يقظة أولي الاعتبار

صديق حسن خان

خطبة الكتاب

خطْبَة الْكتاب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله على مَا منح من الْهدى وَجعل السّنة المطهرة قدوة لمن يقْتَدى الَّذِي خلق فأحيا وَحكم على خلقه بِالْمَوْتِ والفنا والبعث إِلَى دَار الْجَزَاء والفصل والقضا لتجزى كل نفس بِمَا تسْعَى كَمَا قَالَ فى كِتَابه جلّ وَعلا {إِنَّه من يَأْتِ ربه مجرما فَإِن لَهُ جَهَنَّم لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يحيى وَمن يَأْته مُؤمنا قد عمل الصَّالِحَات فَأُولَئِك لَهُم الدَّرَجَات العلى جنَّات عدن تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء من تزكّى} وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على خير من أفيضت عَلَيْهِ بحار المكارم والندى ولاحت عَلَيْهِ لوائح الصدْق والصفا واهتدى بِمَا أنزل عَلَيْهِ من ربه وَإِلَيْهِ أمته هدى وأنقذها من شرك الردى وَلم يَتْرُكهَا سدى فَمن أطاعه ووالاه فقد رشد وَنَجَا وَمن عَصا وناوأه فقد ضل وغوى وعَلى آله وَصَحبه وَحزبه صَلَاة وَسلَامًا دائمين على طول المدى وَبعد فَهَذَا كتاب فى أَحْوَال النَّار وأصحابها وأهوال الْجَحِيم وأربابها نسجته على منوال كتابى فى أَحْوَال الْجنَّة وأهاليها وحقائق نعمها ومواليها والباعث على جمعه أَن الْحَافِظ الإِمَام نَاصِر السّنة وَالْإِسْلَام مُحَمَّد بن أَبى بكر بن الْقيم بوأه الله فى دَار السَّلَام ألف كتابا جَامعا لم يسْبق إِلَيْهِ فى مَا جَاءَ فى نعيم الْجنان ومدارج الرضْوَان والغفران وَهُوَ بَاب من أَبْوَاب التَّرْغِيب وَقد سبقت رَحْمَة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على غَضَبه كَمَا ورد ذَلِك فى صِحَاح الْأَحَادِيث وَلم أَقف لَهُ وَلَا لغيره على كتاب مُسْتَقل فى ذكر النَّار وأهوال الْجَحِيم وَمَا يُقَابل الرَّاحَة والعيش الآخر فى دَار النَّعيم وَهَذَا بَاب من أَبْوَاب التَّرْهِيب وحاجة الْمُسلم إِلَيْهِ أَشد من الْحَاجة إِلَى الأول لِأَن الْإِيمَان بَين الْخَوْف والرجا والمرء بَين الشدَّة والرخا وَالْخَوْف يفعل فى الْخَائِف مَالا يفعل الرجا فى الراجى

والخشية تميز تمييزا كَافِيا وافيا بَين الْهَالِك والناجى وَأَن دين الاسلام ورد بالمهلكات كَمَا جَاءَ بالمنجيات وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رغب وحذر وَبشر وأنذر فَهُوَ الْمخبر الصَّادِق بكلا الْأَمريْنِ إِخْبَارًا لَا يخفى على ذى عينين وَلَكِن الشَّيْطَان الرَّجِيم غرهم بالغفران والاحسان وكادتهم النَّفس الأمارة بالسوء ووعدتهم بالرضوان والجنان وَدخل عَلَيْهِم إِبْلِيس من بَاب الرجا حَتَّى أضلهم عَن طَرِيق الْهدى فَقَالُوا سيغفر لنا كَمَا قَالَ من قبلهم من الْأُمَم وَلم يعلمُوا أَن بَطش رَبهم لشديد الْأَلَم وَأَن الدَّار الْآخِرَة منقسمة إِلَى قسمَيْنِ رياض الْجنَّة وحفر النَّار وَالْعَبْد بَين مخافتين إِمَّا أَن يصير إِلَى النَّعيم بفضله سُبْحَانَهُ وَإِمَّا أَن يُصَار بِهِ عدلا مِنْهُ إِلَى دَار الْبَوَار وكل من قنع بالرجا وَلم يلم بالخوف لم يعلم بعاقبة أمره وَلم يعرف نَفعه من ضره وَإِنَّمَا الْمُؤمن الناجى من آمن بِاللَّه وَرَسُوله وَالْيَوْم الآخر وَعمل صَالحا وأقلع نَفسه فى هَذِه الدَّار عَمَّا يوبقه ويهلكه عذبا كَانَ أَو مالحا وفى حَدِيث شَدَّاد بن أَوْس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكيس من دَان نَفسه وَعمل لما بعد الْمَوْت وَالْعَاجِز من أتبع نَفسه هَواهَا وَتمنى على الله قَالَ فى مجَالِس الْأَبْرَار هَذَا الحَدِيث من حسان المصابيح انْتهى وَمَا أحسن مَا قَالَ بعض العارفين عجبت من شيخى وَمن زهده ... وَذكره النَّار وأهوالها يكره أَن يشرب فى فضَّة ... وَيسْرق الْفضة إِن نالها ووعد الْمَغْفِرَة فى كتاب الله مَنُوط بالايمان وَالْعَمَل الصَّالح جَمِيعًا فَمن أقرّ بِلِسَانِهِ أَن الْآخِرَة خير وَأبقى ثمَّ ترك الْعَمَل واشتغل بالمعاصى فَهُوَ من المغرورين بالدنيا والمسرورين بهَا والمحبين لَهَا والكارهين للْمَوْت خيفة فَوَات لذتها لَا خيفة فَوَات لذات الْآخِرَة وحول عقابها فَهَؤُلَاءِ هم الَّذين غرتهم الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم عَن الْآخِرَة هم غافلون

وَأما الَّذين غرهم بِاللَّه الْغرُور فهم الَّذين يعْملُونَ الْأَعْمَال ويشتغلون بالمنكرات وَيَقُولُونَ أَن الله رَحِيم نرجو رَحمته وكريم نتمنى مغفرته وَهَذَا التمنى هُوَ الْغرُور الذى غير الشَّيْطَان اسْمه وَسَماهُ رَجَاء حَتَّى خدع بِهِ كثيرا من النَّاس وَقد شرح الله الرَّجَاء بقوله الَّذين آمنُوا وَهَاجرُوا وَجَاهدُوا فى سَبِيل الله أُولَئِكَ يرجون رَحْمَة الله وَقيل لِلْحسنِ قوم يَقُولُونَ نرجوا الله ويضيعون الْعَمَل فَقَالَ هَيْهَات هَيْهَات هَلَكت أمانيهم يتردون فِيهَا من رجا شَيْئا طلبه وَمن خَافَ شَيْئا هرب مِنْهُ وكما لَا ينْبت فى الدُّنْيَا زرع إِلَّا بالحرث كَذَلِك لَا يحصل فى الْآخِرَة أجر وثواب إِلَّا بِالْإِيمَان الْخَالِص وَالْعَمَل الصَّالح وَالنِّيَّة الصادقة وان الله تَعَالَى كَمَا كَانَ غَافِر الذُّنُوب وقابل التَّوْبَة فَهُوَ شَدِيد الْعقَاب أَيْضا وَأَنه مَعَ كَونه كَرِيمًا رحِيما خلد الْكفَّار فى النَّار أَبَد الآباد مَعَ أَن كفرهم لَا يضرّهُ بل سلط الْعَذَاب والمحن والأمراض والعلل والفقر والجوع على عباده فِي الدُّنْيَا مَعَ كَونه رحِيما كَرِيمًا قَادِرًا على إِزَالَتهَا فَمن كَانَت سنته فى عباده كَذَلِك كَيفَ يغتر بِهِ العَبْد وَلَا يخافه وَقد خوف عباده ورجاء أَكثر الْخلق فى هَذَا الزَّمَان هُوَ سَبَب فتورهم عَن الْعَمَل وإقبالهم على الدُّنْيَا وإعراضهم عَن طَاعَة الله تَعَالَى وإهمالهم للسعى للآخرة وهم لَا يعلمُونَ أَنه غرور وَلَيْسَ برجاء وَقد غلب الْغرُور على آخر هَذِه الْأمة كَمَا غلب الطَّاعَة على أَولهَا قَالَ الغزالى قد كَانَ النَّاس فى الزَّمَان الأول يواظبون على الطَّاعَات والعبادات ويبالغون فى الِاحْتِرَاز عَن الشُّبُهَات والشهوات وَمَعَ ذَلِك كَانُوا يخَافُونَ على أنفسهم ويبكون فى الخلوات وَأما الْآن فنرى الْخلق آمِنين فرحين غير خَائِفين مَعَ إصرارهم على المعاصى وانهماكهم فى الدُّنْيَا وإعراضهم عَن

طَاعَة الله ويزعمون أَنهم واثقون بكرم الله تَعَالَى وفضله وراجون لعفوه ومغفرته وَيَقُولُونَ نعْمَته وَاسِعَة وَرَحمته شَامِلَة وأى شىء من معاصى الْعباد فى بحار مغفرته ويسمون تمنيهم واغترارهم رَجَاء وَيَقُولُونَ أَن الرجا مَحْمُود فى الدّين فكأنهم يَزْعمُونَ أَنهم عرفُوا من كرم الله وفضله مَا لم يعرفهُ الْأَنْبِيَاء وَالسَّلَف الصَّالح انْتهى هَذَا وَكَانَ يخْطر فى خلدى قَدِيما مُنْذُ ألفت كتاب مثير سَاكن الغرام إِلَى روضات دَار السَّلَام أَن أؤلف كتابا فى أهوال النَّار وَأَهْلهَا وَصفَة الْجَحِيم حزنها وسهلها مُقْتَصرا فى ذَلِك على مَا ورد فى آيَات الْكتاب الْعَزِيز وأدلة السّنة المطهرة الْبَيْضَاء فَلم يتَّفق لى هَذَا المُرَاد لعوائق عاقتنى وَضَاقَتْ بهَا على الغبراء إِلَى أَن حصل الْآن فرْصَة نذرة فانتدبت لتحرير هَذَا المرام ظنا منى أَنه لم يسْبق إِلَى مثل هَذَا التَّأْلِيف قبلى أحد من الْأَعْلَام وَلَو كنت وقفت على مثل هَذَا الْجمع لأحد مِنْهُم لم أكلف نفسى لجمع هَذَا الْكتاب الْمَوْعُود وَلم أدخلها فى هَذِه الْعقبَة الكئود وَلَكِن الله يوفق بِمَا شَاءَ من عباده وَله فى أَيَّام دهرهم نفحات أَلا فليتعرضوا لَهَا فى بِلَاده وَسميت هَذَا يقظة أولى الِاعْتِبَار مِمَّا ورد فى ذكر النَّار وَأَصْحَاب النَّار ورتبته على مُقَدّمَة وأبواب وخاتمة أجارنا الله تَعَالَى عَن النَّار الحاطمة

المقدمة فى بيان أن الشرائع متفقة على إثبات الدار الآخرة التى فيها الجنة والنار

الْمُقدمَة فى بَيَان أَن الشَّرَائِع متفقة على إِثْبَات الدَّار الْآخِرَة الَّتِى فِيهَا الْجنَّة وَالنَّار أعلم أَن الله سُبْحَانَهُ صرح باسم الْجنَّة فى أول التَّوْرَاة عِنْد الْكَلَام على ابْتِدَاء خلق الْعَالم ولفظها وغرس الْإِلَه جنَّة فى عدن شرقا وَوضع هُنَاكَ آدم الذى خلقه ثمَّ ذكر أَن مِنْهَا خرج نهر وتفرع عَنهُ فيشون وحداقل وجيحون والفرات فَهَذِهِ هى الْجنَّة الَّتِى ورد ذكرهَا فى الْقُرْآن الْكَرِيم وَصَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن هَذِه الْأَرْبَعَة الْأَنْهَار خَارِجَة مِنْهَا كَمَا فى دواوين الْإِسْلَام وَغَيرهَا واعترف بهَا رَأس زنادقة الْيَهُود مُوسَى بن مَيْمُون القرطبى الأندلسى فى تأليفه الْمُسَمّى المشنا فى الْفِقْه وفى كتاب اللُّغَات

فى حرف الْعين قَالَ وَمعنى اسْم عدن التَّلَذُّذ والتنعم ثمَّ قَالَ إِن تِلْكَ هى جنَّات النَّعيم وفردوس السَّعَادَة والصالحون باقون فِيهَا ليستلذوا من نور الله قَالَ النبى أشعياء فى حَقِيقَة ذَلِك التَّلَذُّذ هُوَ مَالا عين تقدر أَن ترَاهُ أه

والتوراة أَيْضا صرحت باسم النَّار ولفظها سَوَّلَ واش قَالَ عُلَمَاء الْيَهُود وَمعنى اللَّفْظَيْنِ جَهَنَّم وفيهَا غير ذَلِك من الْآيَات كثير كَمَا فى الأصحاح الثَّامِن عشر من سفر اللاويين الْأَحْبَار وَلَفظه أحكامى تعلمُونَ وفرائضى تحفظون لتسلكوا فِيهَا أَنا الرب إِلَهكُم فتحفظون فرائضى وأحكامى الَّتِى إِذا فعلهَا الْإِنْسَان يحيا بهَا أَنا الرب أه وَلَا حَيَاة دائمة فى الدُّنْيَا بل فى الْآخِرَة وفى الإصحاح الْفَصْل الْخَامِس من سفر الْأَمْثَال لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ويجعلهم بعد الْمَوْت إِلَى الْجَحِيم أه وفى الاصحاح السَّادِس وَالْعِشْرين من نبوة أشعياء مَا لَفظه تحيا أمواتك تقوم

الجثت أه وفى سفر دانيال مَا لَفظه وكثيرون من الراقدين فى تُرَاب الأَرْض يستيقظون هَؤُلَاءِ إِلَى الْحَيَاة الأبدية وَهَؤُلَاء إِلَى الْعَار والازدراء الأبديأه وَأما الزبُور فَفِيهِ نُصُوص كَثِيرَة فى التَّصْرِيح بِذكر النَّار جَاءَ فى المزمور التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ مَا لَفظه مثل الْغنم للهاوية يساقون الْمَوْت يرعاهم ويسودهم المستقيمون غَدَاة وصورتهم تبلى الهاوية مسكن لَهُم إِنَّمَا الله يفْدي نفسى من يَد الهاوية لِأَنَّهُ يأخذني أه وفى المزمور الْخَامِس وَالْخمسين ليبغتهم الْمَوْت لينحدروا إِلَى الهاوية أَحيَاء لِأَن فى مساكنهم فى وَسطهمْ شروراأه وفى المزمور السَّادِس مَا لَفظه وَأَنت يَا رب فحتى مَتى عد يَا رب نج نفسى خلصنى من أجل رحمتك لِأَنَّهُ لَيْسَ فى الْمَوْت ذكرك فى الهاوية

من يحمدك أه وفى المزمور التَّاسِع الشرير يعلق بِعَمَل يَدَيْهِ الأشرار يرجعُونَ إِلَى الهاوية أه وفى المزمور السَّادِس عشر جسدى أَيْضا يسكن مطمئنا لِأَنَّك لن تتْرك نفسى فى الهاوية لن تدع تقيك يرى فَسَادًا أه وفى الْإِنْجِيل ذكر الْجنَّة وَالنَّار فى مَوَاضِع كَثِيرَة ففى الاصحاح الْخَامِس من الْإِنْجِيل الأول إنجيل مَتى وَمن قَالَ يَا أَحمَق يكون مستوجب نَار جَهَنَّم إِلَى قَوْله وَلَا يلقى جسدك كُله فى جَهَنَّم وفى الاصحاح الْعَاشِر من مَتى بل خَافُوا بالحرى من الذى يقدر أَن يهْلك النَّفس والجسد كليهمَا فى جَهَنَّم أه وفى ذَلِك تَصْرِيح بحشر الأجساد وفى الاصحاح الثَّالِث عشر من مَتى يُرْسل ابْن الْإِنْسَان مَلَائكَته فَيجْمَعُونَ من ملكوته جَمِيع المعاثر وفاعلي الْإِثْم

ويطرحونهم فى أتون النَّار هُنَاكَ يكون الْبكاء وصرير الْأَسْنَان وفى الاصحاح التَّاسِع من إنجيل مرقس مَا لَفظه وتمضى إِلَى جَهَنَّم إِلَى النَّار الَّتِى لَا تطفأ حَيْثُ دُورهمْ لَا يَمُوت وَالنَّار لَا تطفأ وفى الاصحاح السَّادِس عشر من إنجيل لوقا مَا لَفظه وَمَات الْغنى وَدفن فَرفع عَيْنَيْهِ فى الهاوية وَهُوَ فى العذابأه وفى الاصحاح الثَّامِن عشر من مَتى صرح بِذكر دُخُول النَّار المؤبدة وبذكر دُخُول جَهَنَّم وفى الاصحاح للثَّانِي وَالْعِشْرين من مَتى مَا لَفظه فى ذَلِك الْيَوْم جَاءَ اليه صدوقيون الَّذين يَقُولُونَ لَيْسَ قِيَامَة أه فَانْظُر إِلَى هَذَا النَّص الصَّرِيح بالقيامة وَإِلَى التَّصْرِيح بِأَن الَّذين يَقُولُونَ لَا قِيَامَة هم الصدوقيون وَكفى بِهَذَا دافعا فى وَجه من زعم أَن إِثْبَات

ذَلِك زنادقة فِي الشَّرِيعَة السَّابِقَة كَمَا ذكره زنادقة فى هَذِه الشَّرِيعَة المحمديه وفى الاصحاح الْخَامِس وَالْعِشْرين من مَتى مَا لَفظه ثمَّ يَقُول أَيْضا للَّذين عَن الْيَسَار اذْهَبُوا عَنى يَا ملاعين إِلَى النَّار الأبدية الْمعدة لإبليس وَمَلَائِكَته وفى هَذَا التَّصْرِيح بِمَا لَا يحْتَاج إِلَى زِيَادَة وَهَذِه النقول من الانجيل الذى جمعه مَتى وَنَحْوه أَيْضا فى الأناجيل الْأُخْرَى الَّتِى جمعهَا يوحنا ومرقس وَغَيرهمَا وفى إنجيل لوقا فى الاصحاح الْعشْرين مِنْهُ وَأما أَن الْمَوْتَى يقومُونَ فقد دلّ عَلَيْهِ مُوسَى وفى الاصحاح الثَّالِث وَالْعِشْرين أَن الْمَسِيح قَالَ للمصلوب مَا لَفظه قَالَ لَهُ يسوع الْحق أَقُول لَك إِنَّك الْيَوْم تكون معى فى الفردوس انْتهى وفى الانجيل الذى جمعه يوحنا فى الاصحاح الْخَامِس مَا لَفظه فَإِن تأتى سَاعَة فِيهَا يسمع جَمِيع الَّذين فى الْقُبُور صَوته فَيخرج الَّذين فعلوا الصَّالِحَات إِلَى قِيَامَة الْحَيَاة وَالَّذين عمِلُوا السيآت إِلَى قِيَامَة الدينونة وفى الاصحاح السَّادِس من يوحنا أَن كل من يرى الابْن ويؤمن بِهِ تكون لَهُ حَيَاة أبدية وَأَنا أقيمه فِي الْيَوْم الْأَخير

وفى الإصحاح الثَّامِن من يوحنا مَا لَفظه الْحق الْحق أَقُول لكم إِن كَانَ أحد يحفظ كلامى فَلَنْ يرى الْمَوْت إِلَى الْأَبَد انْتهى وَإِذا عرفت هَذَا الْمُصَرّح بِهِ الْإِنْجِيل هَكَذَا صرح الحواريون من أَصْحَاب الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام فى رسائلهم الْمَعْرُوفَة وَهَذِه النُّصُوص ترد على ابْن أَبى الْحَدِيد المعتزلى شَارِح نهج البلاغة قَوْله وَهُوَ أَن كل مَا فى التَّوْرَاة من الْوَعْد والوعيد فَهُوَ مَنَافِع الدُّنْيَا ومضارها وَلم يَأْتِ فِيهَا مَا يتَعَلَّق بِمَا بعد الْمَوْت وَأما الْمَسِيح فَإِنَّهُ صرح بالقيامة وَبعث الْأَبدَان وَلَكِن جعل الْعقَاب روحانيا وَكَذَلِكَ الثَّوَاب انْتهى وَكَذَلِكَ ترد على رَئِيس

الْمَلَاحِدَة ابْن سينا حَيْثُ قَالَ ان النَّصَارَى أثبتوا بعث الْأَبدَان وخلوها عَن الْمطعم والملبس وَالْمشْرَب والمنكح انْتهى قَالَ شَيخنَا الْعَلامَة الْمُجْتَهد الْمُطلق مُحَمَّد بن على الشوكانى فى الْمقَالة الفاخرة فى اتِّفَاق الشَّرَائِع على اثبات الدَّار الْآخِرَة إِن أصل هَذِه الْمقَالة الملعونة

وَالرِّوَايَة عَن التَّوْرَاة والانجيل المكذوبة مقالات قَالَهَا جمَاعَة من متزندقة الْيَهُود النَّصَارَى كَابْن مَيْمُون وَأَضْرَابه وَأَنَّهُمْ أَي الْيَهُود كفروه ولعنوه بِسَبَب هَذِه الْمقَالة وَقد وَقع من هَذَا الملعون التحريف لما فى التَّوْرَاة وتلقى ذَلِك عَنْهُم زنادقة الْملَّة الاسلامية استرواحا مِنْهُم لما يتَضَمَّن من الْقدح فى شرائع الله سُبْحَانَهُ انْتهى ثمَّ نقل مَا فى التَّوْرَاة وَالزَّبُور والانجيل نَحْو مَا ذكرنَا وَزَاد فى النقول فى رسَالَته الَّتِى سَمَّاهَا ارشاد الثِّقَات إِلَى اتِّفَاق الشَّرَائِع على التَّوْحِيد والمعاد والنبوات وَهَذِه للكتب الثَّلَاثَة الالهية مَوْجُودَة عندنَا بِاللِّسَانِ العربى فاستفاد من ذَلِك أَن الْأَمر خلاف مَا قَالَه زنادقة الْملَّة الْيَهُودِيَّة وَالْملَّة النَّصْرَانِيَّة ثمَّ تعقب الشوكانى رَحمَه الله ابْن مَيْمُون وَابْن أَبى الْحَدِيد وأوضح فَسَاده ثمَّ قَالَ أما نُصُوص الْقُرْآن فَهُوَ من فاتحته إِلَى خاتمته مصرحة بِالْجنَّةِ وَالنَّار وَبَعثه الْأَجْسَام وتنعمها أَو تعذيبها بِمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ الْقُرْآن من أَنْوَاع ذَلِك وَمن تتبع مَا فى كتاب الله سُبْحَانَهُ من حِكَايَة نعيم أهل الْجنَّة وَعَذَاب أهل النَّار عَن الْملَل السالفة وَعَن كتب الله الْمنزلَة عَلَيْهَا وجده كثيرا جدا لَا يَتَّسِع الْمقَام لبسطه وَقد بعث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهل الْملَّة الْيَهُودِيَّة وَالْملَّة النَّصْرَانِيَّة فى أَكثر بقاع الأَرْض وَلم يسمع عَن أحد مِنْهُم أَنه أنكر ذَلِك أَو قَالَ هُوَ خلاف مَا فى التَّوْرَاة والانجيل وَقد سكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَنزل عَلَيْهِ أَكثر الْقُرْآن

بهَا وَكَانَ الْيَهُود متوافرين فِيهَا وَفِيمَا حولهَا من الْقرى الْمُتَّصِلَة بهَا وَكَانُوا يسمعُونَ مَا ينزل الله على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْقُرْآن وَيُنْكِرُونَ مَا ورد مُخَالفا لما فى التَّوْرَاة ويجادلون أبلغ مجادلة كَمَا حكى ذَلِك الْقُرْآن الْكَرِيم وتضمنته كتب السّير والتاريخ وَلم يسمع أَن قَائِلا قَالَ إِنَّك تحكى عَن التَّوْرَاة مَا لم يكن فِيهَا من الْبَعْث ونعيم الْجنَّة وَعَذَاب النَّار وَقد كَانُوا يتهالكون على ذَلِك ويبالغون فى تتبعه بل كَانُوا فى بعض الْحَالَات يُنكرُونَ وجود مَا هُوَ مَوْجُود فى التَّوْرَاة كالرجم فَكيف يسكتون عَن هَذَا الْأَمر الْعَظِيم مَعَ سماعهم لحكاية الْقُرْآن لَهُ عَنْهُم وَعَن التَّوْرَاة وَهل كَانُوا يعجزون عِنْد أَن يسمعوا مَا حَكَاهُ الله عَنْهُم من قَوْلهم {وَقَالُوا لن تمسنا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة} أَن يَقُولُوا مَا قُلْنَا هَذَا وَلَا نعتقده وَلَا جَاءَت بِهِ شَرِيعَة مُوسَى وَهَكَذَا عِنْد سماعهم قَوْله تَعَالَى {إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى} وَبِهَذَا تبين أَن هَذِه الْمقَالة لم يسمع بهَا الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى إِلَّا فى عصر رَأس الزَّنَادِقَة ابْن مَيْمُون عَلَيْهِ لعائن الله تَعَالَى انْتهى كَلَامه وَكَلَام ابْن مَيْمُون هَذَا كَمَا هُوَ مُخَالف للملة الْيَهُودِيَّة وَلما جَاءَت بِهِ التَّوْرَاة وَلما قَالَه عُلَمَاء الْيَهُود هُوَ أَيْضا مُخَالف للملة النَّصْرَانِيَّة وَلما جَاءَ بِهِ الانجيل

وَقَالَهُ عُلَمَاء النَّصَارَى ومخالف أَيْضا لما جَاءَت بِهِ الشَّرِيعَة الداؤدية وَمَا صرح بِهِ الزبُور ومخالف أَيْضا لما جَاءَت بِهِ الْملَّة الاسلامية وَمَا صرح بِهِ الْقُرْآن الْكَرِيم وَأجْمع عَلَيْهِ عُلَمَاء الاسلام بل مُخَالف لشرائع الْأَنْبِيَاء جَمِيعًا كَمَا حكى ذَلِك عَنْهُم الْقُرْآن فَنحْن وَإِن لم نقف على غير التَّوْرَاة وَالزَّبُور والانجيل من شرائع الانبياء السَّابِقَة فقد حَكَاهَا لنا الْقُرْآن فى غير مَوضِع كَقَوْلِه تَعَالَى وَقَالُوا لن يدْخل الْجنَّة إِلَّا من كَانَ هودا أَو نَصَارَى وَقَوله يَا بنى إِسْرَائِيل اعبدوا الله ربى وربكم إِنَّه من يُشْرك بِاللَّه فقد حرم الله عَلَيْهِ الْجنَّة ومأواه النَّار وَقَوله حاكيا عَن مُؤمن آل فِرْعَوْن يَا قوم إنى أَخَاف عَلَيْكُم يَوْم التناد إِلَى قَوْله وَإِن الْآخِرَة هِيَ دَار الْقَرار إِلَى قَوْله فَأُولَئِك يدْخلُونَ الْجنَّة يرْزقُونَ فِيهَا بِغَيْر حِسَاب وَقَوله إِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى إِنِّي متوفيك ورافعك إِلَيّ إِلَى قَوْله وجاعل الَّذين اتبعوك فَوق الَّذين كفرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَى آخر الْآيَات بِطُولِهَا

وَالْحَاصِل أَن هَذَا أَمر اتّفقت عَلَيْهِ الشَّرَائِع ونطقت بِهِ كتب الله عز وَجل سابقها ولاحقها وتطابقت عَلَيْهِ الرُّسُل أَوَّلهمْ وَآخرهمْ وَلم يُخَالف فِيهِ أحد وَهَكَذَا اتّفق على ذَلِك أَتبَاع جَمِيع الْأَنْبِيَاء من أهل الْملَل والنحل وَلم يسمع عَن أحد مِنْهُم أَنه أنكر ذَلِك إِلَّا مَا تقدم من ابْن مَيْمُون الملعون وأفراخه فانه وَقع مِنْهُ كَلَام فى إِنْكَار الْمعَاد ثمَّ اخْتلف كَلَامه فى ذَلِك فَتَارَة يُثبتهُ وَتارَة يَنْفِيه وَإِنَّمَا أنكر أَن يكون فِيهِ لذات حسية جسمانية بل لذات عقلية روحانية ثمَّ تلقى ذَلِك عَنهُ من هُوَ شَبيه بِهِ من أهل الاسلام كَابْن سينا فقلده وَنقل عَنهُ

مَا يُفِيد أَنه لم يَأْتِ فى الشَّرَائِع السَّابِقَة على الشَّرِيعَة المحمدية إِثْبَات الْمعَاد تقليدا لذَلِك الْيَهُودِيّ الملعون الزنديق مَعَ أَن الْيَهُود قد أَنْكَرُوا عَلَيْهِ هَذِه الْمقَالة وسموه كَافِرًا وَتبع ابْن سينا ابْن أَبى الْحَدِيد شَارِح نهج البلاغة وهلم جرا

باب في بيان وجود النار الآن

بَاب فِي بَيَان وجود النَّار الْآن اعْلَم أَنه لم يزل أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والتابعون وتابعوهم وَأهل السّنة والْحَدِيث قاطبة وفقهاء الاسلام وَأهل التصوف والزهد على اعْتِقَاد ذَلِك وإثباته مستندين فى ذَلِك إِلَى نُصُوص الْكتاب الْعَزِيز وَالسّنة المطهرة وَمَا علم بِالضَّرُورَةِ من أَخْبَار الرُّسُل كلهم من أَوَّلهمْ إِلَى آخِرهم كَمَا تقدم فى الْمُقدمَة فانهم دعوا الْأُمَم إِلَيْهَا وأخبروا بهَا إِلَى أَن نبغت نَابِغَة من أهل الْبدع والأهواء فأنكرت أَن تكون الْآن مخلوقة مَوْجُودَة وَقَالَت بل الله ينشئها يَوْم الْمعَاد وَأَن خلق النَّار قبل الْجَزَاء عَبث فانها تصير معطلة مدَدا متطاولة لَيْسَ فِيهَا سكانها فَردُّوا من النُّصُوص الْأُصُول وَالْفُرُوع وضللوا كل من خَالف بدعتهم هَذِه بِمَا لَا يسمن وَلَا يغنى من جوع وَلِهَذَا صَار السّلف الصَّالح وَمن نحا نحوهم تذكرُونَ فى عقائدهم أَن الْجنَّة وَالنَّار مخلوقتان الْآن موجودتان فى الْحَال وَيذكر من صنف فى المقالات أَن هَذِه المقالات أَن هَذِه مقَالَة أهل السّنة والْحَدِيث كَافَّة لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهَا مِنْهُم أَبُو الْحسن الأشعرى إِمَام الاشاعرة فى كِتَابه مقالات الاسلاميين وَاخْتِلَاف المضلين وَقد ذكر الله تَعَالَى النَّار فِي كِتَابه فِي مَوَاضِع كَثِيرَة يتعسر حَدهَا ويفوت عدهَا ووصفها وَأخْبر بهَا على لِسَان نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعتها فَقَالَ عز من قَالَ فَاتَّقُوا النَّار الَّتِي وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة أعدت للْكَافِرِينَ {وَقَالَ} وَاتَّقوا النَّار الَّتِي أعدت للْكَافِرِينَ {وَقَالَ} إِنَّا أَعْتَدْنَا للظالمين نَارا أحَاط بهم سرادقها {وَقَالَ} إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّم للْكَافِرِينَ نزلا {وَقَالَ} وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا وَقَالَ تَعَالَى أغرقوا فأدخلوا نَارا

{وَقَالَ} وَأعد لَهُم جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا {وَقَالَ} فانا أَعْتَدْنَا للْكَافِرِينَ سعيرا {وَقَالَ} وأعتدنا لَهُم عَذَاب السعير {وَقَالَ} النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدوا وعشيا إِلَى غير ذَلِك من الْأَدِلَّة القطعية الَّتِي كلهَا صِيغ مَوْضُوعَة للمضى حَقِيقَة فَلَا وَجه للعدول عَنْهَا إِلَى المجازات إِلَّا بِصَرِيح آيَة أَو صَحِيح دلَالَة وأنى لَهُم ذَلِك وفى الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن أحدكُم إِذا مَاتَ عرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشى إِن كَانَ من أهل الْجنَّة فَمن أهل الْجنَّة وَإِن كَانَ من أهل النَّار فَمن أهل النَّار يُقَال هَذَا مَقْعَدك حَتَّى يَبْعَثك الله يَوْم الْقِيَامَة وَفِيهِمَا أَيْضا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى فى صَلَاة الْكُسُوف النَّار فَلم ير منْظرًا أفظع من ذَلِك وفى البخارى عَن عمرَان بن حُصَيْن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اطَّلَعت فى النَّار فَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا النِّسَاء وَفِيه دلَالَة على وجودهَا حَال اطِّلَاعه وَرَوَاهُ الترمذى والنسائى أَيْضا وفى الصَّحِيح بَاب صفة النَّار وَأَنَّهَا مخلوقة الْآن وَعَن أبي ذَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبردوا بِالصَّلَاةِ فان شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم وَعَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشتكت النَّار إِلَى رَبهَا فَقَالَت رب أكل بعضى بَعْضًا فَأذن لَهَا بنفسين نفس فى الشتَاء وَنَفس فى الصَّيف فأشد مَا تَجِدُونَ من الْحر وَأَشد مَا تَجِدُونَ من الزَّمْهَرِير رَوَاهُ البخارى أى من ذَلِك التنفس وَعَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر رضى الله عَنْهُم قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحمى من فيح جَهَنَّم فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ رَوَاهُ البخارى وفى رِوَايَة من فَور جَهَنَّم رَوَاهُ عَن رَافع بن خديج

وكل ذَلِك يُفِيد وجود النَّار الْآن وفى مُسْند أَحْمد وَسنَن أَبى دَاوُد والنسائى من حَدِيث ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا وَلَقَد أدنيت النَّار مني حَتَّى جعلت أتقيها خشيَة أَن تغشاكم الحَدِيث وفى صَحِيح مُسلم من حَدِيث أنسرضى الله عَنهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْت لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا قَالُوا وَمَا رَأَيْت يَا رَسُول الله قَالَ رَأَيْت الْجنَّة وَالنَّار وفى مُسْند أَحْمد وَمُسلم وَالسّنَن من حَدِيث أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما خلق الله الْجنَّة وَالنَّار أرسل جِبْرِيل إِلَى الْجنَّة فَقَالَ اذْهَبْ فَانْظُر إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعدَدْت لأَهْلهَا فِيهَا فَذهب فَنظر اليها وَإِلَى مَا أعد الله لأَهْلهَا فِيهَا فَرجع وَقَالَ بعزتك لَا يسمع بهَا أحد إِلَّا دَخلهَا فَأمر الْجنَّة فحفت بالمكاره فَقَالَ فَارْجِع فَانْظُر إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعدَدْت لأَهْلهَا قَالَ فَنظر إِلَيْهَا ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ وَعزَّتك لقد خشيت أَن لَا يدخلهَا أحد ثمَّ أرْسلهُ إِلَى النَّار وَقَالَ اذْهَبْ فَانْظُر إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعدَدْت لأَهْلهَا فِيهَا فَنظر اليها فاذا هِيَ يركب بَعْضهَا بَعْضًا ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ وَعزَّتك لَا يدخلهَا أحد سمع بهَا فَأمر بهَا فحفت بالشهوات ثمَّ قَالَ اذْهَبْ فَانْظُر إِلَى مَا أَعدَدْت لأَهْلهَا فِيهَا فَرجع فَقَالَ وَعزَّتك لقد خشيت أَن لَا ينجو مِنْهَا أحد إِلَّا دَخلهَا قَالَ الترمذى هَذَا حديثحسن صَحِيح وفى الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيثه أَيْضا يرفعهُ حجبت الْجنَّة بالمكاره وحجبت النَّار بالشهوات وفى الْبَاب أَحَادِيث كَثِيرَة وَقَالَ الشَّيْخ أَحْمد ولى الله الْمُحدث الدهلوى فى عقائده الْجنَّة وَالنَّار حق وهما مخلوقتان الْيَوْم باقيتان إِلَى يَوْم الْقِيَامَة انْتهى وَنَحْوه وَمثله فى الْكتب الْأُخْرَى الْمُؤَلّفَة فى أصُول الدّين

باب فى أن النار لا تفنى ولا يفنى ما فيها

بَاب فى أَن النَّار لَا تفنى وَلَا يفنى مَا فِيهَا قَالَ تَعَالَى أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ وَهَذِه الْآيَة فى مَوَاضِع من الْقُرْآن الْكَرِيم وَقَالَ تَعَالَى يدْخلهُ نَار خَالِدا فِيهَا وَقَالَ تَعَالَى فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا وَقَالَ تَعَالَى أُولَئِكَ حبطت أَعْمَالهم وفى النَّار هم خَالدُونَ وَقَالَ تَعَالَى فَأن لَهُ نَار جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا {وَقَالَ} فادخلوا نَار جَهَنَّم خَالِدين فِيهَا وَهَذِه فى غير مَوضِع من الْقُرْآن وَقَالَ لَو كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَة مَا وردوها وكل فِيهَا خَالدُونَ {وَقَالَ} فى جَهَنَّم خَالدُونَ تلفح وُجُوههم النَّار {وَقَالَ} إِن الْمُجْرمين فى عَذَاب جَهَنَّم خَالدُونَ {وَقَالَ} فَكَانَ عاقبتهما أَنَّهُمَا فى النَّار خَالِدين فِيهَا {وَقَالَ} فى نَار جَهَنَّم خَالِدين فِيهَا أبدا {وَقَالَ} وَمَا هم بِخَارِجِينَ من النَّار وَعَن ابْن عمر رضى الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يدْخل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار ثمَّ يقوم مُؤذن بَينهم يَا أهل الْجنَّة لَا موت وَيَا أهل النَّار لَا موت كل خَالِد فِيمَا هُوَ فِيهِ أخرجه الشَّيْخَانِ وفى رِوَايَة عَنهُ عِنْدهمَا فَيَزْدَاد أهل الْجنَّة فَرحا إِلَى فَرَحهمْ ويزداد أهل النَّار حزنا إِلَى حزنهمْ وَعَن أَبى سعيد الخدرى رضى الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يجاء بِالْمَوْتِ فى صُورَة كَبْش أَمْلَح فَيُوقف بَين الْجنَّة وَالنَّار ثمَّ يُقَال يَا أهل الْجنَّة فيطلعون مشفقين وَيُقَال يَا أهل النَّار فيطلعون فرحين فَيُقَال هَل تعرفُون هَذَا فَيَقُولُونَ نعم هَذَا الْمَوْت فَيذْبَح بَين الْجنَّة وَالنَّار وَيُقَال يَا أهل الْجنَّة خُلُود وَلَا موت فِيهَا وَيَا أهل النَّار خُلُود وَلَا موت فِيهَا أخرجه البخارى وَمُسلم وفى هَذَا عدَّة أَحَادِيث عَن أَبى هُرَيْرَة عَن الترمذى وَصَححهُ وَالْحَاكِم وَابْن ماجة وَعَن أنس عَن أَبى يعلى وَالْبَزَّار والطبرانى وَفِيه فَيذْبَح كَمَا تذبح الشَّاة فَيَأْمَن هَؤُلَاءِ وَيَنْقَطِع رَجَاء هَؤُلَاءِ فَثَبت بِمَا ذكر من الْآيَات

الصَّرِيحَة وَالْأَخْبَار الصَّحِيحَة خُلُود أهل الدَّاريْنِ خلودا مُؤَبَّدًا كل بِمَا هُوَ فِيهِ من نعيم وَعَذَاب أَلِيم وعَلى هَذَا اجماع أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فَأَجْمعُوا على أَن عَذَاب الْكفَّار لَا يَنْقَطِع كَمَا أَن نعيم أهل الْجنَّة لاينقطع وَدَلِيل ذَلِك الْكتاب وَالسّنة وَزَعَمت الْجَهْمِية أَن الْجنَّة وَالنَّار تفنيان قَالَ هَذَا جهم بن صَفْوَان إِمَام المعطلة وَلَيْسَ لَهُ فى ذَلِك سلف قطّ لَا من الصَّحَابَة وَلَا من التَّابِعين وَلَا أحد من أَئِمَّة الدّين وَلَا قَالَ بِهِ أحد من أهل السّنة نعم حكى بعض الْعلمَاء فى أبدية النَّار قَوْلَيْنِ وَحَاصِل ذَلِك كُله سَبْعَة أَقْوَال أَحدهَا قَول الْخَوَارِج والمعتزلة أَن من دخل النَّار لايخرج مِنْهَا أبدا بل كل من دَخلهَا يخلد فِيهَا أَبَد الآباد الثَّانِي قَول من يَقُول أَن أَهلهَا يُعَذبُونَ فِيهَا مُدَّة ثمَّ تنْقَلب عَلَيْهِم وَتبقى طبائعهم نارية يتلذذون بالنَّار لموافقتها لطبائعهم وَهَذَا قَول مُحي الدّين بن عربى الطائى فى كِتَابه فصوص الحكم وَغَيره من كتبه الثَّالِث قَول من يَقُول إِن أهل النَّار يُعَذبُونَ فِيهَا إِلَى وَقت مَحْدُود ثمَّ يخرجُون مِنْهَا ويخلفهم فِيهَا قوم آخَرُونَ وَهَذَا القَوْل حَكَاهُ الْيَهُود للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكذبهم فِيهِ وَقد كذبهمْ الله تَعَالَى أَيْضا فى قَوْله وَقَالُوا لن تمسنا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة قل أتخذتم عِنْد الله عهدا فَلَنْ يخلف الله عَهده أم تَقولُونَ على الله مَالا تعلمُونَ بلَى من كسب سَيِّئَة وأحاطت بِهِ خَطِيئَة فَأُولَئِك أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ فَهَذَا القَوْل إِنَّمَا هُوَ قَول أَعدَاء الله الْيَهُود فهم شُيُوخ أربابه والقائلين بِهِ وَقد دلّ الْقُرْآن وَالسّنة وَإِجْمَاع الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأئمة الدّين على فَسَاده الرَّابِع قَول من يَقُول يخرجُون مِنْهَا وَتبقى نَارا بِحَالِهَا لَيْسَ فِيهَا

أحد يعذب ذكره شيخ الاسلام ابْن تيميه رَحمَه الله تَعَالَى عَن بعض أهل الْفرق قَالَ وَالْقُرْآن وَالسّنة يردان هَذَا القَوْل الْخَامِس قَول من يَقُول تفنى النَّار بِنَفسِهَا لِأَنَّهَا حَادِثَة كَانَت بعد أَن لم تكن وَمَا ثَبت حُدُوثه اسْتَحَالَ بَقَاؤُهُ وأبديته وَهَذَا قَول جهم بن صَفْوَان وشيعته وَلَا فرق عِنْده بَين الْجنَّة وَالنَّار السَّادِس قَول من يَقُول تفنى حياتهم وحركاتهم ويصيرون جمادا لَا يتحركون وَلَا يحسون بألم وَهَذَا قَول أَبى الْهُذيْل العلاف أحد أَئِمَّة الْمُعْتَزلَة طردا لِامْتِنَاع حوادث لَا نِهَايَة لَهَا وَالْجنَّة وَالنَّار عِنْده سَوَاء فى هَذَا الحكم السَّابِع قَول من يَقُول إِن الله تَعَالَى يفنيها لِأَنَّهُ رَبهَا وخالقها لِأَنَّهُ تَعَالَى على زعم أَرْبَاب هَذَا القَوْل جعل لَهَا أمدا تنتهى إِلَيْهِ ثمَّ تفنى وَيَزُول عَذَابهَا قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية وَقد نقل هَذَا عَن طَائِفَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ولشيخ الاسلام وتلميذه الإِمَام الْمُحَقق الْحَافِظ ابْن الْقيم رحمهمَا الله تَعَالَى ركون إِلَى هَذَا القَوْل وَذكر ابْن الْقيم على تأييده بضعا وَعشْرين وَجها ثمَّ قَالَ وَمَا ذَكرْنَاهُ فى هَذِه الْمَسْأَلَة من صَوَاب فَمن الله وَهُوَ المنان بِهِ وَمَا كَانَ من خطأ فمنى وَمن الشَّيْطَان وَالله وَرَسُوله بريئان مِنْهُ وَالله عِنْده لِسَان كل قَائِل وقصده وَالله أعلم انْتهى وَقد ألف الْعَلامَة الشَّيْخ مرعى الكرمى الحنبلى رِسَالَة سَمَّاهَا توفيق الْفَرِيقَيْنِ على خُلُود أهل الدَّاريْنِ وفى الْبَاب رِسَالَة للسَّيِّد الإِمَام مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْأَمِير ورسالة للقاضى الْعَلامَة الْمُجْتَهد مُحَمَّد بن على الشوكانى حاصلهما بَقَاء الْجنَّة وَالنَّار وخلود أهلهما فيهمَا وَهُوَ الْحق الذى دلّت عَلَيْهِ أَدِلَّة الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأَئِمَّة وَالْأمة وَالله اعْلَم

قَالَ القرطبى أجمع عُلَمَاء أهل السّنة على أَن أهل النَّار مخلدون فِيهَا غير خَارِجين مِنْهَا كإبليس وَفرْعَوْن وهامان وَقَارُون وكل من كفر وتكبر وطغى وتجبر فَإِن لَهُ نَار جَهَنَّم لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يحيى وَقد أعدهم الله عذَابا أَلِيمًا فَقَالَ عز وَجل كلما نَضِجَتْ جُلُودهمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرهَا ليذوقوا الْعَذَاب وَأجْمع أهل السّنة أَيْضا على أَنه لايبقى فِيهَا مُؤمن وَلَا يخلد فِيهَا إِلَّا كَافِر جَاحد فاعلمه وَقد زل هُنَا بعض من ينتمى إِلَى الْعلم وَالْعُلَمَاء فَقَالَ إِنَّه يخرج من النَّار كل كَافِر ومبطل وَشَيْطَان وجاحد وَيدخل الْجنَّة وَأَنه جَائِز فى الْعقل أَن تَنْقَطِع صفة الْغَضَب فيعكس عَلَيْهِ فَيُقَال وَكَذَلِكَ جَائِز فى الْعقل أَن تَنْقَطِع صفة الرَّحْمَة فَيلْزم عَلَيْهِ أَن تدخل الْأَنْبِيَاء والأولياء النَّار يُعَذبُونَ فِيهَا وَهَذَا فَاسد مَرْدُود بوعده الْحق وَقَوله الصدْق قَالَ تَعَالَى فى حق أهل الْجنان عَطاء غير مجذوذ أى غير مَقْطُوع وَقَالَ وَمَا هم مِنْهَا بمخرجين {وَقَالَ} لَهُم أجر غير ممنون {وَقَالَ} لَهُم فِيهَا نعيم مُقيم خَالِدين فِيهَا أبدا وَقَالَ فى حق الْكَافرين لَا يدْخلُونَ الْجنَّة حَتَّى يلج الْجمل فى سم الْخياط {وَقَالَ} فاليوم لَا يخرجُون مِنْهَا وَلَا هم يستعتبون وَهَذَا وَاضح وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا مدْخل للعقول فِيمَن اقتطع أَصله بالاجماع والنقول وَمن لم يَجْعَل الله لَهُ نورا فَمَاله من نور انْتهى وَلَعَلَّ القرطبى أَرَادَ بقوله زل هُنَا بعض الشَّيْخ مُحي الدّين بن عربى صَاحب الفتوحات فانه ذهب إِلَى ذَلِك وَتَبعهُ من تبعه من عُلَمَاء الشَّرِيعَة وَبِنَاء هَذَا القَوْل على أَنه ترجح فى أنظارهم سبق رَحْمَة الله على غَضَبه كَمَا ورد بذلك الحَدِيث الصَّحِيح فى البخارى وَغَيره وعَلى أَن الْخلف فى الْوَعيد جَائِز وفى الْوَعْد لَا يجوز وَلكُل وجهة هُوَ موليها وَلَكِن لَا ريب فى أَن ظَاهر النّظم القرآنى وواضح النَّص السنى خُلُود كل من أهل النَّار

وَالْجنَّة فى كل من الْجنَّة وَالنَّار وَهُوَ الْحق المطابق بالأدلة الشَّرْعِيَّة الْمجمع عَلَيْهَا المصار إِلَيْهَا وَالله أعلم وَعلمه أتم وَأحكم مسئلة سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام أَحْمد بن تَيْمِية رَحمَه الله عَن حَدِيث روى عَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ سَبْعَة لَا تَمُوت وَلَا تفنى وَلَا تذوق الفناء النَّار وسكانها وَالْجنَّة وسكانها واللوح والقلم والكرسى وَالْعرش فَهَل هَذَا الحَدِيث صَحِيح أم لَا فَأجَاب رَحمَه الله هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ لَيْسَ من كَلَام النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا هُوَ من كَلَام بعض الْعلمَاء وَقد اخْتلف سلف الْأمة وأئمتها وَسَائِر أهل السّنة وَالْجَمَاعَة على أَن من الْمَخْلُوقَات مَالا يعْدم وَلَا يفنى بِالْكُلِّيَّةِ كالجنة وَالنَّار وَالْعرش وَغير ذَلِك وَلم يقل بِفنَاء جَمِيع الْمَخْلُوقَات إِلَّا طَائِفَة من أهل الْكَلَام المبتدعة كالجهم بن صَفْوَان وَمن وَافقه من الْمُعْتَزلَة وَنَحْوهم وَهَذَا قَول بَاطِل مُخَالف لكتاب الله وَسنة رَسُوله وَإِجْمَاع سلف الْأمة وأئمتها وَقد دلّت الْأَدِلَّة على بَقَاء الْجنَّة وَالنَّار وأهلهما وَبَقَاء غير ذَلِك وَقد اسْتدلَّ طوائف من أهل الْكَلَام والمتفلسفة على امْتنَاع فنَاء جَمِيع الْمَخْلُوقَات بأدلة عقلية انْتهى وَلَا يَتَّسِع الْمقَام لذكرها هُنَا

باب فى ذكر مكان النار وأين هى على مقتضى الآثار وكذا مكان الجنة

بَاب فى ذكر مَكَان النَّار وَأَيْنَ هى على مُقْتَضى الْآثَار وَكَذَا مَكَان الْجنَّة فَاعْلَم أَن الْجنَّة فَوق السَّمَاء السَّابِعَة وسقفها عرش الرَّحْمَن كَمَا قَالَ تَعَالَى فى مُحكم الْقُرْآن وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى عِنْدهَا جنَّة المأوى وَقد ثَبت أَن سِدْرَة الْمُنْتَهى فَوق السَّمَاء السَّابِعَة وَقَالَ تَعَالَى وفى السَّمَاء رزقكم وَمَا توعدون قَالَ مُجَاهِد هُوَ الْجنَّة وتلقاه النَّاس عَنهُ رَوَاهُ ابْن أَبى نجيح وفى رِوَايَة عَنهُ هُوَ الْجنَّة وَالنَّار حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر فى تَفْسِيره وَعَن عبد الله ابْن سَلام قَالَ قَالَ أكْرم خَليفَة الله أَبُو الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْجنَّة فى السَّمَاء أخرجه أَبُو نعيم وَعِنْده أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس أَن الْجنَّة فى السَّمَاء السَّابِعَة ويجعلها الله تَعَالَى حَيْثُ شَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وجهنم فى الأَرْض السَّابِعَة وَعَن ابْن مَسْعُود رضى الله عَنهُ الْجنَّة فى السَّمَاء السَّابِعَة فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جعلهَا الله حَيْثُ شَاءَ وَالنَّار فى الأَرْض السَّابِعَة فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جعلهَا الله حَيْثُ شَاءَ أخرجه ابْن مندة وَقَالَ مُجَاهِد قلت لِابْنِ عَبَّاس أَيْن الْجنَّة قَالَ فَوق سبع سموات قلت فَأَيْنَ النَّار قَالَ تَحت سَبْعَة أبحر مطبقة رَوَاهُ ابْن مَنْدَه قَالَ الشوكانى فى فتح الْقَدِير وَالْأولَى الْحمل على مَا هُوَ الْأَعَمّ من هَذِه الْأَقْوَال فان جَزَاء الْأَعْمَال مَكْتُوب فى السَّمَاء وَالْقدر وَالْقَضَاء ينزل مِنْهَا وَالْجنَّة وَالنَّار فِيهَا انْتهى وَعَن ابْن عمر رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن جَهَنَّم مُحِيطَة بالدنيا وَإِن الْجنَّة وَرَاءَهَا فَلذَلِك كَانَ الصِّرَاط على جَهَنَّم طَرِيقا إِلَى الْجنَّة أخرجه أبونعيم فى تَارِيخ أَصْبَهَان

وَعَن معَاذ بن جبل رضى الله عَنهُ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَيْن يجاء بجهنم يَوْم الْقِيَامَة قَالَ يجاء بهَا من الأَرْض السَّابِعَة لَهَا سَبْعُونَ ألف زِمَام يتَعَلَّق بِكُل زِمَام سَبْعُونَ ألف ملك تصيح إِلَى أهلى إِلَى أهلى فَإِذا كَانَت من الْعباد على مسير مائَة سنة زفرت زفرَة فَلَا يبْقى ملك مقرب وَلَا نبى مُرْسل إِلَّا جثى على رُكْبَتَيْهِ فَيَقُول رب نفسى نفسى وَأخرجه جُوَيْبِر فى تَفْسِيره وَعَن يعلى بن أُميَّة رضى الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْبَحْر هُوَ جَهَنَّم أخرجه أَحْمد والبيهقى بِسَنَد رِجَاله ثِقَات وَعَن سعيد بن أَبى الْحُسَيْن قَالَ الْبَحْر طبق جَهَنَّم أخرجه أَحْمد فى الزّهْد وَعَن على بن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ قَالَ مَا رَأَيْت يَهُودِيّا أصدق من فلَان زعم أَن نَار الله الْكُبْرَى هى الْبَحْر فاذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع الله فِيهِ الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم ثمَّ بعث عَلَيْهِ الدبور فسعرته أخرجه أَبُو الشَّيْخ فى العظمة والبيهقى من طَرِيق سعيد بن الْمسيب وَعَن كَعْب فى قَوْله تَعَالَى وَالْبَحْر الْمَسْجُور قَالَ الْبَحْر يسجر فَيصير جَهَنَّم أخرجه أَبُو الشَّيْخ وَعَن وهب بن مُنَبّه أَنه قَالَ إِذا قَامَت الْقِيَامَة أَمر بالفلق فَيكْشف عَن سقر وَهُوَ غطاؤها فَتخرج مِنْهُ نَار فاذا وصلت إِلَى الْبَحْر المطبق على شَفير جَهَنَّم وَهُوَ بَحر البحور نشفته أسْرع من طرف الْعين وَهُوَ حاجز بَين جَهَنَّم وَالْأَرضين السَّبع فاذا نشفت اشتعلت فى الْأَرْضين السَّبع فتدعها جَمْرَة وَاحِدَة أخرجه البيهقى فى شعب الْإِيمَان وَقيل إِن النَّار فى السَّمَاء كالجنة لما روى أَحْمد من حَدِيث حُذَيْفَة رضى الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أتيت بِالْبُرَاقِ فَلم نزايل طرفَة عين أَنا وَجِبْرِيل حَتَّى أتيت بَيت الْمُقَدّس وَفتحت لنا أَبْوَاب السَّمَاء وَرَأَيْت الْجنَّة وَالنَّار وَأخرج أَيْضا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ رَأَيْت لَيْلَة أسرى بى الْجنَّة وَالنَّار

فى السَّمَاء وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة وفى السَّمَاء رزقكم وَمَا توعدون فكأنى لم أقرأها قَالَ السفارينى وَلَيْسَ فى هَذَا وَنَحْوه حجَّة على أَن النَّار فى السَّمَاء لجَوَاز أَن يَرَاهَا فى الأَرْض وَهُوَ فى السَّمَاء وَهَذَا الْمَيِّت يرى وَهُوَ فى قَبره الْجنَّة وَالنَّار وَلَيْسَت الْجنَّة فى الأَرْض وَثَبت أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رآهما وَهُوَ فى صَلَاة الْكُسُوف وَهُوَ فى الأَرْض قَالَ الْحَافِظ ابْن رَجَب وَحَدِيث حُذَيْفَة إِن ثَبت فالسماء ظرف للرؤية لَا للمرئى وفى حَدِيث ضَعِيف جدا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى الْجنَّة وَالنَّار فَوق السَّمَوَات فَلَو صَحَّ على حمل مَا ذكرنَا وَالْحَاصِل أَن الْجنَّة فَوق السَّمَاء السَّابِعَة وسقفها الْعَرْش وَإِن النَّار فى الأَرْض السَّابِعَة على الصَّحِيح الْمُعْتَمد وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق انْتهى أَقُول قَالَ السيوطى فى اتمام الدِّرَايَة شرح النقاية ونعتقد أَن الْجنَّة فى السَّمَاء وَقيل فى الأَرْض وَقيل بِالْوَقْفِ حَيْثُ لَا يُعلمهُ إِلَّا الله والذى اخترته هُوَ الْمَفْهُوم من سِيَاق الْقُرْآن والْحَدِيث كَقَوْلِه تَعَالَى فى قصَّة آدم قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا وفى الصَّحِيح سلوا الله الفردوس فَإِنَّهُ أَعلَى الْجنَّة وفوقه عرش الرَّحْمَن وَمِنْه تفجر أَنهَار الْجنَّة وفى صَحِيح مُسلم أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي حواصل طيور خضر تسرح من الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت ثمَّ تأوى إِلَى قناديل معلقَة بالعرش وتقف عَن النَّار أَي تَقول فِيهَا بِالْوَقْفِ أى محلهَا حَيْثُ لَا يُعلمهُ إِلَّا الله فَلم يثبت عندى حَدِيث اعْتَمدهُ فى ذَلِك وَقيل تَحت الأَرْض لما روى ابْن عبد الْبر وَضَعفه من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا لَا يركب الْبَحْر إِلَّا غاز أَو حَاج أَو مُعْتَمر فان تَحت الْبَحْر ناراوروى عَنهُ أَيْضا مَوْقُوفا لَا يتَوَضَّأ بِمَاء الْبَحْر لِأَنَّهُ طبق جَهَنَّم وَضَعفه وَقيل هى على وَجه الأَرْض لما روى وهب أَيْضا

قَالَ أشرف ذُو القرنين على جبل قَاف فَرَأى تَحْتَهُ جبالا صغَارًا إِلَى أَن قَالَ يَا قَاف أخبرنى عَن عَظمَة الله فَقَالَ إِن شَأْن رَبنَا لعَظيم إِن ورائى أَرضًا مسيرَة خَمْسمِائَة عَام فى خَمْسمِائَة عَام من جبال ثلج يحطم بَعْضهَا بَعْضًا وَلَوْلَا هى لاحترقت من جَهَنَّم وروى الْحَارِث بن أُسَامَة فى مُسْنده عَن عبد الله بن سَلام قَالَ الْجنَّة فى السَّمَاء وَالنَّار فى الأَرْض وَقيل محلهَا فى السَّمَاء انْتهى كَلَام السيوطى وَمثله فى التَّذْكِرَة للقرطبى قَالَ فَهَذَا يدل على أَن جَهَنَّم على وَجه الأَرْض وَالله أعلم بموضعها وَأَيْنَ هى من الأَرْض انْتهى وَقَالَ قَالَ الشَّيْخ أَحْمد ولى الله الْمُحدث الدهلوى فى عقيدته وَلم يُصَرح نَص بتعين مكانهما بل حَيْثُ شَاءَ الله تَعَالَى إِذْ لَا إحاطة لنا بِخلق الله وعوالمه انْتهى أَقُول وَهَذَا القَوْل أرجح الْأَقْوَال وأحوطها إِن شَاءَ الله تَعَالَى

باب فى آيات من الكتاب العزيز وردت فى جهنم

بَاب فى آيَات من الْكتاب الْعَزِيز وَردت فى جَهَنَّم قَالَ القرطبى فى التَّذْكِرَة ذكر الله تَعَالَى النَّار فى كِتَابه ووصفها وَأخْبر بهَا على لِسَان نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعتها وأوعد بهَا الْكَافرين وَخَوف الطغاة والمتمردين والعصاة من الْمُوَحِّدين لينزجروا عَمَّا نَهَاهُم والآى فى هَذَا الْمَعْنى كَثِيرَة انْتهى وَهَذَا الْكثير أذكرهُ فى بَابَيْنِ فَهَذَا الْبَاب أوردت فِيهِ مَا ورد من ذكر النَّار فى الْكتاب ثمَّ أتبعه بِبَاب آخر أذكر فِيهِ مَا ورد فى صفة النَّار وَأَهْلهَا وَإِن كَانَ فى هَذَا الِاخْتِيَار وَالتَّرْتِيب بعض التكرير وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق قَالَ تَعَالَى فَاتَّقُوا النَّار الَّتِي وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة أعدت للْكَافِرِينَ الْوقُود بِالْفَتْح الْحَطب وبالضم التوقد وَفِيه دَلِيل على عظم تِلْكَ النَّار وقوتها وفى هَذَا من التهويل مَا لَا يقادر قدره من كَون هَذِه النَّار تتقد بِالنَّاسِ وَالْحِجَارَة فأوقدت بِنَفس مَا يُرَاد إحراقه بهَا وَمعنى أعدت جعلت عدَّة لعذابهم وهيئت كَذَلِك قَالَه ابْن عَبَّاس وَعَن أنس قَالَ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة فَقَالَ أوقد عَلَيْهَا ألف عَام حَتَّى احْمَرَّتْ وَألف عَام حَتَّى ابْيَضَّتْ وَألف عَام حَتَّى اسودت فهى سَوْدَاء مظْلمَة لَا يطفأ لهيبها أخرجه ابْن مرْدَوَيْه والبيهقى فى شعب الْإِيمَان وَأخرج ابْن أَبى شيبَة والترمذى وَابْن مردوية والبيهقى عَن أَبى هُرَيْرَة مَرْفُوع مثله وَأخرج أَحْمد وَمَالك والبخارى وَمُسلم عَنهُ بِلَفْظ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نَار بنى آدم الَّتِى يوقدون جُزْء من سبعين جُزْء من نَار جَهَنَّم قَالُوا يَا رَسُول الله إِن كَانَت لكَافِيَة قَالَ فانها قد فضلت عَلَيْهَا بِتِسْعَة وَسِتِّينَ جُزْء كُلهنَّ مثل حرهَا

وَعَن أَبى هُرَيْرَة قَالَ ترونها حَمْرَاء مثل نَاركُمْ هَذِه الَّتِى توقدون إِنَّهَا لأشد سوادا من القار قَالَ الشَّوْكَانِيّ فِي فتح الْقَدِير وَالْآيَة دلّت على أَنَّهَا مخلوقة إِذْ الْأَخْبَار عَن إعدادها بِلَفْظ الماضى دَلِيل على وجودهَا وَإِلَّا لزم الْكَذِب فى خبر الله تَعَالَى فَمَا زعمت الْمُعْتَزلَة من أَنَّهَا تخلق يَوْم الْجَزَاء مَرْدُود وتأويلهم بِأَنَّهُ يعبر عَن الْمُسْتَقْبل بالماضى لتحقيق الْوُقُوع وَمثله كثير فى الْقُرْآن مَدْفُوع بِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر وَلَا يُصَار إِلَيْهِ إِلَّا بِقَرِينَة وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الْمُتَقَدّمَة تَدْفَعهُ انْتهى وَقَالَ تَعَالَى وَالَّذين كفرُوا وكذبوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ أى لَا يخرجُون مِنْهَا وَلَا يموتون فِيهَا والخلد وَالْخُلُود الْبَقَاء الدَّائِم الذى لَا يَنْقَطِع وَقد يسْتَعْمل مجَازًا فِيمَا يطول دَامَ أَو لم يدم وَالْمرَاد هُنَا الأول لما تشهد لَهُ الْآيَات وَالْأَحَادِيث وَعَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو قيل لأهل النَّار إِنَّكُم مَاكِثُونَ فى النَّار عدد كل حَصَاة فى الدُّنْيَا لفرحوا وَلَو قيل لأهل الْجنَّة إِنَّكُم مَاكِثُونَ عدد كل حَصَاة لحزنوا وَلَكِن جعل لَهُم الْأَبَد أخرجه الطبرانى وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَقَالَ ابْن عَبَّاس يُخْبِرهُمْ أَن الثَّوَاب بِالْخَيرِ وَالشَّر مُقيم على أَهله أبدا لانْقِطَاع لَهُ وَقَالَ تَعَالَى وَقَالُوا لن تمسنا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة أى قدرا مُقَدرا يحصرها الْعدَد ويلزمها فى الْعَادة الْقلَّة ثمَّ يرفع عَنَّا الْعَذَاب قَالَه الْيَهُود وفى سَبَب نُزُولهَا فى الحَدِيث قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذبْتُمْ بل أَنْتُم خَالدُونَ مخلدون فِيهَا قَالَ عِكْرِمَة وَهَذِه الْآيَة فى مَوَاضِع من الْقُرْآن وَقَالَ تَعَالَى وَلَا تسئل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم وهى النَّار الشَّدِيدَة التأجج وكل نَار بَعْضهَا فَوق نَار وَقَالَ أَبُو مَالك الْجَحِيم مَا عظم من النَّار وَقَالَ تَعَالَى وَمن كفر فأمتعه قَلِيلا ثمَّ اضطره إِلَى عَذَاب النَّار وَبئسَ الْمصير أى سأرزقه فى الدُّنْيَا مُدَّة حَيَاته ثمَّ ألزه لز الْمُضْطَر إِلَى عَذَابهَا

وَقَالَ تَعَالَى وَمَا هم بِخَارِجِينَ من النَّار فِيهِ دَلِيل على خُلُود الْكفَّار فى النَّار وَظَاهر هَذَا التَّرْكِيب يُفِيد الِاخْتِصَاص وَجعله الزمخشرى للتقوية لغَرَض لَهُ يرجع إِلَى المدهب والبحث فى هَذَا يطول وَعَن ثَابت بن معبد قَالَ مَا زَالَ أهل النَّار يأملون الْخُرُوج مِنْهَا حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُون فى بطونهم إِلَّا النَّار ذكر الْبُطُون دلَالَة وتأكيدا على أَن هَذَا الْأكل حَقِيقَة وَقَالَ تَعَالَى فَمَا أصبرهم على النَّار مَعْنَاهُ التَّعَجُّب وَالْمرَاد تعجب الْخلق من حَال هَؤُلَاءِ الَّذين باشروا الْأَسْبَاب الْمُوجبَة لعذاب النَّار فكأنهم بِهَذِهِ الْمُبَاشرَة للأسباب صَبَرُوا على الْعقُوبَة فى نَار جَهَنَّم وَقَالَ تَعَالَى وقنا عَذَاب النَّار وَقَالَ تَعَالَى وَإِذا قيل لَهُ اتَّقِ الله أَخَذته الْعِزَّة بالإثم فحسبه جَهَنَّم ولبئس المهاد أَي كافيه معاقبة وَجَزَاء وَسميت مهادا لِأَنَّهَا مُسْتَقر الْكفَّار وَقيل أَنَّهَا بدل لَهُم من مهاد والمهاد الْفراش قَالَ مُجَاهِد بئْسَمَا مهدوا لأَنْفُسِهِمْ وَقَالَ ابْن عَبَّاس بئس الْمنزل وَهَذَا من بَاب التهكم والاستهزاء وَقَالَ تَعَالَى أُولَئِكَ يدعونَ إِلَى النَّار أى إِلَى الْأَعْمَال الْمُوجبَة للنار فَكَانَ فى مصاهرة الْمُشْركين ومعاشرتهم ومصاحبتهم من الْخطر الْعَظِيم مَالا يجوز للْمُؤْمِنين أَن يتَعَرَّضُوا لَهُ ويدخلوا فِيهِ وَقَالَ تَعَالَى أُولَئِكَ هم وقود النَّار أى حطب جَهَنَّم الذى تسعر بِهِ وَقَالَ تَعَالَى قل للَّذين كفرُوا ستغلبون وتحشرون إِلَى جَهَنَّم وَبئسَ المهاد الْجُمْلَة مستأنفة تهويلا وتفظيعا أى بئس مَا مهد لَهُم فِيهَا وَقَالَ تَعَالَى وكنتم على شفا حُفْرَة من النَّار فأنقذكم مِنْهَا وشفا كل شىء حرفه أَي كُنْتُم على طرفها من مَاتَ مِنْكُم وَقع فِي النَّار فَبعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واستنقذكم بِهِ من تِلْكَ الحفرة

وَقَالَ تَعَالَى وَاتَّقوا النَّار الَّتِى أعدت للْكَافِرِينَ قَالَ بَعضهم إِن هَذِه الْآيَة أخوف آيَة فى الْقُرْآن حَيْثُ أوعد الله الْمُؤمنِينَ بالنَّار الْمعدة للْكَافِرِينَ إِن لم يتقوه ويجتنبوا مَحَارمه وَقَالَ تَعَالَى مأواهم النَّار وَبئسَ مثوى الظَّالِمين أى مسكنهم الَّذين يستقرون فِيهِ وَكلمَة {بئس} تسْتَعْمل فى جَمِيع المذام وفى جعلهَا مثواهم بعد جعلهَا مأواهم رمز إِلَى خلودهم فان المثوى مَكَان الْإِقَامَة المنبثة عَن الْمكْث والمأوى الْمَكَان الذى يأوى إِلَيْهِ الْإِنْسَان وَقدم المأوى على المثوى لِأَنَّهُ على التَّرْتِيب الوجودى يأوى ثمَّ يثوى وَقَالَ تَعَالَى {ومأواه جَهَنَّم وَبئسَ الْمصير} أى الْمرجع يعْنى الغال والمتخلف عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ تَعَالَى {ذوقوا عَذَاب الْحَرِيق} والحريق اسْم للنار الملتهبة وَإِطْلَاق الذَّوْق على إحساس الْعَذَاب فِيهِ مُبَالغَة بليغة وَقَالَ تَعَالَى {فَمن زحزح عَن النَّار وَأدْخل الْجنَّة فقد فَازَ} الزحزحة التنحية والابعاد وَقَالَ تَعَالَى {سُبْحَانَكَ فقنا عَذَاب النَّار رَبنَا إِنَّك من تدخل النَّار فقد أخزيته وَمَا للظالمين من أنصار} قَالَ الْمفضل أخزيته أهلكته وَقيل فضحته وأبعدته قَالَ سعيد بن الْمسيب هَذِه الْآيَة خَاصَّة بِمن لَا يخرج مِنْهَا وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا يَأْكُلُون فِي بطونهم نَارا} المُرَاد بأكلها مَا يكون سَببا للنار تَعْبِير بالمسبب عَن السَّبَب قيل بطونهم أوعية النَّار وَهَذَا على الْحَقِيقَة كَمَا تقدم وَقيل بالمجاز وَالْأول أولى وَقَالَ تَعَالَى سيصلون سعيرا أى بأكلهم أَمْوَال الْيَتَامَى وَالصَّلَا هُوَ التسخن بِقرب النَّار أَو بمباشرتها والسعير الْجَمْر المشتعل وَقيل النَّار الموقدة وَقَالَ تَعَالَى {وَمن يعْص الله وَرَسُوله ويتعد حُدُوده يدْخلهُ نَارا خَالِدا فِيهَا وَله عَذَاب مهين} أى وَله بعد إِدْخَاله النَّار

عَذَاب ذُو إهانة لَا يعرف كنهه وَلَا دَلِيل فى الْآيَة للمعتزلة على أَن العصاة والفساق من أهل الْإِيمَان يخلدُونَ فى النَّار قَالَ تَعَالَى {فَسَوف نصليه نَارا} أى عَظِيمَة يَحْتَرِق فِيهَا وَقَالَ تَعَالَى {وَكفى بجهنم سعيرا} أى نَارا مسعرة لمن لَا يُؤمن وَقَالَ تَعَالَى {سَوف نصليهم نَارا كلما نَضِجَتْ جُلُودهمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرهَا ليذوقوا الْعَذَاب} أى آتَيْنَاهُم مَكَان كل جلد محترق جلدا آخر غير محترق فان ذَلِك أبلغ فى الْعَذَاب للشَّخْص لِأَن إحساسه لعمل النَّار فى الْجلد الذى لم يَحْتَرِق أبلغ من إحساسه لعملها فى الْجلد المحترق قَالَ معَاذ تبدل فى سَاعَة مائَة مرّة وَعَن ابْن مَسْعُود أَن غليظ جلد الْكَافِر اثْنَان وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعا وَقَالَ الْحسن تأكلهم النَّار فى كل يَوْم سبعين ألف مرّة وَقَالَ تَعَالَى {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا} وَلَيْسَ وَرَاء هَذَا التَّشْدِيد تَشْدِيد وَلَا مثل هَذَا الْوَعيد وَعِيد وَقَالَ تَعَالَى {وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا} وَقد اسْتدلَّ جمَاعَة من أهل الْعلم بِهَذِهِ الْآيَة على حجية الاجماع وَلَا حجَّة فى ذَلِك كَمَا قَرَّرَهُ الشوكانى فى كتبه وقررته أَنا فى فتح الْبَيَان وَقَالَ تَعَالَى {أُولَئِكَ مأواهم جَهَنَّم وَلَا يَجدونَ عَنْهَا محيصا} أى معدلا وَقيل ملْجأ ومخلصا ومحيدا ومهربا والمحيص اسْم مَكَان وَقيل مصدر وَقَالَ تَعَالَى {ألم تكن أَرض الله وَاسِعَة فتهاجروا فِيهَا فَأُولَئِك مأواهم جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا} أى مَكَانا يصيرون إِلَيْهِ وَالْآيَة تدل على أَن من لم

يتَمَكَّن من إِقَامَة دينه فى بلد كَمَا يجب بِأَيّ سَبَب كَانَ وَعلم أَنه يتَمَكَّن من إِقَامَته فى غَيره حقت عَلَيْهِ الْهِجْرَة وفى الْبَاب أَحَادِيث ذَكرنَاهَا فى خَاتِمَة كتاب الْعبْرَة بِمَا جَاءَ فى الْغَزْو وَالشَّهَادَة وَالْهجْرَة فَرَاجعه وَقَالَ تَعَالَى {إِن الله جَامع الْمُنَافِقين والكافرين فِي جَهَنَّم جَمِيعًا} أى كَمَا اجْتَمعُوا فى الدُّنْيَا على الْكفْر والاستهزاء وَقَالَ تَعَالَى {إِن الْمُنَافِقين فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار وَلنْ تَجِد لَهُم نَصِيرًا} أى فى الطَّبَق الذى فى قَعْر جَهَنَّم والدرك الطَّبَق وَالنَّار دركات سبع بَعْضهَا فَوق بعض وَسميت طبقاتها دركات لِأَنَّهَا متداركة متتابعة فالمنافق فى الدَّرك الْأَسْفَل مِنْهَا وهى الهاوية لغلظ كفره وَكَثْرَة غوائله وَأَعْلَى الدركات جَهَنَّم ثمَّ لظى ثمَّ الحطمة ثمَّ السعير ثمَّ سقر ثمَّ الْجَحِيم ثمَّ الهاوية وسيأتى تَفْصِيل لذَلِك وَقد يُسمى جَمِيعهَا باسم الطَّبَقَة الْعليا أعاذنا الله مِنْهَا وَقيل الدَّرك بَيت مقفل عَلَيْهِم تتوقد فِيهِ النَّار من فَوْقهم وَمن تَحْتهم وَإِنَّمَا كَانَ الْمُنَافِق أَشد عذَابا من الْكَافِر لِأَنَّهُ أَمن السَّيْف فى الدُّنْيَا فَاسْتحقَّ الدَّرك الْأَسْفَل فى الْآخِرَة تعديلا وَلِأَنَّهُ مثله فى الْكفْر وَضم إِلَى كفره الِاسْتِهْزَاء بِالْإِسْلَامِ وَأَهله قَالَ ابْن مَسْعُود الدَّرك الْأَسْفَل توابيت من حَدِيد مقفلة عَلَيْهِم وفى لفظ مُبْهمَة عَلَيْهِم أى مقلقة لَا يهتدى لمَكَان فتحهَا وَعَن أَبى هُرَيْرَة نَحوه وَقَالَ تَعَالَى {إِن الَّذين كفرُوا وظلموا لم يكن الله ليغفر لَهُم وَلَا ليهديهم طَرِيقا إِلَّا طَرِيق جَهَنَّم خَالِدين فِيهَا أبدا} وَالْمعْنَى يدخلهم جَهَنَّم لكَوْنهم اقترفوا مَا يُوجب لَهُم ذَلِك بِسوء اختيارهم وفرط شقائهم وجحدوا الْوَاضِح وعاندوا الْبَين

وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذين كفرُوا وكذبوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم} أى ملابسوها وَالْجُمْلَة مستأنفة أَتَى بهَا اسمية دَالَّة على الثُّبُوت والاستقرار وَهَذِه الْآيَة نَص قَاطع فى أَن الخلود لَيْسَ إِلَّا للْكفَّار لِأَن المصاحبة تقتضى الْمُلَازمَة وَقَالَ تَعَالَى إِن اريد أَن تبوء بإثمى وإثمك فَتكون من أَصْحَاب النَّار وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمين أى من الملازمين لَهَا قَالَ تَعَالَى {يُرِيدُونَ أَن يخرجُوا من النَّار وَمَا هم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُم عَذَاب مُقيم} أى دَائِم ثَابت لَا يَزُول عَنْهُم وَلَا ينْتَقل أبدا وَقد تَوَاتَرَتْ الْأَحَادِيث تواترا لَا يخفى على من لَهُ أدنى إِلْمَام بِعلم الرِّوَايَة بِأَن عصاة الْمُوَحِّدين يخرجُون من النَّار فَمن أنكر هَذَا فَلَيْسَ بِأَهْل المناظرة لِأَنَّهُ أنكر مَا هُوَ من ضروريات الشَّرِيعَة وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّه من يُشْرك بِاللَّه فقد حرم الله عَلَيْهِ الْجنَّة ومأواه النَّار} أى مصيره إِلَيْهَا فى الْآخِرَة وَقَالَ تَعَالَى {وَلَو ترى إِذْ وقفُوا على النَّار} أى حبسوا عَلَيْهَا وَقيل ادخلوها وَقيل بقربها معانين لَهَا وَالتَّقْدِير لرأيت منْظرًا هائلا وَحَالا فظيعا وأمرا عجيبا وَقَالَ تَعَالَى {الَّذين أبسلوا بِمَا كسبوا لَهُم شراب من حميم وَعَذَاب أَلِيم بِمَا كَانُوا يكفرون} وَالْحَمِيم المَاء الْحَار الْبَالِغ نِهَايَة الْحَرَارَة وَمثل قَوْله تَعَالَى يصب من فَوق رُؤْسهمْ الْحَمِيم وَهُوَ هُنَا شراب يشربونه فَيقطع أمعاءهم وَقَالَ تَعَالَى {لأملأن جَهَنَّم مِنْكُم أَجْمَعِينَ} وفى هَذَا من التهديد مَالا يقادر قدره وَقَالَ تَعَالَى {لَهُم من جَهَنَّم مهاد وَمن فَوْقهم غواش} جمع

غاشية أى نيران تحيط بهم من تَحْتهم وتغشاهم من فَوْقهم كالأغطية قَالَ ابْن عَبَّاس الغواش اللحف وَبِه قَالَ القرطبى وَالضَّحَّاك والسدى وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَد ذرأنا لِجَهَنَّم كثيرا من الْجِنّ وَالْإِنْس لَهُم قُلُوب لَا يفقهُونَ بهَا وَلَهُم أعين لَا يبصرون بهَا وَلَهُم آذان لَا يسمعُونَ بهَا أُولَئِكَ كالأنعام بل هم أضلّ أُولَئِكَ هم الغافلون} أى جعلهم سُبْحَانَهُ للنار بعدله وبعمل أَهلهَا يعْملُونَ وَقد علم مَا هم عاملون قبل كَونهم كَمَا ثَبت فى الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَعَن ابْن عمر رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان الله لما ذَرأ لِجَهَنَّم من ذَرأ كَانَ ولد الزِّنَا مِمَّن ذَرأ لِجَهَنَّم أخرجه ابْن جرير وَابْن أَبى حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن النجار وَعَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله خلق للجنة أَهلا خلقهمْ لَهَا وهم فى أصلاب آبَائِهِم وَخلق للنار أَهلا خلقهمْ لَهَا وهم فى أصلاب آبَائِهِم أخرجه مُسلم وَقَالَ تَعَالَى إِن للْكَافِرِينَ عَذَاب النَّار إِشَارَة إِلَى الْعقَاب الآجل الذى أعده الله لَهُم فى الْآخِرَة وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذين كفرُوا إِلَى جَهَنَّم يحشرون} أى يساقون إِلَيْهَا لَا إِلَى غَيرهَا وَالْمرَاد المستمرون على الْكفْر وَقَالَ تَعَالَى {فَيَجْعَلهُ} أى الْفَرِيق الْخَبيث فى جَهَنَّم {أُولَئِكَ هم الخاسرون} أى الكاملون فى الخسران وَقَالَ تَعَالَى {ذوقوا عَذَاب الْحَرِيق} أى المحرق والذوق قد يكون محسوسا وَقد يوضع مَوضِع الِابْتِلَاء والاختبار

وَقَالَ تَعَالَى {أُولَئِكَ حبطت أَعْمَالهم وَفِي النَّار هم خَالدُونَ} وفى هَذِه الْجُمْلَة الإسمية مَعَ تَقْدِيم الظّرْف الْمُتَعَلّق بالْخبر تَأْكِيد لمضمونها وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل الله فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم يَوْم يحمى عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم فتكوى بهَا جباههم وجنوبهم وظهورهم هَذَا مَا كنزتم لأنفسكم فَذُوقُوا مَا كُنْتُم تكنزون} والبشارة بِالْعَذَابِ من بَاب التهكم بهم وَأَن النَّار توقد على مَا ذكر من الْأَعْضَاء وهى ذَات حمى وحر شَدِيد وَقَالَ تَعَالَى {وَإِن جَهَنَّم لمحيطة بالكافرين} أى مُشْتَمِلَة عَلَيْهِم من جَمِيع الجوانب لَا يَجدونَ عَنْهَا مخلصا وَلَا يتمكنون من الْخُرُوج مِنْهَا بِحَال من الْأَحْوَال وَهَذَا وَعِيد لَهُم على مَا فعلوا وَقَالَ تَعَالَى ألم يعلم أَنه من يحادد الله وَرَسُوله فَإِن لَهُ نَار جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا ذَلِك الخزي الْعَظِيم أى يخالفهما وأصل المحاددة وُقُوع هَذَا فى حد وَذَلِكَ فى حد وَقَالَ تَعَالَى {وعد الله الْمُنَافِقين والمنافقات وَالْكفَّار نَار جَهَنَّم خَالِدين فِيهَا هِيَ حسبهم ولعنهم الله وَلَهُم عَذَاب مُقيم} أى نوع آخر من الْعَذَاب غير النَّار دَائِم لَا يَنْفَكّ عَنْهُم كالزمهرير وَالْمعْنَى يصلونها مقيمين فِيهَا مقدرين الخلود وَالنَّار كافيهم جَزَاء وعقابا لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى زِيَادَة على عَذَابهَا وَقَالَ تَعَالَى {قل نَار جَهَنَّم أَشد حرا لَو كَانُوا يفقهُونَ} أى حرا كثيرا فى زمن كَبِير بل غير متناه أَبَد الآبدين ودهر الداهرين وَقَالَ تَعَالَى ومأواهم جَهَنَّم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ والمأوى كل مَكَان يأوى إِلَيْهِ لَيْلًا أَو نَهَارا وَقَالَ تَعَالَى {أَفَمَن أسس بُنْيَانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بُنْيَانه على شفا جرف هار فانهار بِهِ فِي نَار جَهَنَّم} والشفا الشفير يُقَال اشفا على كَذَا إِذا دنا مِنْهُ وَقرب أَن يَقع فِيهِ والجرف مَا ينجرف بالسيول

وهى الجوانب الَّتِى تنحفر بِالْمَاءِ وَقيل الْمَكَان الذى أكل المَاء تَحْتَهُ فَهُوَ إِلَى السُّقُوط قريب وَقيل الْبِئْر الَّتِى لم تطو وَقيل هُوَ الهوة والاجتراف اقتلاع الشَّيْء من أَصله والهار السَّاقِط قَالَ ابْن عَبَّاس أى صيرهم نفاقهم إِلَى النَّار وَجَاء بالانهيار الذى هُوَ للجرف ترشيحا للمجاز فسبحان الله مَا أبلغ هَذَا الْكَلَام وَأقوى تراكيبه وأوقع مَعْنَاهُ وأفصح مبناه وَقَالَ تَعَالَى {من بعد مَا تبين لَهُم أَنهم أَصْحَاب الْجَحِيم} فِيهِ النهى عَن الاسْتِغْفَار للْمُشْرِكين الَّذين هم أهل النَّار وَقَالَ تَعَالَى {لَهُم شراب من حميم وَعَذَاب أَلِيم} وَهُوَ المَاء الْحَار الذى قد انْتهى حره وكل مسخن عِنْد الْعَرَب فَهُوَ حميم وَقَالَ تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذين لَيْسَ لَهُم فِي الْآخِرَة إِلَّا النَّار وحبط مَا صَنَعُوا فِيهَا وباطل مَا كَانُوا يعْملُونَ} الْآيَة خَاصَّة بالكفار وَقَالَ تَعَالَى {وَمن يكفر بِهِ} أى بالنبى أَو الْقُرْآن {من الْأَحْزَاب فَالنَّار موعده} أى من أهل النَّار لَا محَالة وفى جعل النَّار موعدا اشعار بِأَن فِيهَا مَالا يُحِيط بِهِ الْوَصْف من أفانين الْعَذَاب عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والذى نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَا يسمع بى أحد من هَذِه الامة لَا يهودى وَلَا نصرانى وَمَات وَلم يُؤمن بالذى أرْسلت بِهِ إِلَّا كَانَ من أَصْحَاب النَّار أخرجه البغوى بِسَنَدِهِ قَالَ سعيد بن جُبَير مَا بلغنى حَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على وَجهه إِلَّا وجدت مصداقه فى كتاب الله حَتَّى بلغنى هَذَا الحَدِيث فَقلت أَيْن هَذَا فى كتاب الله حَتَّى أتيت على هَذِه الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تركنوا إِلَى الَّذين ظلمُوا فتمسكم النَّار} وَفِيه أَن الظلمَة أهل النَّار ومصاحبة النَّار توجب لَا محَالة مَسهَا وَهَذَا فِيمَن ركن إِلَى من ظلم فَكيف بالظالم نَفسه وَقَالَ تَعَالَى {وتمت كلمة رَبك لأملأن جَهَنَّم من}

{الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ} أى مِمَّن يَسْتَحِقهَا من الطَّائِفَتَيْنِ وَقَالَ تَعَالَى أُولَئِكَ الأغلال فى أَعْنَاقهم وَأُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ جمع غل بِالضَّمِّ وَهُوَ طوق من حَدِيد يَجْعَل فى الْعُنُق وتشد بِهِ الْيَد إِلَى الْعُنُق أى يغلون بهَا يَوْم الْقِيَامَة كَمَا يُقَاد الْأَسير ذليلا بالغل وَقَالَ تَعَالَى {وعقبى الْكَافرين النَّار} أى لَيْسَ لَهُم عَاقِبَة وَلَا مُنْتَهى إِلَّا ذَلِك وَقَالَ تَعَالَى {من وَرَائه جَهَنَّم} أى من بعده وَقيل من أَمَامه {ويسقى من مَاء صديد} أى مَا يسيل من الْجُلُود واللحوم وَهُوَ دم مختلط بقيح يسيل من جلد الْكَافِر ولحمه وَقَالَ مُجَاهِد هُوَ الْقَيْح وَالدَّم وَقَالَ القرظى هُوَ مَا يسيل من فروج الزناة يسقاه الْكَافِر {يتجرعه وَلَا يكَاد يسيغه} أى يبتلعه وَعَن أَبى أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يقرب إِلَى فِيهِ فيكرهه فَإِذا أدنى مِنْهُ شوى وَجهه وَوَقعت فَرْوَة رَأسه فاذا شربه قطع أمعاءه حَتَّى يخرج من دبره يَقُول الله {وَسقوا مَاء حميما فَقطع أمعاءهم} وَقَالَ {وَإِن يستغيثوا يغاثوا بِمَاء كَالْمهْلِ يشوي الْوُجُوه بئس الشَّرَاب وَسَاءَتْ مرتفقا} أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَاسْتَغْرَبَهُ والنسائى وَابْن أَبى الدُّنْيَا وَأَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه والبيهقى وَأَبُو نعيم فى الْحِلْية {ويأتيه الْمَوْت من كل مَكَان} أى من كل جِهَة من الْجِهَات السِّت أَو من كل مَوضِع من مَوَاضِع بدنه وَالْمرَاد بِالْمَوْتِ الْبلَاء الذى يُصِيب الْكَافِر فى النَّار سَمَّاهُ موتا لِشِدَّتِهِ {وَمَا هُوَ بميت} حَقِيقَة فيستريح وَقيل تعلق نَفسه فى حنجرته فَلَا تخرج من فِيهِ فَيَمُوت وَلَا ترجع إِلَى مَكَانهَا من جَوْفه فيحيا وَمثله قَوْله {لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يحيى} وَقيل مَا هُوَ بميت لتطاول شَدَائِد الْمَوْت

بِهِ وامتداد سكراته عَلَيْهِ {وَمن وَرَائه عَذَاب غليظ} أى شَدِيد يسْتَقْبل فى كل وَقت عذَابا أَشد مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ قيل هُوَ الخلود فى النَّار وَقيل حبس الأنفاس وَقَالَ تَعَالَى {الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا وَأَحلُّوا قَومهمْ دَار الْبَوَار جَهَنَّم يصلونها وَبئسَ الْقَرار} أى قرارهم فِيهَا أَو بئس الْمقر جَهَنَّم والبوار الْهَلَاك وَقَالَ تَعَالَى {لَا جرم أَن لَهُم النَّار وَأَنَّهُمْ مفرطون} أى مقدمون إِلَى النَّار وَقيل متروكون منسيون فِيهَا وَقيل معجلون إِلَيْهَا وَقيل مسرفون فى الذُّنُوب وقرىء بِكَسْر الرَّاء أى مضيعون أَمر الله وَقَالَ تَعَالَى {وَجَعَلنَا جَهَنَّم للْكَافِرِينَ حَصِيرا} أى سجنا ومحبسا لَا يخلصون عَنْهَا أبدا وَقيل فراشا ومهادا وَقَالَ تَعَالَى {ثمَّ جعلنَا لَهُ جَهَنَّم يصلاها مذموما مَدْحُورًا} أى ملوما من الْخلق مطرودا من رَحْمَة الله مبتعدا عَنْهَا وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تجْعَل مَعَ الله إِلَهًا آخر فَتلقى فِي جَهَنَّم ملوما مَدْحُورًا} وَمَعْنَاهُ مَا تقدم آنِفا وَقَالَ تَعَالَى {فَمن تبعك مِنْهُم فَإِن جَهَنَّم جزاؤكم جَزَاء موفورا} أى وافرا مكملا وَقيل موفرا بإضمار تجازون وَقَالَ تَعَالَى {وعرضنا جَهَنَّم يَوْمئِذٍ للْكَافِرِينَ عرضا} أى أظهرناها حَتَّى شاهدوها يَوْم جَمعنَا لَهُم وفى ذَلِك وَعِيد للْكفَّار عَظِيم لما يحصل لَهُم عِنْد مشاهدتها من الْفَزع والروعة وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّم للْكَافِرِينَ نزلا} يتمتعون بِهِ عِنْد ورودهم والنزل المأوى والمنزل وَالْمعْنَى أَن جَهَنَّم معدة لَهُم كَمَا يعد الْمنزل للضيف وَقَالَ تَعَالَى {ثمَّ لنحضرنهم حول جَهَنَّم جثيا} أى جاثين على ركبهمْ لما يصيبهم من هول الْموقف وروعة الْحساب وَقيل جثيا أى جماعات وَقَالَ ابْن عَبَّاس قعُودا وَقَالَ تَعَالَى {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها} أى النَّار كَانَ على رَبك حكما مقضيا أى أمرا محتوما لَازِما قد قضى سُبْحَانَهُ أَنه

لَا بُد من وُقُوعه لَا محَالة بِمُقْتَضى حكمته لَا بِإِيجَاب غَيره عَلَيْهِ وَقد وَردت أَحَادِيث تدل على إِخْرَاج الْمُؤمن الموحد من النَّار وهى مَعْرُوفَة وَقَالَ تَعَالَى {ونسوق الْمُجْرمين إِلَى جَهَنَّم وردا} أى مشَاة عطاشا قيل يساقون إِلَى النَّار باهانة واستخفاف كَأَنَّهُمْ نعم عطاش تصاق إِلَى المَاء وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّه من يَأْتِ ربه مجرما فَإِن لَهُ جَهَنَّم لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يحيى} وَهَذَا تَحْقِيق لكَون عَذَابه أبقى وَقَالَ تَعَالَى {وَمن يقل مِنْهُم إِنِّي إِلَه من دونه فَذَلِك نجزيه جَهَنَّم كَذَلِك نجزي الظَّالِمين} أى الواضعين الإلهية وَالْعِبَادَة فى غير موضعهَا وَقَالَ تَعَالَى {لَا يكفون عَن وُجُوههم النَّار وَلَا عَن ظُهُورهمْ} أى لَا يقدرُونَ على دَفعهَا من جَانب من جوانبهم وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم أَنْتُم لَهَا وَارِدُونَ} أى وقود النَّار وحطبها وكل مَا أوقدت بِهِ النَّار أَو هيجتها فَهُوَ حصب قَالَه الجوهرى وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة كل مَا قَذَفته فى النَّار فقد حصبتها بِهِ وَقَالَ تَعَالَى {ونذيقه يَوْم الْقِيَامَة عَذَاب الْحَرِيق} أى عَذَاب النَّار المحرقة وَقَالَ تَعَالَى {أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم} أى النَّار الموقدة وَقَالَ تَعَالَى {أفأنبئكم بشر من ذَلِكُم النَّار وعدها الله الَّذين كفرُوا وَبئسَ الْمصير} أى الْموضع الذى يصيرون إِلَيْهِ وَقَالَ تَعَالَى {فِي جَهَنَّم خَالدُونَ تلفح وُجُوههم النَّار وهم فِيهَا كَالِحُونَ} أى تحرقها والكالح الذى قد شمرت شفتاه وبدت أَسْنَانه وَعَن أَبى سعيد الخدرى رضى الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الْآيَة قَالَ تَشْوِيه النَّار فتتقلص شفته الْعليا حَتَّى تبلغ وسط رَأسه وتسترخى

شفته السُّفْلى حَتَّى تضرب سرته أخرجه الترمذى وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب وَقَالَ تَعَالَى {ومأواهم النَّار ولبئس الْمصير} أى الْمرجع وَقَالَ تَعَالَى {وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا} وهى النَّار المشتعلة وَالنَّار مَوْجُودَة الْيَوْم لهَذِهِ الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى {فكبت وُجُوههم فِي النَّار} أى طرحوا عَلَيْهَا وَقَالَ تَعَالَى {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مثوى للْكَافِرِينَ} أى مَكَان يستقرون فِيهِ والاستفهام للتقرير وَهَذِه فى مَوَاضِع الْقُرْآن قَالَ تَعَالَى وَلَو كَانَ الشَّيْطَان يَدعُوهُم إِلَى عَذَاب السعير أى النَّار المستعرة وَقَالَ تَعَالَى {وَأما الَّذين فسقوا فمأواهم النَّار} أى منزلهم الذى يصيرون إِلَيْهِ وَقَالَ تَعَالَى {إِن الله لعن الْكَافرين وَأعد لَهُم سعيرا خَالِدين فِيهَا أبدا} أى بِلَا انْقِطَاع وَهَذَا تَأْكِيد لما اسْتُفِيدَ من {خَالِدين} وَقَالَ تَعَالَى وَمن يزغ مِنْهُم عَن أمرنَا نذقه عَذَاب السعير قَالَ أَكثر الْمُفَسّرين وَذَلِكَ فى الْآخِرَة وَقَالَ تَعَالَى {ونقول للَّذين ظلمُوا ذوقوا عَذَاب النَّار الَّتِي كُنْتُم بهَا تكذبون} أى الدُّنْيَا وَقَالَ تَعَالَى إِنَّمَا يدعوا حزبه ليكونوا من أَصْحَاب السعير أى من أَعلَى النَّار وَقَالَ تَعَالَى الَّذين كفرُوا لَهُم نَار جَهَنَّم لَا يقْضى عَلَيْهِم فيموتوا وَلَا يُخَفف عَنْهُم من عَذَابهَا كَذَلِك نجزى كل كفور وَقَالَ تَعَالَى {هَذِه جَهَنَّم الَّتِي كُنْتُم توعدون} أى بهَا فى الدُّنْيَا على أَلْسِنَة الرُّسُل وَقَالَ تَعَالَى {فاهدوهم إِلَى صِرَاط الْجَحِيم} أى عرفُوا هَؤُلَاءِ المحشورين طَرِيق النَّار وسوقوهم إِلَيْهَا وَقَالَ تَعَالَى فطلع فَرَآهُ فى سَوَاء الْجَحِيم أى فى وَسطهَا وَقَالَ تَعَالَى {ثمَّ إِن مرجعهم لإلى الْجَحِيم} أى بعد شرب الْحَمِيم وَأكل

الزقوم وَقَالَ تَعَالَى {ابْنُوا لَهُ بنيانا فألقوه فِي الْجَحِيم} أى النَّار شَدِيدَة الاتقاد وَقَالَ تَعَالَى {إِلَّا من هُوَ صال الْجَحِيم} أى من أهل النَّار والصلى الدُّخُول وَقَالَ تَعَالَى {وَإِن للطاغين لشر مآب جَهَنَّم يصلونها فبئس المهاد} أى الْفراش وَقَالَ تَعَالَى {لأملأن جَهَنَّم مِنْك وَمِمَّنْ تبعك مِنْهُم أَجْمَعِينَ} أى من ذُرِّيَّة آدم وَقَالَ تَعَالَى {قل تمتّع بكفرك قَلِيلا إِنَّك من أَصْحَاب النَّار} أى مصيرك إِلَيْهَا عَن قريب وَإنَّك ملازمها ومعدود من أَهلهَا على الدَّوَام وَهُوَ تَعْلِيل لقلَّة التَّمَتُّع وَفِيه من التهديد أَمر عَظِيم وَقَالَ تَعَالَى {أفأنت تنقذ من فِي النَّار} أى حقت عَلَيْهِ كلمة الْعَذَاب وَقَالَ تَعَالَى {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مثوى للمتكبرين} يعْنى مقرا ومقاما وَالْكبر هُوَ بطر الْحق وغمط النَّاس كَمَا فى الحَدِيث الصَّحِيح وَقَالَ تَعَالَى {وَكَذَلِكَ حقت كلمة رَبك على الَّذين كفرُوا أَنهم أَصْحَاب النَّار} أى لأجل أَنهم مستحقون للنار وَقَالَ تَعَالَى {وقهم عَذَاب الْجَحِيم} أى احفظهم مِنْهُ وَاجعَل بَينهم وَبَينه الْوِقَايَة وَقَالَ تَعَالَى إِن المسرفين هم أَصْحَاب النَّار أى المستكثرين من معاصى الله وَقيل السفاكون للدماء بِغَيْر حَقّهَا وَقيل الجبارون المتكبرون وَقَالَ تَعَالَى {إِن الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي سيدخلون جَهَنَّم داخرين} أى ذليلين صاغرين وَهَذَا وَعِيد شَدِيد لمن استكبر عَن دُعَاء الله وَقَالَ تَعَالَى {ثمَّ فِي النَّار يسجرون} أى توقد بهم النَّار أَو تملأ بهم وَقَالَ تَعَالَى ادخُلُوا أَبْوَاب جَهَنَّم فبئس مثوى المتكبرين وَتقدم نَحْو

هَذِه الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى {ذَلِك جَزَاء أَعدَاء الله النَّار لَهُم فِيهَا دَار الْخلد} أى دَار الْإِقَامَة الَّتِى لَا انْقِطَاع لَهَا وَلَا انْتِقَال عَنْهَا وَقَالَ تَعَالَى {أَفَمَن يلقى فِي النَّار خير أم من يَأْتِي آمنا يَوْم الْقِيَامَة} الِاسْتِفْهَام للتقرير وَالْغَرَض مِنْهُ التَّنْبِيه على أَن الْمُلْحِدِينَ فى الْآيَات يلقون فى النَّار وَقَالَ تَعَالَى {إِن الْمُجْرمين فِي عَذَاب جَهَنَّم خَالدُونَ} أى أهل الإجرام الكفرية وَقَالَ تَعَالَى أعد لَهُم جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا وَقد تقدم نَحْو هَذِه الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى إِنَّا أَعْتَدْنَا للْكَافِرِينَ سعيرا أى النَّار الشَّديد الْحر وَقَالَ تَعَالَى {يَوْم يدعونَ إِلَى نَار جَهَنَّم دَعَا} الدع الدّفع منف وجفوة قَالَ مقَاتل تغل أَيْديهم إِلَى أَعْنَاقهم وَتجمع نواصيهم إِلَى أَقْدَامهم ثمَّ يدْفَعُونَ إِلَى جَهَنَّم دفعا على وُجُوههم وَقَالَ تَعَالَى {مأواكم النَّار هِيَ مولاكم وَبئسَ الْمصير} أى أَن أولى بكم وَقيل هى ناصركم على طَريقَة قَول الشَّاعِر تَحِيَّة بَينهم ضرب وَجمع ... وَقَالَ تَعَالَى {حسبهم جَهَنَّم يصلونها فبئس الْمصير} تقدم نَحْو هَذِه الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى {وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب النَّار} أى وَإِن نَجوا من عَذَاب الدُّنْيَا وَقَالَ تَعَالَى {فَكَانَ عاقبتهما أَنَّهُمَا فِي النَّار خَالِدين فِيهَا} وَقَالَ تَعَالَى {وأعتدنا لَهُم عَذَاب السعير وللذين كفرُوا برَبهمْ عَذَاب جَهَنَّم وَبئسَ الْمصير} وَقَالَ تَعَالَى {أغرقوا فأدخلوا نَارا} وهى نَار الْآخِرَة وَهَذَا من التَّعْبِير عَن الْمُسْتَقْبل بالماضى لتحقيق وُقُوعه وَمثله قَوْله {النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدوا وعشيا} وَقَالَ تَعَالَى وَأما الْفَاسِقُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّم حطبا فِيهِ دَلِيل على أَن الجنى الْكَافِر يعذب فى النَّار وَقَالَ تَعَالَى {وَمن يعْص الله وَرَسُوله فَإِن لَهُ نَار جَهَنَّم خَالِدين فِيهَا أبدا} وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا أَعْتَدْنَا للْكَافِرِينَ سلاسل وأغلالا وسعيرا}

وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا أَعْتَدْنَا للْكَافِرِينَ سلاسل وأغلالا وسعيرا} وَقَالَ تَعَالَى {وبرزت الْجَحِيم لمن يرى} أى أظهرت النَّار المحرقة إِظْهَارًا بَينا مكشوفا لَا يخفى على أحد قَالَ مقَاتل كشف عَنْهَا الغطاء فَينْظر إِلَيْهِ الْخلق وَالظَّاهِر أَنَّهَا تبرز لكل رَاء وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذا الْجَحِيم سعرت} أى أججت وَأوقدت لأعداء الله إيقادا شَدِيدا أَو زيد فيفى إحمائها وَقَالَ تَعَالَى إِن الْفجار لفى جحيم أى نَار {يصلونها يَوْم الدّين وَمَا هم عَنْهَا بغائبين} وَقَالَ تَعَالَى {إِن كتاب الْفجار لفي سِجِّين وَمَا أَدْرَاك مَا سِجِّين كتاب مرقوم ويل يَوْمئِذٍ للمكذبين} وفى تَفْسِير {سِجِّين} أَقْوَال ذَكرنَاهَا فى تَفْسِير فتح الْبَيَان وأولاها مَا فسر بِهِ سُبْحَانَهُ فى هَذِه الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى {ويتجنبها الأشقى الَّذِي يصلى النَّار الْكُبْرَى} أى الْعَظِيمَة الفظيعة لِأَنَّهَا أَشد حرا من غَيرهَا وهى نَار جَهَنَّم وَالنَّار الصُّغْرَى نَار الدُّنْيَا وَقَالَ الزّجاج هى السُّفْلى من أطباق النَّار وَقيل أَن فى الْآخِرَة نيرانا ودركات متفاضلة فَكَمَا أَن الْكَافِر أَشْقَى العصاة فَكَذَا يصلى أعظم النيرَان وَقَالَ تَعَالَى {وَجِيء يَوْمئِذٍ بجهنم يَوْمئِذٍ يتَذَكَّر الْإِنْسَان وأنى لَهُ الذكرى} قَالَ الواحدى قَالَ الْمُفَسِّرُونَ جىء بهَا يَوْم الْقِيَامَة مزمومة بسبعين ألف زِمَام مَعَ كل زِمَام سَبْعُونَ ألف ملك يجرونها حَتَّى تنصب عَن يسَار الْعَرْش فَلَا يبْقى ملك مقرب وَلَا نبى مُرْسل إِلَّا جىء لِرُكْبَتَيْهِ يَقُول يَا رب نفسى نفسى قلت وَهَذَا الذى نَقله قد أَتَى مَرْفُوعا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا تقدم فى الْبَاب

وَقَالَ تَعَالَى {عَلَيْهِم نَار مؤصدة} أى مطبقة مغلقة الْأَبْوَاب وَقَالَ تَعَالَى سندعوا الزَّبَانِيَة أى الْمَلَائِكَة الْغِلَاظ الشداد وهم خَزَنَة جَهَنَّم قَالَه الزّجاج وَقَالَ قَتَادَة هم الشَّرْط فى كَلَام الْعَرَب وَقَالَ تَعَالَى {نَار حامية} أى قد انْتهى حرهَا وَبلغ فى الشدَّة إِلَى الْغَايَة وَقَالَ تَعَالَى {لترون الْجَحِيم ثمَّ لترونها عين الْيَقِين} أى الرُّؤْيَة الَّتِى هى نفس الْيَقِين

باب فى آيات كريمة وردت فى صفة النار وأهلها

بَاب فى آيَات كَرِيمَة وَردت فى صفة النَّار وَأَهْلهَا قَالَ تَعَالَى {بلَى من كسب سَيِّئَة وأحاطت بِهِ خطيئته فَأُولَئِك أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ} المُرَاد بِالسَّيِّئَةِ هُنَا الْجِنْس وَلَا بُد أَن يكون سَببهَا محيطا بِهِ من جَمِيع جوانبه فَلَا تبقى لَهُ حَسَنَة وسدت عَلَيْهَا مسالك النجَاة وَالْخُلُود فى النَّار هُوَ للْكفَّار وَالْمُشْرِكين فَيتَعَيَّن تَفْسِير السَّيئَة والخطيئة فى هَذِه الْآيَة بالْكفْر والشرك وَبِهَذَا يبطل تشبث الْمُعْتَزلَة والخوارج لما ثَبت فى السّنة تواترا من خُرُوج عصاة الْمُوَحِّدين من النَّار قَالَ الْحسن كل مَا وعد الله عَلَيْهِ النَّار فَهُوَ الْخَطِيئَة وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تسْأَل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم} أى عَن حَالهم الَّتِى تكون لَهُم فى الْقِيَامَة فانها شنيعة وَلَا يمكنك فى هَذِه الدَّار الِاطِّلَاع عَلَيْهَا وَهَذَا فِيهِ تخويف لَهُم وتسلية لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن مُحَمَّد بن كَعْب القرظى قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْت شعرى مَا فعل أبواي فَنزلت هَذِه الْآيَة أخرجه عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر قَالَ السيوطى هَذَا مُرْسل ضَعِيف الْإِسْنَاد ثمَّ رَوَاهُ عَن دَاوُد بن عَاصِم مَرْفُوعا وَقَالَ هُوَ معضل الاسناذ لَا تقوم بِهِ الْحجَّة وَلَا بالذى قبله قلت وأخبار إِسْلَام أبوى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَضْعَف من ذَلِك وَقَالَ تَعَالَى {إِن الَّذين كفرُوا وماتوا وهم كفار أُولَئِكَ عَلَيْهِم لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ خَالِدين فِيهَا لَا يُخَفف عَنْهُم الْعَذَاب وَلَا هم ينظرُونَ} وَاسْتدلَّ بِهِ على جَوَاز لعن الْكفَّار على الْعُمُوم قَالَ القرطبى وَلَا خلاف فى

ذَلِك قَالَ بن العربى أَن لعن العاصى الْمعِين لَا يجوز بِاتِّفَاق وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذين كفرُوا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النُّور إِلَى الظُّلُمَات أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {إِن الَّذين كفرُوا لن تغني عَنْهُم أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم من الله شَيْئا وَأُولَئِكَ هم وقود النَّار} وَقَالَ تَعَالَى {فَأَما الَّذين اسودت وُجُوههم أكفرتم بعد إيمَانكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُم تكفرون} قيل هم أهل الْكتاب وَقيل المرتدون وَقيل المبتدعون وَقيل الْكَافِرُونَ فيلقون فى النَّار وَقيل هم المُنَافِقُونَ وَقَالَ تَعَالَى {وَاتَّقوا النَّار الَّتِي أعدت للْكَافِرِينَ} فِيهِ أَنه يكفر من اسْتحلَّ الرِّبَا وَهَذِه الْآيَة أخوف آيَة فى الْقُرْآن حَيْثُ أوعد الله الْمُؤمنِينَ بالنَّار الْمعدة للْكَافِرِينَ إِن لم يتقوه ويجتنبوا مَحَارمه وَقَالَ تَعَالَى {إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما إِنَّمَا يَأْكُلُون فِي بطونهم نَارا وسيصلون سعيرا} عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة قوما من قُبُورهم تتأجج أَفْوَاههم نَارا فَقيل يَا رَسُول الله من هم قَالَ ألم تَرَ أَن الله يَقُول الْآيَة أخرجه بن أَبى شيبَة وَأَبُو يعلى والطبرانى وَابْن حبَان فى صَحِيحه وَابْن أَبى حَاتِم وَعَن أبي سعيد الخدرى قَالَ حَدثنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لَيْلَة أسرى بِهِ قَالَ نظرت فاذا بِقوم لَهُم مشافر كمشافر الْإِبِل وَقد وكل بهم من يَأْخُذ بمشافرهم ثمَّ يَجْعَل فى أَفْوَاههم صخرا من نَار فيقذف فِي فى أحدهم حَتَّى يخرج من أسافلهم وَلَهُم خوار وصراخ فَقلت يَا جِبْرِيل من هؤلاءقال هَؤُلَاءِ الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما الْآيَة أخرجه ابْن جرير وَابْن ابي حَاتِم وَقَالَ تَعَالَى {وَمن يعْص الله وَرَسُوله ويتعد حُدُوده يدْخلهُ نَارا خَالِدا فِيهَا وَله عَذَاب مهين}

وَالْآيَة فى قسْمَة الْمَوَارِيث فاذا لم يرض فِيهَا لقسمة الله وتعدى حَده كفر إِذا لم يتب وَقَالَ تَعَالَى {إِن الَّذين كفرُوا بِآيَاتِنَا سَوف نصليهم نَارا كلما نَضِجَتْ جُلُودهمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرهَا ليذوقوا الْعَذَاب} أى كلما احترقت جُلُودهمْ أعطيناهم مَكَان كل جلد محترق جلدا آخر غير محترق فان ذَلِك أبلغ فى الْعَذَاب للشَّخْص وَقيل المُرَاد بالجلود السرابيل وَلَا مُوجب لترك الْمَعْنى الحقيقى هُنَا قَالَ ابْن عمر يبدلون جُلُودًا بَيْضَاء مِثَال الْقَرَاطِيس وَتقدم هَذِه الْآيَة فى الْبَاب السَّابِق وَقَالَ تَعَالَى {وَلَو ترى إِذْ وقفُوا على النَّار فَقَالُوا يَا ليتنا نرد وَلَا نكذب بآيَات رَبنَا ونكون من الْمُؤمنِينَ بل بدا لَهُم مَا كَانُوا يخفون من قبل} إِلَى قَوْله {قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُم تكفرون قد خسر الَّذين كذبُوا بلقاء الله حَتَّى إِذا جَاءَتْهُم السَّاعَة بَغْتَة قَالُوا يَا حسرتنا على مَا فرطنا فِيهَا وهم يحملون أوزارهم على ظُهُورهمْ أَلا سَاءَ مَا يزرون} وَقَالَ تَعَالَى كلما دخلت أمة لعنت أُخْتهَا حَتَّى إِذا أدركوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَت أخراهم لأولاهم رَبنَا هَؤُلَاءِ أضلونا فآتهم عذَابا ضعفا من النَّار قَالَ لكل ضعف وَلَكِن لَا تعلمُونَ قَالَ السدى يلعن الْمُشْركُونَ الْمُشْركين وَالْيَهُود الْيَهُود وَالنَّصَارَى النَّصَارَى والصابئون الصابئين وَالْمَجُوس الْمَجُوس تلعن الْآخِرَة الأولى وَلكُل طَائِفَة مِنْهُم ضعف من الْعَذَاب أما القادة فبكفرهم وتضليلهم وَأما الأتباع فبكفرهم وتقاليدهم قَالَه الكرخى وَقَالَ تَعَالَى {ونادى أَصْحَاب الْجنَّة أَصْحَاب النَّار أَن قد وجدنَا مَا وعدنا رَبنَا حَقًا فَهَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا قَالُوا نعم فَأذن مُؤذن بَينهم أَن لعنة الله على الظَّالِمين الَّذين يصدون عَن سَبِيل الله ويبغونها عوجا وهم بِالآخِرَة}

{كافرون} وَهَذِه المناداة لم تكن لقصد الْأَخْبَار لَهُم بِمَا نادوهم بِهِ بل لقصد تبكيتهم وإيقاع الْحَسْرَة فى قُلُوبهم عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما وقف على قليب بدر تَلا هَذِه الْآيَة أخرجه ابْن أَبى شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَقَالَ تَعَالَى {ونادى أَصْحَاب النَّار أَصْحَاب الْجنَّة أَن أفيضوا علينا من المَاء أَو مِمَّا رزقكم الله قَالُوا إِن الله حرمهما على الْكَافرين الَّذين اتَّخذُوا دينهم لهوا وَلَعِبًا وغرتهم الْحَيَاة الدُّنْيَا فاليوم ننساهم كَمَا نسوا لِقَاء يومهم هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يجحدون} قَالَ ابْن عَبَّاس يُنَادى الرجل أَخَاهُ فَيَقُول يَا أخى أغثنى فانى قد احترقت فأفض على من المَاء فَيُقَال أجبه فَيَقُول {إِن الله حرمهما على الْكَافرين} وَمعنى ننساهم نتركهم فى النَّار وَقَالَ مُجَاهِد نؤخرهم جياعا عطاشا وَقيل نَفْعل بهم فعل الناسى بالمنسى من عدم الاعتناء بهم وتركهم فى النَّار تركا كليا قَالَ ابْن عَبَّاس نسيهم من الْخَيْر وَلم ينسهم من الشَّرّ وسمى جَزَاء نسيانهم بِالنِّسْيَانِ مجَازًا لِأَن الله لَا ينسى شَيْئا وَقَالَ تَعَالَى وَلَو ترى إِذْ يتوفى الَّذين كفرُوا الْمَلَائِكَة يضْربُونَ وُجُوههم وأدبارهم ذوقوا عَذَاب الْحَرِيق أى جِهَة الْأَمَام وجهة الْخلف يعْنى أستاههم كنى عَنْهَا بالأدبار وَقيل ظُهُورهمْ بمقامع من حَدِيد وَهَذَا نَص فى أَن مَلَائِكَة الْمَوْت عِنْد قبضهَا لروح الْكَافِر تضربه بِمَا ذكر وَتقول لَهُ مَا ذكر وَإِن كُنَّا محجوبين عَن رُؤْيَة ذَلِك وسماعه وَاخْتلفُوا فى وَقت هَذَا الضَّرْب فَقيل يكون عِنْد الْمَوْت تضربهم بسياط من نَار وَقيل هُوَ يَوْم الْقِيَامَة حِين يَسِيرُونَ بهم إِلَى النَّار وَقَالَ ابْن جريج يُرِيد مَا أقبل من أَجْسَادهم وَأدبر وَقَالَ تَعَالَى {يَوْم يحمى عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم فتكوى بهَا جباههم وجنوبهم}

{وظهورهم هَذَا مَا كنزتم لأنفسكم فَذُوقُوا مَا كُنْتُم تكنزون} أى النَّار توقد عَلَيْهَا وهى ذَات حمى وحر شَدِيد وَخص الثَّلَاثَة لِأَن التألم بكيها أَشد لما فى داخلها من الْأَعْضَاء الشَّرِيفَة وَقيل ليَكُون الكى فى الْجِهَات الْأَرْبَع من قُدَّام وَخلف وَعَن يَمِين ويسار وَقيل لِأَن الْجمال فى الْوَجْه وَالْقُوَّة فى الظّهْر والجنبين وَالْإِنْسَان إِنَّمَا يطْلب المَال للقوة وَالْجمال وَقيل غير ذَلِك مِمَّا لَا يَخْلُو عَن تكلّف وَبعد وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذين كسبوا السَّيِّئَات جَزَاء سَيِّئَة بِمِثْلِهَا وترهقهم ذلة مَا لَهُم من الله من عَاصِم كَأَنَّمَا أغشيت وُجُوههم قطعا من اللَّيْل مظلما أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ} المُرَاد بِالسَّيِّئَةِ إِمَّا الشّرك أَو المعاصى والرهق الغشيان والذلة الخزى والهوان وَالْقطع بِفَتْح الطَّاء جمع قِطْعَة أى طَائِفَة من اللَّيْل فَقيل ظلمَة آخر اللَّيْل وَقَالَ الْأَخْفَش سَواد اللَّيْل وَإِطْلَاق الخلود هُنَا مُقَيّد بِمَا تَوَاتر فى السّنة من خُرُوج عصاة الْمُوَحِّدين وَقَالَ تَعَالَى {يقدم قومه} أى فِرْعَوْن {يَوْم الْقِيَامَة} أى يصير مُتَقَدما سَابِقًا لَهُم إِلَى عَذَاب النَّار كَمَا كَانَ يتقدمهم فى الدُّنْيَا {فأوردهم النَّار وَبئسَ الْورْد المورود} أى الْمدْخل الْمَدْخُول فِيهِ وَهُوَ النَّار {وأتبعوا فِي هَذِه الدُّنْيَا لعنة} أى طردا وإبعادا من الإسم بعدهمْ يَوْم الْقِيَامَة {بئس الرفد المرفود} أى العون المعان أَو الْعَطاء الْمُعْطى وَقَالَ تَعَالَى فَأَما الَّذين شَقوا ففى النَّار لَهُم فِيهَا زفير وشهيق خَالِدين فِيهَا مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض إِلَّا مَا شَاءَ رَبك قَالَ الزّجاج الزَّفِير من شدَّة الأنين وَهُوَ الْمُرْتَفع جدا قَالَ وَزعم أهل اللُّغَة من الْبَصرِيين والكوفيين أَن الزَّفِير بِمَنْزِلَة ابْتِدَاء صَوت الْحمير والشهيق آخِره وَقيل الزَّفِير للحمار والشهيق للبغل وَقيل الزَّفِير الصَّوْت الشَّديد والشهيق الصَّوْت الضَّعِيف وَقيل الزَّفِير إِخْرَاج

النَّفس والشهيق ردهَا وَقيل الزَّفِير من الصَّدْر والشهيق من الْحلق وَقيل الزَّفِير ترديد النَّفس فى الصَّدْر من شدَّة الْخَوْف حَتَّى تنتفخ مِنْهُ الأضلاع والشهيق النَّفس الطَّوِيل الممتد أَو رد النَّفس إِلَى الصَّدْر وَالْمرَاد بهما الدّلَالَة على شدَّة كربهم وغمهم وتشبيه حَالهم بِمن استولت الْحَرَارَة على قلبه وانحصر فِيهِ روحه وَقَالَ اللَّيْث الزَّفِير أَن يمْلَأ الرجل صَدره حَال كَونه فى الْغم الشَّديد من النَّفس ويخرجه والشهيق أَن يخرج ذَلِك النَّفس وَهُوَ قريب من قَوْلهم تنفس الصعداء وَاخْتلف أهل الْعلم فى معنى هَذَا التَّوْقِيت وَالِاسْتِثْنَاء اخْتِلَافا شَدِيدا لِأَنَّهُ قد علم بالأدلة القطعية تأبيد عَذَاب الْكفَّار فى النَّار وَعدم انْقِطَاعه عَنْهُم وَالْكَلَام على ذَلِك يطول جدا فَارْجِع إِلَى تفسيرنا فتح الْبَيَان فَفِيهِ مَا يشفى ويكفى لفهم هَذَا الْمقَام وَقَالَ تَعَالَى {وَترى الْمُجْرمين يَوْمئِذٍ مُقرنين فِي الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وُجُوههم النَّار ليجزي الله كل نفس مَا كسبت إِن الله سريع الْحساب} المُرَاد بالمجرمين الْمُشْركُونَ وَمعنى مُقرنين مشدودين يَجْعَل بَعضهم مَقْرُونا مَعَ بعض أى بِحَسب مشاركتهم فى العقائد أَو قرنوا مَعَ الشَّيَاطِين أَو جعلت أَيْديهم مقرونة إِلَى أَرجُلهم والمقرن من جمع فى الْقرن وَهُوَ الْحَبل الذى يرْبط بِهِ والأصفاد الأغلال والقيود قَالَه قَتَادَة وَقَالَ ابْن عَبَّاس الكبول وَعنهُ يَقُول فى وثائق وَقَالَ سعيد بن جُبَير السلَاسِل والسرابيل القمص قَالَه السدى وَعَن ابْن زيد مثله وَاحِدهَا سربال وَالْمعْنَى قمصانهم من قطران تطلى بِهِ جُلُودهمْ حَتَّى يعود ذَلِك الطلاء كالسرابيل وَخص القطران لسرعة اشتعال النَّار فِيهِ ولذعه مَعَ نَتن رَائِحَته ووحشة لَونه

وَقَالَ جمَاعَة هُوَ النّحاس الْمُذَاب وَبِه قَالَ عمر وَابْن عَبَّاس قَالَ عِكْرِمَة هَذَا القطران يطلى بِهِ حَتَّى يشتعل نَارا وَقَالَ سعيد بن جُبَير الْقطر الصفر والآن الْحَار وَعَن عِكْرِمَة نَحوه والقطران فِيهِ لُغَات وَهُوَ مَا يسْتَخْرج من الشّجر فيطبخ ويطلى بِهِ الْإِبِل ليذْهب جربها لحدته وَقيل هُوَ دهن ينحلب من شجر الأبهل والعرعر والتوت كالزفت تدهن بِهِ الْإِبِل إِذا جربت وعو الهناء وَلَو أَرَادَ الله الْمُبَالغَة فى إحراقهم بِغَيْر ذَلِك لقدر وَلكنه حذرهم بِمَا يعْرفُونَ وَعَن أَبى مَالك الأشعرى قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النائحة إِذا لم تتب قبل مَوتهَا تلقم يَوْم الْقِيَامَة وَعَلَيْهَا سربال من قطران وَدرع من جرب أخرجه مُسلم وَغَيره وَمعنى تغشى تعلو أى تضرب النَّار الْوُجُوه وتخللها وَقُلُوبهمْ أَيْضا وَخص الْوُجُوه لِأَنَّهَا أشرف مَا فى الْبدن وفيهَا الْحَواس المدركة أعاذنا الله مِنْهَا وَقَالَ تَعَالَى وَإِن جَهَنَّم لموعدهم أَجْمَعِينَ سَبْعَة لَهَا أَبْوَاب لكل بَاب مِنْهُم جُزْء مقسوم أى موعد الغاوين فهم يدْخلُونَ من أَبْوَابهَا وَإِنَّمَا كَانَت سَبْعَة لِكَثْرَة أَهلهَا وَلكُل بَاب من الأتباع الغواة نصيب وَقدر مَعْلُوم متميز عَن غَيره والجزء بعض الشَّيْء وَالْمرَاد بِهِ هُنَا الحزب والطائفة والفريق وَقيل المُرَاد بالأبواب الأطباق طبق فَوق طبق قَالَ ابْن جريج النَّار سبع دركات وهى جَهَنَّم ثمَّ لظى ثمَّ الحطمة ثمَّ السعير ثمَّ سقر ثمَّ الْجَحِيم ثمَّ الهاوية فأعلاها للموحدين وَالثَّانيَِة للْيَهُود وَالثَّالِثَة لِلنَّصَارَى وَالرَّابِعَة للصابئين وَالْخَامِسَة للمجوس وَالسَّادِسَة للْمُشْرِكين

وَالسَّابِعَة لِلْمُنَافِقين فجهنم أَعلَى الطَّبَقَات ثمَّ مَا بعْدهَا تحتهَا ثمَّ كَذَلِك وَالْمعْنَى أَن الله تَعَالَى يجزىء أَتبَاع إِبْلِيس سَبْعَة أَجزَاء فَيدْخل كل جُزْء وَقسم دركة من النَّار وَالسَّبَب فِيهِ أَن مَرَاتِب الْكفْر والمعاصى مُخْتَلفَة فَلذَلِك اخْتلفت مَرَاتِبهمْ فى النَّار قَالَ الْخَطِيب تَخْصِيص هَذَا الْعدَد لِأَن أَهلهَا سبع فرق وَقيل جعلت سَبْعَة على وفْق الْأَعْضَاء السَّبْعَة من الْعين وَالْأُذن وَاللِّسَان والبطن والفرج وَالْيَد وَالرجل لِأَنَّهَا مصَادر السَّيِّئَات فَكَانَت مواردها الْأَبْوَاب السَّبْعَة وَلما كَانَت هى بِعَينهَا مصَادر الْحَسَنَات بِشَرْط النِّيَّة وَالنِّيَّة من أَعمال الْقلب زَادَت الْأَعْضَاء وَاحِدًا فَجعلت أَبْوَاب الْجنَّة ثَمَانِيَة أه أَقْوَال الْحِكْمَة فى تَخْصِيص هَذَا الْعدَد لَا تَنْحَصِر فِيمَا ذكر بل الأولى تفويضها إِلَى جاعلها سَبْعَة وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ إِلَّا أَن يرد بِهِ خبر صَحِيح عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيجب الْمصير إِلَيْهِ عَن على قَالَ أطباق جَهَنَّم سَبْعَة بَعْضهَا فَوق بعض فيملى الأول ثمَّ الثانى ثمَّ الثَّالِث حَتَّى يملى كلهَا وَعَن بن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِجَهَنَّم سَبْعَة أَبْوَاب بَاب مِنْهَا لمن سل السَّيْف على أمتى أخرجه البخارى فى تَارِيخه والترمذى وَاسْتَغْرَبَهُ وَعَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الْآيَة جُزْء أشركوا بِاللَّه وجزء شكوا فى الله وجزء غفلوا عَن الله أخرجه ابْن مرْدَوَيْه والخطيب فى تَارِيخه وَقد وَردت فى صفة النَّار وأهوالها أَحَادِيث وآثار كَثِيرَة تأتى فى محلهَا وَقَالَ تَعَالَى فادخلوا أَبْوَاب جَهَنَّم خَالِدين فِيهَا فبئس مثوى المتكبرين يُقَال لَهُم ذَلِك عِنْد الْمَوْت وَقد تقدم ذكر الْأَبْوَاب وَأَن جَهَنَّم دَرَجَات بَعْضهَا فَوق بعض أى ليدْخل كل صنف فى الطَّبَقَة الَّتِى هُوَ مَوْعُود بهَا وَإِنَّمَا

قيل لَهُم ذَلِك لِأَنَّهُ أعظم فى الخزى وَالْغَم وَفِيه دَلِيل على أَن الْكفَّار بَعضهم أَشد عذَابا من بعض وَالْمرَاد تكبرهم عَن الْإِيمَان وَالْعِبَادَة كَمَا فى قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُم كَانُوا إِذا قيل لَهُم لَا إِلَه إِلَّا الله يَسْتَكْبِرُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {ونحشرهم يَوْم الْقِيَامَة على وُجُوههم عميا وبكما وصما مأواهم جَهَنَّم كلما خبت زدناهم سعيرا ذَلِك جزاؤهم بِأَنَّهُم كفرُوا بِآيَاتِنَا} وَهَذَا الْحَشْر فِيهِ الْوَجْهَانِ لِلْمُفَسِّرِينَ الأول إِنَّه عبارَة عَن الْإِسْرَاع بهم إِلَى جَهَنَّم الثانى إِنَّهُم يسْحَبُونَ يَوْم الْقِيَامَة على وُجُوههم حَقِيقَة كَمَا يفعل فى الدُّنْيَا بِمن يُبَالغ فى إهانته وتعذيبه وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح لقَوْله سُبْحَانَهُ {يَوْم يسْحَبُونَ فِي النَّار على وُجُوههم} وَلما صَحَّ فى السّنة عَن أنس رضى الله عَنهُ قَالَ قيل يَا رَسُول الله كَيفَ يحْشر النَّاس على وُجُوههم قَالَ الذى أَمْشَاهُم على أَرجُلهم قَادر على أَن يُمشيهمْ على وُجُوههم أخرجه البخارى وَمُسلم وَغَيرهمَا وَعَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على ثَلَاثَة أَصْنَاف صنف مشَاة وصنف ركبانا وصنف على وُجُوههم قيل يَا رَسُول الله كَيفَ يَمْشُونَ على وُجُوههم قَالَ إِن الذى أَمْشَاهُم على أَقْدَامهم قَادر على أَن يُمشيهمْ على وُجُوههم أما إِنَّهُم يَبْتَغُونَ بِوُجُوهِهِمْ كل حدب وَصوب أخرجه أَبُو دَاوُد والترمذى وَحسنه البيهقى والحدب مَا ارْتَفع الأَرْض وفى الْبَاب أَحَادِيث وَالْأَعْمَى الذى لَا يبصر والأبكم الذى لَا ينْطق والأصم الذى لَا يسمع أى هَذِه هَيْئَة يبعثون عَلَيْهَا فى أقبح صُورَة وأشنع

منظر قد جمع الله لَهُم بَين عمى الْبَصَر وَعدم النُّطْق وَعدم السّمع مَعَ كَونهم مسحوبين على وُجُوههم وَقد أثبت الله تَعَالَى لَهُم الرُّؤْيَة وَالْكَلَام والسمع فى قَوْله {وَرَأى المجرمون النَّار} وَقَوله {دعوا هُنَالك ثبورا} وَقَوله تَعَالَى {سمعُوا لَهَا تغيظا وزفيرا} فَالْمَعْنى هُنَا عميا لَا يبصرون مَا يسرهم كَمَا لَا ينطقون بِحجَّة صمًّا لَا يسمعُونَ مَا يلذ مسامعهم وَقيل هَذَا حِين يُقَال لَهُم اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون وَقيل يحشرون على مَا وَصفهم ثمَّ يُعَاد إِلَيْهِم هَذِه الْأَشْيَاء بعد ذَلِك ثمَّ من وَرَاء ذَلِك الْمَكَان الَّذين يأوون إِلَيْهِ كلما سكن لَهب النَّار بِأَن أكلت جُلُودهمْ ولحومهم زادهم الله تسعرا وَهُوَ التلهب والتوقد أى فتعود ملتهبة ومتسعرة فَإِنَّهُم لَهُم لما كذبُوا بالاعادة بعد الافناء جزاهم الله بِأَن لَا يزَالُوا على الْإِعَادَة والإفناء وَقد قيل أَن فى خبوء النَّار تَخْفِيفًا لعذاب أَهلهَا فَكيف يجمع بَينه وَبَين قَوْله {لَا يُخَفف عَنْهُم الْعَذَاب} وَأجِيب بِأَن المُرَاد بِعَدَمِ التَّخْفِيف أَنه لَا يَتَخَلَّل زمَان محسوس بَين الخبوء والتسعر وَقيل أَنَّهَا تخبو من غير تَخْفيف عَنْهُم من عَذَابهمْ وَقيل ضعفت وهدأت من غير أَن يُوجد نُقْصَان فى إيلامهم لِأَن الله تَعَالَى لَا يفتر عَنْهُم وَقيل مَعْنَاهُ أَرَادَت أَن تخبو وَقيل نَضِجَتْ جُلُودهمْ واحترقت وأعيدوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَزيد فى سعير النَّار لتحرقهم أعاذنا الله تَعَالَى عَنْهَا وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا أَعْتَدْنَا للظالمين نَارا أحَاط بهم سرادقها وَإِن يستغيثوا يغاثوا بِمَاء كَالْمهْلِ يشوي الْوُجُوه بئس الشَّرَاب وَسَاءَتْ مرتفقا} السرادق الذى يمد فَوق صحن الدَّار وكل بَيت من كُرْسُف أى قطن فَهُوَ سرادق فارسى مُعرب يُقَال بَيت مسردق وَقَالَ ابْن الأعرابى سرادقها سورها وَقَالَ القتيبى السرادق الْحُجْرَة الَّتِى تكون حول الْفسْطَاط

وَالْمعْنَى أَنه أحَاط بالكفار سرادق النَّار على تَشْبِيه مَا يحيطهم من النَّار بالسرادق الْمُحِيط بِمن فِيهِ قَالَ ابْن عَبَّاس حَائِط من نَار وَعَن أَبى سعيد الخدرى رضى الله عَنهُ عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سرادق النَّار أَرْبَعَة جدر كَثَافَة كل جِدَار مِنْهَا مسيرَة أَرْبَعِينَ سنة أخرجه أَحْمد والترمذى وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَغَيرهم وَعَن يعلى ابْن أُميَّة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْبَحْر هُوَ من جَهَنَّم ثمَّ تَلا {نَارا أحَاط بهم سرادقها} أخرجه أَحْمد مطولا وَرِجَاله ثِقَات قَالَه فى مجمع الزَّوَائِد وَرَوَاهُ البخارى وَالْحَاكِم وَصَححهُ وان يطلبوا الانقاذ من شدَّة الْعَطش يضْربُوا ويعذبوا بالحديد الْمُذَاب وَهُوَ الْمهل قَالَ الزّجاج أَنهم يغاثون بِمَاء كالرصاص الْمُذَاب والصفر وَقيل هُوَ دردى الزَّيْت أى مَا بقى فى أَسْفَل الْإِنَاء وَوجه الشّبَه وجود الثخن والرداءة فى كل مِنْهُمَا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة والأخفش العكر وكل مَا أذيب من جَوَاهِر الأَرْض من حَدِيد ورصاص ونحاس وَقيل هُوَ ضرب من القطران وَعَن أَبى سعيد الخدرى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كَعَكرِ الزَّيْت فَإِذا قرب إِلَيْهِ سَقَطت فَرْوَة وَجهه أخرجه أَحْمد والترمذى وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن حبَان والبيهقى فى الْبَعْث وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ مَاء غليظ كدردى الزَّيْت وَعَن ابْن مَسْعُود أَنه سُئِلَ عَن الْمهل فَدَعَا بِذَهَب وَفِضة فأذابه فَلَمَّا ذاب قَالَ هَذَا أشبه شىء بالمهل الذى هُوَ شراب اهل النَّار ولونه لون السَّمَاء غير أَن شرابهم أَشد حرا من هَذَا وَعَن ابْن عمر هَل تَدْرُونَ مَا الْمهل هُوَ مهل الزَّيْت يعْنى آخِره وَأَنه إِذا قدم إِلَيْهِم صَارَت وُجُوههم مشوية لحرارته والشىء الانضاج بالنَّار من غير

احراق وَقَوله {مرتفقا} اى متكأ وَقيل مَجْلِسا ومنزلا وَقيل مجتمعا وَبِه قَالَ مُجَاهِد وَقَالَ تَعَالَى {وَرَأى المجرمون النَّار فظنوا أَنهم مواقعوها وَلم يَجدوا عَنْهَا مصرفا} أى عاينوها من مسيرَة أَرْبَعِينَ عَاما وأيقنوا أَنهم داخلون وواقعون فِيهَا والمواقعة المخالطة بالوقوع فِيهَا وَقيل إِن الْكفَّار يرَوْنَ النَّار من مَكَان بعيد فيظنون ذَلِك ظنا وَلم يَجدوا عَنْهَا معدلا يعدلُونَ إِلَيْهِ وانصرافا لِأَن النَّار قد أحاطت بهم من كل جَانب وَقيل ملْجأ يلجؤن إِلَيْهِ وَالْمعْنَى مُتَقَارب وَقَالَ تَعَالَى {وَنفخ فِي الصُّور فجمعناهم جمعا وعرضنا جَهَنَّم يَوْمئِذٍ للْكَافِرِينَ عرضا الَّذين كَانَت أَعينهم فِي غطاء عَن ذكري وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سمعا أفحسب الَّذين كفرُوا أَن يتخذوا عبَادي من دوني أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّم للْكَافِرِينَ نزلا قل هَل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا أُولَئِكَ الَّذين كفرُوا بآيَات رَبهم ولقائه فحبطت أَعْمَالهم فَلَا نُقِيم لَهُم يَوْم الْقِيَامَة وزنا ذَلِك جزاؤهم جَهَنَّم بِمَا كفرُوا وَاتَّخذُوا آياتي ورسلي هزوا} الصُّور الْقرن والنفخ فِيهِ للبعث وهى النفخة الثَّانِيَة وَيكون جمع الْخَلَائق بعد تلاشى أبدانهم ومصيرها تُرَابا وَيكون جمعا تَاما على أكمل صفة وأبدع هَيْئَة وأعجب اسلوب فى صَعِيد وَاحِد وفى عرض جَهَنَّم لَهُم وَعِيد عَظِيم لما يحصل مَعَهم عِنْد مشاهدتها من الْفَزع والروعة والغطاء الغشاء والستر وَهُوَ مَا غطى الشىء وستره من جَمِيع الجوانب وَالْمرَاد بِالذكر الْآيَات وَكَانُوا لَا يقدرُونَ على الِاسْتِمَاع لما فِيهِ الْحق من كَلَام الله وَكَلَام رَسُوله لغَلَبَة

الشقاوة عَلَيْهِم ولشدة عداوتهم لَهما والحسبان الظَّن والنزل الذى يعد للضيف وَفِيه تهكم بهم كَقَوْلِه {فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم} قَالَ ابْن الاعرابى تَقول الْعَرَب مَا لفُلَان عندنَا وزن أى قدر لخسته ويوصف الرجل بِأَنَّهُ لَا وزن لَهُ لخفته وَسُرْعَة طيشه وَقلة تثبته وَالْمعْنَى أَنهم لَا يعْتد بهم وَلَا يكون لَهُم عِنْد الله منزلَة وَقدر عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّه ليأتى الرجل الْعَظِيم السمين يَوْم الْقِيَامَة لَا يزن عِنْد الله جنَاح بعوضة واقرؤا إِن شِئْتُم {فَلَا نُقِيم لَهُم يَوْم الْقِيَامَة وزنا} أخرجه البخارى وَمُسلم وَقَالَ تَعَالَى {فوربك لنحشرنهم وَالشَّيَاطِين ثمَّ لنحضرنهم حول جَهَنَّم جثيا ثمَّ لننزعن من كل شيعَة أَيهمْ أَشد على الرَّحْمَن عتيا ثمَّ لنَحْنُ أعلم بالذين هم أولى بهَا صليا وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها كَانَ على رَبك حتما مقضيا} الْمَعْنى نسوقهم إِلَى الْمَحْشَر بعد إخراجهم من قُبُورهم أَحيَاء كَمَا كَانُوا مَعَ شياطينهم الَّذين أغووهم وأضلوهم فى سلسلة ثمَّ نحضرهم حول النَّار من خَارِجهَا قبل دُخُولهَا أَو من داخلها جاثين على ركبهمْ لما يصيبهم من أهوال المواقف وروعة المحاسبة ثمَّ تنزعن من كل أمة وَفرْقَة وَأهل دين وملة من الْكفَّار قَالَ الزمخشرى الشِّيعَة هى الطَّائِفَة الَّتِى شاعت أى تبِعت غاويا من الغواة وَقَالَ تَعَالَى {إِن الَّذين فرقوا دينهم وَكَانُوا شيعًا لست مِنْهُم فِي شَيْء} انْتهى يعْنى ينْزع من كل طوائف ألغى كالروافض والخوارج والنواصب والمقلدة لآراء الرِّجَال والمتبعة للفلاسفة الضلال وَغَيرهم أعصاهم وأعتاهم فَإِذا اجْتَمعُوا طرحهم فى جَهَنَّم وهم أولى بصليها أَو صليهم أولى بالنَّار

وَمَا من أحد مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا إِلَّا وصاليها وداخلها ثمَّ يُنجى الله الَّذين اتَّقوا ويذر الظَّالِمين فِيهَا جثيا وَهَذِه أخوف آيَة وَقَالَ تَعَالَى وَمن أعرض عَنهُ فَإِنَّهُ يحمل يَوْم الْقِيَامَة وزرا أى اثما عَظِيما وعقوبة ثَقيلَة بِسَبَب إعراضه خَالِدين فِيهَا وساء لَهُم يَوْم الْقِيَامَة حملا يَوْم ينْفخ فى الصُّور ونحشر الْمُجْرمين يَوْمئِذٍ زرقا المُرَاد بالمجرمين الْمُشْركُونَ والكافرون والعصاة المآخذون بِذُنُوبِهِمْ الَّتِى لم يغفرها الله لَهُم والزرقة الخضرة فى الْعين كعين السنور وَالْعرب تتشاءم بهَا لِأَن الرّوم كَانُوا اعدى عدوهم وهم زرق وهى أَسْوَأ ألوان الْعين وأبغضها إِلَى الْعَرَب وَقَالَ الْفراء زرقا أى عميا وَقَالَ الأزهرى عطاشا وَهُوَ قَول الزّجاج وَقيل إِنَّه كِنَايَة عَن الطمع الْكَاذِب إِذا تعقبه الخيبة وَقيل هُوَ كِنَايَة عَن شخوص الْبَصَر من شدَّة الْحِرْص وَالْقَوْل الأول أولى وَالْجمع بَين هَذِه الْآيَة وَبَين الْآيَة السَّابِقَة {عميا وبكما وصما} مَا قيل من أَن ليَوْم الْقِيَامَة حالات ومواطن تخْتَلف فِيهَا صفاتهم ويتنوع عِنْدهَا عَذَابهمْ فيكونون فى حَال زرقا وفى حَال عميا وَقَالَ تَعَالَى {لَو كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَة مَا وردوها وكل فِيهَا خَالدُونَ لَهُم فِيهَا زفير وهم فِيهَا لَا يسمعُونَ} وفى هَذَا تبكيث لعباد الْأَصْنَام وتوبيخ شَدِيد لمن يتَّخذ من دون الله أَرْبَابًا والزفير هُوَ صَوت نفس المغموم وَالْمرَاد هُنَا الأنين والبكاء والتنفس الشَّديد والعويل وَلَا يسمع بَعضهم زفير بعض لشدَّة الهول قَالَ ابْن مَسْعُود فى الْآيَة إِذا بقى فى النَّار من يخلد فِيهَا جعلُوا فى توابيت من نَار ثمَّ جعلت تِلْكَ التوابيت فى توابيت أخر عَلَيْهَا مسامير من نَار فَلَا يسمعُونَ شَيْئا وَلَا يرى أحد مِنْهُم أَن فى النَّار أحدا يعذب غَيره وَقيل لَا يسمعُونَ شَيْئا لأَنهم يحشرون

صمًّا وَإِنَّمَا سلبوا السماع لِأَن فِيهِ بعض تروح وتأنس وَقيل لَا يسمعُونَ مَا يسرهم بل يسمعُونَ مَا يسوءهم وَقَالَ تَعَالَى فَالَّذِينَ كفرُوا قطعت لَهُم ثِيَاب من نَار يصب من فَوق رُؤْسهمْ الْحَمِيم يصهر بِهِ مَا فى بطونهم والجلود وَلَهُم مَقَامِع من حَدِيد كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا أعيدوا فِيهَا وذوقوا عَذَاب الْحَرِيق أى قدرت لَهُم على قدر جثثهم لِأَن الثِّيَاب الجدد تقطع على مِقْدَار بدن من يلبسهَا شبه إعداد النَّار وإحاطتها بهم بتقطيع ثِيَاب لَهُم وَجمع الثِّيَاب لِأَن النَّار لتراكمها عَلَيْهِم كالثياب الملبوس بَعْضهَا فَوق بعض وَقيل إِنَّهَا من نُحَاس فقد أذيب فَصَارَ كالنار وهى السرابيل الْمَذْكُورَة فى آيَة أُخْرَى قَالَه سعيد ابْن جُبَير وَزَاد لبس من الْآنِية إِذا حمى أَشد حرا مِنْهُ وَالْحق إِجْرَاء النّظم القرآنى على ظَاهره وَلَا نرتضى تَأْوِيله بِمَا يُخَالف ظَاهر لَفظه وواضح مَعْنَاهُ وَالْحَمِيم المَاء الْحَار المغلى بِنَار جَهَنَّم انْتَهَت حرارته يذاب بِهَذَا الْحَمِيم مَا فى بطونهم وتسيل بِهِ أمعاؤهم وتتناثر جُلُودهمْ عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ أَنه تَلا هَذِه الْآيَة فَقَالَ سَمِعت رَسُول اللهيقول إِن الْحَمِيم ليصب على رُؤْسهمْ فَينفذ الجمجمة حَتَّى يخلص إِلَى جَوْفه فيسلت مَا فى جَوْفه حَتَّى يَمْرُق من قَدَمَيْهِ وَهُوَ الصهر ثمَّ يُعَاد كَمَا كَانَ أخرجه الترمذى وَالْحَاكِم وصححاه وَابْن جرير وَابْن أَبى حَاتِم وَغَيرهم وَقَالَ ابْن عَبَّاس يَمْشُونَ وأمعاؤهم تتساقط وَعنهُ قَالَ يسقون مَاء إِذا دخل فى بطونهم أذابها والجلود مَعَ الْبُطُون والمقمعة المطرقة وَقيل السَّوْط وَسميت بالمقامع لِأَنَّهَا تقمع الْمَضْرُوب أى تذلله وَعَن أَبى سعيد الخدرى رضى الله عَنهُ عَن رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ

لَو أَن مِقْمَعًا من حَدِيد وضع فى الأَرْض فَاجْتمع الثَّقَلَان مَا أَقلوهُ من الأَرْض وَلَو ضرب الْجَبَل بمقمع من حَدِيد لتفتت ثمَّ عَاد كَمَا كَانَ أخرجه أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَصَححهُ البيهقى وَعَن سلمَان قَالَ النَّار سَوْدَاء مظْلمَة لَا يضىء لهيبها وَلَا جمرها ثمَّ قَرَأَ {كلما أَرَادوا} الْآيَة وَالْمرَاد إعادتهم إِلَى مُعظم النَّار لَا إِنَّهُم ينفصلون عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ ثمَّ يعودون إِلَيْهَا وَقيل لَهُم ذوقوا عَذَاب المحرق الغليظ الْمُنْتَشِر الْعَظِيم الإهلاك الْبَالِغ نِهَايَة الإحراق وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذين سعوا فِي آيَاتنَا معاجزين أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم} أى اجتهدوا فى إِبْطَالهَا حَيْثُ قَالُوا الْقُرْآن شعر أَو سحر أَو أساطير الْأَوَّلين أَو للتلاوة دون الْعَمَل ظانين ومقدرين أَن يعْجزُوا الله ويفوتوه وَقيل معاندين أَو مراغمين ومشاقين فهم أَصْحَاب النَّار الموقدة وَقَالَ تَعَالَى {قَالَ اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون} أى اسْكُتُوا فى جَهَنَّم سكُوت هوان وَلَا تكَلمُون رَأْسا أَو فى إخراجكم من النَّار أَو فى رفع الْعَذَاب عَنْكُم قَالَ الْحسن هُوَ آخر كَلَام يتَكَلَّم بِهِ أهل النَّار وَمَا بعد ذَلِك إِلَّا الزَّفِير والشهيق وعواء كعواء الْكلاب وَقَالَ تَعَالَى {وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إِذا رأتهم من مَكَان بعيد سمعُوا لَهَا تغيظا وزفيرا} أى إِذا رأتهم وهى بعيدَة عَنْهُم قيل بَينهَا وَبينهمْ مسيرَة مائَة عَام وَقيل خَمْسمِائَة عَام وَذَلِكَ إِذا أَتَى بجهنم تقاد بسبعين ألف زِمَام يشد بِكُل زِمَام سَبْعُونَ ألف ملك لَو تركت لاتت على كل بار وَفَاجِر فترى تزفر زفرَة لَا تبقى قَطْرَة من دمع إِلَّا بَدَت ثمَّ تزفر الثَّانِيَة فتقلع الْقُلُوب من أماكنها وتبلغ الْقُلُوب الْحَنَاجِر وَعَن رجل من الصَّحَابَة قَالَ قَالَ النبى ص من يقل على مَا لم أقل أَو ادّعى إِلَى غير أَبِيه وانتمى

إِلَى غير موَالِيه فَليَتَبَوَّأ بَين عينى جَهَنَّم مقْعدا قيل يَا رَسُول الله وَهل لَهَا من عينين قَالَ نعم أما سَمِعْتُمْ الله يَقُول {إِذا رأتهم من مَكَان بعيد} أخرجه عبد بن حميد وَابْن جرير من طَرِيق خَالِد بن دريك وَنَحْوه عِنْد رزين فى كِتَابه وَصَححهُ بن العربى فى قبسه وَأخرج الترمذى من حَدِيث أَبى هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج عنق من النَّار يَوْم الْقِيَامَة لَهُ عينان يبصران وأذنان يسمعان ولسان ينْطق يَقُول إنى وكلت بِثَلَاث كل جَبَّار عنيد وَبِكُل من دَعَا مَعَ الله إِلَهًا آخر وبالمصورين وفى الْبَاب عَن أَبى سعيد قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب صَحِيح والتغيظ الغليان إِذا غلا صَدره من الْغَضَب يعْنى أَن لَهَا صَوتا يدل على التغيظ على الْكفَّار أَو لغليانها صَوت يشبه صَوت المغتاظ وَتقدم الْكَلَام على زفير وَقَالَ تَعَالَى وَإِذا ألقوا مِنْهَا مَكَانا ضيقا مُقرنين دعوا هُنَالك ثبورا لَا تدعوا الْيَوْم ثبورا وَاحِدًا وَادعوا ثبورا كثيرا عَن يحيى بن أسيد أَن رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة فَقَالَ والذى نفسى بِيَدِهِ إِنَّهُم ليستكرهون فى النَّار كَمَا يستكره الوتد فى الْحَائِط وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه يضيق عَلَيْهِم كَمَا يضيق الزج فى الرمْح وَالثُّبُور الْهَلَاك وَالْمرَاد بِهَذَا الْجَواب عَلَيْهِم الدّلَالَة على خُلُود عَذَابهمْ وإقناطهم عَن حُصُول مَا يتمنونه من الْهَلَاك المنجى لَهُم مِمَّا هم فِيهِ وَعَن أنس رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أول مَا يكسى حلته من النَّار إِبْلِيس فَيَضَعهَا على حاجبيه ويسحبها من خَلفه وَذريته من بعده وَهُوَ يُنَادى يَا ثبوراه وَيَقُولُونَ يَا ثبور حَتَّى يقف على النَّاس فَيَقُول يَا ثبوراه وَيَقُولُونَ يَا ثبورهم فَيُقَال لَهُم لَا تدعوا الْيَوْم ثبورا وَاحِدًا وَادعوا ثبورا كثيرا

وَقَالَ تَعَالَى فكبكبوا فِيهَا أى ألقوا فى جَهَنَّم على رؤوسهم وَقيل قلبوا على رؤوسهم وَقيل ألْقى بَعضهم على بعض وَقيل جمعُوا قَالَه ابْن عَبَّاس وَقيل طرحوا وَقيل نكسوا هم والغاوون أى المعبودون والعابدون وجنود إِبْلِيس أَجْمَعُونَ وَقَالَ تَعَالَى وَلَكِن حق القَوْل منى لأملأن جَهَنَّم من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ هَذَا هُوَ القَوْل الذى وَجب من الله وَحقّ على عباده وَنفذ فِيهِ قَضَاؤُهُ وَإِنَّمَا قضى عَلَيْهِم بِهَذَا لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قد علم أَنهم من أهل الشقاوة وَأَنَّهُمْ مِمَّن يخْتَار الضَّلَالَة على الْهدى وَقَالَ تَعَالَى يَوْم تقلب وُجُوههم فى النَّار يعْنى تقلبها تَارَة على جِهَة مِنْهَا وَتارَة على جِهَة أُخْرَى ظهرا لبطن أَو تغير ألوانهم بلفح النَّار فتسود تَارَة وتخضر أُخْرَى أَو تبدل جُلُودهمْ بجلود أُخْرَى وَخص الْوَجْه لِأَنَّهُ أكْرم مَوضِع من الأنسان أَو يكون الْوَجْه عبارَة عَن الْجُمْلَة وَقَالَ تَعَالَى وَجَعَلنَا الأغلال فى أَعْنَاق الَّذين كفرُوا هَل يجزون إِلَّا مَا كَانُوا يعْملُونَ أى جعلت الأغلال من الْحَدِيد فى أَعْنَاق هَؤُلَاءِ فى النَّار وَقَالَ تَعَالَى وهم يصطرخون فِيهَا من الصُّرَاخ وَهُوَ الصياح أى وهم يستغيثون فى النَّار رافعين أَصْوَاتهم والصارخ المستغيث وَقَالَ تَعَالَى هَذِه جَهَنَّم الَّتِى كُنْتُم توعدون اصلوها الْيَوْم بِمَا كُنْتُم تكفرون الْيَوْم نختم على أَفْوَاههم وتكلمنا أَيْديهم وَتشهد أَرجُلهم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ أى توعدون بهَا فى الدُّنْيَا على أَلْسِنَة الرُّسُل فادخلوها وقاسوا حرهَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ إِنَّهُم يُنكرُونَ الشّرك وَتَكْذيب الرُّسُل فيختم الله على أَفْوَاههم ختما لَا يقدرُونَ مَعَه على الْكَلَام وَتكلم أَيْديهم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَتشهد أَرجُلهم عَلَيْهِم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَهُ باختيارها بعد إقدار الله تَعَالَى لَهَا على الْكَلَام ليَكُون أدل على صُدُور الذَّنب مِنْهُم

وَأخرج أَحْمد وَمُسلم والنسائى وَالْبَزَّار وَغَيرهم عَن أنس فى الْآيَة قَالَ كُنَّا عِنْد النبى ص فَضَحِك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه قَالَ أَتَدْرُونَ مِمَّا ضحِكت قُلْنَا لَا يَا رَسُول الله قَالَ من مُخَاطبَة العَبْد ربه يَقُول يَا رب ألم تجرنى من الظُّلم فَيَقُول بلَى فَيَقُول إنى لَا أُجِيز على إِلَّا شَاهدا منى فَيَقُول كفى بِنَفْسِك الْيَوْم عَلَيْك شَهِيدا وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبين شُهُودًا فيختم على فِيهِ وَيُقَال لِأَرْكَانِهِ انطقى فَتَنْطِق بِأَعْمَالِهِ ثمَّ يخلى بَينه وَبَين الْكَلَام فَيَقُول بعدا لَكِن وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كنت أُنَاضِل وَأخرج مُسلم والترمذى وَابْن مرْدَوَيْه والبيهقى عَن أَبى سعيد وأبى هُرَيْرَة رضى الله عَنْهُمَا قالاقال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلقى العَبْد ربه فَيَقُول الله ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لَك الْخَيل وَالْإِبِل وأذرك ترأس وتربع فَيَقُول بلَى أى رب فَيَقُول أفظننت إِنَّك ملاقى فَيَقُول لَا فَيُقَال إنى أنساك كَمَا نسيتنى ثمَّ يلقى الثانى فَيَقُول لَهُ مثل ذَلِك ثمَّ يلقى الثَّالِث فَيَقُول لَهُ مثل ذَلِك فَيَقُول آمَنت بك وبكتابك وبرسولك وَصليت وَصمت وتصدقت ويثنى بِخَير مَا اسْتَطَاعَ فَيَقُول أَلا نبعث شاهدنا عَلَيْك فيفكر فى نَفسه من الذى يشْهد على فيختم على فِيهِ وَيُقَال لفخذه انطقى فَتَنْطِق فَخذه وفمه وعظامه بِعَمَلِهِ مَا كَانَ وَذَلِكَ ليعذر من نَفسه وَذَلِكَ الْمُنَافِق وَذَلِكَ الذى يسْخط عَلَيْهِ وَأخرج ابْن جرير وَابْن أَبى حَاتِم من حَدِيث أَبى مُوسَى نَحوه قَالَ تَعَالَى قل أذلك خير نزلا أم شَجَرَة الزقوم إِنَّا جعلناها فتْنَة للظالمين إِنَّهَا شَجَرَة تخرج فى أصل الْجَحِيم طلعها كَأَنَّهُ رُءُوس الشَّيَاطِين فَإِنَّهُم لآكلون مِنْهَا فمالئون مِنْهَا الْبُطُون ثمَّ إِن لَهُم عَلَيْهَا لشوبا من حميم ثمَّ إِن مرجعهم لإلى الْجَحِيم قَالَ الواحدى الزقوم شىء مر كريه يكره أهل النَّار على تنَاوله فهم

يتزقمونه فهى على هَذَا مُشْتَقَّة من التزقم وَهُوَ البلع على جهد لكراهتها ونتنها قَالَ قطرب إِنَّهَا شَجَرَة مرّة كريهة الرَّائِحَة تكون بتهامة من أَخبث الشّجر وَقَالَ غَيره بل هُوَ كل نَبَات قَاتل وَقيل شَجَرَة مَسْمُومَة مَتى مست جَسَد أحد تورم فَمَاتَ جعلهَا الله محنة لَهُم لكَوْنهم يُعَذبُونَ بهَا وَالْمرَاد الظَّالِمين هُنَا الْكفَّار أَو أهل المعاصى الْمُوجبَة للنار وَهَذِه الشَّجَرَة تنْبت فى قَعْر النَّار وأسفلها وَأَغْصَانهَا ترفع إِلَى دركاتها وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ لَو أَن قَطْرَة من زقوم جَهَنَّم أنزلت إِلَى الأَرْض لأفسدت على النَّاس مَعَايشهمْ وتمرها وَمَا تحمله فى تفاهى قبحه وَهُوَ لَهُ وشناعة منظره مثل رُءُوس الشَّيَاطِين قَالَ الزّجاج وَالْفراء الشَّيَاطِين حيات هائلة لَهَا رُءُوس وأطراف وهى من أقبح الْحَيَّات وأخبثها وأخفها جسما وَقيل هُوَ شجر خشن منتن مر مُنكر الصُّورَة يُسمى ثَمَرَة وءوس الشَّيَاطِين والشوب الْخَلْط والمزج وَالْحَمِيم المَاء الْحَار وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى وَسقوا مَاء حميما فَقطع أمعاءهم وَقيل أَن الزقوم الْحَمِيم نزل يقدم اليهم قبل دُخُولهَا أعاذنا الله تَعَالَى وإخواننا الْمُؤمنِينَ من هَذَا الطَّعَام وَالشرَاب وَقَالَ تَعَالَى فليذوقوه حميم وغساق تقدم تَفْسِير الْحَمِيم مرَارًا والغساق مَا سَالَ من جُلُود أهل النَّار من الْقَيْح وَمن الصديد والغسقان الأنصباب وَقيل هُوَ مَا قتل برده وَقيل هُوَ الزَّمْهَرِير وَقيل الْمَتْن وَقيل هُوَ عين فى جَهَنَّم يسيل مِنْهُ كل ذوب حَيَّة وعقرب وَقَالَ قَتَادَة هُوَ مَا يسيل من فروج النِّسَاء الزوانى وَمن نَتن لُحُوم الْكَفَرَة وجلودهم وَقَالَ القرظى هُوَ عصارة أهل النَّار وَقَالَ السدى هُوَ الذى يسيل من دموع أهل النَّار يسقونه مَعَ الْحَمِيم وَكَذَا قَالَ ابْن زيد وَقَالَ مُجَاهِد وَمُقَاتِل

هُوَ الثَّلج الْبَارِد الذى انْتهى برده وَتَفْسِير الغساق بالبارد أنسب بِمَا تَقْتَضِيه لُغَة الْعَرَب وأنسب أَيْضا بِمُقَابلَة الْحَمِيم وَأخرج أَحْمد والترمذى وَابْن جرير وَابْن أَبى حَاتِم وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه والبيهقى فى الْبَعْث عَن أَبى سعيد رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أَن دلوا من غساق يهرق فى الدُّنْيَا لأنتن أهل الدُّنْيَا قَالَ الترمذى لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث رشدين بن سعد قلت وَرشْدِين هَذَا فِيهِ مقَال مَعْرُوف وَآخر من شكله أَزوَاج أى وَعَذَاب آخر أَو مذوق آخر أَو نوع آخر من شكل ذَلِك الْعَذَاب أَو المذوق أَو النَّوْع الأول والشكل الْمثل أَو مذوقات أخر وأنواع أخر من شكل ذَلِك المذوق أَو النَّوْع الْمُتَقَدّم وَمعنى ازواج أَجنَاس وأنواع وَأَشْبَاه ونظائر قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هُوَ الزَّمْهَرِير هَذَا فَوْج مقتحم مَعكُمْ أى الِاتِّبَاع داخلون مَعكُمْ إِلَى النَّار بِشدَّة والاقتحام الالقاء فى الشىء بِشدَّة فانهم يضْربُونَ بمقامع من حَدِيد حَتَّى يقتحموها بِأَنْفسِهِم خوفًا من تِلْكَ المقامع وَقيل الاقتحام ركُوب الشدَّة وَالدُّخُول فِيهَا وفى الْمُخْتَار قحم فى الْأَمر رمى بِنَفسِهِ فِيهِ من غير رويه لَا مرْحَبًا بهم أى لَا اتسعت مَنَازِلهمْ فى النَّار والرحب السعَة وَالْمعْنَى لَا كَرَامَة لَهُم وَهَذَا إِخْبَار من الله تَعَالَى بِانْقِطَاع الْمَوَدَّة بَين الْكفَّار وَأَن الْمَوَدَّة الَّتِى كَانَت بَينهم تصير عَدَاوَة انهم صالوا النَّار أى كَمَا صليناها قَالُوا بل أَنْتُم لَا مرْحَبًا بكم أى قَالَ الِاتِّبَاع عِنْد سَماع مَا قَالَه الرؤساء والقادة بل أَنْتُم أَحَق بِمَا قُلْتُمْ لنا ثمَّ عللوا ذَلِك بقَوْلهمْ أَنْتُم قدمتموه لنا أى الْعَذَاب أَو الصلى وأوقعتمونا فِيهِ ودعوتمونا إِلَيْهِ بِمَا كُنْتُم تَقولُونَ لنا من أَن الْحق مَا أَنْتُم عَلَيْهِ وَأَن الْأَنْبِيَاء غير صَادِقين فِيمَا جَاءُوا بِهِ فبئس الْقَرار أى بئس الْمقر جَهَنَّم لنا وَلكم قَالُوا رَبنَا من قدم لنا هَذَا فزده عذَابا ضعفا فى النَّار وَقَالُوا مَا لنا لَا نرى

رجَالًا كُنَّا نعدهم من الأشرار أى الأراذل الَّذين لَا خير لَهُم وَلَا جدوى اتخذناهم سخريا فى الدُّنْيَا فأخطأنا أم زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار فَلم نعلم مكانهم إِن ذَلِك أى مَا تقدم من حِكَايَة حَالهم لحق وَاقع ثَابت فى الدَّار الْآخِرَة لَا يتَخَلَّف الْبَتَّةَ تخاصم أهل النَّار وَقَالَ تَعَالَى لَهُم من فَوْقهم ظلل من النَّار وَمن تَحْتهم ظلل أى أطباق من النَّار وفراش ومهاد وسرادفات وَقطع كبار من النَّار تتلهب عَلَيْهِم وَإِطْلَاق الظلل عَلَيْهَا تهكم وَإِلَّا فهى محرقة والظلة تقى من الْحر وَقَالَ تَعَالَى وَلَو أَن للَّذين ظلمُوا مَا فى الأَرْض جَمِيعًا وَمثله مَعَه لَا فتدوا بِهِ من سوء الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة وبدا لَهُم من الله مالم يَكُونُوا يحتسبون وبدا لَهُم سيئات مَا كسبوا وحاق بهم مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون وفى هَذَا وَعِيد لَهُم عَظِيم وتهديد بَالغ غَايَة لَا غَايَة وَرَاءَهَا قَالَ سُفْيَان الثورى ويل لأهل الرِّيَاء ويل لأهل الرِّيَاء ويل لأهل الرِّيَاء هَذِه آياتهم وقصتهم وَقَالَ تَعَالَى وَترى الَّذين كذبُوا على الله وُجُوههم مسودة أى لما أحَاط بهم من الْعَذَاب وَلما شهدوه من غضب الله ونقمته وَقَالَ تَعَالَى حَتَّى إِذا جاءوها فتحت أَبْوَابهَا أى أَبْوَاب النَّار ليدخلوها وهى سَبْعَة أَبْوَاب وَكَانَت قبل ذَلِك مغلقة وَقَالَ لَهُم خزنتها ألم يأتكم رسل مِنْكُم يَتلون عَلَيْكُم آيَات ربكُم وينذرونكم لِقَاء يومكم هَذَا قَالُوا بلَى وَلَكِن حقت كلمة الْعَذَاب على الْكَافرين قيل أى لَهُم ادخُلُوا أَبْوَاب جَهَنَّم خَالِدين فِيهَا فبئس مثوى المتكبرين جَهَنَّم وَاللَّام فِيهِ للْجِنْس وَقَالَ تَعَالَى النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدوا وعشيا أى صباحا وَمَسَاء وعرضهم عَلَيْهَا إحراقهم بهَا

عَن ابْن عمر رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أحدكُم إِذا مَاتَ عرض عَلَيْهِ معقدة بِالْغَدَاةِ والعشى إِن كَانَ من أهل الْجنَّة فَمن اهل الْجنَّة وَإِن كَانَ من أهل النَّار فَمن أهل النَّار يُقَال لَهُ هَذَا مَقْعَدك حَتَّى يَبْعَثك الله إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة أخرجه الشَّيْخَانِ وَغَيرهمَا وَزَاد ابْن مرْدَوَيْه ثمَّ قَرَأَ {النَّار} الْآيَة وَاحْتج بعض أهل الْعلم بِهَذِهِ الْآيَة على اثبات عَذَاب الْقَبْر أعاذنا الله تَعَالَى مِنْهُ بمنه وَكَرمه وَقَالَ القرظى إِن أَرْوَاحهم فى جَوف طير سود تَغْدُو على جَهَنَّم وَتَروح كل يَوْم مرَّتَيْنِ فَذَلِك عرضهَا وَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَن هَذَا الْعرض هُوَ البرزخ وَقَالَ تَعَالَى قَالَ الَّذين فى النَّار أى من الْأُمَم الْكَافِرَة مستكبرهم وضعيفهم جَمِيعًا {لخزنة جَهَنَّم} وهم القائمون بتعذيب أهل النَّار وَإِنَّمَا لم يقل لخزنتها لِأَن فى ذكر جَهَنَّم تهويلا وتفظيعا أَو لبَيَان محلهم فِيهَا فَإِن جَهَنَّم هى أبعد النَّار قعرا وفيهَا أَعْتَى الْكفَّار وأطغاهم فَلَعَلَّ الْمَلَائِكَة الموكلين بِعَذَاب أُولَئِكَ أجوب دَعْوَة لزِيَادَة قربهم من الله فَلهَذَا تعمدهم أهل النَّار لطلب الدعْوَة مِنْهُم ادعوا ربكُم يُخَفف عَنَّا يَوْمًا من الْعَذَاب قَالُوا أَو لم تَكُ تَأْتيكُمْ رسلكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بلَى قَالُوا فَادعوا وَمَا دُعَاء الْكَافرين إِلَّا فى ضلال أى فى ضيَاع وَبطلَان وخسارة وتبار وانعدام وَفِيه إقناط لَهُم عَن الْإِجَابَة وَقَالَ تَعَالَى {فَسَوف يعلمُونَ إِذْ الأغلال فِي أَعْنَاقهم والسلاسل يسْحَبُونَ فِي الْحَمِيم} قَالَ ابْن عَبَّاس فينسلخ كل شىء عَلَيْهِم من جلد وَلحم وعرق حَتَّى يصير فى عقبه حَتَّى إِن لَحْمه قدر طوله وَطوله سِتُّونَ ذِرَاعا ثمَّ يكسى جلدا آخر {ثمَّ فِي النَّار يسجرون}

عَن ابْن عَمْرو قَالَ تلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة فَقَالَ لَو أَن رصاصة مثل هَذِه وَأَشَارَ إِلَى جمجمة أرْسلت من السَّمَاء إِلَى الأَرْض وهى مسيرَة خَمْسمِائَة سنة لبلغت الأَرْض قبل اللَّيْل وَلَو أَنَّهَا ارسلت من رَأس السلسلة لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا اللَّيْل وَالنَّهَار قبل أَن يبلغ أَصْلهَا أَو قَالَ قعرها أخرجه أَحْمد والترمذى وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه والبيهقى فى الْبَعْث والنشور وَقَالَ تَعَالَى {وَيَوْم يحْشر أَعدَاء الله إِلَى النَّار فهم يُوزعُونَ} أى يحبس أَوَّلهمْ على آخِرهم ليتلاحقوا ويجتمعوا حَتَّى إِذا مَا جاءوها شهد عَلَيْهِم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بِمَا كَانُوا يعْملُونَ فى الدُّنْيَا من المعاصى وفى كَيْفيَّة هَذِه الشَّهَادَة ثَلَاثَة أَقْوَال أَولهَا إِن الله يخلق للفهم وَالْقُدْرَة والنطق فِيهَا فَتشهد كَمَا يشْهد الرجل على مَا يعرفهُ ثَانِيهَا أَنه تَعَالَى يخلق فِي تِلْكَ الْأَعْضَاء الْأَصْوَات والحروف الدَّالَّة على تِلْكَ الْمعَانى ثَالِثهَا أَن يظْهر فى تِلْكَ الْأَعْضَاء أَحْوَال تدل على صُدُور تِلْكَ الْأَعْمَال من ذَلِك الْإِنْسَان وَتلك الأمارات تسمى شَهَادَات {وَقَالُوا لجلودهم لم شهدتم علينا قَالُوا أنطقنا الله الَّذِي أنطق كل شَيْء وَهُوَ خَلقكُم أول مرّة وَإِلَيْهِ ترجعون وَمَا كُنْتُم تستترون أَن يشْهد عَلَيْكُم سمعكم وَلَا أبصاركم وَلَا جلودكم وَلَكِن ظننتم أَن الله لَا يعلم كثيرا مِمَّا تَعْمَلُونَ وذلكم ظنكم الَّذِي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين فَإِن يصبروا فَالنَّار مثوى لَهُم وَإِن يستعتبوا فَمَا هم من المعتبين} أى إِن يطلبوا الرِّضَا لم يَقع الرِّضَا عَنْهُم بل لَا بُد لَهُم النَّار وَتَمام الْكَلَام على هَذِه الْآيَة فى تفسيرنا فتح الْبَيَان

وَقَالَ تَعَالَى {فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير} عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفى يَده كِتَابَانِ فَقَالَ أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الكتابان قُلْنَا لَا إِلَّا أَن تخبرنا يَا رَسُول الله قَالَ للذى فى يَده الْيُمْنَى هَذَا كتاب من رب الْعَالمين بأسماء أهل الْجنَّة وَأَسْمَاء آبَائِهِم وقبائلهم ثمَّ أجل على آخِرهم فَلَا يُزَاد فيهم وَلَا ينقص مِنْهُم ثمَّ قَالَ للذى فى شِمَاله هَذَا كتاب من رب الْعَالمين بأسماء أهل النَّار وَأَسْمَاء آبَائِهِم وقبائلهم ثمَّ أجل آخِرهم فَلَا يُزَاد فيهم وَلَا ينقص مِنْهُم أبدا فَقَالَ أَصْحَابه فَفِيمَ الْعَمَل يَا رَسُول الله إِن كَانَ أَمر قد فرغ مِنْهُ فَقَالَ سددوا وقاربوا فَإِن صَاحب الْجنَّة يخْتم لَهُ بِعَمَل أهل الْجنَّة وَإِن عمل أى عمل وَإِن صَاحب النَّار يخْتم لَهُ بِعَمَل أهل النَّار وَإِن عمل أى عمل قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيدَيْهِ فنبذهما ثمَّ قَالَ فرغ ربكُم من الْعباد فريق فى الْجنَّة وفريق فى السعير أخرجه الترمذى وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب وَأحمد والنسائى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وروى بن جرير طرفا مِنْهُ مَوْقُوفا على ابْن عَمْرو قَالَ هَذَا الْمَوْقُوف أشبه بِالصَّوَابِ قَالَ الشوكانى بل الْمَرْفُوع أشبه بِهِ فقد رَفعه الثِّقَة وَرَفعه زِيَادَة ثَابِتَة من وَجه صَحِيح ويقوى الرّفْع مَا أخرجه بن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء قَالَ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفى يَده كتاب ينظر فِيهِ قَالُوا انْظُرُوا إِلَيْهِ كَيفَ وَهُوَ أمى لَا يقْرَأ قَالَ فَعلمه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هَذَا كتاب من رب الْعَالمين بأسماء أهل الْجنَّة وَأَسْمَاء قبائلهم لَا يُزَاد فيهم وَلَا ينقص مِنْهُم وَقَالَ {فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير} فرغ ربكُم من أَعمال الْعباد انْتهى قلت وَأَيْضًا لَا يُقَال مثل هَذَا من قبل الرأى

وَقَالَ تَعَالَى {إِن الْمُجْرمين فِي عَذَاب جَهَنَّم خَالدُونَ لَا يفتر عَنْهُم وهم فِيهِ مبلسون} أى آيسون من النجا وَقيل ساكتون سكُوت يأس قَالَ تَعَالَى {وَنَادَوْا يَا مَالك ليَقْضِ علينا رَبك} أى بِالْمَوْتِ قَالَ انكم مَا كثون أى مقيمون فى الْعَذَاب هَانَتْ وَالله دعوتهم على مَالك وَرب مَالك قَالَ الخازن سكت عَن إجابتهم أَرْبَعِينَ سنة انْتهى وَالسّنة ثلثمِائة وَسِتُّونَ يَوْمًا وَالْيَوْم كألف سنة مِمَّا تَعدونَ قَالَه القرطبى وَقيل ثَمَانِينَ سنة وَقيل مائَة سنة وَقَالَ ابْن عَبَّاس يمْكث عَنْهُم ألف سنة وَقَالَ تَعَالَى {إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم كَالْمهْلِ يغلي فِي الْبُطُون كغلي الْحَمِيم خذوه فاعتلوه إِلَى سَوَاء الْجَحِيم ثمَّ صبوا فَوق رَأسه من عَذَاب الْحَمِيم ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم} تقدم تَفْسِير مثل هَذِه الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى {ويل لكل أفاك أثيم} الاثم أى لكل كَذَّاب كثير مرتكب لما يُوجِبهُ وويل وَاد فى جَهَنَّم أَو كلمة عَذَاب وَقَالَ تَعَالَى {وَيَوْم يعرض الَّذين كفرُوا على النَّار أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بهَا فاليوم تُجْزونَ عَذَاب الْهون بِمَا كُنْتُم تستكبرون فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق وَبِمَا كُنْتُم تفسقون} عرض الشَّخْص على النَّار أَشد فى اهانته من عرض النَّار عَلَيْهِ إِذْ عرضه عَلَيْهَا يُفِيد أَنه كالحطب الْمَخْلُوق للاحتراق وَقيل فى الْكَلَام قلب أَن تعرض النَّار عَلَيْهِم وَمعنى يعرض يعذب والهون مَا فِيهِ ذل وخزى وَمَا أخوف هَذِه الْآيَة فى شَأْن المترفين المتكبرين عَن عبَادَة الله الخارجين عَن طَاعَته بِفعل السَّيِّئَات والمعاصى والمستمتعين باللذات الفانية من المناكح والملابس والمراكب والمساكن النفيسة وَقَالَ تَعَالَى {وَيَوْم يعرض الَّذين كفرُوا على النَّار أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ}

قَالُوا بلَى وربنا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُم تكفرون وَالْإِشَارَة بِهَذَا إِلَى مَا هُوَ مشَاهد لَهُم يَوْم عرضهمْ على النَّار وفى الِاكْتِفَاء بِمُجَرَّد الْإِشَارَة من التهويل من الْمشَار إِلَيْهِ والتفخيم لشأنه مَالا يخفى كَأَنَّهُ امْر لَا يُمكن التَّعْبِير عَنهُ بِلَفْظ يدل عَلَيْهِ وَقَالَ تَعَالَى {وَسقوا مَاء حميما فَقطع أمعاءهم} أى مصارينهم فَخرجت من أدبارهم لفرط حرارته وَقَالَ تَعَالَى {الظانين بِاللَّه ظن السوء عَلَيْهِم دَائِرَة السوء وَغَضب الله عَلَيْهِم ولعنهم وَأعد لَهُم جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا} وَهَذَا إِخْبَار عَن وُقُوع السوء بهم على ظنهم أَن كلمة الْكفْر تعلو كلمة الْإِسْلَام وَقَالَ تَعَالَى {ألقيا فِي جَهَنَّم كل كفار عنيد مناع للخير مُعْتَد مريب الَّذِي جعل مَعَ الله إِلَهًا آخر فألقياه فِي الْعَذَاب الشَّديد قَالَ قرينه رَبنَا مَا أطغيته وَلَكِن كَانَ فِي ضلال بعيد قَالَ لَا تختصموا لدي وَقد قدمت إِلَيْكُم بالوعيد مَا يُبدل القَوْل لدي وَمَا أَنا بظلام للعبيد} الْخطاب للسائق والشهيد أَو للملكين من خَزَنَة النَّار أَو الْوَاحِد على تَنْزِيل تَثْنِيَة الْفَاعِل منزلَة تَثْنِيَة الْفِعْل وتكريره وَالْمعْنَى كفار للنعم مُجَانب للايمان معاد لأَهله وَلَا يبْذل خيرا وَلَا يُؤدى زَكَاة مَفْرُوضَة أَو كل حق وَجب عَلَيْهِ فى مَاله ظَالِم لَا يقر بتوحيد الله شَاك فِي الْحق وفيهَا نهى عَن الاختصام فى مَوَاقِف الْحساب وَنفى الظُّلم عَن الله تَعَالَى على الْعباد وَلَا مَفْهُوم لقَوْله ظلام وَقَالَ تَعَالَى {يَوْم نقُول لِجَهَنَّم هَل امْتَلَأت وَتقول هَل من مزِيد} جعله الزمخشرى وَمن تبعه من بَاب الْمجَاز وَهُوَ مَرْدُود لما ورد تَحَاجَّتْ النَّار وَالْجنَّة واشتكت إِلَى رَبهَا قَالَ النسفى هَذَا على تَحْقِيق القَوْل من جَهَنَّم وَعَن أنس رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تزَال جَهَنَّم

تلقى فِيهَا وَتقول هَل من مزِيد حَتَّى يضع رب الْعِزَّة فِيهَا قدمه فينزوى بَعْضهَا إِلَى بعض وَتقول قطّ قطّ وَعزَّتك وكرمك وَلَا يزَال فى الْجنَّة فضل حَتَّى ينشىء الله لَهَا خلقا آخر فيسكنهم فى فضول الْجنَّة أخرجه الشَّيْخَانِ وَهَذَا لفظ مُسلم وَأَخْرَجَا من حَدِيث أَبى هُرَيْرَة نَحوه وَفِيه فَأَما النَّار فَلَا تمتلىء حَتَّى يضع الله عَلَيْهَا وَرجله وَيَقُول لَهَا قطّ قظ وفى الْبَاب أَحَادِيث وَمذهب جُمْهُور السّلف الْإِيمَان بالقدم وَالرجل من غير تَأْوِيل وَلَا تَعْطِيل وَلَا تكييف وَلَا تَحْرِيف وَلَا تَمْثِيل وإمرارها على ظَاهرهَا وَهَذَا هُوَ الْحق الذى لَا محيد عَنهُ قَالَ تَعَالَى {يَوْم هم على النَّار يفتنون} أى يحرقون ويعذبون فِيهَا وأصل الْفِتْنَة إذابة الْجَوْهَر ليظْهر غشه ثمَّ اسْتعْمل فى التعذيب والاحراق وَقَالَ تَعَالَى {إِن الْمُجْرمين فِي ضلال وسعر يَوْم يسْحَبُونَ فِي النَّار على وُجُوههم ذوقوا مس سقر} أى فى ذهَاب عَن الْحق وَبعد عَنهُ وفى نَار تسعر عَلَيْهِم وسقر علم لِجَهَنَّم غير منصرف ومسها مقاساة حرهَا وَشدَّة عَذَابهَا وَقَالَ تَعَالَى {يعرف المجرمون بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذ بالنواصي والأقدام} الْمَعْنى أَنَّهَا تجْعَل الاقدام مَضْمُومَة إِلَى النواصى وتلقيهم الْمَلَائِكَة فى النَّار قَالَ الضَّحَّاك يجمع بَين ناصيته وَقدمه فى سلسلة من وَرَاء ظَهره وَقيل تسحبهم الْمَلَائِكَة تَارَة إِلَى النَّار بِأخذ النواصى وَتارَة تجرهم على الْوُجُوه وَتارَة بِأخذ أَقْدَامهم وَتارَة تجرهم على رُؤْسهمْ قَالَ ابْن عَبَّاس تَأْخُذ الزَّبَانِيَة بناصيته وقدميه وَيجمع فيكسر كَمَا يكسر الْحَطب فى التَّنور وَقَالَ تَعَالَى {يطوفون بَينهَا} أى بَين جَهَنَّم فتحرقهم {وَبَين حميم آن} أى فَيُصِيب وُجُوههم فيحرقون والآن الذى قد انْتهى حره وَبلغ غَايَته وَقيل هُوَ وَاد من أَوديَة جَهَنَّم يجمع فِيهِ صديد أهل النَّار فيغمسون فِيهِ بأغلالهم حَتَّى تنخلع

أوصالهم قَالَ قَتَادَة يطوفون أى يَتَرَدَّدُونَ ويسعون مرّة فى الْحَمِيم وَمرَّة فى الْحَمِيم وَمرَّة بَين الْجَحِيم وَقَالَ تَعَالَى وَأَصْحَاب الشمَال فى سموم مَا أَصْحَاب الشمَال وحميم وظل من يحموم وَلَا بَارِد وَلَا كريم إِنَّهُم كَانُوا قبل ذَلِك مترفين السمُوم حر النَّار وَتقدم تَفْسِير الْحَمِيم مرَارًا واليحموم الشَّديد السوَاد وَالْمعْنَى أَنهم يفزعون إِلَى الظل فيجدونه ظلا من دُخان جَهَنَّم شَدِيد السوَاد قَالَ الضَّحَّاك النَّار سَوْدَاء وَأَهْلهَا سود كل مَا فِيهَا أسود قَالَ ابْن عَبَّاس يحموم دُخان أسود وفى لفظ دُخان جَهَنَّم وَقيل وَاد فى جَهَنَّم وَقيل اسْم من أسمائها وَالْأول أظهر والنعتان لقَوْله ظلّ لَا ليحموم وَهَذَا الظل أشجى لحلوقهم وَأَشد لتحسرهم وفى الْأُمُور الثَّلَاثَة إِشَارَة إِلَى كَونهم فى الْعَذَاب دَائِما وفيهَا ذمّ الترفه لِأَنَّهُ مَنعهم من الانزجار وشغلهم عَن الِاعْتِبَار وَقَالَ تَعَالَى {ثمَّ إِنَّكُم أَيهَا الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون مِنْهَا الْبُطُون فشاربون عَلَيْهِ من الْحَمِيم فشاربون شرب الهيم هَذَا نزلهم يَوْم الدّين} وَتقدم تَفْسِير هَذِه الْآيَة والهيم الْإِبِل العطاش الَّتِى لَا تروى لداء يُصِيبهَا وفى الصِّحَاح الهيام أَشد الْعَطش والنزل الرزق والغذاء وفى هَذَا تهكم بهم لِأَن النزل هُوَ مَا يعد للاضياف تكرمة لَهُم وَمثل هَذَا قَوْله تَعَالَى {فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم} وَقَالَ تَعَالَى {وَأما إِن كَانَ من المكذبين الضَّالّين فَنزل من حميم وتصلية جحيم إِن هَذَا لَهو حق الْيَقِين} أى مَحْضَة وخالصة وَالْمعْنَى وَاضح وَقَالَ تَعَالَى {لَا يَسْتَوِي أَصْحَاب النَّار وَأَصْحَاب الْجنَّة} أى فى الْفضل والرتبة {أَصْحَاب الْجنَّة هم الفائزون} أى الظافرون بِكُل مَطْلُوب الناجون من كل مَكْرُوه وَهَذَا تَنْبِيه للنَّاس وإيذان بِأَنَّهُم لفرط غفلتهم وَقلة فكرهم

فى الْعَاقِبَة وتهالكهم فى إِيثَار العاجلة وَاتِّبَاع الشَّهَوَات كَأَنَّهُمْ لَا يعْرفُونَ الْفرق بَين الْجنَّة وَالنَّار والبون الْعَظِيم بَين أصحابهما وَأَن الْفَوْز الْعَظِيم مَعَ أَصْحَاب الْجنَّة وَالْعَذَاب الدَّائِم الْأَلِيم مَعَ أَصْحَاب النَّار فَمن حَقهم أَن يعملوا ذَلِك وينبهوا عَلَيْهِ وَقَالَ تَعَالَى إِذا ألقوا فِيهَا سمعُوا لَهَا شهيقا وهى تَفُور تكَاد تميز من الغيظ كلما ألْقى فِيهَا فَوْج سَأَلَهُمْ خزنتها ألم يأتكم نَذِير قَالُوا بلَى قد جَاءَنَا نَذِير فكذبنا وَقُلْنَا مَا نزل الله من شىء إِن أَنْتُم إِلَّا فى ضلال كَبِير وَقَالُوا لَو كُنَّا نسْمع أَو نعقل مَا كُنَّا فى أَصْحَاب السعير فَاعْتَرفُوا بذنبهم فسحقا لأَصْحَاب السعير الْمَعْنى إِذا طرحوا طرح الْحَطب فى النَّار سمعُوا لَهَا صَوتا مبكرا كصوت الْحمير عِنْد أول نهيقها وهى تغلى غليان الْمرجل بِمَا فِيهِ تكَاد تتقطع من الغيظ على الْكفَّار وَكلما ألْقى فى جَهَنَّم جمَاعَة مِنْهُم سَأَلَهُمْ مَلَائِكَة النَّار عَمَّا ذكر فى الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى خذوه فغلوه ثمَّ الْجَحِيم صلوه ثمَّ فى سلسلة ذرعها سَبْعُونَ ذِرَاعا فاسلكوه إِنَّه كَانَ لَا يُؤمن بِاللَّه الْعَظِيم وَلَا يحض على طَعَام الْمِسْكِين فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْم هَهُنَا حميم وَلَا طَعَام إِلَّا من غسلين لَا يَأْكُلهُ إِلَّا الخاطئون قَالَ الْمُفَسِّرُونَ السلسلة حلق منتظمة كل حَلقَة مِنْهَا فى حَلقَة وَالله أعلم بأى ذِرَاع هى وَقيل بِذِرَاع الْملك قَالَ نوف الشامى كل ذِرَاع سَبْعُونَ باعا كل بَاعَ أبعد مَا بَيْنك وَبَين مَكَّة وَكَانَ نوف فى رحب الْكُوفَة قَالَ مقَاتل لَو أَن حَلقَة مِنْهَا وضعت على ذرْوَة جبل لذاب كَمَا يذوب الرصاص وَقَالَ ابْن جريج لَا يعرف قدرهَا إِلَّا الله وَهَذَا الْعدَد حَقِيقَة أَو مُبَالغَة قَالَ سُفْيَان بلغنَا أَنَّهَا تدخل فى دبره حَتَّى تخرج من فِيهِ وَقَالَ سُوَيْد بن أَبى نجيح بلغنى أَن جَمِيع أهل النَّار فى تِلْكَ السلسلة والغسلين

صديد أهل النَّار وَمَا ينغسل من أبدانهم من الْقَيْح والصديد وَقَالَ أهل اللُّغَة هُوَ مَا يجْرِي من الْجراح إِذا مَا غسلت وَقَالَ الضَّحَّاك وَالربيع بن أنس هُوَ شجر يَأْكُلهُ أهل النَّار وَقَالَ قَتَادَة هُوَ شَرّ الطَّعَام وَقَالَ ابْن زيد لَا يعلم مَا هُوَ وَلَا مَا الزقوم إِلَّا الله تَعَالَى وَقَالَ ابْن عَبَّاس الغسلين الدَّم وَالْمَاء والصديد الَّذِي يسيل من لحومهم وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن ص قَالَ لَو أَن دلوا من غسلين يهراق فِي الدُّنْيَا لأنتن أهل الدُّنْيَا اخرجه الْحَاكِم وَصَححهُ وَعَن ابْن عَبَّاس أَيْضا الغسلين اسْم طَعَام من أَطْعِمَة أهل النَّار والتوفيق بَين مَا هُنَا وَبَين قَوْله إِلَّا من ضَرِيع وَقَوله الزقوم وَقَوله مَا يَأْكُلُون فِي بطونهم إِلَّا النَّار أَنه يجوز أَن يكونه طعامهم جَمِيع ذَلِك أَو أَن الْعَذَاب أَنْوَاع المعذبونطبقات فَمنهمْ أكله الغسلين وَمِنْهُم أَكلَة الضريع وَمِنْهُم أَكلَة الزقومومنهم أَكلَة النَّار لكل مِنْهُم جُزْء مقسوم وَقَالَ تَعَالَى يود المجرم لَو يفتدي من عَذَاب يَوْم إِذْ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته الَّتِى تؤيه وَمن فِي الأَرْض جَمِيعًا ثمَّ ينجيه كلا إِنَّهَا لظي نزاعة للشوي تَدْعُو من أدبر وَتَوَلَّى وَجمع فأوعى لظي علم جَهَنَّم وَهُوَ التلهب وَقيل هِيَ الدركة الثَّانِيَة من طباق جَهَنَّم والشوى الْأَطْرَاف وجلدة الرَّأْس وَمَكَارِم الْوَجْه وَحسنه قَالَ قَتَادَة تبرى اللَّحْم وَالْجَلد عَن الْعظم حَتَّى لَا تتْرك فِيهِ شَيْئا وَقَالَ الْكسَائي هِيَ المفاصل وَقَالَ أَبُو صَالح هِيَ أَطْرَاف الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ وقالابن عَبَّاس تنْزع أم الرَّأْس وَفِي هَذَا ذمّ لمن أدبر عَن الْحق وَأعْرض عَنهُ وَجمع المَال فأوعاه وكثره وَلم يُنْفِقهُ فِي سَبِيل الْخَيْر وَلم يؤد زَكَاته

وَقَالَ تَعَالَى ان لدينا انكالا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّة وَعَذَابًا أَلِيمًا جمع نكل وَهُوَ الْقَيْد وَقيل الغل من الْحَدِيد وَالْأول أعرف فى اللُّغَة قَالَ مقَاتل هى أَنْوَاع الْعَذَاب الشَّديد وَطَعَام لَا يسوغ فى الْحلق بل ينشب فِيهِ فَلَا ينزل وَلَا يخرج قيل هُوَ الزقوم وَقيل الضريع وَقيل شوك العوسج والغصة الشنجى فى الْحلق وَقَالَ تَعَالَى سأصليه سقر وَمَا أَدْرَاك مَا سقر لَا تبقى وَلَا تذر لواحة للبشر عَلَيْهَا تِسْعَة عشر وَمَا جعلنَا أَصْحَاب النَّار إِلَّا مَلَائِكَة وَمَا جعلنَا عدتهمْ إِلَّا فتْنَة للَّذين كفرُوا السقر النَّار أَو من أسمائها أَو دركة مِنْهَا لَا تبقى لَهُم لَحْمًا وَلَا تذر لَهُم عظما أَو لَا تبقى من فِيهَا حَيا وَلَا تذره مَيتا تظهر لَهُم وتلوح حَتَّى يروها عيَانًا كَقَوْلِه وبرزت الْجَحِيم لمن يرى وَقيل لواحة مُغيرَة لَهُم ومسودة وَهَذَا أرجح من الأول وَإِلَيْهِ ذهب جُمْهُور الْمُفَسّرين وَقيل معطشة وَقَالَ ابْن عَبَّاس تلوح الْجلد فتحرقه وَتغَير لَونه فَيصير أسود من اللَّيْل وَعنهُ محوقة وَالْمرَاد بالبشر إِمَّا جلدَة الْإِنْسَان الظَّاهِرَة كَمَا قَالَه الْأَكْثَر أَو المُرَاد بِهِ أهل النَّار من الْإِنْس كَمَا قَالَ الْأَخْفَش وعَلى النَّار تِسْعَة عشر من الْمَلَائِكَة خزنتها أَو من أَصْنَاف الْمَلَائِكَة أَو من صفوفهم وَقيل تِسْعَة عشر نَقِيبًا مَعَ كل نقيب جمَاعَة من الْمَلَائِكَة وَالْأول أولى قَالَ الرازى وَتَخْصِيص هَذَا الْعدَد لحكمة اخْتصَّ الله بهَا وَقَالَ تَعَالَى مَا سلككم فى سقر قَالُوا لم نك من الْمُصَلِّين وَلم نك نطعم الْمِسْكِين وَكُنَّا نَخُوض مَعَ الخائضين وَكُنَّا نكذب بِيَوْم الدّين حَتَّى أَتَانَا الْيَقِين وَالصَّحِيح أَن هَذِه الْآيَة فى الْكفَّار قَالَه سُلَيْمَان الْجمل

وَقَالَ تَعَالَى إِنَّا اعتدنا للْكَافِرِينَ سلاسل وأغلالا وسعيرا تقدم تَفْسِير هَذِه الامور الثَّلَاثَة وَعَن يعلى بن مُنَبّه وهى أمة وَأَبوهُ أُميَّة رفع الحَدِيث إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينشىء الله سَحَابَة لأهل النَّار سَوْدَاء مظْلمَة فَيُقَال يَا أهل النَّار أى شىء تطلبون فَيذكرُونَ بهَا سَحَابَة الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ رَبنَا الشَّرَاب فتمطرهم أغلالا يزِيد فى أغلالهم وسلاسل فى سلاسلهم وجمرا تلهب عَلَيْهِم رَوَاهُ الطبرانى فى الْأَوْسَط قَالَ فى مجمع الزَّوَائِد وَفِيه وَمن فِيهِ ضعف قَلِيل وَمن لم أعرفهُ وَقَالَ تَعَالَى انْطَلقُوا إِلَى ظلّ ذى ثَلَاث شعب لَا ظَلِيل وَلَا يغنى من من اللهب إِنَّهَا ترمى بشرر كالقصر كَأَنَّهُ جمالة صفر ويل يَوْمئِذٍ للمكذبين هَذَا يَوْم لَا ينطقون وَلَا يُؤذن لَهُم فيعتذرون أى يَقُول لَهُم خَزَنَة جَهَنَّم انْطَلقُوا إِلَى ظلّ من دُخان جَهَنَّم قد سَطَعَ ثمَّ افترق ثَلَاث فرق يكونُونَ فِيهِ حَتَّى يفرغ من الْحساب وَهَذَا شَأْن الدُّخان الْعَظِيم إِذا ارْتَفع تشعب شعبًا وَقيل المُرَاد بالظل هُنَا السرادق وَهُوَ لِسَان من النَّار تحيط بهم وَهُوَ الظل من يحموم وَقيل إِن الشّعب الثَّلَاث هى الضريع والزقوم والغسلين لِأَنَّهَا أَوْصَاف النَّار وكل شررة مِنْهَا كالقصر فى عظمها ثمَّ شبه الشرر بِاعْتِبَار لَونه بالجمال أَو الْجبَال قَالَ ابْن مَسْعُود لَيست كالشجر وَالْجِبَال وَلكنهَا مثل الْمَدَائِن والحصون وَقَالَ تَعَالَى إِن جَهَنَّم كَانَت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فِيهَا أحقابا لَا يذوقون فِيهَا بردا وَلَا شرابًا إِلَّا حميما وغساقا جَزَاء وفَاقا أى جَهَنَّم مَوضِع رصد يرصد فِيهِ خَزَنَة النَّار الْكفَّار ليعذبوهم فِيهَا أَو هى فى نَفسهَا متطلعة لما يأتى إِلَيْهَا من الْكفَّار والأحقاب الدهور جمع حقب قَالَ الواحدى قَالَ الْمُفَسِّرُونَ إِنَّه بضع وَثَمَانُونَ سنة السّنة ثلثمِائة وَسِتُّونَ يَوْمًا

الْيَوْم ألف سنة من أَيَّام الدُّنْيَا وروى مَرْفُوعا من حَدِيث أَبى هُرَيْرَة عِنْد الطبرانى وَغَيره وَسَنَده ضَعِيف قَالَه السيوطى وفى الْبَاب أَحَادِيث ذَكرنَاهَا فى فتح الْبَيَان وَالْمَقْصُود بِالْآيَةِ التَّأْبِيد لَا التَّأْبِيد قَالَ الْحسن وَالله مَا هى إِلَّا أَنه إِذا مضى حقب دخل آخر كَذَلِك إِلَى الْأَبَد وَقَالَ تَعَالَى فَأَما من طَغى وآثر الْحَيَاة الدُّنْيَا فَإِن الْجَحِيم هى المأوى أى أَنَّهَا منزله الذى ينزله لَا غَيرهَا وَقَالَ تَعَالَى وَأما من أُوتى كِتَابه وَرَاء ظَهره فَسَوف يَدْعُو ثبورا وَيصلى سعيرا أى يُنَادى هَلَاكه وَيدخل النَّار ويقاسى حرهَا وشدتها وَقَالَ تَعَالَى {تصلى نَارا حامية} أى متناهية فى الْحر {تسقى من عين آنِية} الَّتِى انْتهى حرهَا {لَيْسَ لَهُم طَعَام إِلَّا من ضَرِيع} وَهُوَ نوع من الشوك لَا ترعاه دَابَّة لخبثه يُقَال لَهُ الشبرق فى لِسَان قُرَيْش إِذا كَانَ رطبا فَإِذا يبس فَهُوَ الضريع قيل وهم سم قَاتل وَقيل هُوَ الْحِجَارَة وَقيل الشَّجَرَة فى نَار جَهَنَّم وَقَالَ ابْن كيسَان هُوَ طَعَام يضرعون عِنْده ويذلون وَقيل هُوَ الزقوم وَقيل وَاد فى جَهَنَّم وَقَالَ الْحسن هُوَ بعض مَا أخفاه الله من الْعَذَاب {لَا يسمن وَلَا يُغني من جوع} أى كِلَاهُمَا منفيان عَنهُ وَقَالَ تَعَالَى {ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين} قَالَ مُجَاهِد وَأَبُو الْعَالِيَة وَالْحسن الْمَعْنى ثمَّ رددنا الْكَافِر وَذَلِكَ أَن النَّار دَرَجَات بَعْضهَا أَسْفَل من بعض فالكافر يرد إِلَى أَسْفَل الدَّرَجَات السافلة وَلَا ينافى هَذَا قَوْله تَعَالَى {إِن الْمُنَافِقين فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار} فَلَا مَانع من كَون الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ مُجْتَمعين فى ذَلِك الدَّرك الْأَسْفَل وَقَالَ تَعَالَى {إِن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين فِي نَار جَهَنَّم}

{خَالِدين فِيهَا أُولَئِكَ هم شَرّ الْبَريَّة} وَظَاهر الْآيَة الْعُمُوم وَقيل هم الَّذين عاصروا الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْأول أولى وَشر أفعل تَفْضِيل وفى هَذَا تَنْبِيه على أَن وَعِيد عُلَمَاء السوء أعظم من وَعِيد كل أحد وَقَالَ تَعَالَى وَأما من خفت مَوَازِينه فأمه هاوية وَمَا أَدْرَاك مَاهِيَّة نَار حامية اى فمسكنه جَهَنَّم وسماها أمه لِأَنَّهُ يأوى إِلَيْهَا كَمَا يأوى إِلَى أمه والهاوية من أَسمَاء جَهَنَّم وَسميت بهَا لِأَنَّهُ يهوى فِيهَا مَعَ بعد قعرها عَن أنس رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مَاتَ الْمُؤمن تَلَقَّتْهُ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ يسألونه مَا فعل فلَان مَا فعلت فُلَانَة فَإِذا كَانَ مَاتَ وَلم يَأْتهمْ قَالُوا خُولِفَ بِهِ إِلَى أمه الهاوية فبئست الْأُم وبئست المربية أخرجه ابْن مرْدَوَيْه وَأخرج من حَدِيث أَبى أَيُّوب الانصارى نَحوه أَيْضا وَابْن الْمُبَارك من حَدِيثه نَحوه أَيْضا وَقَالَ تَعَالَى {ثمَّ لترونها عين الْيَقِين} وهى الْمُشَاهدَة والمعاينة قيل هُوَ إِخْبَار عَن دوَام بقائهم فى النَّار أى هى رُؤْيَة دائمة مُتَّصِلَة وَقيل الْمَعْنى لَو تعلمُونَ الْيَوْم علم الْيَقِين وَأَنْتُم فى الدُّنْيَا لترون الْجَحِيم بعيون قُلُوبكُمْ وَهُوَ أَن تتصوروا أَمر الْقِيَامَة وأهوالها وَقَالَ تَعَالَى كلا لينبذن فى الحطمة وَمَا أَدْرَاك مَا الحطمة نَار الله الموقده الَّتِى تطلع على الأفئدة إِنَّهَا عَلَيْهِم موصده فى عمد ممدة وَالْمعْنَى ليطرحن فى النَّار وليلقين فِيهَا وَسميت حطمة لِأَنَّهَا تحطم كل مَا يلقى فِيهَا وتهشمه قيل هى الطَّبَقَة السَّادِسَة من طَبَقَات جَهَنَّم وَقيل الطَّبَقَة الثَّانِيَة وَقيل الرَّابِعَة وَهَذِه النَّار يخلص حرهَا إِلَى الْقُلُوب فيعلوها ويغشاها وَخص الأفئدة مَعَ كَونهَا تغش جَمِيع أبدانهم لِأَنَّهَا مَحل العقائد الزائغة أَو لكَونه إِذا وصل اليها مَاتَ صَاحبهَا أى أَنهم فى حَال من يَمُوت وهم لَا يموتون وَقيل الْمَعْنى أَنَّهَا تعلم بِمِقْدَار مَا يسْتَحقّهُ

كل وَاحِد من الْعَذَاب وَذَلِكَ بأمارات عرفهَا الله بهَا وَأَنَّهَا عَلَيْهِم مطبقة مغلقة وهم موثوقون فى عمد ممددة قَالَ مقَاتل أطبقت الْأَبْوَاب عَلَيْهِم ثمَّ شدت بِأَوْتَادٍ من حَدِيد فَلَا يفتح عَلَيْهِم بَاب وَلَا يدْخل عَلَيْهِم روح وَمعنى ممددة مُطَوَّلَة وَقيل الْعمد أغلال فى جَهَنَّم وَقيل قيود وَقَالَ تَعَالَى {تبت يدا أبي لَهب وَتب مَا أغْنى عَنهُ مَاله وَمَا كسب سيصلى نَارا ذَات لَهب} أى سيصلى هُوَ بِنَفسِهِ نَارا ذَات اشتعال وتوقد وهى نَار جَهَنَّم أجارنا الله مِنْهَا برحمته وَكَرمه إِنَّه على مَا يَشَاء قدير وبالاجابة جدير وَهَذَا آخر الْآيَات الكريمات الْوَارِدَة فى أَحْوَال جَهَنَّم وأهوال النَّار وَذكر أَصْحَابهَا وَبقيت آيَات مكررة جَاءَت فى ذَلِك وَلَا حَاجَة تدعوا إِلَى إيرادها فى هَذَا الْكتاب المبنى على الِاخْتِصَار قَالَ القرطبى فى التَّذْكِرَة أَبْوَاب جَهَنَّم وَمَا جَاءَ فِيهَا وفى أهوالها وأسمائها انْتهى ثمَّ ذكر ذَلِك فى أَبْوَاب مُتَفَرِّقَة وأتى بِأَحَادِيث وآثار وَردت فى هَذِه الْأَبْوَاب فها أَنا أحذو حذوه فى تَحْرِير ذَلِك مَعَ زِيَادَة على مَا ذكره وَحذف لما تكَرر وَتقدم فى بابى الْآيَات مَعَ الْإِشَارَة إِلَيْهِ لِئَلَّا يطول ذيل الْكَلَام وَبِاللَّهِ الِاعْتِصَام

باب ما جاء فى أن النار لما خلقت فزعت منها الملائكة حتى طارت أفئدتها

بَاب مَا جَاءَ فى أَن النَّار لما خلقت فزعت مِنْهَا الْمَلَائِكَة حَتَّى طارت أفئدتها عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر قَالَ لما خلقت النَّار فزعت الْمَلَائِكَة وطارت أفئدتها فَلَمَّا خلق آدم سكن ذَلِك عَنْهُم وَذهب مَا كَانُوا يَجدونَ أخرجه ابْن الْمُبَارك وَقَالَ مَيْمُون بن مهْرَان لما خلق الله جَهَنَّم أمرهَا فزفرت زفرَة لم يبْق فى السَّمَوَات السَّبع ملك إِلَّا خر على وَجهه فَقَالَ لَهُم الْجَبَّار جلّ جَلَاله ارْفَعُوا رؤوسكم أما علمْتُم أَنى خلقتكم لطاعتى وعبادتى وخلقت جَهَنَّم لأهل معصيتى من خلقى فَقَالُوا رَبنَا لَا نأمنها حَتَّى نرى أَهلهَا فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {وهم من خَشيته مشفقون} فَالنَّار عَذَاب الله فَلَا ينبغى لأحد أَن يعذب بهَا وَقد جَاءَ النهى عَن ذَلِك فَقَالَ لَا تعذبوا بِعَذَاب الله وَعَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَنْذَرْتُكُمْ النَّار أَنْذَرْتُكُمْ النَّار فَمَا زَالَ يَقُولهَا حَتَّى لَو كَانَ فى مقامى هَذَا سَمعه أهل السُّوق وَحَتَّى سَقَطت خميصة كَانَت عَلَيْهِ عِنْد رجلَيْهِ رَوَاهُ الدارمى وَعَن يزِيد بن سُورَة قَالَ رَأَيْت عبَادَة بن الصَّامِت وَهُوَ على حَائِط الْمَسْجِد المشرف على وادى جَهَنَّم وَاضِعا صَدره عَلَيْهِ وَهُوَ يبكى فَقلت أَبَا الْوَلِيد مَا يبكيك قَالَ هَذَا الْمَكَان الذى أخبرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه رأى فِيهِ جَهَنَّم رَوَاهُ الطبرانى قَالَ فى مجمع الزَّوَائِد وَيزِيد لم أعرفهُ وَفِيه ضعفاء قد وثقوا

وَعَن عمر أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام جَاءَ إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَزينًا لَا يرفع رَأسه فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مالى أَرَاك يَا جِبْرِيل حَزينًا قَالَ إنى رَأَيْت لفحة من جَهَنَّم فَلم ترجع إِلَى روحى بعد رَوَاهُ الطبرانى فى الْأَوْسَط وَفِيه على بن خلف وَهُوَ ضَعِيف وَعَن عمر بن الْخطاب قَالَ جَاءَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى حِين غير حِينه الذى كَانَ يَأْتِيهِ فِيهِ فَقَامَ إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا جِبْرِيل مَالِي أَرَاك متغير اللَّوْن فَقَالَ مَا جئْتُك حَتَّى أَمر الله عز وَجل بمفاتيح النَّار فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا جِبْرِيل صف لى النَّار وانعت لى جَهَنَّم فَقَالَ جِبْرِيل إِن الله تبَارك وَتَعَالَى أَمر بجهنم فَأوقد عَلَيْهَا حَتَّى اسودت فهى سَوْدَاء مظْلمَة لَا تضىء شررها وَلَا يطفى لهيبها والذى بَعثك بِالْحَقِّ لَو أَن قدر ثقب ابرة فتح من جَهَنَّم لمات من فى الأَرْض كلهم جَمِيعًا من حره والذى بَعثك بِالْحَقِّ لَو أَن خَازِنًا من خَزَنَة جَهَنَّم برز إِلَى أهل الدُّنْيَا فنظروا إليهلمات من فى الأَرْض كلهم من قبح وَجهه وَمن نَتن رِيحه والذى بَعثك بِالْحَقِّ لَو أَن حَلقَة من حلق سلسلة أهل النَّار الَّتِى نعت الله فى كِتَابه وضعت على جبال الدُّنْيَا لارفضت وَمَا تقارت حَتَّى تنتهى إِلَى الأَرْض السلفى فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حسبى يَا جِبْرِيل لَا يتصدع قلبى فأموت قَالَ فَنظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جِبْرِيل وَهُوَ يبكى فَقَالَ تبكى يَا جِبْرِيل وَأَنت من الله بِالْمَكَانِ الذى أَنْت فِيهِ فَقَالَ ومالى لَا أبكى وَأَنا أَحَق بالبكا لعلى أكون فى علم الله على غير الْحَال الَّتِى أَنا عَلَيْهَا وَمَا أدرى لعلى

أبتلى بِمَا ابتلى بِهِ إِبْلِيس فقد كَانَ من الْمَلَائِكَة وَمَا أدرى لعلى أبتلى بِمَا ابتلى بِهِ هاروت وماروت قَالَ فَبكى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبكى جِبْرِيل فَمَا زَالا يَبْكِيَانِ حَتَّى نودى أَن يَا جِبْرِيل وَيَا مُحَمَّد إِن الله عز وَجل قد أمنكما تعصياه فارتفع جِبْرِيل وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمر بِقوم من الْأَنْصَار يَضْحَكُونَ ويلعبون فَقَالَ اتضحكون ووراءكم جَهَنَّم فَلَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا وَلما استغتم الطَّعَام وَالشرَاب ولخرجتم إِلَى الصعدات تجأرون إِلَى الله عز وَجل فنودى يَا مُحَمَّد لَا تقنط عبادى إِنَّمَا بَعَثْتُك ميسرًا وَلم أَبْعَثك مُعسرا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سددوا وقاربوا رَوَاهُ الطبرانى فى الاوسط وَفِيه سَلام الطَّوِيل وَهُوَ مجمع على ضعفه كَذَا قَالَ الهيثمى أَن مجمع الزَّوَائِد

باب ما جاء فى البكاء عند ذكر النار والخوف منها

بَاب مَا جَاءَ فى الْبكاء عِنْد ذكر النَّار وَالْخَوْف مِنْهَا عَن زيد بن أسلم قَالَ جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ إسْرَافيل فَلَمَّا سلما على النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا إسْرَافيل منكسر الطّرف فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا جِبْرِيل مَال إسْرَافيل منكسر الطّرف متغير اللَّوْن قَالَ لاحت لَهُ آنِفا حِين هَبَط لمحة من جَهَنَّم فَذَلِك الذى يرى كسر طرفه رَوَاهُ بن وهب وَعَن مُحَمَّد بن مطرف عَن الثِّقَة أَن فَتى من الْأَنْصَار دَخلته خشيَة من النَّار فَكَانَ يبكى عِنْد ذكر النَّار حَتَّى حَبسه ذَلِك فِي الْبَيْت فَلَمَّا دخل النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعتنقه الْفَتى فَخر مَيتا فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جهزوا صَاحبكُم فان الْفَزع من النَّار فلذ كبده رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك وروى أَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام مر بأَرْبعَة آلَاف امْرَأَة متغيرات الألوان وعليهن مدارع الشّعْر وَالصُّوف فَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام مَا الذى غير ألوانكن معاشر النسْوَة قالن فَإِن ذكر النَّار غير ألواننا يَا ابْن مَرْيَم إِن من دخل النَّار لَا يَذُوق فِيهَا بردا وَلَا شرابًا ذكره الخرائطى فى كتاب النشور وروى أَن سلمَان الفارسى لما سمع قَوْله عز وَجل إِن جَهَنَّم لموعدهم أَجْمَعِينَ فر ثَلَاثَة ايام هَارِبا من الْخَوْف لَا يعقل فجىء بِهِ إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ يَا رَسُول الله أنزلت هَذِه الْآيَة {وَإِن جَهَنَّم لموعدهم أَجْمَعِينَ} فوالذى بَعثك بِالْحَقِّ لقد قطعت قلبى فَأنْزل الله تَعَالَى {إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات وعيون} الْآيَة ذكره الثعلبى وَغَيره وَالله أعلم بأسانيدها وَلم يتَكَلَّم عَلَيْهَا القرطبى فى التَّذْكِرَة

باب ما جاء فيمن استجار من النار وسأل الله الجنة

بَاب مَا جَاءَ فِيمَن استجار من النَّار وَسَأَلَ الله الْجنَّة عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سَأَلَ الله الْجنَّة ثَلَاث مَرَّات قَالَت الْجنَّة اللَّهُمَّ ادخله الْجنَّة وَمن استجار بِاللَّه من النَّار قَالَت النَّار اللَّهُمَّ اجره من النَّار أخرجه التِّرْمِذِيّ وَعَن أَبى سعيد الخدرى أَو عَن أَبى حجيرة الْأَكْبَر عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ أَن أَحدهمَا حَدثهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِذا كَانَ يَوْم حَار ألْقى الله سَمعه وبصره إِلَى أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض فَإِذا قَالَ العَبْد لَا إِلَه إِلَّا الله مَا اشد حر هَذَا الْيَوْم اللَّهُمَّ أجرنى من حر جَهَنَّم قَالَ عز وَجل لِجَهَنَّم إِن عبدا من عبادى استجار بى مِنْك وإنى أشهدك أَنى قد أجرته وَإِذا كَانَ يَوْم شَدِيد الْبرد ألْقى الله سَمعه وبصره إِلَى أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض فَإِذا قَالَ العَبْد لَا اله إِلَّا الله مَا أَشد برد هَذَا الْيَوْم اللَّهُمَّ أجرنى من زمهرير جَهَنَّم قَالَ الله عز وَجل لِجَهَنَّم إِن عبدا من عبادى استجار بى من زمهريرك وانى أشهدك أَنى قد أجرته فَقَالُوا وَمَا زمهرير جَهَنَّم قَالَ جب يلقى فِيهِ الْكَافِر قد تميز من شدَّة برده بعضه من بعض رَوَاهُ البيهقى قَالَ القرطبى فى التَّذْكِرَة تقرر من الْكتاب وَالسّنة أَن الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَالْإِخْلَاص فِيهَا مَعَ الْإِيمَان موصلة إِلَى الْجنان ومباعدة عَن النيرَان وَذَلِكَ يكثر إِيرَاده وَالْقطع بِهِ مَعَ الموافاة على ذَلِك يغنى عَن ذكر ذَلِك وَيَكْفِيك الْآن من ذَلِك مَا ثَبت فى الصَّحِيحَيْنِ عَن أَبى سعيد الخدرى رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من عبد يَصُوم يَوْمًا فى سَبِيل الله إِلَّا باعد الله بذلك الْيَوْم وَجهه عَن النَّار سبعين خَرِيفًا قلت الخريف السّنة

وَأخرج النسائى عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من صَامَ يَوْمًا فى سَبِيل الله زحزح الله وَجهه عَن النَّار سبعين خَرِيفًا وَأخرج الترمذى عَن أَبى أُمَامَة رضى الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من صَامَ يَوْمًا فى سَبِيل الله جعل الله بَينه وَبَين النَّار خَنْدَقًا كَمَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب ويروى كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث أَبى أُمَامَة وَخرج الطبرانى عَن عبد الله بن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أطْعم أَخَاهُ حَتَّى يشبعه وسقاه من المَاء حَتَّى يرويهِ بعده الله من النَّار سبع خنادق مَا بَين كل خَنْدَق مسيرَة مائَة عَام وَعَن أنس بن مَالك رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء وَعَاد أَخَاهُ الْمُسلم بوعد من جَهَنَّم سبعين خَرِيفًا قلت يَا ابا حَمْزَة مَا الخريف قَالَ الْعَام رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فى كِتَابه وَعَن عدى بن حَاتِم قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يسْتَتر من النَّار وَلَو بشق تَمْرَة فَلْيفْعَل أخرجه الشَّيْخَانِ وَاللَّفْظ لمُسلم

باب احتجاج الجنة والنار وصفة أهلهما

بَاب احتجاج الْجنَّة وَالنَّار وَصفَة أهلهما عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احتجت النَّار وَالْجنَّة فَقَالَت هَذِه يدخلنى الجبارون والمتكبرون وَقَالَت هَذِه يدخلنى الضُّعَفَاء وَالْمَسَاكِين فَقَالَ الله تَعَالَى لهَذِهِ أَنْت عذابى أعذب بك من أَشَاء وَقَالَ لهَذِهِ أَنْت رحمتى أرْحم بك من أَشَاء وَلكُل وَاحِدَة مِنْكُمَا ملؤُهَا رَوَاهُ البخارى وَمُسلم والترمذى وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح قَالَ الْحَاكِم ابو عِيسَى فى عُلُوم الحَدِيث سُئِلَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق ابْن خُزَيْمَة عَن هَذَا الحَدِيث من الضَّعِيف قَالَ الذى يبرىء نَفسه من الْحول وَالْقُوَّة يعْنى فى الْيَوْم وَاللَّيْلَة عشْرين مرّة أَو خمسين مرّة قَالَ القرطبى وَمثل هَذَا لَا يُقَال من جِهَة الرأى فَهُوَ مَرْفُوع وَالله أعلم وَأما الْمَسَاكِين فَالْمُرَاد بهم المتواضعون وهم الْمشَار إِلَيْهِم فى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ أحينى مِسْكينا وأمتنى مِسْكينا واحشرنى فى زمرة الْمَسَاكِين وَلَقَد أحسن من قَالَ إِذا أردْت شرِيف النَّاس كلهم ... فَانْظُر إِلَى ملك فى زى مِسْكين ذَاك الذى عظمت فى الله رغبته ... وَذَاكَ يصلح للدنيا وللدين

باب فى صفة النار وفى شرار الناس من هم

بَاب فى صفة النَّار وفى شرار النَّاس من هم عَن عِيَاض بن حمَار المجاشعى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَات يَوْم فى خطبَته أهل النَّار خَمْسَة الضَّعِيف الذى لَا زبر لَهُ الَّذين هم فِيكُم تبع لَا يَبْتَغُونَ أَهلا وَلَا مَالا والخائن الذى لايخفى لَهُ طمع وَإِن دق إِلَّا خانه وَرجل يصبح وَلَا يمسى إِلَّا وَهُوَ يخادعك عَن أهلك وَمَالك وَذكر الْبُخْل وَالْكذب والشنظير الفحاش أخرجه مُسلم بِطُولِهِ وَعَن حَارِثَة بن وهب الخزاعى قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أخْبركُم بِأَهْل النَّار كل عتل جواظ مستكبر وفى رِوَايَة زنيم متكبر أخرجه مُسلم وَابْن ماجة والجواظ اللَّفْظ الغليظ وَقيل الجافى الْقلب والعتل الشَّديد الْخُصُومَة وَقيل هُوَ الأكول الشروب الظلوم والزنيم المستحلق فى قوم لَيْسَ هُوَ مِنْهُم وَقيل اللَّئِيم وَعَن ابْن عمر رضى الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ان الله لَا يعذب من عباده إِلَّا المارد المتمرد الذى يتمرد على الله وأبى أَن يَقُول لَا إِلَه الا الله رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَعَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يدْخل النَّار إِلَّا شقى قيل يَا رَسُول

الله وَمن الشقى قَالَ من لم يعْمل لله بِطَاعَة وَلم ينزل لَهُ عَن مَعْصِيّة رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَعِنْده عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل النَّار من مَلأ الله أُذُنَيْهِ من ثَنَاء النَّاس شرا وَهُوَ يسمع وَعَن أنس بن مَالك رضى الله عَنهُ قَالَ مر بِجنَازَة فَأثْنى عَلَيْهَا شَرّ فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أثنيتم عَلَيْهِ شرا وَجَبت لَهُ النَّار أَنْتُم شُهَدَاء الله فى الأَرْض رَوَاهُ مُسلم بِطُولِهِ قَالَت عَائِشَة النَّار دَار البخلاء وَقَالَ زيد بن أسلم نهاك الله ان تكون لئيما فَتدخل النَّار وَعَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَلا أنبئكم بشراركم قَالُوا نعم يَا رَسُول الله قَالَ من أكل وَحده وَمنع رفده وَجلد عَبده أفأنبئكم بشر من هَذَا قَالُوا نعم يَا رَسُول الله قَالَ من يبغض النَّاس ويبغضونه قَالَ أفأنبئكم بشر من هَذَا قَالُوا نعم يَا رَسُول الله قَالَ من لَا يقبل عَثْرَة وَلَا يقبل معزرة وَلَا يغْفر ذَنبا قَالَ أفأنبئكم بشر من هَذَا قَالُوا نعم يَا رَسُول الله قَالَ من لَا يُرْجَى خَيره وَلَا يُؤمن شَره أخرجه الْحَافِظ أَبُو نعيم من طَرِيق مُحَمَّد بن كَعْب القرظى بِطُولِهِ قَالَ وَهَذَا الحَدِيث لَا يحفظ بِهَذَا السِّيَاق عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا من حَدِيثه عَن ابْن عَبَّاس

باب فى صفة أهل النار

بَاب فى صفة أهل النَّار عَن أَبى هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أنبئكم بِأَهْل النَّار كل سَفِيه جعظرى رَوَاهُ أَحْمد وَفِيه الْبَراء بن عبد الله وَهُوَ ضَعِيف وَعَن ابْن عَمْرو ابْن الْعَاصِ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عِنْد ذكر أهل النَّار كل جعظرى جواظ مستكبر جماع مناع وَأهل الْجنَّة الضُّعَفَاء المغلوبون رَوَاهُ أَحْمد وَرِجَاله رجال الصَّحِيح وَعَن ابْن غنم قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يدْخل الْجنَّة الجواظ الجعظرى والعتل الزنيم رَوَاهُ أَحْمد واسناده حسن إِلَّا أَن ابْن غنم لم يسمع من النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن على بن رَبَاح قَالَ بلغنى عَن سراقَة بن مَالك أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَا سراقَة أَلا أخْبرك بِأَهْل الْجنَّة وَأهل النَّار قَالَ بلَى يَا رَسُول الله قَالَ أما أهل النَّار فَكل جعظرى جواظ مستكبر وَأما أهل الْجنَّة فالضعفاء المغلوبون رَوَاهُ أَحْمد وَرِجَاله رجال الصَّحِيح إِلَّا أَن فِيهِ رَاوِيا لم يسم قَالَه فى مجمع الزَّوَائِد وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا بعث الله نَبيا إِلَى قوم فَقَبضهُ إِلَّا جعل بعده فَتْرَة يمْلَأ من تِلْكَ الفترة جَهَنَّم رَوَاهُ الطبرانى فى الْأَوْسَط وَرِجَاله رجال الصَّحِيح غير صَدَقَة ابْن سَابق وَهُوَ ثِقَة وَعَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صنفان من أمتى لم أرهما قوم مَعَهم سياط من نَار كأذناب الْبَقر يضْربُونَ بهَا النَّاس وَنسَاء كاسيات عاريات مائلات مميلات رُؤْسهنَّ كأسنمة البخت المائلة لَا يدخلن الْجنَّة وَلَا يجدن رِيحهَا وَأَن رِيحهَا لتوجد من مسيرَة كَذَا وَكَذَا أخرجه

مُسلم قَالَ الْخَلِيل الصِّنْف الطَّائِفَة من كل شىء وَالسَّوْط اسْم الْعَذَاب وَإِن لم يكن ثمَّ ضرب قَالَه الْفراء قَالَ القرطبى وَهَذِه الصّفة للسياط مُشَاهدَة عندنَا بالمغرب إِلَى الْآن انْتهى قلت بل هُوَ مشَاهد فى كل مَكَان وزمان ويزداد يَوْمًا فيوما عِنْد الامراء والأعيان فنعوذ بِاللَّه من جَمِيع مَا كرهه الله وَالْمعْنَى أَنَّهُنَّ كاسيات بالثيات عاريات من الدّين لانكشافهن وابداء محاسنهن وَقيل كاسيات ثيابًا رقاقا يظْهر مَا تحتهَا وَمَا خلفهَا فهن كاسيات فى الظَّاهِر عاريات فى الْحَقِيقَة وَقيل كاسيات فى الدُّنْيَا بأنواع الزِّينَة من الْحَرَام وَمِمَّا لَا يجوز لبسه ومائلات مَعْنَاهُ زائغة عَن طَاعَة الله وَطَاعَة الْأزْوَاج وَمَا يلزمهن من صِيَانة الْفروج والتستر عَن الْأَجَانِب وعميلات مَعْنَاهُ يعلمن غَيْرهنَّ الدُّخُول فى مثل فعلهن وَقيل مائلات متبخترات فى مشيتهن مميلات يملن رُؤْسهنَّ وأعطافهن للخيلاء والتبختر ومميلات لقلوب الرِّجَال إلَيْهِنَّ بِمَا يبدين من زينتهن وَطيب رائحتهن وَقيل يمتشطن الميلاء وهى مشطة البغايا والمميلات اللواتى يمشطن غَيْرهنَّ المشطة الميلاء يغطين رُؤْسهنَّ بِالْخمرِ والمقانع ويجعلن رُؤْسهنَّ شَيْئا يُسمى عِنْدهن النازة لَا عقص الشّعْر والذوائب الْمُبَاح للنِّسَاء حسب مَا ثَبت فى الصَّحِيح عَن ام سَلمَة قَالَت قلت رَسُول الله انى امْرَأَة أَشد ضفر رأسى الحَدِيث

باب ما جاء فى أكثر أهل النار

.. بَاب أول من يكسى من حلل النَّار عَن أنس بن مَالك أول من يكسى حلَّة من النَّار إِبْلِيس فَيَضَعهَا على حَاجِبه أَو حاجبيه ويسحبها من بعده وَذريته من بعده أَو من خَلفه وَهُوَ يُنَادى يَا ثبوراء وينادون يَا ثبورهم فَيُقَال لَهُم لَا تدعوا الْيَوْم ثبورا وَاحِدًا وَادعوا ثبورا كثيرا رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار قَالَ فى مجمع الزَّوَائِد ورجالهما رجال الصَّحِيح غير على بن زيد وَقد وثق بَاب مَا جَاءَ فى أَكثر أهل النَّار عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُمْت على بَاب النَّار فاذا عَامَّة من دَخلهَا النِّسَاء أخرجه مُسلم وَمن حَدِيث ابْن عَبَّاس فى حَدِيث كسوف الشَّمْس وَرَأَيْت النَّار فَلم ار منْظرًا كَالْيَوْمِ قطّ وَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا النِّسَاء قَالُوا بِمَ يَا رَسُول الله بكفرهن قيل ايكفرن بِاللَّه قَالَ يكفرن العشير ويكفرن الاحسان لَو احسنت إِلَى احداهن الدَّهْر كُله ثمَّ رات مِنْك شَيْئا قَالَت مَا رَأَيْت مِنْك خيرا قطّ وَعَن عمرَان بن حُصَيْن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن أقل ساكنى الْجنَّة النِّسَاء أى لما يغلب عَلَيْهِنَّ من الْهوى والميل إِلَى عَاجل زِينَة الدُّنْيَا لنُقْصَان عقولهن أَن تنفذ بصائرها إِلَى الْأُخْرَى فيضعفن عَن عمل الْآخِرَة وَالتَّأَهُّب لَهَا لميلهن إِلَى الدُّنْيَا والتزين بهَا ثمَّ مَعَ ذَلِك هن أقوى أَسبَاب الدُّنْيَا الَّتِى تصرف الرِّجَال عَن الْأُخْرَى لما لَهُم فِيهِنَّ من الْهوى فأكثرهن معرضات عَن الْآخِرَة

بِأَنْفُسِهِنَّ صارفات عَنْهَا لغيرهن سريعات الانخداع لداعيهن من المعرضين عَن الدّين عسيرات الاستجابة لمن يدعوهن إِلَى الْآخِرَة وأعمالها من الْمُتَّقِينَ وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اطَّلَعت فى الْجنَّة فَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا الْفُقَرَاء وأطلعت فى النَّار فَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا النِّسَاء رَوَاهُ الترمذى وَرَوَاهُ عَن عمرَان بن حُصَيْن أَيْضا وَقَالَ فِيهِ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وكلا الْحَدِيثين لَيْسَ فيهمَا مقَال وَعَن حَارِثَة بن وهب الخزاعى يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَلا أخْبركُم بِأَهْل الْجنَّة كل ضَعِيف متضعف لَو أقسم على الله لَأَبَره أَلا أخْبركُم بِأَهْل النَّار كل عتل جواظ متكبر أخرجه الترمذى وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح والعتل الشَّديد الجافى والجواظ الجموع المنوع وَقيل الْكثير اللَّحْم المختال فى مَشْيه وَقيل الْقصير البطين وَعَن عبد الرَّحْمَن ابْن شبْل قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْفُسَّاق أهل النَّار قَالُوا يَا رَسُول الله وَمن الْفُسَّاق قَالَ النِّسَاء قَالَ رجل يَا رَسُول الله أَو لَيْسَ أمهاتنا وأخواتنا وَأَزْوَاجنَا قَالَ بلَى ولكنهن إِذا اعطين لم يشكرن وَإِذا ابتلين لم يصبرن رَوَاهُ أَحْمد وَرِجَاله وَرِجَال الصَّحِيح غير أَبى رَاشد الحبرانى وَهُوَ ثِقَة وَعَن حَكِيم بن حزَام قَالَ أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النِّسَاء بِالصَّدَقَةِ وحثهن عَلَيْهَا وَقَالَ تصدقن فانكن أَكثر أهل النَّار فَقَالَت امْرَأَة مِنْهُنَّ لم ذَلِك يَا رَسُول اللهلانكن تكثرن اللَّعْن وتسوفن الْخَيْر وتكفرن العشير رَوَاهُ الطبرانى فى الْأَوْسَط وَرِجَاله ثِقَات وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَاب النَّار لَا يدْخلهُ إِلَّا من يشفى غيظه بسخط الله رَوَاهُ الْبَزَّار من طَرِيق قدامَة بن مُحَمَّد

عَن إِسْمَاعِيل ابْن شيبَة وهما ضعيفان وَقد وثقا وَبَقِيَّة رِجَاله رجال الصَّحِيحَيْنِ وَعنهُ قَالَ يُؤْتى الدُّنْيَا يَوْم الْقِيَامَة فى صُورَة عَجُوز شَمْطَاء زرق أنيابها مُشَوه خلقهَا فنشرف على الْخَلَائق فَيُقَال هَل تعرفُون هَذِه يَقُولُونَ نَعُوذ بِاللَّه من معرفَة هَذِه فَيُقَال هَذِه الدُّنْيَا الَّتِى تفاخرتم عَلَيْهَا وَبهَا تقاطعتم الارحام وَبهَا تحاسدتم وتباغضتم وإتررتم ثمَّ تقذف فى جَهَنَّم فتنادى أى رب أَيْن أتباعى وأشياعى فَيَقُول الله تَعَالَى الحقوا بهَا أتباعها وأشياعها وَعَن غَالب الْقطَّان عَن رجل عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن العرافة حق وَلَا بُد للنَّاس من عرفاء وَلَكِن العرفاء فى النَّار أخرجه أَبُو دَاوُد قَالَ أهل الْعلم العريف الْقيم بِأَمْر الْقَبِيلَة والمحلة يلى أُمُورهم ويتعرف أخبارهم وَيعرف الْأَمِير مِنْهُ أَحْوَالهم وَمعنى قَوْله إِن العرافة حق يُرِيد أَن فِيهَا مصلحَة للنَّاس ورفقا بهم إِلَّا ترَاهُ يَقُول لَا بُد للنَّاس من عرفاء وَقَوله فى النَّار مَعْنَاهُ التحذير من الرياسة والتأمر على النَّاس لما فِيهِ من الْفِتْنَة وَالله أعلم وَعَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويل لِلْأُمَرَاءِ وويل للأمناء وويل للعرفاء ليتمنين أَقوام يَوْم الْقِيَامَة أَن ذوائبهم كَانَت معلقَة بِالثُّرَيَّا يتذبذبون بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَإِنَّهُم لم يعملوا عملا أخرجه أَبُو دَاوُد الطيالسى

وَعَن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يدْخل الْجنَّة قَاطع رَوَاهُ البخارى قَالَ سُفْيَان يعْنى يعْنى قَاطع رحم وَعَن عقبَة بن عَامر قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا يدْخل الْجنَّة صَاحب مكس رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ومفهومها إنَّهُمَا يدخلَانِ النَّار قَالَ أهل الْعلم صَاحب المكس هُوَ الذى يعشر أَمْوَال النَّاس وَيَأْخُذ من التُّجَّار والمختلفين مَا لَا يجب عَلَيْهِم إِذا مروا بِهِ مكسا باسم الْعشْر وَالزَّكَاة وَلَيْسَ هُوَ الساعى الذى يَأْخُذ الصَّدقَات وَالْحق الْوَاجِب للْفُقَرَاء قَالَ القرطبى إِن التبديل إِذا كَانَ فى الْأَعْمَال وَلَيْسَ هُوَ فى العقائد فصاحبه فى الْمَشِيئَة ان عذب فَإِنَّهُ يخرج بالشفاعة وَهَكَذَا القَوْل فى أَصْحَاب الْكَبَائِر المتوعد عَلَيْهَا بالنَّار واللعنة فانهم يخرجُون بالشفاعة إِذا ارتكبوها على غير وَجه الاستحلال

باب ما جاء فى أول ثلاثة يدخلون النار

بَاب مَا جَاءَ فى أول ثَلَاثَة يدْخلُونَ النَّار عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول ثَلَاثَة يدْخلُونَ النَّار أَمِير متسلط وَذُو ثروة من مَال لَا يُؤدى حَقه وفقير فجور أخرجه أَبُو بكر ابْن أَبى شيبَة بِطُولِهِ بَاب بعث النَّار وَأول من يدعى يَوْم الْقِيَامَة عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أول من يدعى يَوْم الْقِيَامَة آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول يَا آدم فَيَقُول لبيْك وَسَعْديك فَيَقُول اخْرُج بعث جَهَنَّم من ذريتك فَيَقُول يَا رب كم أخرج فَيَقُول اخْرُج من كل مائَة تِسْعَة وَتِسْعين قيل فَمَا يبْقى منا يَا رَسُول الله قَالَ إِن أمتى فى الْأُمَم كالشعرة الْبَيْضَاء فى الثور الْأسود أخرجه البخارى وَعنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن إِبْرَاهِيم يرى أَبَاهُ يَوْم الْقِيَامَة عَلَيْهِ الغبرة والقترة فَيَقُول لَهُ إِبْرَاهِيم ألم أقل لَك لَا تعصيني فَيَقُول الْيَوْم لَا أعصيك فَيَقُول إِبْرَاهِيم يَا رب ألم تعدنى إِنَّك لَا تخزينى يَوْم يبعثون فأى خزى أخزى من أَبى الْأَبْعَد فَيَقُول الله تَعَالَى إنى حرمت الْجنَّة على الْكَافرين ثمَّ يُقَال يَا إِبْرَاهِيم مَا تَحت رجليك فَينْظر فَإِذا هُوَ بِذبح متلطخ فَيُؤْخَذ بقوائمه فَيلقى فى النَّار أخرجه البخارى والقترة غبره مَعهَا سَواد والذبخ ذكر الضباع

وفى الحَدِيث دَلِيل على أَن الْكَافِر فى النَّار وَإِن كَانَ أَبَا أحد من الرُّسُل وَقد تعصب قوم أَوَّلهمْ السيوطى فى أَن أبوى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الْجنَّة وَاسْتدلَّ لذَلِك بأخبار لَا تصح وَلَا تثبت وَتوقف قوم فى ذَلِك وَلَيْسَ الْخَوْض عندى فى هَذَا الْبَاب من شَأْن أهل الْعلم وَقد ينجر هَذَا الْبَحْث إِلَى إساءة الْأَدَب فى حق من لَا يجوز الْإِسَاءَة فِيهِ وَالله أعلم بِحَال أَبَوَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا لَهما يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يلْحق عَار وَلَا شنار لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكونهما فى النَّار كَمَا لَا يلْحق لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام من كَون أَبِيه فِيهَا نعم لَو جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى ذَلِك شىء وَصَحَّ لوَجَبَ الْمصير إِلَيْهِ وَلَا يعبأ بأقوال الرِّجَال وأباطيل الْأَخْبَار ومواضيع الْآثَار فى أَمْثَال هَذِه الأبحاث فَلَا يغتر الْمُسلم بقول زيد وَعَمْرو بل عَلَيْهِ أَن يكون على بَصِيرَة من دينه وعَلى بَلل من إيمَانه وعَلى سَلامَة من إِسْلَامه وَلَا يَخُوض مَعَ الخائضين فان الْجَهْل لمقاصد الشَّرْع وَضعف الْعُقُول وفقدان الْفَهم قد غلب على النَّاس أَوَّلهمْ إِلَى آخِرهم إِلَّا من عصمه الله تَعَالَى وفقهه فى الدّين وَقَلِيل مَا هم وَقَلِيل من عباده الشكُور وَعَن أَبى الدَّرْدَاء عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله عز وَجل يَقُول يَوْم الْقِيَامَة لآدَم عَلَيْهِ السَّلَام قُم فَجهز من ذريتك تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين إِلَى النَّار وَوَاحِد إِلَى الْجنَّة فَبكى أَصْحَابه وَبكوا ثمَّ قَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارْفَعُوا رؤوسكم فوالذى نفسى بِيَدِهِ مَا أمتى فى الامم إِلَّا كالشعرة الْبَيْضَاء فى الثور الْأسود فَخفف ذَلِك عَنْهُم رَوَاهُ أَحْمد والطبرانى قَالَ فى

مجمع الزَّوَائِد وَإِسْنَاده جيد وَعَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله عز وَجل يبْعَث مناديا يُنَادى يَا آدم أَن الله عز وَجل يَأْمُرك أَن تبْعَث بعثا من ذريتك إِلَى النَّار فَيَقُول آدم يَا رب وَمن كم قَالَ فَيُقَال لَهُ من كل مائَة تِسْعَة وَتِسْعين فَقَالَ رجل من الْقَوْم من هَذَا الناجى منا بِمد هَذَا يَا رَسُول الله قَالَ هَل تَدْرُونَ مَا أَنْتُم فى النَّاس إِلَّا كَالشَّامَةِ فى صدر الْبَعِير رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى وَفِيه ابراهيم بن مُسلم الهجرى وَهُوَ ضَعِيف وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة وَأَصْحَابه عِنْده {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم} إِلَى آخر الْآيَة قَالَ هَل تَدْرُونَ أى يَوْم ذَلِك قَالُوا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ ذَاك يَوْم يَقُول الله عز وَجل يَا آدم فَابْعَثْ بعثا إِلَى النَّار فَيَقُول وَمَا بعث النَّار فَيَقُول من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين إِلَى النَّار وَوَاحِد إِلَى الْجنَّة فشق ذَلِك على الْقَوْم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنى لأرجوا أَن تَكُونُوا ربع أهل الْجنَّة ثمَّ قَالَ انى لأرجو أَن تَكُونُوا ثلث أهل الْجنَّة ثمَّ قَالَ إِنِّي لأرجوا أَن تَكُونُوا شطر أهل افجنة ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْمَلُوا وابشروا فَإِنَّكُم بَين خَلِيقَتَيْنِ لم تَكُونَا مَعَ أحد إِلَّا كثرتا يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَأَن أَنْتُم فى النَّاس أَو قَالَ فى الْأُمَم إِلَّا كَالشَّامَةِ فى جنب الْبَعِير أَو كالرقمة فى ذِرَاع الدَّابَّة إِنَّمَا امتى جُزْء من ألف جُزْء رَوَاهُ الْبَزَّار وَرِجَاله رجال الصَّحِيح غير هِلَال ابْن خباب وَهُوَ ثِقَة وَعَن أنس قَالَ نزلت {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم} إِلَى قَوْله {وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد}

نزلت على النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى مسير لَهُ فَرفع بهَا صَوته حَتَّى جَاءَ إِلَيْهِ أَصْحَابه فَقَالَ أَتَدْرُونَ أى يَوْم هَذَا يَوْم يَقُول الله لآدَم قُم فَابْعَثْ بعثا إِلَى النَّار من كل ألف تِسْعمائَة تِسْعَة وَتِسْعين إِلَى النَّار وَوَاحِد إِلَى الْجنَّة فشق ذَلِك على الْمُسلمين فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سددوا وقاربوا وابشروا فوالذى نفسى بِيَدِهِ مَا أَنْتُم فى النَّاس إِلَّا كَالشَّامَةِ فى جنب الْبَعِير أَو كالرقمة فى ذِرَاع الدَّابَّة ان مَعكُمْ لخليقتين مَا كَانَتَا فى شىء قطّ إِلَّا كَثرَتَاهُ يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَمن هلك من كفرة الْجِنّ والانس رَوَاهُ أَبُو يعلى وَرِجَاله رجال الصَّحِيح غير مُحَمَّد بن مهدى وَهُوَ ثِقَة كَذَا فى مجمع الزَّوَائِد

باب ما جاء فى أول من تسعر بهم جهنم

بَاب مَا جَاءَ فى أول من تسعر بهم جَهَنَّم عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أول نَاس يقْضى عَلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة رجل اسْتشْهد فَأتى بِهِ فَعرفهُ نعْمَة فعرفها قَالَ فَمَا عملت فِيهَا قَالَ قَاتَلت فِيك حَتَّى استشهدت قَالَ كذبت وَلَكِنَّك قَاتَلت لِأَن يُقَال جرىء فقد قيل ثمَّ أَمر بِهِ فسحب على وَجهه ثمَّ ألْقى فى النَّار وَرجل تعلم الْعلم وَعلمه وَقَرَأَ الْقُرْآن فَأتى بِهِ فَعرفهُ نعمه فعرفها قَالَ فَمَا عملت فِيهَا قَالَ تعلمت الْعلم وعلمته وقرأت فِيك الْقُرْآن قَالَ كذبت وَلَكِنَّك تعلمت الْعلم ليقال عَالم وقرأت الْقُرْآن ليقال هُوَ قارىء فقد قيل ثمَّ أَمر بِهِ فسحب على وَجهه حَتَّى ألْقى فى النَّار وَرجل وسع الله عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ من اصناف المَال كُله فَأتى بِهِ فَعرفهُ نعمه فعرفها قَالَ فَمَا عملت فِيهَا قَالَ مَا تركت من سَبِيل يجب أَن ينْفق فِيهَا إِلَّا أنفقت فِيهَا لَك قَالَ كذبت وَلَكِنَّك فعلت ليقال هُوَ جواد فقد قيل ثمَّ أَمر بِهِ فسحب على وَجهه حَتَّى ألْقى فى النَّار أخرجه مُسلم والترمذى بِمَعْنَاهُ وَقَالَ فى آخِره ثمَّ ضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ركبتى فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَة أُولَئِكَ الثَّلَاثَة أول خلق الله تسعر بهم النَّار يَوْم الْقِيَامَة

باب ما جاء فى جهنم وأنها أدراك ولمن هى

بَاب مَا جَاءَ فى جَهَنَّم وَأَنَّهَا أَدْرَاك وَلمن هى وَإِنَّمَا قُلْنَا أَدْرَاك وَلم نقل دَرَجَات لاستعمال الْعَرَب لكل مَا تسافل دَرك وَلما تَعَالَى درج فَيُقَال للجنة درج وللنار أَدْرَاك والمنافقون فى الدَّرك الاسفل مِنْهَا وفى الهاوية لغلظ كفره وكثره غوائله وتمكنه من اذى الْمُؤمنِينَ وَالنَّار دركات سَبْعَة أى طَبَقَات ومنازل عَن كَعْب الاحبار إِن فى النَّار لبئرا مَا فتحت أَبْوَابهَا بعد مغلقة مَا جَاءَ على جَهَنَّم يَوْم مُنْذُ خلقهَا الله تَعَالَى إِلَّا تستعيذ بِاللَّه من شَرّ مَا فى تِلْكَ الْبِئْر مَخَافَة إِذا فتحت تِلْكَ الْبِئْر أَن يكون فِيهَا من عَذَاب الله مَالا طَاقَة لَهَا بِهِ وَلَا صَبر لَهَا عَلَيْهِ وهى الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار رَوَاهُ ابْن وهب عَن طَرِيق ابْن زيد وَعَن ابْن مَسْعُود رضى الله عَنهُ فى قَوْله تَعَالَى {إِن الْمُنَافِقين فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار} قَالَ توابيت من حَدِيد مصمتة عَلَيْهِم فى أَسْفَل النَّار أخرجه ابْن الْمُبَارك وَعَن على قَالَ هَل تَدْرُونَ كَيفَ أَبْوَاب جَهَنَّم قُلْنَا هى مثل أبوابنا هَذِه قَالَ لَا هى هَكَذَا بَعْضهَا فَوق بعض رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن هَارُون الغنوى قَالَ أهل الْعلم أَعلَى الدركات جَهَنَّم وهى مُخْتَصَّة بالعصاة من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهى الَّتِى تخلى من أَهلهَا فيصفق الرِّيَاح أَبْوَابهَا ثمَّ لظى ثمَّ الحطمة ثمَّ السعير ثمَّ سقر ثمَّ الْجَحِيم ثمَّ الهاوية قَالَ القرطبى وَقد يُقَال للدركات دَرَجَات لقَوْله تَعَالَى {وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا} وَوَقع فى كتاب الزّهْد والرقاق أَسمَاء هَذِه الطَّبَقَات وَأَسْمَاء

أَهلهَا من أهل الْأَدْيَان على تَرْتِيب لم يرد فى أثر صَحِيح قَالَ الضَّحَّاك فى الدَّرك الْأَعْلَى المحمديون وفى الثانى النَّصَارَى وفى الثَّالِث الْيَهُود وفى الرَّابِع الصابئون وفى الْخَامِس الْمَجُوس وفى السَّادِس مشركو الْعَرَب وفى السَّابِع المُنَافِقُونَ وَقَالَ معَاذ بن جبل وَذكر عُلَمَاء السوء من إِذا وعظ عنف وَإِذا وعظ أنف فَذَاك فى أول دَرك من النَّار وَمن الْعلمَاء من يَأْخُذ علمه مَأْخَذ السُّلْطَان فَذَلِك فى الدَّرك الثانى من النَّار وَمن الْعلمَاء من يحرز علمه فَذَلِك فى الدَّرك الثَّالِث من النَّار وَمن الْعلمَاء من يتَخَيَّر الْكَلَام وَالْعلم لوجوه النَّاس وَلَا يرى سفلَة النَّاس لَهُ موضعا فَذَلِك فى الدَّرك الرَّابِع من النَّار وَمن الْعلمَاء من يتَعَلَّم كَلَام الْيَهُود وَالنَّصَارَى وأحاديثهم ليكْثر حَدِيثهمْ فَذَلِك فى الدَّرك الْخَامِس من النَّار وَمن الْعلمَاء من ينصب نَفسه للفتيا يَقُول للنَّاس سلونى فَذَلِك الذى يكْتب عِنْد الله متكلفا وَالله لَا يحب المتكلفين فَذَلِك فى الدَّرك السَّادِس من النَّار وَمن الْعلمَاء من يتَّخذ علمه مُرُوءَة وعقلا فَذَلِك فى الدَّرك السَّابِع من النَّار ذكره غير وَاحِد من الْعلمَاء قَالَ القرطبى مقله لَا يكون رَأيا وَإِنَّمَا يدْرك توقيفا ثمَّ من هَذِه الْأَسْمَاء مَا هُوَ اسْم علم للنار كلهَا بجملتها نَحْو جَهَنَّم وسقر ولظى وسموم فَهَذِهِ اعلام وَلَيْسَت لباب دون بَاب فَاعْلَم وفى التَّنْزِيل وقنا عَذَاب السمُوم يُرِيد النَّار أجارنا الله مِنْهَا بجاه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله

باب ما جاء أن جهنم تسعر كل يوم وتفتح أبوابها إلا يوم الجمعة

بَاب مَا جَاءَ أَن جَهَنَّم تسعر كل يَوْم وتفتح أَبْوَابهَا إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة عَن عبد الله بن عمر أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن جَهَنَّم تسعر كل يَوْم وتفتح أَبْوَابهَا إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة فَإِنَّهَا لَا تفتح وَلَا تسعر أخرجه أَبُو نعيم وَهَذَا غَرِيب من حَدِيثه وَمَكْحُول لم يَكْتُبهُ إلامن حَدِيث النُّعْمَان قَالَ القرطبى وَلِهَذَا الْمَعْنى كَانَت النَّافِلَة جَائِزَة يَوْم الْجُمُعَة عِنْد قَائِم الظهيرة دون غَيرهَا من الْأَيَّام وَالله عز وَجل أعلم بَاب مَا جَاءَ أَن جَهَنَّم لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب لكل بَاب مِنْهُم جُزْء مقسوم تقدم الْكَلَام على ذَلِك فى الْبَاب الثانى من الْآيَات الْكَرِيمَة عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِجَهَنَّم سَبْعَة أَبْوَاب بَاب مِنْهَا لمن سل السَّيْف على أمتى أَو قَالَ أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرجَة الإمامان الحافظان أَبُو عبد الله وَأَبُو عِيسَى وَقَالَ هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إلامن حَدِيث مَالك بن مغول رَحمَه الله قَالَ القرطبى مَالك أَبُو عبد الله البجلى الكوفى امام ثِقَة خرج لَهُ البخارى وَمُسلم والائمة وَقَالَ أَبى ابْن كَعْب لِجَهَنَّم سَبْعَة أَبْوَاب بَاب مِنْهَا للحرورية وَعَن عَطاء الخراسانى قَالَ إِن لِجَهَنَّم سَبْعَة أَبْوَاب أَشدّهَا غما وكربا وحرا وأنتنها ريحًا للزناة الَّذين ركبُوا بعد الْعلم رَوَاهُ أَبُو نعيم الْحَافِظ وَعَن أنس بن مَالك عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى قَول الله تَعَالَى يعْنى الْآيَة الْمُتَقَدّمَة جُزْء اشركوا بِاللَّه وجزء شكوا فى الله وجزء غفلوا عَن الله

آثروا شهواتهم على الله وجزء شفوا غيظهم بغضب الله وجزء صيروا رغبتهم بحظهم عَن الله وجزء عتوا على الله ذكره الحليمى فى كتاب منهاج الدّين لَهُ وَقَالَ فان كَانَ ثَابتا فالمشركون بِاللَّه هم الثنوية والشاكون هم الَّذين لَا يَدْرُونَ أَن لَهُم إِلَهًا أَو لَا إِلَه لَهُم ويشكون فى شَرِيعَته إِنَّهَا من عِنْده أم لَا والغافلون هم الَّذين يجحدونه أصلا وَلَا يثبتونه وهم الدهرية والمؤثرون شهواتهم هم المنهمكون فى المعاصى لتكذيبهم برسل الله وَأمره وَنَهْيه والشاقون هم القتالون أَنْبيَاء الله وَسَائِر الداعين لَهُ المعذبون من ينصح لَهُم أَو يذهب غير مَذْهَبهم والمصيرون رغبتهم المفكرون للبعث والحصاب والعاتون الَّذين لَا يبالون بِأَن يكون مَا مِنْهُم حَقًا أَو بَاطِلا فَلَا يتفكرون وَلَا يعتبرون وَلَا يستبدلون وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن كَانَ الحَدِيث ثَابتا

باب فى بعد أبواب جهنم بعضها من بعض

بَاب فى بعد أَبْوَاب جَهَنَّم بَعْضهَا من بعض وَمَا أعد الله تَعَالَى فِيهَا من الْعَذَاب قَالَ بعض أهل الْعلم فى قَوْله تَعَالَى {لكل بَاب مِنْهُم جُزْء مقسوم} قَالَ من الْكَفَّارَة وَالْمُنَافِقِينَ وَالشَّيَاطِين بَين الْبَاب وَالْبَاب خَمْسمِائَة عَام فالباب الأول يُسمى جَهَنَّم لِأَنَّهُ يتجهم فى وُجُوه الرِّجَال وَالنِّسَاء فيأكل لحومهم وَهُوَ أَهْون عذَابا من غَيره وَالْبَاب الثانى يُقَال لَهُ لظى نزاعة للشوى وَيَقُول آكِلَة لِلْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ يَدْعُو من أدبر عَن التَّوْحِيد {وَتَوَلَّى} عَمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْبَاب الثَّالِث يُقَال لَهُ سقر وَإِنَّمَا سمى سقر لِأَنَّهُ يَأْكُل لُحُوم الرِّجَال وَالنِّسَاء لَا يبْقى لَهُم لَحْمًا على عظم وَالْبَاب الرَّابِع يُقَال لَهُ الحطمة قَالَ تَعَالَى {وَمَا أَدْرَاك مَا الحطمة} الْآيَة تحطم الْعِظَام وَتحرق الأفئدة وَقَالَ تَعَالَى {تطلع على الأفئدة} تَأْخُذ النَّار من قَدَمَيْهِ وتطلع فُؤَاده وَتحرق جُلُودهمْ وأيديهم وأبدانهم فَيكون الدمع حَتَّى ينفذ ثمَّ يَبْكُونَ الدِّمَاء حَتَّى تنفذ ثمَّ يَبْكُونَ الْقَيْح حَتَّى إِن السفن لَو أرْسلت تجرى فِيمَا خرج من أَعينهم لجرت وَالْبَاب الْخَامِس يُقَال لَهُ الْجَحِيم وَإِنَّمَا سمى الْجَحِيم لِأَنَّهُ عَظِيم والجمرة الْوَاحِدَة مِنْهُ أعظم من الدُّنْيَا وَالْبَاب السَّادِس يُقَال لَهُ السعير لِأَنَّهُ يسعر لم يسعر مُنْذُ خلق فِيهِ ثلثمِائة قصر فى كل قصر ثلثمِائة بَيت فى كل بَيت ثلثمِائة لون من الْعَذَاب وَفِيه الْحَيَاة والعقارب والقيود والسلاسل والأغلال والانكال وَفِيه جب الْحزن لَيْسَ فى النَّار عَذَاب أَشد مِنْهُ إِذا فتح الْجب حزن أهل النَّار حزنا

شديداالباب السَّابِع يُقَال لَهُ الهاوية من وَقع فِيهِ لم يخرج مِنْهُ أبدا وَفِيه بِئْر اللهب إِذا فتح تخرج مِنْهُ نَار تستعيذ مِنْهُ النَّار وَفِيه الذى قَالَ الله عز وَجل {سَأُرْهِقُهُ صعُودًا} وَهُوَ جبل من نَار تصعده أَعدَاء الله على وُجُوههم مغلولة أَيْديهم إِلَى أَعْنَاقهم فهم مَجْمُوعَة أَعْنَاقهم إِلَى اقدامهم والزبانية وقُوف على رُءُوسهم بِأَيْدِيهِم مَقَامِع من حَدِيد إِذا ضرب أحدهم بالمقمعة ضرب سمع صَوتهَا الثَّقَلَان أَبْوَاب النَّار حَدِيد فرشها السخى غشاوتها الظلمَة أرْضهَا نُحَاس ورصاص وزجاج النَّار من فَوْقهم وَالنَّار من تَحْتهم لَهُم من فَوْقهم ظلل من النَّار وَمن تَحْتهم ظلّ أوقد عَلَيْهَا ألف عَام حَتَّى اسودت فَهِيَ سَوْدَاء مدلهمة مظْلمَة قد مزجت بغضب الله وَذكر القتيبي فى كتاب عُيُون الاحبار وَذكر عَن ابْن عَبَّاس إِن جَهَنَّم سَوْدَاء مظْلمَة لَا ضوء لَهَا وَلَا لَهب وهى كَمَا قَالَ تَعَالَى {لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب} على كل بَاب سَبْعُونَ ألف جبل سَبْعُونَ الف شعب من النَّار فى كل شعب سَبْعُونَ الف شقّ من نَار فى كل شقّ سَبْعُونَ ألف وَاد من نَار فى كل وَاد سَبْعُونَ ألف قصر من النَّار فى كل قصر سَبْعُونَ الف حَيَّة وَسَبْعُونَ الف عقرب لكل عقرب سَبْعُونَ الف ذَنْب وَلكُل ذَنْب سَبْعُونَ الف نقار لكل نقار سَبْعُونَ الف قلَّة من سم فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة كشف عَنْهَا الغطاء فتطير مِنْهَا سرادق عَن يَمِين الثقلَيْن وَآخر عَن شمالهم وسرادق أمامهم وسرادق من فَوْقهم وَآخر من ورائهم فَإِذا نظر الثَّقَلَان إِلَى ذَلِك جثوا على ركبهمْ وكل يُنَادى رب سلم سلم

باب ما جاء فى عظم جهنم وأزمتها

قَالَ القرطبى وَمثله لَا يُقَال من جِهَة الرأى فَهُوَ تَوْقِيف لِأَنَّهُ إِخْبَار عَن مغيب انْتهى ثمَّ نقل عَن وهب بن مُنَبّه نَحوه وأقوال وهب يحدث عَن الإسرائيليين كثيرا وَلَا يقبل مثل ذَلِك عَنهُ وَلَا عَن أَمْثَاله ونظرائه إِلَّا أَن يرد بِهِ دَلِيل من الْكتاب أَو السّنة الصَّحِيحَة وَمَا ورد فى ذَلِك من الْقُرْآن والْحَدِيث يكفى ويشفى ويغنى عَن غَيره بَاب مَا جَاءَ فى عظم جَهَنَّم وَأَزِمَّتهَا وَكَثْرَة ملائكتها وفى عظم خلقهمْ وتفلتها من أَيْديهم وفى قمع النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاهَا وردهَا عَن أهل الْموقف عَن ابْن مَسْعُود رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤْتى بجهنم يَوْم الْقِيَامَة لَهَا سَبْعُونَ ألف زِمَام مَعَ كل زِمَام سَبْعُونَ الف ملك يجرونها أخرجه مُسلم وَرَوَاهُ الطبرانى عَن عبد الله بن مَسْعُود أَيْضا عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَفظه يجاء بجهنم تقاد بسبعين ألف زِمَام مَعَ كل زِمَام سَبْعُونَ ألف ملك يجرونها قَالَ فى مجمع الزَّوَائِد وَرِجَاله رجال الصَّحِيح غير حَفْص بن عمر بن الصَّباح وَقد وَثَّقَهُ ابْن حبَان انْتهى زَاد زيد بن أسلم فبيناهم إِذْ شَردت عَلَيْهِم شَرْدَةً انفلتت من أَيْديهم فلولا أَنهم أدركوها لاحرقت من فى الْجمع فَأَخَذُوهَا ذكره ابْن وهب

بِطُولِهِ وَزَاد أَبُو حَامِد فى كتاب كشف علم الْآخِرَة فيجثو كل من فى الْموقف على الركب حَتَّى الْمُرْسلين وَيجْعَل كل وَاحِد مِنْهُم يَقُول نفسى نفسى لَا أَسأَلك الْيَوْم غَيرهَا وَمُحَمّد ص يَقُول أمتى أمتى سلمهَا ونجها يَا رب وَلَيْسَ فى الْموقف من يحملهُ ركبتاه وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إِلَى كتابها} إِلَى آخر مَا قَالَ وملائكة النَّار كَمَا وَصفهم الله تَعَالَى {غِلَاظ شَدَّاد} وَعَن عبد الرَّحْمَن بن زيد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى خَزَنَة جَهَنَّم مَا بَين منكبى أحدهم كَمَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب رَوَاهُ ابْن وهب وَقَالَ ابْن عَبَّاس مَا بَين منكبى الْوَاحِد مِنْهُم مسيرَة سنة وَقُوَّة الْوَاحِد مِنْهُم أَن يضْرب بالمقمع فَيدْفَع بِتِلْكَ الضَّرْبَة سبعين ألف إِنْسَان فى قَعْر جَهَنَّم وَأما قَوْله تَعَالَى {عَلَيْهَا تِسْعَة عشر} فَالْمُرَاد رؤساءهم كَمَا تقدم فى بَاب الْآيَات وَأما جُمْلَتهمْ فالعبارة عَنْهُم كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا يعلم جنود رَبك إِلَّا هُوَ} قَالَ أهل الْعلم إِنَّمَا الْعلم إِنَّمَا خص النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بردهَا وقمعها وكفها عَن أهل الْمَحْشَر دون غَيره من الْأَنْبِيَاء لِأَنَّهُ رَآهَا فى مسراه وَعرضت عَلَيْهِ فى صلَاته حسب مَا ثَبت فى الصَّحِيح وفى ذَلِك فَوَائِد ثَمَان ذكرهَا القرطبى فى التَّذَكُّر لَيْسَ فى ذكرهَا هُنَا كثير فَائِدَة

باب فى كلام جهنم وذكر أزواجها وإنه لا يجوزها إلا من عنده جواز

بَاب فى كَلَام جَهَنَّم وَذكر أزواجها وَإنَّهُ لَا يجوزها إِلَّا من عِنْده جَوَاز عَن أَبى سعيد الْخُدْرِيّ رضى الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا جمع الله النَّاس فى صَعِيد وَاحِد يَوْم الْقِيَامَة أَقبلت النَّار يركب بَعْضهَا بَعْضًا وخزنتها يكفونها وَهِي تَقول وَعزة رَبِّي ليخلين بيني وَبَين أزواجى أَو لأغشين النَّاس عنقًا وَاحِدًا فَيَقُولُونَ من أَزوَاجك فَيَقُول كل متكبر جَبَّار أخرجه الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عبد الْغنى وفى قَوْله تَعَالَى وَتقول هَل من مزِيد دلاة على كَلَام جَهَنَّم وَاضِحَة لَا خَفَاء بهَا وَفِي حَدِيث أنس بن مَالك يرفعهُ تَقول جَهَنَّم لَا يجوزنى إلامن عِنْده جَوَاز قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا جِبْرِيل مَا الْجَوَاز قَالَ أبشر أبشر من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله جَازَ جسر جَهَنَّم الحَدِيث ذكره القرطبى بَاب مَا جَاءَ أَن التِّسْعَة عشر خَزَنَة جَهَنَّم قَالَ تَعَالَى عَلَيْهَا تِسْعَة عشر عَن جَابر بن عبد الله رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ نَاس من الْيَهُود لِأُنَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل يعلم نَبِيكُم عدد خَزَنَة جَهَنَّم قَالُوا لَا ندرى حَتَّى نَسْأَلهُ فجَاء رجل إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا مُحَمَّد غلب أَصْحَابك الْيَوْم فَقَالَ وبماذا غلبوا

باب ما جاء فى سعة جهنم وعظم سرادقها

قَالَ سَأَلَهُمْ الْيَهُود هَل يعلم نَبِيكُم عدد خَزَنَة جَهَنَّم فَقَالُوا لَا ندى حَتَّى نسْأَل نَبينَا قَالَ أيغلب قوم سئلوا عَمَّا لَا يعلمُونَ فَقَالُوا لَا نعلم حَتَّى نسْأَل نَبينَا وَلَكنهُمْ قد سَأَلُوا نَبِيّهم فَقَالُوا أرنا الله جهره فَلَمَّا جَاءُوا قَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِم كم عدد خَزَنَة جَهَنَّم قَالَ هَكَذَا هَكَذَا فى مرّة عشرَة وفى مرّة تسع قَالُوا نعم الحَدِيث رَوَاهُ الترمذى وَقَالَ هَذَا حَدِيث غَرِيب إِنَّمَا لَا نعرفه من هَذَا الْوَجْه بَاب مَا جَاءَ فى سَعَة جَهَنَّم وَعظم سرادقها تقدم مَا ورد من الْآيَات فِي بَابهَا عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أتدرى مَا سَعَة جَهَنَّم قلت لَا قَالَ أجل وَالله مَا تدرى إِن بَين شحمة أذن أحدهم وَبَين عَاتِقه مسيرَة سبعين خَرِيفًا تجرى فِيهَا أَوديَة الْقَيْح وَالدَّم قلت لَهُ أَنهَار قَالَ لَا بل أَوديَة ثمَّ قَالَ أتدرى مَا سَعَة جَهَنَّم قلت لَا قَالَ أجل وَالله مَا تدرى حدثتنى عَائِشَة أَنَّهَا سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَوْله والارض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة قَالَت قلت فَأَيْنَ النَّاس يَوْمئِذٍ قَالَ على جسر جَهَنَّم أخرجه بن الْمُبَارك والترمذى وَصَححهُ قَالَ فى مجمع الزَّوَائِد وَرَوَاهُ أَحْمد وَرِجَاله رجال الصَّحِيح غير هبة بن سعيد وَهُوَ ثِقَة وَعَن أَبى سعيد الخدرى عَن النبى ص قَالَ لسرادق النَّار أَربع جدر كنف كل جِدَار مسيرَة أَرْبَعِينَ سنة ذكره بن الْمُبَارك وخرجه الترمذى أَيْضا وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود إِن جَهَنَّم لتضيق على الْكَافِر كتضييق الزج على الرمْح وَذكره الثعلبى والقشيرى عَن ابْن عَبَّاس

باب ما جاء فى أن الشمس والقمر يقذفان فى النار

بَاب مَا جَاءَ فى أَن الشَّمْس وَالْقَمَر يقذفان فى النَّار عَن عَطاء بن يسَار أَنه تَلا هَذِه الْآيَة وَجمع الشَّمْس وَالْقَمَر قَالَ يجمعان يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ يفقدان فى النَّار فَتكون نَار الله الْكُبْرَى وَعَن يزِيد الرقاشى عَن أنس يرفعهُ إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الشَّمْس وَالْقَمَر ثوران عقيران فى النَّار أخرجه ابو دَاوُد الطيالسى قَالَ فى مجمع الزَّوَائِد وَرَوَاهُ أَبُو يعلى وَفِيه ضعفاء قد وثقوا قَالَ القرطبى كَذَا الرِّوَايَة ثوران بالمثلئة وَإِنَّمَا يجمعان فى جَهَنَّم لِأَنَّهُمَا قد عبدا من دون الله وَلَا تكون النَّار عذَابا لَهما لِأَنَّهُمَا جماد وَإِنَّمَا يفعل ذَلِك بهما زِيَادَة فى تبكيت الْكَافرين وحسرتهم هَكَذَا قَالَ بعض أهل الْعلم

باب ما جاء فى صفة جهنم وحرها وشدة عذابها أجارنا الله منها

بَاب مَا جَاءَ فى صفة جَهَنَّم وحرها وَشدَّة عَذَابهَا أجارنا الله مِنْهَا عَن أَبى هُرَيْرَة عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أوقد على النَّار ألف سنة حَتَّى احْمَرَّتْ ثمَّ أوقد عَلَيْهَا ألف سنة حَتَّى ابْيَضَّتْ ثمَّ أوقد عَلَيْهَا ألف سنة حَتَّى اسودت فهى سَوْدَاء مظْلمَة رَوَاهُ مَالك والترمذى وَهَذَا لَفظه قَالَ الْمَوْقُوف فى هَذَا الْبَاب أصح وَلَا أعلم أحد رَفعه غير يحيى بن ابى بكيرعن شريك وَعنهُ مَوْقُوفا مثله وَقَالَ فهى كسواد اللَّيْل مَكَان سَواد مظْلمَة رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك وَعنهُ أَنه قَالَ ترونها كقاركم لهى أَشد سوادا من القار والقار الزفت وَعنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَدْرُونَ مَا مثل نَاركُمْ هَذِه من نَار جَهَنَّم لهى أَشد من دُخان نَاركُمْ هَذِه بسبعين ضعفا رَوَاهُ الطبرانى فى الْأَوْسَط قَالَ فى مجمع الزَّوَائِد وَرِجَاله رجال الصَّحِيح وَعنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه النَّار جُزْء من مائَة جُزْء من جَهَنَّم رَوَاهُ أَحْمد وَرِجَاله رجال الصَّحِيح وَعَن سلمَان قَالَ النَّار سَوْدَاء لَا يضىء لهبها وَلَا جمرها وَعَن أَبى هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نَار ابْن آدم الَّتِى يوقدون مِنْهَا جُزْء من سبعين جُزْء من نَار جَهَنَّم فَقَالُوا يَا رَسُول الله وَإِن كَانَت لكَافِيَة قَالَ فانها فضلت بِتِسْعَة وَسِتِّينَ جُزْء أخرجه مَالك وَمُسلم وَزَاد كلهَا مثل حرهَا وفى تيسير الْوُصُول إِلَى أَحَادِيث جَامع الْأُصُول أخرجه الثَّلَاثَة

والترمذى وَعَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن نَاركُمْ هَذِه جُزْء من سبعين جُزْء من نَار جَهَنَّم وَلَوْلَا أَنَّهَا أطفئت بِالْمَاءِ مرَّتَيْنِ مَا انتفعتم بهَا وَأَنَّهَا لتدعو الله أَن لَا يُعِيدهَا فِيهَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَرَوَاهُ الْبَزَّار عَن أنس عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَفْظ أَنه ذكر نَار جَهَنَّم فَقَالَ انها لجزء من سبعين جُزْء من نَار جَهَنَّم وَمَا وصلت إِلَيْكُم أَحْسبهُ قَالَ حَتَّى نضحت مرَّتَيْنِ بِالْمَاءِ لتضىء لكم ونار جَهَنَّم سَوْدَاء مظْلمَة قَالَ فى مجمع الزَّوَائِد وَرِجَاله ضعفاء على تَوْثِيق لين فيهم وَعَن عبد الله بن مَسْعُود أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة بشرى وهى جُزْء من سبعين جُزْء من النُّبُوَّة وَإِن نَاركُمْ يعْنى هَذِه جُزْء من سبعين جُزْء من سموم جَهَنَّم وَمَا دَامَ العَبْد ينْتَظر الصَّلَاة فَهُوَ فى صَلَاة مَا لم يحدث رَوَاهُ الْبَزَّار وَفِيه عبيد ابْن إِسْحَاق الْعَطَّار وَهُوَ مَتْرُوك وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان وَبَقِيَّة رِجَاله رجال الصَّحِيح قَالَه فى مجمع الزَّوَائِد وَعَن أَبى هُرَيْرَة نَحوه مَرْفُوعا وَقَالَ وَلَوْلَا أَنَّهَا ضربت بِالْمَاءِ مرَّتَيْنِ مَا كَانَ لأحد فِيهَا مَنْفَعَة خرجه سُفْيَان بن عُيَيْنَة وفى خبر آخر عَن ابْن عَبَّاس هَذِه النَّار قد ضرب بهَا الْبَحْر سبع مَرَّات وَلَوْلَا ذَلِك مَا انْتفع بهَا ذكره أَبُو عَمْرو وَقَالَ عبد الله ابْن مَسْعُود لَوْلَا أَنَّهَا ضرب بهَا الْبَحْر عشر مَرَّات مَا انتفعتم بشىء مِنْهَا وَسُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن نَار الدُّنْيَا مِمَّا خلقت فَقَالَ من نَار جَهَنَّم غير أَنَّهَا طفئت بِالْمَاءِ سبعين مرّة وَلَوْلَا ذَلِك مَا قربت لِأَنَّهَا من نَار جَهَنَّم

وَعَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤْتى بأنعم النَّاس يَوْم الْقِيَامَة من أهل النَّار فيصبغ فى النَّار صبغة ثمَّ يُقَال يَا ابْن آدم هَل رَأَيْت خيرا قطّ هَل مر بك نعيم قطّ فَيَقُول لَا وَالله يَا رب وَيُؤْتى بأشد النَّاس بؤسا فى الدُّنْيَا من أهل الْجنَّة فيصبغ صبغة فى الْجنَّة فَيُقَال لَهُ يَا ابْن آدم هَل رَأَيْت بؤسا قطّ هَل مر بك شدَّة قطّ فَيَقُول لَا وَالله يَا رب مَا مر بى بؤس قطّ وَلَا رَأَيْت شدَّة قطّ أخرجه مُسلم وَأخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤْتى يَوْم الْقِيَامَة بأنعم أهل الدُّنْيَا من الْكفَّار فَيُقَال اغمسوه فى النَّار غمسة فينغمس فِيهَا ثمَّ يخرج فَيُقَال أى فلَان هَل أَصَابَك نعيم قطّ فَيَقُول لَا مَا أصابنى نعيم قطّ ويأتى بأشد الْمُؤمنِينَ ضرا وبلاء فَيُقَال اغمسوه غمسة فى الْجنَّة فيغمس فِيهَا غمسة فَيُقَال لَهُ أى فلَان هَل أَصَابَك ضرّ وبلاء فَيَقُول لَا مَا أصابنى ضرّ قطّ وَلَا بلَاء وَعَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أَن جهنميا من أهل جَهَنَّم أخرج كَفه إِلَى أهل الدُّنْيَا حَتَّى يبصروها لأحرقت الدُّنْيَا من حرهَا وَلَو أَن خَازِنًا من خَزَنَة جَهَنَّم خرج إِلَى أهل الدُّنْيَا حَتَّى يبصرونه لمات أهل الدُّنْيَا حِين يبصرونه من غضب الله أخرجه إِبْرَاهِيم بن هَدِيَّة وَعَن أَبى هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كَانَ فى الْمَسْجِد مائَة ألف أَو يزِيدُونَ ثمَّ تنفس رجل من أهل النَّار لأحرقهم أخرجه الْبَزَّار

باب ما جاء فى شكوى النار وكلامها وبعد قعرها وأهوالها وفى قدر الحجر

بَاب مَا جَاءَ فى شكوى النَّار وكلامها وَبعد قعرها وأهوالها وفى قدر الْحجر الذى يرْمى بِهِ فِيهَا أجارنا الله مِنْهَا وَمن أهوالها روى الْأَئِمَّة عَن أَبى هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشتكت النَّار إِلَى رَبهَا فَقَالَت رب أكل بعضى بَعْضًا فَجعل لَهَا نفسين نفسا فى الشتَاء ونفسا فى الصَّيف فشدة مَا يَجدونَ من الْبرد زمهريرها وَشدَّة مَا يَجدونَ من الْحر من سمومها أخرجه البخارى وَمُسلم والترمذى وَرَوَاهُ أَبُو يعلى عَن أنس ابْن مَالك وَلَفظه فشدة مَا تَجِدُونَ من الْحر من حرهَا وَشدَّة مَا تَجِدُونَ من الْبرد من زمهريرها قَالَ فى مجمع الزَّوَائِد وَفِيه زِيَاد النميرى وَهُوَ ضَعِيف عِنْد الْجُمْهُور انْتهى قلت وَأَصله فى الصَّحِيح كَمَا عرفت وَعَن أَبى هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن جَهَنَّم قَالَت يَا رب إئذن لي فى نفس فَأنى أخْشَى أَن أفيض على خلقك فَأذن لَهَا بنفسين فى كل سنة مرَّتَيْنِ فشدة الْحر من فيحها وَشدَّة الْبرد من زمهريرها رَوَاهُ الْبَزَّار وَرِجَاله رجال الصَّحِيح قَالَه الهيثمى فى مجمع الزَّوَائِد وَعَن أَبى سعيد الخدرى قَالَ سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَوتا هائلا فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا هَذَا الصَّوْت يَا جِبْرِيل فَقَالَ هَذِه صَخْرَة هوت من شَفير جَهَنَّم من سبعين عَاما فَهَذَا حِين بلغت قعرها فَأحب الله أَن يسمعك صَوتهَا فَمَا رئى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَاحِكا ملأفيه حَتَّى قَبضه الله رَوَاهُ الطبرانى فى الْأَوْسَط وَفِيه إِسْمَاعِيل بن قيس الأنصارى وَهُوَ ضَعِيف قَالَه فى مجمع الزَّوَائِد

وَعَن أَبى هُرَيْرَة قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ سمع وجبة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تَدْرُونَ مَا هَذَا قُلْنَا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ هَذَا حجر رمى بِهِ فى النَّار مُنْذُ سبعين خَرِيفًا فَهُوَ يهوى فى النَّار إِلَى الْآن حَتَّى انْتهى إِلَى قعرها أخرجه مُسلم وَعَن الْحسن قَالَ قَالَ عتبَة بن غَزوَان على منبرنا هَذَا يعْنى مِنْبَر الْبَصْرَة عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الصَّخْرَة الْعَظِيمَة لتلقى فى شَفير جَهَنَّم فتهوى فِيهَا سبعين عَاما وَمَا تقضى إِلَى قَرَارهَا قَالَ وَكَانَ ابْن عمر يَقُول أَكْثرُوا ذكر النَّار فان حرهَا شَدِيد وقعرها مديد وَأَن مقامعها حَدِيد رَوَاهُ الترمذى وَقَالَ لَا نَعْرِف لِلْحسنِ سَمَاعا من عتبَة ابْن غَزوَان وَإِنَّمَا قدم عتبَة الْبَصْرَة زمن عمر وَولد الْحسن لِسنتَيْنِ بَقِيَتَا من خلَافَة عمر وَعَن لُقْمَان بن عَامر قَالَ جِئْت أَبَا أُمَامَة فَقلت حَدثنَا مَا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أَن صَخْرَة وزنت عشرَة خلفات قذف بهَا من شَفير جَهَنَّم مَا بلغت قعرها سبعين خَرِيفًا حَتَّى ينتهى إِلَى غى وأثام قيل وَمَا غى وأثام قَالَ بئران فى جَهَنَّم يسيل مِنْهُمَا صديد أهل النَّار وهما اللَّتَان ذكرهمَا الله تَعَالَى فِي كِتَابه أضاعوا الصَّلَاة وَاتبعُوا الشَّهَوَات فَسَوف يلقون غيا وَقَوله وَمن يفعل ذَلِك يلق اثاما رَوَاهُ الطبرانى وَفِيه ضعفاء قد وثقهم ابْن حبَان وَقَالَ يخطئون وَعَن الزهرى قَالَ بلغنَا أَن معَاذ بن جبل كَانَ يحدث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ والذى نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِن مَا بَين شفة النَّار وقعرها لصخرة زنة سبع خلفات بشحومهن ولحومهن وأولادهن تهوى من شفة النَّار قبل أَن تبلغ قعرها سبعين خَرِيفًا أخرجه ابْن الْمُبَارك وروى الطبرانى نَحوه وَفِيه وَاو لم يسم وَبَقِيَّة رِجَاله رجال الصَّحِيح قَالَه فى مجمع الزَّوَائِد

وَعَن ابى أُمَامَة قَالَ أَن مَا بَين شَفير جَهَنَّم سبعين خَرِيفًا من حجر يهوى أَو قَالَ صَخْرَة تهوى عظمها كعشر عشرات عِظَام سمان فَقَالَ لَهُ مولى لعبد الرَّحْمَن بن خَالِد هَل تَحت ذَلِك من شىء يَا أَبَا أُمَامَة قَالَ نعم غى وأثام رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك وَعَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أَن حجرا كسبع خلفات بشحومهن وأولادهن ألْقى فى جَهَنَّم لهوى سبعين عَاما لَا يبلغ قعرها رَوَاهُ أَبُو يعلى وَفِيه يزِيد بن أبان الرقاشى وَهُوَ ضَعِيف وَقد وثق وَبَقِيَّة رِجَاله رجال الصَّحِيح كَذَا فى مجمع الزَّوَائِد وَعَن أَبى مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أَن حجرا قذف بِهِ فى جَهَنَّم لهوى سبعين خَرِيفًا قبل أَن يبلغ قعرها رَوَاهُ أَبُو يعلى وَالْبَزَّار بِنَحْوِهِ وَفِيه عَطاء ابْن السَّائِب وَقد اخْتَلَط وَبَقِيَّة رجالهما ثِقَات وَعَن بُرَيْدَة عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أَن حجرا يهوى فى جَهَنَّم لما وصل إِلَّا قعرها سبعين خَرِيفًا رَوَاهُ الْبَزَّار والطبرانى وَفِيهِمَا مُحَمَّد بن أبان الجعفى وَهُوَ ضَعِيف وَعَن خَالِد بن عمر الْعَدْوى قَالَ خَطَبنَا عُرْوَة بن غَزوَان وَكَانَ أَمِيرا على الْبَصْرَة فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أما بعد فان الدُّنْيَا قد آذَنت بِصرْم وَوَلَّتْ حذاء وَلم يبْق مِنْهَا إِلَّا صبَابَة كَصُبَابَةِ الْإِنَاء يتصابها صَاحبهَا وَإِنَّكُمْ منتقلون مِنْهَا إِلَى دَار لَا زَوَال لَهَا فانتقلوا بِخَير مَا بحضرتكم فانه ذكر لنا أَن الْحجر ليلقى من شَفير جَهَنَّم فيهوى بهَا سبعين عَاما لَا يدْرك لَهَا قعرا وَالله لتمتلئن الحَدِيث أخرجه مُسلم قَالَ كَعْب لَو فتح من جَهَنَّم قدر منخر ثَوْر بالمشرق وَرجل بالمغرب لغلى دماغه حَتَّى يسيل من حرهَا وَإِن جَهَنَّم لتزفر زفرَة لَا يبْقى ملك مقرب وَلَا نبى مُرْسل إِلَّا خر جاثيا على رُكْبَتَيْهِ وَيَقُول نفسى نفسى ذكره القرطبى

باب ما جاء فى أن النار لها عينان وعنق وأذن ولسان

بَاب مَا جَاءَ فى أَن النَّار لَهَا عينان وعنق وَأذن ولسان ذكر رزين أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من كذب على مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ بَين عينى جَهَنَّم مقْعدا قيل يَا رَسُول الله وَلها عينان قَالَ أما سَمِعْتُمْ الله يَقُول إِذا رأتهم من مَكَان بعيد سمعُوا لَهَا تغيظا وزفيرا يخرج عنق من النَّار وَله عينان تبصران ولسان ينْطق فَيَقُول وكلت بِمن جعل مَعَ الله إِلَهًا آخر فَلَهو أبْصر بهم من الطير بحب السمسم فيلتقطه من الْبَريَّة وفى رِوَايَة أُخْرَى فَيخرج عنق من النَّار فيلتقط الْكفَّار لقط الطَّائِر حب السمسم صَححهُ أَبُو مُحَمَّد بن الْعَرَب فى قيسه وَقَالَ أى يفصلهم عَن الْخلق فى الْمعرفَة كَمَا يفصل الطَّائِر حب السمسم من الْبَريَّة وَعَن أَبى سعيد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج عنق من النَّار يَوْم الْقِيَامَة فيكلم بِلِسَان طلق ذلق لَهَا عينان تبصر بهما وَلها لِسَان تكلم بِهِ فَيَقُول إنى أمرت بِمن جعل مَعَ الله إِلَهًا آخر وَبِكُل جَبَّار عنيد وَمن قتل نفسا بِغَيْر نفس فتنطلق بهم قبل سَائِر النَّاس بِخَمْسِمِائَة عَام وفى رِوَايَة فتنطوى عَلَيْهِم فتقذفهم فى جَهَنَّم رَوَاهُ الْبَزَّار وَاللَّفْظ لَهُ وَأحمد بِاخْتِصَار وَأَبُو يعلى بِنَحْوِهِ والطبرانى فى الْأَوْسَط وَأحد إسنادى الطبرانى رِجَاله رجال الصَّحِيح وَعَن أَبى سعيد قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا جمع الله النَّاس فى صَعِيد وَاحِد يَوْم الْقِيَامَة أَقبلت النَّار يركب بَعْضهَا بَعْضًا وخزنتها يكفونها وهى تَقول وَعزة ربى لتخلن بيني وَبَين أزواجى أَو لأغشين النَّاس عنقًا وَاحِدَة فَيَقُولُونَ وَمن أَزوَاجك فَتَقول كل متكبر جَبَّار فَتخرج لسانها

فتلقطهم من بَين ظهرانى النَّاس فتقذفهم فى جوفها ثمَّ يسْتَأْخر ثمَّ يقبل يركب بَعْضهَا بَعْضًا وخزنتها يكفونها وهى تَقول وَعزة ربى لتخلن بيني وَبَين أزواجى أَو لأغشين النَّاس عنقًا وَاحِدَة فَيَقُولُونَ وَمن أَزوَاجك فَتَقول كل جَبَّار كفور فتلتقطهم من بَين ظهرانى النَّاس فتقذفهم فى جوفها ثمَّ يسْتَأْخر ثمَّ يقبل يركب بَعضهم بَعْضًا وخزنتها يكفونها وهى تَقول وَعزة ربى لتخلن بينى وَبَين أزواجى أَو لأغشين النَّاس عنقًا وَاحِدَة فَيَقُولُونَ وَمن أَزوَاجك فَتَقول كل مختال فخور فتلتقطهم بلسانها فتقذفهم فى جوفها ثمَّ يسْتَأْخر ويقض الله بَين الْعباد رَوَاهُ أَبُو يعلى وَرِجَاله وثقوا إِلَى أَن ابْن إِسْحَق مُدَلّس قَالَه فى مجمع الزَّوَائِد وَعَن أَبى هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج عنق من النَّار يَوْم الْقِيَامَة لَهُ عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينْطق فَيَقُول إنى وكلت بِكُل جَبَّار عنيد وَبِكُل من دَعَا مَعَ الله إِلَه آخر وبالمصورين أخرجه الترمذى وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب صَحِيح وفى الْبَاب عَن أَبى سعيد وَكَانَ بعض الوعاظ يَقُول أَيهَا المجترى على النَّار أَلَك طَاقَة بسطوة مَالك خَازِن النَّار وَمَالك إِذا غضب على النَّار وزجرها زَجْرَة كَادَت تَأْكُل بَعْضهَا بَعْضًا

باب ما جاء فى مقامع أهل النار وسلاسلهم وأغلالهم

بَاب مَا جَاءَ فى مَقَامِع أهل النَّار وسلاسلهم وأغلالهم روى عَن الْحسن أَنه قَالَ مَا فى جَهَنَّم وَاد وَلَا مغار وَلَا غل وَلَا سلسلة وَلَا قيد وَإِلَّا وَاسم صَاحبه مَكْتُوب عَلَيْهِ وروى عَن ابْن مَسْعُود نَحوه وَعَن ابْن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أَن رصاصة مثل هَذِه وَأَشَارَ إِلَى مثل الجمجمة أرْسلت من السَّمَاء إِلَى الإرضوهى مسيرَة خَمْسمِائَة سنة لبلغت الأرضقبل اللَّيْل وَلَو أَنَّهَا أرْسلت من رَأس السلسلة لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا اللَّيْل وَالنَّهَار قبل أَن يبلغ أَصْلهَا أَو قعرها أخرجه الترمذى وَقَالَ هَذَا حَدِيث إِسْنَاده صَحِيح قَالَ القرطبى وفى الْخَبَر أَن الله تَعَالَى ينشىء لأهل النَّار سَحَابَة فَإِذا رأوها ذكرُوا سحائب الدُّنْيَا فيناديهم يَا أهل النَّار مَا تشتهون فَيَقُولُونَ نشتهى المَاء الْبَارِد فتمطرهم أغلالا وتزداد فى أغلالهم وسلاسل تزداد فى سلاسلهم وَقَالَ مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر لَو جمع حَدِيد الدُّنْيَا مَا خلا مِنْهَا وَمَا بقى مَا عدل حَلقَة من حلق جَهَنَّم وَقَالَ ابْن زيد وَيُقَال إِن حَلقَة من غل أهل جَهَنَّم لَو ألقيت على أعظم جبل فى الدُّنْيَا لهدته قَالَ وَلَهُم مَقَامِع من حَدِيد يقمعون بهَا هَؤُلَاءِ فاذا قَالَ خذوه فيأخذوه كَذَا وَكَذَا ألف ملك فَلَا يضعون أَيْديهم على شىء من عِظَامه إِلَّا صَار تَحت أَيْديهم رفاتا فتجمع أَيْديهم وأرجلهم ورقابهم فى الْحَدِيد قَالَ فيلقون فى النَّار مصفودين قَالَ فَلَيْسَ شىء لَهُم يَتَّقُونَ بِهِ إِلَّا الْوُجُوه وهم مصفودون قد ذهبت الْأَبْصَار فهم عمى وَقَرَأَ لَهُ قَوْله تَعَالَى أَفَمَن يتقى بِوَجْهِهِ سوء الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة إِلَى آخر الْآيَة

قَالَ إِذا ألقوا فكادوا يبلغون قعرها تلقاهم لهبها فيردهم إِلَى أَعْلَاهَا حَتَّى إِذا كَادُوا يخرجُون تلقتهم الْمَلَائِكَة بمقامع من حَدِيد فيضربوهم بهَا فجَاء أَمر بغلب اللهب فهووا كَمَا هم سافلين هَكَذَا وَقَرَأَ قَول الله عز وَجل كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا أعيدوا فِيهَا فهم كَمَا قَالَ الله تَعَالَى عاملة ناصبة تصلى نَارا حامية وَعَن أَبى سعيد عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو أَن مِقْمَعًا من حَدِيد وضع فى الأَرْض فَاجْتمع لَهُ الثَّقَلَان مَا أَقلوهُ من الأَرْض رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى قَالَ فى مجمع الزَّوَائِد وَفِيه ضعفاء وَقد وثقوا وَعنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو ضرب الْجَبَل بمقمع من حَدِيد لتفتت ثمَّ عَاد رَوَاهُ أَحْمد وابو يعلى فى حَدِيث طَوِيل وَفِيه ابْن لَهِيعَة وَقد وثق على ضعفه وروى عَن طَاوس أَن الله عز وَجل خلق ملكا وَخلق لَهُ أَصَابِع على عدد أهل النَّار فَمَا من أهل النَّار معذب إِلَّا وَملك يعذبه باصبع من أَصَابِعه فوَاللَّه لَو وضع مَالك أصبعا من أَصَابِعه على السَّمَاء لأذابها ذكره القتيبى فى عُيُون الْأَخْبَار لَهُ

باب ما جاء فى كيفية دخول أهل النار وتلقى النار أهلها

بَاب مَا جَاءَ فى كَيْفيَّة دُخُول أهل النَّار وتلقى النَّار أَهلهَا عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد قَالَ تلقاهم جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة بشرر كَالنُّجُومِ فيولوا هاربين فَيَقُول الْجَبَّار تبَارك وَتَعَالَى ردوهم عَلَيْهَا فيردوهم فَذَلِك قَوْله تَعَالَى يَوْم يولون مُدبرين مالكم من الله من عَاصِم أى مَانع يمنعكم ويلقاهم وهجها قبل أَن يدخلوها فتندر حدقهم فيدخلوها عميا مغلولين فى الأغلال أَيْديهم وأرجلهم ورقابهم قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا بَين منكبى أحدهم كَمَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب ذكره ابْن وهب وَعَن أَبى هُرَيْرَة عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن جَهَنَّم لما سبق إِلَيْهَا أَهلهَا تلقتهم فلفحتهم لفحة فَلم تدع لَحْمًا على عظم إِلَّا ألقته على العرقوب رَوَاهُ الطبرانى فى الْأَوْسَط قَالَ فى مجمع الزَّوَائِد وَفِيه مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن الأصبهانى وَهُوَ ضَعِيف

باب فى رفع لهب النار أهل النار حتى يشرفوا على أهل الجنة

بَاب فى رفع لَهب النَّار أهل النَّار حَتَّى يشرفوا على أهل الْجنَّة قَالَ القرطبى يرْوى أَن لَهب النَّار يرفع أهل النَّار حَتَّى يطير كَمَا يطير الشرر فاذا رفعهم أشرفوا على أهل الْجنَّة وَبينهمْ حجاب فينادى أَصْحَاب الْجنَّة أَصْحَاب النَّار إِنَّا قد وجدنَا مَا وعدنا رَبنَا حَقًا فَهَل وجدْتُم مَا وَعدكُم ربكُم حَقًا قَالُوا نعم فآذن مُؤذن بَينهم أَن لعنة الله على الظَّالِمين وينادى أَصْحَاب النَّار أَصْحَاب الْجنَّة حِين يرَوا الْأَنْهَار تطرد بَينهم أَن أفيضوا علينا من المَاء أَو مِمَّا رزقكم الله قَالُوا إِن الله حرمهَا على الْكَافرين فتردهم مَلَائِكَة الْعَذَاب بمقامع من حَدِيد إِلَى قَعْر النَّار وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين هُوَ معنى قَوْله تَعَالَى كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا أعيدوا فِيهَا وَقيل لَهُم ذوقوا عَذَاب النَّار الذى كُنْتُم بِهِ تكذبون ذكره أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق فى كتاب الْعَاقِبَة لَهُ وَقَالَ لَعَلَّك تَقول كَيفَ ترى أهل الْجنَّة أهل النَّار وَأهل النَّار أهل الْجنَّة كَيفَ يسمع بَعضهم كَلَام بعض وَبينهمْ مَا بَينهم من بعد الْمسَافَة وَغلظ الْحجاب فَيُقَال لَك لَا تقل هَكَذَا فان الله يقوى أسماعهم وابصارهم حَتَّى يرى بَعضهم بَعْضًا وَيسمع بَعضهم كَلَام بعض وَهَذَا قريب فى قدرَة الله جدا

باب فى نفس أهل النار

بَاب فى نفس أهل النَّار عَن أَبى هُرَيْرَة عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو أَن فى الْمَسْجِد مائَة ألف أَو يزِيدُونَ وَفِيه رجل من أهل النَّار فتنفس فَأصَاب نَفسه لاحترق الْمَسْجِد وَمن فِيهِ رَوَاهُ أَبُو يعلى عَن شَيْخه إِسْحَاق وَلم يُعينهُ فَإِن كَانَ ابْن رَاهَوَيْه فرجاله رجال الصَّحِيح وَإِن كَانَ غَيره فَلم أعرفهُ قَالَه فى مجمع الزَّوَائِد وَعَن أَبى هُرَيْرَة مثله وَلَفظه ثمَّ تنفس رجل من أهل النَّار لاحرقهم رَوَاهُ الْبَزَّار وَفِيه عبد الرَّحِيم ابْن هَارُون وَهُوَ ضَعِيف وَذكره ابْن حبَان فى الثِّقَات وَقَالَ يعْتَبر حَدِيثه إِذا حدث من كِتَابه فان فى حَدِيثه من حفظه بعض الْمَنَاكِير وَبَقِيَّة رِجَاله رجال الصَّحِيح بَاب مَا جَاءَ فى أَن فى جَهَنَّم جبالا وخنادق وأودية وبحارا وصهاريج وحياضا وآبارا أوجبابا وتنانين وسجونا وبيوتا وجسورا وقصورا أَو أرجاء ونواعير وعقارب وحيات أجارنا الله مِنْهَا بفضله وَكَرمه عَن أَبى سعيد الخدرى رضى الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الصعُود جبل من نَار يصعد فِيهِ الْكَافِر سبعين خَرِيفًا ويهوى فِيهِ كَذَلِك أبدا أخرجه الترمذى وَقَالَ هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث ابْن لَهِيعَة

وفى حَدِيث أنس رضى الله عَنهُ أَن من مَاتَ سكرانا فانه يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة سكرانا إِلَى خَنْدَق فى وسط جَهَنَّم يُسمى السَّكْرَان أجارنا الله مِنْهُ وَعَن أَبى سعيد الخدرى عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ويل وَاد فى جَهَنَّم يهوى فِيهِ الْكَافِر اربعين خَرِيفًا قبل أَن يبلغ قَعْره والصعود جبل من نَار يصعد فِيهِ سبعين خَرِيفًا ثمَّ يهوى فَهُوَ كَذَلِك أخرجه ابْن الْمُبَارك عَن طَرِيق رشدين ابْن سعد عَن عَمْرو ابْن الْحَارِث عَن أَبى السَّمْح عَن أَبى الْهَيْثَم وَعَن عَطاء ابْن يسَار قَالَ الويل وَاد فى جَهَنَّم لَو سيرت فِيهِ الْجبَال لماعت من حره وَذكر بن عطيه فى تَفْسِيره عَن ابْن عِيَاض أَنه قَالَ الويل صهريج فى جَهَنَّم من صديد أهل النَّار وَقَالَ زِيَاد بن وَقاص الويل مسيل فى أصل جَهَنَّم وَحكى الزهراوى عَن آخَرين أَنه بَاب من أَبْوَاب جَهَنَّم وَقَالَ أَبُو سعيد الخدرى أَنه وَاد بَين جبلين يهوى فِيهِ الهاوى اربعين خَرِيفًا وَأخرج الترمذى مَرْفُوعا عَن أَبى سعيد الويل وَاد فى جَهَنَّم يهوى فِيهِ الْكَافِر اربعين خَرِيفًا قبل أَن يبلغ قَعْره قَالَ وَهَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث أَبى لَهِيعَة وَقَالَ ابْن زيد اليحموم جبل فى جَهَنَّم يستغيث إِلَى ظله أهل النَّار لَا بَارِد بل حَار لِأَنَّهُ من دُخان شَفير جَهَنَّم وَلَا كريم عذب وَقَالَ سعيد ابْن الْمسيب ولأحسن منظره وَقَالَ مُجَاهِد وَاد فى جَهَنَّم يُقَال لَهُ موبق وَعَن عِكْرِمَة هُوَ نهر فى جَهَنَّم يسيل نَارا على حافتيه حيات مثل البغال الدهم فَإِذا طارت اليهم لتأخذهم اسْتَغَاثُوا مِنْهَا بالاقتحام فِي النَّار وَقَالَ أنس بن مَالك هُوَ وَاد فى جَهَنَّم من قيح وَدم قَالَ نوف البكالى فى قَوْله تَعَالَى وَجَعَلنَا بَينهم موبقا قَالَ وَاد فى جَهَنَّم بَين أهل الضَّلَالَة وَبَين أهل الايمان وَعَن أَبى بردة عَن أَبِيه عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن فى جَهَنَّم لواديا يُقَال لَهُ

هَب هَب يسكنهُ كل جَبَّار وَرَوَاهُ الترمذى وَرَوَاهُ الطبرانى بِلَفْظ إِن فى جَهَنَّم وَاديا وفى الوادى بِئْر يُقَال لَهُ هبهب حق على الله أَن يسكنهَا كل جَبَّار عنيد قَالَ فى مجمع الزَّوَائِد وَفِيه أَزْهَر بن سِنَان وَهُوَ ضَعِيف وَعَن عبد الله بن الْحَارِث بن جُزْء قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن فى النَّار حيات كأمثال أَعْنَاق البخت تلسع أحداهن اللسعة فيجد حموها أَرْبَعِينَ خَرِيفًا وَأَن فى النَّار عقارب كأمثال البغال الموكفة تلسع أحداهن اللسعة فيجد حموها أَرْبَعِينَ خَرِيفًا رَوَاهُ أَحْمد والطبرانى قَالَ فى مجمع الزَّوَائِد وَفِيه ضعفاء قد وثقوا وَعَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمر الذُّبَاب أَرْبَعُونَ لَيْلَة والذباب كُله فى النَّار إِلَّا النملة رَوَاهُ أَبُو يعلى قَالَ فى الْمجمع وَرِجَاله ثِقَات وَعَن ابْن عَبَّاس عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الذُّبَاب كُله فى النَّار إِلَّا النملة رَوَاهُ الطبرانى وَرِجَاله رجال الصَّحِيح غير إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن حَازِم وَهُوَ ثِقَة وَرَوَاهُ الطبرانى فى الْكَبِير والأوسط وَالْبَزَّار عَن بن عمر عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأسانيد وَبَعض رجال أَسَانِيد الطبرانى ثِقَات وَرَوَاهُ الطبرانى أَيْضا عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا وَقَالَ إِلَّا النَّحْل وَفِيه إِسْحَاق بن يحيى بن طَلْحَة وَهُوَ مَتْرُوك وَقد ذكره بن حبَان فى الضُّعَفَاء وفى الثِّقَات وَقَالَ نحتج بِمَا وَافق فِيهِ الثِّقَات ونترك مَا انْفَرد بِهِ بعد أَن استخرت الله تَعَالَى فِيهِ وَبَقِيَّة رِجَاله رجال الصَّحِيح وَقد وَافق الثِّقَات فى أصل الحَدِيث وَعَن ابْن مَسْعُود فى قَول الله تَعَالَى زدناهم عذَابا فَوق الْعَذَاب قَالَ زيد عقارب أنيابها كالنخل الطوَال رَوَاهُ أَبُو يعلى وَرِجَاله رجال الصَّحِيح وَعَن ابْن عَبَّاس فى الْآيَة الْمَذْكُورَة قَالَ هى خَمْسَة أَنهَار تَحت الْعَرْش يُعَذبُونَ

بِبَعْضِهَا بِاللَّيْلِ وببعضها بِالنَّهَارِ رَوَاهُ أَبُو يعلى وَرِجَاله رجال الصَّحِيحَيْنِ كَذَا فى مجمع الزَّوَائِد وَعَن عَائِشَة زوج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انها سُئِلت عَن قَول الله تَعَالَى فَسَوف يلقون غيا قَالَت نهر فى جَهَنَّم وَاخْتلفُوا فى قَوْله تَعَالَى أعوذ بِرَبّ القلق فروى عَن ابْن عَبَّاس أَنه سجن فى جَهَنَّم وَقَالَ كَعْب هُوَ بَيت فى جَهَنَّم إِذا فتح صَاح جَمِيع أهل النَّار من شدَّة حره ذكره ابو نعيم وَعِنْده عَن حميد بن هِلَال قَالَ حدثت أَن فى جَهَنَّم تنانين ضيقها كضيق زج احدكم فى الأَرْض تضيق على قوم بأعمالهم وَذكر ابْن الْمُبَارك أَن فى جَهَنَّم قصرا يُقَال لَهُ هوى يرْمى الْكَافِر من أَعْلَاهُ فيهوى أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قبل أَن يبلغ أَصله قَالَ تَعَالَى وَمن يحلل عَلَيْهِ غَضبى فقد هوى وَإِن فى جَهَنَّم وَاديا يدعى أثاما فِيهِ حيات وعقارب فى فقار احداهن مِقْدَار سبعين قلَّة من سم وَالْعَقْرَب مِنْهُنَّ مثل البغلة الموكفة تلدغ الرجل فَلَا تلهيه عَمَّا يجد من حر جَهَنَّم حمة لدغتها فَهُوَ لما خلق لَهُ وَأَن فى جَهَنَّم سبعين دَاء لأَهْلهَا كل دَاء مثل جُزْء من أَجزَاء جَهَنَّم وَإِن فى جَهَنَّم وَاديا يُسمى غيا يسيل قَيْحا ودما فَهُوَ لما خلق لَهُ قَالَ تَعَالَى فَسَوف يلقون غيا وَعَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن فى جَهَنَّم بحرا أسود مظلما منتن الرّيح يغرق الله فِيهِ من أكل رزقه وَعبد غَيره رَوَاهُ أَبُو هَدِيَّة إِبْرَاهِيم ابْن هَدِيَّة وَعَن مُحَمَّد بن وَاسع قَالَ دخلت على بِلَال ابْن أَبى بردة فَقلت يَا بِلَال إِن اباك حَدَّثَنى عَن جدك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن فى جَهَنَّم وَاديا وَلذَلِك الوادى بِئْر يُقَال لَهُ هبهب حق على الله أَن يسكنهَا كل جَبَّار فأياك أَن تكون مِنْهُم رَوَاهُ أَبُو نعيم

وَعَن أَبى هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن فى جَهَنَّم وَاديا يُقَال لَهُ لملم وَأَن أَوديَة جَهَنَّم لتستعيذ بِاللَّه من حره أخرجه بن الْمُبَارك وَعَن الْحُسَيْن ابْن على عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ كل مُسكر حرَام وَثَلَاثَة غضب الله عَلَيْهِم وَلَا ينظر إِلَيْهِم وَلَا يكلمهم وهم فى المنسا والمنسى بِئْر فى جَهَنَّم المكذب بِالْقدرِ والمبتدع فِي دين الله ومدمن الْخمر رَوَاهُ مَالك والخطيب وَعَن عمر بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن المتكبرين يحشرون يَوْم الْقِيَامَة أشباه الذَّر على صور النَّاس يعلوهم كل شىء من الصغار يساقون حَتَّى يدْخلُونَ سجنا فى جَهَنَّم يُقَال لَهُ بوس يسقون من عصارة أهل النَّار من طِينَة الخبال أخرجه ابْن وهب وَابْن الْمُبَارك وَعنهُ عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يحْشر المتكبرون يَوْم الْقِيَامَة أَمْثَال الذَّر فى صور النَّاس يَغْشَاهُم الذل من كل مَكَان يساقون إِلَى سجن فى جَهَنَّم يُسمى بوس يعلوهم نَار الإيتار يسقون من عصارة أهل النَّار طِينَة الخبال أخرجه الترمذى وَقَالَ حَدِيث حسن وروى عَن زيد بن ثَابت قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة مهاجرى وفيهَا مضجعى وَمِنْهَا مخرجى حَقًا على أمتى حفظ جيرانى فِيهَا من حفظ وصيتى

كنت لَهُ شَهِيدا يَوْم الْقِيَامَة وَمن ضيعها أوردهُ الله حَوْض الخبال قيل وَمَا حَوْض الخبال يَا رَسُول الله قَالَ حَوْض من صديد أهل النَّار قَالَ القرطبى غَرِيب من حَدِيث خَارِجَة بن زيد عَن ابيه لم يروه عَنهُ غير أَبى الزِّنَاد تفرد بِهِ عَنهُ ابْنه عبد الرَّحْمَن وَالله أعلم وَعَن على ابْن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تعوذوا بِاللَّه من جب الْحزن فَقيل يَا رَسُول الله وَمَا جب الْحزن قَالَ وَاد فى جَهَنَّم تتعوذ مِنْهُ جَهَنَّم كل يَوْم سبعين مرّة أعده الله للقراء المرائين وفى رِوَايَة للَّذين يراؤن النَّاس بأعمالهم أخرجه اسد بن مُوسَى والترمذى وَقَالَ فى حَدِيث أَبى هُرَيْرَة مائَة مرّة قُلْنَا يَا رَسُول الله وَمن يدْخلهُ قَالَ الْفراء المراءون بأعمالهم وَقَالَ هَذَا حَدِيث غَرِيب وخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا عَن أَبى هُرَيْرَة وَلَفظه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعوذا بِاللَّه من جب الْحزن قَالُوا يَا رَسُول الله وَمَا جب الْحزن قَالَ وَاد فى جَهَنَّم تتعوذ مِنْهُ جَهَنَّم كل يَوْم أَرْبَعمِائَة مرّة قيل يَا رَسُول الله وَمن يدْخلهُ قَالَ أعد للقراء المرائين بأعمالهم وَأَن من أبْغض الْقُرَّاء إِلَى الله الَّذين يزورون الْأُمَرَاء وَرَوَاهُ الطبرانى من حَدِيث أَبى هُرَيْرَة أَيْضا وَلَفظه بعد قَوْله أَرْبَعمِائَة مرّة يلقى فِيهِ الغوارون قيل يَا رَسُول الله وَمَا الغوارون قَالَ المراؤن بأعمالهم فى الدُّنْيَا قَالَ فى مجمع الزَّوَائِد وَفِيه مُحَمَّد بن الْفضل بن عَطِيَّة وَهُوَ مجمع على ضعفه انْتهى قَالَ المحاربى وفى حَدِيث آخر ذكره أَسد بن مُوسَى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن فى جَهَنَّم لواديا أَن جَهَنَّم لتتعوذ من شَرّ ذَلِك الوادى كل يَوْم سبع مَرَّات وَأَن فى ذَلِك الوادى لجبا أَن جَهَنَّم وَذَلِكَ الوادى ليتعوذان

بِاللَّه من شَرّ ذَلِك الْجب وَأَن فى ذَلِك الْجب لحية أَن جَهَنَّم والوادى وَذَلِكَ الْجب ليتعوذون من شَرّ ذَلِك الْحَيَّة أعدهَا الله للأشقياء من حَملَة الْقُرْآن وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة إِن فى جَهَنَّم لرحى تَدور بعلماء السوء فيشرف عَلَيْهِم بعض من كَانَ يعرفهُمْ فى الدُّنْيَا فَيَقُول مَا صيركم إِلَى هَذَا وَإِنَّمَا كُنَّا نتعلم مِنْكُم قَالُوا إِنَّا كُنَّا نأمركم بِالْأَمر ونخالفكم إِلَى غَيره قَالَ القرطبى وَهَذَا مَرْفُوع مَعْنَاهُ فى صَحِيح مُسلم من حَدِيث أُسَامَة بن زيد وَقَالَ أَبُو الْمثنى إِلَّا ملوكى أَن فى النَّار أَقْوَامًا يربطون بنواعير من نَار تَدور بهم تِلْكَ النواعير مَالهم فِيهَا رَاحَة وَلَا فَتْرَة قَالَ مُحَمَّد بن كَعْب القرظى أَن لمَالِك مَجْلِسا فى وسط جَهَنَّم وجسورا تمر عَلَيْهَا مَلَائِكَة الْعَذَاب فَهُوَ يرى أقصاها كَمَا يرى أدناها الحَدِيث

باب فى بيان قوله تعالى فلا اقتحم العقبة وفى ساحل جهنم ووعيد من يؤذى

بَاب فى بَيَان قَوْله تَعَالَى فَلَا اقتحم الْعقبَة وفى سَاحل جَهَنَّم ووعيد من يُؤْذى الْمُؤمنِينَ عَن زيد بن شَجَرَة قَالَ وَكَانَ مُعَاوِيَة بَعثه فى الجيوش يلقى عدوا فَرَأى فى أَصْحَابه فشلا فَجَمعهُمْ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أما بعد أذكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم وَذكر الحَدِيث وَفِيه إِنَّكُم مكتوبون عِنْد الله بأسمائكم وسماتكم فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قيل يَا فلَان هَا نورك يَا فلَان لَا نور لَك إِن لِجَهَنَّم ساحلا كساحل الْبَحْر فِيهِ هوَام وحيات كالبخت وعقارب كالبغال الدهم فَإِذا اسْتَغَاثَ أهل النَّار قَالُوا السَّاحِل فاذا ألقوا فِيهَا سلطت عَلَيْهِم تِلْكَ الْهَوَام فتأخذ شفار أَعينهم وشفاههم وَمَا شَاءَ الله مِنْهُم يكشطها كشطا فَيَقُولُونَ النَّار النَّار فَإِذا ألقوا فِيهَا سلط عَلَيْهِم الجرب فَيَحُك أحدهم جسده حَتَّى يَبْدُو عظمه وَإِن جلد أحدهم لأربعون ذِرَاعا قَالَ يُقَال يَا فلَان هَل تَجِد هَذَا يُؤْذِيك فَيَقُول وأى أَذَى أَشد من هَذَا قَالَ يُقَال هَذَا بِمَا كنت تؤذى الْمُؤمنِينَ وَعَن ابى سعيد الخدرى قَالَ إِن صعُودًا صَخْرَة فى جَهَنَّم إِذا وضعُوا أَيْديهم عَلَيْهَا ذَابَتْ فَإِذا رفعوها عَادَتْ أخرجه ابْن الْمُبَارك قَالَ ابْن عمر وَابْن عَبَّاس هَذِه الْعقبَة جبل فى جَهَنَّم وَقَالَ مُحَمَّد ابْن كَعْب وَكَعب الاحبار وهى سَبْعُونَ دَرَجَة فى جَهَنَّم وَقَالَ الْحسن وَقَتَادَة هى عقبَة شَدِيدَة صعبة فى النَّار دون الجسر فاقتحموها بِطَاعَة الله عز وَجل وَقَالَ مُجَاهِد وَالضَّحَّاك والكلبى هى الصِّرَاط وَقيل النَّار نَفسهَا وَقيل هُوَ جبل

بَين الْجنَّة وَالنَّار يَقُول فَلَا جَاوز هَذِه الْعقبَة بِعَمَل صَالح ثمَّ بَين اقتحامها بِمَا يكون فَقَالَ فك رَقَبَة الْآيَة قَالَ ابْن زيد وَجَمَاعَة من الْمُفَسّرين معنى للْكَلَام الِاسْتِفْهَام تَقْدِيره أَفلا اقتحم الْعقبَة يَقُول هلا أنْفق مَاله فى فك الرّقاب وإطعام السغبان ليجاوز بِهِ الْعقبَة فَيكون خيرا لَهُ من إِنْفَاقه فى المعاصى وَقيل فى الْكَلَام التَّمْثِيل والتشبيه فَشبه عظم الذُّنُوب وثقلها بعقبة فاذا أعتق رَقَبَة وَعمل صَالحا كَانَ مثله كَمثل من اقتحم الْعقبَة وهى الذُّنُوب تضره وتؤذيه وتثقله فَإِذا أزالها بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة والتوحيد الْخَالِص كَانَ كمن اقتحم عقبَة يستوى عَلَيْهَا ويجوزها قَالَ القرطبى هَذَا حَدِيث حسن قَالَ الْحسن هى وَالله عقبَة شَدِيدَة مجاهدة الْإِنْسَان نَفسه وهواه وعدوه الشَّيْطَان وَعَن على بن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ قَالَ لِأَن أجمع أُنَاسًا من أصحابى على صَاع من طَعَام أحب إِلَى من أَن أخرج إِلَى السُّوق فأشترى نسمَة فَأعْتقهَا أخرجه الطبرانى فى كتاب مَكَارِم الْأَخْلَاق

باب ما جاء فى قوله تعالى وقودها الناس والحجارة

بَاب مَا جَاءَ فى قَوْله تَعَالَى وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة الْوقُود بِالْفَتْح الْحَطب وبالضم اسْم الْفِعْل وَهُوَ الْمصدر وَالنَّاس عَام وَمَعْنَاهُ الْخَاص أى من سبق عَلَيْهِ الْقَضَاء إِنَّه يكون حطبا لَهَا أجارنا الله مِنْهَا بكرمه قَالَ القرطبى حطب النَّار شباب وشيوخ وكهول وَنسَاء عاريات قد طَال مِنْهُنَّ العويل عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يظْهر هَذَا الدّين حَتَّى يُجَاوز الْبحار وَحَتَّى يخاض الْبحار الْخَيل فى سَبِيل الله تبَارك وَتَعَالَى ثمَّ يأتى أَقوام يقرءُون الْقُرْآن فَإِذا قرءوه وَقَالُوا من أَقرَأ منا من أعلم منا ثمَّ الْتفت إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ هَل ترَوْنَ فى أولئكم من خير قَالُوا لَا قَالَ اولئك مِنْكُم وَأُولَئِكَ من هَذِه الْأمة وَأُولَئِكَ هم وقود النَّار خرجه بن الْمُبَارك وَالْحِجَارَة هى حِجَارَة الكبريت خلقهَا الله عِنْده كَيفَ شَاءَ أَو كَمَا شَاءَ قَالَ ابْن مَسْعُود وخصت بذلك لِأَنَّهَا تزيد على جَمِيع الْحِجَارَة بِخَمْسَة أَنْوَاع من الْعَذَاب سرعَة الإيقاد ونتن الرَّائِحَة وَكَثْرَة الدُّخان وَشدَّة الالتصاق بالأبدان وَقُوَّة حرهَا إِذا حميت وَقيل المُرَاد بِالْحِجَارَةِ الْأَصْنَام لقَوْله تَعَالَى {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم} وَالْخصب مَا يلقى فى النَّار مِمَّا تزكّى بِهِ وَعَلِيهِ فَيكون الْحِجَارَة وَالنَّاس وقودا للنار وعَلى التَّأْوِيل الأول يكونُونَ معذبين بالنَّار وَالْحِجَارَة قَالَ القرطبى وفى الحَدِيث عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ كل مؤذ فى النَّار وفى تَأْوِيله وَجْهَان احدهما إِن كل من آذَى النَّاس فى الدُّنْيَا عذبه الله فى الْآخِرَة بالنَّار الثانى كل مَا يُؤْذى النَّاس فى الدُّنْيَا من السبَاع والهوام وَغَيرهَا فى النَّار معد لعقوبة أهل النَّار وَذهب بعض أهل التَّأْوِيل إِلَى أَن هَذِه النَّار الْمَخْصُوصَة بِالْحِجَارَةِ هى نَار الْكَافرين وَالله أعلم

باب ما جاء فى تعظيم جسد الكافر وأعضائه بحسب اختلاف كفره وتوزيع

بَاب مَا جَاءَ فى تَعْظِيم جَسَد الْكَافِر وأعضائه بِحَسب اخْتِلَاف كفره وتوزيع الْعَذَاب على العاصى الْمُؤمن بِحَسب أَعمال الْأَعْضَاء وَعَن ابْن عمر عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يعظم أهل النَّار فى النَّار حَتَّى أَن بَين شحمة أذن أحدهم إِلَى عَاتِقه مسيرَة سَبْعمِائة عَام وَأَن غلظ جلده سَبْعُونَ ذِرَاعا وَأَن ضرسه مثل اُحْدُ رَوَاهُ أَحْمد والطبرانى فى الْكَبِير والأوسط فى أسانيدهم أَبُو يحيى القَتَّات وَهُوَ ضَعِيف وَفِيه خلاف وَبَقِيَّة رِجَاله أوثق مِنْهُ قَالَه فى مجمع الزَّوَائِد وَعَن أَبى سعيد عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يقْعد الْكَافِر فى النَّار مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام كل ضرس مثل أحد وَفَخذه مثل ورقان وَجلده سوى لَحْمه وعظمه أَرْبَعُونَ ذِرَاعا رَوَاهُ أَحْمد وابو يعلى وَفِيه ابْن لَهِيعَة وَقد وثق على ضعفه عَن أَبى هُرَيْرَة رضى لله عَنهُ قَالَ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرس الْكَافِر أَو نَاب الْكَافِر مثل أحد وَغلظ جلده مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام للراكب المسرع رَوَاهُ مُسلم وَأخرج الترمذى عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَن جلد الْكَافِر اثْنَان وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعا وَأَن ضرسه مثل أحد وَأَن مَجْلِسه من جَهَنَّم كَمَا بَين مَكَّة وَالْمَدينَة قَالَ هَذَا حسن صَحِيح غَرِيب من حَدِيث الْأَعْمَش وفى رِوَايَة وَفَخذه مثل الْبَيْضَاء ومقعده من النَّار مسيرَة ثَلَاث مثل الربذَة أخرجه عَن صَالح مولى التَّوْأَمَة عَن أبي هُرَيْرَة وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب

وَعَن أَبى هُرَيْرَة قَالَ ضرس الْكَافِر يَوْم الْقِيَامَة أعظم من أحد يعظمون لتمتلىء مِنْهُم وليذوقوا الْعَذَاب خرجه ابْن الْمُبَارك وَعَن أَبى هُرَيْرَة قَالَ ضرس الْكَافِر مثل أحد وَفَخذه مثل الْبَيْضَاء وجبينه مثل الورقان ومجلسه من النَّار كَمَا بَين الورقان وَبَين الربذَة وكف بَصَره سَبْعُونَ ذِرَاعا وبطنه مثل أضم قَالَ الجوهرى أضم بِالْكَسْرِ جبل قَالَ القرطبى الورقان جبل بِالْمَدِينَةِ وَعَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بصر الْكَافِر يعْنى غلظ جلده سَبْعُونَ ذِرَاعا وضرسه مثل أحد فى سَائِر خلقه خرجه ابْن الْمُبَارك وَذكر عَن عَمْرو بن مَيْمُون أَنه يسمع بَين جلد الْكَافِر ولحمه وَجَسَده دوى كدوى الْوَحْش وَعَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْكَافِر ليسحب لِسَانه الفرسخ والفرسخين يتوطأه النَّاس رَوَاهُ الترمذى وَعَن أَبى هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرس الْكَافِر يَوْم الْقِيَامَة مثل أحد وَعرض جلده سَبْعُونَ زراعا ومقعده من النَّار مثل مَا بينى وَبَين الربذَة رَوَاهُ أَحْمد وَرِجَاله رجال الصَّحِيح غير ربعى ابْن إِبْرَاهِيم وَهُوَ ثِقَة وَهُوَ يزِيد ابْن حبَان التيمى قَالَ انْطَلَقت أَنا وحسين بن سُبْرَة وَعمر بن مُسلم إِلَى زيد ابْن أَرقم وَحدثنَا زيد فى مَجْلِسه ذَلِك قَالَ الرجل من أهل النَّار ليعظم للنار حَتَّى يكون ضرس من أَضْرَاسه مثل أحد قَالَ فى مجمع الزَّوَائِد قلت رَوَاهُ أَحْمد فى حَدِيث طَوِيل وَرِجَاله رجال الصَّحِيح وَعَن ثَوْبَان قَالَ وَسُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ضرس الْكَافِر مثل

أحد وَغلظ جلده أَرْبَعُونَ ذِرَاعا بِذِرَاع الْجَبَّار رَوَاهُ الْبَزَّار وَفِيه عباد بن مَنْصُور وَهُوَ ضَعِيف وَقد وثق وَبَقِيَّة رِجَاله ثِقَات عَن سَمُرَة ابْن جُنْدُب أَن نبى الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى كعبيه وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ إِلَى حجزته وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ إِلَى ترقوته وفى رِوَايَة إِلَى حقْوَيْهِ أخرجه مُسلم قَالَ القرطبى هَذَا الْبَاب يدلك على أَن كفر من كفر فَقَط لَيْسَ ككفر من كفر وطغى وتمرد وَعصى وَلَا شكّ فى أَن الْكفَّار فى عَذَاب جَهَنَّم متفاوتون كَمَا قد علم من الْكتاب وَالسّنة ولأنا نعلم على الْقطع والثبات أَنه لَيْسَ عَذَاب من قتل الْأَنْبِيَاء وَالْمُسْلِمين وَقتل فيهم وأفسد فى الأَرْض وَكفر مُسَاوِيا لعذاب من كفر فَقَط وَأحسن للأنبياء وَالْمُسْلِمين أَلا ترى ابا طَالب كَيفَ أخرجه النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ضحضاح لنصرته إِيَّاه وذبه عَنهُ وإحسانه إِلَيْهِ وَحَدِيث مُسلم عَن سَمُرَة يَصح أَن يكون فى الْكفَّار فى الْكفَّار بِدَلِيل حَدِيث ابى طَالب وَيصِح أَن يكون فِيمَن يعذب من الْمُوَحِّدين إِلَّا أَن الله تَعَالَى يميتهم إماتة حسب مَا تقدم بَيَانه وَالله أعلم وَمن خبر كَعْب الْأَحْبَار يَا مَالك مر النَّار لَا تحرق ألسنتهم فقد كَانُوا يقرأون الْقُرْآن يَا مَالك قل للنار تأخذهم على قدر أَعْمَالهم فَالنَّار أعرف بهم بِمِقْدَار استحقاقهم من الوالدة بِوَلَدِهَا فَمنهمْ من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى كعبية وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى سرته وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى صَدره وَذكر القتيبى فى عُيُون الْأَخْبَار لَهُ مَرْفُوعا عَن أَبى هُرَيْرَة أَنه قَالَ

وَإِن زَادَت حَسَنَاته على سيئاته حبس على الصِّرَاط سبعين سنة ثمَّ بعد ذَلِك يدْخل الْجنَّة وَإِن زَادَت سيئاته على حَسَنَاته دخل النَّار فيعذبون فى النَّار على قدر أَعْمَالهم وَمِنْهُم من ينتهى النَّار إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُم من ينتهى النَّار إِلَى وَسطه وَذكر الْفَقِيه أَبُو بكر بن برحان أَن حَدِيث مُسلم فى معنى قَوْله تَعَالَى {وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا} قَالَ أرى وَالله أعلم أَن هَؤُلَاءِ الموصوفين فى هَذَا الحَدِيث أهل التَّوْحِيد فان الْكَافِر لَا تعاف النَّار مِنْهُ شَيْئا وكما اشْتَمَل فى الدُّنْيَا على الْكفْر اشتملته النَّار فى الْآخِرَة قَالَ تَعَالَى {لَهُم من فَوْقهم ظلل من النَّار وَمن تَحْتهم ظلل} وَعَن الْحَارِث ابْن قيس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن من أمتى من يعظم للنار حَتَّى يكون أحد زواياها

باب ما جاء فى شدة عذاب أهل المعاصى وإذاية أهل النار بذلك

بَاب مَا جَاءَ فى شدَّة عَذَاب أهل المعاصى وإذاية أهل النَّار بذلك عَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة المصورون خرجه مُسلم وَذكره قَاسم ابْن أصبغ من حَدِيث ابْن مَسْعُود أَيْضا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة رجل قتل نَبيا أَو قَتله نبى والمصور يصور التماثيل وَعَن أَبى هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن من أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة عَالم لم يبقه الله بِعِلْمِهِ خرجه ابو عَمْرو بن عبد الْبر وَابْن مَاجَه وَابْن وهب وفى اسناده عُثْمَان بن مقسم البزى لم يرفعهُ غَيره وَهُوَ ضَعِيف عِنْد أهل الحَدِيث معتزلى الْمَذْهَب لَيْسَ حَدِيثه بشىء قَالَه أَبُو عَمْرو وَعَن ابْن زيد قَالَ يُقَال أَنه ليؤذى أهل النَّار نَتن فروج الزناة يَوْم الْقِيَامَة وَيذكر عَن بعض أهل الْعلم قَالَ ثَلَاثَة فى النَّار قد آذوا أهل النَّار وكل أهل النَّار فى أَذَى رجال مغلقة عَلَيْهِم توابيت من نَار وهم فى أصل الْجَحِيم فيصيحون حَتَّى تعلوا أَصْوَاتهم أهل النَّار فَيَقُول لَهُم أهل النَّار مَا بالكم من بَين أهل النَّار قد فعل بكم هَذَا فَقَالُوا كُنَّا متكبرين وَرِجَال قد شقَّتْ بطونهم يسْحَبُونَ فى النَّار أمعاءهم فَقَالَ لَهُم أهل النَّار مَا بالكم من بَين أهل النَّار فعل بكم هَذَا قَالُوا كُنَّا نقتطع حُقُوق النَّاس بأيماننا وأماناتنا وَرِجَال يسعون بَين الْجَحِيم وَالْحَمِيم لَا يقرونَ قيل لَهُم مَا بالكم من بَين أهل النَّار فعل بكم هَذَا قَالُوا كُنَّا نسعى بَين النَّاس بالنميمة ذكره ابْن الْمُبَارك

وَعَن شقى ابْن مَانع الأصبح عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَرْبَعَة يُؤْذونَ أهل النَّار على مَا بهم من الْأَذَى يسعون بَين الْجَحِيم وَالْحَمِيم يدعونَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور يَقُول أهل لنار بَعضهم لبَعض مَا بَال هَؤُلَاءِ قد آذونا على مَا بِنَا من الْأَذَى قَالَ فَرجل مغلق عَلَيْهِ تَابُوت من جمر وَرجل يجر أمعاءه يسيل فوه قَيْحا ودما وَرجل ياكل لَحْمه قَالَ فَيُقَال لصَاحب التابوت مَا بَال الْأَبْعَد قد آذَانا على مَا بِنَا من الْأَذَى قَالَ فَيَقُول إِن الْأَبْعَد مَاتَ وفى عُنُقه أَمْوَال النَّاس لم يحد لَهَا قَضَاء أَو قَالَ وَفَاء ثمَّ يُقَال للذى يجر أمعاءه مَا بَال الْأَبْعَد قد آذَانا على مَا بِنَا من الْأَذَى قَالَ فَيَقُول إِن الْأَبْعَد كَانَ لَا يبالى أَيْن أصَاب الْبَوْل مِنْهُ ثمَّ لَا يغسلهُ ثمَّ يُقَال للذى يسيل فوه قَيْحا ودما مَا بَال الْأَبْعَد قد آذَانا على مَا بِنَا من الْأَذَى قَالَ فَيَقُول إِن الْأَبْعَد كَانَ ينظر فى كل كلمة بِدعَة خبيثة يستلذ بهَا ويستلذ الرَّفَث بهَا فيذيعها أى يفشيها ثمَّ يُقَال للذى يَأْكُل لَحْمه مَا بَال الْأَبْعَد قد آذَانا على مَا بِنَا من الْأَذَى قَالَ فَيَقُول إِن الْأَبْعَد كَانَ يَأْكُل لُحُوم الناسويمشى بالنميمة خرجه الْحَافِظ أَبُو نعيم وَقَالَ تفرد بِهِ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش وشفى مُخْتَلف فِيهِ فَقيل لَهُ صُحْبَة

باب فى عذاب من عذاب الناس فى الدنيا

بَاب فى عَذَاب من عَذَاب النَّاس فى الدُّنْيَا عَن خَالِد بن الْوَلِيد رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة أَشَّدهم عذَابا للنَّاس فى الدُّنْيَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطيالسى وخرجه البخارى فى التَّارِيخ وخرجه مُسلم بِمَعْنَاهُ من حَدِيث هِشَام ابْن حَكِيم بن حزَام أَنه مر على أنَاس من الأنباط بِالشَّام قد أقِيمُوا فى الشَّمْس فَقَالَ مَا شَأْنهمْ قَالُوا حبسوا على الْجِزْيَة فَقَالَ هِشَام أشهد لسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن الله عز وَجل يعذب الَّذين يُعَذبُونَ النَّاس بَاب فى شدَّة عَذَاب من أَمر بِالْمَعْرُوفِ وَلم يَأْته وَنهى عَن الْمُنكر وَأَتَاهُ وَذكر الخطباء وفيمن خَالف قَوْله فعله وفى أعوان الظلمَة كلاب النَّار عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يجاء بِرَجُل فيطرح فى النَّار فيطحن فِيهَا كطحن الْحمار برحاه فيطيف بِهِ أهل النَّار فَيَقُولُونَ أى فلَان أَلَسْت كنت تَأْمُرنَا بِالْمَعْرُوفِ وتنهى عَن الْمُنكر قَالَ فَيَقُول كنت آمُر بِالْمَعْرُوفِ وَلَا أَفعلهُ وأنهى عَن الْمُنكر وأفعله رَوَاهُ البخارى وخرجه مُسلم بِمَعْنَاهُ عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يُؤْتى بِالرجلِ يَوْم الْقِيَامَة فَيلقى فى النَّار فتندلق أقتاب بَطْنه فيدور بهَا

كَمَا يَدُور الْحمار بالرحا فيجتمع إِلَيْهِ أهل النَّار فَيَقُولُونَ يَا فلَان مَالك ألم تكن تَأْمُرنَا بِالْمَعْرُوفِ وتنهى عَن الْمُنكر فَيَقُول بلَى كنت آمُر بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتيه وأنهى عَن الْمُنكر وآتيه وَعَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتيت لَيْلَة أسرى بى على أَقوام تقْرض شفاههم بمقاريض من نَار كلما قرضت وفت قلت من هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل فَقَالَ خطباء أمتك الَّذين يَقُولُونَ وَلَا يَفْعَلُونَ أخرجه الْحَافِظ أَبُو نعيم وروى مثله ابْن الْمُبَارك أَيْضا وَلَفظه فى آخِره الَّذين يأمرون النَّاس بِالْبرِّ وينسون أنفسهم وهم يَتلون الْكتاب وَعَن الشعبى قَالَ تطلع قوم من أهل الْجنَّة إِلَى قوم فِي النَّار فَيَقُولُونَ مَا أدخلكم النَّار وَإِنَّمَا دَخَلنَا الْجنَّة بِفضل تأديبكم وتعليمكم قَالُوا إِنَّا كُنَّا نأمركم بِالْخَيرِ وَلَا نفعله رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك وَعَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله يعافى الْأُمِّيين يَوْم الْقِيَامَة مَالا يعافى الْعلمَاء أخرجه أَبُو نعيم وَهَذَا حَدِيث غَرِيب تفرد بِهِ سيار عَن جَعْفَر لم يَكْتُبهُ إِلَّا من حَدِيث أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله وَعَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجلاوزة وللشرط أعوان الظلمَة كلاب النَّار رَوَاهُ أَبُو نعيم وَهُوَ غَرِيب من حَدِيث طَاوس تفرد بِهِ مُحَمَّد بن مُسلم الطائفى عَن ابْن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة عَن طَاوس

فصل قال بعض السادة أشد الناس حسرة يوم القيامة ثلاثة رجل ملك عبدا

فصل قَالَ بعض السَّادة أَشد النَّاس حسرة يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاثَة رجل ملك عبدا فَعلمه شرائع الْإِسْلَام فأطاع وَأحسن وَعصى السَّيِّد فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أمربالعبد إِلَى الْجنَّة وَأمر بِسَيِّدَة إِلَى النَّار فَيَقُول عِنْد ذَلِك واحسرتاه واغبناه أما هَذَا عبدى أما كنت مَالِكًا لمهجته وَمَاله وقادرا على جَمِيع مَاله فَمَا لَهُ سعد ومالى شقيت فيناديه الْملك الْمُوكل بِهِ لِأَنَّهُ تأدب وَمَا تأدبت وَأحسن وأسأت وَرجل كسب مَالا فعصى الله تَعَالَى فى جمعه وَمنعه وَلم يقدمهُ بَين يَدَيْهِ حَتَّى صَار إِلَى وَارثه فَأحْسن فى إِنْفَاقه وأطاع الله سُبْحَانَهُ فى إِخْرَاجه وَقدمه بَين يَدَيْهِ فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أَمر بالوارث إِلَى الْجنَّة وَأمر بِصَاحِب المَال إِلَى النَّار فَيَقُول واحسرتاه واغبناه أما هَذَا مالى فأحسنت بِهِ أحوالى وأعمالى فيناديه الْملك الْمُوكل بِهِ لِأَنَّهُ أطَاع الله وَمَا أطعته وَأنْفق لوجهه وَمَا أنفقت فسعد وشقيت وَرجل علم قوما ووعظهم فعملوا بقوله وَلم يعْمل فاذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أَمر بهم إِلَى الْجنَّة وَأمر بِهِ إِلَى النَّار فَيَقُول واحسرتاه واغبناه أما هَذَا علمى فَمَا لَهُم فازوا بِهِ وَمَا فزت وسلموا بِهِ وَمَا سلمت فيناديه الْملك الْمُوكل بِهِ لأَنهم عمِلُوا بِمَا قلت وَمَا عملت فسعدوا وشقيت ذكره ابو الْفرج بن الجوزى رَحمَه الله قَالَ إِبْرَاهِيم النخعى إنى لأكْره الْقَصَص لثلاث آيَات لقَوْله تَعَالَى {أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم} الْآيَة وَقَوله تَعَالَى لم تَقولُونَ مَالا تَفْعَلُونَ كبر مقتا عِنْد الله أَن تَقولُوا مَالا تَفْعَلُونَ وَقَوله تَعَالَى {وَمَا أُرِيد أَن أخالفكم إِلَى مَا أنهاكم عَنهُ}

قَالَ القرطبى رَحمَه الله وألفاظ هَذِه الْآيَات تدل مَعَ مَا ذَكرْنَاهُ من الْأَحَادِيث على أَن عُقُوبَة مَا كَانَ عَالما بِالْمَعْرُوفِ وَالْمُنكر وبوجوب الْقيام بوظيفة كل وَاحِد مِنْهُمَا أَشد مِمَّن لم يُعلمهُ وَإِنَّمَا ذَلِك لِأَنَّهُ كالمستهين بحرمات الله والمستخف لأحكامه وَهُوَ المستهزىء مِمَّن لم يَنْفَعهُ الله بِعِلْمِهِ وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة عَالم لم يَنْفَعهُ الله بِعِلْمِهِ وروى أَبُو أُمَامَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الَّذين يأمرون النَّاس بِالْبرِّ وينسون أنفسهم يجرونَ قصبهم فى نَار جَهَنَّم فَيُقَال لَهُم من أَنْتُم فَيَقُولُونَ نَحن الَّذين كُنَّا نأمربالبر وننسى أَنْفُسنَا قَالَ القرطبى فى التَّذْكِرَة إِن قَالَ قَائِل فى حَدِيث أَبى سعيد الخدرى أَن من لَيْسَ من أهل النَّار إِذا دخلوها احترقوا فِيهَا وماتوا على مَا ذكرتموه فى أصح الْقَوْلَيْنِ وَهَذِه الْأَحَادِيث الَّتِى جَاءَت فى العصاة بِخِلَاف فَكيف الْجمع بَينهمَا قيل لَهُ الْجمع مُمكن وَذَلِكَ وَالله أعلم أَن أهل النَّار الَّذين هم أَهلهَا كَمَا قَالَ {كلما نَضِجَتْ جُلُودهمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرهَا ليذوقوا الْعَذَاب} قَالَ الْحسن تنضجهم النَّار فى الْيَوْم سبعين ألف مرّة والعصاة بِخِلَاف هَذَا فيعذبون وَبعد ذَلِك يموتون وَقد تخْتَلف أَيْضا أَحْوَالهم فى طول التعذيب بِحَسب جرائمهم وآثامهم وَقد قيل إِنَّه يجوز أَن يَكُونُوا متألمين حَاله مَوْتهمْ غير أَن آلامهم تكون أخف من آلام الْكفَّار لِأَن آلام الْمُعَذَّبين وهم موتى أخف من عَذَابهمْ وهم أَحيَاء دليلة قَوْله تَعَالَى وحاق بآل فِرْعَوْن سؤالعذاب النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدوا وعشيا وَيَوْم تقوم السَّاعَة ادخُلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب

فَأخْبر أَن عَذَابهمْ إِذا بعثوا أَشد من عَذَابهمْ وهم موتى وَمثله مَا جَاءَ فى حَدِيث الْبَراء من قَول الْكَافِر رب لَا تقم السَّاعَة رب لَا تقم السَّاعَة لِأَنَّهُ يرى أَن مَا يخلص لَهُ من عَذَاب الْآخِرَة أَشد مِمَّا هُوَ فِيهِ وَالله أعلم وَقد يكون مَا جَاءَ فى الخطباء هُوَ عَذَابهمْ فى الْقُبُور فى أَعْضَاء مَخْصُوصَة لغَيرهم كَمَا فى حَدِيث سَمُرَة الطَّوِيل إِلَّا أَن قَوْله فى حَدِيث أُسَامَة بن زيد يَوْم الْقِيَامَة يدل على ذَلِك وَقد يجمع لَهُ الْأَمْرَانِ لعظم مَا ارتكبوه من مُخَالفَة قَوْلهم فعلهم نَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك

باب ما جاء فى طعام أهل النار وشرابهم ولباسهم

بَاب مَا جَاءَ فى طَعَام أهل النَّار وشرابهم ولباسهم تقدم فى بَاب الْآيَات من ذَلِك مَا يشفى ويكفى وفيهَا أَن ثِيَابهمْ من نَار وسرابيلهم من قطران وطعامهم الزقوم وَالْحَمِيم والغساق والضريع والغسلين قَالَ الهروى مَعْنَاهُ صديد أهل النَّار وَمَا يتغسل ويسيل من أبدانهم والغساق مَا يسيل من صديدهم وَقيل الْقَيْح الغليظ قَالَ ابْن عمر لَو أَن قَطْرَة مِنْهُ تهراق فى الْمغرب أنتنت أهل الْمشرق وَقيل الغساق الذى لَا يُسْتَطَاع من شدَّة برده وَهُوَ الزَّمْهَرِير وَقَالَ كَعْب هُوَ عين فى جَهَنَّم يسيل إِلَيْهَا حمة كل ذَات حمة فيستنقع وَيُؤْتى بالآدمى فيغمس فِيهَا غمسة فَيسْقط جلده ولحمه عَن الْعِظَام فيجر لَحْمه من كعبيه كَمَا يجر الرجل ثَوْبه جَزَاء وفَاقا أى وَافق أَعْمَالهم الخبيثة وَاخْتلف فى الضريع فَقيل هُوَ نبت ينْبت فى الرّبيع وَقيل هُوَ الشوك وَقيل الْحِجَارَة وَقيل الزقوم وَقيل وَاد فى جَهَنَّم قَالَ القرطبى قَالَ الْمُفَسِّرُونَ الزقوم أَصْلهَا فى الْبَاب السَّادِس وَأَنَّهَا يحيى بلهب النَّار كَمَا تحيى الشَّجَرَة بِبرد المَاء فَلَا بُد لأهل النَّار من أَن ينحدر إِلَيْهِ من كَانَ فَوْقه فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ وَقَالَ أَبُو عمرَان الجونى بلغنَا أَن ابْن آدم لَا ينهش مِنْهَا نهشه إِلَّا نهشت مِنْهُ مثلهَا والمهل مَا كَانَ ذائبا من الْفضة والنحاس وَقيل الْمهل عكر الزَّيْت الشَّديد السوَاد

باب ما جاء أن أهل النار يجوعون ويعطشون وفى دعائهم وإجابتهم

بَاب مَا جَاءَ أَن أهل النَّار يجوعون ويعطشون وفى دُعَائِهِمْ وإجابتهم عَن مُحَمَّد ابْن كَعْب القرظى قَالَ لأهل النَّار خمس دعوات يُجِيبهُمْ الله فى أَربع فَإِذا كَانَ فى الْخَامِسَة لَا يَتَكَلَّمُونَ بعْدهَا أبدا يَقُولُونَ رَبنَا أمتنَا اثْنَتَيْنِ وأحييتنا اثْنَتَيْنِ فاعترفنا بذنوبنا فَهَل إِلَى فخروج من سَبِيل فَيُجِيبهُمْ الله تَعَالَى {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذا دعِي الله وَحده كَفرْتُمْ وَإِن يُشْرك بِهِ تؤمنوا فَالْحكم لله الْعلي الْكَبِير} ثمَّ يَقُولُونَ {رَبنَا أبصرنا وَسَمعنَا فارجعنا نعمل صَالحا إِنَّا موقنون} فَيُجِيبهُمْ الله تَعَالَى {فَذُوقُوا بِمَا نسيتم لِقَاء يومكم هَذَا إِنَّا نسيناكم وذوقوا عَذَاب الْخلد بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} ثمَّ يَقُولُونَ {رَبنَا أخرنا إِلَى أجل قريب نجب دعوتك وَنَتبع الرُّسُل} فَيُجِيبهُمْ الله تَعَالَى أَو لم تَكُونُوا أقسمتم من قبل مالكم من زَوَال ثمَّ يَقُولُونَ {رَبنَا أخرجنَا نعمل صَالحا غير الَّذِي كُنَّا نعمل} فَيُجِيبهُمْ الله تَعَالَى أَو لم نُعَمِّركُمْ مَا يتَذَكَّر فِيهِ من تذكر وَجَاءَكُم النذير فَذُوقُوا فَمَا للظالمين من نصير وَيَقُولُونَ {رَبنَا غلبت علينا شِقْوَتنَا وَكُنَّا قوما ضَالِّينَ} فَيُجِيبهُمْ الله تَعَالَى {اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون} أى بعْدهَا أبدا رَوَاهُ البيهقى وخرجه ابْن الْمُبَارك بأطول من هَذَا فَقَالَ أخبرنَا الحكم ابْن عمر ابْن أَبى ليلى قَالَ حَدَّثَنى عَامر قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن كَعْب القرظى يَقُول بلغنى وَذكر لى أَن أهل النَّار اسْتَغَاثُوا بالخزنة فَقَالَ الله {وَقَالَ الَّذين فِي النَّار لخزنة جَهَنَّم ادعوا ربكُم يُخَفف عَنَّا يَوْمًا من الْعَذَاب} فسألوا

يَوْمًا وَاحِدًا يُخَفف عَنْهُم فِيهِ الْعَذَاب فَردَّتْ عَلَيْهِم الخزنة أَو لم تَكُ تَأْتيكُمْ رسلكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بلَى فَردَّتْ عَلَيْهِم الخزنة {فَادعوا وَمَا دُعَاء الْكَافرين إِلَّا فِي ضلال} قَالَ فَلَمَّا بئسوا مِمَّا عِنْد الخزنة نادوا مَالِكًا وَهُوَ عَلَيْهِم وَله مجْلِس فى وَسطهَا وجسور تمر عَلَيْهَا مَلَائِكَة الْعَذَاب فَيرى أقصاها كَمَا يرى أدناها فَقَالُوا {يَا مَالك ليَقْضِ علينا رَبك} قَالَ سَأَلُوا الْمَوْت فيسكت عَنْهُم لَا يُجِيبهُمْ ثَمَانِينَ سنة قَالَ وَالسّنة سِتُّونَ وثلثمائة شهر والشهر ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَالْيَوْم كألف سنة مِمَّا تَعدونَ ثمَّ لحظ اليهم بعد الثَّمَانِينَ فَقَالَ {إِنَّكُم مَاكِثُونَ} فَلَمَّا سمعُوا مِنْهُ مَا سمعُوا وأهيبوا مِمَّا قيل لَهُم قَالَ بَعضهم لبَعض يَا هَؤُلَاءِ إِنَّه قد نزل بكم من الْبلَاء وَالْعَذَاب مَا قد ترَوْنَ فَهَلُمَّ بالتصبر فَلَعَلَّ الصَّبْر ينفعنا كَمَا صَبر أهل الطَّاعَة على طَاعَة الله فنفعهم الصَّبْر إِذْ صَبَرُوا فَأَجْمعُوا رَأْيهمْ على الصَّبْر فصبروا فطال صبرهم ثمَّ جزعوا فَنَادوا سَوَاء علينا أجزعنا أم صَبرنَا مالنا من محيص أى من منجا قَالَ فَقَامَ إِبْلِيس عِنْد ذَلِك فَقَالَ إِن الله وَعدكُم وعد الْحق ووعدتكم فأخلفتم إِلَى قَوْله وَمَا أَنْتُم بمصرخى إنى كفرت بِمَا أشركتمونى من قبل قَالَ فَلَمَّا سمعُوا مقَالَته مقتوا أنفسهم قَالَ فنودوا لمقت الله أكبر من مقتكم أَنفسكُم إِلَى قَوْله {فَهَل إِلَى خُرُوج من سَبِيل} قَالَ فَرد عَلَيْهِم {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذا دعِي الله وَحده كَفرْتُمْ وَإِن يُشْرك بِهِ تؤمنوا فَالْحكم لله الْعلي الْكَبِير} قَالَ فَهَذِهِ وَاحِدَة فَنَادوا الثَّانِيَة {رَبنَا أخرجنَا نعمل صَالحا غير الَّذِي كُنَّا نعمل} قَالَ فَرد عَلَيْهِم {وَلَو شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها} يَقُول لَو شِئْت لهديت النَّاس جَمِيعًا فَلم يتَخَلَّف مِنْهُم أحد {وَلَكِن حق القَوْل مني لأملأن جَهَنَّم من}

الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ فَذُوقُوا بِمَا نسيتم لِقَاء يومكم هَذَا إِنَّا نسيناكم وذوقوا عَذَاب الْخلد بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ قَالَ فَهَذِهِ ثِنْتَانِ فَنَادوا الثَّالِثَة {رَبنَا أخرنا إِلَى أجل قريب نجب دعوتك وَنَتبع الرُّسُل} فَرد عَلَيْهِم أَو لم تَكُونُوا أقسمتم من قبل مالكم من زَوَال وسكنتم فِي مسَاكِن الَّذين ظلمُوا أنفسهم وَتبين لكم كَيفَ فعلنَا بهم إِلَى قَوْله لنزول مِنْهُ الْجبَال قَالَ فَهَذِهِ الثَّالِثَة ثمَّ نادوا الرَّابِعَة {رَبنَا أخرجنَا نعمل صَالحا غير الَّذِي كُنَّا نعمل} قَالَ فَيُجِيبهُمْ أَو لم نُعَمِّركُمْ مَا يتَذَكَّر فِيهِ من تذكر وَجَاءَكُم النذير فَذُوقُوا فَمَا للظالمين من نصير ثمَّ مكث عَنْهُم مَا شَاءَ الله ثمَّ ناداهم {ألم تكن آياتي تتلى عَلَيْكُم فكنتم بهَا تكذبون} قَالَ فَلَمَّا سمعُوا صَوته قَالُوا لِأَن يَرْحَمنَا رَبنَا فَقَالُوا عِنْد ذَلِك {رَبنَا غلبت علينا شِقْوَتنَا} أَي الْكتاب الذى كتب علينا وَكُنَّا قوما ضَالِّينَ {رَبنَا أخرجنَا مِنْهَا فَإِن عدنا فَإنَّا ظَالِمُونَ} فَقَالَ عِنْد ذَلِك {اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون} فَانْقَطع عِنْد ذَلِك الرَّجَاء وَالدُّعَاء وَأَقْبل بَعضهم ينبح فِي وَجه بعض وأطبقت عَلَيْهِم قَالَ فَحَدثني الأزهرى بن الْأَزْهَر أَنه ذكر لَهُ أَن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {هَذَا يَوْم لَا ينطقون وَلَا يُؤذن لَهُم فيعتذرون} وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ أَن أهل جَهَنَّم يدعونَ مَالِكًا فَلَا يُجِيبهُمْ اربعين عَاما ثمَّ يرد عَلَيْهِم {إِنَّكُم مَاكِثُونَ} قَالَ وَالله هَانَتْ دعوتهم على مَالك وَرب مَالك قَالَ ثمَّ يدعونَ رَبهم فَيَقُولُونَ {رَبنَا غلبت علينا شِقْوَتنَا وَكُنَّا قوما ضَالِّينَ} الْآيَة قَالَ فَسكت عَنْهُم قدر الدُّنْيَا مرَّتَيْنِ قَالَ ثمَّ يرد عَلَيْهِم {اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون}

قَالَ فوَاللَّه مَا نبس الْقَوْم بعْدهَا بِكَلِمَة وَمَا هُوَ إِلَّا الزَّفِير والشهيق فِي نَار جَهَنَّم فَشبه أَصْوَاتهم بِصَوْت الْحمير أَولهَا زفير وَآخِرهَا شهيق وَمعنى مَا نبس مَا تكلم قَالَ الْجَوْهَرِي يُقَال مَا نبس بِكَلِمَة أى مَا تكلم أخرجه ابْن الْمُبَارك وَعَن شهر ابْن حَوْشَب عَن ابى الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلقى على أهل النَّار الْجُوع مَعَ مَا هم فِيهِ من الْعَذَاب فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِطَعَام من ضَرِيع لَا يسمن وَلَا يُغني من جوع فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِطَعَام ذى غُصَّة فَيذكرُونَ أَنهم كَانُوا يجيزون الْغصَص فِي الدُّنْيَا بِالشرابِ فَيَسْتَغِيثُونَ بِالشرابِ فيرفع إِلَيْهِم الْحَمِيم بِكَلَالِيب الْحَدِيد فاذا دنت من وُجُوههم شَوَتْ وُجُوههم فَإِذا دخلت بطونهم قطعت مَا فِي بطونهم فَيَقُولُونَ ادعوا خَزَنَة جَهَنَّم فَيَقُولُونَ ألم تَكُ تَأْتيكُمْ رسلكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بلَى قَالُوا فَادعوا وَمَا دُعَاء الْكَافرين إِلَّا فى ضلال قَالَ فَيَقُولُونَ ادعوا مَالِكًا فَيَقُولُونَ {يَا مَالك ليَقْضِ علينا رَبك} قَالَ فَيُجِيبهُمْ انكم مَا كثون قَالَ الْأَعْمَش نبئت أَن بَين دُعَائِهِمْ وَبَين إِجَابَة مَالك إيَّاهُم ألف عَام قَالَ فَيَقُولُونَ ادعوا ربكُم فَلَا أحد خير من ربكُم قَالَ فَيَقُولُونَ {رَبنَا أخرجنَا مِنْهَا فَإِن عدنا فَإنَّا ظَالِمُونَ} قَالَ فَيُجِيبهُمْ {اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون} قَالَ فَعِنْدَ ذَلِك يئسوا من كل خير وَعند ذَلِك يَأْخُذُونَ فى الزَّفِير وَالْحَسْرَة وَالْوَيْل أخرجه التِّرْمِذِيّ وَزَاد رزين فَيُقَال لَهُم {لَا تدعوا الْيَوْم ثبورا وَاحِدًا وَادعوا ثبورا كثيرا} والْحَدِيث رَفعه قُطْبَة بن عبد الْعَزِيز عَن الْأَعْمَش عَن شهر بن عَطِيَّة عَن شهر بن حَوْشَب وَهُوَ ثِقَة عِنْد أهل الحَدِيث وَالنَّاس يوقفونه على أَبى الدَّرْدَاء قَوْله

عَن أَبى سعيد الخدرى عَن النبى ص قَالَ {وهم فِيهَا كَالِحُونَ} قَالَ تَشْوِيه النَّار فتقلص شفته الْعليا حَتَّى تبلغ وسط راسه وتسترخى شفته السُّفْلى حَتَّى تضرب سرته ولسرادق النَّار أَربع جدر وكثف كل جِدَار مسيرَة أَرْبَعِينَ سنة وَلَو أَن دلوا من غسلين يهراق فى الدُّنْيَا لأنتن أهل الدُّنْيَا رَوَاهُ الترمذى وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَعنهُ عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى قَوْله {كَالْمهْلِ} قَالَ كَعَكرِ الزَّيْت فاذا قربه إِلَى وَجهه سَقَطت فَرْوَة وَجهه قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيث إِنَّمَا نعرفه من حَدِيث رشد بن سعد ورشد قد تكلم فِيهِ من قبل حفظه قَالَ القرطبى وَقع فى الحَدِيث فَرْوَة وَجهه وَهُوَ شَاذ إِنَّمَا يُقَال فَرْوَة راسه أى جلدته هَذَا هُوَ الْمَشْهُور عِنْد أهل اللُّغَة وَكَذَا جَاءَ فِي حَدِيث أَبى أُمَامَة عَن أبي حجيرة وَعَن أَبى هُرَيْرَة عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ان الْحَمِيم ليصب على رُؤْسهمْ فَينفذ الْحَمِيم حَتَّى يخلص إِلَى جلده فيسلت مَا فى جَوْفه حَتَّى يَمْرُق من قَدَمَيْهِ وَهُوَ الصهر ثمَّ يُعَاد كَمَا كَانَ قَالَ الترمذى هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَعَن أَبى أُمَامَة عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى قَوْله تَعَالَى {ويسقى من مَاء صديد يتجرعه} قَالَ يقرب إِلَى فِيهِ فيكرهه فاذا أدنى مِنْهُ شوى وَجهه وَوَقعت فَرْوَة رَأسه فاذا شربه قطع أمعاءه حَتَّى يخرج من دبره فَيَقُول الله تَعَالَى {وَسقوا مَاء حميما فَقطع أمعاءهم} وَيَقُول {وَإِن يستغيثوا يغاثوا بِمَاء كَالْمهْلِ يشوي الْوُجُوه بئس الشَّرَاب وَسَاءَتْ مرتفقا} قَالَ حَدِيث غَرِيب وَعَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ} وَقَالَ لَو أَن قَطْرَة من الزقوم قطرت على أهل الدُّنْيَا لأفسدت على اهل الدُّنْيَا مَعَايشهمْ فَكيف بِمن يكون طَعَامه قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا

بابما جَاءَ فِي بكاء أهل النَّار وَمن أَدْنَاهُم عذَابا فِيهَا عَن أنس بن مَالك قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يَا أَيهَا النَّاس ابكوا فان لم تبكوا فان اهل النَّار يَبْكُونَ حَتَّى تسيل دموعهم فِي وُجُوههم كَأَنَّهَا جداول حَتَّى تَنْقَطِع الدُّمُوع فتسيل الدِّمَاء فتقرح الْعُيُون فَلَو أَن سفنا اجريت فِيهَا لجرت أخرجه ابْن الْمُبَارك قَالَ فى مجمع الزَّوَائِد رَوَاهُ أَبُو يعلى وأضعف من فِيهِ يزِيد الرقاشى وَقد وثق على ضعفه انْتهى وَأخرج ابْن مَاجَه عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرْسل الْبكاء على أهل النَّار فيبكون حَتَّى تَنْقَطِع الدُّمُوع ثمَّ يَبْكُونَ الدَّم حَتَّى يصير فِي وُجُوههم كَهَيئَةِ الاخدود لَو أرْسلت فِيهَا السفن لجرت وَعَن النُّعْمَان بن بشير أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن أَهْون أهل النَّار عذَابا يَوْم الْقِيَامَة رجل فى أَخْمص قَدَمَيْهِ جمرتان تغلى مِنْهُمَا دماغه أخرجه مُسلم وفى رِوَايَة من لَهُ نَعْلَانِ وشراكان من نَار يغلى مِنْهُمَا دماغه كَمَا يغلى الْمرجل مَا يرى أَن أحدا أَشد مِنْهُ عذَابا وَأَنه لأهونهم عذَابا أخرجه الشَّيْخَانِ والترمذى وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَهْون أهل النَّار أَبُو طَالب وَهُوَ منتعل بنعلين يغلى مِنْهُمَا دماغه رَوَاهُ البخارى وَعَن أنس عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَقُول الله لأهون أهل النَّار عذَابا يَوْم الْقِيَامَة لَو أَن لَك مَا فى الأَرْض من شىء أَكنت تفتدى بِهِ فَيَقُول نعم فَيَقُول أردْت مِنْك أَهْون من هَذَا وَأَنت فى صلب آدم أَن

لَا تشرك بى شَيْئا فأبيت إِلَّا أَن تشرك بى مُتَّفق عَلَيْهِ وروى عَن أَبى مُوسَى الأشعرى مَرْفُوعا أَنه قَالَ ان أهل النَّار ليبكون الدُّمُوع فى النَّار حَتَّى لَو أجريت فِيهِ السفن لجرت ثمَّ أَنهم يَبْكُونَ الدَّم بعد الدُّمُوع ولمثل مَا هم فِيهِ قَلِيل وفى التَّنْزِيل {فليضحكوا قَلِيلا وليبكوا كثيرا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وَعَن أَبى ذَر عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله لَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا من كثر بكاؤه خوفًا من الله تَعَالَى وخشية مِنْهُ ضحك كثيرا فى الْآخِرَة قَالَ الله تَعَالَى مخبرا عَن أهل الْجنَّة {إِنَّا كُنَّا قبل فِي أهلنا مشفقين} وَوصف أهل النَّار فَقَالَ {وَإِذا انقلبوا إِلَى أهلهم انقلبوا فكهين} وَقَالَ {وكنتم مِنْهُم تضحكون} رَوَاهُ الترمذى

باب لكل مسلم فداء من النار من الكفار

بَاب لكل مُسلم فدَاء من النَّار من الْكفَّار عَن أَبى بردة عَن ابيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جمع الله الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة اذن لأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى السُّجُود طَويلا ثمَّ يُقَال ارْفَعُوا رؤسكم فقد جعلنَا عدتكم فداءكم من النَّار أخرجه ابْن مَاجَه وَعِنْده عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذِه الْأمة أمة مَرْحُومَة عَذَابهَا بأيديها فاذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دفع إِلَى كل رجل من الْمُسلمين رجل من الْمُشْركين وَيُقَال هَذَا فداءك من النَّار قَالَ القرطبى وَهَذَانِ الحديثان وَإِن كَانَ إسنادهما لَيْسَ بالقوى قَالَ الدارقطنى جبارَة ابْن الْمُغلس مَتْرُوك فان مَعْنَاهُمَا صَحِيح بِدَلِيل حَدِيث مُسلم عَن أَبى بردة عَن أَبى مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دفع الله إِلَى كل مُسلم يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا فَيَقُول هَذَا فكاكك من النَّار وفى رِوَايَة أُخْرَى لَا يَمُوت رجل مُسلم إِلَّا أَدخل مَكَانَهُ من النَّار يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا قَالَ فاستحلفه عمر ابْن عبد الْعَزِيز بِاللَّه الذى لَا إِلَه إِلَّا هُوَ ثَلَاث مَرَّات أَن أَبَاهُ حَدثهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

فصل قال علماؤنا رحمهم الله فى هذه الأحاديث ظاهرها الاطلاق

فصل قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمهم الله فى هَذِه الْأَحَادِيث ظَاهرهَا الاطلاق والعموم وَلَيْسَت كَذَلِك وَإِنَّمَا هِيَ فى نَاس من الْمُسلمين تفضل الله عَلَيْهِم برحمته ومغفرته فَأعْطى كل إِنْسَان مِنْهُم فكاكا من النَّار من الْكفَّار وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث أَبى بردة عَن ابيه عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يجىء يَوْم الْقِيَامَة نَاس من الْمُسلمين بذنوب أَمْثَال الْجبَال فيغفرها الله لَهُم ويضعها على الْيَهُود وَالنَّصَارَى خرجه مُسلم وَمعنى يغفرها لَهُم أى يسْقط الْمُؤَاخَذَة عَنْهُم بهَا حَتَّى كَأَنَّهُمْ لم يذنبوا وَمعنى الْوَضع أى يُضَاعف عَلَيْهِم الْعَذَاب بِذُنُوبِهِمْ حَتَّى يكون عَذَابهمْ بِقدر جرائمهم وجرم مذنبى الْمُسلمين لَو أخذُوا بذلك لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَأْخُذ أحدا كَمَا قَالَ {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} وَله سُبْحَانَهُ أَن يُضَاعف لمن شَاءَ الْعَذَاب ويخفف عَمَّن يَشَاء بِحكم إِرَادَته ومشيئته إِذْ لَا يسئل عَمَّا يفعل وفى الرِّوَايَة الْأُخْرَى لَا يَمُوت رجل مُسلم إِلَّا أَدخل الله مَكَانَهُ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا فَمَعْنَى ذَلِك أَن الْمُسلم المذنب لما كَانَ اسْتحق مَكَانا من النَّار بِسَبَب ذنُوبه وَعَفا الله عَنهُ وبقى مَكَانَهُ خَالِيا مِنْهُ أضَاف الله ذَلِك الْمَكَان إِلَى يهودى أَو نَصْرَانِيّ ليعذب فِيهِ زِيَادَة على تَعْذِيب مَكَانَهُ الذى يسْتَحقّهُ بِحَسب كفره وَيشْهد لهَذَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى حَدِيث أنس يُقَال لِلْمُؤمنِ الذى ثَبت عِنْد السُّؤَال فى الْقَبْر أنظر إِلَى مَقْعَدك من النَّار قد أبدلك الله بِهِ مقْعدا من الْجنَّة قَالَ القرطبى قد جَاءَت أَحَادِيث دَالَّة على أَن لكل مُسلم مذنبا أَو غير

مذنب منزلين منزلا فى الْجنَّة ومنزلا فى النَّار وَذَلِكَ هُوَ معنى قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ هم الوارثون} أى يَرث الْمُؤْمِنُونَ منَازِل الْكفَّار وَيحصل الْكفَّار فى مَنَازِلهمْ فى النَّار وَهُوَ مُقْتَضى حَدِيث أنس عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العَبْد إِذا وضع فى قَبره الحَدِيث إِلَّا أَن هَذِه الوراثة تخْتَلف فَمنهمْ من يَرث وَلَا حِسَاب وَلَا مناقشة وَمِنْهُم من يَرث بِحِسَاب ومناقشة وَبعد الْخُرُوج من النَّار حسب مَا تقدم من أَحْوَال النَّار وَالله أعلم وَقد يحْتَمل أَن يُسمى الْحُصُول على الْجنَّة وَرَثَة من حَيْثُ حُصُولهَا دون غَيرهم وَهُوَ مُقْتَضى قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي صدقنا وعده وأورثنا الأَرْض نتبوأ من الْجنَّة حَيْثُ نشَاء} وَالله أعلم

باب فى قوله تعالى وتقول هل من مزيد

بَاب فى قَوْله تَعَالَى وَتقول هَل من مزِيد عَن أنس عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تزَال جَهَنَّم يلقى فِيهَا وَتقول هَل من مزِيد حَتَّى يضع رب الْعِزَّة فِيهَا قدمه فينزوى بَعْضهَا إِلَى بعض وَتقول قطّ قطّ وَعزَّتك وكرمك وَلَا يزَال فى الْجنَّة فضل حَتَّى ينشأ الله لَهَا خلقا فيسكنهم فضل الْجنَّة أخرجه مُسلم والبخارى والترمذى وفى رِوَايَة من حَدِيث ابى هُرَيْرَة فَأَما النَّار فَلَا تمتلىء حَتَّى يضع الله عَلَيْهَا رجله فَتَقول قطّ قطّ فهنالك تمتلىء وتزوى بَعْضهَا إِلَى بعض فَلَا يظلم الله من خلقه أحدا وَأما الْجنَّة فَالله ينشأ لَهَا خلقا قَالَ القرطبى وللعلماء فى قَول النَّار {هَل من مزِيد} تَأْوِيلَانِ أَحدهمَا وعدها ليملأها فَقَالَ أوفيتك فَقَالَت وَهل من مَسْلَك إِنِّي قد امْتَلَأت وَهَذَا تَفْسِير مُجَاهِد وَغَيره وَهُوَ ظَاهر الحَدِيث الثَّانِي زدنى زدنى تَقول ذَلِك غيظا على أَهلهَا وحنقا عَلَيْهِم كَمَا قَالَ {تكَاد تميز من الغيظ} أى تَنْشَق وَيبين بَعْضهَا بعض من وهى عبارَة عَمَّن يسْتَأْخر دُخُوله فى النَّار من أَهلهَا وهم جماعات كَثِيرَة لِأَن أهل النَّار يلقون فِيهَا فوجا فوجا كَمَا قَالَ تَعَالَى {كلما ألقِي فِيهَا فَوْج سَأَلَهُمْ خزنتها ألم يأتكم نَذِير} وَيُؤَيِّدهُ ايضا قَوْله فى الحَدِيث لَا يزَال يلقى فِيهَا فالخزنة تنْتَظر أُولَئِكَ الْمُتَأَخِّرين إِذا قد علموهم بِأَسْمَائِهِمْ وأوصافهم كَمَا روى عَن ابْن مَسْعُود انه قَالَ مَا فى النَّار بَيت وَلَا سلسلة وَلَا مقْمَع وَلَا تَابُوت إِلَّا وَعَلِيهِ اسْم صَاحبه وكل وَاحِد من الخزنة ينْتَظر صَاحبه الذى قد عرف اسْمه وَصفته فاذ استوفى كل وَاحِد مَا أَمر بِهِ وَمَا ينتظره وَلم يبْق مِنْهُم أحد قَالَت

الخزنة قطّ قطّ أى حَسبنَا حَسبنَا اكتفينا اكتفينا وَحِينَئِذٍ تنزوى جَهَنَّم على من فِيهَا وتنطبق إِذْ لم يبْق أحد ينْتَظر فَعبر عَن ذَلِك الْجمع المنتظر بِالرجلِ والقدم لِأَن الله تَعَالَى لَيْسَ بجسم من الْأَجْسَام تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ والجاحدون علوا كَبِيرا وَالْعرب تعبر عَن جمَاعَة النَّاس وَالْجَرَاد بِالرجلِ فَتَقول جَاءَنَا رجل من جَراد وَرجل من النَّاس اى جمَاعَة مِنْهُم وَالْجمع أرجل وَيشْهد لهَذَا التَّأْوِيل قَوْله فى نفس الحَدِيث وَلَا يزَال فى الْجنَّة فضل حَتَّى ينشىء الله لَهَا خلقا آخر فيسكنهم فضل الْجنَّة وفى الحَدِيث تأويلات أَتَيْنَا عَلَيْهَا فى الْأَسْمَاء وَالصِّفَات أشبههَا مَا ذكرنَا وَالله أعلم وفى التَّنْزِيل {أَن لَهُم قدم صدق عِنْد رَبهم} قَالَ ابْن عَبَّاس الْمَعْنى منزل صدق وَقَالَ الطبرى عمل صَالح وَقيل هُوَ سَابِقَة الْجنَّة فَدلَّ على أَن الْقدَم لَيْسَ حَقِيقَة فى الْجَارِحَة وَالله الْمُوفق قَالَ ابْن فورك وَقَالَ بَعضهم الْقدَم خلق من خلق الله يخلقه يَوْم الْقِيَامَة فيسميه قدما ويضيفه إِلَيْهِ من طَرِيق الْفِعْل يَضَعهُ فى النَّار فتمتلىء النَّار مِنْهُ قَالَ القرطبى وَهنا نَحْو مَا قُلْنَاهُ فى الرجل انْتهى كَلَام الْقُرْطُبِيّ وَأَقُول كل مَا ذكر الْقُرْطُبِيّ هُنَا من تَأْوِيل الرجل والقدم لَا يشْهد لَهُ دَلِيل من كتاب وَلَا سنة وَلَا وَلَا مَذْهَب أحد من سلف الْأمة وأئمنها وَنقل ابْن فورك الْقدَم خلق إِلَخ لَا يقبل حَتَّى يدل عَلَيْهِ دَلِيل من السّنة وأنى ذَلِك الدَّلِيل عِنْد أهل التَّأْوِيل والتأويل هُوَ صَنِيع الْمُتَكَلِّمين ووظيفة المنتحلين لمذاهب الْحُكَمَاء والفلسفة الطاغين وَلِهَذَا حذر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ وَقَالَ يحمل هَذَا الْعلم من كل خلف عدوله ينفون عَنهُ تَحْرِيف الغالين وانتحال المبطلين وَتَأْويل الْجَاهِلين رَوَاهُ البيهقى فى كتاب الْمدْخل عَن إِبْرَاهِيم العذرى وَلِهَذَا كَانَ السّلف الصالحون يجرونَ آيَات الصِّفَات وأحاديثها على ظَاهرهَا من غير تكييف وَلَا تَشْبِيه وَلَا تَأْوِيل وَلَا تَعْطِيل

وَلم يَكُونُوا يؤولون شَيْئا مِنْهَا بشىء من عِنْد أنفسهم حذرا من مضاده مُرَاد الله وَرَسُوله فى تَأْوِيل تِلْكَ النُّصُوص وَكَانُوا يَقُولُونَ الله أعلم بمراده بذلك فَمن أول شَيْئا من صِفَاته سُبْحَانَهُ فقد خَالف الشَّرِيعَة الحقة وَسلف الْأمة واقتدى بِمن نكب على الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَقد انتدب جمَاعَة من أهل الْعلم بِالْقُرْآنِ والْحَدِيث لرد أَقْوَال المؤولين وردوا عَلَيْهِم أَقْوَالهم حرفا حرفا وأوضحوا خطأهم فى إِيثَار التَّأْوِيل على التَّفْوِيض لفظا لفظا والفوا فى ذَلِك كتبا جمة مُطَوَّلَة ومختصرة قَدِيما وحديثا وَكَثُرت فِيهَا الزلازل والقلاقل حَتَّى آل الْأَمر إِلَى الْمُقَاتلَة والمجادلة والتكفير والتضليل فى كل زمَان وَمَكَان وابتلى بهَا الْمُؤْمِنُونَ وزلزلوا زلزالا شَدِيدا وَكَانَ مَا كَانَ وحاشا أهل الحَدِيث وَالسّنة وَالْخَبَر والأثر وَأَصْحَاب الْكتاب الْعَزِيز أَن يعتقدوا فِيهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التجسيم والتكييف أَو يعطلوا صِفَاته الْعليا أَو يؤولوا أسماءه الْحسنى بل هم أَشد النَّاس ردا على المجسمة المشبهة وأغضبهم فى سَبِيل الله على الْجَهْمِية المعطلة وَإِنَّمَا ينسبهم إِلَى التجسيم من هُوَ جَاهِل سَفِيه لَا يعرف صورهم وَلَا سيرهم وَلَا يعلم الْكتاب وَلَا السّنة وَلَا يحوم حولهما وَلَا يفهم معانيهما وَقد زل قدم قوم من أهل الْمعرفَة بالأخبار أَيْضا فى هَذَا الْمقَام حَتَّى ذَهَبُوا إِلَى التَّأْوِيل كالبيهقى فى الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وكالقرطبى عَفا الله عَنَّا وعنهم بمنه وَكَرمه وَأما مقلدة الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة واصحاب الْمذَاهب الْمُعْتَبرَة فَلَا تسئل عَنْهُم فانهم بمعزل عَن حلاوة الِاتِّبَاع وعَلى مراحل شاسعة عَن سَعَادَة التَّمَسُّك بِالسنةِ رزقنا الله تَعَالَى اقْتِدَاء سلف الْأمة وأئمتها وجنبنا عَن تَقْلِيد الرِّجَال وحفظنا عَن اخْتِيَار الآراء فى مُقَابلَة نُصُوص كتاب الله الْعَزِيز وأدلة سنة رَسُوله الْمُخْتَار وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم وَعلمه أتم وَأحكم وَهُوَ الْمُسْتَعَان

باب فى ذكر آخر من يخرج من النار

بَاب فى ذكر آخر من يخرج من النَّار وَآخر من يدْخل الْجنَّة وفى تَعْيِينه وَتَعْيِين قبيلته واسْمه عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنى لأعْلم آخر أهل النَّار خُرُوجًا مِنْهَا وَآخر الْجنَّة دُخُولا الْجنَّة رجل يخرج من النَّار حبوا فَيَقُول الله تَعَالَى اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجنَّة فيأتيها فيخيل إِلَيْهَا إِنَّهَا ملأى فَيرجع فَيَقُول يَا رب وَجدتهَا ملأى فَيَقُول الله اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجنَّة فَإِن لَك مثل الدُّنْيَا أَو عشرَة أَمْثَالهَا وَإِن لَك عشرَة أَمْثَال الدُّنْيَا قَالَ فَيَقُول أَتسخر بى أَو تضحك بى وَأَنت الْملك قَالَ فقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه قَالَ فَيُقَال ذَلِك أدنى أهل الْجنَّة منزلَة وَعنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ آخر من يدْخل الْجنَّة رجل فَهُوَ يمشى مرّة ويكبوا مرّة وتسفعه النَّار مرّة فاذا مَا جاوزها الْتفت إِلَيْهَا فَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى الذى نجانى مِنْك لقد أعطانى الله شَيْئا مَا أعطَاهُ أحدا من الْأَوَّلين والآخرين فَترفع لَهُ شَجَرَة فَيَقُول أى رب أدننى من هَذِه الشَّجَرَة فلأستظل بظلها وأشرب من مَائِهَا فَيَقُول الله تَعَالَى يَا ابْن آدم لعلى إِن أعطيتكها سألتنى عَن غَيرهَا فَيَقُول لَا يَا رب ويعاهده أَن لَا يسئله غَيرهَا وربه يعذرهُ لِأَنَّهُ يرى مَالا صَبر لَهُ عَلَيْهِ فيدنيه مِنْهَا فيستظل بظلها وَيشْرب من مَائِهَا ثمَّ ترفع لَهُ شَجَرَة هى أحسن من الأولى فَيَقُول أى رب أذنى من هَذِه لأشرب من مَائِهَا وأستظل بظلها لَا أَسأَلك غَيرهَا

فَيَقُول ابْن آدم لعلى إِن ادنيتك مِنْهَا تسألنى غَيرهَا فيعاهده أَن لَا يسْأَله غَيرهَا وربه يعذرهُ لِأَنَّهُ يرى مَالا صبرله عَلَيْهِ فيدنيه مِنْهَا فاذا أدناه مِنْهَا ترفع لَهُ شَجَرَة عِنْد بَاب الْجنَّة هى أحسن من الْأَوليين فَيَقُول مثل قَوْله فيدنيه مِنْهَا فاذا أدناه مِنْهَا سمع اصوات أهل الْجنَّة فَيَقُول أى رب ادخلنيها فَيَقُول ابْن آدم مَا يضرنى مِنْك أيرضيك أَن أُعْطِيك الدُّنْيَا وَمثلهَا مَعهَا فَيَقُول أى رب أتستهزىء منى وَأَنت رب الْعَالمين فَضَحِك ابْن مَسْعُود فَقَالَ أَلا تسئلونى مِمَّا أضْحك فَقَالُوا مِمَّا تضحك قَالَ هَكَذَا ضحك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا مِمَّا تضحك يَا رَسُول الله قَالَ من ضحك رب الْعَالمين فَيَقُول انى لَا استهزىء مِنْك لكنى على مَا أَشَاء قدير اخرجه مُسلم وَعَن أبن عمر عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آخر من يدْخل الْجنَّة رجل من جُهَيْنَة يُقَال لَهُ جُهَيْنَة يَقُول أهل الْجنَّة عِنْد جُهَيْنَة الْخَبَر الْيَقِين ذكره أَبُو حَفْص عمر بن عبد الْمجِيد القرشى فى كتاب الِاخْتِيَار فى الْملح من الْأَخْبَار والْآثَار وَرَوَاهُ أَبُو بكر أَحْمد بن على بن ثَابت الْخَطِيب من حَدِيث عبد الْملك بن الحكم وَعنهُ عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن آخر من يدْخل الْجنَّة رجل من جُهَيْنَة يُقَال لَهُ جُهَيْنَة فَيَقُول أهل الْجنَّة عِنْد دهينة الْخَبَر الْيَقِين سلوه هَل بقى من الْخَلَائق اُحْدُ رَوَاهُ الدارقطنى فى كتاب رَوَاهُ مَالك ذكره السُّهيْلي وَقد قيل أَن اسْمه هناد وَالله أعلم

باب ما جاء فى خروج الموحدين من النار وذكر الرجل الذى ينادى يا حنان يا

بَاب مَا جَاءَ فى خُرُوج الْمُوَحِّدين من النَّار وَذكر الرجل الذى يُنَادى يَا حنان يَا منان وفى أَحْوَال أهل النَّار عَن جَابر عَن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن نَاسا من أمتى يدْخلُونَ النَّار بِذُنُوبِهِمْ فيكونون فى النَّار مَا شَاءَ الله أَن يَكُونُوا ثمَّ يعيرهم أهل الشّرك فَيَقُولُونَ مَا نرى مَا كُنْتُم تخالفونا فِيهِ من تصديقكم وإيمانكم نفعكم فَلَا يبْقى موحد إِلَّا أخرجه الله من النَّار ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين أخرجه الطبرانى وَعَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عبدا فى جَهَنَّم يُنَادى ألف سنة يَا حنان فَيَقُول الله تَعَالَى لجبريل ائْتِ عبدى فلَانا فَينْطَلق جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَيرى أهل منكبين على وُجُوههم قَالَ فَرجع يَقُول يَا رب لم أره فَيَقُول تَعَالَى إِنَّه فى مَكَان كَذَا وَكَذَا قَالَ فيأتيه فيجىء بِهِ فَيَقُول لَهُ يَا عبدى كَيفَ وجدت مَكَانك ومقيلك قَالَ فَيَقُول شَرّ مَكَان وَشر مقيل قَالَ فَيَقُول ردوا عبدى فَيَقُول يَا رب مَا كنت أرجوا أَن تردنى إِذْ أخرجتنى فَيَقُول الله تَعَالَى دعوا عبدى رَوَاهُ أَبُو ظلال هِلَال بن أَبى مَالك القسملى يعد فى الْبَصرِيين وَعَن سعيد بن جُبَير قَالَ إِن فى النَّار لرجلا أَظُنهُ فى شعب من شعابها يُنَادى مِقْدَار ألف سنة يَا حنان يَا منان فَيَقُول رب الْعِزَّة لجبريل يَا جِبْرِيل اخْرُج عبدى من النَّار فيأتيها فيجدها مطبقة فَيرجع فَيَقُول يَا رب إِنَّهَا عَلَيْهِم

مؤصدة فَيَقُول يَا جِبْرِيل أرجع ففكها فَاخْرُج عبدى من النَّار فيفكها فَيخرج مثل الْجبَال فيطرحه على سَاحل الْجنَّة حَتَّى ينْبت الله لَهُ شعرًا وَلَحْمًا ودما ذكره أَبُو نعيم وروى لَيْث عَن مُجَاهِد عَن أَبى هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا الشَّفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة لمن عمل الْكَبَائِر من أمتى الحَدِيث وَفِيه وأطولهم مكثا من يمْكث فِيهَا مثل الدُّنْيَا مُنْذُ خلقت إِلَى يَوْم أفنيت وَذَلِكَ سَبْعَة آلَاف سنة ثمَّ أَن الله تَعَالَى إِذا أَرَادَ أَن يخرج الْمُوَحِّدين مِنْهَا قذف فى قُلُوب أهل الْأَدْيَان فَقَالُوا لَهُم كُنْتُم وإيانا جَمِيعًا فى الدُّنْيَا فآمنتم وكفرنا وصدقتم وكذبنا وأقررتم وجحدنا فَمَا أغْنى ذَلِك عَنْكُم نَحن وَأَنْتُم الْيَوْم فِيهَا سَوَاء تعذبون كَمَا نعذب وتخلدون فِيهَا كَمَا نخلد فيغضب الله عِنْد ذَلِك غَضبا شَدِيدا لم يغْضب مثله من شىء فِيمَا مضى وَلَا يغْضب فى شىء فِيمَا بقى فَيخرج أهل التَّوْحِيد مِنْهَا إِلَى عين بَين الْجنَّة والصراط يُقَال لَهَا نهر الْحَيَاة فيرش عَلَيْهِم من المَاء فينبتون كَمَا ينْبت الْحبَّة فى حميل السَّيْل فَمَا يلى الظل مِنْهَا أَخْضَر وَمَا يلى الشَّمْس مِنْهَا أصفر ثمَّ يدْخلُونَ الْجنَّة فَيكْتب على جباههم عُتَقَاء الله من النَّار إِلَّا رجلا وَاحِدًا يمْكث فِيهَا ألف سنة

ثمَّ يُنَادى يَا حنان يَا منان فيبعث الله إِلَيْهِ ملكا فيخوض فى النَّار فى طلبه سبعين عَاما لَا يقدر عَلَيْهِ ثمَّ يرجع فَيَقُول أَنَّك أمرتنى أَن أخرج عَبدك فلَان من النَّار مُنْذُ سبعين عَاما فَلم أقدر عَلَيْهِ فَيَقُول الله تَعَالَى انْطلق فَهُوَ فى وادى كَذَا تَحت صَخْرَة فَأخْرجهُ فَيذْهب فيخرجه مِنْهَا فيدخله الْجنَّة ثمَّ إِن الجهميين يطْلبُونَ إِلَى الله عز وَجل أَن يمحى عَنْهُم ذَلِك الأسم فيبعث الله ملكا فيمحاه عَن جباههم ثمَّ إِنَّه يُقَال لأهل الْجنَّة وَمن دَخلهَا من الجهنميين اطلعوا إِلَى أهل النَّار فيطلعون إِلَيْهِم فَيرى الرجل أَبَاهُ وَيرى جَاره وَيرى صديقه وَيرى العَبْد مَوْلَاهُ ثمَّ إِن الله يبْعَث إِلَيْهِم الْمَلَائِكَة بأطباق من نَار ومسامير من نَار وَعمد من نَار فيطبق عَلَيْهِم بِتِلْكَ الأطباق ويشد بِتِلْكَ المسامير وتمد بِتِلْكَ الْعمد فَلَا يبْقى فِيهَا خلل يدْخل عَلَيْهِم مِنْهَا روح وَلَا يخرج مِنْهُ غم وينساهم الرَّحْمَن على عَرْشه ويتشاغل أهل الْجنَّة بنعيمهم وَلَا يستغيثون بعْدهَا أبدا وَيَنْقَطِع الْكَلَام فَيكون كَلَامهم زفير وشهيق فَذَلِك قَوْله تَعَالَى انها عَلَيْهِم مؤصدة فى عمد ممددة وَذكر أَبُو نعيم الْحَافِظ عَن زَاذَان قَالَ سَمِعت كَعْب الْأَحْبَار يَقُول إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع الله الْأَوَّلين والآخرين فى صَعِيد وَاحِد فَنزلت الْمَلَائِكَة فصاروا صُفُوفا فَيَقُول الله تَعَالَى لجبريل ائْتِ بجهنم فيأتى بهَا جِبْرِيل تقاد بسبعين ألف زِمَام حَتَّى إِذا كَانَت من الْخَلَائق على قدر مائَة عَام زفرت زفرَة طارت بهَا أَفْئِدَة الْخَلَائق ثمَّ زفرت ثَانِيَة فَلَا يبْقى ملك مقرب وَلَا نبى مُرْسل إِلَّا جثى لِرُكْبَتَيْهِ

ثمَّ تزفر الثَّالِثَة فتبلغ الْقُلُوب الْحَنَاجِر وتذهل الْعُقُول فَيفزع كل أمرء إِلَى عمله حَتَّى أَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل يَقُول بخلتى لَا أَسأَلك إِلَّا نفسى وَيَقُول مُوسَى بمناجاتى لَا أَسأَلك إِلَّا نفسى وَأَن عِيسَى يَقُول بِمَا أكرمتنى لَا أَسأَلك إِلَّا نفسى لاأسألك مَرْيَم الَّتِى ولدتنى وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أمتى أمتى لَا أَسأَلك الْيَوْم نفسى إِنَّمَا أَسأَلك أمتى قَالَ فَيُجِيبهُ الجيل الْجَلِيل جَلَاله أَن أوليائى من أمتك لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ فوعزتى وجلالى لأقرن عَيْنك فيأمتك ثمَّ تقف الْمَلَائِكَة بَين يدى الله تَعَالَى ينتظرون مَا يؤمرون بِهِ فَيَقُول لَهُم الله تَعَالَى وتقدس معاشر الزَّبَانِيَة انْطَلقُوا بالمصرين من أهل الْكَبَائِر من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى النَّار فقد اشْتَدَّ عَلَيْهِم غَضبى بتهاونهم بأمرى فى دَار الدُّنْيَا واستخفافهم بحقى وانتهاكهم بحرمتى يستخفون من النَّاس ويبارزونى مَعَ كرامتى لَهُم وتفضلى إيَّاهُم على الْأُمَم وَلم يعرفوا فضلى وعظيم نعمتى فَعندهَا تَأْخُذ الزَّبَانِيَة بلحى الرِّجَال وذوائب النِّسَاء فَينْطَلق بهم إِلَى النَّار وَمَا من عبد يساق إِلَى النَّار من غير هَذِه الْأمة إِلَّا مسودا وَجهه قد وضعت الأنكال فى رجلَيْهِ والأغلال فى عُنُقه إِلَّا من كَانَ من هَذِه الْأمة فَإِنَّهُم يساقون بألوانهم فَإِذا وردوا على مَالك قَالَ لَهُم معاشر الأشقياء من أى أمة أَنْتُم فَمَا ورد على أحسن وُجُوهًا مِنْكُم فَيَقُولُونَ يَا مَالك نَحن من أمة الْقُرْآن فَيَقُول لَهُم معاشر الأشقياء أَو لَيْسَ الْقُرْآن أنزل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فيرفعون أَصْوَاتهم بالنحيب والبكاء فَيَقُولُونَ وامحمداه وامحمداه أَتَشفع لمن أَمر بِهِ إِلَى النَّار من أمتك قَالَ فينادى مَالك بتهدد وانتهار يَا مَالك من أَمرك بمعاتبة أهل الشَّقَاء

ومحادثتهم والتوقف عَن إدخالهم الْعَذَاب يَا مَالك لَا تسود وُجُوههم فقد كَانُوا يَسْجُدُونَ لى فى دَار الدُّنْيَا يَا مَالك لَا تغلهم بالأغلال فقد كَانُوا يغتسلون من الْجَنَابَة يَا مَالك لَا تَلبسهمْ القطران فقد خلعوا ثِيَابهمْ للاحرام يَا مَالك لَا تُعَذبهُمْ الانكال فقد طافوا بيتى الْحَرَام يَا مَالك مر النَّار لَا تحرق ألسنتهم فقد كَانُوا يقرؤن الْقُرْآن يَا مَالك قل النَّار تأخذهم على قدر أَعْمَالهم فَالنَّار أعرف بهم وبمقادير استحقاقهم من الوالدة بِوَلَدِهَا فَمنهمْ من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى كعبيه وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ النارإلى سرته وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى صَدره فَإِذا انتقم الله عز وَجل مِنْهُم على قدر كبائرهم وعتوهم وإصرارهم فتح بَينهم وَبَين الْمُشْركين بَاب فرأوهم فى الطَّبَق الْأَعْلَى من النَّار لَا يذوقون فِيهَا بردا وَلَا شرابًا يَبْكُونَ وَيَقُولُونَ يَا محمداه ارْحَمْ من امتك الأشقياء وَاشْفَعْ لَهُم فقد اكلت النَّار لحومهم وَدِمَائِهِمْ وعظامهم ثمَّ ينادون يَا رباه واسيداه ارْحَمْ من لم يُشْرك بك فى دَار الدُّنْيَا وَإِن كَانَ قد أَسَاءَ وَأَخْطَأ وتعدى فَعندهَا يَقُول الْمُشْركُونَ مَا أغْنى عَنْكُم إيمَانكُمْ بِاللَّه وَبِمُحَمَّدٍ فيغضب الله تَعَالَى لذَلِك فَعندهَا يَقُول ياجبريل انْطلق فَاخْرُج من فى النَّار من أمة مُحَمَّد فيخرجهم ضبائر قد امتحنوا فيلقيهم على نهر على بَاب الْجنَّة يُقَال لَهُ نهر الْحَيَوَان فيمكثون حَتَّى يعودون أَنْضَرُ مَا كَانُوا ثمَّ يَأْمر بإدخالهم الْجنَّة مَكْتُوب على جباههم هَؤُلَاءِ الجهنميون عُتَقَاء الرَّحْمَن من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيعرفون من بَين أهل الْجنَّة بذلك فيتضرعون إِلَى الله أَن يمحو عَنْهُم تِلْكَ السمة فيمحوها الله تَعَالَى عَنْهُم فَلَا يعْرفُونَ بهَا بعد ذَلِك أبدا وَذكر أَبُو نعيم الْحَافِظ عَن أَبى عمرَان الجونى قَالَ بلغنَا إِنَّه إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة

باب تفاوت أهل النار فى العذاب

أَمر الله بِكُل جَبَّار وكل شَيْطَان وكل من يخَاف النَّاس من شَره فى الدُّنْيَا فيوثقون بالحديد ثمَّ أَمر بهم إِلَى النَّار ثمَّ أوصدها عَلَيْهِم أى أطبقها فَلَا وَالله لَا تَسْتَقِر أَقْدَامهم على قَرَارهَا أبدا وَلَا وَالله مَا ينظرُونَ إِلَى أَدِيم سَمَاء أبدا وَلَا وَالله لَا يلتقى جفونهم على غمض نوم أبدا وَلَا وَالله لَا يذوقون فِيهَا بَارِد شراب أبدا فَقَالَ ثمَّ يُقَال لأهل الْجنَّة يَا أهل الْجنَّة افتحوا الْيَوْم الْأَبْوَاب فَلَا تخافوا شَيْطَانا وَلَا جبارا وكلوا الْيَوْم وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا اسلفتم فى الْأَيَّام الخالية قَالَ أَبُو عمرَان هِيَ وَالله يَا إخوتاه أيامكم هَذِه بَاب تفَاوت أهل النَّار فى الْعَذَاب عَن أَبى سعيد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أَهْون أهل النَّار عذَابا رجل منتعل بنعلين من نَار يغلى مِنْهُمَا دماغه مَعَ أَجزَاء الْعَذَاب وَمِنْهُم من فى النَّار إِلَى صَدره مَعَ أَجزَاء الْعَذَاب وَمِنْهُم من فى النَّار إِلَى ترقوته مَعَ أَجزَاء الْعَذَاب وَمِنْهُم من قد انغمس فِيهَا رَوَاهُ الْبَزَّار وَرِجَاله رجال الصَّحِيح وَعَن جَابر قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقيل لَهُ هَل نَفَعت أَبُو طَالب قَالَ أخرجه الله من النَّار إِلَى ضحضاح مِنْهَا رَوَاهُ الْبَزَّار وَفِيه من لم أعرفهُ وَعَن أَبى هُرَيْرَة عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أدنى أهل النَّار عذَابا الذى لَهُ نَعْلَانِ من نَار يغلى مِنْهُمَا دماغه رَوَاهُ الطبرانى فى الْأَوْسَط وَرِجَاله رجال الصَّحِيح غير يزِيد بن خَالِد بن موهب وَهُوَ ثِقَة

باب فى الاستهزاء بأهل النار وبيان قوله تعالى فاليوم الذين آمنوا من

وَعَن عمرَان ابْن حُصَيْن قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قتل نَفسه بشىء فى الدُّنْيَا عذب بِهِ فى الْآخِرَة رَوَاهُ الْبَزَّار وَفِيه إِسْحَاق بن إِدْرِيس وَهُوَ مَتْرُوك وَعَن ابْن عمر عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ وَالله لَا يخرج من النَّار أحد حَتَّى يمْكث فِيهَا أحقابا قَالَ والحقب بضع وَثَمَانُونَ سنة كل سنة ثلثمِائة وَسِتُّونَ يَوْمًا مِمَّا تَعدونَ رَوَاهُ الْبَزَّار وَفِيه سُلَيْمَان بن مُسلم الخشاب وَهُوَ ضَعِيف جدا كَذَا فى مجمع الزَّوَائِد بَاب فى الِاسْتِهْزَاء بِأَهْل النَّار وَبَيَان قَوْله تَعَالَى فاليوم الَّذين آمنُوا من الْكفَّار يَضْحَكُونَ على الأرائك ينظرُونَ {هَل ثوب الْكفَّار مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} عَن أَبى صَالح فى قَوْله تَعَالَى الله يستهزىء بهم قَالَ يُقَال لأهل النَّار وهم فى النَّار اخْرُجُوا فتفتح لَهُم أَبْوَاب النَّار فاذا رأوها قد فتحت أَبْوَابهَا اقْبَلُوا إِلَيْهَا يُرِيدُونَ الْخُرُوج والمؤمنون ينظرُونَ إِلَيْهِم على الأرائك فاذا انْتَهوا إِلَى أَبْوَابهَا غلقت دونهم ويضحك مِنْهُم الْمُؤْمِنُونَ حِين غلقت دونهم فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {فاليوم الَّذين آمنُوا} الخ ذكره ابْن الْمُبَارك وَعَن قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى الْمَذْكُور قَالَ ذكر لنا أَن كَعْبًا كَانَ يَقُول أَن بَين الْجنَّة وَالنَّار كوى فاذا أَرَادَ الْمُؤمن أَن ينظر إِلَى عَدو لَهُ كَانَ فى الدُّنْيَا اطلع من بعض الكوى قَالَ تَعَالَى فى آيَة أُخْرَى {فَاطلع فَرَآهُ فِي سَوَاء}

{الْجَحِيم} قَالَ ذكر لنا أَنه يطلع فَيرى جماجم الْقَوْم تغلى رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك قَالَ وَأخْبرنَا معمر عَن قَتَادَة قَالَ قَالَ بعض الْعلمَاء لَوْلَا أَن الله عز وَجل عرفه إِيَّاه مَا عرفه لقد تغير حبره وسبره فَعِنْدَ ذَلِك يَقُول {تالله إِن كدت لتردين وَلَوْلَا نعْمَة رَبِّي لَكُنْت من المحضرين} فِي النَّار وَعَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْمُسْتَهْزِئِينَ بعباد الله فِي الدُّنْيَا تفتح لَهُم ابواب الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال لَهُم ادخُلُوا الْجنَّة فاذا جاؤها أغلق الْبَاب فى وُجُوههم وَيفتح لَهُم الثَّانِيَة فَيُقَال لَهُم ادخُلُوا الْجنَّة فَإِذا جاؤها أغلق الْبَاب وَيفتح لَهُم الثَّالِثَة فَيدعونَ فَلَا يجيبون قَالَ فَيَقُول لَهُم الرب أَنْتُم المستهزئون بعبادى أَنْتُم آخر النَّاس حسابا فَيقومُونَ حَتَّى يغرقون فى عرقهم فينادون يَا رَبنَا إِمَّا صرفتنا إِلَى جَهَنَّم وَإِمَّا إِلَى رضوانك أخرجه أَبُو هَدِيَّة إِبْرَاهِيم ابْن هَدِيَّة وَأوردهُ القرطبى فى التَّذْكِرَة

باب ما جاء فى استنشاق رائحة الجنة والصرف منها إلى النار

بَاب مَا جَاءَ فى استنشاق رَائِحَة الْجنَّة وَالصرْف مِنْهَا إِلَى النَّار قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤمر يَوْم الْقِيَامَة بأناس إِلَى الْجنَّة حَتَّى إِذا دنوا مِنْهَا واستنشقوا رائحتها ونظروا إِلَى قُصُورهَا وَإِلَى مَا أعد الله لأَهْلهَا فِيهَا نُودُوا أَن اصرفوهم عَنْهَا لَا نصيب لَهُم فِيهَا فيرجعون بحسرة مَا رَجَعَ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ بِمِثْلِهَا فَيَقُولُونَ يَا رَبنَا لَو أدخلتنا النَّار قبل أَن ترينا مَا أريتنا من ثوابك وَمَا أَعدَدْت فِيهَا لأوليائك كَانَ أَهْون علينا قَالَ ذَلِك أردْت بكم كُنْتُم إِذا خلوتم بى بارزتمونى بالعظائم وَإِذا لَقِيتُم النَّاس لقيتوهم مختبئين تراءون النَّاس بِخِلَاف مَا تعطونى من قُلُوبكُمْ هبتم النَّاس وَلم تهابونى وأجللتم النَّاس وَلم تجلونى وتركتم للنَّاس وَلم تتركوا لى فاليوم اذيقكم الْعَذَاب الْأَلِيم مَعَ مَا حرمتكم من الثَّوَاب ذكره أَبُو حَامِد الغزالى وَأوردهُ القرطبى ولينظر فى سَنَده

باب ما جاء فى ميراث أهل الجنة منازل أهل النار

بَاب مَا جَاءَ فى مِيرَاث أهل الْجنَّة منَازِل أهل النَّار جَاءَ فى الْخَبَر عَن ابى هُرَيْرَة عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله تَعَالَى جعل لكل إِنْسَان مسكنا فى الْجنَّة ومسكنا فى النَّار فَأَما الْمُؤْمِنُونَ فَيَأْخُذُونَ مَنَازِلهمْ ويرثون منَازِل الْكفَّار وَيحصل الْكفَّار فى مَنَازِلهمْ من النَّار خرجه ابْن مَاجَه بِمَعْنَاهُ وَعَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا مِنْكُم إِلَّا لَهُ منزلان منزل فى الْجنَّة ومنزل فى النَّار فَإِذا مَاتَ فَدخل النَّار ورث أهل الْجنَّة منزله فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ هم الوارثون} إِسْنَاده وصحيح قَالَ القرطبى وَهَذَا بَين فى أَن لكل إِنْسَان منزلا فى النَّار منزلا فى الْجنَّة بَاب مَا جَاءَ فى خُلُود اهل الدَّاريْنِ وَذبح الْمَوْت على الصِّرَاط وَمن يذبحه عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صَار أهل الْجنَّة إِلَى الجنه وَأهل النَّار إِلَى النَّار جىء بِالْمَوْتِ حَتَّى يَجْعَل بَين الْجنَّة وَالنَّار ثمَّ يذبح ثمَّ يُنَادى مُنَاد يَا أهل الْجنَّة لَا موت وَيَا أهل النَّار لَا موت فَيَزْدَاد أهل الْجنَّة فَرحا إِلَى فَرَحهمْ ويزداد أهل النَّار حزنا إِلَى حزنهمْ أخرجه البخارى وَعَن أَبى سعيد الخدرى قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل أهل

الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار يجاء بِالْمَوْتِ كَأَنَّهُ كَبْش أَمْلَح فَيُوقف بَين الْجنَّة وَالنَّار فَيُقَال يَا أهل الْجنَّة هَل تعرفُون هَذَا فيشرفون وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُونَ نعم هَذَا الْمَوْت ثمَّ يُقَال يَا أهل النَّار هَل تعرفُون هَذَا فيسرفون وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُونَ نعم هَذَا الْمَوْت فيؤمرون فَيذْبَح ثمَّ يُقَال يَا أهل الْجنَّة خُلُود فَلَا موت وَيَا أهل النَّار خُلُود فَلَا موت فِيهَا ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَأَنْذرهُمْ يَوْم الْحَسْرَة إِذْ قضي الْأَمر وهم فِي غَفلَة وهم لَا يُؤمنُونَ} وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الدُّنْيَا أخرجه مُسلم وخرجه أَبُو عِيسَى الترمذى عَن أَبى سعيد يرفعهُ فاذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أَتَى بِالْمَوْتِ كالكبش الأملح فَيُوقف بَين الْجنَّة وَالنَّار فَيذْبَح وهم ينظرُونَ فَلَو أَن أحدا مَاتَ فَرحا لمات أهل الْجنَّة من فَرَحهمْ وَلَو أَن أحدا مَاتَ حزنا مَاتَ أهل النَّار وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَذكر ابْن ماجة فى حَدِيث فِيهِ طول عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجاء بِالْمَوْتِ يَوْم الْقِيَامَة فَيُوقف على الصِّرَاط فَيُقَال يَا أهل الْجنَّة فيطلعون خَائِفين ان يخرجُوا من مكانهم الذى هم فِيهِ ثمَّ يُقَال يَا أهل النَّار فيطلعون مستبشرين فرحين أَن يخرجُوا من مكانهم الذى هم فِيهِ فَيُقَال هَل تعرفُون هَذَا قَالُوا نعم هَذَا الْمَوْت قَالَ فَيُؤْمَر بِهِ فَيذْبَح على الصِّرَاط ثمَّ يُقَال لِلْفَرِيقَيْنِ كِلَاهُمَا خُلُود فِيمَا يَجدونَ لَا موت فِيهِ أبدا وخرجه الترمذى بِمَعْنَاهُ مطولا عَن أَبى هُرَيْرَة ايضا وَفِيه إِذا أَدخل الله أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار أَتَى بِالْمَوْتِ ملبيا فَيُوقف على السُّور الذى بَين الْجنَّة وَالنَّار

ثمَّ يُقَال يَا أهل الْجنَّة فيطلعون خَائِفين ثمَّ يُقَال يَا أهل النَّار فيطلعون مستبشرين يرجون الشَّفَاعَة فَيُقَال لأهل الْجنَّة وَأهل النَّار هَل تعرفُون هَذَا فَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء عَرفْنَاهُ هَذَا هُوَ الْمَوْت الذى وكل بِنَا فيضجع فَيذْبَح ذبحا على السُّور ثمَّ يُقَال يَا أهل الْجنَّة خُلُود فَلَا موت وَيَا أهل النَّار خُلُود فَلَا موت قَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَعَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤْتى بِالْمَوْتِ يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُ كَبْش أَمْلَح فَيُوقف بَين الْجنَّة وَالنَّار ثمَّ يناد مُنَاد يَا أهل الْجنَّة فَيَقُولُونَ لبيْك رَبنَا فَيُقَال هَل تعرفُون هَذَا فَيَقُولُونَ نعم رَبنَا هَذَا الْمَوْت فَيذْبَح كَمَا تذبح الشَّاة فَيَأْمَن هَؤُلَاءِ وَيَنْقَطِع رَجَاء هَؤُلَاءِ رَوَاهُ أَبُو يعلى والطبرانى فى الْأَوْسَط بِنَحْوِهِ وَالْبَزَّار ورجالهم رجال الصَّحِيح غير نَافِع بن خَالِد الطاحى وَهُوَ ثِقَة والطاحى نِسْبَة إِلَى الطاحية بطن من الأزد ومحلة لَهُم بِالْبَصْرَةِ وَعَن معَاذ بن جبل أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه إِلَى الْيمن فَلَمَّا قدم عَلَيْهِم قَالَ يَا أَيهَا النَّاس إنى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْكُم يُخْبِركُمْ ان المُرَاد إِلَى الله إِلَى جنَّة اَوْ نَار خُلُود بِلَا موت وَإِقَامَة بِلَا ظعن رَوَاهُ الطبرانى فى الْكَبِير والأوسط بِنَحْوِهِ وَزَاد فِيهِ فى أجساد لَا تَمُوت وَإسْنَاد الْكَبِير جيد إِلَّا أَن ابْن سابط لم يدْرك معَاذًا قلت والذى سقط بَينهمَا عمر بن مَيْمُون الأودى كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِم فى الْمُسْتَدْرك فى أَوَاخِر كتاب الْأَيْمَان وفى طَرِيقه مُسلم بن خَالِد الزنجى وَهُوَ عقبَة هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد إِلَّا أَن الشَّيْخَيْنِ قد نسباه إِلَى أَن الحَدِيث لَيْسَ من صَنعته وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم وَعَن عبد الله يعْنى ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

لَو قيل لأهل النَّار إِنَّكُم مَاكِثُونَ فى النَّار عدد كل حَصَاة فى الدُّنْيَا لفرحوا بهَا وَلَو قيل لأهل الْجنَّة إِنَّكُم مَاكِثُونَ عدد كل حَصَاة لحزنوا وَلَكِن جعل لَهُم الْأَبَد رَوَاهُ الطبرانى وَفِيه الحكم بن ظهير وَهُوَ مجمع على إضعافه وَعَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ إِن أهل النَّار يدعونَ مَالِكًا وَلَا يُجِيبهُمْ أَرْبَعِينَ عَاما ثمَّ يدعونَ رَبهم فَيَقُولُونَ {رَبنَا أخرجنَا مِنْهَا فَإِن عدنا فَإنَّا ظَالِمُونَ} فَلَا يُجِيبهُمْ مثل الدُّنْيَا ثمَّ يَقُول {اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون} ثمَّ ييأس الْقَوْم فَمَا هُوَ إِلَّا الزَّفِير والشهيق تشبه أَصْوَاتهم أصوات الْحمير أَولهَا شهيق وَآخِرهَا زفير رَوَاهُ الطبرانى وَرِجَاله رجال الصَّحِيح كَذَا فى مجمع الزَّوَائِد قَالَ القرطبى هَذِه الْأَحَادِيث مَعَ صِحَّتهَا نَص فى خُلُود أهل النَّار فيهمَا لَا إِلَى غَايَة وَلَا أمد مقيمين على الدَّوَام والسرمد من غير موت وَلَا حَيَاة وَلَا رَاحَة وَلَا نجاة بل كَمَا قَالَ فى كِتَابه الْكَرِيم وأوضح فِيهِ من عَذَاب الْكَافرين {وَالَّذين كفرُوا لَهُم نَار جَهَنَّم لَا يقْضى عَلَيْهِم فيموتوا وَلَا يُخَفف عَنْهُم من عَذَابهَا كَذَلِك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فِيهَا} إِلَى قَوْله {من نصير} وَقَالَ {كلما نَضِجَتْ جُلُودهمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرهَا} وَقَالَ فَالَّذِينَ كفرُوا قطعت لَهُم ثِيَاب من نَار يصب من فَوق رمءوسهم الْحَمِيم يصهر بِهِ مَا فى بطونهم والجلود وَلَهُم مَقَامِع من حَدِيد كلما ارادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا من غم أعيدوا فِيهَا وَقد تقدّمت هَذِه الْمعَانى كلهَا فَمن قَالَ أَنهم يخرجُون مِنْهَا وَإِن النَّار تبقى خَالِيَة بجملتها خاوية على عروشها وَإِنَّهَا تفنى وتزول فَهُوَ خَارج عَن مُقْتَضى الْعُقُول ومخالف لما جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا أجمع عَلَيْهِ أهل السّنة وَالْأَئِمَّة الْعُدُول {وَمن يتبع}

غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا وَإِنَّمَا تخلى جَهَنَّم وهى الطَّبَقَة الْعليا الَّتِي فِيهَا العصاة من أهل التَّوْحِيد وَهُوَ الذى ينْبت على شفيرها فِيمَا يُقَال الجرجير قَالَ فضل بن صَالح المغافرى كُنَّا عِنْد مَالك بن أنس ذَات يَوْم فَقَالَ لنا انصرفوا فَلَمَّا كَانَ العشية رَجعْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ إِنَّمَا قلت لكم انصرفوا لِأَنَّهُ جاءنى رجل يسْتَأْذن على زعم أَنه قدم من الشَّام فى مسئلة فَقَالَ يَا ابا عبد الله مَا تَقول فى أكل الجرجير فانه يتحدثه عَنهُ أَنه ينْبت على شَفير جَهَنَّم فَقلت إِنَّه لَا بَأْس بِهِ فَقَالَ استودعك الله وأقرأ عَلَيْك السَّلَام ذكره الْخَطِيب أَبُو بكر أَحْمد وَذكر أَبُو بكر عَن عَمْرو بن مَيْمُون عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ يأتى على النَّار زمَان تخفق الرِّيَاح أوابها لَيْسَ فِيهَا أحد يعْنى من الْمُوَحِّدين هَكَذَا رَوَاهُ مَوْقُوفا من قَول عبد الله بن عَمْرو لَيْسَ فِيهِ ذكر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمثله لَا يُقَال من جِهَة الرأى فَهُوَ مَرْفُوع وَالله أعلم قَالَ القرطبى قد تقدم أَن الْمَوْت معنى وَالْكَلَام فى ذَلِك وفى الاعمال وَإِنَّهَا لَا تنْقَلب جوهرا بل يخلق الله أشخاصا من ثوب الْأَعْمَال وَكَذَلِكَ الْمَوْت يخلق الله كَبْشًا يُسَمِّيه الْمَوْت ويلقى فى قُلُوب الْفَرِيقَيْنِ أَن هَذَا الْمَوْت وَيكون ذبحه دَلِيلا على الخلود فى الدَّاريْنِ قَالَ الترمذى وَالْمذهب فى هَذَا عِنْد أهل الْعلم من الْأَئِمَّة رضى الله عَنْهُم مثل سُفْيَان الثورى وَمَالك بن أنس وَابْن الْمُبَارك وَابْن عُيَيْنَة ووكيع وَغَيرهم أَنهم رووا هَذِه الْأَشْيَاء وَقَالُوا تروى هَذِه الْأَحَادِيث وَلَا يُقَال كَيفَ وَهَذَا الذى اخْتَارَهُ أهل الحَدِيث أَن تروى هَذِه الْأَشْيَاء ويؤمن بهَا وَلَا تفسر

وَلَا تتوهم وَلَا يُقَال كَيفَ وَهَذَا أَمر أهل الْعلم الذى اخْتَارَهُ وذهبوا اليه قَالَ القرطبى وَإِنَّمَا يُؤْتى بِالْمَوْتِ كالكبش وَالله أعلم لما جَاءَ أَن ملك الْمَوْت أَتَى آدم عَلَيْهِ السَّلَام فى صُورَة كَبْش أَمْلَح قد نشر من أجنحتة اربعة آلَاف جنَاح وفى التَّفْسِير من سُورَة الْملك عَن ابْن عَبَّاس وَمُقَاتِل والكلبى فى قَوْله تَعَالَى {الَّذِي خلق الْمَوْت والحياة} إِن الْمَوْت والحياه جسمان فَجعل الْمَوْت فى هَيْئَة كَبْش لَا يمر بشىء وَلَا يجد رِيحه إِلَّا مَاتَ وَخلق الْحَيَاة على صُورَة فرس أُنْثَى بلقاء وهى الَّتِى كَانَ جِبْرِيل والأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام يركبونها خطوها مد الْبَصَر فَوق الْحمار دون الْبَغْل لَا تمر بشىء أَن يجد رِيحهَا إِلَّا حيى وَلَا تطَأ على شىء إِلَّا حيى وهى الَّتِى أَخذ السامرى من أَثَرهَا فألقاها على الْعجل فتخور وحيى حَكَاهُ الثعلبى والقشيرى عَن ابْن عَبَّاس والماوردى عَن مقَاتل والكلبى

باب فيمن يستحق النار

بَاب فِيمَن يسْتَحق النَّار عَن أَبى هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والذى نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَا يسمع بى أحد من هَذِه الْأمة يهودى وَلَا نصرانى ثمَّ يَمُوت وَلم يُؤمن بِمَا أرْسلت بِهِ إِلَّا كَانَ من أَصْحَاب النَّار كَذَا فى صِحَاح المصابيح قَالَ فى مجَالِس الْأَبْرَار المُرَاد بهَا أمة الدعْوَة فعلى هَذَا يدْخل فِيهِ جَمِيع أهل الْملَل الْبَاطِلَة وَتَخْصِيص الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِالذكر لِأَنَّهُمَا مَعَ كَونهمَا أهل كتاب وصاحبى شَرِيعَة إِذا كَانَا من أهل النَّار بترك الْإِيمَان بِمَا جَاءَ بِهِ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فغيرهما مِمَّن لم يكن لَهُ كتاب وَلَا شَرِيعَة أولى بذلك فَكَأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اقْسمْ بِاللَّه الذى نفسى بقدرته أَن كل من يسمع بنبوتى وَلَا يُؤمن بِمَا جِئْت بِهِ من عِنْد الله تَعَالَى حَتَّى يَمُوت يكون من أهل النَّار انْتهى وَعَن مُعَاوِيَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَلا ان من كَانَ قبلكُمْ من أهل الْكتاب افْتَرَقُوا على اثْنَتَيْنِ وَسبعين مِلَّة وَأَن هَذِه الْأمة سَتَفْتَرِقُ على ثَلَاث وَسبعين ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فى النَّار وَوَاحِدَة فى الْجنَّة وهى الْجَمَاعَة أخرجه أَبُو دَاوُد فى كتاب السّنة لَهُ وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيقين أَحدهمَا من طَرِيق أَحْمد ابْن حَنْبَل وَمُحَمّد بن يحيى الذهلى وَالثَّانِي من طَرِيق عمر بن عُثْمَان عَن بَقِيَّة عَن صَفْوَان تفرد بِهِ صَفْوَان عَن أَزْهَر قَالَ الشوكانى فى فَتَاوَاهُ أما أَحْمد بن حَنْبَل فَهُوَ الإِمَام الْجَلِيل الْحَافِظ

الذى اتّفق المؤالف والمخالف على توثيقه وروى عَنهُ أهل الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا وَهُوَ أجل قدرا من أَن يحْتَاج إِلَى تَعْدِيل وَأَرْفَع محلا من أَن يتَكَلَّم فِيهِ مُتَكَلم بل هُوَ إِمَام الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَإِمَام الْحِفْظ والاتقان وَأما مُحَمَّد بن يحيى فَهُوَ الإِمَام الْجَلِيل الثِّقَة الثبت الْحَافِظ وَأما عمر ابْن عُثْمَان فَهُوَ القرشى مَوْلَاهُم الحمصى الثِّقَة الْمَشْهُور وفى التَّقْرِيب صَدُوق وَأما بَقِيَّة فَهُوَ أحد الْأَعْلَام قَالَ النسائى إِذا قَالَ حَدثنَا وَأخْبرنَا فَهُوَ ثِقَة وَقَالَ ابْن عدى إِذا حدث عَن أهل الشَّام فَهُوَ ثَبت وَقَالَ الجوزجانى إِذا حدث عَن الثِّقَات فَلَا بَأْس بِهِ وَهُوَ هَاهُنَا قد صرح بِالتَّحْدِيثِ وَحدث عَن شامى وَهُوَ صَفْوَان وروى عَن ثِقَة وَهُوَ أَيْضا صَفْوَان فَحصل الشَّرْط الذى ذكره هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَقد أخرج لَهُ مُسلم وَأما صَفْوَان فَقَالَ أَبُو حَاتِم ثِقَة وَقد أخرج لَهُ مُسلم أَيْضا وَأما أَزْهَر فَقَالَ فى التَّقْرِيب صَدُوق تكلمُوا فِيهِ للنصب وَقَالَ فى الْخُلَاصَة صَدُوق وَإِذا عرفت هَذَا فرجال إِسْنَاد الحَدِيث كلهم ثِقَات أَئِمَّة إِلَّا وَبَقِيَّة وأزهر وقية لم ينْفَرد وأزهر تفرد وَهُوَ ضَعِيف لِأَن قَوْلهم صَدُوق من صِيغ التليين فَيكون هَذَا الحَدِيث فى الطَّرِيق الثَّانِيَة ضَعِيفا انْتهى كَلَام الشوكانى وَعَن أَبى هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تَفَرَّقت الْيَهُود على إِحْدَى وَسبعين فرقة الحَدِيث أخرجه أبوداود والترمذى وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وفى رِوَايَة عَن أَبى دَاوُد وَتَفَرَّقَتْ النَّصَارَى على إِحْدَى وَسبعين أَو اثْنَتَيْنِ وَسبعين فرقة الحَدِيث وَأخرجه الترمذى عَن ابْن

عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن بنى إِسْرَائِيل تَفَرَّقت على اثْنَيْنِ وَسبعين مِلَّة وَسَتَفْتَرِقُ أمتى على ثَلَاث وَسبعين مِلَّة كلهَا فى النَّار إِلَّا وَاحِدَة قَالُوا من هِيَ يَا رَسُول الله قَالَ من كَانَ على مَا أَنا عَلَيْهِ وأصحابى أخرجه الترمذى وَقَالَ غَرِيب وَأخرج ابْن ماجة مثل ذَلِك عَن عَوْف بن مَالك وَأنس والْحَدِيث دَلِيل على أَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَفِئَة كَثِيرَة من هَذِه الْأمة على اخْتِلَاف فرقهم ومللهم فى النَّار إِلَّا أَصْحَاب الحَدِيث وَأَتْبَاع الْأَصْحَاب والْحَدِيث اسْتشْكل من جِهَتَيْنِ الاولى مَا فِيهِ من الحكم على الْأَكْثَر بِالْهَلَاكِ والكون فى النَّار وَذَلِكَ ينافى الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فى الْأمة بِأَنَّهَا مَرْحُومَة وبأنها أَكثر الْأُمَم فى الْجنَّة مِنْهَا حَدِيث عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمتى أمة مَرْحُومَة مغْفُور لَهَا متاب عَلَيْهَا وَغَيره مِمَّا ملئت بِهِ كتب السّنة من الْأَحَادِيث الدَّالَّة على سَعَة رَحْمَة الله وَلَو سردناها لطال الْكَلَام وَلما كَانَ حَدِيث الإفتراق مُشكلا كَمَا ترى أجَاب بَعضهم بِأَن المُرَاد بالأمة فى هَذَا الحَدِيث أمة الدعْوَة لَا أمة الْإِجَابَة يَعْنِي الْأمة الَّتِى دَعَاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْإِيمَان وَالْإِقْرَار بوحدانيته هِيَ المفترقة إِلَى تِلْكَ الْفرق وَإِن أمة الْإِجَابَة هِيَ الْفرْقَة النَّاجِية يُرِيد بهَا من آمن بِمَا جَاءَ بِهِ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحِينَئِذٍ فَلَا إِشْكَال قَالَ السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْأَمِير الْيُمْنَى وَهَذَا جَوَاب حسن لَوْلَا أَنه يبعد بِوُجُوه الأول أَن لفظ أمتى حَيْثُ جَاءَ فى كَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُرَاد بِهِ إِلَّا امة الْإِجَابَة غَالِبا كَحَدِيث أمتى أمة مَرْحُومَة لَيْسَ لَهَا عَذَاب فى الْآخِرَة وَحَدِيث إِذا وضع السَّيْف فى أمتى وَحَدِيث لَيَكُونن

فى أمتى قوم يسْتَحلُّونَ الْحَرِير وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يُحْصى فالأمة فى كَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ أطلقت لَا تحمل إِلَّا على مَا تعورف مِنْهَا وعهد بلفظها وَلَا تحمل على خِلَافه وَإِن جَاءَ نَادرا والثانى قَوْله سَتَفْتَرِقُ بِالسِّين الدَّالَّة على أَن ذَلِك أَمر مُسْتَقْبل الثَّالِث قَوْله ليَأْتِيَن على أمتى فَإِنَّهُ إِخْبَار بِمَا سَيكون وَيحدث وَلَو جَعَلْنَاهُ إِخْبَارًا بافتراق الْمُشْركين فى الْمُسْتَقْبل لما كَانَ فَائِدَة إِذْ هم على هَلَاك اجْتَمعُوا أَو افْتَرَقُوا الرَّابِع قرانهم بطائفتين الْيَهُود وَالنَّصَارَى فان المفترقين مِنْهُمَا هم طَائِفَة الْإِجَابَة لظَاهِر قَوْله تَعَالَى {وَمَا تفرق الَّذين أُوتُوا الْكتاب إِلَّا من بعد مَا جَاءَتْهُم الْبَيِّنَة} وَقَوله تَعَالَى وَمَا اخْتلف فِيهِ إِلَّا الَّذين أوتوه من بعد مَا جَاءَهُم الْعلم وَقَوله تَعَالَى وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين تفَرقُوا وَاخْتلفُوا من بعد مَا جَاءَهُم الْعلم الْخَامِس مَا أخرجه الترمذى عَن ابى وائد الليثى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما خرج إِلَى غَزْوَة خَيْبَر مر بشجرة للْمُشْرِكين كَانُوا يعلقون عَلَيْهَا أسلحتهم يُقَال لَهَا ذَات أنواط فَقَالُوا يَا رَسُول الله اجْعَل لنا ذَات أنواط كَمَا لَهُم ذَات أنواط فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُبْحَانَ الله إِلَى أَن قَالَ والذى نفسى بِيَدِهِ لتركبن سنَن من قبلكُمْ وَهَذَا خطاب لمن خاطبه من أمة الْإِجَابَة قطعا فالذى يظْهر لى فى ذَلِك أجوبة أَحدهَا أَنه يجوز أَن هَذِه الْفرق الْمَحْكُوم عَلَيْهَا بِالْهَلَاكِ قَليلَة الْعدَد وَلَا يكون مجموعها أَكثر من الْفرْقَة النَّاجِية فَلَا يتم اكثرية الْهَلَاك وَلَا يرد الْإِشْكَال

فان قيل يمْنَع عَن هَذَا أَنه خلاف الظَّاهِر من ذكر كَثْرَة عدد فرق الْهَلَاك فان الظَّاهِر أَنهم قدرا قلت لَيْسَ ذكر الْعدَد فى الحَدِيث لبَيَان كَثْرَة الهالكين وأنما هُوَ لبَيَان اتساع طرق الضلال وسعتها ووحدة طَرِيق الْحق نَظِير ذَلِك مَا ذكره أَئِمَّة التَّفْسِير فى قَوْله تَعَالَى وَلَا تتبعوا السبل فَتفرق بكم عَن سَبيله أَنه جمع السبل المنهى عَن ابتاعها لبَيَان تشعب طرق الضلال وَكَثْرَتهَا وسعتها وأفرد سَبِيل الْهدى وَالْحق لوحدته وَعدم تعدده ثَانِيهَا أَن الحكم على تِلْكَ الْفرق بِالْهَلَاكِ والكون فى النَّار حكم عَلَيْهَا بِاعْتِبَار ظَاهر أَعمالهَا وتفريطها كَأَنَّهُ قيل كلهَا هالكة بِاعْتِبَار أَعمالهَا مَحْكُوم عَلَيْهَا بِالْهَلَاكِ وَكَونهَا فى النَّار وَلَا ينافى ذَلِك كَونهَا مَرْحُومَة بِاعْتِبَار آخر من رَحْمَة الله لَهَا وشفاعة صالحها لطالحها والفرقة النَّاجِية إِن كَانَت مفتقرة إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى لَكِنَّهَا باعتار ظَاهر أَعمالهَا يحكم لَهَا بالنجاة لأتيانها بِمَا أمرت بِهِ وانتهائها عَمَّا نهيت عَنهُ ثَالِثهَا أَن ذَلِك الحكم مَشْرُوط بِعَدَمِ عقابها فى الدُّنْيَا وَقد دلّ على عقابها فى الدُّنْيَا الْفِتَن والزلازل وَالْقَتْل والبلايا أخرجه الطبرانى فى الْكَبِير والبيهقى فى شعب الْإِيمَان عَن ابى مُوسَى الأشعرى فَيكون حَدِيث الإفتراق مُقَيّدا بِهَذَا الحَدِيث فى قَوْله هالكة مالم تعاقب فى الدُّنْيَا لَكِنَّهَا تعاقب فى الدُّنْيَا فَلَيْسَتْ بهالكة رَابِعهَا أَن الأشكال فى حَدِيث الِافْتِرَاق إِنَّمَا نَشأ من جعل الْقَضِيَّة الحاكمة بِهِ وبالهلاك دائمة بِمَعْنى أَن الِافْتِرَاق فى الْأمة وهلاك من يهْلك مِنْهَا دَائِم مُسْتَمر من زمن تكَلمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذِهِ الْجُمْلَة إِلَى قيام السَّاعَة وَبِذَلِك يتَحَقَّق أكثرية الهالكين وأقلية الناجين فَيتم الْإِشْكَال وَالْحق أَن الْقَضِيَّة حينية يَعْنِي أَن

ثُبُوت الِافْتِرَاق للْأمة والهلاك لمن يهْلك ثَابت فى حِين من الأحيان وزمن من الْأَزْمَان وَيدل على أَن المُرَاد ذَلِك وُجُوه الأول سَتَفْتَرِقُ الدَّالَّة على الِاسْتِقْبَال لتحلية الْمُضَارع بِالسِّين الثانى قَوْله ليَأْتِيَن فانه إِخْبَار بِأَمْر مُسْتَقْبل الثَّالِث قَوْله مَا أَنا عَلَيْهِ وأصحابى فان أَصْحَابه من مُسَمّى أمته بِلَا خلاف وَقد حكم عَلَيْهِم بِأَنَّهُم أمة وَاحِدَة وَأَنَّهُمْ الناجون وَأَن من كَانَ على مَا هم عَلَيْهِ هم الناجون فَلَو جعلنَا الْقَضِيَّة دَائِما حِين التَّكَلُّم للَزِمَ أَن تكون تِلْكَ الْفرق كائنة فى أَصْحَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورضى عَنْهُم وهلم جرا وَقد صرح الحَدِيث نَفسه بِخِلَاف ذَلِك فَإِذا ظهر لَك أَن الحكم بالافتراق والهلاك إِنَّمَا هُوَ فى حِين من الأحيان وزمن من الْأَزْمَان لم يلْزم أكثرية الهالكين وأقلية الناجين وَهَذَا الْجَواب بِحَمْد الله تَعَالَى والذى قبله جيد وَلَا غُبَار عَلَيْهِ فان قلت يجوز أَن يكون زمن الِافْتِرَاق أطول من زمن خِلَافه فَيكون أَهله أَكثر فَيكون الهالكون أَكثر من الناجين قلت أَحَادِيث سَعَة الرَّحْمَة وأكثرية الداخلين من هَذِه الْأمة إِلَى الْجنَّة قد دلّت على أَن الهالكين أقل وَذَلِكَ لقصر حينهم المتفرع عَلَيْهِ فَلَا بُد من الْجمع بَين مَا يُوهم التَّنَاقُض وَقد تمّ الْجمع بِهَذَا الْوَجْه وَمَا قبله فَتعين الْمصير إِلَيْهِمَا هَذَا وَلَا يبعد أَن ذَلِك الْحِين وَالزَّمَان هُوَ آخر الدَّهْر الذى وَردت الْأَحَادِيث بفساده وفشوا الْبَاطِل وخفاء الْحق وَإِن الْقَابِض على دينه كالقابض على الْجَمْر وَأَنه الزَّمَان الذى يصبح الرجل فِيهِ مُؤمنا ويمسى كَافِرًا وَأَنه زمَان غربَة الدّين فَتلك الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِيهِ الَّتِى شحنت بهَا كتب السّنة قَرَائِن دَالَّة على أَنه زمَان

كَثْرَة الهالكين وزمان تفرق وتدابر وَيحْتَمل أَيْضا أَن الِافْتِرَاق كَائِن من بعد الْقُرُون الْمَشْهُود لَهَا بالخيرية وَأَن فى كل قرن بعْدهَا فرقا من الهالكين وأكثرها فى آخر الزَّمَان وَهَذَا جَوَاب مُسْتَقل عَن الأشكال الْجِهَة الثَّانِيَة من جهتى الأشكال فى تعْيين الْفرْقَة النَّاجِية قد تكلم النَّاس فِيهَا كل فرقة تزْعم أَنَّهَا هى الْفرْقَة النَّاجِية ثمَّ قد يُقيم بعض الْفرق على دَعْوَاهَا برهانا أوهن من بَيت العنكبوت وَمِنْهُم من يشْتَغل بتعداد الْفرق الْمُخَالفَة لما هُوَ عَلَيْهِ ويعمد إِلَى مَا شذت بِهِ من الْأَقْوَال ليبين بذلك أَنَّهَا هالكة لاعتمادها على تِلْكَ الْأَقْوَال وَأَنه نَاجٍ بخلوصه عَنْهَا وَلَو فتش مَا انطوى عَلَيْهِ لوجد عِنْده من المقالات مَا هُوَ أشنع من مقالات من خَالفه لَكِن عين الْمَرْء كليلة عَن عيب نَفسه وَبِالْجُمْلَةِ فَكل من يدعى وصلا لليلى ... وليلى لَا تقر لَهُم بذاكا وَكَانَ الْأَحْسَن بالناظر فِي الحَدِيث أَن يَكْتَفِي بالتفسير النبوى لتِلْك الْفرْقَة فقد كَفاهُ معلم الشَّرَائِع الهادى إِلَى كل خير المئونة وَعين الْفرْقَة النَّاجِية بِأَنَّهَا من كَانَ على مَا هُوَ عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَقد عرف بِحَمْد الله من لَهُ أدنى همة فى الدّين مَا كَانَ عَلَيْهِ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَنقل إِلَيْنَا أَقْوَالهم وأفعالهم حَتَّى أكلهم وشربهم ونومهم ويقظتهم حَتَّى كأنارأيناهم رأى الْيَقِين وَبعد ذَلِك فَمن رزقه الله إنصافا من نَفسه وَجعله من أولى الْأَلْبَاب لَا يخفاه حَال نَفسه اولا هَل هُوَ مُتبع لما كَانَ عَلَيْهِ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو غير مُتبع ثمَّ لَا يخفى حَال غَيره من كل طَائِفَة هَل هِيَ متبعة أَو مبتدعة وَمن أدعى أَنه مُتبع للسّنة النَّبَوِيَّة متقيد بهَا تصدق دَعْوَاهُ أَفعاله وأقواله وتكذبها فان مَا كَانَ عَلَيْهِ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد ظهر لكل انسان فَلَا يُمكن التباس المبتدع بالممتبع

وعندى على تَقْدِير ذَلِك الْجَواب أَن زمن الِافْتِرَاق والهلاك هُوَ آخر الزَّمَان أَنه لَا يعد فى أَن الْفرْقَة النَّاجِية هم الغرباء الْمشَار إِلَيْهِم فى الْأَحَادِيث كَحَدِيث بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ فطوبى للغرباء قيل وَمن هم يَا رَسُول الله قَالَ الَّذين يصلحون إِذا فسد النَّاس وفى رِوَايَة الَّذين يفرون بدينهم من الْفِتَن وفى رِوَايَة الَّذين يصلحون مَا أفسد النَّاس من سنتى وفى حَدِيث عبد الله بن عَمْرو قُلْنَا من الغرباء يَا رَسُول الله قَالَ قوم صَالِحُونَ قَلِيل فى اناس سوء كثير من يعصيهم أَكثر مِمَّن يطيعهم وهم المرادون بِحَدِيث وَلَا تزَال طَائِفَة من أمتى ظَاهِرين على الْحق لَا يضرهم من خالفهم أَو خذلهم حَتَّى يأتى أَمر الله وهم المرادون بِمَا أخرجه الطبرانى وَغَيره عَن أَبى أُمَامَة عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أَن لكل شىء إقبالا وإدبارا وَأَن لهَذَا الدّين اقبالا وإدبارا وَأَن من إدبار الَّذين مَا كُنْتُم عَلَيْهِ من الْعَمى والجهالة وَأَن من اقبال الدّين أَن تفقه الْقَبِيلَة بأسرها حَتَّى لَا تُوجد فِيهَا الا الْفَاسِق والفاسقان فهما مقهوران ذليلان أَن تكلما قهرا وقمعا واضطهدا وَأَن من أدبار الدّين أَن تجفو الْقَبِيلَة بأسرها حَتَّى لَا يكون فِيهَا الا الْفَقِيه والفقيهان وهما مقهوران ذليلان أَن تكلما فأمرا بِالْمَعْرُوفِ ونهيا عَن الْمُنكر قمعا وقهرا واضطهدا فهما مقهوران ذليلان لَا يجدان على ذَلِك أعوانا وَلَا انصارا فَهَذِهِ الْأَحَادِيث وَمَا فى مَعْنَاهَا فى وصف آخر الزَّمَان وَأَهله قد دلّت على أَنه زمَان كَثْرَة الهالكين وَقلة الناجين وَأَحَادِيث الغرباء قد دلّت على أوصافهم بِأَنَّهُم الْفرْقَة النَّاجِية فى ذَلِك الزَّمَان وَلَيْسوا بفرقة مشار إِلَيْهَا كالأشعريين والمعتزلة بل هم النزاع من الْقَبَائِل كَمَا فى الحَدِيث وهم متبعوا الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتبَاعا قوليا وفعليا من أى فرقة كَانَت هَذَا وَقد ذكر فى الْفرْقَة النَّاجِية أَنهم صالحو كل

فرقة وَذكر انهم أهل الْبَيْت النبوى عَلَيْهِم السَّلَام وَمن أتبعهم إِلَّا أَن ذَلِك مبْنى على أَن الْقَضِيَّة دائمة ثمَّ هُوَ لَا يدْفع الأشكال نعم وَهَذَا كُله توفيق بَين الْأَحَادِيث مبْنى على صِحَة قَوْله كلهَا هالكة الا فرقة وَلَا شكّ أَنه قد ثَبت فى كتب السّنة كَمَا سمعته وَلكنه قد نقل السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم الْوَزير رَحمَه الله فى بعض رسائله عَن أَبى مُحَمَّد بن حزم الأندلسى رَحمَه الله مَا لَفظه قَالَ أَبُو حزم أَن الزِّيَادَة يعْنى قَوْله كلهَا هالكة إِلَّا فرقة مَوْضُوعَة وَإِنَّمَا الحَدِيث الْمَعْرُوف إِنَّمَا تفترق إِلَى نَيف وَسبعين فرقة وَلَا زِيَادَة على هَذَا فى نقل الثِّقَات فَالْحَدِيث الْمَشْهُور كَانَ عِنْد الْمُحدثين معلا وَمَا زَاده غير صَحِيح وَإِن كَانَ الراوى ثِقَة غير أَن مُخَالفَة الثِّقَات فِيمَا شاركوه فى الحَدِيث يقوى الظَّن على أَنه وهم فِيمَا زَاده أَو أدرج فى الحَدِيث كَلَام بعض الروَاة وحسبه من كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيعلون الحَدِيث بِهَذَا وَإِن لم يكن مقدوحا فِيهِ على أَن أصل الحَدِيث الذى حكمُوا بِصِحَّتِهِ لَيْسَ مِمَّا اتَّفقُوا على صِحَّته وَقد ترك إِخْرَاجه البخارى وَمُسلم مَعَ شهرته لعدم اجْتِمَاع شرائطهما فِيهِ انْتهى كَلَامه حَرَّره السَّيِّد الْعَلامَة الْأَمِير رَحمَه الله فى سنة 1133 الهجرية وفى الْفَتْح الربانى فى فَتَاوَى الشوكانى بعد ذكر حَدِيث أَبى هُرَيْرَة الْمُتَقَدّم وَالْكَلَام عَلَيْهِ جرحا وتعديلا مَا نَصه فتقرر بِهَذَا أَن رجال حَدِيث ابى هُرَيْرَة رجال الصَّحِيح فَيكون أصل الحَدِيث أعنى افْتِرَاق الْأمة إِلَى تِلْكَ الْفرق صَحِيحا ثَابتا وَأما الزِّيَادَة الَّتِى فى الحَدِيث الأول فضعيفه فَلَا تقوم بهَا حجَّة

فى حكم شَرْعِي وَلَو على بعض الْمُكَلّفين فَكيف فى مثل هَذَا الْأَمر الْعَظِيم الذى هُوَ حكم بِالْهَلَاكِ على هَذِه الْأمة المرحومة شرفها واختصها بخصائص لم يشاركها فِيهَا أمة من الْأُمَم السَّابِقَة وزادها شرفا وتعظيما وتجليلا بِأَن جعلهَا شُهَدَاء على النَّاس وأى خير فى أمة تفترق إِلَى ثَلَاث وَسبعين فرقة وتهلك جَمِيعًا فَلَا ينجو مِنْهَا إِلَّا فرقة وَاحِدَة وَلَقَد أحسن بعض الْحفاظ حِين يَقُول واما زِيَادَة كلهَا هالكة إِلَّا وَاحِدَة فَزِيَادَة غير صَحِيحَة الْقَاعِدَة وأظنها من دسيس الْمَلَاحِدَة وَكَذَلِكَ أنكر ثُبُوتهَا الْحَافِظ أَبُو حزم وَلَقَد جاد ظن من ظن أَنَّهَا من دسيس الْمَلَاحِدَة والزنادقة فان فِيهَا من التنفير عَن الْإِسْلَام والتخويف من الدُّخُول فِيهِ مَالا يقادر قدره فَتحصل لواضعها مَا يَطْلُبهُ من الطعْن على هَذِه الْأمة المرحومة والتنفير عَنْهَا كَمَا هُوَ شَأْن كثير من المخزولين الواضعين للمطاعن المنافية للشريعة السمحة السهلة كَمَا قَالَ الصَّادِق المصدوق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعثت بالحنفية السمحة السهلة وَقَالَ الله عز وَجل وَمَا جعل عَلَيْكُم فى الدّين من حرج وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشروا وَلَا تنفرُوا يسروا وَلَا تُعَسِّرُوا وَهَا أَنا أضْرب لَك مثلا وَهُوَ أَنَّك لَو رَأَيْت جمَاعَة من النَّاس قد اجْتَمعُوا فى مَكَان من الأَرْض عَددهمْ اثْنَان وَسَبْعُونَ رجلا وَقَالَ لَك قَائِل ادخل مَعَ هَؤُلَاءِ فان وَاحِدًا مِنْهُم سيملك مَا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس وسيضرب أَعْنَاق البَاقِينَ أَجْمَعِينَ وَرُبمَا تفوز أَنْت من بَينهم بالسلامة فتعطى تِلْكَ المملكة فَهَل ترْضى أَن تكون وَاحِدًا مِنْهُم دَاخِلا بَينهم وَالْحَال هَكَذَا وَلَا يدرى من هَذَا الْوَاحِد مِنْهُم يدعى لنَفسِهِ أَنه الفائز بالسلامة الظافر بِالْغَنِيمَةِ بِمُجَرَّد الأمنية وَالدَّعْوَى العاطلة عَن الْبُرْهَان

فَإِن قلت أَن قَوْله فى هَذَا الحَدِيث فى الْفرْقَة النَّاجِية هى الْجَمَاعَة وَقَوله فى حَدِيث آخر وهى مَا أَنا عَلَيْهِ واصحابى قلت هَذَا التَّعْيِين وَإِن قلل شَيْئا من ذَلِك التخويف والتنفير لَكِن قد تعاورت هَذِه الْفرْقَة المعنية الدَّعَاوَى وتناوبتها الأمانى فَكل طَائِفَة من طوائف تدعى لنَفسهَا أَنَّهَا الْجَمَاعَة وَأَنَّهَا الظافرة بِمَا كَانَ عَلَيْهِ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنَّهُمْ الَّذين لَا يزَالُوا على الْحق ظَاهِرين فان قلت أَن معرفَة الْجَمَاعَة وَمَعْرِفَة المتصفين بموافقة مَا كَانَ عَلَيْهِ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه مُمكنَة وَمن ادّعى من المبتدعة اثبات ذَلِك الْوَصْف لنَفسِهِ فدعواه مَرْدُودَة عَلَيْهِ مَضْرُوب فيبها فى وَجهه قلت نعم وَلَكِن لَيْسَ هَا هُنَا حجَّة شَرْعِيَّة توجب علينا الْمصير إِلَى هَذَا التَّعْيِين وتلجئنا إِلَى تكلّف تعْيين الْفرق الهالكة وتعدادها فرقة فرقة كَمَا فعله كثير من المتكفلين للْكَلَام على هَذَا الحَدِيث وَأما أَنه هَل يدل هَذَا الحَدِيث على الِافْتِرَاق قَدِيما وحديثا أم على زمَان مَخْصُوص فَالْجَوَاب عَنهُ أَن الِافْتِرَاق لما كَانَ مَنْسُوبا إِلَى الْأمة حَيْثُ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تفترق أمتى على ثَلَاث وَسبعين فرقة كَمَا فى حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَكَذَلِكَ قَوْله فى حَدِيث مُعَاوِيَة الْمَذْكُور وَإِن هَذِه الْملَّة سَتَفْتَرِقُ على ثَلَاث وَسبعين كَانَ ذَلِك صَادِقا على هَذِه الْأمة بأسرها وعَلى هَذِه الْأمة أَولهَا وَآخِرهَا من دون تَخْصِيص بِبَعْض مِنْهَا دون بعض وَلَا بعصر دون عصر فَأفَاد ذَلِك أَن هَذَا الِافْتِرَاق الْمُنْتَهى إِلَى ثَلَاث وَسبعين فرقة كَائِن فى جمع هَذِه الْأمة من اولها إِلَى آخرهَا وَمن زعم اخْتِصَاص ذَلِك بِأَهْل عصر من العصور أَو بطَائفَة من الطوائف فقد خَالف الظَّاهِر بِلَا سَبَب يقتضى ذَلِك وَأما أَنَّهَا قد ثبتَتْ نجاة الصَّحَابَة فَهَل يدل على أَنهم لم يَخْتَلِفُوا فى

الْأُصُول أصلا فَالْجَوَاب عَنهُ أَنه لَا مُلَازمَة بَين نجاة جَمِيع الصَّحَابَة وَبَين عدم اخْتلَافهمْ فى الْأُصُول بل يجوز الحكم بنجاتهم جَمِيعًا مَعَ الحكم بأختلافهم فى الْأُصُول وَبَيَان ذَلِك أَن الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة عندى مُتَسَاوِيَة الْأَقْدَام منتسبة إِلَى الشَّرْع نِسْبَة وَاحِدَة وَكَون بَعْضهَا رَاجعا إِلَى الْعَمَل لَا يستلوم تعاونها على وَجه يكون الإختلاف فى بَعْضهَا مُوجبا لعدم نجاة بعض الْمُخْتَلِفين وفى بَعْضهَا لَا يُوجب ذَلِك فاعرف هَذَا وأفهمه وَأعلم أَن مَا صَحَّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَن الْمُصِيب فى اجْتِهَاده لَهُ أَجْرَانِ والمخطىء لَهُ أجر لَا يخْتَص بمسائل الْعَمَل وَلَا يخرج عَنهُ مسَائِل الِاعْتِقَاد فَمَا يَقُوله كثير من النَّاس من الْفرق بَين الْمسَائِل الْأُصُولِيَّة والفروعية وتصويب الْمُجْتَهدين فى الْفُرُوع دون الْأُصُول لَيْسَ على مَا ينبغى بل الشَّرِيعَة وَاحِدَة وأحكامها متحدة وَإِن تفاوتت بِاعْتِبَار قطعيه بَعْضهَا وظنية الآخر فَالْحق عِنْد الله عز وَجل مُتَعَيّن يسْتَحق مُوَافقَة أَجْرَيْنِ وَيُقَال لَهُ مُصِيب من الصَّوَاب دون الاصابة وَيُقَال لمُخَالفَة أَنه مخطىء كَمَا قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا ثَبت عَنهُ فى الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا من حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ أَن اجْتهد فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَإِن اجْتهد فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر وفى بعض الرِّوَايَات الْخَارِجَة عَن الصَّحِيح من غير حَدِيثه أَنه ان أصَاب فَلهُ عشرَة أجور وَهَذِه زِيَادَة خَارِجَة من مخرج حسن كَمَا هُوَ مَعْرُوف فالنبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد سمى من خَالف الْحق مخطئا فَمن قَالَ إِنَّه

مُصِيب فى الظنيات الفروعيات إِن أَرَادَ أَنه مُصِيب من الاصابة فقد أَخطَأ وَخَالف النَّص وَإِن أَرَادَ أَنه مُصِيب من الصَّوَاب الذى يَصح إِطْلَاقه بِاعْتِبَار اسْتِحْقَاق الْأجر لَا بِاعْتِبَار إِصَابَة الْحق فَلذَلِك وَجهه فاعرف هَذَا وأفهمه حَتَّى يتَبَيَّن لَك اخْتِلَاف النَّاس فى أَن كل مُجْتَهد مُصِيب أم لَا وَاعْلَم أَنه لَا فرق عِنْد التَّحْقِيق بَين مَا تسميه النَّاس فروعا وَبَين مَا يسمونه أصولا هَذَا إِن كَانَ مَطْلُوب السَّائِل مَا هُوَ عِنْد الْمُجيب وَإِن كَانَ مطوبه مَا قَالَه النَّاس فكلامهم مَعْرُوف فى مؤلفاتهم انْتهى كَلَام الشوكانى رَحمَه الله

باب فى سوء الخاتمة وبيان الخوف والرجاء

بَاب فى سوء الخاتمة وَبَيَان الْخَوْف والرجاء قَالَ فى مجَالِس الْأَبْرَار وَله أَسبَاب يجب على الْمُؤمن أَن يحْتَرز عَنْهَا مِنْهَا الْفساد فى الِاعْتِقَاد وَإِن كَانَ مَعَ كَمَال الزّهْد وَالصَّلَاح فان كَانَ لَهُ فَسَاد فى اعْتِقَاده مَعَ كَونه قَاطعا بِهِ متيقنا لَهُ غير ظان أَنه أَخطَأ فِيهِ قد ينْكَشف لَهُ فى حَال سَكَرَات الْمَوْت بطلَان مَا اعتقده من الاعتقادات الحقة مثل هَذَا الِاعْتِقَاد بَاطِل لَا أصل لَهُ إِن لم يكن عِنْده فرق بَين اعْتِقَاد واعتقاد فَيكون انكشاف بطلَان بعض اعتقاداته سَببا لزوَال بَقِيَّة اعتقاداته فان خُرُوج روحه فى هَذِه الْحَالة قبل أَن يتدارك وَيعود إِلَى أصل الايمان يخْتم لَهُ بالسوء وَيخرج من الدُّنْيَا بِغَيْر إِيمَان فَيكون من الَّذين قَالَ الله تَعَالَى فيهم وبدا لَهُم من الله مالم يَكُونُوا يحتسبون وَقَالَ فى آيَة أُخْرَى قل هَل ننبئكم بالاخسرين أعمالا الَّذين ضل سَعْيهمْ فى الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا فان كل من اعْتقد شَيْئا على خلاف مَا هُوَ عَلَيْهِ إِمَّا نظرا بِرَأْيهِ وعقله أَو أخذا مِمَّن هَذَا حَاله فَهُوَ وَاقع فى هَذَا الْخطر وَلَا يَدْفَعهُ الزّهْد وَالصَّلَاح وَإِنَّمَا يَدْفَعهُ الِاعْتِقَاد الصَّحِيح المطابق لكتاب الله وَسنة رَسُوله لِأَن العقائد الدِّينِيَّة لَا يعْتد بهَا إِلَّا مَا أبذت مِنْهَا وَمِنْهَا الاصرار على المعاصى فان من لَهُ إِصْرَار عَلَيْهَا يحصل فى قلبه إلفها وَجَمِيع وَجمع مَا أَلفه الْإِنْسَان فى عمره يعود ذكره عِنْد مَوته فان كَانَ ميله الى الطَّاعَات أَكثر يكون أَكثر مَا يحضرهُ عِنْد الْمَوْت ذكر الطَّاعَات وَإِن كَانَ ميله إِلَى المعاصى أَكثر يكون أَكثر مَا يحضرهُ عِنْد الْمَوْت ذكر المعاصى فَرُبمَا يغلب

عَلَيْهِ حِين نزُول الْمَوْت بِهِ قبل التَّوْبَة شَهْوَة ومعصية من المعاصى فيتقيد قلبه بهَا وَتصير حِجَابا بَينه وَبَين ربه وسببا لشقاوته فى آخر حَيَاته لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المعاصى بريد الْكفْر والذى لم يرتكب ذَنبا أصلا أَو ارْتكب وَتَابَ فَهُوَ بعيد عَن هَذَا الْخطر وَأما الذى ارْتكب ذنوبا كَثِيرَة حَتَّى كَانَت أَكثر من طاعاته وَلم يتب عَنْهَا بل كَانَ مصرا عَلَيْهَا فَهَذَا الْخطر فى حَقه عَظِيم جدا إِذْ قد يكون غَلَبَة الإلف بهَا سَببا لِأَن يتَمَثَّل فى قلبه صورتهَا وَيَقَع مِنْهُ ميل إِلَيْهَا وتقبض روحه عَلَيْهَا فَيكون سَببا لسوء خاتمته وَيعرف ذَلِك بمثال وَهُوَ أَن الانسان لَا شكّ أَنه يرى فى مَنَامه من الْأَحْوَال الَّتِى ألقها طول عمره حَتَّى أَن الذى قضى عمره فى الْعلم يرى من الْأَحْوَال الْمُتَعَلّقَة بِالْعلمِ وَالْعُلَمَاء والذى قضى عمره فى الْخياطَة يرى من الْأَحْوَال الْمُتَعَلّقَة بالخياطة والخياط إِذْ لَا يحضر فى حَال النّوم إِلَّا مَا حصل لَهُ مُنَاسبَة مَعَ قلبه لطول الْألف وَالْمَوْت وَإِن كَانَ فَوق النّوم لَكِن سكراته وَمَا يتقدمه من الغشى قريب من النّوم فطول الالف بالمعاصى يقتضى تذكرها عِنْد الْمَوْت وعودها فى الْقلب وتمثلها فِيهِ وميل النَّفس إِلَيْهَا وَإِن قبض روحه فى تِلْكَ الْحَالة يخْتم لَهُ بالسوء وَمِنْهَا الْعُدُول على الاسْتقَامَة فَإِن من كَانَ مُسْتَقِيمًا فى ابْتِدَائه ثمَّ تغير عَن حَاله وَخرج مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ فى ابْتِدَائه يكون سَببا لسوء خاتمته كابليس الذى كَانَ فى ابْتِدَائه رَئِيس الْمَلَائِكَة ومعلمهم وأشدهم اجْتِهَادًا فى الْعِبَادَة ثمَّ لما أَمر بِالسُّجُود لآدَم أَبى واستكبر وَكَانَ من الْكَافرين وكبلعام بن باعور الذى آتَاهُ الله آيَاته فانسلخ بخلوده إِلَى الدُّنْيَا وَاتبع هَوَاهُ وَكَانَ من الغاوين وَكبر صيصا العابد

الذى قَالَ لَهُ الشَّيْطَان اكفر فَلَمَّا كفر قَالَ إنى برىء مِنْك إنى أَخَاف الله رب الْعَالمين فَإِن الشَّيْطَان أغراه على الْكفْر فَلَمَّا كفر تَبرأ مِنْهُ مَخَافَة أَن يُشَارِكهُ فى الْعَذَاب وَلم يَنْفَعهُ ذَلِك كَمَا قَالَ تَعَالَى وَكَانَ عاقبتهما أَنَّهُمَا فى النَّار خَالِدين فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمين وَمِنْهَا ضعف الايمان فان كَانَ فى إيمَانه ضعف يضعف حب الله تَعَالَى فِيهِ ويقوى حب الدُّنْيَا فِي قلبه ويستولى عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يبْقى فِيهِ مَوضِع لحب الله تَعَالَى إِلَّا من حَيْثُ حَدِيث النَّفس بِحَيْثُ لَا يظْهر لَهُ أَثَره فى مُخَالفَة النَّفس وَلَا يُؤثر فى الْكَفّ عَن المعاصى وَلَا فى الْحَث على الطَّاعَات فينهمك فى الشَّهَوَات وارتكاب السَّيِّئَات فتتراكم ظلمات الذُّنُوب على الْقلب فَلَا تزَال تطفى مَا فِيهِ من نور الايمان مَعَ ضعفه فاذا جَاءَت سَكَرَات الْمَوْت يزْدَاد حب الله ضعفا فى قلبه لما يرى أَنه يُفَارق الدُّنْيَا وهى محبوبة لَهُ وحبها غَالب عَلَيْهِ لَا يُرِيد تَركهَا ويتألم من فراقها وَيرى ذَلِك من الله تَعَالَى فيخشى أَن يحصله فى بَاطِنه بغضه تَعَالَى بدل الْحبّ وينقلب ذَلِك الْحبّ الضَّعِيف بغضا فان خُرُوج روحه فى اللحظة الَّتِى خطرت فِيهَا هَذِه الخطرة يخْتم لَهُ بالسوء وَيهْلك هَلَاكًا مُؤَبَّدًا وَالسَّبَب المفضى إِلَى هَذِه الخاتمة حب الدُّنْيَا والركون إِلَيْهَا والفرح بهَا مَعَ ضعف الايمان الْمُوجب لضعف حب الله تَعَالَى وَهُوَ الدَّاء العضال الذى قد عَم أَكثر الْخلق فان من يغلب على قلبه عِنْد الْمَوْت أَمر من أُمُور الدُّنْيَا يتَمَثَّل ذَلِك الْأَمر فى قلبه ويستغرقه حَتَّى لَا يبْقى لغيره متسع فان خرج روحه فى تِلْكَ الْحَالة يكون رَأس قلبه منكوسا إِلَى الدُّنْيَا وَوَجهه مصروفا إِلَيْهَا وَيحصل بَينه وَبَين ربه حجاب حكى أَن سُلَيْمَان بن عبد الْملك لما دخل الْمَدِينَة حَاجا قَالَ هَل بهَا رجل أدْرك عدَّة من الصَّحَابَة قَالُوا نعم أَبُو حَازِم فَأرْسل اليه فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ يَا ابا حَازِم

مالنا نكره الْمَوْت قَالَ انكم عمرتم الدُّنْيَا وخربتم الْآخِرَة فتكرهون الْخُرُوج من الْعمرَان إِلَى الخراب قَالَ صدقت ثمَّ قَالَ لَيْت شعرى مالنا عِنْد الله تَعَالَى قَالَ أعرض عَمَلك على كتاب الله قَالَ فَأَيْنَ أَجِدهُ قَالَ فى قَوْله تَعَالَى إِن الابرار لفى نعيم وَإِن الْفجار لفى جحيم قَالَ فَأَيْنَ رَحْمَة الله قَالَ رَحْمَة الله قريب من الْمُحْسِنِينَ قَالَ يَا لَيْت شعرى كَيفَ الْعرض على الله تَعَالَى غَدا قَالَ أما المحسن فكالغائب الذى يقدم على أَهله وَأما المسىء فكالآبق يقدم على مَوْلَاهُ فَبكى سُلَيْمَان حَتَّى علا صَوته وأشتد بكاءه ثمَّ قَالَ أوصنى قَالَ إياك أَن يراك الله تَعَالَى حَيْثُ نهاك أَو يفقدك حَيْثُ أَمرك انْتهى قَالَ الغزالى فى الْأَحْيَاء إِن الْعَمَل على الرَّجَاء أَعلَى مِنْهُ على الْخَوْف لِأَن أقرب الْعباد إِلَى الله احبهم لَهُ وَالْحب يغلب بالرجاء قَالَ وَإِن الرَّجَاء من جملَة مقامات السالكن وأحوال الطالبين ثمَّ ذكر دَوَاء الرَّجَاء والسبيل الذى يحصل مِنْهُ حَال الرَّجَاء ويغلب ثمَّ ذكر الْآيَات وَالْأَخْبَار والْآثَار الدَّالَّة على ذَلِك ثمَّ اتبعهُ بَيَان حَقِيقَة الْخَوْف وَبَيَان دَوَاء الْخَوْف وَبَيَان معنى سوء الخاتمة وَبَيَان أَحْوَال الْخَائِفِينَ من الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ وَبَيَان دَرَجَات الْخَوْف واختلافه فى الْقُوَّة والضعف وَبَيَان أَن الْأَفْضَل هُوَ غَلَبَة الْخَوْف أَو غَلَبَة الرَّجَاء أَو اعتدالهما وَبَيَان الدَّوَاء الذى يستجيب بِهِ حَال الْخَوْف والايمان بِاللَّه تَعَالَى وَالْيَوْم الآخر يهيج الْخَوْف من النَّار والرجاء للجنة والرجاء وَالْخَوْف يقويان على الصَّبْر فان الْجنَّة قد حفت بالمكاره فَلَا يصبر على تحملهَا إِلَّا بِقُوَّة الرَّجَاء وَالنَّار قد حفت بالشهوات فَلَا يصبر على قمعها إِلَّا بِقُوَّة الْخَوْف وَلذَلِك قَالَ على عَلَيْهِ

السَّلَام من أشْفق من النَّار رَجَعَ عَن الْمُحرمَات وَمن اشتاق إِلَى الْجنَّة سلا عَن الشَّهَوَات قَالَ النووى فى رياض الصَّالِحين إِن الْمُخْتَار للْعَبد فى حَال الصِّحَّة أَن يكون خَائفًا راجيا وَيكون خَوفه ورجاؤه سَوَاء وفى حَال الْمَرَض يتمحض الرَّجَاء وقواعد الشَّرْع من نُصُوص الْكتاب وَالسّنة وَغير ذَلِك متظاهرة على ذَلِك قَالَ تَعَالَى فَلَا يَأْمَن مكر الله إِلَّا الْقَوْم الخاسرون وَقَالَ تَعَالَى إِنَّه لَا ييأس من روح الله الا الْقَوْم الْكَافِرُونَ وَقَالَ تَعَالَى يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه وَقَالَ تَعَالَى إِن رَبك لسريع الْعقَاب وَإنَّهُ لغَفُور رَحِيم والآيات فى هَذَا الْمَعْنى كَثِيرَة فيجتمع الْخَوْف والرجاء فى آيَتَيْنِ مقترنتين أَو أيات أَو آيَة عَن أَبى هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو يعلم الْمُؤمن مَا عِنْد الله من الْعقُوبَة مَا طمع بجنته أحد وَلَو يعلم الْكَافِر مَا عِنْد الله من رَحْمَة مَا قنط من جنته أحد رَوَاهُ مُسلم وَعَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجنَّة أقرب إِلَى أحدكُم من شِرَاك نَعله وَالنَّار مثل ذَلِك رَوَاهُ البخارى وَعَن أَبى هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يلج النَّار رجل يبكى من خشيَة الله حَتَّى يعود اللَّبن فى الضَّرع رَوَاهُ الترمذى وَحسنه وَصَححهُ وَعنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعَة يظلهم الله فى ظله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله إِمَام عَادل وشاب نَشأ فى عبَادَة الله وَرجل قلبه مُعَلّق بِالْمَسْجِدِ ورجلان تحابا فى الله اجْتمعَا عَلَيْهِ وتفرقا عَلَيْهِ وَرجل دَعَتْهُ امْرَأَة ذَات منصب وجمال فَقَالَ إنى أَخَاف الله وَرجل تصدق بِصَدقَة فأخفاها حَتَّى لَا تعلم شِمَاله مَا تنْفق يَمِينه وَرجل ذكر الله خَالِيا فَفَاضَتْ عَيناهُ مُتَّفق عَلَيْهِ

وَعَن أَبى أُمَامَة صدى بن عجلَان الباهلى رَضِي الله عَنهُ عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ شىء أحب إِلَى الله تَعَالَى من قطرتين واثرين قَطْرَة دموع من خشيَة الله وقطرة دم تهراق فى سَبِيل الله وَأما الأثران فأثر فى سَبِيل الله وَأثر فى فَرِيضَة من فَرَائض الله تَعَالَى رَوَاهُ الترمذى وَقَالَ حَدِيث حسن وفى الْبَاب أَحَادِيث كَثِيرَة قلت وفى الْأَحْيَاء وَسَوَاء الخاتمة على رتبتين أَحدهمَا أعظم من الْأُخْرَى فَأَما الرُّتْبَة الْعَظِيمَة الهائلة فَهِيَ أَن يغلب على الْقلب عِنْد سَكَرَات الْمَوْت وَظُهُور أهواله أما الشَّك وَإِمَّا الْجُحُود فتقبض الرّوح على تِلْكَ الْحَالة فَتكون حِجَابا بَينه وَبَين الله تَعَالَى أبدا وَذَلِكَ يقتضى الْبعد الدَّائِم وَالْعَذَاب المخلد وَالثَّانيَِة وهى دونهَا أَن يغلب على قلبه عِنْد الْمَوْت حب أَمر من أُمُور الدُّنْيَا أَو شَهْوَة من شهواتها فيتمثل ذَلِك فى قلبه ويستغرقه حَتَّى لَا يبْقى فى تِلْكَ الْحَالة متسع لغيره فمهما اتّفق قبض الرّوح فى حَالَة غَلَبَة حب الدُّنْيَا فَالْأَمْر مخطر لِأَن الْمَرْء يَمُوت على مَا عَاشَ عَلَيْهِ وَعند ذَلِك تعظم الْحَسْرَة إِلَّا أَن أصل الْأَيْمَان وَحب الله تَعَالَى إِذا كَانَ قد رسخ فى الْقلب مُدَّة طَوِيلَة وتأكد ذَلِك بالاعمال الصَّالِحَة يمحوا عَن الْقلب هَذِه الْحَالة الَّتِى عرضت لَهُ عِنْد الْمَوْت فان كَانَ إيمَانه فى الْقُوَّة إِلَى حد مِثْقَال أخرجه من النَّار فى زمَان أقرب وَإِن كَانَ أقل من ذَلِك طَال مكثه فى النَّار وَلَكِن لَو لم يكن إِلَّا مِثْقَال حَبَّة فَلَا بُد وَأَن يُخرجهُ من النَّار وَلَو بعد الاف سِنِين وكل من اعْتقد فى الله تَعَالَى وفى صِفَاته وأفعاله شَيْئا على خلاف مَا هُوَ بِهِ إِمَّا تقليدا وَأما نظرا بالرأى والمعقول فَهُوَ فى هَذَا الْخطر والزهد وَالصَّلَاح لَا يكفى لدفع هَذَا الْخطر بل لَا يُنجى مِنْهُ إِلَّا الِاعْتِقَاد الْحق على وفْق الْكتاب الْعَزِيز وَالسّنة المطهرة والبلة بمعزل عَن هَذَا الْخطر وَلَكِن الْآن قد استرخى الْعَنَان وَفَشَا الهذيان وَنزل كل جَاهِل على وفْق

طبعه بِظَنّ أَو حسبان وَهُوَ يعْتَقد أَن ذَلِك علم واستيقان وَأَنه صفوة الْإِيمَان ويظن أَن مَا قنع بِهِ من حدس وتخمين علم الْيَقِين وَعين الْيَقِين وليعلمن نبأه بعد حِين وينبغى لمن ينشد فى هَؤُلَاءِ عِنْد كشف الغطاء احسنت ظَنك بالايام إِذا حسنت ... وَلم تخف سوء مَا يأتى بِهِ الْقدر وسالمتك الليالى فاغتررت بهَا ... وَعند صفو الليالى يحدث الكدر وَأما الخاتمة الثَّانِيَة الَّتِى هِيَ دون الأولى وَلَيْسَت مقتضية للخلود فى النَّار فلهَا أَيْضا سببان أَحدهمَا كَثْرَة المعاصى وَإِن قوى الْإِيمَان وَالْآخر ضعف الْإِيمَان وَإِن قلت المعاصى ووليس الْخَوْف بِكَثْرَة الذُّنُوب بل بصفاء الْقُلُوب وَكَمَال الْمعرفَة وَإِلَّا فَلَيْسَ أمننا لقلَّة ذنوبنا وَكَثْرَة طاعاتنا بل قادتنا شهواتنا وغلبت علينا شهوتنا وصدتنا عَن مُلَاحظَة أحوالنا غفلتنا وقسوتنا فَلَا قرب الرحيل ينبهنا وَلَا كَثْرَة الذُّنُوب تحركنا وَلَا مُشَاهدَة أَحْوَال الْخَائِفِينَ تخوفنا وَلَا خطر الخاتمة يزعجنا فنسأل الله تَعَالَى أَن يتدارك بفضله وجوده أحوالنا فيصلحنا إِن كَانَ تَحْرِيك اللِّسَان بِمُجَرَّد السُّؤَال دون الاستعداد ينفعنا فَلَمَّا قسى قلبى وَضَاقَتْ مذاهبى ... جعلت رجائى نَحْو عفوك سلما يعاظمنى ذنبى فَلَمَّا قرنته ... بعفوك ربى كَانَ عفوك أعظما فَمَا زلت ذَا عَفْو عَن الذَّنب لم تزل ... تجود وَتَعْفُو مِنْهُ وتكرما وبالمجلة فالخاتمة مخطره لَا يدرى حَقِيقَتهَا وَقد قَالَ صلَة بن أَشْيَم على قبر أَخ لَهُ فَإِن تنج مِنْهَا تنج من ذى عَظِيمَة ... وَإِلَّا فانى لَا أخالك ناجيا وَيَوْم الْقِيَامَة يَوْم تقف فِيهِ الْخَلَائق شاخصة أَبْصَارهم منفطرة قُلُوبهم

لَا يكلمون وَلَا ينظر فى أُمُورهم وَلَا يَأْكُلُون فِيهِ وَلَا يشربون وَلَا يَجدونَ فِيهِ روح نسيم حَتَّى إِذا انْقَطَعت أَعْنَاقهم عطشا واحترقت أَجْوَافهم جوعا انْصَرف بهم إِلَى النَّار فسقوا من عين آنِية قد آن حرهَا وَاشْتَدَّ لفحها فَتَأمل فى طول هَذَا الْيَوْم وَشدَّة الِانْتِظَار فِيهِ حَتَّى يخف عَلَيْك انْتِظَار الصَّبْر عَن المعاصى فى عمرك الْمُخْتَصر ثمَّ تفكر بعد هَذِه الاهوال فِيمَا يتَوَجَّه عَلَيْك من السُّؤَال شفاها من غير ترجمان فتسأل عَن الْقَلِيل وَالْكثير والنقير والقطمير والجليل والحقير وَيُؤْتى بالميزان ويطار الْكتب إِلَى الشَّمَائِل والأيمان وتكثر الخصماء ويساقون إِلَى الصِّرَاط ويغضب الرب غَضبا لم يغْضب قبله مثله وَلَا يغْضب بعده مثله وَقد أخْبرت بِأَن النَّار مورد للْجَمِيع فَأَنت من الْوُرُود على يَقِين وَمن النجَاة فى شكّ فاستشغر فى قَلْبك هُوَ ذَلِك المورد فعساك تستعد للنجاة مِنْهُ فَهَذِهِ أهوال يَوْم الْقِيَامَة وأصناف عَذَاب جَهَنَّم على الْجُمْلَة وتفصيل غمومها وأحزانها ومحنها وحسراتها لَا نِهَايَة لَهُ وَقد تصدى لذكرها القرطبى فى التَّذْكِرَة وَأعظم الْأُمُور عَلَيْهِم مَعَ مَا يلاقونه من شدَّة الْعَذَاب حسرة فَوت نعيم الْجنَّة وفوت لِقَاء الله تَعَالَى وفوت رِضَاهُ مَعَ علمهمْ بِأَنَّهُم باعوا كل ذَلِك بِثمن بخس دَرَاهِم مَعْدُودَة إِذْ لم يبيعوا ذَلِك إِلَّا بشهوات حقيرة فى الذنيا أَيَّامًا قَصِيرَة وَكَانَت غير صَافِيَة بل كَانَت مكدرة منغصة فيا لحسرة هَؤُلَاءِ وَقد فاتهم مَا فاتهم وبلوا بِمَا بلوا بِهِ وَلم يبْق مَعَهم شىء من نعيم الدُّنْيَا ولذاتها قَالَ أَحْمد بن حَرْب أَحَدنَا يُؤثر الظل على الشَّمْس ثمَّ لَا يُؤثر الْجنَّة على النَّار وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام كم من جَسَد صَحِيح وَوجه صبيح ولسان فصيح غَدا بَين أطباق النَّار يَصِيح فَانْظُر فى هَذِه الاحوال

وَاعْلَم أَن الله تَعَالَى خلق النَّار بأهوالها وَخلق لَهَا أَهلا لَا يزِيدُونَ وَلَا ينقصُونَ وَأَن هَذَا أمرا قد قضى وَفرغ مِنْهُ قَالَ تَعَالَى وَأَنْذرهُمْ يَوْم الْحَسْرَة إِذْ قضى الْأَمر وهم فى غَفلَة وهم لَا يُؤمنُونَ ولعمرى الْإِشَارَة بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَلَكِن مَا قضى الْأَمر يَوْم بل فى أزل الآزال وَلَكِن أظهر يَوْم الْقِيَامَة مَا سبق بِهِ الْقَضَاء فالعجب مِنْك حَيْثُ تضحك وتلهوا وتشتغل بمحقرات الدُّنْيَا ولشك تَدْرِي أَن الْقَضَاء بِمَاذَا سبق فى حَقك فان قلت فليت شعرى مَاذَا موردى وَإِلَى مَاذَا مآلى ومرجعى وَمَا الذى سبق بِهِ الْقَضَاء فى حقى فلك عَلامَة تستأنس بهَا وَتصدق رجاءك بِسَبَبِهَا وَهُوَ أَن تنظر إِلَى أحوالك وأعمالك فان كلا ميسر لما خلق لَهُ فان كَانَ قد يَسُرك سَبِيل الْخَيْر فابشر فانك مبعد عَن النَّار وَإِن كنت لَا تقصد خيرا إِلَّا وتحيط بك الْعَوَائِق فتدفعه وَلَا تقصد شرا إِلَّا ويتيسر لَك أَسبَابه فَاعْلَم أَنَّك مقضى عَلَيْك فان دلَالَة هَذَا على الْعَاقِبَة كدلالة الْمَطَر على النَّبَات وَدلَالَة الدُّخان على النَّار فقد قَالَ تَعَالَى إِن الْأَبْرَار لفى نعيم وَإِن الْفجار لفى جحيم فَأَعْرض نَفسك على الْآيَتَيْنِ وَقد عرفت مستقرك من الدَّاريْنِ

باب حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره وذكر عمل اهل النار وأهل

بَاب حفت النَّار بالشهوات وحفت الْجنَّة بالمكاره وَذكر عمل اهل النَّار وَأهل الْجنَّة عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حفت الْجنَّة بالمكاره وحفت النَّار بالشهوات أخرجه مُسلم وخرجه أَيْضا البخارى وَقَالَ الترمذى حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب ويعنى بالمكاره الْمَشَقَّة مثل التكاليف الشَّرْعِيَّة أمرا ونهيا وبالشهوات مرارات النَّفس ومستلذاتها وأهويتها وَتقدم فِي اول الْكتاب حَدِيث ارسال الله جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْجنَّة وَالنَّار وَهُوَ عِنْد الترمذى وَأَصْحَاب السّنَن عَن أبي هُرَيْرَة وَقَالَ فِيهِ أَبُو عِيسَى حَدِيث حسن صَحِيح قَالَ القرطبى المكاره كل مَا يشق على النَّفس فعله ويصعب عَلَيْهَا عمله كالطهارة فى الصَّلَوَات وَغَيرهَا من أَعمال الطَّاعَات وَالصَّبْر على المصائب والمصيبات وَجَمِيع المكروهات والشهوات كل مَا يُوَافق النَّفس ويلائمها وَتَدعُوا إِلَيْهِ ويوافقها وأصل الحفاف الدائر بالشىء الْمُحِيط بِهِ الذى لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بعد أَن يتخطى فَمثل النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المكاره والشهوات بذلك وَالْجنَّة لَا تنَال إِلَّا بِقطع مفاوز المكاره وَالصَّبْر عَلَيْهَا وَالنَّار لَا يُنجى مِنْهَا إِلَّا بترك الشَّهَوَات وفطام النَّفس عَنْهَا وَلَقَد روى عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه مثل طَرِيق الْجنَّة وَطَرِيق النَّار بتمثيل آخر فَقَالَ طَرِيق الْجنَّة حزن بِرَبْوَةٍ وَطَرِيق النَّار سهل بِسَهْوَةٍ ذكره صَاحب الشهَاب والحزن وَهُوَ الطَّرِيق الوعر المسلك والربوة هُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفع وَأَرَادَ بِهِ مَا يكون من الروابى والسهوة بِالسِّين الْمُهْملَة هُوَ الْموضع السهل الذى لَا غلظ فِيهِ وَلَا وعورة

وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر بن العربى فِي سراج المريدين لَهُ فِي الحَدِيث أَي جعلت على حافتها وهى جوابها وتوهم النَّاس أَنه ضرب فِيهَا الْمثل فَجَعلهَا فِي جوانبها من الْخَارِج وَلَو كَانَ ذَلِك مَا كَانَ مثلا صَحِيحا وَإِنَّمَا هِيَ من دَاخل وَهَذِه صورتهَا وَعَن هَذَا عبر ابْن مَسْعُود بقوله الْجنَّة حفت بالمكاره وحفت النَّار بالشهوات فَمن اطلع الْحجاب فقد وَاقع مَا وَرَاءه وكل من تصورها من خَارج فقد ضل عَن معنى الحَدِيث وَعَن حَقِيقَة الْحَال وفى الصَّحِيحَيْنِ وحجبت بدل حفت فى الْمَوْضِعَيْنِ قَالَ القرطبى فان قيل قد قَالَ حجبت النَّار الشَّهَوَات قُلْنَا الْمَعْنى وَاحِد لِأَن الْأَعْمَى عَن التَّقْوَى الذى قد أخذت سَمعه وبصره الشَّهَوَات يَرَاهَا وَلَا يرى النَّار الَّتِى هِيَ فِيهَا وَإِن كَانَت باستيلاء الْجَهَالَة وزين الْغَفْلَة على قلبه كالطائر يرى الْحبَّة فى دَاخل الفخ وَهِي محجوبة عَنهُ لِأَنَّهُ لَا يرى الفخ لغَلَبَة شَهْوَة الْحبَّة على قلبه وَتعلق باله بهَا وجهله بِمَا جعلت فِيهِ وحجبت انْتهى عَن أَبى هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا رايت مثل النَّار نَام هَارِبهَا وَلَا مثل الْجنَّة نَام طالبها أخرجه الترمذى وَقَالَ

هَذَا حَدِيث إِنَّمَا نعرفه من حَدِيث يحيى بن عبيد الله وَهُوَ ضَعِيف عِنْد أهل الحَدِيث تكلم فِيهِ شُعْبَة وَقد سُئِلَ شيخ الاسلام أَحْمد بن تَيْمِية رَحمَه الله مَا عمل أهل النَّار وَمَا عمل أهل الْجنَّة فَأجَاب عمل أهل النَّار الْإِشْرَاك بِاللَّه تَعَالَى والتكذيب للرسل وَالْكفْر والحسد وَالْكذب والخيانة وَالظُّلم وَالْفَوَاحِش والغدر وَقَطِيعَة الرَّحِم والجبن عَن الْجِهَاد وَالْبخل وَاخْتِلَاف السِّرّ وَالْعَلَانِيَة واليأس من روح الله والأمن من مكر الله والجزع عِنْد المصائب وَالْفَخْر والبطر عِنْد النعم وَترك فَرَائض الله واعتداء حُدُوده وانتهاك حرماته وَخَوف الْمَخْلُوق دون الْخَالِق وَالْعَمَل رِيَاء وَسُمْعَة وَمُخَالفَة الْكتاب وَالسّنة أى اعتقادا وَعَملا وَطَاعَة الْمَخْلُوق فى مَعْصِيّة الْخَالِق والتعصب للباطل واستهزاء بآيَات الله وَجحد الْحق والكتمان لما يجب إِظْهَاره من علم وَشَهَادَة وَالسحر وعقوق الْوَالِدين وَقتل النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَأكل مَال الْيَتِيم والربا والفرار من الزَّحْف وَقذف الْمُحْصنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات وَأما عمل أهل الْجنَّة فالايمان بِاللَّه تَعَالَى وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر وَالْإِيمَان بِالْقدرِ خَيره وشره والشهادتان شَهَادَة أَن لَا اله إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأقَام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَحج الْبَيْت وَأَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك وَمن أَعمال أهل الْجنَّة صدق الحَدِيث وَأَدَاء الْأَمَانَة وَالْوَفَاء بالعهد وبر الْوَالِدين وصلَة الارحام والاحسان إِلَى الْجَار واليتيم والمسكين والمملوك من الْآدَمِيّين والبهائم وَمن اعمالهم الاخلاص لله والتوكل عَلَيْهِ والمحبة لله وَرَسُوله

وخشية الله ورجاء رَحمته والإنابة إِلَيْهِ وَالصَّبْر على حكمه وَالشُّكْر لنعمته وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَذكر الله ودعاؤه ومسئلته وَالرَّغْبَة إِلَيْهِ وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله مَعَ الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَمن أَعْمَالهم أَن يصل من قطعه وَيُعْطى من حرمه وَيَعْفُو عَمَّن ظلمه فان الله أعد الْجنَّة لِلْمُتقين الَّذين يُنْفقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء والكاظمين الغيظ وَالْعَافِينَ على النَّاس وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ وَمن أَعْمَالهم الْعدْل فِي جَمِيع الامور وعَلى جَمِيع الْخلق حَتَّى الْكفَّار وأمثال هَذِه الاعمال والتجافي عَن دَار الْغرُور والانابة إِلَى دَار الخلود فَعمل أهل الْجنَّة الْإِيمَان وَالطَّاعَة وَعمل أهل النَّار الْكفْر والفسوق والعصيان وتفصيل الجملتين لَا يُمكن لَكِن أَعمال أهل الْجنَّة كلهَا تدخل فِي طَاعَة الله وَرَسُوله وأعمال أهل النَّار كلهَا تدخل فِي مَعْصِيّة الله وَرَسُوله فَمن يطع الله وَرَسُوله يدْخلهُ جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْز الْعَظِيم وَمن يعْص الله وَرَسُوله يدْخلهُ نَارا خَالِدا فِيهَا وَله عَذَاب مهين انْتهى كَلَام شيخ الاسلام وَهُوَ كالشرح لحَدِيث الْبَاب حفت الْجنَّة بالمكاره وحفت النَّار بالشهوات وَكتاب شعب الْإِيمَان للبيهقى يشْتَمل على اشياء هى من أَعمال أهل الْجنَّة وَهُوَ سِتّ مجلدات فى سَبْعَة وَسبعين بَابا اخْتَصَرَهُ أَبُو حَفْص عمر بن عَليّ الْقزْوِينِي الإِمَام بِجَامِع الْخَلِيفَة بِبَغْدَاد فى نَحْو كراستين وأصل الْكتاب حَدِيث أَبى هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْإِيمَان بضع وَسِتُّونَ شُعْبَة أَو بضع وَسَبْعُونَ شُعْبَة أَعْلَاهَا أَو فارفعها أَو فأفضلها على اخْتِلَاف الرِّوَايَات قَول لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَدْنَاهَا إمَاطَة الْأَذَى عَن الطَّرِيق وَالْحيَاء شُعْبَة من الايمان فالايمان وَشعْبَة هَذِه كلهَا من أَعمال أهل الْجنَّة وَهَذَا بَيَانهَا بِحَذْف الْأَدِلَّة على سَبِيل التعديد

فالاول مِنْهَا الايمان بِاللَّه عز وَجل ثمَّ الايمان برسل الله ثمَّ بِالْمَلَائِكَةِ ثمَّ بِالْقُرْآنِ ثمَّ بِالْقدرِ خَيره وشره وَأَنه من الله عز وَجل ثمَّ بِالْيَوْمِ الآخر ثمَّ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت ثمَّ بحشر النَّاس بَعْدَمَا يبعثون من قُبُورهم إِلَى الْموقف ثمَّ بِأَن دَار الْمُؤمنِينَ ومآبهم الْجنَّة وَدَار الْكَافرين ومآبهم النَّار ثمَّ بِوُجُوب محبَّة الله تَعَالَى ثمَّ بِوُجُوب الْخَوْف مِنْهُ عز وَجل ثمَّ بِوُجُوب الرَّجَاء مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثمَّ بِوُجُوب التَّوَكُّل عَلَيْهِ تَعَالَى وتبارك ثمَّ بِوُجُوب حب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ بِوُجُوب تَعْظِيمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتبجيله وتوقيره ثمَّ شح الْمَرْء بِدِينِهِ حَتَّى يكون الْقَذْف فى النَّار أحب إِلَيْهِ من الْكفْر ثمَّ طلب الْعلم وَهُوَ معرفَة البارى تَعَالَى وَصِفَاته وَمَا جَاءَ من عِنْد الله وَعلم النُّبُوَّة وَمَا تميز بِهِ النبى عَن المتنبى وَعلم أَحْكَام الله تَعَالَى وأقضيته وَمَعْرِفَة مَا تطلب الْأَحْكَام مِنْهُ كالكتاب وَالسّنة وَالْقُرْآن والْحَدِيث مشحونان بفضائل الْعلم وَالْعُلَمَاء وَفِيه كتاب مِفْتَاح دَار السَّعَادَة لِلْحَافِظِ ابْن الْقيم رَحمَه الله وَهُوَ كتاب لَا يُوجد نَظِيره فى الْإِسْلَام ثمَّ نشر الْعلم ثمَّ تَعْظِيم الْقُرْآن الْمجِيد بتعلمة وتعليمه وَحفظ حُدُوده وَأَحْكَامه وَعلم حَلَاله وَحَرَامه وتكريم أَهله وحفاظه واستشعار مَا يهيج الْبكاء من مواعظ الله ووعيده ثمَّ الطَّهَارَة ثمَّ الصَّلَوَات الْخمس ثمَّ الزَّكَاة ثمَّ الِاعْتِكَاف ثمَّ الْحَج ثمَّ الْجِهَاد وفى ذَلِك كتاب الْعبْرَة مِمَّا جَاءَ فى الْغَزْو وَالشَّهَادَة وَالْهجْرَة لهَذَا العَبْد عَفا الله عَنهُ وَهُوَ نَفِيس جدا فى هَذَا الْبَاب مغن عَن كثير من الْكتب ثمَّ المرابطة فِي سَبِيل الله تَعَالَى ثمَّ الثَّبَات لِلْعَدو وَترك الْفِرَار من الزَّحْف ثمَّ أَدَاء الْخمس من الْمغنم إِلَى الإِمَام أَو عَامله على الْغَانِمين وكل ذَلِك مَذْكُور فى كتابى المسطور ثمَّ الْعتْق فك الرَّقَبَة ثمَّ الْكَفَّارَات الْوَاجِبَات بالجنايات وهى فى الْكتاب وَالسّنة أَربع

كَفَّارَة الْقَتْل وَكَفَّارَة الظِّهَار وَكَفَّارَة الْيَمين وَكَفَّارَة الْمَسِيس فى صَوْم رَمَضَان وَمِمَّا يقرب مِنْهَا مَا يجب باسم الْفِدْيَة لِأَنَّهَا إِمَّا عَن ذَنْب سبق أَو يُرَاد بِهِ التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى بشىء يُعْفَى أثر أَمر قد وَقع ذَنبا كَانَ أَو غير ذَنْب ثمَّ الأيفاء بِالْعُقُودِ ثمَّ الايفاء بِالْعُقُودِ ثمَّ تعدد نعم الله عز وَجل وَمَا يجب من شكرها ثمَّ حفظ اللِّسَان عَمَّا لَا يحْتَاج اليه وَيدخل فِيهِ الْكَذِب والغيبة والنميمة وَالْفُحْش ثمَّ أَدَاء الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا ثمَّ تَحْرِيم قتل النُّفُوس والجنايات عَلَيْهَا ثمَّ تَحْرِيم الْفروج وَمَا يجب فِيهَا من التعفف ثمَّ قبض الْيَد عَن الْأَمْوَال الْمُحرمَة وَيدخل فِيهِ تَحْرِيم السّرقَة وَقطع الطَّرِيق وَأكل الرشا وكل مَالا يسْتَحقّهُ شرعا ثمَّ وجوب التورع عَن المطاعم والمشارب والاجتناب عَمَّا لَا يحل مِنْهَا وَهِي أَنْوَاع كَثِيرَة مبسوطة فى كتب السّنة وَالْكتاب ثمَّ تَحْرِيم الملابس والزى والأوانى وَمَا يكره مِنْهَا ثمَّ تَحْرِيم الملاعب والملاهي الْمُخَالفَة للشريعة ثمَّ الاقتصاد فى النَّفَقَة وَتَحْرِيم أكل المَال بِالْبَاطِلِ ثمَّ ترك الغل والحسد وَنَحْوهمَا من الْخِصَال المذمومة على لِسَان الشَّرْع ثمَّ تَحْرِيم أَعْرَاض النَّاس وَمَا يجب من ترك الوقيعة فِيهَا ثمَّ اخلاص الْعَمَل لله عز وَجل وَترك الرِّيَاء والسمعة ثمَّ السرُور بِالْحَسَنَة والاغتمام بِالسَّيِّئَةِ ثمَّ معالجة كل ذَنْب بِالتَّوْبَةِ ثمَّ القرابين وجملتها الْهدى والاضحية والعقيقة ثمَّ طَاعَة أولى الْأَمر إِلَّا فِي مَعْصِيّة الْخَالِق ثمَّ التَّمَسُّك بِمَا عَلَيْهِ جمَاعَة أهل السّنة وَالْكتاب ثمَّ الحكم بَين النَّاس بِالْعَدْلِ ثمَّ الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر ثمَّ التعاون على الْبر وَالتَّقوى ثمَّ الْحيَاء ثمَّ بر الْوَالِدين ثمَّ صلَة الْأَرْحَام

ثمَّ حسن الْخلق وَيدخل فِيهِ كظم الغيظ ولين الْجَانِب والتواضع ثمَّ الاحسان إِلَى الممالك ثمَّ حق السَّادة على المماليك وَهُوَ لُزُوم العَبْد سَيّده وإقامته حَيْثُ يرَاهُ لَهُ وَيَأْمُر بِهِ وطاعته فِيمَا يطبقه ثمَّ حُقُوق الْأَوْلَاد والأهلين وهى قيام الرجل على وَلَده وَأَهله وتعليمه إيَّاهُم من أُمُور دينهم مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ ثمَّ مقاربة أهل الدّين وموادتهم وإفشاء السَّلَام بَينهم والمصافحة لَهُم وَنَحْو ذَلِك ثمَّ رد السَّلَام ثمَّ عِيَادَة الْمَرِيض ثمَّ صَلَاة الْجَنَائِز ثمَّ تشميت الْعَاطِس ثمَّ مبعادة الْكفَّار والمفسدين والغلظة عَلَيْهِم ثمَّ إِكْرَاه الْجَار ثمَّ إكرام الضَّيْف ثمَّ السّتْر على أَصْحَاب القروف أى الذُّنُوب ثمَّ الصَّبْر على المصائب وَعَما تنْزع النَّفس إِلَيْهِ من لَذَّة وشهوة ثمَّ الزّهْد وَقصر الأمل ثمَّ الْغيرَة وَترك المراء ثمَّ الاعراض عَن اللَّغْو ثمَّ الْجُود والسخاء ثمَّ رَحْمَة الصَّغِير وتوقير الْكَبِير ثمَّ إصْلَاح ذَات الْبَين ثمَّ أَن يحب الرجل لِأَخِيهِ الْمُسلم مَا يحب لنَفسِهِ وَيكرهُ لَهُ مَا يكره لنَفسِهِ وَيدخل فِيهِ إمَاطَة الْأَذَى عَن الطَّرِيق والنصح لكل مُسلم وفى حَدِيث أنس فى صَحِيح البخارى لَا يُؤمن احدكم حَتَّى يحب لِأَخِيهِ مَا يحب لنَفسِهِ فَهَذِهِ سبع وَسَبْعُونَ شُعْبَة من شعب الايمان دلّت عَلَيْهِ أَدِلَّة الْكتاب وَالسّنة ذكرهَا البيهقى فِي شعب الايمان وَزَاد الْقزْوِينِي عَلَيْهَا فى بعض الشّعب آيَة أَو آيَات أَو حَدثنَا أَو كَلِمَات أَو حِكَايَة أَو حكايات أَو بَيْتا أَو أبياتا لم يذكرهَا البيهقى

وَإِذا أحطت بِمَا ذكرنَا علما عرفت إِن ذَلِك كُله من المكاره الَّتِى حفت بهَا الْجنَّة وَإِن خلاف ذَلِك كُله من الشَّهَوَات الَّتِى حفت بهَا النَّار وَهَذَا بَاب وَاسع جدا لَا يَتَّسِع لبسطه هَذَا الْمقَام وفقنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لاحْتِمَال المكاره المنجيات وجنبنا عَن الشَّهَوَات الموبقات هَذَا وَأَقُول رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا رَبنَا وَلَا تحمل علينا إصرا كَمَا حَملته على الَّذين من قبلنَا رَبنَا وَلَا تحملنا مَالا طَاقَة لنا بِهِ وأعف عَنَّا واغفر لنا وارحمنا أَنْت مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا على الْقَوْم الْكَافرين

باب من دخل النار من الموحدين ومات واحترق ثم يخرجون بالشفاعة

بَاب من دخل النَّار من الْمُوَحِّدين وَمَات وَاحْتَرَقَ ثمَّ يخرجُون بالشفاعة عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعذب نَاس من أهل التَّوْحِيد فى النَّار حَتَّى يَكُونُوا فِيهَا حمما ثمَّ تُدْرِكهُمْ الرَّحْمَة فَيخْرجُونَ ويطرحون على أَبْوَاب الْجنَّة قَالَ فيرش عَلَيْهِم أهل الْجنَّة المَاء فينبتون كَمَا ينْبت الغثاء فى حمالَة السَّيْل ثمَّ يدْخلُونَ الْجنَّة أخرجه الترمذى وَقَالَ هَذَا حَدِيث صَحِيح قد روى من غير وَجه عَن جَابر وَعَن أَبى سعيد الخدرى أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يخرج من النَّار من كَانَ فى قلبه مِثْقَال ذرة من الْإِيمَان قَالَ أَبُو سعيد فَمن شكّ فليقرأ ان الله لَا يظلم مِثْقَال ذرة أخرجه الترمذى وَحسنه وَصَححهُ وَعنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما أهل النَّار الَّذين هم أَهلهَا فانهم لَا يموتون فِيهَا وَلَا يحيون وَلَكِن نَاس أَصَابَتْهُم النَّار بِذُنُوبِهِمْ أَو قَالَ بخطاياهم فأماتهم الله إماتة حَتَّى إِذا كَانُوا فحما أذن لَهُم فى الشَّفَاعَة فجىء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أَنهَار الْجنَّة ثمَّ قيل يَا أهل الْجنَّة أفيضوا عَلَيْهِم فينبتون نَبَات الْحبَّة فى حميل السَّيْل فَقَالَ رجل من الْقَوْم كَأَن رَسُول الله قد كَانَ يرْعَى بالبادية قَالَ القرطبى هَذِه الموتة للعصاة موتَة حَقِيقِيَّة لِأَنَّهُ أكدها بِالْمَصْدَرِ وَذَلِكَ

تكريما لَهُم حَتَّى لَا يحسوا ألم الْعَذَاب بعد الإحتراق بِخِلَاف الحى الذى هُوَ من أَهلهَا مخلدا فِيهَا كلما نَضِجَتْ جُلُودهمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرهَا ليذوقوا الْعَذَاب وَقيل يجوز أَن تكون إماتتهم عبارَة عَن تغييبة إيَّاهُم عَن آلامها بِالنَّوْمِ وَلَا يكون ذَلِك موتا حَقِيقَة فان النّوم قد يغيب عَن كثير من الآلام والملاذ وَقد سَمَّاهُ الله وَفَاة فَقَالَ الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا والتى لم تمت فى منامها فَهُوَ وَفَاة وَلَيْسَ بِمَوْت على الْحَقِيقَة الَّتِى هُوَ خُرُوج الرّوح عَن الْبدن وَكَذَلِكَ الصعقة قد عبر الله بهَا عَن الْمَوْت فى قَوْله تَعَالَى فَصعِقَ من فى السَّمَوَات وَمن فى الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله وَأخْبر عَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنه خر صعقا وَلم يكن ذَلِك موتا على الْحَقِيقَة غير أَنه لما غيب عَن أَحْوَال الْمُشَاهدَة من الملاذ والآلام جَازَ أَن يُسمى موتا وَكَذَلِكَ يجوز أَن يكون إماتتهم غيبتهم عَن الآلام وهم أَحيَاء بلطيفة يحدثها الله فيهم كَمَا غيب النسْوَة اللاتى قطعن أَيْدِيهنَّ بِشَاهِد ظهر لَهُنَّ فغبن بِهِ عَن آلامهن والتأويل أصح لما ذَكرْنَاهُ من تأكيده بِالْمَصْدَرِ وَلقَوْله فى نفس الحَدِيث حَتَّى إِذا كَانُوا فحما فهم أموات على الْحَقِيقَة كَمَا أَن أَهلهَا أَحيَاء على الْحَقِيقَة وَلَيْسوا بأموات فان قيل مَا معنى ادخالهم النَّار وهم غير عَالمين قيل أَن يجوز أَن يدخلهم تأديبا لَهُم وَأَن لم يعذبهم فِيهَا وَيكون صرف نعيم الْجنَّة عَنْهُم مُدَّة كَونهم فِيهَا عُقُوبَة لَهُم كالمحبوسين فى السجون فان الْحَبْس عُقُوبَة لَهُم وَإِن لم يكن مَعَه غل وَلَا قيد وَالله أعلم وَعَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يخرج أَو أخرجُوا من النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَكَانَ فى قلبه من الْخَيْر مَا يزن شعيره أخرجُوا من

باب فى الشفعاء وذكر الجهنميين

النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله ركان فى قلبه من الْخَيْر مَا يزن بره أخرجُوا من النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَكَانَ قلبه من الْخَيْر مَا يزن ذرة أخرجه الترمذى وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَعنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَقُول الله أخرجُوا من النَّار من ذَكرنِي يَوْمًا أَو خافني فى مقَام اخرجه الترمذى وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب بَاب فى الشفعاء وَذكر الجهنميين عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَن الصّيام والقرأن يشفعان للْعَبد يَقُول الصّيام رب منعته الطَّعَام والشهوات بالهنار فشفعنى فِيهِ وَيَقُول الْقُرْآن منعته النّوم بِاللَّيْلِ فشفعني فِيهِ فيشفعان أخرجه ابْن الْمُبَارك وَذكر مُسلم من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَفِيه بعد قَوْله فى نَار جَهَنَّم حَتَّى إِذا خلص الْمُؤْمِنُونَ من النَّار فوالذى نَفسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُم من أحد بأشد مناشدة لله تَعَالَى فى اسْتِيفَاء الْحق من الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة لاخوانهم الَّذين فى النَّار يَقُولُونَ رَبنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعنا وَيصلونَ ويحجون فَيُقَال لَهُم أخرجُوا من عَرَفْتُمْ فَتحرم صورهم على النَّار فَيخْرجُونَ خلقا كثيرا مِنْهُم من أَخَذته النَّار إِلَى نصف سَاقه وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ يَقُولُونَ رَبنَا مَا بَقِي أحد مِمَّن أمرتنا بِهِ فَيَقُول جلّ جَلَاله ارْجعُوا فَمن وجدْتُم فى قلبه مِثْقَال دِينَار من خير فاخرجوه فَيخْرجُونَ خلقا كثيرا ثمَّ يَقُولُونَ رَبنَا لم نذر فِيهَا أحدا مِمَّن أمرتنا بِهِ ثمَّ يَقُول ارْجعُوا فَمن وجدْتُم فى قلبه مِثْقَال نصف دِينَار من خير فأخرجوه فَيخْرجُونَ خلقا كثيرا ثمَّ يَقُولُونَ

رَبنَا لم نذر مِمَّن أمرتنا أحدا ثمَّ يَقُول ارْجعُوا فَمن وجدْتُم فى قلبه مِثْقَال ذرة من خير فأخرجوه فَيخْرجُونَ خلقا كثيرا ثمَّ يَقُولُونَ رَبنَا لم نذر فِيهَا خيرا وَكَانَ أَبُو سعيد يَقُول إِن لم تصدقونى بِهَذَا الحَدِيث فاقرءوا إِن شِئْتُم إِن الله لَا يظلم مِثْقَال ذرة وَإِن تَكُ حَسَنَة يُضَاعِفهَا وَيُؤْت من لَدنه أجرا عَظِيما فَيَقُول الله تَعَالَى شفعت الْمَلَائِكَة وشفع النَّبِيُّونَ وشفع الْمُؤْمِنُونَ وَلم يبْق إِلَّا أرْحم الرَّاحِمِينَ وفى البخارى بدله وَبقيت شفاعتى فَيقبض قَبْضَة من النَّار فَيخرج مِنْهَا قوما لم يعملوا خيرا قطّ قد عَادوا حمما فيليهم على نهر على أَفْوَاه الْجنَّة يُقَال لَهُ نهر الْحَيَاة فَيخْرجُونَ كَمَا تخرج الْحبَّة فى حميل السَّيْل أَلا ترونها يكون إِلَى الْحجر أَو إِلَى الشّجر مَا يكون إِلَى الشَّمْس أصيفر وأخيضر وَمَا يكون مِنْهَا إِلَى الظل يكون ابيض فَقَالُوا يَا رَسُول الله كَأَنَّك كنت ترعى بالبادية قَالَ فَيخْرجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فى رقابهم الخواتيم يعرفونهم أهل الْجنَّة هَؤُلَاءِ عُتَقَاء الله الَّذين أدخلهم الْجنَّة بِغَيْر عمل عملوه وَلَا خير قدموه ثمَّ يَقُول ادخُلُوا الْجنَّة فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لكم فَيَقُولُونَ رَبنَا أَعطيتنَا مالم تعط أحدا من الْعَالمين فَيَقُول لكم عندى أفضل من هَذَا فَيَقُول رَبنَا وأى شىء أفضل من هَذَا فَيَقُول رضاى لَا أَسخط عَلَيْكُم بعده أبدا اخرجه ابْن مَاجَه وفى الْبَاب أَحَادِيث وَرِوَايَات بطرق وألفاظ وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا فرغ الله من الْقَضَاء بَين خلقه أخرج كتابا من تَحت الْعَرْش إِن رحمتى سبقت غَضبى وَأَنا أرْحم الرَّاحِمِينَ قَالَ فَيخرج من النَّار مثل أهل الْجنَّة أَو قَالَ مثلى أهل الْجنَّة قَالَ وَأكْثر ظنى أَنه قَالَ مثلى أهل الْجنَّة مَكْتُوب بَين اعينهم عُتَقَاء الله

وفى هَذِه الْأَحَادِيث فَوَائِد كَثِيرَة مِنْهَا أَن الْإِيمَان يزِيد وَينْقص وَمِنْهَا أَن الْأَعْمَال الصَّالِحَة من شرائع الْإِيمَان وَمِنْه قَوْله تَعَالَى وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ أَي صَلَاتكُمْ وَقيل المُرَاد فِي هَذَا الحَدِيث أَعمال الْقُلُوب كَأَنَّهُ يَقُول اخْرُجُوا من عمل عملا بنية من قلبه لقَوْله الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَيجوز أَن يكون المُرَاد بِهِ رَحْمَة على مُسلم رقة على يَتِيم خوفًا من الله تَعَالَى رَجَاء لَهُ توكلا عَلَيْهِ ثِقَة بِهِ مِمَّا هِيَ أَفعَال الْقلب دون الْجَوَارِح وسماها إِيمَانًا لكَونهَا فى مَحل الْإِيمَان وَهَذَا الذى قواه القرطبى وأيده فِي التَّذْكِرَة وَعَن أنس عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يخرج قوم من النَّار بعد مَا مسهم مِنْهَا سفع فَيدْخلُونَ الْجنَّة فتسميهم أهل الْجنَّة الجهنميين خرجه البخارى وَعَن عمرَان بن حُصَيْن عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ليخرجن قوما من أمتى بشفاعتى يسمون الجهنميين رَوَاهُ الترمذى وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح أخرجه البخارى وَأَبُو دَاوُد أَيْضا وَعَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شفاعتى لأهل الْكَبَائِر من امتى زَاد الطيالسى قَالَ فَقَالَ لى جَابر من لم يكن من أهل الْكَبَائِر فَمَا لَهُ وللشفاعة وَذكر أَبُو دَاوُد والدارقطنى عَن أَبى أُمَامَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نعم أَنا بشرار أمتى قَالُوا فَكيف أَنْت بخيارها قَالَ أما خِيَارهَا فَيدْخلُونَ الْجنَّة بأعمالهم وَأما شرارهم فَيدْخلُونَ الْجنَّة بشفاعتي

وَعَن ابى مُوسَى الاشعرى قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيرت بَين الشَّفَاعَة وَبَين أَن يدْخل نصف أمتى الْجنَّة فاخترت الشَّفَاعَة لِأَنَّهَا أَعم وأكفى أترونها لِلْمُتقين لَا وَلكنهَا للمذنبين الْخَطَّائِينَ المتلوثين رَوَاهُ ابْن ماجة وفى الْبَاب أَحَادِيث بِأَلْفَاظ وطرق وَعِنْده من حَدِيث عَوْف بن مَالك الأشجعى نَحوه وفى آخِره قُلْنَا يَا رَسُول الله ادْع الله أَن يجعلنا من أَهلهَا قَالَ هِيَ لكل مُسلم قَالَ القرطبى شَفَاعَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمَلَائِكَة والنبيين وَالْمُؤمنِينَ لمن كَانَ لَهُ عمل زَائِد على مُجَرّد التَّصْدِيق وَمن لم يكن مَعَه من الْإِيمَان خير من الدّين يتفضل الله عَلَيْهِم فيخرجوهم من النَّار فضلا وكرما وَعدا مِنْهُ حَقًا وكلمته صدقا إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء فسبحان الرءوف بِعَبْدِهِ الوفي بعهده انْتهى

باب في الشافعين لمن دخل النار وما جاء أن النبى صلى الله عليه وسلم يشفع رابع أربعة وذكر

بَاب فِي الشافعين لمن دخل النَّار وَمَا جَاءَ أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشفع رَابِع أَرْبَعَة وَذكر من يبْقى فى جَهَنَّم بعد ذَلِك عَن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشفع يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاثَة الْأَنْبِيَاء ثمَّ الْعلمَاء ثمَّ الشُّهَدَاء أخرجه ابْن مَاجَه وَعَن ابْن مَسْعُود قَالَ يشفع نَبِيكُم رَابِع أَرْبَعَة جِبْرِيل ثمَّ ابراهيم ثمَّ مُوسَى أَو عِيسَى ثمَّ نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ الْمَلَائِكَة ثمَّ النَّبِيُّونَ ثمَّ الصديقيون ثمَّ الشُّهَدَاء وَيبقى قوم فى جَهَنَّم فَيُقَال لَهُم مَا سلككم فى سقر إِلَى قَوْله فَمَا تنفعهم شَفَاعَة الشافعين قَالَ ابْن مَسْعُود فَهَؤُلَاءِ هم الَّذين يبقون فى جَهَنَّم أخرجه ابْن السماك أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن أَحْمد وَقيل أَن هَذَا هُوَ الْمقَام الْمَحْمُود لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا أخرج أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن عبد الله أى ابْن مَسْعُود وَلَفظه قَالَ ثمَّ يَأْذَن الله عز وَجل فى الشَّفَاعَة فَيقوم روح الْقُدس جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ يقوم إِبْرَاهِيم ثمَّ يقوم مُوسَى أَو عِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام ثمَّ يقوم نَبِيكُم رَابِعا فَيشفع لَا يشفع لأحد من بعده فى أَكثر مِمَّا يشفع وَهُوَ الْمقَام الْمَحْمُود الذى قَالَه الله تَعَالَى {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} وَعَن عبد الله بن أَبى الجدعا أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول ليدخلن الْجنَّة بشفاعة رجل من أمتى أَكثر من بنى تَمِيم قيل يَا رَسُول الله سواك قَالَ سواي قلت أَنْت سمعته من رَسُول الله قَالَ أَنا سمعته أخرجه ابْن مَاجَه والترمذى وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح

غَرِيب وَلَا يعرف لِابْنِ الجدعا غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد وخرجه الْبَيْهَقِيّ فى دَلَائِل النُّبُوَّة وَعَن أَبى أُمَامَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدْخل بشفاعة رجل من أمتى الْجنَّة مثل أحد الحبين ربيعَة وَمُضر قَالَ قيل يَا رَسُول الله وَمَا ربيعَة من مُضر قَالَ إِنَّمَا أَقُول مَا أَقُول قَالَ فَكَانَ المشيخة يرَوْنَ أَن ذَلِك الرجل عُثْمَان بن عَفَّان أخرجه ابْن السماك وَعَن أَبى سعيد الخدرى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن من أمتى من يشفع للفئام وَمِنْهُم من يشفع للقبيلة وَمِنْهُم من يشفع للْعصبَةِ وَمِنْهُم من يشفع للرجل حَتَّى يدْخلُونَ الْجنَّة أخرجه الترمذى وَقَالَ حَدِيث حسن وَعَن ثَابت أَنه سمع أنس بن مَالك يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الرجل ليشفع للرجلين وَالثَّلَاثَة قَالَ القاضى عِيَاض فى الشِّفَاء عَن كَعْب إِن لكل رجل من الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم شَفَاعَة قَالَ القرطبى إِن قَالَ قَائِل كَيفَ تكون الشَّفَاعَة لمن دخل النَّار وَالله تَعَالَى يَقُول {إِنَّك من تدخل النَّار فقد أخزيته} وَقَالَ لايشفعون إِلَّا لمن ارتضى وَقَالَ وَكم من ملك فى السَّمَوَات لَا تغنى شفاعتهم شَيْئا إِلَّا من بعد أَن يَأْذَن الله لمن يَشَاء ويرضى وَمن يرضاه الله لَا يخزيه أبدا قَالَ الله تَعَالَى {يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي وَالَّذين آمنُوا مَعَه نورهم يسْعَى بَين أَيْديهم وبأيمانهم} الْآيَة قُلْنَا هَذَا مَذْهَب أهل الْوَعيد الَّذين ضلوا عَن الطَّرِيق وحادوا عَن التَّحْقِيق وَأما مَذْهَب أهل السّنة الَّذين جمعُوا بَين الْكتاب وَالسّنة فَإِن الشَّفَاعَة تَنْفَع العصاة من أهل الْملَّة حَتَّى لَا يبْقى مِنْهُم أحدا إِلَّا دخل الْجنَّة ثمَّ أجَاب عَن الْآيَات بِأَنَّهَا خَاصَّة جَاءَت فى قوم لَا يخرجُون من النَّار

قَالَ أَبُو حَامِد الغزالى رَحمَه الله فى الاحياء إِذا حق دُخُول النَّار على طوائف من الْمُؤمنِينَ فان الله تَعَالَى بفضله يقبل فيهم شَفَاعَة الْأَنْبِيَاء وَالصديقين بل شَفَاعَة الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ وكل من لَهُ عِنْد الله تَعَالَى جاه وَحسن مُعَاملَة فان لَهُ شَفَاعَة فى أَهله وقرابته وأصدقائه ومعارفه فَكُن حَرِيصًا على أَن تكتسب لنَفسك عِنْدهم رُتْبَة للشفاعة وَذَلِكَ بِأَن لَا تستصغر مَعْصِيّة أصلا فان الله تَعَالَى خبأ غَضَبه فى مَعَاصيه فَلَعَلَّ مقت الله فِيهِ وشواهد الشَّفَاعَة فى الْقُرْآن وَالْأَخْبَار كَثِيرَة انْتهى ثمَّ ذكر آيَات وأخبار مِنْهَا حَدِيث اخْتِلَاف النَّاس إِلَى آدم ونوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى ثمَّ إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَهَذِهِ شَفَاعَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والأحاد أمته من الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ شَفَاعَة أَيْضا قلت وَلَكِن هَذِه الشَّفَاعَة تكون باذن من الله سُبْحَانَهُ كَمَا نطق بِهِ الْكتاب الْعَزِيز فى مَوَاضِع وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول شَافِع وَأول مُشَفع يَوْم الْقِيَامَة اللَّهُمَّ ارزقنا شَفَاعَته يَوْم الْقِيَامَة قَالَ تَعَالَى {من ذَا الَّذِي يشفع عِنْده إِلَّا بِإِذْنِهِ} وَقَالَ تَعَالَى {مَا من شَفِيع إِلَّا من بعد إِذْنه} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا يشفعون إِلَّا لمن ارتضى وهم من خَشيته مشفقون} وَقَالَ تَعَالَى وَلَا تَنْفَع الشَّفَاعَة إِلَّا لمن أذن لَهُ وَقَالَ فى الْمَوَاهِب اللدنية وَأما مَا يغتر بِهِ الْجُهَّال من أَنه لَا يرضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يدْخل اُحْدُ من أمته النَّار فَهُوَ غرور الشَّيْطَان لَهُم ولعبه بهم فانه يرضى بِمَا يرضى بِهِ ربه تبَارك وَتَعَالَى وَهُوَ سُبْحَانَهُ يدْخل النَّار من يَسْتَحِقهَا من الْكفَّار والعصاة ثمَّ يحد لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حدا يشفع فيهم وَرَسُول الله أعرف بِهِ وبحقه من أَن يَقُول لَا أرْضى أَن يدْخل أحدا من أمتى النَّار ويدعه فِيهَا بل ربه تبَارك وَتَعَالَى يَأْذَن لَهُ فى الشَّفَاعَة فِيمَن شَاءَ الله أَن يشفع فِيهِ وَلَا يشفع فى غَيره من أذن لَهُ ويرضيه

وَقَالَ الخازن تَحت الْآيَة الأولى هَذَا اسْتِفْهَام إِنْكَار وَالْمعْنَى لَا يشفع عِنْده أحدا إِلَّا بأَمْره وإرادته وَذَلِكَ إِن الْمُشْركين زَعَمُوا أَن الْأَصْنَام يشفعون لَهُم فَأخْبر أَنه لاشفاعة لأحد عِنْده إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ بقوله {إِلَّا بِإِذْنِهِ} يُرِيد بذلك شَفَاعَة النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وشفاعة الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة وشفاعة الْمُؤمنِينَ بَعضهم لبَعض وفى الْكَبِير لَا يقدر أحد على الشَّفَاعَة إِلَّا بِإِذن الله تَعَالَى فَيكون الشَّفِيع فى الْحَقِيقَة الذى يَأْذَن الله لَهُ فى تِلْكَ الشَّفَاعَة وَقَالَ فِي الخازن أَيْضا قَالَ تَعَالَى {قل لله الشَّفَاعَة جَمِيعًا} أى لَا يشفع أحدا إِلَّا بِإِذْنِهِ وفى الحَدِيث فَاسْتَأْذن على ربى فَيَأْذَن لى وَقَالَ الشَّيْخ زين الدّين بن على المقرى فى مرشد الطلاب أعلم إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يشفع لجَمِيع عباد الله بل يشفع لمن أذن الله فى شَفَاعَته انْتهى وفى تَفْسِير الحدادى لَا يشفع أحد لأحد عِنْد الله إِلَّا بأَمْره وَرضَاهُ كَمَا يشفع الْمُؤْمِنُونَ بَعضهم لبَعض بِالدُّعَاءِ كَمَا يشفع الْأَنْبِيَاء للْمُؤْمِنين وفى الْبَاب أَخْبَار وآثار كَثْرَة واقوال لأهل الْعلم غزيرة لَا يَتَّسِع هَذَا الْمقَام لبسطها

الخاتمة فِيمَا يُرْجَى من رَحْمَة الله تَعَالَى ومغفرته وعفوه يَوْم الْقِيَامَة قَالَ تَعَالَى {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء} وَقَالَ تَعَالَى {قل يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله إِن الله يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا إِنَّه هُوَ الغفور الرَّحِيم} وَقَالَ تَعَالَى {وَمن يعْمل سوءا أَو يظلم نَفسه ثمَّ يسْتَغْفر الله يجد الله غَفُورًا رحِيما} وَقَالَ تَعَالَى {وَإِن رَبك لذُو مغْفرَة للنَّاس على ظلمهم} وَقَالَ تَعَالَى {ولسوف يعطيك رَبك فترضى} وَقَالَ تَعَالَى {أُولَئِكَ يدعونَ إِلَى النَّار وَالله يَدْعُو إِلَى الْجنَّة وَالْمَغْفِرَة بِإِذْنِهِ} وَقَالَ تَعَالَى {فَأَما الَّذين آمنُوا بِاللَّه واعتصموا بِهِ فسيدخلهم فِي رَحْمَة مِنْهُ وَفضل ويهديهم إِلَيْهِ صراطا مُسْتَقِيمًا} وَقَالَ تَعَالَى {وعد الله الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لَهُم مغْفرَة وَأجر عَظِيم} وَقَالَ تَعَالَى {وَرَبك الْغَنِيّ ذُو الرَّحْمَة} وَقَالَ {عَذَابي أُصِيب بِهِ من أَشَاء ورحمتي وسعت كل شَيْء فسأكتبها للَّذين يَتَّقُونَ وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وَالَّذين هم بِآيَاتِنَا يُؤمنُونَ} وَقَالَ تَعَالَى هُوَ ارْحَمْ الرَّاحِمِينَ وَهَذِه الْآيَة فى مَوَاضِع من الْقُرْآن الْكَرِيم وَقَالَ تَعَالَى وَلَا تيئسوا من روح الله إِنَّه لَا ييئس من روح الله إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ وَقَالَ تَعَالَى نبىء عبادى إنى أَنا الغفور الرَّحِيم وَقَالَ تَعَالَى {وَرَبك الغفور ذُو الرَّحْمَة} وَقَالَ تَعَالَى عَن حَملَة الْعَرْش أَنهم يَقُولُونَ {رَبنَا وسعت كل شَيْء رَحْمَة وعلما فَاغْفِر للَّذين تَابُوا وَاتبعُوا سَبِيلك وقهم عَذَاب الْجَحِيم رَبنَا وأدخلهم جنَّات عدن الَّتِي وعدتهم وَمن صلح من آبَائِهِم}

{وأزواجهم وذرياتهم إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم وقهم السَّيِّئَات وَمن تق السَّيِّئَات يَوْمئِذٍ فقد رَحمته وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} وَقَالَ تَعَالَى {ويعف عَن كثير} وَقَالَ تَعَالَى {إِن رَبك وَاسع الْمَغْفِرَة} وَقَالَ تَعَالَى {وَيَعْفُو عَن كثير} وَهَذِه غير الأولى وَمن أَسْمَائِهِ الْحسنى الرَّحْمَن الرَّحِيم وهما مشتقتان من الرَّحْمَة على طَرِيق الْمُبَالغَة والرحمن أَشد مُبَالغَة من الرَّحِيم وفى كَلَام ابْن جرير مَا يفهم حِكَايَة الِاتِّفَاق على هَذَا وَلذَلِك قَالُوا رَحْمَن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَرَحِيم الدُّنْيَا وَقد تقررأن زِيَادَة الْبناء تدل على زِيَادَة الْمَعْنى قَالَ القرطبى وصف نَفسه الْكَرِيمَة بهما لِأَنَّهُ لما كَانَ باتصاف رب الْعَالمين ترهيب قربه بالرحمن الرَّحِيم لما تضمن من التَّرْغِيب ليجمع فى صِفَاته بَين الرهبة مِنْهُ وَالرَّغْبَة إِلَيْهِ فَيكون أعون على طَاعَته وَأَمْنَع وَقيل فَائِدَة تكريره هُنَا بعد الذّكر فى الْبَسْمَلَة أَو الْعِنَايَة بِالرَّحْمَةِ أَكثر من غَيرهَا من الْأُمُور وَإِن الْحَاجة إِلَيْهَا أَكثر فنبه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بتكرير ذكر الرَّحْمَة على كثرتها وَأَنه هُوَ الْمفضل لَهَا على خلقه ذكره الشوكانى رح فى تَفْسِيره فتح الْقَدِير قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات قَالَ الحليمى فى معنى الرَّحْمَن أَنه المزيج للعلل وفى معنى الرَّحِيم أَنه المشيب على الْعَمَل فَلَا يضيع لعامل عملا وَلَا يهدر لساع سعيا وينيله بفضله رَحمته من الثَّوَاب أَضْعَاف عمله وَقَالَ الخطابى ذهب بَعضهم إِلَى أَن الرَّحْمَن غير مُشْتَقّ من الرَّحْمَة لِأَنَّهُ لَو كَانَ مشتقا مِنْهَا لاتصل بِذكر المرحوم وَلَا تنكره الْعَرَب حِين سَمِعُوهُ وَزعم بَعضهم أَنه اسْم عبرانى وَذهب الْجُمْهُور من النَّاس إِلَى أَنه مُشْتَقّ من الرَّحْمَة ينبىء عَن الْمُبَالغَة وَمَعْنَاهُ ذُو الرَّحْمَة لَا نَظِير لَهُ فِيهَا وَلذَلِك لَا يثنى

وَلَا يجمع فالرحمن ذُو الرَّحْمَة الشاملة الَّتِى وسعت الْخلق فى ارزاقهم واسباب مَعَايشهمْ ومصالحهم وعمت الْمُؤمن وَالْكَافِر والصالح والطالح وَأما الرَّحِيم فخاص للْمُؤْمِنين كَقَوْلِه {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رحِيما} والرحيم بِمَعْنى رَاحِم وَبِنَاء فعيل أَيْضا للْمُبَالَغَة وَقَالَ ابْن عَبَّاس الرَّحْمَن هُوَ الرفيق والرحيم هُوَ العاطف على خلقه بالرزق وهما اسمان رقيقان احدهما أرق من الآخر وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن يحيى الرَّحْمَن خَاص فى التَّسْمِيَة عَام فى الْفِعْل والرحيم عَام فى التَّسْمِيَة خَاص فى الْفِعْل قَالَ ابْن عَبَّاس فى قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَن علم الْقُرْآن} وَقَالَ قل ادعو الله أَو ادعوا الرَّحْمَن أيا مَا تَدْعُو فَلهُ الْأَسْمَاء الْحسنى وَقَالَ {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رحِيما} وَقَالَ {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رحِيما} وَقَالَ فى فواتح السُّور غير التَّوْبَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَقَالَ فى فَاتِحَة الْآيَات الرَّحْمَن الرَّحِيم وَقَالَ {تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم} وَبِالْجُمْلَةِ فالرحمة صفة عَظِيمَة عَامَّة من صِفَات الرَّحْمَن الرَّحِيم يظْهر أَثَرهَا على وَجه الْكَمَال إِن شَاءَ الله تَعَالَى يَوْم الدّين وتعم الصَّالِحين والطالحين من الْمُؤمنِينَ حِين يغْفر الله سبحانهوتعالى ذنُوب المذنبين وَيَعْفُو الْخَطَايَا والجرائم للخاطئين وَمن نعم الله سُبْحَانَهُ على عباده أَن وصف نَفسه الْكَرِيمَة بِالرَّحْمَةِ الْعَامَّة وَالْمَغْفِرَة الشاملة وَوصف رَسُوله مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وَسيد الْمُرْسلين وشفيع المذنبين بقوله فى كِتَابه الْكَرِيم {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين} فَوَقَعت أمته المرحومة بَين رحيمين كريمين والرحيم إِذا قدر رحم والكريم إِذا غلب غفر فالرحمة وَالْمَغْفِرَة للعصاة من الْمُوَحِّدين المتبعين للسّنة وَالْكتاب

والمقرين على أنفسهم بالقصور عَن بُلُوغ ذرْوَة كَمَال الِامْتِثَال بإتيان صوالح الاعمال ثابتتان بأدلة الْقُرْآن ونصوص السّنة لَا سِيمَا أَنه سُبْحَانَهُ يَتُوب على التائبين وَيغْفر للمستغفرين ويفرح بتوبة عباده الْمُؤمنِينَ ويجزى الْمُحْسِنِينَ وَيُحب المتطهرين التوابين وَقد سبقت رَحمته على غَضَبه وَرضَاهُ على سخطه وعفوه على انتقامه وَهُوَ أَحَق بذلك وَأولى وَقد وَردت فى ذَلِك أَخْبَار كَثِيرَة صَحِيحَة لَا يَتَّسِع الْمقَام لبسطها لما أَنه يستدعى مؤلفا مُسْتقِلّا وَلَكِن مَالا يدْرك كُله لَا يتْرك كُله فلنذكر من ذَلِك شَيْئا ندرا رَجَاء الْعَفو والغفران من الرَّحِيم الرَّحْمَن فانه على مَا يَشَاء قدير وبالاجابة جدير وَعَن أَبى هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قضى الله الْخلق كتب فى كتاب فَهُوَ عِنْده فَوق الْعَرْش أَن رحمتى تغلب غَضبى أخرجه الشَّيْخَانِ والترمذى وَعند البخارى رَحمَه الله فى رِوَايَة أُخْرَى أَن رحمتى غلبت غَضبى وَعند الشَّيْخَيْنِ فى أُخْرَى سبقت غَضبى وَعنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل الله الرَّحْمَة مائَة جُزْء فَأمْسك عِنْده تِسْعَة وَتسْعُونَ وَأنزل الله فى الأَرْض جُزْءا وَاحِدًا فَمن ذَلِك الْجُزْء تتراحم الْخَلَائق حَتَّى ترفع الدَّابَّة حافرها عَن وَلَدهَا خشيَة أَن تصيبه أخرجه الشَّيْخَانِ والترمذى وَعَن سُلَيْمَان الفارسى قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله تَعَالَى مائَة رَحْمَة فَمِنْهَا رَحْمَة يتراحم بهَا الْخلق بَينهم وتسع وَتسْعُونَ ليَوْم الْقِيَامَة أخرجه مُسلم وَله فى أُخْرَى أَن الله تَعَالَى خلق يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض مائَة رَحْمَة كل رَحْمَة طباق مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فَجعل مِنْهَا فى الأَرْض رَحْمَة فِيهَا تعطف الوالدة على وَلَدهَا والوحش وَالطير بَعْضهَا على بعض فاذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أكملها الله تَعَالَى بِهَذِهِ الرَّحْمَة

وَأخرج ابْن مَاجَه من حَدِيث أَبى سعيد الخدرى وفى بعض طرق أَبى هُرَيْرَة فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة رد هَذِه على تِلْكَ التِّسْعَة وَالتسْعين فأكملها مائَة رَحْمَة فرحم بهَا عبَادَة يَوْم الْقِيَامَة وفى رِوَايَة أُخْرَى فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمعت الْوَاحِدَة إِلَى التِّسْعَة وَالتسْعين فكملن مائَة رَحْمَة حَتَّى أَن ابليس ليتطاول اليها رَجَاء أَن ينَال مِنْهَا شَيْئا وَقَالَ ابْن مَسْعُود وَلنْ تزَال الرَّحْمَة بِالنَّاسِ حَتَّى أَن أبليس ليهتز صَدره يَوْم الْقِيَامَة مِمَّا يرى من رَحْمَة الله وشفاعة الشافعين وَعَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبي فاذا أمْرَأَة من السبى تسْعَى قد تحلب ثديها إِذْ وجدت صَبيا فى السبى فَأَخَذته فالزقته بِبَطْنِهَا فأرضعته فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَرَوْنَ هَذِه الْمَرْأَة طارحة وَلَدهَا فى النَّار قُلْنَا لَا وَالله وهى تقدر على أَن لَا تطرحه قَالَ فَالله تَعَالَى أرْحم بعباده من هَذِه بِوَلَدِهَا أخرجه الشَّيْخَانِ وَعَن جرير بن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يرحم الله من لَا يرحم النَّاس مُتَّفق عَلَيْهِ عَن ابى هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت أَبَا الْقَاسِم الصَّادِق المصدوق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا تنْزع الرَّحْمَة إِلَّا من شقى رَوَاهُ احْمَد والترمذى وَعَن عبد الله بن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الراحمون يرحمهم الرَّحْمَن أرحموا من فى الأَرْض يَرْحَمكُمْ من فى السَّمَاء رَوَاهُ أَبُو دَاوُد والترمذى قَالَ الْحسن يَقُول يَقُول الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة جوزوا الصِّرَاط بعفوى وادخلوا الْجنَّة برحمتى واقتسموها بأعمالكم وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُنَادى مُنَاد من تَحت

الْعَرْش يَا أمة مُحَمَّد أما مَا كَانَ لى قبلكُمْ فقد وهبته لكم وَبقيت النبعات فتواهبوها فِيمَا بَيْنكُم وادخلوا الْجنَّة برحمتى ويروى أَن أَعْرَابِيًا سمع ابْن عَبَّاس يقْرَأ {وكنتم على شفا حُفْرَة من النَّار فأنقذكم مِنْهَا} فَقَالَ الْأَعرَابِي أنقذهم مِنْهَا وَهُوَ يُرِيد أَن يوقعهم فِيهَا فَقَالَ ابْن عَبَّاس خذوها من غير فَقِيه وَقَالَ الصنَابحِي دخلت على عبَادَة بن الصَّامِت وَهُوَ فى الْمَوْت فَبَكَيْت فَقَالَ مهلا لم تبك فوَاللَّه مَا من حَدِيث سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكم فِيهِ خير إِلَّا حَدَّثتكُمُوهُ إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا وسوف أحدثكموه الْيَوْم وَقد أحيط بنفسى سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله حرم الله عَلَيْهِ النَّار أَو حرمه الله على النَّار أخرجه مُسلم وَالْأَخْبَار بِهَذَا الْمَعْنى كَثِيرَة خرجها البخارى وَمُسلم وَغَيرهمَا من الْأَئِمَّة وَقَالَ الأصمعى كَانَ رجل يحدث بأهوال يَوْم الْقِيَامَة وأعرابى جَالس يسمع فَقَالَ يَا هَذَا من يَلِي هَذَا منالعباد قَالَ الله تَعَالَى فَقَالَ الأعرابى إِن الْكَرِيم إِذا قد غفر وَعَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ أعرابى إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا الموجبتان قَالَ من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة وَمن مَاتَ يُشْرك بِهِ دخل النَّار رَوَاهُ مُسلم وَعَن عتْبَان بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله قد حرم على النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله يبتغى بذلك وَجه الله أخرجه الشَّيْخَانِ وَعَن ابى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والذى نفسى بِيَدِهِ لَو لم تذنبوا لذهب الله بكم وَجَاء بِقوم يذنبون فيستغفرون الله تَعَالَى فَيغْفر لَهُم رَوَاهُ مُسلم

وَعَن ابى ايوب رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَوْلَا إِنَّكُم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون يغْفر لَهُم أخرجه مُسلم وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا من رجل مُسلم يَمُوت فَيقوم على جنَازَته اربعون رجلا لَا يشركُونَ بِاللَّه شَيْئا إِلَّا شفعهم الله فِيهِ رَوَاهُ مُسلم وَعَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة نَاس من الْمُسلمين بذنوب أَمْثَال الْجبَال يغْفر الله لَهُم رَوَاهُ مُسلم وَعَن ابْن عمر قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يدنى الْمُؤمن يَوْم الْقِيَامَة من ربه حَتَّى يضع عَلَيْهِ كتفه فيقرره بذنوبه فَيَقُول أتعرف ذَنْب كَذَا أتعرف ذَنْب كَذَا فَيَقُول رب أعرف قَالَ فانى قد سترتها عَلَيْك فى الدُّنْيَا وَأَنا أغفرها لَك الْيَوْم فَيعْطى صحيفَة حَسَنَاته أخرجه الشَّيْخَانِ وَعَن أَبى مُوسَى رَضِي الله عَنهُ عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله تَعَالَى يبسط يَده بِاللَّيْلِ ليتوب مسىء النَّهَار ويبسط يَده بِالنَّهَارِ ليتوب مسىء اللَّيْل حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا رَوَاهُ مُسلم وَعَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يجىء يَوْم الْقِيَامَة نَا من الْمُسلمين بذنوب أَمْثَال الْجبَال يغْفر الله لَهُم رَوَاهُ مُسلم وَعَن أَبى هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَالَ الله عز وَجل أَنا عِنْد ظن عبدى بِي وَأَنا مَعَه حَيْثُ يذكرنى وَالله لله أفرح بتوبة عَبده من احدكم يجد ضالته بالفلاة وَمن تقرب إِلَى ذِرَاعا تقربت إِلَيْهِ باعا وَإِذا أقبل إِلَى يمشى اقبلت اليه أهرول مُتَّفق عَلَيْهِ وَعَن جَابر رضى الله عَنهُ إِنَّه سمع النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا يموتن أحدكُم إِلَّا وَهُوَ يحسن الظَّن بِاللَّه عز وَجل رَوَاهُ مُسلم

وَعَن أنس قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول قَالَ الله يَا ابْن آدم إِنَّك مَا دعوتنى ورجوتنى غفرت لَك على مَا كَانَ مِنْك وَلَا أبالى يَا ابْن آدم لَو بلغت ذنوبك عنان السَّمَاء ثمَّ استغفرتنى غفرت لَك يَا ابْن آدم إِنَّك لَو أتيتنى بقراب الأَرْض خَطَايَا ثمَّ لقيتنى لَا تشرك بى لأتيتك بقرابها مغْفرَة رَوَاهُ الترمذى وَقَالَ حَدِيث حسن وَعَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ هَذِه الْآيَة {هُوَ أهل التَّقْوَى وَأهل الْمَغْفِرَة} قَالَ فَقَالَ الله تَعَالَى أَنا أهل أَن أتقى فَلَا يَجْعَل معى إِلَه آخر فَمن اتَّقى أَن يَجْعَل معى إِلَهًا آخر فَأَنا أهل أَن أَغفر لَهُ أخرجه ابْن مَاجَه وخرجه أَبُو عِيسَى الترمذى بِمَعْنَاهُ وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب وروى عَن عبد الله بن أَبى أوفى قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والذى نفسى بِيَدِهِ لله أرْحم بِعَبْدِهِ من الوالدة الشفيقة بِوَلَدِهَا وَقَالَ أَبُو غَالب كنت اخْتلف إِلَى أَبى امامة بِالشَّام فَدخلت يَوْمًا على فَتى مَرِيض من جيران أَبى أُمَامَة رضى الله عَنهُ وَعِنْده عَم لَهُ وَهُوَ يَقُول يَا عَدو الله ألم آمُرك ألم أَنْهَك فَقَالَ الْفَتى يَا عماه لَو أَن الله تَعَالَى دفعنى إِلَى والدتى كَيفَ كَانَت صانعة بى قَالَ تدخلك الْجنَّة قَالَ الله ارْحَمْ بى من والدتى وَقبض الْفَتى فَدخلت الْقَبْر مَعَ عَمه فَلَمَّا آن سواهُ صَاح وَفرع فَقلت لَهُ مَالك فَقَالَ فسح لَهُ فى قَبره وملىء نورا وَقَالَ هِلَال بن سعيد يُؤمر باخراج رجلَيْنِ من النَّار فَيَقُول الله تَعَالَى كَيفَ وجدتما مقيلكما فَيَقُولَانِ شَرّ مقيل فَيَقُول الله تَعَالَى ذَلِك بِمَا قدمت أيديكما وَمَا أَنا بظلام للعبيد وَيُؤمر بصرفهما إِلَى النَّار فيعدو أَحَدكُمَا فى سلاسله حَتَّى يقتحمها ويتلكأ الآخر فَيُؤْمَر بردهما ويسألهما عَن

فعلهمَا فَيَقُول الذى عدا قد خبرت من وبال الْمعْصِيَة مالم أكن لأتعرض لسخطك ثَانِيًا وَيَقُول الذى تلكأ حسن ظن بك إنت لَا تردنى إِلَيْهَا بعد مَا أخرجتنى مِنْهَا فيأمر بهما إِلَى الْجنَّة قَالَ القرطبى هَذَا الْخَبَر رَفعه الترمذى ابو عِيسَى بِمَعْنَاهُ عَن أَبى هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن رجلَيْنِ مِمَّن دخل النَّار اشْتَدَّ صياحهما فَقَالَ الرب تبَارك وَتَعَالَى اخرجوهما فَلَمَّا أخرجَا قَالَ لَهما لأي شىء اشْتَدَّ صياحكما قَالَا فعلنَا ذَلِك لترحمنا قَالَ إِن رحمتى لَكمَا أَن تنطلقا فتلقيا نفسكما حَيْثُ كنتما من النَّار فينطلقان فَيلقى أَحدهمَا نَفسه فيجعلها عَلَيْهِ بردا وَسلَامًا وَيقوم الآخر فَلَا يلقى نَفسه فَيَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى مَا مَنعك أَن تلقى نَفسك كَمَا القى صَاحبك فَيَقُول رب إنى أَرْجُو أَن لَا تعيدني بَعْدَمَا أخرجتنى مِنْهَا فَيَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى لَك رجاؤك فيدخلان الْجنَّة جَمِيعًا برحمة الله تَعَالَى قَالَ ابو عِيسَى إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث ضَعِيف لِأَنَّهُ عَن رشدين بن سعد وَرشْدِين ضَعِيف عَن ابْن انْعمْ وَهُوَ الأفريقى والأفريقى ضَعِيف عِنْد اهل الحَدِيث وَذكر أَبُو نعيم الْحَافِظ عَن إِسْحَاق بن سُوَيْد قَالَ صَحِبت مُسلم بن يسَار عَاما إِلَى مَكَّة فَلم أسمعهُ يكلم بِكَلِمَة حَتَّى بلغنَا ذَات عرق قَالَ ثمَّ حَدثنَا قَالَ بلغنى أَنه يُؤْتى بِالْعَبدِ يَوْم الْقِيَامَة وَيُوقف بَين يدى الله تَعَالَى فَيَقُول انْظُرُوا فى حَسَنَاته فَلَا يُوجد لَهُ حَسَنَة فَيَقُول انْظُرُوا فى سيئاته فيوجد لَهُ سيئات كَثِيرَة فَيذْهب بِهِ إِلَى النَّار وَهُوَ يلْتَفت فَيَقُول أى الرب تَعَالَى ردُّوهُ إِلَى لم تلْتَفت فَيَقُول أى رب لم يكن هَذَا ظنى أَو رجائى فِيك شكّ إِبْرَاهِيم فَيَقُول صدقت فَيُؤْمَر بِهِ إِلَى الْجنَّة

قَالَ القرطبى هَذَا الحَدِيث رَفعه ابْن الْمُبَارك فَقَالَ أخبرنَا رشدين بن سعد قَالَ حَدَّثَنى ابو هانىء الخولانى عَن عَمْرو بن مَالك الْجُهَنِىّ ان فضَالة بن عبيد وَعبادَة ابْن الصَّامِت رضى الله عَنْهُمَا حَدَّثَاهُ ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة وَفرغ الله من قَضَاء الْخلق يُؤْتى برجلَيْن فَيُؤْمَر بهما إِلَى النَّار فيلتفت أَحدهمَا فَيَقُول الْجَبَّار تبَارك اسْمه وَتَعَالَى جده ردُّوهُ فيردوه فَيُقَال لَهُ لم الْتفت فَيَقُول كنت أَرْجُو أَن تدخلنى الْجنَّة فَيُؤْمَر بِهِ إِلَى الْجنَّة قَالَ فَيَقُول لقد أعطانى ربى حَتَّى لَو أطعمت أهل الْجنَّة مَا نقص ذَلِك مِمَّا عندى شَيْئا قَالَا أى فضَالة وَعبادَة فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ذكره يرى السرُور فى وَجهه قَالَ القرطبى وفى هَذَا الْمَعْنى خبر الرجل الذى يرفع لَهُ شَجَرَة بعد أُخْرَى حِين يخرج من النَّار إِلَى أَن يدْخل الْجنَّة أخرجه مُسلم فى الصَّحِيح انْتهى وَقد تقدم فِيمَا سبق وَعَن معَاذ بن جبل رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن شِئْتُم أنبأتكم بِأول مَا يَقُول الله عز وَجل للْمُؤْمِنين يَوْم الْقِيَامَة وبأول مَا يَقُولُونَ قَالُوا نعم يَا رَسُول الله قَالَ إِن الله يَقُول للْمُؤْمِنين هَل أَحْبَبْتُم لقائى فَيَقُولُونَ نعم يَا رَبنَا قَالَ وَمَا حملكم على ذَلِك فَيَقُولُونَ رحمتك اى رب ورضوانك وعفوك فَيَقُول فانى قد أوجبت لكم رحمتى وَعَن زيد بن اسْلَمْ ان رجلا كَانَ فى الْأُمَم الْمَاضِيَة يجْتَهد فى الْعِبَادَة ويشدد على نَفسه ويقنط النَّاس من رَحْمَة الله ثمَّ مَاتَ فَقَالَ أى رب مالى عنْدك قَالَ النَّار قَالَ يَا رب فاين عبادتى واجتهادى فَقيل لَهُ إِنَّك كنت تقنط النَّاس من رحمتى فى الدُّنْيَا وَأَنا اقنطك الْيَوْم من رحمتى

وَقَالَ مقَاتل قَالَ على بن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ الْفَقِيه من لم يؤيس النَّاس من رَحْمَة الله وَلم يرخص لَهُم فى معاصى الله ذكر ذَلِك كُله القرطبى فى التَّذْكِرَة لَهُ وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن الله سيخلص رجلا من أمتى على رُءُوس الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة فينشر عَلَيْهِ تِسْعَة وَتِسْعين سجلا كل سجل مثل مد الْبَصَر ثمَّ يَقُول أتنكر من هَذَا شَيْئا أظلمك كتبتى الحافظون فَيَقُول لَا يَا رب فَيَقُول املك عذر فَيَقُول لَا يَا رب فَيَقُول بلَى إِن لَك عندنَا حَسَنَة وَإنَّهُ لَا ظلم عَلَيْك الْيَوْم فَتخرج بطاقة فِيهَا أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله واشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَيَقُول أحضر وزنك فَيَقُول يَا رب مَا هَذِه البطاقة مَعَ هَذِه السجلات فَيَقُول انك لَا تظلم قَالَ فتوضع السجلات فى كفة والبطاقة فى كفة قَالَ فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فَلَا يثقل مَعَ اسْم الله شىء رَوَاهُ الترمذى وَابْن مَاجَه كَذَا فى مشكاة المصابيح والسجل الْكتاب الْكَبِير والبطاقة على وزن الْكِتَابَة الرقعة الصَّغِيرَة المثوطة بِالثَّوْبِ يكْتب فِيهَا وزن مَا يَجْعَل هى فِيهِ إِن كَانَ عينا فوزنه أَو عدده وَإِن كَانَ مَتَاعا فثمنه قيل سميت بِهِ لِأَنَّهَا تشد بطاقة هدب الثَّوْب كَذَا فى الْقَامُوس قَالَ الطيبى فَيكون حِينَئِذٍ الْبَاء زَائِدَة قَالَ فى اللمعات وَكَأَنَّهُ أبقيت الْبَاء الجارة الَّتِى هى صلَة الْفِعْل وهى لُغَة أهل مصر وَلَيْسَ مادته بطق انْتهى وَهَذَا الحَدِيث يُسمى حَدِيث البطاقة وَمَا أحسن مَا قَالَ السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن اسماعيل الْأَمِير اليمانى أطاب الله ثراه وَجعل الْجنَّة مثواه مهما تفكرت فى ذنوبى ... خفت على قلبى احتراقه لكنه ينطفى لهيبى ... بِذكر مَا جَاءَ فى البطاقة

ولشيخنا وبركتنا القاضى مُحَمَّد بن على الشوكانى رَحمَه الله كتاب سَمَّاهُ الدُّرَر الفاخرة الشاملة على سَعَادَة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَهُوَ كتاب نَافِع جدا ينبغى لأهل الْعلم وَالدّين الِاشْتِغَال بِهِ ليسعدوا بِكُل سَعَادَة ويتجافوا عَن كل مُوجب للشقاوة هَذَا وَنحن نَسْتَغْفِر الله تَعَالَى من كل ذَنْب زلت بِهِ الْقدَم أَو طَغى بِهِ الْقَلَم فى كتَابنَا هَذَا وفى سَائِر كتبنَا وَنَسْتَغْفِرهُ من أقوالنا الَّتِى لَا توافقها أَعمالنَا وَنَسْتَغْفِرهُ من كل علم وَعمل قصدنا بِهِ وَجهه الْكَرِيم ثمَّ خالطه غَيره وَمن كل نعْمَة أنعم بهَا علينا فاستعملناها فى مَعْصِيّة وَمن كل تَصْرِيح وتعريض بِنُقْصَان نَاقص وتقصير مقصر كُنَّا متصفين بِهِ وَمن كل خطره دعتنا إِلَى تصنع وتكلف تزينا للنَّاس فى كتاب سطرناه أَو علم أفدناه أَو استفدناه ونرجوا بعد الاسْتِغْفَار من جَمِيع ذَلِك كُله لنا أَن نكرم بالمغفرة وَالرَّحْمَة والتجاوز عَن جَمِيع السَّيِّئَات ظَاهرا أَو بَاطِنا أَولا وآخرا فان الْكَرم عميم وَالرَّحْمَة وَاسِعَة والجود على أَصْنَاف الْخَلَائق فائض وَنحن خلق من خلق الله عز الله وَلَا وَسِيلَة لنا إِلَيْهِ إِلَّا فَضله وَكَرمه وَقد قَالَ جَابر بن عبد الله مَا زَادَت حَسَنَاته على سيئاته يَوْم الْقِيَامَة فَذَلِك الذى يدْخل الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب وَمن اسْتَوَت حَسَنَاته وسيئاته يَوْم الْقِيَامَة فَذَلِك الذى يُحَاسب حسابا يَسِيرا وَمن زَادَت سيئاته على حَسَنَاته يَوْم الْقِيَامَة فَذَلِك الذى لَا يدْخل الْجنَّة وَإِنَّمَا شَفَاعَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمن أوبق نَفسه وأثقل ظَهره بَعْدَمَا يَأْذَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُ فى حق من شَاءَ وَنَرْجُو من الله تَعَالَى أَن لَا يعاملنا بِمَا نستحقه ويتفضل علينا بِمَا هُوَ أَهله بمنه وسعة جوده وَرَحمته إِنَّه قريب مُجيب الدَّعْوَات

وَقد قَالَ تَعَالَى وَمن يعْمل سوءا أَو يظلم نَفسه ثمَّ يسْتَغْفر الله يجد الله غَفُورًا رحِيما وَقَالَ تَعَالَى وَمَا كَانَ الله معذبهم وهم يَسْتَغْفِرُونَ وَقَالَ تَعَالَى وَالَّذين إِذا فعلوا فَاحِشَة أَو ظلمُوا أنفسهم ذكرُوا الله فاستغفروا لذنوبهم وَمن يغْفر الذُّنُوب إِلَّا الله وَلم يصروا على مَا فعلوا الْآيَة والآيات فى الْبَاب كَثِيرَة مَعْلُومَة عَن وائله بن الْأَسْقَع عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى أَنا عِنْد ظن عبدى بى فليظن بى مَا شَاءَ أخرجه الدارمى وَعَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قاربوا وسددوا وَاعْلَمُوا أَن أحدا مِنْكُم لن ينجه عمله قَالُوا يَا رَسُول الله وَلَا أَنْت قَالَ وَلَا أَنا إِلَّا أَن يتغمدنى الله برحمة مِنْهُ وفضلا رَوَاهُ الدرامى وَعِنْده عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل بنى آدم خطاء وَخير الْخَطَّائِينَ التوابون وَعَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه وَمن كره لِقَاء الله كره الله لقاءه الحَدِيث رَوَاهُ الدارمى وَعنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله حرم الله عَلَيْهِ النَّار رَوَاهُ مُسلم وَعَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ وَهُوَ يعلم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة أخرجه مُسلم اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم إنى أعلم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله وأنى أشهد أَن مُحَمَّدًا

رَسُولك وَأَن الْجنَّة حق وَأَن النَّار حق وَقد قَالَ رَسُولك فى حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت من شهد بذلك أدخلهُ الله الْجنَّة على مَا كَانَ من الْعَمَل هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ وإنى أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك وَأَرْجُو رحمتك الَّتِى سبقت على غضبك فتب على يَا تواب واغفر لى يَا غَافِر الذَّنب وأجرنى من النَّار وَاخْتِمْ لى بِالْحُسْنَى وَزِيَادَة وارحمنى رَحْمَة فى عِبَادك الصَّالِحين فَإنَّك كَمَا قلت فى مَوَاضِع من كتابك أرْحم الرَّاحِمِينَ وَآخر دعوانا أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين تمّ وَالْحَمْد لله

§1/1