللوح المخصص للكتابة موجودًا في وقت مبكر جِدًّا، فلقد روي عن أم الدرداء أنها كتبت على لوح من هذا النوع عبارات في الحكمة، ليقلدها تلميذ كانت تعلمه الكتابة والقراءة» انظر " تاريخ التربية الإسلامية " للدكتور أحمد شلبي، طبعة بيروت سَنَةَ [1954 م] ص: 26. ونضيف إلى هذا - مما يؤكد وجود الكتاتيب - ما رواه عثمان بن عبد الله، قال: «رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ وَنَحْنُ فِي الكُتَّابِ». انظر " طبقات ابن سعد ": ص 59 قسم 2 جـ 4. وقد تعلم زيد بن ثابت في أحد هذه الكتاتيب. انظر " مسند الإمام أحمد: ص 259 جـ 5. (¬1) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 14 قسم 1 جـ 2. (¬2) " سنن أبي داود: ص 337 جـ 2. والنملة هي قروح تخرج من الجنب، وفي الحديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فِي الرُّقَى قَالَ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقْيَةِ مِنَ العَيْنِ، وَالحُمَةِ، وَالنَّمْلَةِ». وَالحُمَةُ - بضم الحاء وفتح الميم - هي السم، انظر " صحيح مسلم ": ص 1725، حديث 58 جـ 4. (¬3) مما يذكر عن النشاط العلمي وانتظام الحلقات أن أبا الدرداء - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (- 32 هـ) «كان إذا صلى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه، فكان يجعلهم عشرة عشرة، وعلى كل عشرة عريفًا، ويقف هو في المحراب يرمقهم ببصره، فإذا غلط أحدهم، رجع إلى عريفهم، وإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء فسأله عن ذلك». انظر " غاية النهاية في طبقات القراء ": ص 606 جـ 1، و " تهذيب التاريخ الكبير " لابن عساكر: ص 69 جـ 1. (¬4) قال مسلم بن مشكم: «قال أبو الدرداء: اعدد من يقرأ عندي القرآن، فعددتهم بأمره ألفًا وستمائة ونيفًا، وكان لكل عشرة منهم مقرئ، وأبو الدرداء يكون عليهم قائمًا إذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبي الدرداء». انظر " غاية النهاية في طبقات القراء ": ص 607 جـ 1 ونحوه في " التاريخ الكبير " لابن عساكر: ص 69 جـ 1 =

المعلمون (¬1)، وانتشرت الكتاتيب في مختلف أنحاء الدولة الإسلامية، وغصت بالصبيان، وضاقت بهم حتى اضطر الضحاك بن مزاحم معلم الصبيان ومؤدبهم إلى أن يطوف على حمار ليشرف على طلاب مكتبه، الذين بلغ عددهم ثلاثة آلاف صبي (¬2)، وكان لا يأخذ أجرًا على عمله (¬3). وقد ازدادت الحركة العلمية في أواخر القرن الأول، وظهرت الندوات التي تدل على آثار النهضة العلمية، فقد كان «عبد الحكم بن عمرو بن عبد الله بن صفوان الجمحي قد اتخذ بيتًا، فجعل فيه شطرنجات، ونردات، وقرقات (¬4)، ودفاتر فيها من كل علم، وجعل في الجِدَارِ أوتادًا، فمن جاء علق ثيابه على وتد منها، ثم جر دفترًا فقرأه، أو بعض ما يلعب به فلعب به مع بعضهم» (¬5). فإذا رأينا - بعد ذلك - أن الحديث الشريف لَمْ يُدَوَّنْ رَسْمِيًّا في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما دُوِّنَ القرآن الكريم - فلا بد لنا من البحث عن السبب الذي أدى إلى عدم تدوينه في عصره - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ونحن في بحثنا هذا لا يمكننا أن نستسلم لتلك الأسباب التقليدية التي اعتاد ¬

_ = ولقد بلغت حلقات العلم في عهد عبد الملك بن مروان درجة عظيمة، فقد رأى في المسجد الحرام حلقات كثيرة لعطاء وسعيد بن جبير ولميمون بن مهران ولمكحول ولغيرهم، فأعجب بهم، وحث أحياء قريش على المحافظة على العلم. انظر تفصيل هذا في " المحدث الفاصل ": ص 35، 36. (¬1) ذكر أبو علي أحمد بن عمر بن رسنة كثيرًا من المعلمين في هذا العصر، انظر " الأعلاق النفسية (*): المجلد السابع، صفحة: 316، 317 وقد ذكرهم تحت عنوان صناعات الأشراف ... وانظر كتاب " المحبر " حيث ذكر كثيرًا من المعلمين وبينهم بالتفصيل في الصفحات: 379 والصفحات: 475 - 477. (¬2) انظر " معجم الأدباء ": طبعة مصر، ص 16 جـ 12، وقد توفي الضحاك بن مزاحم سَنَةَ (105 هـ). (¬3) انظر " الأعلاق النفسية ": ص 216. (¬4) النردات: جمع نرد، ما يعرف اليوم بالطاولة. وقرقات: جمع قرق وهي لعبة للصبيان. (¬5) " الأغاني ": ص 253 جـ 4. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) " الأعلاق النفيسة " لابن رسته، طبع الجزء السابع منه. انظر " الأعلام " لخير الدين الزركلي: 1/ 185، الطبعة الخامسة عشر: - أيار / مايو 2002 م، دار العلم للملايين.

الكاتبون أن يعللوا بها عدم التدوين، ولا نستطيع أن نوافقهم على ما قالوه من أن قلة التدوين في عهده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، تعود قبل كل شيء إلى ندرة وسائل الكتابة، وقلة الكتاب، وسوء كتابتهم (¬1) - لا يمكننا أن نسلم بهذا بعد أن رأينا نَيِّفًا وثلاثين كاتبًا يتولون كتابة الوحي للرسول الكريم - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم يتولون أموره الكتابية الأخرى، ولا يمكننا أن نعتد بقلة الكتاب، وعدم إتقانهم لها، وفيهم المحسنون المتقنون أمثال زيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو بن العاص، ولو قبلنا جدلاً ما ادعوه من ندرة وسائل الكتابة وصعوبة تأمينها، لكفى في الرد عليهم أن المسلمين دَوَّنُوا القرآن الكريم ولم يجدوا في ذلك صعوبة، فلو أرادوا أن يُدَوِّنُوا الحديث مَا شَقَّ عَلَيْهِمْ تحقيق تلك الوسائل، كما لم يشق هذا على من كتب الحديث بإذن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلا بد من أسباب أخرى، وإنا لنرى تلك الأسباب من خلال الآثار الثابتة عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن الصحابة والتابعين، وسنرى أن تدوين الحديث مر بمراحل منتظمة حققت حفظه، وصانته من العبث، وقد تضامنت الذاكرة والأقلام، وكانا جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ في خدمة الحديث اشريف، ونستعرض الآن تلك الآثار التي تلقي لنا بعض الضوء على حقيقة تدوين السنة. ... ¬

_ (¬1) انظر " تأويل مختلف الحديث "، قال: «وَكَانَ غَيْرُهُ - ابن عمرو بن العاص - مِنَ الصَّحَابَةِ أُمِّيِّينَ، لاَ يَكْتُبُ مِنْهُمْ إِلاَّ الوَاحِدُ وَالاثْنَانِ، وَإِذَا كَتَبَ لَمْ يُتْقِنْ، وَلَمْ يُصِبْ التَّهَجِّيَ» ص: 366. إن هذا يتنافى مع ما بينهاه من تعلم المسلمين للكتابة، فتعميم ابن قتيبة هذا لا يستند إلى دليل. وانظر " مقدمة ابن خلدون": ص 543.

أولا - ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكتابة:

أَوَّلاً - مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الكِتَابَةِ: [أ]- مَا رُوِيَ مِنْ كَرَاهَةِ الكِتَابَةِ: 1 - روى أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لاَ تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ القُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ» (¬1). وهذا الحديث أصح ما ورد عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا الباب. 2 - وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: «جَهِدْنَا بِالنَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْذَنَ لَنَا فِي الكِتَابِ فَأَبَى». وفي رواية عنه قَالَ: «اسْتَأْذَنَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الكِتَابَةِ فَلَمْ يَأْذَنْ لَنَا» (¬2). 3 - رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , وَنَحْنُ نَكْتُبُ الأَحَادِيثَ , فَقَالَ: «مَا هَذَا الَّذِي تَكْتُبُونَ؟» , قُلْنَا: أَحَادِيثَ نَسْمَعُهَا مِنْكَ. قَالَ: «كِتَابٌ غَيْرَ كِتَابِ اللَّهِ!؟، أَتَدْرُونَ؟ مَا ضَلَّ الأُمَمَ قَبْلَكُمْ إِلاَّ بِمَا اكْتَتَبُوا مِنَ الكُتُبِ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» (¬3). [ب] مَا رُوِيَ مِنْ إِبَاحَةِ الكِتَابَةِ: 1 - قَالَ عَبْدُ اللَّه بْن عَمْرو بْن العَاصِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: «كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ، وَقَالُوا: تَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَسُولُ اللَّهِ ¬

_ (¬1) " صحيح مسلم بشرح النووي ": ص 129 جـ 18، و" جامع بيان العلم وفضله ": ص 63 جـ 1. (¬2) " المحدث الفاصل ": نسخة دمشق، ص 5 جـ 4. و" الإلماع ": ص 28 ونحوه في " تقييد العلم ": ص 32، 33. (¬3) " تقييد العلم ": ص 34.

- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، فَأَمْسَكْتُ عَنِ الكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ وَقَالَ: «اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلاَّ حَقٌّ» (¬1). 2 - قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ أكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي إلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بن عَمْرٍو، فإنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أكْتُبُ» (¬2). 3 - رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَشْهَدُ حَدِيثَ , رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , فَلاَ يَحْفَظُهُ , فَيَسْأَلُ أَبَا هُرَيْرَةَ , فَيُحَدِّثُهُ , ثُمَّ شَكَا قِلَّةَ حِفْظِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -, فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ , - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «اسْتَعِنْ عَلَى حِفْظِكَ بِيَمِينِكَ» (¬3). 4 - رَوَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَهُ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا نَسْمَعُ مِنْكَ أَشْيَاءَ، أَفَنَكْتُبُهَا؟ قال: «اكْتُبُوا وَلاَ حَرَجَ» (¬4). 5 - رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ أَنَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قيِّدُوا العِلْمَ بِالْكِتَابِ» (¬5). ¬

_ (¬1) " سنن الدارمي ": ص 125 جـ 1 ونحوه في ص 126 جـ 1 ونحوه في " تقييد العلم " بطرق كثيرة: ص 74 - 83. وفي " جامع بيان العلم ": ص 71 جـ 1. و" الإلماع ": ص 27: ب. (¬2) " فتح الباري ": ص 217 جـ 1. (¬3) " تقييد العلم ": ص 65، 66. وفي " الجامع لأخلاق الراوي ": ص 50: آ. وقد أخرجه الترمذي أَيْضًا من طريق أبي هريرة، انظر " توضيح الأفكار ": ص 353 جـ 2. (¬4) " تقييد العلم ": ص 72، 73. و" المحدث الفاصل ": ص 3: ب، جـ 4 مخطوطة دمشق. وانظر " توضيح الأفكار ": ص 353 جـ 2. وقد ضَعَّفَ «السيد رشيد رضا» صاحب " المنار " هذا الحديث، انظر مجلة " المنار ": 10/ 763 وله رأي في الأحاديث التي تسمح بالكتابة، انظر ص 765 و 766 جـ 10 من المجلة. (¬5) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 44: آ. و " تقييد العلم ": ص 69. و " جامع =

6 - رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَتَبَ كِتَابَ الصَّدَقَاتِ وَالدِّيَاتِ وَالفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ لِعَمْرُو بْنَ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ (¬1). 7 - رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَامَ الرَّسُولُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَطَبَ فِي النَّاسِ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاهٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ اكْتُبُوا لِي، فَقَالَ: «اكْتُبُوا لَهُ» (¬2). قال أبو عبد الرحمن (عبد الله بن أحمد): «لَيْسَ يُرْوَى فِي كِتَابَةِ الحَدِيثِ شَيْءٌ أَصَحُّ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ، قَالَ: "اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ"» (¬3). 8 - رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ قَالَ: «ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ» قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَهُ الوَجَعُ، وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا. فَاخْتَلَفُوا، وَكَثُرَ اللَّغَطُ، قَالَ: «قُومُوا عَنِّي، وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ» (¬4). إن طلب الرسول هذا واضح في أنه أراد أن يكتب شيئًا غير القرآن، وما كان سيكتبه ¬

_ = بيان العلم ": ص 72 جـ 1، وقد ضَعَّفَ السيد محمد رشيد رضا هذا الحديث لأن في سنده عبد الحميد بن سليمان وقد تكلم فيه الذهبي، كما ضعفه من طريق عبد الله بن المؤمل الذي قال فيه الإمام أحمد: «أَحَادِيثُهُ مَنَاكِيرُ». انظر " مجمع الزوائد ": ص 152 جـ 1. أقول: إلا أن هذا الحديث روي من طريق إسماعيل بن يحيى عن ابن أبي ذؤيب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ولا يطعن فيه تفرده به. انظر " تقييد العلم ": ص 69، والسيد رشيد رضا ضَعَّفَ الحديث من طريقيه الأوليين فلا يطعن برواية إسماعيل بن يحيى هذه. انظر مجلة " المنار ": ص 763 - 766 جـ 10. (¬1) انظر " جامع بيان العلم وفضله ": ص 71 جـ 1. (¬2) " مسند الإمام أحمد ": ص 232 جـ 12. و" فتح الباري ": ص 217 جـ 1. و" جامع بيان العلم وفضله ": ص 70 جـ 1. و" تقييد العلم ": ص 86. (¬3) " مسند الإمام أحمد ": ص 235 جـ 12. (¬4) " فتح الباري ": ص 218 جـ 1، و" صحيح الإمام مسلم ": ص 1257 و 1259 جـ 3، وفي " طبقات ابن سعد ": ص 36 و 37 جـ 2.

هو من السنة، وإن عدم كتابته لمرضه لا ينسخ أنه قد هَمَّ به، وكان في آخر أيام حياته - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - الكتابة في أوقات مختلفة، ولمواضيع كثيرة، في مناسبات عدة، خاصة وعامة. وإذا كانت الأخبار الدالة على إباحة الكتابة منها خاص كخبر أبي شَاهٍ، فإن منها أَيْضًا ما هو عام لا سبيل إلى تخصيصه، كسماحه لعبد الله بن عمرو بالكتابة وللرجل الأنصاري الذي شكا سوء حفظه. ويمكن أن نستشهد في هذا المجال بخبر أنس ورافع بن خديج وإن تكلم فيهما، لأن طرقهما كثيرة يُقَوِّي بعضها بعضًا، وللعلماء مع هذا آراء في هذه الأخبار سأوجزها فيما يلي: حاول العلماء أَنْ يُوَفِّقُوا بين ما ورد من نَهْيٍ عن الكتابة وما وري من إباحة لها، وترجع آراؤهم إلى أربعة أقوال: الأول: قال بعضهم إن حديث أبي سعيد الخدري موقوف عليه فلا يصلح للاحتجاج به وَرُوِيَ هذا الرأي عن البخاري وغيره (¬1)، إلا أننا لا نسلم بهذا لأنه ثبت عند الإمام مسلم، فهو صحيح، ويؤيد صحته ويعضده ما رويناه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ نَفْسَهُ إذْ يَقُولُ: «اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَكْتُبَ الحَدِيثَ، فَأَبَى أَنْ يَأْذَنَ لِي» (¬2). الثاني: أن النهي عن الكتابة إنما كان في أول الإسلام مخافة اختلاط الحديث بالقرآن، فلما كثر عدد المسلمين، وعرفوا القرآن معرفة رافعة للجهالة وميزوه من الحديث - زال هذا الخوف عنهم، فنسخ الحكم الذي كان مترتبًا ¬

_ (¬1) انظر " فتح الباري ": ص 218 جـ 1. وانظر " الباعث الحثيث ": ص 148. و" توضيح الأفكار ": ص 353 جـ 2، و" تدريب الراوي ": ص 287. و " منهج ذوي النظر ": ص 142. (¬2) " تقييد العلم ": ص 32، 33.

عليه، وصاد الأمر إلى الجواز (¬1). وفي هذا قال الرامهرمزي: «وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ: "حَرَصْنَا أَنْ يَأْذَنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الكِتَابِ فَأَبَى "، أَحْسِبُ (¬2) أَنَّهُ كَانَ مَحْفُوظًا فِي أَوَّلِ الهِجْرَةِ وَحِينَ كَانَ لاَ يُؤْمَنُ الاشْتِغَالُ بِهِ عَنِ الْقُرْآن» (¬3). والقول بالنسخ أحد المعنيين اللذين فهمهما ابن قتيبة من تلك الأخبار. فقال: «أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ مَنْسُوخِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ، كَأَنَّهُ نَهَى فِي أَوَّلِ الأَمْرِ عَنْ أَنْ يُكْتَبَ قَوْلُهُ، ثُمَّ رَأَى بَعْدُ - لَمَّا عَلِمَ أَنَّ السُّنَنَ تَكْثُرُ وَتَفُوتُ الحِفْظَ - أَنْ تُكْتَبَ وَتُقَيَّدَ» (¬4)، ورأى هذا الرأي كثير من العلماء، وذهب إليه العلامة المحقق الأستاذ أحمد محمد شاكر (¬5) فبعد أن دعم رأيه بالأخبار التي تبيح الكتابة قال: «كُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ - «لاَ تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ القُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ» - مَنْسُوخٌ، وَأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الأَمْرِ، حِينَ خِيفَ اخْتِلاَطُ غَيْرِ الْقُرْآنِ بِالقُرْآنِ وَحَدِيثُ أَبِي شَاهٍ فِي أَوَاخِرِ حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَلِكَ أَخْبَارُ أَبِي هُرَيْرَةَ - وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الإِسْلاَمِ - " أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَكْتُبُ، وَأَنَّهُ هُوَ لَمْ يَكُنْ يَكْتُبُ ": يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ يَكْتُبُ بَعْدَ إِسْلاَمِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَوْ كَانَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي النَّهْيِ مُتَأَخِّرًا عَنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ فِي الإِذْنِ وَالجَوَازِ لَعُرِفَ ذَلِكَ عِنْدَ الصَّحَابَةِ يَقِينًا صَرِيحًا» (¬6). ويمكن أن نلحق هنا الرأي الذي يقول: إن النهي إنما كان عن كتابة ¬

_ (¬1) انظر " توضيح الأفكار ": ص 353، 354 جـ 2. (¬2) في الأصل «فَأَحْسِبُهُ»، وما أثبتناه أصح لغة. (¬3) " المحدث الفاصل ": ص 71: آ. (¬4) " تأويل مختلف الحديث ": ص 365. (¬5) انظر " الباعث الحثيث ": ص 148. (¬6) المرجع السابق: ص 149.

الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة، لأنهم كانوا يسمعون تأويل الآية، فربما كتبوه معه، فَنُهُوا عن ذلك لخوف الاشتباه (¬1). الثالث: أن النهي في حق من وثق بحفظه وخيف اتكاله على الكتابة، والإذن في حق من لا يوثق بحفظه كأبي شاه (¬2). الرابع: أن يكون النهي عَامًّا وخص بالسماح له من كان قارئًا كاتبًا مجيدًا لا يخطئ في كتابته، ولا يخشى الغلط، كعبد الله بن عمرو الذي أمن عليه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كل هذا، فأذن له (¬3). وهذا هو المعنى الآخر الذي فهمه ابن قتيبة من تلك الأخبار. ورأينا في هذه الأخبار هو صحة ما روي عن أبي سعيد من النهي، وصحة ما [وَرَدَ] عن غيره من إباحة الكتابة، فنحن لا نقول بوقف خبر أبي سعيد عليه. فالرأي الأول مردود، ويمكن أن تكون جميع هذه الآراء الثلاثة صوابًا، فَنَهَى - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - عن كتابة الحديث الشريف مع القرآن في صحيفة واحدة خوف الالتباس، وربما يكون نهيه عن كتابة الحديث على الصحف أول الإسلام حتى لاَ يُشْغَلَ المسلمون بالحديث عن القرآن الكريم، وأراد أن يحفظ المسلمون القرآن في صدورهم وعلى الألواح والصحف والعظام توكيدًا لحفظه، وترك الحديث للممارسة العملية، لأنهم كانوا يطبقونه: يرون الرسول فيقلدونه، ويسمعون منه فيتبعونه، وإلى جانب هذا سمح لمن لا يختلط عليه القرآن بالسنة أن يُدَوِّنَ السُنَّةَ كعبد الله بن عمرو، وأباح لمن يصعب عليه الحفظ أن يستعين بيده حتى إذا حفظ المسلمون قرآنهم وميزوه عن الحديث جاء نسخ النهي بالإباحة ¬

_ (¬1) انظر " فتح المغيث ": ص 18 جـ 3، وانظر " توضيح الأفكار ": ص 354 جـ 2. (¬2) انظر " فتح المغيث ": ص 18 جـ 3، وانظر " توضيح الأفكار ": ص 354 جـ 2. (¬3) انظر " تأويل مختلف الحديث ": ص 365، 366.

ثانيا - كتابة الحديث في عصر الصحابة:

عامة، وإن وجود علة من علل النهي السابقة لا ينفي وجود غيرها ولا يتعارض معه، كما أن وجود علة النهي لا ينفي تخصيص هذا النهي بالسماح لبعض من لا تتحقق فيهم هذه العلة. فالنهي لم يكن عَامًّا، والإباحة لم تكن عامة في أول الإسلام، فحيثما تحققت علة النهي منعت الكتابة، وحيثما زالت أبيحت الكتابة. وأرى في حديث أبي شاه وفي حديث ابن عباس: «ائْتُونِي بِكِتَابٍ ... » إذنًا عَامًّا، وإباحة مطبقة للكتابة، وعلى هذا لا تعارض بين جميع تلك الروايات فقد سهل التوفيق بينها وتبين وجه الصواب. وانتهى أمر رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإباحة الكتابة، وسنرى فيما بعد بعض ما دُوِّنَ في عهده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ... ثَانِيًا - كِتَابَةُ الحَدِيثِ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ: مع ما روي عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إباحة الكتابة، ومع ما كتب في عهده من الأحاديث على يدي من سمح لهم بالكتابة - نرى الصحابة يحجمون عن الكتابة، ولا يقدمون عليها في عهد الخلافة الراشدة، حِرْصًا منهم على سلامة القرآن الكريم وَالسُنَّةِ الشَّرِيفَةِ، فنجد بينهم - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - من كره الكتابة أولاً إباحته لها آخرًا، وذلك حين زالت علة الكراهة. روى الحاكم بسنده عن القاسم بن محمد عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «جَمَعَ أَبِي الحَدِيثَ عَنْ رَسُُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ (¬1) خَمْسَمِائَةِ حَدِيثٍ، فَبَاتَ ¬

_ (¬1) في الأصل «كَانَتْ» وما أثبتناه أصح لتستقيم العبارة.

لَيْلَةً يَتَقَلَّبُ كَثِيرًا ... فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: " أَيْ بُنَيَّة، هَلُمِّي الأَحَادِيثَ التِي عِنْدَكِ "، فَجِئْتُهُ بِهَا، فَدَعَا بِنَارٍ فَحَرَّقَهَا» (¬1) (*). وهذا عمر بن الخطاب يفكر في جمع السنة، ثم لا يلبث أن يعدل عن ذلك: عَنْ عُرْوَةَ - بْنَ الزَّبَيْرِ -، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ السُّنَنَ فَاسْتَفْتَى أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يَكْتُبَهَا، فَطَفِقَ عُمَرُ يَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهَا شَهْرًا، ثُمَّ أَصْبَحَ يَوْمًا وَقَدْ عَزَمَ اللَّهُ لَهُ، فَقَالَ: «إِنِّي كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكْتُبَ السُّنَنَ وَإِنِّي ذَكَرْتُ قَوْمًا كَانُوا قَبْلَكُمْ كَتَبُوا كُتُبًا، فَأَكَبُّوا عَلَيْهَا وَتَرَكُوا كِتَابَ اللَّهِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لاَ أَشُوبُ كِتَابَ اللَّهِ بِشَيْءٍ أَبَدًا» (¬2)، وفي رواية عن طريق مالك بن أنس أن عمر قال عندما عدل عن كتابة السُنَّة: «لاَ كِتَابَ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ» (¬3). وكان خوف عمر من إقدامه على كتابة السُنَّةِ أن ينكب المسلمون على دراسة غير القرآن ويهملوا كتاب الله - عَزَّ وَجَلَّ - (¬4)، ولذلك نرى عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يمنع الناس من أن يتخذوا كتابًا مع كتاب الله، وينكر إنكارًا شديدًا على من نسخ كتاب (دانيال) ويضربه ويقول له: «انْطَلِقْ فَامْحُهُ ... ثُمَّ لاَ تَقْرَأْهُ وَلاَ تُقْرِئْهُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ , فَلَئِنْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قَرَأْتَهُ أَوْ أَقْرَأْتَهُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ لأُنْهِكَنَّكَ عُقُوبَةً» (¬5). ولهذا نراه يخطب في الناس قائلاً: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ فِي أَيْدِيكُمْ كُتُبٌ فَأَحَبُّهَا إِلَى اللَّهِ أَعْدَلُهَا وَأَقْوَمُهَا , فَلاَ يَبْقَيَنَّ ¬

_ (¬1) " تذكرة الحفاظ ": ص 5 جـ 1. (¬2) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 64 جـ 1، ونحوه في " تقييد العلم ": ص 50، و " طبقات ابن سعد ": ص 306 قسم 1 جـ 3. (¬3) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 64 جـ 1. (¬4) انظر " تقييد العلم ": ص 50. (¬5) " تقييد العلم ": ص 52 ونحوه مختصرًا في " جامع بيان العلم وفضله ": ص 42 جـ 2، وفي " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 146: ب. --------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) ذكر ذلك الذهبي في " تذكرة الحفاظ ": 1/ 5 وأورده بسند الحاكم ثم عَقَّبَ على ذلك بفوله: «فَهَذَا لاَ يَصِحُّ». نقلاً عن " السُنَّة وَمَكَانَتُهَا فِي التَشْرِيعِ الإِسْلاَمِي " للدكتور مُصْطَفَى السِّبَاعِي، ص 154، الطبعة الثالثة - بيروت: 1402 هـ - 1982 م، المكتب الإسلامي: دمشق - سوريا، بيروت - لبنان

أَحَدٌ عِنْدَهُ كِتَابٌ إِلاَّ أَتَانِي بِهِ , فَأَرَى فِيهِ رَأْيِي» قَالَ: فَظَنُّوا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ (¬1) يَنْظُرَ فِيهَا وَيُقَوِّمَهَا عَلَى أَمْرٍ لاَ يَكُونُ فِيهِ اخْتِلاَفٌ , فَأَتَوْهُ بِكُتُبِهِمْ فَأَحْرَقَهَا بِالنَّارِ , ثُمَّ قَالَ: «أُمْنِيَةٌ كَأُمْنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ؟» (¬2) كما أنه كتب إلى الأمصار «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلْيَمْحُهُ» (¬3). كل هذا يدل على خشية عمر من أن يهمل كتاب الله أو أن يضاهي به كتاب غيره، ونحن نرى عمر نفسه يأبى أن يبقى رأيه مكتوبًا ويأبى إلا أن يمحوه، فعندما طعن استدعى [طبيبًا]، فعرف دنو أجله، فنادى ابنه قائلاً: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرٍ نَاوِلْنِي الكَتِفَ فَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُمْضِيَ مَا فِيهَا أَمْضَاهُ». فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرُ: «أَنَا أَكْفِيكَ مَحْوَهَا». فَقَالَ: «لاَ وَاللَّهِ لاَ يَمْحُوهَا أَحَدٌ غَيْرِي». فَمَحَاهَا عُمَرُ بِيَدِهِ وَكَانَ فِيهَا فَرِيضَةُ الجَدِّ (¬4). ونرى عمر نفسه حين يأمن حفظ القرآن، يكتب بشي من السنة إلى بعض عماله وأصحابه، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ " النَّهْدِيِّ " قَالَ: كُنَّا مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بِأَشْيَاءَ يُحَدِّثُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ يَلْبَسُ الحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا إِلاَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْهُ شَيْءٌ، إِلاَّ هَكَذَا»، وَقَالَ: بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: «فَرَأَيْتُ أَنَّهَا أَزْرَارُ الطَّيَالِسَةِ حِينَ رَأَيْنَا الطَّيَالِسَةَ» (¬5). وروي عن عبد الله بن مسعود كراهيته لكتابة الحديث الشريف: عَنْ ¬

_ (¬1) زدنا (أَنْ) على الأصل لتستقيم العبارة. (¬2) " تقييد العلم ": ص 52، رواه محمد بن القاسم. (¬3) " تقيد العلم ": ص 53، و " جامع بيان العلم وفضله " ص 65 جـ 1. (¬4) " طبقات ابن سعد ": ص 247 قسم ص2 جـ 3. (¬5) " مسند الإمام أحمد ": ص 261 جـ 1.

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ , عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ عَلْقَمَةُ بِكِتَابٍ مِنْ مَكَّةَ , أَوِ اليَمَنِ صَحِيفَةٌ فِيهَا أَحَادِيثُ فِي أَهْلِ الْبَيْتِ: بَيْتِ النَّبِيِّ , صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ , فَاسْتَأْذَنَّا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ , فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ , قَالَ: فَدَفَعْنَا إِلَيْهِ الصَّحِيفَةَ , قَالَ: فَدَعَا الجَارِيَةَ , ثُمَّ دَعَا بِطَسْتٍ فِيهِ مَاءٌ , فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، انْظُرْ فِيهَا فَإِنَّ فِيهَا أَحَادِيثَ حِسَانًا , قَالَ: فَجَعَلَ يُمِيثُهَا (¬1) فِيهَا , وَيَقُولُ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ فَأَشْغِلَوهَا بِالْقُرْآنِ , وَلاَ تُشْغِلُوهَا بِمَا سِوَاهُ» (¬2). إلا أن هناك رواية تنص على أن ما في الصحيفة كان من كلام أبي الدرداء وقصصه (¬3)، وفي رواية قال أحد الرواة: «[نَرَى] أَنَّ هَذِهِ الصَّحِيفَةَ أُخِذَتْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ فَلِهَذَا كَرِهَ عَبْدُ اللَّهِ النَّظَرَ فِيهَا» (¬4). ولا يمكننا أن نجزم بأن ما في تلك الصحيفة كان من القصص أو مما أخذ من أهل الكتاب، لأنه ثبت عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ هِلاَلٍ قَالَ: «أُتِيَ عَبْدُ اللَّهِ بِصَحِيفَةٍ فِيهَا حَدِيثٌ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَحَاهَا، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا [فَأُخْرِجَتْ]، ثُمَّ قَالَ: «أُذَكِّرُ بِاللَّهِ رَجُلاً يَعْلَمُهَا عِنْدَ أَحَدٍ إِلاَّ أَعْلَمَنِي بِهِ، وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّهَا بِدِيرِ هِنْدٍ لَبَلَغْتُهَا، بِهَذَا هَلَكَ أَهْلُ الْكِتَابِ قَبْلَكُمْ حِينَ نَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ» (¬5). إن تصرف ابن مسعود يدل على أنه خشي أن يشتغل الناس بكتابة السُنَّةِ وَيَدَعُوا القُرْآنَ، أو ¬

_ (¬1) مَاثَهُ: مرسه، أي فركه ليذوب في الماء وتتفرق أجزاؤه. (¬2) " تقييد العلم ": ص 54 وورد عنه النهي عن كتابة ما سوى القرآن عندما علم أن بعضهم يكتب كلامه انظر " سنن الدارمي ": ص 125 جـ 1، والآية هي: [سورة يوسف، الآية: 3]. (¬3) انظر " تقييد العلم ": ص 54، 55. (¬4) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 66 جـ 1 ونحو هذا في " سنن الدرامي ": ص 124 جـ 1. (¬5) المرجع السابق: ص 65 جـ 1، ونحوه في " سنن الدرامي " وفيه: «لو أنها (بدار الهندارية)، يعني - مكانًا بعيدًا بالكوفة - إلا أتيته ولو مشيًا»: ص 124 جـ 1.

أن يشتغلوا بغير القرآن الكريم، ونراه يكتب بعض السُنَّةِ بيده حين زالت علة المنع، فَعَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ مَعْنٍ قَالَ: «أَخْرَجَ إِلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كِتَابًا وَحَلَفَ لِي: إِنَّهُ خَطُّ أَبِيهِ بِيَدِهِ» (¬1). وهذا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يخطب في الناس قائلاً: «أَعْزِمُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ كِتَابٌ إِلاَّ رَجَعَ فَمَحَاهُ، فَإِنَّمَا هَلَكَ النَّاسُ حَيْثُ [تَتَبَّعُوا] أَحَادِيثَ عُلَمَائِهِمْ وَتَرَكُوا كِتَابَ رَبِّهِمْ» (¬2). وأبى زيد بن ثابت أن يكتب عنه مروان بن الحكم (¬3) وقال: «[أَتَدْرُونَ] لَعَلَّ كُلَّ شَيْءٍ حَدَّثْتُكُمْ بِهِ لَيْسَ كَمَا حَدَّثْتُكُمْ» (¬4) وفي رواية قال: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا [أَنْ لاَ] نَكْتُبَ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِهِ» [فَمَحَاهُ] (¬5). وكذلك أَبَى أبو هريرة أن يكتب عنه كاتب مروان بن الحكم (¬6) وكان أحيانًا يقول: «إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لاَ يَكْتُمُ، وَلاَ يَكْتُبُ» (¬7)، وفي رواية: «نَحْنُ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نُكْتِبُ» (¬8). وقال ابن عباس: «إِنَّا لاَ نَكْتُبُ العِلْمَ وَلاَ نُكْتِبُهُ» (¬9)، وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أنه كان ينهى عن كتابة العلم، وقال: ¬

_ (¬1) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 72 جـ 1. (¬2) المرجع السابق: ص 63 جـ 1. (¬3) انظر " جامع بيان العلم وفضله ": ص 63 جـ 1. (¬4) المرجع السابق: ص 65 جـ 1. (¬5) " تقييد العلم ": ص 35. (¬6) انظر " تقييد العلم ": ص 41. و" الإصابة ": ص 202 جـ 7. (¬7) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 119 قسم 2 جـ 2 ونحوه في " تقييد العلم ": ص 42. (¬8) " جامع بيان العلم ": ص 66 جـ 1. وقارن بـ " سنن الدارمي ": ص 122 جـ 1. (¬9) " جامع بيان العلم ": ص 65 جـ 1. ونحوه في " تقييد العلم ": ص 42.

«إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالكُتُبِ» (¬1). وقد تمسك أبو سعيد الخُدري بحديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي رواه في النهي عن كتابة غير القرآن. وَأَبَى أَنْ يُكْتِبَ أَبَا نَضْرَةَ حِينَ قَالَ لَهُ هَذَا: أَلاَ تُكْتِبُنَا، فَإِنَّا لاَ نَحْفَظُ؟ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «لاَ، إِنَّا لَنْ نُكْتِبَكُمْ، وَلَنْ نَجْعَلَهُ قُرْآنًا، وَلَكِنِ احْفَظُوا عَنَّا، كَمَا حَفِظْنَا نَحْنُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (¬2). وَيُرْوَى عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أنه كان يكره كتابة الحديث، رُوِيَ عَنْ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا نَخْتَلِفُ فِي أَشْيَاءَ فَنَكْتُبَهَا فِي كِتَابٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهَا ابْنَ عُمَرَ أَسْأَلُهُ عَنْهَا خُفْيًا (¬3) فَلَوْ عَلِمَ بِهَا كَانَتِ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ» (¬4). وكره أبو موسى أن يكتب ابنه عنه مخافة أن يزيد أو ينقص، وَمَحَا مَا كَتَبَهُ بالماء (¬5) وفي رواية قال: «احْفَظُوا عَنَّا كَمَا حَفِظْنَا» (¬6)، وفي رواية عنه أنه قال: «إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَتَبُوا كِتَابًا وَاتَّبَعُوهُ وَتَرَكُوا التَّوْرَاةَ» (¬7). هؤلاء معظم الذين كرهوا كتابة الحديث في الصدر الأول، حاولت أن ¬

_ (¬1) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 65 جـ 1، و " تقييد العلم ": ص 43. (¬2) " سنن الدرامي ": ص 122 جـ 1، وانظر " تقييد العلم " فيه روايات مختلفة عنه: ص 36 - 38 وكذلك في " جامع بيان العلم وفضله ": ص 64 جـ 1، وفي رواية عن أبي سعيد قال: «أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوهَا مَصَاحِفَ!، إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحَدِّثُنَا فَنَحْفَظُ، فَاحْفَظُوا كَمَا كُنَّا نَحْفَظُ». انظر " جامع بيان العلم وفضله ": ص 64 جـ 1 وانظر كتاب " العلم " لزهير بن حرب: ص 191. (¬3) يريد خفية. أي ينظر إلى الكتاب من غير أن يشعر ابن عمر بذلك. (¬4) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 66 جـ 1 و" تقييد العلم ": ص 44. (¬5) انظر " المحدث الفاصل " نسخة دمشق: ص 6 جـ 4 وقارن بكتاب " العلم " لزهير بن حرب: ص 193 و " سنن الدارمي ": ص 122 جـ 1. (¬6) " جامع بيان العلم ": ص 66 جـ 1. (¬7) " تقييد العلم ": ص 56.

أثبت رأي كل منهم إلى جانب وجهة نظره فيما ذهب إليه من المنع والكراهة، لأتمكن من استنتاج أسباب هذه الكراهة، فوجدت كما قال الخطيب البغدادي: «أَنَّ كَرَاهَةَ [مَنْ كَرِهَ] الْكِتَابَ مِنَ الصَّدْرِ الأَوَّلِ إِنَّمَا هِيَ لِئَلاَّ يُضَاهَى بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُهُ , أَوْ يُشْتَغَلَ عَنِ القُرْآنِ بِسِوَاهُ، وَنُهِيَ عَنِ الكُتُبِ القَدِيمَةِ أَنْ تُتَّخَذَ لأَنَّهُ لاَ يُعْرَفُ حَقُّهَا مِنْ بَاطِلِهَا، وَصَحِيحِهَا مِنْ فَاسِدِهَا , مَعَ أَنَّ القُرْآنَ كَفَى مِنْهَا، وَصَارَ مُهَيْمِنًا عَلَيْهَا , وَنُهِيَ عَنْ كَتْبِ العِلْمِ فِي صَدْرِ الإِسْلاَمِ وَجَدْتُهُ لِقِلَّةِ الفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ , وَالمُمَيِّزِينَ بَيْنَ الوَحْيِ وَغَيْرِهِ , لأَنَّ أَكْثَرَ الأَعْرَابِ لَمْ يَكُونُوا فَقِهُوا فِي الدِّينِ وَلاَ جَالَسُوا العُلَمَاءَ العَارِفِينَ , فَلَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يُلْحِقُوا مَا يَجِدُونَ مِنَ الصُّحُفِ بِالقُرْآنِ , وَيَعْتَقِدُوا أَنَّ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ كَلاَمُ الرَّحْمَنِ» (¬1)، أضف إلى هذا ورع الصحابة وخشيتهم من أن يكون ما يملونه أو يقيدونه غير ما سمعوه من الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -. من أجل هذا أولى الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - كتاب الله - عَزَّ وَجَلَّ - في هذه الحقبة عناية الحفظ في الصحف والمصاحف وفي الصدور، وجمعوه في عهد الصِدِّيقِ، ونسخوه في عهد عثمان، وبعثوا به إلى الآفاق، ليضمنوا حفظ المصدر التشريعي الأول من أن تشوبه أية شائبة، ثم حافظوا على السنة بدراستها و [مُذَاكَرَتِهَا] وكتابتها أحيانًا عند زوال مانع الكراهة، وقد ثبت عن كثير من الصحابة الحث على كتابة الحديث، وإجازة تدوينه. ولا نشك في هذه الأخبار كما شك غيرنا، لأننا لا نرى فيها ذلك التعارض الذي تصوره بعض المستشرقين (¬2)، حتى استجازوا لأنفسهم أن يحكموا على ¬

_ (¬1) " تقييد العلم ": ص 52. (¬2) سنتكلم بعد قليل عن رأي جولدتسيهر في هذه الأخبار.

بعضها بالوضع والاختلاق، وسنوجز فيما يلي بعض ما روي عن الصحابة من إجازة تقييد الحديث، ليتبين صحة ما ذهبنا إليه. وقبل أن أتناول هذه الأخبار لاَ بُدَّ لي من أن أقلب النظر فيما روي عن محاولة عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - جمع السنة وتدوينها، كما جمع القرآن الكريم، ثم عدوله عن ذلك خَوْفًا من أن يلتبس الكتاب بالسنة، وخشية ألا يميز المسلمون الجدد بينهما. أقول: إن محاولته هذه تدل على اقتناعه بجواز كتابة الحديث الشريف، وهذا ما انتهى به أمر رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد النهي عن الكتابة، ولو شك عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في الجواز - مَا هَمَّ بأن يفعل ما منعه رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما كرهه، فإحجام الفاروق لم يكن لكراهة الكتابة، بل لمانع يقتضي أن يتريث في التدوين والجمع لمصلحة أخطر وأعظم، ولذلك رأيناه يكتب بنفسه لمن يأمن عليه اللبس ويثق به، وربما سمح عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بالكتابة بعد أن رأى حفظ الأمة لكتاب الله تعالى بجمعه في المصحف الشريف، ويقوي هذا ما يروى عن عمرو بن أبي سفيان من أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: «قيِّدُوا العِلْمَ بِالكِتَابِ» (¬1). ثم إن بعض الصحابة أنفسهم قد أجاز الكتابة، وكتب بعضهم بيده، وتغير رأي من عرف منهم النهي عن كتابة الحديث حينما زالت أسباب المنع، وخاصة بعد أن جمع القرآن في المصاحف وأرسل إلى الآفاق. ولا ينقض هذا الرأي الذي ذهبنا إليه ما رُوِيَ عن أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق كتب له فرائض في الصدقة التي سَنَّهَا رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ ¬

_ (¬1) " تقييد العلم ": ص 88، و" جامع بيان العلم ": ص 72 جـ 1. «وَوَجَدَ ابْنُ عُمَرَ فِي قَائِمِ سَيْفِ أَبِيهِ صَحِيفَةً». انظر " الكفاية ": ص 354، و" توجيه النظر ": ص 348.

وَسَلَّمَ - (¬1) بأن هذا كان قبل نسخ المصاحف، لأننا لم نجعل الخشية من التباس الكتاب بِالسُنَّةِ السبب الوحيد لمنع الكتابة، بل هناك أسباب أخرى قد ذكرتها فيما سبق، ثم إن أنسًا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ممن لا يلتبس عليه ذلك، لأنه خدم رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعرفه وتلقى عنه عشر سنوات، وعلى هذا نقول: إنه ثبت عن أبي بكر كتابة شيء من السُنَّةِ وكذلك ثبت عن الفاروق مثل ذلك (¬2). وهذا عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يقول: «مَا كُنَّا نَكْتُبُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [مِنَ الأَحَادِيثِ] (*) إِلاَّ الاسْتِخَارَةَ وَالتَّشَهُّدَ» (¬3) فهذا دليل على كتابة الصحابة غير القرآن الكريم في عهده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعلى عدم كراهة ابن مسعود للكتابة، وقد روينا خبر الكتاب الذي كان عند ابنه بخط يده (¬4). وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أنه كان يحض على طلب العلم وكتابته، فقد قال: «مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي عِلْمًا بِدِرْهَمٍ؟» , قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ: يَقُولُ: «يَشْتَرِي صَحِيفَةً بِدِرْهَمٍ يَكْتُبُ فِيهَا العِلْمَ» (¬5)، وخبر صحيفة عَلِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مشهور، وقد كانت معلقة في سيفه، فيها أسنان الإبل وشيء من الجراحات (¬6) ... وَهَذَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ لِبَنِيهِ وَبَنِي أَخِيهِ «تَعَلَّمُوا تَعَلَّمُوا، فَإِنَّكُمْ صِغَارُ قَوْمٍ اليَوْمَ، وَتَكُونُونَ كِبَارَهُمْ غَدًا، فَمَنْ لَمْ يَحْفَظْ مِنْكُمْ ¬

_ (¬1) انظر " تقييد العلم ": ص 87، وفي " مسند الإمام أحمد " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، كَتَبَ لَهُمْ: «إِنَّ هَذِهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ التِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّه» انظر: ص 183 جـ 1. (¬2) انظر " مسند الإمام أحمد ": ص 261 جـ 1، و" الكفاية ": ص 336. (¬3) " مصنف ابن أبي شيبة ": ص 115: ب، جـ 1. (¬4) انظر " جامع بيان العلم ": ص 72 جـ 1. (¬5) " العلم " لزهير بن حرب: ص 193: ب، و" تقييد العلم ": ص 90. (¬6) انظر " مسند الإمام أحمد ": ص 45 و122 جـ 2 وغيرها، و" تقييد العلم ": ص 88 - 99، و" جامع بيان العلم ": ص 71 جـ 1، و " فتح الباري ": ص 83 جـ 7. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [مِنَ الأَحَادِيثِ] أثبتها من المطبوع من الكتاب، انظر " مصنف ابن أبي شيبة " تحقيق الشيخ محمد عوامة: (3) كِتَابُ الصَّلاَةِ (69) بَابُ مَنْ كَانَ يُعَلِّمُ التَّشَهُّدَ وَيَأْمُرُ بِتَعْلِيمِهِ، حديث رقم 3023، 2/ 44، الطبعة الأولى: 1427 هـ - 2006 م، نشر دار القبلة للثقافة الإسلامية. جدة - المملكة العربية السعودية. ومؤسسة علوم القرآن. دمشق - سوريا.

فَلْيَكْتُبْ» (¬1)، وفي رواية: «فَلْيَكْتُبْهُ وَلْيَضَعْهُ فِي بَيْتِهِ» (¬2). وهذه أم المؤمنين عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - تقول لابن أختها عروة بن الزبير: «يَا بُنَيَّ [إِنَّهُ] يَبْلُغُنِي أَنَّكَ تَكْتُبُ عَنِّي الحَدِيثَ ثُمَّ تَعُودُ فَتَكْتُبُهُ»، [فَقُلْتُ] لَهَا: «أَسْمَعُهُ مِنْكِ عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْمَعُهُ عَلَى غَيْرِهِ». فَقَالَتْ: «هَلْ تَسْمَعُ فِي المَعْنَى خِلاَفًا؟»، قُلْتُ: «لاَ»، قَالَتْ: «لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ» (¬3)، فلو كرهت عائشة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهَا - الكتابة لمنعته ونهته، ولكنه لم يحدث شيء من هذا، بل لم تر بأسًا بعمله. وهذا أبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يسمح لبَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ أن يكتب عنه، ويجيزه بالرواية عنه (¬4)، وفي رواية يقول بشير: أَتَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ بِكِتَابِي الذِي كَتَبْتُهُ عَنْهُ فَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: «هَذَا سَمِعْتُهُ مِنْكَ؟» قَالَ: «نَعَمْ» (¬5)، وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ أَنَّهُ رَأَى كُتُبًا كَثِيرَةً عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَة (¬6). وَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: «اكْتُبْ إِلَيَّ بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَكَتَبَ إِلَيْهِ: «أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ، وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ المَالِ» (¬7). ¬

_ (¬1) " الكفاية ": ص 229. (¬2) " تقييد العلم ": ص 91. (¬3) " الكفاية ": ص 205. (¬4) انظر " العلم " لزهير بن حرب: ص 193: ب و" المحدث الفاصل ": ص 128. (¬5) " طبقات ابن سعد ": ص 162 جـ 7 و" جامع بيان العلم ": ص 72 جـ 1، و" العلم " لزهير بن حرب: ص 193 و" الكفاية ": ص 255 و 283. (¬6) انظر " جامع بيان العلم ": ص 74 جـ 1، و" فتح الباري ": ص 217 جـ 1 كما أنه أملى بعض أحاديثه على همام بن منبه وسنتعرض لذلك. (¬7) " معرفة علوم الحديث ": ص 100 واختصر الحاكم الخبر وتجد تفصيل ما كتبه المغيرة إلى معاوية في حديث شامل للبخاري في " صحيحه ". انظر " فتح الباري ": ص 95 جـ 9 طبعة مصر، بولاق سَنَةَ 1312 هـ.

وكتب زياد بن أبي سفيان إلى السيدة عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - يسألها عن الحاج الذي يرسل هديه، وهل يحرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر، كما أفتى ابن عباس؟ فأجابته عن هدي رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقالت: «فَلَمْ يَحْرُمْ [عَلَى] رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللهُ لَهُ، حَتَّى نُحِرَ الهَدْيُ» (¬1). وَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْأَلُ أَبَا رَافِعٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ مَنْ يَكْتُبُ لَهُ (¬2)، وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُ كَانَتْ مَعَهُ أَلْوَاحٌ يَكْتُبُ فِيهَا» (¬3)، وكان ابن عباس يحض على التعلم والكتابة ويقول: «قَيِّدُوا العِلْمَ بِالكِتَابِ، مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي عِلْمًا بِدِرْهَمٍ» (¬4)، وكان يقول أحيانًا: «إِنَّا لاَ نَكْتُبُ فِي الصُّحُفِ إِلاَّ الرَّسَائِلَ وَالقُرْآنَ» (¬5). إلا أننا نرى ابن عباس بنفسه يكتب غير الرسائل، فيملي التفسير على مجاهد بن [جبر]، ويقول له: «اكْتُبْ» (¬6)، ويكتب إليه الحجاج أمير العراق يستفتيه في رجل أكره أخته، فيكتب إليه بحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬7). وسبق لي أن ذكرت كتابة عبد الله بن عمرو بن العاص، وسنتكلم عن صحيفته بعد قليل. ¬

_ (¬1) " الإجابة لما استدركته عائشة على الصحابة ": ص 95، 96، وقد قال الإمام الزهري: «أَوَّلُ مَنْ كَشَفَ الغُمَّى عَنْ النَّاسِ وَبَيَّنَ لَهُمْ السُنَّةَ فِي ذَلِكَ عَائِشَةُ ... ». (¬2) انظر ترجمة عبد الله بن عباس في " الإصابة ". (¬3) انظر " تقييد العلم ": ص 91، 92 و 109. (¬4) " العلم " لزهير بن حرب: ص 193، و" جامع بيان العلم ": ص 72 جـ 1، و" تقييد العلم ": ص 92. (¬5) " العلم " لزهير بن حرب: ص 187. (¬6) انظر " تفسير الطبري " بتحقيق أحمد محمد شاكر: ص 31 جـ 1. (¬7) انظر " البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث ": ص 214، 215 جـ 2، وقد ذكر هذا في سبب ورود حديث «مَنْ تَخَطَّى الحُرْمَتَيْنِ فَخُطُّوا وَسَطَهُ بِالسَّيْفِ» وهنا حرمة الزنا وحرمة الأخوة. وكان ابن عباس يفتي كتابة أَيْضًا، انظر فتواه لنجدة بن عامر في " مسند الإمام أحمد ": ص 56 جـ 4.

وهذا أبو سعيد الخدري الصحابي الجليل الذي روى عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديث « ... وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ القُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ» يقول: «كُنَّا لاَ نَكْتُبُ إِلاَّ القُرْآنَ وَالتَّشَهُّدَ» (¬1). وكان البراء بن عازب صاحب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَدِّثُ وَيُكْتِبُ مَنْ حَوْلَهُ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ [بْنِ حَنَشٍ] (*) قَالَ: «رَأَيْتُهُمْ عِنْدَ البَرَاءِ يَكْتُبُونَ عَلَى أَيْدِيهِمْ بِالقَصَبِ» (¬2). وهذا وَرَّادُ كاتب المغيرة بن شعبة يكتب ين يدي المغيرة (¬3). وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ لاَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ غُدْوَةً حَتَّى يَنْظُرَ [فِي] كُتُبِهِ (¬4). وهذا أنس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - خادم رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وملازمه في بيته ليلاً ونهارًا عشر سنوات، كان يقول لبنيه: «يَا بَنِيَّ قيِّدُوا العِلْمَ بِالكِتَابِ» (¬5)، وَكَانَ يُمْلِي الحَدِيثَ (¬6) حَتَّى إِذَا مَا كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ جَاءَ بِمَجَالَّ (¬7) مِنْ كُتُبٍ، فَأَلْقَاهَا ثُمَّ قَالَ: «هَذِهِ أَحَادِيثُ سَمِعْتُهَا وَكَتَبْتُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ , صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ , وَعَرَضْتُهَا عَلَيْهِ» (¬8). ¬

_ (¬1) " تقييد العلم ": ص 93. (¬2) " جامع بيان العلم ": ص 81 جـ 1، وانظر كتاب " العلم " لزهير بن حرب: ص 193: ب و" تقييد العلم ": ص 105. (¬3) انظر كتاب " العلم " لزهير بن حرب: ص 187. (¬4) انظر " الآداب الشرعية ": ص 125 جـ 2. (¬5) انظر كتاب " العلم " لزهير بن حرب: ص 192 و" تقييد العلم ": ص 96 ونحوه في ص 97، وانظر " صحيح مسلم بشرح النووي ": ص 244 جـ 1 «حَيْثُ أَعْجَبَهُ حَدِيثٌ فَأَمَرَ ابْنَهُ بِكِتَابَتِهِ». (¬6) انظر " تاريخ بغداد ": ص 259 جـ 8. (¬7) مجال جمع مجلة والمجلة صحيفة يكتب فيها. أي ألقى إليهم صحفًا. انظر " لسان العرب " مادة (جلل): ص 127 جـ 13. (¬8) " تقييد العلم ": ص 95، 96. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) هو عبد الله بن حنش الأودي وليس عبد الله بن خنيس كما ورد في المطبوع. انظر " جامع بيان العلم وفضله " لابن عبد البر، تحقيق أبي الأشبال الزهيري، 1/ 316، حديث رقم 408 الطبعة الأولى: 1414 هـ - 1994 م، نشر دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع. الرياض - المملكة العربية السعودية. وانظر كذلك: " تقييد العلم " للخطيب البغدادي، تحقيق الدكتور يوسف العش، ص 104، طبعة سنة 1974 م، نشر إحياء السنة النبوية. بيروت - لبنان. وانظر " المؤتَلِف والمختَلِف " للدارقطني، تحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر: 2/ 701، الطبعة الأولى: 1406 هـ - 1986 م، نشر دار الغرب الإسلامي. بيروت - لبنان.

ثالثا - التدوين في عصر التابعين:

تلك أخبار متعاضدة، تثبت أن الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - قد أباحوا الكتابة، وكتبوا الحديث لأنفسهم، وكتب طلابهم بين أيديهم، وأصبحوا يتواصون بكتابة الحديث وحفظه، كما ثبت ذلك عن عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وعن ابن عباس، وعن الحسن، وأنس بن مالك - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، بعد أن كرهها بعض الصحابة عندما كانت أسباب المنع قائمة. ويتجلى لنا رجوع بعض من كره الكتابة عن رأيه مما رويناه عن ابن مسعود وعن أبي سعيد الخدري، إذ بعد أن كانوا يكرهون أن يكتبوا في الصحف غير القرآن كتبوا الاستخارة والتشهد، وفي هذا دليل واضح أن النهي عن كتب ما سوى القرآن إنما كان مخافة أن يضاهي بكتاب الله تعالى غيره، وأن يُشتغل عن القرآن بسواه، ويقول الخطيب البغدادي: «فَلَمَّا أُمِنَ ذَلِكَ، وَدَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى كَتْبِ العِلْمِ لَمْ يُكْرَهْ كَتْبُهُ كَمَا لَمْ تَكْرَهِ الصَّحَابَةُ كَتْبَ التَّشَهُّدِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَبَيْنَ (¬1) غَيْرِهِ مِنَ العُلُومِ فِي أَنَّ الجَمِيعَ لَيْسَ بِقُرْآنٍ، وَلَنْ يَكُونَ كَتْبُ الصَّحَابَةِ مَا كَتَبُوهُ مِنَ العِلْمِ وَأَمَرُوا بِكَتْبِهِ إِلاَّ احْتِيَاطًا كَمَا كَانَ [كَرَاهَتُهُمْ] لِكَتْبِهِ احْتِيَاطًا , وَاللَّهُ أَعْلَمُ» (¬2). ... ثَالِثًا - التَّدْوِينُ فِي عَصْرِ التَّابِعِينَ: لقد تلقى التابعون علومهم على يدي الصحابة، وخالطوهم وعرفوا كل شيء عنهم، وحملوا الكثير الطيب من حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن طريقهم، وعرفوا متى كره هؤلاء كتابة الحديث ومتى أباحوه، فقد تأسوا بهم ¬

_ (¬1) كان ينبغي أن لا يكرر (بَيْنَ). (¬2) " تقييد العلم ": ص 94.

وهم الرعيل الأول الذين حفظوا القرآن والسنة، فمن الطبيعي أن تتفق آراء التابعين وآراء الصحابة حول حكم التدوين، فإن الأسباب التي حملت الخلفاء الراشدين والصحابة على الكراهة هي نفسها التي حملت التابعين عليها، فيقف الجميع موقفًا واحدًا، ويكرهون الكتابة ما دامت أسباب الكراهة قائمة، ويجمعون على الكتابة وجوازها عند زوال تلك الأسباب، بل إن أكثرهم يحض على التدوين ويشجع عليه. ولن نستغرب أن نرى خبرين عن تابعي أحدها يمنع الكتابة والآخر يبيحها، ولن نعجب من كثرة الأخبار التي تدل على الكراهة في مختلف أجيال التابعين - كبارهم وأوسطهم وصغارهم - والأخبار التي تدل على الإباحة - ما دمنا نوجه كل مجموعة من هذه الأخبار وجهة تلائم الأسباب التي أدت إليها، ونرى أن سبيل الصحابة المتأخرين وكبار التابعين إباحة تقييد الحديث، بشروط تمتنع معها كراهته المأثورة عندهم عن النبي وكبار الصحابة (¬1)، فقد امتنع عن الكتابة من كبار التابعين عَبِيدَةُ بن عمرو السلماني المرادي (- 72 هـ)، وإبراهيم بن يزيد التميمي (- 92 هـ)، وجابر بن زيد (- 93 هـ) وإبراهيم النخعي (- 96 هـ)، ولم يرض عبيدة أن يكتب عنده أحد، ولا يقرأ عليه أحد (¬2)، وقد نصح إبراهيم فقال له: «لاَ تُخَلِّدَنَّ عَنِّي كِتَابًا» (¬3)، وقبل وفاته دعا بكتبه فأحرقها وقال: «أَخْشَى أَنْ يَلِيَهَا قَوْمٌ يَضَعُونَهَا غَيْرَ مَوَاضِعِهَا» (¬4)، وكره إبراهيم النخعي أن تكتب ¬

_ (¬1) انظر " تقييد العلم ": انظر تصدير أستاذنا الدكتور يوسف العش: ص 19 ومقالته في مجلة " الثقافة " المصرية: العدد (352) السنة السابعة، الصفحة (8). (¬2) " جامع بيان العلم ": ص 67 جـ 1، و " تقييد العلم ": ص 45، 46، وانظر كتاب " العلم " لزهير بن حرب: ص 193: ب. (¬3) " جامع بيان العلم ": ص 67 جـ 1، و " تقييد العلم ": ص 45، 46، وانظر كتاب " العلم " لزهير بن حرب: ص 193: ب. (¬4) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 67 جـ 1، ونحوه في " سنن الدارمي ": ص 121 جـ 1 وفي " طبقات ابن سعد ": ص 2 جـ 6.

الأحاديث في الكراريس، وتشبه بالمصاحف (¬1)، وكان يقول: «مَا كَتَبْتُ شَيْئًا قَطُُّ» (¬2)، حتى إنه منع حماد بن سليمان من كتابة أطراف الأحاديث (¬3)، ثم تساهل في كتابتها، قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: «رَأَيْتُ حَمَّادًا يَكْتُبُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ " أَلَمْ أَنْهَكَ؟ قَالَ: إِنَّمَا هِيَ أَطْرَافٌ "» (¬4). ونسمع عَامِرًا الشَّعْبِيَّ (17 - 103 هـ) يردد عبارته المشهورة: «مَا كَتَبْتُ سَوْدَاءَ فِي بَيْضَاءَ، وَلاَ سَمِعْتُ مِنْ رَجُلٍ حَدِيثًا فَأَرَدْتُ أَنْ يُعِيدَهُ عَلَيَّ» (¬5). وقد ازدادت كراهة التابعين للكتابة عندما اشتهرت آراؤهم الشخصية فخافوا أن يُدَوِّنَهَا طلابهم مع الحديث، وتحمل عنهم، فيدخله الالتباس. ويمكننا أن نستنبط أن من كره الكتابة وأصر، إنما كره أن يدون رأيه، وفي هذا يقول الدكتور يوسف العش: «وَأَمَّا مَنْ وَرَدَ عَنْهُمْ ¬

_ (¬1) انظر " سنن الدارمي ": ص 121 جـ 1، و" جامع بيان العلم وفضله ": ص 67 جـ 1، و" تقييد العلم ": ص 48. (¬2) " تقييد العلم ": ص 60، وكان يقول: «لاَ تَكْتُبُوا فَتَتَّكِلُوا». وانظر " جامع بيان العلم ": ص 68 جـ 1. (¬3) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 190 جـ 1. (¬4) " سنن الدارمي ": ص 120 جـ 1، ونحوه في كتاب " العلم " لزهير بن حرب: ص 194. قال أستاذنا الدكتور يوسف العش: «وَلَقَدْ تَشَدَّدَ بَعْضُهُمْ فَأَرَادَ أَلاَّ يَكُونَ سَبِيلٌ لِلْشُّبَهِ أَبَدًا فَأَحَلَّ كِتَابَةَ العِلْمِ فِي الأَطْرَافِ - أَيْ عَلَى أَطْرَافِ العِظَامِ فَقَطْ - كَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ، فَهِيَ صَعْبَةَ الحِفْظِ، وَالمُضَاهَاةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الكَرَارِيسِ بَعِيدَةٌ». اهـ. انظر: الصفحة (7) من مجلة " الثقافة "المصرية عدد 352 السنة السابعة. أقول: ليس المراد من الأطراف (أطراف العظام) بل أطراف الأحاديث. وهي أن يكتب المصنف طرف الحديث بحيث يعرف بقيته مع الجمع لأسانيده، ويوضح ما ذهبنا إليه رواية زهير بن حرب وفيها قول إبراهيم: «لاَ بَأْسَ بِكِتَابِ الأَطْرَافِ». انظر كتاب " العلم ": ص 194. وكتب الأطراف كثيرة عقد لها صاحب " الرسالة المستطرفة " بحثًا في رسالته (صفحة 125 - 127) وكتاب " ذخائر المواريث " لعبد الغني النابلسي (*) هو أحد كتب الأطراف المشهورة. (¬5) " العلم " لزهير بن حرب: ص 187: ب، و" جامع بيان العلم ": ص 67 جـ 1 ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [هو الشيخ عبد الغني النابلسي، الحنفي، الدمشقي، المُتَوَفَّى سَنَة 1143 هـ، وكتابه " ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث "، طبع على نفقة «جمعية النشر والتأليف الأزهرية بمصر»، الطبعة الأولى: سَنَة 1352 هـ - 1934 م، ونشرته دار الحديث بالقاهرة، 4 أجزاء في مجلدين. جمع فيه أطراف " الكتب الستة " و" الموطأ "، على طريقة ترتيب " تحفة الأشراف " لِلْمِزِّي، وكأنه مختصر منه، لكنه امتاز بالتفنن في التصنيف حيث لاحظ التنوع في تراجم أسماء الصحابة، فقسم الكتاب بحسب ذلك إلى سبعة أبواب]. كما صدر في 3 مجلدات عن دار الكتب العلمية. بيروت - لبنان، الطبعة الأولى: 1419 هـ - 1998 م. وكنت قد بدأت في إعداده للمكتبة الشاملة.

الاِمْتِنَاعَ عَنْ الإِكْتَابِ مِنْ هَذَا الجِيلِ، فَيُؤَوَّلُ اِمْتِنَاعُهُمْ بِمَا لاَ يُخَالِفُ مَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ، فَهُمْ جَمِيعًا فُقَهَاءُ (¬1) وَلَيْسَ بَيْنَهُمْ مُحَدِّثٌ لَيْسَ بِفَقِيهٍ، وَالفَقِيهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الحَدِيثِ وَالرَّأْيِ، فَيَخَافُ تَقْيِيدَ رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ إِلَى جَانِبِ أَحَادِيثِ الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (¬2)، ويوضح هذا بأمثلة تثبت ما ذهب إليه، فيقول: «إننا نجد في الواقع أخبارًا تَرْوِي كراهتهم لكتابة الرأي، كاعتذار زيد بن ثابت عن أن يكتب عنه كُتَّابُ مروان ... وجاء رجل إلى سيعد بن المسيب - وهو من الفقهاء الذي رُوِيَ عنهم امتناعهم عَنْ الإِكْتَابِ - فسأله عن شيء فأملاه عليه، ثم سأله عن رأيه فأجابه، فكتب الرجل، فقال رجل من جلساء سعيد: «أَيُكْتَبُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ رَأْيُكَ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ لِلْرَّجُلِ: " نَاوِلْنِيهَا "، فَنَاوَلَهُ الصَّحِيفَةَ فَخَرَقَهَا» (¬3)، وَقِيلَ لِجَابِرٍ بْنَ زَيْدٍ: إِنَّهُمْ يَكْتُبُونَ رَأْيَكَ، قَالَ: «تَكْتُبُونَ مَا عَسَى أَرْجِعَ عَنْهُ غَدًا؟» (¬4). وكل هذه الأقوال رويت من علماء، حَدَّثَ المؤرخون عنهم أنهم كرهوا إكتاب الناس، وهي تدل دلالة صريحة على أن الكراهة ليست في كتابة العلم أي الحديث، [بل] في كتابة الرأي، وأن [الأخبار] التي وردت في النهي دون تخصيص إنما قصد بها الرأي خاصة. ويشابه هذا الأمر ما حدث في أمر كراهة الرسول والصحابة الأولين: من التباس الحديث بالقرآن، أو الانكباب عليه. ¬

_ (¬1) ذكر أستاذنا هنا أسماء بعض من ذكرتهم قبل وأضاف «سعيد بن المسيب (- 94 هـ). وطاوس (- 106 هـ) والقاسم (- 107 هـ) وغيرهم». انتهى ما لم نذكره في النص. (¬2) " تقييد العلم ": التصدير: ص 20. (¬3) راجع الخبر في " جامع بيان العلم ": ص 144 جـ 2. (¬4) انظر " جامع بيان العلم وفضله ": ص 31 جـ 2.

دونه، فما كانوا يخشونه من الحديث، أصبح خشية التابعين الأولين من الرأي والتباسه بالحديث» (¬1). ويقوي هذا الرأي عندنا ما ورد عن هؤلاء التابعين من أخبار يحثون فيها على الكتابة ويسمحون لطلابهم أن يكتبوا عنهم، وقد نشطت الكتابة عندما فرق طلاب العلم بين النهي عن كتابة الرأي والنهي عن كتاب الرأي مع الحديث، ونرى التابعين ينكبون على الكتابة في حلقات الصحابة، بل إن بعضهم كان يحرص على الكتابة حرصًا شديدًا، فهذا سعيد بن جبير (- 95 هـ) كان يكتب عن ابن عباس، فإذا امتلأت صحفه كتب في نعله حتى يملأها (¬2)، وعنه قال: «كُنْتُ أَسِيرُ بَيْنَ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، فَكُنْتُ أَسْمَعُ الحَدِيثَ مِنْهُمَا، فَأكْتُبُهُ عَلَى وَاسِطَةِ الرَّحْلِ حَتَّى أَنْزِلَ فَأَكْتُبَهُ» (¬3)، ورخص سعيد بن المسيب (- 94 هـ) لعبد الرحمن بن حرملة بالكتابة حينما شكا إليه سوء حفظه (¬4)، ونرى عامرًا الشعبي بعد أن كان يقول: «مَا كَتَبْتُ سَوْدَاءَ فِي بَيْضَاءَ ... » يُرَدِّدُ قَوْلَهُ: «الكِتَابُ قَيْدُ العِلْمِ» (¬5)، وكان يحض على الكتابة ويقول: «إِذَا سَمِعْتُمْ مِنِّي، شَيْئًا فَاكْتُبُوهُ وَلَوْ فِي حَائِطٍ» (¬6)، ومع هذا فقد روى أنه ¬

_ (¬1) مجلة " الثقافة " المصرية: الصفحة 8، 9 من العدد 352 في السنة السابعة. (¬2) انظر " تقييد العلم ": ص 102، وانظر " المحدث الفاصل ": نسخة دمشق 4: ب قوله: «كَتَبْتُ فِي ظُهُورِهِمَا حَتَّى تَمْتَلِئَا». (¬3) " تقييد العلم ": ص 103، ونحوه في " جامع بيان العلم ": ص 77 جـ 1، وقارن بـ " طبقات ابن سعد ": ص 179، 180 جـ 6. (¬4) انظر " المحدث الفاصل " نسخة دمشق: ص 4: ب، و" جامع بيان العلم ": ص 73 جـ 1، و" تقييد العلم ": ص 99. (¬5) " تقييد العلم ": ص 99، و" جامع بيان العلم ": ص 75 جـ 1. (¬6) المرجع السابق: ص 100، وانظر نحوه في " المحدث الفاصل " نسخة دمشق: ص 4: ب، جـ 4، و" العلم " لزهير: ص 193: ب.

لم يوجد له بعد موته إلا كتاب بالفرائض والجراحات (¬1)، وإذا كانت كتبه التي تركها قليلة ولا تدل على نشاطه العلمي، فإننا نعزو هذا إلى قوة حافظته، لأنه كان يعتمد على الحفظ أكثر من اعتماده على الكتابة، وهذا لا ينافي قط إملاءه لطلابه وحثهم على الكتابة. ويقول الضحاك بن مزاحم (- 105 هـ): «إِذَا سَمِعْتَ شَيْئًا، فَاكْتُبْهُ وَلَوْ فِي حَائِطٍ» كما أنه أملى على حسين بن عقيل مناسك الحج (¬2). وانتشرت الكتب حتى قال الحسن البصري (- 110 هـ): «إِنَّ لَنَا كُتُبًا نَتَعَاهَدُهَا» (¬3). وكان عمر بن عبد العزيز (61 - 101 هـ) يكتب الحديث، روي عن أبي قلابة قال: «خَرَجَ عَلَيْنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِصَلاَةِ الظُّهْرِ، وَمَعَهُ قِرْطَاسٌ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا لِصَلاَةِ العَصْرِ وَهُوَ مَعَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، مَا هَذَا الكِتَابُ؟ قَالَ: " هَذَا حَدِيثٌ حَدَّثَنِي بِهِ عَوْنُ بْنُ عبْدِ اللَّهِ، فَأَعْجَبَنِي فَكَتَبْتُهُ " ... » (¬4). وهذا يدل على أن الكتابة قد شاعت بين مختلف الطبقات ولم يعد أحد ينكرها في أواخر القرن الأول الهجري وأوائل القرن الثاني. وقد كثرت الصحف والكتب في ذلك الوقت حتى لنرى مجاهد بن جبر (- 103 هـ) يسمح لبعض أصحابه أن يصعدوا إلى غرفته فيخرج لهم كتبه فينسخون منها (¬5). ¬

_ (¬1) انظر " تاريخ بغداد ": ص 232 جـ 11. (¬2) انظر " جامع بيان العلم وفضله ": ص 72 جـ 1. (¬3) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 74 جـ 1، و" العلم " لزهير: ص 189: ب. (¬4) " سنن الدارمي ": ص 130 جـ 1، وسمع من يزيد الرقاشي أحاديث عن أنس فكتبها وفرض له في الديوان، انظر " المحدث الفاصل: ص 3: ب، جـ 4 وسنتحدث عن خدمة عمر بن عبد العزيز لِلْسُنَّةِ وأمره بكتابتها بعد قليل. (¬5) انظر " سنن الدارمي ": ص 128 جـ 1، و" تقييد العلم ": ص 105 ونرى في " سنن الدارمي ": ص 121 جـ 1 أنه كان يكره أن يكتب العلم في الكراريس، فتحمل الكراهة على أن يضاهي بهذه القرآن أو أن تؤول الكراريس إلى غير أهلها.

ويطلب هشام بن عبد الملك من عامله أن يسأل رجاء بن حيوة (- 112 هـ) عن حديث، فيقول رجاء: « ... فَكُنْتُ قَدْ نَسِيتُهُ، لَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدِي مَكْتُوبًا» (¬1). وكان عطاء بن أبي رباح (- 114 هـ) يكتب لنفسه، ويأمر ابنه أحيانًا أن يكتب له (¬2) وكان طلابه يكتبون بين يديه (¬3)، وقد بالغ في حض طلابه على التعلم والكتابة، فَعَنْ [عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ] الهَمْدَانِيُّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَنَحْنُ غِلْمَانُ فَقَالَ: «يَا غِلْمَانُ، تَعَالَوُا اكْتُبُوا، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لاَ يُحْسِنُ كَتَبْنَا لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ قِرْطَاسٌ أَعْطَيْنَاهُ مِنْ عِنْدِنَا!!» (¬4). ونشطت الحركة العلمية وازدادت معها الكتابة والقراءة على العلماء، ويدل على هذا ما روي عَنْ الوَلِيدِ بْنُ أَبِي السَّائِبِ , قَالَ: «رَأَيْتُ مَكْحُولاً , وَنَافِعًا , وَعَطَاءً تُقْرَأُ عَلَيْهِمُ الأَحَادِيثُ» (¬5)، وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: «رَأَيْتُ مَنْ يَقْرَأُ عَلَى الأَعْرَجِ - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزْ (- 117 هـ)، حَدِيثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيَقُولُ: هَذَا حَدِيثُكَ يَا أَبَا دَاوُدَ؟ قَالَ: نَعَمْ ... » (¬6). وها هو ذا نافع مولى ابن عمر (- 117 هـ) يملي العلم على طلابه، وطلابه يكتبون بين يديه (¬7). ويصور لنا قتادة بن دعامة السدوسي (- 118 هـ) بإجابته لمن يسأله عن كتابة الحديث - موقف هذا الجيل من التابعين من الكتابة، بعد أن فشت فيهم وانتشرت وأصبحت من ضروريات ¬

_ (¬1) " سنن الدارمي ": ص 129 جـ 1، و" تقييد العلم ": ص 108. (¬2) انظر " المحدث الفاصل " نسخة دمشق: ص 3: ب جـ 4. (¬3) انظر " سنن الدارمي ": ص 129 جـ 1. (¬4) " المحدث الفاصل " نسخة دمشق: ص 3: ب جـ 4. (¬5) " الكفاية في علم الرواية ": ص 264. (¬6) " طبقات ابن سعد ": ص 205 جـ 5. (¬7) انظر " سنن الدارمي ": ص 126 و 129، جـ 1.

رابعا - خدمة عمر بن عبد العزيز للسنة:

كل طالب علم، فيقول: «وَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَكْتُبَ، وَقَدْ أَخْبَرَكَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ أَنَّهُ يَكْتُبُ , {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنْسَى}؟» (¬1). وكثرت الصحف المدونة، حتى إن خالدًا الكلاعي (- 104 هـ) جعل علمه في مصحف له أزرار وعرا (¬2). ... رَابِعًا - خِدْمَةُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ لِلْسُنَّةِ: عاش عمر بن عبد العزيز في جو علمي، فلم يكن بعيدًا - وهو أمير الأمة - عن العلماء، ورأيناه يكتب بنفسه بعض الأحاديث، ويشجع العلماء، وقد رأى أن يحفظ حديث الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويجمعه، وربما دعاه إلى هذا نشاط التابعين آنذاك وإباحتهم الكتابة حين زالت أسباب الكراهة، لأننا لا نعقل أن يأمر بجمع السنة وتدوينها والعلماء كارهون لهذا، ولو كرهوا كتابتها ما استجابوا لدعوته، ومما لا شك فيه أن خشيته من ضياع الحديث دفعته إلى العمل لحفظه. ويمكننا أن نضم إلى ما ذكرنا سببًا آخر كان له أثر بعيد في نفوس العلماء حَمَلَهُمْ على تنقيح السُنَّةِ وحفظها، وهو ظهور الوضع بسبب الخلافات السياسية والمذهبية، ويؤكد لنا هذا ما يرويه [ابْنُ أَخِي] (*) ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُهُ - يَعْنِي ابْنَ شِهَابٍ -، يَقُولُ: «لَوْلاَ أَحَادِيثَ تَأْتِينَا مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ نُنْكِرُهَا لاَ نَعْرِفُهَا , ¬

_ (¬1) " تقييد العلم ": ص 103، والآية 52 من سورة طه، وانظر " طبقات ابن سعد: ص 2 قسم 2 جـ 7، وما روي عنه في " سنن الدارمي مِنْ كَرَاهِيَةٍ يُحْمَلُ على الوجه الذي بيناه آنفًا، انظر " سنن الدارمي: ص 120 جـ 1. (¬2) انظر " تذكرة الحفاظ ": ص 87 جـ 1. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) ورد في الكتاب المطبوع (ما يرويه أخو ابن شهاب الزهري) والصواب (عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ)، انظر " تقييد العلم " للخطيب البغدادي، تحقيق الدكتور يوسف العش، ص 107، طبعة سنة 1974 م، نشر إحياء السنة النبوية. بيروت - لبنان.

مَا كَتَبْتُ حَدِيثًا، وَلاَ أَذِنْتُ فِي كِتَابِهِ» (¬1) ورأي الزهري هذا رأي أكثر علماء ذلك العصر، فإن حرصهم على حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أن يدرس لا يقل عن حرصهم على سلامته من الكذب والوضع، فكان هذان العاملان من أقوى العوامل التي حفزت همم العلماء إلى خدمة السنة وكتابتها، عندما تبنت الحكومة جمعها رسميًا على يدي الخليفة الورع عمر بن عبد العزيز، الذي اتخذ خطوة حازمة فكتب إلى الآفاق: «انْظُرُوا حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْمَعُوهُ» (¬2). وكان فيما كتب إلى أهل المدينة: «انْظُرُوا حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاكُتُبُوهُ، فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ العِلْمِ، وَذَهَابَ أَهْلِهِ» (¬3). وكان في كتابه إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم (- 117 هـ) عامله على المدينة أن «اكْتُبْ إِلَيَّ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَكَ مِنَ الحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِحَدِيثِ عَمْرَةَ، فَإِنِّي قَدْ خَشِيتُ دُرُوسَ العِلْمِ وَذَهَابَهُ» (¬4). وفي رواية: «أَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ العِلْمَ مِنْ عِنْدِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (- 98 هـ)، وَالقَاسِمِ بْنَ مُحَمَّدٍ (- 107 هـ)، فَكَتَبَهُ لَهُ» (¬5) وفي رواية: «فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ العِلْمِ وَذَهابَ العُلَمَاءِ، وَلاَ [يُقْبَلُ] إِلاَّ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولْيُفْشُوا العِلْمَ ¬

_ (¬1) " تقييد العلم ": ص 108. (¬2) " فتح الباري ": ص 204 جـ 1، ورواه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان ". (¬3) " سنن الدارمي ": ص 126 جـ 1، وقارن بـ " المحدث الفاصل " نسخة دمشق: ص 4: آجـ 4 وقارن بكتاب " الأموال ": ص 358، 359. (¬4) " سنن الدارمي ": ص 126 جـ 1، وقارن بـ " طبقات ابن سعد ": ص 134 قسم 2 جـ 2 وبـ " الأموال " لابن سلام: ص 578 وبـ " التاريخ الصغير " للبخاري: ص 105 و" تقييد العلم ": ص 105. (¬5) " تقدمة الجرح والتعديل ": ص 21، والمراد أن يكتب له حديث عَمْرَةَ، لأنها توفيت قبل سَنَةِ (99 هـ)، السَنَةُ التي تولى فيها عمر بن عبد العزيز الخلافة، وواضح هذا في الخبر الذي قبله.

وَلْيَجْلِسُوا حَتَّى يُعلَّمَ مَنْ لاَ يَعْلَمُ فَإِنَّ العَلْمَ لاَ يَهْلِكُ حَتَّى يَكُونَ سِرًّا». (¬1). كما أمر ابن شهاب الزهري (- 124 هـ) وغيره بجمع السنن (¬2)، وربما لم يكتف عمر بن عبد العزيز بأمر من أمرهم بجمع الحديث، فأرسل كُتُبًا إلى الآفاق يحث المسؤولين فيها على تشجيع أهل العلم على دراسة السُنَّةِ وإحيائها، ومن هذا ما يرويه عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: سَمِعْتُ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ يَقُولُ: «أَمَّا بَعْدُ فَأْمُرُوا أَهْلَ العِلْمِ أَنْ يَنْشُرُوا العِلْمَ فِي مَسَاجِدِهِمْ، فَإِنَّ السُّنَّةَ كَانَتْ قَدْ أُمِيتَتْ» (¬3). كَمَا كَتَبَ «أَنَّهُ لاَ رَأْيَ لأَحَدٍ فِي [كِتَابِ اللَّهِ] (*)، وَإِنَّمَا رَأْيُ الأَئِمَّةِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ كِتَابٌ، وَلَمْ تَمْضِ بِهِ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ رَأْيَ لأَحَدٍ فِي سُنَّةٍ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (¬4)، بل هناك أخبار تثبت أن عمر بن عبد العزيز قد شارك العلماء في مناقشة بعض ما جمعوه، من ذلك ما رواه أبو الزناد عبد الله بن ذكوان القرشي قال: «رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ جَمَعَ الفُقَهَاءَ، فَجَمَعُوا لَهُ أَشْيَاءَ مِنَ السًّنَنِ، فَإِذَا جَاءَ الشَّيْءُ الذِي لَيْسَ العَمَلُ عَلَيْهِ، قَالَ: " هَذِهِ زِيَادَةٌ لَيْسَ العَمَلُ عَلَيْهَا "» (¬5). لقد بذل عمر بن عبد العزيز جهده في المحافظة على السُنَّةِ - مع قصر ¬

_ (¬1) " فتح الباري ": ص 204 جـ 1. (¬2) انظر " جامع بيان العلم وفضله ": ص 76 جـ 1. (¬3) " المحدث الفاصل ": ص 153. (¬4) " سنن الدارمي ": ص 114 جـ 1، وانظر " جامع بيان العلم وفضله ": ص 34 جـ 2. (¬5) " قبول الأخبار ": ص 30، وتوفي أبو الزناد سَنَةَ (131 هـ)، ومن ذلك أَيْضًا (مَا رُوِيَ عن يَعْقُوبَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَضَرْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ , فَأَجْلَسَ قَوْمًا يَكْتُبُونَ مَا يَقُولُ , فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ , قَالَ لَهُ عُمَرُ: «صَنَعْنَا شَيْئًا» , قَالَ: وَمَا هُوَ يَا ابْنَ عَبْدِ العَزِيزِ , قَالَ: «كَتَبْنَا مَا قُلْتَ» , قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ , قَالَ: فَجِيءَ بِهِ فَخُرِّقَ. " تقييد العلم ": ص 45). ربما كره الكتابة عنه لأنه ممن يحب الاعتماد على الحفظ كما سنذكر بعد قليل. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) ورد في الكتاب المطبوع (فِي كِتابٍ) والصواب (فِي كِتَابِ اللَّهِ)، انظر " سنن الدارمي "، تحقيق سليم أسد الداراني: المُقَدِّمَةُ (39) بَابُ مَا يُتَّقَى مِنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلِ غَيْرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حديث رقم 446، 1/ 401، الطبعة الأولى: 1421 هـ - 2000 م، نشر دار المغني للنشر والتوزيع. الرياض - المملكة العربية السعودية.

مدة خلافته، فقد طلب من أبي بكر بن حزم جمع الحديث، وأبو بكر هذا من أعلام عصره، قال فيه مالك بن أنس: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ بْنَ حَزْمٍ أَعْظَمَ مُرُوءَةً وَلاَ أَتَمَّ حَالاً ... وَلِيَ المَدِينَةَ وَالقَضَاءَ وَالمَوْسِمَ (¬1)» وعنه قوله: «لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا أَحَدٌ بِالمَدِينَةِ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ القَضَاءِ مَا كَانَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ» (¬2). وكان قد طلب منه أن يكتب إليه حديث عمرة بنت عبد الرحمن، وهي خالته، نشأت في حجر عائشة، وكانت من أثبت التابعين في حديث عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - (¬3). وأما القاسم بن محمد بن أبي بكر (37 - 107 هـ) الذي ذكر في بعض الروايات فهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة، وعالم أهل زمانه، تلقى علمه عن عمته عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، وعائشة أم المؤمنين معروفة بعلمها وتعمقها في السُنَّةِ، وهي غنية عن التعريف. وأما ابن شهاب أحد الذين شاركوا في الجمع والكتابة فهو أحد أعلام ذلك العصر، كان قد كتب السنن وما جاء عن الصحابة أثناء طلبه العلم (¬4). وكان ذا مكانة رفيعة، فقد روي عن أبي الزناد أنه قال: «كُنَّا نَكْتُبُ الحَلاَلَ وَالحَرَامَ، وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَكْتُبُ كُلَّ مَا سَمِعَ، فَلَمَّا احْتِيجَ إِلَيْهِ عَلِمْتُ أَنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ» (¬5). وإذا كانت المنية قد اخترمت الخليفة الراشد الخامس قبل أن يرى الكتب ¬

_ (¬1) " تهذيب التهذيب ": ص 39 جـ 12. (¬2) " تهذيب التهذيب ": ص 39 جـ 12. (¬3) انظر المرجع السابق: ص 438 جـ 12، وقال سفيان بن عيينة: «أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ ثَلاَثَةٌ: القَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزَّبَيْرِ، وَعَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ». انظر " تقدمة الجرح والتعديل ": ص 45. (¬4) انظر " جامع بيان العلم وفضله ": ص 76 جـ 1، و" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: ص 156: آ. (¬5) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 73 جـ 1، وانظر ترجمة ابن شهاب في الفصل الثاني من الباب الخامس من هذا الكتاب.

التي جمعها أبو بكر - كما يذكر ذلك بعض العلماء - (¬1) (*) فإنه لم تفته أولى ثمار جهوده، التي حققها ابن شهاب الزهري الذي يقول: «أَمَرَنَا عُمَرُ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ بِجَمْعِ السُّنَنِ، فَكَتَبْنَاهَا دَفْتَرًا دَفْتَرًا، فَبَعَثَ إِلَى كُلِِّ أَرْضٍ لَهُ عَلَيْهَا سُلْطَانٍ دَفْتَرًا» (¬2)، وعلى هذا يحمل ما قاله المؤرخون والعلماء: «أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ العِلْمَ ابْنُ شِهَابٍ» (¬3) وله أن يفخر بعلمه هذا، ويقول: «لَمْ يُدَوِّنْ هَذَا العِلْمَ أَحَدٌ قَبْلَ تَدْوِينِي» (¬4). وقد اعتبر علماء الحديث تدوين عمر بن عبد العزيز هذا أول تدوين للحديث ورددوا في كتبهم هذه العبارة: «وَأَمَّا ابْتِدَاءُ تَدْوِينِ الحَدِيثِ فَإِنَّهُ وَقَعَ عَلَى رَأْسِ المِائَةِ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ» (¬5) أو نحوها. ويفهم من هذا أن التدوين الرسمي كان في عهد عمر بن عبد العزيز، أما تقييد الحديث وحفظه في الصحف والرقاع والعظام فقد مارسه الصحابة في عهد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم ينقطع تقييد الحديث بعد وفاته - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، بل بقي جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ مع الحفظ حتى قَيَّضَ الله للحديث من يودعه في المدونات الكبرى. وسيتبين لنا بعد قليل أن والد عمر بن عبد العزيز قد سبق ابنه في طلب تدوين الحديث وأن أهل الحديث لم يمسكوا طوال القرن الأول عن تقييد حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منتظرين سماح الخليفة وأمره، وقد ذكرنا ¬

_ (¬1) انظر " قواعد التحديث ": ص 47. (*). (¬2) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 76 جـ 1. (¬3) المرجع السابق: ص 76 جـ 1، و " حلية الأولياء ": ص 363 جـ 3. (¬4) " الرسالة المستطرفة ": ص 4. (¬5) " تدريب الراوي ": ص 40، و" قواعد التحديث ": ص 46، ونحو هذا في " توجيه النظر ": ص 6 و " إرشاد الساري ": ص 14 جـ 1. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) خطأ في ترقيم الهوامش في الكتاب المطبوع، وأثبت الترقيم الصحيح للمصادر بعد الرجوع إليها.

شيئًا من هذا فيما عرضناه من أخبار عن سماح الصحابة والتابعين بالكتابة وكتاباتهم لأنفسهم. وهكذا كانت نهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني خاتمة حاسمة لما كان من كراهة الكتابة وإباحتها، فدونت السنة في صحف وكراريس ودفاتر، وكثرت الصحف في أيدي طلاب الحديث. ... وقد يظن الباحث أن كراهة الكتابة قد ولت، وانهزمت أمام إباحتها، ولم تعد هذه الإباحة مجرد رأي، بل انتقل الرأي إلى التطبيق فعلاً، وتبنت الدولة الإشراف على الكتابة، ولكنا لا نثبت أن نسمع أصوات من يكره الكتابة تعلو من جديد، وكان بعض هؤلاء من نفس جيل التابعين الثاني (أواسطهم) ومن صغارهم، فقد راعهم أن يروا الحديث في كراريس ودفاتر، وأن يعتمد طلاب الحديث والعلماء على الكتب، ويهملوا الحفظ، فتمسكوا بالآثار التي تبيح الكتابة، وأبوا أن ينكب أهل الحديث على دفاترهم، ويجعلوها خزائن علمهم، ولم يعجبهم أن يخالف سبيل الصحابة في الحفظ والاعتماد على الذاكرة، وحق لهم أن يكرهوا الاتكال على الكتب، لأن في الاتكال على المكتوب وحده إِضْعَافًًا للذاكرة، وانصرافًًا عن العمل به. وها هو ذا الضحاك بن مزاحم الذي أباح الكتابة سابقًا، والذي أملى مناسك الحج حين زال خوفه من أسباب الكراهة - ها هو ذا يقول: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَكْثُرُ فِيهِ الأَحَادِيثُ حَتَّى يَبْقَى المُصْحَفُ بِغُبَارِهِ لاَ يُنْظَرُ فِيهِ» (¬1)، وفي رواية عنه: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ [يُعَلِّقُونَ] الْمُصْحَفَ حَتَّى [يُعَشِّشَ] فِيهِ العَنْكَبُوتُ، لاَ يُنْتَفَعُ بِمَا فِيهِ، وَتَكُونُ أَعْمَالُ النَّاسِ بِالرِّوَايَاتِ وَالْحَدِيثِ» (¬2). ¬

_ (¬1) " جامع بيان العلم ": ص 65 جـ 1. (¬2) " جامع بيان العلم ": ص 129 جـ 1.

لقد تصور عاقبة هذا الإقبال على الكتابة، وجعل الحديث في دفاتر وكراريس، فأعلن إنكاره مدويًا: «لاَ تَتَّخِذُوا لِلْحَدِيثِ كَرَارِيسَ كَكَرَارِيسِ المَصَاحِفِ» (¬1). ويمكننا أن نحمل قول الزهري: «كُنَّا نَكْرَهُ كِتَابَ العِلْمِ، حَتَّى أَكْرَهَنَا عَلَيْهِ هَؤُلاَءِ الأُمَرَاءُ، فَرَأَيْنَا أَنْ لاَ نَمْنَعَهُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ» (¬2) - على ما بيناه، لأننا نعرف أن الإمام الزهري كان يكتب الحديث وهو في دور طلب العلم، وكان يشجع أصحابه على الكتابة، حتى إنه كان يكتب في ظهر نعله خشية - أن يفوته الحديث (¬3) وفعلاً عندما طلب منه الخليفة هشام بن عبد الملك أن يكتب لِبَنِيهِ خرج وأملى على الناس الحديث (¬4) وقال: «اسْتَكْتَبَنِي الْمُلُوكُ فَأَكْتَبْتُهُمْ، فَاسْتَحْيَيْتُ اللَّهَ إِذْ كَتَبْتُهَا المُلُوكَ أَلاَّ أَكْتُبَهَا لِغَيْرِهِمْ» (¬5). وقد سبق أن بينت أن حرصه على تنقيح السُنَّةِ كان عاملاً كبيرًا في تدوينه الحديث هو وبعض معاصريه. وكان سعيد بن عبد العزيز يفخر بحفظه ويقول: «مَا كَتَبْتُ حَدِيثًا قَطُّ» (¬6). ونرى الإمام الأوزاعي بعد أن كان يملي على طلابه ويصحح لهم ما يكتبونه عنه ليجيزهم بروايته (¬7)، ينفر من الاعتماد على الكتاب، ويتشاءم مما سيؤول إليه الحفظ فلا يسره الميل عن طريق السلف الذين كانوا يتلقون الحديث من ¬

_ (¬1) " تقييد العلم ": ص 47. (¬2) المرجع السابق: ص 107، و" طبقات ابن سعد ": ص 35 قسم 2 جـ 2. (¬3) انظر " تقييد العلم ": ص 107. (¬4) انظر " حلية الأولياء ": ص 363 جـ 3. (¬5) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 77 جـ 1. (¬6) " سنن الدارمي ": ص 121 جـ 1، و" تذكرة الحفاظ ": ص 203 جـ 1 وتوفي سعيد بن عبد العزيز سَنَةَ (167 هـ). (¬7) انظر " الكفاية ": ص 322.

أفواه العلماء، فيقول: «كَانَ هَذَا العِلْمُ شَيْئًا شَرِيفًا إِذْ كَانَ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ يَتَلَقَّوْنَهُ (¬1) وَيَتَذَاكَرُونَهُ، فَلَمَّا صَارَ فِي الكُتُبِ ذَهَبَ نُورُهُ، وَصَارَ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ» (¬2). ونرى بعض من كره الكتابة في هذا العصر يعتمد عليها في حفظ الحديث ثم يمحو ما كتبه بعد أن يحفظه، وقد قبل غير واحد من السلف أمثال سفيان الثوري (- 161 هـ)، وحماد بن سلمة (- 167 هـ) (¬3) وغيرهما، ويروى في هذا عن خالد الحذاء (- 141هـ): «مَا كَتَبْتُ شَيْئًا قَطُّ إِلاَّ حَدِيثًا طَوِيلاً , فَإِذَا حَفِظْتُهُ مَحَوْتُهُ» (¬4). وكان كثير من التابعين يمحون كتبهم قبل وفاتهم، أو يوصون بكتبهم إلى من يثقون به، ليفيد منها خشية أن تقع في غير موضعها، فقد أوصى أبو قلابة بكتبه إلى أيوب (¬5)، كما أوصى شعبة بن الحجاج ابنه بغسل كتبه بعد موته (¬6). إن محاولة هؤلاء المانعين من الكتابة، لم تخفف من نشاط الكتابة، ولم تقف أمام هذا الجيل الذي نشأ عليها، فقد كان تيار إباحة الكتابة أقوى بكثير من تيار كراهتها. ¬

_ (¬1) انظر " جامع بيان العلم وفضله ": ص 68 جـ 1 وفيه «يَتَلاَقُونَهُ» وما أثبتناه أصوب ويتفق مع ما ورد في المصادر الأخرى، و" سنن الدارمي ": ص 121 جـ 1، و" تقييد العلم ": ص 64، توفي الأوزاعي سَنَةَ (157 هـ). (¬2) انظر " جامع بيان العلم وفضله ": ص 68 جـ 1 وفيه «يَتَلاَقُونَهُ» وما أثبتناه أصوب ويتفق مع ما ورد في المصادر الأخرى، و" سنن الدارمي ": ص 121 جـ 1، و" تقييد العلم ": ص 64، توفي الأوزاعي سَنَةَ (157 هـ). (¬3) انظر " تقييد العلم ": ص 58 - 60. (¬4) المرجع السابق: ص 59. (¬5) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 135 جـ 7، و" تذكرة الحفاظ ":ص 88 جـ 1، وتوفي أبو قلابة سَنَةَ (104 هـ). (¬6) انظر " تقييد العلم ": ص 62، ولد شعبة بن الحجاج سَنَةَ (82 هـ) وتوفي سَنَةَ (165 هـ).

ونرى أيوب السختياني (- 131 هـ) يرد على من يعيب تقييد الحديث، فيقول: «يَعِيبُونَ عَلَيْنَا الكِتَابَ!! , ثُمَّ يَتْلُو {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ} [سورة طه، الآية: 52]» (¬1). وما لبث التياران أن تَوَحَّدَا وألحت الحاجة القاهرة إلى الكتابة على هؤلاء المانعين بأن يجاوروا التيار العام، ويعتمدوا في حفظ السنة على الحفظ والكتابة مَعًا. يقول ابن الصلاح: «ثُمَّ إِنَّهُ زَالَ ذَلِكَ الخِلاَفُ وَأَجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى تَسْوِيغِ ذَلِكَ وَإِبَاحَتِهِ، وَلَوْلاَ تَدْوِينُهُ فِي الكُتُبِ لَدُرِسَ فِي الأَعْصُرِ الآخِرَة» (¬2). ويقول الرامهرمزي: «وَالحَدِيثُ لاَ يُضْبَطُ إِلاَّ بِالكِتَابِ ثُمَّ بِالمُقَابَلَةِ وَالمُدَارَسَةِ، وَالتَّعَهُّدِ، وَالتَّحَفُّظِ، وَالمُذَاكَرَةِ، وَالسُّؤَالِ، وَالفَحْصِ عَنِ النَّاقِلِينَ، وَالتَّفَقُّهِ بِمَا نَقَلُوهُ وَإِنَّمَا كَرِهَ الكِتَابَ مَنْ كَرِهَ [مِنَ] الصَّدْرِ الأَوَّلِ، لِقُرْبِ العَهْدِ، وَتَقَارُبِ الإِسْنَادِ وَلِئَلاَّ يَعْتَمِدُهُ الكَاتِبُ فَيُهْمِلُهُ، أَوْ يَرْغَبُ عَنْ تَحَفُّظِهِ وَالعَمَلِ بِهِ، فَأَمَّا وَالوَقْتُ مُتَبَاعِدٌ، وَالإِسْنَادُ غَيْرُ مُتَقَارِبٌ، وَالطُّرُقُ مُخْتَلِفَةٌ، وَالنَّقَلَةُ مُتَشَابِهُونَ، وَآفَةُ النِّسْيَانِ مُعْتَرِضَةٌ، وَالوَهْمُ غَيْرُ مَأْمُونٌ، فَإِنَّ تَقْيِيدِ العِلْمِ بِالكِتَابِ أَوْلَى وَأَشْفَى» (¬3). ولم تكن ظاهرة الاختلاف هذه ناشئة عن انقسام العلماء إلى حزبين أو مدرستين، إحداهما تبيح الكتابة والأخرى تمنعها، بل نشأت من تلك الأسباب التي بيناها، فإذا ما زالت أسباب المنع أباح العلماء الكتابة، وإذا قامت عاد أكثرهم فمنع الكتابة، وإذا ما خيف من الاتكال على الكتاب وإهمال الحفظ علت أصوات المنع ثانية تطالب بالاعتماد على الذاكرة، حتى ¬

_ (¬1) " تقييد العلم ": ص 110، و" سنن الدارمي ": ص 121 جـ 1، و" جامع بيان العلم ": ص 73 جـ 1. (¬2) " مقدمة ابن الصلاح ": ص 171. (¬3) " المحدث الفاصل ": ص 71.

خامسا - المصنفون الأوائل في الحديث:

أجمعت الأمة على الكتابة التي أصبحت من ضروريات حفظ الحديث لا يمكن الاستغناء عنها. خَامِسًا - المُصَنِّفُونَ الأَوَائِلُ فِي الحَدِيثِ: لم يلبث هذا التيار من النشاط العلمي وكتابة الحديث أن طالع العالم بمدونات حديثية مختلفة على يدي أبناء النصف الأول من القرن الثاني الهجري، وقد ظهرت تلك المصنفات والكتب في أوقات متقاربة، وفي مناطق مختلفة من الدولة الإسلامية، فبعد أن كان أهل الحديث يجمعون الأحاديث المختلفة في الصحف والكراريس، أصبحوا يرتبون الأحاديث على الأبواب، وكانت هذه المصنفات تشتمل على السنن وما يتعلق بها، وكان بعضها يُسَمَّى مُصَنَّفًا وبعضها يُسَمَّى جَامِعًا أو مَجْمُوعًا وغير ذلك. وقد اختلف في أول من صنف وَبَوَّبَ، فقيل عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيْجٍ البصري (- 150 هـ) بمكة، ومالك بن أنس (93 - 179 هـ) أو محمد بن إسحاق (- 151 هـ) بالمدينة المنورة، وصنف بها محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب (80 - 158 هـ) " موطأ " أكبر من " موطأ مالك "، والربيع بن صُبيح (- 160 هـ) أو سعيد بن أبي عروبة (- 156 هـ) أو حماد بن سلمة (- 167 هـ) بالبصرة، وسفيان الثوري (97 - 161 هـ) بالكوفة، ومعمر بن راشد (95 - 153 هـ) باليمن، والإمام عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (88 - 157 هـ) بالشام، وعبد الله بن المبارك (118 - 181 هـ) بخراسان، وهُشَيْمٍ بن بشير (104 - 183 هـ) بواسط (¬1)، وجرير بن عبد الحميد ¬

_ (¬1) انظر " تاريخ بغداد ": ص 85 جـ 14، و" تذكرة الحفاظ ": ص 229 جـ 1.

(110 - 188 هـ) بالري، وعبد الله بن وهب (125 - 197 هـ) بمصر (¬1)، ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم، وقد كان هذا التصنيف بالنسبة إلى جمع الأبواب وضمها إلى بعضها في مؤلف أو جامع، وأما جمع حديث إلى مثله في باب واحد، فقد سبق إليه التابعي الجليل عامر الشعبي (19 - 103 هـ)، الذي يُرْوَى عنه أنه قال: «هَذا بَابٌ مِنَ الطَّلاَقِ جَسِيمٌ، إِذَا اعْتَدَّتِ المَرْأَةُ وَرِثَتْ» (¬2)، وساق فيه أحاديث (¬3). وكان معظم هذه المصنفات، والمجاميع بضم الحديث الشريف وفتاوى الصحابة والتابعين، كما يتجلى لنا هذا في " موطأ الإمام مالك بن أنس " (¬4)، ثم رأى بعضهم أن تفرد أحاديث النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مؤلفات خاصة، فألفت المسانيد، وهي كتب تضم أحاديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأسانيدها خالية من فتاوى الصحابة والتابعين، تجمع فيها أحاديث كل صحابي - ولو كانت في مواضيع مختلفة - تحت اسم مسند فلان، ومسند فلان، وهكذا. ¬

_ (¬1) انظر " المحدث الفاصل ": ص 155: ب وما بعدها، و" تدريب الراوي ": ص 40، و" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 186: ب - 187: آ، و" مقدمة فتح الباري ": ص 4، و" منهج ذوي النظر ": ص 518. (¬2) " المحدث الفاصل ": ص 155، و" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " نسخة الإسكندرية: ص 188: آ، و" مقدمة فتح الباري "، و" تدريب الراوي ": ص 40. (¬3) " تدريب الراوي ": ص 40، و" منهج ذوي النظر ": ص 18، وهناك أخبار كثيرة، تثبت أن جمع الأبواب بعضها إلى بعض كان بعد جمع الأحاديث في باب واحد. من ذلك ما رواه خَالِدُ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: «قُلْتُ لأَبِي العَالِيَةِ: أَعْطِنِي كِتَابَكَ»، قَالَ: «مَا كَتَبْتُ إِلاَّ بَابَ الصَّلاَةِ، وَبَابَ الطَّلاَقِ». وقال يحيى بن سعيد: «كَانَ سُفْيَانُ صَاحِبَ أَبْوَابٍ». وقال سفيان الثوري: «كَمْ مِنْ أَحَادِيثَ طَنَّانَاتٍ لاَ يُؤْبَهُ لَهَا قَدْ أَخْرَجْنَا عَنْ صَاحِبِ هَذَا القَبْرِ (ابْنُ جُرَيْجٍ) فِي أَبْوَابٍ». انظر " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " نسخة الإسكندرية: ص 188: آ - 188: ب وعن عاصم الأحول (- 142 هـ) قال: «قَرَأْتُ عَلَى الشَّعْبِيِّ أَحَادِيثَ فِي الفِقْهِ فَأَجَازَهَا لِي». انظر " الكفاية ": ص 264. (¬4) في " موطأ مالك " ثلاثة آلاف مسألة وسبعمائة حديث. انظر " الرسالة المستطرفة ": ص 11.

وأول من ألف المسانيد أبو داود سليمان بن الجارود الطيالسي (133 - 204 هـ) (¬1) وتبعه من عاصره من أتباع التابعين وأتباعهم، فصنف أسد بن موسى الأموي (- 212 هـ)، وعبيد الله بن موسى العبسي (- 213 هـ)، ومسدد البصري (- 228) ونعيم بن حماد الخزاعي المصري (- 228)، واقتفى الائمة آثارهم، كأحمد بن حنبل (164 - 241 هـ)، وإسحاق بن راهويه (161 - 238 هـ)، وعثمان بن أبي شيبة (156 - 239 هـ) وغيرهم (¬2). ويعتبر " مسند الإمام أحمد بن حنبل " - وهو من أتباع أتباع التابعين - أوفى تلك المسانيد وأوسعها. جمع هؤلاء الحديث ودونوه بأسانيده، واجتنبوا الأحاديث الموضوعة، وذكروا طُرُقًا كثيرة لكل حديث، يتمكن بها جهابذة هذا العلم وصيارفته من معرفة الصحيح من الضعيف، والقوي من المعلول، مما لا يتيسر لكل طالب علم، فرأى بعض الأئمة أن يصنفوا في الحديث الصحيح فقط، فصنفوا كتبهم على الأبواب، واقتصروا فيها على الحديث الصحيح، وظهرت " الكتب الستة " في هذا العصر، عصر أتباع أتباع التابعين، وكان أول من صنف ذلك الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (194 - 256 هـ)، ثم الإمام مسلم بن الحجاج القشيري (204 - 261 هـ)، وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (202 - 275 هـ) وأبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ¬

_ (¬1) انظر " الرسالة المستطرفة ": ص 46، وقد طبع هذا " المسند " طبعة جيدة في حيدر آباد بالهند سَنَةَ 1321 هـ. (¬2) انظر " منهج ذوي النظر ": ص 18، و" تدريب الراوي ": ص 40، و" الرسالة المستطرفة ": 36 - 47.

أهم نتائج هذا الفصل:

(- 279 هـ)، وأحمد بن شعيب الخراساني النسائي (215 - 303 هـ)، ثم ابن ماجه، وهو عبد الله بن محمد بن يزيد بن عبد الله بن ماجه القزويني (207 - 273 هـ) (¬1). وقد خدمت هذ الكتب بالشرح والتهذيب والاختصار والاستخراج عليها من قبل العلماء الذين جاءوا بعدهم. أَهَمُّ نَتَائِجِ هَذَا الفَصْلِ: 1 - لم يكن السبب في عدم تدوين السُنَّةِ رَسْمِيًّا في عهده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جهل المسلمين آنذاك بالكتابة والقراءة، فكان فيهم القارئون الكاتبون، الذين دونوا التنزيل الحكيم، بل كان ذلك لأسباب أخرى، أهمها الخوف من التباس القرآن بالسنة، وكيلا ينشغل المسلمون بكتابة السنة عن كتابة القرآن ودراسته وحفظه. 2 - ليس هناك تعارض بين ما روي عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من إباحة الكتابة وكراهتها، فَكَرِهَ الكتابة لمن لا يحسنها أو لمن يستطيع الحفظ، وأباحها لمن لا يستطيع الحفظ، وإن بعضهم يرى أن النهي كان أول الإسلام حتى لا يلتبس القرآن بالسنة، ثم انتهينا إلى إباحة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتابة السنة مطلقًا، وليست هذه الأخبار من وضع مذاهب متخاصمة متضادة. 3 - ما ورد عن الصحابة والتابعين وأتباعهم من كراهة الكتابة أو إباحتها ¬

_ (¬1) ليس من موضوعنا أن نتكلم على هذه " الكتب الستة " الآن، ولكن لا بد لنا من أن نشير إلى أن " صحيح الإمام البخاري " و" صحيح الإمام مسلم " هما في الدرجة الأولى من هذه الكتب، ثم تأتي " السنن الأربعة " في رتبة تليها، و" سنن ابن ماجه " دونها جَمِيعًا لأن فيها ما أنكره وَضَعَّفَهُ بعض العلماء، ولعلماء الحديث في ذلك أقوال يضيق بنا المقام لذكرها. انظر " تدريب الراوي ": ص 39، 40، 47، 49، و" سبل السلام ": ص 11، 12 جـ 1.

لم يكن ناشئًا من قيام حزبين أحدهما يبيح الكتابة والآخر يكرهها، بل أباحوا الكتابة حين زالت أسباب المنع، وكرهوا الكتابة حين وجدت أسباب منعها وكراهتها، كخشية التباس القرآن بالسنة، أو الانشغال بالسنة عن القرآن، أو خوف مضاهاة الكتاب الكريم بكراريس الحديث وكتبه. وقد ثبتت أخبار الكراهة عن بعض من أباحوا الكتابة، كما ثبتت أخبار الإباحة عن بعض من كرهوا الكتابة، وكانت غايتهم جَمِيعًا واحدة، وهي المحافظة على القرآن والسنة: أن يلتبس أحدهما بالآخر، ثم انعقد الإجماع على إباحة الكتابة حين زالت أسباب كراهتها. 4 - خشي عمر بن عبد العزيز اندراس السُنَّةِ، وتسرب الوضع إليها، فأمر بجمعها على أيدي كبار علماء التابعين، وأمر المسؤولين في مختلف أقاليم الدولة الإسلامية بالاعتناء بالحديث الشريف، وتشجيع العلماء على عقد حلقات دراسته في المساجد، وشارك عمر بن عبد العزيز نفسه العلماء في ذلك، ووزع قبل وفاته ما كتبه الإمام الزهري، فَلِعُمَرَ الفَضْلُ الكَبِيرُ في تحميل الدولة مسؤولية حفظ السُنَّةِ رسميًا. وأما التدوين الفردي فقد وقع فعلاً في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي عهد الصحابة والتابعين، ولم تبق السُنَّةُ مُهْمَلَةً طلية القرن الأول إلى عهد عمر بن عبد العزيز، بل تم حفظها في الصدور جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ مع حفظها في الصحف والكراريس. 5 - في مطلع القرن الهجري الثاني، تحول عمل العلماء من جمع الحديث وتقييده، إلى تصنيفه على الأبواب وضم هذه الأبواب إلى بعضها

في مصنف أو جامع، فلم يكن مطلع هذا القرن مبدأ لتدوين السُنَّةِ وتقييدها، بل كان مبدأ للتصنيف على الأبواب، وقد ظهرت هذه المصنفات في أوقاته متقاربة في مختلف مراكز الإشعاع العلمي بالدولة الإسلامية. ثم ظهرت المسانيد فالصحاح، وبهذا يكون تدوين الحديث، قد مَرَّ بمراحل منتظمة حتى انتهى إلينا في كتب الصحاح والمسانيد. • • •

الفصل الثاني: ما دون في صدر الإسلام:

الفَصْلُ الثَّانِي: مَا دُوِّنَ فِي صَدْرِ الإِسْلاَمِ ... : من الثابت أن بعض الصحابة كانوا قد كتبوا عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعض أحاديثه بإذن خاص منه كعبد الله بن عمرو، والأنصاري الذي كان لا يحفظ الحديث، ثم كتب غيرهم من حديثه بعد إذنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالكتابة إِذْنًا عَامًّا كما سبق، ولدينا أخبار كثيرة عما كتبه الصحابة من صحف. غير أنا لا نعرف كل ما تتضمنه هذه الصحف، لأن بعض الصحابة والتابعين كانوا يحرقون ما لديهم من الصحف أو يغسلونها قبل وفاتهم، وكان بعضهم يوصي بما عنده لمن يثق به، كانوا يفعلون هذا خشية أن تؤول تلك الصحف إلى غير أهل العلم (¬1). ونحن لا نشك في أن كثيرًا من صحف الصحابة قد كتب في عهده - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وأن أكثر ما كتب تناقله الناس في حياة أصحابه وبعد وفاتهم عن طريق أبنائهم وأحفادهم أو ذويهم. روى ابن عبد البر بسنده عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: وُجِدَ فِي قَائِمِ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيفَةٌ فِيهَا مَكْتُوبٌ «[مَلْعُونٌ مَنْ أَضَلَّ أَعْمَى عَنِ السَّبِيلِ]، مَلْعُونٌ مَنْ سَرَقَ تُخُومَ الأَرْضِ، مَلْعُونٌ مَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ» أَوْ قَالَ: «مَلْعُونٌ مَنْ جَحَدَ نِعْمَةَ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ» (¬2). ¬

_ (¬1) من أخبار محو الكتب وحرقها ما فعله أبو بكر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بما كان عنده من الصحف، انظر " تذكرة الحفاظ ": ص 5 جـ 1، وانظر أخبار غيره في " تقييد العلم ": ص 59 - 63، وفي كتاب " العلم " لزهير بن حرب: ص 192، وفي " الجامع لأخلاق الراوي ": ص 44: آ. (¬2) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 71 جـ 1.

وقد اشتهر في عهد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتاب خطير الشأن هو ذلك الكتاب الذي أمر رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُتَّابَهُ بتدوينه في السَّنَةِ الأولى للهجرة، وقد نَصَّتْ فيه حقوق المسلمين المهاجرين والأنصار وعرب يثرب وموادعة يهودها، وتكررت فيه عبارة (أهل الصحيفة) خمس مرات، وجاء في مقدمته: «هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولُ اللهِ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَ [يَثْرِبَ]، وَمَنْ تَبِعَهُمْ، فَلَحِقَ بِهِمْ، وَجَاهَدَ مَعَهُمْ، إنَّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النَّاسِ ... » الخ (¬1)، وهذا دليل على أن هذا الدستور أو الميثاق للدولة الإسلامية الفتية، كَانَ مُدَوَّنًا في صحيفة اشتهر أمرها وتواتر نقلها. وربما أرسل رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعض الأحكام مكتوبة إلى عماله، ومن هذا ما يرويه ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ: قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْ لاَ تَنْتَفِعُوا مِنَ المَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلاَ عَصَبٍ» (¬2). وكتب أبو بكر لأنس بن مالك كتابًا فيه الصدقات التي فرضها رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي رواية: أن الكتاب كان ممهورًا بخاتم رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬3). وروى نافع عن ابن عمر أنه وجد في قائم سيف عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ ¬

_ (¬1) " سيرة ابن هاشم ": ص 119 جـ 2، و" الأموال ": ص 202، وانظر " مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي ": ص 15. (¬2) " معرفة علوم الحديث ": ص 86، وقال الحاكم: هذا منسوخ بحديث ابن عباس أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ، فَقَالَ: «هَلاَّ اسْتَمْتَعْتُمْ بِجِلْدِهَا؟»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ: «إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا». انظر " معرفة علوم الحديث: ص 86، وانظر " أخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ من الحديث ": ص 27. (¬3) " رد الدارمي على بشر المريسي ": ص 131، وذكر الإمام أحمد هذا الكتاب في " مسنده ": ص 183، 184 حديث 72 جـ 1.

عَنْهُ - فيها صدقة السوائم (¬1)، وقد تكون هذه النسخة هي التي ورثها سالم بن عبد الله بن عمر، وقرأها عنده ابن شهاب الزهري (¬2). ويؤكد لنا هذا ما روي عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري قال: «لَمَّا اسْتُخْلِفَ عَمْرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، أَرْسَلَ إِلَى المَدِينَةِ يَلْتَمِسُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّدَقَاتِ، وَكِتَابَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ... وَوَجَدَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ كِتَابَ عُمَرَ فِي الصَّدَقَاتِ، مِثْلَ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَنُسِخَا لَهُ» (¬3). وقد اشتهرت صحيفة أمير المؤمنين عَلِيَّ بن أبي طالب التي كان يعلقها في سيفه، فيها أسنان الإبل، وأشياء من الجراحات، وحرم المدينة، ولا يقتل مسلم بكافر (¬4). وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ: محمد بن علي بن أبي طالب (- 81 هـ) قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبِي، قَالَ: «خُذْ هَذَا الكِتَابَ، فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى عُثْمَانَ، فَإِنَّ فِيهِ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ» (¬5). وَرُوِيَ عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ مَعْنٍ قَالَ: «أَخْرَجَ [إِلَيَّ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كِتَابًا وَحَلَفَ لِي: إِنَّهُ خَطُّ أَبِيهِ بِيَدِهِ» (¬6). ¬

_ (¬1) انظر " الكفاية ": ص 353، 354، وانظر " توجيه النظر ": ص 348. (¬2) انظر " الأموال ": ص 360، و" رد الدارمي على بشر ": ص 131. (¬3) " الأموال ": ص 358، 359، ويقال: كان عند عمر بن الخطاب نسخ العهود والمواثيق ملء صندوق إلا أنها احترقت يوم الجماجم (82 هـ) وما بقي منها قضت عليه ظروف الزمن وغارة التتار، انظر " الوثائق السياسية "، المقدمة: ي، وقد بقيت بعض كتبه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى القرن التاسع الهجري ككتابه بإقطاع تميم الداري، انظر " مسالك الأبصار ": ص 173 - 175. (¬4) انظر " مسند الإمام أحمد ": ص 35 و 44 و 121و 131 جـ 2 و" فتح الباري ": ص 83 جـ 7، و" رد الدارمي على بشر ": ص 130. (¬5) " رد الدارمي على بشر ": ص 130، و" فتح الباري ": ص 23 جـ 7. (¬6) " جامع بيان العلم ": ص 72 جـ 1.

وكان عند سعد بن عبادة الأنصاري (- 15 هـ) كتاب أوكتب فيها طائفة من أحاديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد روى ابن هذا الصحابي من كتب أبيه بعض أعمال الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1). ويروي الإمام البخاري أن هذه الصحيفة كانت نسخة من صحيفة عبد الله بن أبي أوفى، الذي كان يكتب الأحاديث بيده، وكان الناس يقرءون عليه ما جمعه بخطه (¬2). وكان عند أبي رافع مولى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (- 35 هـ) (¬3) كتاب فيه استفتاح الصلاة، دفعه إلى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث (- 94 هـ) (¬4) أحد الفقهاء السبعة. وكان عند أسماء بنت عُميس (- 38 هـ) كتاب جمعت فيه بعض أحاديثه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬5). عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الأَنْصَارِيُّ (- 42 هـ) (¬6)، وَجَدْنَا فِي ذُؤَابَةِ سَيْفِهِ كِتَابًا: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ¬

_ (¬1) انظر " جامع بيان العلم وفضله ": ص 72 جـ 1، و" نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي ": ص 118 وانظر " صحيفة همام بن منبه ": ص 16 نقلاً عن الترمذي. (¬2) انظر " علوم الحديث ومصطلحه " للدكتور صبحي الصالح: ص 13 وهامشها وفيه: (عبد الله بن أوفى) وهو خطأ مطبعي والصواب (عبد الله بن أبي أوفى)، انظر " صحيح البخاري بشرح السندي ": ص 143 جـ 2، باب الصبر عند القتال، وعبد الله بن أبي أوفى صحابي شهد الحديبية، وَعَمَّرَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، توفي سَنَةَ (87 هـ) وهو آخر من توفي بالكوفة من الصحابة. انظر " تقريب التهذيب ": ص 402 جـ 1. (¬3) وقيل وفاته بعد مقتل عثمان وقيل مات في خلافة عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -. (¬4) انظر " الكفاية ": ص 330. (¬5) " نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي ": ص 118. (¬6) كان محمد بن مسلمة من أفضل الصحابة وهو أحد الثلاثة الذين قتلوا كعب بن الأشرف واستخلفه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المدينة في بعض غزواته، اعتزل الفتن ولم يشهد الجمل ولا صفين وتوفي وهو ابن (77 سَنَةً). انظر " تهذيب التهذيب ": ص 454 جـ 9.

وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي بَقِيَّةِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٌ فَتَعَرَّضُوا لَهُ ... ») (¬1). وكتبت سُبيعة الأسلمية إلى عبد الله بن عتبة تروي عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أمرها بالنكاح بعد قليل من وفاة زوجها بعدما وضعت (¬2). وكتب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتابًا لوائل بن حجر (- 50 هـ) لقومه في حضرموت، فيه الخطوط الكبرى للإسلام، وبعض أنصبة الزكاة، وحد الزنا، وتحريم الخمر، وكل مسكر حرام (¬3). وَوَلَّى رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمرو بن حزم (- 53 هـ) على اليمن، وأعطاه كتابًا فيه الفرائض والسنن والديات وغير ذلك (¬4). وكان أبو هريرة (- 59 هـ) يحتفظ بكتب فيها أحاديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَى [الْفَضْلِ] بْنِ حَسَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَحَدَّثْتُ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِحَدِيثٍ فَأَنْكَرَهُ، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْكَ، قَالَ: «إِنْ كُنْتَ سَمِعْتَهُ مِنِّي، فَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدِي»، فَأَخَذَ بِيَدِي إِلَى بَيْتِهِ فَأَرَانَا كُتُبًا كَثِيرَةً مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ ذَلِكَ الْحَدِيثَ فَقَالَ: ¬

_ (¬1) " المحدث الفاصل ": ص 112. (¬2) " الكفاية ": ص 337، وَسُبَيْعَةُ هذه هي بنت الحارث زوجة سعد بن خولة، انظر " تهذيب التهذيب ": ص 434 جـ 12. (¬3) انظر " الإصابة ": ص 312 جـ 6، وانظر تفصيل ذلك في " المصباح المضيء ": ص 112: آ - 112: ب. (¬4) انظر " الإصابة ": ص 293 جـ 4 ترجمة (5805). وقد أخرج الكتاب أبو داود والنسائي وابن حبان والدارمي وغير واحد كما ذكر ابن حجر في ترجمته وانظر " رد الدارمي على بشر ": ص 131، وانظر " فتوح البلدان ": ص 81 وقارن بـ " الأموال ": ص 358، 359.

" الصحيفة الصادقة لعبد الله بن عمرو بن العاص "

«قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنِّي إِنْ كُنْتُ قَدْ حَدَّثْتُكَ بِهِ فَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدِي» (¬1). وكان بشير بن نهيك قد قرأ عليه الكتاب الذي كتبه عنه قبل أن يفارقه (¬2). وجمع سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ (- 60 هـ) أحاديث كثيرة في نسخة رواها عنه ابنه سليمان (¬3)، ويحتمل أن تكون هذه النسخة هي الرسالة التي كتبها سمرة إلى بنيه، وقال فيها محمد بن سيرين: «فِي رِسَالَةِ سَمُرَةَ إِلَى بَنِيهِ عِلْمٌ كَثِيرٌ» (¬4). " الصَّحِيفَةُ الصَّادِقَةُ لِعَبْدِ اللهِ بْنَ عَمْرٍو بَنِ العَاصِ ": (7 ق هـ - 65 هـ): كان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد سمح لعبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - بكتابة الحديث، لأنه كان كاتبًا محسنًا، فكتب عنه الكثير، واشتهرت صحيفة عمرو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (الصحيفة الصادقة) كما أراد كاتبها أن يسميها، لأنه كتبها عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فهي أصدق ما يُرْوَى عَنْهُ، وقد رآها مجاهد بن جبر (21 - 104 هـ) عند عبد الله ¬

_ (¬1) انظر " جامع بيان العلم ": ص 74 جـ 1. قال ابن عبد البر بعد هذا الخبر: «هَذَا خِلاَفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَوَّلِ هَذَا البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَكْتُبُ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَتَبَ، وَحَدِيثُهُ [ذَاكَ] أَصَحُّ فِي [النَّقْلِ] مِنْ هَذَا؛ لأَنَّهُ أَثْبَتُ إِسْنَادًا عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ». وقال ابن حجر: «وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الحَدِيث مَكْتُوبًا [عَنْهُ] أَنْ يَكُون بِخَطِّهِ». انظر " فتح الباري ": ص 218 جـ 1. أقول وصحة خبر عدم كتابة أبي هريرة لا تنفي صحة وجود الكتب عنده، وقد يكون ممن يعرف القراءة دون الكتابة، فيكلف من يكتب له. (¬2) " طبقات ابن سعد ": ص 162 جـ 7، و" العلم " لزهير بن حرب: 193: ب و" الجامع لأخلاق الراوي ": ص 137: ب، و" المحدث الفاصل ": ص 128: آ. (¬3) انظر " تهذيب التهذيب ": ص 198 جـ 4. (¬4) المرجع السابق: ص 236 جـ 4، أخرج البخاري أول رسالة سمرة بن جندب إلى بنيه في ترجمة محمد بن إبراهيم بن خُبَيبٍ وفيها: (بِسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِن سَمُرَةَ بنِ جُندُبٍ إِلَى بَنِيهِ؛ «إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللَّهُ عَلَيه وسَلم كَانَ يَأمُرُنا أَنْ نُصَلِّيَ كُلَّ لَيْلَةٍ، بَعْدَ المَكتُوبَةِ، مَا قَلَّ، أََوْ كَثُرَ، ونَجعَلُهَا وِتْرًا»). " التاريخ الكبير ": ص 26 ترجمة 29 قسم 1 جـ 1.

ابن عمرو، فذهب ليتناولها، فقال له: «مَهْ يَا غُلاَمَ بَنِي مَحْزُومٍ». قَالَ مُجَاهِدٌ: قُلْتُ: «مَا كَتَبْتُ شَيْئًا» قَالَ: «هَذِهِ الصَّادِقَةُ، فِيهَا مَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِيهَا أَحَدٌ» (¬1)، وكانت هذه الصحيفة عزيزة جِدًّا على ابن عمرو حتى قال: «مَا يُرَغِّبُنِي فِي الحَيَاةِ إِلاَّ الصَّادِقَةُ وَالوَهْطُ» (¬2)، وَرُبَّمَا كَانَ يَحْفَظُهَا فِي صُنْدُوقٍ لَهُ حَلَقٌ (¬3)، خشية عليها من الضياع، وقد حفظ هذه الصحيفة أهله من بعده، وَيُرَجَّحُ أن حفيده عمرو بن شعيب كان يُحَدِّثُ منها (¬4). وتضم صحيفة عبد الله بن عمرو ألف حديث كما يقول ابن الأثير (¬5). إلا أن إحصاء أحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لا يبلغ خمسمائة حديث (¬6)، وإذا لم تصلنا الصحيفة الصادقة كما كتبها ابن عمرو بخطه، ¬

_ (¬1) " المحدث الفاصل " نسخة دمشق: ص 2: ب جـ 4، و" طبقات ابن سعد ": ص 189 قسم 1 جـ 7 ونحوه في " تقييد العلم ": ص 84. (¬2) " سنن الدارمي ": ص 127 جـ 1، والوهط: أرض لعمرو بن العاص تصدق بها كان يقوم بها. المصدر نفسه. (¬3) انظر " مسند الإمام أحمد ": ص 171 حديث 6645 جـ 10، وكتاب " العلم " للمقدسي: ص 30 بإسناد صحيح. (¬4) انظر " تهذيب التهذيب ": ص 48، 49 جـ 8. (¬5) انظر " أسد الغابة ":ص 233 جـ 3. (¬6) انظر " مسند عبد الله بن عمرو وصحيفته الصادقة ": ص 671 حيث أحصى السيد محمد سيف الدين عليش أحاديث الصادقة، فكان منها: 202 حديثًا من أصل 632 حديثًا رواها الإمام أحمد في " مسنده " عن عبد الله بن عمرو. و81 حديثًا من أصل 232 حديثًا رواها أبو داود في " سننه " عن عبد الله بن عمرو. و53 حديثًا من أصل 128 حديثًا رواها النسائي في " سننه " عن عبد الله بن عمرو. و65 حديثًا من أصل 117 حديثًا رواها ابن ماجه في " سننه " عن عبد الله بن عمرو. و35 حديثًا من أصل 89 حديثًا رواها الترمذي في " سننه " عن عبد الله بن عمرو. فعدد أحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهي أحاديث الصادقة كما هو المرجح بلغ =

فقد نقل إلينا الإمام أحمد محتواها في " مسنده " (¬1)، كما ضمت كتب السنن الأخرى جانبًا كبيرًا منها (¬2). ولهذه الصحيفة أهمية علمية عظيمة، لأنها وثيقة علمية تاريخية، تثبت كتابة الحديث النبوي الشريف، بين يدي رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبإذنه (¬3). ¬

_ = (436) حديثًا بما فيه المكرر عند الإمام أحمد وفي " السنن الأربعة "، وقد يكون حكم ابن الأثير مَبْنِيًّا على أن جميع ما روي عن ابن عمرو هو الصادقة وليس ببعيد. (¬1) انظر " مسند الإمام أحمد بن حنبل " بتحقيق أحمد محمد شاكر: الجزء التاسع من الصفحة 235 الحديث 6477 والجزء العاشر بكامله وكذلك الحادي عشر والجزء الثاني عشر إلى الصفحة 50 الحديث 7103. (¬2) انظر " مسند عبد الله بن عمرو وصحيفته الصادقة ": ص 671. (¬3) ورد طعن في الصحيفة الصادقة من بعض أهل العلم كالمغيرة بن مقسم الضبي الذي قال: «كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو صَحِيفَةٌ، تُسَمَّى الصَّادِقَةَ مَا تَسُرُّنِي أَنَّهَا لِي بِفِلْسَيْنِ» انظر " تأويل مختلف الحديث ": ص 93، وفي " ميزان الاعتدال ": ص 290 جـ 2: «مَا يَسُرُّنِي أَنَّ صَحِيفَةَ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدِي بِتَمْرَتَيْنِ أَوْ بِفِلْسَيْنِ». إذا صحت هذه الرواية عن المغيرة فلا يجوز حملها على ظاهرها ولا قبولها هكذا مقتضبة لأنه ذكر ذلك في معرض الكلام على الروايات الضعيفة، فإذا ضعف نسخة ابن عمرو فإنما ضعفها لأنها انتقلت (وِجَادَةً) فهو لا يقبل أن تكون عنده هذه الصحيفة بالطريق الذي حملها الرواة، لأن الوجادة أضعف طرق التحمل، فقد كانوا لا يحبون أن ينقلوا الأخبار من الصحف بل عن الشيوخ ولا يجوز أن يحمل قول المغيرة على غير هذا الوجه، لأنه ثبت أن عبد الله قد كتبها بين يدي النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ويمكننا للاستئناس أن تراجع أقوال العلماء في راوي هذه الصحيفة في " ميزان الاعتدال ": ص 289 جـ 2 وفي " تهذيب التهذيب ": ص 48 - 55 جـ 8، وفي " فتح المغيث ": ص 68، 69 جـ 4، حيث يتبين لنا قيمة الصحيفة وثقة راويها عمرو بن شعيب. قال الإمام تقي الدين بن تيمية: «وأما أئمة الإسلام، وجمهور العلماء فيحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، إذا صح النقل إليه مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة ونحوهما، ومثل الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ... قالوا: وإذا كانت نسخة مكتوبة من عهد النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان هذا أَوْكَدَ لَهَا وَأَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهَا». ولهذا كان في نسخة عمرو بن شعيب من الأحاديث الفقهية التي فيها مقدرات ما احتاج إليه عامة علماء الإسلام. انظر " قواعد التحديث ": ص 36، 37.

وكان عبد الله يملي الحديث على تلاميذه (¬1)، وقد نقل عنه تلميذه حسين بن شفي بن ماتع الأصبحي في مصر كتابين، أحدهما فيه «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَذَا، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَذَا، والآخَرُ مَا يَكُونُ مِنَ الأَحْدَاثِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» (¬2). ونحن هنا لم نتعرض إلا للصحيفة الصادقة، فقد كان عند ابن عمرو كتب كثيرة عن أهل الكتاب أصابها يوم اليرموك في زاملتين (¬3)، وقد ادعى بشر المريسي «أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَرْوِيهِمَا لِلْنَّاسِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: لاَ تُحَدِّثْنَا عَنْ الزَّامِلَتَيْنِ»، وهذه الدعوى باطلة، فقد ثبت أن ابن [عمرو] كان أمينًا في نقله وروايته، لا يحيل ما روى عن النبي على أهل الكتاب، كما لا يحيل ما روى أهل الكتاب على النبي (¬4). ¬

_ (¬1) انظر " تاريخ دمشق ": ص 49 جـ 6. (¬2) " خطط المقريزي ": ص 332، 333 جـ 2. (¬3) الزاملة هي البعير الذي يحمل عليه الطعام والمتاع. وقيل هي الدابة التي يحمل عليها الطعام والمتاع من الإبل وغيرها. انظر " لسان العرب "، مادة (زمل): ص 329 جـ 13. (¬4) انظر " رد الدارمي على بشر ": ص 136، وقد ذكر محمود أبو رية صاحب كتاب " أضواء على السنة المحمدية " في الصفحة 162 هامش (3) أن عبد الله بن عمرو (كان قد أصاب زاملتين من كتب أهل الكتاب، وكان يرويها للناس (عن النبي) فتجنب الأخذ عنه كثير من أئمة التابعين، وكان يقال له: «لا تحدثنا عن الزاملتين»: ص 166 جـ 1 " فتح الباري "). انتهى ما نقلناه عن " أضواء على السنة المحمدية ". ومن العجيب أن يسمع إنسان مثل هذا الخبر ويصدقه لأن الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - كانوا أصدق الناس لسانًا، وأنقى الأمة قلوبًا، وأخلص البرية للرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلا يعقل أن يكذب أمثال عبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - على رسول الله فيعزو إليه ما سمعه من أهل الكتاب. فَهَرَعْتُ إلى " فتح الباري " وإذا به - شَهِدَ اللهُ - خَالِيًا من عبارة أَبِي رَيَّةَ، فليس في قول ابن حجر (مِنَ النَّبِيِّ) إنما زادها الكاتب من عنده!!! فهل تكذيب الصحابة، والافتراء عليهم، والانتحال على العلماء، أمثال ابن حجر وغيره من الأمانة العلمية؟؟ وقد ثبت لنا سوء نية أَبِي رَيَّةَ في مواضع كثيرة يظهر بعضها في بحثنا عن أبي هريرة.

" صحيفة جابر بن عبد الله الأنصاري "

ويكفي ابن عمرو أنه كان أول من دَوَّنَ الحديث بين يدي رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإذنه وفي مختلف أحواله في الغضب والرضا. كُتُبُ ابْنِ عَبَّاسٍ (3 ق هـ - 68 هـ): ---------------------------------- اشتهر ابن عباس بطلب العلم ودأبه عليه، وكان بعد وفاة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسأل الصحابة ويكتب عنهم، وكان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد دعا له: «اللَّهُمَّ أَلْهِمْهُ الحِكْمَةَ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيْلَ» (¬1)، وعندما توفي ابن عباس ظهرت كتبه، وكانت حمل بعير (¬2). • • • ويروى أن عبد الله بن عمر (10 ق هـ - 73 هـ) «كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى السُّوقِ نَظَرَ فِي كُتُبِهِ»، وقد أكد الراوي أن كتبه كانت في الحديث (¬3). " صَحِيفَةُ جَابِرٍ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِي ": (16 ق هـ - 78 هـ): يحتمل أن تكون هذه الصحيفة غير المنسك الصغير الذي أورده مسلم في كتاب الحج (¬4)، وقد ذكرها ابن سعد في ترجمة مجاهد، وكان يحدث ¬

_ (¬1) " الكفاية ": ص 213، وراجع طلبه للعلم في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 14: آ، وفي " تقييد العلم ": ص 91، 92 و 109، وانظر ترجمته في الفصل الأول من الباب الخامس من هذا الكتاب. (¬2) عَنْ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ (- 141) صاحب المغازي قَالَ: «وَضَعَ عِنْدَنَا [كُرَيْبٌ]- مولى ابن عباس - حِمْلَ بَعِيرٍ [أَوْ عِدْلَ بَعِيرٍ] مِنْ كُتُبِ ابْنِ عَبَّاسٍ». انظر " طبقات ابن سعد ": ص 216 جـ 5. (¬3) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 100: آ، ويروى أن ابن عمر كره كتابة الحديث، قَالَ سَعِيدُ بْنِ جُبَيْرٍ (45 - 95 هـ): «كُنْتُ أَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ فِي صَحِيفَةٍ وَلَوْ عَلِمَ بِهَا كَانَتِ الفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ». انظر " طبقات ابن سعد ": ص 179 جـ 6، وربما كان ابن عمر يكتب لنفسه أو سمح بذلك آخرًا. (¬4) انظر " تذكرة الحفاظ ": ص 41 جـ 1.

عنها (¬1)، وكان التابعي الجليل قتادة بن دعامة السدوسي (- 118) يرفع من قيمة هذه الصحيفة ويقول: «لأَنَا لِصَحِيفَةِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ أَحْفَظُ مِنِّي لِسُورَةِ البَقَرَةِ» (¬2). وفي رواية: «إِنَّمَا يُحَدِّثُ قَتَادَةُ عَنْ صَحِيفَةِ سُلَيْمَانَ اليَشْكُرِيَّ، وَكَانَ لَهُ كِتَابٌ عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ» (¬3). ويحتمل أن يكون سليمان اليشكري قد نقل عن جابر صحيفته، وهو أحد تلاميذه، يروي ابن حجر أن سليمان جالس جابرًا، وكتب عنه صحيفته (¬4)، ولعل قتادة كان قد روى صحيفة جابر بن عبد الله عن سليمان اليشكري، فإن أم سليمان قدمت بكتاب سليمان، فقرئ على ثابت وقتادة وأبي بشر ... فَرَوَوْهَا كُلَّهَا، وأما ثابت فروى منها حديثًا واحدًا (¬5)، فصحيفة جابر كانت مشهورة، وكتاب سليمان اليشكري عنه كان مشهورًا أَيْضًا، ويدعم هذا روايات كثيرة، منها ما روي عن شعبة أنه كان يرى أن أحاديث أبي سفيان طلحة بن نافع عن جابر إنما هو كتاب سليمان اليشكري (¬6) وكانت لجابر حلقة في المسجد النبوي يملي فيها على طلابه الحديث، فكتب منهم كثير أمثال وهب بن منبه (- 114 هـ) (¬7)، وقد روى أبو الزبير وأبو سفيان والشعبي عن جابر ¬

_ (¬1) " طبقات ابن سعد ": ص 433 جـ 5. (¬2) " طبقات ابن سعد ": ص 1، 2 قسم 2 جـ 7. (¬3) " القياس " لابن قيم الجوزية: ص 108. (¬4) انظر " تهذيب التهذيب ": ص 214 جـ 4، وانظر " تقييد العلم ": ص 108 حول كتابته. (¬5) انظر " الكفاية ": ص 354. (¬6) انظر " تقدمة الجرح والتعديل ": ص 144، 145. (¬7) انظر " صحيفة همام بن منبه ": ص 14. وكان كثير من التابعين يذهبون إلى جابر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يكتبون عنه الحديث، من هذا ما روي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، قَالَ: «كُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , أَنَا وَمُحَمَّدٌ (*) وَأَبُو جَعْفَرٍ , مَعَنَا أَلْوَاحٌ نَكْتُبُ فِيهَا». انظر " تقييد العلم ": ص 104، وأبو جعفر هو محمد بن علي (- 114 هـ) ومحمد هو ابن الحنفية. كما كتب عنه أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس (- 126 هـ) كثيرًا، انظر: " تهذيب التهذيب ": ص 440، 441 جـ 9. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) ورد في الكتاب المطبوع (أَنَا وَمُحَمَّدُ وَأَبُو جَعْفَرٍ ... ) وفي " تقييد العلم " لم تذكر (وَمُحَمَّدٌ)، انظر " تقييد العلم " للخطيب البغدادي، تحقيق الدكتور يوسف العش، ص 104، طبعة سنة 1974 م، نشر إحياء السنة النبوية. بيروت - لبنان.

وهم قد سمعوا منه وأكثر ما رووه من الصحيفة (¬1). وَيُرْوَى عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (22 - 93 هـ) قَوْلَهُ: «كَتَبْتُ الحَدِيثَ ثُمَّ مَحَوْتُهُ فَوَدِدْتُ، أَنِّي فَدَيْتُهُ بِمَالِي وَوَلَدِي وَأَنِّي لَمْ أَمْحُهُ» (¬2). وربما كتب غيرها ثم احترقت يوم الحرة فحزن عليها، فكان يقول: «وَدِدْتُ لَوْ أَنَّ عِنْدِي كُتُبِي بِأَهْلِي وَمَالِي» (¬3). وَكَانَ عِنْدَ خَالِدٍ بْنِ مَعْدَانَ الكِلاَعِيَّ الحِمْصِيَّ (- 104 هـ) مُصْحَفٌ لَهُ [أَزْرَارٌ] وَعُرًا أَوْدَعَ فِيهِ عِلْمَهُ (¬4) (*). وَكَانَ عِنْدَ بَحِيرِ بْنِ [سَعْدٍ] (**) نُسْخَةً عَنْ خَالِدٍ بْنِ مَعْدَانَ (¬5). وأوصى أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي (- 104 هـ) بكتبه لأيوب السختياني (68 - 131 هـ) فجيء بها في عدل راحلة (¬6)، ودفع أيوب كراءها بضعة عشر درهمًا (¬7). وَقَالَ الأَعْمَشُ قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ (21 - 110 هـ): «إِنَّ لَنَا كُتُبًا نَتَعَاهَدُهَا» (¬8). وكان عند محمد الباقر بن علي بن الحسين (56 - 114 هـ) كتب كثيرة ¬

_ (¬1) انظر " تهذيب التهذيب ": ص 214 جـ 4، وعرضت على الشعبي صحيفة كتبت عن جابر فقال: «سمَِعْتُ هَذَا كُلَّهُ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -». " المحدث الفاصل ": ص 91: ب. (¬2) " تقييد العلم ": ص 60. ونحوه في " المحدث الفاصل " نسخة دمشق: ص 4: ب جـ 4. (¬3) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 71 جـ 1، وفي رواية ابن سعد أنها كُتُبُ (فقه)، انظر " طبقات ابن سعد ": ص 133 جـ 5. (¬4) انظر " تذكرة الحفاظ ": ص 88 جـ 1. (¬5) انظر " تذكرة الحفاظ ": ص 166 جـ 1. (¬6) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 216 جـ 5 و" تذكرة الحفاظ ": ص 88 جـ 1. (¬7) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 217 قسم 2 جـ 7. (¬8) انظر " المحدث الفاصل " نسخة دمشق: ص 3: ب جـ 4. كما كانت له كتب حديث وفقه وكان بعض أصحابه يأخذها فينسخها ثم يردها. انظر " طبقات ابن سعد ": ص 17 قسم 2 جـ 7. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) انظر ص 328 من هذ الكتاب. (**) جاء في الكتاب المطبوع (بحير بن سعيد)، والصواب (بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ)، انظر " تذكرة الحفاظ " للذهبي، 1/ 133، الطبعة الأولى: 1419 هـ - 1998 م، نشر دار الكتب العلمية. بيروت - لبنان.

" الصحيفة الصحيحة " لهمام بن منبه

سمع بعضها منه ابنه جعفر الصادق، وقرأ بعضها (¬1). وكان عند مكحول الشامي كتب (¬2) وعند الحكم بن عتبة (¬3). وكان عند بكير بن عبد الله الأشج (- 117 هـ) عالم المدينة كتب انتقلت إلى ابنه مخرمة بن بكير (¬4). وكان عند قيس بن سعد المكي (- 117 هـ) كتاب انتقل إلى حماد بن سلمة (- 167 هـ) (¬5). ومما لا شك فيه أن العلماء في مطلع القرن الهجري الثاني صنفوا كثيرًا من الكتب، وكثرت الكتب بين أيديهم، حتى بلغت كتب الإمام الزهري حَدًّا كبيرًا، نقلت بعد مقتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان (88 - 126 هـ) من خزائنه على الدواب (¬6). وقبل أن نتكلم عن شيوع التدوين وانتشاره في مطلع القرن الهجري الثاني وعن كتب ومصنفات العلماء آنذاك، لا بد لنا من أن نتكلم عن " صحيفة همام بن منبه " لما لها من أهمية تاريخية في تدوين الحديث. " الصَّحِيفَةُ الصَّحِيحَةُ " لِهَمَّامَ بْنَ مُنَبِّهٍ (40 - 131 هـ): (¬7). لقي همام بن منبه أحد أعلام التابعين الصحابي الجليل أبا هريرة، وكتب ¬

_ (¬1) انظر " تهذيب التهذيب ": ص 104 جـ 2، ومحمد الباقر أحد الأئمة الاثني عشر عند الإمامية. انظر " تهذيب التهذيب ": ص 350 جـ 9، و" شذرات الذهب ": ص 149 جـ 1. (¬2) " الفهرست " لابن النديم: ص 318. (¬3) انظر " تقدمة الجرح والتعديل ": ص 130. (¬4) انظر " تهذيب التهذيب ": ص 70، 71 جـ 10، و" علوم الحديث ": ص 110. (¬5) " تذكرة الحفاظ ": ص 190 جـ 1. (¬6) انظر " تاريخ الإسلام " للذهبي: ص 141 جـ 5. (¬7) ذكر الدكتور صبحي الصالح وفاة همام سَنَةَ (101 هـ) اعتمادًا منه على " طبقات =

عنه كثيرًا من حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وجمعه في صحيفة أو صحف أطلق عليها اسم (الصحيفة الصحيحة) (¬1)، وربما سماها بالصحيحة على مثال (الصحيفة الصادقة) لعبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، وحق له أن يسميها بالصحيحة، لأنه كتبها عن صحابي خالط رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربع سنين، وروى عنه الكثير. وقد وصلتنا هذه الصحيفة كاملة، كما رواها وَدَوَّنَهَا همام عن أبي هريرة، فقد عَثَرَ على هذه الصحيفة الدكتور المحقق محمد حميد الله في مخطوطتين متماثلتين في دمشق وبرلين (¬2). وتزداد ثقتنا بصحيفة هَمَّامٍ حينما نعلم أن الإمام أحمد قد نقلها بتمامها في " مسنده "، كما نقل الإمام البخاري عَدَدًا كَثِيرًا من أحاديثها في " صحيحه " في أبواب شتى (¬3). ولهذه الصحيفة أهمية تاريخية في تدوين الحديث الشريف، لأنها حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ، ودليل ساطع على أن الحديث النبوي كان قَدْ دُوِّنَ في عصر مبكر، «وَتُصَحِّحُ ¬

_ = ابن سعد ": ص 396 جـ 5 لأنها أقدم المصادر، ثم قال في هامش الصفحة 22: من كتابه " علوم الحديث ومصطلحه ": «وَعِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ وَالنَّوَوِيِّ وَسِوَاهُمَا: تُوُفِّيَ هَمَّامٌ سَنَةَ 131 هـ، وَلَعَلَّهُ تَصْحِيفٌ لِقَوْلِ ابْنِ سَعْدٍ (مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى أَوْ اثْنَتَيْنِ وَمِائَةٍ) وَانْظُرْ التَّصْحِيحَاتِ المُلْحَقَةِ بِصَحِيفَةِ هَمَّامٍ ص 2». إلا أني أرجح وفاته سَنَةَ (131 هـ) لأن سفيان بن عيينة قال: «كُنْتُ أَتَوَقَّعُ قُدُومَ هَمَّامٍ عَشْرَ سِنِينَ»، وسفيان بن عيينة ولد سَنَةَ (107 هـ)، فلا يعقل أن يقول هذا بعد وفاة همام بسنوات، ثم إن مَعْمَرًا كان قد أدركه وقد كبر وسقط حاجباه على عينيه، فهذا الوصف ينطبق على من سِنُّهُ أكثر من ستين سَنَةٍ وهي السن التي ذكرتها أو قالها ابن سعد. انظر " تهذيب التهذيب ": ص 67 جـ 11. حيث ذكر إدراك معمر بن راشد لهمام. (¬1) " أقدم تدوين في الحديث النبوي صحيفة همام بن منبه ": ص 20 عن " كشف الظنون ". (¬2) راجع " صحيفة همام ": ص 21 - 23 حيث وصف الدكتور حميد الله المخطوطتين. (¬3) انظر المرجع السابق: ص 2.

الخَطَأَ الشَّائِعَ: أَنَّ الحَدِيثَ لَمْ يُدَوَّنْ إِلاَّ فِي أَوَائِلِ القَرْنِ الهِجْرِيَّ الثَّانِي» (¬1)، ذلك لأن هَمَّامًا لقي أبا هريرة - ولا شك أنه كتب عنه - قبل وفاته وقد توفي أبو هريرة سَنَةَ (59) للهجرة فمعنى ذلك أن هذه الوثيقة العِلْمِيَّةَ قد دونت قبل هذه السنة، أي في منتصف القرن الهجري الأول، وقد ثبت لنا أن عبد الله بن عمرو دَوَّنَ في عهد الرسول " صحيفته الصادقة "، وها نحن أولاء يثبت لنا تدوين " صحيفة همام " في منتصف القرن الهجري الأول، مما يدل على أن العلماء كانوا قد باشروا التدوين فعلاً قبل أمر عمر بن عبد العزيز - رَحِمَهُ اللهُ - وكان من الأولى أن نذكر هذه الصحيفة بين كتب أبي هريرة، لأنها إملاؤه لهمام، إلا أننا فضلنا الكلام عنها هنا لاشتهارها باسمه، وقد رواها عنه تلميذه معمر بن راشد ثم عبد الرزاق عن معمر ثُمَّ هَلُمَّ جَرًّا (¬2). وتضم صحيفة همام هذه (138) حديثًا وقد ذكر ابن حجر أَنَّ هَمَّامًا سمع من أبي هريرة نحو أربعين ومائة حديث بإسناد واحد (¬3)، وهذا يزيدنا ثقة بهذه الصحيفة، لاتفاق عدد ما جاء فيها من الأحاديث وما ذكره العلماء. • • • وشاع التدوين في النصف الأول من القرن الهجري الثاني بين العلماء، حتى أصبح من النادر ألا نرى لأحدهم تصنيفًا أو جامعًا فيه بعض الأبواب في الحديث. وقد سبق أن ذكرت أول من صنف في مختلف البلاد الإسلامية. وممن شارك في التصنيف أو وجد عنده كتب في تلك الحقبة يحيى بن أبي كثير ¬

_ (¬1) " علوم الحديث ومصطلحه " للدكتور صبحي الصالح: ص 22. (¬2) انظر " صحيفة همام بن منبه ": ص 20. (¬3) " تهذيب التهذيب ": ص 67 جـ 11.

(- 129 هـ) (¬1). معاصر الإمام الزهري. وكان عند محمد بن سوقة (135 هـ) (¬2) كتاب، وكان عند زيد بن أسلم (- 136 هـ) كتاب في التفسير (¬3) لعل فيه كثيرًا من حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وكان عند موسى بن عقبة (- 141 هـ) (¬4) أحاديث لنافع مولى ابن عمر مكتوبة في صحيفة. وكان للأشعث بن عبد الملك الحمراني (- 142 هـ) (¬5) كتاب انتقل إلى سليمان صاحب البصري. وقد كتب عقيل بن خالد بن عقيل (- 142 هـ) (¬6) حديثًا كثيرًا عن الزهري، وكان أعلم الناس بحديثه. وكان ليحيى بن سعيد الأنصاي (- 143 هـ) (¬7) كتاب انتقل إلى حماد بن زيد. وكتب عوف بن أبي جميلة العبدي (- 146 هـ) (¬8) أطراف الحديث عن الحسن البصري عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكانت هذه الأطراف بعد ذلك عند يحيى بن سعيد القطان (120 - 198 هـ) (¬9). وكان عند جعفر الصادق بن محمد الباقر (80 - 148 هـ) (¬10) رسائل وأحاديث ونسخ، وكان من ثقات المحدثين، وكان ليونس بن يزيد بن أبي النجاد (- 152 هـ) ¬

_ (¬1) انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 110، و" المحدث الفاصل ": ص 94، وفي رواية أنه توفي سَنَةَ (132 هـ) في اليمامة، انظر ص 156 منه. (¬2) انظر " تقدمة الجرح والتعديل ": ص 75 و" تهذيب التهذيب ": ص 210 جـ 9 ويفهم من المرجع الأول أن لمنصور بن المعتمر كتابًا أَيْضًا. (¬3) انظر " تذكرة الحفاظ ": ص 124 جـ1، و" تهذيب التهذيب ": ص 395 جـ 3. (¬4) انظر " الكفاية ": ص 266. (¬5) انظر " المحدث الفاصل ": 136: ب. (¬6) انظر " تذكرة الحفاظ ": ص 152 جـ 1. (¬7) انظر " تقدمة الجرح والتعديل ": ص 178. (¬8) انظر " تهذيب التهذيب ": ص 167 جـ 8. (¬9) انظر " تقدمة الجرح والتعديل ": ص 236. (¬10) انظر " تهذيب التهذيب ": ص 104 جـ 2.

كتاب شهد له ابن المبارك بالصحة (¬1)، وكان لعبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة المسعودي (- 160 هـ) كُتُبٌ أتى بها شعبة من بغداد (¬2)، وكان لزائدة بن قدامة (- 161 هـ) كُتُبٌ عرضها على سفيان الثوري (¬3)، وقد كان زائدة نظيرًا لشعبة بن الحجاج (¬4) وكان لسفيان الثوري (97 - 161 هـ) كتب كثيرة منها في الحديث " الجامع الكبير " و" الجامع الصغير " (¬5). وقال ابن المبارك: «إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَِ (- 163 هـ) وَالسُكَّرِِي - يَعْنِي أَبَا حَمْزَةَ - (- 167 هـ) صَحِيحَا الكُتُبِ» (¬6). وكان لشعبة بن الحجاج (- 160 هـ) كتاب " الغرائب في الحديث " (¬7)، وكان لعبد العزيز بن عبد الله الماجشون (- 164 هـ) كتب مصنفة رواها عنه ابن وهب (¬8)، وكان لعبد الله بن عبد الله بن أويس (- 169 هـ) - ابن عم مالك وصهره على أخته (¬9) - كتب انتهت إلى ابنه إسماعيل (¬10)، وأوصى سليمان بن بلال (- 172 هـ) بكتبه إلى عبد العزيز بن أبي حازم (¬11). ¬

_ (¬1) انظر " تهذيب التهذيب: ص 450 جـ 11، و " تقدمة الجرح والتعديل ": ص 272. وكان يونس يكتب عن الزهري. انظر " تقدمة الجرح والتعديل ": ص 205. (¬2) انظر " تقدمة الجرح والتعديل ": ص 145. (¬3) المرجع السابق: ص 80. (¬4) انظر " تذكرة الحفاظ ": ص 200 جـ 1. (¬5) انظر " الفهرست " لابن النديم: ص 315. (¬6) " تقدمة الجرح والتعديل ": ص 270. (¬7) انظر " الرسالة المستطرفة ": ص 85. (¬8) انظر " تهذيب التهذيب ": ص 344 جـ 1. قال ابن وهب: «حَجَجْتُ سَنَةَ (148 هـ) وصالح يصبح لا يفتح الباب - إلى الخليفة - إلا لمالك وعبد العزيز بن أبي سلمة ... وكان صاحب سُنَّةٍ وقد كتب عنه أهل بغداد». نفس المرجع. (¬9) انظر " تهذيب التهذيب ": ص 280 جـ 5. (¬10) انظر " الإصابة ": ص 199 جـ 7. (¬11) انظر " تذكرة الحفاظ ": ص 247 جـ 1.

ومن الجدير بالذكر أنه كان لعلي بن لهيعة (- 174 هـ) محدث الديار المصرية كتب كثيرة، احترقت سَنَةَ (169 هـ) وكانت كتبه صحيحة (¬1)، ولابن لهيعة صحيفة في الحديث تعتبر من أقدم مجموعات الحديث، وهي موجودة ضمن مجموعة أوراق البردي (بهيدلبرج) (¬2)، وكان الليث بن سعد (94 - 175 هـ) شيخ الديار المصرية وعالمها تصانيف كثيرة (¬3). ولدينا كثير من أخبار المصنفات والمصنفين إلا أن المقام يضيق بذكرها ويكفي دليلاً على كثرة هذه المصنفات في نهاية القرن الثاني، أن علي بن عبد الله المديني (161 - 234 هـ) صنف في مختلف أبواب الحديث ورجاله وغريبه وشاذه وعلله نَيِّفًا ومائة مصنف، ذكر منها محمد بن صالح الهاشمي نَيِّفًا وخمسة وعشرين مصنفًا، وكل كتاب في عدة أجزاء بلغ بعضها ثلاثين جُزْءًا (¬4). هكذا ساهم علماء المسلمين في حفظ الحديث في صدورهم وفي كتبهم، وصدق علي بن المديني حين قال: «نَظَرْتُ فَإِذَا الإِسْنَادُ يَدُورُ عَلَى سِتَّةٍ: فَلأَهْلِ المَدِينَةِ ابْنُ شِهَابٍ (- 124 هـ)، وَلأَهْلِ مَكَّةَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ (46 - 126 هـ) (¬5)، وَلأَهْلِ البَصْرَةِ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ السَّدُوسِيُّ (- 117 هـ)، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ¬

_ (¬1) انظر " تذكرة الحفاظ ": ص 220 جـ 1. قال الإمام أحمد: «مَا كَانَ مُحَدِّثَ مِصْرَ إِلاَّ ابْنَ لَهِيعَةَ». ويعود عدم احتجاج البخاري ومسلم به إلا في المتابعات لاحتراق كتبه. انظر " تذكرة الحفاظ ": ص 220 جـ 1. (¬2) " نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي ": ص 118. (¬3) انظر تذكرة الحفاظ ص 209 جـ 1. (¬4) انظر " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 194. وليس في هذا مبالغة، لأن بعض الأجزاء لا تتجاوز وريقات. كما لا يستبعد هذا بالنسبة لابن المديني إمام عصره الذي كان يجله الإمام أحمد ويحترمه لسمو مكانته وسعة علمه. انظر " تقدمة الجرح والتعديل ": ص 319. (¬5) كان محسنا فقيهًا، قال فيه شُعْبَةُ: «مَا رَأَيْتُ أَثْبَتَ فِي الحَدِيثِ مِنْهُ». انظر " تاريخ الإسلام " للذهبي: ص 114 جـ 5 و" تهذيب التهذيب ": ص 30 جـ 8.

(- 129 هـ) (¬1)، وَلأَهْلِ الْكُوفَةِ أَبُو إِسْحَاقَ، عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّبِيعِيُّ (33 - 127 هـ) (¬2)، وَسُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ الأَعْمَشُ (61 - 148 هـ)». قَالَ عَلِيٌّ: «ثُمَّ صَارَ عِلْمُ هَؤُلاَءِ السِّتَّةِ إِلَى أَصْحَابِ الأَصْنَافِ» (¬3). • • • ¬

_ (¬1) ذكر الرامهرمزي وفاته في اليمامة سَنَةَ (132 هـ). وما أثبته عن " تذكرة الحفاظ ": ص 121 جـ 1، و" تهذيب التهذيب ": ص 268 جـ 11. (¬2) وهو من أعلام التابعين الثقات كان إمام الكوفة وشيخها في عصره، أدرك عَلِيًّا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، ويروى أنه سمع من (38) صحابيًا، انظر " تاريخ الإسلام " للذهبي: ص 116 جـ 5، و" تهذيب التهذيب ": ص 63 جـ 8. (¬3) انظر " المحدث الفاصل ": ص 156: آ - ب، و" تقدمة الجرح والتعديل ": ص 34 و 129.

الفصل الثالث: آراء في التدوين:

الفَصْلُ الثَّالِثُ: آرَاءٌ فِي التَّدْوِينِ: 1 - رَأْيُ الشَّيْخِ مُحَمَّدْ رَشِيدْ رِضَا:: (1282 - 1354 هـ): قال الإمام محمد رشيد رضا: «لعل أول من كتب الحديث وغيره من التابعين في القرن الأول، وجعل ما كتبه مصنفًا مجموعًا هو خالد بن معدان الحمصي، روي عنه أنه لقي سبعين صحابيًا. قال في " تذكره الحفاظ ": وَقَالَ بَحِيرٌ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَلْزَمَ لِلْعِلْمِ مِنْهُ، وَكَانَ عِلْمُهُ فِي مُصْحَفٍ لَهُ أَزْرَارٌ وَعُرًا». ثم قال: «فَخَالِدُ بْنِ مَعْدَانَ جمع علمه في مصنف واحد جعل له وقاية لها أَزْرَارًا وَعُرًا تمسكها لِئَلاَّ يقع شيء من تلك الصحف، وكان ذلك في القرن الأول، فإنه مات سَنَةَ 103 هـ أو سَنَةَ 104 هـ، ولكن المشهور أن أول من كتب الحديث ابن شهاب الزهري القرشي، ولعل سبب ذلك أخذ أمراء بني أمية عنه» (¬1). بعد أن رأينا موقف العلماء من الكتابة خلال القرن الأول الهجري وفي النصف الأول من القرن الثاني، وبعد أن وجدنا أدلة علمية قاطعة تثبت وقوع التدوين في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي عصر الصحابة والتابعين - بعد هذا لا يمكننا أن نقبل رأي الأستاذ الإمام وذلك من ناحيتين: ¬

_ (¬1) مجلة " المنار ": ص 754 جـ 10.

الأولى إذا اعتبرنا التدوين الشخصي الخاص بكل عالم فإن كثيرين من الصحابة والتابعين سبقوا خالدًا في هذا المضمار، وحافظوا على ما كتبوه، فابن عمرو حفظ صحفه في صندوق له حلق، وغيره في كراريس ودفاتر، كهمام بن منبه وابن شهاب، فمجرد وجود علم خالد بن معدان في مصحف له أزرار لا يكفي لأن يكون أول من دَوَّنَ الحديث في عصره. والناحية الثانية إذا اعتبرنا التدوين الرسمي للحديث استجابة لرغبة عمر بن عبد العزيز فقد سبق خالدًا إلى التدوين أبو بكر بن حزم وابن شهاب الزهري، وقد ثبت أن ابن شهاب كتب لعمر الحديث في دفاتر وزعت على كل أرض له عليها سلطان، فخالد لم يكن أول من صنف، سواء أكان هذا التصنيف خَاصًّا أَمْ رَسْمِيًّا. فهناك من سبقه في جمع الحديث، ويمكننا أن نعتبر صحف خالد من أولى الصحف التي ضمت علمه في ذلك القرن. وإذا كان المشهور أن ابن شهاب الزهري أول من كتب الحديث، فإن هذا محمول على تنفيذه أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز، لا لأن أمراء بني أمية أخذوا عنه، لأن أخذ الأمراء عنه لا يؤثر في الأدلة الأخرى التي تثبت استجابة لأمر الخليفة وتدوينه الحديث في دفاتر. وقد أسلفنا أنه كان قد كتب كثيرًا من حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، في أثناء طلبه العلم. وهذا يدل على أسبقية ابن شهاب على غيره في التدوين ومع هذا فهناك من دَوَّنَ قبله - بشكل رسمي - وحفظ علمه في صحف واعتنى بصحفه وحرص عليها من الضياع. فقد ثبت لدينا مما سبق أن كثيرًا قبل ابن شهاب وقبل خالد بن معدان كتبوا الحديث وحفظوه في كل ما تيسر

2 - رأي الشيعة في تدوين الحديث:

لديهم من وسائل، رغبة منهم في حفظ حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الضياع والتحريف. 2 - رَأْيُ الشِّيعَةِ فِي تَدْوِينِ الحَدِيثِ: [- أ -] قال المرجع الديني الأكبر السيد حسن الصدر (1272 - 1354 هـ): «وقد وهم الحافظ الجلال السيوطي في كتابه " تدريب الراوي "، حيث زعم: " أن ابتداء تدوين الحديث وقع في رأس المائة. وقال: وأما ابتداء تدوين الحديث فإنه وقع في رأس المائة في خلافة عمر بن عبد العزيز بأمره، ففي " صحيح البخاري " في أبواب العلم: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم ... قال في " فتح الباري ": يستفاد من هذا أن ابتداء تدوين الحديث النبوي، ثم أفاد أن أول من دَوَّنَهُ بأمر عمر بن عبد العزيز ابن شهاب ". انتهى ما في " تدريب الراوي "». قلت (السيد حسن الصدر): «كانت خلافة عمر بن عبد العزيز سنتين وخمسة أشهر مبدؤها عاشر صفر سَنَةَ ثمان أو تسع وتسعين ومات سَنَةَ إحدى ومائة لخمس أو لست مضين وقيل لعشر بقين من رجب، ولم يؤرخ زمان أمره ولا نقل ناقل امتثال أمره بتدوين الحديث في زمانه، والذي ذكره الحافظ ابن حجر من باب الحدس والاعتبار، لا عن نقل العمل بأمره بالعيان، ولو كان له عند أهل العلم بالحديث أثر بالعيان لما نصوا أن الإفراد لحديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان على رأس المائتين، كما اعترف به شيخ الإسلام وغيره ... قال ابن حجر: إلى أن رأى بعض الأئمة أن تفرد أحاديث النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاصة، وذلك في رأس المائتين وعدد جماعة ... وكذل الحافظ الذهبي في " تذكرة الحفاظ " نص أن أول زمن التصنيف وتدوين السنن وتأليف الفروع - بعد انقراض دولة بني أمية وتحول الدولة إلى بني

العباس ... ولا يقاس بالذهبي غيره في الخبرة بالتورايخ في أمثال هذه الأمور، فلم يذكر ما ذكره السيوطي، بل كل من كتب في الأوائل من علماء السُنَّةِ لم يذكره، اللهم إلا أن يقال باستبعاد عدم الأخذ بقول مثل عمر بن عبد العزيز، فلعله جمع بعده فلا يكون الحكم بجمعه في رأس المائة من القول السديد المحقق، عصمنا الله تعالى من التسرع في القول» (¬1). أقول: إن ما ذكره السيوطي ليس وَهْمًا بل حقيقة علمية، كما تبين لنا من البحث. وأما قصر مدة خلافة عمر بن عبد العزيز، وعدم تأريخ زمن أمره فإنه لا ينافي استجابة العلماء لأمر الخليفة. وأما أنه لم ينقل هذا ناقل فهذا حكم يناقض الدليل، فقد كثر الناقلون، ونص ابن عبد البر على «أن ابن شهاب امتثل لأمر الخليفة وكتب الحديث في دفاتر، وبعث الخليفة إلى كل أرض له عليها سلطان دفترًا» (¬2)، ولم يكن ما ذكره ابن حجر من باب الحدس والتخمين، ثم إن ما ذكره علماء الحديث من أن إفراد تدوين حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان على رأس المائتين - لا ينافي قط تدوينه استجابة لأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز، ونحن لا نشك في أن بعض المدونات الأولى في عصر رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي عصر الصحابة كانت خالية من فتاوى الصحابة، وأقوى دليل على هذا " الصحيفة الصادقة "، و " الصحيفة الصحيحة "، وإن كان بعض المصنفين قد كتب عمل الصحابة، وفتاواهم إلى جانب الحديث، فهذا لا ينافي كونهم دَوَّنُوا الحديث على رأس المائة الأولى وقبلها. ¬

_ (¬1) " تأسيس علوم الشيعة ": ص 278، 279. (¬2) انظر " جامع بيان العلم وفضله ": ص 76 جـ 1.

واستشهاده بما ذكره الحافظ الذهبي في " تذكرة الحفاظ " لا يجدي نفعًا، لأن الحافظ الذهبي لخص الحالة في القرن الأول، ولم يدرس التدوين دراسة موضوعية تفصيلية، ومع هذا نراه يذكر في تراجم من صنف من العلماء أنهم أول من صنفوا في بلادهم. وليس من المفروض على الذهبي أن يفصل في التدوين لأن " تذكرته " في رجال الحديث، لا في علم الحديث ومصطلحه. وأما أن أحدًا من الأوائل الذين كتبوا في الحديث وعلومه لم يذكر ما ذكره الجلال السيوطي، فهذا مردود بما كشف عنه بحثنا، فقد ذكر ذلك الرامهرمزي، وَبَيَّنَ سبب كراهة من كره الكتابة في الصدر الأول، وجمع بين أحاديث السماح بالكتابة والنهي عنها. وإذا كان الرامهرمزي لم ينقل إلينا النص كالسيوطي حرفيًا فقد ذكر ما يفهم منه أن بعض العلماء كانوا قد دونوا في القرن الأول (¬1) كما بَيَّنَ اهتمام عمر بن عبد العزيز بنشر السُنَّةِ والمحافظة عليها (¬2)، ووضع الخطيب البغدادي كتابه " تقييد العلم " لعرض سير التدوين في العصر الأول، وَبَيَّنَ كثيرًا مما خفي على الناس، وأثبت أن بعض طلاب العلم وأهله قد مارسوا التدوين في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعده. وروى أبو عبيد القاسم بن سلام (157 - 224 هـ) بسنده عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري، قال: «لَمَّا اسْتُخْلِفَ عَمْرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، أَرْسَلَ إِلَى المَدِينَةِ يَلْتَمِسُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّدَقَاتِ، وَكِتَابَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ... فَنُسِخَا لَهُ» (¬3)، فما أظن بعد هذا أن يَدَّعِي إنسان أن أمر عمر بن عبد العزيز لم ينفذ أو لم يؤخذ به، فما ذهب إليه علماء ¬

_ (¬1) انظر " المحدث الفاصل ": ص 71: آ - 71: ب. (¬2) انظر المرجع السابق: ص 153: آ. (¬3) " الأموال ": ص 358، 359.

الحديث من أن ابتداء تدوين الحديث وقع في رأس المائة الأولى ليس من باب الحدس والتسرع بالقول. ويحمل قولهم هذا على التدوين الرسمي الذي تبنته الدولة، أما التدوين الشخصي والفردي فكان منذ عهد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. بعد ما ذكره السيد حسن الصدر قال: «إذا عرفت هذا فاعلم أن الشيعة أول من تقدم في جمع الآثار والأخبار، في عصر خلفاء النبي المختار - عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، اقتدوا بإمامهم أمير المؤمنين - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -». ثم ذكر كتابًا لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كان عظيمًا مدرجًا، وذكر صحيفته المعلقة بسيفه، ثم ذكر كتابًا لأبي رافع مولى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سماه " كتاب السنن والأحكام والقضايا " , وقد توفي أبو رافع في أول خلافة عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قال السيد حسن الصدر: «وأول خلافة على أمير المؤمنين سَنَةَ خمس وثلاثين من الهجرة، فلا أقدم من أبي رافع في التأليف بالضرورة» (¬1). أقول: إذا صح هذا الخبر فإن أبا رافع يكون ممن دَوَّنَ في عصر الصحابة، وقد سبقه عبد الله بن عمرو الذي كتب في عهده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وإذا صح هذا الخبر وكان كتابه مرتبًا على الأبواب: (الصلاة والصيام والحج والزكاة والقضايا). ¬

_ (¬1) " تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ": ص 279، 280. وقد نقل عن الشيخ أبي العباس النجاشي ما ذكره عن أبي رافع، ثم قال السيد حسن الصدر: «وأول من صنف في الآثار مولانا أبو عبد الله سلمان الفارسي (ر) ... وأول من صنف الحديث والآثار بعد المؤسسين أبو ذر الغفاري صاحب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وله كتاب الخطبة يشرح فيها الأمور بعد النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكره الشيخ أبو جعفر الطوسي في " الفهرست ". ثم يذكر كتابًا لعبيد الله بن أبي رافع في قضايا أمير المؤمنين وكتاب " تسمية من شهد مع أمير المؤمنين الجمل وصفين والنهروان من الصحابة "، ثم ذكر بعض أخبار كتب لأشخاص طعن فيهم أهل السنة كالحارث بن عبد الله الأعور الهمداني، أو أخبار كتب لم تثبت عند أهل السنة، انظر " تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ": ص 282 وما بعدها.

كما ذكر السيد حسن الصدر، كان لأبي رافع شرف الأولوية في التأليف لا في التدوين، وصحة هذا لا تحملنا على أن ننفي ما ثبت تاريخيًا من أخبر التدوين في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز. [- ب -] ما دمنا في موضوع الشيعة والتدوين، فلا بد أن نتناول بالبحث أصلاً من أصول الزيدية، يعود تدوينه إلى مطلع القرن الثاني، وهذا الأصل هو " مجموع الإمام زيد " ونتناول هذا الكتاب في ثلاث نقاط، وهي التعريف بصاحب " المجموع "، والتعريف براويه، ثم " المجموع " ذاته. 1 - الإمام زيد: هو زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَمِيعًا -. ولد الإمام زيد [حَوَالَيْ] سَنَةَ (80 هـ)، ونشأ في أسرة معروفة بالعلم والجهاد، فقد تلقى العلم على أبيه ثم أخذ عن أخيه محمد الباقر الذي شهد له العلماء بالمنزلة العلمية الرفيعة، كما سمع من كبار التابعين في المدينة وكان يتنقل بين الحجاز والعراق، ونضج الإمام زيد حتى شهد أهل العلم بفضله وعلمه، سئل جعفر الصادق عن عمه زيد، فقال: «كان والله أقرأنا لكتاب الله، وأفقهنا في دين الله، وأوصلنا للرحم، والله ما تُرِكَ فينا لدنيا ولا لآخرة مثله». وقال الشعبي: «ما ولدت النساء أفضل من زيد بن علي ولا أفقه ولا أشجع ولا أزهد»، وسئل الباقر عن أخيه زيد، فقال: «إن زيدًا أعطى من العلم بسطة» (¬1). ولزيد مع هشام بن عبد الملك وولاته أخبار كثيرة تذكر إخراجهم له واضطراره إلى الخروج على الخليفة، ومن هذا ما ذكره ابن العماد الحنبلي أنه دخل يومًا على هشام بن عبد الملك، فقال له: «أنت الذي تنازعك نفسك في الخلافة ¬

_ (¬1) انظر مقدمة " مسند زيد " وترجمته: ص 3 وما بعدها.

وأنت ابن أمة!» فأجابه بقوله: «إن الأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات، وقد كانت أم إسماعيل أمة لإسحاق، - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِمَا -، فلم يمنعه ذلك من أن ابتعثه الله نبيًا، وجعله للعرب أبًا، وأخرج من صلبه خير البشر محمدًا - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -! أفتقول لي كذا وأنا ابن فاطمة وابن علي (¬1)!؟» وقام ينشد شعرًا وخرج من الكوفة وبايعه من أهلها خمسة عشر ألف رجل، ثم تفرقوا عنه ليلة خرج سوى ثلاثمائة رجل، ولما قتل أرسل برأسه إلى الشام ثم إلى المدينة، وكان ذلك سَنَة َ (122 هـ) (¬2). وللإمام زيد " المسند " المُسَمَّى " المجموع الفقهي ". وله " المجموع الحديثي "، وقد جمعهما (¬3) عمرو بن خالد الواسطي. وله أَيْضًا " تفسير الغريب من القرآن "، و" تثبيت الإمامة " , و" منسك الحج " (¬4). 2 - أما راوي " المجموع "، فهو أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي الهاشمي بالولاء الكوفي، روى " مجموعي " الإمام زيد الحديثي والفقهي، قال: «صحبت الإمام زيدًا فما أخذت عنه الحديث إلا وقد سمعته مرة أو مرتين أو ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك، وما رأيت هاشميًّا مثل زيد بن علي، فلذلك اخترت صحبته على جميع الناس» (¬5). وتوفي بعد العشر الخامسة من المائة الثانية من الهجرة. وقد اختلف في أبي خالد، فقبل الزيدية روايته، وفي هذا يقول القاسم ¬

_ (¬1) " شذرات الذهب ": ص 157 جـ 1، وانظر " الإمام زيد " لأبي زهرة: ص 42 - 66. (¬2) انظر " شذرات الذهب ": ص 157 جـ 1، و" الإمام زيد " لأبي زهرة: ص 42 - 66. (¬3) انظر " الإمام زيد " لأبي زهرة: ص 233. (¬4) انظر مقدمة " مسند زيد " (" المجموع "): ص: 4، 5. (¬5) انظر المرجع السابق: ص 26 و" الروض النضير " ص 28 جـ 1.

ابن عبد العزيز: «وعمرو بن خالد الواسطي أبو خالد، حدث عنه الثقات وهو كثير الملازمة لزيد بن علي - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، وهو الذي أخذ عنه أكثر الزيدية مذهب زيد بن علي - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ -، وَرَجَّحُوا روايته على رواية غيره» (¬1). وَجَرَّحَهُ الإمامية (¬2) وغيرهم. وقد فند شارح " المجموع " طعون الجارحين لعمرو وَبَيَّنَ أقوال العلماء فيه، وانتهى إلى أن كل ما وجه إليه لا يؤثر في عدالته (¬3)، وكذلك فند فضيلة الأستاذ محمد أبو زهرة الطعون وناقشها ووازن آراء العلماء، وانتهى إلى أن أوجه قبول رواية أبي خالد أرجح من أوجه الطعن (¬4). 3 - " المجموع ": واختلف في " المجموع " ذاته: هل وضعه الإمام زيد ورتبه كما هوعليه الآن وأملاه على طلابه أم أن هذا عمل أبي خالد؟ فأبو خالد نفسه يجيب إبراهيم بن الزبرقان الذي سأله: «كَيْفَ سَمِعْتَ هَذَا الكِتَابَ عَنْ زَيْدِ بْنَ عَلِيٍّ؟»، فيقول: «سَمِعتُهُ مِنْه فِي كِتَابٍ مَعَهُ قَدْ وَطَأَهُ وَجَمَعَهُ، فَمَا بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ زَيْدِ بْنِ عَلَيٍِّ مِمَّنْ سَمِعَهُ مَعِي إلاَّ قُتِلَ غَيْرَِي» (¬5). إلا أن الإمام محمد بن المطهر في أول شرحه " المنهاج على المجموع " يقول: «وَكَانَ مَذْهَبُهُ - يَعْنِي زَيْدُ بْنُ عَلَيٍِّ - عَزِيزًا، لِقِلَّةِ ضَبْطِهِ ' فِي الكِتَابِ الجَامِعِ إلاَّ مَا عَنِيَ بِجَمْعِهِ أَبُو خَالِدٍ، فَإِنَّه جَمَعَ مَجْمُوعَيْنِ لَطِيفَيْنِ، أَحَدُهُمَا فِي الأَخْبَارِ، وَالآخَرُ فِي الفِقْهِ» (¬6) ويمكن الجمع بين ¬

_ (¬1) " الروض النضير ": ص 28 جـ 1. (¬2) " الإمام زيد " لأبي زهرة: ص 233. (¬3) انظر " الروض النضير ": ص 25 - 47 جـ 1. وشارح " المجموع " العلامة شرف الدين بن الحيمي اليمني، وكان عرضه لذلك فيما تجدر مراجعته. (¬4) انظر " الإمام زيد " لأبي زهرة: ص 235 - 258. (¬5) " الروض النضير ": ص 28 جـ 1. (¬6) المرجع السابق: ص 27 جـ 1.

الخبرين بأن أبا خالد قد كتب عن الإمام زيد الحديث والفقه وسمع منه، فرتب ذلك في مجموعين. ولا نرى هذا بعيدًا قط، لأن أبا خالد صحب زَيْدًا بالمدينة قبل قدومه الكوفة خمس سنين، كان يقيم عنده في كل سَنَةٍ أَشْهُرًا كلما حج (¬1)، وكان عصر الإمام زيد عصر طلائع التصنيف، ومع هذا لا يمكننا أن نقطع بأن " المجموع " كما هو عليه الآن جمعًا وترتيبًا من تصنيف الإمام زيد، لأن الدارس لمتن " المجموع " يرى كثيرًا من الحديث يرويه أبو خالد قائلاً: «حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ»، وفي الفقه يقول: «قَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ»، مما يدل على أن أبا خالد تلقى هذا مشافهة عن الإمام زيد. وهذا لا يمنع أن يحمل الإمام بعض علمه في كتاب، سواء أملى على طلابه أم لم يمل، يُرَجَّحُ عِنْدِي أن أبا خالد كتب عن الإمام الحديث والفقه، ثم رتب ذلك في " مجموعين " وكل هذا لا يؤثر في صحة نسبة " المجموع " إلى زيد بن علي. وعلى هذا يكون " المجموع " من أهم الوثائق التاريخية التي تثبت ابتداء التصنيف والتأليف في أوائل القرن الثاني الهجري. بعد أن استنتجنا هذا من خلال عرضنا لمصنفات ومجاميع العلماء من غير أن نرى نموذجًا ماديًا يمثل أولى تلك المصنفات. اللهم إلا " موطأ الإمام مالك " الذي انتهى من تأليفه قبل منتصف القرن الهجري الثاني، فيكون " المجموع " قد صنف قبله بنحو ثلاثين سَنَةٍ. ومن الواضح أن " المجموع " المطبوع جمع بين الفقه والحديث، فهو يضم " المجموعين الفقهي والحديثي " ولكنهما ليسا منفصلين، فنرى أبا خالد يروي في الباب الواحد أحاديث مرفوعة إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَآثَارًا عن علي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وفقه الإمام زيد - رَحِمَهُ اللهُ -. ¬

_ (¬1) انظر " الروض النضير ": ص 28 جـ 1.

وقد ضم " المجموع " (228) حَدِيثًا مَرْفُوعًا إلى النبي - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، ومن الأخبار العَلَوِيَّةِ (320) خَبَرًا، وَعَنْ الحُسَيْنِ خَبَرَيْنِ فَقَطْ (¬1). وقد رتب " المجموع " ترتيبًا فقهيًّا، ففيه كتاب الطهارة، وكتاب الصلاة، وكتاب الجنائز، وكتاب الزكاة، وكتاب الصيام، وكتاب الحج، وكتاب البيوع ... ورتب كل كتاب على أبواب مختلفة، ويفتتح كل باب بحديث الباب بسنده المرفوع إلى الرسول الكريم - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - أو الموقوف على الإمام عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. وسأعرض بعض النماذج لنقف على حقيقة " المجموع ". [- أ -] مِنْ بَابِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ فِي الصَّلاَةِ: قَالَ: «حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - قَالَ: أَبْصَرَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلاً يَعْبَثُ بِلِحْيَتِهِ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ: " أَمَّا هَذَا لَوْ خَشَعَ قَلْبُهُ لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ "»، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - «إذاً دَخَلْتَ فِي الصَّلاَةِ فَلاَ تَلْتَفِتْ يَمِينًا وَلاَ شِمَالاً، وَلاَ تَعْبِثْ بِالحَصَى، وَلاَ تَرَفَعْ أَصَابِعَكَ وَلاَ تَنْقُضْ أَنَامِلَكَ، وَلاَ تَمْسَحْ جَبْهَتَكَ حَتَّى تَفْرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ» (¬2). [- ب -] مِنْ كِتَابِ البُيُوعِ، بَابُ الكَسْبِ بِاليَدِ: قَالَ: «حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَيُّ الكَسْبِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُؤْمِنَ المُحْتَرِفَ، وَمَنْ كَدَّ عَلَى عِيَالِهِ كَانَ كَالمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -». ¬

_ (¬1) انظر مقدمة " مسند زيد ": ص 9 (¬2) " مسند الإمام زيد ": ص 36، 37.

3 - رأي في التدوين الرسمي:

حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - قَالَ: «مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا حَلاَلاً تَعَطُّفًا عَلَى وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ زَوْجَةٍ، بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى وَوَجْهُهُ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ» (¬1). 3 - رَأْيٌ فِي التَّدْوِينِ الرَّسْمِيِّ: لقد تبين لي أثناء البحث في موضوع تدوين السُنَّةِ، وخاصة في دراسة رجال الحديث في عصر الصحابة والتابعين - أن أمير مصر عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي (- 85 هـ). قد حاول جمع حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد روى هذا إمام الديار المصرية ومحدثها اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، «أَنَّ عَبْدَ العَزِيزِ بْنَ مَرْوَانَ، كَتَبَ إِلَى كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الحَضْرَمِيِّ، - وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ بِحِمْصَ سَبْعِينَ بَدْرِيًّا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم -» قَالَ لَيْثٌ: «وَكَانَ يُسَمِّي الجُنْدَ المُقَدَّمَ» قَالَ: «فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِ بِمَا سَمِعَ مِنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم مِنْ أَحَادِيثِهِمْ إِلاَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنَّهُ عِنْدَنَا» (¬2)، لم يطلب حديث أبي هريرة لأنه كان عنده وكان قد سمعه عبد العزيز بن مروان من أبي هريرة (¬3). لقد طلب أمير مصر كتابة حديث رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - من إمام حمص وعالمها الذي كان طلابا للعلم حافظًا ثقة (¬4). وقد كان هذا الطلب أثناء إمارته على مصر سَنَةَ (65 - 85 هجرية)، ويمكننا أن نجد هذا بحد ¬

_ (¬1) " مسند الإمام زيد ": ص 103. (¬2) " طبقات ابن سعد ": ص 157 قسم 2 جـ 7، و" تهذيب التهذيب ": ص 429 جـ 8، وانظر " سير أعلام النبلاء " (مخطوط): ص 145 قسم 2 جـ 4. (¬3) انظر " تهذيب التهذيب ": ص 356 جـ 6. (¬4) انظر " تذكرة الحفاظ ": ص 49 جـ 1.

أقرب إلى الحقيقة إذا عرفنا أن كثير بن مرة توفي بين سَنَةَ (70 و 80) للهجرة (¬1)، فلو فرضنا أنه توفي سَنَةَ (75 هـ) فمعنى هذا أن طلب الأمير كان قبل هذه السَّنَةِ، والراجح عندي أن طلب الأمير عبد العزيز، كان في السنين الأولى من إمارته، لما عرف عنه من حب للعلم وأهله، وتفان في خدمة الدين (¬2). إلا أن المصادر لم تخبرنا عن امتثال كثير بن مرة للأمير. فنقف أمام هذا الخبر التاريخي متسائلين: ترى هل كتب كثير للأمير ما طلب منه من حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وإذا كتب إليه فما مقدار ما كتبه؟ وعن أي الصحابة كتب؟ ثم إلى من آلت تلك الصحف أو الدفاتر المدونة؟ كل هذه أسئلة تعرض أمامنا، وتحتاج إلى بحث وتنقيب، وريثما يكشف لنا التاريخ عن خبايا تراثنا الإسلامي العظيم، نجيب عن هذه الأسئلة على ضوء ما لدينا من أخبار قليلة. إن ما نعرفه من عناية هؤلاء بالحديث يرجح عندنا أن يستجيب كثير بن مرة لطلب الأمير، ولو ظن الأمير عبد العزيز امتناع عالم حمص عن إجابته ما كتب إليه، مما يرجح عندي أن كثيرًا تلقى رسالة الأمير وأجابه إلى طلبه، لما عرف عن كثير من نشاط علمي عظيم، ومن الصعب في هذا المجال أن نقدر مقدار ما كتب كثير، لأن المراجع لم تنص على شيء من هذا (¬3)، فأرجو ¬

_ (¬1) انظر " تهذيب التهذيب ": ص 429 جـ 8. (¬2) انظر " النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ": ص 171، 174 جـ 1، و" ولاة مصر " للكندي: ص 49. (¬3) لأن التاريخ الأموي دُوِّنَ في عهد الدولة العباسية وقد اهتم المؤرخون بالحوادث الكبرى وبالخلفاء والخطوط العريضة من حياة الأمراء، وكانت كثير من مزايا الأمويين تطمس أو تصغر تمشيًا مع سياسة العباسيين الذين لا يسرهم التحدث بمفاخر من قبلهم. انظر " أضواء على التاريخ الإسلامي ": ص 85. ونحن لا نشك بوجود مؤرخين منصفين نرجو أن نجد عندهم فيما بعد مَا يُرْوِي غَلِيلَنَا في هذه النقطة.

4 - المستشرقون ورأيهم في تدوين الحديث:

من الله أن أوفق فيما بعد للكشف عن ذلك وإيضاحه بما يكفل لنا الحكم العلمي الصحيح. ونقول الآن بعد هذا الخبر: إذا ثبتت استجابة كثير بن مرة لطلب أمير مصر، فيعني هذا أن بعض الحديث النبوي قد دُوِّنَ رَسْمِيًّا في منتصف العقد الهجري الثامن قبل انقضاء القرن الأول. وعلى أية حال، فإن اهتمام أمير مصر بحديث رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - وتدوينه يزيدنا ثقة بأن التدوين قد سار جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ مع الحفظ، ولم يتأخر قط إلى عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، فيكون شرف المساهمة في تدوين الحديث، قد كلل الوالد الأمير والابن الخليفة البار، ويكون لهما جَمِيعًا شرف العمل لحفظ الحديث وتدوينه رَسْمِيًّا. وأنا بهذه النتيجة لا أريد أن أخالف ما اشتهر عند أئمة هذا العلم من أن تدوين الحديث النبوي كان على رأس المائة الأولى في خلافة عمر بن عبد العزيز، بل أضع يدي على مفتاح بحث تاريخي له أهميته في تاريخ تدوين الحديث سواء أخالف هذا المشهور أم وافقه، وهذا المفتاح قد طوى في بطون تراثنا الزاخر، ينتظر من يتفرغ ليكشف عنه، فنحن في هذا لسنا بِدَعًا، ولا نأتي بشيء جديد سوى أننا ننفض غبار الماضي عن جواهرنا المكنونة، ونحاول أن نسلكها في عقد يصور لنا الحقيقة التاريخية. 4 - المُسْتَشْرِقُونَ وَرَأْيُهُمْ فِي تَدْوِينِ الحَدِيثِ: لقد عرفنا أن المسلمين حفظوا حديث النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صدورهم وصحفهم، فساهمت الذاكرة والأقلام والصحف والدفاتر في حفظ السُنَّةِ المُطَهَّرَةِ، وسار الحفظ في الصدور وفي الصحف جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ في سبيل هذه الغاية، ورأينا مراحل التدوين الفردي والرسمي، وثبت لنا وقوع التدوين في عهد رسول الله

- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي عصر الصحابة والتابعين، بأدلة قاطعة لا يرقى إليها الشك، ولا يعتريها الظن. وعرفنا أن ضرورة حفظ الحديث لم تنتظر خلافة عمر بن عبد العزيز وإذنه، بل دعت إلى تدوينه قبله بكثير، وكان لعمر بن عبد العزيز شرف مساهمة الدولة في تبني هذا التدوين والإشراف عليه، وتحريك همم العلماء للجمع والتصنيف، الذي ظهرت بوادره في النصف الأول من القرن الثاني، ونضجت ثماره في المصنفات الكثيرة التي أخرجها أوائل المصنفين في مختلف بلاد الدولة الإسلامية آنذاك. بعد هذا لن نؤخذ بما وصل إليه المستشرقون وأعلنوه من أن السُنَّةَ قد دُوِّنَتْ في عصر مبكر. ولن نقع فيما نصبه بعضهم من شراك خلف بحوثهم، وإن ظهرت بعض أبحاثهم في ثوب علمي نقي، فقد كتب جولدتسيهر فصلاً خاصًا حول كتابة الحديث في كتابه " دراسات إسلامية " أتى فيه بأدلة كثيرة على تدوين الحديث في أول القرن الهجري الثاني، وكان في الفصل الأول من كتابه «قد سرد طائفة من الأخبار، تشير إلى بعض الصحف التي دونت في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكنه حاطها بكثير من التشكك في أمرها، والريبة في صحتها، وقد رمى بهذا إلى غرضين، أحدهما: إضعاف الثقة باستظهار السُنَّةِ وحفظها في الصدور، لتعويل الناس منذ القرن الهجري الثاني على الكتابة، والآخر وصم السُنَّةَ كلها بالاختلاق ولوضع على ألسنة المدونين لها، الذين لم يجمعوا سَهْمًا إلا ما يوافق أهواءهم، ويعبر عن آرائهم ووجهات نظرهم في الحياة ... وحاول المستشرق «سوفاجيه» في كتابه " الحديث عند العرب " أن يفند المعتقد الخطأ عن وصول السُنَّةِ بطريق المشافهة وحدها، وجمع أدلة كثيرة

على تدوين الأحاديث والتعويل على هذا التدوين في عصر مبكر يبدأ أَيْضًا في مطلع القرن الهجري الثاني، وليس في حياة الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وغايته لا تختلف في شيء عن غاية جولدتسيهر» (¬1). ويقول الدكتور صبحي الصالح: «وأما " دوزي " فَلَعَلَّهُ يخدع برأيه المعتدل كَثِيرًا من علمائنا فضلاً عن أوساط المُتَعلِّمِينَ فينا، فقد كان هذا المستشرق يعترف بصحة قسم كبير من السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ التي حفظت في الصدور وَدُوِّنَتْ في الكتب بدقة بالغة وعناية لا نظير لها " وما كان يعجب لكثير من الموضوعات والمكذوبات تَتَخَلَّلُ كُتُبَ الحديث - فتلك كما يقول طبيعة الأشياء نفسها - بل للكثير من الروايات الصحيحة الموثوقة التي لا يرقى إليها الشك، (ونصف " صحيح البخاري " على الأقل جدير بهذا الوصف عند أشد المُحَدِّثِينَ غُلُوًّا في النقد) مع أنها (¬2) تشتمل على أمور كثيرة يَوَدُّ المؤمن الصادق لو لم ترد فيها (¬3). فلم يكن غرض هذا المستشرق خَالِصًا للعلم والبحث المُجَرَّدِ حين مال إلى الاعتراف بصحة ذلك النصيب الكبير من السُنَّةِ، وإنما كان يُفكِّرُ أَوَّلاً وَآخِرًا بما اشتملت عليه هذه السُنَّةُ الصَّحِيحَةُ، من نظرات مُسْتَقِلَّةٍ في الكون والحياة والإنسان، وهي نظرات لا يدرأ عنها استقلالها النقد والتجريح لأنها لم تنبثق من العقل الغربي المعجز، ولم تُصَوِّرْ حياة الغرب الطليقة من كل قيد!» (¬4) ¬

_ (¬1) انظر هذا البحث في " علوم الحديث ومصطلحه " للدكتور صبحي الصالح: ص 23 - 30 وما أشرنا إليه في الصفحة: 24، 25. (¬2) أي الروايات الصحيحة. (¬3) أشار الدكتور صبحي الصالح في هامش الصفحة 26 إلى أن: «عِبَارَةَ دُوزِي فِي الأَصْلِ أَوْقَحُ مِنْ أَنْ نُورِدَهَا عَلَى حَالِهَا»، وأحال إلى الأصل بالفرنسية. (¬4) " علوم الحديث ومصطلحه " للدكتور صبحي الصالح: ص 26.

وعثر المستشرق (شبرنجر) على كتاب " تقييد العلم " للخطيب البغدادي فوجد فيه شواهد وأخبارًا تدل على تدوين المسلمين للحديث في عصر مبكر فكتب مقالاً حول ما وجده. واطلع (جولدتسيهر) على ما كتبه سلفه (شبرنجر) وأيد فكرة كتابة المسلمين للحديث في عصر مبكر، إلا أنه «تأمل في الأخبار التي عرضها سلفه " شبرنجر " نقلاً عن الخطيب البغدادي وغيره، فوجدها تارة تقول بأن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجاز كتابة العلم، وطورًا تدعي بأنه نهى عنها، وتذكر مرة أن الصحابة حضوا عليها، ثم لا يلبث أن تروى كراهتهم لها، وَتَعْرِضَ كَتْبَ بَعْضِ التابعين للعلم، ثم تذكر استنكاف بعضهم الآخر - رأى ذلك فظن بهذه الأخبار سُوءًا، وأراد أن يرى خلالها يد الوضع والتزوير، فتصور حزبين متناضلين، اتخذا من هذه الأخبار سِلاَحًا، يذود كل منهما به عن رأيه، ويدفع خصمه، فقال: إن أهل الرأي - الذين اعتمدوا في وضع فروع الشريعة على عقلهم، وأهملوا شأن حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - - كان من حُجَجِهِمْ أن الحديث لم يكتب دهرًا طويلاً، فغابت معالمه، وتشتت أمره، وأيدوا رأيهم بأخبار اختلقوها، تثبت أنه لم يكتب، ولم يقف خصومهم (أهل الحديث) واجمين، بل فعلوا فعلتهم واختلقوا الأخبار تَأْيِيدًا لقولهم، فنسبوا إلى الرسول أحاديث في إباحة الكتابة» (¬1). هكذا رأى جولدتسيهر أهل الرأي يدعون عدم كتابة الحديث، فيضعون من الأخبار ما يثبت دعواهم، وأهل الحديث يرون جواز تقييد العلم، فيضعون ¬

_ (¬1) مجلة " الثقافة " المصرية: العدد 351، السنة السابعة، الصفحة: 22، 23 من مقالة أستاذنا الدكتور يوسف العش «نشأة تدوين العلم في الإسلام».

ما يثبت دعواهم، ليحتجوا بصحة ما لديهم من أحاديث في خلافاتهم الفقهية، أراد جولدتسيهر أن يصور علماء الأمة ومفكريها، حزبين متعصبين لآرائهم، يستجيزون الكذب في سبيل ذلك!! فساء ما تصوره وبئس ما انتهى إليه. وقد قيض الله لكتاب " تقييد العلم " أن ينشر في دمشق، ويحقق تحقيقًا علميًّا دقيقًا، على يدي الدكتور يوسف العش، الذي درس أخباره دراسة عميقة، ثم قدم للكتاب المذكور بتصدير علمي قيم، كشف فيه عن خطأ جولدتسيهر في رأيه حين قال: «إن من ادعى عدم جواز الكتابة هم أهل الرأي، وأن مخالفيهم هم من أهل الحديث» - قال الدكتور العش: «فالخلاف لم يكن بين هاتين الفئتين، لأن من أهل الرأي من امتنع عن الكتابة كعيسى بن يونس (- 187 هـ) وحماد بن زيد (- 179 هـ) وعبد الله بن إدريس (- 192 هـ)، وسفيان الثوري (- 161 هـ)، وبينهم من أقرها كحماد بن سلمة (- 167 هـ)، والليث بن سعد (- 175 هـ) وزائدة بن قدامة (- 161 هـ) ويحيى بن اليمان (- 189 هـ)، وغيرهم. ومن المحدثين من كره الكتابة كابن علية (- 200 هـ) وهُشيم بن بشير (- 183 هـ)، وعاصم بن ضمرة (- 174 هـ) وغيرهم، ومنهم من أجازها كبقية الكلاعي (- 197 هـ) وعكرمة بن عمار (- 159 هـ)، ومالك بن أنس (- 179) وغيرهم» (¬1). بهذه البراهين القوية نقض الدكتور يوسف العش رأي جولدتسيهر وقوض ¬

_ (¬1) " تقييد العلم ": ص 21، 22 وانظر مقالة الدكتور العش في مجلة " الثقافة " المصرية " العدد 353، السَنَةُ السابعة، الصفحة: 9، 10.

كل ما بناه على رأيه من صور وهمية، وبين بعد البحث والتأمل «أنْ ليس من أوصاف مشتركة تُوَحِّدُ بين أصحاب إحدى الطائفتين، فليس الفريقان حزبين اتفق أفرادهما في الرأي، واستعدُّوا لخوض المعركة متضامنين، يناصر بعضهم بعضًا، وإنما تَمَسَّكُوا برأيهم عن عقيدة نفسية، أو عن ميول شخصية، أو عن ذوق خاص، أو عن عادة مُسْتَحْكَمَةٍ، وعندنا أَنَّ الطائفتين المُتخاصمتين مُتَّفِقَتَانِ بِالغَايَةِ، ولو أنهما تشاحنتا في القول، فكلتاهما تبغي الدفاع عن العلم والتقدُّم» (¬1). بعد تلك الأخبار عن التدوين، وحرص الأمة على سلامة الحديث النبوي، لا يمكننا أن نسلم بما ذهب إليه المستشرقون، وخاصة بعد أن ظهر أمرهم على ضوء ما بيناه، فالسنة حفظت منذ عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصدور، وقيد بعضها في الصحف، وكانت محل اعتناء المسلمين في مختلف عصورهم، فتناقلوها جيلاً بعد جيل حفظًا ودراسة بالمشافهة والكتابة، واجتهدوا وسعهم لحفظ الحديث بأسانيده في مصنفات ومسانيد تكفل لأهل العلم معرفة القوي من الضعيف، خشية تسرب الكذب إلى حديثه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم اجتهد كبار العلماء في جمع الحديث الصحيح على أسلم قواعد التثبت العلمي، فرحلوا في طلب ذلك، وسمعوا بأنفسهم، وتثبتوا وسعهم، وكتبوا بأيديهم، فظهرت الكتب المجردة من الضعيف وأجمعت الأمة الإسلامية - التي فهمت الإسلام واتخذته سبيلها في مختلف وجوه حياتها - على صحة " صحيح البخاري " و" صحيح مسلم "، فإذا اعترف المستشرقون ببعض الحقيقة العلمية، وأقروا جانبًا مما أثبتته المصادر الإسلامية، فلا يجوز لنا على أي حال أن نقبل ما ذهبوا إليه من طعن في ¬

_ (¬1) مجلة " الثقافة " المصرية: العدد 353، السَنَة السابعة، الصفحة 10.

نتائج هذا الفصل:

صحاح السُنَّةِ، باسم طبيعة تطور الرواية أو غير ذلك، كما لا يجوز لنا أَيْضًا أن نقبل منهم إضعاف ثقتنا باستظهار السُنَّةِ وحفظها ما دام قد ثبت تقييد بعض الحديث منذ عهده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلا تعارض بين حفظ الحديث وكتابته، ولا يقتضي وجود أحدهما انعدام الآخر أو ضعفه. ... نَتَائِجُ هَذَا الفَصْلِ: 1 - دونت أحاديث في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي عهد الصحابة والتابعين، ووصلنا بعضها في المسانيد والصحاح وبعضها مستقلاً، وأشهر تلك الصحف التي دونت في عهده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العهد الذي أمر الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - بكتابته بين المسلمين ويهود المدينة، و" الصحيفة الصادقة " لعبد الله بن عمرو، وبعض " صحيفة جابر "، ومن أقدم ما وصلنا من عهد الصحابة " صحيفة همام بن منبه " عن أبي هريرة التي دونت قطعًا في العقد السادس من القرن الأول الهجري. 2 - تجلى لنا من البحث كثرة الكتب والمصنفات في أول القرن الهجري الثاني. 3 - إذا صحت نسبة " مجموع زيد " إلى الإمام زيد - وهو الراجح - يكون لدينا دليل مَادِيٌّ قوي على ما صُنِّفَ في أوائل القرن الهجري الثاني. 4 - إن محاولة أمير مصر جمع الحديث في العقد الثامن من القرن الأول الهجري دليل على اهتمام ولاة المسلمين بالحديث، وحرصهم على حفظه، ومحاولة رسمية من أولي الأمر لجمع السنة قبل الزمن المشهور بربع قرن.

5 - لم تسلم أبحاث من الخطأ المقصود أو غير المقصود، ولم يصب (جولدتسيهر) في تصوره واستنباطه من الأخبار الواردة في كراهة الكتابة وإباحتها، حين ظن قيام حزبين متخاصمين، أهل رأي، يضعون ما ينفي التدوين ليتمكنوا من الطعن في بعض الأحاديث ورفضها حسب ميولهم وأهوائهم، وأهل حديث، وضعوا ما يروق لهم من الأخبار التي تثبت التدوين ليتمكنوا من الاحتجاج ببعض الأحاديث التي تخدم غاياتهم وأهواءهم. فعلماء المسلمين وفقهاؤهم أرفع بكثير مما تصوره (جولدتسيهر)، وقد نهجوا جَمِيعًا المنهج العلمي الدقيق في سبيل الحفاظ على الشريعة الإسلامية. وبعد أن اطلعنا على تاريخ السُنَّةِ، منذ عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى منتصف القرن الهجري الثاني تقريبًا، وعرفنا كيف حفظت وكيف نقلت ورويت جيلاً بعد جيل، حتى وصلتنا سالمة خالصة من كل شائبة - أرى من واجبي أن أُعَرِّفَ بمشاهير رواة الحديث من الصحابة والتابعين، لنطلع على مكانتهم العلمية، ونعلم قيمة رجال الحديث الذين حافظوا على السُنَّةِ، وصانوها عبر الزمان، ونقلوها إلينا بكل أمانة، فهم سندنا، وسبيلنا إلى الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإلي سُنَّتِهِ الطَّاهِرَةِ، وهذا ما سأبحثه في الباب بعون الله. ***

الباب الخامس: أعلام رواة الحديث من الصحابة والتابعين:

البَابُ الخَامِسُ: أَعْلاَمُ رُوَّاةِ الحَدِيثِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: • الفصل الأول: بعض أعلام الرواة من الصحابة. • الفصل الثاني: بعض أعلام الرواة من التابعين.

الفصل الأول: بعض أعلام الرواة من الصحابة:

الفصل الأول: بَعْضُ أَعْلاَمُ الرُوَّاةِ مِنَ الصَّحَابَةِ: وفيه: 1 - تعريف الصحابي، لغة وشرعًا. 2 - طبقات الصحابة. 3 - كيف يعرف الصحابي؟. 4 - عدالة الصحابة. 5 - عدد الصحابة. 6 - علم الصحابي. 7 - المكثرون من الصحابة: • ابو هريرة. • عبد الله بن عمر. • أنس بن مالك. • عائشة أم المؤمنين. • عبد الله بن عباس. • جابر بن عبد الله. • أبو سعيد الخدري.

1 - تعريف الصحابي:

1 - تَعْرِيفُ الصَّحَابِي: الصحابي لغة: مشتق من الصحبة، وليس مشتقًا من قدر خاص منها، بل هو جار على كل من صحب غيره قليلاً كان أو كثيرًا، كما أن القول: مكلم ومخاطب وضارب مشتق من المكالمة، والمخاطبة والضرب، وجار على كل من وقع منه ذلك قليلاً كان أو كثيرًا، وكذلك جميع الأسماء المشتقة من الأفعال. وكذلك يقال صحب فلان حَوْلاً وَدَهْرًا وَسَنَةً وَيَوْمًا وَسَاعَةًً فيوقع اسم المصاحبة بقليل ما يقع منها وكثيره (¬1). والصحابي عند المحدثين: هو كل مسلم رأى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬2)، قال البخاري في " صحيحه ": «وَمَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ رَآهُ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ»، وَذَكَرَ الإِمَامُ أَحْمَدُ «مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ بَدْرٍ، ثُمَّ قَالَ: أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ هَؤُلاَءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ القَرْنُ الذِي بُعِثَ فِيهِمْ , كُلُّ مَنْ صَحِبَهُ سَنَةً أَوْ شَهْرًا أَوْ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً أَوْ رَآهُ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ , لَهُ مِنَ الصُّحْبَةُ عَلَى قَدْرِ مَا صَحِبَهُ , وَكَانَتْ سَابِقَتُهُ مَعَهُ , وَسَمِعَ مِنْهُ , وَنَظَرَ إِلَيْهِ» (¬3). ¬

_ (¬1) انظر " الكفاية في علم الرواية ": ص 51، و" فتح المغيث ": ص 31 جـ 4 عن أبي بكر الباقلاني، وانظر " لسان العرب ": ص 7 جـ 2. (¬2) انظر " مقدمة ابن الصلاح ": ص 118، و" الباعث الحثيث ": ص 201، و " تدريب الراوي ": ص 396، و" فتح المغيث ": ص 29 جـ 4. (¬3) " الكفاية في علم الرواية ": ص 51، و" تلقيح فهوم أهل [الأثر] " [لابن الجوزي]: ص 27: ب.

قال ابن الصلاح: «وَبَلَغَنَا عَنْ أَبِي المُظَفَّرِ السِّمْعَانِيِّ المَرْوَزِيِّ أَنَّهُ قَالَ: " أَصْحَابُ الحَدِيثِ يُطْلِقُونَ اسْمَ الصَّحَابَةِ عَلَى كُلِّ مَنْ رَوَى عَنْهُ حَدِيثًا أَوْ كَلِمَةً، وَيَتَوَسَّعُونَ حَتَّى يَعُدُّونَ مَنْ رَآهُ رُؤْيَةً مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهَذَا لِشَرَفِ مَنْزِلَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَوْا كُلَّ مَنْ رَآهُ حُكْمَ الصُّحْبَةِ (*)» (¬1). وقال آخرون: لا بد في إطلاق الصحبة مع الرؤية أن يروى حديثًا أو حديثين (¬2). قَالَ الوَاقِدِيُّ: «وَرَأَيْتُ أَهْلَ العِلْمِ يَقُولُونَ: كُلُّ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ أَدْرَكَ الحُلُمَ فَأَسْلَمَ وَعَقَلَ أَمْرَ الدِّينِ وَرَضِيَهُ فَهُوَ عِنْدَنَا مِمَّنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» (¬3). إلا أن تعريف الواقدي هذا يخرج بعض الصحابة الذين رأوا رسول الله وهم دون الحُلُمِ وَرَوَوْا عنه، كعبد الله بن عباس والحسن والحسين وابن الزبير وغيرهم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، ولذلك قال العراقي: «وَالتَّقْيِيدُ بِالبُلُوغِ [- كَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ -] شَاذٌّ» (¬4). قَالَ إِمَامُ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: «الصَّحَابَةُ لاَ نَعُدُّهُمْ إِلاَّ مَنْ أَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ , وَغَزَا مَعَهُ غَزْوَةً أَوْ غَزْوَتَيْنِ» (¬5). قال ابن الصلاح: «وَكَأَنَّ المُرَادَ بِهَذَا - إِنْ صَحَّ عَنْهُ - رَاجِعٌ إِلَى المَحْكِيِّ عَنْ ¬

_ (¬1) " مقدمة ابن الصلاح ": ص 118، و" فتح المغيث ": ص 30، 31 جـ 4. (¬2) انظر " الباعث الحثيث ": ص 203، و" فتح المغيث ": ص 32 جـ 4. (¬3) " تلقيح فهوم أهل الأثر ": ص 27: ب ونحوه في " فتح المغيث ": ص 32 جـ 4، و" الكفاية ": ص 51. (¬4) " فتح المغيث ": ص 32 جـ 4. (¬5) " الكفاية ": ص 50، 51، و" الباعث الحثيث ": ص 203، و" تلقيح فهوم أهل الأثر ": ص 27: ب، و" تدريب الراوي ": ص 398. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) ورد في المطبوع (الصحابة) والصواب (الصُّحْبَةِ) انظر " مقدمة ابن الصلاح "، تحقيق وشرح الشيخ نور الدين عتر، ص 293، طبعة سنة: 1406هـ - 1986م، نشر: دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر بدمشق - سوريا.

الأُصُولِيِّينَ، وَلَكِنْ فِي عِبَارَتِهِ ضِيقٌ يُوجِبُ أَلاَّ يُعَدَّ مِنَ الصَّحَابَةِ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ البَجَلِيُّ وَمَنْ شَارَكَهُ ... » (¬1). قال العراقي: «وَلاَ يَصِحُّ هَذَا عَنْ ابْنِ المُسَيِّبِ، فَفِي الإِسْنَادِ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ ضَعِيفٌ فِي الحَدِيثِ» (¬2). قال ابن الجوزي: «وَعُمُومُ العُلَمَاءِ عَلَى خِلاَفِ قَوْلِ ابْنِ المُسَيِّبِ، فَإِنَّهُمْ عَدُّوا جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ (البَجَلِيَّ) مِنَ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا أَسْلَمَ فِي سَنَةِ عَشْرٍ، وَعَدُّوا مِنَ الصَّحَابَةِ، مَنْ لَمْ يَغْزُ مَعَهُ، وَ (مَنْ) تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ صَغِيرُ السِنِّ، وَلَمْ يُجَالِسْهُ وَلَمْ يُمَاشِهِ، فَأَلْحَقُوهُ بِالصَّحَابَةِ إِلْحَاقًا وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الصُّحَبَةِ لَمْ تُوجَدْ فِي حَقِّهِ» (¬3). قال ابن حجر: «أَصَحُّ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابِيَّ: مَنْ لَقِيَ النَّبيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنًا بِهِ، وَمَاتَ عَلَى الإِسْلاَمِ، فَيَدْخُلُ فِيمَنْ لَقِيَهُ مَنْ طَالَتْ مُجَالَسَتُهُ أَوْ قَصُرَتْ، وَمَنْ رَوَى عَنْهُ أَوْ لَمْ يَرْوِ، وَمَنْ غَزَا مَعَهُ أَوْ لَمْ يَغْزُ، وَمَنْ رَآهُ رُؤْيَةً وَلَمْ يُجَالِسْهُ، وَمَنْ لَمْ يَرَهُ لِعَارِضٍ كَالعَمَى» (¬4). وهو رأي الجمهور. والرؤية عند أنس بن مالك - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لا تكفي لجعل الرائي صحابيًا. رَوَى شُعْبَةُ عَنْ مُوسَى السَّبْلاَنِيَّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا، قُلْتُ لأَنَسٍ بْنِ مَالِكَ: «"هَلْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ غَيْرُكَ؟ " قَالَ: " نَاسٌ مِنَ ¬

_ (¬1) " فتح المغيث ": ص 32 جـ 4. (¬2) " فتح المغيث ": ص 32 جـ 4. (¬3) " تلقيح فهوم أهل الأثر ": ص 27: ب. (¬4) " الإصابة ": ص 4 جـ 1، وهكذا ليس من عاصر الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يره صحابيًا كما قاله بعضهم، انظر جميع المراجع السابقة.

الأَعْرَابِ رَأَوْهُ، فَأَمَّا مَنْ صَحِبَهُ فَلاَ ". رواه مسلم بحضرة أبي زرعة» (¬1). قَالَ أَبُو بَكْرٍالبَاقِلاَّنِيُّ (338 - 403 هـ) بَعْدَ أَنْ عَرَّفَ الصَّحَابِيَّ لُغَةً: «وَكَذَلِكَ يُقَالُ: صَحِبْتُ فُلاَنًا حَوْلاً وَدَهْرًا وَسَنَةً وَشَهْرًا وَيَوْمًا وَسَاعَةً , فَيُوقَعُ اسْمُ المُصَاحَبَةِ بِقَلِيلِ مَا يَقَعُ مِنْهَا وَكَثِيرِهِ , وَذَلِكَ يُوجِبُ فِي حُكْمِ اللُّغَةِ إِجْرَاءَ هَذَا عَلَى مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ , هَذَا هُوَ الأَصْلُ فِي اشْتِقَاقِ الاسْمِ , وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ تَقَرَّرَ لِلأُمَّةِ (¬2) عُرْفٌ فِي أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَعْمِلُونَ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ إِلاَّ فِيمَنْ كَثُرَتْ صُحْبَتُهُ وَاتَّصَلَ لِقَاؤُهُ , وَلاَ يُجْرُونَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَقِيَ المَرْءَ سَاعَةً , وَمَشَى مَعَهُ خُطًى , وَسَمِعَ مِنْهُ حَدِيثًا , فَوَجَبَ لِذَلِكَ أَنْ لاَ يُجْرَى هَذَا الاسْمُ فِي عُرْفِ الاِسْتِعْمَالِ إِلاَّ عَلَى مَنْ هَذِهِ حَالُهُ» (¬3). ومع هذا فإن خبر الثقة الأمين عنه مقبول ومعمول به وإن لم تطل صحبته، ولا سمع منه إلا حديثًا واحدًا. فقول أنس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لا يخالف عرف الأمة، ومما لا شك فيه أن الصحابة على درجات بحسب تقدمهم وبلائهم في الإسلام. وإلى رأي الجمهور أميل وبه أقول، لأنه في الحقيقة لَمْ يَرْوِ صحابي عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثًا إلا قد ثبتت عدالته عند جهابذة هذا العلم، بتطبيق قواعد النقد العلمي الصحيحة، التي طبقوها في علم الحديث على سائر الرواة، وسيتجلى لنا ما ذهبت إليه عندما نتكلم عن عدالة الصحابة. ¬

_ (¬1) " الباعث الحثيث ": ص 203، قال ابن الصلاح: «إسْنادُهُ جيِّدٌ، حدَّثَ بهِ مُسْلِمٌ بِحَضْرَةِ أَبِي زُرْعَةَ». وانظر " فتح المغيث ": ص 31 جـ 4. وقال في كلام أبي زرعة الرازي وأبي داود ما يقتضي أن الصحبة أخص من الرؤية: «فَإِنَّهُمَا قَالاَ فِي طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ: لَهُ رُؤْيَةٌ وَلَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ. وَقَالَ عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: قَدْ رَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ صُحْبَةٌ ... » وقال ابن كثير: «وَهَذَا إِنَّمَا نَفَى فِيه الصُّحْبَةَ الخَاصَّةَ، وَلاَ يَنْفِي مَا اِصْطَلَحَ عَلَيه الجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ مُجَرَّدَ الرُّؤًيَةِ كَافٍ فِي إِطْلاَقِ الصُّحْبَةِ». " الباعث الحثيث ": ص 203، وانظر " الكفاية ": ص 50. (¬2) في " الكفاية ": ص 51 «لِلأُمَّةِ» وفي " فتح المغيث ": «لِلأَئِمَّةِ». (¬3) " الكفاية ": ص 51. و" فتح المغيث ": ص 31 جـ 4.

2 - طبقات الصحابة:

والصحابي عند الأصوليين أو بعضهم: هو كل من طالت مجالسته للرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، على طريق التبع له والأخذ عنه (¬1) وقول أنس بن مالك وسعيد بن المسيب قريب من قول الأصوليين. 2 - طَبَقَاتُ الصَّحَابَةِ: صحيح أن أصحاب الحديث يطلقون اسم الصحبة على كل من روى عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثًا أو كلمة، ويتوسعون حتى إنهم يعدون من رآه رؤية من الصحابة، قالوا هذا لشرف منزلة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلا أن الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - طبقات ودرجات، فهناك السابقون في الإسلام، الذين طالت صحبتهم، وبذلوا أموالهم ودماءهم للدعوة، وهناك من رآه في حجة الوداع رؤية، وبين هؤلاء وهؤلاء درجات ومراتب كثيرة، وهناك من لازمه في الليل والنهار، في حله وظعنه، في صيامه وفطره، في مرحه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - وجده، في جهاده ومناسكه، وعرف عنه كثيرًا من دقائق الأعمال وشرف السنن، فلا يعقل أن يكون جميع الصحابة في مرتبة واحدة، ولا يتصور هذا في ميزان العدالة والمنطق، لذلك كان الصحابة طبقات بإجماع الأمة، واختلف المؤلفون في تصنيف الصحابة إلى طبقات، فجعلهم ابن سعد خمس طبقات، وجعلهم الحاكم اثنتي عشرة طبقة، وزاد بعضهم أكثر من ذلك (¬2). ¬

_ (¬1) انظر " تدريب الراوي ": ص 397، و" فتح المغيث ": ص 31، 32 جـ 4. حكاه أبو المظفر السمعاني عن الأصوليين وقال: «إِنَّ اسْمَ الصَّحَابِيِّ يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ» (*). وحكاه الآمدي وابن الحاجب وغيرهما، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " العُدَّةِ " فَقَالَ: «الصَّحَابِيُّ هُوَ الذِي لَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَقَامَ مَعَهُ وَاتَّبَعَهُ دُونَ مَنْ وَفَدَ عَلَيْهِ خَاصَّةً، وَانْصَرَفَ مِنْ غَيْرِ مُصَاحَبَةٍ وَلاَ مُتَابَعَةٍ». فلا ينصرف إليه هذا الاسم. (¬2) انظر " الباعث الحثيث: ص 207، و " فتح المغيث ": ص 40، 41 جـ 4. و " تدريب الراوي ": ص 407. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [في الكتاب المطبوع: ورد: «مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ وَالظَّاهِرِ» وعند كلمة «اللُّغَةِ» ينتهي قول أبي المظفر السمعاني، وبقية القول للسخاوي: «وَالظَّاهِرُ أَنَّ المُحَدِّثِينَ تَوَسَّعُوا فِي إِطْلاَقِ اسْمِ الصُّحْبَةِ ... »].

والمشهور ما ذهب إليه الحاكم، وهذه الطبقات هي: (¬1) 1 - قوم تقدم إسلامهم بمكة، كالخلفاء الأربعة. 2 - الصحابة الذين أسلموا قبل تشاور أهل مكة في دار الندوة. 3 - مهاجرة الحبشة. 4 - أصحاب العقبة الأولى. 5 - أصحاب العقبة الثانية، وأكثرهم من الأنصار. 6 - أول المهاجرين الذين وصلوا إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقُباء قبل أن يدخل المدينة. 7 - أهل بدر. 8 - الذين هاجروا بين بدر والحديبية. 9 - أهل بيعة الرضوان في الحديبية. 10 - من هاجر بين الحديبية وفتح مكة، كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأبي هريرة (¬2). 11 - مسلمة الفتح، الذين أسلموا في فتح مكة. 12 - صبيان وأطفال رأوا النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الفتح وفي حجة الوداع وغيرها. وقد أجمع أَهْلُ السُنَّةِ على أن أفضل الصحابة أبو بكر ثم عمر، ولم يختلف أحد من الصحابة والتابعين في أفضليتهم على جميع ¬

_ (¬1) " معرفة علوم الحديث ": ص 22 - 24. (¬2) لا يصح التمثيل بأبي هريرة فإنه هاجر قبل الحديبية عقب خيبر بل في أواخرها. فانظر " فتح المغيث ": ص 40 جـ 4. وانظر ترجمته في هذا الكتاب.

3 - كيف يعرف الصحابي؟:

الصحابة (¬1)، ثم عثمان بن عفان، ثم علي، وحكى الخطابي عن أهل السنة من الكوفة تقديم عَلِيٍّ على عثمان، وبه قال ابن خزيمة، ثم بعدهم بقية العشرة المبشرين بالجنة (¬2)، ثم أهل بدر، ثم أُحُدْ، ثم بيعة الرضوان، وممن لهم مزية أهل العقبتين من الأنصار، والسابقون الأولون، وهم من صلى القبلتين في قول ابن المسيب ومحمد بن سيرين وقتادة، وفي قول الشعبي أهل بيعة الرضوان، وفي قول محمد بن كعب وعطاء بن يسار أهل بدر وقيل: هم الذين أسلموا قبل الفتح، وهو قول الحسن البصري (¬3). 3 - كَيْفَ يُعْرَفُ الصَّحَابِيُّ؟: يعرف الصحابي بأحد الأدلة التالية: [1] الخبر المتواتر: كأبي بكر وعمر وبقية العشرة المبشرين بالجنة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -. [2] الخبر المشهور أو المستفيض القاصر عن حد التواتر، كعكاشة بن محصن، وضمام بن ثعلبة. [3] أن يخبر أحد الصحابة عنه أنه صحابي، كَحُمَمَةُ بْنُ أَبِي حُمَمَةَ الدَّوْسِيُّ الذي توفي بأصبهان مبطونًا، فشهد له أبو موسى الأشعري أنه سمع النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ¬

_ (¬1) وإنما الخلاف في عثمان وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، ولا مبالاة بأقوال أهل التشيع ولا أهل البدع. (¬2) انظر " الباعث الحثيث ": ص 208 و" فتح المغيث ": ص 41، و" تدريب الراوي ": ص 407 وتمام العشرة المبشرين بالجنة: سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة عامر بن الجراح. (¬3) انظر " تدريب الراوي ": ص 409، و" الباعث الحثيث ": ص 208، و" فتح المغيث ": ص 43 جـ 4.

4 - عدالة الصحابة:

4 - أن يخبر عن نفسه بأنه صحابي بعد ثبوت عدالته ومعاصرته للرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1). 5 - أن يخبر أحد التابعين بأنه صحابي بناء على قبول التزكية من واحد وهو الراجح (¬2). ويمكن ضم الثالث والخامس أحدهما إلى الآخر فنقول أن يخبر بذلك من تقبل شهادته، فالصحبة رتبة ومكانة لا تثبت لأحد إلا بدليل أو بينة توافرت فيها جميع الشروط والأركان التي يجب أن تتوافر في كل بيئة، فإذا قامت البينة المقبولة لأحد في ذلك نال شرف الصحبة. 4 - عَدَالَةُ الصَّحَابَةِ: إن للصحبة شرفًا عظيمًا، يمنح صاحبها ميزة خاصة، وهي أن جميع الصحابة عند من يعتد به من أهل السُنة عدول، سواء من لابس منهم الفتن ومن لم يلابس (¬3)، وهو قول الجمهور. وقال قوم: إن حكمهم في العدالة حكم من بعدهم في لزوم البحث عن عدالتهم عند الرواية. ومنهم من قال: إنهم لم يزالوا عُدُولاً إلى أن وقع الاختلاف والفتن بينهم أبعد ذلك لا بد من البحث في عدالتهم. ¬

_ (¬1) راجع تفصيل ذلك في " فتح المغيث ": ص 34 جـ 4، و" تدريب الراوي ": ص 400، و" الباعث الحثيث ": ص 215، و" الروض الباسم ": ص 128 - 130. (¬2) انظر " تدريب الراوي ": ص 400 وهذا ما زاده ابن حجر على ما ذكره غيره من طرق معرفة الصحابي، وقد استخرجت هذه الطرق من المراجع السابقة: " فتح المغيث ": ص 34 جـ 4، و" تدريب الراوي ": ص 399، و" الباعث الحثيث ": ص 215، و" الكفاية ": ص 51. (¬3) انظر " الكفاية ": ص 46 - 49، و" الباعث الحثيث ": ص 205، و" فتح المغيث ": ص 35 جـ 4، و" تدريب الراوي ": ص 400.

ومنهم من قال - وهم المعتزلة - (¬1) إن كل من قاتل عَلِيًّا عالمًا فهو فاسق مردود الرواية والشهادة، لخروجهم على الإمام الحق. ومنهم من قال برد رواية الكل وشهادتهم، لأن أحد الفريقين فاسق وهو غير معلوم ولا معين. ومنهم من قال بقبول رواية كل واحد منهم وشهاته إذا انفرد، لأن الأصل فيه العدالة، وقد شككنا في فسقه، ولا يقبل ذلك منه مع مخالفه، لتحقق فسق أحدهما من غير تعيين. والمختار إنما هو مذهب الجمهور من الأئمة، وذلك بالأدلة على عدالتهم ونزاهتهم وتميزهم على من بعدهم (¬2). قال ابن حزم: «نقول بفضل المهاجرين الأولين بعد عمر بن الخطاب ... ثم بعد هؤلاء أهل العقبة " الأنصار الذين بايعوه بيعة العقبة "، ثم أهل بدر ثم أهل المشاهد مشهدًا مشهدًا، وأهل كل مشهد أفضل من المشهد الذي بعده حتى يبلغ الأمر إلى الحديبية، فكل من تقدم ذكره من المهاجرين والأنصار - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - إلى تمام بيعة الرضوان فإنا نقطع على غيب قلوبهم أنهم كلهم مؤمنون صالحون (¬3)، ماتوا كلهم على الإيمان والهدى والبر، ¬

_ (¬1) صرح بذلك ابن كثير في " الباعث الحثيث ": ص 305. (¬2) انظر " الإحكام في أصول الأحكام " للآمدي: ص 128 جـ 2 ونحوه في " فتح المغيث ": ص 36 جـ 4. (¬3) بالرغم من مكانة الصحابة، وبذلهم وتفانيهم من أجل الدعوة، (طعن النَظَّامُ في أكثر الصحابة، وأسقط عدالة ابن مسعود، ونسبه إلى الضلال من أجل روايته عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ... » وما ذاك منه إلا لإنكاره معجزات النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وطعن في فتاوى عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - من أجل أنه حَدَّ في الخمر ثمانين، ونفى نصر بن الحجاج حين خاف فتنة نساء المدينة به ... طعن في فتاوى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ =

كلهم من أهل الجنة، لا يلج أحد منهم النار» (¬1). ¬

_ = عَنْهُ -، لقوله في أمهات الأولاد ... وثلب عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. ونسب أبا هريرة إلى الكذب من أجل أن الكثير من رواياته على خلاف مذهب القدرية، وطعن في فتاوى كل من أفتى من الصحابة بالاجتهاد ... ونسب أخبار الصحابة إلى الجهل والنفاق ... ). كما أن واصل بن عطاء زعيم المعتزلة يشك في عدالة عَلِيٍّ وَبَنِيهِ، وابن عباس وطلحة والزبير وعائشة، وكل من شهد حرب الجمل من الفريقين، ولذلك قال: «لو شهد عندي عَلِيٌّ وطلحة على باقة بقل لم أحكم بشهادتهما، لعلمي بأن أحدهما فاسق ولا أعرفه بعينه»، فشك في عدالة عَلِيٍّ وطلحة، والزبير، مع شهادة النبي - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - لهؤلاء الثلاثة بالجنة، ومع دخولهم في بيعة الرضوان، وفي جملة الذين قال الله تعالى فيهم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [سورة الفتح، الآية: 18]. وقد كان أبو الهذيل العلاف والجاحظ، وأكثر القدرية في هذا الباب على رأي واصل بن عطاء فيهم. انظر " الفرق بين الفرق " لعبد القاهر بن طاهر البغدادي: ص 304 - 307 وانظر [" تأويل مختلف الحديث "]: ص 21 - 37 وما بعدها. وأما الخوارج فقد كَفَّرُوا عَلِيًّا وابنيه، وابن عباس، وأبا أيوب الأنصاري، وَكَفَّرُوا عثمان وعائشة وطلحة والزبير، وَكَفَّرُوا كل من لم يفارق عَلِيًّا ومعاوية بعد التحكيم. وأما الزيدية منهم، فالجارودية منهم يُكَفِّرُونَ أبا بكر وعمر وعثمان وأكثر الصحابة، وكذلك السليمانية والبشرية. وأما الإمامية منهم فقد زعم أكثرهم أن الصحابة ارتدت بعد النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سوى عَلِيٍّ وابنيه ومقدار ثلاثة عشر منهم. وزعمت الكاملية منهم أن عَلِيًّا أَيْضًا ارتد وكفر بترك قتالهم. (" الفرق بين الفرق ": ص 307، 308). أقول: «هذا وهم واتباع لهوى فاسد لا يقول به من عرف للصحابة قدرهم وبذلهم ومكانتهم وإن كل ما جرى بينهم في الفتنة من باب الاجتهاد، وإن لمن اجتهد وأصاب أجرين ولمن أخطأ أجر، فلا سبيل لأحد أن يحط من قدرهم، ويطعن في عدالتهم». ثم نقول: «كيف يكون الرافضة والخوارج والقدرية والجهمية، والنجارية، والبكرية، والضرارية موافقين للصحابة؟ وهم بأجمعهم لا يقبلون شيئًا مما رُوِيَ عن الصحابة في أحكام الشريعة لامتناعهم من قبول روايات الحديث والسير والمغازي، من أجل تكفيرهم لأصحاب الحديث الذين هم نقلة الأخبار والآثار ورواة التواريخ والسير ... ولم يكن بحمد الله وَمَنِّهِ في الخوارج ولا في الروافض ولا في الجهمية ولا في القدرية ولا في المجسمة ولا في سائر أهل الأهواء الضالة قط إمام في الفقه، ولا إمام في رواية الحديث». (" الفرق بين الفرق ": ص 308). (¬1) " ابن حزم: حياته وعصره وآراؤه الفقهية " لأبي زهرة: ص 259.

ويتبين لنا من كلام ابن حزم أن أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بيعة الرضوان في غزوة الحديبية كلهم من أهل الجنة، معتمدًا في ذلك على ما ورد من نصوص في القرآن وَالسُنَّةِ، وأما من جاؤوا بعد هؤلاء فلم يقطع بأنهم من أهل الجنة. وقال شارح " مُسَلَّمَ الثُّبُوتِ ": «إن عدالة الصحابة مقطوعة لا سيما أصحاب بدر وبيعة الرضوان، كيف لا وقد أثنى عليهم الله تعالى في مواضع عديدة من كتابه، وبين رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فضائلهم غير مرة» (¬1). ويقول في موضع آخر: «واعلم أن عدالة [الصحابة] الداخلين في بيعة الرضوان والبدريين كلهم مقطوع العدالة، لا يليق المؤمن أن يمتري فيها، بل الذين آمنوا قبل فتح مكة أَيْضًا عادلون قطعًا، داخلون في المهاجرين والأنصار، وإنما الاشتباه في مسلمي فتح مكة، فإن بعضهم من مؤلفة القلوب، وهم موضع الخلاف، والواجب علينا أن نكف عن ذكرهم إلا بخير فافهم» (¬2). فمسلمو الفتح لم ينص على عدالتهم ومع هذا يوجد ما يدل على عدالتهم، وسنتعرض لهذا بعد قليل. وقد ورد في الصحابة ما يوجب لهم العدالة، ويجعلهم في ذروة الثقة والائتمان، فقد زكاهم الله تعالى ورسوله، وتقبلت الأمة ذلك بالإجماع، فلا سبيل إلى الطعن في أكابرهم كما يفعل بعض أهل الأهواء قديمًا وحديثًا (¬3). ¬

_ (¬1) " شرح مسلم الثبوت ": ص 401 جـ 2. (¬2) " المنهج الحديث في علوم الحديث ": ص 62 عن " شرح مسلم الثبوت ". (¬3) سبق أن بَيَّنَّا طعن بعض المنحرفين قديمًا في الصحابة، ومن الطاعنين المُحْدَثِينَ عبد الحُسين شرف الدين في كتابه " أبو هريرة " وَأَبُو رَيَّةَ في كتابه " أضواء على السنة المحمدية "، وقد تصدى لهما أكابر علماء العصر، وبعد قليل نفند ذلك في بحثنا عن بعض أعلام الرواة.

[1]- أدلة عدالة الصحابة من الكتاب:

[1]- أَدِلَّةُ عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ مِنَ الكِتَابِ: قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجِدًّا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (¬1). وقال عز من قائل: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ} (¬2). وقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (¬3). وقال: {لِلْفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاَ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ¬

_ (¬1) [سورة الفتح، الآية: 29]. (¬2) [سورة التوبة، الآية: 100]. (¬3) [سورة الأنفال، الآية: 74].

وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (¬1). وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (¬2). تلك آيات كريمة تشهد بفضل ومكانة جميع الصحابة الذين كانوا مع رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أول الدعوة حتى غزوة الحديبية، وهناك آيات أخرى تذكر فضلهم في كثير من المواقف في الهجرة والجهاد والغزوات. وإن هذه وتلك أدلة قطعية - كما ذكر شارح " مسلم الثبوت " وابن حزم - تنص على عدالة الصحابة، لقد رضي عنهم ورضوا عنه، فهل بعد ذلك نطلب رضاء الناس عنهم وتعديلهم إياهم، وهل لإنسان بعد ذلك أن يطعن فِي صَحَابَةٍ نُصَّ عَلَى عَدَالَتِهِمْ ولم يبد ما يجرحهم أو يقدح فيهم، وعجب كل العجب مما يدعى البحث عن الحق والعمل على جمع الكلمة وتوحيد صفوف المسلمين أن يطعن في الصحابة الكرام، بل يسف في ذلك وينحط إلى الحضيض، حين يتهكم ويسخر من بعضهم، ويرى أن كثيرًا من روايات بعض الصحابة كأبي هريرة التي جاءت في " الصحيحين " كذب، وأن الجمهور أخذوا بها في فروع ¬

_ (¬1) [سورة الحشر، الآيات: 8 - 10]. (¬2) [سورة الفتح، الآية: 18].

[2]- أدلة عدالة الصحابة من السنة:

الدين معتمدين في ذلك كله على عدالة الصحابة جَمِيعًا، ويقول هذا الطاعن - وهو عبد الحسين شرف الدين -: «ولا عجب منهم " الجمهور " في ذلك بعد بنائهم على أصالة العدالة في الصحابة أجمعين حيث لا دليل على هذا الأصل ... » (¬1). فهل بعد هذه الآيات مجال للشك في عدالة الصحابة الذين أسلموا قبل الفتح؟ إن النصوص تنطق واضحة بذلك لا تحتمل التأويل والظن، ولكن الهوى المتبع يحمل صاحبه على إنكار الحق ولو كان كالشمس في رابعة النهار {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (¬2). وسنرى في الأحاديث التالية تأكيدًا واضحًا لمنزلة الصحابة الرفيعة. [2]- أَدِلَّةُ عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ مِنَ السُنَّةِ: في صِحَاحِ السُنَّةِ أحاديث كثيرة تشهد بفضل الصحابة جملة وآحادًا، وفي أكثر الكتب كـ " صحيح البخاري " و" الجامع الصحيح " لمسلم و" السنن الأربعة " وغيرها أبواب خاصة في فضل الصحابة. من ذلك ما رواه أبو سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ» (¬3). ¬

_ (¬1) " أبو هريرة " لعبد الحسين شرف الدين: الصفحة الأولى من الكتاب. والكتاب كله طعن وافتراء وتشكيك في الصحاح والسنة وتحامله فيه صريح. وسأتعرض بإيجاز له في بحثي عن أبي هريرة. (¬2) [سورة التوبة، الآية: 32]. (¬3) " صحيح مسلم ": ص 1968 جـ 4.

ومنها ما رواه عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لاَ تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ» (¬1). وَعَنْ أَبِي مُوسَى عن النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أَنَّهُ قَالَ: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ» (¬2). وقد يقول قائل: إن هذه الأدلة تتناول أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذين كانوا معه قبل الفتح، وأما من أسلم بعد الفتح فلا دليل على عدالتهم، فأسوق جَوَابًا له قول الدكتور محمد السماحي: «وأما مسلمة الفتح والأعراب الوافدون على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهؤلاء لم يتحملوا من السنة مثل ما تحمل الصحابة الملازمون لرسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن تعرض منهم للرواية كحكيم بن حزام، وَعَتَّابٍ، وغيرهم عرفوا بالصدق والديانة، وغاية الأمانة على أنه ورد ما يجعلهم أفضل ممن سواهم، من القرون بعدهم كقوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " خَيْرُ [النَّاسِ] قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الكَذِبُ " وهو حديث صحيح مروي في " الصحيحين " وغيرهما بألفاظ ¬

_ (¬1) " الكفاية ": ص 48، وانظر " الجامع الصغير ": ص 54 جـ 1. (¬2) " صحيح مسلم ": ص 1961 جـ 4، وانظر " تلقيح فهوم أهل الأثر ": ص 26: ب. وانظر " تيسير الوصول إلى جامع الأصول ": ص 226 - 261 جـ 3 حيث أخرج كثيرًا عن الإمام مالك والشيخين وأصحاب السنن في فضل الصحابة.

مختلفة (¬1)، والخيرية لا تكون إلا للعدول الذين يلتزمون الدين والعمل به، وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (¬2). والخطاب الشفهي لصحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن حضر نزول الوحي، وهو يشمل جميعهم، وكذلك قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (¬3). وَسَطًا: عُدُولاً ... فالإسلام كان في أول شبابه فَتِيًّا وَقَوِيًّا في قلوب من أذعنوا له، واتبعوا هداه، وتمكنوا بمبادئه، واصطبغوا بصبغته، فكانت العدالة قوية في نفوسهم شائعة في آحادهم، حتى إننا نرى الذين وقعوا منهم في الكبائر ما لبثوا أن ساقتهم عزائمهم إلى الاعتراف وطلب الحد، ليطهروا به أنفسهم، وسارعوا إلى التوبة حيث تاب الله عليهم، ولا نريد بقولنا الصحابة عدول، أكثر من أن ظاهرهم العدالة». اهـ. (¬4)، لا يبحث عنها ما لم يطعن فيها. ثم إن الجرح لا يدعيه ولا يثبته أي إنسان كيف شاء ومتى شاء، فللجرح والتعديل رجال جهابذة أتقياء، يخشون الله لا يتبعون أهواءهم، فلو سلمنا ¬

_ (¬1) أقول: انظر " تيسير الوصول إلى جامع الأصول ": ص 226، 227 جـ 3 حيث أخرجه عن الشيخين وعن أبي داود والترمذي والنسائي. ورواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي هريرة وفيه: «ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يُحِبُّونَ السَّمَانَةَ، يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا». انظر " مسند الإمام أحمد ": ص 90 حديث 7123 جـ 12، وانظر ص29 حديث 2963 جـ 6. (¬2) [سورة آل عمران، الآية: 110]. (¬3) [سورة البقرة، الآية: 143]. (¬4) " المنهج الحديث في علوم الحديث ": ص 63.

جدلاً وجوب البحث عن بعض الصحابة لِتُهَمٍ وجهت إليهم، فإنه لا يقبل هذا الجرح إلا ببيان علته، ولا يتصدى لهذا المَوْتُورُونَ وَالمُغْرِضُونَ، من أهل الأهواء وغيرهم، بل يتصدى له عدول الأمة من أئمة الصدر الأول، الذين خالطوا الصحابة، وعاشوا معهم، وعرفوا عنهم كل شيء إذ رُبَّ فضيلة عند النقاد العدول يراها المغرضون رذيلة ومنقصة، وليست جميع الذنوب والهفوات مسطقة للعدالة. وقد نص الفاروق عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - على عدالة الصحابة جَمِيعًا إلا من أظهر ما يسقط عدالته فقال: «إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالوَحْي فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ , وَإِنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ , وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِمَا ظَهَرَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ , فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ , وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ , اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ , وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ , وَإِنْ قَالَ: إِنَّ سَرِيرَتِي حَسَنَةٌ» (¬1). وقد أجمعت الأمة على عدالة الصحابة جَمِيعًا إلا أفرادًا معدودين اختلف في عدالتهم ممن لم يستقيموا بعد وفاة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهم لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة (¬2). فلا يجوز لأحد أن يتعداهم خشية أن يخالف الكتاب وَالسُنَّةََ اللذين نَصَّا على عدالتهم، فبعد تعديل الله تعالى ورسوله لهم، لا يحتاج أحد منهم إلى تعديل أحد، على أنه لو لم يرد من الله تعالى ورسوله الكريم - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - شيء في تعديلهم لوجب تعديلهم لما كانوا عليه من ¬

_ (¬1) " الكفاية ": ص 78. (¬2) راجع " العواصم من القواصم " لابن العربي " فإنه يتناول أحوال الصحابة وَيُفَنِّدُ بعض الأقوال والطعون ويوضح قيل فيهم، ويثبت براءتهم. وذكر في " الروض الباسم ": ص 128 - 130 بعض من جَرَّحَ الصحابة.

دعم الدين والدفاع عنه، ومناصرتهم للرسول والهجرة إليه، والجهاد بين يديه، وبذل المُهَجِ والأموال، والمحافظة على أمور الدين، والقيام بحدوده ومراسيمه، والتشدد في امتثال أوامر الله تعالى ونواهيه، حتى إنهم قتلوا أقرب الناس إليهم، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم في سبيل الله، وإقامة دعائم الإسلام. كل ذلك دليل على قَوِيِّ إيمانهم، وحسن إسلامهم، وأمانتهم وإخلاصهم. لذلك وجب أن يحمل كل ما جرى بينهم من الفتن على أحسن حال، لأن ما وقع إنما كان نتيجة لما أدى إليه اجتهاد كل فريق «مِنِ اعْتِقَادِهِ أَنَّ الوَاجِبَ مَا صَارَ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ أَوْفَقُ لِلدِّينِ وَأَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَعَلَى هَذَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا أَوْ أَنَّ المُصِيبَ وَاحِدٌ وَالآخَرُ مُخْطِئٌ فِي اجْتِهَادِهِ. وَعَلَى كِلاَ التَّقْدِيرَيْنِ، فَالشَّهَادَةُ وَالرِّوَايَةُ مِنَ الفَرِيقَيْنِ لاَ تَكُونُ مَرْدُودَةً أَمَّا بِتَقْدِيرِ الإِصَابَةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا بِتَقْدِيرِ الخَطَأِ مَعَ الاجْتِهَادِ فَبِالإِجْمَاعِ» (¬1). أي أن جميع من اشترك في الفتنة من الصحابة عدول لأنهم اجتهدوا في ذلك. ثم إن الكلمة اجتمعت بعد الفتنة في عام الجماعة، حين تنازل الحسن بن علي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - للخليفة معاوية بن أبي سفيان. وقد ثبت في " صحيح البخاري " عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال عن سبطه الحسن بن علي وكان معه على المنبر: «ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ [عَظِيمَتَيْنِ] مِنَ المُسْلِمِينَ» (¬2) فسمى الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجميع (مسلمين)، وقال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (¬3). ¬

_ (¬1) " الإحكام في أصول الأحكام " للآمدي: ص 129، 130 جـ 2. (¬2) " فتح الباري ": - باب مناقب الحسن والحسين: ص 96 جـ 8. (¬3) [سورة الحجرات، الآية: 9].

5 - عدد الصحابة:

فسماهم (مؤمنين) مع الاقتتال. ويقال إنه لم يكن من الصحابة في الفريقين مائة (¬1)، وقد بينت عدالتهم، مع أنهم اشتركوا مع أحد الفريقين، واشتراكهم هذا لا يسلبهم العدالة لأنهم مجتهدون في ذلك. وأختم الكلام في عدالة الصحابة جَمِيعًا بقول أَبِي زُرْعَةَ: «إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَنْتَقِصُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ فَاعْلَمْ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ , وَذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ [عِنْدَنَا] حَقٌّ , وَالقُرْآنَ حَقٌّ , وَإِنَّمَا أَدَّى إِلَيْنَا هَذَا القُرْآنَ وَالسُّنَنَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ , وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنْ يُجَرِّحُوا شُهُودَنَا لِيُبْطِلُوا الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ , وَالجَرْحُ بِهِمْ أَوْلَى [وَهُمْ زَنَادِقَةٌ]» (¬2). 5 - عَدَدُ الصَّحَابَةِ: إن حصر الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - بالعد والإحصاء متعذر، لتفرقهم في البلدان والبوادي، ولأنهم كثرة لا يمكن إحصاؤها، ومن حَدَّهُمْ من العلماء فإنه من باب التقريب. وقد روى البخاري في " صحيحه " أن كعب بن مالك قال في قصة تخلفه عن غزوة تبوك: «[وَالمُسْلِمُونَ] مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرٌ، وَلاَ يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ» (¬3). ويمكننا أن نحد عددهم بحد قريب من الحقيقة، مما ورد في روايات بعض الصحابة والتابعين عن عددهم في بعض المشاهد. ¬

_ (¬1) انظر " الباعث الحثيث ": ص 306. (¬2) " الكفاية ": ص 49. (¬3) " فتح المغيث ": ص 39 جـ 4. وقارن بـ " نور اليقين " ص 246 حيث ذكر عددهم (30 ألفًا) وقارن بـ " تلقيح فهوم أهل الأثر ": ص 27: ب.

فعن ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قال: «خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، فَصَامَ وَصَامَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالكَدِيدِ أَفْطَرَ، ثُمَّ مَضَى فِي عَشَرَةِ آلافٍ مِنَ المُسْلِمِينَ حَتَّى نَزَلَ مَمَرَّ صِرَارٍ» (¬1). وَكَانَ ذَلِكَ عَامَ الفَتْحِ (¬2). وحج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حجة الوداع تسعون ألفًا من المسلمين (¬3). سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِي فَقَالَ لَهُ: «يَا أَبَا زُرْعَةَ، أَلَيْسَ يُقَالُ: حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةُ آلاَفِ حَدِيثٍ؟»، قَالَ: «وَمَنْ قَالَ ذَا؟ قَلْقَلَ اللَّهُ أَنْيَابَهُ. هَذَا قَوْلُ الزَّنَادِقَةِ، وَمَنْ يُحْصِي حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مِائَةِ أَلْفِ وَأَرْبَعَةَ عَشْرَ أَلْفًا مِنَ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ وَسَمِعَ مِنْهُ». فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: «يَا أَبَا زُرْعَةَ هَؤُلاَءِ أَيْنَ كَانُوا وَسَمَعُوا مِنْهُ؟»، قَالَ: «أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ بَيْنَهُمَا وَالأَعْرَابُ وَمَنْ شَهِدَ مَعَهُ حَجَّةَ الوَدَاعِ» (¬4). من هذا يتبين أن من روى عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الصحابة كثيرون، وقد نقلوا عنه خيرًا عظيمًا، ويختلفون في مقدار ما حملوا عنه ¬

_ (¬1) " تلقيح فهوم أهل الأثر " ص 27: ب، وَالكَدِيدُ عين جارية بينها بين المدينة سبع مراحل أو نحوها. انظر " معجم البلدان ": ص 224 جـ 7. وأما مَمَرَّ صِرَار ففي الأصل المخطوط (مر الصران) وأظنه خطأ من الناسخ، فإني لم أجد في " معجم البلدان " (الصران) أو مر الضران)، وفيه (صرار) وهو موضع على ثلاثة أميال من المدينة على طريق العراق ... وقيل (صرار) ماء قرب المدينة. انظر " معجم البلدان ": ص 346، 347 جـ 5. وكلا العينين مناسب لهذا المقام. (¬2) انظر " صحيح مسلم ": ص 784، 785 جـ 2. (¬3) انظر " نور اليقين ": ص 256 وقارن بـ " تلقيح فهوم أهل الأثر ": ص 27: ب. (¬4) انظر " فتح المغيث ": ص 39 جـ 4، و" تلقيح فهوم أهل الأثر ": ص 38: آ.

6 - علم الصحابي:

باختلاف أحوالهم وسماعهم منه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 6 - عِلْمُ الصَّحَابِي: لم يكن الصحابة على درجة واحدة من العلم بِسُنَّةِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأحواله وأقواله، بل كانوا متفاوتين (¬1) لأن منهم المتفرغ الملازم لرسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، يخدمه في معظم أوقاته، كأنس وأبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، ومنهم من له ماشية في البادية، أو تجارة في الآفاق، ومنهم البدوي والحضري والمقيم والظاعن، وقد سبق أن بينت كيف كانوا يتلقون الأحكام والعلم عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لذلك كان الصحابة - عَلَيْهِمْ رِضْوَانُ اللهِ - مختلفين في مقدار ما حملوا عنه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -. وفي ذلك يقول مسروق: «جَالَسْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَوَجَدْتُهُمْ كَالإِخَاذِ، فَالإِخَاذُ يَرْوِي الرَّجُلَ، وَالإِخَاذُ يَرْوِي الرَّجُلَيْنِ، [وَالإِخَاذُ يَرْوِي الْعَشَرَةَ]، وَالإِخَاذُ يَرْوِي المِائَةَ، وَالإِخَاذُ لَوْ نَزَلَ بِهِ أَهْلُ الأَرْضِ لأَصْدَرَهُمْ» (¬2). ويمكننا أن نعرف علم الصحابي كما قال ابن حزم: «لأحد وَجْهَيْن لاَ ثَالِث لَهما أَحدهمَا كَثْرَة رِوَايَته وفتاويه وَالثَّانِي كَثْرَة اسْتِعْمَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ فَمن المحَال الباطل أن يستعمل النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من لا علم له وهذا أكبر شهادات على العلم وسعته» (¬3). ¬

_ (¬1) انظر " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " لابن تيمية: ص 3 حيث تكلم عن تفاوت الصحابة في الإلمام بالأحكام. (¬2) وتتمة قول مسروق: «فَوَجَدْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ مِنْ ذَلِكَ الإِخَاذِ» " طبقات ابن سعد ": ص 104 قسم 2 جـ 2، والإخاذ هو الغدير وجمعها آخاذ نادر. انظر " لسان العرب " مادة (أخذ) ص 4 جـ 5. (¬3) " الفصل في الملل والأهواء والنحل " لابن حزم: ص 136 جـ 4.

وهذا لا يكفي لمعرفة علو الصحابي وروايته، لأن بعض الصحابة الذين عرفت ملازمتهم للرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسبقهم للإسلام بالتواتر، كأبي بكر وعمر اللذين حَمَلاَ عِلْمًا كثيرًا عنه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، لم يظهر علمهم كله لنا وبخاصة أبو بكر، لأنه لم يعش كثيرًا بعد رسول الله ليحتاج إليه كما احتيج إلى غيره، فامتدار عُمْرِ الصَّحَابِيِّ إلى جانب الوجهين السابقين اللذين ذكرهما ابن حزم يكشف لنا عن علمه ومروياته، كما أن ظهور أمور جديدة في الحياة مع مر الزمن يكشف عن علم الصحابة، لأنه يحتاج إلى ما عندهم تجاه تلك الأمور المستجدة، وفي هذا يقول ابن حزم: «ثمَّ وجدنَا الأَمر كلمَا أَطَالَ كثرت الْحَاجة إِلَى الصَّحَابَة فِيمَا عِنْدهم من العلم فَوَجَدنَا حَدِيث عَائِشَة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - ألفي مُسْند ومائتي مُسْند وَعشرَة مسانيد وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة ... » (¬1). ونحن في بحثنا هذا يهمنا الصحابة الذين رَوَوْا عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحملوا لنا الشريعة الحنيفية، ونقلوا إلى من بعدهم أفعال الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - وتصرفاته دقيقها وعظيمها، في سفره وحضره، وظعنه وإقامته، وسائر أحواله من نوم ويقظة، وإشارة وتصريح وصمت ونطق إلى غير ذلك. وقد ألف في الصحابة كتب كثيرة تناولت أحوالهم وعلمهم، وأوجز الآن في عدد من روى عنه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - من الصحابة وعدد مروياتهم، فقد روى عنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبعة من الصحابة، لكل منهم أكثر من ألف حديث، وأحد عشر صحابيًا، لكل واحد منهم أكثر من مائتي حديث، وواحد وعشرون صحابيًا، لكل واحد أكثر من مائة حديث، وأما أصحاب العشرات فكثيرون، يقربون من المائة، وأما من له عشرة أحاديث أو أقل ¬

_ (¬1) " الفصل في الملل والأهواء والنحل ": ص 138 جـ 4.

7 - المكثرون من الصحابة:

من ذلك فهم فوق المائة. وهناك نحو ثلاثمائة صحابي روى كل واحد منهم عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثًا واحدًا (¬1). بهذا العرض السريع يمكننا أن نتصور اختلاف تحمل الصحابة عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ونحن الآن نكتفي بذكر بعضهم ممن اشتهروا بالحديث عنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهم عندنا في منزلة شريفة ومقام كريم، لا نفضل أحدًا عن الآخر عصبية أو هوى، بل لكل صحابي فضله ومنزلته، بما له من سبق في الإسلام، وبذل في سبيل الله، وكلهم خير، نالوا شرف الصحبة، فكانوا أمناء مخلصين للشريعة الغراء التي نقلوها إلى التابعين، ثم نقلها هؤلاء إلى من بعدهم، ثم نقلت جيلاً بعد جيل حتى وصلتنا كاملة غير منقوصة بفضل الله وحسن رعايته. 7 - المُكْثِرُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ: بعد هذا نترجم لأشهر من روى عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الصحابة، متوخين في هذا ناحية الحديث التي تتعلق ببحثنا مع لمحة موجزة عن حياة الصحابي، إلا أننا مضطرون أحيانًا إلى التفصيل في حياة الراوي العامة والخاصة، سواء أكانت حياته الاجتماعية أم العلمية وذلك لبيان شخصيته ¬

_ (¬1) جمع بقي بن مخلد في " مسنده " الدقيق مرويات الصحابة وذكر عدد مسانيدهم إلا أنه لم يصلنا هذا " المسند " بل وصلتنا أخباره وبعض ما فيه، وما ذكرته من عدد مرويات الصحابة ذكره أبو البقاء الأحمدي نقلاً عن " مسند الإمام ابن مخلد ". انظر " البارع الفصيح في شرح الجامع الصحيح ": ص 9: ب - 13: ب.

وعدالته واستقامته من خلال البحث، ولولا ضيق المقام لتعرضت لترجمة جميع رجال الحديث في ذلك العصر، لتكون على علم صحيح بتلك الشخصيات الفذة، التي خدمت السُنَّةَ المُطَهَّرَةَ، وحفظها من عبث المفسدين. وسأكتفي بذكر أشهر مشاهير من روى عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهم المكثرون عنه، راجيًا من المولى الكريم أن أوفق فيما بعد إلى الكشف عن بقيتهم، وإظهار منزلتهم وفضلهم بما يستحقون من عناية. وبالله التوفيق. ***

(1) - أبو هريرة: (19 ق هـ - 59 هـ):

(1) - أَبُو هُرَيْرَةَ: (19 ق هـ - 59 هـ): 1 - التَّعْرِيفُ بِهِ: أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر (¬1) الدوسي اليماني، كان اسمه في الجاهلية عبد شمس، فسماه رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبد الرحمن. واشتهر أبو هريرة بكنيته. حتى غلبت على اسمه فكاد ينسى. وسئل أبو هريرة: لِمَ كُنِّيتَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: «كُنِّيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ لأَنِّي وَجَدْتُ هِرَّةً فَحَمَلْتُهَا فِي كُمِّي، فَقِيلَ لِي: أَبُو هُرَيْرَة».وكان يرعى غنم أهله في صغره، ويداعب هرته. وكان يقول: «لاَ تُكَنُّونِي أَبَا هُرَيْرَةَ، فَإِنَّ النَبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَنَّانِي أَبَا هِرٍّ، وَالذَكَرُ خَيْرٌ مِنَ الأُنْثَى» (¬2). كان أبو هريرة رجلاً آدم (¬3) بعيد ما بين المنكبين، ذا ضفيرتين، أفرق الثنيتين، يخضب شيبه بالحمرة (¬4). وكان أبيض لينًا، لحيته حمراء، ¬

_ (¬1) انظر " تاريخ الإسلام ": ص 333 جـ 2 وقد اختلف في اسمه واسم أبيه وفي ذلك أقوال. انظر " طبقات ابن سعد ": ص 52 قسم 2 جـ 4، و" الإصابة ": ص 199 - 201 جـ 7، و" تهذيب التهذيب ": ص 63 جـ 12. (¬2) انظر " الإصابة ": ص 202 جـ 2، و" سير أعلام النبلاء ": ص 424 جـ 2، وانظر " مسند الإمام أحمد ": ص 83 جـ 12. (¬3) الآدم من الناس الأسمر. انظر " لسان العرب " (أدم): ص 276 جـ 14 ووصفه بهذا لا يتعارض مع وصفه بعد قليل بالبياض، فقد تكون سمرة وجهه من شمس الصحراء وريحها، والأصل في لون بشرته البياض. (¬4) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 59 قسم 2 جـ 4، و" تاريخ الإسلام ": ص 333 و 334 جـ 2، و" سير أعلام النبلاء ": ص 423 جـ 2.

2 - إسلامه:

ورآه خباب بن عروة وعليه عمامة سوداء (¬1)، وعندما صلح حاله ارتدى الخز (¬2). 2 - إِسْلاَمُهُ: هاجر أبو هريرة من اليمن إلى المدينة ليالي فتح خيبر، وكان ذلك سَنَةَ سبع من الهجرة. وكان قد أسلم على يد الطُفيل بن عمرو في اليمن، ووصل المدينة وصلى الصبح خلف سباع بن عرفطة الذي كان قد استخلفه رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المدينة أثناء غزوة خيبر (¬3). وقد لازم أبو هريرة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى آخر حياته، وقصر نفسه على خدمته، وتلقى العلم الشريف منه، فكان يدور معه، ويدخل بيته، ويصاحبه في حجه وغزوه، ويرافقه في حله وترحاله، في ليله ونهاره، حتى حمل عنه العلم الغزير الطيب. فكانت صحبته أربع سنوات، وقد اتخذ الصُفَّةَ مَقَامًا لَهُ، وخدم الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ملء بطنه، وجعله رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عريف أهل الصفة، فقد كان أعرف الناس بهم وبمراتبهم (¬4). وكان يحب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُبًّا شَدِيدًا، ففي يوم رفع رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدرة ليضربه بها، فقال أبو هريرة: «لأَنْ يَكُونُ ضَرَبَنِي بِهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» (¬5). ¬

_ (¬1) انظر " سير أعلام النبلاء ": ص 450 جـ 2. (¬2) انظر " سير أعلام النبلاء ": ص 450 جـ 2. (¬3) انظر " سير أعلام النبلاء ": ص 425 جـ 2. (¬4) انظر " حلية الأولياء ": ص 376 جـ 1. (¬5) " البداية والنهاية ": ص 105 جـ 8.

3 - فقره وعفافه:

وكان أبو هريرة وَرِعًا، مُلْتَزِمًا سُنَّةَ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يحذر الناس من الانغماس في ملذات الدنيا وشهواتها (¬1)، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لا يفرق في ذلك بين غني وفقير، أو بين أمير وحقير، وأخباره في هذا الصدد كثيرة (¬2). وكان يخشى الله كثيرًا في السر والعلن، ويذكر الناس به، ويحثهم على طاعته (¬3). وكان عابدًا، يصوم النهار ويقوم الليل، يتناوب قيامه هو وزوجته وابنته (¬4)، وكان كثير الصلاة، وله عدة مساجد في بيته وفي حجرته وعلى باب داره، إذا خرج صلى فيها جَمِيعًا، وإذا دخل صلى فيها جَمِيعًا (¬5). 3 - فَقْرُهُ وَعَفَافُهُ: كان أبو هريرة أحد أعلام الفقراء والمساكين، صبر على الفقر الشديد، حتى إنه كان يلصق بطنه بالحصى من الجوع، يطوي نهاره وليله من غير أن يجد ما يقيم صلبه، يقول أبو هريرة: «إِنِّي كُنْتُ وَاللهِ أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَشْبَعَ بَطْنِي حَتَّى لاَ آكُلَ الخَمِيرَ، وَلاَ أَلْبَسَ الحَرِيرَ، وَلاَ يَخْدُمُنِي فُلاَنٌ وَفُلاَنَةٌ ... وَأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ هِيَ مَعِي، كَيْ يَنْقَلِبَ بِي ¬

_ (¬1) انظر " حلية الأولياء ": ص 380 جـ 1، و" البداية والنهاية ": ص 111 جـ 8. (¬2) راجع " مسند الإمام أحمد ": ص 89 حديث 7122 جـ 12، وص: 245 حديث 7494 جـ 13، وص: 148 حديث 7166 جـ 12، وص: 194 حديث 7452 جـ 13، وحديث 7138، وانظر حديث 7180، وراجع " سير أعلام النبلاء ": ص 438 جـ 2. (¬3) انظر " سير أعلام النبلاء ": ص 439 جـ 2، و" البداية والنهاية ": ص 110 و 112 جـ 8، و" تاريخ الإسلام ": ص 336 جـ 2. (¬4) انظر " البداية والنهاية ": ص 110 جـ 8. (¬5) انظر " البداية والنهاية ": ص 110 جـ 8.

4 - كرمه:

فَيُطْعِمَنِي» (¬1) ثم يقول: «وَكُنْتُ فِي سَبْعِينَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الصُفَّةِ، مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، إِمَّا بُرْدَةٌ، أَوْ كِسَاءٌ قَدْ رَبَطُوهَا فِي أَعْنَاقِهِمْ» (¬2). وقال إمام التابعين سعيد بن المسيب (15 - 94 هـ): رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَطُوفُ بِالسُّوقِ ثُمَّ يَأْتِي أَهْلَهُ فَيَقُولُ: «هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟» فَإِنْ قَالُوا: لاَ، قَالَ: «فَإِنِّي صَائِمٌ» (¬3)، وكان قنوعًا راضيًا بنعم الله، فإذا ما أصبح لديه خمس عشرة تمرة أفطر على خمس، وتسحر بخمس، وأبقى خمسًا لفطره (¬4). وكان كثير الشكر لله، كثير الحمد والتكبير والتسبيح على ما آتاه الله من فضل وخير (¬5). 4 - كَرَمُهُ: كان أبو هريرة عفيف النفس مع فقره، فياض اليد، مبسوط الكف، جَوَادًا، يحب الخير، ويكرم ضيوفه، لا يبخل بما في يديه، وإنْ كان قليلاً، فلم يحمله فقره على الشح، ولم يجعله دنيء النفس، يَتَكَفَّفُ الناس ... بل آثر أنْ يأكل الجوع بطنه من أنْ يأكل هو فتات الموائد، وفضلات الطعام. وكان في عسره كله ضيف الإسلام وضيف رسول الله وصحبه، حتى إذا ¬

_ (¬1) " حلية الأولياء ": ص 376 و 379 جـ 1. (¬2) " حلية الأولياء ": ص 377 جـ 1، وانظر نتفًا من أخباره في " طبقات ابن سعد ": ص 53 و 55 قسم 2 جـ 4، و" سير أعلام النبلاء ": ص 427 جـ 2، و" حلية الأولياء ": ص 378 جـ 1، و" البداية والنهاية ": ص 111 جـ 8. (¬3) " حلية الأولياء ": ص 381 جـ 1. (¬4) انظر المرجع السابق ": ص 384 جـ 1، و" البداية والنهاية ": ص 112 جـ 8. (¬5) انظر بعض أخباره في هذا الصدد في " سير أعلام النبلاء ": ص 439 و 440 جـ 7، وفي " طبقات ابن سعد ": ص 53 قسم 2 جـ 4، و" تاريخ الإسلام ": ص 335 جـ 2، و" الإصابة ": ص 706 جـ 7.

5 - ولايته على البحرين:

مَا يَسَّرَ اللهُ عليه لم يجعله غناه قاسي القلب، مُتَحَجِّرَ الفُؤَادِ، بل كان عَلَمًا من أعلام الجود والكرم. قَالَ الطُّفَاوِيُّ: «نَزَلْتُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ بِالمَدِينَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمْ أَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلاً أَشَدَّ تَشْمِيرًا، وَلاَ أَقْوَمَ عَلَى ضَيْفٍ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ». (¬1). 5 - وِلاَيَتُهُ عَلَى البَحْرَيْنِ: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قد أرسل أبا هريرة مع العلاء الحضرمي إلى البحرين، لينشر الإسلام وَيُفَقِّهَ المسلمين ويُعَلِّمَهُمْ أمور دينهم، فَحَدَّثَ عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأفتى الناس. وفي عهد عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - استعمله على البحرين، فقدم بعشرة آلاف، فقال له عمر: «اسْتَأْثَرْتَ بِهَذِهِ الأَمْوَالِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، وَعَدُوَّ كِتَابِهِ؟». فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «فَقُلْتُ: لَسْتُ بِعَدُوَّ اللَّهِ، وَلاَ عَدُوَّ كِتَابِهِ، وَلَكِنِّي عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا». قَالَ: «فَمِنْ أَيْنَ هِيَ لَكَ؟». قُلْتُ: «خَيْلٌ نَتَجَتْ، وَغُلَّةُ رَقِيقٍ لِي، وَأُعْطِيَةٌ تَتَابَعَتْ عَلَيَّ». فَنَظَرُوا، فَوَجَدُوا كَمَا قَالَ (¬2). وفي رواية عن أبي هريرة: «خَيْلٌ لِي تَنَاتَجَتْ، وَسِهَامٌ لِيَ اجْتَمَعَتْ. فَأَخَذَ ¬

_ (¬1) " سير أعلام النبلاء ": ص 428 جـ 2 , و" تاريخ الإسلام ": ص 336 جـ 2، وانظر طائفة من أخبار كرمه في " تاريخ الإسلام ": ص 337 جـ 2، و" حلية الأولياء ": ص 383 جـ 1، و" سير أعلام النبلاء ": ص 423 و 438 و 442 جـ 2، و" طبقات ابن سعد ": ص 63 قسم 2 جـ 4، و" البداية والنهاية ": ص 104 و 114 جـ 8. (¬2) انظر " تاريخ الإسلام ": ص 338، جـ 2، و" البداية والنهاية ": ص 111 و 113، جـ 8، و" عيون الأخبار ": ص 53، جـ 1. و" حلية الأولياء ": ص 380، جـ 1.

6 - اعتزاله الفتن:

مِنِّي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا» (¬1). وفي رواية: أنَّ عُمَرَ قَالَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: «كَيْفَ وَجَدْتَ الإِمَارَةَ؟»، قَالَ: «بَعَثْتَنِي وَأَنَا كَارِهٌ، وَنَزَعْتَنِي وَقَدْ أَحْبَبْتُهَا»، وَأَتَاهُ بِأَرْبَعِمِائَةَ أَلْفٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، قَالَ: «أَظَلَمْتَ أَحَدًا؟»، قَالَ: «لاَ». قَالَ: «فَمَا جِئْتَ بِهِ لِنَفْسِكَ؟»، قَالَ: «عِشْرِينَ أَلْفًا». قَالَ: «مِنْ أَيْنَ أَصَبْتَهَا؟»، قَالَ: «كُنْتُ أَتَّجِرُ». قَالَ: «انْظُرْ رَأْسَ مَالِكَ وَرِزْقِكَ، فَخُذْهُ وَاجْعَلْ الآخَرَ فِي بَيْتِ المَالِ» (¬2). فقد قاسمة عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مع جملة مَنْ قَاسَمَهُمْ مِنَ العُمَّال، وكان أبو هريرة يقول: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَمِيرِِ المُؤمِنِينَ» (¬3). وبعد ذلك دعاه عمر ليوليه، فأبى، فقال: «تَكْرَهُ الْعَمَلَ وَقَدْ طََلَبَ العَمَلَ مَنْ كَانَ خَيْراً مِنْكَ، يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -!!». فقال: «يُوسُفُ نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ، وَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ ابْنُ أُمَيْمَةَ، وَأَخْشَى (مِنْ عَمَلِكُمْ) ثَلاَثاً وَاثْنَتَيْنِ». قَالَ: «فَهَلاَّ قُلْتَ خَمْسًا؟». قَالَ: «لاَ، أَخَافُ أَنْ أَقُوْلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَأَقْضِيَ بِغَيْرِ حِلْمٍ، وَأَنْ يُضْرَبَ ظَهْرِي، وَيُنْزَعَ مَالِي، وَيُشْتَمَ عِرْضِي» (¬4). 6 - اعْتِزَالُهُ الفِتَنَ: كان أبو هريرة يوم حصار عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عنده في الدار مع بعض ¬

_ (¬1) " طبقات ابن سعد ": ص 59 قسم 2 جـ 4. (¬2) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 60 قسم 2 جـ 4، و" تاريخ الإسلام ": ص 338 جـ 2، و" تهذيب التهذيب ": ص 267 جـ 12. (¬3) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 60 قسم 2 جـ 4. (¬4) " سير أعلام النبلاء ": ص 441 جـ 2، وما بين قوسين زيادة من " طبقات ابن سعد ": ص 59 قسم 2 جـ 4 وقد كانت ولاية أبي هريرة بين سَنَةِ (21 - 23 هـ). بعد وفاة العلاء الحضرمي.

7 - مرحه ومزاحه:

الصحابة وأبنائهم الذين جاءوا ليدفعوا الثوار عنه وقد حفظ ولد عثمان له يده، واحترموه حتى إنه لما مات أبو هريرة كانوا يحملون سريره حتى بلغوا البقيع (¬1). واعتزل أبو هريرة الفتن التي قامت بعد استشهاد عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، ولم يثبت أنه اشترك فيها، وربما كان يحث الناس على اعتزالها، ويروي عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ: «سَتَكُونُ فِتَنٌ، القَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ القَائِمِ، وَالقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ المَاشِي، وَالمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ» (¬2). وكان معاوية - أيام خلافته - يستعمله على المدينة، فإذا غضب بعث مروان وعزله (¬3). وقد استخلفه مروان حين توجه إلى الحج. 7 - مَرَحُهُ وَمُزَاحُهُ: كان أبو هريرة حسن المعشر، طيِّب النفس، صافي السريرة، ربما كان الفقر والصبر عليه هُمَا اللذان جعلا منه الإنسان المرح، ومع هذا كان يعطي كل شيء حقَّهُ. نظر إلى الدنيا بعين الراحل عنها، فلم تدفعه الإمارة إلى الكبرياء، بل أظهرت تواضعه وحُسن خلقه، فربما استخلفه مروان على المدينة، ¬

_ (¬1) انظر " البداية والنهاية ": ص 181 جـ 7، و" الإصابة ": ص 223 جـ 4، و" الكامل في التاريخ ": ص 88 جـ 3، وانظر " تاريخ الطبري ": ص 389 جـ 3، ثم انظر " طبقات ابن سعد ": ص 63 قسم 7 جـ 4، و" تهذيب التهذيب ": ص 266 جـ 12. (¬2) " فتح الباري ": ص 426 جـ 7، و" مسند الإمام أحمد ": ص 208 جـ 14. (¬3) انظر " سير أعلام النبلاء ": ص 441 جـ 2.

8 - وفاته:

فيركب حمارًا، قد شَدَّ عليه برذعة، وفي رأسه خلبة من ليف، يسير فيلقى الرجل، فيقول: «الطَّرِيقَ .. قَدْ جَاءَ الأَمِيرُ» (¬1). ويمر أبو هريرة في السوق، يحمل الحطب على ظهره - وهو يومئذٍ أمير لمروان - فَيَقُولُ لِثَعْلَبَةَ بْنَ أَبِي مَالِكٍ القُرَظِيٍّ: «" أَوْسِعِ الطَّرِيقَ لِلأَمِيرِ يَا ابْنَ [أَبِي] مَالِكٍ "، فَيَقُولُ: " يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَكْفِي هَذَا!! " فَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةُ: " أَوْسِعِ الطَّرِيقَ لِلأَمِيرِ وَالحِزْمَةُ عَلَيْهِ!! "» (¬2). وكان يحب إدخال السرور إلى نفوس الأطفال، فقد يراهم يعلبون بالليل لعبة الغراب، فَيَتَسَلَّلُ بينهم، وهم لا يشعرون، حتى يلقي بنفسه بينهم، ويضرب برجليه (الأرض) كأنه مجنون، يريد بذلك أنْ يضحكهم، فيفزع الصبيان منه، وَيَفِرُّونَ هَهُنَا وهَهُنَا، يَتَضَاحَكُونَ (¬3). ويقول أبو رافع: وَرُبَّمَا دَعَانِي أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى عَشَائِهِ بِاللَّيْلِ، فَيَقُولُ: «دَعْ العُرَاقَ لِلأَمِيرِ»،قَالَ: فَأَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ ثَرِيدٌ بِالزَيْتٍ!! (¬4). 8 - وَفَاتُهُ: اختلف في وفاته على أقوال: قال هشام بن عروة: «أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ مَاتَا سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ، ¬

_ (¬1) " طبقات ابن سعد ": ص 60، 61 قسم 2 جـ 4. والخَلَبَةُ: الحلقة. (¬2) " حلية الأولياء ": ص 385 جـ 1. و" تاريخ الإسلام ": ص 334 و 339 جـ 2، و" النهاية والبداية ": ص 113، 114، جـ 8. (¬3) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 60، 61 قسم 2 جـ 4، و" البداية والنهاية ": ص 113 جـ 8، و" تاريخ الإسلام ": ص 338 جـ 2. (¬4) انظر " البداية والنهاية ": ص 114 جـ 8، و" طبقات ابن سعد ": ص 61 قسم 2 جـ 4، و" تاريخ الإسلام ": ص 338 جـ 8. وَالعُرَاقُ: العظم الذي نزع عنه اللحم وبقي عليه قليل منه.

وهو رأي المدائني وعلي بن المديني. (¬1) قال أبو معشر: «تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ» (¬2). قال الواقدي وأبو عبيد: «مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَقَدْ صَلَّى عَلَى عَائِشَةَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَعَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فِي شَوَّالَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ» (¬3). قال ابن حجر بعد أن ذكر رواية الواقدي - وفيها أنه توفي سَنَةَ (59 هـ) -: «هَذَا مِنْ أَغْلاَطِ الوَاقِدِي الصَّرِيحَةَ، فَإِنَّ أُمَّ سَلَمَةَ بَقِيَتْ إِلَى سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّينَ، ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التِي صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ مَاتَ مَعَهَا فِي السَّنَةِ هِيَ عَائِشَةُ، كَمَا قَالَ هِشَامُ بْنَ عُرْوَةَ: " إِنَّهُمَا مَاتَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ "» (¬4). أقول: إن خطأ الواقدي في وفاة أم سلمة، لا يستلزم خطأه في وفاة أبي هريرة. وقال ابن كثير: «وَالصَّوَابُ أنَّ أُمَّ سَلَمَةَ تَأَخَّرَتْ بَعْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ» (¬5). وحضر جنازته من الصحابة عبد الله بن عمر، وأبو سعيد الخدري، وشهدها أَيْضًا مروان بن الحكم، وكان ابن عمر يسير أمامها ويكثر الترحم عليه (¬6). وحمل ولد عثمان سريره حتى بلغوا به البقيع، حفظًا بما كان من رأيه في عثمان (¬7). ¬

_ (¬1) انظر " البداية والنهاية ": ص 114 جـ 8، و" تاريخ الإسلام ": ص 339 جـ 2، و" طبقات ابن سعد ": ص 64 قسم 2 جـ 4، و" سير أعلام النبلاء ": ص 449 جـ 2. (¬2) انظر " البداية والنهاية ": ص 114 جـ 8، و" تاريخ الإسلام ": ص 339 جـ 2، و" طبقات ابن سعد ": ص 64 قسم 2 جـ 4، و" سير أعلام النبلاء ": ص 449 جـ 2. (¬3) انظر " البداية والنهاية ": ص 114 جـ 8، و" تاريخ الإسلام ": ص 339 جـ 2، و" طبقات ابن سعد ": ص 64 قسم 2 جـ 4، و" سير أعلام النبلاء ": ص 449 جـ 2. (¬4) " تهذيب التهذيب ": ص 266 جـ 12، و" الإصابة ": ص 207 جـ 2. (¬5) " البداية والنهاية ": ص 114 جـ 8. (¬6) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 63 قسم 2 جـ 4. (¬7) انظر المرجع السابق: ص 63 قسم 2 جـ 4، و" تهذيب التهذيب ": ص 266 جـ 12.

9 - حياته العلمية:

9 - حَيَاتُهُ العِلْمِيَّةُ: صحب أبو هريرة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربع سنوات، وسمع منه كثيرًا، وشاهد دقائق السنة، ووعى تطبيق الشريعة، وعرف رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منزلته، فأرسله رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع العلاء الحضرمي إلى البحرين، فكان مؤذناً وإمامًا، وكان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يتأخر في إجابته عما يسأل لما عرف من حرصه على طلب العلم. قال أَبُو هُرَيْرَةَ، - ذَاتَ يَوْمٍ -: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَلاَّ يَسْأَلُنِى عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ» (¬1). وكان همه طلب العلم، وأمله التفقه في الدين، فَقَدْ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: عَلَيْكَ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَإِنِّي بَيْنَمَا أنا وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَفُلاَنٌ فِي الْمَسْجِدِ، ذَاتَ يَوْمٍ نَدْعُو اللهَ، وَنَذْكُرُ رَبَّنَا خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى جَلَسَ إِلَيْنَا، فَسَكَتْنَا فَقَالَ: «عُودُوا لِلَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ» قَالَ زَيْدٌ: فَدَعَوْتُ أَنَا وَصَاحِبَيَّ قَبْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَمِّنُ - (يقول: آمين) - عَلَى دُعَائِنَا، ثُمَّ دَعَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِثْلَ مَا سَأَلَكَ صَاحِبَايَ [هَذَانِ]، وَأَسْأَلُكَ عِلْمًا لاَ يُنْسَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ¬

_ (¬1) " فتح الباري ": ص 203 جـ 1، وأوله فيه قال أبو هريرة: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ»، ونحوه في " مسند الإمام أحمد ": ص 207 حديث 8056 جـ 15، و" طبقات ابن سعد ": ص 118 قسم 2 جـ 2 وص: 56 قسم 2 جـ 4.

«آمِينَ»، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللهَ عِلْمًا لاَ يُنْسَى، فَقَالَ: «سَبَقَكُمْ بِهَا الغُلاَمُ الدَّوْسِيُّ» (¬1). عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «أَلاَ تَسْأَلُنِي مِنْ هَذِهِ الْغَنَائِمِ الَّتِي يَسْأَلُنِي أَصْحَابُكَ؟» قُلْتُ: «أَسْأَلُكَ أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ». فَنَزَعَ نَمِرَةً كَانَتْ عَلَى ظَهْرِي، فَبَسَطَهَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى القَمْلِ يَدُبُّ عَلَيْهَا، فَحَدَّثَنِي حَتَّى [إِذَا] اسْتَوْعَبْتُ حَدِيثَهُ قَالَ: «اجْمَعْهَا فَصُرَّهَا إِلَيْكَ» فَأَصْبَحْتُ لاَ أُسْقِطُ حَرْفًا مِمَّا حَدَّثَنِي (¬2). هذه الأخبار - وغيرها كثير - تثبت حرص أبي هريرة الشديد على طلب العلم، ودعاء الرسول له بتحقيق ما أراد. وقد عرف الصحابة منزلته بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان يحدث في مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويفتي الناس بحضرة علماء الصحابة، وكباره وكان بعضهم كزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس يحيلون السائلين عليه، فَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ [وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: فَجَاءَهُمَا] مُحَمَّدُ بْنُ إيَاسِ بْنُ بُكَيْرِ، فَسَأَلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ ثَلاَثًا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَبَعَثَهُ إِلَى أََبِِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - وَكَانَا عِنْدَ عَائِشَةَ - فَذَهَبَ فَسَأَلَهُمَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لأَبِي هُرَيْرَةَ: أَفْتِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، قَدْ جَاءَتْك مُعْضِلَةٌ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «الوَاحِدَةُ تُبِينُهَا، وَالثَّلاَثُ تُحَرِّمُهَا» (¬3). لعل أبا هريرة أفتى بهذا بعد أن ¬

_ (¬1) " تهذيب التهذيب ": ص 266، جـ 12 وفيه: «سَأَلاَكَ صَاحِبَيَّ» والتصحيح من " فتح الباري ": ص 226، جـ 1. و" سير أعلام النبلاء ": ص 432، جـ 2. (¬2) " حلية الأولياء ": ص 381 جـ 1، و" تذكرة الحفاظ ": ص 33 جـ 1، و" سير أعلام النبلاء ": ص 429 جـ 2. النمرة: شملة فيها خطوط بيض وسود. والحديث أخرجه البخاري. انظر " فتح الباري ": ص 225 جـ 1. (¬3) " سير أعلام النبلاء ": ص 427، جـ 22.

أجرى عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - إيقاع الثلاث زَجْرًا للناس، أو أن السائل كان قد أطلق ثلاثًا في مجالس متفرقة. وَيَصِفُ لَنَا مُحَمَّدٌ بنِ عُمَارَةَ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ مَجْلِسًا لأَبِي هُرَيْرَةَ فَيَقُولُ: أَنَّهُ قَعَدَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ مَشْيَخَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَجَعَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُمْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالحَدِيثِ، فَلاَ يَعْرِفُهُ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ يَتَرَاجَعُونَ فِيهِ فَيَعْرِفُهُ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ يُحَدِّثُهُمْ بِالحَدِيثِ، فَلاَ يَعْرِفُهُ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ يَعْرِفُهُ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا. قَالَ: «فَعَرَفْتُ يَوْمَئِذٍ أَنَّهُ أَحْفَظُ النَّاسِ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (¬1). وكان الناس يتواعدون لينطلقوا إليه فيسمعوا حديثه عن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن ذلك ما روي عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: «تَوَاعَدَ النَّاسُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي إِلَى قُبَّةٍ مِنْ قِبَابِ مُعَاوِيَةَ فَاجْتَمَعُوا فِيهَا، فَقَامَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَحَدَّثَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَصْبَحَ» (¬2). وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ: «كَانَ يَقُومُ كُلَّ خَمِيسٍ فَيُحَدِّثُهُمْ» (¬3). وكان أبو هريرة أمينًا في حديثه عن الرسول الكريم، وإذا قال في شيء برأيه قال: «هَذِهِ مِنْ كَيْسِي» (¬4). وقد ثبت هذا بأدلة كثيرة، وأخبار عِدَّةٍ، منها ما رواه بكير بن الأشج قال: قال لنا بشر بْنُ سَعِيدٍ: «اتَّقُوا اللَّهَ وَتَحَفَّظُوا مِنَ ¬

_ (¬1) انظر" سير أعلام النبلاء ": ص 444 جـ 2، وقد أخرجه البخاري في " تاريخه " والبيهقي في " المدخل "، انظر " فتح الباري ": ص 225 جـ 1. (¬2) " سير أعلام النبلاء ": ص 432 جـ 2 وانظر " البداية والنهاية ": ص 106 جـ 8، و " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 113: ب. (¬3) انظر الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ص 113: ب. (¬4) " إعلام الموقعين ": ص 64 جـ 1.

الحَدِيثِ، فَوَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا نُجَالِسُ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَيُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحَدِّثُنَا عَنْ كَعْبٍ الأحبار، ثُمَّ يَقُومُ، فَأَسْمَعُ بَعْضَ مَنْ كَانَ مَعَنَا يَجْعَلُ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ عَنْ كَعْبٍ، وَحَدِيثَ كَعْبٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... فَاتَّقُوا اللهَ، وَتَحَفَّظُوا مِنَ الحَدِيثِ» (¬1). وقد روى كثيرًا عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان يقول: مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ أكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي إلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بن عَمْرٍو، فإنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أكْتُبُ» (¬2). وقد استكثر بعض الصحابة حديث أبي هريرة عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حين كانت سياستهم الإقلال من الرواية، كَيْلاَ ينصرف الناس عن القرآن، وخوفًا أن يشتغلوا بغيره. فقال لهم أبو هريرة: «إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللهُ المُوعِدُ، وَتَقُولُونَ: مَا لِلْمُهَاجِرِينَ لاَ يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ؟ وَإِنَّ أَصْحَابِي مِنَ المُهَاجِرِينَ كَانَتْ تَشْغَلُهُمْ أَرْضُوهُمْ وَالقِيَامُ عَلَيْهَا، وَإِنِّي كُنْتُ امْرَءًا مِسْكِينًا، (أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَلْءِ بَطْنِي) (¬3) وَكُنْتُ أُكْثِرُ مُجَالَسَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحْضُرُ إِذَا غَابُوا، وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا». (¬4) ثم ذكر قصة النمرة، ودعاء الرسول له، ثم قال: «فَوَاللهِ مَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ» (¬5). ¬

_ (¬1) " البداية والنهاية ": ص 109 جـ 8 ونحوه في " سير أعلام النبلاء ": ص 436 جـ 2. (¬2) " فتح الباري ": ص 217 جـ 1، و" مسند الإمام أحمد ": ص 119 حديث 7383 جـ 13 رواه الإمام أحمد في مسند عبد الله بن عمرو كثيرًا، انظر رقم: 6510 و 6802 و 6930 و 7018. (¬3) هذه العبارة من رواية الزهري في " مسند الإمام أحمد: ص 268 حديث 7273 جـ 12 لم يذكرها ابن سعد. (¬4) " طبقات ابن سعد ": ص 56 قسم 2 جـ 4 وص: 118 قسم 2 جـ 2، وانظر " فتح الباري ": ص 224 جـ 1، و" مسند الإمام أحمد ": ص 270 جـ 12، و" حلية الأولياء ": ص 378 جـ 1، و" تاريخ الإسلام ": ص 334 جـ 2. (¬5) " طبقات ابن سعد ": ص 56 قسم 2 جـ 4 وص: 118 قسم 2 جـ 2، وانظر " فتح الباري ": ص 224 جـ 1، و" مسند الإمام أحمد ": ص 270 جـ 12، و" حلية الأولياء ": ص 378 جـ 1، و" تاريخ الإسلام ": ص 334 جـ 2.

وكان يقول: «وَايْمُ اللهِ، لَوْلاَ آيَةٌ فِي كِتَابِ اللهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ أَبَدًا، ثُمَّ يَتْلُو: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ}» (¬1). وروى الوليد بن عبد الرحمن أنَّ أبا هريرة حَدَّثَ عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا وَتَبِعَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ» فقال عبد الله بن عمر: «انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ، فَإِنَّكَ تُكْثِرُ مِنَ الحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، فأخذ بيده، فذهب به إلى عائشة فسألها عن ذلك، فقالت: «صَدَقَ أَبُو هَرَيْرَةُ!!» ثم قال: «يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَاللَّهِ مَا كَانَ يَشْغَلُنِي عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، إِنَّمَا كَانَ يَهُمُّنِي كَلِمَةٌ من رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنِيهَا، أَوْ لُقْمَةٌ يُطْعِمُنِيهَا» (¬2)، وفي رواية: وفي رواية: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَشْغَلُنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرْسُ بِالوَادِي وَصَفْقٌ بِالأَسْوَاقِ (¬3). فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «أَنْتَ أَعْلَمُنَا - يَا أَبَا هُرَيْرَةَ - بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحْفَظُنَا لِحَدِيثِهِ» (¬4). وقد شهد له إخوانه أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكثرة سماعه وأخذه عن رسول الله. وهذه الشهادات تدفع كل ريب أو ظن حول كثرة حديثه، حتى إنَّ بعض الصحابة رَوَوْا عنه لأنه سمع من النبي الكريم - صَلَّى اللَّهُ ¬

_ (¬1) " مسند الإمام أحمد: ص 123، حديث 7691 جـ 14، وانظر " فتح الباري ": ص 244 جـ 1، والآية (159) من سورة البقرة. (¬2) " طبقات ابن سعد ": ص 57 قسم 2 جـ 4، ونحوه بإسناد صحيح في " مسند الإمام أحمد ": ص 175 حديث 7188 جـ 12. (¬3) " البداية والنهاية ": ص 107 جـ 8، و" طبقات ابن سعد ": ص 118 قسم 2 جـ 2، وقال الترمذي في قول ابن عمر: «حَسَنٌ» انظر " فتح الباري ": ص 225 جـ 1. (¬4) " البداية والنهاية ": ص 107 جـ 8، و" طبقات ابن سعد ": ص 118 قسم 2 جـ 2، وقال الترمذي في قول ابن عمر: «حَسَنٌ» انظر " فتح الباري ": ص 225 جـ 1.

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يسمعوا. من هذا أنَّ رجلاً جَاءَ إِلَى طَلْحَةَ (¬1) بْنُ عُبَيْدِ اللهِ فَقَالَ: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَرَأَيْتُكَ هَذَا اليَمَانِيَّ - يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ - أَهُوَ أَعْلَمُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ مِنْكُم؟ نَسْمَعُ مِنْهُ أَشْيَاءَ لاَ نَسْمَعُهَا مِنْكُم؟»، قَالَ: «أَمَّا أَنْ يَكُونَ [قَدْ] سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ نَسْمَعْ فَلاَ أَشُكُّ، سَأُحَدِّثُكَ عَنْ ذَلِكَ: إِنَّا كُنَّا أَهْلَ بُيُوتَاتٍ وَغَنَمٍ وَعَمَلٍ، كُنَّا نَأْتِي رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرَفَيْ النَّهَارِ، وَكَانَ مِسْكِينًا ضَيْفًا عَلَى بَابِ رَسُولِ اللهِ، يَدُهُ مَعَ يَدِهِ، فَلاَ نَشُكُّ أَنَّهُ سَمِعَ مَا لَمْ نَسْمَعْ، وَلاَ تَجِدُ أَحَدًا فِيهِ خَيْرٌ يَقُولُ عَنْ رَسُولِ اللهِ مَا لَمْ يَقُلْ» (¬2) (*). وَرَوَى أَشْعَثُ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ (الأَنْصَارِي) يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَ: «إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ نَسْمَعْ، وَإِنِّي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي مَا لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ -» (¬3). وكان جريئًا، يسأل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أشياء لا يسأله غيره (¬4) كما كان يسأل الصحابة الذين سبقوه إلى الإسلام. وكان كثير العلم واسع المعرفة، يحدث إخوانه وطلابه، وقد يقول لهم: «رُبَّ كِيْسٍ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يَفْتَحْهُ - يَعْنِي: مِنَ العِلْمِ -» (¬5). وكان يقول: «حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

_ (¬1) في " سير أعلام النبلاء " (طُلَيْحَةٌ) والصواب (طَلْحَةٌ) كما في " فتح الباري ": ص 255 جـ 1. (¬2) " سير أعلام النبلاء ": ص 436 جـ 2، و" البداية والنهاية ": ص 109 جـ 8. (¬3) " البداية والنهاية ": ص 109 جـ 8، و" سير أعلام النبلاء ": ص 436 جـ 2. (¬4) انظر " سير أعلام النبلاء ": ص 451 جـ 2. (¬5) انظر المرجع السابق: ص 430 جـ 2 رواه محمد بن راشد عن مكحول. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) خطأ في ترقيم الهوامش في الكتاب المطبوع، وأثبت الترقيم الصحيح للمصادر.

وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ لَقُطِعَ هَذَا البُلْعُومُ» (¬1). فكان أبو هريرة حريصًا على أن يُحَدِّثَ الناس بما تدركه عقولهم، وحريصًا على ألا يحدثهم إلا بما ينتفعون به، لذلك أَبَى أن يحدثهم بكل ما يعلم. ¬

_ (¬1) " طبقات ابن سعد ": ص 57 قسم 2 جـ 4 وص: 118 قسم 2 جـ 2، وانظر " فتح الباري ": ص 227 جـ 1، و" حلية الأولياء ": ص 381 جـ 1، و" البداية والنهاية ": ص 105 جـ 8، و" تذكرة الحفاظ ": ص 34 جـ 1. لقد بث أبو هريرة بين الناس وعاء مما سمع من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يبث الوعاء الآخر، خَوْفًا من أن يكذبه الناس فقد قال في رواية: «لَوْ أَنْبَأْتُكُمْ بِكُلِّ مَا أَعْلَمُ لَرَمَانِي النَّاسُ بِالخَرْقِ، وَقَالُوا أَبُو هُرَيْرَةَ مَجْنُونٌ». وفي رواية: «لَرَمَيْتُمُونِي بِالبَعْرِ». قَالَ الحَسَنُ - رَوِاي الخَبَرِ -: «صَدَقَ وَاللَّهِ .. لَوْ أَخْبَرَنَا أَنَّ بَيْتَ اللَّهِ يُهْدَمُ وَيُحْرَقُ مَا صَدَّقَهُ النَّاسُ». " طبقات ابن سعد ": ص 57 قسم 2 جـ 4 وص: 119 قسم 2 جـ 2. لقد خاف أن يُكَذِبَهُ الناس، وخاف أن يقضى على حياته ولا بد للمرء أن يتساءل: ما هو ذلك الوعاء المملوء عِلْمًا الذي لم يبثه أبو هريرة؟ وهل خصه رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دون الأُمَّةِ بذلك. نفهم من حديث أبي هريرة أن الرسول حَمَّلَهُ نوعين من العلم، كل نوع لو كتبه إنسان لكان جرابًا كبيرًا، أحدهما بثه، والثاني لم يبثه، أما يكون رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد اختص أبا هريرة بشيء من الأحكام فغير معقول، لأنه ينافي تبليغ الرسالة، وهل ما اختصه به من الآداب؟ إن هذا بعيد جِدًّا لأن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما جاء ليتمم مكارم الأخلاق، ومنعه ذلك عن الأُمَّةِ يُنَافِي تبليغ الرسالة، فليس من المتصور أن يلقن الرسول الكريم بعض ما يتعلق بالأخلاق والآداب أبا هريرة، ويترك الأُمَّةَ من غير أن يفيدها بشيء من هذا!!. من هنا يتأكد أن الوعاء الثاني لم يكن فيه ما يتعلق بالأحكام ولا بالآداب والأخلاق، وَيُرَجَّحُ أن يكون بعض ما يتعلق بأشراط الساعة أو بعض ما يقع للأمة من فتن، ومن يَلُونَهَا من أمراء السوء، وَيُقَوِّي هذا عندي أن أبا هريرة كان يكني عن بعض ذلك، ولا يصرح به خَوْفًا على نفسه ممن يسيئه ما يقوله، كقوله: «أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ رَأْسِ السِّتِّينَ وَإِمَارَةِ الصِّبْيَانِ»، وقوله: «وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ»، انظر " فتح الباري ": ص 227 جـ 1، و" سير أعلام النبلاء ": ص 430 جـ 1، وليس هذا الحديث ذريعة لمن يجعل للدين ظاهرًا وباطنًا حتى ينتهي به إلى التحلل من الدين، فأبو هريرة كان يحب أن يحدث الناس بما يعرفون حتى لا يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ إذا أخبرهم بما لا تتصوره عقولهم، وقد ذكر ابن تيمية بعض تنبؤات الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التي أخبر عنها ووقعت فيما بعد في كتابه " الرد على المنطقيين ": ص 445.

10 - حفظ أبي هريرة:

10 - حِفْظُ أَبِي هُرَيْرَةَ: كان أبو هريرة حافظًا متقنًا، ضابطًا لما يروي، دقيقًا في أخباره، فقد اجتمعت فيه صفتان عظيمتان تُتَمِّمُ إحداهما الأخرى، الأولى سعة علمه وكثرة مروياته، والثانية قوة ذاكرته وحسن ضبطه، وهذا غاية ما يتمناه أُولُو العلم. وسبق أن ذكرت أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لَهُ بِعِلْمٍ لاَ يُنْسَى. وإلى جانب هذا، نشاط أبي هريرة وحرصه على طلب العلم، وفي ذلك يقول: «صَحِبْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلاثَ سِنِينَ مَا كُنْتُ سَنَوَاتٍ قَطُّ أَعْقَلَ مِنِّي، وَلا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَعِيَ مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[مِنِّي] فِيهِنَّ» (¬1). وكان يذاكر ما يسمعه من الرسول الكريم، فيقضي شطرًا من ليله في هذا، قال أبو هريرة: «جَزَأْتُ اللَّيْلَ ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ: ثُلُثًا أُصَلِّي، وَثُلُثًا أَنَامُ، وَثُلُثًا أَذَكَرُ فِيهِ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (¬2). ويذكر لنا أبو الزعيزعة، كاتب مروان، ما يُثْبِتُ اتقانه وحفظه، فيقول: «دَعَا مَرْوَانُ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ، وَأَجْلَسَنِي خَلَفْ السَّرِيرِ، وَجَعَلْتُ أَكْتُبُ عَنْهُ، حَتَّىَ إِذَا كَانَ رَأْسُ الحَوْلِ، دَعَا بِهِ، فَأَقْعَدَهُ مِنْ وَرَاءِ الحِجَابِ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ الكِتَابِ، فَمَا زَادَ وَلاَ نَقَصَ، وَلاَ قَدَّمَ وَلاَ أَخَّرَ» (¬3). وقد شهد له بذلك الصحابة والتابعون وأهل العلم من بعدهم (¬4). ¬

_ (¬1) " طبقات ابن سعد ": ص 54 قسم 2 جـ 4 رواه قيس بن أبي حازم عن أبي هريرة. (¬2) انظر " سنن الدارمي ": ص 82 جـ 1، و" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 180: ب - 181: آ. (¬3) " البداية والنهاية ": ص 106 جـ 8، و" سير أعلام النبلاء ": ص 431 جـ 2 وقد جمعت بين الروايتين. (¬4) بعد قليل أذكر هذا تحت عنوان (الثناء على أبي هريرة).

11 - أبو هريرة والفتوى:

11 - أَبُو هُرَيْرَةَ وَالفَتْوَى: لم يكن أبو هريرة راوية للحديث فقط، بل كان من رؤوس العلم في زمانه، في القرآن وَالسُنَّةِ والاجتهاد، فَإِنَّ صُحبته وملازمته لرسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أتاحت له أَنْ يَتَفَقَّهَ في الدين، ويشاهد السُنَّةَ العَمَلِيَّةَ، عظيمها ودقيقها، فَتَكَوَّنَتْ عنده حصيلة كثيرة من الحديث الشريف، وقد اطَّلَعَ على حلول أكثر المسائل الشرعية، التي كانت تُعْرَضُ للمسلمين في عهده - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -. كل ذلك هَيَّأَ أبا هريرة، لأنْ يفتي المسلمين في دينهم نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةُ، والصحابة كثيرون آنذاك. ويذكر لنا عَنْ زِيَادِ بنِ مِينَا، قَالَ: «كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٌ مَعَ أَشْبَاهٍ لَهُم، يُفْتُونَ بِالمَدِينَةِ، وَيُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ لَدُنْ تُوُفِّيَ عُثْمَانُ إِلَى أَنْ تُوُفُّوا. قَالَ: وَهَؤُلاَءِ الخَمْسَةُ إِلَيْهِمْ صَارَتِ الفَتْوَى» (¬1). وولي البحرين لعمر، وأفتى الناس فيها، وكانت فتاواه تتلاقى وفتاوى عمر بن الخطاب (¬2) وكان يفتي بحضور ابن عباس (¬3). وإن المقام يضيق بنا عن حصر فتاواه، ولن نفرط في القول فَنَدَّعِي أنه كان من المكثرين في الفتيا، بل كان من المتوسطين في ذلك، كما ذكر الإمام أبو محمد بن حزم إذ قال: «وَالمُتَوَسِّطُونَ مِنْهُمْ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمْ مِنَ الفُتْيَا: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، ... فَهَؤُلاَءِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ مِنْ فُتْيَا كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ صَغِيرٌ جِدًّا» (¬4). ¬

_ (¬1) " تاريخ الإسلام ": ص 337 جـ 2، و" سير أعلام النبلاء ": ص 437 جـ 2. (¬2) انظر " سير أعلام النبلاء ": ص 445 و 446 جـ 2. (¬3) انظر " سير أعلام النبلاء ": ص 437 و 445 جـ 2. (¬4) " إعلام الموقعين ": ص 12 جـ 1، و " سير أعلام النبلاء " عن " الإحكام في أصول الأحكام ": ص 451 جـ 2.

12 - شيوخه ومن روى عنه:

12 - شُيُوخُهُ وَمَنْ رَوَى عَنْهُ: روى أبو هريرة عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الكثير الطيب، وروى عن بعض الصحابة كأبي بكر الصدِّيق، وعمر بن الخطاب، والفضل بن عباس بن عبد المطلب، وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ، وأسامة بن زيد، وعائشة أم المؤمنين، وبصرة بن أبي بصرة، وروى عن كعب الحبر وهو من التابعين. وقد روى عنه بعض الصحابة، وأشهر من روى عنه منهم: ابن عباس، وابن عمر، وأنس بن مالك، وواثلة بن الأسقع، وجابر بن عبد الله الأنصاري (¬1)، وأبو أيوب الأنصاري (¬2). وروى عنه خلق كثير من التابعين، قَالَ البُخَارِيُّ: «رَوَى عَنْهُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِمِائَةِ رَجُلٍ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ» (¬3) فيهم أئمة التابعين وأعلامهم في الحديث والفقه، منهم: بشير بن نهيك والحسن البصري، وزيد بن أسلم، وزيد بن أبي عتاب، وسعيد المقبري، وسعيد بن يسار، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وشفي بن ماتع، وشهر بن حوشب، وعامر الشعبي، وعبد الله بن سعد مولى عائشة، وعبد الله بن عتبة الهذلي، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعبد العزيز بن مروان، وعروة بن الزبير، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار، وعمر بن خلدة قاضي المدينة، وعمرو بن دينار، والقاسم بن محمد، وقبيصة بن ذؤيب، وكثير بن مرة، ومحمد بن سيرين، ومحمد بن مسلم الزهري - ولم يلحقه - ¬

_ (¬1) انظر " الإصابة ": ص 201 جـ 7، و" تهذيب التهذيب ": ص 263 جـ 17. (¬2) انظر " سير أعلام النبلاء ": ص 436 جـ 2. (¬3) انظر المراجع المذكورة في الهامش التالي.

13 - عدة ما روي عنه من الحديث:

محمد بن المنكدر، ومروان بن الحكم، وميمون بن مهران، وهمام بن مبنه - وقد كتب عن أبي هريرة صحيفة مشهورة - وأبو إدريس الخولاني، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وأبو سعيد المقبري، وأبو صالح السمان، وغيرهم (¬1). 13 - عِدَّةُ مَا رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الحَدِيثِ: أبو هريرة أكثر الصحابة حديثًا عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولن نستغرب هذا بعد أنْ عرفنا ملازمته لرسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وجرأته في السؤال، وحبه للعلم، ومذاكرته حديث الرسول الكريم في كل فرصة تسنح له. روى الإمام أحمد بن حنبل في " مسنده " [3848] حَدِيثًا وفيها مُكَرَّرٌ كثير باللفظ والمعنى، ويصفو له بعد حذف المُكَرَّرٌ خير كثير. وروى له الإمام بقي بن مَخْلَدْ (201 - 276 هـ) في " مسنده " [5374] خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة وسبعين حَدِيثًا. وله في " الصحيحين " [325] ثلاثمائة وخمسة وعشرون حَدِيثًا، وانفرد البخاري أَيْضًا بـ[93] ثلاثة وتسعين حَدِيثًا، ومسلم بـ[189] تسع وثمانين ومائة حَدِيثٍ (¬2). ¬

_ (¬1) ما ذكرتهم هم بعض من روى عن أبي هريرة، وأحاديثهم في كتب الأئمة الستة. راجع " تهذيب التهذيب ": ص 263 - 265 جـ 12، و" الإصابة ": ص 201 - 202 جـ 7، و" سير أعلام النبلاء ": ص 418 - 423 جـ 2. (¬2) انظر " البارع الفصيح في شرح الجامع الصحيح " مخطوط دار الكتب المصرية: ص 9: ب عن " مسند الإمام بقي بن مخلد، وفي " تاريخ الإسلام ": ص 334 جـ 2 عدد أحاديثه (5370) حَدِيثًا، وانظر " شذرات الذهب ": ص 63 جـ 1، وفي " سير أعلام النبلاء " المتفق في " البخاري " و " مسلم " (326) حَدِيثًا وانفرد " البخاري " بثلاثة وتسعين و" مسلم " بثمانية وتسعين. انظر " الفصل في الملل والأهواء والنحل " لابن حزم: ص 138 جـ 4.

14 - الثناء على أبي هريرة:

14 - الثَّنَاءُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ: قال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَلاَّ يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ» (¬1). وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَبُو هُرَيْرَةَ وِعَاءُ مِنَ العِلْمِ!!» (¬2). قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «مَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ حَدِيثًا مِنِّي عَنْهُ إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ , وَكُنْتُ لاَ أَكْتُبُ» (¬3). وكان عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قد نهى أبا هريرة من الإكثار عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما نهى غيره، لأنَّ سياسة عمر وبعض الصحابة الإقلال من رواية الحديث، لأنَّ الإكثار مظنة الخطأ، وفيه شغل الناس بالحديث عن القرآن، ومع هذا فقد سمح عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لأبي هريرة بالتحديث، بعد أنْ عرف ورعه وتقواه. قال أبو هريرة: «بَلَغَ عُمَرَ حَدِيثِي، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ، فَقَالَ: كُنْتَ مَعَنَا يَوْمَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِ فُلاَنٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَقَدْ عَلِمْتُ لأَيِّ شَيْءٍ سَأَلْتَنِي. قَالَ: وَلِمَ سَأَلْتُكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَئِذٍ: " مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ". ¬

_ (¬1) " فتح الباري ": ص 204، جـ 1، و" سير أعلام النبلاء ": ص 430، جـ 2. وهو صحيح. (¬2) " سير أعلام النبلاء ": ص 430، جـ 2. في إسناده مقال، لاختلافهم في (زَيْدٍ العَمِّيِّ) أحد رجال سنده. انظر " ميزان الاعتدال ": ص 363، جـ 1. (¬3) " فتح الباري ": ص 217، جـ 1، و" جامع بيان العلم ": ص 70 جـ 1.

قَالَ: " أَمَا لاَ، فَاذْهَبْ فَحَدِّثْ "» (¬1). وهذا السماح توثيق لأبي هريرة من أمير المؤمنين. قال عبد الله بن عمر: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كُنْتَ أَلْزَمُنَا لِرَسُولِ الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْلَمُنَا بِحَدِيثِهِ» (¬2). وَقِيلَ لابْنِ عُمَرَ: هَلْ تُنْكِرُ مِمَّا يُحَدِّثُ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ شَيْئًا؟ قَالَ: «لاَ، وَلَكِنَّهُ اجْتَرَأَ، وَجَبُنَّا» (¬3). وفي رواية قال ابن عمر: «أَبُو هُرَيْرَةُ خَيْرٌ مِنِّي، وَأَعْلَمُ بِمَا يُحَدِّثُ» (¬4). وكان يكثر التَرَحُّمَ عَلَيْهِ ويقول: «كَانَ مِمَّنْ يَحْفَظُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى المُسْلِمِينَ» (¬5). قَالَ أُبَيٌّ بْنُ كَعْبٍ: «كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ جَرِيئًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ لاَ نسَأَلُهُ عَنْهَا» (¬6). وحين أرسل ابن عمر يستفهم من السيدة عائشة عن حديث الجنازة الذي رواه أبو هريرة، قالت: «صَدَقَ أَبُو هَرَيْرَةُ» (¬7). ¬

_ (¬1) " سير أعلام النبلاء ": ص 434 جـ 2 إلا أن في سنده (يحيى بن عبيد الله) اختلف فيه، انظر " ميزان الاعتدال ": ص 297، جـ 3، ولكنه ثابت من طريق آخر. (¬2) " المحدث الفاصل ": ص 134: آ، و" سير أعلام النبلاء ": ص 435 جـ 2. ونحوه في " طبقات ابن سعد ": ص 118، قسم 2 جـ 2. وفي " فتح الباري ":: (أَعْرَفَنَا بِحَدِيثِهِ) وقال فيه الترمذي: «حَسَنٌ». ص 225 جـ 1. (¬3) " سير أعلام النبلاء ": ص 437 جـ 2. (¬4) " الإصابة ": ص 204 جـ 7، و" تهذيب التهذيب ": ص 267 جـ 12. (¬5) " طبقات ابن سعد ": ص 63، قسم 2 جـ 4، و" سير أعلام النبلاء ": ص 435، جـ 2. و" البداية والنهاية ": ص 107، جـ 8. (¬6) " سير أعلام النبلاء ": ص 451 جـ 2. (¬7) " طبقات ابن سعد ": ص 57 قسم 2 جـ 4، و" الإصابة ": ص 205، جـ 7.

قال طلحة بن عبيد الله: «لاَ نَشُكُّ أَنَّهُ سَمِعَ مَا لَمْ نَسْمَعْ» (¬1). قال زيد بن ثابت لرجل سأله عن شيء: «عَلَيْكَ بِأَبِي هُرَيْرَةَ» (¬2). جاء رجل إلى ابن عباس في مسألة، فقال ابن عباس لأبي هريرة: «أَفْتِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَدْ جَاءَتْكَ مُعْضِلَةٌ» (¬3). قال كعب الأحبار: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا لَمْ يَقْرَأِ التَّوْرَاةَ أَعْلَمَ بِمَا فِيهَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ» (¬4). وقال محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم: «فَعَرَفْتُ يَوْمَئِذٍ أَنَّهُ أَحْفَظُ النَّاسِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (¬5). وذلك حين حضر مجلسه الذي كان فيه مشيخة من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأبو هريرة يُحَدِّثُهُمْ، فلا يعرف بعضهم الحديث، ثم يتراجعون فيه فيعرفونه. قال أبو صالح السمان: «كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ أَحْفَظِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (¬6). قال الإمام الشافعي: «أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَى الحَدِيثَ فِي دَهْرِهِ (¬7)» ¬

_ (¬1) " سير أعلام النبلاء ": ص 436 جـ 2، رواه عن طلحة والتصحيح من " الإصابة ": ص 204 جـ 7، و" تهذيب التهذيب ": ص 266 جـ 12، و" تاريخ الإسلام ": ص 336 جـ 3. وطلحة هذا صحابي جليل - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - توفي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو راض عنه. (¬2) " سير أعلام النبلاء ": ص 432 و 443 جـ 2، و" تهذيب التهذيب ": ص 266 جـ 12، و" الإصابة ": ص 204 جـ 7. (¬3) " سير أعلام النبلاء ": ص 437 جـ 2. (¬4) " الإصابة ": ص 205 جـ 7، و" سير أعلام النبلاء ": ص 432 جـ 2. (¬5) " سير أعلام النبلاء ": ص 444 جـ 2، و" فتح الباري ": ص 225 جـ 1. (¬6) " تذكرة الحفاظ ": ص 34 جـ 1، و" سير أعلام النبلاء ": ص 430 جـ 2. (¬7) " تذكرة الحفاظ ": ص 34 جـ 1، و" البداية والنهاية ": ص 106 جـ 8، و" سير أعلام النبلاء ": ص 432 جـ 2.

15 - أصح الطرق عن أبي هريرة:

قال البخاري: «رَوَى عَنْهُ نَحْوَ ثَمَانِمِائَةٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، وَكَانَ أَحْفَظَ مَنْ رَوَى الحَدِيثَ فِي عَصْرِهِ» (¬1). وقال الإمام الحافظ الذهبي [673 - 748 هـ]: «أَبُو هُرَيْرَةَ: إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي حَفِظِ مَا سَمِعَهُ مِنَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، وَأَدَائِهِ بِحُرُوفِهِ» (¬2)، وقال في موضع آخر: «كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَثِيقَ الحِفْظِ، مَا عَلِمْنَا أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي حَدِيثٍ» (¬3). وقال ابن كثير [- 774 هـ]: «وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنَ الصِّدْقِ وَالحِفْظِ وَالدِّيَانَةِ وَالعِبَادَةِ وَالزَّهَادَةِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ عَلَى جَانِبٍ عَظِيمٍ» (¬4). وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني [773 - 852 هـ]: «إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ أَحْفَظَ مِنْ كُلِّ مَنْ يَرْوِي الحَدِيثَ فِي عَصْرِهِ، وَلَمْ يَاْتِ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَحَابَةِ كُلِّهِمْ مَا جَاءَ عَنْهُ» (¬5). هذا غيض من فيض، شهد به رؤوس العلم لأبي هريرة، فسعة علمه وكثرة حديثه لا تخفى على مسلم، وما سقته من ثناء عليه إنما كان على سبيل الذكرى، وإلا فإني أظلم راوية الإسلام إذا حاولت أن أحصر من أثنى عليه. 15 - أَصَحُّ الطُرُقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: حُكِيَ عَنِ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّ مِنْ أَصَحِّ الأَسَانِيدِ (إِطْلاَقًا): حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (¬6). ¬

_ (¬1) " تهذيب التهذيب ": ص 265 جـ 12. (¬2) " سير أعلام النبلاء ": ص 445 جـ 2. (¬3) " سير أعلام النبلاء ": ص 446 جـ 2. (¬4) " البداية والنهاية ": ص 110 جـ 8. (¬5) " تهذيب التهذيب ": ص 266 جـ 12. (¬6) " تدريب الراوي ": ص 36، و" الكفاية ": ص 398.

وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ [الشَّاذَكُونِيُّ]: «أَصَحُّ الأَسَانِيدِ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ» (¬1). وأصح ما روي من الحديث عن أبي هريرة ما جاء عن: - الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. - أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ - عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. - ابْنِ عَوْنٍ وَأَيُّوبَ، عَنِ مُحَمَّدٍ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (¬2). - مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. - سُفْيَانٍ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. - مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. - إِسْمَاعِيلَ بن أبي حَكِيمٍ عَن عُبَيْدَةَ بن سُفْيَان الحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. - مَعْمَرٍ عَنِ هَمَّامٍ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (¬3). ¬

_ (¬1) " الكفاية ": ص 398. (¬2) " تدريب الراوي ": ص 36، و" سير أعلام النبلاء ": ص 438 جـ[2] (*) و" توضيح الأفكار ": ص 35 جـ 1. (¬3) هذه الأسانيد خرجها الشيخ أحمد محمد شاكر - رَحِمَهُ اللهُ - من مسند أبي هريرة في " مسند الإمام أحمد " وهي من أصح الأسانيد لرسوخ قدم الرواة فيها وثناء العلماء عليهم. انظر " مسند الإمام أحمد ": ص 149، 150 جـ 2. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) سقط رقم المجلد من الكتاب المطبوع، وبالرجوع إلى كتاب " أبو هريرة راوية الإسلام " للدكتور محمد عجاج الخطيب (ص 149، حاشية 3)، تبين أنه المجلد الثاني من " سير أعلام النبلاء ".

الرد على الشبه التي أثيرت حول أبي هريرة:

الرَدُّ عَلَى الشُّبَهِ التِي أُثِيرَتْ حَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ: ذلكم أبو هريرة الذي عرفناه قبل إسلامه وبعده، عرفناه في هجرته وصحبته للرسول الكريم - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان الصاحب الأمين، والطالب المُجِدَّ، التزم السُنَّةَ المُطَهَّرة، في شبابه وهرمه، وفي غناه وفقره، فكان وَرِعًا تَقِيًّا، كريمًا متواضعًا، له مواقفه المُشَرِّفَةَ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعرفنا اعتزاله للفتن وَحُبَّهُ للجماعة وسيعه للخير، وكشفنا عن روحه الطيِّبة المرحة، ونفسه الصافية، وأخلاقه الكريمة، وزُهده في الدنيا وفنائه في الحق، وعرفنا مكانته العلميَّة، وكثرة حديثه، وقوة حافظته، ورأينا منزلته بين أصحابه، وثناء العلماء عليه. ولكن بعض الباحثين لم يسرهم أن يروا أبا هريرة في هذه المكانة السامية، والمنزلة الرفيعة، فدفعتهم ميولهم وأهواؤهم إلى أن يصوروه صورة تخالف الحقيقة التي عرفناها، فرأوا في صحبته للرسول الكريم - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غايات خاصة لأبي هريرة، ليشبع بطنه ويروي نهمه، وصوروا أمانته خيانة، وكرمه رياء، وحفظه تدجيلاً، وحديثه الطيب الكثير كذبًا على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبهتانًا، ورأوا في فقره مطعنًا وعارًا، وفي تواضعه ذُلاًّ، وفي مرحه هَذَرًا، وصوروا أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر لَوْنًا من الاحتيال لخداع العامة، ورأوا في اعتزاله الفتن تَحَزُّبًا، وفي قوله الحق انحيازًا، واعتبروه صنيعة الأمويين الذين طووه تحت جناحهم، فكان أداتهم الداعية لمآربهم

السياسية، فهو في نظرهم من الكاذبين الواضعين للأحاديث على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، افتراء وزورًا. هكذا رآه بعض أهل الأهواء قديمًا كالنظَّام، والمريسي، وَالبَلْخِي، وتابعهم في هذا العصر بعض المستشرقين أمثال (جولدتسيهر) و (شبرنجر) وأغرب من هذا أنْ يطعن فيه وفي السُنَّةِ بعض من يُنسبُ إلى العلم، فقد عثرتُ على كتاب تحت عنوان " أبو هريرة " ألَّفه عبد الحُسين شرف الدين العاملي، وافترى فيه على أبي هريرة افتراءات يَنْدَى لَهَا جبين العلم، وَتَخِزُ ضمير العلماء، وتجرح الحق، ولا تلتقي معه، حتى انتهى إلى تكفير أبي هريرة، وقد حمله على هذا عاملان: أولهما هواه، وثانيهما تأويلاته التي لا تتمشى مع البحث العلمي، ولا توافق التاريخ .. وقد استقى من هذا الكتاب أَيْضًا محمود أَبُو رِيَّة صاحب كتاب " أضواء على السنة المحمدية "، فكان أشدَّ على أبي هريرة من أستاذه، وأكثر مجانبة للصواب، كما أن الأستاذ أحمد أمين كشف عن جانب من سيرة أبي هريرة دون أن يكشف عن الجوانب الأخرى فلم تكن صورته عنده مطابقة للحقيقة التاريخية. ومن الصعب أن أفند جميع الشبهات التي أخذها بعضهم على أبي هريرة في هذا الكتاب، لأنها تحتاج إلى كتاب منفرد بها (¬1)، لذلك أرد هنا رَدًّا مجملاً على أهم الشبهات التي أثاروها حوله، ولولا مكانة أبي هريرة ونقله جانبًا عظيمًا من السُنَّةِ لتركت الرد على هذه الشبهة، ولكني رأيت من الواجب أن أبين الحق لأن الطعن فيه طعن صريح في جميع مروياته، وترك لجانب لا يستهان به من السُنَّةِ. ¬

_ (¬1) فَنَّدْتُ ما أثاره هؤلاء في كتاب تحت عنون " أبو هريرة راوية الإسلام " (*). ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) هذا الكتاب الذي كان لي شرف تحويله إلى المكتبة الشاملة.

1 - عمر وأبو هريرة - رضي الله عنهما:

1 - عُمَرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: اتهم عبد الحسين شرف الدين وأبو رية (¬1) أبا هريرة بأنه سرق عشرة آلاف دينار حينما ولي البحرين لعمر، فعزله وضربه بالدرة حتى أدماه. لقد ذكرت جميع الروايات (¬2) المعتمدة أن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قاسمه كما قاسم غيره من الولاة (¬3). وليس فيها أنه ضربه حتى أدماه. وكان أبو هريرة يقول: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَمِيرِِ المُؤمِنِينَ (¬4)». لم يحقد على عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مع أنه يعلم أن ما قاسمه إياه إنما هو عطاياه وأسهمه وبعض غلة رقيقة. ولو أن عمر شك في أمانة أبي هريرة بعض الشك لحاكمه وعاقبة العقوبة الشرعية، ولكنه عرف فيه الأمانة والإخلاص فعاد إليه بعد حين يطلبه للولاية فأبى أبو هريرة قبولها كما أسلفنا!!. هذا وجه الحق الذي أخفاه عبد الحسين وأبو رية، فعبد الحسين نقل رواية واحدة عن " العقد الفريد " لابن عبد ربه (¬5)، حيث وجد فيها ما يوافق هواه، ولم ¬

_ (¬1) انظر " أبو هريرة " لعبد الحسين شرف الدين: ص 14، 15، وانظر " أضواء على السنة المحمدية ": ص 192، 193. (¬2) انظر في هذا الكتاب القسم الأول من ترجمة أبي هريرة ص 415 وما بعدها. (¬3) يقول ابن عبد ربه: «ولما عزل عمر أبا موسى الأشعري عن البصرة، وشاطره ماله، وعزل أبا هريرة عن البحرين وشاطره ماله، وعزل الحارث بن كعب وشاطره ماله». انظر " العقد الفريد ": ص 33 جـ 1، وروى ابن عمر «أن عمر قاسم سعد بن أبي وقاص ماله حين عزله عن العراق». (" طبقات ابن سعد ": ص 105 قسم 1 جـ 3). فعمر لم يتهم أبا هريرة ولم يشاطره ماله وحده، بل تلك كانت سياسته مع ولاته، كيلا يطمع امرؤ في مال الله، ويحذر الشبهات. وكان يعزل ولاته لا عن شبهة بل من باب الاجتهاد وحسن رعاية أمور المسلمين، انظر ذلك في " العقد الفريد ": ص 34، 35 و 60 جـ 1. (¬4) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 60 قسم 2 جـ 4. (¬5) " العقد الفريد ": ص 34 جـ 1.

2 - هل تشيع أبو هريرة للأمويين؟:

يتعرض لبقية الروايات التي تبين الحقيقة (¬1)، واكتفى أبو رية بالنقل عن عبد الحسين من غير أن يشير إلى المصدر ومن غير بحث أو مقارنة وتمحيص!! 2 - هَلْ تَشَيَّعَ أَبُو هُرَيْرَةَ لِلأُمَوِيِّينَ؟: ومما اتُّهِمَ به أبو هريرة أنه تشيع للأمويين ووالاهم، ووضع الحديث على الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضد خصومهم وتأييدًا لسياستهم (¬2). ويظهر بطلان هذه الشبهة إذا علمنا أنه لا دليل على تشيع أبي هريرة للأمويين بل ثبتت معارضته لهم في كثير من تصرفاتهم، ولم يكن دائمًا على صلة حسنة بمعاوية وإذا كان معاوية قد جعله على المدينة فقد كان يعزله كلما غضب عليه، ويولي مروان بن الحكم مكانه، كما أن أبا هريرة لم يكن يكره عَلِيًّا وأهله إرضاء للأمويين، بل كان مُحِبًّا لأهل البيت، ومن هذا ما رواه ابن كثير مما دار بين مروان بن الحكم وأبي هريرة حين أراد المسلمون دفن الحسن مع النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فكان مما قاله لمروان: «وَاللَّهِ مَا أَنْتَ بِوَالٍ، وَإِنَّ الوَالِيَ لَغَيْرُكَ فَدَعْهُ، وَلَكِنَّكَ تَدَخَّلُ فِيمَا لاَ يَعْنِيكَ، إِنَّمَا تُرِيدُ بِهَذَا إِرْضَاءَ مَنْ هُوَ غَائِبٌ عَنْكَ، يَعْنِي مُعَاوِيَةَ ... » (¬3). وكذلك نرى أبا هريرة ينكر على مروان في مواضع عدة، فقد أنكر عليه عندما رأى في داره تصاوير، فَقَالَ لَهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا! كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ¬

_ (¬1) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 59 قسم 2 جـ 4، و" تاريخ الإسلام ": ص 338 جـ 2، و" حلية الأولياء ": ص 380 جـ 1، و" البداية والنهاية ": ص 111 جـ 8. (¬2) انظر " أبو هريرة " لعبد الحسين: ص 26 - 31 وما بعدها، وانظر " أضواء على السنة المحمدية ": ص 185 - 190. (¬3) " البداية والنهاية ": ص 108 جـ 8.

ذَرَّةً، (¬1)، كما أنكر عليه حين أبطأ بالجمعة، فقام إليه قائلاً: «أَتُظَلُّ عِنْد ابْنَة فُلاَنٍ تُرَوِّحَُِك بِالمَرَاوِحِ وَتَسْقِيَك المَاءَ البَارِدَ، وَأَبْنَاءُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ يُصْهَرُونَ مِنَ الحَرِّ؟ لََقََدْ هَمَمْتُ أََنْ أَفْعَلَ وَأَفْعَلَ»، ثُم قَال: «اسْمَعُوْا مَن أَمِيرِكُمْ» (¬2). فهل هذا موقف المُتَشَيِّعِ لبني أمية، النازل على رغباتهم في الحديث، الدَّاعي لهم!! أم أنَّ هذا موقف ملتزم الحق؟ لقد أنكر على الأمير تَأَخُّرَهُ، وحفظ له حقه فأمر المسلمين بالسماع إليه. وهذا دليل آخر على مكانة أبي هريرة بين المسلمين. فلو كان حقيرًا مهينًا ما سمع منه المسلمون وَمَا تَحَمَّلَهُ مروان. وكان يجدر بمن اَتَّهِمَ أبا هريرة بالتشيُّع للأمويين أن يتهمه بالتشيع لأهل البيت، لما رُوِيَ عنه عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مناقبهم ومدحهم مِمَّا ورد فِي صِحَاحِ السُنَّةِ (¬3)، فهذا أولى لهم من أنْ يَتَتَبَّعُوا الأحاديث الضعيفة والموضوعة على أبي هريرة في مدح الأمويِّين، ليتهموه بموالاتهم وتأييدهم، مع وضوح وضع تلك الأحاديث، ومعرفة الكَذَبَةِ الواضِعِين لها. وجلاء أمرها، ونتيجة لهذا المنهج الملتوي حكم عليه عبد الحسين وأبو رية. ومما قاله عبد الحسين في أبي هريرة والأمويين: «استعبد بنو أمية أبا هريرة ببرهم، فملكوا قياده، واحتلُّوا سمعه وبصره وفؤاده، فإذا هو لسان دعايتهم في سياستهم، يَتَطَوَّرُ فيها على ما تقتضيه أهواؤهم. فتارة يفتئت ¬

_ (¬1) " مسند الإمام أحمد ": ص 148 حديث 7166 جـ 12 بإسناد صحيح ورواه البخاري. (¬2) " العقد الفريد ": ص 42 جـ 1. (¬3) انظر على سبيل المثال لا على سبيل الحصر: " مسند الإمام أحمد ": ص 129 حديث 7392، وص: 195 حديث 7455 جـ 13، وص 69 حديث 7636، وص 260 حديث 7863 جـ 14، و" فتح الباري ": ص 76 و 95 جـ 8.

3 - هل وضع أبو هريرة الأحاديث كذبا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟:

الأحاديث في فضائلهم ... وتارة يلفق أحاديث في فضائل الخليفتين نزولاً على رغائب معاوية وفئته الباغية» (¬1). هكذا أراد أنْ يُصَوِّرَهُ عبد الحسين شرف الدين، وقد عرفنا في سيرته وأخلاقه ما يدفع هذا الافتراء. 3 - هَلْ وَضَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ الأَحَادِيثَ كَذِبًا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟: لقد اتهم عبد الحسين، وأبو رية أبا هريرة بالكذب على رسول الله إرضاء للأمويين ونكاية بالعلويين (¬2) وأبو هريرة من كل هذا براء. ولكنهما أَوْرَدَا أخبارًا ضعيفة وموضوعة لا أصل لها. من هذا ما ذكره عبد الحسين فقال: «قال الامام أبو جعفر الاسكافي: إنَّ معاوية حمل قَوْمًا من الصحابة وَقَوْمًا من التابعين على رواية أخبار قبيحة في عَلِىٍّ تقتضي الطعن فيه، والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جَعْلاً يرغب في مثله، فاختلقوا له ما أرضاه، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمُغيرة بن شُعبة، ومن التابعين عُروة بن الزبير إلى آخر كلامه» (¬3). وقال: «لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على رُكبتيه ثم ضرب صلعته مِرَارًا!! وقال: " يا أهل العراق (¬4) أتزعمون أني أكذب على الله ورسوله ¬

_ (¬1) " أبو هريرة " لعبد الحسين: ص 35 وما بعدها. (¬2) انظر " أبو هريرة " لعبد الحسين: ص 35 وما بعدها، و " أضواء على السنة المحمدية ": ص 190 وما بعدها. (¬3) انظر " أبو هريرة " لعبد الحسين: ص 35 وما بعدها، و " أضواء على السنة المحمدية ": ص 190 وما بعدها. (¬4) ساق مؤلف " أضواء على السنة " هذه الروايات في ص 190، 191 وعلق في =

وأحرق نفسي بالنار؟ والله لقد سمعت رسول الله يقول: " إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَرَمًا وَإِنَّ المَدِينَةُ حَرَمِي، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ". قال: " وأشهد بالله أنَّ عَلِيًّا أَحْدَثَ فيها "!! فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاَّهُ إمارة المدينة» (¬1). هذه أخبار مختلفة استشهد بها عبد الحسين ليدعم زعمه أنَّ أبا هريرة كان عميلاً للأمويِّين، وَضَّاعًا للحديث. إلاَّ أنَّ هذه الأخبار مردودة سَنَدًا وَمَتْنًا. 1 - أما من حيث السند. فإنَّ ابن أبي الحديد صاحب " شرح نهج البلاغة " نقل هذه الأخبار عن شيخه محمد بن عبد الله أبي جعفر الإسكافي (- 240 هـ) وهو من أئمة المعتزلة المُتَشَيِّعِينَ، والعداء مستحكم بين المعتزلة وأهل الحديث من أواخر القرن الأول الهجري وأصبح مُتَوَارَثًا بعد هذا القرن. وأترك التعريف بأبي جعفر وتزكيته لتلميذه ابن أبي الحديد فيقول: «ذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - وكان من المُتَحَقِّّقِينَ بموالاة عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - والمُبالغين في تفضيله وإنْ كان القول بالتفضيل عَامًّا شَائِعًا في البغداديِّين من أصحابنا كافة، إلاَّ أنَّ أبا جعفر أَشَدُّهُمْ في ذلك قولاً، وأخلصهم فيه اعتقادًا (¬2)». ¬

_ = الهامش على هذا الخبر فقال: يدل هذا القول على أن كذب أبي هريرة على النبي قد اشتهر حتى [عَمَّ] الآفاق، لأنه قال ذلك وهو بالعراق وأن الناس جَمِيعًا كانوا يتحدثون عن هذا الكذب في كل مكان. (هامش الصفحة 190 من " أضواء على السنة "). انظر إلى هذا المؤلف الذي أخذ من أستاذه وتفوق عليه بالاستنباطات الخيالية، من غير أن يتثبت من صحة الرواية، ولكن له وقفة بين يدي الله تعالى. (¬1) " أبو هريرة " لعبد الحسين: ص 38، 39. (¬2) " شرح نهج البلاغة ": ص 467 جـ 1 طبعة بيروت، وانظر ترجمته في " لسان الميزان ": ص 221 جـ 5.

هذه شهادة تليمذ لأستاذه لا يرقى إليها الشك، ولا يعتريها الظن والتأويل، فالأستاذ من أهل الأهواء، دَاعٍ إلى هَوَاهُ، بل من المُتَعَصِّبِينَ في ذلك، بشهادة أقرب الناس إليه وأعرفهم به، فإذا سبق لأمثاله أنْ كَذَّبُوا الصحابة في الحديث بل في نقل القرآن فليس بَعِيدًا أَنْ يَكْذِبُوا على أبي هريرة ويفتروا عليه وعلى بعض الصحابة والتابعين. لكن روايته مردودة لسببين: الأول: ضعف الإسكافي لعاملين: العامل الأول: إنه معتزلي يناصب أهل الحديث العداء. والعامل الثاني: أنه شيعي محترق. فقد اجتمع فيه عاملان يكفي أحدهما لِرَدِّ روايته. الثاني: لم تذكر هذه الروايات في مصدر موثوق بسند صحيح. عِلْمًا بِأَنَّ الإسكافي لم يذكر لها سَنَدًا، وهذا يُرَجِّحُ أنها موضوعة، أو هي على الأقل ضعيفة لا يُحْتَجُّ بها. 2 - وأما من حيث المتن - فلم يثبت أنَّ معاوية حمل أحدًا على الطعن في أمير المؤمنين عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، ولم يثبت عن أحد من الصحابة أنه تطوع بذلك، أو أخذ أجرًا مقابل وضع الحديث، والصحابة جَمِيعًا أسمى وأرفع من أنْ يَنْحَطُّوا إلى هذا الحضيض، ومعاذ الله أنْ يفعل هذا إنسان صاحب رسول الله وسمع حديثه وزجره عن الكذب، وإنَّ جميع ما جاءنا من هذه الأخبار الباطلة، إنما كان عن طريق أهل الأهواء الداعين إلى أهوائهم المُتَعَصِّبِينَ لمذاهبهم، فَتَجَرَّؤُوا على الحق، ولم يعرفوا لِلْصُحْبَةِ حرمتها، فَتَكَلَّمُوا في خيار الصحابة وَاتَّهَمُوا بعضهم بالضلال والفسق، وقذفوا بعضهم بالكفر، وافتروا على أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم (¬1). ¬

_ (¬1) انظر " العواصم من القواصم ": ص 182، 183.

وقد كشف أهل الحديث عن هؤلاء الكذبة، لذلك ناصبت أكثر الفرق أصحاب الحديث العداء، فتتبعوا أحوالهم واخترعوا الأباطيل، لتفقد الأُمَّة الثقة بهم، من ذلك ما فعله المعتزلة والروافض وبعض فرق الشيعة، ومن أراد الاطلاع على بعض هذا فليراجع كتاب " قبول الأخبار " للبلخي. ولكن الله أبى إلاَّ أنْ يكشف أمر هذه الفرق، ويميط اللثام عن وجوه المُتَسَتِّرِينَ وراءها، فكان أصحاب الحديث هم جنود الله - عَزَّ وَجَلَّ -، بَيَّنُوا حقيقة هؤلاء، وأظهروا نواياهم وميولهم، فما من حديث، أو خبر يطعن في صحابي، أو يُشَكِّكُ في عقيدة، أو يخالف مبادئ الدين الحنيف إلاَّ بَيَّنَ جهابذة هذا الفن يد صانعه، وكشفوا عن علَّته. فَادِّعَاءُ المؤلف مردود حتى يثبت زعمه بِحُجَّةٍ صحيحة مقبولة. وكيف نَتَصَوَّرُ معاوية يُحَرِّضُ الصحابة على وضع الحديث كَذِبًا وَبُهْتَانًا وَزُورًا، ليطعنوا في أمير المؤمنين عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وقد شهد ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - لمعاوية بالفضل والعقل والفقه (¬1) وقد ذكر ذلك البخاري في " صحيحه "، فهل لهؤلاء أنْ يَتَّهِمُوا حبر الأُمَّة وعالمها بالكذب، أو بالتشيُّع لمعاوية؟!! (¬2) هذا لا يمكن، وشهادة ترجمان القرآن صحيحة، وبذلك ننفي تُهمة عبد الحسين. وقد افترى الإسكافي على الصحابة الذين ذكرهم، وَبَيَّنَ ابن العربي في " العواصم من القواصم " جَانِبًا من أمرهم ومكانتهم وورعهم، كما بَيَّنَتْ كُتُبُ التراجم ¬

_ (¬1) انظر " فتح الباري ": ص 104، 105 جـ 8. (¬2) انظر " أضواء على التاريخ ": ص 191 وما بعدها. فللأستاذ محب الدين الخطيب كلمة قيمة في معاوية يجدر الاطلاع عليها ...

سيرتهم. ثم إنَّ روايات أهل الأهواء تسرَّبتْ إلى التاريخ الإسلامي، وخاصة ما يتعلَّق بأخبار الأمويِّين، لأَنَّ كُتُبَ التاريخ كتبت بعد بني أمية، فشوَّهتْ سيرتهم (¬1)، ومع هذا لم يعدم التاريخ الرجال الأمناء المُخْلِصِينَ، الذين دَوَّنُوا حوادثه بأسانيدها حتى يَتَبَيَّنَ المُطَّلِعُ الصَّحِيحَ من الباطلِ، فليس كل خبر في كتاب يقبل ويؤخذ به، فلا بد من دراسته دراسة عِلْمِيَّةٍ حسب منهج المُحَدِّثِينَ الدقيق - سَنَدًا وَمَتْنًا. ثم إنا نستبعد صحة هذا الخبر، فإنَّ عُرْوَةَ ولد سَنَةَ (22 هـ) فكان عمره في فتنة عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (13 سَنَةً)، وعندما استشهد أمير المؤمنين عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (18 سَنَةً)، فكيف يحمل خليفة كمعاوية يحمل عروة بن الزبير على وضع أحاديث تطعن في عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -؟ ولا يزال عروة يَافِعًا على عَتَبَةِ العلم لم يشتهر بعد!؟ فكان أحرى بمعاوية - لو صَحَّ الخبر - أنْ يُغري من هو أشهر منه وأعلم من كبار الصحابة والتابعين، وإن قال قائل إنما استعان به أيام خلافته بعد استشهاد الخليفة الراشد الرابع، فالجواب بَدَهِيٌّ في أنَّ كلمة المسلمين اجتمعت سَنَةَ (40 هـ) عام الجماعة، حين بايع الحسن معاوية بالخلافة وثبتت دعائم الحكم، فلم تبق أية ضرورة للدعاية للأمويِّين وهم الحكام وبيدهم الزمام. ولو سلَّمنا جدلاً أنَّ عروة قد قام بما ادَّعَاهُ المؤلف - فهل يسكت عنه علماء الأُمَّة أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وبينهم الأبطال الشُجعان، وفيهم الأقوياء الأفذاذ؟؟ لقد كانت الأُمَّةُ الإسلامية واعية في ذلك العصر، عرف أبناؤها الحوادث جميعها وعاصروها واختبروها فلم تعد تخفى دقائقها ¬

_ (¬1) انظر " العواصم من القواصم ": ص 177.

4 - كثرة حديثه:

على أحد، وعرف المسلمون قادتهم من صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلم يكن من السهل أنْ يُغيِّرَ بعضُ الصحابة والتابعين وجه الحق - كما زعم عبد الحسين - لإرضاء الخليفة وإشباع ميوله ورغباته، وإنَّ من يحاول إثبات صِحَّةَ هذا الخبر لَيَتَجَنَّى على الأُمَّة جميعها، ويجعل من عاصروا تلك الحوادث بُلْهًا مُغَفَّلِينَ، يعمى عليهم الحق بالدعايات الكاذبة والأخبار الموضوعة، والواقع يثبت خلاف ذلك، ويثبت وضع الخبر وعدم صِحَّتِهِ. ثم إن الخبر الثاني - وهو قدوم أبي هريرة العراق -، من رواية الإسكافي، وهو مردود عندنا، لضعف راويه، ولو سلمنا صحته فليس في هذاما يضير أبا هريرة، لأنه يدفع عن نفسه ما أشاعه بعض خصوم الأمويِّين حوله، وإنَّ الحديث الذي رُوِيَ عن أبي هريرة ليس فيه الزيادة التي اختلقت في ذم الإمام عَلِيٍّ (¬1) لينال أبو هريرة أجره من معاوية أو غيره. 4 - كَثْرَةُ حَدِيثِهِ: أخذ النَظَّامُ المعتزلي على أبي هريرة كثرة أحاديثه، وتابعه بعض المعتزلة قديمًا، ومنهم بشر المريسي، وأبو القاسم البلخي (¬2). وقد رَدَّ ابن قتيبة على النَظَّامِ في كتابه " تأويل مختلف الحديث "، ولقيت هذه الشبهة صدى في نفوس بعض المتأخرين كعبد الحسين شرف الدين الذي سَوَّدَ صفحات كثيرة من كتابه " أبو هريرة " (¬3)، يشكك في مروياته ويستكثرها، ويوهم القارئ أن ما رواه أبو هريرة أكثر مما رواه الصحابة الذين اشتغلوا بأمور الدولة ¬

_ (¬1) انظر " صحيح مسلم ": ص 999 حديث 469 جـ 2. (¬2) انظر كتابه " قبول الأخبار ومعرفة [الرجال] ". (¬3) انظر كتابه " أبو هريرة ": ص 45 وما بعدها.

وسياستها، ويثير هذه الشبهة نفسها محمود أبو رية في كتابه " أضواء على السنة المحمدية " (¬1)، ويستشهد هؤلاء جَمِيعًا بأخبار ضعيفة أو موضوعة أحيانًا، وبتأويلات وموازنات باطلة أحيانًا أخرى، وتلتقي أهواء هؤلاء بأهواء بعض المستشرقين أمثال (جولدتسيهر) الذي استكثر أَيْضًا مرويات أبي هريرة (¬2). وحمل لواء الدفاع عن الحق قديمًا وحديثًا بعض العلماء الذين كشفوا عن نوايا هؤلاء، وبينوا الحق من الباطل، ومازوا الخبيث من الطيب (¬3). وخلاصة أقوالهم، أن أبا هريرة تأخر إسلامه، وروى عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[5374 حديثًا]، وهي أكثر كثيرًا مما رواه الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة الذين سبقوه إلى الإسلام، ومما يقوله عبد الحسين في هذا: «فلينظر ناظر بعقله في أبي هريرة، وتأخُّره في إسلامه، وخموله في حسبه، وَأُمِيَّتِهِ، وما إلى ذلك مِمَّا يوجب إقلاله، ثم لينظر إلى الخلفاء الأربعة، وسبقهم، واختصاصهم، وحضورهم تشريع الأحكام، وحسن بلائهم في اثنين وخمسين سَنَةً، ثلاث وعشرين كانت بخدمة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتسع وعشرين من بعده، ساسوا فيها الأمَّة وسادوا الأمم ... فكيف يمكن والحال هذه أَنْ يكون المأثور عن أبي هريرة وحده أضعاف المأثور عنهم جَمِيعًا؟ أفتونا ¬

_ (¬1) انظر " أضواء على السنة المحمدية ": ص 162 وما بعدها. (¬2) انظر " دائرة المعارف الإسلامية ": مادة - حديث -. (¬3) تعرض لهؤلاء قديمًا ابن قتيبة في كتابه " تأويل مختلف الحديث "، والدارمي في كتابه " رد الدارمي على بشر المريسي "، وتفرقت بعض الردود في كتب الصحاح وشروحها كـ " فتح الباري ". ومن المعاصرين من تولى الرد على هؤلاء: فللدكتور مصطفى السباعي " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " رَدٌّ على المستشرقين وعلى أَبِي رَيَّةَ، ولمحمد عبد الرزاق حمزة " ظلمات أبي رية " ولعبد الرحمن المعلمي اليماني " الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة " رَدًّا على أَبِي رَيَّةَ.

يا أولي الألباب!!؟ وليس أبو هريرة كعائشة وإنْ أكثرت أَيْضًا، فقد تزوجها رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل إسلام أبي هريرة بعشر سنين، فكانت في مهبط الوحي والتنزيل، ومختلف جبرائيل وميكائيل أربعة عشر عَامًا، وماتت قبل موت أبي هريرة بيسير». ثم وازن بينهما في الذكاء والفطنة، ثم قال: «على أنها اضطرت إلى نشر حديثها، إذ بثت دعاتها في الأمصار، وقادت إلى البصرة ذلك العسكر الجَرَّارِ. ومع هذا فإنَّ جميع ما رُوِيَ عنها إنما هو عشرة مسانيد ومائتا مسند وألفا مسند، فحديثها كله أقل من نصف حديث أبي هريرة ... ». ثم يرى بعد ذلك أن حديث أبي هريرة: «مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ الله بن عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ» يعارض كثرة حديث أبي هريرة، ويرى أنه إقرار صريح من أبي هريرة بأنَّ ابن عمرو أكثر منه حَديثًا. وقد بلغ مسند عبد الله بن عمرو (700) حديث. ثم يزعم أَنَّ العلماء حاروا في أمر أبي هريرة ولم يروا مَخْرَجًا له، اللهم إلاَّ ما عَلَّلَهُ ابن حجر القسطلاني والشيخ زكريا الأنصاري، بأنَّ عبد الله بن عمرو قطن مصر بينما سكن أبو هريرة المدينة مقصد المسلمين. ومع هذا يرى كلام أبي هريرة صَرِيحًا يحبط تأويل واعتذار القسطلاني والأنصاري. ويعود ليقارن بين مقام أبي هريرة في المدينة وعبد الله بن عمرو في مصر ويغمز جانب أبي هريرة ويجعله من المُتَّهَمِينَ عند من يفد إلى المدينة ويقول: «وكثيراً ما كانوا ينقمون عليه إكثاره على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فيقولون إنَّ أبا هريرة يكثر الحديث، ويقولون: ما للمهاجرين والأنصار لاَ يُحَدِّثُونَ مثل حديثه ... ». وينتهي عبد الحسين من تحقيقه هذا في كثرة أحاديث أبي هريرة.

إلى النتيجة الآتية حيث يقول: «والحق أنَّ أبا هريرة إنما اعترف لعبد الله في أوائل أمره بعد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين لم يكن مُفْرِطًا هذا الإفراط الفاحش، فإنه إنما تفاقم إفراطه وطغى فيه على عهد معاوية حيث لا أبو بكر ولا عمر ولا عَلِيٌّ ولا غيرهم من شيوخ الصحابة الذين يخشاهم أبو هريرة» (¬1). من الغريب أنْ يعجب الكاتب لكثرة حديث أبي هريرة، ومن العجيب أَنْ يثير هذا في القرن العشرين!! فهل يعجب من قوة ذاكرة أبي هريرة أنْ تجمع (5374) حَدِيثًا؟ أم يعجب أنْ يحمل هذه الكثرة عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلال ثلاث سنوات؟. إذا كان يعجب من قوة حافظة أبي هريرة فليس هذا مجالاً للدهشة والطعن، لأنَّ كثيرًا من العرب قد حفظوا أضعاف أضعاف ما حفظه أبو هريرة، فكثير من الصحابة حفظوا القرآن الكريم والحديث والأشعار، فماذا يقول المؤلف في هؤلاء؟ ماذا يقول في حفظ أبي بكر أنساب العرب؟ وعائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - شعرهم؟ وماذا يقول صاحبنا في حماد الراوية الذي كان أعلم الناس بأيام العرب وأشعارها وأخبارها وأنسابها ولغاتها؟ وماذا يقول فيه إذا علم أنه روى على كل حرف من حروف المعجم مائة قصيدة كبيرة سوى المقطعات، من شعر الجاهلية دون الإسلام (¬2)؟ وماذا يقول في حفظ حبر الأمَّة عبد الله بن عباس؟ وحفظ الإمام الزهري والشعبي وقتادة بن دعامة السدوسي؟ فحفظ أبي هريرة ليس بِدَعًا وليس غريبًا وخاصة إذا عرفنا أنَّ تلك الأحاديث الـ (5374) مروية عنه ولم تسلم جميع طرقها. فأبو هريرة لا يتهم في حفظه وكثرة حديثه من هذا الوجه. ¬

_ (¬1) انظر " أبو هريرة " لعبد الحسين: ص 55 وما بعدها. (¬2) انظر " الأعلام ": ص 301 جـ 2.

وإذا كان المؤلف يعجب من تحمل أبي هريرة هذه الأحاديث الكثيرة عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلال ثلاث سنوات، فقد غاب عن ذهنه أنَّ أبا هريرة صاحب الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سنوات ذات شأن عظيم، جرت فيها أحداث اجتماعية وسياسية وتشريعية هامة، وفي الواقع أنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ تَفَرَّغَ تلك السنوات للدعوة والتوجيه بعد أَنْ هادنته قريش، ففي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وما بعدها انتشرت رسله في الآفاق ووفدت إليه القبائل من جميع أطراف جزيرة العرب. وأبو هريرة في هذا كله يرافق الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، ويرى بعينيه، ويسمع بأذنية، ويعي بقلبه. ثم إنَّ ما رواه لم يكن جميعه عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل روى عن الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - ورواية بعض الصحابة عن بعضهم مشهورة مقبولة لا مأخذ عليها، فإذا عرفنا هذا زال العجب العجاب الذي تصوره مؤلف كتاب " أبو هريرة " وغيره. ومن الخطأ الفاحش أَنْ يُقَارَنَ الخلفاءُ الراشدون وأبو هريرة في مجال الحفظ وكثرة الرواية، لأسباب كثيرة أهمها: 1 - صحيح أنَّ الخلفاء الأربعة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - سبقوا أبا هريرة في صُحْبَتِهِمْ وإسلامهم، وَلَمْ يُرْوَ عنهم مثل ما رُوِيَ عنه. إلاَّ أنَّ هؤلاء اهْتَمُّوا بأمور الدولة وسياسة الحكم، وأنفذوا العلماء وَالقُرَّاءَ والقضاة إلى البلدان، فَأَدُّوا الأمانة التي حملوها، كما أدى هؤلاء الأمانة في توجيه شؤون الأُمَّةِ. فكما لا نلوم خالد بن الوليد على قِلَّةِ حديثه عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لانشغاله بالفتوحات لا نلوم أبا هريرة على كثرة حديثه لانشغاله بالعلم، وهل لأحد أنْ يلوم عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أو عبد الله بن عباس لأنهما لم يحملا

لواء الفتوحات شرقًا وغربًا!!؟ لا، فكل امرئ مُيَسَّرٌ لما خُلِقَ له. 2 - انصراف أبي هريرة إلى العلم والتعليم واعتزاله السياسة، واحتياج الناس إليه لامتداد عمره، يجعل الموازنة بينه وبين غيره من الصحابة السابقين أو الخلفاء الراشدين غير صحيحة، بل ذات خطأ كبير. ثم إنَّ عبد الحسين شرف الدين وأبا رية يطعنان عليه في هذا المجال في حَسَبِهِ ونَسَبِهِ وَأمِّيَّتِهِ، فهل لهذه النواحي أثر في كثرة الرواية وَقِلَّتِهَا؟ لم يقل بهذا أحد. وما رَدَدْنَا به عليه بالنسبة لمقارنته بالخلفاء الراشدين، يرد بالنسبة لمقارنته بالسيدة عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، ونضيف أَنَّ السيدة عائشة كانت تُفْتِي الناس في دارها، وأما أبو هريرة فقد اتَّخَذَ حلقة له في المسجد النبوي، كما كان أكثر احتكاكًا بالناس من السيدة أم المؤمنين بصفته رجلاً، كثير الغدو والرواح، وأضيف إلى هذا أَنَّ السيدة الجليلة كان جُلُّ هَمِّهَا مُوَجَّهًا نحو نساء المؤمنين، وكان يَتَعَذَّرُ دخول كل إنسان عليها. ومع هذا لَمْ يَكُفَّ المؤلف لكتاب " أبو هريرة " لسانه عنها، بل رأى أنها أكثرت أَيْضًا!! وهو في هذا يناقض نفسه. أما أنه يرى حديث أبي هريرة أكثر من حديث السيدة عائشة وأم سلمة وحديث بقية أمهات المؤمنين وَالحَسَنَيْن وَأمَّهُمَا مع حديث الخلفاء الأربعة، فقد سبق الرد عليه، وأضيف أَنَّ أم سلمة لم تكن مَرْجِعًا للناس كالسيدة عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، وأما الحَسَنَانِ فهما من صغار الصحابة، وقد اشتغلا في الأمور السياسية، فَبَدَهِيٌّ أنْ تكون مروياتهما قليلة، ومثل هذا يقال في أُمِّهِمَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِينَ، التي لم تعش سوىستة شهور

بعد وفاة الرسول الكريم - عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ أَفْضَلَ الصَلاَةِ وَأَتَمَّ التَّسْلِيمِ -. فالأمر ليس مهولاً، يحتاج إلى تفكير أرباب العقول كما ادَّعَى!؟؟ وهل يقصد بأرباب العقول النَظَّام والجاحظ!؟. إنَّ نظرة مُجَرَّدَةً عن الهوى تدرك أَنَّ مَا رُوِيَ عن أبي هريرة من الأحاديث لا يثير العجب والدهشة، ولا يحتاج إلى هذا الشغب الذي اصطنعه أهل الأهواء، وأعداء السُّنَنِ، وَإِنَّ ما رواه عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سواء سمعه منه أو من الصحابة لا يشك فيه لِقِصَرِ صُحْبَتِهِ، بل إِنَّ صُحْبَتَهُ تحتمل أكثر من هذا، لأنها كانت في أعظم سنوات دولة الإسلام دعوة ونشاطًا وتعليمًا وتوجيهًا في عهد رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -. وأما طعنهم في حدين الوعاءين، وَتَهَكُّمُهُمْ على أبي هريرة، واستهزاؤهم بما في وعائه من العلم الذي لم ينشره، وتساؤلهم عن ذلك العلم، كل هذا قد طرقه العلماء، وَبَيَّنُوا أَنَّ ما عنده مِمَّا لم ينشر لا يتعلق بالأحكام أو الآداب، وليس مِمَّا يقوم عليه أصل من أصول الدين، بل بعض أشراط الساعة، أو بعض ما يقع لِلأُمَّةِ من الفتن (¬1) ويدل على ذلك حديثه الذي ذكر بعضه مؤلف كتاب " أبو هريرة " (¬2) ولم يذكر تعليق راويه الذي يُبَيِّنُ قصد أبي هريرة، قال أبو هريرة: «لَوْ حَدَّثْتُكُمْ بِكُلِّ مَا فِي جَوْفِي لَرَمَيْتُمُونِي بِالبَعْرِ». قَالَ الحَسَنُ - رَوِاي الحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -: «صَدَقَ وَاللَّهِ .. لَوْ أَخْبَرَنَا أَنَّ بَيْتَ اللَّهِ يُهْدَمُ [وَيُحْرَقُ] مَا صَدَّقَهُ النَّاسُ!!» (¬3). ¬

_ (¬1) انظر هامش (1) ص 462 من هذا الكتاب، وراجع " فتح الباري ": ص 227 جـ 1، و" الرد على المنطقيين ": ص 445، 446. (¬2) انظر " أبو هريرة " لعبد الحسين شرف الدين: ص 50 - 52. (¬3) " طبقات ابن سعد ": ص 57 قسم 2 جـ 4، وص 119 قسم 2 جـ 2.

وأبو هريرة ليس بِدَعًا في قوله، فقد كان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يختص بعض أصحابه بأشياء دون الآخرين، من هذا حديثه لمعاذ بن جبل - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - «مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ، إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ». قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ: «إِذًا يَتَّكِلُوا» (¬1). وأخبر به معاذ عند موته تأثُّمًا، خَوْفًا من أنْ يكون قد كتم العلم. ولم يكن معاذ وَلِيَّ عَهْدِهِ وَلاَ خَلِيفَتَهُ من بعده، فالأمر لا يحتاج إلى ولاية عهد ولا إلى وصاية، فَلِمَ ينكر الكاتب مثل هذا على أبي هريرة ولا ينكره على غيره؟ ثم ليعرف المؤلف الأمين الذي أساء كثيراً إلى أبي هريرة، وشتمه وكال له السِبَابَ كيلاً - أنَّ كتمان أبي هريرة لهذا الوعاء لم يكن لخوفه ألا يسمع الناس له لمهانته وضعفه فيرمونه بالبعر وبالمزابل، بل لأنه أرأد أنْ يُحَدِّثَ الناس على قدر عقولهم، وأنْ يخاطبهم بما يفهمون ويعرفون، وبهذا أوصى أمير المؤمنين عليٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (¬2). أما قول أبي هريرة: «إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لاَ يَكْتُمُ، وَلاَ يَكْتُبُ»، فلا يتعارض مع حديث الوعاءين لأنَّ أبا هريرة لا يكتم العلم النافع الضروري، وما كتمه لم يكن من هذا، بل كان بعض أخبار الفتن والملاحم وما سيقع للناس مِمَّا لا يتوقف عليه شيء من أصول الدين أو فروعه، وهذا النوع من العلم يجدر كتمانه، ومن الصواب عدم نشره وإعلانه. - وأما ما استشهدوا به لدعم طعونهم في كثرة مرويات أبي هريرة، واحتجاجهم بما قاله أبو هريرة نفسه: «مَا مِنْ أَصْحَابِ النََّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

_ (¬1) " فتح الباري ": ص 236 جـ 1. (¬2) " فتح الباري ": ص 235 جـ 1.

أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنَ عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ» (¬1) وبأن مرويات ابن عمرو التي لا تتجاوز سبعمائة حديث واستنباطهم من هذا أن أبا هريرة يُقِرُّ ويعترف بتقوله على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما لم يقل - فهو استشهاد في غير موضعه، بُنِيَ على تصوُّرٍ بَاطِلٍ، وفهم للحديث على خلاف الواقع. إن قول أبي هريرة يدل على أَنَّ عبد الله بن عمرو كان أكثر أَخْذًا للحديث من أبي هريرة، لأنه كان يكتب وأبو هريرة لا يكتب. ويحتمل أن يكون قول أبي هريرة هذا في حياة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل أنْ يدعو له بالحفظ، أو قبل أن يكون لديه من الحديث من الكثرة ما أصبح عنده بعد حين، وإذا استبعدنا هذا الفرض فكل ما في الأمر أنَّ عبد الله بن عمرو حمل من الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر من أبي هريرة، إلاَّ أنه لم يَتَيَسَّرْ له نشره لأسباب نُبَيِّنُهَا أهمها: 1 - أن اشتغال عبد الله بن عمرو بالعبادة كان أكثر من اشتغاله بالتعليم، ولذلك قَلَّتْ الرواية عنه، وإن لم يقل تحمله. 2 - كان مقامه بعد فتوح الأمصار في مصر والطائف، وكان مقام أبي هريرة في المدينة متصدرًا فيها الفتوى، والتحديث إلى أن توفي، وكان طلاب العلم يقصدون المدينة مهجر الرسول وعاصمة الإسلام، أكثر مما يقصدون غيرها من بلاد الإسلام. وأضيف إلى هذا ما اختص به أبو هريرة من دعوة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - له بأن لا ينسى ما يسمعه منه، وربما قلت الرواية عن عبد الله ¬

_ (¬1) " فتح الباري ": ص 217 جـ 1.

5 - هل كان الصحابة يكذبون أبا هريرة ويردون أحاديثه؟:

ابن عمرو، لأنه كان قَدْ ظَفِرَ فِي الشَّام بِحِمْلِ جَمَلٍ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَانَ يَنْظُرُ فِيهَا، وَيُحَدِّثُ مِنْهَا فَتَجَنَّبَ الأَخْذَ عَنْهُ لِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ» (¬1). وإلى جانب هذا لم يكن عبد الله بن عمرو على وفاق مع معاوية وابنه يزيد، فلم يفسح له مجال التحديث والاشتغال بالتعليم (¬2). لقد تضافرت هذه العوامل فجعلت مرويات ابن عمرو أقل من مرويات أبي هريرة، ولا ينبغي أنْ يثير هذا أي شك، أو يدخل أية شُبهة على مرويات أبي هريرة الكثيرة مع تصريحه بكثرة حديث عبد الله بن عمرو. 5 - هَلْ كَانَ الصَّحَابَةُ يُكَذِّبُونَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَيَرُدُّونَ أَحَادِيثَهُ؟: ذكر إبراهيم بن سيَّار النظَّام أبا هريرة فقال: أكذبه عمر وعثمان وعَلِيٌّ وعائشة (¬3) - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -. وقال بشر المريسي عن عمر بن الخطاب أنه قال: «أَكْذَبُ المُحَدِّثِينَ أَبُو هُرَيْرَةَ» (¬4). قال الأستاذ أحمد أمين: «وقد أكثر بعض الصحابة من نقد أبي هريرة على الإكثار من الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشَكُّوا فيه ¬_______ (¬1) انظر "فتح الباري ": ص 217، جـ 1. (¬2) انظر " مسند الإمام أحمد ": ص 64، جـ 10 وص 155 و 156 وص 172 حديث 6952. (¬3) " تأويل مختلف الحديث ": ص 27. (¬4) " رد الدارمي على بشر المريسي ": ص 132.

، كما يدل على ذلك ما روى مسلم في " صحيحه " أنَّ أبا هريرة قال: " إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... " وفي حديث آخر: " يَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدْ أَكْثَرَ ... "» (¬1). وقال عبد الحسين شرف الدين: «أنكر الناس على أبي هريرة واستفظعوا حديثه على عهده ... وحسبك أنَّ في مُكَذِّبِيهِ عظماء الصحابة ... » (¬2). ثم قال: «وبالجملة فإنَّ إنكار الأجِلاَّء - من الصحابة والتابعين - عليه واتهامهم إياه مِمَّا لا ريب فيه ما تورع منهم عن ذلك أحد حتى مضوا لسبيلهم ... ولعل جل المعتزلة على هذا الرأي، قال الإمام أبو جعفر الإسكافي ما هذا نصه: «وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضي الرواية، (قال): ضربه عمر بالدرة، وقال: أكثرت من الرواية فأحر بك أنْ تكون كاذبًا على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... » (¬3). وأما أبو رية فقد ساق بعض الأقوال السابقة، وبعض استدراكات الصحابة على أبي هريرة ... واستشهد بفقرات لـ (جولدتسيهر) و (شبرنجر)، وسرد أقوالاً مختصرة لبعض ما دار بين الصحابة وأبي هريرة لِيُكَوِّنَ من ذلك رأيه في أبي هريرة، ويجعله أول راوية اتهم في الإسلام (¬4). مما سبق تبينت لنا الشُبَهُ التي أوردها بعضهم على موقف الصحابة من أبي هريرة، وقد ساقوا تلك الشُبَهِ من غير أنْ يُبَيِّنُوا لنا أسبابها، وإنْ بَيَّنَ ¬_______ (¬1) " فجر الإسلام ": ص 218. (¬2) " أبو هريرة " لعبد الحسين: ص 262 - 264. (¬3) " أبو هريرة " لعبد الحسين: ص 672 - 768. (¬4) انظر " أضواء على السنة المحمدية ": ص 166 - 172.

[أ] هل ضرب عمر أبا هريرة لكثرة روايته؟:

بعضهم ذلك فإنما يحمل الحادثة على غير محملها. لذلك سأبين موقف الصحابة من أبي هريرة وحديثه، وقد أضطر إلى ذكر بعض الأحاديث والأخبار التي دارت بينهم، أو اختلفوا من أجلها، لأكشف عن حقيقة أمرهم من راوية الإسلام، ولا بد لي أن أشير إلى أن الصحابة، لم يقفوا من أبي هريرة مَوْقفًا خَاصًّا، كما أنهم لم ينظروا إليه من زاوية معينة، أو بمنظار الشك والريبة ولن أطيل بذكر ما لا يقتضيه البحث. [أ] هَلْ ضَرَبَ عُمَرُ أَبَا هُرَيْرَةَ لِكَثْرَةِ رِوَايَتِهِ؟: لم يثبت قط أنَّ عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ضرب أبا هريرة بِدِرَّتِهِ لأنه أكثر الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما ذكره أَبُو رَيَّةَ في [ص 163] وما ذكره عبد الحسين في [ص 268] من ضرب عمر لأبي هريرة فهي رواية ضعيفة لأنها من طريق أبي جعفر الإسكافي وهذا غير ثقة. وأما تهديد عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لأبي هريرة بالنفي وهو ما رواه السائب بن يزيد إذ قال: «سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ يَقُولُ لأَبِي هُرَيْرَةَ: " لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيثَ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ دَوْسٍ "، وَقَالَ لِكَعْبِ الأَحْبَارِ: " لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيثَ عَنِ الأُوَلِ أَوْ لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ القِرَدَةِ "» (¬1). ولكن عبد الحسين وأبا رية قالا: إنه قال لأبي هريرة: «لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ دَوْسٍ أَوْ بِأَرْضِ القِرَدَةِ» نقلاً عن ابن عساكر، وأشار أبو رية إلى " البداية والنهاية " وليس فيها هذا. ¬

_ (¬1) " البداية والنهاية ": ص 106 جـ 8.

وليس في أية رواية تكذيب عمر لأبي هريرة أو ضربه، وكل ما في الأمر أنه نهاه عن كثرة الرواية، وقد قال ابن كثير عقب خبره: «وَهَذَا مَحْمُولٌ مِنْ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ خَشِيَ مِنَ الأَحَادِيثِ الَّتِي يَضَعُهَا النَّاسُ عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا، وَأَنَّهُمْ يَتَّكِلُونَ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ أَحَادِيثِ الرُّخَصِ، أَوْ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَكْثَرَ مِنَ الحَدِيثِ رُبَّمَا وَقَعَ فِي أَحَادِيثِهِ بَعْضُ الغَلَطِ أَوِ الخَطَأِ فَيَحْمِلُهَا النَّاسُ عَنْهُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ». اهـ (¬1). وَرَوَى أَنَّ عُمَرَ أَذِنَ لأَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي التَحْدِيثِ بَعْدَ أَنْ عَرَفَ وَرَعَهُ وَخَشْيَتَهُ الخَطَأَ، قاَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «بَلَغَ عُمَرَ حَدِيثِي، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ فَقَالَ: كُنْتَ مَعَنَا يَوْمَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِ فُلاَنٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، وَقَدْ عَلِمْتُ لِمَ سَأَلَتْنِي عَنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: وَلِمَ سَأَلْتُكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَئِذٍ: " مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ". قَالَ: أَمَّا إِذَنْ فَاذْهَبْ فَحَدِّثْ» (¬2). فعمر لم يطعن في أبي هريرة، وكل ما صدر منه إنما كان تطبيقًا لمنهجه من التثبت في السُنَّةِ والإقلال من الرواية. وأبو هريرة نفسه كان يذكر لأصحابه شدة عمر في تطبيق منهجه (¬3). ويدل على أن عمر لم يكذبه، ولم يطعن فيه، ولم يهدده بالنفي إلى جبال دوس - هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: «أَخَذَتِ ¬

_ (¬1) " البداية والنهاية ": ص 107 جـ 8. (¬2) " البداية والنهاية ": ص 107 جـ 8، و" سير أعلام النبلاء ": ص 434 جـ 2. (¬3) انظر " البداية والنهاية ": ص 107 جـ 8، وانظر ما ساقه أبو القاسم البلخي في كتابه " قبول الأخبار ": ص 57، 58 محاولاً الطعن في أبي هريرة ولكنه لَمْ يُوَفَّقْ. وقد أساء أبو رية بعدم نقله النصوص كاملة عن ابن كثير.

[ب] أبو هريرة وعثمان بن عفان:

النَّاسَ رِيحٌ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ حَاجٌّ، فَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ لِمَنْ حَوْلَهُ: " مَنْ يُحَدِّثُنَا عَنِ الرِّيحِ؟ " فَلَمْ يُرْجِعُوا إِلَيْهِ شَيْئًا، فَبَلَغَنِي الذِي سَأَلَ عَنْهُ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَاسْتَحْثَثْتُ رَاحِلَتِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أُخْبِرْتُ أَنَّكَ سَأَلْتَ عَنِ الرِّيحِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ، وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا، فَلاَ تَسُبُّوهَا، وَسَلُوا اللهَ خَيْرَهَا، وَاسْتَعِيذُوا بِهِ مِنْ شَرِّهَا» (¬1)، إنه لم يجب عمر سوى أبي هريرة، فهل يعقل بعد هذا أن يكذبه عمر، أو يهدده بالنفي وقد عرف حفظه وإتقانه!!؟ وأما ادعاء بشر المريسي تكذيب الفاروق لأبي هريرة - فهو باطل، لا أصل له، وما رواه عن عمر، أنه قال: «أَكْذَبُ المُحَدِّثِينَ أَبُو هُرَيْرَةَ» لم يذكر سنده. وقد تصدى له عثمان بن سعيد الدارمي (200 - 280 هـ) فَرَدَّ عَلَيْهِ رَدًّا قَوِيًّا (¬2). [ب] أَبُو هُرَيْرَةَ وَعُثْمَانُ بْنِ عَفَّانٍ: لم يذكر مصدر موثوق أنَّ عثمان كَذَّبَ أبا هريرة كَمَا ادَّعَى النَظَّامُ وَغَيْرُهُ، كما لم يثبت أنه طعن فيه أو منعه من التحديث، وكل ما هنالك رواية ذكرها ابن خلاَّد قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ هَارُونَ بْنِ عِيسَى، - يَنْزِلُ جَبَلَ رَامَهُرْمُزَ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بِسْطَامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَظُنُّهُ ابْنَ يُوسُفَ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ قَالَ: أَرْسَلَنِي عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: ¬

_ (¬1) " مسند الإمام أحمد ": ص 52 حديث 7619 جـ 14. (¬2) انظر " رد الدارمي على بشر المريسي ": ص 132 وما بعدها.

[ج] أبو هريرة وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما -:

قُلْ لَهُ: «يَقُولُ لَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: مَا هَذَا الحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَقَدْ أَكْثَرْتَ، لَتَنْتَهِيَنَّ أَوْ لأَلْحَقَنَّكَ بِجِبَالِ دَوْسٍ ... » (¬1)، ولكن هذا الخبر رُوِيَ عن عمر بن الخطاب، ولم نر إلاَّ هذه الرواية عن عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، ولو صَحَّتْ فليس فيها طعن في أبي هريرة، لأنه ينهاه عن الإكثار من الرواية عندما لا تكون هناك حاجة إلاَّ الإكثار منها، وأبو هريرة نفسه لم ير في هذا مَطْعَنًا، ولم يترك كل هذا أَثَرًا في نفسه، فنراه يوم الدار يدافع عن الخليفة الراشد الثالث - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -. [ج] أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: لم يذكر مصدر موثوق به ما يدل على أنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كَذَّبَ أبا هريرة أو نهاه عن التحديث، إلاَّ أنَّ بعض أعداء أبي هريرة يستشهدون برواية ضعيفة عن أبي جعفر الإسكافي، وَأَنَّ عَلِيًّا لما بلغه حديث أبي هريرة قال: «أَلاَ إِنَّ أَكْذَبَ النَّاسِ - أَوْ قَالَ: أَكْذَبَ الأَحْيَاءِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - أَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ» (¬2). فهذه رواية مردودة لا نقبلها عن الإسكافي، لأنه صاحب هوى دَاعٍ إِلَى هَوَاهُ. وَقَدْ رَدَّ ابن قتيبة على جميع ما ألصقوه بالإمام عَلِيٍّ طَعْنًا في أبي هريرة (¬3). ¬

_ (¬1) " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ": ص 133. (¬2) " شرح نهج البلاغة "، طبعة بيروت: ص 468 جـ 1، و " أبو هريرة ": ص 273. (¬3) انظر " تأويل مختلف الحديث ": ص 27 و 51 وما بعدها، ومما يؤسف له أن عداءهم لأبي هريرة أعمى بصيرتهم فساقهم هواهم إلى اختلاق أخبار على أمير المؤمنين عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وأمير المؤمنين من كل هذا براء، انظر كتابنا " أبو هريرة راوية الإسلام ": الفصل الثاني (أبو هريرة وعَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -).

[د] أبو هريرة وعائشة - رضي الله عنهما -:

[د] أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: لقد طالت حياة عائشة وحياة أبي هريرة، فكانت حاجة الناس إليهما بمقدار حياتهما فيهم، ولهذا روي عنهما من الحديث مَا لَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمَا، وقد كان أبو هريرة يُحَدِّثُ، فتستدرك عليه السيدة عائشة تارة، وتوافقه أخرى، كما كان يُحَدِّثُ مع غيره من الصحابة، فقد استدركت عائشة على أبي بكر وعمر وعثمان وَعَلِيٍّ، وعلى ابن عمر، وعلى أبي هريرة (¬1) ... وكل ذلك كان من باب التفاهم والسؤال عن الحديث، أو الدليل في المسألة التي يُفْتِي فيها، كما استدرك غيرها عليها، وكما كانت أحيانًا توجه من يسألها إلى من هو أعرف بالمسؤول عنه، كما وجهت من سألها عن مسح الخف إلى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - (¬2)، وفي كل هذا لم يشعر الصحابة بغضاضة أو حَرَجٍ، لأن هدفهم جَمِيعًا وَاحِدٌ، هو تطبيق الشريعة، وما كان الصحابة يُكَذِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. إلاَّ أنَّ من جاء بعدهم من أهل الأهواء استغلوا ما دار بين الصحابة مِنْ نِقَاشٍ عِلْمِيِّ، أو تثبت في الحديث، وجعلوا منه مَادَّةً يَنْفُذُونَ من خلالها إلى مآربهم، وَيُحَقِّقُونَ غاياتهم. ولكنهم لم يفلحوا، لأَنَّ الأُمَّةَ لم تعدم العلماء المخلصين، الساهرين النابهين، الذي بَيَّنُوا الحق من الباطل، ووضعوا كل شيء في موضعه. وما من حادثة وقعت لأبي هريرة مع السيدة عائشة إلا بَيَّنَ العلماء وجه الحق فيها، وَلَمْ يَرَوْا في عائشة موقف المكذب لأبي هريرة الطاعن ¬

_ (¬1) جمع الإمام بدر الدين الزركشي كتابًا في هذا وسماه " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ". (¬2) انظر " مسند الإمام أحمد ": ص 175 حديث 906 جـ 2، ورواه الإمام مسلم.

في أحاديثه (¬1)، ولم يفهم أحد مما دار بينهما أن أبا هريرة كذاب يتهمه الصحابة في صدقه وعلمه، لم يفهم هذا إلا أهل الأهواء، وأعداء السنن. ومما يؤسف له أنهم كانوا يُؤَوِّلُونَ الأخبار كما يريدون، ويفسرون الأحاديث كما يرغبون، وينظرون إلى جانب واحد من موقف الصحابة من أبي هريرة، وهو جانب المناقشات العلمية، فيحسبون أنهم وقعوا على غنيمة دسمة، وينقلون الأخبار الصحيحة التي تبين صدق أبي هريرة وأمانته، وثناء الصحابة عليه، ويستشهدون ببعض الروايات الضعيفة، ويختارون من الثابت منها ما يحقق مآربهم، وأضرب لهذا مثلاً: قالوا: إن عائشة أنكرت عليه حديثه، فماذا أنكرت؟ وكيف أنكرت عليه؟ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أَلاَ يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ! جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي، يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُسْمِعُنِي ذَلِكَ، وَكُنْتُ أُسَبِّحُ (¬2) فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ» (¬3) كأنها تنتقد أبا هريرة في سرعة إلقائه. إن إنكار عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - على أبي هريرة لم يكن مُوَجَّهًا إلى ما يُحَدِّثُ ¬

_ (¬1) انظر تفصيل هذه الروايات والرد عليها في كتابنا " أبو هريرة راوية الإسلام ": الفصل الثاني، فقرة (أبو هريرة وعائشة). (¬2) معنى أسبح: أصلي نافلة، وهي السبحة، قيل المراد هنا صلاة الضحى. انظر " فتح الباري: ص 390 جـ 7. (¬3) " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ": ص 135، وانظر " صحيح مسلم ": ص 1940 حديث 7493 جـ 4، و" فتح الباري ": ص 390 جـ 7.

به إنما أنكرت عليه أنه يسرد الحديث، ويظهر هذا فيما رُوِيَ عنها: إِنَّمَا «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا، لَوْ عَدَّهُ العَادُّ لأَحْصَاهُ» (¬1). ولو أنكرت عائشة عليه غير سرده للحديث لقالت وَبَيَّنَتْ، وهي الجريئة الصريحة، فأبو هريرة لَمْ يَكْذِبْ على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إنما كان يسرد الحديث ويكثر منه في مجلسه، فأي شيء يضيره إذا كان مُتَيَقِّظًا مُتَنَبِّهًا عَارِفًا لِمَا يَرْوِي؟. قال ابن حجر: «وَاعْتُذِرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّهُ كَانَ وَاسِعَ الرِّوَايَةِ كَثِيرَ المَحْفُوظِ فَكَانَ لاَ يَتَمَكَّنُ مِنَ المَهَلِ عِنْدَ إِرَادَةِ التَّحْدِيثِ كَمَا قَالَ بَعْضُ البُلَغَاءِ: أُرِيدُ أَنْ أَقْتَصِرَ فَتَتَزَاحَمُ الْقَوَافِي عَلَى فِيَّ» (¬2). وقد أثنت عائشة على أبي هريرة وصدقته، من هذا أنه بلغ عبد الله بن عمر حديث أبي هريرة وهو: «مَنْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُحُدٍ» (¬3). فَأَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ خَبَّابًا إِلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ أبي هُرَيْرَةَ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِرَسُولِهِ: «صَدَقَ أبو هُرَيْرَةَ». فَضَرَبَ ابْنُ عُمَرَ بِالحَصَى الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الأَرْضَ ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ» (¬4). وفي رواية قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «أَنْتَ أَعْلَمُنَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحْفَظُنَا لِحَدِيثِهِ» (¬5). ¬

_ (¬1) " فتح الباري ": ص 389، جـ 7. (¬2) " فتح الباري ": ص 390، جـ 7. (¬3) " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ": ص 117، وقد رواه الشيخان. انظر ص 424 من هذا الكتاب. (¬4) " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ": ص 117، وقد رواه الشيخان. انظر ص 424 من هذا الكتاب. (¬5) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 118 قسم 2 جـ 2، و" البداية والنهاية ": ص 107 جـ 8، " فتح الباري ": ص 225، جـ 1.

إن أعداء السُّنَنِ يأبون أن يذكروا مثل هذه الرواية التي تُقَوِّضُ مَا يَبْنُونَ، وتأتي على أساس ما يَدَّعُونَ، فَلَمْ يُكَذِّبْ الصَّحَابَةُ أبا هريرة ولم يتهموه، وإن موقف ابن عباس منه وابن عمر والزبير ومروان بن الحكم وغيرهم لا يعدو موقف المُتَثَبِّتِ المُتَوَخِّي لِلْحَقِّ، ولا يقصر عن موقف العالم النزيه وقد ثبت - فيما سبق - ثناء الصحابة والعلماء عليه، فهل يعقل أن يطعنوا فيه تارة ويثنوا عليه أخرى!؟؟ (¬1). ومع هذا فإن بعض الكُتَّابِ والمؤلفين أمثال عبد الحسين وأبي رية لم يأبهوا بكل هذا، واستنتجوا من تلك المناقشات العلمية كذب أبي هريرة، حتى إن عبد الحسين رأى فيما دار بين أبي هريرة والصحابة دليلاً قاطعًا على تجريحه، فقال: «وناهيك تكذيب كل من عمر وعثمان وعلي وعائشة له، وقد تَقَرَّرَ بالإجماع تقديم الجرح على التعديل في مقام التعارض، على أنه لا تعارض هنا قطعًا ... » (¬2) أي تكذيب هذا؟ وأي تجريح بعد أن عرفنا حقيقة موقف الصحابة من أبي هريرة؟ فهل ندع هذه الأدلة الصحيحة، التي تثبت إجلال الصحابة له، واحترامهم إياه، وروايتهم عنه ونقبل ادعاءات واهية لا تقوم على دليل أو برهان؟ ثم إن تحامل أعداء أبي هريرة واضح جِدًّا، فقد اتهموه بالتتلمذ على كعب الأحبار لروايته بعض الأحاديث التي وافقه عليها كعب، وأنكروا عليه إنكارًا شديدًا، عِلْمًا بأنه لم يتفرد بروايتها، فَلِمَ يقفون منه هذا الموقف ولا يقفونه من غيره من الصحابة الذين رَوَوْا ما رواه أبو هريرة؟ ¬

_ (¬1) انظر كتابنا " أبو هريرة راوية الإسلام " حيث تفصيل ما دار بينه وبين الصحابة، الفصل الثاني تحت عنوان (هَلْ كَانَ الصَّحَابَةُ يُكَذِّبُونَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَيَرُدُّونَ أَحَادِيثَهُ؟) (*). (¬2) " أبو هريرة " لعبد الحسين: ص 279. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) قد يظن القارئ أنه فصل من كتابه" أبو هريرة راوية الإسلام "، وإنما هو فصل في كتابه هذا، انظر ص 455 من هذا الكتاب.

مثال ذلك قول أَبِي رَيَّةَ: «وإليك مثلاً من ذلك نختم به ما ننقله من الأحاديث التي رواها أبو هريرة عن النبي وهي في الحقيقة من الإسرائيليات حتى لا يطول بنا القول: روى الإمام أحمد عن أبي هريرة أنَّ رسول الله قال: " إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ، اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: 30] ". ولم يكد أبو هريرة يروي هذا الحديث حتى أسرع كعب فقال: " صدق والذي أنزل التوراة على موسى، والفرقان على محمد " ... » (¬1). ما وجه الإنكار لهذا الحديث. وقد رواه غير أبي هريرة من الصحابة؟ رواه سهل بن سعد وأبو سعيد الخدري (¬2)، فهل خدع كعب هذين الصحابيين أَيْضًا؟ وما هي غاية كعب في قوله هذا؟ إني أتعجب من إنكار الكاتب عليه هذا الحديث، فهل أنكر على أبي هريرة هذا الحديث لضخامة الشجرة؟ وهل يُسْتَغْرَبُ وجود مثل هذه الشجرة في جنة قال فيها الله - عَزَّ وَجَلَّ - { ... وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (¬3)؟ أم أنكر عليه أن يسير الراكب مائة عام في ظلها؟ أم أنكر عليه كل هذا لأنه لم يعهد في حياته مثلها؟ هل يريد هؤلاء أن ينفوا كل ما لم تتصوره عقولهم وتفكيرهم؟ فإن أرادوا هذا وجب عليهم أن ينفوا كثيرًا من المخترعات التي نسمع بها ولا نراها، أو ينفوا كثيرًا مِمَّا جاء في القرآن الكريم. بل على مثل هذا الكاتب أنْ ¬

_ (¬1) " أضواء على السُنَّة المحمدية ": ص 177، وانظر مما استشهد به ص 198 وما بعدها. (¬2) انظر " صحيح مسلم ": ص 2175 و 2176 جـ 4. (¬3) [سورة الحديد، الآية: 21]. وأول الآية: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ... }.

يترك جانبًا عظيمًا من اللغة العربية، ذلك لأنَّ بعض ما جاء في السُنَّةِ من ألفاظ وعبارات، إنما جاء على نَسَقِ وَسُنَنِ ما حكاه القرآن الكريم من عبارات سِيقَتْ من باب المجاز لا من باب الحقيقة، تخاطب الإحساسات النفسية والنفوس البشرية لِتَتَصَوَّرَ عظمة ما يمثله القرآن الكريم من الثواب والعقاب ... لذلك وجب علينا أنْ نصرف الألفاظ والعبارات التي لا تطابق الحقيقة إلى المجاز، فللعدد معنى خاص لا يتناول غيره، وقد أجمع المُفَسِّرُونَ على أَنَّ بعض ما ذُكِرَ من الأعداد في القرآن الكريم إنما جاء للتكثير لا للحصر، وكذلك ما جاء في السُنَّةِ - في مثل هذا المقام - من العبارات الكثيرة التي لا تتناول حقيقة العدد. وهنا إنما ورد للتكثير وبيان اتساع ذلك الظل الذي أَعَدَّهُ اللهُ تعالى للمؤمنين، فمن الخطأ أَنْ يجعل المؤلف الحقيقة والواقع مِيزَانًا لتلك الألفاظ التي وردت من باب المجاز، لأنه في ذلك سيجانب القواعد المُسَلَّمَةَ في اللغة، ويقع معها في أخطاء فادحة، لاَ يُقِرُّهُ عليها أحد، ويلزم من هذا عدم فائدة الاستعارات والكنايات، والمجازات العقلية، التي تُشَكِّلُ جَانِبًا عَظِيمًا في تراثنا الأدبي، ما دام المؤلف سيصرف كل لفظ إلى حقيقته!!. وقد سبق أن ذكرت ثناء الصحابة والعلماء على أبي هريرة، وأكرر هنا قول الحافظ الذهبي فيه، ليكون رَدًّا قَاصِمًا لأهل الأهواء -: «وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَثِيقَ الحِفْظِ، مَا عَلِمْنَا أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي حَدِيثٍ» (¬1). وهكذا نجا أبو هريرة من تلك الأعاصير التي عصفت حوله، ومن تلك الأمواج التي تلاطمت على قدميه. فبقي صَامِدًا لها، وانهار ما ادعاه أعداؤه أمام الصرح الشامخ الذي يحمي عدالته، وتحطمت سهامهم الواهية على الحصن ¬

_ (¬1) " سير أعلام النبلاء ": ص 445، جـ 2.

المنيع الذي بناه بصدقه وأمانته واستقامته. فبقي أحد أعلام السُنَّةِ وراوية الإسلام يحترمه الجمهور، ويعرفون مكانته ومنزلته - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ -. ولتكن شهادة ابن خزيمة (¬1) مسك الختام في أبي هريرة، ومن خلالها نظهر منزلته ومكانته، قال: «وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ لِدَفْعِ أَخْبَارِهِ، مَنْ قَدْ أَعْمَى اللَّهُ قُلُوبَهُمْ فَلاَ يَفْهَمُونَ مَعَانِيَ الأَخْبَارِ: - إِمَّا مُعَطِّلٌ جَهْمِيٌّ يَسْمَعُ أَخْبَارَهُ التِي يَرَوْنَهَا خِلاَفَ مَذْهَبِهِمُ - الذِي هُوَ كُفْرٌ - فَيَشْتُمُونَ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَيَرْمُونَهُ بِمَا اللَّهُ تَعَالَى قَدْ نَزَّهَهُ عَنْهُ تَمْوِيهًا عَلَى الرِّعَاءِ وَالسَّفِلِ، أَنَّ أَخْبَارَهُ لاَ تَثْبُتُ بِهَا الحُجَّةُ! - وَإِمَّا خَارِجِيٌّ، يَرَى السَّيْفَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ يَرَى طَاعَةَ خَلِيفَةٍ، وَلاَ إِمَامٍ إِذَا سَمِعَ أَخْبَارَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلاَفَ مَذْهَبِهِمُ الَّذِي هُوَ ضَلاَلٌ، لَمْ يَجِدْ حِيلَةً فِي دَفْعِ أَخْبَارِهِ بِحُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ كَانَ مَفْزَعُهُ الوَقِيعَةَ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ!. - أَوْ قَدَرِيٌّ اعْتَزَلَ الإِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ وَكَفَّرَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ الذِينَ يَتَّبِعُونَ الأَقْدَارَ المَاضِيَةَ التِي قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَضَاهَا قَبْلَ كَسْبِ العِبَادِ لَهَا إِذَا نَظَرَ إِلَى أَخْبَارِ أَبِي هُرَيْرَةَ التِي قَدْ رَوَاهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِثْبَاتِ القَدَرِ لَمْ يَجِدْ بِحُجَّةٍ تُؤَيِّدُ (¬2) صِحَّةَ مَقَالَتِهِ الَّتِي هِيَ كُفْرٌ ¬

_ (¬1) هو أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي (223 - 311 هـ)، أحد مشايخ شيوخ الحاكم. كان إمام نيسابور في عصره، جمع بين الفقه والاجتهاد، عالم بالحديث، رحل إلى بلاد كثيرة منها: العراق والشام والجزيرة ومصر، لقبه السبكي بإمام الأئمة، له مصنَّفات كثيرة تربو على [140]: انظر " طبقات ابن السبكي ": ص 130 جـ 2. (¬2) في الأصل: (يُرِيدُ) وما أثبتناه أصوب.

وَشِرْكٌ، كَانَتْ حُجَّتُهُ (عِنْدَ نَفْسِهِ) (¬1) أَنَّ أَخْبَارَ أَبِي هُرَيْرَةَ لاَ يَجُوزُ الاحْتِجَاجُ بِهَا!. - أَوْ جَاهِلٌ يَتَعَاطَى الفِقْهَ وَيَطْلُبُهُ مِنْ غَيْرِ مَظَانِّهِ إِذَا سَمِعَ أَخْبَارَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا يُخَالِفُ مَذْهَبَ مَنْ قَدِ اجْتَبَى مَذْهَبَهُ، واخْتَارَهُ (¬2) تَقْلِيدًا بِلاَ حُجَّةٍ وَلاَ بُرْهَانٍ تَكَلَّمَ (¬3) فِي أَبِي هُرَيْرَةَ، وَدَفَعَ أَخْبَارَهُ الَّتِي تُخَالِفُ مَذْهَبَهُ، وَيَحْتَجُّ بِأَخْبَارِهِ [عَلَى مُخَالَفَتِهِ] إِذَا كَانَتْ أَخْبَارُهُ مُوَافِقَةً لِمَذْهَبِهِ!!! وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ هَذِهِ الفِرَقِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْبَارًا لَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهَا! أَنَا ذَاكِرٌ بَعْضُهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ... » (¬4). ... ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل. (¬2) في الأصل (أخباره)، وما أثبتناه أكثر مناسبة للمعنى. (¬3) في الأصل (كلم). وما أثبتناه أصوب. (¬4) " مستدرك " الحاكم: ص 513، جـ 3.

(2) - عبد الله بن عمر بن الخطاب (10 ق هـ - 73 هـ):

(2) - عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ (10 ق هـ - 73 هـ): (*) أسلم عبد الله بن عمر صغيرًا، وهاجر إلى المدينة مع أبيه وقيل قبله، وهو ابن إحدى عشرة سنة، عرض على رسول الله يوم بدر ويوم أُحُدٍ فاستصغره، وأجازه يوم الخندق وهو يومئذٍ ابن خمس عشرة سَنَةٍ، فشهد الخندق وما بعده مع رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وشهد بعده اليرموك وفتح مصر وشمال أفريقيا. اشتهر ابن عمر بحرصه على اتباع سُنَّةِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والتأسي به (¬1). وكان يحضر مجالس رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويسأل من حضر إذا غاب عنها، وفيه قال ابن الحنفية: «كَانَ ابْنُ عُمَرَ حَبْرَ هَذِه الأُمَّةِ». روى عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وروى عن أبي بكر وعمر وعثمان وأبي ذر ومعاذ وعائشة وغيرهم. وروى عنه خلق كثير، منهم جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، ¬

_ (*) انظر ترجمته في " طبقات ابن سعد ": ص 105 - 138 قسم 1 جـ 4، و" حلية الأولياء ": ص 292 - 314 جـ 1، و" تذكرة الحفاظ ": ص 35 جـ 1، و" الإصابة ": ص 107 جـ 4، و" الجمع بين رجال الصحيحين ": ص 238 جـ 1، و" البارع الفصيح ": ص 9: ب و" الرياض المتسطابة ": ص 51، و" أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد ": ص 1. (¬1) انظر بعض ما روي عنه في ص 85 - 90 من هذا الكتاب، وكان مُحِبًّا لرسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان إذا ذكره بكى وما مر على ربعه إلى غمض عينيه. انظر " تذكرة الحفاظ ": ص 36 جـ 1.

وبنوه سالم وعبد الله وحمزة وبلال، ومولاه نافع، وَأًسْلَمُ مولى عمر، وابن أخيه حفص بن عامر. وروى عنه من كبار التابعين سعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص (¬1)، وأبو عبد الرحمن النهدي، ومسروق، وجبير بن نفير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وروى عنه ممن بعدهم عبد الله بن دينار، وزيد وخالد ابنا أسلم، وعروة بن الزبير، وبشر بن سعيد، وعطاء، ومجاهد، ومحمد بن سيرين، وغيرهم. قال فيه ابن مسعود: «إنَّ مِنْ أَمْلَكِ شَبَابِ قُرَيْشٍ لِنَفْسِهِ عَنْ الدُّنْيَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ». وعن سالم بن أبي الجعد عن جَابِرٍ قَالَ: «مَا مِنَّا أَحَدٌ إلاَّ مَالَتْ بِهِ الدُّنْيَا، وَمَال بِهَا غَيْرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ». وكان جريئًا في الحق لا يخاف فيه لومة لائم، وله مواقف كثيرة في ذلك. وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: «كَانَ عُمَرُ فِي زَمَانٍ لَهُ فِيهِ نُظَرَاءُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ فِي زَمَانٍ لَيْسَ لَهُ فِيهِ نَظِيرٌ». كان مثالاً رائعًا في الورع والتقوى والعبادة، وكان إذا قرأ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} (¬2) بكى حتى يغلبه البكاء وكان لا يصوم في السفر ولا يكاد يفطر في الحضر. وكان كثير التواضع والتسامح والرحمة والكرم، يكثر التصدق بما يشتهيه من الطعام ويتقرب إلى الله بما يعجبه من ماله، أتته في ليلة عشرة آلاف درهم، ¬

_ (¬1) هو علقمة بن وقاص الليثي، وليس ابن أبي وقاص الزهري، انظر " تذكرة الحفاظ ": ص 50 جـ 1. (¬2) [سورة الحديد، الآية: 16].

فما بات حتى وزعها، وكان في مجلس فأتى ببضعة وعشرين ألفًا فما قام من مجلسه حتى فَرَّقَهَا وزاد عليها، وقد ينفد ما معه فيستدين ليعطي ذوي الحاجات. وكان لا يأكل طعامًا إلا على خوانه يتيم، وما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان أو يزيد. رشحه بعض الصحابة للخلافة بعد أبيه، فأبى عمر وجعلها شورى بين الستة، فوقف عبد الله بن عمر بعيدًا عن جميع الفتن، وتفرغ للعلم والعبادة. لذلك كان من المكثرين من الرواية، وساعده على هذا تقدم إسلامه، وطول عمره، ومخالطته للرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد كانت أخته حفصة زوجة النبي - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - فسهل عليه دخوله وخروجه على الرسول الكريم. روي عنه [2630] حَدِيثًا، أخرج له الشيخان البخاري ومسلم [280] حَدِيثًا، اتفقا على [168] حَدِيثًا منها، وانفرد البخاري بـ[81] حَدِيثًا، ومسلم بـ[31] حَدِيثًا، وأحاديثه في الكتب الستة، والمسانيد، وسائر السنن. توفي في مكة سَنَةَ (73 هـ) بعد مقتل عبد الله بن الزبير بثلاثة أشهر، وقيل سَنَةَ (74 هـ)، وعمره أربعة وثمانون عَامًا. * * *

(3) - أنس بن مالك (10 ق هـ - 93 هـ):

(3) - أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ (10 ق هـ - 93 هـ): (*). هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم الأنصاري الخزرجي البخاري، وأمه أم سليم بنت ملحان، جاءت به إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مقدمه المدينة وقالت: «يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا غُلاَمٌ يَخْدُمُكَ» فقبله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنشأ في بيت النبوة، وأحبه الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي هذا يقول أنس: «خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشر سِنِينَ، فَمَا أَمَرَنِي بِأَمْرٍ تَوَانَيْتُ عَنْهُ، أَوْ صَنَعْتُهُ فَلامَنِي، وَإِنْ لامَنِي أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ قَالَ: دَعُوهُ فَلَوْ قُدِّرَ. - أَوْ قَالَ: قُضِيَ - أَنْ يَكُونَ لَكَانَ». فشاهد أنس ما لم يشاهده غيره. روى عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن رواحة، وعن فاطمة الزهراء، وعبد الرحمن بن عوف، وعن غيرهم من صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وروى عنه الحسن، وسليمان التيمي، وأبو قلابة، وأبو مجلز، وعبد العزيز بن صهيب، وإسحاق بن أبي طلحة، وأبو بكر بن عبد الله المزني، وقتادة وثابت البناني، ومحمد بن سيرين، وأنس بن سيرين، وابن شهاب الزهري، وربيعة بن عبد الرحمن، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وسعيد بن جبير، وخلق كثير غيرهم. ¬

_ (*) أهم مراجع ترجمته: " طبقات ابن سعد ": ص 10 جـ 7، و" تذكرة الحفاظ ": ص 42 جـ 1، و" تهذيب التهذيب ": ص 376 جـ 1، و" البارع الفصيح ": ص 9: ب، و" أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد ": ص 1، و" الرياض المستطابة ": ص 8.

كان كثير العبادة قليل الكلام، قال فيه أبو هريرة: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهُ صَلاةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ابْنِ أُمِّ سُلَيْمٍ». وقد بعثه أبو بكر للسعاية (1) على البحرين، ثم استقر بالبصرة بعد المدينة، وأصبح محط أنظار أهل العلم، فروي عنه [2286] حَدِيثًا وأخرج له الشيخان [318] حَدِيثًا واتفقا على [168] حَدِيثًا منها، وانفرد البخاري بـ[80] حَدِيثًا ومسلم بـ[70] حَدِيثًا. وتوفي أنس في البصرة (سَنَةَ 93 هـ) وهو آخر من توفي بالبصرة من الصحابة. عن قتادة قال: «لَمَّا مَاتَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ مُوَرِّقٌ: " ذَهَبَ اليَوْمَ نِصْفُ العِلْمِ ". قِيلَ: " كَيْفَ ذَاكَ يَا أَبَا المُعتَمِرِ؟ " قَالَ: " كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ، إِذَا خَالَفَنَا فِي الحَدِيثِ، قُلْنَا: تَعَالَ إِلَى مَنْ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "». * * *

(4) - عائشة أم المؤمنين (9 ق هـ - 58 هـ):

(4) - عائشة أم المؤمنين (9 ق هـ - 58 هـ): (*) هي عائشة بنت أبي بكر الصِدِّيقْ، إحدى أمهات المؤمنين، بنى بها رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شوال بعد وقعة بدر، فأقامت في صحبته ثمانية أعوام وخمسة أشهر، وكانت أحب نسائه إليه، وهي الطاهرة التي برأها القرآن الكريم مما رماها به أهل الإفك. كانت ذكية فطنة طلابة للعلم، يسر لها زواجها من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واختلاطها به معرفة كثير من أحكام الإسلام. ولها الفضل الكبير في نقل كثير مما يتعلق بأمور النساء، لذلك كانت أكثر نساء رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رواية عنه، وتعد من أفقه الصحابة، وقد شهد بعلمها وفقهها الصحابة والتابعون، كما كان لها علم بالطب، قال عروة: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْلَمُ بِالطِبِّ مِنْهَا»، وقال علي بن مسهر: أخبرنا هشام عن أبيه (عروة) أنه قال: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ أَعْلَمَ بِالقُرْآنِ وَلاَ بِفَرْضِهِ وَلاَ بِحَلاَلٍ وَحَرَامٍ وَلاَ بِشِعْرٍ وَلاَ بِحَدِيثِ العَرَبِ وَالنَّسَبِ مِنْ عَائِشَةَ». فلا غرابة أن نرى الصحابة والتابعين يلتفون حولها يتفقهون بها، ويرجعون إليها في أمورهم. وفي هذا يقول قبيصة بن ذؤيب: «كَانَتْ عَائِشَةُ أَعْلَمَ النَّاسِ يَسْأَلُهَا أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ» ¬

_ (*) أهم مصادر ترجمتها: " طبقات ابن سعد ": ص 39 جـ 8، و" تذكرة الحفاظ ": ص 26 جـ 1، و" الإصابة ": ص 139، ترجمة (701) جـ 8، و" تهذيب التهذيب ": ص 433 ترجمة 2841 جـ 12، و" البارع الفصيح ":ص 9: ب، و" الجمع بين رجال الصحيحين ": ص 609 جـ 2، و" الرياض المستطابة ": ص 82.

عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: «مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثٌ قَطُّ فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ إِلاَّ وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا». وكانت كريمة وقورًا، يحترمها كل من يلقاها، وقد كرمها الصحابة والتابعون، روت عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - عن الرسول الكريم الكثير الطيب، وروت عن أبيها، وعن عُمَرَ، وفاطمة، وسعد بن أبي وقاص، وأُسَيْدٍ بن حضير، وجذامة بنت وهب، وحمزة بن عمرو. وروى عنها من الصحابة عمر، وابنه عبد الله، وأبو هريرة، وأبو موسى الأشعري، وزيد بن خالد، وابن عباس، وربيعة بن عمرو الجرشي،، والسائب بن يزيد، وغيرهم. وروى عنها كبار التابعين: القاسم وعبد الله ابنا محمد بن أبي بكر، وعروة بن الزبير، وعمرة بنت عبد الرحمن، ومواليها: أبو بكر، وذكوان وأبو يونس، وسعيد بن المسيب، وعمرو بن ميمون، وعلقمة بن قيس، ومسروق، وعبد الله بن حكيم، والأسود بن يزيد، وغير هؤلاء خلق كثير. رُوِيَ لها [2210] ألفان ومائتان وعشرة أحاديث، لها في " الصحيحين " [316] حَدِيثًا، اتفق الشيخان على [194] حَدِيثًا منها، وانفرد البخاري بـ[54] حَدِيثًا، ومسلم بـ[68] حَدِيثًا، وأحاديثها في " الكتب الستة " وسائر كتب السنن. توفيت سَنَةَ ثمان وخمسين ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان عند أكثرهم، وقال بعضهم: سَنَةَ سبع وخمسين. * * *

(5) - عبد الله بن عباس (3 ق هـ - 68 هـ):

(5) - عبد الله بن عباس (3 ق هـ - 68 هـ): (*) هو أبو العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وابن أخت زوجه ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين. ولد بالشعب حين حصرت قريش بني هاشم، وكانت سِنُّهُ عند وفاة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث عشرة سَنَةً. وقد ضمه الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - إليه وقال: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الحِكْمَةَ». كان طلابة للعلم، وكان لقرابته من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واختلاطه به أثر بعيد في تحمله الكثير الطيب عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حتى أصبح ترجمان القرآن، وكان يقال له الحبر والبحر لكثرة علمه. ولم يأل جُهْدًا - بعد وفاة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في طلب العلم، فكان يقصد الصحابة ويسألهم، حتى إنه لينتظر الصحابي في قيلولته، فيتوسد رداءه على بابه، والريح تسفي التراب على وجهه حتى يخرج إليه فيخبره بما أراد ويقول له الصحابي: «هَلاَّ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيكَ؟»، فيقول: «لاَ، أَنَا أَحَقُّ أَنْ آتِيَكَ» (**). قال عمرو بن دينار: «مَا رَأَيْتُ مَجْلِسًا كَانَ أَجْمَعَ لِكُلِّ خَيْرٍ مِنْ مَجْلِسِ ابْنِ عَبَّاسٍ، الحَلاَلُ وَالحَرَامُ، وَالعَرَبِيَّةُ، وَالأَنْسَابُ، وَالشِّعْرُ» ( ... ). وكان عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - إذا أعضلت عليه قضية دعا ابن عباس، وقال له: ¬

_ (*) أهم مصادر ترجمته: " سير أعلام النبلاء ": ص 224 جـ 3، و" تذكرة الحفاظ ": ص 37 جـ 1، و" الإصابة ": ص 90 جـ 4، و" تهذيب التهذيب ": ص 276 جـ 5، و" الجمع بين رجال الصحيحين ": ص 239 جـ 1، و" البارع الفصيح " ص 9: ب، و" الرياض المستطابة ": ص 52. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (**) انظر " دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين " للشيخ محمد محمد أبو شهبة: ص 290، طبعة مكتبة السنة. ( ... ) انظر " تاريخ دمشق " لابن عساكر، تحقيق عمرو بن غرامة العمروي، 73/ 193، طبعة سنة: 1415 هـ - 1995 م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع

«أَنْتَ لَهَا وَلأَمْثَالِهَا» (*)، ويأخذ بقوله وكان قوي الذاكرة، سريع الحفظ. روى عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعن أبيه، وأمه أم الفضل، وعن أخيه الفضل، وخالته ميمونة، وعن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي ذر الغفاري، وأُبي بن كعب، وعن تميم الداري، وخالد بن الوليد، وهو ابن خالته، وأسامة بن زيد، وأبي سعيد الخُدري، وأبي هريرة، ومعاوية بن أبي سفيان، وعن كثير غير هؤلاء. وروى عنه خلق كثير، من أشهرهم من الصحابة عبد الله بن عمرو بن ثعلبة بن الحكم الليثي، والمسور بن مخرمة، وأبو الطفيل، وغيرهم، ومن كبار التابعين سعيد بن المسيب، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والقاسم بن محمد، وعكرمة، وعطاء، وطاووس، وكريب، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعمرو بن دينار، وغيرهم. وقد قال فيه ابن عمر: «ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ». وقد روى له [1660] حَدِيثًا، أخرج له الشيخان منها [234) حَدِيثًا، اتفقا على [75] حَدِيثًا منها، وانفرد البخاري بـ[110] حَدِيثًا ومسلم بـ[49] حَدِيثًا، وأحاديثه في " الكتب الستة " وكتب السنن. استعمله عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - على البصرة أميرًا، ثم فارقها قبل استشهاد عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وعاد إلى مكة يعلم الناس، وَكُفَّ بصره في آخر أيامه، وتوفي بالطائف سَنَةَ (68 هـ)، وصلى عليه محمد بن الحنفية وقال: «اليَوْمَ مَاتَ رَبَّانِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ». * * * ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) انظر " أسد الغابة " لابن الأثير، تحقيق علي محمد معوض - عادل أحمد عبد الموجود، 3/ 291، الطبعة الأولى: هـ - 1994 م، نشر دارالكتب العلمية. بيروت - لبنان.

(6) - جابر بن عبد الله الأنصاري (16 ق هـ - 87 هـ):

(6) - جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ (16 ق هـ - 87 هـ): (*) هو أبو عبد الله جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي الفقيه مفتي المدينة في زمانه، كان مع من شهد العقبة في السبعين من الأنصار، توفي والده في غزوة أحد، وترك عيالاً وَدَيْنًا، فسرى عنه الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشمله بعطفه وكرمه، ورعاه بعنايته حتى قضى دَيْنَهُ، وكان يحب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشهد معه المشاهد كلها إلا غزوتي بدر وأُحُدْ فإن أباه خلفه على إخوته. إن ضيق الحياة لم يمنع جابرًا عن طلب العلم بعد وفاته حيث سمع من كبار الصحابة، فروى عن الرسول الكريم، وعن أبي بكر، وعمر، وعلي، وعن أبي عبيدة، وطلحة، ومعاذ بن جبل، وعمار بن ياسر، وخالد بن الوليد، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وعبد الله بن أُنيس، وغيرهم. وروى عنه أولاده: عبد الرحمن وعقيل ومحمد، وسعيد بن المسيب، ومحمود بن لبيد، وعمرو بن دينار، وأبو جعفر الباقر، وابن عمه محمد بن ¬

_ (*) أهم مصادر ترجمته " أسماء الصحابة الرواة ": ص 1، و" الإصابة ": ص 222 جـ 1، و" تهذيب التهذيب ": ص 39 جـ 2، و" تذكرة الحفاظ ": ص 40 جـ 1، و" البارع الفصيح ": ص 9: ب، و" الجمع بين رجال الصحيحين ": ص 72 جـ 1، و" الرياض المستطابة ": ص 10.

عمرو بن الحسن، ومحمد بن المنكدر، وعامر الشعبي، وغيرهم. وكان له حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه فيها العلم. روي له من الحديث [1540] حَدِيثًا، وروى له الشيخان منها [212] حَدِيثًا، اتفقا على [60] حَدِيثًا منها، وانفرد البخاري بـ[26] حَدِيثًا، ومسلم بـ[126] حَدِيثًا، وله " منسك " صغير في الحج أخرجه الإمام مسلم في " صحيحيه ". عاش جابر [94] سَنَةً وَكُفَّ بصره في أواخر حياته، وتوفي سَنَةَ (78 هـ) على أرجح الأقوال - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ - وهو آخر من توفي من الصحابة. * * *

(7) - أبو سعيد الخدري (12 ق هـ - 74 هـ):

(7) -أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ (12 ق هـ - 74 هـ): (*) هو سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة الخُدري الأنصاري الخزرجي المدني، استشهد والده في غزوة أُحُدْ، فقاسى أبو سعيد شظف العيش، وَيُرْوَى أنه كان من أهل الصفة، استصغر يوم أحد، ثم شهد معظم الغزوات مع النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وشهد بيعة الرضوان، وكان يحضر حلقات الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فتحمل عنه الكثير الطيب حتى عُدَّ في المكثرين عنه. روى عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن زيد بن ثابت، وغيرهم من الصحابة، وروى عنه من الصحابة ابن عباس، وعبد الله بن عمر، وجابر، ومحمود بن لبيد، وأبو أمامة بن سهل، وأبو الطفيل، ومن كبار التابعين سعيد بن المسيب، وأبو عثمان النهدي، وطارق بن شهاب، وغيرهم، وممن بعدهم عطاء، وعياض بن أبي سرح، ومجاهد، وغيرهم. روي له من الحديث [1170] حَدِيثًا، أخرج له منها الشيخان [111] حَدِيثًا، اتفقا على [43] حَدِيثًا منها، وانفرد البخاري بـ[16] حَدِيثًا، ومسلم بـ[52] حَدِيثًا، أحاديثه في " الكتب الستة "، وروى عنه جميع أصحاب المسانيد والسنن. عرف أبو سعيد باستقامته الشديدة، وحرصه على الحق، فكان يصدع به لا يخاف في الله لومة لائم، وتوفي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بالمدينة سَنَةَ (74 هـ)، وَسِنُّهُ (86) سَنَةً. ... ¬

_ (*) " حلية الأولياء ": ص 269 جـ 1، و" تهذيب التهذيب ": ص 379 جـ 3، و" تذكرة الحفاظ ": ص 41 جـ 1، و" الإصابة في تمييز الصحابة ": ص 85 جـ 3، و" الجمع بين رجال الصحيحين ": ص 621 جـ 2، و" الرياض المستطابة ": ص 24، و" البارع الفصيح ": ص 9: ب.

الفصل الثاني: بعض أعلام الرواة من التابعين:

الفصل الثاني: بعض أعلام الرواة من التابعين: من يعد تابعيًا، وأشهر التابعين: 1 - سعيد بن المسيب. 2 - عروة بن الزبير. 3 - ابن شهاب الزهري. 4 - نافع مولى ابن عمر. 5 - عبيد الله بن عبد الله بن عتبة. 6 - سالم بن عبد الله بن عمر. 7 - إبراهيم النخعي. 8 - عامر الشعبي. 9 - علقمة النخعي. 10 - محمد بن سيرين.

من يعد تابعيا؟:

من يعد تابعيا؟: قال الخطيب البغدادي: «التَّابِعِيُّ مَنْ صَحِبَ صَحَابِيًّا» (¬1)، ولا يكفي مجرد الالتقاء، بخلاف الصحابي فقد اكتفى فيه بذلك، لشرف لقاء النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والاجتماع به، أو رؤيته، فإن لذلك أثرًا كبيرًا في إصلاح القلوب وتزكية النفوس، مما لا يتهيأ لمن يلقى الصحابي من غير متابعة له، وطول أخذ عنه. وقال أكثر المحدثين: «إِنَّ التَّابِعِيَّ مَنْ لَقِيَ وَاحِدًا مِنَ الصَّحَابَةِ فَأَكْثَرَ» وإن لم يصحبه، ولهذا ذكر مسلم وابن حبان - سليمان بن مهران الأعمش في طبقة التابعين، وقال ابن حبان: أخرجناه في هذه الطبقة لأن له لُقْيَا وحفظًا، رأى أنس بن مالك وإن لم يصح له سماع المسند عنه. كما عد الحافظ عبد الغني بن سعيد - يحيى بن أبي كثير من التابعين، لأنه لقي أنسًا، وَعَدَّ فيهم موسى بن أبي عائشة، لكونه لقي عمرو بن حريث، وَعَدَّ فيهم جرير بن أبي حازم لكونه رأى أنسًا، وهذا إقرار منهم بأن التابعين من رأى الصحابي. واشترط ابن حبان أن يكون من رآه في سن من يحفظ عنه، أي أن يكون مميزًا، فإن كان صغيرًا لم يحفظ عنه فلا عبرة برؤيته، كخلف بن خليفة، فإنه عَدَّهُ من أتباع التابعين وإن كان رأى عمرو بن حريث، لكونه كان صغيرًا لا يميز. قَالَ العِرَاقِيُّ: «وَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ حِبَّانَ لَهُ وَجْهٌ، كَمَا اشْتَرَطَ فِي الصَّحَابِيِّ ¬

_ (¬1) انظر " تدريب الراوي ": ص 416.

رُؤْيَتَهُ وَهُوَ مُمَيَّزٌ». قَالَ: وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينِ بِقَوْلِهِ: «طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي، وَطُوبَى لِمَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي» الحَدِيثَ، فَاكْتَفَى فِيهِمَا بِمُجَرَّدِ الرُّؤْيَةِ (¬1). وعدد التابعين يفوق الحصر، لأن كل من رأى صحابيًا كان من التابعين، وقد توفي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن نيف ومائة ألف من الصحابة، رحلوا إلى مختلف البلدان، وانتشروا في جميع الآفاق، ورآهم ألوف الأتباع. ولرجال الحديث اهتمام كبير بمعرفة الصحابة والتابعين لأن بهما يعرف المرسل والمتصل من الأخبار. ثم إن التابعين طبقات جعلها الحاكم خمس عشرة طبقة، آخرهم من لقي أنس بن مالك من أهل البصرة، ومن لقي عبد الله بن أبي أوفى من أهل الكوفة، ومن لقي السائب بن يزيد من أهل المدينة، ومن لقي عبد الله بن الحارث بن جزء من أهل مصر، ومن لقي أبا أمامة الباهلي من أهل الشام (¬2). وذكر الحاكم غير هؤلاء في بعض البلدان الأخرى (¬3). وللعلماء كلام طويل في أفضل التابعين (¬4). وسنذكر فيما يلي بعض أعلام الرواة من التابعين. ¬

_ (¬1) انظر " فتح المغيث ": ص 52، 53 جـ 4، و " تدريب الراوي ": ص 416. (¬2) انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 42، و " فتح المغيث ": ص 53 جـ 4، و " تدريب الراوي ": ص 417. (¬3) انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 43. (¬4) انظر المراجع السابقة في ذلك: " تدريب الراوي ": ص 421، و " الباعث الحثيث ": ص 219، و " فتح المغيث ": ص 55 جـ 4.

(1) - سعيد بن المسيب (15 - 94 هـ):

(1) - سعيد بن المسيب (15 - 94 هـ): (*) هو أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن بن وهب القرشي المخزومي المدني، أحد أعلام الدنيا، وسيد التابعين. ولد سعيد سَنَة (15 هـ) لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب، وسمع منه، ومن عثمان بن عفان، وَعَلِيٍّ، وزيد بن ثابت، وعائشة، وسعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وجل روايته عن أبي هريرة، فقد كان سعيد تزوج ابنته. كان غزير العلم، قال فيه ابن عمر: «لَوْ رَأَى رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا لَسَرَّهُ»، وقال مكحول وقتادة والزهري وغيرهم: «مَا رَأَيْنَا أَعْلَمَ مِنْ ابْنِ المُسَيَّبِ». وقال ابن المديني: «لاَ أَعْلَمُ فِي التَّابِعِينَ أَوْسَعَ عِلْمًا مِنْهُ، وَهُوَ عِنْدِي أَجَلُّ التَّابِعِينَ». وكان من أحفظ التابعين لأقضية الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والخلفاء الراشدين، وكان يفتي وأصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحياء، وكان يقدم على فقهاء عصره. وكان عمر بن عبد العزيز يُجِلُّهُ ويحترمه، وقد اشتهر بعبادته وورعه، وعرف بجرأته في الحق، وأبى أن يبايع بعض أولي الأمر، وجلد على ذلك، وبقي صامدًا ثابت العزيمة (¬1). ¬

_ (*) " طبقات ابن سعد ": ص 88 - 106 جـ 5، "الجمع بين رجال الصحيحين ": ص 168 جـ 1، "سير أعلام النبلاء ": مخطوط ص 192 - 199 قسم 2 جـ 4، و" تذكرة الحفاظ ": ص 51 - 53 جـ 1، و" تهذيب التهذيب ": ص 84 جـ 4، و" شذرات الذهب ": جـ 1 ص 102. (¬1) انظر محنته هذه في " سير أعلام النبلاء ": ص 195 قسم 2 جـ 4.

أشهر من روى عنه: -------------------- روى عن سعيد بن المسيب جماعات من كبار التابعين، من أشهرهم محمد بن مسلم الزهري، وعمرو بن دينار، وعطاء بن أبي رباح، ومحمد الباقر، وقتادة بن دعامة السدوسي، وبكير بن الأشج، ويحيى بن سعيد الأنصاي، وغيرهم. أجمع العلماء على إمامته وعلو مكانته، فقد كان رأس المدينة في الفقه والفتوى حتى كانوا يسمونه " فقيه الفقهاء ". أجمع أهل الحديث على ثقته وورعه وضبطه، وشدة حرصه على السُنَّةِ، ودأبه على العلم والعبادة، حتى إنه كان لا يفارق المسجد من العتمة إلى العتمة. وقد ترفع عن قبول أموال المسلمين، فكان لا يأخذ العطاء، له أربعمائة دينار يَتَّجِرُ بها في الزيت، ويتعيش مما تغله له. توفي سَنَةَ (92 هـ)، وقيل (94 هـ) - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ -. * * *

(2) - عروة بن الزبير (22 - 94 هـ):

(2) - عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ (22 - 94 هـ): (*) هو أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوام الأسدي المدني التابعي الجليل، الفقيه الحافظ، ولد في آخر خلافة عمر سَنَةَ (22 أو 23 هـ) وقيل في خلافة عثمان بن عفان سَنَةَ (29 هـ) (¬1). حفظ عن والده وأمه وخالته عائشة. وروى عن علي ومحمد بن مسلمة وأبي هريرة وعن زيد بن ثابت، وأسامة بن زيد، وعبد الله بن الأرقم، وأبي أيوب، والنعمان بن بشير، ومعاوية، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، والمسور بن مخرمة، وزينب بنت أبي سلمة، وبشير بن أبي مسعود الأنصاري. وكان عروة طلابة للعلم، كثير التردد على خالته عائشة أم المؤمنين، دقيقًا في تحمله، ضابطًا ثقة، وقد شهد له بذلك أعلام عصره، حتى أصبح أحد الفقهاء السبعة في المدينة، وكان ممن اختارهم عمر بن عبد العزيز - أمير المدينة آنذاك - في مجلس شورى المدينة. وفيه قال الإمام الزهري: «رَأَيْتُهُ بَحْرًا لاَ تُكَدِّرُهُ الدِّلاَءُ». وقال ابن عيينة: «[أَعْلَمَ] (**) النَّاسِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ ثَلاَثَةٌ: القَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ،، وَعُرْوَةُ، وَعَمْرَةُ». ¬

_ (*) " طبقات ابن سعد ": ص 135 جـ 5، و" الجمع بين رجال الصحيحين ": ص 394 جـ 2، و" سير أعلام النبلاء "، مخطوط: ص 245 - 250 قسم 2 جـ 4، و" تذكرة الحفاظ ": ص 58، 59 جـ 1، و "تهذيب التهذيب ":ص 180 جـ 7، و" شذرات الذهب ": ص 103 جـ 1. (¬1) في " سير أعلام النبلاء ": ولاتدته سَنَةَ 23 هـ. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (**) انظر هامش صفحة 331 من هذا الكتاب.

وَقَالَ ابْنُهُ هِشَامٌ: «وَاللَّهِ مَا تَعَلَّمْنَا مِنْهُ جُزْءًا مِنْ أَلْفَيْ جُزْءٍ مِنْ أَحَادِيثِهِ». وقال محمد بن سعد: «كَانَ ثِقَةً كَثِيرَ الحَدِيثِ، فَقِيهًا مَأْمُونًا عَالِمًا ثَبْتًا». وإلى جانب حفظه للحديث الشريف كان عالمًا بالسيرة، حافظًا للقرآن، عابدًا يصوم الدهر، وتوفي وهو صائم. وعرف بحبه لنشر العلم، فكان يتألف الناس على حديثه، ويذاكر أبناءه الحديث. وأشهر من روى عنه أولاده: عثمان وعبد الله وهشام ويحيى ومحمد، وحفيده عمر بن عبد الله، والزهري، وسليمان بن يسار، وأبو الزناد، وابن أبي مُليكة، وابن المُنكدر، وغيرهم كثير. جمع عروة العلم والسيادة والعبادة، وتوفي عن نيف وستين سَنَةَ، سَنَةَ (94 هـ) على أحد الأقوال. * * *

(3) - محمد بن مسلم بن شهاب الزهري:

(3) - مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ: (50 - 124 هـ) (*) [1]- التَّعْرِيفُ بِهِ - وِلاَدَتُهُ - نَشْأَتُهُ: ----------------------------------- هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة القرشي الزهري المدني. ولد الزهري سَنَةَ (50 هـ) على الأرجح، في خلافة معاوية بن أبي سفيان، ويروى أنه وفد على مروان بن الحكم في خلافته، سَنَةَ (64 هـ) وهو غلام محتلم، وكان أبوه على قيد الحياة، لأنه كان إلى جانب عبد الله بن الزبير في ثورته على عبد الملك بن مروان، ثم وفد على عبد الملك بعد وفاة والده، وكان ذلك سَنَةَ (82 هـ) على أرجح الروايات. [2]- طَلَبُهُ العِلْمَ: ----------------- حفظ القرآن في ثمانين يومًا، وطلب الحديث في أواخر عصر الصحابة، وله نيف وعشرون سَنَةً، وسمع من بعضهم، وروى عنهم، ومنهم أنس بن مالك، ¬

_ (*) أهم المراجع التي اعتمدت عليها في ترجمة ابن شهاب: " طبقات ابن سعد ": ص 135 قسم 2 جـ 2 وما بعدها، " جامع بيان العلم وفضله ": ص 73 و 76 جـ 1، و" ترتيب الثقات " لابن حبان: الجزء الثالث مخطوط، و" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 154: آو 155: ب و 177: آو 181: آوغيرها، و" حلية الأولياء ": ص 369 وما بعدها جـ 3، و" الجرح والتعديل ": ص 71 - 74 قسم 1 جـ 4، و" تاريخ دمشق "، مخطوط، نسخة دار الكتب المصرية: ص 487 - 619 جـ 31، و" تاريخ الإسلام ": ص 136 جـ 5، و" تهذيب التهذيب ": ص 448 جـ 9، وسأذكر موضع بعض الأخبار والنصوص حين الضرورة.

وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وسهل بن سعد، وأبو الطفيل، والمسور بن مخرمة، وغيرهم. وروى عن كبار التابعين، ومنهم: أبو إدريس الخولاني، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، والحسن وعبد الله ابنا محمد بن الحنفية، وحرملة مولى أسامة بن زيد، وعبد الله وعبيد الله وسالم بنو ابن عمر، وعبد العزيز بن مروان، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعروة بن الزبير، والأعرج [- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ -]، وعطاء بن أبي رباح، والقاسم بن محمد بن أبي بكر والمحرر بن أبي هريرة، ومحمد ونافع ابنا جُبير بن مطعم، وعمرة بنت عبد الرحمن، وروى عن غيرهم. وقد سمع الزهري كثيرًا من إمام التابعين سعيد بن المسيب، وفي هذا يقول: «مَسَّتْ رُكْبَتِي رُكْبَةَ سَعِيدٍ بْنِ المُسَيِّبِ ثَمَانِي سِنِينَ» وقال: «تَبِعْتُ سَعِيدَ بْنِ المُسَيِّبِ فِي طَلَبِ حَدِيثٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ»، وَلَزِمَ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عُتْبَةَ وَخَدَمَهُ، وَكَانَ يَسْتَقِي لَهُ المَاءَ لِيَسْمَعَ مِنْهُ، وَكَانَ لاَ يُفَارِقُهُ - قَالَ الزُّهْرِيُّ -: حَتَّى إِنَّ خَادِمَهُ لَيَخْرُجُ فَيَقُولُ: «مَنْ بِالبَابِ؟» فَتَقُولُ الجَارِيَةُ: «غُلاَمَكَ الأُعَيْمِشُ» - فَتَظُنُّ أَنِّي غُلاَمُهُ - وَإِنْ كُنْتُ لأَخْدِمَهُ حَتَّى لأَسْتَقِي لَهُ وُضُوءَهُ». وكما لزم ابن المسيب وعبيد الله لزم عروة بن الزبير، وفيه يقول: «عُرْوَةُ بَحْرٌ لاَ يَنْزِفُ»، و «أَمَّا عُرْوَةُ فَبَحْرٌ لاَ تُكَدِّرُهُ الدِّلاَءُ». وكان جريئًا في طلب العلم، يسأل عما يريد. وكان عبد الملك بن مروان قد أمره بطلب العلم - عندما وفد عليه أول مرة - فقال له: «فَاطْلُبِ

[3]- حفظه:

العِلْمَ، وَلاَ تَشَاغَلْ عَنْهُ بِشَيْءٍ، فَإِنِّي أَرَى لَكَ عَيْنًا حَافِظَةً، وَقَلْبًا ذَكِيًّا، وَآتِ الأَنْصَارَ فِي مَنَازِلِهِمْ». وَقَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ،: «اجْتَمَعَتُ أَنَا وَالزُّهْرِيُّ، وَنَحْنُ، نَطْلُبُ العِلْمَ فَقُلْنَا نَكْتُبُ السُّنَنَ , فَكَتَبْنَا مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ , صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ: " نَكْتُبُ مَا جَاءَ عَنْ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ " , فَقُلْتُ أَنَا: " لَيْسَ بِسُنَّةٍ فَلاَ نَكْتُبُهُ " , قَالَ: " فَكَتَبَ وَلَمْ أَكْتُبْ فَأَنْجَحَ وَضَيَّعْتُ "». ويروى عن الزهري أنه كان يكتب الحديث، ويتذكره، فإذا حفظه محاه. وكان من أنشط طلاب العلم في طلب الحديث يتردد كثيرًا على حلقات العلماء ولا يترك أحدًا يعرف عنده شيئًا من العلم إلا قصده، وفي هذا قال إِبْرَاهِيمُ بْنِ سَعْدٍ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: «قُلْتُ لأَبِي: " بِمَ [فَاقَكُمُ] الزُّهْرِيُّ؟ " قَالَ: " كَانَ يَأْتِي المَجَالِسَ مِنْ صُدُورِهَا، وَلاَ يَلْقَى فِي المَجْلِسِ كَهْلاً إِلاَّ سَاءَلَهُ وَلاَ شَابًّا إِلاَّ سَاءَلَهُ، ثُمَّ يَأْتِي الدَّارَ مِنْ دُورِ الأَنْصَارِ، فَلاَ يَلْقَى فِيهَا شَابًّا إِلاَّ سَاءَلَهُ، وَلاَ كَهْلاً وَلاَ عَجُوزًا وَلاَ كَهَلَةً إِلاَّ سَاءَلَهُ حَتَّى يُحَاوِلُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ "» (¬1). قال أبو الزناد: «كُنَّا نَكْتُبُ الحَلاَلَ وَالحَرَامَ، وَكَانَ [ابْنُ شِهَابٍ] يَكْتُبُ كُلَّ مَا سَمِعَ، فَلَمَّا احْتِيجَ إِلَيْهِ عَلِمْتُ أَنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ» (¬2). [3]- حِفْظُهُ: ------------- اشتهر الزهري بذاكرته القوية، وسرعة حفظه، وكان يقول: «مَا اسْتَوْدَعْتُ قَلْبَي شَيْئًا قَطُّ فَنَسِيتُهُ»، وقال: «مَا اسْتَعَدْتُ حَدِيثًا إِلاَّ مَرَّةً، فَسَأَلْتُ صَاحِبِي، فَإِذَا هُوَ كَمَا حَفِظْتُ». ¬

_ (¬1) " تهذيب التهذيب ": ص 449 جـ 9. (¬2) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 155: ب.

[4]- علمه وآثاره:

وَقَدْ سَأَلَهُ هِشَامُ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنْ يُمْلِيَ عَلَى بَعْضِ وَلَدِهِ شَيْئًا مِنَ الحَدِيثِ، فَدَعَا بِكَاتِبٍ، وَأَمْلَى عَلَيْهِ أَرْبَعُمِائَةَ حَدِيثٍ، فَخَرَجَ الزُّهْرِيُّ مِنْ عِنْدِ هِشَامٍ، فَقَالَ: «أَيْنَ أَنْتُمْ يَا أَصْحَابَ الحَدِيثِ»، فَحَدَّثَهُمْ بِتِلْكَ الأَرْبَعِمِائَةٍ، ثُمَّ لَقِيَ هِشَامًا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَقَالَ الزُّهْرِيِّ إِنَّ ذَلِكَ الكِتَابَ قَدْ ضَاعَ قَالَ: «لاَ عَلَيْكَ»، فَدَعَا بِكَاتِبٍ، فَأَمْلاَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَابَلَ هِشَامٌ بِالكِتَابِ الأَوَّلِ، فَمَا غَادَرَ حَرْفًا وَاحِدًا (¬1). قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ بْنُ أَنَسٍ: «حَدَّثَ الزُّهْرِيُّ بِمِائَةِ حَدِيثٍ، ثُمَّ الْتَفَتَ [إِلَيَّ] فَقَالَ: " كَمْ حَفِظتَ يَا مَالِكُ؟ " قُلْتُ: " أَرْبَعِيْنَ حَدِيثًا "، قال: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِه، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّا للهِ كَيْفَ نَقصَ الحِفْظُ "!!». وكان كثيرًا ما يذاكر نفسه الحديث، قال الليث بن سعد: «جَلَسَ الزُّهْرِيُّ ذَاتَ لَيْلَةٍ يُذَاكِرُ نَفْسَهُ الحَدِيثَ، فَمَا زَالَ ذَلِكَ مَجْلِسُهُ حَتَّى أَصْبَحَ». وَكَانَ أَحْيَانًا يَبْتَغِي العِلْمَ مِنْ عُرْوَةَ وَغَيْرِهِ، فَيَأْتِي جَارِيَةً لَهُ نَائِمَةً فَيُوقِظُهَا فَيَقُولُ لَهَا «حَدَّثَنِي فُلاَنٌ بِكَذَا، وَفُلاَنٌ بِكَذَا»، فَتَقُولُ لَهُ: «مَا لِي وَلِهَذَا؟» فَيَقُولُ: «قَدْ عَلِمتُ أَنَّكِ لاَ تَنْتَفِعِينَ بِهِ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ الآنَ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَسْتَذكِرَهُ» (*). [4]- عِلْمُهُ وَآثَارُهُ: ------------------- اشتهر الزهري بغزارة علمه، وطار صيته في الآفاق، وأصبح محط أنظار أهل الشام والحجاز، قال الإمام مالك: «كَانَ الزُّهْرِيُّ إِذَا دَخَلَ المَدِينَةَ لَمْ يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدٌ مِنَ العُلَمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهَا، وَأَدْرَكْتُ مَشَايِخَ أَبْنَاءَ سَبْعِينَ وَثَمَانِينَ لاَ يُؤَخَذُ عَنْهُمْ، وَيُقَدَّمُ ابْنُ شِهَابٍ وَهُوَ دُونَهُمْ فِي السِنِّ فَيُزْدَحَمُ عَلَيْهِ». وكان يقول: «بَقِيَ ابْنُ شِهَابٍ، وَمَا لَهُ فِي الدُّنْيَا نَظِيرٌ» (¬2). ¬

_ (¬1) " المحدث الفاصل "، نسخة دمشق: ص 9: آجـ 4. (¬2) " تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل ": ص 20. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) انظر ص 161 من هذا الكتاب.

وقال عمر بن عبد العزيز لجلسائه: «هَلْ تَأْتُونَ ابْنَ شِهَابٍ؟» قَالُوا: إِنَّا لَنَفْعَلُ، قَالَ: «فَأْتُوهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ أَعْلَم بِسُنَّةٍ مَاضِيَةٍ مِنْهُ»، قَالَ الرَّاوِي [مَعْمَرُ]: «وَإِنَّ الحَسَنَ وَضُرَبَاءَهُ لأَحْيَاءٌ يَوْمَئِذٍ». وقال مكحول: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِسُنَّةٍ مَاضِيَةٍ مِنَ الزُّهْرِيِّ!!». وَقَالَ عَمْرُو بْنِ دِينَارٍ: «جَالَسْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا أَنْسَقَ لِلْحَدِيثِ مِنَ الزُّهْرِيِّ»، وفي رواية: «مَا رَأَيْتُ أَنَصَّ وَأَبْصَرَ بِالحَدِيثِ مِنَ الزُّهْرِيِّ». وقال أيوب السختياني: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنَ الزُّهْرِيِّ». وكان بارعًا في مختلف علوم الإسلام، وفي هذا يحدثنا اللَّيْثُ بْنِ سَعْدٍ فَيَقُولُ: «مَا رَأَيْتُ عَالِمًا قَطُّ أَجْمَعَ مِنِ ابْنِ شِهَابٍ، يُحَدِّثُ فِي التَّرْغِيبِ فَتَقُولُ لاَ يُحْسِنُ إِلاَّ هَذَا، ... وَإِنْ حَدَّثَ عَنِ العَرَبِ وَالأَنْسَابِ قُلْتَ: لاَ يُحْسِنُ إِلاَّ هَذَا، وَإِنْ حَدَّثَ عَنِ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَانَ حَدِيثَهُ نَوْعًا جَامِعًا». وإلى جانب علمه بِالسُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وعلوم الإسلام كان أحد الأعلام بالشعر والأنساب والسيرة، وقيل إنه أول من ألف في السِّيَرِ، وقال بعضهم أول سيرة ألفت في الإسلام سيرة الزهري (¬1). ولسمو مكانته وَلاَّهُ يزيد بن عبد الملك القضاء، ثم اختاره الخليفة هشام بن عبد الملك مُؤَدِّبًا لأولاده، يُفَقِّهُهُمْ ويعلمهم ويحج معهم فلم يفارقهم حتى مات، ولذلك ذكره ابن حبيب مع أشراف المعلمين وفقهائهم (¬2). ¬

_ (¬1) انظر " الرسالة المستطرفة ": ص 79، 80. (¬2) انظر " المحبر ": ص 476.

وكان متمسكًا بِالسُنَّةِ (¬1)، روى عنه الإمام الأوزاعي قوله: «مِنَ اللَّهِ القَوْلُ، وَعَلَى الرَّسُولِ البَلاغُ، وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ، أَمِرُّوا حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا جَاءَ بِلا كَيْفٍ» (¬2). وَمِنْ آثَارِهِ فِي السُنَّةِ: --------------------- 1 - كان الزهري أول من استجاب لطلب الخليفة عمر بن عبد العزيز، فَدَوَّنَ لَهُ السُّنَنَ فِي دَفَاتِرَ، ثم وزع الخليفة على كل أرض له عليها سلطان دفترًا، وأجمع العلماء على أنه كان أول من دَوَّنَ السُنَّةَ، وقد بينت أنه أول من دونها رسميًا بأمر الخليفة. وفصلت القول في ذلك، في (خِدْمَةُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ لِلْسُنَّةِ). 2 - تفرد ابن شهاب بسنن لولاه لضاعت، قال الليث بن سعد: قال لي سعيد بن عبد الرحمن: «يَا أَبَا الحَارِثِ، لَوْلاَ ابْنَ شِهَابٍ لَضَاعَتْ أَشْيَاءٌ مِنَ السُّنَنِ»، وقال الإمام مسلم: «وَلِلزُّهْرِيِّ نَحْوٌ مِنْ تِسْعِينَ حَدِيثًا يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لاَ يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ» (¬3)، وقال الحافظ الذهبي: «وَقَدِ انْفَرَدَ [الزُّهْرِيُّ] بِسُنَنٍ كَثِيرَةٍ وَبِرِجَالٍ عِدَّةٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُمْ غَيْرُهُ سَمَّاهُمْ مُسْلِمٌ، وَعِدَّتُهُمْ بِضْعٌ وَأَرْبَعُونَ نَفْسًا» (¬4). 3 - كان ممن يحرص على ذكر الإسناد، ويحث العلماء وطلاب العلم على ¬

_ (¬1) انظر " تاريخ دمشق ": ص 578 جـ 31. (¬2) " تاريخ الإسلام ": ص 144 جـ 5، و" حلية الأولياء ": ص 369 جـ 3. (¬3) " صحيح الإمام مسلم ": ص 1268 جـ 3. (¬4) " تاريخ الإسلام ": ص 151 جـ 5

التزامه، سَمِعَ الزُّهْرِيُّ إِسْحَاقَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بِالمَدِينَةِ يُحَدِّثُ فَيَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: «مَالَكَ قَاتَلَكَ اللهُ يَا ابْنَ أَبِي فَرْوَةَ، مَا أَجْرَأَكَ عَلَى اللهِ،!!؟ أَسْنِدْ حَدِيثَكَ، تُحَدِّثُونَا بِأَحَادِيثَ لَيْسَ لَهَا خُطَمٌ وَلاَ أَزِمَّةٌ» (¬1)، وَقَالَ الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: «خَرَجَ الزُّهْرِيُّ مِنَ الخَضْرَاءِ مِنْ عِنْدِ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَجَلَسَ عِنْدَ ذَاكَ العَمُودِ فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا كُنَّا قَدْ مَنَعْنَاكُمْ شَيْئًا قَدْ بَذَلْنَاهُ لِهَؤُلاءِ فَتَعَالَوْا حَتَّى أُحَدِّثَكُمْ "، قَالَ: " وَسَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "، فَقَالَ: " يَا أَهْلَ الشَّامِ مَالِي أَرَى أَحَادِيثُكُمْ لَيْسَ لَهَا أَزِمَّةٌ وَلا خَطْمٌ "، قَالَ الوَلِيدُ: "فَتَمَسَّكَ أَصْحَابُنَا بِالأَسَانِيدِ مِنْ يَوْمَئِذٍ "» (¬2). وقال الإمام مالك: «أَوَّلُ مَنْ أَسْنَدَ الحَدِيثَ ابْنُ شِهَابٍ» (¬3). فيحمل قوله على أنه من أوائل من التزموا الإسناد. وقد بينت هذا عندما تكلمت عن جهود الصحابة والتابعين لمقاومة الوضع. 4 - كان الزهري يشجع طلاب العلم على دراسة الحديث، وينفق على بعضهم، قال له أحدهم: لا مال عندي حتى أطلب العلم، فقال له: «اتْبَعْنِي وَأَكْفِيكَ نَفَقَتَكَ». وكان يكرم أصحاب الحديث ويطعمهم الثريد ويسقيهم العسل، وكان إذا أبى أحد من أصحاب الحديث أن يأكل طعامه حلف عليه أن لا يحدثه عشرة أيام. قال مالك بن أنس: «كَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَجْمَعُ الأَعْرَابَ فَيُذَاكِرَهُمْ حَدِيثَهُ، فَإِذَا ¬

_ (¬1) " حلية الأولياء ": ص 365 جـ 3، والخطم وهو الحبل الذي يقاد به البعير. انظر " لسان العرب "، مادة (خَطَمَ): ص 77 جـ 15. وَالأَزِمَّةُ: جمع زمام والزمام مثل الخطام. انظر " لسان العرب "، مادة (زَمَمَ): ص 164 جـ 15. أقول: كَنَّى الزهري بهذا عن الأسانيد. (¬2) " تاريخ الإسلام ": ص 148 جـ 5. (¬3) " تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل ": ص 20.

[5]- عدة أحاديثه ومنزلة روايته:

كَانَ الشِّتَاءُ شَقَّ لَهُمْ المَكْتَلَ (¬1) وَجَاءَهُمْ بِالزَّبَدِ، وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ شَقَّ لَهُمْ (¬2) وَجَاءَهُمْ بِالسَّمْنِ (¬3)». وَكَانَ كَرِيمًا جَوَادًا، سَمْحَ النفس، وأخبار سخائه كثيرة، ونادر مثلها، حتى كان يجود بما عنده، قال الليث بن سعد: «وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ مِنْ أَسْخَى مَنْ رَأَيْتُ، كَانَ يُعْطِي كُلَّ مَنْ جَاءَ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ اقْتَرَضَ»، فكان لا يخشى الفقر، ولا يضمن بالقليل، ويأتيه السائل - وقد نفد ما عنده - فيقول له: «أَبْشِرْ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِالخَيْرِ». [5]- عِدَّةُ أَحَادِيثِهِ وَمَنْزِلَةُ رِوَايَتِهِ: --------------------------------- قَالَ عَلِيُّ بْن المَدِينِي: «لَهُ نَحْوُ أَلْفَيْ حَدِيثٍ»، وقَالَ أَبُو دَاوُدُ: «حَدِيثُهُ أَلفَانِ وَمِائَتَا حَدِيثٍ النِّصْفُ مِنْهَا مُسْنَدٌ»، وتعتبر أسانيد الزهري من أحسن الأسانيد. قال الإمام أحمد: «أَحْسَنُ الأَسَانِيدِ تُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أربعة: الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَالزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، ومَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، ¬

_ (¬1) في الأصل (الكتل) وما أثبتناه أصوب، فالمكتل والمكناة الزبيل ... وقيل المكتل شبه الزبيل يسع خمسة عشر صاعًا. انظر " لسان العرب "، مادة (كتل): ص 102 جـ 14، والزبيل والزنبيل الجراب، وقيل الوعاء يحمل فيه. انظر " لسان العرب "، مادة (زبل): ص 320 جـ 13. (¬2) أي شق لهم الجراب أو الوعاء. وربما كانت أوعية من جلد كتلك التي يضع فيها الأعراب سمنهم وجبنهم. (¬3) " تاريخ دمشق ": ص 609 جـ 31.

[6]- أشهر من روى عنه:

عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ» (¬1). قال أبو حاتم الرازي: «أَثْبَتُ أَصْحَابِ أَنَسَ الزُّهْرِيُّ». قال الحاكم: «وَأَصَحُّ أَسَانِيدِ المُكْثِرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، لأَبِي هُرَيْرَةَ - الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ... وَمِنْ أَصَحِّ الأَسَانِيدِ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابِ بْنِ زُهْرَةَ القُرَشِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ القُرَشِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ ... وَأَصَحُّ أَسَانِيدِ أَنَسٍ: مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ» (¬2). وقال الحاكم: «وَأَصَحُّ أَسَانِيدِ عُمَرَ: الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ» (¬3). وقال السيوطي: «وَقِيلَ: أَصَحُّهَا - أَيْ الأَسَانِيدُ - مُطْلَقًا مَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ الصَّلاَّحِ» (¬4). وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: «أَصَحُّ طَرِيقٍ يُرْوَى فِي الدُّنْيَا عَنْ عُمَرَ: الزُّهْرِيُّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْهُ» (¬5). [6]- أَشْهَرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ: -------------------------- روى عن الزهري خلق كثير من مختلف الأقاليم الإسلامية، وأكثر عنه ¬

_ (¬1) " تهذيب التهذيب ": ص 448 جـ 1. (¬2) " معرفة علوم الحديث ":ص 55. (¬3) " تدريب الراوي ": ص 36. (¬4) المرجع السابق: ص 31، 32. (¬5) " تدريب الراوي ": ص 36.

[7]- أقوال العلماء في ابن شهاب الزهري:

الحجازيون والشاميون، ومن أشهر من روى عنه: عطاء بن أبي رباح، وأبو الزبير المكي، وعمر بن عبد العزيز، وعمرو بن دينار، وصالح بن كيسان، وأبان بن صالح، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويزيد بن أبي حبيب، وأيوب السختياني، ومعمر بن راشد، وأبو عمرو الأوزاعي، وعبد الملك بن جريج، ومالك بن أنس، والليث بن سعد، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن مسلم الزهري أخوه، وغيرهم. [7]- أَقْوَالُ العُلَمَاءِ فِي ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ: ----------------------------------------- إلى جانب ما سقناه عن منزلة الزهري وعلمه نذكر آراء مشهوري العلماء والنقاد فيه. قال أيوب السختياني: «" مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنَ الزُّهْرِيِّ "، فَقَالَ لَهُ صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَّةَ: " وَلاَ الحَسَنَ؟ " قَالَ: " مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنَ الزُّهْرِيِّ "» (¬1). وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: «قَالُوا (¬2): وَكَانَ الزُّهْرِيُّ ثِقَةً كَثِيرَ الحَدِيثِ وَالعِلْمِ وَالرِّوَايَةِ فَقِيهًا جَامِعًا» (¬3). وقال الإمام الأوزاعي: «وَلاَ أَدْرَكَتْ خِلاَفَةُ هِشَامٍ - (ابْنَ عَبْدَ المَلِكِ) - أَحَدًا مِنَ التَّابِعِينَ أَفْقَهَ مِنْهُ» (¬4). ¬

_ (¬1) " الجرح والتعديل ": ص 73 قسم 1 جـ 4. (¬2) هكذا في الأصل، والقائلون هم أهل العلم ممن يثق بهم ابن سعد. (¬3) " تاريخ الإسلام ": ص 144 جـ 5، و" تهذيب التهذيب ": ص 448 جـ 9. (¬4) " تاريخ دمشق ": ص 593 جـ 31.

وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: «وَكَانَ مِنْ أَحْفَظِ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَأَحْسَنَهُمْ سِيَاقًا لِمُتُونِ الأَخْبَارِ وَكَانَ فَقِيهًا فَاضِلاً» (¬1). قال الإمام ابن تيمية: «حَفِظَ الزُّهْرِيُّ الإِسْلاَمَ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً» (¬2) وقال الحافظ الذهبي: «الزُّهْرِيُّ عَلَمُ الحُفَّاظِ»، وقال: «الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ القُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ [المَدَنِيُّ] أَحَدُ الأَعْلامِ وَحَافِظُ زَمَانَهُ» (¬3). وقال ابن حجر: «مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ ... القُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ الفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الحَافِظُ المَدَنِيُّ أَحَدُ الأَئِمَّةِ وَالأَعْلاَمِ، وَعَالِمُ الحِجَازِ وَالشَّامِ» (¬4). وقال ابن الجزري: «أَبُو بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ المَدَنِيُّ أَحَدُ الأَئِمَّةِ الكِبَارِ وَعَالِمُ الحِجَازِ وَالأَمْصَارِ تَابِعِيٌّ» (¬5). وقال ابن العماد: «الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ المَدَنِيُّ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَأَحَدُ الأَعْلاَمِ المَشْهُورِينَ» (¬6). وأحاديثه في " الكتب الستة "، وفي " سنن البيهقي "، و" موطأ الإمام مالك، و" مسند الإمام أحمد "، وفي سائر كتب السنن والمسانيد. وقد جمع أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذُّهَلِيِّ النيسابوري أحد الأعلام الحفاظ (- 252 هـ) أحاديث ¬

_ (¬1) " ترتيب الثقات " لابن حبان، مخطوط نسخة دار الكتب المصرية. (¬2) " شذرات الذهب ": ص 163 جـ 1. (¬3) " تاريخ الإسلام ": ص 136 جـ 5. (¬4) " تهذيب التهذيب ": ص 445 جـ 9. (¬5) " غاية النهاية في طبقات القراء ": ص 262 جـ 2. (¬6) " شذرات الذهب ": ص 162 جـ 1.

[8]- وفاته:

الزهري في مجلدين سميت (الزهريات)، وكان قد اعتنى به، وهو أعلم الناس بحديثه (¬1). كما جمع الإمام أبو علي الحسن بن محمد الماسرجسي أحاديث الزهري وزاد على الذهلي، وكان جمعه فريدًا لم يسبق إليه أحد. وجمع حديث الزهري أَيْضًا أبو بكر بن مهران النيسابوري (¬2). [8]- وَفَاتُهُ: ------------ توفي الإمام الزهري بعد حياة علمية رفيعة، عن نيف وسبعين سَنَةً، ليلة الثلاثاء، لتسع عشرة (أو لسبع عشرة) ليلة خلت من شهر رمضان، سَنَةَ أربع وعشرين ومائة على أرجح الأقوال في قرية (أدامي) (¬3) وهي خلف (شَغْبٍ) و (بَدَا) (¬4) أول عمل فلسطين وآخر عمل الحجاز، وبها ضيعة الزهري، وقد أوصى أن يدفن على قارعة الطريق، ليمر مار فيدعو له. * * * ¬

_ (¬1) انظر " تاريخ الإسلام ": ص 151 جـ 5، و" الرسالة المستطرفة ": ص 82، 83. (¬2) انظر " الرسالة المستطرفة ": ص 82، 83. (¬3) انظر " تاريخ دمشق "، مخطوط نسخة دار الكتب المصرية: ص 611 جـ 31، وقد شاهد الحسن بن المتوكل العسقلاني قبر الزهري فيها. وانظر " تاريخ الإسلام ": ص 153 جـ 5، وفي روايات أخرى أنه توفي بشغب، انظر " تاريخ دمشق ": ص 509 و 618 جـ 31، وقال ياقوت (شَغْبٌ) وهي ضيعة خلف وادي القرى كانت للزهري وبها قبره. انظر " معجم البلدان ": ص 302 جـ 3. ولا خلاف بين القولين فمن قال (بشغب) ذكر اسم المنطقة ومن قال (أدامي) عَيَّنَ القرية أو الضيعة في تلك المنطقة. (¬4) بَدَا بالفتح والقصر، واد قريب (أيلة) من ساحل البحر وقيل بوادي القرى وقيل بوادي عذرة قرب الشام. انظر " معجم البلدان ": ص 87 جـ 3. و (أيلة) مدينة صغيرة ... قيل هي آخر الحجاز وأول الشام. انظر " معجم البلدان ": ص 391 جـ 1.

رد الشبهات التي أثيرت حول الزهري:

رَدُّ الشُّبُهَاتِ التِي أُثِيرَتْ حَوْلَ الزُّهْرِيِّ: لقد عرفنا الزهري ونشأته، وعرفناه في طلبه العلم، واطلعنا على كثير من أخلاقه ومزاياه، وأدركنا منزلته العلمية، وقيمته بين علماء التابعين، ومكانته بين أعلام رواة الحديث الشريف، وخدماته الجليلة للسنة النبوية ولطلاب العلم، فكان بحق أحد أعلام الحفاظ الذين لمع اسمهم في صحفات التاريخ، ورفعتهم شهرتهم العظيمة إلى مرتبة الإمامة، فكان بحق حافظ زمانه، وإمام عصره. إلا أنه لم يسلم من اتهامات وجهها إليه بعض أتباع الفرق، وأعداء الإسلام، فاتهمه بعض الشيعة بالسير في ركاب الأمويين وإرضائهم بوضع ما يروق لهم من الأحاديث التي تثبت دعائم ملكهم، وترد على خصومهم، ويرى هؤلاء في ادعائهم هذا أن الأمويين استعانوا ببعض العلماء من الصحابة والتابعين لإلباس حكمهم ثوب المشروعية الدينية، وساعدوهم في نشر سلطانهم، وتلقف بعض المستشرقين هذه الأفكار، وبنوا عليها عليها أبحاثهم التي انتهت بنتائج تخالف النتائج التي وصل إليها العلماء المسلمون، فشكوا في كثير من الأخبار، وادعوا وضع كثير من أحاديث الصحاح (¬1)، واتهموا بعض الرواة بما لا يتفق مع الواقع التاريخي، وقد تولى كِبْرَ ذلك المستشرق (جولدتسيهر)، ولم يكن بحثه إلا حلقة في سلسلة الأبحاث التي ترمي إلى هدم الجانب التشريعي من الإسلام، فكما افترى أعداء الإسلام على الصحابي أبي هريرة، افتروا على التابعي ¬

_ (¬1) تعرضت لذلك ورددته في الفصل الثاني من الباب الثالث من هذا الكتاب، انظر ص 249 وما بعدها.

[رأي اليعقوبي وجولدتسيهر في ابن شهاب]:

المشهور الإمام الزهري، قاصدين من وراء ذلك تشكيك المسلمين في مروياتهم وهما اللذان رَوَيَا كَثِيرًا مِنَ الحَدِيثِ النَّبَوِيَّ، وَنَقَلاَ إلى التابعين وأتباعهم جانبًا عظيمًا من السُنَّةِ، فإذا ما شك المسلمون في أوثق الرواة وأحفظهم شَكُّوا في جميعهم واستهانوا بمروياتهم. وحينئذٍ يتحقق لأعداء الإسلام بعض هدفهم، وهو تخلي المسلمين وإعراضهم عن الحديث الشريف، الذي كَانَ تَطْبِيقًا عَمَلِيًّا للشريعة الإسلامية، وشرحًا وافيًا وبيانًا واضحًا للقرآن الكريم، فإذا أعرض المسلمون - لا سمح الله - عن السُنَّةِ اتسعت الهوة بينهم وبين الكتاب الكريم، وسهل على المبشرين زعزعة العقيدة في نفوس الناشئة، وبث الإلحاد الذي يجر وراءه العقائد الدخيلة، والنظريات التي تخدم أعداءنا، وفي هذا الطامة الكبرى والخسارة العظمى للمسلمين في دينهم ودنياه، ولولا خطورة هذه الشبهات وبعدها عن الحق ما تعرضنا لها، فكما رددنا ما أثير حول أبي هريرة من شبهات مصطنعة، وعرفنا وجه الصواب، نَرُدُّ ما أثير حول الزهري من شبهات أَيْضًا، ونحن في هذا لا نتعصب لأحد، وإنما نتوخى الحق وسواء السبيل، خدمة للسنة المطهرة. [رَأْيُ اليَعْقُوبِي وَجُولْدتْسِيهِرْ فِي ابْنِ شِهَابٍ]: (*) ---------------------------------------------- قال اليعقوبي (- 292 هـ) المؤرخ الشيعي: «ومنع عبد الملك أهل الشام من الحج، وذلك أن ابن الزبير كان يأخذهم، إذا حجوا، بالبيعة، فلما رأى عبد الملك ذلك منعهم من الخروج إلى مكة، فضج الناس، وقالوا: تمنعنا من حج بيت الله الحرام، وهو فرض من الله علينا، فقال لهم: هذا ابن شهاب الزهري يحدثكم أن رسول الله قال: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدُ بَيْتِ المَقْدِسِ» وهو يقوم لكم مقام المسجد الحرام، وهذه الصخرة التي يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع قدمه عليها، لما صعد إلى السماء، تقوم ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) هذا العنوان وضعه المؤلف في [فهرس الموضوعات]: ص 568

لكم مقام الكعبة، فبنى على الصخرة قبة، وعلق عليها ستور الديباج، وأقام لها سدنة، وأخذ الناس بأن يطوفوا حولها كما يطوفون حول الكعبة، وأقام بذلك أيام بني أمية» (¬1). وتبنى هذا الرأي (جولدتسيهر) وقد نقله أستاذنا الدكتور مصطفى السباعي في كتابه " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " عن مسودة لأستاذه الدكتور (علي حسن عبد القادر) كما ألقاه على طلابه في الدرس، ولا تزال المسودة بخط الدكتور (عبد القادر) محفوظة عند أستاذنا الدكتور السباعي. وقد رد عليه الدكتور السباعي رَدًّا عِلْمِيًّا، وَفَنَّدَ افتراءاته الكثيرة ودحضها بِحُجَجٍ علمية قوية، وأذكر هنا بعض ما جاء في مسودة الدكتور (عبد القادر) من رأي جولدتسيهر قال: (إن عبد الملك بن مروان منع الناس من الحج أيام فتنة ابن الزبير. وبنى قبة الصخرة في المسجد الأقصى ليحج الناس إليها ويطوفوا حولها بدلاً من الكعبة، ثم أراد أن يحمل الناس على الحج إليها بعقيدة دينية، فوجد الزُّهْرِيَّ وهو ذائع الصيت في الأُمَّة الاسلامية مستعدًا لأن يضع له أحاديث في ذلك، فوضع أحاديث، منها حديث: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى». ومنها حديث: «الصَلاَةُ فِي المَسْجِدِ الأَقْصَى تَعْدِلُ أَلْفَ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ» وأمثال هذين الحديثين. والدليل على أن الزُّهْرِي هو واضع هذه الأحاديث، أنه كان صديقًا لعبد الملك وكان يتردد عليه، وأنَّ الأحاديث التي وردت في فضائل بيت المقدس مروية من طريق الزُّهْرِي فقط ... ) (¬2). لم أعثر على ما ذهب إليه اليعقوبي في " تاريخه " في أي مصدر إسلامي موثوق ¬

_ (¬1) " تاريخ اليعقوبي ": ص 7، 8 جـ 3. (¬2) " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 369.

[1]-ليس من المعقول أن يمنع عبد الملك بن مروان أهل الشام من الحج:

به، فلم ينص الطبري، ولا ابن سعد، ولا ابن الأثير، ولا ابن كثير، ولا الذهبي - على شيء صريح مما ادَّعَاهُ اليعقوبي كما أنه لَمْ يَعْزُ لنا هذا الخبر إلى مصدره، وَيُرَجَّحُ عِنْدِي أَنَّ (جولدتسيهر) اطلع على رأي اليعقوبي، فرأى فيه ما يؤيد نظريته في وضع الحديث، تلك النظرية التي تَعَرَّضْتُ لها في بحث (الوضع في الحديث) وبينت بطلانها، فتعلق به، وسنعرض هذا الخبر على الحقائق التاريخية ونناقشه، ليظهر لنا وجه الحق فيه، وتتجلى لنا من هذا الخبر النقاط الآتية: 1 - منع عبد الملك أهل الشام من الحج. 2 - بنى عبد الملك قبة الصخرة في المسجد الأقصى ليحج الناس إليها بدلاً من الكعبة. 3 - حاول حمل الناس على ذلك، بوضع أحاديث مِنْ قِبَلِ الزُّهْرِيِّ المُحَدِّثِ المعروف في الأوساط الإسلامية. 4 - الدليل على أن الزهري هو واضع هذه الأحاديث أنه كان صديقًا لعبد الملك، وأنه كان يتردد عليه، وأن الأحاديث التي وردت في فضائل بيت المقدس مروية من طريق الزهري فقط. [1]- لَيْسَ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يَمْنَعَ عَبْدُ المَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَهْلَ الشَّامِ مِنَ الحَجِّ: (*) 1 - أما أن يمنع عبد الملك أهل الشام من الحج فغير معقول، لأن الحج فريضة على كل مسلم قادر، فكيف يعطل عبد الملك شعائر الله، ويمنع إقامتها، وقد عرف بالعبادة والصلاح، حتى عُدَّ من فقهاء المدينة، قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: «كَانَ فُقَهَاءُ المَدِينَةِ أَرْبَعَةً: سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ، وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَقُبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ، وَعَبْدَ المَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ» (¬1). وَقَالَ نَافِعٌ: «لَقَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ المَلِكِ ¬

_ (¬1) " الكامل ": ص 103، 104 جـ 4. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) اقتبست هذه العناوين التي عنون لها المؤلف وأوردها في فهرس الموضوعات: ص 568.

[2]- لم تذكر المصادر الإسلامية أن عبد الملك هو الذي بنى قبة الصخرة:

ابْنَ مَرْوَانَ وَمَا بِالمَدِينَةِ شَابٌّ أَشَدُّ تَشْمِيرًا وَلا أَطْلُبُ لِلْعِلْمِ مِنْهُ» (¬1)، ولا يعقل أن يمنع عبد الملك أهل الشام من الحج وفيهم أئمة التابعين، ويسكتون عنه فلا ينكرون عليه أو يشقون عصا الطاعة. وهناك ما يثبت أن عبد الملك لم يمنع أهل الشام من الحج، فقد ورد في الطبري: «وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ - (سَنَةَ 68 هـ) - وَافَتْ عَرَفَاتَ أَرْبَعَةُ أَلْوِيَةٍ، قََالَ مُحَمَّدٌ بْنَ عُمَرَ: حَدَّثَنِي شُرَحْبِيلُ بْنُ أَبَي عَوْنٍ عَنْ أَبِيهِ قََالَ: وَقَفَتْ فِي سَنَةِ (68 هـ) بعَرَفَاتٍ أَرْبَعَةُ أَلْوِيَةٍ: ابْنُ الحَنَفِيَّةِ فِي أَصْحَابِهِ فِي لِوَاءٍ ... وَابْنُ الزُبَيْر فِي لِوَاءٍ ... وَنَجْدَةَ الحَرُورِيِّ خَلْفَهُمَا، ولِوَاءُ بَنِي أُمَيَّةَ عَنْ يَسَارِهِمَا» (¬2)، [2]- لَمْ تَذْكُرْ المَصَادِرُ الإِسْلاَمِيَّةُ أَنَّ عَبْدَ المَلِكِ هُوَ الذِي بَنَى قُبَّةَ الصَّخْرَةِ: لم تذكر المصادر الإسلامية أن عبد الملك هو الذي بنى قبة الصخرة، بل ذكرت ابنه الوليد (¬3)، ويقول الدكتور مصطفى السباعي: «ولم نجدهم ذكروا ولو رواية واحدة نسبة بنائها إلى عبد الملك، ولا شك أن بناءها - كما يزعم جولدتسيهر - لتكون بمثابة الكعبة يحج الناس إليها بدلاً من الكعبة، حادث من أكبر الحوادث وأهمها في تاريخ الإسلام وَالمُسْلِمِينَ فلا يعقل أن يمر عليه هؤلاء المُؤَرِّخُونَ مَرَّ الكرام، وقد جرت عاداتهم أَنْ يُدَوِّنُوا ما هو أقل من ذلك خَطَرًا أو أهمية، كتدوينهم وفاة العلماء وتولي القضاء وغير ذلك، فلو كان عبد الملك هو الذي بناها لذكروها، ولكنا نراهم ذكروا بناءها في تاريخ الوليد، وهؤلاء مُؤَرِّخُونَ أثبات في كتابة التاريخ، نعم جاء في كتاب " [حياة] الحيوان " للدميري نقلاً عن ابن خلكان: أن عبد الملك هو الذي بَنَى القُبَّة وعبارته هكذا: «بَنَاهَا عَبْدُ المَلِكِ وَكَانَ النَّاسُ ¬

_ (¬1) " طبقات ابن سعد ": ص 174 جـ 5. (¬2) " تاريخ الطبري ": ص 595 جـ 4. (¬3) انظر " الكامل " لابن الأثير: ص 137 جـ 4، و" البداية والنهاية ": ص 165 جـ 9.

يَقِفُونَ عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ» ورغمًا عما في نسبة بنائها لعبد الملك من ضعف، ومن مخالفته لما ذكره أئمة التاريخ، فإن هذا النص لا غبار عليه، وليس فيه ما يدل على أنه بناها ليفعل الناس ذلك، بل ظاهره أنهم كانوا يفعلون من تلقاء أنفسهم، وليس فيه ذكر الحج عند القُبَّةِ بَدَلاً من الكعبة، بل فيه الوقوف عندها يوم عرفة، وهذه العادة كانت شائعة في كثير من أمصار الإسلام نص الفقهاء على كراهتها، وفرق كبير بين الحج إليها بَدَلاً من الكعبة، وبين الوقوف عندها تَشَبُّهًا بوقوف الحج في عرفة، ليشارك من لم يستطع الحج الحُجَّاجَ في شيء من الأجر والثواب، ولم يكن ذلك مقصورًا على قُبَّةِ الصَّخْرَةِ، بل كان كل مصر إسلامي يخرج أهله يوم عرفة إلى ظاهر البلد فيقفون كما يقف الحُجَّاجُ» (¬1). ثم إن بناء عبد الملك قبة الصخرة ليحج الناس إليها بدلاً من الحج إلى البيت الحرام كُفْرٌ صَرِيحٌ لا يمكن أن يصدر عن مثله، وهو الذي عرفنا مكانته العلمية وورعه. ومما يدل على بطلان ما ادعاه (جولدتسيهر) موقف خصوم الأمويين من عبد الملك، الذين لم يذكروا شيئًا من هذا في طعونهم له، ولو صح بعض ما ادعاه اليعقوبي و (جولدتسيهر) لكان إعلان تكفير عبد الملك والتشهير به أول الطعون التي توجه إليه لاجترائه - حسب ادعاء جولدتسيهر - على حرمات الله، والعبث بشعائر الإسلام. ومما يدل على تحامل المستشرق (جولدتسيهر) على الأمويين، وعلى عبد الملك، وعلى الإمام الزهري - موقف غيره من المستشرقين الذين رَجَّحُوا ¬

_ (¬1) " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 399، 400.

الرأي القائل بأن عبد الملك هو الذي بنى قبة الصخرة، ولكنهم لم يذهبوا إلى ما ذهب إليه (جولدتسيهر) في ادِّعَائِهِ (¬1) الذي افتراه على عبد الملك، وإن كان أكثرهم يعتقد سُوءًا في بني أمية، يقول المستشرق (يوليوس فلهوزن): «وَلِكَيْ يَزِيدَ خُلَفَاءُ بَنِي أُمَيَّةَ فِي رُجْحَانِ كَفَّةِ الشَّامِ مِنَ النَّاحِيَةِ السِّيَاسِيَّةِ حَاوَلُوا فِيمَا حَاوَلُوا نَقْلَ مَرْكَزَ الشَّعَائِرِ الدِّينِيَّةِ إِلَى الشَّامِ، وَكَانَ مِمَّا اسْتَوْجَبَ ذَلِكَ، أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ ظَلَّ يَحْتَلُّ البَيْتَ الحَرَامَ فِي مَكَّةَ قُرَابَةً مِنَ عَشْرِ سِنِينَ، فَلَمْ يَكُنْ أَهْلُ الشَّامِ يَسْتَطِيعُونَ الحَجَّ، مَا دَامُوا عَلَى وَلاَئِهِمْ لِلأُسْرَةِ الأُمَوِيَّةِ إِلاَّ بِمَشَقَّةٍ، وَقَدْ اسْتَغَلَّ عَبْدُ المَلِكِ ذَلِكَ لِمَنْعِ رَعَايَاهُ مِنَ الحَجِّ إِلَى مَكَّةَ، وَحَضَّهُمْ عَلَى أَنْ يَحُجُّوا إِلَى بَيْتِ اللهِ المُقَدَّسِ بَدَلاً مِنَ أَنْ يَحُجُّوا إِلَى مَكَّةَ، وَهَذَا مَا يَحْكِيهِ (أُوتِيخْيُوسْ) (*) عَلَى الأَقَلِّ فِي كِتَابِهِ " التَّارِيخْ "، أَمَّا الذِي لاَ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ أَنَّ عَبْدَ المَلِكِ جَهَدَ فِي أَنْ يَجْعَلَ لِبَيْتِ المَقْدِسِ - بِاعْتِبَارِهِ مَكَانًا مُقَدَّسًا فِي نَظَرِ الإِسْلاَمِ - مَظْهَرًا أَرْوَعَ مِمَّا كَانَ لَهُ. وَذَلِكَ أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى صِدْقِ الرِّوَايَةِ القَائِلَةِ بِأَنَّهُ هُوَ الذِي بَنَى قُبَّةَ الصَّخْرَةِ مَوْجُودٌ فِي النَّقْشِ الذِي لاَ يَزَالُ بَاقِيًا فِي الجُزْءِ القَدِيمِ مِنْ هَذَا البِنَاءِ، أَمَّا النَّقْشُ الحَالِيُّ فَيُذْكَرُ فِيهِ اسْمَ المَأْمُونِ الخَلِيفَةَ العَبَّاسِيَّ، عَلَى أَنَّهُ هُوَ البَانِي، وَلَكِنَّ (دِي فُوجِي) اكْتَشَفَ أَنَّ اسْمَ المَأْمُونِ إِنَّمَا أُدْخِلَ فِي النَّقْشِ الأَصْلِيِّ مِنْ طَرِيقِ تَصْحِيحٍ لِكِتَابَةٍ سَابِقَةٍ. وَقَدْ فَاتَ عَلَى المُصَحِّحِينَ أَنْ يُصَحِّحُوا التَّارِيخَ القَدِيمَ الذِي يُبَيِّنُ السَّنَةَ التِي كَانَ فِيهِ البِنَاءُ. وَيُمْكِنُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ النَصَّ الأَصْلِيَّ عَلَى القَطْعِ هَكَذَا: " بَنَى هَذِهِ القُبَّةَ فِي سَنَةِ 72 هـ عَبْدُ اللهِ عَبْدُ المَلِكِ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ» (¬2). ¬

_ (¬1) انظر " المغازي الأولى ومؤلفوها " حيث بَيَّنَ المستشرق (يوسف هوروفتش) رأيه في هذا ص 52. (¬2) " تاريخ الدولة العربية من ظهور الإسلام إلى نهاية الدولة الأموية ":: ص 206، 207. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) أوتخيوس أو أفتيخيوس المصري: البطريرك الملكاني (سعيد بن البطريق) صاحب كتاب "التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق" قال عنه فنديك: «ويسمى أَيْضًا سعد ابن البطريق توفي سنة 939م وكان بَطْرِيَرْكْ الملكيين بالإسكندرية. اعتنى بطبع تاريخه العلامة بوكوك في 2ج في مدينة أوكسفورد من 1658 الى 1659م واسمه " نظم الجواهر ". وطبعت مقتبسات منه في بطرسبرج سنة 1883م وأكثرها في تأريخ البلغاريين والروسيين في أقدم مدته». [نقلاً عن كتاب " اكتفاء القنوع بما هو مطبوع " ادوارد كرنيليوس فانديك (المتوفى: 1313هـ)، صححه وزاد عليه: السيد محمد علي الببلاوي، ص 77، طبعة سنة: 1313 هـ - 1896 م، نشر مطبعة التأليف (الهلال)، مصر].

[3]- لم يحمل عبد الملك الناس على الحج إلى المسجد الأقصى والزهري أرفع من أن يكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم -:

وفرق كبير بين أن يعتني عبد الملك ببيت المقدس، ويطهره ويجعل له مظهرًا أروع مما كان له - وبين أن يجعله كعبة المسلمين، وهذا ما اعترف به (فلهوزن) وعقب به على رأي (أوتيخيوس) الذي يتفق مع رأي جولدتسيهر. فلو صح نسبة بناء القبة إلى عبد الملك - وهو رأي يخالف المصادر الإسلامية الموثوق بها ومبني على مجرد التخمين والاستنتاج - لكان قد بناها واعتنى بالمسجد الأقصى لمكانته عند المسلمين، وهو أقدس الأماكن التي كانت تقع تحت سلطان عبد الملك آنذاك. ومما يؤكد لنا أنه لم يحمل أحدًا على الحج إليه، بل كان عمله مجرد احترام لذلك المسجد - ما قام به بعد انتصاره على ابن الزبير سَنَةَ (73 هـ) حين أمر بإعادة بناء الكعبة كما كانت عليه في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإزالة ما أدخله ابن الزبير في بنائها سَنَةَ (64 هـ)، فمن الواجب أن يفرق بين اعتنائه بالمسجد الأقصى وجعله مَحَجًّا للمسلمين. [3]- لَمْ يَحْمِلْ عَبْدُ المَلِكِ النَّاسَ عَلَى الحَجِّ إِلَى المَسْجِدِ الأَْقْصَى وَالزُّهْرِيُّ أَرْفَعُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أما أنه حاول أن يحمل الناس على الحج إلى المسجد الأقصى بمساعدة الزهري الذي وضع له الأحاديث في ذلك فغير صحيح قطعًا، وَسَنُثْبِتُ هذا من طريقين: الأول في بيان صلة الزهري بالأمويين، والثاني في استحالة هذا تاريخيًا. (أ) صِلَةُ الزُّهْرِيِّ بِالأُمَوِيِّينَ: ---------------------------- صحيح أن الزهري كان يتردد بين الحجاز والشام، وكان يدخل على خلفاء بني أمية، ولكنه لم يكن ذلك الرجل الذي يستجدي أكفهم، أو الذي يبيع دنياه بدينه، فالزهري أرفع بكثير مما يتصوره أعداء الإسلام والزهري أسمى مما يراه اليعقوبي، و (جولدتسيهر) وغيرهما، فقد كان الإمام

الزهري رجل صلاح واستقامة، يبين للخلفاء الحق مهما كان مُرًّا، وكان يحملهم على سواء السبيل ولا يداهنهم أو يمالئهم، ومن هذا ما رواه ابن عساكر بسنده إلى الإمام الشافعي عن عمه قال: دَخَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَلَى هِشَامٍ فَقَالَ: «يَا سُلَيْمَانُ، مَنْ الذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ؟» فَقَالَ لَهُ: «عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بْنِ سَلُولٍ»، فَقَالَ لَهُ: «كَذَبْتَ هُوَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ»، قَالَ: «أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ»، فَدَخَلَ ابْنُ شِهَابٍ، فَقَالَ لَهُ: «مَنْ الذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ؟» فَقَالَ لَهُ: «عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بْنِ سَلُولٍ»، فَقَالَ لَهُ: «كَذَبْتَ هُوَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ»، فَقَالَ لَهُ: «أَنَا أَكْذِبُ، لاَ أَبًا لَكَ؟ فَوَاللهِ لَوْ نَادَانِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنَّ اللهَ أَحَلَّ الكَذِبَ مَا كَذَبْتُ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الوَلِيدِ وَسََعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَعَلْقَمَةُ بْنَ وَقَّاصٍ كُلُّهُمْ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ الذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ»، فَلَمْ يَزَلْ القَوْمُ يُغِرُّونَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ: «ارْحَلْ فَوَاللهِ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَحْمِلَ عَنْ مِثْلِكَ»، فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «وَلِمَ ذَاكَ؟ أَنَا اغْتَصَبْتُكَ عَلَى نَفْسِي، أَوْ أَنْتَ اغْتَصَبْتَنِي عَلَى نفسي؟ فَخَلِّ عَنِّي»، فَقَالَ لَهُ: «لاَ، وَلَكِنَّكَ اسْتَدَنْتَ أَلْفَيْ أَلْفٍ»، فَقَالَ: «قَدْ عَلِمتَ وَأَبُوكَ قَبْلَكَ أَنِّي مَا اسْتَدَنْتُ هَذَا المَالَ عَلَيْكَ وَلاَ عَلَى أَبِيكَ»، فَقَالَ: «إِنَّا نُهِيِّجَ الشَّيْخَ فَيَهْتَمَّ (¬1) الشَّيْخُ»، ثُمَّ أَمَرَ (¬2) فَقَضَى عَنْهُ مِنْ دَيْنِهِ أَلْفَ أَلْفٍ. وَأُخْبِرَ (¬3) بِذَلِكَ، فَقَالَ: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَذَا هُوَ مِنْ عِنْدِهِ» (¬4)، (¬5). ¬

_ (¬1) في الأصل يهتم، وما أثبتناه أصوب لغة. (¬2) في الأصل (فَآمَرَ). في الأصل (فَأُخْبِرَ) وآثرنا تصحيحه كما أثبتناه لتستقيم العبارة. (¬3) في الأصل (فَآمَرَ). في الأصل (فَأُخْبِرَ) وآثرنا تصحيحه كما أثبتناه لتستقيم العبارة. (¬4) هكذا النص. (¬5) " تاريخ دمشق ": ص 594، 595 جـ 31.

هذا ابن شهاب، وهكذا كانت صلته بالأمويين، فهل يعقل أن يكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -!! وهو الذي أبى أن يداهن الخليفة هشام بن عبد الملك، بل قال له - حين كانت السلطة بيده - «لاَ أَبًا لَكَ. فَوَاللهِ لَوْ نَادَانِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنَّ اللهَ أَحَلَّ الكَذِبَ مَا كَذَبْتُ»، ابن شهاب يخاطب أمير المؤمنين، بل يشتمه عندما يخالف الحق، وهل أقسى من عبارة «لاَ أَبًا لَكَ»، وهل أجرأ من ابن شهاب بعد هذا؟ وهل صدق - بعد هذا - دعوى أعداء الإسلام وافتراءاتهم على إمام عصره وحافظ زمانه؟. قال الإمام الأوزاعي: «مَا أَدْهَنَ ابْنُ شِهَابٍ قَطُّ لِمَلِكٍ دَخَلَ عَلَيْهِ» (¬1). وقال أيوب: «لَوْ كُنْتُ كَاتِبًا الحَدِيثَ عَنْ أَحَدٍ كُنْتُ كَاتِبَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ، مِنْ رَجُلٍ أَحْيَى عِلْمَ تِلْكَ البَلْدَةِ، مِنْ رَجُلٍ يَصْحَبُ السُّلْطَانَ» (¬2). وأما ما روي عن يزيد بن يحيى أنه قال: «قَلَّ قَلِيلُهُ أَيُّ رَجُلٍ هُوَ لَوْلاَ أَنَّهُ أَفسَدَ نَفْسَه بِصُحبَةِ المُلُوْكِ» (¬3)، فهذا الخبر ضعيف وَاهٍ لا يعتمد عليه، ففي إسناده مجهولون، وفي إسناده العباس بن الوليد بن صبيح الخلال الدمشقي، قال الآجري: «سَأَلْتُ أَبَا دَاوُدَ عَنْهُ فَقَالَ: كَانَ عَالِمًا بِالرِّجَالِ وَالأَخْبَارِ لاَ أُحَدِّثُ عَنْهُ» (¬4). ويزيد بن يحيى بن الصباح نفسه لا يعرف، وقال أبو حاتم: «لَيْسَ بِالقَوِيِّ» (¬5). ¬

_ (¬1) " تاريخ دمشق ": ص 593 جـ 31. (¬2) " تاريخ دمشق ": ص 593 جـ 31. (¬3) " تاريخ دمشق ": ص 593 جـ 31. (¬4) " ميزان الاعتدال ": ص 20 ترجمة 145 جـ 2. (¬5) المرجع السابق: ص 318 ترجمة 2739 جـ 3.

(ب) استحالة ما ادعاه اليعقوبي و (جولدتسيهر) تاريخيا:

فَصِلَةُ الزهري بالأمويين صلة شريفة سامية، صلة العالم الصدوق الذي لا يخشى في الله لومة لائم. ولا يرد علينا هنا أنه كان يُعَلِّمُ أبناء هشام بن عبد الملك، وأنه ولي القضاء ليزيد بن عبد الملك، فأي شيء يضيره في تعليم أبناء الخليفة وتهذيبهم؟ وأي شيء ينقصه إذا أدب أبناء أولي الأمر وفقههم، ونشأهم النشأة الإسلامية الصحيحة؟ إن في هذا خدمة كبيرة للإسلام والمسلمين، حين يرضى الزهري أن يتعهد أبناء الخليفة بالعناية والرعاية والعلم، ويجنبهم اللهو والانغماس في الشهوات، فهم الذين سيتولون أمور الأمة، ويوجهون سياستها، ولكن أعداء الإسلام لا يسرهم أن يروا ابن شهاب معلمًا شريفًا، ومؤدبًا حكيمًا وقد افتخر به ابن حبيب، فذكره مع أشراف المعلمين وفقهائهم. وأي عيب يقترفه الزهري إذا ولي القضاء، وهو الرجل الذي عرفنا استقامته ونزاهته وعدالته. هذا هو وجه الإمام الزهري في علاقته مع البيت الحاكم، وجه مشرق نير، ورأس مرفوع إلى العلياء، لم تخفضه يومًا مِنَّةُ الملوك، ولم تنطفئ نضارته وإشراقته أياديهم عليه، وذلك سلوكه مع أمراء المؤمنين وولاتهم، لا تعتريه شائبة ولا يتناوله شك. كل هذا ينفي عن إمامنا تهمة وضعه الحديث، لإرضائهم ودعم ملكهم. وَقَدْ أَثْبَتُّ سَابِقًا أن الأمويين لم يشجعوا الوضع (¬1). (ب) اِسْتِحَالَةُ مَا ادَّعَاهُ اليَعْقُوبِي وَ (جُولْدْتْسِيهِرْ) تَارِيخِيًّا: قال (جولدتسيهر): «فَوَجَدَ - عَبْدُ المَلِكِ - الزُّهْرِيَّ وَهُوَ ذَائِعُ الصِّيتِ فِي ¬

_ (¬1) انظر ص 445، 446 من هذا الكتاب. ِِِِ

الأُمَّةِ الإِسْلاَمِيَّةِ مُسْتَعِدًّا لأَنْ يَضَعَ لَهُ أَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ، فَوَضَعَ أَحَادِيثَ، مِنْهَا ... ». هذا غير معقول، لأن ابن شهاب ولد سَنَةَ (50 هـ) على أرجح الأقوال. وكانت الخصومة بين ابن الزبير وعبد الملك بن مروان بين عامي (65 و 73 هـ). فإذا كان عبد الملك قد بنى قبة الصخرة - حسب ما ذهب إليه بعض المستشرقين - سَنَةَ (72 هـ)، فيكون عمر الزهري آنذاك (22) اثنتين وعشرين سَنَةً، ولم يكن بعد مشهورًا، بل ما زال في مقتبل العمر يطلب العلم، لم يصل إلى مرتبة الشهرة في الأمة الإسلامية، وكان هناك من هو أشهر منه، من كبار التابعين، كسعيد بن المسيب، وقبيصة بن ذؤيب، والقاسم بن محمد وغيرهم، لم يحاول عبد الملك أن يستغل واحدًا منهم، عِلْمًا بأن قُبيصة بن ذؤيب كان على خاتمه، ومن كبار العلماء حوله. وابن شهاب - فوق هذا - لم يفد على عبد الملك قبل سَنَةِ ثمانين، قال الليث بن سعد: «وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ قَدِمَ ابْنُ شِهَابٍ عَلَى عَبْدِ المَلِكِِ (¬1)، وَهِيَ السَّنَةُ التِي ذَكَرَهَا ابْنُ شِهَابٍ نَفْسَهُ فَقَالَ: " قَدِمْتُ زَمَنَ تَحَرُّكِ ابْنِ الأَشْعَثِ "» (¬2). فهل يضع الزهري الحديث بعد وفاة ابن الزبير بتسع سنين؟؟ ولو فرضنا أن الزهري وفد على عبد الملك قبل استشهاد ابن الزبير، ووضع هذا الحديث على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليحمل الناس على الحج إلى المسجد الأقصى - فهل يصدقه الناس؟ وهل يسكت عنه صغار الصحابة وكبار التابعين في دمشق؟ بل هل يسكت عنه علماء الحجاز والأمصار الأخرى؟ وهل يعقل أن يخفى على الأمة صحة هذا الحديث، وفي الأمة علماء ¬

_ (¬1) انظر " تاريخ دمشق ": ص 491 جـ 31. (¬2) " التاريخ الصغير ": ص 93.

[4]- لم يكن الزهري صديقا قديما لعبد الملك، ولم يتفرد وحده برواية الأحاديث التي وردت في فضائل بيت المقدس:

الحفاظ، الجهابذة النحارير، والنقاد الأشداء! هل يعقل أن يضع ابن شهب حديثًا يُغَيِّرُ به مناسك الحج - كما يزعم جولدتسيهر - ثم يثق به العلماء وطلاب العلم، وتزدحم عليه الجموع لتأخذ عنه كلما جاء إلى المدينة، ويتركون كبار التابعين وشيوخ الصحابة؟؟ وهل خفي على الأمة كلها جيلاً بعد جيل، ما اقترفه ابن شهاب، ليكتشفه اليعقوبي ويؤيده جولدتسيهر؟؟؟ أم أن كل من أخذوا عنه، وتلقوا العلم في حلقاته لا يعقلون!!!؟؟ أم أن من ابتدأ هذا الخبر مفتر ومن أيده متحامل لا يتوخى الحقيقة العلمية!!؟. لو صح شيء مما افتراه هؤلاء على الزهري لصرح به النقاد، وتركوا حديثه، وحذروا طلاب العلم منه، أو على أقل تقدير يثور عليه شيخه سعيد بن المسيب الذي روى الحديث المذكور عنه، ولكن شيئًا من هذا لم يكن، فظهر بطلان ما ادعوا وافتراء ما اقترفوا. [4]- لَمْ يَكُنْ الزُّهْرِيُّ صَدِيقًا قَدِيمًا لَِعَبْدِ المَلِكِ، وَلَمْ يَتَفَرَّدْ وَحْدَهُ بِرِوَايَةِ الأَحَادِيثِ التِي وَرَدَتْ فِي فَضَائِلِ بَيْتِ المَقْدِسِ: 4 - استدل جولدتسيهر على صحة ما ادعاه من أن الزهري هو الذي وضع أحاديث بيت المقدس، بأنه كان صديقًا لعبد الملك، وأنه كان يتردد عليه، وأن الأحاديث التي وردت في فضائل بيت المقدس مروية من طريق الزهري فقط، وهذا مردود تنفيه الآثار، وتدحضه الأخبار التاريخية، فالزهري عندما قدم دمشق أدخله قبيصة بن ذؤيب على عبد الملك، ليروي له (قضاء عمر في أمهات الأولاد)، فسأله عبد الملك عن نسبه، وذكره بأن أباه اشترك في الثورة مع ابن الزبير، وأمره بطلب العلم ... فلو كان صديقًا لعبد الملك لا يحتاج إلى من يدخله عليه. كما لا يحتاج إلى أن يسأله عن نسبه، ويوصيه بطلب العلم. ثم كيف نصدق نشوء صداقة بين عبد الملك والزهري؟ إذا كان مولد عبد الملك سَنَةَ (26هـ) ست وعشرين من الهجرة، وانتقاله مع أبيه إلى الشام سَنَةَ (64 هـ) أربع وستين،

حين لم يجاوز الزهري آنذاك أربعة عشر عامًا، فهل يعقل أن تنشأ صداقة بين رجل في الثامنة والثلاثين من عمره مع غلام في الرابعة عشرة؟ فاتفق العقل والنقل على عدم صحة قيام صداقة بين عبد الملك وابن شهاب قبل قدومه إلى دمشق. ثم إن حديث «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ ... » روي من طرق مختلفة كثيرة غير طريق الزهري، فلم ينفرد به ابن شهاب، وَرَوَتْهُ كُتُبُ السُنَّةِ كلها. فقد أخرجه الإمام البخاري من غير طريق الزهري عن أبي الوليد عن شعبة بن الحجاج عن عبد الملك عن قزعة مولى زياد عن أبي سعيد الخدري (¬1). وأخرجه مسلم من ثلاث طرق، إحداها من طريق الزهري، والثانية عن قتيبة بن سعيد وعثمان بن أبي شيبة جَمِيعًا عن جرير عن عبد الملك بن عمير، عن قزعة، عن أبي سعيد الخدري (¬2)، والثالثة عن هارون بن سعيد الأيلي عن ابن وهب عن عبد الحميد بن جعفر عن عمران بن أبي أنس، عن سلمان الأغر، عن أبي هريرة (¬3). وأخرجه الإمام أحمد والإمام مالك، والترمذي وأبو داود والدارمي والنسائي وابن ماجه (¬4). فالزهري لم ينفرد بهذا الحديث، كما زعم جولدتسيهر، ولم يضعه إرضاء ¬

_ (¬1) " صحيح البخاري بحاشية السندي ": ص 207 و 341 جـ 1. (¬2) " صحيح مسلم ": ص 975، 976 حديث 415 جـ 2. (¬3) المرجع السابق: ص 1015 حديث 513 جـ 2. (¬4) انظر " مفتاح كنوز السنة ": مادة (المدينة) ص 461.

لعبد الملك، بل شاركه في روايته غيره من كبار الصحابة والتابعين ومن تبعهم، فالحديث صحيح لا ريب فيه، وزعم اليعقوبي وجولدتسيهر باطل لا أصل له. وهكذا خرج الإمام الزهري مما أحيط به من افتراءات واتهامات مرفوع الرأس، يكلله غار النصر، يتمتع بالثقة التامة عند جميع المسلمين، ورواد البحث العلمي النزيه. ويكفيه فَخْرًا أَنْ حَفِظَ السُنَّةَ سَبْعِينَ عَامًا، وساهم في تدوينها ونشرها وتعليمها. وقد خَلَّدَ التاريخ ذكره في مصاف العلماء العاملين، والحفاظ المتقنين. * * *

(4) - نافع مولى ابن عمر (00 - 117 هـ):

(4) - نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (00 - 117 هـ): (*) أبو عبد الله العدوي المدني مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، أحد أعلام التابعين. قيل أصله من المغرب. وقيل من الديلم شمالي العراق، أسر في أحد الحروب بين المسلمين والفرس فكان من نصيب عبد الله بن عمر، فلزمه ما يقرب من ثلاثين سَنَةً، تعلم خلالها القرآن والسنة. روى عن ابن عمر وأبي هريرة وأبي سعيد الخُدري ورافع بن خُديج، وعن عائشة وأم سلمة، وعبد الله وعبيد الله وزيد أولاد عبد الله بن عمر، وعن القاسم بن محمد، وأسلم مولى عمر، وعبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق وغيرهم. روى عنه من التابعين أبو إسحاق السبيعي والحكم بن عيينة، ويحيى الأنصاي ومحمد بن عجلان والزهري، وصالح بن كيسان وأيوب وحُميد الطويل، وميمون بن مهران وموسى بن عقبة وابن عون والأعمش وغيرهم. وروى عنه من غير التابعين ابن جُرَيْجٍ والأوزاعي ومالك والليث بن سعد ويونس بن عبيد، وبنوه عبد الله وعمر وأبو بكر، وابن أبي ليلى وكثير غيرهم. كان كثير الحديث ثقة ضابطًا صحيح الرواية، لا يعرف له خطأ في جميع ما رواه. قال عبد الله بن عمر: «لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بِنَافِعٍ». وقال مالك ¬

_ (*) " تاريخ الإسلام ": ص 10 جـ 5، و" تهذيب التهذيب ": ص 412 جـ 10. و" الجمع بين رجال الصحيحين ": ص 528 جـ 2، و" تذكرة الحفاظ ": ص 94 جـ 1، و" خلاصة " الخزرجي: ص 400.

ابن أنس: «كُنْتُ إذَا سَمِعْتُ مِنْ نَافِعٍ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ لاَ أُبَالِي أَنْ لاَ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِهِ». وبلغ نافع مرتبة رفيعة من العلم فاختاره عمر بن عبد العزيز، وبعثه إلى مصر ليعلمهم السَّنَنَ. توفي نافع - رَحِمَهُ اللهُ - بالمدينة سَنَة (117 هـ) على أرجح الأقوال. قال الإمام البخاري: «أَصَحُّ الأَسَانِيدِ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ». وسمى المحدثون هذا الإسناد سلاسل الذهب. * * *

(5) - عبيد الله بن عبد الله بن عتبة (00 - 98 هـ):

(5) - عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ (00 - 98 هـ): (*) هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الذهلي المدني التابعي الجليل، أحد الفقهاء السبعة، كان إمام المدينة في زمانه، اتفق العلماء على إمامته وجلالته، وإتقانه للحديث، وكثرة حفظه وضبطه له، وكان ابن عباس يكرمه، وفيه قال الإمام الزهري: «مَا جَالَسْتُ عَالِمًا إِلاَّ رَأَيْتُ أَنِّي أَتَيْتُ عَلَى مَا عِنْدَهُ، إِلاَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عُتْبَةٍ، فَإِنِّي لَمْ آتِهِ إِلاَّ وَجَدْتُ عِنْدَهُ عِلْمًا طَرِيفًا»، وَلِعُلُوِّ مكانته وغزارة علمه اختاره عبد العزيز بن مروان مؤدبًا لولده عمر بن عبد العزيز، قال ابن سعد: «كَانَ ثِقَةً عَالِمًا فَقِيهًا كَثِيرَ الحَدِيثِ»، وإلى جانب هذا كله له شعر جيد، أورد منه أبو الفرج في " أغانيه ". تلقى عبيد الله علمه عن كثير من الصحابة، منهم عبد الله بن عباس وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وأبو سعيد الخدري، وأبو واقد الليثي، وزيد بن خالد، وعائشة، وفاطمة بنت قيس، وأم قيس بن محصن، وغيرهم من الصحابة. وروى عنه كثير من التابعين أشهرهم الإمام الزهري، وصالح بن كيسان وأبو الزناد وغيرهم. وقد كُفَّ بصره وتوفي بالمدينة سَنَةَ (98 هـ) على أرجح الأقوال. * * * ¬

_ (*) " تذكرة الحفاظ ": ص 74 جـ 1، و" سير أعلام النبلاء "، مخطوط: ص 258، 259 قسم 2 جـ 4، و" الجمع بين رجال الصحيحين ": ص 301 جـ 1، و" تهذيب التهذيب ": ص 23 جـ 7، و" خلاصة " الخزرجي: ص 251، و" الأغاني ": ص 139 جـ 9.

(6) - سالم بن عبد الله بن عمر (00 - 106 هـ):

(6) - سَالِمٌ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (00 - 106 هـ): (*) هو التابعي الجليل أبو عبد الله سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، كان إمامًا عاملاً زاهدًا، يلبس الثوب بدرهمين، وكان أبوه عبد الله يقبله ويقول: «شَيْخٌ يُقَبِّلُ شَيْخًا»، تلقى علمه في المدينة، وسمع من الصحابة، فروى عن أبيه وعن أبي أيوب الأنصاري، وأبي هريرة، وعائشة أم المؤمنين. وروى عنه من التابعين عمرو بن دينار، ونافع مولى ابن عمر، والزهري، وموسى بن عقبة، وحُميد الطويل، وصالح بن كيسان، وغيرهم، وروى عنه كثير من أتباع التابعين. ولعلمه وجلالته عَدُّوهُ من الفقهاء السبعة، وكان ذا مكانة رفيعة حتى إن سليمان بن عبد الملك رحب به، وأقعده على سريره. قال محمد بن سعد: «كَانَ سَالِمٌ كَثِيرَ الحَدِيثِ عَالِيًا فِي الرِّجَالِ وَرِعًا»، وقال إسحاق بن راهويه: «أَصَحُّ الأَسَانِيدِ: الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ». توفي بالمدينة سَنَةَ (106 هـ). * * * ¬

_ (*) " طبقات ابن سعد ": ص 144 - 149 جـ 5، و" تذكرة الحفاظ ": ص 83 جـ 1، و" سير أعلام النبلاء ": ص 254 - 257 قسم 2 جـ 4، و" تهذيب ابن عساكر ": ص 50 جـ 6، و" حلية الأولياء ": ص 193 جـ 2، و" تهذيب التهذيب ": ص 436 جـ 3، و" الجمع بين رجال الصحيحين ": ص 188 جـ 1.

(7) - إبراهيم بن يزيد النخعي (46 - 96 هـ):

(7) - إبراهيم بن يزيد النخعي (46 - 96 هـ): (*) هو أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي الكوفي، أحد أعلام التابعين كان حافظًا، كثير الحديث، فقيهًا، صالحًا قليل التكلف، يتوقى الشهرة، دخل على السيدة عائشة أم المؤمنين صغيرًا قبل أن يحتلم عندما كان يحج مع عمه وخاله علقمة والأسود. وسمع من علقمة وَخَالَيْهِ الأسود وعبد الرحمن ابني يزيد، وروى عن مسروق وأبي معمر وهمام بن الحارث وشريح القاضي وغيرهم، ولم يثبت له سماع من عائشة. وروى عنه جماعة من التابعين منهم الأعمش، ومنصور بن المعتمر، وعبد الله بن عون، وحماد بن أبي سليمان، ومغيرة بن مقسم الضبي، وحبيب بن أبي ثابت، وسماك بن حرب وغيرهم. وإبراهيم - وإن لم يُحَدِّثْ عن أحد من الصحابة مع أنه أدرك جماعة منهم - كان على جانب عظيم من العلم، وشهد له بذلك كبار علماء عصره، قال الشعبي حين توفي إبراهيم: «مَا تُرَكَ أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْهُ أَوْ أَفْقَهَ، قِيلَ وَلاَ الحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ!؟ قَالَ: وَلاَ الحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ، وَلاَ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ، وَلاَ الكُوفَةِ، وَلاَ الحِجَازِ وَلاَ الشَّامَ». ¬

_ (*) " طبقات ابن سعد ": ص 188 - 199 جـ 6، و" تاريخ الإسلام ": ص 335 جـ 3، و" تذكرة الحفاظ ": ص 69 جـ 1، و" تهذيب التهذيب ": ص 177 جـ 1،و" الجمع بين رجال الصحيحين ": ص 19 جـ 1.

وكان بَارِعًا في الحديث حتى قَالَ الأَعْمَشُ فِيهِ: «كَانَ النَّخَعِيُّ صَيْرَفِيَّ الحَدِيثِ» وقال أبو زرعة: «النَّخَعِيُّ صَيْرَفِيٌّ عَلَمٌ مِنْ أَعْلاَمِ الإِسْلاَمِ». وكان يقتدي بالصحابة، ومن قوله: «لَوْ أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَمْسَحُوا إِلاَّ عَلَى ظُفُرٍ مَا غَسَلْتُهُ التِمَاسَ الفَضْلِ , وَحَسْبُنَا مِنْ إِزْرَاءٍ عَلَى قَوْمٍ أَنْ نَسْأَلَ عَنْ فِقْهِهِمْ وَنُخَالِفَ أَمْرَهُمْ». توفي بالكوفة مختفيًا من الحَجَّاجِ سَنَةَ (96 هـ) وابن تسع وأربعين سَنَةً لم يستكمل الخمسين. * * *

(8) - عامر بن شراحيل الشعبي (19 - 103 هـ):

(8) - عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيُّ (19 - 103 هـ): (*) عامر بن شراحيل الحِميري الشعبي الكوفي أبو عمرو، الإمام العلم. علامة التابعين ولد لست (¬1) سنين خلت من خلافة عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، كان من أهل السنة والجماعة، يكره الفرقة، رحل إلى بلدان كثيرة، وروى الحديث عن عَلِيٍّ، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وزيد بن ثابت، وقيس بن سعيد بن عبادة، وقرظة بن كعب، وعبادة بن الصامت، وأبي موسى الأشعري، وأبي مسعود الأنصاري، وأبي هريرة، والمغيرة بن شعبة، وأبي سعيد الخُدري، وعائشة أم المؤمنين، وأم سلمة وغيرهم. قال: «أَدْرَكْتُ خَمْسَةً مِنَ الصَّحَابَةِ». وروى عنه أبو إسحاق السبيعي، وسعيد بن عمرو وإسماعيل بن أبي خالد، وسعيد بن مسروق الثوري، والأعمش، ومنصور، وسماك بن حرب، وعبد الله بن عون، وشعبة بن الحجاج، والشعبي أكبر شيوخ أبي حنيفة. كان قوي الذاكرة يعتز بحفظه ويقول: «مَا كَتَبْتُ سَوْدَاءَ فِي بَيْضَاءَ». كان ذكيًا فقيهًا، أصبح على جانب عظيم من العلم حتى إنه كان يفتي في زمن ¬

_ (*) " طبقات ابن سعد ": ص 172 جـ 6، و" تذكرة الحفاظ ": ص 75 جـ 1، و" سير أعلام النبلاء "، مخطوط: ص 213 - 219 قسم 2 جـ 4، و" الجمع بين رجال الصحيحين ": ص 377 جـ 1، وفيه وفاته سَنَةَ (106 هـ) وهذا بعيد، و" تهذيب التهذيب ": ص 65 جـ 5، و" خلاصة " الخزرجي: ص 184. (¬1) وقيل ولد سَنَةَ (21 هـ) قاله شَبَابٌ (*)، انظر " سير أعلام النبلاء ": ص 213 قسم 2 جـ 4. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) شباب العصفري، هو خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطِ الإمام الحافظ العلامة الإخباري، أبو عمرو العُصْفُرِيُّ البَصْرِيُّ، وَيُلَقَّبُ بِـ (شَبَابٍ)، صَاحِبُ "التاريخ " وَكِتَابِ "الطبقات".

الصحابة، وقد اتفق العلماء على إمامته وثقته، قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: «مَا رَأَيْتُ فِيهِمْ أَفْقَهَ مِنَ الشَّعْبِيِّ»، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: «كَانَتْ النَّاسُ تَقُولُ: [كَانَ] ابْنُ عَبَّاسٍ فِي زَمَانِهِ، وَالشَّعْبِيُّ فِي زَمَانِهِ، وَالثَّوْرِيُّ قِي زَمَانِهِ». وقال ابن سيرين لأبي بكر الهذلي: «اِلْزَمْ الشَّعْبِيَّ فَقَدْ رَأَيْتُهُ يُسْتَفْتَى وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ»، وأثنى معاصروه على علمه وتواضعه وفضله وأخلاقه. وقد ولي قضاء الكوفة لعمر بن عبد العزيز، وتوفي بالكوفة سَنَةَ (103 هـ) - رَحِمَهُ اللهُ -. * * *

(9) - علقمة بن قيس النخعي (28 ق هـ - 62 هـ):

(9) - عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ النَّخَعِيُّ (28 ق هـ - 62 هـ): (*) هو أبو شبل علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي التابعي الجليل، وهو عم الأسود بن يزيد بن قيس، وأحد الأعلام المخضرمين، روى عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة، وسلمان الفارسي، وعن عائشة، وأبي مسعود، وأبي الدرداء، وغيرهم. وروى عنه إبراهيم النخعي، والشعبي، ومحمد بن سيرين، وابن أخيه عبد الرحمن بن يزيد. كان علقمة من أصحاب ابن مسعود، وأعلم الناس به، وقد أجمع معاصروه على جلالته ووقاره وغزارة علمه. قال إبراهيم بن علقمة: «كَانَ عَبْدُ اللهِ - أَيْ ابْنُ مَسْعُودٍ - يُشْبِهُ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَدْيِهِ ودَلِّهِ وَسَمْتِهِ، وَكَانَ عَلْقَمَةُ يُشَبَّهُ بِعَبْدِ اللهِ». كان متواضعًا يتوقى الشهرة، قِيلَ لَهُ: لَوْ صَلَّيْتَ فِي المَسْجِدِ وَتَجْلِسَ وَنَجْلِسُ مَعَكَ، فَنَسْأَلَ؟ فَقَالَ: «أَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ هَذَا عَلْقَمَةُ»، وَقِيلَ لَهُ: لَوْ دَخَلْتَ عَلَى الأَمِيرِ فَأَمَرْتَهُ بِخَيْرٍ؟ فَقَالَ: «لَنْ أُصِيبَ مِنْ ¬

_ (*) " طبقات ابن سعد ": ص 57 - 62 جـ 6، و" تذكرة الحفاظ ": ص 45، 46 جـ 1، و" الجمع بين رجال الصحيحين ": ص 390 جـ 1، وفيه وفاته سَنَةَ اثنتين وستين ومائة، والأصح ما ذكرناه وربما كان هذا خطأ من الناسخ. و" تهذيب التهذيب ": ص 276 جـ 7. و" خلاصة " الخزرجي: ص 271.

دُنْيَاهُمْ شَيْئًا إِلاَّ أَصَابُوا مِنْ دِينِي [أَفْضَلَ] مِنْهُ» وكان ثقة كثير الحديث، يَحُضُّ طلابه على مذاكرة العلم ويقول: «تَذَاكَرُوا العِلْمَ فَإِنَّ حَيَاتَهُ ذِكْرُهُ». قَالَ مُرَّةُ: «كَانَ عَلْقَمَةُ مِنَ الرَّبَّانِيِّينَ». توفي بالكوفة سَنَة (62 هـ) اثنتين وستين عن (90) سَنَةً - رَحِمَهُ اللهُ -. * * *

(10) - محمد بن سيرين (33 - 110 هـ):

(10) - محمد بن سيرين (33 - 110 هـ): (*) هو أبو بكر بن أبي عمرة، محمد بن سيرين التابعي الجليل البصري الأنصاري بالولاء، كان أبوه مولى لأنس، وقد ولد محمد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - سَنَةَ (33 هـ) ونشأ في كنف أنس، وكان بَزَّازًا، وتعلم القرآن، وتفقه وحفظ كثيرًا من الحديث، وكان متقنًا ضابطًا، يحدث بالحديث على حروفه، وكان ورعًا فقيهًا رأى ثلاثين صحابيًا وروى عن أنس بن مالك، وزيد بن ثابت، والحسن بن علي بن أبي طالب، وعن أبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وغيرهم. وروى عنه عامر الشعبي، وثابت البناني، وخالد الحذاء، وداود بن أبي هند، وعبد الله بن عون، ويونس بن عبيد، والأوزاعي، ومالك بن دينار، وهشام بن حسان، وخلق كثير غيرهم. شهد له بالعلم والورع والفقه والضبط والعدالة أئمة عصره. قال ابن عون: «لَمْ أَرَ فِي الدُّنْيَا مِثْلَ ثَلاَثَةٍ: مُحَمَّدُ بْنَ سِيرِين بِالعِرَاقِ، وَالقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ بِالحِجَازِ وَرَجَاءَ بْنَ حَيْوَةَ بِالشَّامِ وَلمْ يَكُنْ فِي هَؤُلاَءِ مِثْلَ مُحَمَّدٍ». وَقَالَ مُوَرَّقٌ العِجْلِيّ: «مَا رَأَيْت رَجُلاً أَفْقَهَ فِي وَرَعِهِ وَلاَ أَوْرَعَ فِي فِقْهِهِ مِنْ مُحَمَّدٍ». ¬

_ (*) " طبقات ابن سعد ": ص 141 - 150 قسم 1 جـ 7، و" تذكرة الحفاظ ": ص 73 جـ 1، و " المحبر ": ص 279 و 480، و" الجمع بين رجال الصحيحين ": ص 439 جـ 2، و" ترتيب الثقات " لابن حبان: الجزء الثالث مخطوطة دار الكتب المصرية، و" تهذيب التهذيب ": ص 214 - 217 جـ 9، و" شذرات الذهب ": ص 138 جـ 1، و" الأعلاق النفيسة ": ص 216.

كان كثير العبادة والصيام، قيل كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، وكان شديد الحيطة في دينه. قال أنس بن سيرين: «لَمْ يَبْلُغْ مُحَمَّدًا حَدِيثَانِ قَطُّ أَحَدُهُمَا أَشَدُّ مِنَ الآخَرِ إِلا أَخَذَ بِأَشَدِّهِمَا»، قال: «وَكَانَ لاَ يَرَى بِالآخَرِ بَأْسًا ... »، وَقَالَ أَبُو قِلابَةَ: «وَأَيُّنَا يُطِيقُ مَا يُطِيقُ مُحَمَّدٌ!! مُحَمَّدٌ يَرْكَبُ مِثْلَ حَدِّ السِّنَانِ». وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: «عَلَيْكُم بِذَلِكَ الأَصَمِّ - يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ سِيْرِينَ -». كان حليمًا وقورًا يتأسى بالرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبالخلفاء الراشدين والصحابة وكان يحث طلابه على التثبت في تحمل الحديث، ويقول: «إِنَّ هَذَا العِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ [دِينَكُمْ]». وإلى جانب هذا كان مرح النفس، طيب المعشر، احتل مكانة في نفوس العلماء وطلاب العلم، وتسنم ذروة الإمامة في عصره. قال محمد بن سعد: «كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا عَالِيًا رَفِيعًا فَقِيهًا إِمَامًا كَثِيرَ العِلْمِ». توفي بالبصرة سَنَةَ (110 هـ) - رَحِمَهُ اللهُ -. * * * هؤلاء من أشهر التابعين وأكثرهم حديثًا، ويضيق المقام عن ذكرهم جَمِيعًا، فهناك الأعلام المشهورين: الحسن البصري، وسليمان الأعمش، وقتادة بن دعامة السدوسي، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وغيرهم ممن ساهموا في حفظ السُنَّةِ ونقلها، جزاهم الله عنا أحسن الجزاء، وأسكنهم فسيح الجنان.

الخاتمة:

الخاتمة: بعد هذا العرض لحياة السُنَّةِ قبل التدوين، عرفنا في الباب الأول الحقيقية التي كانت عليها السُنَّةُ في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعرفنا شخصية الرسول الكريم من حيث هو معلم ومرب، وموقفه من العلم، وسمو منهجه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - في تبليغ الإسلام وتطبيق أحكامه، وتشجيعه على طلب العلم، ومعاملته أصحابه - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، كما عرفنا كيف كان الصحابة يتلقون السُنَّةَ عنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعرفنا إخلاصهم في المحافظة على الشريعة الحنيفية، وبذلهم السخي في سبيل ذلك، وعرفنا عوامل انتشار السُنَّةِ جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ مع القرآن الكريم. وعرفنا في الباب الثاني تأسي الصحابة والتابعين بالرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتمسكهم بِسُنَّتِهِ، واحتياطهم وورعه في رواية الحديث، وتثبتهم في قبول الأخبار، وَأَنَّ تَشَدُّدَهُمْ في قبول بعض الآثار لم يكن من باب تركهم لِلْسُنَّةِ أو عدم الأخذ بها، بل كان من باب المحافظة عليها، والتثبت والاستيثاق لها، وإذا كان بعضهم في بعض الحالات والمواقف قد طلبوا لقبول الحديث راويين أو غير هذا، فقد كانوا يقبلون في غير تلك الحالات الخبر عن العدل إذا توافرت فيه شروط التحمل والأداء. ولا يعني تشددهم في قبول الحديث أن لغيرهم أن يتظاهر بالاحتياط لِلْسُنَّةِ، وهو يرفض ما قبلوه، فإنه لا ينبغي أن يتخذ تشددهم ذريعة لترك السُنَّةِ، في حين يجب أن يعتبر توثيقًا لما قبلوه منها.

وقد عرفنا في هذا الباب أَيْضًا حرص الصحابة والتابعين ومن تبعهم على رواية الحديث بلفظه كما سمعوه، وإجازة بعضهم للعالم بفقه الحديث روايته بالمعنى إذا لم يحضره اللفظ، ومنعهم هذا لغير العالم بفقهه، خوفًا من التحريف وتغيير الأحكام، وأن رواية الحديث بالمعنى أحيانًا لم تسيء إلى الحديث، ولم تغير أحكامه كما ادعى بعض الباحثين. ثم لمسنا النشاط العلمي الواسع في عصر الصحابة والتابعين، وأدركنا اهتمام الأمة بحديث رسولها الكريم، عندما بحثنا انتشار الحديث في ذلك العصر، والرحلة في طلبه، فكانت صورة صادقة عن الحيوية العلمية آنذاك. وعرفنا في الباب الثالث نشأة وضع الحديث وأسبابه، وأثر الأحزاب السياسية في هذا، وخلصنا إلى أن الشيعة الذين استغلوا اسم (أهل البيت) هم الذين أساءوا إلى السُنَّةِ بوضعهم الحديث لدعم دعواهم ومذهبهم، وعرفنا أن أهل البيت براء من هذا كله، وانتهينا إلى أن الخوارج لم يضعوا الحديث، لأن الكذب في عقيدتهم من الكبائر. وعرفنا أثر أعداء الإسلام، وأثر التفرقة العنصرية والتعصب القبلي والمذهبي والإقليمي، والقصاصين، وأثر الجهل مع الرغبة في الخير، وأثر الممالأة والتقرب إلى الحكام - عرفنا أثر هذا كله في وضع الحديث، ووقوف الأمة وعلمائها أمام هذه الظاهرة، ومقاومة الوضع باتباع أسلم قواعد التثبت العلمي من التزام الإسناد، ومضاعفة النشاط العلمي، وتتبع الكذبة ومعرفة أحوال الرواة، ووضع علامات لتمييز الصحيح من السقيم والموضوع، وبهذا سلمت السُنَّةُ من أيدي أعدائها. وعلى ضوء هذا نقدنا جولدتسيهر وغاستون ويت وأحمد أمين،

وأكدنا اهتمام العلماء بمتن الحديث وسنده، وَبَيَّنَّا أن السُنَّةَ لم تكن نتيجة لنضوج الإسلام وتطوره، ووضع الأجيال المتعاقبة كما زعم جولدتسيهر، وأثبتنا أنها التطبيق العلمي للإسلام، الذي تم على يدي رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ورفضنا إدعاء جولدتسيهر الذي يتهم فيه أئمة المذاهب الفقهية بوضع الحديث لدعم مذاهبهم، وأدحضناه بالحجج القوية. وأدركنا عظمة الجهود التي بذلها الصحابة والتابعون وأهل العلم من بعدهم في سبيل الحفاظ على السُنَّةِ، حينما عرضنا أشهر ما ألف في الرجال والموضوعات، وعرفنا أن المسلمين أعظم أمة في التاريخ اهتمت بتراثها التشريعي، منذ عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وأما تدوين السُنَّةِ فقد عرضنا في الباب الرابع ما روي عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الكتابة من أخبار حول منعها وإباحتها، وخلصنا إلى أن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أباح كتابة الحديث بعد منعها، كما عرضنا ما روي عن الصحابة والتابعين في الكتابة، وانتهينا إلى أن جميع ما روي عنهم حول السماح بتدوين الحديث أو منع تدوينه لم يكن متعارضًا متضاربًا، بل كان متعاضدًا في سبيل حفظ القرآن وَالسُنَّةِ، فمنعوا الكتابة حين خشوا التباس القرآن بِالسُنَّةِ، وانشغال الناس عن القرآن الكريم، وسمحوا بها حين أمنوا ذلك. كما عرفنا خدمة عمر بن عبد العزيز للسنة بتكليفه ابن شهاب الزهري وغيره بجمع الحديث وتدوينه، ثم توزيعه على الأقطار الإسلامية، وعرفنا اهتمامه بِالسُنَّةِ حين أمر المسؤولين في مختلف أقاليم الدولة الإسلامية بالاعتناء بالحديث، وتشجيع العلماء على عقد حلقات دراسته في المساجد، وعرفنا أن مطلع القرن الهجري الثاني كان بداية نهضة علمية في تصنيف الحديث وتبويبه، وقد

ظهرت هذه المصنفات في أوقات متقاربة في مختلف مراكز الإشعاع العلمي بالدولة الإسلامية، وعرفنا المصنفين الأوائل في الحديث. وفي الفصل الثاني من الباب الرابع عرفنا حركة التدوين بذكر أشهر الصحف التي دونت في عهده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعهد الصحابة والتابعين، وعرضها عرضًا تاريخيًا دقيقًا، وكان من أبرز ما عرضناه " الصحيفة الصادقة " لعبد الله بن عمرو بن العاص، وهي من أقدم ما دُوِّنَ بين يدي رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعرفنا منزلتها وقيمتها، و" الصحيفة الصحيحة " لهمام بن منبه، وهي من أقدم ما دُوِّنَ في عهد الصحابة في النصف الأول من القرن الهجري الأول، وعرفنا منزلتها وقيمتها، وأكدنا وصولها منفردة إلينا بإسناد صحيح، إلى جانب ذكرها جميعها أو بعضها في " مسند الإمام أحمد "، وفي كتب السنن والمسانيد الأخرى. واطلعنا على مراحل التدوين وجمع الحديث واختيار الصحيح منه، حتى وصلنا في المدونات المشهورة. وقد تجلى لنا من البحث كثرة الكتب والمدونات في أول القرن الهجري الثاني. وعرضنا في الفصل الثالث من هذا الباب أَيْضًا بعض آراء في التدوين، ولم نوافق الشيخ محمد رشيد رضا على رأيه: أن أول من كتب الحديث من التابعين في القرن الأول وجعل ما كتبه مصنفًا مجموعًا هو خالد بن معدان الحمصي، وأثبتنا أن هناك من سبقه في حفظ مدوناته أمثال عبد الله بن عمرو بن العاص، وهمام بن منبه، وانتهينا إلى أن صحف خالد من أوائل الصحف التي ضمت علمه في ذلك القرن.

وعرضنا رأي السيد حسن الصدر، الذي لا يوافق رأي جمهور المحدثين في تدوين الحديث في عهد عمر بن عبد العزيز، وينكر ما يثبت هذا، ليؤكد سبق الشيعة وتقدمهم في جمع الأخبار، وفندناه ورددنا عليه بالحجج والبراهين، وأكدنا صحة ما ذهب إليه جمهور المحدثين، وَبَيَّنَّا عدم تعارضه مع تدوين الإمام علي وأصحابه، وانتهينا إلى سبق أبي رافع مولى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالتأليف والتصنيف إذا صح خبر تصنيفه كتابًا في الحديث. وأكدنا أن صحة هذا الخبر لا تحملنا على أن ننفي ما ثبت تاريخيًا من أخبار التدوين في عهد عمر بن عبد العزيز. ثم عرضتُ رأيي في التدوين الرسمي، وهو ما تبين لي أثناء البحث حول محاولة أمير مصر عبد العزيز بن مروان تدوين الحديث، بتكليف التابعي الجليل كثير بن مرة الحضرمي أن يكتب إليه ما سمع من حديث من أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وانتهيتُ إلى أنه إذا ثبتت استجابة كثير بن مرة لطلب أمير مصر فقد ثبت أن بعض الحديث دُوِّنَ رسميًا قبل التدوين الرسمي المشهور بربع قرن، وأن اهتمام أمير مصر بحديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتدوينه يزيدنا ثقة بأن التدوين قد سار جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ مع الحفظ. ثم عرضت آراء المستشرقين في تدوين الحديث، وناقشتها، وعرفنا أن أبحاثهم لم تسلم من الخطأ، وأن جولدتسيهر لم يصب في استنباطه من الأخبار الواردة في كراهة الكتابة وإباحتها، وتصوره قيام حزبين متخاصمين أهل رأي

يضعون ما ينفي التدوين ليطعنوا في بعض الأحاديث ويرفضوها، تَبَعًا لميولهم، وأهوائهم، وأهل حديث يضعون ما يروق لهم من الأخبار التي تثبت التدوين، ليحتجوا ببعض الأحاديث التي تخدم غاياتهم وأهواءهم. وأكدنا أن علماء المسلمين وفقهاءهم أرفع بكثير مما تصوره جولدتسيهر، وانتهينا إلى أنهم نهجوا جَمِيعًا المنهج العلمي الدقيق في سبيل الحفاظ على الشريعة الإسلامية. وعرفنا في الباب الخامس القلوب الواعية، التي حفظت السُنَّةَ ونقلتها، وأدحضنا بالحجج والبراهين ما أثير من شبهات حول أبي هريرة وابن شهاب الزهري، ورددنا كل ما أثاره أعداء السنن - من مستشرقين وباحثين مسلمين - حولهما، وظهرت لنا مكانتهما، وتكشفت الغايات السيئة من وراء تلك الشبهات. وعلى ضوء جميع ما تقدم أصبحنا على يقين من أن السنة حفظت على أسلم القواعد العلمية، واهتم بها المسلمون اهتمامهم بالقرآن، ولم تهمل حتى قُيِّضَ لها من يجمعها في مصنفات الحديث بعد أكثر من قرنين - كما يزعم الزاعمون - بل كانت مصدر التشريع الإسلامي إلى جانب القرآن الكريم، يجلها المسلمون ويحترمونها، ويدينون بها، وستبقى كذلك إلى ما شاء الله. وقبل أن أختم الموضوع أذكر بعض المقترحات فيما يلي: 1 - أن تزاد العناية بدراسة الحديث ورجاله، وخاصة الصحابة منهم، في مختلف مراحل الدراسة، بما يناسب المستويات التعليمية، لننشأ الأجيال المسلمة على هدى الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهي على معرفة حسنة بمن نقل إليها أصول شريعتها، وألا يقتصر تدريس الحديث في المراحل الأولى على حصص مادة (التربية الإسلامية) بل يتعداه إلى حصص الأخلاق والتربية

الاجتماعية، والمطالعة والتاريخ والصحة، فيدرس في كل مادة ما يلائمها، ويسهل تطبيق هذا بتعاون المدرسين والمؤلفين. 2 - أن يدرس تاريخ السُنَّةِ بتوسع، كما يدرس تاريخ الفقه في الكليات المختصة، ككليات الشريعة، ودار العلوم وأصول الدين، وكليات الحقوق، وألا يكتفى بدراسة أحاديث الأحكام في الكليات الإسلامية المختصة، بل تقرر أحاديث في التربية ومكارم الأخلاق والآداب. وأن يؤلف كتاب في السُنَّةِ وتاريخها، يشتمل على الأدلة والبراهين التي تثبت الحقيقة التاريخية للسنة وحفظها وروايتها وانتقالها ... وأرجو أن يهتم العلماء بهذا، وحبذا لو عنيت جهة إسلامية مسؤولة كـ " المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية " بتوجيه جماعة من العلماء المتخصصين إلى تأليف هذا الكتاب، وطبعه ونشره، ليصحح بعض الأخطاء التي وقع فيها الباحثون المسلمون والمستشرقون. 3 - وأرى إتمامًا للفائدة العلمية التي وصلنا إليها من بحثنا هذا: [أ] أن يفرد بعض أعلام رواة الحديث من الصحابة والتابعين وتابعيهم، كعبد الله بن عمر، وابن شهاب الزهري، وسفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك، وسفيان بن عيينة، بدراسات تكشف عن جهودهم في حفظ السنة، والاستباق لها ونشرها. [ب] أن تحقق وتنشر بعض أمهات الكتب التي مازالت مخطوطة مجهولة لكثير من الباحثين أو العلماء، مع فضلها وأثرها الواضح في نقل الحديث، وصيانته وحفظه، والتقعيد لدراسته وروايته، كـ " الجامع لعبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري، وكتب " العلل " للإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وغيرهما، وكتاب " المحدث الفاصل بن الراوي والواعي " للرامهرمزي، وكتاب " الجامع

لأخلاق الراوي وآداب السامع " للخطيب البغدادي، وإني لأرجو الله أن يوفقني إلى متابعة عملي لإخراج الكتابين الأخيرين على نحو يخدم العلم والحقيقة إن شاء الله تعالى. [ج] أن تفرد نشأة علم مصطلح الحديث ببحث واف، يظهر تاريخ تقعيد قواعد مصطلح الحديث وأصوله، التي صانت السُنَّةَ وحفظتها وبينت صحيحها من سقيمها، على نهج علمي يسهل الرجوع إليه، ويتفق مع روح هذا العصر، وإني لأرجو الله أن أطرق هذا البحث، في متابعة دراستي العليا إن شاء اللهُ تعالى. [د] أن يفرد مَا دُوِّنَ من الحديث في عصر الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعصر الصحابة بالبحث، ويجمع في مؤلف يكون وثيقة تاريخية قيمة عن اهتمام المسلمين بتدوين حديثهم منذ عهده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وبهذا أرجو أن أكون قد وفقت إلى أداء واجبي، ويكفيني منه أن عشت في هذا الموضوع سنوات عدة، مع رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، المُرَبِّي العظيم، والمعلم الخالد الأمين، ومع حديثه الطاهر، وصحابته وأتباعهم، فانتقلت بمشاعري وعواطفي إلى عالم عظيم، يسوده الإخاء والبذل والفناء في سبيل الله، وتعلوه نسمات الأرواح السامية والنفوس الكبيرة، والهمم العالية، والعزائم الماضية، فأفدت كثيرًا، ولهذا سأقف حياتي على خدمة السُنَّةِ، سائلاً الله العظيم أن يجمع الأمة العربية والإسلامية على القرآن الكريم، وَالسُنَّةَ التي صحت عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأن يوفقنا إلى التأسي برسول الإنسانية والسير على هداه، وفي هذا التوفيق والنجاح، والحمد لله رب العالمين. محمد عجاج الخطيب. تم الكتاب بعون الله.

ملحق: كنت قد ناقشت بعض من اشتبه عليه حديث «مَنْ اصْطَبَحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ [مِنْ عَجْوَةً] لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ ذَلِكَ اليَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ». وعرضت قول بعض العلماء فيه، وأكدت صحته سندًا ومتنًا في (ص 257) وما بعدها من هذا الكتاب، وبعد أن طبع ذلك نشرت جريدة " الأهرام " تصريحًا للدكتور عبد العزيز شرف يؤيد ما ذهبت إليه، فرأيت إلحاقه هنا زيادة للفائدة. كتبت " الأهرام " تحت عنوان: «البلح علاج لأمراض العيون والجلد والأنيميا والنزيف ولين العظام والبواسير يساعد على الولادة بسهولة». «أثبتت الأبحاث العلمية التي أجريت أخيرًا بالمركز القومي للبحوث أن البلح غذاء كامل، ويفيد في وقاية الجسم وعلاجه من أمراض العيون وضعف البصر، وعلاج الأمراض الجلدية كالبلاجرا وأمراض الأنيميا وحالات النزيف ولين العظام، والبواسير ويساعد المرأة الحامل على الولادة بسهولة». صرح بذلك الدكتور عبد العزيز شرف المشرف على وحدة بحوث الأدوية بالمركز القومي للبحوث، وأضاف قائلاً: «إن الأبحاث أثبتت كذلك أن البلح يعادل اللحم في قيمته الغذائية، ويتفوق عليه بما يعطيه من سعرات حرارية ومواد معدنية وسكرية، وذلك بالإضافة إلى أنه غني بالكالسيوم والفسفور والحديد، ويحتوي على غالبية الفيتامينات المعروفة». (جريدة " الأهرام ": الإثنين 12 ذو الحجة 1382 هـ، الموافق 6 مايو 1963 م، السَنَةُ 89 - العدد 27905: ص 4).

فهارس الكتاب:

فهارس الكتاب: 1 - فهرس المصادر والمراجع ................................................. 540 2 - فهرس الموضوعات ....................................................... 557 3 - فهرس آيات القرآن الكريم ................................................. 570 4 - فهرس الأحاديث الشريفة .................................................. 574 5 - فهرس الأحاديث الموضوعة ............................................... 585 6 - فهرس البلدان والأماكن والمشاهد والغزوات ............................. 590 7 - فهرس الكتب المُعَرَّف بها ................................................. 596 8 - فهرس الأعلام ............................................................. 601 9 - فهرس الفهاس ............................................................ 652

المصادر والمراجع

المَصَادِرُ وَالمَرَاجِعُ: (¬1) 1 - القرآن الكريم. 2 - " أبو هريرة " (*): لعبد الحسين شرف الدين العاملي، الطبعة الأولى - صيدا. 3 - " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ": لبدر الدين الزركشي، بتحقيق محمد سعيد الأفغاني، طبع دمشق، المجمع العلمي. 4 - " الإحكام في أصول الأحكام ": لعلي بن أحمد (بن حزم) الأندلسي، بتحقيق أحمد محمد شاكر، الطبعة الأولى، طبع الخانجي بالقاهرة - 1345 هـ. 5 - " الإحكام في أصول الأحكام ": لسيف الدين علي بن أبي علي الآمدي، طبع دار المعارف بالقاهرة 1332 هـ - 1914 م. 6 - " أخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ من الحديث ": لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي. طبع مصر 1322 هـ. 7 - " الآداب الشرعية ": لمحمد بن مفلح المقدسي. مصر 1348 هـ. 8 - " الأدب المفرد ": لمحمد بن إسماعيل البخاري، واستوفى تخريج أحاديثه محب الدين الخطيب. المطبعة السلفية بالقاهرة 1379 هـ. 9 - " إرشاد الساري ": لشهاب الدين القسطلاني. طبع مصر 1326 هـ. 10 - " الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ": لأبي العباس أحمد بن خالد الناصري. سنة 1954، طبع الدار البيضاء. ¬

_ (¬1) تراجع الكتب المذكورة في الفصل الرابع من الباب الثالث، فقد آثرنا ألا ندرجها ثانية هنا. (*) رجعنا إليه للرد على ما جاء فيه من شبهات حول السُنَّةِ ورواتها.

11 - " الاستيعاب في معرفة الأصحاب ": لأبي يوسف بن عبد البر، على هامش " الإصابة " لابن حجر، طبع مصطفى محمد بالقاهرة: 1358 هـ - 1939 م. 12 - " أسد الغابة في معرفة الصحابة " لعز الدين أبي الحسن بن الأثير الجزري، طبع القاهرة: 1286 هـ. 13 - " أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد " لابن حزم الأندلسي، مخطوط: دار الكتب المصرية. 14 - " الإصابة في تمييز الصحابة " لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي (بن حجر) العسقلاني، طبع مصر 1323 هـ في 8 مجلدات. 15 - " أصول التشريع الإسلامي " لفضيلة الأستاذ علي حسب الله، الطبعة الثانية، دار المعارف بالقاهرة: 1379 هـ - 1959 م. 16 - " أضواء على التاريخ الإسلامي ": لفتحي عثمان، طبع دار الجهاد: 1376 هـ - 1956 م. 17 - " أضواء على السنة المحمدية " (¬1) لمحمود (أَبُو رَيَّةَ)، طبع دار التأليف بمصر: 1377 هـ - 1958 م. 18 - " الأعلاق النفيسة ": لأحمد بن عمر بن رسته، طبع ليدن: 1981 م. 19 - " إعلام الموقعين عن رب العالمين ": لشمس الدين محمد بن أبي بكر (ابن قيم الجوزية)، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة: 1374 هـ - 1955 م. 20 - " الأعلام " لخير الدين الزركلي، الطبعة الثانية: 1373 هـ - 1954 م. ¬

_ (¬1) رجعنا إليه للرد على ما جاء فيه من شبهات حول السنة ورواتها.

21 - " الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ " لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي، طبع دمشق: 1349 هـ. 22 - " أقدم تدوين في الحديث النبوي (صحيفة همام بن منبه) " للدكتور محمد حميد الله، طبع المجمع العلمي العربي بدمشق: 1372 هـ - 1953 م. 23 - " ألفية السيوطي " لجلال الدين السيوطي، تحقيق أحمد محمد شاكر، طبع عيسى البابي الحلبي بالقاهرة: 1353 هـ. 24 - " الأغاني " لأبي الفرج الأصبهاني، مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة: 1936 م. 25 - " الإمام زيد " لمحمد أبو زهرة، دار الفكر العربي بالقاهرة، الطبعة الأولى: 1378 هـ - 1959 م. 26 - " الأموال " للقاسم بن سلام، طبع مصر: 1353 م. 27 - " الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة " لعبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، طبع المطبعة السلفية بالقاهرة: 1378 هـ. 28 - " الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث (للحافظ ابن كثير) " لأحمد محمد شاكر، طبع محمد علي صبيح وأولاده بالقاهرة، الطبعة الثانية: 1370 هـ - 1951 م. 29 - " البارع الفصيح في شرح الجامع الصحيح " لأبي البقاء محمد بن خلف الأحمدي، مخطوط دار الكتب المصرية. 30 - " البداية والنهاية " لأبي الفداء عماد الدين إسماعيل (بن كثير)، مطبعة السعادة بالقاهرة: 1351 هـ - 1932 م.

31 - " البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف " لإبراهيم بن كمال الدين (ابن حمزة)، طبع القاهرة: 1329 هـ. 32 - " تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام " للسيد حسن الصدر، طبعة شركة الطباعة والنشر العراقية ببغداد: 1951 م. 33 - " تأويل مختلف الحديث " لعبد الله بن مسلم (بن قتيبة الدينوري)، مطبعة كردستان العلمية بمصر: 1326 هـ. 34 - " تاريخ الإسلام " للدكتور حسن إبراهيم حسن، مطبعة لجنة البيان العربي بالقاهرة، الطبعة الرابعة: 1957 م. 35 - " تاريخ الإسلام " للحافظ شمس الدين الذهبي، مكتبة القدسي بالقاهرة، الأجزاء (1 - 5): 1367 - 1947 م. 36 - " تاريخ الأمم والملوك " لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، طبع بمصر: 1357 هـ - 1939 م. 37 - " تاريخ بغداد " لأبي بكر أحمد بن علي (الخطيب البغدادي)، طبع بمصر: 1349 هـ - 1931 م. 38 - " تاريخ التربية الإسلامية " للدكتور أحمد شلبي، مطابع دار الكشاف، بيروت: 1954 م. 39 - " تاريخ التشريع الإسلامي " لعبد اللطيف محمد السبكي ومحمد علي السايس ومحمد يوسف البربري، مطبعة الاستقامة بالقاهرة، الطبعة الثالثة: 1365 هـ - 1946 م. 40 - " تاريخ التشريع الإسلامي " لمحمد الخضري، مطبعة الاستقامة بالقاهرة، الطبعة السابعة: 1960 م.

41 - " تاريخ الخلفاء " لجلال الدين السيوطي، المطبعة المنيرية بمصر: 1351 هـ. 42 - " تاريخ داريا " للقاضي عبد الجبار بن عبد الله الخولاني، بتحقيق سعيد الأفغاني، دمشق، المجمع العلمي: 1950 م. 43 - " تاريخ دمشق " لعلي بن الحسن هبة الله (ابن عساكر)، مخطوط دار الكتب المصرية. 44 - " تاريخ الدولة العربية " (¬1) للمستشرق يوليوس فلهوزن، تحقيق الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريدة، والدكتور حسين مؤنس، طبع مصر: 1958 م. 45 - " التاريخ الصغير " للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، طبع الهند: 1325 هـ. 46 - " تاريخ الفقه الإسلامي " للدكتور محمد يوسف موسى، طبع دار الكتاب العربي بمصر: 1378 هـ - 1958 م. 47 - " تاريخ فنون الحديث " لمحمد عبد العزيز الخولي، طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة، الطبعة الثالثة. 48 - " التاريخ الكبير " للإمام البخاري، مخطوط دارالكتب تحت رقم (1890) والجزء الأول منه طبع الهند سَنَةَ 1360 - 1361 هـ. 49 - " التاريخ الكبير " وهو (تهذيب " تاريخ " ابن عساكر) لعبد القادر بدران، طبع دمشق مطبعة روضة الشام: 1329 هـ. 50 - " تاريخ اليعقوبي " (¬2) لأحمد بن أبي يعقوب، طبع النجف: 1358 هـ. 51 - " التبصير في الدين " لأبي المظفر السمعاني، بتحقيق محمد زاهد الكوثري، طبع الخانجي بالقاهرة: 1374 هـ - 1955 م. ¬

_ (¬1) رجعنا إليه للرد على بعض الشبهات. (¬2) رجعنا إليه للرد على بعض الشبهات.

52 - " تحذير الخواص من أكاذيب القصاص " لجلال الدين السيوطي، طبع مصر: 1351 هـ. 53 - " تحذير المسلمين من الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين " لعبد الله محمد البشير ظافر، طبع مصر: 1321 هـ - 1903 م. 54 - " تدريب الراوي " لجلال الدين السيوطي بتحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة القاهرة بمصر، الطبعة الأولى: 1379 هـ - 1959 م. 55 - " تذكرة الحفاظ " لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، طبع الهند: 1333 هـ. 56 - " تذكرة الموضوعات " لمحمد بن طاهر المقدسي، طبع مصر: 1323 هـ. 57 - " تذكرة الموضوعات " لمحمد بن طاهر الهندي (الفتني)، طبع مصر: 1343 هـ. 58 - " ترتيب الثقات " لابن حبان: لعلي بن أبي بكر الهيثمي، مخطوط دار الكتب المصرية. 59 - " تفسير أبي السعود " (" إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم ") لأبي السعود محمد بن محمد العمادي، مطبعة محمد علي صبيح بالقاهرة. 60 - " تفسير الطبري " (" جامع البيان في تأويل آي القرآن ") لمحمد بن جرير الطبري، بتحقيق ومراجعة محمود وأحمد محمد شاكر، دار المعارف بالقاهرة. 61 - " تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل " لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، طبع الهند: 1952 م. 62 - " تقييد العلم " لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت (الخطيب البغدادي) بتحقيق الدكتور يوسف العش، دمشق: 1949 م.

63 - " تلقيح فهوم أهل الأثر " لجمال الدين: ابن الجوزي، مخطوط دارالكتب المصرية. 64 - " تمييز المرفوع عن الموضوع " لِلْمُلاَّ علي القاري، مخطوط دار الكتب المصرية. 65 - " التنبيه والإشراف " لأبي الحسن علي بن الحسين المسعودي، طبع دار الصاوي بالقاهرة: 1357 هـ - 1938 م. 66 - " تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة " لعلي (بن عراق) الكناني، بتحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، طبع مكتبة القاهرة: 1378 هـ. 67 - " تهذيب التهذيب " لشهاب الدين أحمد بن علي (بن حجر) العسقلاني، الطبعة الأولى بالهند، حيدر آباد: 1325 هـ. 68 - " توجيه النظر إلى أصول الأثر " للشيخ طاهر الجزائري، مصر: 1328 هـ - 1910 م. 69 - " توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار " لمحمد بن إسماعيل الأمير الحسني الصنعاني، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الأولى: 1366 هـ. 70 - " الثقات " لأبي حاتم بن حبان البستي، مخطوط دار الكتب المصرية (208 طلعت مصطلح). 71 - " الثقافة المصرية " (مجلة) «نشأة تدوين العلم في الإسلام» للدكتور يوسف العش، العدد (352 و 353)، السَنَةُ السَّابِعَةُ. 72 - " جامع بيان العلم وفضله " لأبي عمر يوسف بن عبد البر، مصر، إدارة المطبعة المنيرية.

73 - " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " للخطيب البغدادي، مصورة - دار الكتب المصرية. 74 - " الجرح والتعديل " لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، 8 مجلدات، طبع الهند: 1371 هـ - 1952 م. 75 - " الجمع بين رجال الصحيحين " لمحمد بن طاهر المقدسي، طبع الهند: 1323 هـ. 76 - " حاشية لقط الدرر بشرح متن نخبة الفكر " لعبد الله بن حسين، طبع مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة: 1356 هـ - 1938 م. 77 - " الحديث والمحدثون " للدكتور محمد محمد أبو زهو، مطبعة مصر بالقاهرة، الطبعة الأولى: 1378 هـ - 1958 م. 78 - " حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة " لجلال الدين السيوطي، المطبعة الشرقية: سَنَةَ 1327 م. 79 - " حلية الأولياء وطبقات الأصفياء " لأبي نعيم الأصبهاني، طبع مصر: 1351 هـ - 1932 م. 80 - " خزانة الأدب " لعبد القادر بن عمر البغدادي، القاهرة، المطبعة المنيرية، الطبعة الأولى. 81 - " خطط المقريزي " = " المواعظ والاعتبار "، لأحمد بن علي تقي الدين المقريزي، طبع مصر: سنة 1270 هـ - 1853 م. 82 - " خلاصة تذهيب تهذيب الكمال " لصفي الدين الخزرجي، طبع مصر 1301 هـ. 83 - " دائرة المعارف الإسلامية " (¬1) ترجمة أحمد الشنتناوي وإخوانه. ¬

_ (¬1) رجعنا إليه للرد على ما جاء فيه من شبهات حول السُنَّة ورُواتها.

84 - " الرد على الجهمية " (" رد الدارمي على بشر المريسي ") لعثمان بن سعيد الدارمي، مطبعة أنصار السنة المحمدية بالقاهرة: 1358 هـ. 85 - " رسالة في الرواة الثقات " لشمس الدين الذهبي، مصر: سنة 1324 هـ. 86 - " الرسالة " للإمام محمد بن إدريس الشافعي، بتحقيق أحمد محمد شاكر، الطبعة الأولى: 1358 هـ - 1940 م، مطبعة البابي الحلبي. 87 - " الرسالة المستطرفة " لمحمد بن جعفر الكتاني، طبع بيروت: 1332 هـ. 88 - " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " لشيخ الإسلام تقي الدين (ابن تيمية)، طبع الهند: سنة 1311 هـ. 89 - " الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير " لشرف الدين الصنعاني، طبع مصر: 1347 هـ. 90 - " الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة " ليحيى العامري اليمني، طبع الهند: سنة 1303 هـ. 91 - " سبل السلام " لمحمد بن إسماعيل الصنعاني، طبع مصر، مصطفى البابي الحلبي. 92 - " سنن ابن ماجه بحاشية السندي " لمحمد بن يزيد بن ماجه القزويني، الطبعة الأولى بالمطبعة العلمية: 1313 هـ. 93 - " سنن أبي داود " للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، طبع مصر: 1369 هـ. 94 - " سنن الدارمي " لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، مطبعة الاعتدال بدمشق: 1349 هـ.

95 - " سنن النسائي بحاشية السندي " لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، المطبعة الميمنية: 1312 هـ. 96 - " السنن الكبرى " لأحمد بن الحسين البيهقي، طبع الهند - حيدر آباد. 97 - " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " للدكتور مصطفى السباعي، دار العروبة بالقاهرة، 1380 هـ - 1961 م. 98 - " سير أعلام النبلاء " لشمس الدين الذهبي، الجزء (1 و 2 و 3) طبع دار المعارف بالقاهرة: 1955 - 1962 م، وبقية الأجزاء مخطوطة في دار الكتب المصرية. 99 - " سيرة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لعبد الملك بن هشام بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة التجارية بالقاهرة: 1356 هـ - 1937 م. 100 - " شذرات الذهب " لابن العماد الحنبلي، طبع القدسي بالقاهرة: 1350 هـ. 101 - " شرح الأربعين النووية " ليحيى بن شرف الدين النووي، الطبعة الثانية، شركة الشمولي بمصر. 102 - " شرح نهج البلاغة " لعز الدين أبي حامد، الشهير بابن أبي الحديد، بتحقيق نور الدين شرف الدين والشيخ محمد خليل الزين، بيروت، دار الفكر. 103 - " شرف أصحاب الحديث " للخطيب البغدادي، مخطوط دار الكتب المصرية. 104 - " صحيح البخاري بحاشية السندي " لمحمد بن عبد الهادي السندي، طبع دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة. 105 - " صحيح مسلم " للإمام مسلم بن الحجاج، بتحقيق وتصحيح وتبويب

محمد فؤاد عبد الباقي، طبع دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة: 1375 هـ - 1956 م. 106 - " صحيح مسلم بشرح النووي " للإمام يحيى بن شرف الدين النووي، المطبعة المصرية بالقاهرة: 1349 هـ. 107 - " ضحى الإسلام " لأحمد أمين، مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة، الطبعة الخامسة: 1956 م. 108 - " طبقات الحفاظ " لجلال الدين السيوطي، طبع غوطا: 1833 م. 109 - " طبقات علماء إفريقية " لأبي العرب محمد بن أحمد بن تميم التميمي، تحقيق ونشر الشيخ محمد بن أبي شنب، طبع الجزائر: سنة 1332 هـ. 110 - " الطبقات الكبرى " لمحمد بن سعد، كاتب الواقدي، مطبعة بريل بليدن: 1322 هـ. 111 - " طبقات المدلسين " لشهاب الدين أبي الفضل (بن حجر) العسقلاني، طبع مصر: 1322 هـ. 112 - " ظلمات أبي رية " لمحمد عبد الرزاق حمزة، المطبعة السلفية بالقاهرة: 1379 هـ. 113 - " العقد الفريد " لأحمد بن محمد بن عبد ربه، بتحقيق محمد سعيد العريان، الطبعة الثانية، مطبعة الاستقامة بالقاهرة: 1372 هـ - 1953 م. 114 - " العقيدة والشريعة في الإسلام " (¬1) لأجناس جولدتسيهر، ترجمة د. محمد يوسف موسى، وعلي حسن عبد القادر، والأستاذ عبد العزيز عبد الحق، مطابع دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية: 1378 هـ - 1959 م. ¬

_ (¬1) ورجعنا إليه للرد على بعض الشبهات التي أثيرت فيه حول السُنَّةِ ورواتها.

115 - " علم أصول الفقه " لعبد الوهاب خلاف، مطبعة النصر بالقاهرة، الطبعة السابعة: 1376 هـ - 1956 م. 116 - " علوم الحديث " = " مقدمة ابن الصلاح " تقي الدين الشهرزوري (ابن الصلاح)، طبع مصر: 1326 م. 117 - " علوم الحديث ومصطلحه " للدكتور صُبحي الصالح، مطبعة جامعة دمشق: 1379 هـ - 1959 م. 118 - " العواصم من القواصم " لأبي بكر بن العربي، بتحقيق محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية بالقاهرة: 1371 هـ. 119 - " عيون الأخبار " لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، مطبعة دار الكتب المصرية: 1343 هـ - 1925 م. 120 - " غاية النهاية في طبقات القراء " لشمس الدين (ابن الجزري)، طبع مصر: 1935 م. 121 - " غوطة دمشق " لمحمد كرد علي، دمشق، المجمع العلمي: 1952 م. 122 - " فتح الباري " لشهاب الدين بن حجر العسقلاني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة: 1378 هـ - 1959 م. 123 - " فتح الغفار بشرح المنار " (" مشكاة الأنوار في أصول المنار ") لزين الدين بن إبراهيم (ابْنُ نُجَيْمٍ الحَنَفِي)، مطبعة مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة: 1355 هـ - 1936 م. 124 - " فتح المغيث بشرح ألفية الحديث " لعبد الرحيم العراقي، طبع بالقاهرة: الطبعة الأولى: 1355 هـ - 1937 م. 125 - " فتوح البلدان " لأبي الحسن البلاذري، مطبعة السعادة بالقاهرة:1959 م. 126 - " فتوح مصر وأخبارها " لعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الله بن عبد الحكم، طبع ليدن: 1920 م.

127 - " فجر الإسلام " لأحمد أمين، نهضة مصر بالقاهرة، الطبعة السابعة: 1959 م. 128 - " الفرق بين الحديث القدسي والقرآن والحديث النبوي " لنوح بن مصطفى القونوي، مخطوط بدار الكتب المصرية. 129 - " الفرق بين الفرق " لعبد القاهر بن محمد البغدادي، طبع دار المعارف بالقاهرة. 130 - " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " لمحمد بن علي الشوكاني، بتحقيق عبد الرحمن بن يحيى اليماني، الطبعة الأولى: 1380 هـ - 1960 م. 131 - " فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت " لعبد العلي محمد اللَّكْنَوِي، طبع بالهند. 132 - " قبول الأخبار ومعرفة الرجال " لأبي القاسم عبد الله بن أحمد البلخي، مخطوط - دار الكتب المصرية. 133 - " قواعد التحديث " لجمال الدين القاسمي، طبع بدمشق: 1352 هـ - 1935 م. 134 - " القياس في الشرع الإسلامي " لتقي الدين أحمد بن تيمية، المطبعة السلفية بالقاهرة: 1375 هـ. 135 - " الكامل في التاريخ " لعلي بن محمد عز الدين (ابن الأثير) الجزري، المطبعة المنيرية بالقاهرة: 1348 هـ. 136 - " الكامل في معرفة ضعفاء المحدثين وعلل الحديث " لأبي أحمد عبد الله ابن عدي الجرجاني، مخطوط دار الكتب المصرية، تحت رقم (95) مصطلح. 137 - كتاب " العلم " لزهير بن حرب، مخطوط - المكتبة الظاهرية بدمشق. 138 - " كتاب العلم " لعبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، مخطوط - المكتبة الظاهرية بدمشق.

139 - " الكشف الإلهي عن شديد الضعف والموضوع والواهي " لمحمد بن محمد السندروسي، مخطوط - دار الكتب المصرية. 140 - " الكفاية في علم الرواية " للخطيب البغدادي، طبع بالهند: 1357 هـ. 141 - " اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " لجلال الدين السيوطي، طبع بمصر: 1317 هـ. 142 - " لسان العرب " لأبي الفضل محمد بن مكرم المعروف بابن منظور الإفريقي، الطبعة الأولى: 1302 هـ. 143 - " لسان الميزان " لابن حجر، طبع الهند: 1329 هـ. 144 - " اللطائف في دقائق المعارف من علوم الحفاظ الأعارف " للحافظ محمد بن أبي بكر الأصبهاني المدني. مخطوط الظاهرية بدمشق. 145 - " مجمع الزوائد ومنبع الفوائد " لنور الدين الهيثمي، طبع القدسي بالقاهرة: 1353 هـ. 146 - " مجموعة الوثائق السياسية " للدكتور محمد حميد الله الحيدر آبادي، طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة، الطبعة الثانية: 1958 م. 147 - " المحبر " لمحمد بن حبيب، طبع بالهند: 1361 هـ - 1942 م. 148 - " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي " للحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي، مخطوط - دار الكتب المصرية. 149 - " مختصر كتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول " لأبي القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل (أبو شامة) طبع مصر ضمن مجموعة: 1328 هـ. 150 - " المدخل إلى السنة وعلومها " للدكتور محمد معروف الدواليبي، مطبعة الجامعة السورية بدمشق: 1375 هـ - 1956 م.

151 - " المدخل إلى علم أصول الفقه " للدكتور محمد معروف الدواليبي، مطبعة الجامعة السورية بدمشق، الطبعة الثانية: 1374 هـ - 1955 م. 152 - " المدخل في أصول الحديث " لأبي عبد الله النيسابوري (الحاكم)، طبع بإشراف الشيخ راغب الطباخ بحلب. 153 - " المدخل لدراسة القرآن الكريم " للدكتور محمد محمد أبو شهبة، مطبعة الأزهر بالقاهرة: 1377 هـ - 1958 م. 154 - " مسالك الأبصار في ممالك الأمصار " لابن فضل الله العمري، طبع دار الكتب المصرية. 155 - " المستدرك على الصحيحين " لأبي عبد الله النيسابوري (الحاكم)، طبع حيدر آباد: 1341 هـ. 156 - " مسند الإمام أحمد " للإمام أحمد بن حنبل الشيباني، بتحقيق أحمد محمد شاكر، طبع دار المعارف بالقاهرة. 157 - " مسند الإمام الشهيد زيد "، جمع عبد العزيز البغدادي، طبع بالقاهرة: 1340 هـ - 1920 م. 158 - " مسند عبد الله بن عمرو وصحيفته الصادقة " للسيد محمد سيف الدين عليش، رسالة ماجستير في مكتبة كلية دار العلوم. 159 - " مصادر الشعر الجاهلي " للدكتور [ناصر] الدين الأسد، دار المعارف بالقاهرة: 1956 م. 160 - " المصباح المضيء " لمحمد بن علي الأنصاري، مخطوط - مكتبة الأوقاف بحلب. 161 - " مصنف ابن أبي شيبة " لأبي بكر بن أبي شيبة، مخطوطة الظاهرية. 162 - " معجم البلدان " لياقوت الحموي، مطبعة السعادة، الطبعة الأولى: 1323 هـ - 1906 م.

163 - " معجم المؤلفين " لعمر رضا كحالة، مطبعة الترقي بدمشق: 1376 هـ - 1957 م. 164 - " معرفة السنن والآثار " لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، فيلم في معهد المخطوطات بالجامعة العربية، عن مخطوط بالجامعة الأمريكية في بيروت. 165 - " المغازي الأولى ومؤلفوها " للمستشرق يوسف هورفتس، ترجمة حسين نصار، طبع مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة. 166 - " المقاصد الحسنة " لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، بتحقيق عبد الله محمد الصديق، مصر: 1375 هـ - 1956 م. 167 - " مقدمة التمهيد " لأبي عمر يوسف بن عبد البر، مخطوط: مصورة معهد المخطوطات بالجامعة العربية. 168 - " الملل والنحل " لمحمد بن عبد الكريم الشهرستاني، بتحقيق محمد بن فتح الله بدران، الطبعة الأولى بمصر. 169 - " المنار " لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر (ابن قيم الجوزية) مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة. 170 - " المنار " (مجلة) بحث للسيد رشيد رضا حول كتابة الحديث. 171 - " المنتقى من منهاج الاعتدال " لتقي الدين أحمد بن تيمية، اختصر الذهبي من " منهاج السنة " بتحقيق محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية بالقاهرة: 1374 هـ. 172 - " المنهج الحديث في علوم الحديث " للدكتور محمد محمد السماحي، مطبعة الأزهر بالقاهرة: 1377 هـ - 1958 م. 173 - " منهج ذوي النظر " لمحمد محفوظ بن عبد الله الترمسي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الثالثة: 1374 هـ - 1955 م.

174 - " الموطأ " للإمام مالك بن أنس، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، طبع مصر، عيسى الحلبي: 1370 هـ. 175 - " ميزان الاعتدال " للحافظ شمس الدين الذهبي، مطبعة السعادة بالقاهرة، الطبعة الأولى: 1325 هـ. 176 - " النجوم الزاهرة " ليوسف بن تغري بردي، مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة: 1348 هـ - 1929 م. 177 - " نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي " للدكتور علي حسن عبد القادر، مطبعة العلوم بمصر، الطبعة الثانية: 1375 هـ - 1956 م. 178 - " نور اليقين " لمحمد الخضري بك، طبع دار الأدب العربي بالقاهرة، الطبعة الثانية عشرة: 1374 هـ - 1955 م. 179 - " وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان " لأحمد بن محمود (ابن خلكان) مصر، المطبعة الميمنية: 1310 هـ. 180 - " الولاة والقضاة " لأبي عمر محمد بن يوسف الكندي المصري، تحقيق (رفن كست) طبع بيروت: سنة 1908 م. ... المراجع الأجنبية (¬1) Histoire Générale des religions -Paris (VIIe) 1948 - Quillet. Shorter Encyclopaedia of Islam by H. A. R. Gill,I. H. Kramer, 1953 London. ¬

_ (¬1) رجعنا إليها لنقل آراء المستشرقين والرد عليها.

فهرس الموضوعات:

فهرس الموضوعات: ----- الموضوع ---------------------------------------------------------------- الصفحة تقديم الكتاب بقلم فضيلة الأستاذ علي حسب الله .......................................... 1 المقدمة ...................................................................................... 1 التمهيد، وفيه ............................................................................... 9 أولا: التعريف بالسنة: ...................................................................... 14 1 - السنة في اللغة ......................................................................... 14 2 - السنة في الشرع ....................................................................... 15 (أ) السنة في اصطلاح المحدثين ........................................................... 16 (ب) السنة في اصطلاح علماء أصول الفقه .............................................. 16 (ج) السنة في اصطلاح الفقهاء ........................................................... 18 3 - معنى الحديث والخبر والأثر ........................................................... 20 الحديث القدسي ............................................................................. 22 ثانيًا: موضوع السنة ومكانتها من القرآن الكريم ........................................ 23 الباب الأول: السنة في العهد النبوي ...................................................... 29 تمهيد: ...................................................................................... 31 [- 1 - ] الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ............................................... 32 (أ) معلم ومرب ................................................................. 32 (ب) تجاوبه مع دعوته ........................................................ 34

----- الموضوع ---------------------------------------------------------------- الصفحة (ج) موقف الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من العلم ................................. 36 1 - حض الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على طلب العلم ........................... 37 2 - حضه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على تبليغ العلم ................................... 40 3 - منزلة العلماء (المعلمين) ............................................................ 42 4 - منزلة طلاب العلم .................................................................... 42 5 - وصية الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بطلاب العلم ............................. 44 (د) منهجه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التعليم .............................. 46 تعليم النساء .................................................................... 51 [- 2 - ] مادة السنة ..................................................................... 56 [- 3 - ] كيف كان الصحابة يتلقون السنة عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ............................................. 57 (أ) حوادث كانت تقع للرسول نفسه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيبين حكمها ..................................... 60 (ب) حوادث كانت تقع للمسلمين فيسألون الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيجيبهم .......................... 61 (ج) وقائع وحوادث شاهد فيها الصحابة تصرفات الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فنقولوها إلى خلفهم ... 65 [- 4 - ] انتشار السنة في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .............. 68 عوامل انتشار السنة .................................................. 68 1 - نشاط الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ........................ 69

----- الموضوع ---------------------------------------------------------------- الصفحة 2 - طبيعة الإسلام ونظامه الجديد ................................... 69 3 - نشاط أصحاب الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ............... 69 4 - أمهات المؤمنين - رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ - ........................... 69 5 - الصحابيات - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِنَّ - .............................. 70 6 - رسله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبعوثه وولاته ................. 70 7 - غزوة الفتح الأعظم .............................................. 72 8 - حجة الوداع ...................................................... 73 9 - الوفود بعد الفتح الأعظم وحجة الوداع ......................... 73 الباب الثاني: السنة في عصر الصحابة والتابعين ........................................ 75 الفصل الأول: وفي أربعة مباحث ..................................... 77 - بين يدي الفصل ..................................................... 77 - المبحث الأول: اقتداء الصحابة والتابعين بالرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتمسكهم بسنته ...... 80 - المبحث الثاني: احتياط الصحابة والتابعين في رواية الحديث ............ 92 رأي ابن عبد البر في منهج عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ........................ 99 رأي الخطيب البغدادي في منهج عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ................... 103 مناقشة ما روي حول حبس عمر بعض الصحابة لإكثارهم من رواية الحديث ........ 106 - المبحث الثالث: تثبت الصحابة والتابعين في قبول الحديث ........................... 112 (أ) تثبت أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في قبول الأخبار ........................ 112

----- الموضوع ---------------------------------------------------------------- الصفحة (ب) تثبت عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في قبول الأخبار ...................... 112 (ج) تثبت عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في الحديث ....................................... 116 (د) تثبت علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في الحديث ........................... 116 (هـ) تثبت التابعين في قبول الأخبار .................................................... 124 - المبحث الرابع: كيف روي الحديث في ذلك العصر باللفظ أم بالمعنى؟ .............. 126 الفصل الثاني: وفيه ثلاثة مباحث ........................................................ 144 - المبحث الأول: النشاط العلمي في عصر الصحابة والتابعين ......................... 144 وفيه أهم الأسس التربوية التي نهجها الصحابة والتابعون في التعليم ................ 153 1 - مراعاة أحوال المحدثين ......................... 153 2 - الحديث لمن هو أهل له ......................... 153 3 - طلب الحديث بعد القرآن الكريم ................. 155 4 - عدم تتبع المنكر من الحديث .................... 155 5 - التنويع والتغيير دفعًا للملل ..................... 156 6 - احترام حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتوقيره ...... 158 7 - مذاكرة الحديث ................................... 159 - المبحث الثاني: انتشار الحديث في عصر الصحابة والتابعين ....................... 163 وفيه أهم المراكز العلمية والقائمين عليها في الأمصار الإسلامية .................... 164 1 - المدينة المنورة ................................... 164

----- الموضوع ---------------------------------------------------------------- الصفحة 2 - مكة المكرمة ................................... 165 3 - الكوفة .......................................... 167 4 - البصرة ......................................... 167 5 - الشام ........................................... 168 6 - مصر ........................................... 170 7 - المغرب والأندلس ............................. 171 8 - اليمن .......................................... 173 9 - خراسان ....................................... 173 - المبحث الثالث: الرحلة في طلب الحديث ....................... 176 الباب الثالث: الوضع في الحديث ......................................................... 185 الفصل الأول: ابتداء الوضع وأسبابه ............................ 187 أولا - ابتداء الوضع .............................. 187 ثانيًا - أسباب الوضع ............................ 194 1 - الأحزاب السياسية: (أ) أثر الشيعة وخصومهم في وضع الحديث .................. 195 (ب) الخوارج ووضع الحديث .................................. 204 2 - أعداء الإسلام (الزنادقة) ................................................. 206 3 - التفرقة العنصرية والتعصب للقبيلة والبلد والإمام ..................... 208 4 - القصاصون ............................................................... 210

----- الموضوع ---------------------------------------------------------------- الصفحة 5 - الرغبة في الخير مع الجهل بالدين ................................. 213 6 - الخلافات المذهبية والكلامية ........................................ 215 7 - التقرب من الحكام وأسباب أخرى ................................... 216 الفصل الثاني: جهود الصحابة والتابعين وأتباعهم في مقاومة الوضع وحفظ الحديث ... 319 أولاً - التزام الإسناد ............................................... 220 ثانيًا - مضاعفة النشاط العلمي والتثبت في الحديث ............ 226 ثالثًا - تتبع الكذبة ................................................ 230 رابعًا - بيان أحوال الرواة ........................................ 232 خامسًا - وضع قواعد لمعرفة الموضوع من الحديث ........... 239 (أ) علامات الوضع في السند ................ 239 (ب) علامات الوضع في المتن .............. 241 الفصل الثالث: آراء بعض المستشرقين وأشياعهم في السنة ونقدها ................... 249 أولاً - رأي جولدتسيهر، ومناقشته ............................ 249 ثانيًا - رأي غاستون ويت، ومناقشته ........................ 254 ثالثًا - رأي الأستاذ أحمد أمين، ومناقشته .................... 255 الفصل الرابع: أشهر ما ألف في الرجال والموضوعات وهو ثمار جهود العلماء في المحافظة على الحديث ................ 260 أولاً - أشهر الكتب التي ألفت في الصحابة ................... 261 ثانيًا - أشهر ما صنف في تواريخ الرجال وأحوالهم ......... 264

----- الموضوع ---------------------------------------------------------------- الصفحة (أ) كتب في تواريخ الرجال وأحوالهم ....................... 265 (ب) كتب في طبقات الرواة .................................. 273 ثالثًا - كتب في معرفة الأسماء والكنى والألقاب والأنساب ............... 275 (أ) كتب في الأسماء والكنى والألقاب ....................... 276 (ب) كتب الأنساب ............................................ 279 رابعًا - كتب في الجرح والتعديل .............................. 280 خامسًا - المؤلفات في الموضوعات .......................... 287 الباب الرابع: متى دُوِّنَ الحديث؟ ........................................................ 293 الفصل الأول: حول تدوين الحديث ............................................ 295 1 - الكتابة عند العرب قبيل الإسلام ......................... 295 2 - الكتابة في العصر النبوي وصدر الإسلام ............... 298 أولاً - ما روي عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الكتابة ......... 303 (أ) ما روي من كراهة الكتابة ............................. 303 (ب) ما روي من إباحة الكتابة، ومناقشة ذلك ........... 303 ثانيًا - كتابة الحديث في عصر الصحابة ..................................... 309 عرض ما روي عن الصحابة من أخبار في كراهة الكتابة وإباحتها، ومناقشة ذلك.

----- الموضوع ---------------------------------------------------------------- الصفحة ثالثًا - التدوين في عصر التابعين ............................................ 321 عرض ما روي عن التابعين من كراهة الكتابة وإباحتها، ومناقشة ذلك. رابعًا - خدمة عمر بن عبد العزيز للسنة .................................... 328 خامسًا - المصنفون الأوائل في الحديث ..................................... 337 أهم نتائج هذا الفصل ................................... 340 الفصل الثاني: ما دون في صدر الإسلام ................................................ 343 عرض تاريخي دقيق لأكثر الصحف التي دونت في عهده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي صدر الإسلام. ومن أبرز ما عرضناه: - " الصحيفة الصادقة " لعبد الله بن عمرو بن العاص ................... 348 - " صحيفة جابر بن عبد الله الأنصاري " ................................ 352 - " الصحيفة الصحيحة " لهمام بن منبه ................................. 355 الفصل الثالث: آراء في التدوين ........................................................ 362 1 - رأي الشيخ محمد رشيد رضا، ومناقشته ............................ 362 2 - رأي الشيعة في تدوين الحديث ....................................... 364 (أ) رأي السيد حسن الصدر، ومناقشته ........................... 364 (ب) " مجموع " الإمام زيد ....................................... 368 [1] الإمام زيد ........................................ 368 [2] راوي " المجموع " ............................. 369 [3] " المجموع " .................................... 370

----- الموضوع ---------------------------------------------------------------- الصفحة 3 - رأي في التدوين الرسمي ............................ 373 وهو ما تبين لي أثناء البحث حول محاولة أمير مصر عبد العزيز بن مروان تدوين الحديث. 4 - المستشرقون وآراؤهم في تدوين الحديث .......... 375 نتائج هذا الفصل ......................................... 381 الباب الخامس: أعلام رواة الحديث من الصحابة والتابعين ............................. 383 الفصل الأول: بعض أعلام الرواة من الصحابة ................................... 385 1 - تعريف الصحابي، لغة وشرعًا ................... 387 2 - طبقات الصحابة ................................... 391 3 - كيف يعرف الصحابي؟ ........................... 393 4 - عدالة الصحابة .................................... 394 [1] أدلة عدالة الصحابة من الكتاب ...... 398 [2] أدلة عدالة الصحابة من السنة ....... 400 5 - عدد الصحابة ..................................... 405 6 - علم الصحابي .................................... 407 7 - المكثرون من الصحابة .......................... 409 (1) - أَبُو هُرَيْرَةَ: ................................ 411 1 - التعريف به ........................ 411 2 - إسلامه ............................. 412

----- الموضوع ---------------------------------------------------------------- الصفحة 3 - فقره وعفافه ................................... 413 4 - كرمه ........................................... 414 5 - ولايته على البحرين .......................... 415 6 - اعتزاله الفتن ................................. 416 7 - مرحه ومزاحه ................................ 417 8 - وفاته .......................................... 418 9 - حياته العلمية ................................. 420 10 - حفظ أبي هريرة ............................. 427 11 - أبو هريرة والفتوى ......................... 248 12 - شيوخه ومن روى عنه ..................... 429 13 - عدة ما روي عنه من الحديث ............. 430 14 - الثناء على أبي هريرة ..................... 431 15 - أصح الطرق عن أبي هريرة ............... 434 الرد على الشبه التي أثيرت حول أبي هريرة ................................................................ 436 1 - عمر وأبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - ............................................... 438 2 - هل تشيع أبو هريرة للأمويين؟ ....................................................... 439 3 - هل وضع أبو هريرة الأحاديث كذبًا على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ .... 441 4 - كثرة حديثه: مناقشة ذلك ............................................................ 446 5 - هل كان الصحابة يكذبون أبا هريرة ويردون أحاديثه؟ ............................. 455

----- الموضوع ---------------------------------------------------------------- الصفحة [أ] هل ضرب عمر أبا هريرة لكثرة روايته؟ ........................... 457 [ب] أبو هريرة وعثمان بن عفان ...................................... 459 [ج] أبو هريرة وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - ............ 460 [د] أبو هريرة وعائشة - رضي الله عنهما - ......................... 461 - وضوح تحامل أعداء السنن على أبي هريرة ........................ 464 - شهادة ابن خزيمة في أبي هريرة .................................... 467 (2) - عبد الله بن عمر بن الخطاب .............................. 469 (3) - أنس بن مالك .............................................. 472 (4) - عائشة أم المؤمنين ........................................ 474 (5) - عبد الله بن عباس ......................................... 476 (6) - جابر بن عبد الله الأنصاري ............................... 478 (7) - أبو سعيد الخدري ......................................... 480 الفصل الثاني: بعض أعلام الرواة من التابعين ................................... 481 من يعد تابعيا؟ وأشهر التابعين ........................................ 483 (1) - سعيد بن المسيب ......................................... 485 (2) - عروة بن الزبير .......................................... 487 (3) - ابن شهاب الزهري .......................... 489 1 - التعريف به - ولادته - نشأته ................. 489 2 - طلبه العلم ..................................... 489 3 - حفظه .......................................... 491

----- الموضوع ---------------------------------------------------------------- الصفحة 4 - علمه وآثاره ..................................... 492 5 - عدة أحاديثه ومنزلة روايته .................... 496 6 - أشهر من روى عنه ............................ 497 7 - أقوال العلماء في ابن شهاب الزهري .......... 498 8 - وفاته ............................................ 500 رد الشبهات التي أثيرت حول الزهري ................................................. 501 [رَأْيُ اليَعْقُوبِي وَجُولْدتْسِيهِرْ فِي ابْنِ شِهَابٍ] ........................ 502 1 - ليس من المعقول أن يمنع عبد الملك بن مروان أهل الشام من الحج .................................................................... 504 2 - لم تذكر المصادر الإسلامية أن عبد الملك هو الذي بنى قبة الصخرة ..................................................................... 505 3 - لم يحمل عبد الملك الناس على الحج إلى المسجد الأقصى والزهري أرفع من أن يكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ...... 508 [أ] صلة الزهري بالأمويين ............................................ 508 [ب] استحالة ما ادعاه اليعقوبي و (جولدتسيهر) تاريخيا ........... 511 4 - لم يكن الزهري صديقًا قديمًا لعبد الملك، ولم يتفرد وحده برواية الأحاديث التي وردت في فضائل بيت المقدس ...................... 513

----- الموضوع ---------------------------------------------------------------- الصفحة (4) - نافع مولى ابن عمر ......................................... 516 (5) - عبيد الله بن عبد الله بن عتبة .............................. 518 (6) - سالم بن عبد الله بن عمر .................................. 519 (7) - إبراهيم بن يزيد النخعي .................................... 520 (8) - عامر بن شراحيل الشعبي .................................. 522 (9) - علقمة بن قيس النخعي ..................................... 524 (10) - محمد بن سيرين .......................................... 526 الخاتمة: .................................. 528 ملحق: ................................... 537

فهرس الآيات القرآنية الكريمة:

فهرس الآيات القرآنية الكريمة: --------- الآية ---------------------------------- السورة ورقم الآية ------------ الصفحة - الهمزة - - اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ----[سورة العلق، الآية: 1]---- 36. - الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ ----[سورة الأعراف، الآية: 157]---- 297. - الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ----[سورة المائدة، الآية: 3]---- 74، 252. - إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ----[سورة الكهف، الآية: 6]---- 20. - إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ----[سورة الحجر، الآية: 9]---- 291. - أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ----[الحديد: 16]---- 470. - إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ----[سورة الفتح، الآية: 10]---- 24. - إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ----[سورة البقرة، الآية: 159]----424. - إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ----[سورة لقمان، الآية: 34]----244. - إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ----[سورة القصص، الآية: 56]----35. - الشين - -شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ----[سورة آل عمران، الآية: 18]----36. - الفاء - - فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ----[سورة النحل، الآية: 43] و [سورة الأنبياء: 7]----36. - فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ----[سورة الانشقاق، الآية: 8]----70. - فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ----[سورة النساء، الآية: 65]----24، 77. - فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ ----[سورة الكهف، الآية: 6]----35. - فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ----[سورة التوبة، الآية: 122]----36.

- القاف -

--------- الآية ---------------------------------- السورة ورقم الآية ------------ الصفحة - القاف - - قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ----[سورة طه، الآية: 52]----328، 336. - قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ----[سورة الزمر، الآية: 9]----36. - قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ----[سورة الأعراف، الآية: 158]----9. - الكاف - - كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ----[سورة آل عمران، الآية: 110]----13، 402 - اللام - - لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ ----[سورة الفتح، الآية: 18]----399. - لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ----[سورة الأحزاب، الآية: 21]----80، 85، 86، 101. - لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ ----[سورة الحشر، الآية: 8]----398. - الميم - - مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ----[سورة الزمر، الآية: 3]----11. - مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ----[سورة الفتح، الآية: 29]----398. - مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ----[سورة النساء، الآية: 80]----24. - النون - - نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ----[سورة يوسف، الآية: 3]----312. - الهاء - - هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً ----[سورة الجمعة، الآية: 2]----33، 296. - الواو - - وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ----[سورة آل عمران، الآية: 187]----36. - وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ----[سورة البقرة، الآية: 170]----12. - وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ----[سورة المائدة، الآية: 104]----12.

- لا -

--------- الآية ---------------------------------- السورة ورقم الآية ------------ الصفحة - وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ----[سورة آل عمران، الآية: 132]---- 78. - وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ----[سورة المائدة، الآية: 92]---- 24. - وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا ----[سورة الأنفال، الآية: 74]---- 398. - وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ ----[سورة الحشر، الآية: 9]---- 398. - وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ----[سورة الحشر، الآية: 10]---- 399. - وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ----[سورة التوبة، الآية: 34]---- 41. - وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ ----[سورة التوبة، الآية: 100]---- 398. - وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ----[سورة المائدة، الآية: 38]---- 26. - وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ----[سورة النجم، الآية: 1]---- 198. - وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ -----[سورة الضحى، الآية: 11]----- 20. - وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ----[سورة الحجرات، الآية: 9]---- 404. - وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ----[سورة الشعراء، الآية: 214]---- 9. - وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ----[سورة النساء، الآية: 113]---- 34. - وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ----[سورة القلم، الآية: 4]---- 34. - وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ----[سورة الزخرف، الآية: 44]---- 13. - وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ----[سورة الحديد، الآية: 21]---- 465. - وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ----[سورة الأحزاب، الآية: 46]----[أ]، 9. - وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ----[سورة طه، الآية: 114]---- 36. - وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ----[سورة البقرة، الآية: 143]---- 401. - وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ----[سورة الحشر، الآية: 7]---- 24، 77. - لا - - لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ----[سورة النساء، الآية: 29]---- 26.

- الياء -

--------- الآية ---------------------------------- السورة ورقم الآية ------------ الصفحة - الياء - - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ ----[سورة الحجرات، الآية: 6]----235. - يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ----[سورة المائدة، الآية: 67]----9. - يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ----[سورة المجادلة، الآية: 11]----36. - يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ----[سورة التوبة، الآية: 32]----400. - يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ----[سورة الأعراف، الآية: 187]----244. - يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ----[سورة النساء، الآية: 11]----25.

فهرس الأحاديث النبوية:

فَهْرَسُ الأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ: -------------الحديث --------------------------------------------------- الصفحة - الهمزة - - أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ ............................................... 62 - ادْنُهْ ... أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ .......................................................... 49 - إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ............................................................ 114 - إِذَا تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ ثَلاَثًا لِكَيْ يُفْهَمَ عَنْهُ ........................................... 50 - إِذَا جَاءَ المَوْتُ طَالِبَ العِلْمِ .................................................. 43 - إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ ................................................................ 54 - إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ ........................................................ 33 - إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ ........................................................ 120 - إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ ............................................... 33 - إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثَةِ ................................. 39 - اذْهَبْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ ...................................... 71 - أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ ................................................... 27 - ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ ...................................................... 61 - ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ ........................................................... 58 - اسْتَعِنْ عَلَى حِفْظِكَ بِيَمِينِكَ ................................................. 304 - أَصَبْتَ السُنَّةَ ................................................................ 17 - اغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُسْتَمِعًا ............................................ 38 - اقْرَأْ، (لِهِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ بنَ حِزَامٍ) .......................................... 65

-------------الحديث --------------------------------------------------- الصفحة - اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلاَّ حَقٌّ ................................ 304 - اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ ................................................................ 305 - اكْتُبُوا وَلاَ حَرَجَ ................................................................ 304 - أَلاَ تُعَلِّمِينَ هَذِهِ رُقْيَةَ النَّمْلَةِ .................................................... 300 - أَلاَ هَلْ بَلَّغتُ؟ اللهُمَّ فَاشْهَدْ .................................................... 73 - العَالِمُ وَالمُتَعَلِّمُ شَرِيكَانِ فِي الأَجْرِ ............................................ 42 - العُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ .......................................................... 42، 180 - ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ ........................................ 404 - اجْمَعْهَا فَصُرَّهَا إِلَيْكَ ........................................................... 421 - أَلاَ أَخْبَرْتِيهَا أَنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ؟ ................................................... 64 - أَلاَ تَسْأَلُنِي مِنْ هَذِهِ الْغَنَائِمِ الَّتِي يَسْأَلُنِي أَصْحَابُكَ؟ .......................... 421 - اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لاَ تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي ............................. 401 - اللَّهُمَّ أَلْهِمْهُ الحِكْمَةَ ............................................................ 352، 476 - اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ ........................................... 39 - أَمَّا هَذَا لَوْ خَشَعَ قَلْبُهُ لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ ....................................... 372 - أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ............................. 81 - أَمَرَهَا أَنْ تَحِلَّ (فاطمة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -) ................................. 121 - النَّاسُ مَعَادِنُ .................................................................. 37 - النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ .......................................................... 401 - إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ ................. 61

-------------الحديث --------------------------------------------------- الصفحة - إِنَّ عَبْدَ اللهِ رَجُلٌ صَالِحٌ ...................................................... 235 - إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا ................................ 465 - إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ .......................................... 191 - إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَطْعَمَ نَبِيًّا طُعْمَةً ........................................ 80 - إِنَّ الله ... لاَ يَسْتَحِي مِنَ الحَقِّ .............................................. 45، 63 - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ أَهْلِ هَجَرَ ..... 146 - إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي بَقِيَّةِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٌ ............................................ 347 - إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَرَمًا وَإِنَّ الْمَدِينَةُ حَرَمِي ...................................... 442 - إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ ........................................... 297 - إِنَّا لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ ................................................. 116 - إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ............................................ 71 - إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ ....................................................... 53 - إِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا .......................... 51، 463 - إِنَّهُ سَيَأْتِي بَعْدِي قَوْمٌ يَسْأَلُونَكُمْ الحَدِيثَ ..................................... 44 - أَوْتَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ ........................ 66 - أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ...................................... 78 - إِنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْدًا ........................................................... 87 - إِنِّى ذَكَرْتُ أَنِّى كُنْتُ جُنُبًا .................................................... 66 - إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لاَ يَقُولُهَا عَبْدٌ حَقًّا .......................................... 146 - ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ ...................................................... 305، 309

- الباء -

-------------الحديث --------------------------------------------------- الصفحة - الباء - - بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ .............................................................. 235 - التاء - - تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا ................................ 77 - تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا .......................................... 1 - تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ ........................................................... 67، 103 - تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ............................................ 19 - الحاء - - حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ .......................... 90 - الخاء - - خُذُوا عَنِّي فِي غَيْرِ مَا حَدَّثْتُ وَبَلِّغُوا عَنِّي ..................................... 101 - خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ ............................................................ 25 - خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ ......................................................... 166 - خَيْرُ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ ............................................................... 52 - خَيْرُ [النَّاسِ] قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ......................................... 401 - الدال - - دَعُوهُ فَلَوْ قُدِّرَ أَنْ يَكُونَ لَكَانَ ................................................... 472 - الراء - - رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ................... 66 - رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ ...................... 89

- السين -

-------------الحديث --------------------------------------------------- الصفحة - رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ قَائِمًا .......................... 84 - رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ ظَاهِرَهُمَا .................. 84 - رَأَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَقُمْنَا ............................... 86 - رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ .......................... 146 - رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ ............................................................. 121 - الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ ............................................ 459 - السين - - سَبَقَكُمْ بِهَا الْغُلاَمُ الدَّوْسِيُّ .......................................... 421 - سَتَكُونُ فِتَنٌ، القَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ القَائِمِ ........................... 417 - سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ ....................................................... 63 - سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ .......................................... 121 - سَيَأْتِيكُمْ أَقْوَامٌ يَطْلُبُونَ العِلْمَ ......................................... 45 - الصاد - - الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ .................................................................. 67 - الصَّلاَةَ فِي المَسْجِدِ الأَقْصَى تَعْدِلُ أَلْفَ صَلاَةٍ .................................. 503 - صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِى أُصَلِّى .................................................... 25، 58 - الطاء - - طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ...................................... 37 - طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي، وطُوبَى لِمَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي .............. 484 - العين - - عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا .......................................................... 52

- الفاء -

-------------الحديث --------------------------------------------------- الصفحة - عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ ......................................... 19 - عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ ............................................. 372 - عُودُوا لِلَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ ........................................................... 420 - الفاء - - فَضْلُ العِلْمِ خَيْرٌ مِنْ فَضْلِ العِبَادَةِ .............................................. 43 - فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ .................................. 37 - فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ ... الْعُشْرَ ........................................ 16 - القاف - - قَتَلُوهُ!! قَتَلَهُمُ اللَّهُ!! أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعِىِّ السُّؤَالَ؟! ........................... 38 -[قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ، وَأَسْلَمُ وَغِفَارٌ، - أَوْ غِفَارٌ وَأَسْلَمُ -] ..................... 128. - قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ ................................................................ 114 - قُومُوا عَنِّي، وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ ....................................... 305 - قيِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكِتَابِ ........................................................... 304 - الكاف - - كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا .............................................. 51 - كَانَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ .................................................... 33 - كَانَ القُرْآنُ خُلُقَهُ .............................................................. 33 - كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِالمَوْعِظَةِ ......................... 48 - كَانَ لاَ يَسْرِدُ الكَلاَمَ ........................................................... 51. - كِتَابٌ غَيْرَ كِتَابِ اللَّهِ ......................................................... 303. - كَفَى بِالمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ .................................... 95، 103.

- اللام -

-------------الحديث --------------------------------------------------- الصفحة - كَلاَّ إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ ......................................................... 61 - كَيْفَ تَصْنَعُ إِنْ عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟ ............................................. 17 - اللام - - لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا ............................................................ 52 - لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي ................ 83 - لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَلاَّ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ .......... 21، 420، 431 - لَمْ يَكُنْ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاحِشًا ..................................... 33 - لَيْسَ مِنْ أُمَّتِى مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا ............................................ 42 - لَيْسَ مِنْ امْبِرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَرِ ............................................ 50 - لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ ............................................................ 60 - الميم - - مَا أُحِبُّ لَوْ أَنَّ لِي هَذَا الْجَبَلَ ذَهَبًا ............................................ 84 - مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا ......................... 53 - مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ........................................... 453 - مَا مِنِ امْرَأَةٍ تُقَدِّمُ ثَلاَثًا مِنَ الوَلَدِ ............................................. 54 - مَا مِنْ خَارِجٍ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ فِي طَلَبِ العِلْمِ .................................. 180 - مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا، فَيَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ .......................... 116 - مَثَلُ الذِي يَتَعَلَّمُ عِلْماً ثُمَّ لاَ يُحَدِّثُ بِهِ ........................................ 41 - مَرْحَبًا بِطَالِبِ الْعِلْمِ ........................................................... 44

-------------الحديث --------------------------------------------------- الصفحة - مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَرَامِ اللهِ وَحَلاَلِهِ .................................. 166 - مُعَلِّمُ الْخَيْرِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ ............................................... 42 - مَلْعُونٌ مَنْ سَرَقَ تُخُومَ الأَرْضِ ................................................ 343 - مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ............................................ 82 - مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ................................. 18 - مَنْ اصْطَبَحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ .............................................. 255، 257، 537 - مَنِ الْقَوْمُ؟ ...................................................................... 40 - مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ................................... 94، 191 - مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ .............................................................. 70 - مَنْ رَوَى عَنِّي حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبَيْنِ ................. 95 - مَنْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا .................................. 463 - مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ ....................................................... 41 - مَنْ سَتَرَ مُؤْمِنًا ................................................................. 177 - مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا ............................................. 180 - مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً ........................................................... 14 - مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ .............................................. 424 - مَنْ طَلَبَ عِلْمًا فَأَدْرَكَهُ ........................................................ 43 - مَنْ غَدَا إلَى الْمَسْجِدِ لاَ يُرِيدُ إلاَّ أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا .............................. 43 - مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ .............................. 98

- النون -

-------------الحديث --------------------------------------------------- الصفحة - مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ...................................... 222. - مَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ القُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ ............................................ [303، 307]، 320. - مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ............................... 94، 95، 108، 214، 431، 458. - مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ......................................... 37. - المُوبِقَاتُ: تَرْكُ السُّنَّةِ ......................................................... 145. - مَوْعِدُكُنَّ بَيْتُ فُلاَنٍ ............................................................ 54. - النون - - نَحْنُ مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ ............................. 25. - نَضَّرَ اللهُ امْرُءًا سَمِعَ مِنَّا حَدِيْثًا ............................................... 40، 134. - نَضَّرَ الله عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا .......................................... 40، 101، 103. - نَعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ ............................................................. 54. - نِعْمَ عَبْدُ اللهِ وَأَخُو الْعُشَيْرَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ .................................. 80. -[نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ] ................ 128. - الهاء - - هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ ............................................................... 49 - هَلْ هُوَ إِلاَّ بِضْعَةٌ مِنْك؟ ...................................................... 62. - هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ ............................................... 16. - الواو - - وَاللَّهِ إِنِّي لأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ .................................... 64. - وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا ......................................... 43.

- لا -

-------------الحديث --------------------------------------------------- الصفحة - لا - - لاَ تَبْتَاعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ ........................................ 88 - لاَ تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي ..................................................... 400. - لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ ............................................ 502، 503، 514. - لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ .............................. 53. - لاَ تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ القُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ ........................... 303، 307. - لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ أَنْ يُصَلِّينَ فِي الْمَسْجِدِ ..................................... 88. - لاَ تَنْتَفِعُوا مِنَ المَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلاَ عَصَبٍ ........................................ 344. - لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ ........................................................... 38. - لاَ ضَرَر وَلاَ ضِرَارَ .............................................................. 16. - لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ ..................................................... 146. - لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ................................................................ 16. - لاَ يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ ...................... 255، 257. - لاَ يَرِثُ الْقَاتِلُ ................................................................... 26. - لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدكُمْ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ .................................... 17. - لاَ يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ اللَّهُ .............................................. 245. - لاَ يَلْبَسُ الحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا إِلاَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْهُ شَيْءٌ ............. 311. - الياء - - يَا بَرَاءُ كَيْفَ تَقُولُ إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ؟ ....................................... 134.

-------------الحديث --------------------------------------------------- الصفحة - يَا بِلاَلُ أَصْبِحُوا بِالصُّبْحِ فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ ....................................... 146. - يَا زَيْدُ تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُودَ .................................................... 39. - يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ؟ .................................................. 66. - يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا ............................................ 71. - يَعْجَبُ الرَّبُّ مِنْ عَبْدِهِ ......................................................... 85. - يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ .......................................................... 62. - يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ .............................................. 78.

فهرس الأحاديث الموضوعة:

فهرس الأحاديث الموضوعة: -------------الحديث --------------------------------------------------- الصفحة - الهمزة - - أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ الَّذِي وَضَّأَكَ لِلصَّلاةِ جِبْرِيلُ ................................. 200. - أَبْغَضُ الْكَلامِ إِلَى اللَّهِ الفَارِسِيَّةُ .............................................. 209. - أَبُو بَكْرٍ أَوْزَنُ أُمَّتِي، وَأَرْحَمُهَا ............................................... 203. - أَبُو بَكْرٍ وَزِيرِي ............................................................... 203. - أَخَذَ بِيَدِ عَلِيِّ ... ثُمَّ قال: هَذَا وَصِيِّي وَأَخِي ................................. 245. - أَخَذَ الْقَلَمَ مِنْ يَدِ عَلِيٍّ فَدَفَعَهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ .................................... 201. - إِذَا أَتَاكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ ............................. 205. - أَرْبَعُ مَدَائِنَ مِنْ مُدُنِ الجَنَّةِ فِي الدُّنْيَا ........................................ 209. - الأُمَنَاءُ عِنْدَ اللَّهِ ثَلاثَةٌ ....................................................... 201. - أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى مُبْغِضِي أَبِي بَكْرٍ .......................................... 203. - البَاذِنْجَانُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ .................................................. 242. - البَاذِنْجَانُ لِمَا أُكِلَ لَهُ ......................................................... 242. - اللَّهُمَّ أَرْكِسْهُمَا فِي الْفِتْنَة رَكْسًا ............................................. 202. - المُؤْمِنُ حُلْوٌ يُحِبُّ الحَلاَوَةَ ................................................... 243. - المَجَرَّةُ التِي فِي السَّمَاءِ عَرَقُ الأَفْعَى التِي تَحْتَ العَرْشِ ................... 207، 243. - النَّاسُ أَكْفَاءٌ إِلاَّ حَائِكٌ أَوْ حَجَّامٌ .............................................. 218. - النَّظَرُ إِلَى عَلِيٍّ عِبَادَةٌ ......................................................... 198. - الهَرِيسَةُ تَشُدُّ الظَهْرَ ......................................................... [244].

- التاء -

-------------الحديث --------------------------------------------------- الصفحة - إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَتَّخِذَ أَبَا بَكْرٍ وَالِدًا ........................................... 203. - إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ أَبَا بَكْرٍ خَلِيفَتِي عَلَى دِينِ اللَّهِ وَوَحْيِهِ .................... 200. - إِنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ يَكْرَهُ أَنْ يُخَطَّأَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ .......................... 200. - إِنَّ جَمَاعَةً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ... أَنْ يُحَوِّلَ الكِتَابَةَ مِنْ مُعَاوِيَةَ .................. 201. - إِنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً ... وَمِنْ أَسْفَلِهَا خَيْلٌ بُلْقٌ مِنْ ذَهَبٍ ..................... 211. - إِنَّ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثَمَانِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لِمَنْ أَحَبَّ أَبَا بَكْرٍ .... 201. - إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وَصِيًّا وَوَارِثًا ..................................................... 197. - إِنَّ كَلامَ الَّذِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ بِالْفَارِسِيَّةِ ........................................ 209. - التاء - - تَحْمِلُهُ الهَوَامُّ بِقُرُونِهَا ......................................................... 207. - الثاء - - ثَلاثَةٌ تُزِيدُ فِي الْبَصَرِ .......................................................... 243. - الجيم - - جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَرَقَةِ آسٍ أَخْضَرَ ......... 201. - الحاء - - حُبُّ عَلِيٍّ يَأْكُلُ السَّيِّئَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الحَطَبَ ............................. 198. - الخاء - - خُذْ هَذَا السَّهْمَ حَتَّى تَلْقَانِي بِهِ فِي الجَنَّةِ .................................... 201. - خَلَقْتُ أَنَا وَعَلِيٌّ مِنْ نُورٍ .................................................... 198. - خَيْرُ تِجَارَتِكُمُ البَزُّ ............................................................ 218.

- الدال -

-------------الحديث --------------------------------------------------- الصفحة - الدال - - دَعُونِي مِنَ السُّودَانِ ........................................................... 209. - السين - - سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، فَإِنْ أَدْرَكَهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِخَصْلَتَيْنِ ......................... 198. - سَيَأْتِي مِنْ بَعْدِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ ............................. 198. - العين - - عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ ... وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ مِنْ خَلْفِي ....................... 200. - عَوَجْ بْنُ عُنُقٍ الطَّوِيلِ (حَدِيثُ) ............................................... 243. - العين - - قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , مِمَّ رَبُّنَا؟ ................................................ 207. - الكاف - - كُلُّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَهُوَ مَخْلُوقٌ غَيْرُ اللَّهِ وَالقُرْآنِ .. 216. - اللام - - لَمَّا أُسْرِيَ بِي رَأَيْتُ فِي السَّمَاءِ خَيْلا مَوْقُوفَةً مُسْرَجَةً مُلْجَمَةً ............... 200. - لَمَّا أَنْ عُرِجَ بِالنَّبِيِّ ... فِي دَارِ مَنْ وَقَعَ هَذَا النَّجْمُ فَهُوَ خَلِيفَتِي ............. 197 - 198. - لَمَّا عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ قُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ........... 199. - لَوْ كَانَ الأَرُزُّ رَجُلا لَكَانَ حَلِيمًا ................................................ 242. - الميم - - مَا فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلا مَكْتُوبٌ ............................................... 201.

- الواو -

-------------الحديث --------------------------------------------------- الصفحة - مَثَلِي مَثَلُ شَجَرَةٍ، أَنَا أَصْلُهَا، وَعَلِيٌّ فَرْعُهَا ................................... 198. - مُعَلِّمُو صِبْيَانِكُمْ شِرَارُكُمْ ........................................................ 217 - 218، [241]. - مِقْدَارِ الدُّنْيَا وَأَنَّهَا سَبْعَةُ آلافِ سَنَةٍ ............................................ 244. - مَنِ اتَّخَذَ دِيكًا أَبْيَضَ لَمْ يَقْرَبْهُ شَيْطَانٌ وَلا سِحْرٌ .............................. 243. - مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ عَلِيًّا ......................................................... 198. - مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى آدَمَ فِي عِلْمِهِ ... فَلْيَنْظُرْ إِلَى عَلِيٍّ ...................... 198. - مَنْ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ ......................................... 216. - مِنْ سِيَادَةِ المَرْءِ خِفَّةُ عَارِضَيْهِ ................................................ 218. - مَنْ شَتَمَ الصِّدِّيقَ فَإِنَّهُ زِنْدِيقٌ .................................................. 203. - مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، أُعْطِيَ فِي الجَنَّةِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَدِينَةٍ ....................... 247. - مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، خَلَقَ اللهُ لَهُ طَائِرًا لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ لِسَانٍ ............. 247. - مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ خَلَقَ اللهُ مِنْ كُلِّ كَلِمَةٍ طَيْرًا ............................ 211. - مَنْ لَمْ يَقُلْ: عَلِيٌّ خَيْرُ النَّاسِ، فَقَدْ كَفَرَ ....................................... 198. - مَنْ مَاتَ وَفِي قَلْبِهِ بُغْضٌ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَلْيَمُتْ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا .. 198. - الواو - - وَصِيِّي، وَمَوْضِعُ سِرِّي، ... وَخَيْرُ مَنْ أَخْلُفُ بِعْدِي عَلِيٌّ .................... 197. - وَضْعُ الجِزْيَةِ عَنْ أَهْلِ خَيْبَرَ (حَدِيثُ) ......................................... 245. - لا - - لاَ سَبَقَ إِلاَّ فِي نَصْلٍ ... أَوْ جَنَاحٍ ............................................. 217.

- الياء -

-------------الحديث --------------------------------------------------- الصفحة - الياء - - يَا أَبَا الْحَسَنِ أَحِبَّهُمَا فَبِحُبِّهِمَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ ..................................... 201. - يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنَّ فِي جَهَنَّمَ كِلابًا زُرْقَ الأَعْيُنِ .................................. 202. - يَا عَلِيٌّ، أَخُصُّكَ بِالنُبُوَّةِ وَلاَ نَبِيَّ بَعْدِي ......................................... 197. - يَا عَلِيُّ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ وَلِذُرِيَّتِكَ ........................................... 199. - يَرْكَبُ هَذَا الْفَرَسَ مَنْ يَكُونُ الْخَلِيفَةَ بَعْدِي ..................................... 199. - يَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ بْنُ إِدْرِيسَ هُوَ أَضَرُّ عَلَى أُمَّتِي مِنْ إِبْلِيسَ .......... 210، [241 هامش]. - يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... أَيْنَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ؟ فَيُؤْتَى بِأَبِي بَكْرٍ ............. 203.

فهرس البلدان والأماكن والمشاهد والغزوات:

فهرس البلدان والأماكن والمشاهد والغزوات: - إشبيلية: 173. - إصبهان: 275. - أرض دوس: 257. - أرض الروم: 88. - أرض القردة: 457. - إفريقية: 171، 172، 173، 275، 469. - ألمانيا: 277. - الأردن: 163، 169. - الأندلس: 163، 171، 173. - بخارى: 174. - بدا: 500. - برقة: 171. - برلين: 356. - بُصرى: 72. - بغداد: 215، 264، 267، 359. - بلنسية: 173. - بيت المقدس: 210، 502، 503، 504، 507، 508، 512، 513. - بيعة الرضوان: 392، 393، 395، 397، 480. - البحرين: 72، 415، 416، 420، 428، 438، 473. - البصرة: 129، 151، 166، 167، 168، 178، 181، 223، 225، 227، 228، 337، 360، 448، 473، 477، 484، 520، 527. - البقيع: 417، 419. - البيت الحرام: 224، 246، 312، 439، 502، 506، 507، 529.

- تبوك (عام): 246. - جبال البرانس: 163. - جبال دوس: 458، 460. - جبل أحد: 463. - جبل رامهرمز: 459. - الجزيرة العربية: 12، 68، 73، 74، 163، 164، 295، 450. - الجماجم: 150. - حجة الوداع: 73، 245، 392، 406. - حرب الردة: 144. - حضرموت: 347. - حلب: 4، 151. - حمص: 151، 169، 373، 374. - حيدر آباد: 266. - الحبشة: 72، 392. - الحجاز: 129، 165، 177، 187، 259، 368، 492، 499، 500، 508، 512، 520، 526. - الحديبية: 71، 72، 164، 392، 395، [397]، 399. - خراسان: 21، 22، 167، 173، 182، 190، 337. - دار الأرقم: 47، 68. - دار الضرب: 194. - دار الكتب المصرية: 270، 291. - دار الندوة: 392. - داريا: 169. - دمشق: 4، 72، 104، 151، 169، 210، 228، 264، 268، 291، 356، 379، 512، 513، 514. - الديلم: 516.

- الري: 338. - سمرقند: 163، 174. - سوريا: 163. - شغب: 500. - الشاس: 174. - الشام: 57، 120، 129، 163، 168، 169، 170، 177، 179، 180، 181، 187، 190، 211، 228، 268، [337]، 369، 455، 484، 492، 495، 499، 502، 504، 505، 507، 508، 513، 520، 526. - الشِّعْبُ (شعب أبي طالب): 476. - صرار (مَمَرٌّ): 407. - صفين (وقعة): 195، 246. - الصفة: 412، 414، 480. - الصين: 163. - طرابلس (الغرب): 171. - الطائف: 454، 477. - عُمَان: 72. - العراق: 163، 167، 187، 190، 194، 196، 230، 319، 368، 441، 446، 516، 526. - العقبة (بيعة العقبة - أهل العقبة): 392، 395. - غرناطة: 173. - غزوة أحد: 57، 393، 469، [478]، 480. - غزوة بدر: 267، 299، 300، 387، 392، 393، 395، 397، 469، 474، 478. - غزوة تبوك: 405. - غزوة خيبر: 61، 245، [412]. - غزوة الخندق: 246، 469.

- غوطة: 275. - فارس: 163. - فرياب: 174. - فلسطين: 163، 169، 500. - الفسطاط: 151. - قبة الصخرة: 503، 504، 505، 506، 507، 508، 512. - قبة من قباب معاوية: 422. - قرطبة: 173. - قرية أدامي: 500. - القاهرة: 4، 267، 289. - القدس: 22. - القيروان: 173. - كلكتا: 231. - كلية الشريعة بالأزهر: 119. - الكعبة المشرفة: 503، 504، 505، 506، 508. - الكوفة: 97، 150، 151، 160، 167، 180، 190، 228، 237، 361، 369، 371، 393، 441، 484، 520، 521، 523، 525. - لبنان: 163. - ليدن: 274، 278، 279، 280. - مرج راهط: 190. - مرو: 262. - مسجد دمشق: 179. - مسجد الرصافة: 211. - مسجد الكوفة: 441.

مصر (الديار المصرية): 72، [124]، 163، 170، 171، 176، 177، 187، 228، 262، 263، 272، 277، 280، 286، 287، 289، 290، 338، 351، 360، 373، 375، 381، 448، 454، 469، 484، 517، 532. - مكة المكرمة: 12، 72، 73، 86، 94، 127، 151، 165، 182، 198، 209، 296، 305، 312، 337، 360، 392، 397، 406، 459، 471، 477، 502، 507. - المدينة المنورة: 12، 26، 39، 70، 72، 86، 89، 94، 97، 101، 109، 151، 164، 165، 166، 171، 172، 177، 178، 179، 180، 182، 194، 196، 209، 227، 228، 258، 259، 295، 299، 300، 329، 231، 337، 345، 355، 360، 368، 369، 371، 381، 392، 406، 412، 415، 417، 428، 429، 439، 442، 448، 454، 469، 472، 473، 478، 480، 484، 486، 487، 492، 495، 504، 505، 513، 517، 518، 519. - المركز القومي للبحوث: 537. - المسجد الحرام: 151، 229، 502، 503. - المسجد النبوي: 353، 421، 479، 502، 503. - المغرب: 171، 516. - المكتبة الظاهرية: 291. - نجران: 246. - نيسابور: 174. - هيدلبرج: 360.

- الهند: 2، 11، 167، 262، 263، 266، 268، 273، 275، 276، 277، 282، 284، 286، 289. - واسط: 234، 337. - وقعة اليرموك: 82، 469. - يثرب: 12، 70، 244. - يوم حصار عثمان: 416، 460. - يوم الحرة: 354. - يوم عرفة: 506. - اليمامة: 72، 181، 228. - اليمن: 17، 71، 89، 151، 173، 179، 181، 228، 246، 305، 312، 337، 347، 412.

فهرس الكتب المعرف بها:

فهرس الكتب المعرف بها: - " أسد الغابة في معرفة الصحابة " لعلي بن محمد (ابن الأثير): 262. - " إسعاف المبطأ برجال الموطأ " لجلال الدين السيوطي: 273. - " اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب الصحابة ورواة الآثار " للرشاطي: 279. - " الأحاديث الموضوعة التي يرويها العامة والقصاص " لعبد السلام (ابن تيمية): 288. - " الاستيعاب في معرفة الأصحاب " ليوسف بن محمد (ابن عبد البر): 262. - الأسماء والكنى " لعلي بن عبد الله المديني: 276. - " الأسماء والكنى " لأحمد بن حنبل: 276. - " الأسماء والكنى " للحاكم الكبير محمد بن محمد النيسابوري: 276. - " الإصابة في تمييز الصحابة " لابن حجر العسقلاني: 263. - " الاغتباط بمعرفة من رمي بالاختلاط " لسبط بن العجمي: 286. - " الاكتساب في تلخيص كتب الأنساب ": لمحمد بن محمد الخيضري: 280. - " الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب " لابن ماكولا: 277. - " الأنساب " لعبد الكريم السمعاني: 280. - " الأنساب المتفقة في الخط المتماثلة في النقط والضبط " لمحمد بن طاهر المقدسي: 279. - " الباعث على الخلاص من حوادث القصاص " لعبد الرحيم العراقي: 288. - " البدر المنير في صحابة البشير النذير " لمحمد قائم السندي: 263. - " تاريخ أسماء الثقات ممن نقل عنهم العلم " لأبي حفص (ابن شاهين): 285. - " تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام " للذهبي: 271.

- " تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي: 267. - " تاريخ دمشق " لعلي بن الحسين (ابن عساكر): 268. - " تاريخ الرواة " ليحيى بن معين: 265. - " تاريخ الضعفاء والمتروكين ": لأحمد بن علي النسائي: 282. - " تاريخ في الثقات والضعفاء " لأحمد بن أبي خيثمة النسائي: 282. - " تاريخ نيسابور " لمحمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري: 267. - " تجريد أسماء الصحابة " لمحمد بن أحمد الذهبي: 262. - " تحذير المسلمين من الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين " لمحمد البشير ظافر " 289. - " تحفة ذوي الأرب في مشكل الأسماء والنسب " لابن خطيب الدهشة: 278. - " تذكرة الموضوعات " لمحمد بن طاهر الفتني: 289. - " تذكرة الموضوعات " لمحمد بن طاهر المقدسي: 287. - " تذهيب تهذيب الكمال " لمحمد بن أحمد الذهبي: 271. - " تكملة المؤتلف والمختلف " للخطيب البغدادي: 277. - " تلخيص المتشابه في الرسم في أسماء الرواة " للخطيب البغدادي: 277. - " تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة " لابن عراق الكناني: 288. - " تهذيب التهذيب " لابن حجر العسقلاني: 272. - " تهذيب التهذيب " لابن حجر العسقلاني: 272. - " تهذيب الكمال في أسماء الرجال " لجمال الدين المزي: 270. - " التاريخ " لأحمد بن حنبل: 265. - " التاريخ " لخليفة بن خياط الشيباني العصفري: 265.

- " التاريخ الكبير " لأبي عمر أحمد بن سعيد بن حزم: 266. - " التاريخ الكبير " لمحمد بن إسماعيل البخاري: 265. - " التبيين لأسماء المدلسين " لسبط بن العجمي: 286. - " التذكرة برجال العشرة " لمحمد بن علي الحسيني الدمشقي: 272. - " التذكرة في الأحاديث المشتهرة " لبدر الدين الزركشي: 290. - " التدوين في ذكر أخبار قزوين " لعبد الكريم القزويني: 269. - " التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد " لابن نقطة: 270. - " الثقات " لأبي حاتم بن حبان البُستي: 284. - " الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة " لقاسم بن قطلوبغا: 286. - " جامع الأصول لأحاديث الرسول " لمجد الدين (ابن الأثير): 269. - " الجرح والتعديل " لإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: 282. - " الجرح والتعديل " لأحمد بن حنبل: 281. - " الجرح والتعديل " لعبد الرحمن بن أبي حاتم: 282. - " الجمع بين رجال الصحيحين " لمحمد بن طاهر المقدسي: 268. - " در السحابة في من دخل مصر من الصحابة " للسيوطي: 263. - " الرياض المتسطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة " ليحيى العامري: 263. - " السابق واللاحق في تباعد ما بين وفاة الراويين عن شيخ واحد " للخطيب البغدادي: 267. - " الضعفاء " لمحمد بن إسماعيل البخاري: 282.

- " الضعفاء " لمحمد بن عبد الله البرقي: 282. - " الضعفاء والمتروكين " - أو " أسماء الضعفاء الواضعين " لابن الجوزي: 285. - " طبقات التابعين " لمسلم بن الحجاج القشيري: 274. - " طبقات الحفاظ " للذهبي: 274. - " طبقات الحفاظ " للسيوطي: 275. - " طبقات الرواة " لخليفة بن خياط: 274. - " طبقات المحدثين والرواة " لأبي نعيم الأصبهاني: 274. - " الطبقات الكبرى " لمحمد بن سعد: 273. - " فتح الباب في الكنى والألقاب " لمحمد بن إسحاق بن منده الأصبهاني: 276. - " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " لمحمد بن علي الشوكاني: 289. - " قانون الأخبار الموضوعة والرجال الضعفاء " لمحمد بن طاهر الفتني: 289. - " كتاب التابعين " لمحمد بن حبان البستي: 274. - " كتاب المعرفة " لعبد الله بن عيسى المروزي: 262. - " كتاب الكنى والأسماء " لمسلم بن الحجاج النيسابوري: 276. - " كشف النقاب عن الأسماء والألقاب " لابن الجوزي: 278. - " الكامل " لعبد الله بن محمد بن عدي: 285. - " الكشف الإلهي عن شديد الضعف والموضوع والواهي " لمحمد السندروسي: 289. - " الكمال في أسماء الرجال " لعبد الغني المقدسي: 269 (*). - " الكنى " للبخاري ولغيره: 276. - " الكنى والأسماء " لأبي بشر الدولابي: 276. - " لسان الميزان " لابن حجر العسقلاني: 286. ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) انظر أَيْضًا: " تهذيب الكمال في أسماء الرجال " للمزي: ص 270.

- " اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " للسيوطي: 288. - " اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة " لابن حجر العسقلاني: 290. - " اللباب " لعلي بن محممد الشيباني الجزري: 280. - " ما اتفق من أسماء المحدثين وأنسابهم غير أن في بعضه زيادة حرف واحد " للخطيب البغدادي: 279. - " معرفة من نزل من الصحابة سائر البلدان " لعلي بن عبد الله المديني: 261. - " ميزان الاعتدال " للذهبي: 286. - " الموتلف والمختلف في أسماء نقلة الحديث " لعبد الغني الأسدي: 277. - " المدخل " للحاكم، محمد بن عبد الله النيسابوري: 285. - " المستدرك على الإكمال لابن ماكولا " لابن نقطة: 278. - " المشتبه في أسماء الرجال " للذهبي: 278. - " المشتبه في النسبة " لعبد الغني الأسدي: 277. - " المعجم " في تاريخ المحدثين لعبد الكريم السمعاني: 269. - " المغني عن الحفظ والكتاب بقولهم لم يصح شيء في هذا الباب " لعمر الموصلي: 288. - " المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة " للسخاوي: 290. - " الموضوعات الكبرى " لعبد الرحمن بن الجوزي: 278. - " الموضوعات في الأحاديث المرفوعات " للحسين بن إبراهيم الجوزقي: 287. - " نزهة الألباب في الألقاب " لابن حجر العسقلاني: 279. - " نسبة المحدثين إلى الآباء والبلدان " لمحمد بن محمود (ابن النجار): 280. - " الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد " للكلاباذي: 266.

فهرس الأعلام:

فَهْرَسْ الأَعْلاَمِ: (*) 1 - فَهْرَسْ الأَسْمَاءِ. 2 - فَهْرَسْ الكُنَى. 3 - فَهْرَسْ مَنْ نُسِبَ إِلَى أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ. ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) لم يُدرج المؤلف في تعرضه لفهرسة الأعلام لِمَنْ ذكرهم في الهوامش.

1 - فهرس الأسماء:

1 - فَهْرَسُ الأَسْمَاءِ: - الهمزة - - آدم - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: 198. - أبان بن سعيد بن العاص: 299. - أبان بن صالح: 498. - أبان بن عثمان: 229، 230. - إبراهيم بن أدهم: 149. - إبراهيم بن بسطام: 459. - إبراهيم الخليل - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: 198. - إبراهيم بن الزبرقان: 270. - إبراهيم بن سعد بن إبراهيم: 491. - إبراهيم بن سيار النظام: 437، 446، 455، 459. - إبراهيم بن طهمان: 359. - إبراهيم بن علقمة: 524. - إبراهيم بن محمد الحلبي (سبط ابن العجمي) 286. - إبراهيم بن ميسرة: 129. - إبراهيم بن يزيد التيمي: 322. - إبراهيم يزيد النخعي: 7، 132، 161، 167، 225، 229، 237، 322، 323، 481، 496، 520، 521، 524. - أُبَيْ بن كعب: 114، 115، 166، 429، 432، 477. - الآجري: 510. - أحمد بن أبي خيثمة النسائي: 282. - أحمد أمين: 205، 206، 259، 427، 455، 629. - أحمد بن حفص الفقيه: 174. - أحمد بن حنبل: 103، 211، 212، 229، 230، 238، 258، 265، 272، 276، 281، 283، 339، 350.

356، 387، 430، 458، 465، 496، 497، 499، 514، 531، 534. - أحمد بن سعيد بن حزم الصدفي: 266. - أحمد بن سنان: 231. - أحمد بن شعيب الخراساني النسائي: 340. - أحمد محمد شاكر: 307. - أحمد بن محمد بن الحسين الكلاباذي: 266. - أحمد بن محمد بن غالب الباهلي (غلام خليل): 215. - أحمد بن علي الأصبهاني: 268. - أحمد بن علي بن ثابت = الخطيب البغدادي. - أحمد بن علي النسائي: 270، 276، 281، 282، 496، 514. - أحمد بن يحيى: 104. - أزذ شنوءة (وفد): 74. - أسامة بن زيد: 80، 163، 429، 477، 487. - إسحاق بن إبراهيم (ابن راهويه): 265، 339، 497، 519. - إسحاق بن أبي طلحة: 472. - إسحاق بن عبد الله: 495. - إسحاق بن منصور: 283. - أسد بن موسى الأموي: 339. - إسرافيل (الملك): 200. - أسلم مولى عمر: 470، 516. - أسماء بنت عميس: 346. - إسماعيل بن أبي حكيم: 435. - إسماعيل بن أبي خالد: 522. - إسماعيل بن رجاء: 152، 161. - إسماعيل بن عبد الله بن أويس: 359.

- الباء -

- إسماعيل بن عبيد: 172. - إسماعيل بن عبيد الله الأعور: 172. - أسيد بن حضير: 475. - أشعث بن سليم: 425. - أشيم الضبابي: 119. - أميمة (أم أبي هريرة): 416. - أمية بن زيد (بنو): 59. - أنس بن سيرين: 150، 472، 527. - أنس بن مالك: 6، 51، 52، 59، 60، 63، 93، 94، 128، 132، 146، 160، 167، 211، 212، 215، 225، 229، 230، 235، 304، 306، 316، 317، 320، 321، 344، 385، 389، 390، 391، 407، 428، 429، 472، 473، 483، 484، 489، 497، 526. - أوتيخيوس: 507، 508. - أيوب السختياني: 131، 153، 168، 213، 335، 336، 354، 434، 435، 493، 496، 498، 510، 516. - الأرقم بن عبد مناف: 68. - الأسود بن هلال: 312. - الأسود بن يزيد النخعي: 475، 520، 524. - الأشعث بن عبد الملك الحراني: 358. - الأصمعي: 224. - الأعمش = سليمان بن مهران الأعمش. - الباء - - بجالة بن عبدة: 146. - بحير بن [سعد] الكلاعي: 170، 354، 362.

- بدر الدين الزركشي: 290. - بريدة بن الحصيب الأسلمي: 173. - بُسْرُ بن سعيد: 116. - بشر بن سعيد: 422، 470. - بشر بن عبد الملك السكوني: 295. - بشر المريسي: 351، 437، 446، 455، 459. - بشر بن المفضل: 236. - بشر بن الوليد: 111. - بشير بن أبي مسعود الأنصاري: 487. - بشير بن سعد بن ثعلبة: 299. - بشير العدوي: 222. - بشير بن نهيك: 318، 348، 429. - بصرة بن أبي بصرة: 429. - بقراط: 258. - بقي بن مخلد: 173، 430. - بقية الكلاعي: 379. - بكير بن عبد الله بن الأشج: 355، 422، 486. - بلال بن حارث المزني: 172. - بلال بن رباح: 146، 169. - بلال بن عبد الله بن عمر: 470. - بهز بن حكيم القشيري: 168. - بيان بن بشر: 101. - البخاري (محمد بن إسماعيل) الإمام: 118، 174، 238، 254، 255، 256، 258، 265، 267، 268، 269، 270، 272، 276، 281، 282، 283، 306، 339، 346، 356، 364، 377، 380،

- التاء -

387، 400، 405، 429، 430، 434، 444، 471، 473، 475، 477، 479، 480، 514. - البدر الدماميني: 141. - البراء بن عازب: 59، 134، 221، 340. - البلخي: 437. - البيروتي: 290. - البيهقي: 499. - التاء - - تميم الداري: 477. - التاج السبكي: 266، 267. - تجيب (وفود): 74. - الترمذي: 238، 270، 281، [339]، 401، 514. - الثاء - - ثابت بن أسلم البناني: 94، 230، 353، 472، 526. - ثابت الحداد: 125. - ثعلبة بن أبي مالك القرظي: 418. - ثعلبة (وفود): 74. - ثور بن يزيد: 170. - الجيم - - جابر الجعفي: 236. - جابر بن زيد: 322، 324. - جابر بن عبد الله الأنصاري: 6، 146، 160، 177، 227، 352، 353، 381، 385، 428، 429، 469، 470، 478، 479، 480، 490، 493.

- الحاء -

- جالينوس: 258. - جبريل (المَلَكُ): 66، 200، 207. - جبلة بن عمرو: 172. - جبير بن مطعم: 490. - جبير بن نفير: 470. - جذامة بنت وهب: 475. - جرير بن حازم: 131، 231. - جرير بن عبد الحميد: 237، 514. - جرير بن معاوية: 146. - جعفر بن الزبير: 230، 231، 232. - جعفر بن محمد (الصادق): 120، 132، 196، 355، 358، 368. - جعفر بن محمد الفريابي: 174. - جلال الدين السيوطي = السيوطي. - جولدتسيهر: 249، 250، 251، 253، 254، 376، 377، 378، 379، 382، 437، 447، 456، 501، 503، 504، 505، 506، 507، 508، 511، 513، 514، 515، 529، 530، 533. - الحاء - - حبان بن أبي جبلة: 172. - حبة بن جوين: 246. - حبيب بن أبي ثابت: 520. - حبيب بن الشهيد: 224. - حذيفة: 524. - حرملة مولى أسامة بن زيد: 490.

- حسان بن زيد: 240. - حسن الصدر: 364، 367، 368، 532. - حسين بن شفي بن ماتع الأصبحي: 351. - حسين بن عقيل: 326. - حفص بن عامر: 470. - حفص بن غياث: 155، 240. - حفصة بنت عمر بن الخطاب: 300، 471. - حكيم بن حزام: 401. - حماد بن أبي سليمان: 225، 520. - حماد الراوية: 449. - حماد بن زيد: 19، 208، 219، 231، 358، 379، 434. - حماد بن سلمة: 128، 153، 197، 205، 225، 236، 335، 337، 355، 379. - حماد بن سليمان: 223. - حماد المالكي: 231. - حمزة الزيات: 232. - حمزة بن عبد الله بن عمر: 470. - حمزة بن عمرو: 475. - حمل بن مالك: 120. - حُمَمَةُ بْنُ أَبِي حُمَمَةَ الدَّوْسِيُّ: 393. - حميد الطويل: 516، 519. - حِمْيَرْ (ملوك): 74. - حويطب بن عبد العزى: 81. - حيوة بن شريح: 171. - الحارث بن أبي شمر: 72. - الحارث الأعور: 232، 236.

- الخاء -

- الحاكم النيسابوري: 103، 118، 214، 217، 267، 285، 309، 391، 392، 484، 497. - الحجاج بن يوسف الثقفي: 190، 319. - الحسن بن أبي بكر: 104. - الحسن البصري: 131، 132، 168، 224، 231، 240، 241، 326، 354، 358، 393، 429، 452، 472، 493، 498، 520، 527. - الحسن بن الحاجب: 174. - الحسن بن علي بن أبي طالب: 171، 196، 198، 317، 321، 388، 404، 439، 445، 451. - الحسن بن محمد بن الحنفية: 490. - الحسن بن محمد الماسرجسي: 500. - الحسين بن إبراهيم الجوزقي: 287. - الحسين بن علي بن أبي طالب: 287. - الحسين بن علي بن أبي طالب: 171، 190، 196، 198، 372، 388، 451، 526. - الحسين بن محمد بن خسرو: 272. -الحكم بن أبي العاص: 166، 168. - الحكم بن عتبة: 355. - الحكم بن عمرو الغفاري: 173. - الحكم بن عيينة: 516. - الخاء - - خارجة بن حذافة: 170. - خارجة بن زيد بن ثابت: 490. - خالد بن أسلم: 470. - خالد بن أسيد: 166. - خالد بن زيد الجهني: 128.

- الدال -

- خالد بن سعيد: 62. - خالد بن عتبة الهذلي: 14. - خالد بن معدان الكلاعي: 328، 354، 362، 363، 531. - خالد بن مهران الحذاء: 111، 168، 335، 526. - خالد بن الوليد: 80، 169، 392، 450، 477، 478. - خباب بن عروة: [412]. - خلف بن خليفة: 483. - خليفة بن خياط الشيباني العصفري: 265، 274. - خير بن نعيم الحضرمي: 171. - خير الدين الزركلي: 261. - الخطابي: 393. - الخطيب البغدادي (أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد البغدادي): 103، 104، 106، 109، 129، 205، 267، 277، 279، 282، 287، 315، 321، 366، 378، 483، 535. - الخليلي: 290. - الدال - - دانيال: 310. - داود بن أبي هند: 526. - دوجونغ: 278. - دوزي: 377. - دي فوجي: 507. - الدارمي = عثمان بن سعيد. - الدميري: 505. - الدولابي (محمد بن أحمد): 276، 281. - الذال - - ذكوان (مولى عمرة بنت عبد الرحمن): 475.

- الراء -

- الذهبي (شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد): 106، 107، 108، 112، 113، 117، 122، 156، 262، 271، 274، 278، 281، 286، 364، 365، 366، 434، 466، 494، 499، 504. - الذهلي (محمد بن يحيى): 499، 500. - الراء - - رافع بن خديج: 304، 306، 516. - ربيعة بن عبد الرحمن: 472. - ربيعة بن عمرو الجرشي: 475. - رجاء بن حيوة: 129، 170، 180، 228، 327، 426. - رفاعة بن رافع: 173. - رفاعة القرظي: 62. - الرامهرمزي (أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد): 110، 129، 133، 159، 307، 336، 366، 459. - الربيع بن خثيم: 167، 222، 247. - الربيع بن صبيح: 337. - الزاي - - زائدة بن قدامة: 514، 359، 379. - زر بن حُبيش: 180. - زرارة بن أبي أوفى: 131. - زكريا الأنصاري: 448. - زهير بن معاوية: 216. - زياد بن أبي سفيان: 319. - زياد بن أنعم المعافري: 173. - زياد بن الحارث الصدائي: 170.

- السين -

- زياد بن مينا: 428. - زيد بن أرقم: 95، 127. - زيد بن أبي أنيسة: 233. - زيد بن أبي عتاب: 429. - زيد بن أسلم: 358، 429، 470. - زيد بن ثابت: 39، 136، 165، 302، 313، 324، 420، 421، 433، 480، 485، 487، 522، 526. - زيد بن خالد الجهني: 83، 475، 518. - زيد بن عبد الله بن عمر: 516. - زيد بن علي: 190، 196، 368، 369، 370، 371، 372، 373، 381، 562. - زيد بن وهب: 229. - زينب بنت أبي سلمة: 487. - الزبير بن عربي: 89. - الزبير بن العوام: 92، 94، 116، 170، 444. - السين - - سالم بن أبي الجعد: 470. - سالم بن عبد الله بن عمر: 7، 66، 88، 165، 224، 345، 470، 481، 490، 497، 516، 519. - سالم بن عبد الله المحاربي: 169. - سالم مولى أبي حذيفة: 166. - سباع بن عرفطة: 412. - سبيعة الأسلمية: 347. - سحنون بن سعيد: 173. - سعد بن إبراهيم: 106، 109.

سعد بن أبي وقاص: 57، 94، 116، 121، 167، 475، 485، 522. - سعد بن الربيع الخزرجي: 299. - سعد بن طريف: 217، 241. - سعد بن عبادة الأنصاري: 346. - سعد بن معاذ: 246. - سعيد بن أبي عروبة: 237. - سعيد بن جبير: 88،87، 151، 160، 167، 235، 313، 314، 325، 472، 477. - سعيد بن زيد بن عمرو: 92، 167، 522. - سعيد بن عبد الرحمن: 494. - سعيد بن عبد العزيز: 334. - سعيد بن عمرو: 522. - سعيد بن محمد الحداد: 173. - سعيد بن مسروق الثوري: 522. - سعيد بن مسعود التجيبي: 172. - سعيد بن المسيب: 7، 84، 119، 125، 158، 165، 178، 225، 228، 235، 324، 325، 388، 389، 391، 393، 414، 429، 435، 470، 475، 477، 478، 480، 481، 485، 486، 490، 497، 504، 509، 512، 513. - سعيد المقبري: 429. - سعيد بن يسار: 429. - سفيان بن سعيد الثوري: 19، 152، 174، 181، 223، 228، 229، 231، 232، 233، 234، 236،

283، 335، 337، 359، 379، 523، 534. - سفيان بن عيينة: 128، 129، 132، 224، 234، 236، 283، 435، 487، 498، 523، 534. - سلمان الأغر: 514. - سلمان الفارسي: 524. - سلمة بن الأكوع: 172. - سليمان بن أيوب (صاحب البصري): 358. - سليمان بن بلال: 359. - سليمان التيمي: 472. - سليمان بن الجارود الطيالسي: [89 هامش، 223]، 339. - سليمان بن داود: 435. - سليمان بن سمرة بن جندب: 348. - سليمان بن عبد الملك: 519. - سليمان بن مهران الأعمش: 111، 129، 152، 153، 155، 158، 223، 224، 225، 229، 236، 354، 361، 483، 516، 520، 521، 522، 527. - سليمان بن موسى: 124. - سليمان بن يسار: 171، 172، 429، 488، 490، 509. - سليمان بن الأشعث السجستاني (أبو داود): 339. - سليمان اليشكري: 353. - سماك بن حرب: 520، 522. - سمرة بن جندب: 225، 348. - سهل بن سعد: 465، 490. - سوفاجيه: 376. - سيف بن عمر التميمي: 217، 241. - السائب بن عامر بن هشام: 172، 457، 459، 475، 484، 497.

- الشين -

- السائب بن يزيد: 81، 94. - السخاوي: 234، 235. - السكري (أبو حمزة): 359. - السمعاني: 169. - السمهودي: 290. - السيوطي (جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي): 135، 204، 263، 264، 273، 275، 288، 290، 364، 365، 366، 497. - الشين - - شبرنجر: 238، 378، 437، 456. - شرحبيل بن أبي عون: 505. - شرحبيل بن حسنة: 169. - شريح القاضي: 520. - شعبة بن الحجاج: 107، 110، 125، 154، 161، 212، 225، 229، 230، 231، 232، 233، 234، 236، 237، 240، 283، 335، 353، 359، 389، 514، 522. - شفي بن ماتع: 429. - شهر بن حوشب: 429. - شقيق: 211. - الشافعي (الإمام محمد بن إدريس): 120، 132، 133، 197، 210، 230، 237، 272، 433، 509. - الشفا بنت عبد الله: 300. - الصاد - - صالح بن أحمد بن حنبل: 283. - صالح بن كيسان: 491، 498، 516، 518، 519. - صبحي الصالح: [297 هامش، 346 هامش، 355 هامش، 357 هامش]، 377.

- الضاد -

- صخر بن جويرية: 498. - صفوان بن عسال المرادي: 44، 180. - صفوان بن عيسى: 114. - الضاد - - ضرار بن مرة: 158. - ضمام بن ثعلبة: 63، 64، 74، 176، 393. - الضحاك بن سفيان: 119. - الضحاك بن قيس الفهري: 190. - الضحاك بن مزاحم: 301، 326، 333. - الطاء - - طارق بن شهاب: 480. - طاوس بن كيسان: 120، 124، 129، 166، 173، 222، 237، 477. - طلحة بن عبد الملك: 129. - طلحة بن عبيد الله: 116، 425، 433، 478. - طلحة بن نافع: 353. - الطبراني: 287. - الطبري: 504، 505. - الطفاوي: 415. - الطفيل بن عمرو الدوسي: 412. - العين - - عائشة بنت أبي بكر (أم المؤمنين): 6، 51، 54، 60، 62، 64، 69، 123، 131، 132، 136، 146، 157، 165، 224، 235، 309، 318، 319، 331، 385، 408، 418، 419، 421، 424، 429، 432، 448، 449، 451،

455، 461، 462، 463، 464، 469، 474، 475، 485، 487، 497، 509، 516، 518، 519، 520، 522، 524. - عاصم بن سليمان الأحول: 168، 211. - عاصم بن ضمرة: 379. - عاصم بن عمر بن الخطاب: 172. - عامر شراحيل الشعبي: 7، 93، 101، 110، 132، 136، 154، 167، 178، 179، 196، 211، 222، 228، 230، 234، 235، 323، 325، 338، 353، 368، 393، 429، 449، 479، 481، 520، 522، 523، 524، 526، 527. - عباد بن عباد: 231. - عبادة بن الصامت: 88، 89، 168، 170، 235، 522. - عباس الدوري: 283. - عبد الحسين شرف الدين: 400، 437، 438، 439، 440، 441، 442، 444، 446، 447، 448، 451، 456، 457، 464. - عبد الحكم بن عمرو الجُمحي: 301. - عبد الحميد بن جعفر: 514. - عبد الحي اللَّكْنَوِي: 289. - عبد خير بن يزيد الخيواني: 84. - عبد الرحمن بن أبي الزناد: 459. - عبد الرحمن بن الأسود: 172، 312. - عبد الرحمن بن جابر: 478. - عبد الرحمن بن حرملة: 325.

- عبد الرحمن بن رافع التنوخي: 172. - عبد الرحمن بن الزبير: 62. - عبد الرحمن بن زياد: 173. - عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب: 172. - عبد الرحمن بن سمرة: 168. - عبد الرحمن بن شريح الغافقي: 171. - عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود: 313، 345، 359. - عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي: 19، 20، 170، 181، 223، 228، 236، 334، 337، 494، 498، 510، 516، 526. - عبد الرحمن بن عوف: 83، 115، 120، 121، 146، 472، 477. - عبد الرحمن بن غنم: 169. - عبد الرحمن بن القاسم: 224. - عبد الرحمن بن أبي ليلى: 94، 95، 149، 160، 161، 180، 181، 344، 470، 516. - عبد الرحمن بن مهدي: 19، 194، 205، 215، 231، 233، 234، 283. عبد الرحمن بن هرمز (الأعرج): 327، 429، 435، 490، 527. - عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني: 139، 140. - عبد الرحمن بن يزيد الأزدي الداراني: 169، 278، 287. - عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: 170. - عبد الرحمن بن يزيد النخعي: 520، 524. - عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري: 173، 211، 230، 257، 534. - عبد السلام بن عبد الله (ابن تيمية) الحراني = ابن تيمية. - عبد العزيز بن أبي حازم: 359. - عبد العزيز شرف: 537. - عبد العزيز بن صهيب: 472.

عبد العزيز بن عبد الله الماجشون: 359. - عبد العزيز بن مروان بن الحكم: 373، 374، 429، 490، 518، 532. - عبد الغني بن سعيد الأزدي: 277، 278، 483. - عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي: 269، 270. - عبد القادر بن بدران: 268. - عبد القادر البغدادي: 141. - عبد القيس: 40، 74. - عبد الكريم بن أبي العوجاء: 204، 217، 219، 239. - عبد الكريم بن محمد بن أبي المظفر السمعاني: 280. - عبد الكريم بن محمد القزويني: 369. - عبد الكريم بن منصور السمعاني: 269. - عبد الله بن أُبَيْ بن سلول: 509. - عبد الله بن أحمد: 305. - عبد الله بن أبي أوفى: 201، 346، 484. - عبد الله بن أبي بكر بن حزم: 490. - عبد الله بن أبي بكر: 114. - عبد الله بن الأرقم: 487. - عبد الله بن إدريس: 379. - عبد الله بن أنيس: 177، 227، 478. - عبد الله بن جراد: 199. - عبد الله بن جعفر: 20، 171. - عبد الله بن الحارث بن جزء: 170، 484. - عبد الله بن الحارث بن نوفل: 477، 490. - عبد الله بن حكيم: 475. - عبد الله بن خازن الأسلمي: 173، 174. - عبد الله بن خنيس: 320. - عبد الله بن دينار: 125، 470.

- عبد الله بن ذكوان القرشي: 330. - عبد الله بن الزبير: 94، 171، 190، 388، 421، 544، 471، 489، 502، 503، 505، 507، 508، 512، 513. - عبد الله بن رواحة: 472. - عبد الله بن سعد بن أبي سرح: 170، 171. - عبد الله بن سعد (مولى عائشة): 429. - عبد الله بن السعدي: 81. - عبد الله بن سلام: 235. - عبد الله بن سليمان الطويل: 171. - عبد الله بن الشخير: 168. - عبد الله بن شداد: 161. - عبد الله بن طاهر: 265. - عبد الله بن عامر اليحصبي: 104. - عبد الله بن عباس: 6، 38، 52، 88، 90، 120، 136، 144، 146، 148، 157، 160، 161، 166، 167، 171، 201، 215، 217، 222، 227، 235، 305، 309، 313، 319، 321، 325، 352، 385، 388، 406، 421، 428، 429، 433، 444، 449، 450، 464، 469، 475، 476، 477، 480، 485، 487، 493، 496، 518، 523، 526. - عبد الله بن عبد الله بن أويس: 359. - عبد الله بن عبد الله بن عمر: 470، 490، 516. - عبد الله بن عتبة الهذلي: 347، 429. - عبد الله بن عروة بن الزبير: 488.

عبد الله بن عُكَيْمٍ: 344. - عبد الله بن علي اللخمي الرشاطي: 279، 280. - عبد الله بن عمر: 6، 66، 85، 87، 88، 89، 90، 93، 94، 121، 125، 127، 136، 146، 165، 224، 311، 312، 314، 320، 325، 344، 352، 358، 385، 419، 424، 428، 429، 432، 461، 463، 464، 469، 470، 471، 475، 477، 480، 485، 487، 490، 493، 516، 517، 518، 519، 526، 534. - عبد الله بن عمرو بن ثعلبة بن الحكم الليثي: 477. - عبد الله بن عمرو بن العاص: 90، 91، 170، 171، 194، 302، 303، 304، 306، 307، 308، 319، 343، 348، 349، 351، 352، 356، 357، 363، 367، 381، 423، 431، 448، 449، 454، 455، 531. - عبد الله بن عون: 125، 129، 132، 161، 168، 323، 435، 516، 520، 522، 526. - عبد الله بن عيسى المروزي: 262. - عبد الله بن المبارك: 196، 220، 223، 224، 236، 237، 359، 534. - عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق: 475، 516. - عبد الله بن محمد الأصبهاني: 275. - عبد الله بن محمد بن الحنفية: 490. - عبد الله بن محمد السندي: 174. - عبد الله بن مسلم الزهري: 328، 498. - عبد الله بن مسعود: 20، 40، 48، 58، 93، 96، 106،

107، 108، 109، 110، 130، 132، 147، 153، 166، 167، 179، 203، 224، 225، 246، 247، 311، 312، 317، 321، 470، 472، 497، 524. - عبد الله بن مغفل: 87، 401. - عبد الله بن نافع (مولى ابن عمر): 516. - عبد الله بن وهب: 338. - عبد الملك بن إبراهيم الجدي: 230. - عبد الملك بن جُريج: 498. - عبد الملك بن عمير: 167، 514. - عبد الملك بن مروان: 151، 172، 190، 489، 490، 495، 501، 503، 504، 505، 506، 507، 508، 511، 512، 513، 514، 515. - عبد الله بن أبي رافع: 327. - عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: 7، 100، 165، 481، 490، 496، 509، 518. - عبيد الله بن عبد الله بن عمر: 390، 516. - عبيد الله بن عمرو: 204. - عبيد الله بن معاذ العنبري: 234. - عبيد الله بن موسى العبسي: 339. - عبيد الله بن هارون بن عيسى: 459. - عبيد بن عمير: 127، 157. - عبيدة بن سفيان الحضرمي: [435]. - عبيدة السلماني: 180، 228، 322، 496. - عتاب بن أسيد: 166، 401. - عتبة بن غزوان: 168. - عتبة بن فرقد: 311.

- عثمان بن أبي شيبة: 339، 514. - عثمان بن سعيد الدارمي: 459، 514. - عثمان بن أبي طلحة: 166. - عثمان بن أبي العاص: 168. - عثمان بن أبي اليقظان: 240. - عثمان بن عروة بن الزبير: 488. - عثمان بن عفان: 57، 58، 83، 84، 97، 116، 121، 123، 144، 146، 163، 165، 171، 187، 188، 189، 195، 199، 201، 203، 220، 315، 345، 393، 416، 417، 419، 428، 443، 445، 450، 455، 459، 460، 461، 464، 469، 472، 477، 480، 485، 487، 524، 526. - عدي بن زيد العبادي: 295. - عروة بن الزبير: 7، 62، 88، 131، 149، 165، 191، 310، 318، 354، 429، 441، 462، 470، 474، 475، 481، 487، 490، 492، 493، 497، 504. - عروة بن الوليد: 509. - عطاء بن أبي رباح: 151، 166، 176، 327، 429، 470، 477، 480، 486، 490، 498. - عطاء (بن أبي مسلم) الخراساني: 84. -[عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ الخَفَّافُ]: 38. - عطاء بن يزيد: 180، 228. - عطاء بن يسار: 160، 293، 429. - عقبة بن عامر الجهني: 170، 176، 227. - عقبة بن نافع: 171، 177.

- عقيل بن جابر بن عبد الله الأنصاري: 478. - عقيل بن خالد بن عقيل: 358. - عكاشة بن محصن: 393. - عكرمة بن عبد الله (مولى ابن عباس): 144، 166، 172، 215، 217، 477. - عكرمة بن عمار: 379. - علقمة بن قيس النخعي: 7، 149، 180، 228، 312، 475، 481، 497، 520، 524، 525. - علقمة بن وقاص الليثي: 470، 509. - علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (زين العابدين): 120، 496. - علي بن ربيعة: 84. - علي بن أبي طالب: 20، 57، 62، 63، 66، 71، 84، 86، 96، 98، 116، 122، 123، 147، 156، 165، 167، 187، 188، 189، 195، 196، 197، 198، 199، 201، 203، 221، 224، 225، 227، 235، 245، 246، 313، 317، 321، 345، 367، 369، 371، 372، 373، 393، 395، 439، 441، 442، 443، 444، [445]، 446، 449، 453، 455، 460، 461، 464، 477، 478، 480، 485، 487، 496، 509، 522، 524. - علي حسب الله: 4. - علي حسن عبد القادر: 249، 503. - علي بن عبد الله المديني: 233، 261، 276، 281، 283، 360، 361، 419، 434، 485، 496.

- علي بن محمد الشيباني الجزري: 280. - علي بن محمد بن عراق الكناني: 288. - علي بن مسهر: 474. - عمار بن ياسر: 478. - عمر بن أبي عيسى الأصبهاني: 279. - عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين: 285. - عمر بن بدر الموصلي الحنفي: 288. - عمر بن الحارث: 171. - عمر بن الخطاب: 19، 20، 59، 61، 65، 66، 81، 82، 83، 86، 88، 89، 90، 92، 96، 97، 98، 99، 100، 101، 102، 103، 104، 105، 106، 107، 108، 109، 110، 113، 114، 115، 117، 119، 120، 121، 127، 144، 146، 147، 165، 167، 168، 169، 170، 171، 199، 200، 201، 203، 225، 235، 236، 305، 310، 311، 316، 317، 344، 345، 366، 392، 393، 335، 403، 408، 415، 416، 422، 428، 429، 431، 438، 443، 449، 455، 456، 457، 458، 459، 460، 461، 464، 469، 470، 471، 472، 475، 476، 477، 478، 480، 485، 487، 497، 513، 522، 524.

- عمر بن خلدة: 429. - عمر بن عبد العزيز: 169، 170، 172، 326، 328، 329، 330، 332، 341، 345، 357، 363، 364، 365، 366، 368، 375، 376، 485، 487، 493، 494، 498، 517، 518، 523، 530، 532. - عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير: 488. - عمر بن عبد المجيد الميانجي: 118. - عمر كحالة: 261. - عمر بن نافع (مولى عبد الله بن عمر): 516. - عمران بن أبي أنس: 514. - عمران بن حُدَيْرٍ: 232. - عمران بن حصين: 79، 168. - عمران بن عبد المعافري: 173. - عمران (بن مسلم) القصير: 131. - عمرة بنت عبد الرحمن: 329، 331، 475، 487، 490. - عمرو بن أمية الضمري: 318. - عمرو الأنماطي: 231. - عمرو بن أبي سفيان: 316. - عمرو بن حريث: 483. - عمرو بن حزم: 305، 347. - عمرو بن خالد الواسطي: 269، 370، 371. - عمرو بن دينار: 132، 360، 429، 476، 477، 478، 486، 493، 498، 519.

- عمرو بن راشد بن مسلم الكناني: 173. - عمرو بن رفاعة بن التابوت: 202. - عمرو بن زرارة (الكاتب): 295. - عمرو بن شعيب: 349. - عمرو بن العاص: 148، 170، 171، 191، 202، 392، 441. - عمرو بن علي الفلاس: 281، 283. - عمرو بن مرة: 132. - عمرو بن المهلب الأزدي: 154. - عمرو بن ميمون الأودي: 93، 222، 475. - عمير بن هانئ العنسي الداراني: 169. - عوج بن عنق الطويل: 243. - عوف بن أبي جميلة العبدي: 358. - عوف بن مالك الأشجعي: 169. - عون بن عبد الله: 326. - عياض بن أبي سرح: 480. - عياض بن غنم: 169. - عيسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: 9. - عيسى بن موسى (غنجار): 174. - عيسى بن ميمون: 231. - عيسى بن يونس: 181، 379. - العباس بن عبد المطلب: 92، 114، 217. - العباس بن الوليد الخلال الدمشقي: 510. - العجلوني الجراحي: 290.

- الغين -

- العراقي: 239، 388، 389، 483. - العرباض بن سارية: 19، 78، 169. - العقيلي: 281، 287. - العلاء الحضرمي: 415، 420. - العلاء بن سعد: 126. - الغين - - غاستون ويت: 254، 255، 256، 529. - غياث بن إبراهيم: 217. - الغزي العامري: 290. - الفاء - - فاطمة بنت قيس: 518. - فاطمة بنت محمد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 80، 199، 221، 369، 472، 475. - فروخ (مولى عثمان): 82. - الفريعة بنت سنان: 123. - الفضل بن العباس بن عبد المطلب: 169، 429، 477. - الفضيل بن حسن بن عمرو بن أمية الضمري: 347. - القاف - - قاسم بن قطلوبغا: 286. - قبيصة بن ذؤيب: 112، 429، 504، 512، 513. - قتادة بن دعامة السدوسي: 59، 131، 136، 158، 168، 201، 212، 223، 225، 229، 327، 353، 360، 393، 449، 472، 473، 485، 486، 527.

- الكاف -

- قتيبة بن سعيد: 232، 514. - قثم بن العباس: 174. - قرظة بن كعب: 97، 100، 101، 522. - قزعة (مولى زياد): 514. - قيس بن سعد المكي: 255. - قيس بن سعيد بن عبادة: 522. - قيس بن طلق: 62. - قيس بن عبادة: 102. - القاسم بن سلام (أبو عبيد): 100، 366، 419. - القاسم بن عبد العزيز: 369، 370. - القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق: 60، 129، 309، 429، 331، 439، 475، 477، 487، 490، 512، 516، 526. - القسم (*): 239 - الكاف - - كثير بن قيس: 179. - كثير بن مرة الحضرمي: [و]، 373، 374، 375، 429، 532. - كريب بن أبي مسلم (مولى ابن عباس): 477. - كسرى: 295. - كعب الأحبار (الحبر): 83، 84، 423، 429، 433، 457، 464، 465، 469، 477. - كعب بن مالك 405. - كميل بن [زياد] النخعي: 167. ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) لم أجد أحد الأعلام بهذا الاسم في صفحة 239، ولا في بقية الكتاب.

- اللام -

- اللام - - الليث بن سعد: 171، 236، 360، 373، 379، 492، 493، 494، 496، 498، 512، 516. - الميم - - مارجليوث: 280. - مالك بن أنس: 19، 20، 100، 102، 120، 130، 159، 170، 194، 197، 224، 234، 236، 237، 310، 331، 337، 338، 359، 371، 379، 435، 492، 495، 497، 498، 499، 514، [516]، 517. - مالك بن أوس: 115. - مالك بن دينار: 526. - مالك بن عبد الله الزيادي: 83. - مبارك بن محمد (ابن الأثير) = ابن الأثير. - مجالد بن سعيد: 154. - مجاهد بن جبر: 85، 94، 151، 166، 222، 319، 348، 349، 353، 356، 470، 477، 480. - محمد بن عبد الله رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لم أشر إلى أرقام الصفحات التي نشرفت بذكر اسمه الكريم، فلا تكاد تخلو صفحة من اسمه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. - محمد بن إبراهيم بن شعيب: 283. - محمد بن أحمد بن البراء: 283. - محمد بن أحمد التميمي المغربي الإفريقي (أبو العرب): 275.

- محمد بن أحمد الحسيني الفاسي المكي المالكي: 270. - محمد بن أحمد بن حماد بن سعد الأنصاري الدولابي (أبو بشر): 276. - محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي = الذهبي. - محمد بن إدريس الشافعي = الشافعي. - محمد بن إسحاق: 215، 337. - محمد بن إسحاق بن منده الأصبهاني: 276، 277. - محمد بن إسماعيل البخاري الإمام = البخاري. - محمد بن الأشعث: 190. - محمد بن إياس بن بكير: 421. - محمد الباقر = محمد بن علي. - محمد البشير ظافر المالكي: 289. - محمد بن جابر بن عبد الله الأنصاري: 478. - محمد بن جبير بن مطعم: 490. - محمد بن حبان (أبو حاتم البستي) = ابن حبان. - محمد حميد الله: 356. - محمد بن الحنفية = محمد بن علي. - محمد أبو زهرة: 370. - محمد رشيد رضا: 362، 531. - محمد بن سعد بن منيع (كاتب الواقدي): 225، 273، 274، 352، 391، 488، 498، 504، 518، 519، 527. - محمد بن سعيد: 346. - محمد بن سلام البيكندي: 174. - محمد السماحي: 401. - محمد بن سوقة: 127، 358.

- محمد بن سيرين: 7، 129، 130، 131، 168، 180، 220، 224، 228، 235، 237، 348، 393، 422، 429، 434، 470، 472، 481، 496، 520، 523، 524، 526، 527. - محمد بن صالح الهاشمي: 360. - محمد بن طاهر ابن علي الفتني: 289. - محمد بن طاهر المقدس (أبو الفضل): 268، 279، 287. - محمد بن عبد الرحمن الأنصاري: 345، 366. - محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب: 337. - محمد بن عبد الرحمن السخاوي: 290. - محمد بن عبد الغني بن أبي بكر (معين الدين) = ابن نقطة. - محمد بن عبد الله [النيسابوري]، أبو عبد الله = الحاكم. - محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي الزهري: 282. - محمد بن أبي عثمان الحازمي: 118. - محمد بن عجلان: 516. - محمد بن عروة بن الزبير: 488. - محمد بن عكاشة الكرماني: 215. - محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (أبو جعفر): 343، 354، 358، 368، 486. - محمد بن علي بن حمزة الحسيني الدمشقي: 272. - محمد بن علي بن أبي طالب، أبو القاسم (ابن الحنفية): 196، 345، 469، 477، 490، 505. - محمد بن علي الشوكاني: 289.

- محمد بن عمار: 114. - محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم: 422، 433. - محمد بن عمر الواقدي = الواقدي. - محمد بن عمرو: 129. - محمد بن عمرو بن الحسن: 478، 479. - محمد بن عيسى الترمذي = الترمذي. - محمد بن قائم بن صالح السندي: 263. - محمد الكتاني: 261. - محمد بن كعب: 393. - محمد بن محمد بن أحمد النيسابوري (الحاكم الكبير): 276. - محمد بن محمد الحسيني السندروسي: 289. - محمد بن محمد الخضيري الشافعي: 280. - محمد بن محمود: محب الدين بن النجار: 280، 288. - محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري = ابن شهاب الزهري. - محمد بن مسلمة: 112، 114، 346، 487. - محمد بن المطهر: 370. - محمد بن المنكدر: 165، 224، 430، 479، 488. - محمد بن نصر المروزي: 174. - محمد بن يحيى بن سعيد القطان: 214. - محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد الذهلي النيسابوري = الذهلي. - محمد بن يوسف الفريابي: 174. - محمد بن يوسف: 459. - محمود بن أحمد الهمداني (ابن خطيب الدهشة): 279.

محمود أبو رَيَّةَ: 138، 139، 140، 437، 438، 439، 440، 441، 447، 451، 456، 457، 464، 465. - محمود بن لبيد: 97، 478، 480. - محمية بن جزء: 170. - مخرمة بن بكير: 355. - مرة بن شراحيل الهمداني الكوفي: 232، 525. - مروان بن الحكم: 190، 313، 324، 417، 418، 419، 427، 430، 439، 440، 464، 489. - مسدد البصري: 339. - مسروق بن الأجدع الهمداني: 178، 179، 228، 407، 470، 475، 520. - مسعر بن كدام: [38]، 124، 229، 313، 345. - مسعود بن الأسود البلوي: 178. - مسلم البطين: 160. - مسلم بن الحجاج النيسابوري (الإمام): 102، 103، 114، 138، 221، 232، 234، 246، 254، 267، 268، 269، 270، 274، 276، 281، 306، 329، 353، 380، 390، 400، 419، 430، 456، 471، 473، 475، 477، 479، 480، 483، 494. - مسلمة بن مخلد: 170، 176، 177. مسلمة بن يسار الإفريقي: 173. - مسيلمة الكذاب: 81. - مصطفى السباعي: 119، 205، 257، 259، 503، 505. - مصعب بن الزبير: 190.

مطرف بن عبد الله بن الشخير: 79، 152، 225. معاذ بن أنس الجهني: 170. - معاذ بن جبل: 17، 71، 103، 165، 166، 168، 169، 173، 453، 469، 477، 478. - معاوية بن خديج: 170، 171. - معاوية بن رافع: 202. - معاوية بن أبي سفيان: 88، 89، 104، 169، 187، 188، 190، 191، 197، 199، 201، 202، 203، 318، 404، 417، 422، 439، 441، 442، 443، 444، 445، 446، 449، 455، 477، 487، 489. - معاوية بن أبي عياش الأنصاري: 421. - معبد بن العباس بن عبد المطلب: 172. - معقل بن يسار: 168. - معمر بن راشد: 100، 173، 221، 225، 229، 230، 236، 337، 357، 435، 498. - معن بن زائدة: 303، 345. - مغيرة بن مقسم الضبي: 520. - مقاتل (بن سيلمان): 217. - مكحول الدمشقي: 131، 151، 170، 237، 355، 422، 493، 485. - منصور بن المعتمر: 496، 520، 522. - مورق العجلي: 473، 526. - موسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: 198، 143، 465.

- موسى السبلاني: 389. - موسى بن أبي عائشة: 483. - موسى بن عقبة: 358، 516، [519]. - ميسرة بن عبد ربه: 215. - ميسرة بن يعقوب الطهوي: 84. - ميمون بن مهران: 151، 430، 516. - ميمونة بنت الحارث الهلالية: 476، 477. - المأمون (الخليفة العباسي): 507. - المأمون بن أحمد: 240. - الماوردي: 134. - المحرر بن أبي هريرة: 490. - المختار الثقفي: 190، 236. - المدائني: 224، 419. - المسعودي: 298. - المسور بن مخرمة: 114، 172، 477، 487، 490. - المسيب بن واضح: 215. - المعافى بن عمران الموصلي: 236. - المغيرة بن أبي بردة: 173. - المغيرة بن سلمة: 173. - المغيرة بن شعبة: 112، 114، 191، 318، 320، 441، 522. - المقداد بن الأسود: 62، 123، 170، 178. - المقوقس: 72. - المنذر بن ساوى: 72.

- النون -

المنوفي: 290. - المهدي، محمد بن عبد الله (الخليفة العباسي): 217. - المهدي (بن ميمون الأزدي): 208. - المولوي، أمير علي: 273. - النون - - نافع بن جبير بن مطعم: 490. - نافع (مولى ابن عمر): 7، 136، 327، 344، 358، 470، 481، 504، 516، 517، 519. - نجدة الحروري: 505. - نصيب (الشاعر): 14. - نعيم بن حماد الخزاعي المصري: 339. - النجاشي: 72. - النسائي = أحمد بن علي النسائي. - النضر بن الحارث: 149. - النعمان بن بشير: 487. - الهاء - - هارون بن سعيد الأيلي: 514. - هارون بن أبي عبيد الله: 217. - هرقل: 272. - هشام بن حسان: 168، 526. - هشام بن حكيم: 65. - هشام الدستوائي: 229، 236. - هشام بن عبد الملك: 169، 327، 334، 368، 492، 493، 498، 509، 510، 511.

- الواو -

هشام بن عروة: 223، 418، 419، [474]، 488. - هُشيم بن بشير: 236، 337، 379. - همام بن الحارث: 520. - همام بن منبه: 173، 355، 356، 357، 363، 381، 430، 435، 531. - الهيثم بن كليب: 174. - الواو - - وائل بن حجر: 347. - واثلة بن الأسقع: 131، 429. - وبرة بن عبد الرحمن: 89. - وراد (كاتب المغيرة بن شعبة): 320. - وكيع بن الجراح: 233. - وهب بن منبه: 173، 353. - وي دونج: 277. - الوليد بن أبي السائب: 237. - الواقدي (محمد بن عمر الواقدي): 388، 389، 419. - الوليد بن عبد الرحمن: 424. - الوليد بن عبد الملك بن مروان: 505. - الوليد بن مسلم: 168، 495. - الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان: 355. - الياء - - يحيى بن أبي بكر العامري اليمني: 263. - يحيى بن سعيد القطان: 132، 223، 234، 281، 283، 358.

يحيى بن سعيد الأنصاري: 129، 358، 472، 486، 498، 516. - يحيى بن عروة بن الزبير: 488. - يحيى بن أبي كثير: 180، 181، 228، 357، 360، 435، 483. - يحيى بن معين: 211، 212، 229، 234، 265، 281، 283، 534. - يحيى بن يحيى: 173. يحيى بن اليمان: 379. يزيد بن أبي حبيب: 124، 170، 171، 373، 498. - يزيد بن أبي سفيان: 168، 169. - يزيد بن عبد الملك: 493، 511. - يزيد بن معاوية: 190، 209، 455. - يزيد بن أبي منصور: 173. - يزيد بن عبد الملك: 169. - يزيد بن هارون: 162، 197، 232. - يزيد بن يحيى بن الصباح: 510. - يعلى بن أمية: 86. - يوسف - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: 416. - يوسف بن عبد الرحمن المِزِّي: 270، 271، 272. - يوسف العش: 323، 379. - يوسف بن محمد بن مقلد (أبو الحجاج): 264. - يوليوس فلهوزن: 507، 508. - يونس بن يزيد بن أبي النجاد: 112، 358. - يونس بن عبيد: 168، 516، 526. - اليعقوبي (أحمد بن أبي يعقوب): 502، 503، 504، 506، 508، 511، 513، 515.

2 - فهرس الكنى:

2 - فَهْرَسْ الكُنَى: - مِنْ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ: - أبو إدريس الخولاني: 169، 430، 490. - أبو إسحاق الجوزجاني السعدي (إبراهيم بن يعقوب): 281، 282. - أبو إسحاق السبيعي (عمرو بن عبد الله): 167، 223، 224، 281، 282، 516، 522. - أبو إسحاق الفزاري: 236. - أبو أمامة بن سهل: 480. - أبو أمامة الباهلي: 148، 484. - أبو أيوب الأنصاري: 176، 177، 221، 223، 227، 425، 429، 487، 519. - أبو الأحوص: 211. - أبو الأزهر: 131. - أبو برزة الأسلمي: 168، 173. - أبو بشر: 353. - أبو بصرة الغفاري: 170. - أبو بكر بن الأثرم: 229. - أبو بكر بن حزم = أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. - أبو بكر بن خلاد: 234. - أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة: 300. - أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: 346، 430. - أبو بكر بن عبد الله المزني: 472. - أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: 329، 321، 322، 363، 364.

أبو بكر بن [مهران] النيسابوري: 500. - أبو بكر (مولى عمرة بنت عبد الرحمن): 475. - أبو بكر بن نافع (مولى ابن عمر): 516. - أبو بكر الباقلاني: 390. - أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: 19، 20، 62، 66، 80، 83، 88، 92، 97، 99، 112، 113، 116، 117، 122، 144، 146، 163، 165، 199، 200، 201، 203، 315، 316، 317، 344، 392، 393، 408، 428، 429، 443، 449، 461، 469، 472، 473، 474، 477، 478، 480. - أبو بكر الهذلي: 523. - أبو جزي: 239. - أبو جعفر الإسكافي: (محمد بن عبد الله): 441، 442، 443، 444، 446، 456، 457، 460. - أبو جعفر الباقر: 478. - أبو جعفر (شيخ لمحمد بن سوقة: قيل هو كثير بن جمهان، وقيل الباقر): 127. - أبو جعفر بن محمد الطيالسي: 211. - أبو جفينة: 295. - أبو حاتم البُستي = ابن حبان. - أبو حاتم الرازي (محمد بن إدريس): 282، 497، 510. - أبو حنيفة النعمان (الإمام الفقيه): 111، 170، 210، 215، 236، 272، 522. - أبو حكم الهمذاني: 327.

- أبو حيان: 141. - أبو خالد الوالي: 157. - أبو خليفة: 212. - أبو خيثمة: 281، 317. - أبو داود السجستاني (الإمام): 103، 205، 223 (*)، 270، 287، 459، 496، 510، 514. -[أبو داود الطيالسي] = انظر سليمان بن الجارود الطيالسي] (**). - أبو دجانة: 57. - أبو الدرداء: 93، 106، 107، 108، 109، 110، 130، 132، 151، 157، 168، 169، 179، 203، 228، 312، 524. - أبو ذر الغفاري: 83، 84، 107، 108، 147، 203، 469، 477. - أبو رافع (تابعي): 418. - أبو رافع (مولى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -): 319، 346، 367، 368، 532. - أبو رجاء القَدَرِيُّ: 216، 219. - أبو زُرعة الرازي: 281، 282، 383، 390، 405، 406، 512، 521. - أبو زيد الأنصاري: 168، 233. - أبو الزبير المكي: 353، 498. - أبو الزعيزعة: 427. - أبو الزناد: 331، 435، 488، 491، 504، 518. - أبو سعد الخير: 170. - أبو سعيد الخُدري: 6، 17، 44، 45، 113، 117، 123، ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) هذا الترقيم لأبي داود الطيالسي وليس لأبي داود السجستاني. (**) لم يقم المؤلف بإدراج هذه الكنية، انظر ص: 614.

146، 148، 165، 303، 306، 307، 308، 314، 320، 321، 385، 400، 419، 428، 431، 465، 477، 478، 480، 514، 516، 518، 522. - أبو سعيد المقبري: 430. - أبو سفيان بن أمية بن عبد شمس: 295. - أبو سلمة بن عبد الرحمن: 435، 470، 477. - أبو سليمان الداراني: 169. - أبو شاه: 305، 306، 307، 308، 309. - أبو شيبة (قاضي واسط): 234. - أبو الشيخ: 288. - أبو صالح (صاحب التفسير): 230. - أبو صالح السمان: 160، 430، 433. - أبو الطفيل (عامر بن واثلة): 477، 480، 490. - أبو عاصم النبيل: 214. - أبو العالية: 159، 178، 223، 227. - أبو عبد الرحمن السلمي: 58، 211. - أبو عبد الرحمن النهدي: 470. - أبو عبد الله بن البري: 110. - أبو عبد الله بن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي: 174. - أبو عبد الله النهاوندي: 215. - أبو عبيد = القاسم بن سلام. - أبو عبيدة بن الجراح: 92، 120، 169، 478. - أبو عثمان النهدي: 311، 480.

- أبو عصمة (نوح بن أبي مريم): 215، 239. - أبو علي الطوماري: 104. - أبو عمار المروزي: 215. - أبو عمرو الأوزاعي = عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي. - أبو الفرج الأصبهاني: 518. - أبو قلابة (عبد الله بن زيد الجرمي): 111، 147، 178، 326، 335، 354، 472، 526. - أبو قيس بن عبد مناف بن زهرة: 295. - أبو القاسم البلخي: 207، 444، 446. - أبو مجلز: 472، 523. - أبو محمد بن حزم = ابن حزم. أبو مسعود الأنصاري: 106، 107، 108، 109، 522، 524. - أبو مسلم: 190. - أبو معشر: 419. - أبو معمر: 520. - أبو منصور (ولد يزيد بن منصور): 172. - أبو موسى الأشعري: 71، 105، 113، 114، 117، 122، 167، 173، 236، 314، 393، 401، 475، 522. - أبو المظفر السمعاني المروزي: 388. - أبو نصر الكلاباذي: 268. - أبو نضرة: 79، 314. - أبو نعيم (أحمد بن عبدا لله بن أحمد) الأصبهاني: 246، 274، 287. - أبو هارون العبدي: 44.

- أبو هريرة: 6، [21]، 41، 43، 49، 52، 54، 60، 95، 96، 108، 136، 165، 191، 202، 217، 221، 241، 303، 304، 305، 307، 313، 318، 327، 347، 355، 356، 357، 373، 381، 385، 392، 399، 407، 408، 411، 412، 413، 414، 415، 416، 417، 418، 419، 420، 421، 422، 423، 424، 425، 426، 427، 428، 429، 430، 431، 432، 433، 434، 435، 436، 437، 438، 439، 440، 441، 442، 443، 444، 446، 447، 448، 449، 450، 451، 452، 453، 454، 455، 456، 457، 458، 459، 460، 461، 462، 463، 464، 465، 466، 467، 468، 473، 475، 477، 478، 485، 487، 497، 501، 502، 514، 516، 518، 519، 522، 526، 533. - أبو هلال الراسبي (محمد بن سليم): 229. - أبو وائل: 211، 246. - أبو واقد الليثي: 518. - أبو الوليد (الطيالسي): 212، 514. - أبو يحيى الأعرج: 160. - ابو يعلى الفرضي: 278.

- من أسماء النساء:

- أبو يوسف (الفقيه صاحب أبي حنيفة): 111. - أبو يونس (مولى عمرة بنت عبد الرحمن): 475. - مِنْ أَسْمَاءِ النِّسَاءِ: - أم إسحاق - عَلَيْهَا السَّلاَمُ -: 369. - أم إسماعيل - عَلَيْهَا السَّلاَمُ -: 369. - أم سلمة، أم المؤمنين - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - (هند بنت أمية بن المغيرة المخزومية): 64، 419، 428، 451، 516، 522. - أم سُليم بنت ملحان الأنصارية (والدة أنس بن مالك) - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: 54، 472، 473. - أم سليمان اليشكري: 353. - أم الفضل (زوج العباس بن عبد المطلب) وأخت ميمونة زوجة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 477. - أم قيس بنت محصن (الأسدية): 518.

3 - من نسب إلى أبيه أو جده:

3 - مَنْ نُسِبَ إِلَى أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ: - ابن الأثير (عز الدين علي بن محمد) المورخ الحافظ: 262، 280، 349، 504. - ابن الأثير (مجد الدين مبارك بن محمد) الحافظ: 369. - ابن الأشعث (عبد الرحمن بن محمد): 512. - ابن البيع = الحاكم النيسابوري. - ابن تيمية (أحمد بن عبد الحليم): 189، 196، 204، 288، 499. - ابن تيمية (عبد السلام بن عبد الله): 288. - ابن جار الله: 290. - بن جُريج (عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج البصري): 129، 337، 516. - ابن الجزري: 499. - ابن الجوزي (عبد الرحمن بن علي أبو الفرج): 196، 211، 244، 247، 278، 285، 287، 288. - ابن أبي حاتم (عبد الرحمن بن أبي حاتم) الرازي: 276، 282، 283. - ابن حبان (محمد بن حبان، أبو حاتم البُسْتِي): 212، 239، 246، 262، 274، 281، 287، 284، 285، 401، 483، 499. - ابن حبيب (محمد بن حبيب): 173، 493، 511. - ابن حجر (شهاب الدين أحمد بن علي الكناني العسقلاني): 118، 232، 238، 242، 263، 272، 273، 269، 286، 290، 353، 357، 364، 365، 389، 434، 463، 499. - ابن حجر القسطلاني (شهاب الدين: أحمد بن محمد بن أبي بكر القسطلاني): 448. - ابن حزم (أبو محمد علي بن حزم، الإمام الظاهري): 107، 122، 395، 397،

399، 407، 408، 428، 497. - ابن أبي الحديد: 195، 199، 442. - ابن الحنفية = محمد بن علي. - ابن خزيمة: 281، 393، 467. - ابن خطيب الدهشة = محمود بن أحمد الهمذاني الفيومي. - ابن خلكان: 278، 505. - ابن خير: 266. - ابن دقيق العيد: 242. - ابن أبي ربيعة (عمر الشاعر): 136. - ابن زياد: 190. - ابن الزبير = عبد الله. - ابن سعد = محمد بن سعد. - ابن شهاب الزهري (محمد بن مسلم بن شهاب) الإمام الحافظ: 7، 100، 112، 128، 129، 136، 157، 161، 165، 178، 180، 181، 194، 223، 224، 228، 260، 328، 329، 330، 331، 332، 334، 341، 345، 355، 358، 360، 362، 363، 364، 365، 429، 435، 449، 462، 472، 481، 485، 486، 487، 488، 489، 490، 491، 492، 493، 494، 495، 496، 497، 498، 499، 500، 501، 502، 503، 504، 506، 508، 509، 510، 511، 512، 513، 515، 516،

518، 519، 530، 533، 534. - ابن الصلاح (عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري): 142، 143، 239، 336، 388، 497. - ابن الضائع: 141. - ابن طاوس: 173. - ابن عبد البر (أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي) حافظ المغرب: 99، 102، 106، 111، 322، 224، 225، 262، 264، 343، 365. - ابن عبد ربه (أحمد بن محمد بن عبد ربه): 438. - ابن عدي (أبو أحمد عبد الله بن محمد) 235، 281، 285، 286، 287. - ابن عساكر (علي بن الحسن: هبة الله بن عساكر): 268، 288، 457، 509. - ابن عقيل: 177. - ابن علية (إسماعيل بن إبراهيم): 379. - ابن عون = عبد الله بن عون. - ابن عيينة = سفيان بن عيينة. - ابن العربي: 118، 444. - ابن العماد الحنبلي: 368، 499. - ابن أبي غنية: 231. - ابن فتحون الأندلسي: 264. - ابن الفرضي: 266. - ابن قتيبة (عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري): 92، 307، 308، 446، 460.

- ابن قيم الجوزية (محمد بن أبي بكر: شمس الدين): 123، 241، 242، 243، 244، 246، 258. - ابن كثير (عماد الدين إسماعيل): 419، 434، 439، 458، 504. - ابن لهيعة (عبد الله): 171، 204، 205، 360. - ابن أبي ليلى = عبد الرحمن. - ابن ماكولا (علي بن هبة الله بن جعفر البغدادي): 277، 278. - ابن ماجه (محمد بن يزيد بن ماجه القزويني) الحافظ: 270، 340، 514. - ابن مالك (النحوي): 141، 142. - ابن مُحيريز:180، 228. - ابن مردويه: 287. - ابن أبي مُليكة (عبد الله بن عبيد الله): 69، 113، 227، 488. - ابن الماجشون: 236. - ابن المديني = علي بن عبد الله. - ابن المنكدر = محمد بن المنكدر. - ابن المهلب: 190. - ابن أبي نجيح: 132. - ابن نقطة (محمد بن عبد الغني البغدادي): 270، 278. - ابن النجار = محمد بن محمود. - ابن وهب: 359، 514. - بنو إسرائيل: 314. - بنو أمية: 59، 216، 363، 364، 440، 445، 503، 505، 507، 508. - بنو حنيفة: 74. - بنو سعد بن بكر: 64، 74.

- بنو طيء: 74 - بنو العباس: 364، 365. - بنو فزارة: 49 - بنو قريظة: 17 - بنو كندة: 74 - بنو هاشم: 476

§1/1