وسائل معالجة الفقر في العهد النبوي (أهل الصفة أنموذجا)

ماجد بن مشعان الموقد

وسائلُ معالجةِ الفقرِ في العهدِ النبويِّ (أهلُ الصُّفَّةِ أنموذجًا) مشروعٌ بحثيٌّ لإكمال متطلَّبات الحُصولِ على درجة العالميَّة (الماجستير) إعداد الطالب: ماجد بن صالح بن مشعان الموقد إشراف الأستاذ الدكتور: عز الدين بن مالك الطيب محمد العام الجامعي 1435 ــــ 1436 هـ

المقدمات

- د - ملخَّص البَحث هذا بحثٌ تَكميليٌّ معدٌّ لنَيْلِ دَرجة الماجستير في الاقتصادِ الإسلاميِّ للعام الدِّراسي 1435 هـ- 1436 هـ، وقد تقدَّم به الطَّالب ماجد بن صالح الموقد، وأشرف عليه فضيلةُ الأستاذ الدكتور عز الدين بن مالك الطيب محمد الأستاذ بقسم الاقتصاد الإسلامي بالجامعة الإسلامية. عنوان البحث: وسائل معالجة الفقر في العهد النبوي (الصُّفَّة نموذجًا)، واحتوى على مقدِّمة، وفصل تمهيدي، وفصلين يندرج تحتَها عددٌ من المباحث والمطالب، وخاتمة، وتوصيات. يُناقش البحث وسائلَ معالجة الفقر في العهد النبوي، وبالتطبيق على أحد أهمِّ هذه الوسائل، وهو نموذج أهل الصُّفَّة الذي تطلَّبتْه مرحلة ما بعد الهجرة من مكَّة إلى المدينة وما نتَج عن ذلك من أسباب أدَّت إلى الفقر، وجاء نموذج الصُّفَّة كأحد أهمِّ الحلول النبويَّة لمعالجته، وتظهر مشكلةُ البحث من خلال طرْح التساؤلات التالية: أ- كيف تمَّت محاربةُ الفقر في العهد النبويِّ عبْرَ نموذج الصُّفَّة؟ ب- هل أثبت نموذجُ الصُّفَّة فعاليتَه في محاربةِ الفقر في العهد النبويِّ؟ ج- هل يُمكِن تطبيقُ نموذج الصُّفَّة في العصر الحاضر؟ وبأيِّ كيفيَّة ووسيلةٍ؟ ويقوم البحثُ- بعون الله وتوفيقه- على المنهجِ الوصفيِّ والتحليليِّ والاستنباطي، الذي يعتمد على دراسة نموذج أهل الصُّفَّة بِوَصْفِه كما كان في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومعرفة كيفيَّة مُعالَجَة النموذج للفقر، وتحليل مدى نجاحه وكفاءته؛ ليتمَّ الاستنباطُ عن مدى إمكانية التطبيقِ المُعاصِرِ له وخلَص الباحثُ إلى نجاحِ نموذج أهل الصُّفَّة في تحقيق أهدافه، وتحقيقه لأهمِّ مقاصد الشريعة، وكفاءته الاقتصاديَّة والتوظيفية والتنظيمية، وتحقيقه لنموذجٍ فريدٍ للمعادلة الرياضية المتضمِّنة وجودَ علاقة طردية بين زيادة الموارد وتحقق الأهداف، بينما حقَّق نموذجُ أهل الصُّفَّة إمكانية تحقق معادلة طردية بين نقص الموارد وتحقق الأهداف، وإمكانية تطبيق

- هـ - النموذج في العصر الحاضر وممَّا أوصى به الباحث: 1. ضرورة التأصيل العلمي لمناهج الاقتصاد الإسلامي بالرجوع للقرآن الكريم والهدي النبوي. 2. القيام بالمزيد من الأبحاث التطبيقية الاقتصادية للعهد النبوي. 3. ربط الدراسات الاقتصادية بالعقيدة الإسلامية الصحيحة. 4. أن تتضمَّن بحوث قياس الكفاءة الاقتصادية معايير النجاح الأخروي وما يحقِّقُه الفرد لدينه ووطنه وأمَّته. 5. إعداد دراسات تتعلَّق بمدى تحقق العلاقة الطردية بين نقص الموارد وتحقيق الأهداف. 6. حث الدعاة وطلبة العلم توضيح الفرق بين التصوف وأهل الصُّفَّة. 7. إعداد دراسات تطبيقية للوسائل الأخرى لمعالجة الفقر في العهد النبوي وكيفيَّة تطبيقها في العصر الحاضر. 8. التوصية بتطبيق النموذج في المساجد بشكل مباشر وإعداد دراسات أخرى عن إمكانية تطبيق النموذج في معسكرات اللاجئين والسجون والأسواق المركزية وتهيئتها للتطبيق أسوة بالنموذج. 9. دراسة واستخلاص النظريات الاقتصادية من أقول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -. 10. دراسة واستخلاص النظريات الاقتصادية للصحابة رضوان الله عليهم، كونها نتاج تربية وتنمية فكرية رعاها الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -.

إهداء

- و - إهداء إلى والديَّ أطال الله في عمرهما على طاعته وإلى زوجتي وأولادي الذين تحمَّلوا تقصيري في حقِّهم طيلةَ أيام الدِّراسة والبحث إلى إخوتي وأخواتي إلى مشايخي إلى أقاربي إلى زُملائي إلى كل مسلم ومسلمة وإلى كلِّ مَن ساعدني في إنجاز هذا البحث أُهدي هذا الجهدَ المتواضِع

شكر وتقدير

- ز - شكرٌ وتقديرٌ إذا لم يكُن عونٌ من الله للفتَى ... فأوَّلُ ما يجني عليه اجتهادُه فالحمدُ لله العليم الكريم، والشُّكر والفضل والمنَّة له وحْدَه، أحمده حمدًا وثناءً يليق بجلالِ وجهه وعظيم سُلطانه والصَّلاة والسلام على خيرِ البريَّة نبينا محمَّد عليه أفضل الصلاة والسلام والشُّكر بعدَ شُكر الله للجامعة الإسلامية وكلية الشريعة وقسم الإقتصاد الإسلامي ورئيسه الشيخ الدكتور /مسلم الفزي، وللمشرِف على هذا البحث الدكتور الفاضل/ عز الدين بن مالك الطيب محمد أستاذ الاقتِصاد الإسلامي في كليَّة الشريعة بالجامعة الإسلاميَّة والشُّكر موصولٌ لأعضاء لجنة المناقشة الموقَّرين أسال اللهَ الكريم أن يحفظَهم ويُديم عليهم الصحةَ والعافية، وأن يبارك في عمرِهم وعملِهم والشُّكر والتقديرُ موصولٌ لكل مَن أسهم في إنجاز هذا البحثِ بأيِّ إسهام كان فجزَى اللهُ الجميعَ خيرَ الجزاء.

المقدمة

- حـ - المقدِّمة الحمدُ لله ربِّ العالَمين، والعاقبةُ للمتَّقين، ولا عُدوانَ إلَّا على الظالمين، وأشهد أنْ لا إله إلَّا الله، وحْده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم. وبعدُ فيُعاني المجتمعُ العالميُّ من مشكلةِ الفقر، ويُحاول جاهدًا البحثَ عن حلول جادَّة للقضاء عليه أو التقليل من آثارِه، كما أنَّ الإحصائيات الرسميَّة للمنظَّمات الدوليَّة تُنذر بوقوعِ كارثةٍ إنسانيَّة جرَّاءَ النموِّ المطَّرد لأعداد الفُقراء في العالم، وفي خِضَمِّ هذا البحث كان لزامًا علينا- كمُسلمين- أنْ نبحثَ عن هذه الحلول في التراث الإسلاميِّ العظيم، وفي هَدْي الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -، الذي أقام في صدْر الإسلام دولةً متطوِّرة مكتملةَ الأركان، وكان من أهمِّ الأُسس الاقتصادية التي أقامها محاربةُ الفقر عبْرَ نماذجَ عِدَّة؛ منها: (المؤاخاة، والتوزيع العادِل للثروة، ونموذج الصُّفَّة محلُّ بحثنا هذا)، ونماذج أخرى كثيرة اتَّسمتْ بالطَّابع الاقتصادي الإسلامي، ممَّا يَفرِض علينا الغوصَ في أعماقِ هذا الفِكر الاقتصاديِّ المتقدِّم. ولَمَّا كان لزامًا عليَّ البحثُ عن موضوع لإكمالِ مُتطلَّبات الحصولِ على درجة العالميَّة في قِسم الاقتصاد الإسلامي، وبعد البحث في النموذج الاقتصاديِّ الإسلامي الأصيل، وبعدَ استشارة مشايخي وأساتذتي؛ وقَع اختياري على موضوع أسميتُه: «وسائِل مُعالَجة الفقرِ في العهدِ النبويِّ (الصُّفَّة نموذجًا)» كإحدى وسائل مُحاربةِ الفقر؛ لدِراسته من جميع جوانبِه، وتقييمه، ومعرفة إمكانية تطبيقه في العصرِ الحاضر وَفقَ التقسيم المشار له أدناه. الأهميَّة العِلميَّة للموضوع: يُسهِمُ البحث الحالي في: 1 - إبراز الفِكر الاقتصاديِّ الإسلاميِّ، وقُدرته على حلِّ المشاكِل الاقتصادية وتحليلها.

الدراسات السابقة

- ط - 2 - مَعرِفة طُرُق محاربةِ الفقر في العهد النبويِّ. 3 - إمكانية التطبيق المعاصِر لهذه الطُّرُق؛ ومنها: نموذج أهل الصُّفَّة. أسبابُ اختيارِ الموضوع: 1 - العملُ على إبرازِ مزايا الفِكر الاقتصاديِّ النبويِّ، وإظهارها للمجتمع. 2 - انصراف الاقتصاديِّين في بُحوثهم إلى النظريات الاقتصاديَّة الحديثة، دون الاتِّجاهِ إلى ما في الإسلامِ من حلول. 3 - زيادة عددِ الفقراء في العالَم. (¬1) الدراسات السابقة: 1 - أصحاب الصُّفَّة: أبو تراب الظاهري، دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة، اقتصر المؤلف رحمه الله على تعداد أسماء أهل الصفة فقط. 2 - رجحان الكفَّة في بيان نُبذة من أخبار أهل الصُّفَّة: الحافظ محمد بن عبدالرحمن السخاوي، تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان، وأحمد الشقيرات، دار السلف، الرياض، الطبعة الأولى 1415 هـ، تضمن أخبار أهل الصُّفَّة إلا إنها لم تكن ذات طابع اقتصادي. 3 - أهل الصُّفَّة ودورهم في انتشار الإسلام: تنيضب الفايدي، مكتبة المغامسي، المدينة، 1435 هـ، تضمن شرح لأدوار أهل الصُّفَّة في نشر الاسلام وترجمة لعدد كبير منهم. 4 - أهل الصُّفَّة بعيدًا عن الوَهْم والخيال؛ صالح احمد الشامي، دار القلم، دمشق 1412 هـ، (ص: 59)، تضمن نقض الاوهام والأخبار غير الصحيحة عن أهل الصُّفَّة وشرح لبعض أحوالهم. ¬

(¬1) تشير إحصائية منظمة الامم المتحدة المنشورة على موقع المنظمة على شبكة الإنرنت على الرابط http://www.un.org/ar/zerohunger/#&panel 1 - 1 بأن عدد الجياع في العالم يقارب 800 مليون وقد أنشئء على الموقع قسم خاص للقضاء على الجوع بعنوان (تحدي القضاء على الجوع) باعتباره أحد أهداف المنظمة للألفية الحالية

حدود البحث

- ي - 5 ـ الصُّفة تاريخها- أصحابها، دراسة تاريخية توثيقية، محمود محمد حمو، بحث منشور في مجلة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة-العدد (29)، وهي دراسة متميزة جداً عن أهل الصُّفَّة وقد كانت مرجعاً هاماً لهذا البحث وساعدت الباحث في الوصول للمراجع الأخرى لا سيما في تراجم أهل الصفة وتعريفها ومكانها وتاريخها، وتختلف عن بحثنا هذا بكونها ليست دراسة إقتصادية متخصصة ولم تتضمن جميع المصادر الاقتصادية لأهل الصُّفَّة إضافة إلى عدم تطرقها لتقويم نموذج أهل الصُّفَّة من الناحية الاإقتصادية. كما يوجد دراسات أخرى قديمة وحديثة تناولت أهل الصُّفَّة إلا أننا لم نجد من خلال بحثنا أي دراسة إقتصادية متخصصة لأهل الصُّفَّة، بينما ستختصُّ هذه الدراسة بالجانبِ الاقتصاديِّ للموضوع بعون الله وتوفيقه. وتتحدد المشكلة في محاولة الإجابة عن التساؤلات التالية: 1 - كيف تَمَّتْ مُحاربة الفقر في العهد النبوي عبر نموذج الصُّفَّة؟ 2 - هل أثبت نموذج الصُّفَّة فعاليته في محاربة الفقر في العهد النبوي؟ 3 - هل يمكن تطبيق نموذج الصُّفَّة في العصر الحاضر؟ وبأي كيفيَّةٍ ووسيلةٍ؟ حدود البحث: الحدود الزمانية: دراسة نموذج أهل الصُّفَّة في العهد النبوي. الحدود المكانية: دراسة الحالة الاقتصادية للمسلمين بعد الهجرة في المدينة المنورة وخصوصاً أهل الصُّفَّة منهم. أهداف الدراسة: 1 - الكَشْف عن محاسن الاقتصاد الإسلامي، وصلاحيته للتطبيق في كل زمان ومكان.

- ك - 2 - الكَشْف عن نموذج الصُّفَّة كأحد الحُلول لمُحارَبة الفَقْر في العَهْد النبَوي، ودراسته بشكل متعمِّقٍ. 3 - معرفة إمكانية التطبيق المعاصر لنموذج الصُّفَّة، كأحد وسائل مُحارَبة الفقرِ. خطة البحث: تتكوَّن خُطة البحث مِن: مقدمة، وتمهيد، وثلاثة فصول، وخاتمة، وفهارس، وذلك على النحو التالي: المقدمة: وتشتمل على الافتِتاحِيَّة، والأهمية العِلْمِيَّة للموضوع، وأسباب اختيار الموضوع، والدِّراسات السابقة، ومشكلة البحث، وحُدود البحث، وأهداف البحث، وخُطَّة البحث، ومنهج البحث. الفصل التمهيدي: في شرح مفردات العنوان (الفقر، وسائل معالجته في العَهْد النبَوي، أهل الصُّفَّة): المبحث الأول: حالة الفقر في العَهْد النبَوي، وفيه ثلاثةُ مَطالب: المَطْلَب الأولُ: مَاهِيَّة الفقر في الإسلام. المَطْلَب الثاني: أسباب الفقر في العَهْد النبَوي. المَطْلَب الثالث: الحالة الاقتِصاديَّة للمسلمين في المجتمع المَدَني. المبحث الثاني: وسائل مُعالَجَة الفقر في العَهْد النبَوي، وفيه ستةُ مَطالب: المَطْلَب الأول: المُؤاخاة. المَطْلَب الثاني: الزَّكاة. المَطْلَب الثالث: الحَثُّ على الصدقة والتبَرُّع.

- ل - المَطْلَب الرابع: الحَثُّ على العمل. المَطْلَب الخامس: الوقف. المَطْلَب السادس: نموذج أهل الصُّفَّة. المبحث الثالث: التعريف بنموذج الصُّفَّة، وفيه أربعةُ مَطالب: المَطْلَب الأول: التعريف باسم الصُّفَّة. المَطْلَب الثاني: تاريخ الصُّفَّة (بدايتها ونهايتها). المَطْلَب الثالث: مكان الصُّفَّة. المَطْلَب الرابع: أصحاب الصُّفَّة. الفصل الأول: الموارد الاقتِصاديَّة لأهل الصُّفَّة، وفيه ثلاثةُ مَباحِث: المبحث الأول: المصادر الذاتيَّة: المَطْلَب الأول: العمل. المَطْلَب الثاني: الغنائم. المبحث الثاني: المَصادر الرسمية: المَطْلَب الأول: مَصادر بيت المال. المَطْلَب الثاني: الزَّكاة. المبحث الثالث: المَصادر غير الرسميَّة. المَطْلَب الأول: الصدَقات والهِبات.

- م - المَطْلَب الثاني: الأوقاف. الفصل الثاني: تقويم نموذج الصُّفَّة وإمكانية تطبيقه، وفيه مَبحثان: المبحث الأول: تقويم كفاءة نموذج الصُّفَّة، وفيه ثلاثةُ مَطالب: المَطْلَب الأول: الكَفاءَة الاقتِصاديَّة. المَطْلَب الثاني: الكَفاءَة التَّوْظيفيَّة. المَطْلَب الثالث: الكَفاءَة التنظيمية. المبحث الثاني: إمكانية التطبيق المُعاصِر، وفيه ثلاثةُ مَطالب: المَطْلَب الأول: المساجد. المَطْلَب الثاني: مُعَسْكَرات اللاَّجئين. الخاتمة: وفيها ذكرُ أهم النتائج والتوصيات.

منهج البحث

- ن - الفهارس: أولًا: فهرس الآيات القرآنيَّة. ثانيًا: فهرس الأحاديث والآثار. ثالثًا: قائمة المَصادر والمراجع. رابعًا: فهرس الموضوعات. منهج البحث: أولًا: يقوم البحثُ- بعون الله وتوفيقه- على منهج دراسة الحالة والمنهج الاستنباطي، الذي يعتمد على دراسة نموذج أهل الصُّفَّة بِوَصْفِه كما كان في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومعرفة كيفيَّة مُعالَجَة النموذج للفقر، وتحليل مدى نجاحه وكفاءته؛ ليتمَّ الاستنباطُ عن مدى إمكانية التطبيقِ المُعاصِرِ له. ثانيًا: منهج التعليق والتهميش سيكون على النحو التالي: • عزْوُ الآيات القرآنيَّة إلى سُوَرِها؛ بذِكْر اسم السورة، ورقْمِ الآية، مع كتابتها بالرَّسْم العُثماني. • وضع الأحاديث الشريفة بين قوسين مزدوجين هكذا «...». • تخريجُ الأحاديثِ الشريفةِ الواردة في البحث مِن كُتُب السُّنَّة، فإن كان في الصحيحين أو أحدهما فإني أكتفي بتخريجه منهما؛ بذِكْرِ الكتاب، والباب، ورقْم الحديث، والجزء والصفحة، وإن لم يكنْ فيهما اجتهدتُ بتخريجه من مَظَانِّه، مع ذِكْر كلام أهل العلم عليه صِحَّةً وضَعْفًا. • ترجمة مختصرة للأعلام الذين تَرِدُ أسماؤهم في صُلْبِ البحث.

-س - • توثيق نُصوص العلماء وآرائهم مِن كُتُبِهم مباشرةً. • توثيق الإحْصائيَّات المُتَعَلِّقة بالمشروع، وعمل الجداول اللازمة، حسب ما تَقْتَضِيه طبيعةُ البحث. • التعريف بالمُصْطَلَحات والكلمات الغريبة الورادة في البحث. • الالْتِزامِ بعلامات الترقيم، وضبط ما يحتاج إلى ضبطٍ. • ذِكْر خاتمة البحث. • وَضْع الفهارس الفنِّيَّة اللازمة- كما في الخطة. • وَضْع المَلاحق ذات العلاقة بالدراسة- إنْ وُجِدَتْ.

الفصل التمهيدي: في شرح مفردات العنوان

الفصل التمهيدي: في شرح مفردات العنوان (الفقر، وسائل معالجته في العَهْد النبَوي، أهل الصُّفَّة): المبحث الأول: حالةُ الَفْقر في العَهْد النبَوي، وفيه ثلاثةُ مَطالب: المَطْلَب الأول: مَاهِيَّةُ الفقر في الإسلام. المَطْلَب الثاني: أسباب الفقر في العَهْد النبَوي. المَطْلَب الثالث: الحالةُ الاقتِصاديَّة للمسلمين في المجتمع المَدَني. المبحث الثاني: وسائل مُعالَجَة الفقر في العَهْد النبَوي، وفيه سِتَّةُ مَطالب: المَطْلَب الأول: المُؤاخاة. المَطْلَب الثاني: الزَّكاة. المَطْلَب الثالث: الحَثُّ على الصدَقة والتبَرُّع. المَطْلَب الرابع: الحَثُّ على العمل. المَطْلَب الخامس: الوقف. المَطْلَب السادس: نموذج أهل الصُّفَّة. المبحث الثالث: التعريف بنموذج الصُّفَّة، وفيه أربعةُ مَطالب: المَطْلَب الأول: التعريف باسم الصُّفَّة. المَطْلَب الثاني: تاريخ الصُّفَّة (بدايتها ونهايتها). المَطْلَب الثالث: مكان الصُّفَّة. المَطْلَب الرابع: أصحاب الصُّفَّة.

المبحث الأول: حالة الفقر في العهد النبوي

المبحث الأول: حالةُ الَفْقر في العَهْد النبَوي وفيه ثلاثةُ مَطالب: المَطْلَب الأول: مَاهِيَّة الفقر في الإسلام الفقيرُ هو: مَن ليس له مالٌ ولا كَسْبٌ لائق به، يقَع مَوْقِعًا مِن كفايته؛ مِن مَطْعَمٍ ومَشْرَبٍ، ومَلْبَسٍ ومَسْكَنٍ، وسائر ما لا بُدَّ منه لنفسه، وما تَلْزَمُه نَفَقَتُه مِن غير إسرافٍ ولا تَقْتيرٍ، كمَن يحتاج إلى عشرة ريالات كلَّ يوم، ولا يجد إلا أربعةً أو ثلاثةً أو ريالين، أما المسكينُ فقد اختلف العلماءُ في تعريفه على أقوالٍ، ومِن أشهرها: أنه الذي يَمْلِك قوت يومه، ولكن لا يَكْفِيه، وذَكَر بعضُهم أن المسكين والفقير بمعنًى واحدٍ، وهذا له حظٌّ مِنَ النظر لو ورَد لفْظُ المسكين في سياقٍ مُنفردًا عن الفقير، أما لو اجتمع لفظُ المسكينِ والفقيرِ فلا بد من التفريق بينهما في المعنى، وقد اختلف العلماءُ حول الفقير والمسكين اختلافًا كثيرًا؛ فذهب أبو يوسف صاحبُ أبي حَنِيفَةَ، وابنُ القاسم مِن أصحاب مالك إلى أنهما صِنْفٌ واحدٌ، وخالَفَهما الجمهورُ (¬1). وذَكَر الطَّبَرِيُّ في تفسيره أن المراد بالفقير: المحتاج المُتَعَفِّفُ عن المسألة، والمسكينُ: المحتاجُ السائل (¬2)؛ كما قال تعالى في شأن اليهود: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} (¬3). وذكَر "شيخي زَادَهْ" في كتابه مَجْمَع الأَنْهُر أنَّ الفقيرَ والمسكينَ عند الحَنَفِيَّة والشافِعِيَّة هو ¬

(¬1) حاشية الدُّسُوقي على الشرح الكبير؛ محمد بن أحمد بن عَرَفَة الدُّسُوقي المالكي، دار الفكر، (1/ 492). (¬2) جامع البيان في تأويل القرآن؛ محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1420 هـ، (14/ 305). (¬3) سورة البقرة: 61.

مَن يَمْلِك شيئًا دون النِّصابِ الشرعيِّ في الزَّكاة (¬1). والمِسْكين مَنْ قَدَر على مالٍ أو كَسْبٍ حلالٍ لائقٍ (يقَع موقعًا مِن كِفايته)، وكفايةِ مُمَوِّنِه مِن مَطْعَمٍ وغيرِه، (ولا يَكْفِيه)، كمَنْ يحتاج عشرةً فيجد سبعةً أو ثمانيةً، وإن ملَك نِصابًا أو أنصباء، ومِن ثَمَّ قال في الإحياء: قد يَمْلِك ألفًا وهو فقيرٌ! وقد لا يَمْلِك إلا فأسًا وحَبْلاً وهو غنيٌّ! ولا يَمْنَع المسكنةَ المَسْكَنُ، والمُعْتَمَدُ أنَّ المرادَ بالكفاية هنا كفايةُ العُمر الغالب، نظير ما يأتي في الإعطاء، وإن فَرَّقَ بينهما فلا يقال: يَلْزَم على ذلك أخْذُ أكثر الأغنياء بل الملوك مِن الزَّكاة! لأنَّا نقول: مَن معه مالٌ يَكْفيه رِبْحُه، أو عقارٌ يكفيه دَخْلُه- غَنِيٌّ، والأغنياءُ غالِبُهم كذلك فضلاً عن الملوك، فلا يلزم ما ذُكِرَ، وقد عُلِمَ مِن ذلك أن المِسْكينَ أحسنُ حالاً مِن الفقير، خِلافًا لِمَنْ عكَس، واحتجوا بقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} (¬2)؛ حيث سَمَّى مالكيها مَساكينَ؛ فدَلَّ على أن المِسْكينَ مَنْ يَمْلِك ما لا يكْفيه (¬3). ولا يُخْرِجُ الفقيرَ أو المِسْكينَ عن فَقْرِه ومَسْكَنَتِه أن يكونَ له مَسْكَنٌ لائقٌ به، مُحتاجٌ إليه، ولا يُكلَّف بيعه لِيُنفقَ منه، ومَن له عَقارٌ يَنْقُص دَخْله عن كفايته فهو فقيرٌ أو مِسكينٌ، نعم لو كان نفيسًا بحيثُ لو باعه استطاع أن يشتريَ به ما يَكْفيه دَخْلَه- لَزِمَهُ بيعُه فيما يظهر، ومِثْل المسكنِ فإنِ اعتاد السكنَ بالأُجرة ومعه ثمنُ مسكنٍ، أو له مسكنٌ: هل يَخْرُج عن الفقر بما معه؟ أجاب في نهاية المحتاج بالإيجاب، وخالفَهُ غيرُه، وكذلك حُليّ المرأة اللائقِ بها، المحتاجة للتزيُّن به عادةً، لا يُخرجها عن الفقر والمسكنة، وكذا كُتُب العلم التي يحتاج إليها ولو نادرًا كمرَّةٍ في السنة، سواء أكانتْ كتبَ عِلْمٍ شرعيٍّ؛ كالفقه، والتفسير، ¬

(¬1) مجمع الأَنْهُر في شرح مُلْتَقَى الأبْحُر، عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده، يعرف بداماد أفندي (المتوفى: 1078 هـ)، دار إحياء التراث العربي، (1/ 220). (¬2) الكهف: 79. (¬3) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة شهاب الدين الرملي (المتوفى: 1004 هـ)، دار الفكر، بيروت، الطبعة 1404 هـ/1984 م، كتاب الصدقات (6/ 155).

المطلب الثاني: أسباب الفقر في العهد النبوي

والحديث، واللغة، والأدب، أو علمًا دنيويًّا نافعًا؛ كالطبِّ لِمَنْ كان مِن أهله، ونحو ذلك، وكذا آلاتُ الحِرْفة، وأدوات الصنعة، التي يحتاج إلى استعمالها في صَنْعتِه، كما لا يخرجه عن الفقر والمسكنة مالُه الذي لا يَقْدِر على الانتفاع به، كأن يكونَ في بلدٍ بعيدٍ، لا يتمكَّن مِن الحصول عليه. أو يكون حاضرًا ولكن حِيلَ بينه وبينه، كالذي تَحْجزه الحكوماتُ المُسْتَبِدَّةُ، أو تَضَعُه تحت الحراسة، وما شابه ذلك. ومثل ذلك دُيُونُه المُؤَجَّلة، لأنه الآن مُعْسرٌ، إلى أن يحلَّ الأَجَلُ (¬1). المَطْلَب الثاني: أسباب الفقر في العَهْد النبَوي إنَّ القارئ لكُتُب السِّيرة يعلم أنَّ الأنصارَ قدَّموا كلَّ ما يستطيعون لإخوانهم المهاجرين ومن ذلك مؤاخاتهم لهم في الأهل والمال، ولقد استمرَّ عطاؤعم طيلةَ حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى جاء الخيرُ وعَمَّ في أواخرها، وشهد الله سبحانه بكرمهم وإيثارهم قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬2). ولقد أسهم القادرون من المهاجرين- مِن أمثال: أبي بكرٍ وعُمَر وعثمان وعبدالرحمن بن عوف- وبَذَلُوا، وقدَّموا الشيءَ الكثيرَ، مما هو مذْكورٌ في كُتُب السيرة، بل قد أسهم كلُّ قادرٍ حتى ولو كان الشيء الذي يُقَدِّمُه قليلاً؛ فكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عندما يَحُضُّ على الصدقة- كما يقول ابنُ مسعود-: ((ينطلق أحدُنا إلى السُّوق، فيحامل فيُصيب المدَّ ...)) (¬3)، ثم يأتي ليتبَرَّع به (¬4). ¬

(¬1) المرجع السابق (6/ 152). (¬2) الحشر: 9. (¬3) أخرجه ابن ماجه في سننه، بابُ مَعِيشَةِ أصحابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (5/ 260) حديث (4155)، مسند أحمد (37/ 34) حديث (22346). (¬4) أهل الصُّفَّة بعيدًا عن الوَهْم والخيال؛ صالح احمد الشامي، دار القلم، دمشق 1412 هـ، (ص: 59).

وعليه، فقد قدَّم كلُّ قادر على العطاء ما يستطيع، ولم يكن الضيقُ ناتجًا عن تقصيرٍ أو كسلٍ أو بُخْلٍ، وإنما هي ظروفٌ اقتَضَتْها طبيعةُ هذه المرحلة مِن حركة الدعوة (¬1)، ومِن ذلك ما أخرجه محمد بن سعد، عن مَخْرَمة بن سليمان الوالبي، أخبرني الأَعْرَج، عن أبي هريرة: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجوع، قلتُ لأبي هُرَيْرَة: وكيف ذلك الجوعُ؟ قال: «لكثرة مَنْ يَغْشاهُ وأضيافه، وقومٌ يَلْزَمُونه لذلك، فلا يأكل طعامًا أبدًا إلا ومعه أصحابُه، وأهلُ الحاجة يتتبَّعُون من المسجد، فلما فتح الله خَيْبَرَ اتسع الناسُ بعضَ الاتِّساع، وفي الأمر بعدُ ضيقٌ، والمعاشُ شديدٌ فهي بلادُ ظلَفٍ لا زرع فيها، إنما طعامُ أهلِها التمرُ، وعلى ذلك أقاموا، قال مَخْرَمَةُ بنُ سليمانَ: وكانت جَفْنَةُ (¬2) سعدٍ تَدُور على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ يوم نزل المدينة في الهجرة إلى يوم تُوُفِّي، وغيرُ سعد بن عُبادة من الأنصار يَفْعَلُونَ ذلك، فكان أصحابُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا يتواسون، ولكن الحقوق تَكْثُر، والقُدَّامُ للمدينة يَكْثُرون، والبلادُ ضيقةٌ، ليس فيها مَعاشٌ إنما تخرج ثَمرتُهم من ماءٍ ثمرٍ يحمِلُه الرجالُ على أكتافهم أو على الإبلُ،، وربما أصاب نَخْلَهم القُشامُ (¬3)، فيُذهِبُ ثَمرتَهُم تلك السنة» (¬4). فإنَّ هذا النصَّ لَيَصِفُ أسبابَ الشِّدَّة، ويؤكِّد عدم التقصير في البذْل والعطاء، ومن الأسباب ما يلي: 1 - أن المدينةَ بلد زراعيٌّ، وزراعتُه تقوم على النَّخيل بالدرجة الأولى، وإن المَزَارِعَ تُسقى بالماء الذي يَحْمِلُه الرجال على أكتافهم أو تَحْمِلُه الإبل، وهو أمرٌ صعبٌ؛ فليس هناك مِن أنهار ¬

(¬1) المرجع السابق، ص 59 (¬2) الجفنة قيل: بمعنى القصعة الكبيرة، وقيل وعاءٌ يصنع عادةً من الخزف ويستعمل للتبخير أَو لتسخين الموادّ، ونرجح بأنها وعاء يستعمل لحفظ الطعام والإبقاء على مادته وخصائصه أطول فترة ممكنة. (¬3) القشام: قيل بمعنى الموت وقيل اليبس ونرجح بأنها: آفة تصيب البلح فتذهب به .. (¬4) الطبقات الكبرى، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري البغدادي، المعروف بابن سعد (المتوفى: 230 هـ)، تحقيق (إحسان عباس)، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، 1968 م، (1/ 409).

تَسقي المَزارع كما في البلاد الزراعية الأخرى، وإذا أصاب القُشامُ الثمرةَ فقد ذهب موسمُ ذلك العام، والميدانُ الزِّراعيُّ مجالُه مَحدودٌ، والأيدي العاملةُ التي يستهلكها قليلةٌ، خاصة وأن الزراعة الأولى هي النَّخيل، والعمل فيها مواسمُ محدودة (¬1). 2 - كثرة الوافدين والقادمين؛ مما ينشأ عنه كثرةُ الحقوق والالْتِزامات، وكلُّ قادمٍ يحتاج إلى أمرين تامَّيْن: السكنِ له ولأسرتِه، وتأمينِ مَوْرِد رزقٍ له، ولم يكنْ هذا بالأمرِ بالسَّهْل، وكمثالٍ لكثْرة أعداد القادمين وعدم قُدرة المدينة على استيعابهم ومثال ذلك قصةُ وفْدِ مُزَيْنَةَ؛ فقد كان أول مَن وفَد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِن مُضَر أربعمائة مِن مُزَيْنَةَ، وذاك في رجب سنة خمس، فجعل لهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الهجرةَ في دارهم: «أنتم مهاجرون؛ حيثُ كنتم فارجعوا إلى أموالكم» (¬2)، فقد ردَّهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بلادهم وهو أحْوَجُ ما يكون لهم؛ مِن أجْلِ الدفاع عن المدينة، وما ذاك إلا لأنه رأى عدم القدرة الاستيعابيَّة للمدينة على تقبُّل تلك الأعداد الكبيرة دفعةً واحدةً للظُّروف الاقتِصاديَّة القائمة (¬3). 3 - أنَّ المهاجرين- وغالبيَّتُهم مِن قريش- لا يُتقنون غير التجارة عملاً، ولم يكن فيهم مَن يُحْسِنُ الصنعات المختلفة؛ وذلك لاحتقار العربي يومئذٍ للصنعة، وأنه يرى فيها عملَ الأرِقَّاء والعبيد، وهذا يجعل من القادمين عاطلين عن العمل لفترة من الزمن على الأقل، ريثما يتعرَّفون على أوضاع البلد، ومع هذا فالمدينة ليست البلد الكبير الذي يستوعب ذلك العدد مِن التجَّار (¬4). 4 - أن المدينةَ عاشتْ في أكثر أيام الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حالة حرب، والحربُ تُنهك الاقتصاد، ¬

(¬1) أهل الصُّفَّة بعيدًا عن الوَهْم والخيال، مرجع سابق، (ص: 61). (¬2) الطبقات الكبرى، مرجع سابق، (1/ 291). (¬3) أهل الصُّفَّة بعيدًا عن الوَهْم والخيال، مرجع سابق (ص: 62). (¬4) المرجع نفسه والصفحة نفسها.

المطلب الثالث: الحالة الاقتصادية للمسلمين في المجتمع المدني

وتُذْهِبُ بالثروات، وفي كثيرٍ مِن الأحيان كان يتوفر وجودُ مُقاتلين ولا يوجد المال الذي يُجَهِّزهم للوصول إلى أرض المعركة؛ كما قال تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} (¬1). 5 - كان للمدينةِ مع مكةَ حركةٌ تجارية قبل الهجرة وتوقفتْ هذه الحركةُ بعد الهجرة،، مما أثَّرَ بِدَوْرِه على النشاط الاقتصاديِّ (¬2). 6 - الهِجرةُ مِن مكة إلى المدينة بحدِّ ذاتها، وترْكُ المهاجرين لأموالهم، أو غالب أموالهم في مكةَ، إما لعدم استِطاعَة حَمْلها كلها، أو لمساومة كفار قريش على أموالهم ليخلوا سبيلهم للهجرة، ومِن ذلك الحديثُ الذي رواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: إن إخوانكم قد تركوا الأموالَ والأولادَ وخرجوا إليكم؛ فقالوا: أموالنا بيننا قطائع؛ قال رسول الله: أوغير ذلك؟ قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: هم قوم لا يعرفون العلم، فتكفونهم وتقاسمونهم التمر؛ قالوا: نعم» (¬3). المَطْلَب الثالث: الحالة الاقتِصاديَّة للمسلمين في المجتمع المَدَني تُظهر كُتُب السيرة أن الحالة الاقتِصاديَّة العامة في المدينة كان فيها مِن ضيقِ العيش الشيءُ الكثيرُ، ويتضح ذلك مِما يلي: ¬

(¬1) سورة التوبه: 92. (¬2) أهل الصُّفَّة بعيدًا عن الوَهْم والخيال، مرجع السايق (ص: 63). (¬3) الحديث أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة (2/ 488). وينظر: السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني، أحمد أحمد غلوش، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1424 هـ- 2004 م، (ص: 113)، وانظر كذلك: البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774 هـ)، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجَر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة: الأولى، 1418 هـ- 1997 م، (4/ 565).

أولًا: حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: (مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يحفرون الخندق ثلاثًا ما ذاقوا طعامًا؛ فقالوا: يا رسول الله، إن ها هنا كُدْيَةً من الجبل، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «رشُّوا عليها الماء» فرشوها؛ ثم جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذ المِعْوَلَ أو المِسْحاة، ثم قال: «بسم الله»، ثم ضَرَبَ ثلاثًا، فصارتْ كثيبًا يُهال، قال جابر: فحانتْ مني الْتِفاتة، فرأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قد شَدَّ على بطنه حجرًا)! وفي لفظٍ آخرَ: (لما حفر النبيُّ وأصحابه الخندق أصاب النبي والمسلمين جهدٌ شديدٌ، فمَكثوا ثلاثًا لا يجدون طعامًا؛ حتى ربط النبيُّ على بطنه حجرًا من الجوع) (¬1). وفي رواية الطبَراني قال: (لما حفر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الخندق أصاب المسلمين جوعٌ شديدٌ، حتى ربط النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على بطنه صخرةً مِن الجوع، فانطلقتُ إلى أهلي فقلتُ: قد رأيتُ في وجه رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الجوعَ، فذبحتُ عَناقًا لنا؛ وأمرتُ أهلي فخبزوا شيئًا مِن شعير كان عندهم، وطبخوا العَناقَ، ثم دعوتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتُه بالذي صنعتُ، فقال: «فانْطَلِقْ فهَيِّئ ما عندك حتى آتيك»، فذهبتُ فهَيَّأْتُ ما كان عندنا، فجاء رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - والجيشُ جميعًا؛ فقلتُ: يا رسول الله، إنما هي عَناقٌ جعلتُها لك ولنفرٍ مِن أصحابك، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «ائتِ بقَصْعةٍ»، فأتيتُه بقَصْعَةٍ؛ ثم قال: «ائدِمْ فيها»، ثم دعا عليها بالبركة؛ ثم قال: «بسم الله»، ثم قال: «أدْخِلْ عشرةَ رجالٍ» ففعلْتُ، فإذا طعِمُوا وشبِعُوا خرَجُوا، وأدخلتُ عشرةً أخرى، حتى ¬

(¬1) مسند الإمام أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى: 241 هـ)، تحقيق شعيب الأرنؤوط وعادل مرشد وآخرين، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1421 هـ- 2001 م، (22/ 129) رقم الحديث: 14221، وقال في الحاشية ما نصه: إسناده صحيح على شرط البخاري، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أيمن المكي والد عبد الواحد، فمن رجال البخاري. وهو في «زهد» وكيع (124)، ومن طريق وكيع أخرجه هنَّاد في «الزهد» (765)، وأبو عوانة (4/ 354 - 355، والبيهقي في «دلائل النبوة» (3/ 422).

بلَغ الجيشُ جميعًا، والطعامُ كما هو) (¬1). ثانيًا: حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - الذي جاء فيه: أنَّ أبو طَلْحَة قال لأُمِّ سُلَيْمٍ: لقد سمعتُ صوتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضعيفًا، أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيءٍ؟ قالتْ: نعم، فأخرجَتْ أقراصًا مِن شعير، ثم أخرجتْ خِمارًا لها، فلفَّت الخبزَ ببعضه، ثم دسَّتْه تحت يدي ولاثَتْنِي ببعضه، ثم أرسلتْني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فذهبتُ به، فوجدتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، ومعه الناس، فقمتُ عليهم، فقال لي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أأرسلك أبو طَلْحَة» فقلتُ: نعم، قال: «بطعام»، فقلت: نعم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن معه: «قوموا»، فانطلق وانطلقتُ بين أيديهم، حتى جئتُ أبا طَلْحَة فأخبرتُه، فقال أبو طَلْحَة: يا أم سليم، قد جاء رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس، وليس عندنا ما نُطعمهم؟ فقالتْ: الله ورسوله أعلم، فانطلق أبو طَلْحَة حتى لقيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقبل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو طَلْحَة معه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هلمِّي يا أُمَّ سُلَيْمٍ، ما عندك» فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَفُتّ، وعصرتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً فأدْمَتْهُ، ثم قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فيه ما شاء الله أن يقول، ثم قال: «ائذَنْ لعشرة» فأذِنَ لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: «ائذنْ لعشرة» فأذِن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: «ائذنْ لعَشَرة» فأذِنَ لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: «ائذَنْ لعشرة» فأكل القومُ كلُّهم وشبعوا، والقومُ سبعون أو ثمانون رجلاً!» (¬2). ثالثًا: حديث أبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قال: كان أهل الصُّفَّة أضياف أهل الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال، والله الذي لا إله إلا هو، إن كنتُ لأعْتَمِدُ بكَبِدي على الأرض مِن الجوع، وأشدُّ الحجَر على بطني من الجوع، ولقد قعدتُ يومًا على طريقهم الذي يخرجون منه، فمَرَّ بي ¬

(¬1) المعجم الأوسط، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني (المتوفى: 360 هـ)، تحقيق طارق بن عوض الله بن محمد وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة، (3/ 318). (¬2) صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، الطبعة الأولى، 1422 هـ، (4/ 193)، رقم الحديث 3578.

أبو بكر، فسألتُه عن آيةٍ مِن كتاب الله، ما أسأله إلا ليَسْتتبعني، فمَرَّ ولم يفعلْ، ثم مَرَّ بي عمرُ، فسألتُه عن آية من كتاب الله ما أسأله إلا ليستتبعني، فمَرَّ ولم يفعلْ، ثم مَرَّ أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - فتَبَسَّم حين رآني وقال: «أبا هُرَيْرَة»، قلتُ: لبيك يا رسول الله قال: «الْحَقْ»، ومضى فاتبعتُه، ودخل منزله فاستأذنتُ فأذِن لي، فوجد قدَحًا مِن لبن، فقال: «مِن أين هذا اللبن لكم»؟ قيل: أهداه لنا فلان، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أبا هُرَيْرَة» قلتُ: لبيك، فقال: «الْحَقْ أهل الصُّفَّة فادْعُهم، وهم أضيافُ أهل الإسلام، لا يأوون على أهل ومال»، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناولْ منها شيئًا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم، فأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، وقلتُ: ما هذا القدح بين أهل الصُّفَّة وأنا رسوله إليهم، فسيأمرني أن أُديرَه عليهم، فما عسى أن يُصيبَني منه، وقد كنت أرجو أن أصيبَ منه ما يُغنيني! ولم يكن بُدٌّ مِن طاعة الله وطاعة رسوله، فأتيتهم فدعوتهم، فلما دخلوا عليه فأخذوا مجالسهم، فقال: «أبا هُرَيْرَة، خُذ القدح وأعطِهم»، فأخذتُ القدَح، فجعلتُ أُناوله الرجل، فيشرب حتى يُروى، ثم يرده فأناوله الآخر حتى انتهيتُ به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد روى القوم كلهم، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القدح، فوضعه على يديه ثم رفع رأسه فتبسم، فقال: «أبا هُرَيْرَة، اشربْ»، فشربتُ ثم قال: «اشربْ»، فلم أزَل أشرب، ويقول: «اشربْ»، حتى قلتُ: والذي بَعَثَكَ بالحق ما أجد له مَسْلكًا، فأخذ القدح فحمد الله وسَمَّى ثم شرب؛ والحديث حسن صحيح (¬1). ¬

(¬1) سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (المتوفى: 279 هـ)، تحقيق إبراهيم عطوة عوض، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي مصر، (4/ 648)، رقم الحديث: 2477، وقال في الحاشية: حكم الألباني صحيح.

المبحث الثاني: وسائل معالجة الفقر في العهد النبوي

المبحث الثاني: وسائل مُعالَجَة الفقر في العَهْد النبَوي وفيه ستةُ مَطالب: المَطْلَب الأول: المُؤاخاة ورد في السِّيَر أن المواخاة كانتْ مرتين؛ الأولى: بين المهاجرين بعضهم وبعض قبل الهجرة على الحق والمواساة، آخى بينهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين حمزة وزيد بن حارثة، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف، وبين الزُّبير وابن مسعود، وبين عُبيدة بن الحارث وبلال، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقَّاص، وبين أبي عُبيدة وسالم مولى أبي حذيفة، وبين سعيد بن زيد وطَلْحَة بن عبيد الله، وبين علي ونفسه - صلى الله عليه وسلم - (¬1). ومن العلماء مَن يُنكر مواخاة المهاجرين لبعضهم، قال الحافظ ابن كثير: (أما مؤاخاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلي، فإن مِن العلماء مَن يُنكر ذلك، ويَمنع من صحته، ومستنده في ذلك أن هذه المُؤاخاة إنما شُرعتْ لأجل ارتفاق بعضهم من بعض، وليتألف قلوب بعضهم على بعض، فلا معنى لمؤاخاة النبي لأحد منهم، ولا مهاجري لمهاجري، كما ذكره من مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة، اللهم إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجعلْ مصلحة عليٍّ إلى غيره، فإنه كان ممن ينفق عليه من صغره في حياة أبيه، وكذلك أن يكونَ حمزة التزم بمصالح مولاه زيد، وكذلك ذِكْره مؤاخاة جعفر ومعاذ فيه نظَرٌ، لأن جعفرَ كان مهاجرًا بالحبشة) (¬2). وقد مدح الله الأنصار في إيثارهم لإخوانهم المهاجرين، وأثنى عليهم بقرآنٍ يُتلى بسبب إيثارهم لإخوانهم المهاجرين ومواخاتهم لهم، فقال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ ¬

(¬1) عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، ابن سيد الناس، اليَعْمُري الربعي، أبو الفتح، فتح الدين (المتوفى: 734 هـ)، تعليق إبراهيم محمد رمضان، دار القلم- بيروت، الطبعة: الأولى، 1414/ 1993، (1/ 230). (¬2) السيرة النبوية لابن كثير (2/ 326).

المطلب الثاني: الزكاة

يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬1)، وروى البخاريُّ في صحيحه عن أبي هُرَيْرَة قال: «قالت الأنصار: اقسمْ بيننا وبين إخواننا النخيلَ؟ قال: لا؛ قالوا: أفتكفوننا المؤونة ونشرككم في الثمرة؟ قالوا: سمعنا وأطعنا» (¬2)، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: «قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم، فقالوا: أموالنا بيننا قطائع، قال رسول الله: أوَغير ذلك؟ قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: هم قوم لا يعرفون العلم، فتكفونهم وتقاسمونهم التمر، قالوا: نعم» (¬3). وذكر ابن عبد البَرِّ في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ} (¬4) أنَّ بدرًا قطعت المواخاة بين الصحابة رضي الله عنهم، فتكون هذه الآية ناسخة آية (بعضهم أولياء بعض)، وتكون تلك حينئذٍ مُبينة أمر ما كان قبل غزوة بدر (¬5)، وكما هو معلومٌ أن نموذج المواخاة نموذجٌ اقتصاديٌّ لغرض إعادة توزيع الثروة، وأغراض التكافل الاجتماعي، اقتضتْه مرحلة ما بعد الهجرة، فكان الأنصاري يقسم شطر ماله لأخيه من المهاجرين، ويتضح بذلك أن هذا النموذج كان فعَّالاً في القضاء على الفقر في تلك المرحلة. المَطْلَب الثاني: الزَّكاة الزَّكاة في اللُّغة: الزيادة والنَّماء، فكلُّ شيء زاد عددًا، أو نما حجمًا؛ فإنه يقال: زكا، فيقال: زكا الزرع: إذا نما وطال، وأما في الشرع: فهي التعبُّد لله تعالى، بإخراج قدر واجبٍ شرعًا ¬

(¬1) سورة الحشر: 9. (¬2) صحيح البخاري، كتاب: المزارعة، باب إذا قال: اكفني مؤونة النخل وغيره، وتُشركني في الثَّمر (3/ 104)، حديث رقم (2325). (¬3) سبق تخريجه (ص: 7). (¬4) الأنفال: 75. (¬5) نظم الدرر في تناسُب الآيات والسوَر، إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي (المتوفى: 885 هـ)، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، (8/ 349).

في أموال مخصوصة لطائفة أو جهة مخصوصة (¬1). والعلاقةُ بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي: أن الزَّكاة وإن كان ظاهرُها النقصَ- نقْص كمية المال- لكن آثارها زيادة المال، زيادة المال بركة، وزيادة المال كمية، فإنَّ الإنسان قد يفتح الله له من أبواب الرزق ما لا يخطُر على باله إذا قام بما أوجب الله عليه في ماله؛ قال الله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (¬2)، وقال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (¬3)، يُخْلِفُه: أي يأتي بخلفه وبدله. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما نقصت صدقة من مال» 1، وهذا أمرٌ مُشاهَدٌ، فإن الموفقين لأداء ما يجب عليهم في أموالهم يجدون بركةً فيما ينفقونه، وبركة فيما يبقى عندهم، وربما يفتح الله لهم أبواب رزقٍ يُشاهدونها رأي العين، بسبب إنفاقهم أموالهم في سبيل الله (¬4). ولهذا كانت الزَّكاة في الشرع مُلاقية للزكاة في اللُّغة؛ منْ حيثُ النَّماءُ والزِّيادةُ. ثم إنَّ في الزَّكاة أيضًا زيادة أخرى، وهي زيادة الإيمان في قلب صاحبها، فإن الزَّكاة من الأعمال الصالحة، والأعمالُ الصالحة تزيد في إيمان الرجل؛ لأن مذهب أهل السنة والجماعة أن الأعمال الصالحة من الإيمان، وأن الإيمان يزداد بزيادتها، وينقُص بنَقْصها، وهي أيضًا تزيد الإنسان في خلقه، فإنها بذْلٌ وعطاء، والبذلُ والعطاء يدل على الكرم والسخاء، والكرَمُ والسخاء لا شك أنه خُلُقٌ فاضل كريم، بل إن له آثارًا بالغةً في انشراح الصدر، ونور القلب ¬

(¬1) أخرجه مسلم في صحيحه - باب استحباب العفو (4/ 2001) حديث (2588)، وابن ابن خزيمة في صحيحه - باب ذكر نماء المال بالصدقة منه، وإعطاء الرب - عز وجل - المتصدقَ الخُلفَ (2/ 1168)، حديث (2438)، وغيرهما من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وتمامه: «... وما زَادَ اللهُ عَبدًا بِعَفوٍ، إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ لِلَّه إلَّا رَفَعَهُ اللهُ». (¬2) الروم: 39. (¬3) سبأ: 39. (¬4) فقه العبادات، محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)، اللجنة العلمية في مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثمين الخيرية، (ص: 183).

وراحته، ومَن أراد أن يطَّلع على ذلك فليجربِ الإنفاق فسيجد الآثار الحميدة التي تحصُل له بهذا الإنفاق، ولا سيما فيما إذا كان الإنفاقُ واجبًا مؤكدًا كالزَّكاة، فإن الزَّكاة أحد أركان الإسلام ومَبانيه العِظام، وهي التي تأتي كثيرًا مَقْرُونة بالصلاة التي هي عَمود الإسلام، وهي في الحقيقة محكُّ تبين كون الإنسان محبًّا لما عند الله عزَّ وجلَّ، لأن المال محبوب إلى النفوس، وبذل المحبوب لا يمكن أن يكونَ إلا مِن أجل محبوبٍ يؤمن به الإنسانُ وبِحُصوله، ويكون هذا المحبوب أيضًا أحب مما بذَلَهُ (¬1). ومَصالح الزَّكاة وزيادةُ الإيمان بها وزيادة الأعمال وغير ذلك- أمرٌ مَعلوم، يحصُل بالتأمل فيه أكثر مما ذكَرْنا، وآثارُها على المجتمع وعلى الاقتصاد الإسلامي ظاهرةٌ أيضًا؛ فإن فيها من مواساة الفقراء والقيام بمصالح العامة ما هو معلوم ظاهرٌ مِن مَصارف هذه الزَّكاة، فإنَّ الله سبحانه وتعالى قال في مَصارف هذه الزَّكاة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (¬2) وهؤلاءِ الأصنافُ الثمانية منهم مَن يأخذها لدفع حاجته، ومنهم مَن يأخذها لحاجة المسلمين إليه، فالفقراءُ والمساكين والغارمون لأنفسهم هؤلاء يأخذون لحاجتهم، وكذلك ابن السبيل والرِّقاب، ومنهم من يأخذ لحاجة الناس إليه، كالغارم لإصلاح ذات البَيْن، والعاملين عليها، والمجاهدين في سبيل الله. فإذا عرَفنا أن توزيع الزَّكاة على هذه الأصناف يَحْصُل به دفع الحاجة الخاصة لمن يُعطاها، ويحصُل به دفْع الحاجة العامة للمسلمين، عرَفنا مدى نفعها للمجتمع، وفي الاقتصاد تتوزَّع الثروات بين الأغنياء والفقراء؛ بحيث يؤخذ من أموال الأغنياء هذا القدْر ليصرفَ إلى الفقراء، ففيه توزيعٌ للثروة؛ حتى لا يحدثَ التضخُّم من جانب، والبؤس والفقر من جانب آخر (¬3). وفيها أيضًا مِن صلاح المجتمع ائتلافُ القلوب، فإن الفقراء إذا رأوا مِن الأغنياء أنهم ¬

(¬1) المرجع السابق (ص: 185). (¬2) التوبة: 60. (¬3) المرجع السابق والصفحة نفسها.

المطلب الثالث: الحث على الصدقة والتبرع

يَمُدونهم بالمال، ويتصدقون عليهم بهذه الزَّكاة التي لا يجدون فيها مِنَّةً عليهم، لأنها مفروضة عليهم من قِبَل الله- فإنهم بلا شك يحبُّون الأغنياء، ويألفونهم، ويرجون ما أمرهم الله به مِن الإنفاق والبذْل، بخلاف ما إذا شحَّ الأغنياء بالزَّكاة، وبَخِلوا بها، واستأثروا بالمال، فإن ذلك قد يولد العداوة والضغينة في قلوب الفقراء، ويشير إلى هذا ختْمُ الآيات الكريمة التي فيها بيان مصارف الزَّكاة بقوله تعالى: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (¬1). وبهذا يتضح دورُها الفَّعال في مُعالَجَة مشكلة الفقر في العَهْد النبَوي، واستجابة الصحابة رضوان الله عليهم لأمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في دفْعِها واضحةً وجلِيَّةً في السِّيَر. المَطْلَب الثالث: الحَثُّ على الصدقة والتبَرُّع ا. تعريف الصدقة: جاء في مُختار الصَّحاح: المتصدِّق الذي يُعطي الصدقة، والصدقة ما تُصُدِّق به على الفقراء (¬2). وقد ورَدت في القرآن الكريم آياتٌ كثيرة في الحَثُّ على الإنفاق التطوعي، وجزاء المنفقين، من ذلك قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (¬3). وقوله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (¬4) وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ ¬

(¬1) التوبة: 60. (¬2) مختار الصحاح، زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي (المتوفى: 666 هـ)، تحقيق يوسف الشيخ محمد، المكتبة العصرية- الدار النموذجية، بيروت- صيدا، الطبعة: الخامسة، 1420 هـ/ 1999 م، (1/ 174) (ص د ق). (¬3) البقرة: 261. (¬4) النساء 114.

وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬1) ووردتْ أدلة كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تُبَيِّن فضلَ صدقة التطوُّع وتَحُثُّ عليها. 1 ـ فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الصدقة لتُطْفِئ غضَب الربّ، وتدفع عن ميتة السُّوء) (¬2). 2 ـ عن أبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من يوم يُصبح العباد فيه إلا ملكان ينْزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ مُنفقًا خلَفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ مُمسكًا تلَفًا) (¬3). 3 ـ عن ابن عُمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدْخِلُه على مسلم، أو تكشِف عنه كُربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرُد عنه جوعًا، ولأنْ أمشي مع أخي المسلم في حاجةٍ أحب إليَّ مِن أن أعتكفَ شهرًا، ومَن كف غضبه ستر الله عورته، ومَن كظم غيظًا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبَه رضًا يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يُثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزِلُّ الأقدام، وإن سوء الخلُق ليُفسد العمل كما يفسد الخلُّ العسل) (¬4). وقد ورَد مِن سيرة الصحابة رضوان الله عليهم أروع الأمثلة في الاستجابة لهذه الآيات، وغيرها من الآيات والأحاديث الشريفة التي تَحُثُّ على الصدقة، ومن ذلك صدقة أبي بكر - رضي الله عنه -؛ فعن عمر بن الخطاب قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتصدَّق، فوافق ذلك عندي مالاً، فقلتُ: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، قال: فجئتُ بنصف مالي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: يا أبا بكر، ما أبقيتَ لأهلك؟ قال: ¬

(¬1) التغابن: 16. (¬2) رواه الترمذي في الزكاة، كتاب: الزكاة، باب ما جاء في فضل الصدقة (2/ 45)، رقم الحديث: (664)، قال أبو عيسى: «هذا حديث حسن غريب مِن هذا الوجه. (¬3) رواه البخاري في الزكاة برقم (1442)، ومسلم في الزكاة أيضًا برقم (1678). (¬4) رواه ابن وهب في الجامع، (ص: 441)، برقم (326)، والطبراني في المعجم الأوسط (1/ 259) برقم (850)، وحسَّنه الألباني، صحيح الجامع الصغير (1/ 110) (174)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة رقم: 918.

المطلب الرابع: الحث على العمل

أبقيتُ لهم الله ورسوله، قلت: والله لا أسبقه إلى شيءٍ أبدًا) (¬1)، ومن تصدق بماله أو نصفه أو بعضه فهو بكل تأكيد سيذهب ماله في إعادة التوزيع على الفقراء والمعدمين، وهذا مِن طرُق تخفيف آلام الفقر، والحمد لله رب العالمين. المَطْلَب الرابع: الحَثُّ على العمل لقد دعا الإسلام في البداية إلى كسْب المال بالجهد والعمل؛ فقد قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} (¬2)، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)} (¬3). وتُبَيِّن لنا السنةُ النبوية أن العمل أشرف وسائل الكَسْب، فها هو النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أطيب ما أكل الرجل من كسْبِه، وإن ولده مِن كسبه» (¬4)، وعن المِقدام بن معدِ يَكْرِب الزبيدي، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما كسب الرجل كسبًا أطيب مِن عمل يده، وما أنفق الرجل عن نفسه وأهله وولده وخادمه فهو صدقة» (¬5)، وفي الحديث: «ما أكل أحد طعامًا قط خير من أن يأكلَ مِن عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل مِن عمل يده» (¬6). ¬

(¬1) سنن الترمذي كتاب: مناقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه، باب (6/ 56)، برقم: 3675، وقال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيح، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (3/ 1699) رقم الحديث: 6030. (¬2) سورة الجمعة: 10. (¬3) سورة الملك: 15. (¬4) سنن ابن ماجه، كتاب: التجارات، باب الحث على المكاسب، سنن ابن ماجه (3/ 269)، حديث رقم 2137، وقال في الحاشية: إسناده صحيح. ومسند أحمد (40/ 179) برقم 24148، وقال في الحاشية: حديث حسن لغيره، وهذا إسناد اختلف فيه على إبراهيم وهو ابن يزيد النخعي. (¬5) سنن ابن ماجه، كتاب: التجارات، باب الحث على المكاسب، سنن ابن ماجه (3/ 269)، حديث رقم 2138. (¬6) صحيح البخاري، كتاب: البيوع، باب كسب الرجل (3/ 57)، حديث رقم: 2072، وانظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، (9/ 154).

المطلب الخامس: الوقف

وعن أنس - رضي الله عنه -، أن رجلاً مِن الأنصار أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، يسأله، فقال: «أما في بيتك شيء؟ قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه الماء، قال: آتني بهما، فأخذهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده، وقال: مَن يشتري هذين؟ قال رجل أنا آخذهما بدرهم، فقال: من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثًا؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياها، وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري، وقال: اشترِ بأحدهما طعامًا، فأنبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدومًا فأتني به، فأتاه به، فشد فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عودًا بيده، ثم قال له: اذهب فاحتطب وبعْ، ولا أرينك خمسة عشر يومًا، فاشترى ببعضها ثوبًا، وبعضها طعامًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصح إلا لثلاثة: لذي فقرٍ مدقع، أو لذي غرم مُفْظِع، أو لذي دم مُوجع» (¬1). إذًا حثُّ الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - على العمل وعلى عدم سؤال الناس- فيه دلالةٌ واضحةٌ على فعالية هذا الأسلوب في القضاء على الفقر، وغرس مفهوم الإنتاجية والاعتماد على النفس بدلًا من السؤال. المَطْلَب الخامس: الوقف لغة: الحبس، يقال: «وقَف الأرض للمساكين وقفًا؛ أي: حبسها (¬2)، وفي الاصطلاح: تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة (¬3). وقد حبب الله للإنسان فعل الخير، وندب إلى ذلك، ومن ذلك الوقف بأنواعه؛ إذ هو من الصدَقات التطوعية الجارية المستمرة بعد وفاة الإنسان. ومن الأدلة على مشروعية الوقف: عن أبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا ¬

(¬1) السنن لأبي داود السجستاني، باب الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة (2/ 120) رقم الحديث: 1641، وسنن ابن ماجه، أبواب التجارات، باب بيع المزايدة (3/ 316)، رقم الحديث: 2198. (¬2) لسان العرب، لابن منظور (9/ 359)، مادة: وقف. (¬3) المغني، لابن قدامة المقدسي، (5/ 597).

المطلب السادس: نموذج أهل الصفة

من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (¬1). وقد روى ابن ماجه في سننه عن أبي هُرَيْرَة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن مما يلحق المؤمن مِن عمله وحسناته بعد موته علمًا علَّمه ونشَره، وولدًا صالحًا تركه، ومصحفًا ورثه، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا أجراه أو صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته» (¬2). جاء في المغنى بشأن الوقف ما يأتي: (الأصل فيه ما روى عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال: «أصاب عمر أرضًا بخيبر فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأمره فيها، فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني أصبت أرضًا بخيبر لم أصبْ قط مالًا أنفس عندي منه، فما تأمرني فيها؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث في الفقراء والقُربى والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقًا غير متمول فيه» (¬3). وأكثر أهل العلم من السلف ومن بعدهم على القول بصحة الوقف؛ قال جابر - رضي الله عنه -: لم يكن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ذا مقدرة إلا وقف، وانتشر ذلك فلم ينكره أحد فكان إجماعًا) (¬4)، ومعلوم أن مصارف الوقف عادة ينال منها النصيب الأكبر الفقراء، فكانتْ من عوامل القضاء على الفقر في العَهْد النبَوي. المَطْلَب السادس: نموذج أهل الصُّفَّة وهو محلُّ دراستنا هذه، فلما زاد عدد المهاجرين وأصبحت المدينة موطنًا لكل من يريد ¬

(¬1) رواه مسلم في الوصية (5/ 73) رقم الحديث: (3084). (¬2) مسند أحمد، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (14/ 439) رقم الحديث: 8845، وسنن ابن ماجه باب ثواب معلم الناس الخير، (1/ 88) رقم الحديث: 242، وحسنه الألباني. (¬3) رواه البخاري في الوصايا (2/ 184) برقم (2772)، ومسلم في الوصية (5/ 74) برقم (3085). (¬4) المغني، لابن قدامة المقدسي (6/ 3).

اللحاق بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، لم يستوعبْ نموذج المُؤاخاة كل تلك الأعداد؛ فعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نموذج الصُّفَّة لاستيعاب من لم يسعه نموذج المُؤاخاة، وتفيد المَصادر التاريخية أن معظم من نزل الصُّفَّة كانوا من فقراء المهاجرين الذين لم يجدوا مكانًا ينزلون فيه، وإن أول من نزلها مهاجرو مكة (¬1). ويختلف عدد من نزل الصُّفَّة باختلاف الأوقات والأحوال، وتفيد الروايات أنهم كانوا في أغلب الأحيان بين السبعين والمائة، وقد يزيدون على ذلك أو يقلون بحسب تبدُّل أحوالهم من زواج، أو عودة لأهل، أو يسر بعد عسر، أو شهادة في سبيل الله، ومجمل من نزل الصُّفَّة نحو ستمائة أو سبعمائة صحابي، وقد ورد في بعض الأحاديث أنهم كانوا عشرين رجلًا، وسبعين رجلًا، وثمانين رجلًا، وأكثر من مائة رجل (¬2)، وقال الحافظ ابن حجر: وكانوا يكثرون ويقلون بحسب من يتزوج منهم، أو يموت، أو يسافر، وقد سرد أسماءهم أبو نُعَيْم في الحلية، فزادوا على المائة (¬3). قال الحافظ ابن حجر: «وقد ورد في بعض الأحاديث ذكرُ عددهم، وليس المراد حصرهم في هذا العدد، وإنما هي عدة من كان موجودًا حين القصة المذكورة، وإلا فمجموعهم أضعاف ذلك» (¬4). وقال ابن تيميَّة: (ولم يكن جميع أهل الصُّفَّة يجتمعون في وقت واحد، بل منهم من يتأهل أو ينتقل إلى مكان آخر يتيسر له، ويجيء ناس بعد ناس فكانوا تارة يقلون، وتارة يكثرون، فتارة يكونون عشرة أو أقل، وتارة يكونون عشرين وثلاثين وأكثر، وتارة يكونون ستين وسبعين، وأما جملة من أوى إلى الصُّفَّة مع تفرقهم فقد قيل: كانوا نحو أربعمائة من الصحابة، وقد قيل: ¬

(¬1) السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية، د. أكرم ضياء العمري، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة: السادسة، 1415 هـ- 1994 م، (1/ 259). (¬2) الصُّفة تاريخها- أصحابها، دراسة تاريخية توثيقية، محمود محمد حمو، بحث منشور في مجلة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة-العدد (29).، (ص: 11). (¬3) فتح الباري، لابن حجر (6/ 595). (¬4) المرجع السابق (11/ 287).

كانوا أكثر من ذلك، ولم يعرف كل واحد منهم (¬1). وتُشير المَصادر إلى أن جملة من نزل الصُّفَّة بلغوا نحوًا من ستمائة أو سبعمائة، إلا أن كتب التراجم والسير لم تُشِرْ إلا لما يقرب من مائة اسم، بل إن الروايات الثابتة لم تذكر إلا عددًا يسيرًا من أسمائهم، وبتتبع أسمائهم وجمعها بلغت مائة وعشرة أسماء (¬2)، وكل هذه الأسماء ليس مُسلَّمًا بأنها من أهل الصُّفَّة، بل فيها اعتراض ومناقشة كما قال الحافظ ابن حجر (¬3). وفيما يلي ترجمة موجزة لمن ورد ذكره في كتب التراجم أنه من أهل الصُّفَّة، مرتبة أسمائهم هجائيًّا: الأصم: اسمه عبد عمرو بن عدس بن عبادة العامري البكائي، وفد مع بني البكاء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة تسع، وسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن (¬4)، هكذا ترجم له في أكثر مِن موضعٍ، وقد وجدت في موضع آخر في الطبقات الكبرى أن اسمه يزيد بن الأصم، وترجمته ما نصه: «اسمه: عبد عمرو بن عدس بن عبادة بن البكاء بن عامر بن صعصعة، وأمه برزة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رؤيبة بن عبد الله بن هلال بن عامر، وبرزة هي أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخت لبابة بنت الحارث أم بني العباس بن عبد المطلب، وأخت لبابة الصغرى، وهي عصماء بنت الحارث أم خالد بن الوليد بن المغيرة، وكان ثقة كثير الحديث، وروى عن أبي هُرَيْرَة وابن عباس وخالته ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، وكان ينزل الرقة، مات سنة ثلاث ومائة في خلافة يزيد بن عبد الملك» (¬5). أبو الدرداء: ¬

(¬1) مجموع الفتاوى (11/ 41). (¬2) الصُّفة، دراسة تاريخية توثيقية، مرجع سابق، (ص 13). (¬3) فتح الباري، لابن حجر (1/ 536) و (11/ 287). (¬4) الطبقات الكبرى لابن سعد (1/ 304). (¬5) المرجع السابق (7/ 333).

واختلف في اسمه، فقيل: هو عامر، وعويمر لقب، حكاه عمرو بن الفلاس عن بعض ولده، وبه جزم الأصمعي في رواية الكديمي عنه، واختلف في اسم أبيه، فقيل: عامر، أو مالك، أو ثعلبة، أو عبد الله، أو زيد، وأبوه ابن قيس بن أمية بن عامر بن عدي بن كعب بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، قال أبو شهر، عن سعيد بن عبد العزيز: أسلم يوم بدر، وشهد أحُدًا وأبلى فيها، قال صفوان بن عمرو، عن شريح بن عبيد: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد: «نعم الفارس عويمر»، وقال: «هو حكيم أمّتي»، وقال الأعمش، عن خيثمة، عنه: كنتُ تاجرًا قبل البعث، ثم حاولت التجارة بعد الإسلام فلم يجتمعا، وقال ابن حبّان: ولاه معاوية قضاء دمشق في خلافة عمر (¬1). روى عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وعن زيد بن ثابت، وعائشة، وأبي أمامة، وفضالة بن عبيد، وروى عنه ابنه بلال، وزوجته أم الدرداء، وأبو إدريس الخولاني، وسويد بن غفلة، وجبير بن نفير، وزيد بن وهب، وعلقمة بن قيس، وآخرون (¬2). أبو برزة: اسمه: نضلة بن عبيد بن الحارث الأسلمي، أسْلَم قديمًا، وشَهِد فتح خيبر، وفتح مكة وحنينًا، نزَل البصرة، وولده بها، ثم غزا خراسان، ومات بها سنة أربع وستين للهجرة، وروي عنه أنه قال: قتلتُ ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة (¬3). ولم يزل أبو برزة يغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن قُبِض، فتحوَّل إلى البصرة فنزلها حين نزلها المسلمون وبنى بها دارًا، وله بها بقية، ثم غزا خراسان فمات بها، ونقل عن الحسن بن حكيم ¬

(¬1) الإصابة في تمييز الصحابة، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852 هـ)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة: الأولى- 1415 هـ (4/ 622). (¬2) المرجع السابق، (4/ 622). (¬3) المرجع السابق (6/ 434).

قال: حدثتني أمي أنها كانتْ لأبي برزة جفنة (¬1) من ثريد غدوة وجفنة عشية للأرامل واليتامى والمساكين، ونقل عنه أنه كان يلبس الصوف (¬2)، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثنا عوف قال: حدثني أبو المنهال سيار بن سلامة، قال: لما كان زمن ابن زياد أخرج ابن زياد فوثب ابن مروان بالشام حيث وثب، ووثب ابن الزبير بمكة. ووثب الذين يدعون بالقراء بالبصرة (¬3). أبو ثعلبة الخُشني: اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافًا كثيرًا، فقيل: اسمه جُرهم، وقيل: جرثوم، سكن الشام، وقيل: حمص، كان من عباد الصحابة (¬4) ممن بايع تحت الشجرة، وضرب له بسهمه في خيبر، وأرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قومه، فأسلموا، توفي سنة خمس وسبعين للهجرة (¬5). أبو ذر الغفاري: واسمه: جندب بن جنادة، من السابقين الأولين في الإسلام، يقال: أسلم بعد أربعة، وكان خامسًا، ثم انصرف إلى بلاد قومه، فأقام بها حتى قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، يضرب به المثل في الصدق، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر» (¬6)، وكان شجاعًا مِقدامًا شجاعا يتفرد وحده يقطع الطريق ويغير على الصرم في عماية الصبح على ظهر فرسه أو على قدميه كأنه السبع، فيطرق الحي ويأخذ ما أخذ، ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام وسمع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يومئذٍ بمكة يدعو مختفيًا (¬7). وروى عن زيد بن وهب قال: مررتُ بالربَذة فإذا أنا بأبي ذر، قال: فقلت: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ ¬

(¬1) الجفنة: القصعة الكبيرة وهي: إناء يستخدم لحفظ الطعام. (¬2) الطبقات الكبرى لابن سعد (4/ 224). (¬3) المرجع السابق (4/ 224). (¬4) حلية الأولياء، لأبي نُعَيْم الأصفهاني، (2/ 31). (¬5) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 416). (¬6) مسند الإمام أحمد (2/ 163، حديث (6519)، وسنن ابن ماجه باب فضائل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضل أبي ذر (1/ 108) حديث (156)، وقال في الحاشية: حسن لغيره. (¬7) الطبقات الكبرى لابن سعد (4/ 167).

الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (¬1) وقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، قال: فقلت: نزلتْ فينا وفيهم، قال: فكان بيني وبينه في ذلك كلام، فكتب يشكوني إلى عثمان، قال فكتب إليَّ عثمان أن أقدم المدينة، فقدمت المدينة وكثر الناس عليَّ كأنهم لم يروني قبل ذلك، قال فذكر ذلك لعثمان فقال لي: إن شئت تنحيت فكنت قريبًا، فذاك أنزلني هذا المنزل، ولو أمَّر عليَّ حبشيًّا لسمعتُ ولأطعتُ (¬2). وعن عبد الله بن الصامت أنه كان مع أبي ذر فخرج عطاؤه ومعه جارية له، قال: فجعلت تقضي حوائجه، قال: ففضل معها سلع، فأمرها أن تشتري به فلوسًا، قال قلت: لو أذخرته للحاجة تبوء بك أو للضيف ينزل بك، قال: إن خليلي عهد إلي أن أي مال ذهب أو فضة أوكي عليه فهو جمر على صاحبه حتى يفرغه في سبيل الله (¬3). قال: أخبرنا سليمان بن حرب قال: حدثنا أبو هلال قال: حدثنا قتادة عن سعيد بن أبي الحسن، أن أبا ذر كان عطاؤه أربعة آلاف، فكان إذا أخذ عطاءه دعا خادمه، فسأله عما يكفيه لسنة فاشتراه له، ثم اشترى فلوسًا بما بقي، وقال: إنه ليس من وعى ذهبًا أو فضة يوكي عليه إلا وهو يتلظى على صاحبه، وعن الأحنف بن قيس قال: قال لي أبو ذر: خُذ العطاء ما كان متعة، فإذا كان دَينًا فارفضه. عن أبي ذر قال: أوصاني خليلي بسبع: أمرني بحب المساكين والدنو منهم، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني، ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأمرني ألا أسأل أحدًا شيئًا، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت، وأمرني أن أقول الحق وإن كان مُرًّا، وأمرني ألا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أُكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنهنَّ من كنز تحت العرش، وعن يونس عن محمد قال: سألت ابن أخت لأبي ذر: ما ترك أبو ذر؟ فقال: ترك أتانين، وعفوًا وأعنزًا وركائب، قال: العفو الحمار الذكر، وورد عن سعيد بن عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن أبي ذر أنه رآه في نمرة ¬

(¬1) التوبة: 34. (¬2) المرجع السابق (4/ 173). (¬3) المرجع السابق (4/ 171).

مؤتزرًا بها قائمًا يصلي، فقلت: يا أبا ذر، أما لك ثوب غير هذه النمرة؟ قال: لو كان لي لرأيته عليَّ، قلت: فإني رأيت عليك منذ أيام ثوبين، فقال: يا ابن أخي، أعطيتهما من هو أحوج إليهما مني، قلت: والله إنك لمحتاج إليهما، قال: اللهم غفرًا، إنك لمعظم للدنيا! أليس ترى عليَّ هذه البردة، ولي أخرى للمسجد، ولي أعنز نحلبها، ولي أحمرة نحتمل عليها ميرتنا، وعندنا من يخدمنا ويكفينا مهنة طعامنا، فأي نعمة أفضل مما نحن فيه؟ وعن أبي شعبة قال: جاء رجل من قومنا أبا ذر يعرض عليه، فأبى أبو ذرٍّ أنْ يأخذ وقال: لنا أحمرة نحتمل عليها، وأعنز نحلبها، ومحررة تخدمنا، وفضل عباءة عن كسوتنا، وإني لأخاف أن أحاسب بالفضل، وورد في سيرته أنه كان يحلب غنيمة له فيبدأ بجيرانه وأضيافه قبل نفسه، ولقد رأيته ليلة حلب حتى ما بقي في ضروع غنمه شيء إلا مصرة، وقرب إليهم تمرًا وهو يسير، ثم تعذر إليهم وقال: لو كان عندنا ما هو أفضل من هذا لجِئنا به، قال: وما رأيته ذاق تلك الليلة شيئًا (¬1). أبو رزين: ذكر أبو نُعيم أنه من أهل الصُّفَّة (¬2)، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لرجل من أهل الصُّفَّة يكنى أبا رزين: «يا أبا رزين، إذا خلوتَ فحرِّك لسانك بذكر الله؛ لأنك لا تزال في صلاة ما ذكرت ربك، يا أبا رزين، إذا أقبل الناس على الجهاد، فأحببت أن يكون لك مثل أجورهم، فالزم المسجد تؤذن فيه، ولا تأخذ على أذانك أجرًا» (¬3). أبو ريحانة: شمعون الأزدي، وقيل: الأنصاري، كان من الذَّابِّين المجتهدين (¬4). أبو سلمة: عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، من السابقين الأولين إلى الإسلام، أسلم بعد عشرة أنفس، وهو أخو النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة، هاجر الهجرتين، وشهد بدرًا، وجرح يوم أحد جرحًا اندمل، ثم انتقض، فمات منه، وذلك سنة ثلاث من الهجرة، وتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأته أم سلمة رضي الله عنهما (¬5). ¬

(¬1) المرجع السابق (4/ 178). (¬2) حلية الأولياء، لأبي نُعَيْم الأصفهاني (1/ 404). (¬3) الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر (7/ 117): وقال عنه سنده ضعيف. (¬4) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصفهاني- مرجع سابق (2/ 28). (¬5) المرجع السابق (2/ 3).

أبو عبيدة: عامر بن عبد الله بن الجراح الفِهْري القرشي، وُلِدَ بمكة، وهو من السابقين إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، لقبه - صلى الله عليه وسلم - بأمين الأمة، هاجر الهجرتين، وشهد المشاهد كلها، وولاه عمر بن الخطاب قيادة الجيش الزاحف إلى الشام، بعد خالد بن الوليد، فتم له فتح الديار الشامية، وتُوُفِّي بطاعون عمواس سنة ثماني عشرة للهجرة، ودفن في غور بيسان، وانقرض عقبه (¬1). أبو عسيب: مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قيل: اسمه أحمر، كان يبيت في المسجد (¬2). أبو فراس الأسلمي: ربيعة بن كعب بن مالك، أسلم وصحب النبي - صلى الله عليه وسلم - قديمًا، وكان يخدمه، فعنه - رضي الله عنه - قال: «كنت أبيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: سلْ، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أوغير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فَأَعِنِّي على نفسك بكثرة السجود» (¬3). أبو كبشة: مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مُخْتَلَفٌ في اسمه، قيل: سليم، وقيل: أوس، شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، توفي سنة ثلاث عشرة في اليوم الذي استخلف فيه عمر بن الخطاب (¬4). أبو لبابة بن عبد المنذر الأوسي الأنصاري، اختلف في اسمه، فقيل: رفاعة، وقيل: بشير، نقيب، شهد العقبة، وسائر المشاهد، كان رفاعة بدريًّا بسهمه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلفه على المدينة، مات في خلافة علي - رضي الله عنه - (¬5). أبو مرثد الغنوي: كناز بن الحصين، حليف حمزة بن عبد المطَّلب، آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عبادة بن الصامت، شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سكن الشام، ¬

(¬1) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 409). (¬2) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 61)؛ وانظر الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (1/ 81). (¬3) رواه مسلم في صحيحه، كتاب: الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه، (1/ 353)، حديث (489). (¬4) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 49). (¬5) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (1/ 366).

ومات بأجنادين سنة اثنتي عشرة في خلافة أبي بكر - رضي الله عنه -، وهو ابن ست وستين سنة (¬1). أبو مويهبة: مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان يبيت في المسجد، ويخالط أهل الصُّفَّة (¬2). أبو هُرَيْرَة: عبد الرحمن بن صخر الدَّوْسي، نشأ يتيمًا ضعيفًا في الجاهلية، وقدم المدينة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر، فأسلم سنة 7 هـ، ولزم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسكن الصُّفَّة، فكان عريفها، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يجمع أهل الصُّفَّة لطعام أمَر أبا هُرَيْرَة بدعوتهم، لم ينتقل عنها طول عمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان أكثر الصحابة حفظًا للحديث ورواية له، روي عنه 5374 حديثًا، وولي إمرة المدينة مدة، وتوفي فيها سنة تسع وخمسين (¬3). ورد عنه قوله: نشأتُ يتيمًا، وهاجرت مسكينًا، وكنت أجيرًا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، فكنت أخدم إذا نزلوا وأحدو إذا ركبوا، فزوجنيها الله، فالحمد لله الذي جعل الدين قوامًا، وجعل أبا هُرَيْرَة إمامًا، وفي رواية: (أكريت نفسي من ابنة غزوان على طعام بطني وعقبة رجلي، فكانت تكلفني أن أركب قائمًا، وأن أردي أو أورد حافيًا، فلما كان بعد ذلك زوجنيها الله، فكلفتها أن تركب قائمة، وأن ترد أو تردي حافية (¬4). وذكر عنه أنه تمخط أبو هُرَيْرَة وعليه ثوب من كتان ممشق فتمخط فيه، فقال: بخ بخ يتمخط أبو هُرَيْرَة في الكتان، لقد رأيتني آخرًا فيما بين منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحجرة عائشة يجيء الجائي يرى أن بي جنونًا وما بي إلا الجوع، ولقد رأيتني وإني لأجير لابن عفان وابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، أسوق بهم إذا ارتحلوا، وأخدمهم إذا نزلوا، فقالتْ يومًا: لتردنه حافيًا ولتركبنه قائمًا، قال: فزوجنيها الله بعد ذلك، فقلتُ لها: لتردنه حافية، ولتركبنه قائمة (¬5). أسماء بن حارثة بن سعيد الأسلمي، أبو محمد، وهو أخو هند، يقول أبو هُرَيْرَة - رضي الله عنه -: «ما كنت أرى أسماء وهندًا إلا خادمين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من طول لزومهما بابه، وخدمتهما ¬

(¬1) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 47). (¬2) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (2/ 27). (¬3) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (1/ 376). (¬4) الطبقات الكبرى لابن سعد (4/ 243). (¬5) المرجع السابق (4/ 234).

له» (¬1). البراء بن مالك بن النضر الأنصاري، أخو أنس بن مالك لأبيه، حسن الصوت، شهد أحدًا وما بعدها من المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أحد الفضلاء، أحد الشجعان والفرسان وكان من المقنعين الأعفاء، الوفيين الظرفاء، قتل من المشركين مائة رجل مبارزة سوى من شارك فيه، وله يوم اليمامة أخبار، واستشهد يوم حصن تستر، في خلافة عمر سنة عشرين (¬2). بلال بن رباح الحبشي، أبو عبد الله، أحد السابقين إلى الإسلام، اشتراه أبو بكر الصديق من المشركين لما كانوا يعذبونه على التوحيد، فأعتقه، فلزم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان مؤذنه، وخازنه على بيت المال، وشهد معه جميع المشاهد، وآخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، ثم خرج بلال بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - مجاهدًا إلى أن مات بالشام (¬3). ثَقْفُ (أو ثقاف) بن عمرو بن شميط الأسلمي، وقيل: الأسدي، يكنى أبا مالك، من حلفاء بني عبد شمس، شهد بدرًا، وأحدًا والخندق والحديبية، وقتل بخيبر شهيدًا سنة سبع من الهجرة (¬4). ثوبان، أبو عبد الله، مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقال: إنه من العرب، حكمي من حكم بن سعد حمير، وقيل: من السراة، اشتراه ثم أعتقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخدمه إلى أن مات، ثم تحول إلى الرملة، ثم حمص، ومات بها سنة أربع وخمسين من الهجرة، وروى ابن السَّكَن من طريق يوسف بن عبد الحميد، قال: لقيت ثوبان، فحدثني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا لأهله، فقلت: أنا من أهل البيت، فقال في الثالثة: نعم، ما لم تقم على باب سدة أو تأتي أميرًا تسأله، وروى أبو داود من طريق عاصم، عن أبي العالية عن ثوبان، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن يتكفَّل لي ألاَّ يسأل الناس، وأتكفَّل له بالجنَّة؟ فقال ثوبان: أنا، فكان لا يسأل أحدًا شيئًا» (¬5). ¬

(¬1) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (1/ 348). (¬2) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (1/ 350). (¬3) الإصابة في تمييز الصحابة، مرجع سابق (1/ 455). (¬4) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (1/ 352). (¬5) الإصابة، مرجع سابق (1/ 528).

جارية بن حميل بن نشبة بن قرط، أسلم قديمًا وشهد بدرًا، وقال ابن البرقي: استشهد بأحد (¬1). جرهد بن خويلد الأسلمي، أبو عبد الرحمن، شهد الحديبية، روي عنه أنه أكل بيده الشمال، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كل باليمين، فقال: إنها مصابة، فنفث عليها، فما شكا حتى مات» (¬2). جعيل بن سراقة الضمري، ويقال: جعال، أسلم قديمًا، وشهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدًا، وأصيبت عينه يوم قريظة، وكان دميمًا قبيح الوجه، أثنى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ووكله إلى إيمانه، ذلك أن قائلًا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أعطيت الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، مائة من الإبل، وتركت جعيلًا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: والذي نفسي بيده لجعيل خير من طلاع الأرض مثل عيينة والأقرع، ولكني تألفتهما ليسلما، ووكلت جعيلًا إلى إسلامه» (¬3). حارثة بن النعمان الأنصاري، أبو عبد الله، شهد بدرًا وأحدًا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحد الثمانين الذين ثبتوا يوم حنين، ولم يفروا، ورأى جبريل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسلم عليهما، فردا عليه السلام، وأصيب ببصره في آخر عمره، وكان من فضلاء الصحابة، توفي في إمارة معاوية (¬4). وروى النَّسائي من طريق الزُّهري عن عروة عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال: «دخلت الجنة فسمعت قراءة، فقلت: من هذا؟ فقيل: حارثة بن النُّعمان» (¬5)، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كذلكم البر»، وكان بارًّا بأمه، وهو عند أحمد من طريق معمر عن الزهري، عن عروة أو غيره، ولفظه: ¬

(¬1) المرجع السابق (1/ 5541). (¬2) المعجم الكبير للطبراني (2/ 273، حديث (2151). (¬3) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (5/ 183). (¬4) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (1/ 356). (¬5) مسند أحمد، حديث حارثة بن النعمان (39/ 82) رقم الحديث 23677، ومستدرك الحاكم (3/ 208) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي على ذلك، والهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 316).

كان أبرَّ الناس بأمه. حازم بن حَرْمَلَة بن مسعود الغفاري، وقيل: الأسلمي، روي عنه حديث واحد، قال: مررت بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال لي: «يا حازم، أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها من كنوز الجنة» (¬1). حذيفة بن اليمان، صاحب سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنافقين، خالط أهل الصُّفَّة مدة فنسب إليهم، وهو وأبوه من المهاجرين، فخيره النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الهجرة والنصرة، فاختار النصرة، وحالف الأنصار فعُد في جملتهم، كان بالفتن والآفات عارفًا، وعلى العلم والعبادة عاكفًا، وعن التمتُّع بالدنيا عازفًا، بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الأحزاب سرية وحده، وألبسه عباءته بعد أن كفي في سيره ريحه وبرده (¬2). حنظلة بن أبي عامر (غِسِّيل الملائكة)، استشهد بأحد، فقال عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن صاحبكم حنظلة تغسله الملائكة، فسلوا صاحبته، فقالتْ: خرج وهو جنب لما سمع الهائعة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فذاك قد غسلته الملائكة» (¬3). خباب بن الأرَتّ التميمي نسبًا، الخزاعي ولاءً، أبو عبد الله، لحقه سباء في الجاهلية، فاشترته امرأة من خزاعة، وأعتقتْه، كان في الجاهلية قينًا يعمل السيوف بمكة، أسلم قديمًا، وكان من المستضعفين، وهو أول من أظهر إسلامه، وعذب عذابًا شديدًا لأجل ذلك، شهد بدرًا وما بعدها، ونزل الكوفة، مات بالكوفة منصرفُه من صفين سنة سبع وثلاثين، وهو ابن خمسين سنة (¬4). خبيب بن يساف (أو إساف) بن عتبة، أبو عبد الرحمن، تأخَّر إسلامه حتى خرج النبي ¬

(¬1) سنن ابن ماجه، أبواب الأدب، باب ما جاء في «لا حول ولا قوة إلا بالله» (4/ 724) حديث رقم 3826. (¬2) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (1/ 345). (¬3) المرجع السابق (1/ 357). (¬4) الصُّفة دراسة تاريخية توثيقية، محمود محمد حمو، مجلة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة العدد (29) (ص 22).

- صلى الله عليه وسلم - إلى بدر، فلحقه في الطريق، فأسلم، وشهد بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومات في خلافة عثمان (¬1). خريم بن أوس الطائي، كنيته أبو لحاء، لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد منصرفه من تبوك، فأسلم، وأعطاه خالد بن الوليد الشيماء ابنة بقيلة؛ تنفيذًا لوعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه إن فتح الحيرة تكون له (¬2). خريم بن فاتك الأسدي، كنيته أبو يحيى، شهد بدرًا، وهو الذي هتف به الهاتف حين جنَّه الليل بأبرق العراق، قال عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نعم الرجل خريم بن فاتك، لولا طول جمته، وإسبال إزاره، فبلغ ذلك خريمًا، فقطع جمته إلى أذنيه، وهو ممن نزل الرقة» (¬3). خنيس بن حذافة القرشي السهمي، أخو عبد الله بن حذافة، كان من السابقين إلى الإسلام، هاجر إلى أرض الحبشة، وعاد إلى المدينة، فشهد بدرًا وأحدًا، وأصابه بأحد جراحة، فمات منها، وتأيمت منه زوجته حفصة بنت عمر بن الخطاب، فتزوَّجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). زيد بن الخطاب بن نُفيل القرشي العدوي، أخو عمر بن الخطاب لأبيه، يكنى أبا عبد الرحمن، كان أسن من عمر، أسلم قبله وشهد بدرًا والمشاهد، واستشهد باليمامة، وكانت راية المسلمين معه سنة اثنتي عشرة في خلافة أبي بكر، وحزن عليه عمر حزنًا شديدًا، ولما قتل قال عمر: سبقني إلى الحسنيين، أسلم قبلي، واستشهد قبلي (¬5). السائب بن خلاَّد بن سويد الأنصاري الخزرجي، أبو سهلة، شهد بدرًا، وولي اليمن لمعاوية، مات سنة إحدى وسبعين (¬6). ¬

(¬1) المرجع نفسه، الصفحة نفسها. (¬2) المرجع نفسه، الصفحة نفسها. (¬3) المرجع نفسه، الصفحة نفسها. (¬4) المرجع نفسه، (ص 23). (¬5) المرجع نفسه، الصفحة نفسها. (¬6) المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

سالم بن عبيد الأشجعي، سكن الصُّفَّة، ثم انتقل إلى الكوفة، ونزلها (¬1). سالم بن عمير، من الأوس من بني ثعلبة بن عمرو بن عوف، شهد بدرًا، وأحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو أحد البكائين الذين جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يريد أن يخرج إلى تبوك، فقالوا: احملنا، وكانوا فقراء، فقال: {لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} (¬2). سالم بن معقل مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة، يكنى أبا عبد الله، أحد السابقين الأولين، يعد في القراء، وكان يؤم المهاجرين بقباء وفيهم عمر بن الخطاب قبل أن يقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وكان أبو حذيفة قد تبنى سالمًا، فكان ينسب إليه، ويقال: سالم بن أبي حذيفة حتى نزلت: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ...} الآية، استشهد باليمامة (¬3). سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي، أسلم قبل خيبر، وشهدها وما بعدها من المشاهد، كان مشهورًا بالزهد، وولاه عمر إمرة حمص بعد فتح الشام، فلم يزل عليها حتى مات فيها سنة عشرين، وهو ابن أربعين سنةً (¬4). سفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أبو عبد الرحمن، أعتقته أم سلمة على أن يخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما عاش، فخدمه عشر سنين، سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سفينة؛ لأنه كان معه في سفر، فكلما أعيا بعض القوم، ألقى عليه سيفه وترسه ورمحه حتى حمل شيئًا كثيرًا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنت سفينة» (¬5). سلمان الفارسي، أبو عبد الله، ويعرف بسلمان الخير، مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أصله من مجوس أصبهان، عاش عمرًا طويلًا، قدم المدينة وأسلم، وأول مشاهده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخندق، وهو الذي أشار على النبي - صلى الله عليه وسلم - بحفر الخندق، ولم يتخلف عن مشهد بعدها، وآخى ¬

(¬1) المرجع نفسه، الصفحة نفسها. (¬2) سورة التوبة: 92. (¬3) الصُّفة دراسة تاريخية توثيقية، مرجع سابق، (ص:24). (¬4) المرجع نفسه، الصفحة نفسها. (¬5) المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين أبي الدرداء، سئل عن نسبه، فقال: أنا سلمان ابن الإسلام، سكن الكوفة، وتوفي بالمدائن سنة خمس وثلاثين، في آخر خلافة عثمان - رضي الله عنه - (¬1). شقران مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، اسمه صالح بن عدي، وكان عبدًا حبشيًّا لعبد الرحمن بن عوف، فأهداه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: بل اشتراه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه، فأعتقه بعد بدر، وكان فيمن حضر غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند موته، وكان يقول: أنا وضعت القطيفة تحت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر، شهد بدرًا، وهو عبد، فلم يسهم له (¬2). صفوان بن بيضاء، أخو سهيل بن بيضاء، وبيضاء أمه، وأبوه وهب بن ربيعة القرشي الفهري، وصفوان من المهاجرين الأولين، شهد بدرًا، قيل: وقتل فيها شهيدًا، قتله طعيمة بن عدي، وقيل: إنه لم يقتل ببدر، وإنه مات سنة ثمان وثلاثين، بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - في سرية عبد الله بن جحش قِبَل الأبواء، فنزلت فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} (¬3) (¬4). صهيب بن سنان الرومي، أبو يحيى، أحد السابقين إلى الإسلام، أسلم في دار الأرقْم بعد بضعة وثلاثين رجلًا، وكان من المستضعفين بمكة المعذبين في الله عزَّ وجلَّ، كان أبوه من أشراف الجاهليين، ولاه كسرى على الأبلة (البصرة)، وكانت منازل قومه في أرض الموصل، على شط الفرات مما يلي الجزيرة والموصل، وبها ولد صهيب، فأغارت الروم على ناحيتهم، فسبوا صهيبًا وهو صغير، فنشأ بينهم، فكان ألكن، واشتراه منهم أحد بني كلب، وقدم به مكة، فابتاعه عبد الله بن جدعان التيمي، ثم أعتقه، فأقام بمكة يحترف التجارة، إلى أن ظهر الإسلام، فأسلم، ولما هاجر إلى المدينة تبعه نفر من المشركين، فنثل كنانته، وقال لهم: يا معشر قريش، تعلمون أني من أرماكم، ووالله لا تصلون إليَّ حتى أرميكم بكل سهم معي، ثم أضربكم ¬

(¬1) الطبقات الكبرى لابن سعد (4/ 75). (¬2) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (3/ 351). (¬3) سورة البقرة 218. (¬4) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 416).

بسيفي ما بقي في يدي منه شيءٌ، فإن كنتم تريدون مالي دللتكم عليه، قالوا: فدلَّنا على مالك ونخلي عنك، فتعاهدوا على ذلك، فدلهم عليه، ولحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ربح البيع أبا يحيى» (¬1)، فأنزل الله عزَّ وجلَّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} (¬2)، وشهد بدرًا وأحدًا والمشاهد كلها، وتوفي في المدينة سنة ثمان وثلاثين للهجرة، وهو ابن سبعين سنة (¬3). عبادة بن قرص (وقيل: قرط) الكناني الليثي، سكن البصرة، روي عنه أنه قال: إنكم لتأتون أمورًا، هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الموبقات، قتله الخوارج بالأهواز، وهو عائد من الغزو، وذلك سنة إحدى وأربعين للهجرة (¬4). عبد الرحمن بن جبر، أبو عبس الأوسي الأنصاري، كان اسمه عبد العُزَّى، فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن، آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين خنيس بن حذافة، شهد بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف، مات بالمدينة سنة أربع وثلاثين وهو ابن سبعين سنة (¬5). عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، حليف أبي وداعة السهمي، كان اسمه العاصي، فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله، وهو ابن أخي محمية بن جزء الزبيدي، انتقل إلى مصر، ومات سنة سبع وثمانين، بعد أن عمي في آخر أيامه، وهو آخر من مات بمصر من الصحابة (¬6). عبد الله (وقيل: عمرو) بن أم مكتوم الأعمى القرشي، وهو ابن قيس بن زائدة بن الأصم، ويقال: كان اسمه الحصين، فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله، أسلم قديمًا بمكة، وكان من المهاجرين الأولين، قدم المدينة قبل أن يهاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها، وكان يؤذن للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة مع ¬

(¬1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8/ 36)، حديث (7308). (¬2) سورة البقرة: 207. (¬3) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (1/ 151). (¬4) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (2/ 16). (¬5) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (2/ 8). (¬6) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (4/ 46).

بلال، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستخلفه على المدينة في عامة غزواته فيصلي بالناس، وهو المذكور في سورة عبس وتولى (¬1). عبد الله بن أنيس الجهني، أبو يحيى، من بني وبرة، من قضاعة، ويعرف بالجهني، وليس بجهني، من القادة الشجعان، كان حليفًا لبني سلمة من الأنصار، سكن البادية، وكان ينزل في رمضان إلى المدينة ليلة فيسكن المسجد والصُّفَّة ليلته، صلى إلى القبلتين وشهد العقبة، وبدرًا، وأحدًا، والمشاهد كلها، أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - لقتل خالد بن سفيان الهذلي، فقتله، فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - مخصرته؛ ليلقاه بها يوم القيامة، وهو أحد الذين كسروا آلهة بني سلمة، رحل إلى مصر، وإفريقية، وسكن الشام، وتوفي بها سنة أربع وخمسين للهجرة (¬2). عبد الله بن بدر الجهني، كان اسمه عبد العزى، فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله، وكان ينزل البادية بالقبلية من جبال جهينة، وهو أحد الأربعة الذين كانوا يحملون ألوية جهينة يوم الفتح، توفي في ولاية معاوية بن أبي سفيان (¬3). عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الرحمن، أسلم بمكة مع أبيه عمر بن الخطاب، ولم يكن بلغ يومئذ، وهاجر معه إلى المدينة، عرض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، وهو ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزه، وأول مشاهده الخندق، كان - رضي الله عنه - من أهل الورع والعلم، وكان كثير الاتباع لآثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، شديد التحري والاحتياط والتوقي في فتواه، اعتزل في الفتن عن الناس، ومات سنة ثلاث وسبعين بمكة، وهو ابن سبع وثمانين سنة (¬4). عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري، أبو جابر، كان نقيبًا، شهد العقبة، ثم بدرًا، واستشهد في أحد، في شوال على رأس اثنين وثلاثين شهرًا من الهجرة، ودفن هو وعمرو بن ¬

(¬1) الطبقات الكبرى لابن سعد (4/ 205). (¬2)؛ الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (4/ 15). (¬3) الطبقات الكبرى لابن سعد (1/ 333). (¬4) الطبقات الكبرى لابن سعد (4/ 142).

جموح في قبر واحد، وكانا متصافيين، وكان يسمى قبرهما قبر الأخوين (¬1). عبد الله بن مسعود الهذلي، أبو عبد الرحمن، من أهل مكة، ومن السابقين إلى الإسلام، هاجر الهجرتين، وشهد بدرًا، والمشاهد بعدها، ولازم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان صاحب نعليه، وحدَّث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالكثير، كان من أكابر الصحابة فضلًا وعقلًا، وقربًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة، توفي سنة اثنتين وثلاثين للهجرة (¬2). عبد الله ذو البجادين المُزَني، سمِّي بذي البجادين؛ لأن عمه كان يلي عليه، وهو في حجره يكرمه، فلما أسلم نزع منه كل ما كان عليه، فأبى إلا الإسلام، فأعطته أمه بجادًا من شعر، فشقه باثنتين، فاتزر بأحدهما، وارتدى بالآخر، ثم دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له: ما اسمك؟ قال: عبد العزى، قال: بل أنت عبد الله ذو البجادين، ومات في غزوة تبوك، ونزل النبي - صلى الله عليه وسلم - قبره، ودفنه بيده (¬3). عبيد مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). عتبة بن النُّدَّر السلمي، شهد الفتح، وسكن الشام، ونزل مصر، مات سنة أربع وثمانين (¬5). عتبة بن عبد السلمي: أبو الوليد، كان اسمه عتلة، فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عتبة، نزل الشام، وسكن بحمص، توفي سنة إحدى أو اثنتين وتسعين، وهو ابن أربع وتسعين سنة، وهو آخر من مات بالشام من الصحابة (¬6). عتبة بن غزوان المازني: أبو عبدالله، حليف بني عبد شمس أو بني نوفل، من السابقين ¬

(¬1) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 561). (¬2)؛ الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (4/ 233). (¬3) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (1/ 365). (¬4) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (4/ 421). (¬5) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 413). (¬6) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (2/ 1).

الأولين، هاجر إلى الحبشة، ثم رجع مهاجرًا إلى المدينة رفيقًا للمقداد، وشهد بدرًا وما بعدها، وكان من رماة الصحابة، كان عامل عمر بن الخطاب على البصرة، وهو الذي بصر البصرة وبنى مسجدها، مات في خلافة عمر سنة سبع عشرة في طريق مكة، بموضع يقال له: معدن بني سليم، وكان له يوم مات سبع وخمسون سنة (¬1). عتبة بن مسعود الهذلي، أبو عبد الله، حليف لبني زهرة، أخو عبد الله بن مسعود، أسلم قديمًا بمكة، وهاجر مع أخيه إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، فأقام بها إلى أن قدم مع جعفر بن أبي طالب، وقيل: قدم قبل ذلك، وشهد أحدًا وما بعدها، مات في خلافة عمر قبل عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم (¬2). عثمان بن مَظْعون القرشي الجمحي، أبو السائب، أسلم بعد ثلاثة عشر رجلًا، وهاجر إلى الحبشة هو وابنه السائب الهجرة الأولى، وهو أول رجل مات بالمدينة من المهاجرين بعدما رجع من بدر، وقبَّله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الموت (¬3). العرباض بن سارية، أبو نجيح، أسلم قديمًا، ونزل الصُّفَّة، ثم سكن الشام، ومات بها سنة خمس وسبعين، وقيل: بل مات في فتنة ابن الزبير، كان من البكائين، نزلت فيه وفي أصحابه قوله تعالى: {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} (¬4) (¬5). عقبة بن عامر الجهني، كان قارئًا عالمًا بالفرائض والفقه، فصيح اللسان شاعرًا كاتبًا، وهو أحد من جمع القرآن، شهد الفتوح، وكان هو البريد إلى عمر بفتح دمشق، وشهد صفين مع معاوية، وأمَّره بعد ذلك على مصر، وتوفي بها سنة ثمان وخمسين في ولاية معاوية (¬6)، نسب ¬

(¬1) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (4/ 438). (¬2) الطبقات الكبرى لابن سعد (4/ 126). (¬3) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 393). (¬4) سورة التوبة: 92. (¬5) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 412). (¬6) الطبقات الكبرى لابن سعد (4/ 343).

نفسه إلى أهل الصُّفَّة كما في صحيح مسلم (¬1). عكاشة بن محصن الأسدي: أبو محصن، من السابقين الأولين، شهد بدرًا، وأبلى فيها بلاءً حسنًا، وانكسر في يده سيف، فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عودًا، فعاد في يده سيفًا يومئذ شديد المتن، أبيض الحديدة، فقاتل به، حتى فتح الله عزَّ وجلَّ على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قتل في الردة وهو عنده، وكان ذلك السيف يسمى العون، شهد أحدًا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الغمر سرية في أربعين رجلًا، فانصرفوا، ولم يلقوا كيدًا، قيل: استشهد عكاشة في قتال أهل الردة في خلافة أبي بكر سنة اثنتي عشرة للهجرة (¬2). عمار بن ياسر، أبو اليقظان، حليف بني مخزوم، وأمه سمية مولاة لهم، كان من السابقين الأولين هو وأبوه، وكانوا ممن يعذب في الله، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمر عليهم، فيقول: «صبرًا آل ياسر موعدكم الجنة» (¬3)، واختلف في هجرته إلى الحبشة، وهاجر إلى المدينة، وشهد المشاهد كلها، ثم شهد اليمامة، فقطعت أذنه بها، ونزل الكوفة، واستعمله عمر عليها، ولم يزل مع علي بن أبي طالب يشهد معه مشاهده، حتى قتل بصفين سنة سبع وثلاثين ودفن هناك، وهو ابن ثلاث وتسعين سنة، وتواترت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن عمارًا تقتله الفئة الباغية (¬4). عمرو بن تغلب النمري، سكن البصرة، أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - على إسلامه، فقد روي عنه أنه قال: «لقد قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمة ما أحب أن لي بها حمر النعم، أُتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء فأعطى قومًا، ومنع قومًا، وقال: «إنا لنعطي قومًا نخشى هلعهم وجزعهم، وأَكِلُ قومًا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الإيمان، ومنهم عمرو بن تغلب» (¬5) (¬6). ¬

(¬1) رواه مسلم في صحيحه، باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وتعلمه، (1/ 553)، حديث (803). (¬2) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 92). (¬3) رواه الحاكم في المستدرك (3/ 432)، حديث (5646). (¬4) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 15). (¬5) مسند أحمد، حديث عمرو بن تغلب (5/ 69)، حديث (20692). (¬6) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (2/ 11).

عمير بن عوف، مولى سهيل بن عمرو القرشي العامري خطيب قريش، كنيته أبو عمرو، من مولدي مكة، شهد بدرًا واحدًا والخندق وما بعدها من المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مات في خلافة عمر بن الخطاب وصلى عليه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (¬1). عويم بن ساعدة الأنصاري: أبو عبد الرحمن، من حلفاء بني عمرو بن عوف، وقيل: من أنفسهم، شهد العقبة وبدرًا وأحدًا والمغازي كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مات في خلافة عمر بن الخطاب، وهو ابن خمس وستين سنة (¬2). عياض بن حمار المجاشعي، وكان حليفًا لأبي سفيان بن حرب، وكان صديقًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قديمًا، وكان إذا قدم مكة لا يطوف إلا في ثياب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كان من الجملة الذين لا يطوفون إلا في ثوب أحمسي، وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يسلم، ومعه نجيبة يهديها إليه، فقال: «أسلمت؟ قال: لا، قال: إن الله نهاني أن أقبل زبد المشركين» (¬3)، فأسلم، فقبلها منه، وهو ممن سكن البصرة (¬4). غرفة الأزدي، وهو الذي دعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «اللهم بارك له في صفقته» (¬5). فرات بن حيان العجلي، حليف بني سهم، وهو أحد الأربعة الذين أسلموا من ربيعة، وكان هاديًا في الطريق، بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية مع زيد بن حارثة؛ ليعترضوا عيرًا لقريش، وكان دليل قريش فرات بن حيان، فأصابوا العير، وأسروا فرات بن حيان، فأتوا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يقتله، فمر بحليف له من الأنصار، فقال: إني مسلم، فقال الأنصار: يا رسول الله، ¬

(¬1) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 407). (¬2) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (2/ 11). (¬3) سنن أبي داود أول كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب في الإمام يقبَلُ هدايا المُشركينَ (3/ 173)، حديث (3057)؛ وسنن الترمذي، أبواب السير عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب في كراهية هدايا المشركين (4/ 140)، حديث (1577). والزبد: الرفد والعطاء. (¬4) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (2/ 16). (¬5) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (5/ 319).

إنه يقول: إنه مسلم، فقال: «إن فيكم رجالًا نكلهم إلى إيمانهم، منهم فرات بن حيان» (¬1)، وأطلقه، ولما أسلم حسن إسلامه وفقه في الدين، وكرم على النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى إنه أقطعه أرضًا باليمامة تغل أربعة آلاف، وسيَّره النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ثمامة بن أثال في قتل مسيلمة وقتاله، ولم يزل يغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فانتقل إلى مكة، فنزلها، وكان عقبه بها، ونزل الكوفة أيضًا، وابتنى بها دارًا في بني عجل (¬2). فضالة بن عبيد الأنصاري الأوسي: أبو محمد، أسلم قديمًا، ولم يشهد بدرًا، وشهد أحدًا فما بعدها، وشهد فتح الشام ومصر، ثم سكن الشام، وولي الغزو، وولاه معاوية قضاء دمشق بعد أبي الدرداء، مات بها سنة ثلاث وخمسين في خلافة معاوية (¬3). قرة بن إياس المزني: أبو معاوية، سكن البصرة، وهو جد إياس بن معاوية بن قرة قاضي البصرة، قتل في حرب الأزارقة، سنة أربع وستين للهجرة (¬4). كعب بن عمرو الأنصاري: أبو اليسر، شهد العقبة وبدرًا، وهو ابن عشرين سنة، وهو الذي أسر العباس بن عبد المطلب، وكان رجلًا قصيرًا، والعباس رجلًا طويلًا ضخمًا جميلًا، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لقد أعانك عليه ملك كريم» (¬5)، وهو الذي انتزع راية المشركين يوم بدر، وكانت بيد أبي عزيز بن عمير، وشهد أحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم شهد صفين مع علي - رضي الله عنه -، يعد في أهل المدينة، وبها كانت وفاته سنة خمس وخمسين، في ولاية معاوية، وهو آخر من مات من أهل بدر (¬6). كعب بن مالك الخزرجي الأنصاري: أبو عبد الله، شهد العقبة، وبايع بها، وتخلف عن بدر، وشهد أحدًا وما بعدها، وتخلف في تبوك، وهو أحد الثلاثة الذين تِيب عليهم، وكان من شعراء ¬

(¬1) رواه أبو داود في سننه (3/ 48، حديث (2652). (¬2) الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 40). (¬3) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (2/ 17). (¬4) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (2/ 18). (¬5) رواه أحمد في مسنده (1/ 353، حديث (3310). (¬6) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 581).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، تُوفي في زمن معاوية سنة خمسين، وهو ابن سبع وسبعين، وكان قد عمي وذهب بصره في آخر عمره (¬1). مسطح بن أثاثة: أبو عباد، كان اسمه عوفًا، ولقب بمسطح فغلب عليه، وأمه بنت خالة أبي بكر - رضي الله عنه -، كان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - ينفق عليه لفقره وقرابته، فلما خاض في قصة الإفك قرر ألا ينفق عليه، فلما نزلت: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} (¬2) عاد أبو بكر إلى الإنفاق، وقال: بلى أنا أحبُّ أن يغفر الله تعالى لي» (¬3)، شهد مِسطح بدرًا وأحدًا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، توفي سنة أربع وثلاثين، وهو يومئذ ابن ست وخمسين سنة (¬4). مسعود بن الربيع القاري، يكنى أبا عمير، من القارة، وهم الهون بن خزيمة بن مدركة، وهو أحد حلفاء بني زهرة، أسلم قديمًا بمكة، قبل دخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم، وآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عبيد بن التيهان، شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مات سنة ثلاثين، وقد زاد سنه على الستين (¬5). مصعب بن عمير القرشي العبدري، أبو عبد الله، أحد السابقين إلى الإسلام، أسلم قديمًا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - في دار الأرقم، وكتم إسلامه خوفًا من أمه وقومه، كان أنعم غلام بمكة وأجوده حلة، فعلم بإسلامه عثمان بن طَلْحَة، فأخبر أهله، فأوثقوه فلم يزل محبوسًا إلى أن هرب مع من هاجر إلى الحبشة، ثم رجع إلى مكة، بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة بعد العقبة الثانية يقرئهم القرآن، ويفقههم في الدين، وكان يدعى القارئ المقرئ، فأسلم أهل المدينة على يده قبل قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها، ويقال: إنه ¬

(¬1) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (5/ 610). (¬2) النور:22. (¬3) صحيح البخاري، كتاب: المغازي، بَابُ {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [النور: 12] إِلَى قَوْلِهِ: {الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] (2/ 945)، حديث (2518). (¬4) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 53). (¬5) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 168).

أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل الهجرة، شهد بدرًا، ثم شهد أحدًا، وكان معه اللواء، فاستشهد (¬1). معاذ بن الحارث الأنصاري الخزرجي: أبو حليمة، يقال له: القاري، شهد الخندق، ولم يدرك من حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ست سنين، وشهد الجسر مع أبي عبيدة، وهو الذي أقامه عمر يصلي التراويح في شهر رمضان، قتل بالحرة سنة ثلاث وستين، وهو ابن تسع وستين سنة (¬2). المقداد بن الأسود، نسب إلى الأسود بن عبد يغوث بن وهب الزهري؛ لأنه كان تبناه، وحالفه في الجاهلية، فقيل: المقداد بن الأسود، وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك البهراني، أسلم قديمًا، وتزوج ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا، والمشاهد بعدها، وكان فارسًا يوم بدر حتى إنه لم يثبت أنه كان فيها على فرس غيره، مات بالجرف سنة ثلاث وثلاثين، وهو ابن سبعين سنة، وحمل على رقاب الرجال إلى المدينة، وصلى عليه عثمان بن عفان (¬3). وابصة بن معبد الأسدي، من بني أسد بن خزيمة، يكنى أبا شداد، ويقال: أبا قرصافة، وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة تسع، سكن الكوفة، ثم تحول إلى الرقة، وولي قضاءها أيام هارون الرشيد، ومات بها، وعقبه بها (¬4). واثلة بن الأسقع الليثي، أبو الأسقع، وقيل: أبو قرصافة، كان ينزل ناحية المدينة، ثم وقع الإسلام في قلبه، فقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتجهز إلى تبوك، فأسلم، وخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك، خدم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث سنين، ولما قبض - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الشام، وشهد فتح دمشق وحمص، توفي سنة ثلاث وثمانين، وهو ابن مائة وخمس سنين، وقيل: مات سنة خمس وثمانين، وهو آخر من مات بدمشق من الصحابة (¬5). ¬

(¬1) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 116). (¬2) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (2/ 21). (¬3) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (2/ 20). (¬4) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 476). (¬5) الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 407).

يسار الجهمي: أبو فكيهة، مولى صفوان بن أمية، وقيل: مولى بني عبد الدار، ويقال: أصله من الأزد، أسلم قديمًا، فربط أمية بن خلف في رجله حبلًا، فجره حتى ألقاه في الرمضاء، وجعل يخنقه، فجاء أخوه أبي ابن خلف، فقال: زده، فلم يزل على ذلك، حتى ظن أنه مات، فمر أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فاشتراه، وأعتقه (¬1). ¬

(¬1) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (2/ 24).

المبحث الثالث: التعريف بنموذج الصفة

المبحث الثالث: التعريف بنموذج الصُّفَّة وفيه أربعة مَطالب: المَطْلَب الأول: التعريف باسم الصُّفَّة الصُّفَّة في اللُّغة- بضمًّ الصاد، وتشديد الفاء- هي: الظلة والبهو الواسع العالي السقف (¬1). ويراد بها في الاصطلاح: موضع مظلل من المسجد كان يأوي إليه المساكين (¬2). أو هي مكان مظلل في مسجد المدينة كان يأوي إليه فقراء المهاجرين ويرعاهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهم أصحاب الصُّفَّة (¬3). المَطْلَب الثاني: تاريخ الصُّفَّة (بدايتها ونهايتها) بداية نشأة الصُّفَّة: ظهر بعد هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة المنورة مشكلة تتعلَّق بمعيشة المهاجرين الذين تركوا بيوتهم وأموالهم ومتاعهم بمكة فرارًا بدينهم من طغيان المشركين، ولا شك أن بعض المهاجرين لم يستطيعوا العمل حال قدومهم إلى المدينة؛ لأن الطابع الزراعي يغلب على اقتصاد المدينة، وليست للمهاجرين خبرة زراعية، فمجتمع مكة تجاري، كما أنهم لا يملكون أرضًا زراعية في المدينة، وليست لديهم رؤوس أموال، فقد تركوا أموالهم بمكة، وقد وضع الأنصار إمكانياتهم في خدمة المهاجرين، لكن بعض المهاجرين بقي محتاجًا إلى المأوى، واستمر تدفق المهاجرين إلى المدينة خاصة قبل موقعة الخندق؛ حيث كان الكثير منهم يستقرون في المدينة كما طرقت الوفود الكثيرة المدينة، ومنهم من لم يكن على معرفة بأحد من أهل المدينة، فكان هؤلاء الغرباء بحاجة إلى مأوى دائم أو مدة إقامتهم، ولا شك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فكر في إيجاد المأوى ¬

(¬1) المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، دار الدعوة، باب الصاد، (1/ 517). (¬2) المرجع السابق، (9/ 195). (¬3) المرجع السابق، (1/ 517).

المطلب الثالث: مكان الصفة

للفقراء المقيمين والوفود الطارقين وحانت الفرصة عندما تم تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، وذلك بعد ستة عشر شهرًا من هجرته - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة حيث بقى حائط القبلة الأولى في مؤخر المسجد النبوي، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به فظلل أو سقف وأطلق عليه اسم الصُّفَّة أو الظلة ولم يكن لها ما يستر جوانبها (¬1). وروى البيهقي عن عثمان بن اليمان قال: «لما كثر المهاجرون بالمدينة، ولم يكن لهم دار ولا مأوى، أنزلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد، وسماهم أصحاب الصُّفَّة، فكان يجالسهم، ويأنس بهم» (¬2). نهاية الصُّفَّة: لم تذكر المَصادر التاريخية تاريخ خروج الصحابة من الصُّفَّة، إلا أن عددًا من العلماء أشار إلى أن انتهاء الصُّفَّة كان مع بداية العهد الراشدي؛ لأن الهجرة إلى المدينة قد انقطعت بعد فتح مكة، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا هجرة بعد الفتح»، ولأن الحاجة التي دفعتْ أهل الصُّفَّة للجلوس فيها من ملازمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتعلم منه، وخدمته، لم تعدْ موجودةً بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، إضافة إلى أن الله تعالى قد فتح على المسلمين الفتوح، فاغتنى المسلمون، ولم تعد الضرورة قائمة لأكل الصدقة (¬3). قال ابن الجوزي: «هؤلاء القوم إنما قعدوا في المسجد ضرورة، وإنما أكلوا من الصدقة ضرورة، فلما فتح الله على المسلمين، استغنوا عن تلك الحال وخرجوا» (¬4). المَطْلَب الثالث: مكان الصُّفَّة روى البيهقي عن عثمان بن اليمان قال: لما كثرت المهاجرون بالمدينة ولم يكن لهم دار ولا ¬

(¬1) السيرة النبوية الصحيحة د. أكرم ضياء العمري، مرجع سابق (1/ 258). (¬2) السنن الكبرى للبيهقي (2/ 445)، حديث (525).، وانظر الصُّفة تاريخها- أصحابها، دراسة تاريخية توثيقية، محمود محمد حمو، بحث منشور في مجلة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة-العدد (29) (ص: 13). (¬3) الصُّفة تاريخها- أصحابها، دراسة تاريخية توثيقية، محمود محمد حمو، مرجع سابق، ص 14 (¬4) تلبيس إبليس، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597 هـ)، دار الفكر للطباعة والنشر، بيرزت، لبنان، الطبعة: الطبعة الأولى، 1421 هـ/ 2001 م، (ص 146).

مأوى أنزلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد، وسماهم أصحاب الصُّفَّة، فكان يجالسهم ويأنس بهم (¬1). وروى ابن سعد في الطبقات عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال: «كان أهل الصُّفَّة ناسًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا منازل لهم، فكانوا ينامون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، ويظلُّون فيه، ما لهم مأوى غيره» (¬2). ولا خلاف بأنها تقع في المسجد، ويظهر أقوال نادرة بأنها كانت خارج المسجد، ولم أجد لها من خلال دراستنا ما يؤيدها. أما تحديد موقع الصُّفَّة من المسجد، فكانت في البناء الأول للمسجد النبوي تقع في الجهة الشمالية من المسجد، مكان الظلة التي كان يصلي فيها المسلمون إلى بيت المقدس، ولما حُوِّلت القبلة إلى الكعبة كان لا بد من نقل الظلة التي أقيمتْ لِتَقي المصلِّين الحَرَّ والمطر من الجهة الشمالية إلى الجهة الجنوبية، بيد أن الحاجة إليها لإيواء الفقراء والمساكين أوجبتْ بقاءها، وإقامة أخرى في الجهة الجنوبية، فبقيت ظلة القبلة الأولى مكانًا لأهل الصُّفَّة، وأصبح للمسجد لأول مرة ظلتان، يتوسطهما صحن مكشوف (¬3). يقول الحافظ الذهبيُّ: «كانت هذه القِبلة في شمالي المسجد، فلما حُوِّلت القبلة بقي حائط القبلة الأولى مكان أهل الصُّفَّة» (¬4). وفي السنة السابعة للهجرة وبعد غزوة خيبر ضاق المسجدُ بالمصلين، فعزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على زيادة مساحته (¬5). ¬

(¬1) وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، علي بن عبد الله بن أحمد الحسني الشافعي، نور الدين أبو الحسن السمهودي (المتوفى: 911 هـ)، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة: الأولى (2/ 49). (¬2) الطبقات الكبرى لابن سعد (1/ 255). (¬3) تحقيق النصرة، (68 - 71)، وعمارة المسجد النبوي (42 - 45) نقلاً عن الصُّفة، دراسة تاريخية توثيقية، مرجع سابق، (ص: 19). (¬4) وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، مرجع سابق، (1/ 280). (¬5) الصُّفة تاريخها- أصحابها، دراسة تاريخية توثيقية، محمود محمد حمو، مرجع سابق، (ص: 22).

وروى الترمذي والنسائي في قصة إشراف عثمان على الناس يوم الدار، عن ثمامة بن حزن القشيري أن عثمان - رضي الله عنه - قال: «أنشدكم بالله وبالإسلام، هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من يشتري بقعة آل فلان، فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟» فاشتريتها من صلب مالي ... الحديث» (¬1). وقد تمَّت توسعة المسجد من ثلاث جهات، فزيد في المسجد من جهة الشرق عشرة أذرع، أو أسطوانة، ومن جهة الغرب عشرين ذراعًا، أو أسطوانتين، ومن جهة الشمال أربعين ذراعًا، أو أربع أسطوانات، فأصبح المسجد بعد توسعته مائة ذراع في مائة ذراع (¬2). وقد ظهرت عدة أقوال في مكان الصُّفَّة في البناء الأول للمسجد النبوي (بعد التوسعة)، فقيل بأنها تقع في الركن الشمالي الغربي، والقول الثاني: تقع الصُّفَّة في الركن الشمالي الشرقي، وهي ظلة صغيرة، والقول الثالث: تقع الصُّفَّة في الجهة الشمالية، وتمتد ظلتها من الشرق إلى الغرب، والقول الرابع: أن «دكة الأغوات» هي مكان الصُّفَّة، وتقع الدكة شمال مقصورة الحجرة الشريفة، وعلى يمين الداخل من باب جبريل، وعلى يسار الداخل من باب النساء، ولا يخفى بُعد هذا القول؛ لأن هذا الموضع كان خارج المسجد من جهته الشرقية في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو موازٍ لحجراته - صلى الله عليه وسلم -، وأول توسعة أدخلت الحجرات ومكان الدكة في المسجد كانت في عهد عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - سنة 91 هـ (¬3). ورجَّح الباحث محمود محمد حمو أن الصُّفَّة كانت تمتد على طول الحائط الشمالي من شرقي المسجد إلى غربيه، بصف واحد من الأساطين، وذلك للأسباب التالية: 1 - أن كل من تكلم عن موقع الصُّفَّة حددها بالحائط الشمالي، أو مؤخرة المسجد، وحصْرها في أحد ركنيه الشرقي أو الغربي لا مسوغ له، خاصة أن عدد أهل الصُّفَّة في ازدياد. ¬

(¬1) سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب في مناقب عثمان، (5/ 627)، حديث (3703). (¬2) الطبقات الكبرى، ابن سعد، مرجع سابق (1/ 239). (¬3) الصُّفة تاريخها- أصحابها، دراسة تاريخية توثيقية، محمود محمد حمو، مرجع سابق، (ص: 25).

المطلب الرابع: أصحاب الصفة

2 - أن الظُّلة في البناء الأول للمسجد كانت على امتداد الحائط الشمالي. 3 - أن مساحة الظلة في أحد ركني المسجد لا يفي بالغرض الذي من أجله بنيت الظلة، فمساحتها في أحد الركنين تقدر بـ 125 مترًا مربعًا، وهي لا تكفي لإقامة مائة رجل، مع أن عددهم قد بلغ الأربعمائة في آن واحد. 4 - أن جعل الظلة ثلاثة صفوف على امتداد الحائط الشمالي مساحة كبيرة لا حاجة لها، إذ إنها تساوي مساحة الظلة الجنوبية للمصلين، والتي هي المقصد الأول من إقامة المسجد (¬1). المَطْلَب الرابع: أصحاب الصُّفَّة تفيد المَصادر التاريخية أن معظم من نزل الصُّفَّة كانوا من فقراء المهاجرين الذين لم يجدوا مكانًا ينزلون فيه، وأن أول من نزلها مهاجرو مكة (¬2). فعن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال: «كان أهل الصُّفَّة ناسًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا منازل لهم، فكانوا ينامون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، ويظلون فيه ما لهم مأوى غيره» (¬3). وعن طَلْحَة النضري - رضي الله عنه - قال: «كان الرجل منا إذا قدم المدينة، فكان له بها عريف (¬4) نزل على عريفه، وإن لم يكن له بها عريف نزل الصُّفَّة، فقدمت، فنزلت الصُّفَّة» (¬5). ومما يدل على أن أهل من نزل الصُّفَّة المهاجرون من قريش، ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (¬6) قال: «هم أصحاب ¬

(¬1) المرجع نفسه، والصفحة نفسها. (¬2) السيرة النبوية الصحيحة د. أكرم ضياء العمري، مرجع سابق (1/ 259). (¬3) الطبقات الكبرى لابن سعد (1/ 255). (¬4) العريف: هو القيم بأمر القوم، وقيل بمعنى العالم بالشيء والمعرفة وهو القصود هنا أي الشخص المعروف لديه. (¬5) صحيح ابن حبان (15/ 77) حديث 6684، والسنن الكبرى للبيهقي، جماع أبواب الصلاة بالنجاسة وموضع الصلاة من مسجد وغيره، باب المسلم يبيت في المسجد، (2/ 445)، حديث 4337. (¬6) البقرة: 273.

الصُّفَّة»، وقال مجاهد: «هم مهاجرو قريش بالمدينة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، أمروا بالصدقة عليهم» (¬1). ولذلك نسبت إليهم الصُّفَّة، فقيل: صفة المهاجرين، كما روي عن واثلة ابن الأسقع - رضي الله عنه - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءهم في صفة المهاجرين، فسأله إنسان: أيُّ آية في القرآن أعظم؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم» (¬2). ثم نزل بها الغرباء من الوفود الذين كانوا يَقْدُمون على النبي - صلى الله عليه وسلم - مُعْلِنين إسلامهم وطاعتهم (¬3). لذا فأهل الصُّفَّة ينتمون إلى قبائل شتى، من مهاجري مكة وغيرها، يدل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصفهم بالأوْفَاض (¬4)، فعن أبي رافع - رضي الله عنه - قال: «لما ولدت فاطمة حسنًا، قالت: ألا أعق عن ابني بدم، قال: لا، ولكن احلقي رأسه، وتصدقي بوزن شعره من فضة على المساكين، والأوفاض، وكان الأوفاض ناسًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محتاجين في المسجد، أو في الصُّفَّة، وقال أبو النضر: من الورق على الأوفاض- يعني: أهل الصُّفَّة، أو على المساكين- ففعلت ذلك، قالت: فلما ولدت حسينًا فعلت مثل ذلك» (¬5). والأَوْفَاض: الفِرق من الناس والأخلاط من قبائل شتى، من وَفَضَت الإبل إذا تفرقت، قال أبو عبيد: والمراد بهم أهل الصُّفَّة؛ لأنهم كانوا أخلاطًا من قبائل شتى (¬6). إلا أن المتأمل في الروايات السابقة التي أوردتها يجد أن أهل الصُّفَّة مع اختلاف قبائلهم، وتعدد مواطنهم، كان بينهم عدد من مهاجري مكة (¬7)، ويؤيد ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يؤاخ بين ¬

(¬1) الدر المنثور للسيوطي (2/ 89)، وفتح القدير للمناوي (1/ 293)، نقلًا عن الصُّفة تاريخها- أصحابها، دراسة تاريخية توثيقية، محمود محمد حمو، مرجع سابق، (ص 27). (¬2) المعجم الكبير للطبراني (1/ 334)، رقم الحديث (999). (¬3) الصُّفة، دراسة تاريخية توثيقية، مرجع سابق، (ص: 27). (¬4) المرجع السابق، (ص: 28). (¬5) المعجم الكبير للطبراني (1/ 311)، حديث (918)؛ والسنن الكبرى للبيهقي، جماع أبواب العقيقة، باب ما جاء في التصدق بزنة شعره فضة وما تعطى القابلة (9/ 512)، حديث: 19299. (¬6) الصُّفة، دراسة تاريخية توثيقية، مرجع سابق، (ص: 28). (¬7) المرجع السابق، (ص: 29).

جميع المهاجرين والأنصار، بل كان عدد الذين آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم تسعين رجلًا، وقيل: مائة، خمسون من المهاجرين، وخمسون من الأنصار، وكان ذلك قبل غزوة بدر (¬1). وتشير بعض المَصادر إلى نزول عدد من الأنصار في الصُّفَّة، وأن نزولهم في الصُّفَّة حبًّا لحياة الزهد والفقر، ومواساة لإخوانهم، رغم استغنائهم عن ذلك، يقول أبو نعيم في ترجمة أبي سعيد الخدري: «وحاله قريب من حال أهل الصُّفَّة، وإن كان أنصاري الدار؛ لإيثاره التصبر، واختياره للفقر والتعفف» (¬2)، وقيل منهم كذلك البراء بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وحارثة بن النعمان، وحنظلة بن أبي عامر (¬3)، ويرى الباحث أن نزول هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم غير ثابت كثبوت نزول المهاجرين في الصُّفَّة، ولم يذكر في روايات كثيرة وهو وإن كان ثابتًا نزولهم في الصُّفَّة فليس مسلمًا بأن سبب نزولهم إياها لإيثارهم التصبر، واختيارهم للفقر والتعفف؛ فقد ورد هذا فقط في ترجمة أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، وأما الصحابة الآخرون من الأنصار رضوان الله عليهم فقد يكون نزولهم الصُّفَّة لحالهم وفقرهم، فكما أن في المهاجرين فقراء فكذلك في الأنصار، فهم ليسوا جميعًا أغنياء، وقد وجد الفقراء في أكثر المجتمعات غنىً وثراءًا. وبهذا يتضح بأن أهل الصُّفَّة ليسوا أشخاصًا بأعيانهم، بل هم من الفقراء والمساكين، وغالبهم من المهاجرين الذين غلبت عليهم الظروف المعيشية الصعبة في تلك الفترة، وعندما تحسنتْ أوضاعُهم لم يبقوا فيها. فقد روى أنس بن مالك أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ببعير فقال: يا رسول الله، أعقله وأتوكل؟ أو أطلقه وأتوكل؟ قال: (اعقله وتوكل)، قلت: ولا حجة لهم في أهل الصُّفَّة، فإنهم كانوا فقراء يقعدون في المسجد ما يحرثون ولا يتجرون، ليس لهم كسب ولا مال، إنما هم أضياف الإسلام عند ضيق البلدان، ومع ذلك فإنهم كانوا يحتطبون بالنهار، ويسوقون الماء إلى بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقرؤون القرآن بالليل ويصلون؛ هكذا وصفهم البخاري وغيره، فكانوا يتسببون، وكان ¬

(¬1) الطبقات لابن سعد (1/ 238). (¬2) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (1/ 369)، وانظر الصُّفة، دراسة تاريخية توثيقية، مرجع سابق، (ص: 29). (¬3) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني، مرجع سابق (1/ 350 - 369).

- صلى الله عليه وسلم - إذا جاءته هدية أكلها معهم، وإن كانت صدقة خصهم بها، فلما كثر الفتح وانتشر الإسلام خرجوا وتأمروا- كأبي هُرَيْرَة وغيره- وما قعدوا (¬1). ¬

(¬1) تفسير القرطبي، أبو عبد الله شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671 هـ)، تحقيق أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية- القاهرة، الطبعة الثانية، 1384 هـ- 1964 م (8/ 108).

الفصل الأول: الموارد الاقتصادية لأهل الصفة

الفصل الأول: الموارد الاقتصادية لأهل الصُّفَّة وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: المصادر الذاتية المطلب الأول: العمل المطلب الثاني: الغنائم المبحث الثاني: المصادر الرسمية المطلب الأول: مصادر بيت المال المطلب الثاني: الزكاة المبحث الثالث: المصادر غير الرسمية المطلب الأول: الصدقات والهبات المطلب الثاني: الأوقاف

المبحث الأول: المصادر الذاتية

المبحث الأول: المصادر الذاتية المطلب الأول: العمل قال الفرَّاء: الفقراء أهل الصُّفَّة لم يكن لهم عشائر ولا مال، كانوا يلتمَّسون الفضل ثمَّ يؤوون إلى مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). أورد الماوري في تفسير قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (¬2) قولين، أحدهما: أنَّها نزلت في أهل الصُّفَّة، وكانوا قومًا من المهاجرين فقراء، ولم يكن لهم بالمدينة مساكن ولا عشائر، فنزلوا صُفَّة المسجد، وكانوا نحو أربعمائة رجل يتلمَّسون الرزق بالنهار ويؤوون إلى الصُّفَّة في الليل، وكان بالمدينة بغايا متعالنات بالفجور، مما يصيب الرجال بالكسوة والطعام، فهمَّ أهل الصُّفَّة أن يتزوجوهن؛ ليؤووا إلى مساكنهن وينالوا من طعامهن وكسوتهن، فنزلت فيهن هذه الآية. (¬3) والشاهد قوله: (وكانوا نحو أربعمائة رجل يتلمَّسون الرزق بالنهار ويؤوون إلى الصُّفَّة في الليل). قال ابن تيمية، رحمه الله: «وكان فقراء المسلمين من أهل الصُّفَّة وغيرهم يكتسبون عند إمكان الاكتساب الَّذي لا يصدهم عما هو أوجب أو أحب إلى الله من الكسب، وأما إذا أحصروا في سبيل الله عن الكسب فكانوا يقدمون ما هو أقرب إلى الله ورسوله .. فإن الغالب كان عليهم الحاجة لا يقوم ما يقدرون عليه من الكسب بما يحتاجون إليه من الرزق .. ولم يكن ¬

(¬1) تفسير الثعلبي (الكشف والبيان عن تفسير القرآن)، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور،: دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان، الطبعة: الأولى 1422، هـ- 2002 م (5/ 57). (¬2) النور: 3. (¬3) تفسير الماوردي (النكت والعيون)، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450 هـ)، تحقيق السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم، دار الكتب العلمية- بيروت/ لبنان 3 (4/ 73)، وانظر تفسير القرطبي (12/ 168).

في الصحابة لا أهل الصُّفَّة ولا غيرهم من يتخذ مسألة الناس ولا الإلحاف في المسألة بالكدية والشحاذة، لا بالزنبيل ولا غيره صناعة وحرفة بحيث لا يبتغي الرزق إلا بذلك» (¬1). وذكر الشاطبي في الاعتصام أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنزل صُفَّة المسجد من لم يجد وجهًا يتكسَّب به لقوت ولا لسكنى، وحضَّ أصحابه على إعانتهم، والإحسان إليهم؛ لأنهم أضياف الإسلام، وحق على الضيف إكرامه والإنفاق عليه حتَّى يجد السعة والرزق، ثمَّ قال: ومع ذلك كانوا بين طالب للقرآن والسنة كأبي هريرة، فإنه قصر نفسه على ذلك، وكان منهم من يتفرغ إلى ذكر الله وعبادته، وقراءة القرآن، فإذا غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا معه، وإذا أقام أقام معه، حتَّى فتح الله على رسوله وعلى المؤمنين، فصاروا إلى ما صار الناس إليه غيرهم ممن كان ذا أهل ومال، وطلب للمعاش واتخاذ المسكن؛ لأن العذر الَّذي حبسهم في الصُّفَّة قد زال، فرجعوا إلى الأصل لما زال العارض، فالذي تحصَّل أن القعود في الصُّفَّة لم يكن مقصودًا لنفسه، ولا بناء الصُّفَّة للفقراء مقصودًا بحيث يقال: إن ذلك مندوب إليه لمن قدر عليه، ولا هي شرعية تطلب بحيث يقال: إن ترك الاكتساب والخروج عن المال والانقطاع إلى الزوايا يشبه حالة أهل الصُّفَّة، والدليل من العمل أن المقصود بالصُّفَّة لم يدُم، ولم يثابر أهلها ولا غيرهم على البقاء فيها، ولا عمرت بعد النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان من قصد الشارع ثبوت تلك الحالة، لكانوا هم أحق بفهمها أولًا، ثمَّ بإقامتها والمكث فيها عن كل شغل ا. هـ. (¬2) وروى أنس بن مالك أن رجلًا أتى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ببعير فقال: يا رسول الله، أعقله وأتوكل، أو أطلقه وأتوكل؟ قال: (أعقله وتوكل). قلت: ولا حُجَّة لهم في أهل الصُّفَّة، فإنهم كانوا فقراء يقعدون في المسجد ما يحرثون ولا يتَّجرون، ليس لهم كسب ولا مال، إنَّما هم أضياف الإسلام عند ضيق البلدان، ومع ذلك فإنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويسوقون الماء إلى بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقرأون القرآن بالليل ويصلُّون. هكذا وصفهم البخاري وغيره، فكانوا يتسبَّبون. ¬

(¬1) الصُّفة، دراسة تاريخية توثيقية، مرجع سابق، (ص: 49). (¬2) الصُّفة، دراسة تاريخية توثيقية، مرجع سابق، (ص:50).

المطلب الثاني: الغنائم

وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا جاءته هدية أكلها معهم، وإن كانت صدقة خصَّهم بها، فلما كثر الفتح وانتشر الإسلام خرجوا وتأمَّروا-كأبي هريرة وغيره- وما قعدوا. (¬1) ويتضح أن أهل الصُّفَّة كما ورد من آثار يعملون إذا وجدوا فرصة لذلك، ومن أمثلة ذلك ما يلي: 1 - عمل بلال بن رباح مؤذنًا في مسجد الرسول الكريم. 2 - جاء في ترجمة الصحابي الجليل أبي الأصقع الليثي (أسلم قبل تبوك وشهدها، وكان من أهل الصُّفَّة، خدم النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث سنين، ومات سنة 83 هـ وعمره مائة وخمس سنين). (¬2) المطلب الثاني: الغنائم جاء في التفسير الوسيط في قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (¬3) قال ابن عباس في رواية الكلبي: هم أهل الصُّفَّة، صُفَّة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهم نحو من أربعمائة رجل، لم يكن لهم مساكن بالمدينة ولا عشائر يؤوون إليهم، فجعلوا أنفسهم في المسجد، وقالوا: نخرج في كل سريَّة يبعثها رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في سبيل الله، فحثَّ الله الناس على الصدقة عليهم، وكان الرجل إذا أكل وعنده فضل أتاهم به إذا أمسى. (¬4) وقد ردَّ ابن تيمية الافتراء عليهم بتخلُّفهم عن الجهاد، فقال: وأما ما ذكر من تخلُّفهم عنه ¬

(¬1) تفسير القرطبي، (8/ 108). (¬2) الشفا بتعريف حقوق المصطفى (1/ 181)، عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل (المتوفى: 544 هـ)، دار الفيحاء- عمان، الطبعة: الثانية- 1407 هـ، (ص: 181). (¬3) البقرة: 273. (¬4) الوسيط في تفسير القرآن المجيد، أبو الحسن علي النيسابوري الشافعي (المتوفى: 468 هـ) تحقيق عادل عبد الموجود، وآخرون، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى، 1415 هـ- 1994 م (1/ 388).

- صلى الله عليه وسلم - في الجهاد فقول جاهل ضال، بل هم الذين كانوا أعظم الناس قتالًا وجهادًا، كما وصفهم القرآن بقوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (¬1)، وقال قتادة في تفسيره لهذه الآية، وهو أحسن الأقوال، معناه: أنهم حبسوا أنفسهم على الجهاد في سبيل الله، وتركوا الخروج للتجارة والمعاش، ووقفوا أنفسهم على الحرب. (¬2) وقد ورد ذلك في أهل الصُّفَّة، كانوا قريبًا من أربعمائة نفر، اجتمعوا في مسجد رسول الله، وكانوا لا يؤوون إلى أهل ولا إلى مال، وكان يبعث الناس إليهم بفضل قوتهم، وكانوا وقفوا أنفسهم على الجهاد في سبيل الله، وقالوا: لا تخرج سريَّة إلا ونخرج معها، فهذا معنى قوله: {أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. (¬3) وجاء في تفسير البيضاوي: (وكانوا يخرجون في كل سريَّة بعثها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). (¬4) وكان منهم الشهداء ببدر، مثل: صفوان بن بيضاء، وخريم بن فاتك الأسدي، وخبيب بن يساف، وسالم بن عمير، وحارثة بن النعمان الأنصاري (2)، ومنهم من استشهد بأُحد، مثل: حنظلة الغسيل (3)، ومنهم من شهد الحديبية، مثل: جرهد بن خويلد، وأبي سريحة الغفاري (4)، ومنهم من استشهد بخيبر، مثل: ثقف بن عمرو (5)، ومنهم من استشهد بتبوك، مثل: عبد الله ذي البجادين (6)، ومنهم من استشهد باليمامة، مثل: سالم مولى أبي حذيفة، وزيد بن الخطاب (7)، هكذا كانوا رهبانًا في الليل فرسانًا في النهار. (¬5) ¬

(¬1) البقرة: 273. (¬2) تفسير القرآن، أبو المظفر السمعاني (المتوفى: 489 هـ)، تحقيق ياسر بن غنيم، دار الوطن، الرياض، الطبعة: الأولى، 1418 هـ- 1997 م (1/ 277). (¬3) البقرة:273. (¬4) أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ناصر الدين الشيرازي البيضاوي، (المتوفى: 685 هـ) تحقيق محمد المرعشلي، دار إحياء التراث العربي- بيروت، الطبعة: الأولى- 1418 هـ (1/ 161). (¬5) السيرة النبوية الصحيحة د. أكرم ضياء العمري، مرجع سابق (1/ 264).

وبتتبع سيرتهم العطرة وجد الباحث أن نسبة مشاركتهم في الجهاد في سبيل الله بلغت (99%)، وأن النسبة الباقية (1%) هي لأهل الأعذار، مثل عبد الله ابن أم مكتوم؛ فقد كان كفيف البصر، - رضي الله عنه -. ومن المعلوم أن من يخرج مجاهدًا في سبيل الله يأخذ نصيبه من الغنائم، فيكون هذا من الموارد الاقتصادية لهم.

المبحث الثاني: المصادر الرسمية

المبحث الثاني: المصادر الرسمية المطلب الأول: مصادر بيت المال روى واثلة بن الأسقع قال: كنت أنا من أصحاب الصُّفَّة، وذكر قصة، قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال أخطأني العشاء ذات ليلة مع النبي، وأخطأني أن يدعوني أحد من إخواننا، فصلَّينا العشاء، ثمَّ أردت أن أنام فلم أقدر، وأردت أن أصلِّي فلم أقدر، فإذا رجل عند حجرة النبي، فأتيته فإذا هو رسول الله يُصلِّي، فصلَّى ثمَّ استند إلى السارية التي كان يصلِّي إليها، فقال: مَن هذا؟ أبو هِرٍّ؟، قلت: نعم، قال: أخطأك العشاء معنا الليلة؟ قلت: نعم، قال: انطلق إلى المنزل فقل: هلمُّوا الطعام الَّذي عندكم، فأعطوني صحفة فيها عصيدة بتمر، فأتيت النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فوضعتها بين يديه، فقال لي: ادعُ لي أهلَ المسجد، فقلت في نفسي: الويل لي مما أرى من قلَّة الطعام، والويل لي من العصيدة .. الحديث، قال واثلة: فشكا أصحابي الجوعَ، فقالوا: يا واثلة، اذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستطعمه لنا، فأتيته فقلت: يا رسول الله، إن أصحاب الصُّفَّة أرسلوني إليك وهم جياع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزوجته عائشة: هل عندك شيء؟ فقالت: يا رسول الله، ما عندي إلَّا فتات خبز، فقال: هاتِه، فجاءت بالجراب، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصحفة فأفرغ الخبز في الصحفة، ثمَّ جعل يصلح الثريد بيده وهي تربو حتَّى امتلأت الصحفة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: يا واثلة، اذهب فجئني بعشرة من أصحابك، فجئت بعشرة من أصحابي، فقال: اجلسوا، اجلسوا، ثمَّ قال: كلوا باسم الله، خذوا من جوانبها ولا تأخذوا من أعلاها فإن البركة تنزل من أعلاها، فأكلوا حتَّى شبعوا، ثمَّ قاموا وفي الصحفة مثل ما كان فيها، ثمَّ جعل يصلحها بيده وهي تربو حتَّى امتلأت، فقال: يا واثلة، اذهب فجئني بعشرة، فقال: اجلسوا اجلسوا، فأكلوا حتَّى شبعوا، ثمَّ قاموا وبقي في الصحفة مثل ما كان فيها، ثمَّ قال: هل بقي أحد؟ قلت: نعم، عشرة، قال: جئ بهم، فأكلوا حتَّى شبعوا، ثمَّ قاموا وبقي في الصحفة مثل ما كان فيها، ثمَّ قال: يا واثلة، ارفع هذا إلى عائشة. (¬1) ¬

(¬1) المعجم الأوسط للطبراني [8/ 188] رقم 7383، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد [8/ 308]: رجاله ثقات. وانظر: شرف المصطفى، عبد الملك الخركوشي، دار البشائر الإسلامية- مكة، الطبعة: الأولى- 1424 هـ، (3/ 453).

المطلب الثاني: الزكاة

والشاهد من الحديث قوله: (يا رسول الله، إن أصحاب الصُّفَّة أرسلوني إليك وهم جياع)، وفيها دلالة صريحة على دور الرسول الكريم الرسمي بصفته قائد الأمة، واعتماد أصحابه عليه بصفته هذه، فيكون ذلك من قبيل المصادر الرسمية. المطلب الثاني: الزكاة وكذا الحديث الَّذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه -، كان يقول: والذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد على كبدي من الجوع، وإن كنت لأشد على بطني الحجر من الجوع، ولقد قعدت يومًا على طريقهم الَّذي يخرجون منه فمرَّ بي أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله تعالى، وما سألته إلا ليستتبعني، فمرَّ ولم يفعل، ثمَّ مرَّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله تعالى، وما سألته إلا ليستتبعني، فمرَّ ولم يفعل، ثمَّ مرَّ بي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - فتبسَّم وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثمَّ قال: يا أبا هريرة، قلت: لبَّيك يا رسول الله، قال: «الحق»، ثمَّ مضى واتبعته فدخل، واستأذنت فأذن لي، فدخلت فوجد لبنًا في قدح فقال: من أين هذا اللَّبن؟ قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، فقال: أبا هِرٍّ، فقلت: لبَّيك يا رسول الله، قال: الحق إلى أهل الصُّفَّة فادعهم، قال: وأهل الصُّفَّة أضياف الإسلام لا يؤوون إلى أهل ولا مال، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئًا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك فقلت: وما هذا اللَّبن في أهل الصُّفَّة؟ كنت أرجو أن أصيب من هذا اللَّبن شربة أتقوى بها أنا والرسول فإذا جاءوا أمرني، فكنت أنا أعطيهم وما عسى أن يبلغني من هذا اللَّبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بُدٌّ، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا حتَّى استأذنوا، فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت، فقال: يا أبا هريرة، قلت: لبَّيك يا رسول الله، قال: خذ وأعطهم، فأخذت القدح، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتَّى يروى، ثمَّ يردُّ عليَّ القدح فأعطيه آخر فيشرب حتَّى يروى، ثمَّ يردُّ عليَّ القدح، ثمَّ أعطيه آخر فيشرب حتَّى يروى، ثمَّ يردُّ عليَّ القدح، حتَّى انتهيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، ونظر إليَّ وتبسَّم - صلى الله عليه وسلم -، وقال: يا أبا هِرٍّ، قلت: لبَّيك يا رسول الله، قال: «بقيت أنا وأنت؟»، قلت: صدقت يا رسول الله، قال: «فاقعد واشرب» فقعدت وشربت، فقال: اشرب، فشربت فقال: اشرب، فشربت،

فما زال يقول: «اشرب» فأشرب، حتَّى قلت: لا والذي بعثك بالحقِّ، ما أجد له مسلكًا، ثمَّ أعطيته القدح، فحمد الله وسمَّى، وشرب الفضلة - صلى الله عليه وسلم - (¬1). والشَّاهد من الحديث الأوَّل قوله: (وأهل الصُّفَّة أضياف الإسلام لا يؤوون إلى أهل ولا مال إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئًا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم)، والصَّدقة هنا تأتي بمعنى الزكاة، وهي لا تنبغي لآل محمد عليه الصَّلاة والسَّلام. (¬2) ¬

(¬1) دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني، تحقيق الدكتور محمد عباس، دار النفائس، بيروت، الطبعة: الثانية، 1406 هـ- 1986 م، ج 1/ 422، رقم (329). (¬2) شرح معاني الآثار لأبي جعفر، المعروف بالطحاوي (المتوفى: 321 هـ)، عالم الكتب، الطبعة الأولى- 1414 هـ، 1994 م، (3/ 300).

المبحث الثالث: المصادر غير الرسمية

المبحث الثالث: المصادر غير الرسمية المطلب الأول: الصدقات والهبات نقل البيهقي عن أأبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا علي بن محمد بن سختويه، قال: أخبرنا محمد بن علي بن بطة، قال: حدَّثنا عفَّان بن مسلم، قال: حدَّثنا حمَّاد بن سلمة، قال: أخبرنا ثابت، عن أنس: «أن ناسًا جاءوا إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ابعث معنا رجالًا يُعلموننا القرآن والسُّنَّة، فبعث إليهم سبعين رجلًا من الأنصار يقال لهم القرَّاء، وفيهم خالي حرام، يقرأون القرآن ويتدارسون باللَّيل، ويتعلَّمون، وكانوا بالنَّهار يجيئون بالماء فيضعونه بالمسجد، ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطَّعام لأهل الصُّفَّة. (¬1) وكذا الحديث الَّذي رواه عبد الرَّحمن بن أبي بكر قال: أصحاب الصُّفَّة كانوا أناسًا فقراء، وإنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس، أو كما قال: وإن أبا بكر جاء بثلاثة وانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعشرة، وإنَّ أبا بكر تعشَّى عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ لبث حتَّى صلَّيت العشاء ثمَّ رجع فجاء بعدما مضى من اللَّيل ما شاء الله، فقالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك؟ قال: أوعشيتيهم؟ قالت: أبوَا حتَّى تجيء وقد عرضوا عليهم فغلبوهم قال: فذهبت أنا فاختبأت فقال: كُلوا هنيئًا، وقال: والله لا أطعمه أبدًا، قال: فأيم الله، ما كنا نأخذ لقمة إلَّا رَبَا من أسفلها أكثر منها؟ قال: فشبعوا وصارت أكثرَ ممَّا كان قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر فإذا هي كما هي، فقال لامرأته: يا أخت بني فراس، ما هذا؟ قالت: لا وقرَّة عيني، لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات، فأكل منها أبو بكر، وقال: إنَّما كان ذلك من الشَّيطان، يعني يمينه، ثمَّ أكل منها (لقمة) ثمَّ حملها إلى ¬

(¬1) دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458 هـ)، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة: الأولى- 1405 هـ، (3/ 343).

المطلب الثاني: الأوقاف

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأصبحت عنده، قال: وكان بينهم وبين قوم عهد، فمضى الأجل فعرفنا اثني عشر رجلًا مع كل رجل منهم ناس، والله أعلم كم كان مع كل رجل، فأكلوا منها أجمعون (¬1). كما ورد في تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} ثلاثة أقوال: أحدها أنها نزلت في علي وعبد الرَّحمن بن عوف، فإنَّ عليًّا بعث بوسق من تمر إلى أهل الصُّفَّة ليلًا، وبعث عبد الرَّحمن إليهم بدنانير كثيرة نهارًا، رواه الضَّحاك عن ابن عبَّاس (¬2). المطلب الثَّاني: الأوقاف روي ابن شهاب عن عروة بن الزبير-في حديث طويل- وممَّا جاء فيه مما نحن بصدد الحديث عنه: «فلبث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسَّس المسجد الَّذي أُسس على التَّقوى، وصلَّى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ ركب راحلته، فسار يمشي ومعه النَّاس، حتَّى بركت عند مسجد الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وهو يصلِّي فيه يومئذٍ رجال من المسلمين، وكان مربدًا للتَّمر لسُهيل، وسهل، غلامين في حجر سعد بن زرارة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حيث بركت راحلته: هذا إن شاء الله المنزل، ثمَّ دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغُلامين فساومهما بالمربد ليتَّخذه مسجدًا، فقالا: لا، بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقبله منهما هبةً، حتَّى ابتاعه منهما، ثمَّ بناه مسجدًا ... الحديث». (¬3) ¬

(¬1) صحيح البخاري، باب السمر مع الضيف والأهل، (1/ 124)، حديث رقم (602)، وانظر: دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني، (1/ 557). (¬2) زاد المسير في علم التفسير، جمال الدين أبو الفرج الجوزي (المتوفى: 597 هـ)، تحقيق عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي- بيروت، الطبعة الأولى- 1422 هـ، (1/ 246)، وانظر البحر المحيط في التفسير، أبو حيان الأندلسي (المتوفى: 745 هـ)، تحقيق صدقي محمد جميل، دار الفكر- بيروت الطبعة: 1420 هـ، (2/ 701). (¬3) صحيح البخاري- مع فتح الباري، كتاب: مناقب الأنصار، باب هجرة النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة: (7/ 239)، حديث رقم (3906).

وروى الواقدي أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - اشتراه من ابن عفراء بعشرة دنانير ذهبًا دفعها أبو بكر الصِّدِّيق، وقد يقال: «إنَّ الشَّراء وقع من النَّبي؛ لأنَّهما كانا وليَّين لليتيمَين، ورغب أبو بكر في الخير، كما رغب فيه أسعد وأبو أمامة ومعاذ بن عفراء، فدفع لهم أبو بكر العشرة، ودفع كلُّ واحد من أولئك ما تقدَّم، ولم يقبله النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بلا ثمن أولًا لكونه لليتيمَين» ا. هـ. (¬1) ويتضح أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى أرضَ المسجد النَّبوي من غُلامين يتيمَين أنصاريَّين، ولم يقبله دون عوض، هذا ما ورد في الأحاديث الصَّحيحة على أنَّ أرض المسجد النبويِّ قد ابتاعها النَّبي - صلى الله عليه وسلم - من اليتيمَين، واشترى أرضَه من ماله الخاصِّ، سواء دفع المال بنفسه أو دفعه عنه أبو بكر أو غيره (في بعض الرِّوايات)، فسيؤدِّي لأبي بكر وغيره ما دفعه عنه في ذلك الحال، وهذا أمر ثابت لا منازعة فيه ألبتة، إنما النِّزاع لمن كان المربد؟ ومن قام بالدَّفع عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عند تلك الحال؟ وبهذا نجزم أن المسجد النَّبويَّ اشتراه النَّبي - صلى الله عليه وسلم - من ماله الخاصِّ، وجعله وقفًا للمسلمين إلى قيام السَّاعة، فهو أجلُّ أوقافه - صلى الله عليه وسلم - وأطهرها وأزكاها إلى يوم الدين، وقد ثبت في أحاديث صحيحة كثيرة قول النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في نسبة المسجد إليه - صلى الله عليه وسلم -: «هو مسجدي هذا» (¬2)، وقوله: «مسجد رسول الله»، وقوله: «مسجدي آخر المساجد»، ونحو ذلك (¬3)، فهذه الإضافة الواردة في الحديث الشَّريف إضافة ملك، كما هي إضافة تشريف وتعظيم؛ لأنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - هو الَّذي اختطه وبناه من ماله، وساعده في ذلك جمهور أصحابه-رضي الله عنهم- فلا حرج بعد هذا كله أن يكون مسجده الشَّريف هو آخر مساجد الأنبياء، وهو أجلُّ صدقات النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى لأبي الحسن السمهودي (1/ 324). (¬2) أخرجه أحمد في مسنده (18/ 359)، حديث (11847)، والترمذي في سننه - باب ومن سوررة التوبة (5/ 280)، حيدث (3099)، وغيرُهما من حديث أبِي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه. (¬3) ثبَتت هذه الألفاظ في أحاديثَ عديدة؛ منها ما أخرجَه مسلمٌ في صحيحه- باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة (2/ 1012)،حديث (1394) وأحمد في مسنده (16/ 83)، حديث (10044)، وغيرهما عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أنه قال: ((صلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الحرام، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، وإن مسجده آخر المساجد ...)) الحديث ..

وأعظم أوقافه، وهو باقٍ إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومَن عليها (¬1)، وقد فهم هذا الإمام البخاري وترجم عليه تراجم كثيرة جدًّا، وإن كان يذهب-رحمه الله- إلى أن مسجد النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وقف مشاعٌ بينه وبين الأنصار، ومن تراجمه قوله: «وقف الأرض للمسجد»، وأورد جزءًا من حديث الهجرة الماضي، فهذه التَّرجمة للحديث دليل على أن مسجد النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وقف منه وله إلى يوم القيامة. (¬2) ومعلوم أنَّ سكن أهل الصُّفَّة في المسجد فيكون داخلًا في وقفه - صلى الله عليه وسلم -. روى الإمام أبو داود بسنده إلى ابن شهاب: «كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث صفايا: بنو النضير، وخيبر، وفدك، فأما بنو النضير فكانت حبسًا لنوائبه، وأما فدك فكانت حبسًا لأبناء السبَّيل، وأما خيبر فجزَّأها بين المسلمين ثمَّ قسَّم جزءًا لنفقة أهله، وما فضل منه جعله في فقراء المهاجرين». (¬3) وذكر الخصَّاف بسنده إلى عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - قال: «كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث صفايا، وكانت بنو النضير حبسًا لنوائبه، وكانت فدك لابن السَّبيل، وكانت خيبر قد جزَّأها ثلاثة أجزاء، فجزآن للمسلمين، وجزء كان ينفق منه على أهله، فإن فضل فضل ردَّه على فقراء المهاجرين»، وهذا الأثر ساقه بنصه الإمام ابن شبة في كتابه. (¬4) ¬

(¬1) الأوقاف النبوية ووقفيات بعض الصحابة الكرام، دراسة فقهية - تاريخية- وثائقية، د. عبد الله بن محمد بن سعد الحجيلي، بحث منشور تم عرضه في ندوة المكتبات الوقفية في المملكة العربية السعودية، (ص: 153). (¬2) فتح الباري لابن حجر (5/ 409). (¬3) سنن أبي داود، أول كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب في صَفايَا رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - من الأموال (4/ 587)، رقم (2967)، وانظر: تَرِكَة النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (ص: 80). (¬4) تاريخ المدينة لابن شبة، عمر بن شبة (واسمه زيد) بن عبيدة بن ريطة النميري البصري، أبو زيد (المتوفى: 262 هـ)، حققه: فهيم محمد شلتوت، طبع على نفقة: السيد حبيب محمود أحمد- جدة، عام النشر: 1399 هـ، (1/ 176).

وقد ورد أن أول أرض أفاءها اللهُ على رسوله، أرضه من أموال بني النضير بالمدينة، أجلاهم عنها، وكفَّ عن دمائهم، وجعل لهم ما حملته الإبل من أموالهم إلا الحلقه-وهي السلاح- فخرجوا بما استقلَّت إبلهم إلى خيبر والشام، وخلصت أرضهم كلها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلَّا ما كان ليامين بن عمير وأبي سعد بن وهب- فإنَّهما أسلما قبل الظَّفر، فأحرزا أموالهما، ثمَّ قسَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما سوى الأرضين من أموالهم على المهاجرين الأوَّلين دون الأنصار إلا سهل بن حنيف وأبا دجانة-سماك بن خرشة- فإنَّهما ذكرا فقرًا فأعطاهما، وحبس الأرضين على نفسه، فكانت من صدقاته يضعها حيث يشاء، وينفق منها على أزواجه، ثمَّ سلَّمها عمر إلى العبَّاس وعليٍّ، رضوان الله عليهما؛ ليقوما بمصروفها. (¬1) قال الإمام الخصَّاف: عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، يقول: «ما أعلم أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل بدر من المهاجرين والأنصار إلَّا وقد وقف من ماله حبسًا لا يُشترى ولا يورث ولا يوهَب حتَّى يرث اللهُ الأرضَ ومَن عليها». (¬2) وعن عثمان «أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة، وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال: مَن يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دِلاء المسلمين بخير له منها في الجنَّة، فاشتريتها من صلب مالي». (¬3) وللدَّلالة على وفرة أوقاف الصَّحابة، قال الشَّافعي رحمه اللَّه: «بلغني أن ثمانين صحابيًّا من الأنصار ¬

(¬1) الأوقاف النبوية ووقفيات بعض الصحابة الكرام، د. عبد الله بن محمد بن سعد الحجيلي (ص 146). (¬2) المرجع السابق (ص: 165). (¬3) سنن النسائي، كتاب: الأحباس، باب: وقف المساجد (6/ 235) حديث: 3608، وسنن الترمذي، أبواب المناقب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب في مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه، وله كنيتان، يقال: أبو عمرو، وأبو عبد الله (6/ 68)، حديث: 3703 وانظر: صحيح البخاري مع الفتح: (5/ 407، (5/ 30).

تصدَّقوا بصدقات محرمات»، والشَّافعي-رحمه اللَّه- يسمِّي الأوقاف: الصَّدقات المحرمة 7 (¬1). وقال ابن حزم رحمه اللَّه: «وسائر الصَّحابة جملة صدقاتهم بالمدينة أشهر من الشَّمس لا يجهلها أحد» (¬2). ويستنتج من هذا أن مصارف هذه الأوقاف غالبها في الفقراء وسينال أهل الصُّفَّة نصيبهم منها. ¬

(¬1) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، المؤلف: شمس الدين، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي (المتوفى: 977 هـ)، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1415 هـ- 1994 م، (2/ 376). (¬2) المحلى بالآثار، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى: 456 هـ)، دار الفكر- بيروت، د ت. (9/ 180).

المبحث الأول: تقويم كفاءة نموذج الصفة، وفيه ثلاثة مطالب

الفصل الثَّاني: تقويم نموذج الصُّفَّة وإمكانيَّة تطبيقه وفيه مبحثان: المبحث الأوَّل: تقويم كفاءة نموذج الصُّفَّة، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأوَّل: الكفاءة الاقتصاديَّة المطلب الثَّاني: الكفاءة التَّوظيفيَّة المطلب الثَّالث: الكفاءة التَّنظيميَّة المبحث الثَّاني: إمكانيَّة التَّطبيق المعاصر، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأوَّل: المساجد المطلب الثَّاني: معسكرات اللَّاجئين

المبحث الأول: تقويم كفاءة نموذج الصفة

المبحث الأوَّل: تقويم كفاءة نموذج الصُّفَّة وفيه ثلاثة مطالب: تعرف الكفاءة بأنها «الرُّشد في استخدام الموارد المتاحة بالشَّكل الَّذي يُحقق أعلى مردودية، وذلك بإشباع حاجات ورغبات الأفراد العاملين ورفع الروح المعنوية لديهم؛ ليعزز رغبتهم واندفاعهم للعمل»، والمنظمات التي لا تستطيع خلق درجات الرضا الوظيفي لدى أفرادها ضمن الإطار المعنويِّ، وتسعى إلى استثمار طاقاتها المادية فقط، فإنَّ هذا يؤدِّي إلى تعطيل طاقات المنظَّمة وخفض كفاءتها في استثمار الجهود البشريَّة والماديَّة والماليَّة والمعلوماتيَّة بشكل أمثل (¬1). وستتم دراسة كفاءة النموذج وفق ما يلي: المطلب الأوَّل: الكفاءة الاقتصاديَّة ويمكن الحديث عن الكفاءة الاقتصادية وفق ما يلي: عدالة التَّوزيع: روى طلحة البصريُّ قال: قدمت المدينة مهاجرًا، وكان الرَّجل إذا قدم المدينة فإنَّ كان له عريف نزل عليه، وإن لم يكن له عريف نزل الصُّفَّة، فقدمتها وليس لي بها عريف فنزلت الصُّفَّة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرافق بين الرَّجلين ويقسم بينهما مُدًّا من تمر، فبينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم في صلاته إذ ناداه رجل، فقال: يا رسول الله، أحرق بطونَنا التَّمرُ وتخرَّقت عنا الخنف، قال: وإنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمِدَ اللهَ وأثنى عليه وذكر ما لقي من قومه، ثمَّ قال: «لقد رأيتني وصاحبي مكثنا بضع عشرة ليلة ما لنا طعام غير البرير-والبرير تمر الأراك- حتَّى أتينا إخوانَنا من الأنصار فآسونا من طعامهم، وكان جل طعامهم التمر-والَّذي لا إله إلا هو لو قدرت لكم ¬

(¬1) نظرية المنظمة، لخليل محمد محسن الشماع، خيضر كاظم حمود- دار المسيرة عمان، 2000، (ص: 331).

على الخبز واللَّحم لأطعمتكموه، سيأتي عليكم زمان- أو من أدركه منكم يلبسون مثل أستار الكعبة ويُغدى ويراح عليكم بالجفان، قالوا: يا رسولَ الله، أنحن يومئذٍ خير أو اليوم؟ قال: بل أنتم اليوم خير، أنتم اليوم إخوان، وأنتم يومئذٍ يضرب بعضُكم رقابَ بعض». (¬1) والشَّاهد من قوله: (وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرافق بين الرجلَين ويقسم بينهما مُدًّا من تمر) ويستنتج منه كفاءة وعدالة توزيع الموارد. كما ورد أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجري لكل رجلين منهم مُدًّا من تمر في كلِّ يوم (¬2) ويستنتج منه كفاءةُ وعدالة توزيع الموارد. تفاوت الحال الاقتصاديَّة لأهل الصُّفَّة بين السَّعة والضَّيق: قال ابن الجوزي في «تلبيس إبليس»: «هؤلاء القوم إنَّما قعدوا في المسجد ضرورة، وإنَّما أكلوا من الصَّدقة ضرورة، فلمَّا فتح الله على المسلمين استغنوا عن تلك الحال وخرجوا». (¬3) وقال البراء - رضي الله عنه -: كنا أصحاب نخل، فكان الرَّجل يأتي من نخله بقدر كثرته وقلَّته، فيأتي الرَّجل بالقنو فيعلقه في المسجد، وكان أهل الصُّفَّة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاء فضربه بعصاه فسقط منه البسر والتَّمر، فيأكل (¬4) وهنا يدلُّ على أنَّهم غير معدمين وإلا لما انتظروا تعليق التَّمر ليأكلوا منه، حيث قال: (إذا جاء أحدهم)، ولم يرِد أنَّهم كانوا يتسابقون ويتهافتون عليه. وروى عبادة بن الصامت، قال: علَّمت ناسًا من أهل الصُّفَّة القرآنَ والكتابة، فأهدى إليَّ رجل منهم قوسًا (¬5)، يستنتج منه أن من كان يهدي فهو غير معدم، وإلَّا لقام ببيع القوس بدلًا من إهدائه. ¬

(¬1) دلائل النبوة للبيهقي، مرجع سابق، (6/ 524). (¬2) السيرة النبوية الصحيحة د. أكرم ضياء العمري، مرجع سابق (1/ 265). (¬3) تلبيس إبليس، مرجع سابق، (ص: 201). (¬4) تفسير ابن كثير (1/ 536). (¬5) تفسير القرطبي (1/ 335)، وانظر تفسير ابن كثير (1/ 150).

المطلب الثاني: الكفاءة التوظيفية

فالذي يظهر أنَّهم ليسوا في حالة اقتصاديَّة ثابتة، بل تتفاوت بحسب توافر الموارد، ومنها مواسم نضوج الثَّمر، فقد كانت المدينة بلدًا زراعيًّا اشتهر بزراعة النخيل، فإذا طاب الثمر كثر الإنفاقُ عليهم. كما يختلف حالهم بحسب ما يحصلون عليه من الغنائم، فقد ثبتت مشاركتهم في الجهاد في سبيل الله، كما تقدَّم وكما سيأتي تفصيلُه. إضافة لما يحصلون عليه من موارد ناتجة عن العمل والكسب كما سيأتي. المطلب الثَّاني: الكفاءة التَّوظيفيَّة يمكن دراسة الكفاءة التَّوظيفيَّة للنموذج وفق ما يلي: أولًا: العمل والكسب قال ابن تيمية رحمه الله: «وكان فقراء المسلمين من أهل الصُّفَّة وغيرهم يكتسبون عند إمكان الاكتساب الَّذي لا يصدُّهم عمَّا هو أوجب أو أحب إلى الله من الكسب، وأما إذا أحصروا في سبيل الله عن الكسب فكانوا يقدمون ما هو أقرب إلى الله ورسوله ... فإنَّ الغالب كان عليهم الحاجة لا يقوم ما يقدرون عليه من الكسب بما يحتاجون إليه من الرزق ... ولم يكن في الصَّحابة لا أهل الصُّفَّة ولا غيرهم من يتَّخذ مسألة النَّاس ولا الإلحاف في المسألة بالكدية والشحاذة، لا بالزنبيل ولا غيره صناعة وحرفة بحيث لا يبتغي الرزق إلا بذلك». (¬1) وذكر الشَّاطبي في الاعتصام أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنزل صُفَّة المسجد من لم يجد وجهًا يكتسب به لقوت ولا لسكنى، وحضَّ أصحابه على إعانتهم، والإحسان إليهم؛ لأنهم أضياف الإسلام، وحق على الضيف إكرامه والإنفاق عليه حتَّى يجد السعة والرزق، ثمَّ قال: ومع ذلك كانوا بين طالب للقرآن والسُّنة كأبي هريرة، فإنه قصر نفسه على ذلك، وكان منهم من يتفرَّغ إلى ذكر الله ¬

(¬1) الصُّفة، دراسة تاريخية توثيقية، مرجع سابق، (ص: 49).

وعبادته، وقراءة القرآن، فإذا غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا معه، وإذا أقام أقام معه، حتَّى فتح الله على رسوله وعلى المؤمنين، فصاروا إلى ما صار النَّاس إليه غيرهم ممَّن كان ذا أهل ومال وطلب للمعاش واتِّخاذ المسكن؛ لأن العذر الَّذي حبسهم في الصُّفَّة قد زال، فرجعوا إلى الأصل لما زال العارض، فالذي تحصَّل أن القعود في الصُّفَّة لم يكن مقصودًا لنفسه، ولا بناء الصُّفَّة للفقراء مقصودًا؛ بحيث يقال: إن ذلك مندوب إليه لمن قدر عليه، ولا هي شرعيَّة تطلب بحيث يقال: إن ترك الاكتساب والخروج عن المال والانقطاع إلى الزَّوايا يشبه حالة أهل الصُّفَّة، والدَّليل من العمل أن المقصود بالصُّفَّة لم يدُم، ولم يثابر أهلها ولا غيرهم على البقاء فيها، ولا عمرت بعد النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان من قصد الشارع ثبوت تلك الحالة، لكانوا هم أحقَّ بفهمها أولًا، ثمَّ بإقامتها والمكث فيها عن كل شغل ا. هـ. (¬1) وروى أنس بن مالك أن رجلًا أتى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ببعير فقال: يا رسول الله، أعقله وأتوكل أو أطلقه وأتوكل؟ قال: (أعقله وتوكل). قلت: ولا حجة لهم في أهل الصُّفَّة، فإنهم كانوا فقراء يقعدون في المسجد ما يحرثون ولا يتجرون، ليس لهم كسب ولا مال، إنما هم أضياف الإسلام عند ضيق البلدان، ومع ذلك فإنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويسوقون الماء إلى بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقرأون القرآن بالليل ويصلون. هكذا وصفهم البخاري وغيره. فكانوا يتسببون. وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا جاءته هدية أكلها معهم، وإن كانت صدقة خصهم بها، فلما كثر الفتح وانتشر الإسلام خرجوا وتأمَّروا- كأبي هريرة وغيره- وما قعدوا (¬2). ويتضح أن أهل الصُّفَّة كما ورد من آثار يعملون إذا وجدوا فرصة لذلك ومن أمثلة عملهم ما يلي: 1. تولَّى وظيفة الأذان وشؤون المسجد النبوي الشريف اثنان من أهل الصُّفَّة وهما (بلال بن رباح، وعبد الله بن أم مكتوم). ¬

(¬1) المرجع السابق (ص: 50). (¬2) تفسير القرطبي (8/ 108).

2. عمل ثلاثة من أهل الصُّفَّة في خدمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير مواليه (3) وهم (أبو فراس الأسلمي، وأسماء بن حارثة بن سعيد الأسلمي، وواثلة بن الأسقع الليثي). 3. شغل أحدهم منصب خازن المال (وزير المالية) وهو بلال بن رباح - رضي الله عنه -. ثانيًا: وظيفة التعليم اشتهر بعض أهل الصُّفَّة بالعلم وحفظ الحديث (¬1)، والتعليم، مما ساهم في حفظ الدين الَّذي هو أهم الضروريات الخمس: ومن أشهرهم أبو هريرة - رضي الله عنه -، فقد روى من الأحاديث خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وستين حديثًا، فهو أكثر الصحابة رواية للحديث، وأحفظهم، وقد حكى النووي الإجماع على ذلك، وقاله سعيد بن أبي الحسن، وابن حنبل، وتبعهما ابن الصلاح، والعراقي في الألفية وغيره، وترجمه الذهبي في طبقات الحفاظ، فنقل عن الشافعي: «أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره»، قال: وروى كهمس عن عبد الله بن شفيق: قال: قال أبو هريرة: «لا أعرف أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحفظ لحديثه مني»، وذكر أن ابن عمر قال لأبي هريرة: «إن كنتَ لألزمنا، وأعلمنا بحديثه» (¬2). وقد تحدث أبو هريرة - رضي الله عنه - عن طلبه العلم، وملازمته النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، ودعائه له، فقال: «إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل حديث أبي هريرة، وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صفق بالأسواق، وكنت ألزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ملء بطني، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرأً مسكينًا من مساكين الصُّفَّة، أعي حين ينسون، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث يحدثه: «إنه لن يبسط أحد ثوبه حتَّى أقضي مقالتي ¬

(¬1) الصُّفة، دراسة تاريخية توثيقية، مرجع سابق، (ص: 27). (¬2) التراتيب الإدارية والعمالات والصناعات والمتاجر والحالة العلمية التي كانت على عهد تأسيس المدنية الإسلامية في المدينة المنورة العلمية، محمد الإدريسي، المعروف بعبد الحي الكتاني (المتوفى: 1382 هـ)، تحقيق: عبد الله الخالدي، دار الأرقم- بيروت، الطبعة: الثانية، (2/ 271

هذه، ثمَّ يجمع إليه ثوبه، إلا وعى ما أقول، فبسطت نمرة علي، حتَّى إذا قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته جمعتها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك من شيء» (¬1). وقد أفرد مسند أبي هريرة بالتصنيف، دون بقي بن مخلد جماعة، منهم؛ الطبراني، وإسماعيل بن إسماعيل بن إسحاق القاضي، وأبو بكر أحمد بن علي المروزي، وأبو العباس أحمد بن محمد البرقي، وخلق سواهم. ونقل صاحب فواتح الرحموت على مسلِّم الثبوت، عن العراقي قوله: أجمع الصحابة على أن من استفتى أبا بكر وعمر أميري المؤمنين، فله أن يستفتي أبا هريرة ومعاذًا بن جبل وغيرهما، ويعمل بقولهم من غير نكير، وفي محل آخر من فواتح الرحموت أيضًا: أبو هريرة فقيه مجتهد لا شك في فقاهته، فإنه كان يفتي في زمن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده، وكان يعارض قول ابن عباس وفتواه، وفي بعض شروح الأصول للإمام فخر الدين: روى عنه سبعمائة نفر من أولاد المهاجرين والأنصار، وروى عنه جماعة من الصحابة قال الكتاني: قلت: وقد وقفت في تونس على رسالة جليلة لمفتي المالكية بها الأستاذ الشيخ محمد النجار سمَّاها: شمس الظهيرة في بيان فضل وفقه أبي هريرة، ولما ذكر الحافظ ابن القيم، في كتابه: الوابل الصيب حفظ عبد الله بن عباس وفقهه قال: وأين تقع فتاوى ابن عباس وتفسيره واستنباطه من فتاوى أبي هريرة وتفسيره، وأبو هريرة أحفظ منه بل هو حافظ الأمة على الإطلاق يؤدِّي الحديث كما سمعه، ويدرسه درسًا، فكانت همَّته مصروفة إلى الحفظ، وتبليغ ما حفظه كما سمعه، وهمة ابن عباس مصروفة إلى التفقُّه والاستنباط، وتفجير النصوص، وشق الأنهار منها. وهكذا النَّاس قسمان حفاظ، ومعتنون بالاستنباط (¬2) وخرَّج الحاكم مرفوعًا: أبو هريرة وعاء العلم وأخرج الإمام أحمد عن ابن مسعود أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: يرحمك الله فإنك عليم معلِّم (¬3). ومن علماء الصُّفَّة عبادة بن الصامت، فقد ورد أنه من أئمة الفتوى من الصحابة رضوان ¬

(¬1) صحيح البخاري، كتاب البيوع (2/ 721)، حديث (1942). (¬2) التراتيب الإدارية (نظام الحكومة النبوية)، مرجع سابق (2/ 271). (¬3) المرجع السابق، (2/ 276).

الله عليهم (¬1)، وغيرهم الكثير رضوان الله عليهم. رابعًا: وظائف الجيش والعمل العسكري إن انقطاع أهل الصُّفَّة للعلم والعبادة لم يعزلهم عن المشاركة في أحداث المجتمع، والإسهام في الجهاد، وبناء الدولة الإسلامية، فالإسلام دين ودولة، ومصحف وسيف، بل كانوا كالمرابطين في سبيل الله، فكلما جهز النَّبي - صلى الله عليه وسلم - سرية أو غزوة، كانوا من أول المسارعين إليها، فأشبهوا قوات الطوارئ، حتَّى وصفهم الله عزَّ وجلَّ بالمحصرين في سبيل الله (¬2)، حيث قال عز من قائل: {الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} (¬3) قال بعض المفسرين: «هم أهل الصُّفَّة، كانوا نحوًا من أربعمائة من فقراء المهاجرين، يسكنون صُفَّة المسجد، يستغرقون أوقاتهم بالتعلُّم والجهاد، وكانوا يخرجون في كل سرية بعثها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» (¬4). وكان منهم الشهداء ببدر مثل صفوان بن بيضاء، وخريم بن فاتك الأسدي، وخبيب بن يساف، وسالم بن عمير، وحارثة بن النعمان الأنصاري (2)، ومنهم من استشهد بأُحد مثل حنظلة الغسيل (3)، ومنهم من شهد الحديبية مثل جرهد بن خويلد، وأبو سريحة الغفاري (4)، ومنهم من استشهد بخيبر مثل ثقف بن عمرو (5)، ومنهم من استشهد بتبوك مثل عبد الله ذي البجادين (6)، ومنهم من استشهد باليمامة مثل سالم مولى أبي حذيفة، وزيد بن الخطاب (7)، نعم هكذا كانوا رهبانًا في الليل فرسانًا في النهار (¬5). ¬

(¬1) المرجع نفسه، والصفحة نفسها. (¬2) الصُّفة، دراسة تاريخية توثيقية، مرجع سابق، (ص: 45). (¬3) سورة البقرة: 273. (¬4) تفسير البغوي (1/ 259). (¬5) السيرة النبوية الصحيحة د. أكرم ضياء العمري، مرجع سابق (1/ 264).

المطلب الثالث: الكفاءة التنظيمية

المطلب الثالث: الكفاءة التنظيمية إن الكفاءة التنظيمية لتتضح جليًّا فيما ورد من آثار عن أهل الصُّفَّة، ومنها ما يلي: 1 - أنهم كان لهم عريف (عمدة) وهو أبو هريرة - رضي الله عنه -. 2 - كان مكانهم محدد في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليس كل المسجد لأهل الصُّفَّة. 3 - تناوب وظيفة الأذان وشؤون المسجد النبوي الشريف بين اثنين منهم وهما (بلال بن رباح، وعبد الله بن أم مكتوم). 4 - كما تظهر كفاءتهم التنظيمية كجماعة في عدة آثار منها: أ- قال أبو نعيم عن أهل الصُّفَّة: «كان شغلهم تفهُّم الكتاب، وتعلُّمه، ونهمتهم الترنُّم بالخطاب، وتردده» (¬1)، فكانوا في خلواتهم يذكرون الله تعالى، ويصلون، ويقرأون القرآن، ويتدارسون آياته، ويتعلمون الكتابة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس إليهم، ويعلمهم، ويكلف بعض الصحابة من يحفظهم القرآن، ويعلمهم الأحكام. (¬2) وهذا من أروع الأمثلة على التناغم والتنظيم الجماعي. ب- عن عبد الله بن مغفل المزني - رضي الله عنه - قال: «كان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إذا هاجر أحد من العرب، وكَّل به رجلًا من الأنصار، فقال: فقهه في الدين، وأقرأه القرآن، فهاجرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوكَّل بي رجلًا من الأنصار، ففقهني في الدين، وأقرأني القرآن، وكنت أغدو عليه، فأجلس ببابه، حتَّى يخرج متى يخرج، فإذا خرج ترددت معه في حوائجه، فأستقرئه القرآن، وأسأله في ¬

(¬1) حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني (1/ 342). (¬2) الصُّفة، دراسة تاريخية توثيقية، مرجع سابق، (ص: 27).

الدين، حتَّى يرجع إلى بيته، فإذا دخل بيته، انصرفت عنه» (¬1). ج- وفي قوله عليه الصلاة والسلام الوارد ذكره سابقًا (...... والذي لا إله إلا هو لو قدرت لكم على الخبز واللحم لأطعمتكموه، سيأتي عليكم زمان- أو من أدركه منكم يلبسون مثل أستار الكعبة ويُغدا ويُراح عليكم بالجفان، قالوا يا رسول الله أنحن يومئذٍ خير أو اليوم؟ قال بل أنتم اليوم خير، أنتم اليوم إخوان، وأنتم يومئذٍ يضرب بعضكم رقاب بعض) الشاهد منه قوله: (أنتم اليوم خير، أنتم اليوم إخوان) وهذه شهادة من خير البرية - صلى الله عليه وسلم - بكفاءتهم التنظيمية. التي جاء الحديث عنها في مقابل انفتاح الدنيا بقوله - صلى الله عليه وسلم - (وأنتم يومئذٍ يضرب بعضكم رقاب بعض)، وهذه معجزة من معجزاته عليه الصلاة والسلام، فقد تحققت وصدق عليه الصلاة والسلام. د- عن أبي سعيد الخدري، قال: كنت في عصابة من المهاجرين جالسًا معهم، وإن بعضهم يستتر ببعض من العري، وقارئ لنا يقرأ علينا، فكنا نستمع إلى كتاب الله تعالى، فقال النبي، - صلى الله عليه وسلم -: «الحمد لله الَّذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر معهم نفسي». قال: ثمَّ جلس رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، وسطنا ليعدل بيننا نفسه فينا، ثمَّ قال بيده هكذا، فاستدارت الحلقة وبرزت وجوههم. قال: فما عرف رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، أحدا منهم غيري. فقال رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -: «أبشروا معاشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة، تدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم، وذلك خمسمائة عام» (¬2). قال المفسرون إنه جاء في أهل الصُّفَّة (¬3) قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (¬4)، وقال تعالى: {وَلَا ¬

(¬1) تاريخ المدينة لابن شبة (1/ 64)، وانظر المرجع السابق، ص 27 (¬2) دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة للبيهقي، مرجع سابق، (1/ 352)، وقد ورد كذلك في كتاب الزهد، باب رقم (37) ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، (4/ 578)، الحديث رقم 2353، عن أبي هريرة، وقال: حسن صحيح. (¬3) دلائل النبوة للبيهقي، مرجع سابق (1/ 351). (¬4) الكهف: 28.

تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (¬1). الشاهد قوله: (وإن بعضهم يستتر ببعض من العري، وقارئ لنا يقرأ علينا، فكنا نستمع إلى كتاب الله تعالى)، يدل على أنهم كانوا منتظمين متعاونين متقاربين أجسادًا وقلوبًا، رضوان الله عليهم، وكذا قوله: (ثم جلس رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، وسطنا ليعدل بيننا نفسه فينا، ثمَّ قال بيده هكذا، فاستدارت الحلقة وبرزت وجوههم)، يدل كذلك على تنظيمهم وإقرار الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - لتنظيمهم ودخولهم معهم فيه. ¬

(¬1) الأنعام: 52.

ملخص لمناقب أهل الصُّفَّة وتقييم لكفاءة النموذج الرقم ... اسم الصحابي ... الحديث أو الأثر الثابت عنه ... نوع الكفاءة 1 ... الأصم ... ثقة كثير الحديث ... توظيفية 2 ... أبو الدرداء ... وشهد أُحدًا، نعم الفارس عويمر، هو حكيم أمَّتي، ولَّاه معاوية قضاء دمشق ... توظيفية ... (كنت تاجرًا قبل البعثة، ثمَّ حاولت التجارة بعد الإسلام فلم يجتمعا). ... اقتصادية 3 ... أبو برزة ... لم يزل أبو برزة يغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن قبض ... توظيفية ... انتقل إلى البصرة فنزلها حين نزلها المسلمون وبنى بها دارًا. وله بها بقية، كانت لأبي برزة جفنة من ثريد غدوة وجفنة عشية للأرامل واليتامى والمساكين، ونقل عنه أنه كان يلبس الصوف. ... اقتصادية 4 ... أبوثعلبة الخشني ... من عبَّاد الصحابة، ممن بايع تحت الشجرة، وضرب له بسهمه في خيبر، وأرسله النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قومه، فأسلموا. ... توظيفية 5 ... أبو ذر الغفاري ... من السابقين الأولين في الإسلام، ما أقلَّت الغبراء ولا أظلَّت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر، شجاعًا مقدامًا، يرى عدم كنز الأموال وضرورة تداولها، خليلي عهد إلي أن أي مال ذهب أو فضة أوكي عليه فهو جمر على صاحبه حتَّى يفرغه في سبيل الله، كان عطاؤه أربعة آلاف، فكان إذا أخذ عطاءه دعا خادمه فسأله عما يكفيه لسنة فاشتراه له، ترك أتانين وعفوًا وأعنزًا وركائب،

أليس ترى علي هذه البردة ولي أخرى للمسجد ولي أعنز نحلبها ولي أحمرة نحتمل عليها ميرتنا وعندنا من يخدمنا ويكفينا مهنة طعامنا فأي نعمة أفضل مما نحن فيه؟، جاء رجل من قومنا أبا ذر يعرض عليه فأبى أبو ذر أن يأخذ وقال: لنا أحمرة نحتمل عليها وأعنز نحلبها ومحررة تخدمنا وفضل عباءة عن كسوتنا، وإني لأخاف أن أحاسب بالفضل، كان يحلب غنيمة له فيبدأ بجيرانه وأضيافه قبل نفسه. ... توظيفية ... اقتصادية ... اقتصادية ... اقتصادية 6 ... أبو رزين ... يا أبا رزين، إذا خلوت فحرِّك لسانك بذكر الله؛ لأنك لا تزال في صلاة ما ذكرت ربك، يا أبا رزين إذا أقبل النَّاس على الجهاد، فأحببت أن يكون لك مثل أجورهم، فالزم المسجد تؤذن فيه، ولا تأخذ على أذانك أجرًا. ... توظيفية 7 ... أبو ريحانة ... كان من الذابِّين المجتهدين ... توظيفية 8 ... أبو سلمة ... من السابقين الأولين إلى الإسلام، أخو النَّبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة، هاجر الهجرتين، وشهد بدرًا، وجرح يوم أُحد، وتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأته أم سلمة رضي الله عنهما. ... توظيفية 9 ... أبو عبيدة ... من السابقين إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشَّرين بالجنة، لقَّبه - صلى الله عليه وسلم - بأمين الأمة، هاجر الهجرتين، وشهد المشاهد كلها، وولَّاه عمر بن الخطاب قيادة الجيش الزاحف إلى الشام. ... توظيفية 10 ... أبو عسيب ... مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... توظيفية

11 ... أبوفراس الأسلمي ... صحب النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قديمًا، وكان يخدمه، أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فَأَعِنِّي على نفسك بكثرة السجود. ... توظيفية 12 ... أبو كبشة ... مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ... توظيفية 13 ... أبو لبابة ... شهد العقبة، وسائر المشاهد، كان رفاعة بدريًا بسهمه. ... توظيفية 14 ... أبو مرثد الغنوي ... شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ... توظيفية 15 ... أبو مويهبة ... مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ... توظيفية 16 ... أبو هريرة ... عريف أهل الصُّفَّة، أكثر الصحابة حفظًا للحديث، روى 5374 حديثًا، ولي إمرة المدينة مدة، كنت أجيرًا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، بخ بخ يتمخط أبو هريرة في الكتان. لقد رأيتني آخرًا فيما بين منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحجرة عائشة يجيء الجائي يرى أن بي جنونًا وما بي إلا الجوع ... تنظيمية ... توظيفية ... اقتصادية 17 ... أسماءبن حارثة بن سعيد الأسلمي ... يقول أبو هريرة- رضي الله عنه-: «ما كنت أرى أسماء وهندًا إلا خادمين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من طول لزومهما بابه، وخدمتهما له». ... توظيفية 18 ... البراء بن مالك بن النضر الأنصاري ... شهد أُحدًا وما بعدها من المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أحد الفضلاء، والشجعان والفرسان، وكان من المقنعين الأعفاء، الوفيين الظرفاء، قتل من المشركين مائة رجل مبارزة سوى من شارك فيه، وله يوم اليمامة أخبار، واستشهد يوم حصن تستر. ... توظيفية

19 ... بلال بن رباح الحبشي ... أحد السابقين إلى الإسلام، فلزم النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان مؤذنه، وخازنه على بيت المال، وشهد معه جميع المشاهد. ... توظيفية ... اقتصادية 20 ... ثَقْفُ أو (ثقاف) ... شهد بدرًا، وأُحدًا والخندق والحديبية، وقتل بخيبر شهيدًا. ... توظيفية 21 ... ثوبان ... مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروى ابن السَّكن، من طريق يوسف بن عبد الحميد، قال: لقيت ثوبان فحدثني أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - دعا لأهله، فقلت: أنا من أهل البيت، فقال في الثالثة: نعم ما لم تقم على باب سدة أو تأتي أميرًا تسأله، وروى أبو داود من طريق عاصم، عن أبي العالية عن ثوبان، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «من يتكفّل لي ألّا يسأل النّاس وأتكفّل له بالجنّة؟ فقال ثوبان: أنا، فكان لا يسأل أحدًا شيئًا». ... توظيفية ... اقتصادية 22 ... جارية بن حميل بن نشبة بن قرط ... أسلم قديمًا وشهد بدرًا وقال ابن البرقي استشهد بأُحد ... توظيفية 23 ... جرهد بن خويلد الأسلمي ... شهد الحديبية ... توظيفية 24 ... جعيل بن سراقة الضمري ... أسلم قديمًا، وشهد مع النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أُحدًا، وأصيبت عينه يوم قريظة ... توظيفية ... والذي نفسي بيده لجعيل خير من طلاع الأرض مثل عيينة والأقرع، ولكني تألفتهما ليسلما، ووكلت جعيلًا إلى إسلامه

25 ... حارثة بن النعمان الأنصاري ... شهد بدرًا وأُحدًا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحد الثمانين الذين ثبتوا يوم حنين، ولم يفرُّوا، ورأى جبريل يكلم النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، فسلم عليهما، فردا عليه السلام. ... توظيفية ... عن عائشة عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «دخلت الجنة فسمعت قراءة، فقلت: من هذا؟ فقيل: حارثة بن النّعمان»، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «كذلكم البرُّ» وكان بارًّا بأمه، وهو عند أحمد من طريق معمر عن الزهري، عن عروة أو غيره، ولفظه: كان أبرَّ النَّاس بأمه. 26 ... حازم بن حرملة بن مسعود الغفاري ... «يا حازم، أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها من كنوز الجنة». 27 ... حذيفة بن اليمان ... صاحب سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنافقين، ... توظيفية ... بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الأحزاب سريةً وحده، وألبسه عباءته بعد أن كفي في سيره ريحه وبرده. ... تنظيمية 28 ... حنظلة بن أبي عامر ... غسيل الملائكة ... توظيفية 29 ... خباب بن الأرت ... أسلم قديمًا، وكان من المستضعفين، وهو أول من أظهر إسلامه، وعُذِّب عذابًا شديدًا لأجل ذلك، شهد بدرًا وما بعدها، ونزل الكوفة، مات بالكوفة. ... توظيفية 30 ... خبيب بن يساف ... شهد بدرًا وأُحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ... توظيفية

31 ... خريم بن أوس الطائي ... جاهد في سبيل الله ... توظيفية 32 ... خريم بن فاتك الأسدي ... شهد بدرًا ... توظيفية ... قال عنه النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: «نعم الرجل خريم بن فاتك، لولا طول جمَّته، وإسبال إزاره، فبلغ ذلك خريمًا، فقطع جمَّته إلى أذنيه. 33 ... خنيس بن حذافة القرشي السهمي ... من السابقين إلى الإسلام ... توظيفية ... فشهد بدرًا وأُحدًا، وأصابه بأُحد جراحة، فمات منها، وتأيمت منه زوجته حفصة بنت عمر بن الخطاب، فتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 34 ... زيد بن الخطاب ... شهد بدرًا، والمشاهد، واستشهد باليمامة، وكانت راية المسلمين معه سنة اثنتي عشرة في خلافة أبي بكر. ... توظيفية 35 ... السائب بن خلاد بن سويد الأنصاري الخزرجي ... شهد بدرًا، ... توظيفية ... وولي اليمن لمعاوية ... تنظيمية 36 ... سالم بن عمير ... شهد بدرًا، وأُحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ... توظيفية 37 ... سالم بن معقل ... أحد السابقين الأولين، يعد في القراء، وكان يؤم المهاجرين بقباء وفيهم عمر بن الخطاب قبل أن يقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة. ... توظيفية

38 ... سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي ... أسلم قبل خيبر، وشهدها وما بعدها من المشاهد وولَّاه عمر إمرة حمص بعد فتح الشام، فلم يزل عليها حتَّى مات فيها سنة عشرين، وهو ابن أربعين سنة. ... توظيفية 39 ... سفينة ... مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، خدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، سمَّاه رسول الله، سفينة لأنه كان معه في سفر، فكلما أعيا بعض القوم، ألقى عليه سيفه وترسه ورمحه حتَّى حمل شيئًا كثيرًا، فقال النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: (أنت سفينة). ... توظيفية 40 ... سلمان الفارسي ... يعرف بسلمان الخير، مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سكن الكوفة. ... توظيفية ... وأول مشاهده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخندق، وهو الَّذي أشار على النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بحفر الخندق، ولم يتخلَّف عن مشهد بعدها. 41 ... شقران ... مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن حضر غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند موته، وكان يقول: أنا وضعت القطيفة تحت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر، شهد بدرًا، وهو عبد، فلم يسهم له. ... توظيفية 42 ... صفوان بن بيضاء ... من المهاجرين الأولين، شهد بدرًا ... توظيفية 43 ... صهيب بن سنان الرومي ... أحد السابقين إلى الإسلام ... توظيفية ... فأقام بمكة يحترف التجارة، إلى أن ظهر الإسلام، فأسلم، ولما هاجر إلى المدينة تبعه نفر من المشركين، فنثل كنانته، وقال لهم: يا معشر قريش، تعلمون أنِّي من

أرماكم، ووالله لا تصلون إليَّ حتَّى أرميكم بكل سهم معي، ثمَّ أضربكم بسيفي ما بقي في يدي منه شيءٌ، فإن كنتم تريدون مالي دللتكم عليه، قالوا: فدلّنا على مالك ونخلي عنك، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ربح البيع أبا يحيى، أنزل الله عزَّ وجلَّ {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} ... اقتصادية ... شهد بدرًا وأُحدًا والمشاهد كلها. 44 ... عبادة بن قرص ... قتله الخوارج بالأهواز، وهو عائد من الغزو ... توظيفية 45 ... عبد الرحمن بن جبر ... شهد بدرًا وأُحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف. ... توظيفية 46 ... عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي ... انتقل إلى مصر ... توظيفية 47 ... عبد الله (وقيل: عمرو) بن أم مكتوم الأعمى القرشي ... أسلم قديمًا بمكة، وكان من المهاجرين الأولين، وكان يؤذن للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة مع بلال، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستخلفه على المدينة في عامة غزواته فيصلي بالنَّاس ... توظيفية ... 48 ... تنظيمية 49 ... عبد الله بن أنيس الجهني ... من القادة الشجعان ... توظيفية ... وكان ينزل في رمضان إلى المدينة ليلة فيسكن المسجد والصُّفَّة ليلته، شهد العقبة، وبدرًا، وأُحدًا، والمشاهد كلها ... تنظيمية ... أرسله النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لقتل خالد بن سفيان الهذلي، فقتله،

فأعطاه النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مخصرته؛ ليلقاه بها يوم القيامة. ... وهو أحد الذين كسروا آلهة بني سلمة، رحل إلى مصر، وإفريقية، وسكن الشام. 50 ... عبد الله بن بدر الجهني ... أحد الأربعة الذين كانوا يحملون ألوية جهينة يوم الفتح. ... توظيفية 51 ... عبد الله بن عمر بن الخطاب ... أول مشاهده الخندق، كان - رضي الله عنه - من أهل الورع والعلم، وكان كثير الاتباع لآثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، شديد التحري والاحتياط والتوقِّي في فتواه، اعتزل في الفتن عن النَّاس، ومات سنة ثلاث وسبعين بمكة، وهو ابن سبع وثمانين سنة. ... توظيفية ... تنظيمية 52 ... عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري ... كان نقيبًا، شهد العقبة، ثمَّ بدرًا، واستشهد في أُحد ... توظيفية 53 ... عبد الله بن مسعود الهذلي ... من السابقين إلى الإسلام، هاجر الهجرتين، وشهد بدرًا، والمشاهد بعدها، ولازم النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان صاحب نعليه، وحدَّث عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بالكثير، كان من أكابر الصحابة فضلًا وعقلًا، وقربًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة. ... توظيفية 54 ... عبد الله ذو البجادين المزني ... نزل النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قبره، ودفنه بيده ... توظيفية

55 ... عبيد ... مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... توظيفية 56 ... عتبة بن النُّدَّر السلمي ... شهد الفتح، وسكن الشام، ونزل مصر ... توظيفية 57 ... عتبة بن عبد السلمي ... الشام، وسكن حمص ... توظيفية 58 ... عتبة بن غزوان المازني ... من السابقين الأولين، هاجر إلى الحبشة، ثمَّ رجع مهاجرًا إلى المدينة رفيقًا للمقداد، ... توظيفية ... شهد بدرًا وما بعدها، كان من رماة الصحابة، عامل عمر بن الخطاب على البصرة، وهو الَّذي بصر البصرة وبنى مسجدها ... تنظيمية 59 ... عتبة بن مسعود الهذلي ... أسلم قديمًا بمكة ... توظيفية ... شهد أُحدًا وما بعدها 60 ... عثمان بن مظعون القرشي الجمحي ... أول رجل مات بالمدينة من المهاجرين بعدما رجع من بدر، ... توظيفية ... قبَّله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الموت 61 ... العرباض بن سارية ... أسلم قديمًا، نزلت فيه وفي أصحابه قوله تعالى {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} ... توظيفية ... اقتصادية 62 ... عقبة بن عامر الجهني ... كان قارئًا عالمًا بالفرائض والفقه، فصيح اللسان شاعرًا كاتبًا، وهو أحد من جمع القرآن، شهد الفتوح، كان هو البريد إلى عمر بفتح دمشق، وشهد صفين مع معاوية، وأمَّره بعد ذلك على مصر. ... توظيفية

63 ... عكاشة بن محصن الأسدي ... من السابقين الأولين، شهد بدرًا، وأبلى فيها بلاءً حسنًا، وانكسر في يده سيف، فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عودًا، فعاد في يده سيفًا يومئذٍ شديد المتن، أبيض الحديدة، فقاتل به، حتَّى فتح الله عزَّ وجلَّ على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ثمَّ لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتَّى استشهد في قتال أهل الردة وهو عنده، شهد أُحدًا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الغمر سرية في أربعين رجلًا. ... توظيفية 64 ... عمار بن ياسر ... من السابقين الأولين هو وأبوه، وكانوا ممن يعذَّب في الله، فكان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يمر عليهم، فيقول: «صبرا آل ياسر موعدكم الجنة». ... توظيفية ... وشهد المشاهد كلها، ثمَّ شهد اليمامة، فقطعت أذنه بها، ونزل الكوفة، واستعمله عمر عليها، ولم يزل مع علي بن أبي طالب يشهد معه مشاهده، حتَّى قتل بصفِّين سنة سبع وثلاثين. ... وتواترت الأحاديث عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أن عمارًا تقتله الفئة الباغية. 65 ... عمرو بن تغلب النمري ... سكن البصرة، أثنى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - على إسلامه ... توظيفية 66 ... عمير بن عوف ... شهد بدرًا وأُحدًا والخندق وما بعدها من المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ... توظيفية

67 ... عويم بن ساعدة الأنصاري ... شهد العقبة وبدرًا وأُحدًا والمغازي كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ... توظيفية 68 ... عياض بن حمار المجاشعي ... كان صديقًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قديمًا، وكان إذا قدم مكة لا يطوف إلا في ثياب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كان من الجملة الذين لا يطوفون إلا في ثوب أحمسي، وفد على النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يسلم، ومعه نجيبة يهديها إليه، فقال: «أسلمت؟ قال: لا، قال: إن الله نهاني أن أقبل زبد المشركين»، فأسلم، فقبلها منه، وهو ممن سكن البصرة. ... توظيفية 69 ... غرفة الأزدي ... دعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «اللهم بارك له في صفقته». ... توظيفية 70 ... فرات بن حيان العجلي ... إن فيكم رجالًا نكلهم إلى إيمانهم، منهم فرات بن حيان. ... توظيفية ... وكرم على النَّبي - صلى الله عليه وسلم - حتَّى إنه أقطعه أرضًا باليمامة تغل أربعة آلاف، وسيَّره النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ثمامة بن أثال في قتل مسيلمة وقتاله، ولم يزل يغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فانتقل إلى مكة، فنزلها، وكان عقبه بها، ونزل الكوفة أيضًا، وابتنى بها دارًا في بني عجل. ... اقتصادية 71 ... فضالة بن عبيد الأنصاري الأوسي ... أسلم قديمًا، ولم يشهد بدرًا، وشهد أُحدًا فما بعدها، وشهد فتح الشام ومصر، ثمَّ سكن الشام، وولي الغزو، وولَّاه معاوية قضاء دمشق بعد أبي الدرداء. ... توظيفية 72 ... قرة بن إياس المزني ... سكن البصرة وقتل في حرب الأزارقة ... توظيفية

73 ... كعب بن عمرو الأنصاري ... شهد العقبة وبدرًا، وهو ابن عشرين سنة وشهد أحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثمَّ شهد صفِّين مع علي - رضي الله عنه -، يعد في أهل المدينة. ... توظيفية 74 ... كعب بن مالك الخزرجي الأنصاري ... شهد العقبة، وبايع بها، وتخلف عن بدر، وشهد أُحدًا وما بعدها، وتخلَّف في تبوك، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، وكان من شعراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ... توظيفية 75 ... مسطح بن أثاثة ... شهد بدرًا وأُحدًا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ... توظيفية 78 ... مسعود بن الربيع القاري ... أسلم قديمًا بمكة، شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ... توظيفية 79 ... مصعب بن عمير القرشي العبدري ... أحد السابقين إلى الإسلام، أسلم قديمًا ... توظيفية ... بعثه النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة بعد العقبة الثانية يقرئهم القرآن، ويفقههم في الدين، وكان يدعى القارئ المقرئ، فأسلم أهل المدينة على يده قبل قدوم النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إياها، ويقال: إنه أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل الهجرة، شهد بدرًا، ثمَّ شهد أُحدًا، وكان معه اللواء، فاستشهد. ... تنظيمية 80 ... معاذ بن الحارث الأنصاري الخزرجي ... يقال له: القاري، شهد الخندق، ولم يدرك من حياة النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ست سنين، وشهد الجسر مع أبي عبيدة، وهو الَّذي أقامه عمر يصلي التراويح في شهر رمضان. ... توظيفية ... تنظيمية 81 ... المقداد بن الأسود ... أسلم قديمًا، وتزوَّج ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب

ابنة عم النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا، والمشاهد بعدها، وكان فارسًا يوم بدر حتَّى إنه لم يثبت أنه كان فيها على فرس غيره. ... توظيفية 82 ... وابصة بن معبد الأسدي ... سكن الكوفة، ثمَّ تحوَّل إلى الرقة، وولي قضاءها أيام هارون الرشيد، وعقبه بها ... توظيفية ... تنظيمية 83 ... واثلة بن الأسقع الليثي ... خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك، ... توظيفية خدم النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث سنين ... تنظيمية ولما قبض - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الشام وشهد فتح دمشق وحمص المصدر: مستخرج بواسطة الباحث من عدة مصادر أهمها (الطبقات لابن سعد، الإصابة في تمميز الصحابة لأبي الفضل العسقلاني، حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني. في الجدول السابق يتضح لنا الآتي: 1. تضمن الجدول أعلاه عدد 83 صحابيًا من أهل الصُّفَّة. 2. بلغت النسبة المئوية لمشاركتهم في الجهاد في سبيل الله تعالى (99%) ومن تخلَّف منهم في النسبة المتبقية (1%) فهو لعذر شرعي مثل الصحابي الجليل عبد الله بن أم مكتوم فقد كان كفيف البصر رضوان الله عليه. 3. عدد من خدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير مواليه (3) وهم (أبو فراس الأسلمي، وأسماء بن حارثة بن سعيد الأسلمي، وواثلة بن الأسقع الليثي). 4. تولى وظيفة الأذان وشؤون المسجد النبوي الشريف اثنان منهم وهما (بلال بن رباح، وعبد الله بن أم مكتوم). 5. منهم خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المدينة في عامة غزواته وهو عبد الله بن أم مكتوم.

6. منهم إمام مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند غيابه وهو عبد الله بن أم مكتوم. 7. فيهم إمام مسجد قباء: سالم بن معقل. 8. خلف رسول - صلى الله عليه وسلم - اثنين منهم في أهلهما بعد موتهما وهما خنيس بن حذافة القرشي السهمي فقد تأيَّمت منه زوجته حفصة بنت عمر بن الخطاب، فتزوَّجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك أبو سلمة تأيَّمت زوجته أم سلمة منه فتزوَّجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 9. فيهم أخو النَّبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة وهو: أبو سلمة. 10. ضمت الصُّفَّة عدد (8) من موالي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم (أبو عسيب، وأبو كبشة، وأبو مويهبة، وثوبان، وسفينة، وسلمان الفارسي، وشقران، وعبيد). 11. منهم من عمل عريفًا لأهل الصُّفَّة وهو أبو هريرة رضي الله عنه. 12. منهم أكثر الصحابة حفظًا للحديث، وهو أبو هريرة - رضي الله عنه -، فقد روى 5374 حديثًا. 13. منهم الولاة (أبو هريرة، وسعيد بن عامر، وعتبة بن غزوان، وعقبة بن عامر، وعمار بن ياسر). 14. فيهم من شغل منصب خازن المال (وزير المالية) وهو بلال بن رباح رضي الله عنه. 15. منهم من لقبه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحكيم الأمة، وهو أبو الدرداء. 16. منهم من كان مبعوثًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد أرسله النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قومه، فأسلموا وهو أبو ثعلبة الخشني. 17. منهم صاحب المهمات الخاصة (القوة الخاصة) وهو عبد الله بن أنيس - رضي الله عنه -، أرسله النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لقتل خالد بن سفيان الهذلي (المشهور بقوته وشجاعته وكانت تعدُّه العرب بألف فارس)، فقتله، فأعطاه النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مخصرته؛ ليلقاه بها يوم القيامة. 18. بعضهم له كرامة خاصة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد موته: أحدهما نزل النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قبره ودفنه بيده وهو عبد الله ذو البجادين، والآخر قبَّله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد موته وهو عثمان بن مظعون. 19. منهم من أقطعه أرضًا باليمامة تغل أربعة آلاف وهو فرات بن حيان رضي الله عنه. 20. منهم من كان له نظرية اقتصادية في المال أبو ذر الغفاري، ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

21. من شهد لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالجنة حارثة بن النعمان الأنصاري، وبلال، وعكاشة. 22. فيهم صاحب سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو حذيفة بن اليمان. 23. فيهم غسيل الملائكة وهو حنظلة بن أبي عامر. 24. عدد من ولي القضاء منهم (3) (أبو الدرداء، وفضالة بن عبيد، ووابصة بن معبد الأسدي). 25. أحدهم من شعراء الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو كعب بن مالك.

المبحث الثاني: إمكانية التطبيق المعاصر

المبحث الثاني: إمكانية التطبيق المعاصر وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: المساجد قال ابن الضياء في تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام (¬1): «وأهل الصُّفَّة هم أهل مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والصُّفَّة بالمدينة خارج المسجد، وبمكة داخل المسجد» أ. هـ. وهذا يعني أنه يمكن تطبيق النموذج في أكثر من مسجد. إن تطبيق النموذج لا يحتاج إلى تكلفة كبيرة، فالمساجد ذات المساحة الكبيرة متوفرة بكثرة والحمد لله، فتحتاج إلى تخصيص المكان داخلها. كما تتطلب الإشراف الرسمي عليها كما كان الحال في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حيث كان يشرف بنفسه عليها - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لضمان ما يلي: 1 - التطبيق السليم للنموذج وعدم انحرافه عن أهدافه. 2 - وضع الشروط لمن يمكنه الاستفادة من هذا الأماكن بأن تنطبق عليه مواصفات أهل الصُّفَّة كالمعدمين والعاجزين عن التكسب. 3 - إمكانية استضافة اللاجئين وضحايا الحروب. 4 - يمكن الاستفادة منها مؤقتًا لطلاب العلم المتفرِّغين خلال الدورات العلمية التي تقام في تلك المساجد. ¬

(¬1) تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام والمدينة الشريفة والقبر الشريف (ص: 279).

3 - التقويم المستمر لنجاح المشروع. ومن الأهداف التي يرجى تحققها من تطبيق النموذج في المساجد: 1 - تحديد مكان يمكن من خلاله التعرف على المحتاجين من أبناء الحي والتبرع لهم بالبذل والإنفاق، والعطف على المعوزين والمعدمين، والرحمة بهم، ومدِّ يد العون لهم. 2 - إيجاد مصرف هام لأموال الزكاة التي لا يتم تحصيلها بطريقة نظامية، حيث إن البعض قد لا يؤدِّي فريضة الزكاة لعدم الثقة بالجهات الرسمية أو لعدم قدرته الوصول إلى مستحقيها، إضافة إلى كونها مصرفًا لأموال الصدقات والهبات والأوقاف والكفارات. 3 - استقطاب الأثرياء، ليكونوا مصدر تمويلٍ لإخوانهم المحتاجين، للتخفيف من معاناتهم، ومساعدتهم بما أنعم الله عليهم من المال، وسدِّ حاجات الفقراء، وبسط أيديهم للإنفاق على الفقراء والعاجزين عن التكسب والعمل، والتخفيف من آلامهم، وإشباعهم وإكفائهم مذلة السؤال. 4 - خفض نسبة الجريمة وحفظ المجتمع من لجوء البعض إلى طريق الإجرام، والوقوع في مزالق الانحراف، ومحاضن الرذيلة، وسلوك السبل الملتوية للوصول إلى إشباع الحاجات الأساسية. 5 - الحد من الإسراف والتبذير وإيجاد مصرف هام لفائض الولائم والمناسبات بنقلها الى أماكن أهل الصُّفَّة في المساجد. 6 - إشراك كل أفراد المجتمع القادرين على تحمل المسؤوليات في تنمية الخير ودفع الشر.

المطلب الثاني: معسكرات اللاجئين

7 - النهوض بدور المساجد في البحث العلمي والدورات العلمية أسوة بما كان عليه أهل الصُّفَّة رضوان الله عليهم، وأن تكون الاستفادة مشروطة بتحقيق هذه الأهداف. المطلب الثاني: معسكرات اللاجئين تتشابه معسكرات اللاجئين مع المساجد في تطبيق النموذج في إيجاد مكان ومأوى للفقراء والمعدمين، إلا أنها بينهما اختلافات كثيرة، وبالتالي نجاح النموذج فيها يتوقع أن يكون أقل من نجاحه في المساجد للأسباب التالية: 1 - تردد كافة أفراد المجتمع على المسجد خمس مرات في اليوم بخلاف معسكرات اللاجئين. 2 - سهولة الوصول الى المساجد لتوفرها في كل حي وشارع بخلاف معسكرات اللاجئين التي تكون في مكان محدد، وغالبًا خارج نطاق المدن والكثافة السكانية. 3 - تساعد الأجواء الايمانية والروحانية في المساجد على رفع وتحفيز الإنفاق بخلاف معسكرات اللاجئين التي قد لا يتوفر فيها هذا الدور. 4 - تتوزع التكلفة المادية للنموذج في المساجد، بينما تتحمَّل الجهات الرسمية وهيئات الإغاثة والجمعيات الإنفاق على معسكرات اللاجئين. وعليه يرى الباحث مبدئياً عدم إمكانية تطبيق نموذج أهل الصُّفَّة فيها بشكل مباشر، ولا يعني هذا التقليل من أهميتها ودورها الهام، ولكن يتطلب تطبيق نموذج أهل الصُّفَّة فيها مزيداً من الدراسات لإيجاد بيئة مناسبة في هذه المعسكرات تتشابه مع بيئة المساجد الصالحة لتطبيق نموذج أهل الصُّفَّة فيها كما كان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

الخاتمة

الخاتمة: أولًا: النتائج 1. نجاح نموذج أهل الصُّفَّة في العهد النبوي وتحقيقه لأهدافه. 2. تحقيق النموذج لأهم مقاصد الشريعة في حفظ الضروريات الخمس: الدين (بالعلم والتعلم ونشر الدين بالمشاركة في الجهاد في سبيل الله جهاد طلب) والنفس (بالمشاركة في الجهاد في سبيل الله جهاد دفاع) والمال (بالتكسُّب) والعقل (بطلب العلم). 3. الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة مثل استغلال جزء من المسجد لأهل الصُّفَّة. 4. أن نقص الموارد قد يكون دافعًا قويًّا للبحث عن البدائل. 5. أن نقص الموارد ليس عائقًا في تحقيق الأهداف إذا كان هناك همم عالية تسعى لتحقيقها. 6. الكفاءة الإقتصادية للنموذج ومنها كفاءة توزيع وتخصيص الموارد لنموذج الصُّفَّة، ومثال ذلك أن يذهب كل أنصاري برجل من أهل الصُّفَّة ليطعمه. 7. الكفاءة التوظيفية للنموذج ومثاله ثبوت سعيهم في التكسب وتوليهم وظائف التعليم والجيش وشئون المسجد النبوي الشريف. 8. الكفاءة التنظيمية للنموذج ومثاله أن أبو هريرة - رضي الله عنه - كان عريفاً لأهل الصُّفَّة. 9. نجاح أهل الصُّفَّة في استثمار أهم عناصر الإنتاج وهو عنصر الوقت مما انعكس عليهم بالخير العظيم وثناء المولى عزَّ وجلَّ ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، عليهم. 10. قدَّم النموذج حلًّا رائعًا لمشكلة البطالة وتحويل الموارد البشرية إلى طاقات منتجة وناجحة على المستوى الفردي والجماعي. 11. تحقق نموذج فريد للمعادلة الرياضية المتضمنة وجود علاقة طردية بين زيادة الموارد وتحقق الأهداف، بينما حقق نموذج أهل الصُّفَّة إمكانية تحقق معادلة طردية بين نقص الموارد وتحقق الأهداف وليس العكس.

ثانيا: التوصيات

12. إستنباط علاقة طردية بين الكفاءة التنظيمية والتناغم بين أفراد الجماعة مع قلة الموارد وهذا يتضح من قوله - صلى الله عليه وسلم - (أنتم اليوم خير، أنتم اليوم إخوان) والتي جاء الحديث عنها في مقابل انفتاح الدنيا بقوله - صلى الله عليه وسلم - (وأنتم يومئذٍ يضرب بعضكم رقاب بعض) وهذه معجزة من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - فقد تحققت ويظهر من حال الناس اليوم التنافس على الدنيا وضعف الكفاءة التنظيمية والتناغم والتناسق والتعاون بين الجماعة كلما انفتحت الدنيا عليهم وأخبار سلفنا في العهد القريب يؤكد ذلك. 13. ثبوت مشاركة جميع أهل الصُّفَّة رضوان الله عليهم في الجهاد في سبيل الله. 14. إمكانية تطبيق النموذج في العصر الحاضر. 15. أن أهل الصُّفَّة رضوان الله عليهم نظريات إقتصادية، مثل نظرية أبوذر - رضي الله عنه - في كنز المال، ونظرية ثوبان - رضي الله عنه - في الإستغناء الذاتي وعدم سؤال الناس. ثانيًا: التوصيات يوصي الباحث بما يلي: 1. ضرورة التأصيل العلمي لمناهج الاقتصاد الإسلامي بالرجوع للقرآن الكريم والهدي النبوي. 2. القيام بالمزيد من الأبحاث التطبيقية الإقتصادية للعهد النبوي. 3. ربط الدراسات الاقتصادية بالعقيدة الإسلامية الصحيحة. 4. أن تتضمَّن بحوث قياس الكفاءة الاقتصادية معايير النجاح الأخروي وما يحقِّقُه الفرد لدينه ووطنه وأمَّته. 5. إعداد دراسات تتعلَّق بمدى تحقق العلاقة الطردية بين نقص الموارد وتحقيق الأهداف. 6. حث الدعاة وطلبة العلم توضيح الفرق بين التصوف وأهل الصُّفَّة. 7. إعداد دراسات تطبيقية للوسائل الأخرى لمعالجة الفقر في العهد النبوي وكيفيَّة

تطبيقها في العصر الحاضر. 8. التوصية بتطبيق النموذج في المساجد بشكل مباشر واعداد دراسات أخرى عن إمكانية تطبيق النموذج في معسكرات اللاجئين والسجون والأسواق المركزية وتهيئتها للتطبيق أسوة بالنموذج. 9. دراسة واستخلاص النظريات الإقتصادية من أقول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -. 10. دراسة واستخلاص النظريات الإقتصادية للصحابة رضوان الله عليهم، كونها نتاج تربية وتنمية فكرية رعاها الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -.

فهرس المصادر والمراجع

فهرس المصادر والمراجع • القرآن وعلومه: * القرآن الكريم. * أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ناصر الدين الشيرازي البيضاوي، (المتوفى: 685 هـ) تحقيق محمد المرعشلي، دار إحياء التراث العربي- بيروت، الطبعة: الأولى- 1418 هـ. * تفسير الثعلبي (الكشف والبيان عن تفسير القرآن)، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور،: دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان، الطبعة: الأولى 1422، هـ- 2002 م. * تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774 هـ)، سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية 1420 هـ- 1999 م. * تفسير القرآن، أبو المظفر السمعاني (المتوفى: 489 هـ)، تحقيق ياسر بن غنيم، دار الوطن، الرياض، الطبعة: الأولى، 1418 هـ- 1997 م. * تفسير القرطبي، أبو عبد الله شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671 هـ)، تحقيق أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية- القاهرة، الطبعة الثانية، 1384 هـ- 1964 م. * تفسير الماوردي (النكت والعيون)، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450 هـ)، تحقيق السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم، دار الكتب العلمية- بيروت/لبنان. * جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1420 هـ.

* الدر المنثور، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911 هـ)، الناشر: دار الفكر- بيروت. * زاد المسير في علم التفسير، جمال الدين أبو الفرج الجوزي (المتوفى: 597 هـ)، تحقيق عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي- بيروت، الطبعة الأولى- 1422 هـ،، وانظر البحر المحيط في التفسير، أبو حيان الأندلسي (المتوفى: 745 هـ)، تحقيق صدقي محمد جميل، دار الفكر- بيروت الطبعة: 1420 هـ * معالم التنزيل في تفسير القرآن (تفسير البغوي)، محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي الشافعي (المتوفى: 510 هـ)، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، الناشر: دار إحياء التراث العربي-بيروت، الطبعة: الأولى، 1420 هـ. * نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي (المتوفى: 885 هـ)، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة. * الوسيط في تفسير القرآن المجيد، أبو الحسن علي النيسابوري الشافعي (المتوفى: 468 هـ) تحقيق عادل عبد الموجود، وآخرون، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى، 1415 هـ- 1994 م. • الحديث وعلومه: * دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458 هـ)، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة: الأولى- 1405 هـ. * دلائل النبوة، لأبي نعيم الأصبهاني، تحقيق الدكتور محمد عباس، دار النفائس، بيروت، الطبعة: الثانية، 1406 هـ- 1986 م.

* الزهد لهنَّاد، أبو السَّرِي هَنَّاد بن السَّرِي بن مصعب بن أبي بكر بن شبر بن زيد التميمي الدارمي الكوفي (المتوفى: 243 هـ)، تحقيق: عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي- الكويت، الطبعة: الأولى، 1406. * الزهد لوكيع، أبو سفيان وكيع بن الجراح بن مليح بن عدي بن رؤاس الرؤاسي (المتوفى: 197 هـ)، حققه وقدم له وخرج أحاديثه وآثاره: عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، مكتبة الدار، المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1404 هـ- 1984 م. * سنن ابن ماجه، ابن ماجه أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (المتوفى: 273 هـ)، تحقيق شعيب الأرنؤوط- عادل مرشد- محمَّد كامل قره بللي- عَبد اللّطيف حرز الله، دار الرسالة العالمية، الطبعة: الأولى، 1430 هـ- 2009 م. * سنن أبي داود، أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجستاني (المتوفى: 275 هـ)، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا- بيروت. * سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (المتوفى: 279 هـ)، تحقيق: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي- بيروت، سنة النشر: 1998 م. * السنن الصغرى للنسائي (المجتبى من السنن)، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، النسائي (المتوفى: 303 هـ)، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية- حلب، الطبعة: الثانية، 1406 - 1986. * شرح معاني الآثار، أبو جعفر المعروف بالطحاوي (المتوفى: 321 هـ)، عالم الكتب، الطبعة الأولى- 1414 هـ، 1994 م.

* صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، الطبعة الأولى، 1422 هـ. * صحيح مسلم (المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)، مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفى: 261 هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي- بيروت. * فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار المعرفة- بيروت، 1379، رقَّم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وقام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز. * مستخرج أبي عوانة، أبو عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم النيسابوري الإسفراييني (المتوفى: 316 هـ)، تحقيق: أيمن بن عارف الدمشقي، دار المعرفة- بيروت، الطبعة: الأولى، 1419 هـ- 1998 م. * المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن نُعيم بن الحَكم الضبي النيسابوري، المعروف بابن البيع (المتوفى: 405 هـ)، مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة: الأولى، 1411 هـ- 1990 م. * مسند الإمام أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى: 241 هـ)، تحقيق شعيب الأرنؤوط وعادل مرشد وآخرون، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1421 هـ- 2001 م. * المعجم الكبير، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني (المتوفى: 360 هـ)، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية- القاهرة.

* المعجم الأوسط، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني (المتوفى: 360 هـ) تحقيق طارق بن عوض الله بن محمد وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة. • الفقه وأصوله: * الأوقاف النبوية ووقفيات بعض الصحابة الكرام، دراسة فقهية- تاريخية- وثائقية، د. عبد الله بن محمد بن سعد الحجيلي، بحث منشور تم عرضه في ندوة المكتبات الوقفية في المملكة العربية السعودية. * حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، دار الفكر. * فقه العبادات، محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)، اللجنة العلمية في مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية. * مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده، يعرف بداماد أفندي (المتوفى: 1078 هـ)، دار إحياء التراث العربي. * مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، المؤلف: شمس الدين، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي (المتوفى: 977 هـ)، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1415 هـ- 1994 م. * المغني، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة المقدسي (المتوفى: 620 هـ)، مكتبة القاهرة، د ت. * المحلى بالآثار، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى: 456 هـ)، دار الفكر- بيروت، د ت.

* نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة شهاب الدين الرملي (المتوفى: 1004 هـ)، دار الفكر، بيروت، الطبعة 1404 هـ- 1984 م. • التاريخ والسِّير: * البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774 هـ)، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة: الأولى، 1418 هـ- 1997 م. * تاريخ المدارس الوقفية في المدينة المنورة، طارق بن عبد الله حجار، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، العدد 120 - السنة 35 - 1423 هـ/2003 م. * تاريخ المدينة لابن شبة، عمر بن شبة (واسمه زيد) بن عبيدة بن ريطة النميري البصري، أبو زيد (المتوفى: 262 هـ)، حققه: فهيم محمد شلتوت، طبع على نفقة: السيد حبيب محمود أحمد- جدة، 1399 هـ. * التراتيب الإدارية والعمالات والصناعات والمتاجر والحالة العلمية التي كانت على عهد تأسيس المدنية الإسلامية في المدينة المنورة العلمية، محمد الإدريسي، المعروف بعبد الحي الكتاني (المتوفى: 1382 هـ)، تحقيق: عبد الله الخالدي، دار الأرقم- بيروت، الطبعة: الثانية. * السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني، أحمد أحمد غلوش، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1424 هـ- 2004 م. * السيرة النبوية (من البداية والنهاية لابن كثير)، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (المتوفى: 774 هـ)، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت- لبنان، عام النشر: 1395 هـ- 1976 م. * السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية، د. أكرم ضياء العمري، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة: السادسة، 1415 هـ- 1994 م.

* شرف المصطفى، عبد الملك بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الخركوشي، أبو سعد (المتوفى: 407 هـ)، دار البشائر الإسلامية- مكة، الطبعة: الأولى- 1424 هـ. * الشفا بتعريف حقوق المصطفى- محذوف الأسانيد، عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل (المتوفى: 544 هـ)، دار الفيحاء- عمان، الطبعة: الثانية- 1407 هـ. * عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، ابن سيد الناس، اليعمري الربعي، أبو الفتح، فتح الدين (المتوفى: 734 هـ)، تعليق إبراهيم محمد رمضان، دار القلم- بيروت، الطبعة: الأولى، 1413 هـ. * وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، علي بن عبد الله بن أحمد الحسني الشافعي، نور الدين أبو الحسن السمهودي (المتوفى: 911 هـ)، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة: الأولى. • التراجم والطبقات: * الإصابة في تمييز الصحابة، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852 هـ)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة: الأولى- 1415 هـ. * أهل الصفة بعيدا عن الوهم والخيال، صالح أحمد الشامي، دار القلم، دمشق 1412 هـ. * حلية الأولياء، وطبقات الأصفياء، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق الأصبهاني (المتوفى: 430 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت (طبعة 1409 هـ بدون تحقيق)، مصورة عن دار السعادة- مصر، 1394 هـ- 1974 م. * الصُّفة تاريخها- أصحابها، دراسة تاريخية توثيقية، محمود محمد حمو، بحث منشور في مجلة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة-العدد (29).

* الطبقات الكبرى، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء البصري البغدادي المعروف بابن سعد (المتوفى: 230 هـ)، تحقيق (إحسان عباس)، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، 1968 م. • اللغة والمعاجم: * لسان العرب، محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعي الإفريقي (المتوفى: 711 هـ)، دار صادر- بيروت، الطبعة: الثالثة- 1414 هـ. * مختار الصحاح، زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي (المتوفى: 666 هـ)، تحقيق يوسف الشيخ محمد، المكتبة العصرية- الدار النموذجية، بيروت- صيدا، الطبعة: الخامسة، 1420 هـ/1999 م. * المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة (إبراهيم مصطفى/ أحمد الزيات/ حامد عبد القادر/ محمد النجار)، دار الدعوة. د. ت. • مراجع أخرى: * تلبيس إبليس، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597 هـ)، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة: الطبعة الأولى، 1421 هـ/2001 م. * مجموع الفتاوى، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728 هـ)، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416 هـ/1995 م. * نظرية المنظمة، خليل محمد محسن الشماع، خيضر كاظم حمود، دار المسيرة عمان، 2000.

تم بحمد الله

§1/1