واجبات العمال وحقوقهم في الشريعة الإسلامية مقارنة مع قانون العمل الفلسطيني

سمير العواودة

بسم الله الرحمن الرحيم واجبات العمال وحقوقهم في الشريعة الإسلامية مقارنة مع قانون العمل الفلسطيني إعداد: سمير محمد جمعة العواودة بكالوريوس الفقه والتشريع من جامعة الخليل إشراف: الدكتور عروة عكرمة صبري المشرف المشارك: الدكتور ياسر زبيدات قدمت هذه الرسالة استكمالاً لمتطلبات درجة الماجستير في الفقه والتشريع وأصوله من كلية الدعوة وأصول الدين/ جامعة القدس. 1431هـ/2010م

جامعة القدس عمادة الدراسات العليا برنامج الفقه والتشريع إجازة الرسالة واجبات العمال وحقوقهم في الشريعة الإسلامية مقارنة مع قانون العمل الفلسطيني اسم الطالب: سمير محمد جمعة العواودة الرقم الجامعي: 20714451 المشرف الرئيس: الدكتور عروة عكرمة صبري المشرف المشارك: الدكتور ياسر زبيدات نوقشت هذه الرسالة وأجيزت بتاريخ:27/ 7/ 2010lم من أعضاء لجنة المناقشة المدرجة أسماؤهم وتواقيعهم: 1. رئيس لجنة المناقشة الدكتور عروة صبري ... التوقيع ....................... 2. المشرف المشارك الدكتور ياسر زبيدات ... التوقيع ....................... 3. الممتحن الداخلي الدكتور حسام الدين عفانة ... التوقيع ...................... 4. الممتحن الخارجي الدكتور جمال الكيلاني ... التوقيع ....................... القدس - فلسطين 1431هـ/2010م

الإهداء

الإهداء إلى منارة العلم الذي علّم المتعلمين، إلى سيّد الخلق والمرسلين، سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -. إلى الينبوع الذي لا يملّ العطاء، إلى من حاكت سعادتي بخيوط منسوجة من قلبها، والدتي العزيزة. إلى من سعى وتعب لأنعم بالراحة والهناء، الذي لم يبخل بشيءٍ من أجل دفعي في طريق النجاح، والدي العزيز. إلى من قاست معي أكثر من همّ، وعانت الكثير من الصعوبات، وتحمّلت معي سهر الليالي وتعب الأيام، زوجتي الغالية، وأهلها الكرام، ومعهم أبنائي الغوالي. إلى من حُبهم يجري في عروقي، ويلهج بذكراهم فؤادي، أشقائي وعائلاتهم وشقيقاتي وعائلاتهن، وزملائي في جمعية دورا الإسلامية لرعاية الأيتام ومدرسة الصديق الخيرية الأساسية. إلى من علموني حروفاً من ذهب، وكلمات من دُرر، أهل الشريعة في جامعة الخليل، وكلية الدعوة وأصول الدين في جامعة القدس. إلى من ساعدوني وتحمّلوا معي عناء البحث والتوثيق، العاملين في مكتبتي كلية الدعوة وبلدية الخليل، كان الله معهم. إلى العمّال المخلصين وأرباب العمل أجمعين. أهدي عملي المتواضع هذا. الطالب سمير محمد العواودة

الإقرار

الإقرار أقر أنا معدّ الرسالة بأنها قُدمت لجامعة القدس، لنيل درجة الماجستير، وأنها نتيجة أبحاثي الخاصة، باستثناء ما تم الإشارة له حيث ورد، وأن هذه الدراسة، أو أي جزء منها، لم يقدم لنيل درجة عليا لأي جامعة أو معهد آخر. التوقيع .......................... مقدم الرسالة: سمير محمد جمعة العواودة التاريخ:27/ 7/2010م

الشكر والعرفان

الشكر والعرفان انطلاقاً من قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} (¬1) وامتثالاً لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" لا يشكر الله من لا يشكر الناس" (¬2)، وعرفاناً بالفضل لأهله فإنني أجد نفسي ملزمة بالشكر الجزيل إلى كل من أسهم وساعد ونصح وشجّع في هذا البحث، وأخصّ منهم: الدكتوران الفاضلان اللذان تفضلا بقبول الإشراف على هذا العمل: فضيلة الدكتور عروة عكرمة صبري حفظه الله تعالى، والدكتور ياسر زبيدات بارك الله فيه، فلقد جادا عليّ بالنصائح والتوجيهات والتصويبات، وأعطياني أغلى الأوقات وأنفسها. الأساتذة الكرام اللذين تفضلوا بالموافقة على إثراء هذا البحث من خلال مناقشة هذا العمل وهم: 1. الدكتور جمال الكيلاني عميد كلية الشريعة في جامعة النجاح الوطنية. 2. الدكتور حسام الدين عفانة أستاذ الفقه وأصوله في جامعة القدس، والذي كان قد تفضّل وأشار علي بموضوع هذا البحث. ولن أنسى التقدم بوافر الشكر إلى بقية أساتذتي الكرام ابتداءً بالأساتذة في كلية الشريعة في جامعة الخليل، وانتهاءً بإخوانهم في كلية الدعوة وأصول الدين وكلية القرآن والدراسات الإسلامية، وبرنامج الفقه والتشريع في جامعة القدس، وجميع العاملين في الحقل العلمي من موظفين، راجياً من الله أن يبقيهم منارة للعلم الشرعي وأهله، ولا يفوتني أن أتقدم بالشكر لأُسر المكتبات العامة في مكتبة بلدية الخليل ومكتبة جامعة الخليل وأتوّجهم بالعاملين في مكتبتي كلية الحقوق و الدعوة وأصول الدين في جامعة القدس، وبجوارهم كل من ساعد في طبع وتدقيق ومراجعة هذا العمل المتواضع. ¬

(¬1) سورة النمل، آية رقم 40. (¬2) رواه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في شكر المعروف، ص 872، برقم 4811، وحكم عليه الشيخ الألباني بأنه حديث صحيح وذلك خلال حكمه على سنن أبي داود.

الملخص

الملخص تناول هذا البحث والمعنون بـ" واجبات العمال وحقوقهم في الشريعة الإسلامية مقارنة مع قانون العمل الفلسطيني " الواجبات والحقوق للعامل في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني، حيث بدأت فيه بتعريف الواجب عند علماء اللغة وعلماء الشريعة الإسلامية، ثم بيان معنى الحق لغة واصطلاحاً وكذلك عند علماء القانون، بعد ذلك بيان المعنى المراد من مصطلح العمل عند علماء الشريعة الإسلامية، وناقش البحث مشروعية عقد الإجارة في الشريعة الإسلامية والتكييف الفقهي لوظيفة العامل، مع بيان نوعي الإجارة على الأشخاص (الأجير الخاص والأجير المشترك) وأهم الفروق بينهما، بعد ذلك تطرق البحث للحديث عن نظرة الإسلام للعمل وللعمال في حقل التجارة والزراعة وبقية المجالات، مبيّناً تكريم الإسلام للعامل بغضّ النظر عن وظيفته. ثم تناول البحث واجبات العمال في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني، وهذه الواجبات هي: إنجاز العمل المُتفق عليه على أكمل وجه، ومتابعة العامل على متابعته للعمل بنفسه، وكذلك ضرورة التواجد في مكان العمل المحدد، وأهمية المحافظة على أدوات العمل التي تكون تحت مسؤولية العامل، ثم تنفيذ العامل لأوامر صاحب العمل ضمن الحدود التي وضعتها الشريعة الإسلامية وأثبتتها نصوص القانون. ثم تطرق البحث للواجبات الأخلاقية التي ترتبط بمبدأ حُسن النية، وهي عدم إفشاء أسرار العمل مؤكداً ضرورة تفريق القانون بين السرّ المهني والخبرة المكتَسَبة من العمل، ثم ضرورة معاملة عملاء صاحب العمل معاملة حسنة، ثم بيّن البحث أهمية استعمال العامل لوسائل النظافة والوقاية المتوفرة في موقع العمل، ثم تناول البحث الحقوق الأخلاقية للعامل التي يجب أن يتمتع بها، وتشمل ضرورة توفير الدولة فرص العمل المناسبة للقادرين على العمل، ثم النظرة الإنسانية الموسومة بالعطف والرحمة للعامل، وضرورة العمل على رفع الروح المعنوية للعامل وتحفيزه الدائم من قِبل صاحب العمل أو من ينوب عنه، ثم تطرق البحث لمسألة تشغيل الأطفال وبيان الأثر السلبي من الناحية الشرعية والقانونية. كما أشار هذا البحث إلى حق العامل في تأدية العبادات، ثم تناول البحث موضوع حق العامل في الأجرة وبيان كيفية تحديدها والأمور التي ينبغي

مراعاتها عند تحديدها، وذلك بالمقارنة بين ما أوردته الشريعة الإسلامية وما ذكرته قوانين العمل مبيّنا الحاجة الماسة لتحديد الحد الأدنى من الأجور في فلسطين، وناقشت ربط الأجرة بمؤشر غلاء المعيشة، بعد ذلك ذكرت الوقت الشرعي والقانوني لدفع الأجرة والضمانات التي لا بدّ من توافرها لدفع الأجرة، ثم قواعد الوفاء بدفع الأجرة في الوقت المحدد. تطرق البحث لمناقشة الإجازات وبيان المعنى المقصود من الإجازة وأنواعها، كما ناقش البحث حكم التأمين في الشريعة الإسلامية، وحق العامل في التعويض عن كل ما يلحق به من أضرار نتيجة قيامه بالعمل المُتفق عليه، وناقش أيضاً التكييف الفقهي لمكافأة نهاية الخدمة وموقف القانون منها، كما تطرق للراتب التقاعدي، والموقف الشرعي والقانوني منه، وتناول البحث الموقف الشرعي من حق العامل في تقديم الشكاوى ضد صاحب العمل، وكذلك حقه في التظاهر والإضراب عن العمل، كما تطرق البحث لأحكام ابتكارات العامل وكيفية الاستفادة منه، ثم ذيّلت الأطروحة بالمسارد التي تخدم البحث. مشكلة البحث: تكمن مشكلة البحث في قلة معرفة العمال بواجباتهم وحقوقهم وخصوصاً المعاصرة منها. أهمية البحث: تعتبر هذه الدراسة مهمة نظراً لحاجة المكتبة إليها، ولبيان أوجه الاتفاق والافتراق بين الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني. منهجية البحث: اتبعت في بحثي المنهج الوصفي مع المقارنة والتحليل في بعض المواطن. أهم النتائج: 1. أن ينصّ قانون العمل الفلسطيني على أحكام تشغيل الأطفال. 2. أن تستحق المرأة العاملة إجازة الوضع بمجرد اجتيازها لفترة التجربة في العمل. 3. وفرة التوجيهات الإسلامية التي تركز على غرس معرفة العامل بواجباته وحقوقه. 4. عندما ألزم الإسلام الإنسان بالمحافظة على الجسد فإنه قرر مبدأ الإجازات بأنواعها. 5. العامل مُلزم بضمان ما أتلفه بتقصير أو إهمال. 6. الراتب التقاعدي ومكافأة نهاية الخدمة حقٌ للعامل. 7. الاحتجاج والتظاهر والإضراب عن العمل وسائل مشروعة إذا كانت غايتها وأساليبها مشروعة. 8. الابتكار حق لصاحبه، ولا يجوز الاعتداء عليه.

Abstract In this research with its address "The Duties and Rights in Islamic Sharee'a compared with the Palestinian Work Law" the duties and rights to the worker in both Islamic Sharee'a and the Palestinian Work Law. I begin it by defining the duty from the Sharee'a and language scientists point of view, and showing the concept of the right lingnisti cally and Idiomatically, also as the law scientists defrint it, after that defring the labor from the share,a scientists point of view. In this research there is discussion about the legality of rent decument and the FiKh adjusts to the labor job with defring the Two sorts employe: the special and the common employers with their defferences ,after that this research talks about the Islamic look at work and workers in the field of agriculture and commerce and other aspects. Showing how Islam encourages and rewards the worker for away from looking and his job. the research discusses the duhes of Labours Sharee'a and the Palestinian work law. These duties are finishing the work well ,watching the worker how he fullfil the work himself , being in the work fild, Keeping the work tools safely, and implemining honestly the orders of the work owner with in the limita that the Islamic sharee,a and the Law prove. In this research also there is the morals duties which is related to the good will intention. Such as not to say the work secrets to any one , and the necessary of dealing the agents of the work owner in agood way. also in the research you can find the neccassary of using the means of healthy and safety that available in the work held.then the moral rights to the Labour as the role of the state to find work opporitunities to the workers and the humanitarian look to the Labour, and to encourage the labour and reward him.From the work owner, the research talks about the bad effects for permithing the child to work.the research talk about the rights to the Labour to do his worships law his salary from Islamic Sharee,a and law point of view in palestin in evey single details. In the research then is adiscussion about the work leares and their different kinds the insurance in Islamic Sharee'a, the worker right to be compensated if he exposed to dangers ,the worker rights of finishing the job after lony years and hoe this can be solred from both Sharee,a and Palestine laws. Retirement ,complaining against the work owner, demonstating and stor working also the research talks also about the worker's in versions and how can be in vested from it. At the end of the dissertation you can see clearly the references. The research problem The lack of workers Knowing about their and rights. The necessary of the research The library needs it , especially to know the agree and this agree between the Palestine and the Sharee,a. The research way

I Followed in my research the discriphon way in addihon to contrast and analyze in some cases. Results 1. The Palestinian Labour law must have texts about the lethality of the letting the children work. 2. The work woman has right to lay permission "without depending of how many years she is at works. 3. Allot of Sharee,a texts to worker to Know his rights and dutes. 4. To keep your body safe in Islam, there are sereral kind of leaves. 5. The worker is responsible for his failing in the work or destroying tools. 6. The retirement salary and endying job reword is afull right to the worker. 7. To stop working ,Protest , and demonstrations are full rights for the workers to achieve their legitimate rights. 8. Innovation is afull right for its owner if is forbiclen to violate.

المقدمة

المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فإن من مميزات الدين الإسلامي شمولية أحكامه لكل نواحي الحياة وجوانبها، إذ إن تشريعات هذا الدين العظيم شملت كل ما يحتاجه البشر، سواء أكان في المعاملات أم العبادات أم غيرهما، فما من خيرٍ إلا وقد دلّ الناس عليه، وما من شرٍ إلا و حذرهم منه، لذلك كانت شريعة الإسلام صالحة لكل زمانٍ ومكان؛ فأحكام الإسلام وتشريعاته تستوعب مختلف المسائل والقضايا التي تستجد في واقع الناس وحياتهم. فمنذ بدء الخليقة ظهرت الحاجة إلى إدارة العائلة أو القبيلة أو القرية أو المجتمع أو الدولة، ومع تطور البشرية تطورت الحاجة إلى وضع القوانين والأنظمة التي تضبط هذا التطور والتقدم، ومن هذا المنطلق جاءت الشريعة الإسلامية بمبادئ وأحكام عامة وتفصيلية تنظم من خلالها علاقة العامل مع صاحب العمل، والتي لا بدّ من إبرازها وإلقاء الضوء عليها، كما أن لتنظيم العلاقة بين صاحب العمل والعامل أثراً إيجابياً في عنصر الإنتاج، والذي يؤثر بشكل مباشر في التنمية والتقدم؛ لذا وجدت أسباباً داعية لاختيار هذا الموضوع، فكانت كثيرة أذكر منها: 1. عدم وجود دراسة مستقلة فيه على مستوى فلسطين - حسب علمي- فما وجدت من كتب في هذا الموضوع مقارنة مع القانون الفلسطيني. 2. ما ألمسه في الحياة اليومية من قلة علم واضحة لدى العامل وصاحب العمل في معرفة كليهما لحقوقه وواجباته. 3. حاجة المكتبة الإسلامية للتأصيل الشرعي لحقوق العامل وواجباته التي قررتها القوانين. 4. بيان الحقوق أو الواجبات التي سكت عنها القانون الفلسطيني ولم يذكرها- إن وجدت -. 5. تعريف العمال بحقوقهم الشرعية، وكذا بيان حقوق ربّ العمل والتزامات كل منهم تِجاه الآخر. منهج الدراسة اتبعت في دراستي لهذا الموضوع المنهج الوصفي مع المقارنة والتحليل، حيث حصرت المواد القانونية التي تتعلق بحقوق العمال وواجباتهم ومحاولة البحث عن شروحها، وعند انعدامها اتجهت نحو القوانين العربية المجاورة والشبيهة، كقانون العمل الأردني والمصري والسعودي، ثم قارنت هذه المواد بما تحدث عنه الفقهاء المسلمون القدامى والمعاصرون، وما قررته المجامع والهيئات الشرعية

المعاصرة، ثم أثبت المآخذ على القانون الوضعي، وبيّنت الاستدراكات التي رآها الباحث ضرورية، فكان عملي في هذا البحث على النحو الآتي: 1. عزو الآيات القرآنية وبيان موضعها من القرآن الكريم. 2. بيان وجه الاستدلال من الآيات القرآنية. 3. تخريج الأحاديث النبوية من كتب الأحاديث. 4. الإتيان بحكم المحدثين على الأحاديث التي أسوقها خلال الدراسة- ما استطعت لذلك سبيلا-. 5. بيان شرح الأحاديث النبوية مستعيناً بكتب شروح الحديث. 6. تخريج الآثار الواردة في الدراسة. 7. الرجوع إلى كتب الفقه الإسلامي لبيان أصل الحقوق أو الواجبات التي ذكرها القانون. 8. الاعتماد على النسخة الرسمية لقانون العمل الفلسطيني الصادرة في سنة 2000م. 9. الترجمة للأعلام الذين يرد ذكرهم في الدراسة. 10. الاستعانة بشروحات قانون العمل الفلسطيني. 11. بيان أهم نقاط الاتفاق والافتراق بين الحقوق الواردة في الشريعة الإسلامية وتلك التي ساقها القانون. الدراسات السابقة عندما عقدت العزم على البحث في هذا الموضوع بحثت عمن كتب قبلي فيه فما وجدت إلا القليل من الكتب أذكر منها: 1. حقوق العمال في الإسلام للباحث عدنان بن خالد شعبان، وهي رسالة دكتوراة أُجيزت من كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر في سنة 1971م، بإشراف الدكتور محمد إبراهيم الخضراوي، ولم أتمكن من الاطلاع عليها، لعدم توفرها في المكتبات الفلسطينية وعجزي عن إحضارها من مكان نشرها. 2. حقوق العمال وواجباتهم في الإسلام للباحث علي بن عبد الله الغامدي، وهي رسالة ماجستير أُجيزت من المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سنة 1984م، بإشراف الدكتور عبد العظيم شرف الدين، وواجهت فيها ما واجهته في الرسالة الأولى. 3. العمال في رعاية الإسلام لمؤلفه محمد محمد الطويل، وطبع سنة 1998م في مكتبة الغد في مصر. الخطة التفصيلية جعلت رسالتي في ثلاثة فصول وخاتمة، فكانت على النحو الآتي:

الفصل الأول: تعريف بالواجبات والحقوق والتكييف الفقهي لوظيفة العامل وأسس اختياره، وفيه مبحثان: المبحث الأول: تعريف بالواجبات والحقوق والتكييف الفقهي لوظيفة العامل، ويشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: تعريف الواجب والحق. المطلب الثاني: التكييف الفقهي لوظيفة العامل. المبحث الثاني: نظرة الإسلام للعمل والعمال وأسس اختيار العمال في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني، ويشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: نظرة الإسلام للعمل والعمال. المطلب الثاني: أسس اختيار العمال في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني. الفصل الثاني: واجبات العمال في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني، ويشمل المباحث الآتية: المبحث الأول: واجبات العمال في الشريعة الإسلامية، ويشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: إنجاز العمل على الوجه المطلوب. المطلب الثاني: متابعة العامل للعمل بنفسه. المطلب الثالث: عدم الغياب عن العمل أثناء فترة العمل. المطلب الرابع: الحفاظ على ما تحت رعايته من آلات وأدوات ومعدات. المطلب الخامس: التعويض والضمان المطلب السادس: تنفيذ الأوامر بالقدر الذي يخص العمل. المبحث الثاني: واجبات العمال الأخلاقية وتشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: عدم إفشاء أسرار العمل. المطلب الثاني: إحسان معاملة عملاء صاحب العمل. المطلب الثالث: التعاون بما يحقق مصالح العمل. المطلب الرابع: استعمال وسائل النظافة والوقاية. الفصل الثالث: حقوق العمال في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني، وفيه سبعة مباحث: المبحث الأول: حقوق العمال الأخلاقية، ويشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: حق العامل على الدولة في توفير فرصة عمل. المطلب الثاني: حق العامل في المعاملة الإنسانية. المطلب الثالث: حق العامل في رفع الروح المعنوية وتحفيزه. المبحث الثاني: حق العامل في تأدية العبادات، ويشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: حق العامل في تأدية فريضة الحج.

المطلب الثاني: حق العامل في تأدية الصلوات المفروضة. المطلب الثالث: حق العامل في تأدية صلاة الجمعة. المطلب الرابع: حق العامل في تأدية النوافل والسنن الراتبة. المبحث الثالث: حق العامل في الأجرة، ويشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: تحديد الأجرة. المطلب الثاني: الاعتماد على مؤشر غلاء المعيشة في تحديد الأجرة، والحكم الشرعي في ذلك. المطلب الثالث: وقت دفع الأجرة وتملكها. المطلب الرابع: ضمانات الوفاء بالأجرة. المطلب الخامس: قواعد الوفاء بالأجر. المبحث الرابع: حق العامل في الإجازات، وتشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: الإجازة السنوية. المطلب الثاني: الإجازة الأسبوعية. المطلب الثالث: الإجازة المرضية. المطلب الرابع: الإجازة الأمومة. المطلب الخامس:.إجازة العارضة. المبحث الخامس: حق العامل في التأمين والتعويض، وفيه مطلبان: المطلب الأول: التأمين في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني. المطلب الثاني: التعويض في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني. المبحث السادس: حق العامل في مكافأة نهاية الخدمة والتقاعد، ويشمل المطالب الآتية. المطلب الأول: مكافأة نهاية الخدمة في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني. المطلب الثاني: الراتب التقاعدي في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني. المبحث السابع: حق العامل في الشكوى و التقاضي و التظاهر والإضراب عن العمل، وحق الابتكار، ويشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: الشكوى والتقاضي. المطلب الثاني: التظاهر والإضراب عن العمل. المطلب الثالث: حق الابتكار. وأسأل الله العظيم ربّ العرش الكريم أن يكون قد وفقني وأعانني في كتابة هذه الرسالة، متضرعاً إليه سبحانه أن ينفع بها المسلمين، ويستفيد منها العامل وصاحب العمل؛ ليقوم الناس بالقسط، فما كان صواباً فمن توفيق الله لعبده، وما كان مجانباً للصواب فمن نفسي و الشيطان، -أعاذنا الله منه -.

الفصل الأول: تعريف بالواجبات والحقوق والتكييف الفقهي لوظيفة العامل وأسس اختياره

الفصل الأول: تعريف بالواجبات والحقوق والتكييف الفقهي لوظيفة العامل وأسس اختياره، وفيه مبحثان: المبحث الأول: تعريف بالواجبات والحقوق والتكييف الفقهي لوظيفة العامل، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الواجب والحق والعمل. المطلب الثاني: التكييف الفقهي لوظيفة العامل. المبحث الثاني: نظرة الإسلام للعمل والعمال وأسس اختيار العامل، وفيه مطلبان: المطلب الأول: نظرة الإسلام للعمل والعمال. المطلب الثاني: أسس اختيار العامل في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني.

المطلب الأول تعريف الواجب والحق والعمل

المطلب الأول تعريف الواجب والحق والعمل أولاً: تعريف الواجب لغة واصطلاحاً، فالواجب في اللغة من وجب الشيء يجب وجوباً، أي لزم (¬1)، ووجبت الشيء جعلته لازماً، واستوجب لشيءٍ استحقه (¬2)، والواجب أيضاً من وجب الشيء إذا سقط، ومن ذلك قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬3) واستوجب الشيء بمعنى ثبت. (¬4) وفي اصطلاح علماء الشريعة الإسلامية فقد عرّفه الإمام الآمدي (¬5) - رحمه الله- الواجب بقوله:" ما طلب الشارع فعله من المكلَّف طلباً حتمياً، مقترناً على حتمية فعله، ويُثاب فاعله، ويُعاقَب تاركه، ويُكفَّر منكره إذا ثبت بدليل قطعي" (¬6)، وهو" ما طلب الشارع فعله على وجه اللزوم، بحيث يذم تاركه، ومع الذم العقاب، ويُمدح فاعله ومع المدح الثواب" (¬7)، والواجب في العمل: اسم لما لزم علينا بدليل فيه شُبهة، كخبر الواحد (¬8)،والعام المخصوص، والآية المؤوَّلة، وذلك كصدقة الفطر والأضحية (¬9)، ¬

(¬1) الفيروز آبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، تحقيق مكتب التراث في مؤسسة الرسالة، ص 140، ط6، 1998م، بإشراف محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. (¬2) السيد محمد، يسري، حقوق الإنسان في ضوء الكتاب والسنة، ص92، ط1، 2006م، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان. (¬3) سورة الحج، آية رقم 36. (¬4) أبو البقاء، أيوب بن موسى، الكليات، ص689، ط2، 1998م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. (¬5) علي بن محمد الآمدي، نزل آمد بديار بكر، له كتاب عمدة الحاضر وكفاية المسافر في الفقه. حاجي خليفة، مصطفى عبد الله، كشف الظنون عن أسماء الكتب والفنون، ج2، ص 1166، بدون رقم طبعة، مكتبة المثنى، بغداد، العراق. (¬6) الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، ج 1، ص 50. (¬7) زيدان، عبد الكريم، الوجيز في أصول الفقه، ص31، ط6، 1976م، مؤسسة قرطبة، الجيزة، مصر .. (¬8) خبر الواحد " ما كان من الأخبار غير منتهٍ إلى حد التواتر" الآمدي، علي بن محمد، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق عبد الرزاق عفيفي ج2، ص4، ط2، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. (¬9) الجرجاني، علي بن محمد الشريف، التعريفات، ص269، بدون رقم طبعة، 1978م، مكتبة لبنان، بيروت، لبنان.

ثانياً: تعريف الحق في لغة واصطلاحاً: مصدر حقَّ الأمر: بمعنى وجب وثبت، ويأتي بمعنى: أوضح وصدق وذلك لقول الله - سبحانه وتعالى -: {لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} (¬1)، واستحق الشيء واستحق الأمر إذا استوجبه، واستحق الإثم بمعنى وجبت عليه عقوبته، ومنه قول الله - سبحانه وتعالى -: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ} (¬2) والاستحقاق طلب الحق (¬3)، ويُطلق أيضاً على المِلك والمال، والأمر الموجود الثابت ومن ذلك قول الله - سبحانه وتعالى -: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (¬4)،ويرى بعض المعاصرين أن كل الاستعمالات اللغوية المستعملة لكلمة الحق تدور حول معنى الثبوت والوجوب، (¬5) كما يُطلق الحق كذلك على اسمٍ من أسماء الله - سبحانه وتعالى - أو من صفاته، كما يُطلق على القرآن الكريم، وهو ضد الباطل، والموت، والحزم، (¬6) وهو في اصطلاح أهل المعاني: الحكم المطابق للواقع، ويُطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك. (¬7) وبالنسبة لتعريف الحق عند علماء الشريعة الإسلامية فلم أقف - بعد عناء البحث- على تعريف جامع للحق بالمعنى العام، وذلك لاعتمادهم على التعريف اللغوي، إلا ما وجدته عند صاحب كتاب البحر الرائق الذي عرّفه بقوله:" الحق ما يستحقه الرجل" (¬8)، كما وجدت تعريفاً آخر لصاحب شرح المنار فقال:" الحق هو الشيء الموجود من كل وجه، ولا ريب في وجوده" (¬9)، ومن ذلك قول الرسول ¬

(¬1) سورة يس، آية رقم 70. (¬2) سور ة المائدة، آية رقم 107. (¬3) ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، ج10،ص50،بدون رقم طبعة، دار صادر، بيروت، لبنان. (¬4) سورة يس، آية رقم 8. (¬5) الدريني، فتحي، الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده، ص184، ط2، 1977م، مؤسسة الرسالة، بيروت. (¬6) الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ص 874. (¬7) الجرجاني، التعريفات، ص 120. (¬8) ابن نجيم، زين الدين، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ج6، ص 148، ط2، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان. (¬9) ابن ملك، عز الدين عبد اللطيف بن عبد العزيز، شرح المنار وحواشيه من علم الأصول، ص886، بدون رقم طبعة، مطبعة عثمانية.

- صلى الله عليه وسلم -:" العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا " (¬1)، وهذا تعريف الحق بالمعنى اللغوي - والله تعالى أعلم-،ومن خلال استعمالات الفقهاء لكلمة الحق نرى أنهم لم يُطلقوها على معنىً واحد، لأنهم أطلقوا هذا اللفظ على معانٍ مختلفة، وكلها راجعة إلى المعنى اللغوي، ومنهم من أطلق كلمة الحق على جميع الحقوق المالية وغير المالية فيُقال مثلاً: حق لله تعالى وحق للعباد (¬2)، وقد يستعملون هذا اللفظ ليدل على مرافق العقارات كحق المسيل وحق الطريق، وكذلك الحقوق المتعلقة بالبنايات في العصر الحديث، كحق الصعود للطوابق العليا، ومنهم من يستعمل لفظ الحق في البدل على ما ينشأ عن العقد الصحيح من التزامات، فعقد البيع مثلاً إذا تم بصورة صحيحة فينشأ عنه نقل الملكية للمشتري، وكذلك تسليم المبيع، ودفع الثمن حسب الحقوق، وكل هذه حقوق متعلقة بالعقد. (¬3) أما علماء أصول الفقه فقد اهتموا بالحق وتقسيماته في باب المحكوم به، والذي هو فعل المكلَّف الذي يتعلق به خطاب الشارع (¬4)، وهو عند الحنفية ينقسم باعتبار ما يُضاف إليه إلى قسمين هما: القسم الأول: حق لله تعالى، وهو ما يتعلق به النفع العام لجميع العالم، فلا يختص به واحد دون واحد، وإضافته إلى الله تعالى لعظيم خطره، وأهميته، وشمول نفعه للجميع (¬5)، وهذا أقرب ما يكون عند علماء القانون بالأمور المتعلقة بالنظام العام، غير أنه عند الحنفية شامل للمصلحة الدنيوية والأخروية، ولا يختص بالدنيوية كما هو عند علماء القانون ومن الأمثلة على ذلك حرمة الزنا التي يتعلق بها عموم النفع من سلامة الأنساب (¬6). القسم الثاني: حقوق العباد، وهذه الحقوق هي التي تتعلق بالأفراد وليس بالنظام، بل لا دخل للنظام فيها، وهي ما يتعلق بمصلحة خاصة دنيوية، كحُرمة مال الغير، وحق الدية، وحق بدل المتلفات. ¬

(¬1) مسلم بن الحجاج النيسابوري، الجامع الصحيح، ص936، برقم (2188)،ط1، 2005م، مؤسسة المختار، القاهرة، مصر. (¬2) ابن ملك، شرح المنار وحواشيه، ص886. (¬3) السنهوري، عبد الرزاق، مصادر الحق في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة بالفقه الغربي، ج1، ص14، بدون رقم طبعة، المجمع العلمي العربي الإسلامي، بيروت، لبنان. (¬4) ابن ملك، شرح المنار وحواشيه، ص 886. (¬5) القرافي، أحمد بن إدريس الصنهاجي، الفروق وأنوار البروق في أنواء الفروق، ج1، ص256، ط1، 1998م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. (¬6) بدران، بدران أبو العينين، تاريخ الفقه الإسلامي ونظرية الملكية والعقود، ص297، بدون رقم طبعة، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان.

وقد أضاف العلماء قسماً ثالثاً، وهو ما يشمل حقاً لله تعالى وحقاً للعباد، كحد القذف مثلاً، فيرى الحنفية أن حق الله تعالى وحق العبد إذا اجتمعا في شيء، ونفذ أحدهما سقط الآخر، وقالوا: لا يُجمع قطع وتغريم في السرقة (¬1)، بينما يرى غيرهم أنه لا تنافي بين الحقين (¬2)، وإنما يُعرف الفرق بين هذه الحقوق بصحة إسقاط الحق، فما كان لله تعالى فلا يجوز إسقاطه، وكل ما جاز إسقاطه فهو حق للعبد. وقد نسب الدكتور الدريني (¬3) - رحمه الله- لعلماء الأصول تعريفاً للحق بقوله:" الحق الموجود والمراد به هنا حكم يثبت" وعلّق على هذا التعريف بأمرين هما: الأول: أنه بُني عن منشأ الحق ومصدره؛ لأن الحق لا يُعدُّ حقاً في نظر الشرع الإسلامي إلا إذا جاء من النصوص الشرعية ما يقرره، وتقرير الحق لا يكون إلا بحكم شرعي. الثاني: أن الحكم إن أُريد به خطاب الله المتعلق بأفعال المكلّفين فالحق ليس هو الخطاب نفسه، وإنما هو الأثر المترتب والثابت بالخطاب، فعلاقة الحق بالحكم هي علاقة المسبّب بالسبب، واستخلص الدكتور الدريني- رحمه الله - أن هذا تعريف بالأعم؛ لأن كل حق حكم، وليس كل حكم حقاً، (¬4) هذا وقد اجتهد فقهاء العصر في تحديد معنى الحق وانقسموا في ذلك إلى قسمين: القسم الأول: وهؤلاء عرّفوه بحسب الغاية منه فقالوا:" هو مصلحة ثابتة للفرد أو المجتمع أو لهما معاً يقررها الشارع الحكيم" (¬5)، ولكن يؤخذ على هذا التعريف أن الحق ليس مصلحة للفرد أو المجتمع، وإنما هو وسيلة يمكن أن يسلكها المكلف للوصول إلى المصلحة. ¬

(¬1) ابن عابدين، محمد أمين، ردّ المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، تحقيق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد عوض، ج6، ص179، ط1، 1994م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. المرغيناني، علي بن أبي بكر، الهداية شرح بداية المبتدي، تحقيق محمد محمد تامر وحافظ عاشور حافظ، ج2، ص801، ط1، 2000م، دار السلام، القاهرة، مصر. (¬2) يرى الشاطبي- رحمه الله- أن حق الله تعالى وحق العباد ثابتان في كل حكم. الشاطبي، إبراهيم ابن موسى، الموافقات في أصول الشريعة، ج2، ص315، تحقيق الشيخ عبد الله دراز، بدون رقم طبعة، دار الحديث، القاهرة، مصر. (¬3) محمد فتحي الدريني (فلسطيني الأصل) , لقّب بشاطبي العصر، لإحيائه الاجتهاد المقاصدي. له من المؤهلات العلمية دكتوراه في الفقه الإسلامي وأصوله، كلية القانون والشريعة في الأزهر، درّس لعقود طويلة في مصر والجزائر ودمشق لمدة طويلة ثم كان آخر مستقره في الجامعة الأردنية، توفي عام 2008م. http://www.ahlalhdeeth.com (¬4) الدريني، الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده، ص 188. (¬5) المصدر نفسه، ص189.

القسم الثاني: وهؤلاء عرّفوا الحق حسب موضوعه، فهو عندهم:" ما ثبت للإنسان استيفاؤه" (¬1) وأخذ الدريني- رحمه الله- على هذا التعريف أنه غير مانع؛ لأنه يشمل الرخصة والإباحة، إذ هي مما يثبت استيفاؤه شرعاً كذلك، كما لا يشمل التعريف حقوق الأسرة مثل حق الولي في تأديب الصغير، وذلك لأن المصلحة عائدة على غير صاحب الحق وهو المولّى عليه. (¬2) أو هو اختصاص مظهر فيما يقصد له شرعاً (¬3)،ثم اختار الدكتور الدريني -رحمه الله- تعريفاً للحق فقال:"هو اختصاص يقرّ به الشرع سلطة على شيء أو اقتضاء أداء من آخر تحقيقاً لمصلحة معينة (¬4) "، ويُمكن ترجيح هذا التعريف للأسباب الآتية: 1. يميز بين الحق وغايته، فالحق ليس هو المصلحة بل هو وسيلة للوصول لهذه المصلحة. 2. يشمل حقوق الله تعالى وكذلك حقوق الأشخاص الطبيعية والاعتبارية. 3. يُبين مدى استعمال الحق بما أُلقي عليه من قيد" تحقيقاً لمصلحة معينة". 4. يستبعد هذا التعريف المصلحة من تعريف الحق وكذلك الإرادة. 5. يشمل هذا التعريف حقوق الأسرة وحقوق المجتمع. 6. لم يجعل هذا التعريف الحماية الشرعية للحق عنصراً فيه، بل جعل الحماية الشرعية للحق من مستلزماته، فهي تالية من حيث وجودها لوجود الحق. (¬5) ومعروف أن الحقوق تثبت بالأدلة، خاصة في موضع النزاعات، كمن ادّعى على غيره مالاً فعليه وصف مصدره، وهل هذا الحق كان ببيع أو قرض. وعرّفه الأستاذ مصطفى الزرقا (¬6) - رحمه الله- بقوله:" اختصاص يقرُّ به الشرع سلطة أو تكليفاً" (¬7) وذلك كحق الولي في التصرف على من تحت ولايته، فإنه سلطة لشخص على شيء. ¬

(¬1) الدريني، الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده، ص190. (¬2) المرجع نفسه، ص 190. (¬3) السيد محمد، حقوق الإنسان في ضوء الكتاب والسنة، ص 91. (¬4) الدريني، الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده، ص260. (¬5) المصدر نفسه، ص262. (¬6) ولد الشيخ مصطفى الزرقا بمدينة حلب في سورية، عام 1322هـ الموافق 1904م، والده الشيخ أحمد الزرقا مؤلّف (شرح القواعد الفقهية)، وجدّه العلاّمة الكبير الشيخ محمد الزرقا، وكلاهما من كبار علماء مذهب الحنفية، حفظ القرآن منذ صغره، قال الشيخ يوسف القرضاوي:" علماء الشام الكبار أربعة: مصطفى السباعي، ومصطفى الزرقا، ومحمد المبارك، ومعروف الدواليبي"،حصل على جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية عام 1404هـ تقديراً لإسهاماته المميّزة في مجال الدراسات الفقهية، وخاصّة كتابه: "المدخل إلى نظرية الالتزام في الفقه الإسلامي " توفي عام 1420هـ الموافق 1998م. http://eftaa-aleppo.com/index.jsp?inc=52&count= (¬7) الزرقا، مصطفى، المدخل إلى نظرية الالتزام في الفقه الإسلامي، ص 19،ط1، 1999م، دار القلم، دمشق، سوريا.

والمراد بالاختصاص: علاقة تشمل الحق الذي موضوعه مالي، كاستحقاق الدَّين في الذمة بأي سبب كان، والذي موضوعه ممارسة سلطة شخصية، كممارسة الولي ولايته، والوكيل وكالته. وهذه العلاقة لكي تكون حقاً يجب أن تختص بشخص معيّن أو بفئة، إذ لا معنى للحق إلا عندما يتصور فيه ميزة ممنوحة لصاحبه، وممنوعة عن غيره، أما ما كان من قبيل الإباحات العامة، كالاصطياد، والاحتطاب فلا تعدُّ حقاً بالمعنى المراد هنا؛ إذ لا يوجد شخص مطالب بأداء هذا الحق لصاحبه، ثم إن هذا الاختصاص لا يكون معتبَراً ما لم يعتبره الشرع، ولذا اشتُرط إقرار الشرع له، إذ لا حق إلا ما اعتبره الشرع حقاً. والمراد بالسلطة: ما يشمل سلطة شخص على شخص، كحق الولاية على النفس فهي للولي على القاصر؛ إذ له حق تأديبه وتطبيبه، والسلطة على شيء معين كحق الملكية، فهي سلطة على ذات الشيء. والمراد بالتكليف: تكليف الغير بأداء ما في عهدته لصاحب الحق، كقيام الأجير بعمله، وقيام المدين بأداء دينه. وما ذكره فضيلة الشيخ الزرقا- رحمه الله- في تعريفه وجيه وجامع، غير أن الفقهاء المتقدمين - رحمهم الله - لم يلتزموا في تعاريفهم ما التزمه المناطقة والأصوليون ومتأخرو الفقهاء بأن التعريف لا بد وأن يكون جامعاً مانعاً؛ لأن أكثر تعاريفهم إنما هو تعريف شمولي في الجملة، وهو ما يعرف عند المناطقة بالتعريف بالرسم، ولهذا نجد أن الفقهاء - رحمهم الله - يستعملون الحق بمعانٍ عدّة، وفي مواضع مختلفة، وكلها ترجع إلى المعاني اللغوية للحق (¬1)، والعلاقة بين الحق والواجب: أن الحق هو ما يستحقه صاحبه، بحيث يخوله سلطة على الآخرين، وبذلك تنشغل ذمم هؤلاء الآخرين بما يجب أن يؤدوه نحو صاحب الحق، وقد اجتهد فقهاء القانون في تعريف الحق وبيان وجهات نظرهم في مفهومه، وقد تبين لنا من خلال الاستقراء أن مذاهبهم تنحصر في أربعة مذاهب: ¬

(¬1) http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=146&aid=7545

المذهب الأول: باعتبار صاحب الحق وهو ما يُعرف بالمذهب الشخصي أو نظرية الإرادة، حيث عرّفه أصحاب هذا المفهوم بقولهم:" الحق قدرة أو سلطة إرادية يخولها القانون شخصاً معيناً ويرسم حدودها" (¬1) ومن ثَمّ فهو صفة تلحق بشخص معيّن، ولكن هذا التعريف يتنافى مع هو متعارف في الشرائع من وجود حقوق لعديمي الإرادة كالصغير والمجنون. المذهب الثاني: باعتبار المصلحة في الحق وموضوعه وهذا ما يُعبّر عنه بالمذهب الموضوعي، حيث عرّفه أصحابه بقولهم:" الحق مصلحة يحميها القانون" (¬2)، ويؤخذ على هذا التعريف أنه جعل المصلحة معياراً للحق، وليس كل حق مصلحة، وليس كل مصلحة تكوّن حقا. المذهب الثالث: وهو يجمع بين شرط مباشرة الحق وبين الهدف من المصلحة وهو ما يُعرف بالمذهب المختلط، وعرّفه أصحاب هذا المذهب بأنه" القدرة الإرادية المعطاة لشخص من الأشخاص في سبيل تحقيق مصلحة يحميها القانون". (¬3) المذهب الرابع: وقد جاء أصحاب هذا المذهب بتعريف مستحدَث يكشف عن خصائص الحق المميزة له، فقالوا:"الحق استئثار بقيمة معينة يمنحه القانون لشخص ويحميه" (¬4) ثم عرّفه الدكتور عبد الرزاق السنهوري (¬5) - رحمه الله- بقوله:" الحق مصلحة ذات قيمة مالية يحميها القانون" (¬6).ومن العلماء من اختار للحق تعريفاً بقوله:" هو ميزة يمنحها القانون لشخص، ويضمنها بوسائله، يتصرف الشخص بمقتضاها ¬

(¬1) كيره، حسن، المدخل إلى القانون، ص547، طبعة عام 1967م، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان. (¬2) مدكور، محمد سامي، نظرية الحق، ص8، بدون رقم طبعة، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر. (¬3) كيرة، المدخل إلى القانون، ص 450. (¬4) سلامة، أحمد، محاضرات في المدخل للعلوم القانونية، ص25. (¬5) ولد في عام 1895م بمدينة الإسكندرية، وعاش طفولته يتيمًا، إذ توفي والده وعمره خمس سنوات، بدأ تعليمه في الكُتَّاب، ثم التحق بمدارس التعليم العام، حصل على الشهادة الثانوية سنة 1913م، وكان ترتيبه الثاني على طلاب القطر المصري، نال درجة الليسانس في الحقوق سنة 1917م من مدرسة الحقوق الخديوية، ثم سافر إلى فرنسا سنة 1921م لدراسة القانون، وهناك تبلورت عنده الفكرة الإسلامية، وبدأ يتخذ الموقف النقدي من الحضارة الغربية، وهاجم تبني د. منصور فهمي لمقولات المستشرقين، توفي عام 1971م. http://100fm6.com/vb/showthread.php?t=19110 (¬6) السنهوري، مصادر الحق في الفقه الإسلامي، ج1، ص9.

في مال يؤول إليه باعتباره مملوكاً أو مستحقاً" (¬1)، ومن خلال استعراض مذاهب فقهاء القانون في تعريف الحق يتبين للباحث أنه من الصعوبة بمكان أن يتفق الفقهاء على تعريف جامع ومانع للحق. وقد اتفق معنى "الحقّ" في الشريعة والقانون في أمرين: 1 - يقف حقُّ الشخص "سواء أكان طبيعياً أم اعتبارياً"حين تتعارض غاية منحه هذا الحقَّ مع غاية منح حقٍّ آخر لشخصٍ آخر. 2 - حماية صاحب الحقِّ من الآخرين، وبقاء هذه الحماية ما دام صاحب الحقِّ يتَّجه إلى الغاية التي مُنِح الحقُّ لأجلها، هذا وقد اختلف معنى "الحقّ" في الشريعة والقانون في ثلاثة أمور: 1. نظرة الإسلام للحقِّ مبنيةٌ على أنه واجبٌ على الغير، بينما نظرة القانون له على أنَّه حقٌّ مستحقٌّ لمباشِره. 2. مبنى الإسلام في نظرته للحقوق هو مصلحة الجماعة مع مراعاة الحقوق الفردية، بينما مبنى نظرة القانون هو مصلحة الفرد أولاً. 3. يشمل تعريف "الحقّ" في الإسلام من قد لا يناله فائدة من ذلك، كحقوق الله تعالى، بينما "الحقّ" في القانون مرتبطٌ بمستفيد. (¬2) أما تعريف العمل لغة: فهو المهنة والفعل، من عمِلَ عمَلاً، والجمع أعمال، وأعمله واستعمله غيره طلب إليه العمل، واعتمَلَ عمل بنفسه وأعمل رأيه، والعامل على الصدقة الذي يسعى في جمعها، والعامل من يعمل في مهنة أو صنعة (¬3). أما تعريف العمل اصطلاحاً فله تعريفات عدّة، منها ما يوضح العمل بصورته العامة، ومنها ما يقيده بالمفهوم الشرعي أو الاقتصادي. ومن هذه التعريفات: "العمل كل ما يصدر من فعل أو حركة عن أي جسم كان، فقد يصدر عن الجمادات، والنباتات، والحيوانات أفعال وحركات مختلفة تعتبر أعمالا" (¬4). أما في الاصطلاح الشرعي فقد عرّفه الإمام محمد بن حسن الشيباني (¬5) بما يرادف هذا اللفظ في لسان الشرع، وهو الكسب بقوله: " الاكتساب في عرف اللسان هو طلب تحصيل المال بما يحل من أسباب " (¬6)، ¬

(¬1) الشرقاوي، جميل، دروس في أصول القانون (نظرية الحق)، ص24، طبعة عام 1966م، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر. وقال بهذا التعريف الفيلسوف البلجيكي دابان. (¬2) http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA - (¬3) ابن منظور، لسان العرب، مادة عمل، باب اللام، ج11، ص474 - 475.الفيروز آبادي، القاموس المحيط، مادة عمل، ص1339. (¬4) السعيد، د. صادق مهدي، العمل والضمان الاجتماعي في الإسلام، ط2، ص6،مطبعة المعارف، بغداد، العراق. (¬5) ولد سنة 135هـ وقيل سنة 132هـ، أصله من الشام وانتقل إلى العراق، صحب أبا حنيفة وأخذ الفقه عنه، قال عنه الشافعي:"أخذت من محمد وقر بعير من علم، وما رأيت رجلاً سميناً أخف روحاً منه" صنّف تسعمائة وتسعين كتاباً، توفي سنة 189هـ، وتوفي معه في نفس اليوم الكسائي، فقال الخليفة الرشيد:" دفنت الفقه والعربية بالرّيّ" الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك، الوافي بالوفيات، ج2، ص334، ط3، بدون دار النشر. (¬6) الشيباني، محمد بن الحسن، الكسب، تحقيق سهيل زكار، ط1،1980م، ص32، دمشق، سوريا.

وهو في المفهوم الاقتصادي: "الجهد الإرادي الذي يبذله الإنسان مستهدفا ًإنتاج السلع والخدمات" (¬1). ¬

(¬1) الجمال، محمد، موسوعة الاقتصاد الإسلامي، ط1، ص96، دار الكتاب المصري، القاهرة، مصر.

المطلب الثاني التكييف الفقهي لوظيفة العامل

المطلب الثاني التكييف الفقهي لوظيفة العامل الشائع استعمال عقد الإجارة على الأشخاص للدلالة على وظيفة العامل، مع أن هناك مصطلحات أخرى يستعملها الفقهاء، وهي عقد إجارة الأشخاص، أو عقد الإجارة على العمل، أو عقد منافع الأشخاص، والمصطلحات الثلاثة وإن كانت صحيحة، إلا أن الأدقَّ منها هو عقد الإجارة على العمل، أو منفعة الشخص (¬1)، ومن جهة أخرى فإن الإجارة على عمل الأشخاص هو أحد نوعي الإجارة عند جمهور الفقهاء (¬2)، في حين ذهب المالكية إلى أن لفظ الإجارة يُستعمل للإجارة على عمل الأشخاص، واستعملوا لفظ الكراء على الإجارة الواردة على الأعيان فقالوا:" الإجارة تُطلق على منافع من يعقل، وأن الكراء يُطلق على العقد الوارد على منافع من لا يعقل" (¬3) لذلك فإن إجارة الأشخاص تقع على صورتين: الأولى: الأجير الخاص: الذي استؤجر على أن يعمل للمستأجر فقط، ويُسمّيه الفقهاء أجير الوَحد (¬4)، كالخادم، والموظف، والعامل في شركة أو مؤسسة، فهو يعمل لمعيّن عملاً مؤقتاً، ويكون عقده لمدة، ويستحق الأجرة بتسليم نفسه في هذه المدة؛ لأن منافعه صارت مستحقة لمن استأجره في مدة العقد (وحول هذا النوع تجري دراستنا بإذن الله تعالى). ¬

(¬1) القرة داغي، علي، الإجارة على منافع الأشخاص دراسة فقهية مقارنة في الفقه الإسلامي وقانون العمل، ص6،البحث مقدم للمجلس الأوروبي للإفتاء. http://www.e-cfr.org/ar/index.php (¬2) الكاساني، علاء الدين، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ج4،ص31،دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. المرغيناني، الهداية شرح بداية المبتدي، ج3، ص1267.الحصيني، تقي الدين بن محمد الحسيني، كفاية الأخيار في حلّ غاية الاختصار، ط3، ج1، ص584، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان. البرماوي، ابراهيم، حاشية البرماوي على شرح الغاية لابن قاسم الغزّي، 178، بدون رقم طبعة، المطبعة العامرية، مصر. ابن قدامة، عبد الله بن أحمد بن محمد، المغني، ج 6، ص41،طبعة سنة 1972م، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. (¬3) الدسوقي، محمد عرفة، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج 4، ص4،ط1،دار الفكر، بيروت، لبنان. ابن عبد البر، يوسف، فتح المالك على موطأ الإمام مالك، تحقيق الدكتور مصطفى صميدة، ط1، 1998م، ج8، ص229، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. (¬4) ابن الهمام، كمال الدين عبد الواحد، فتح الفدير، ج9ن ص120، دار الفكر، بدون رقم طبعة، بيروت، لبنان.

الثانية: الأجير المشترك، وهو الذي يعمل لأكثر من مستأجر وبعقود مختلفة، ولا يتقيّد بالعمل لواحدٍ دون غيره، كالطبيب في عيادته أو المهندس في مكتبه، وهذا يستحق أجره على العمل وليس على المدة، وقد جاء في المادة رقم (424) من مجلة الأحكام العدلية (¬1) أن الأجير المشترك لا يستحق الأجرة إلا بالعمل، وجاء أيضاً في المادة رقم (425) من المجلة نفسها أن الأجير الخاص يستحق الأجرة إذا كان في مدة الإجارة حاضراً للعمل، ولا يُشترط عمله. (¬2) ويتبن لنا أن الفروق بين الأجير الخاص والأجير المشترك -كما ورد في شرح المجلة- من وجوه: الوجه الأول: من حيث الماهية، وسبق بيانه؛ إذ إن الأجير الخاص يعمل للمستأجر فقط، والأجير المشترك يعمل للمستأجر وغيره. الوجه الثاني: من حيث استحقاق الأجرة؛ فالأجير المشترك لا يستحق أجرة عمله إلا بالعمل؛ لأن عقد الإجارة من عقود المعاوضة، والمعاوضة تقتضي المساواة، فإذا سلّم الأجير المشترك العمل إلى المؤجِّر استحق أن يستلم أجرته على ذلك، فالعمل يستلزم الأجرة والأجرة لا تُستحق إلا بالعمل المتقن حسب الاتفاق، أما الأجير الخاص فيستحق الأجرة بمجرد تسليم نفسه، ولو لم يعمل، فإذا منعه مانع من العمل، كانقطاع الكهرباء، أو انعدام الموادّ الخام في المنشأة فإنه يستحق الأجر. الوجه الثالث: من حيث الضمان، فالأجير الخاص لا يضمن ما يهلك في يده، إلا إذا هلك بتعدٍّ أو تقصير منه، أما الأجير المشترك فإنه يضمن ما يهلك في يده ولو لم يتعدّ، كمن أخطأ في صناعة ثوب فجاء قصيراً، لا يمكن لبسه بأي حال من الأحوال، فإن الأجير المشترك (الخياط) يضمن الثوب، ويُلزم بصناعة آخر بدل التالف. الوجه الرابع: من حيث رعي الفروع، فالأجير الخاص يُجبر على رعي فروع الأغنام إذا عمل راعياً، أما الأجير المشترك فلا يُجبر على ذلك (¬3). ¬

(¬1) تعتبر أول قانون مدني إسلامي، قامت على أساس تقنين رسمي للفقه الإسلامي، وذلك خلال عهد الإمبراطورية العثمانية، حينما صدرت رسمياً بمرسوم السلطان العثماني عبد العزيز بن محمود الثاني في عام 1869م، وتوطد نفاذها في عام 1876م في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، لتطبق أحكامها إلزامياً في محاكم جميع الأقاليم الإسلامية الخاضعة لها، ضمّت1851 مادة قانونية. (موقع وزارة العدل الفلسطينية) http://www.moj.ps/index.php?option=com (¬2) باز، سليم رستم، شرح المجلة، ص238 - 239، ط3، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. (¬3) القاضي، منير، شرح المجلة، ج1، ص466 - 348، ط1، مطبعة العاني، وزارة المعارف العراقية، بتصرف.

ومما يدل على مشروعية الإجارة على الأشخاص، تلك الأدلة من الآيات القرآنية المطهّرة والأحاديث النبوية الشريفة، وإجماع أهل العلم منذ عهدٍ بعيد، وكذلك المصالح المتحققة من الإجارة، وهذه الأدلة على النحو الآتي: أولاً: من القرآن الكريم. 1. قول الله - سبحانه وتعالى -: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} (¬1) ووجه الاستدلال من هذه الآية أن الله - سبحانه وتعالى - أمر بإعطاء الأجر للمرضعة على عمل الرضاعة، وهذا يدل على مشروعية ذلك، كما يدل على وجوب الالتزام بدفع الأجر مقابل العمل في الإجارة، حيث يقول الإمام الشافعي (¬2) -رحمه الله-:" ... فأجاز الإجارة على الرضاع، والرضاع يختلف لكثرة رضاع المولود وقلّته، وكثرة اللبن وقلّته، ولكن لما لم يوجد فيه إلا هذا جازت الإجارة عليه، وإذا جازت عليه جازت على مثله، وما هو في مثل معناه وأحرى أن يكون أبين منه" (¬3) وجاء في تفسير الآية السابقة:"ويدل على أن الأُجرة إنما تستحق بالفراغ من العمل ولا تستحق بالعقد، لأنه أوجبها بعد الرضاع " (¬4)، قال الله - سبحانه وتعالى -:" {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ} (¬5)، والرضاع يختلف، فيكون صبي أكثر رضاعاً من صبي، وتكون امرأة أكثر لبناً من امرأة أخرى، ويختلف لبنها فيقلّ ويكثر، فتجوز الإجارات على هذا؛ لأنه لا يوجد فيه أقرب مما يحيط العلم به من هذا. ¬

(¬1) سورة الطلاق، آية رقم 6. (¬2) محمد بن إدريس بن العباس، ولد بغزة سنة 150هـ، مات أبوه وهو شاب، وبرع في الرمي، كان يقول لأهل الحديث:" أنتم الصيادلة ونحن الأطباء" توفي يوم الخميس سنة 204هـ. الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان، سير أعلام النبلاء، أشرف على التحقيق شعيب الأرنؤوط، ج10، ص 5. ط11، 1998م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. (¬3) الشافعي، محمد بن إدريس، الأم، تحقيق خيري سعيد، ج4، ص38، بدون رقم طبعة، المكتبة التوفيقية، القاهرة، مصر. (¬4) الجصاص، أحمد بن علي، أحكام القرآن، ج3، ص463، بدون رقم طبعة، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. (¬5) سورة الطلاق، آية رقم 6 ..

2. استدلوا بقول الله - سبحانه وتعالى -: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (¬1) حيث جاء في تفسيرها:" أي جعلنا ذلك؛ لأننا لو سوينا بينهم في كل هذه الأحوال لم يخدم أحد أحداً، ولم يصر أحد منهم مسخراً لغيره، وحينئذ يقتضي ذلك خراب العالم وفساد نظام الدنيا" (¬2) كما تشير هذه الآية الكريمة إلى أهمية الإجارة في إعمار الأرض، وتحقيق وظيفة الاستخلاف فيها وتطبيق هذا المبدأ واقعاً عملياً. 3. استدلوا أيضاً بقول الله - سبحانه وتعالى -: {وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (¬3) ووجه الاستدلال من هذه الآية الكريمة أنها تدل على رفع الحرج عمن يستأجر امرأة لإرضاع ولدٍ من أولاده بالأجر، وفي ذلك دليلٌ على مشروعية إجارة الأشخاص. 4. قول الله - سبحانه وتعالى -: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ {26} قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ {27} قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ {28}} (¬4) ووجه الاستدلال أن الآيات تحوي دلالة واضحة على جواز الاستئجار على العمل؛ لأن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ (¬5)،ويؤيد ذلك أن الإمام البخاري (¬6) - رحمه الله- عقد لذلك باباً خاصاً وجعل له عنواناً (باب إذا استأجر اجيراً فبيّن له الأجل ولم يبيّن له العمل" لقوله - سبحانه وتعالى -: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} (¬7) وقد احتجّ الإمام الشافعي -رحمه الله- بهذه الآية على مشروعية الإجارة (¬8). ¬

(¬1) سورة الزخرف، آية رقم 32. (¬2) الرازي، فخر، التفسير الكبير، ج27، ص 209، ط2، دار الكتب العلمية، طهران، إيران. (¬3) سورة البقرة، آية رقم 233. (¬4) سورة القصص، الآيات 26 - 28. (¬5) ابن العربي، محمد بن عبد الله، أحكام القرآن، ج3، ص 496،ط1، 2005م، دار الفكر، بيروت، لبنان. (¬6) محمد بن إسماعيل البخاري (194 - 256هـ) ولد في بخارى ونشأ يتيماً، زار خراسان والعراق ومصر والشام، سمع من نحو أكثر من ألف شيخ، تعصب عليه جماعة فقصد سمرقند. الزركلي، خير الدين، الأعلام، ج 6،ص 34،ط4،دار العلم للملاين، بيروت. (¬7) سورة القصص، آية رقم 27 (¬8) ابن حجر، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج4، ص444، بدون رقم طبعة، دار المعرفة، بيروت، لبنان.

5. احتجوا بقوله - سبحانه وتعالى - في قصة موسى عليه السلام: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} (¬1) وقد دلت الآية على جواز أخذ الأجر على العمل، كما دلّت على جواز الإجارة واستباحة الأجرة. (¬2) 6. استدلوا بقوله - سبحانه وتعالى -: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ} (¬3) حيث نزلت في قوم كانوا يؤجرون- يكرون- أنفسهم في موسم الحج، وأن أناساً آخرين كانوا يزعمون أنهم ليسوا حجاجاً، فنزلت لتدلّ على أن ابتغاء الرزق عن طريق الإجارة لا يمنع كونهم حجاجاً. (¬4) ثانياً: من السنة النبوية: أفرد صاحب أصحّ مؤلفات الحديث كتاباً في صحيحه سمّاه (كتاب الإجارة) ضمّ اثنين وعشرين باباً، ضمّت ثلاثين حديثاً مرفوعاً (¬5)، المعلّق (¬6) منها خمسة، والبقية موصولة (¬7)، ووافقه الإمام مسلم (¬8) على تخريجها، سوى حديث أبي هريرة (¬9) - رضي الله عنهم - في رعي الغنم، ثم حديث " المسلمون عند ¬

(¬1) سورة الكهف، آية رقم 77. (¬2) الماوردي، علي بن محمد بن حبيب، الحاوي الكبير، تحقيق محمود مسطرجي، ج 9، ص257، طبعة سنة 1994م، دار الفكر، بيروت. (¬3) سورة البقرة، آية رقم 198. (¬4) ابن كثير، اسماعيل، تفسير القرآن العظيم، تحقيق عبد الرزاق المهدي، ج1، ص486 طبعة عام 2005م، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. (¬5) الحديث المرفوع: " هو ما أخبر به الصحابي عن فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو قوله" السيوطي، عبد الرحمن، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، تحقيق الشيخ عرفات العشّا حسونة، ص116، بدون رقم طبعة، دار الفكر، بيروت، لبنان. (¬6) الحديث المعلّق: "وهو ما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر على التوالي" أبو حلبية، أحمد يوسف، المنهاج الحديث في بيان علوم الحديث، ص63، ط3، 1995م، مطبعة الرنتيسي، غزة، فلسطين. (¬7) الحديث الموصول: "هو الذي اتصل إسناده، فكان كل واحد من رواته قد سمعه ممن فوقه حتى ينتهي إلى منتهاه" ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري، مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث، تحقيق سعد كريم الدرعمي، ص34، بدون رقم طبعة، دارابن خلدون، الإسكندرية، مصر. (¬8) مسلم بن الحجاج، ولد سنة 204هـ، قال عن صحيحه:"ما وضعت في هذا المسند شيئاً إلا بحجة، ولا أسقطت شيئاً منه إلا بحجة"، توفي سنة 261هـ. الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج12، ص 565. (¬9) عبد الرحمن بن صخر، أمّه ميمونة بنت صبيح، أسلم سنة 7هـ، مسنده 6374 حديثاً، المتفق عليه بين البخاري ومسلم ثلاثمائة وستة وعشرون، وانفرد البخاري بثلاثة وسبعين حديثاً، ومسلم بثمانية وتسعين، مات سنة 59 هـ، الزركلي، الأعلام، ج 2، ص 578.

شروطهم" (¬1)، وحديث ابن عباس (¬2) - رضي الله عنهم - في النهي عن عسب الفحل (ضرابه، أو ماء الفحل) (¬3)،أما الإمام أبو داود السجستاني (¬4) -رحمه الله- فقد جمعها في كتاب الإجارة نذكر بعضها: 1. حديث عائشة (¬5) - رضي الله عنها - في قصة هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ووالدها - رضي الله عنهم - حيث قالت:" واستأجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر رجلاً من بني الدّيل (اسم قبيلته) هادياً خريتاً (الدليل الحاذق (¬6) وهو على دين كفار قريش، فدفعا إليه راحلتهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليالٍ براحلتيهما صبح ليال ثلاث" (¬7). ¬

(¬1) الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي، حكم على أحاديثه الشيخ ناصر الدين الألباني وقال عنه: حسن صحيح، اعتنى به مشهور حسن آل سلمان، ص 318، برقم (1352)، ط1، مكتبة المعارف، الرياض، السعودية .. (¬2) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، كنيته أبو العباس، ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات، توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن عشر سنين، عاش بالطائف سنة 68هـ أيام عبد الله بن الزبير، أخرجه ابن الزبير من مكة إلى الطائف ومات فيها وهو ابن سبعين سنة، دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم -:" اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله بن محمد، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق علي البيجاوي، ج3،ص937، ط1، 1992م، دار الجيل، بيروت، لبنان. (¬3) النسفي، عمر بن محمد، طُلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، ط1، 1995م، ص264، دار النفائس، بيروت، لبنان. (¬4) سليمان بن الأشعث، ولد سنة202هـ، صاحب السنن والناسخ والمنسوخ والمراسيل، قال عنه ابن حبان:" أُلين لأبي داود الحديث كما ألين لداود الحديد"،، توفي سنة 272هـ. السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، طبقات الحفاظ، ص266، ط2، 1994م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. (¬5) عائشة بنت أبي بكر الصديق، أمها أمّ رومان بنت عامر بن عويمر، تزوجها الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل هجرته وذلك بعد وفاة خديجة بنت خويلد، مسندها يبلغ ألفين ومئتين وعشرة أحاديث، اتفق البخاري ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثاً، توفيت سنة سبع وخمسين للهجرة. ابن حجر، أحمد بن علي، الإصابة في تمييز الصحابة، ج2، ص 351،بدون رقم طبعة، مطبعة مصر، القاهرة. (¬6) الفيروزآبادي، القاموس المحيط، ص151. (¬7) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الإجارة، باب استئجار المشركين عند الضرورة أو إذا لم يوجد أهل الإسلام، ج3، ص 116، بدون رقم طبعة،1981م، دار الفكر، بيروت، لبنان.

2. حديث أبي هريرة - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:" قال الله تعالى:"ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره" (¬1) 3. حديث أبي هريرة - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟ قال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة" (¬2). 4. قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:" أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه" (¬3). ثالثاً: من الإجماع: انعقد الإجماع على جواز الإجارة منذ عهد الصحابة -رضوان الله عليهم-، وكذلك منذ عصر التابعين وأصحاب المذاهب المعتبرة -رحمهم الله-، ولم يشذّ عن الإجماع إلا نفر قليل (¬4)،حيث قالوا بعدم جواز الإجارة لاشتمالها على الغرر، ويؤيد الإجماع قول الكاساني (¬5) -رحمه الله-:" وأما الإجماع فإن الأمة أجمعت على ذلك ... ، حيث يعقدون عقد الإجارة من زمن الصحابة إلى يومنا هذا من غير نكير، فلا يُعبأ بخلاف، إذ هو خلاف الإجماع" (¬6) > رابعاً: المصالح المعتبرة. مما لا شك فيه أن جواز الإجارة يحقق مصالح كثيرة للمؤجر والمستأجر، بل تتعدّى المصالح لتشمل المجتمع، وأنّ منعها يترتب عليه حرج شديد يتنافى مع مقاصد الشريعة الإسلامية في رفع الحرج عن الناس، لقول الله - سبحانه وتعالى -:" {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬7) وكذلك قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬8) ¬

(¬1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب إثم من باع حراً، ج2، ص50. (¬2) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الإجارة، ج 3، ص 116. (¬3) ابن ماجه، محمد بن يزيد، سنن ابن ماجة، حكم على أحاديثه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، قال عنه: حديث صحيح، اعتنى به مشهور بن حسن آل سلمان، ص417، برقم (2443)، ط1، مكتبة المعارف، الرياض، السعودية. (¬4) أبو بكر الأصم وابن علّية، الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ج4، ص173. (¬5) علاء الدين بن مسعود، ملك العلماء، مصنف البدائع، تفقه على محمد بن أحمد السمرقندي، قرأ عليه تحفته في الفقه، زوّجه ابنته فاطمة، وذلك بعد أن استطاع شرح تحفته، وجعل الشرح مهراً لابنته، قال عنه العلماء:" شرح تحفته وزوجه ابنته" توفي يوم الأحد العاشر من رجب سنة 587هـ، ودفن عند زوجته التي لم يكن يقطع زيارتها كل ليلة جمعة. القرشي، عبد القادر بن محمد، الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية، تحقيق الدكتور عبد الفتاح الحلو، ج4،ص28، ط2، دار هجر، مصر. (¬6) الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ج4، ص174. (¬7) سورة البقرة، آية رقم 185. (¬8) سورة الحج، آية رقم 78.

فالناس محتاجون للإجارة، حيث الفقير يحتاج مال الغني، والغني يحتاج لعمل الفقير وخدمته وجهده، والمجتمع عامة يحتاج إلى تبادل الأموال بالمنافع، وكل هذا لا يتحقق إلا بالإجارة، ثم إنّ من مشروعية الإجارة، أنها شُرعت لرفع حاجة الناس، فليس كل واحد من الناس يستطيع السكن في مسكن خاص له، لذلك تندفع الحاجة إلى استئجار بيت يأوي إليه بقليل من المال، كما أن طبيعة المجتمع أن نجد فيه الفقير والغني، فليس للفقير مال يُغنيه عن الفقر، فيلجأ للعمل عند من هو أغنى منه، كل ذلك يكون عسراً ومشقة لو لم تُشرع الإجارة، أما عن تعريف العامل في اللغة: فهو الذي يتولى أمور الرجل في ماله وملكه وعمله، ومنه قيل للذي يستخرج الزكاة عامل (¬1)، والعامل هو الذي ينظم الحسابات ويكتبها. (¬2) وقد أطلق فقهاء اللغة لفظ العامل على من يعمل عملاً أو يحترف حِرفة، ونجد كثرة استعمالات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة للفظ العامل، ومنها استعمال القرآن الكريم لفظ العامل بمعنى الرجل الذي يجمع أموال الزكوات والصدقات من أصحابها ليتم إنفاقها على مستحقيها، وذلك في قوله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (¬3) وقد ورد لفظ عامل بمعنى ما يعمله المسلم من عمل للدنيا والآخرة وذلك في قول الله - سبحانه وتعالى -: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} (¬4). كما ورد لفظ العامل في الأحاديث النبوية الشريفة بمعنى الساعي على جمع الصدقات كقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" العامل على الصدقة كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته" (¬5)، أما في العصر ¬

(¬1) ابن منظور، لسان العرب، ج11، ص 474. (¬2) الشرباصي، أحمد، المعجم الاقتصادي الإسلامي، ص 287، بدون رقم طبعة، دار الجيل، بيروت، لبنان. (¬3) سورة التوبة، آية رقم 60. (¬4) سورة آل عمران، آية رقم 195. (¬5) أبو داود، سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، حكم على أحاديثه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني وقال عنه: صحيح، اعتنى به مشهور بن حسن آل سلمان، ص447، برقم (2936)، ط1، مكتبة المعارف، الرياض، السعودية. والترمذي في سننه، ص 163،برقم 645، كتاب الزكاة، باب ما جاء في العامل على الصدقة بالحق، وقال عنه حديث حسن صحيح. وابن ماجه في سننه، ص 315، كتاب الزكاة، باب ما جاء في عمال الصدقة برقم (1809).

الحالي فقد شاع استعمال كلمة عامل لكل من يعمل بأجرة معينة في عمل فردي أو جماعي، وفقهاء الإسلام استعملوا كلمة عامل لكل من يشارك بجزء من الإنتاج أو الربح (¬1)، أما أهل القانون فأطلقوا تسمية العامل على من يعمل بأجرة، حيث عرّفه قانون العمل الفلسطيني (¬2) في المادة الأولى بأنه: " كل شخص طبيعي يؤدي عملاً لدى صاحب العمل لقاء أجر، ويكون أثناء أدائه العمل تحت إدارته وإشرافه" (¬3)، والعامل بهذا المنى هو موضوع رسالتنا. ولم يشترط -كبقية القوانين - شروطاً ينبغي توافرها في الشخص حتى يخضع لنصوص قانون العمل، لكن محكمة التمييز الأردنية في قرارها رقم 195/ 29، م. ن. م، ص942/ 1969 أقرت أنه يُشترط لاعتبار الشخص عاملاً وينطبق عليه قانون العمل أن تتوفر بحقه الشروط الآتية: 1. أن يكون نشاطه قاصراً على روابط العمل، ويُفهم من هذا الشرط أنه لا يجوز للعامل أن يعمل عملاً آخر، كما يُحظر عليه القيام بأي نشاط آخر، وهذا مما لا يجوز اشتراطه على العامل. 2. أن لا تكون الأعمال المنوطة به أعمالاً عرضية مؤقتة، وهذا يعني أن الأعمال الطارئة غير منضوية تحت نصوص قانون العمل، وقد يتعرض العامل في مثل هذه الحالات والأعمال للظلم الذي قد يقع عليه. 3. أن يكون في حياته معتمداً على وجه العموم على قانون العمل، بمعنى أن يكون العامل تابعاً اقتصادياً لصاحب العمل، وهذا فيه إجحاف بحق العامل، وزيادة على القانون، وتحميل للنصوص ما لا تحمله. ¬

(¬1) البهوتي، منصور بن يونس، شرح منتهى الإرادات (المسمى دقائق أولي النهى بشرح المنتهى)، ج2، ص 346، بدون رقم طبعة، دار الفكر، بيروت، لبنان. (¬2) قانون العمل: "هو مجموعة القواعد القانونية التي تحكم العلاقات الناشئة عن قيام شخص بعمل لحساب شخص آخر وتحت سلطته وإشرافه مقابل أجر" الزقرد، أحمد السعيد، شرح قانون العمل، ص13، ط2، 1993م، دار أم القرى، المنصورة، مصر. ومن المعاصرين من عرّفه بقوله:" مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم العلاقة بين ربّ العمل أو من يمثله من جهة، والعامل أو من يمثله من جهة أخرى" المصاروة، هيثم حامد، المنتقى في شرح قانون العمل، ص21، ط1، 2008م، دار الحامد، عمان، الأردن. (¬3) وزارة العدل 2002م، قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000م، النسخة الرسمية، ص9.

4. أن يكون تابعاً لصاحب العمل ويعمل تحت إشرافه؛ لأن العامل إذا لم يعمل تحت إشراف المشغِّل فيعني هذا أنه غير ملزم به. (¬1) والفرق بين الاصطلاحين (اصطلاح فقهاء الإسلام وفقهاء القانون) أن فقهاء الإسلام نظروا إلى النتيجة من العمل، وهي الأجرة، وفقهاء القانون نظروا إلى الوسيلة والعمل، وأرى أن القضية قضية اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح. ¬

(¬1) هاشم، هشام رفعت، شرح قانون العمل الأردني، ص 61، طبعة سنة 1973م، مكتبة المحتسب، عمان، الأردن.

المبحث الثاني: نظرة الإسلام للعمل والعمال وأسس اختيار العمال في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني

المبحث الثاني: نظرة الإسلام للعمل والعمال وأُسس اختيار العمال في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني، وفيه مطلبان: المطلب الأول: نظرة الإسلام للعمل والعمال. المطلب الثاني: أُسس اختيار العمال في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني.

المطلب الأول نظرة الإسلام للعمل والعمال

المطلب الأول نظرة الإسلام للعمل والعمال اهتم الإسلام اهتماماً بالغاً بالعمل والعمال، وكرّمهم أحسن تكريم، وذلك حينما عدّ العمل دليلاً على القيام بمهام الرسالة التي أمر الله تعالى بها الناس في قوله - سبحانه وتعالى -: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} (¬1)، ووجه الاستدلال من هذه الآية الكريمة أن الإنسان حينما يعمل يكون قد أدّى رسالة ربه، وبالعمل كذلك يقوم دعوة الله عز وجل إلى الإعمار والإصلاح. ومن خلال هذه الدعوة حثّ الإسلام الناس على العمل ورغّب فيه، وحارب الكسل والخمول والاتكال على الغير، وقد ضرب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام- رضي الله عنهم- أروع الأمثلة العملية في تطبيق هذا المبدأ فنراه - صلى الله عليه وسلم - ينزل ميادين العمل ويشارك صحابته الكرام في كثيرٍ من المواقف التي تكون بحاجة إلى عمل، كنقله للتراب عندما شرع المسلمون في حفر الخندق (¬2) K وحتى يتجلّى هذا الاهتمام الرباني والحث النبوي على العمل وطلب الرزق والخروج سعياً له، جاءت جملة من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد حرص الإسلام على العمل والاهتمام بالعمال منها: 1. قال الله - سبحانه وتعالى -: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (¬3) ووجه الاستدلال من هذه الآية الكريمة أن الله تعالى امتن على عباده بأن جعل لهم الأرض مذللة ومنبسطة؛ ليستفيد من فيها بما فيها ويعملوا ليحصلوا الكفاية. 2. قصّ علينا القرآن الكريم أحوال الأنبياء عليهم السلام الذين كانوا يحرصون على طلب الرزق والعمل، من أجل كسب الحاجات الأساسية، كموسى عليه الصلاة والسلام الذي رعى الغنم على رجل مدين (أجير خاص)، فقال الله - سبحانه وتعالى -: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} (¬4)، وكذلك نبي الله داود عليه الصلاة والسلام الذي كان يعمل صانعاً للدروع من أجل بيعها ¬

(¬1) سورة هود، آية رقم 61. (¬2) رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب حفر الخندق ص 740 برقم3033، ورواه مسلم في كتاب الجهاد والسير باب غزوة الأحزاب ص (780)، رقم 1803. (¬3) سورة الملك، آية رقم 15. (¬4) سورة القصص، آية رقم 27.

(أجير مشترك) فقال الله - سبحانه وتعالى - عنه: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ} (¬1)، وقد روى أبو هريرة - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" كان زكريا نجاراً" (¬2)، و علّق الإمام النووي (¬3) - رحمه الله- على هذا الحديث بقوله:" فيه جواز الصنائع، وأن النجارة لا تُسقط المروءة، وأنها صنعة فاضلة، وفيه فضيلة زكريا عليه السلام، فإنه كان صانعاً يأكل من كسبه" (¬4)، وفيه إشارة إلى أن كل أحد لا ينبغي أن يتكبّر عن كسب يده؛ لأن نبي الله مع علو درجته اختار هذه الحرفة (¬5)،فلو كان الرزق يتأتى بدون عمل لجلس هؤلاء الأنبياء عليهم السلام، وأتاهم رزقهم وهم في بيوتهم، ورسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي عرف أهمية العمل منذ صغره فعمل راعياً للأغنام (أجير خاص) عند مشركي مكة (¬6)، وكذلك عاملاً في التجارة مع خديجة بنت خويلد (¬7) - رضي الله عنها-. فهؤلاء الأنبياء لم ينظروا لنوع العمل أو أجرته، وإنما عرفوا أن قيمة الإنسان في ذاته، كما فهموا أن العمل المباح لكسب العيش يُعدّ وسيلة للحياة الكريمة، وعدّوا عملهم بمنزلة تعليم لأقوامهم. ¬

(¬1) سورة الأنبياء، آية رقم 80. (¬2) مسلم بن الحجاج، الجامع الصحيح، كتاب الفضائل- باب من فضائل زكريا عليه السلام، ص 1007،برقم (2379). (¬3) يحيى بن شرف، محرر المذهب الشافعي، ولد في شهر محرم سنة 631هـ في مدينة نوا (قرية في الشام) لم يتزوج، زار القدس والخليل، ثم عاد إلى بلده وتوفي ليلة الأربعاء 14 رجب سنة 676هـ. الإسنوي، جمال الدين عبد الرحيم، طبقات الشافعية، ص407، ط1، 1996م، دار الفجر، بيروت، لبنان. (¬4) النووي، يحيى بن شرف، شرح صحيح مسلم، ج8، ص120، بدون رقم طبعة، مكتبة الإيمان، المنصورة، مصر .. (¬5) المناوي، عبد الرؤوف، فيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي، ج4، ص544،ط2، دار المعرفة، بيروت، لبنان. (¬6) رواه البخاري في كتاب الأنبياء، باب يعكفون على أصنام لهم، ص 837، رقم 3406. (¬7) زوجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأوّل من صدّقت ببعثته وآمنت به، كانت تدعى قبل البعثة بالطاهرة، تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة بخمس عشرة سنة، كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا ذبح شاة قال: أرسلوا إلى أصدقاء خديجة فإني لأحب حبيبها، توفيت في رمضان قبل الهجرة بثلاث سنين على الصحيح، وقيل بأربع. ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، ج4، ص375.

وللدلالة على اهتمام الإسلام بالعمل فقد قرنه الله - سبحانه وتعالى - بأفضل عبادة في قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬1) فكان العمل وطلب الحلال سُنّة إلهية، وخُلُقاً إنسانيٌّاً رفيعاً، وقد جعل الإسلام العمل نعمة تستحق شكر الله، فقال - سبحانه وتعالى -: {لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} (¬2)، وموضع الاستدلال من هذه الآية الكريمة أنها تحث المسلم على الأكل من عمل يده، والاعتماد على نفسه للكسب في شتى المجالات. وقد عدّوا الإسلام العمل نوعاً من أنواع الجهاد، بل وصل الأمر بالرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يزجر أصحابه لحُكمٍ أصدروه على رجل قوي الجسم يسعى إلى عمله، فعندما رأى الصحابة- رضي الله عنهم- شاباً قوياً يسرع إلى عمله، قالوا: لو كان هذا في سبيل الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"لا تقولوا، هذا فإنه إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يُعفّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان" (¬3). أما على الصعيد الاجتماعي فعدّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن أحقية الاحترام في المجتمع ينبغي أن تكون للعامل العزيز الكريم، وهذا ما سطّره الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله:" لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خيرٌ له من أن ¬

(¬1) سورة الجمعة، آية رقم 10. (¬2) سورة يس، آية رقم 35. (¬3) الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط، تحقيق أيمن صالح شعبان وسيد أحمد إسماعيل، ج 7، ص90،ط1، 1996م، دار الحديث، القاهرة، مصر، برقم الحديث (6835). الهيثمي، علي بن أبي بكر، بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، تحقيق عبد الله الدرويش، كتاب النكاح، باب النفقات، ج4، ص596، طبعة عام 1994م، دار الفكر، بيروت، لبنان. المنذري، عبد العظيم بن عبد القوي، الترغيب والترهيب، ج2،ص208،بدون رقم طبعة، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده، ميدان الأزهر، مصر. قال عنه الألباني: صحيح لغيره، الألباني، محمد ناصر الدين، صحيح الترغيب والترهيب، كتاب البيوع، باب الترغيب في الاكتساب بالبيع، ج2، ص 306، برقم (1692)، ط1، 200م، مكتبة المعارف للنشر، الرياض، السعودية.

يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه" (¬1) وفيه الحضّ على التعفف عن المسألة والتنزه عنها، ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق وارتكب المشقة في ذلك (¬2). ومن مظاهر العناية النبوية بالعمل والتشجيع عليه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد مقامه في المدينة المنورة وتدبير شؤونه، وتنظيم أمور دولته الناشئة اتجهت عنايته مباشرة إلى إصلاح الأراضي وتشغيل الأيدي العاملة، فأعلن أنه من أحيا أرضاً مواتاً فهي له (¬3)، ووافق على تلك الطلبات المقدمة له من المسلمين القادرين على العمل، وتشجيعاً على العمل في الزراعة يروي أنس بن مالك (¬4) - رضي الله عنهم - عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:" إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة (الصغيرة من النخل، والجمع فسائل وفسيل وفسلان) (¬5) فإن استطاع ألّا تقوم الساعة حتى يغرسها فليغرسها (¬6) ". واهتمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالزراعة وعمالها لا يقلّ عن اهتمامه بالصناعة وعمالها، فقد عدّ الاقتصار على الزراعة وعدم الحيد إلى غيرها من الأعمال التي اعتبرها مصدر شرّ وبلاء تورث للأمة ذلاً فقال:" إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلّط الله عليكم ذلاً لا ¬

(¬1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده، ج3، ص75،مسلم، الجامع الصحيح، ص 402، كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس وزاد " فإن اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول" برقم (1042). (¬2) ابن حجر، فتح الباري، ج3، ص 336. (¬3) رواه البخاري في صحيحه، كتاب المزارعة، باب من أحيا أرضاً مواتا، ص557، رقم 2335. (¬4) أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُكنى أبا حمزة، أمه أم سليم بنت ملحان الأنصارية، قدم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة وكان عمره عشر سنوات، الراجح أنه توفي سنة 92هـ، وكان عمره 99 عاماً وكان آخر من مات من الصحابة في البصرة، ابن الأثير، علي بن محمد الجزري، أسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق الشيخ خليل مأمون شيحا، ج1، ص420،ط3، 2007م، دار المعرفة، بيروت. (¬5) ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، ج4، ص 503،بدون رقم طبعة، دار الجيل، بيروت، لبنان. (¬6) البخاري، محمد بن إسماعيل، الأدب المفرد، ص168،اصطناع المال، ط2، 1985م، عالم الكتب، بيروت، لبنان. قال عنه الألباني:" هذا سند صحيح على شرط مسلم، وفيه ترغيب عظيم على اغتنام آخر فرصة من الحياة في سبيل زرع ما ينتفع به الناس بعد موته فيجري له أجره، وتكتب له صدقته إلى يوم القيامة". الألباني، محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج1، ص12،طبعة سنة 1995م، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض.

ينزعه حتى ترجعوا إلى ربكم (¬1) " والعينة هي أن يشتري ثوباً مثلاً من إنسان بعشرة دراهم إلى شهر، وهو يساوي ثمانية، ثم يبيعه إلى نفس ذلك الشخص نقداً بثمانية، فيحصل له ثمانية، ويحصل عليه عشرة دراهم دين (¬2)، ودرءاً للتعارض الذي قد يتبدّى للبعض بين هذا الحديث وأحاديث الحثّ على الزراعة فقد أجاب العلماء على هذا التعارض المتوقع بقولهم: 1. إن المراد بالذّل هنا: ما يلزمهم من حقوق الأرض، وأن من أدخل نفسه في ذلك فقد عرّضها للذل وليس هذا ذمّاً للزراعة. 2. إن هذا الحديث محمولٌ على من يشغله الحرث والزرع عن القيام بالواجبات، كالحرب والجهاد في سبيل الله، وقد مال إلى هذا التفسير الإمام البخاري (¬3) -رحمه الله- حينما ذكر الحديث وجعله تحت باب (ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع أو مجاوزة الحد الذي أُمر به) ومعلوم أن الغلو في الكسب والسعي الدؤوب وراءه يُلهي صاحبه عن القيام بالواجبات الشرعية، ويجعله يتكالب على الدنيا مع نسيان الآخرة ومتطلباتها. ويلزم الزراعة من الصناعات والحرف الأخرى التي تُكوّن الحياة الكريمة، ولم تكن الصناعات عملاً مباحاً فحسب، وإنما عدّها الإسلام من فروض الكفاية (¬4) التي ينبغي للأمة الإسلامية أن تهتم بها، ويؤيد ذلك ما ذكره صاحب الإحياء حيث قال:" أما فرض الكفاية فهو لا يُستغنى عنه في قوام أمور ¬

(¬1) أبو داود، سنن أبي داود، كتاب البيوع، باب النهي عن العينة، ص623، برقم (3462).البيهقي، أحمد بن الحسين، السنن الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا، ج5، ص516،ط1، 1994م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج1، ص42. (¬2) النسفي، طُلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، 242. (¬3) صاحب الصحيح، ولد يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة لثلاث عشرة خلت من شوال سنة مائة وأربع وتسعين، روى عن الإمام أحمد بن حنبل، وروى عنه الإمام مسلم والترمذي، قال عن نفسه: ما وضعت في كتابي الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين، له من المؤلفات: الجامع الصحيح والأدب المفرد، التاريخ الكبير، الأدب المفرد، القراءة خلف الإمام، توفي ليلة عيد الفطر سنة 265هـ. السيوطي، طبقات الحفاظ، ص253. (¬4) فرض الكفاية: هو "المتحتم المقصود حصوله من غير نظر بالذات إلى فاعله، فيتناول ما هو ديني كالصلاة، وما هو دنيوي كالصنائع المحتاج عليها" كما يُلام على تركه إذا تركه الكل. ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير، ج2، ص 135، ط2، 1983م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. الرازي، محمد بن عمر بن الحسين، المحصول في علم الأصول، ط1، 1988م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

الدنيا، كالطب إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان، وكالحساب، فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرهما، وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد ممن يقوم بها حرج أهل البلد، وإذا قام بها واحد كفى، وسقط الفرض عن الآخرين، فلا يتعجب من قولنا: إن الطب والحساب من فروض الكفايات، فإن أصول الصناعات أيضاً من فروض الكفايات كالفلاحة والحياكة والنسج والسياسة بل الحجامة والخياطة" (¬1). وكم هو لطيف أن نجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - يُكرم الصنّاع، فيستجيب لدعوة خيّاط يدعوه لطعام، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنهم - يقول:" إن خيّاطاً دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - لطعام صنعه، قال أنس: فذهبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك الطعام، فقرّب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبزاً ومرقاً فيه دباء (القرع) وقديد (اللحم المجفف في الهواء والشمس)، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتبع الدباء من حوالي القصعة، قال: فلم أزل أحبّ الدباء من يومئذ" (¬2) ويحترم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحاب المهن الشريفة على ضعف مردودها المالي، فقد قدمت امرأة تعمل في النسيج بُردة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذها، حيث روى البخاري عن سهل بن سعد (¬3) - صلى الله عليه وسلم - قال: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ببُردة فقالت: يا رسول الله إني نسجت لك هذه بيدي أكسوكها، فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - محتاجاً إليها، فخرج إليها وإنها إزاره، فقال رجل من القوم: يا رسول الله أكسينيها، فقال - صلى الله عليه وسلم -: نعم، فجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - في المجلس ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنت، سألتها إياه، لقد علمت أنه لا يردّ سائلاً، فقال الرجل: والله ما سألته إلا لتكون كفني يوم أموت" قال سعد: فكانت كفنه. (¬4) ولم يكن العمل في التجارة بمنأى عن اهتمام الشريعة الإسلامية، فقال الله - سبحانه وتعالى -:" {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (¬5)، ولقد امتن الله تعالى على أهل الجزيرة ¬

(¬1) الغزالي، محمد محمد، إحياء علوم الدين وبذيله كتاب المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار للعراقي، ج1، ص27،ط3، دار الفكر، بيروت، لبنان. (¬2) رواه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب ذِكر الخيّاط، ص 496، برقم (2092). (¬3) من مشاهير الصحابة، يُقال إن اسمه كان حزناً في الجاهلية فغيّره الرسول صلى الله عليه وسلم إلى سعد، مات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن خمس عشرة سنة، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة، وكان ذلك سنة 91هـ. ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، ج2، ص118. (¬4) رواه البخاري في صحيحه، ج2، ص78، كتاب الجنائز، باب من استعد للكفن. (¬5) سورة المزمل، آية رقم 20.

العربية، وكذلك على أهل مكة خاصة أن هيأ لهم طرق التجارة والسفر من أجلها، حيث جعل الله - سبحانه وتعالى - مكة المكرمة مركزاً تجارياً متوسطاً فقال - سبحانه وتعالى -:" {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (¬1). وبالحديث عن أهمية العمل والعمال في الإسلام نستوقف القارئ الكريم لنعرض لعمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في رعي الأغنام حيث روى البخاري- رحمه الله- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" ما بعث الله نبياً إلا ورعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟ قال: نعم، كنت أرعاها على قراريط (¬2) لأهل مكة" (¬3)، ومن الحِكَم اللافتة للنظر في رعي الرسول - صلى الله عليه وسلم - للغنم دون غيرها من المهن ما يأتي: 1. أن يتحصّل للرسول - صلى الله عليه وسلم - التمرّن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم. 2. في مخالطة الأغنام يتحصّل الحِلم والشفقة بالرعية. 3. إذا صبر راعي الغنم على رعيها وجمعها بعد التفرّق في المرعى، بالرغم من اختلاف طباعها، ينعكس ذلك على جمع شتات الأمة بعد تمزقها. 4. في نقل الغنم من مسرح إلى مسرح واختيار المكان الأجود عُشباً تمرين لراعي الأمة أن يقود أمته إلى كل خير. 5. في رعي الغنم يصاحب الراعي حذرٌ شديد على أغنامه من سطوة السباع والوحوش، وذلك يتنزّل على خوف القائد على أمته من الأعداء المتربصين. 6. الغنم أسهل انقياداً لأوامر الراعي من الإبل والبقر، وفي ذلك إشارة إلى أن الأمة المحمدية أسهل خُلُقاً وألين طاعة للأمير (¬4). لكل ذلك كانت إرادة الله تعالى للأنبياء السابقين، ولخاتمهم صلى الله عليه وسلم العمل في رعي الأغنام، لما في ذلك من تواضعهم لربهم والتصريح بمنته عليهم، كل هذا مع ما في رعي الأغنام من مشقة وصعوبة على النفس. وقد عددت بعضاً من المهن التي عُرفت زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة الكرام- رضي الله عنهم- هي: ¬

(¬1) سورة القصص، آية رقم 57. (¬2) القيراط هو جزء من أجزاء الدينار، وهو نصف عشر، في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءاً من أربعة وعشرين، وفُسّر أيضاً بأنه جبل أحد. ابن الأثير، مجد الدين المبارك بن محمد، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق محمود محمد الطناجي، ج4،ص42،طبعة عام 1979م، دار الفكر، بيروت، لبنان. (¬3) رواه البخاري في صحيحه، ج3، ص116. (¬4) ابن حجر، فتح الباري، ج15، ص 139.

1. التجارة: واشتهر فيها المهاجرون والأنصار، والدليل على ذلك ما قاله أبو هريرة - رضي الله عنهم -:" إنكم تقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل حديث أبي هريرة، وإن إخوتي من المهاجرين كان يُشغلهم صفقٌ (¬1) بالأسواق وكنت ألزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ملء بطني فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا، وكان يُشغل إخوتي الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرءاً مسكيناً من مساكين الصفة، أعي حين ينسون، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث يحدثه إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمع إليه ثوبه إلا وعى ما أقول، فبسطت نَمِرَة (بُردة) عليّ، حتى إذا قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته جمعتها إلى صدري فما نسيت من مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك من شيء." (¬2). 2. الزراعة: لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة" (¬3). 3. تجارة القماش: وقد عمل بها أبو بكر الصديق (¬4) - رضي الله عنهم -، فلما استُخلِف أصبح غادياً إلى السوق على رأسه أثواب يتجر فيها، فمنعه كبار الصحابة وفرضوا له كل يوم شطر شاة. (¬5) 4. بيع الماء والحطب: حيث جاء ناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ابعث معنا رجالاً يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار يُقال لهم القرّاء فيهم حرام بن ملحان (¬6)، يقرؤون القرآن ويتدارسونه بالليل، وكانوا بالليل يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد ويحتطبون فيبيعونه، ويشترون به الطعام لأهل الصُفّة والفقراء" (¬7) ¬

(¬1) الصفق: التبايع، ابن الأثير، غريب الحديث والأثر، ج3 ص 38. (¬2) رواه البخاري في صحيحه، ج3، ص69، كتاب البيوع، باب ما جاء في قول الله تعالى:" فإذا قضيت الصلاة". (¬3) رواه البخاري في صحيحه (واللفظ له)، ج3، ص66،كتاب الحرث والمغارسة، باب فضل الغرس. (¬4) عبد الله بن عامر، أسلم والده يوم الفتح، أمه سُلمى بنت صخر بن عامر ابنة عم أبيه، ولد بعد عام الفيل بسنتين، توفي يوم الاثنين، في جمادى الأولى، سنة 11هـ، ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، ج3، ص1091. (¬5) ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج4،ص 405،بتصرف. (¬6) شهد بدراً مع أخيه سليم بن ملحان، خال أنس بن مالك، لما طُعن يوم بئر معونة قال: فزت ورب الكعبة، قتله عامر بن الطفيل، أخو أم سليم بنت ملحان وأم حرام بنت ملحان. ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج1،ص 337. (¬7) رواه البخاري في صحيحه، ج، ص 35، كتاب الجهاد، باب العون بالمدد.

5. ترميم البيوت: حيث مرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بعبد الله بن عمر (¬1) - رضي الله عنهم - وهو يُصلح خصّاً (بيت يُعمل من الخشب والقصب) (¬2) له فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما هذا؟ قال: أُصلح خصّاً لنا يا رسول الله، قال: الأمر أسرع من ذلك" (¬3). 6. الخياطة: وقد سبق المثال على شيوع مهنة الخياطة. 7. الحدادة: وهي مهنة خباب بن الأرت (¬4) - رضي الله عنهم -. (¬5) 8. الصيد: حيث قال الله - سبحانه وتعالى -: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (¬6) وعن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال: سأل رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً فقال: يا رسول الله: إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" هو الطهور ماؤه الحل ميتته" (¬7) وواضح أن هذا الرجل كان صياداً، حيث لم يُعرف أن أناساً ركبوا البحر للأغراض العسكرية أو التجارية، فلم يبق إلا الصيد ليركب الناس البحر من أجله. 9. العطارة، حيث بوّب لها البخاري- رحمه الله- لهذه المهنة باباً تحت كتاب البيوع. 10. الصرافة. 11. الصيدلة. 12. السمسرة. ¬

(¬1) عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي، ولد سنة 3 للبعثة، هاجر وهو ابن عشر سنين، عُرض على النبي صلى الله عليه وسلم ببدر فاستصغره ثم بأُحد كذلك ثم أجازه بالخندق، مات سنة 84 للهجرة، وكان عمره 78 سنة. ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، ج2، ص468 (¬2) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، ج3، ص37. (¬3) رواه البخاري في الأدب المفرد، ص 198. أبو داود، سنن أبي داود، ص783. (¬4) سُبي في الجاهلية فبيع في مكة، فكان مولى أم أنمار الخزاعية، كان من المستضعفين، أول من أظهر إسلامه، وعُذّب عذاباً شديداً، شهد المشاهد كلها، آخى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين جبر بن عتيك، كان يعمل السيوف في الجاهلية، مرض مرضاً شديداً حتى كاد أن يتمنى الموت مات سنة 37هـ. ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، ج1، ص549. (¬5) رواه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، ذكر القين والحداد، ص496، برقم (2091). (¬6) سورة المائدة، آية رقم 96. (¬7) أبو داود، سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر، ص20، برقم (83)، وقال الألباني عنه: حديث صحيح. النسائي، أحمد بن شعيب بن علي، سنن النسائي، كتاب الطهارة، باب ماء البحر، حكم على أحاديث الشيخ الألباني وقال عنه: صحيح، اعتنى به مشهور حسن آل سلمان، ص 17،ط1، مكتبة المعارف، الرياض، السعودية.

13. الصبّاغ. 14. التصوير. (¬1) وفي ختام حديثنا عن مكانة العمل والعامل، يكفي العامل شرفاً أن الله - سبحانه وتعالى - ذكر العمل في القرآن الكريم في (360 آية) وردت (190آية) تحدثت عن الفعل، وهي تتضمن أحكاماً شاملة للعمل وتقدير العامل وعقوبته ومثوبته (¬2)، ويكفي العامل فخراً أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جعل العمل عبادة وطاعة لله تعالى (¬3). ¬

(¬1) المهن الخمسة الأخيرة ذكرها صاحب كتاب التراتيب الإدارية. الكتاني، محمد عبد الحي، نظام الحكومة النبوية المسمّى التراتيب الإدارية، تحقيق الدكتور عبد الله الخالدي، ج2، الصفحات، 44، 62، ط2، دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت، لبنان. (¬2) السباعي، مصطفى، اشتراكية الإسلام، ص 170، ط2،1960م، بدون دار نشر. (¬3) القرشي، باقر الشريف، العمل وحقوق العامل في الإسلام، ص 153، ط4، 1979م، دار التعارف، بيروت، لبنان.

المطلب الثاني أسس اختيار العمال في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني

المطلب الثاني أُسس اختيار العمال في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني تعدُّ الأسس والضوابط التي يتم بناءً عليها اختيار العامل مظهراً من مظاهر النزاهة، والقاعدة الأساسية لبناء مجتمع مسلم، هو أقرب ما يكون شبيهاً للمجتمعات التي مضت؛ وذلك لأنها تستهدف إيجاد شخص مناسب يستطيع القيام بالمهام الموكلة إليه على أحسن وجه، ومن أجل ذلك وضعت اعتبارات وضوابط ينبغي مراعاتها عند تشغيل أي عامل، وهي ما وردت في القرآن الكريم في سورة القصص على لسان ابنة شعيب عند تزكيتها لموسى عليهما السلام، وكذلك ما ورد في سورة يوسف عليه الصلاة والسلام على لسانه حينما طلب ولاية الأرزاق من ملك مصر. وسأتحدث عن هذه الضوابط، مع إضافة ما رأيته مهماً في اعتماد العمال والموظفين، وقد جمعت شتاتها من بعض الكتابات الصحفية والمواقع الإلكترونية، وهي على النحو الآتي: 1. الإسلام: ولم يرد- حسب علمي- من اشترط أن يكون العامل مسلماً، بل ورد لنا في كتب التاريخ ما يفيد تشغيل غير المسلمين، و رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستعمل دليلاً مشركاً في هجرته، حيث لم يجد أقدر منه على هذه المهمة، ولكن الحديث هنا عن الوظائف المهمة والتي ينبغي أن تُسند للمسلم دون غيره، ويُستدل على ذلك بقول الله - سبحانه وتعالى -: {وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (¬1) ووجه الاستدلال من هذه الآية الكريمة أن الله منع ولاية الكافر على المسلم، أما إذا تنافس مسلم وغير مسلم على وظيفة إدارية، أو عمل بمشغل فينبغي مراعاة العدل في التنافس، ويُقدَّم الأكفأ والأصلح لهذا العمل، بشرط أن لا يكون هذا العمل مما يتضمن أسراراً للمسلمين ينبغي على غيرهم أن لا يطلع عليها. في حين يجب على ولي الأمر منع تشغيل غير المسلم في بعض الحالات استناداً للمصلحة المرسلة التي يراها ولي الأمر، ومنها انتشار البطالة بين أبناء المسلمين، ففي مثل هذه الأحوال يتجه أرباب العمل لتشغيل غير المسلم خصوصاً العمال الأجانب نظراً لقلة أجرتهم، فينبغي البدء بتشغيل المسلم إذا لم يوجد فرصة عمل إلا لهم؛ لأنه بتشغيله يُساعد على تقليل نسبة الفقر في المجتمع المسلم. 2. الأمانة: ومعروف أن الأمانة تتعدى المعنى المعروف لدى عوامّ الناس، وهو إرجاع الأشياء العينية لأصحابها، لتشمل الأمانة في العمل، والأمانة في نقل المعلومات، وكذلك التعامل مع المهنة ومكان العمل. ¬

(¬1) سورة النساء، آية رقم 141.

وهذا الضابط الذي ينبغي مراعاته عند توظيف العمل يُمكن التأكد من تحققه في العامل المتقدم للوظيفة من خلال السؤال عنه قبل التعاقد معه، ولا بدّ من اختيار الرجل الأمين للسؤال عن العامل، وقد ذكر القرآن الكريم هذا الضابط في قوله - سبحانه وتعالى -: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (¬1) ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة أن ابنة شعيب عليه السلام قد علمت من خلال تربية والدها لها أن العامل لا بدّ من توافر عنصر الأمانة عنده، وشرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يرد ناسخ، ولم يرد ناسخ من شرعنا، بل جاء في الأخبار ما يؤكد ضرورة الالتزام بخُلُق الأمانة، ومنها قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" (¬2)، وكذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر الغفاري (¬3) - رضي الله عنهم - حينما طلب الولاية:" إنك ضعيف، وإنها أمانة وهي يوم القيامة خزيٌ وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدّى الذي عليه منها" (¬4) 3. الكفاءة: وتعني القدرة على القيام بالعمل المُناط به على أكمل وجه، وهذا الضابط يمكن التحقق منه بوساطة الاختبار الكتابي للأعمال التي تتطلب البراعة في الكتابة والقراءة والحساب، أما إذا كان العمل من الأعمال الخدماتية فيمكن التحقق من ضابط الكفاءة من خلال معرفة خبرته في هذا العمل، وسيرته بين أبناء مهنته، أو من سبق لهذا العامل أن عمل عنده. وهذا الضابط له من القرآن الكريم ما يعضده، وذلك في قصة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام، حينما طلب ولاية الأرزاق من عزيز مصر فقال الله - سبحانه وتعالى - على لسانه: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (¬5)، وقد أظهر يوسف عليه الصلاة والسلام تمكنه من العمل الذي طلبه، وأبرز مؤهلاته، وهي الحفظ والعلم، وهنا يأتي اعتبار معيار الشهادة عند التوظيف، وكم سمعنا عمن هو مسؤول عن كثير من الموظفين الذين يفوقونه في تخصصه، بل وأكثر منه اتقاناً للعمل الذي يقوم به_ وللأسف الشديد-. ¬

(¬1) سورة القصص، آية رقم 26. (¬2) رواه أبو داود في سننه، كتاب البيوع، باب الرجل يأخذ حقه من تحت يده، وقال عنه الألباني: حديث صحيح، برقم 3535. وروا الترمذي في سننه، كتاب البيوع، باب رقم 38، وقال عنه الترمذي: هذا حديث حسن غريب. (¬3) جندب بن جنادة، وقيل أن اسمه بربر، كان من السابقين للإسلام، قال عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" ما أقلّت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر"، توفي في الربذة سنة 31هـ، وصلّى عليه عبد الله بن مسعود، ومات ابن مسعود بعده بقليل. ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، ج4، ص84. (¬4) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب كراهة الإمامة بغير ضرورة، ص 794، برقم الحديث (1825). (¬5) سورة يوسف، آية رقم 55.

وقد وضع علماء الإدارة الحديثة عدّة أنواع من الاختبارات التي اعتبروها من مراحل اختيار العامل منها: أ اختبار الأداء، ويستهدف تحديد مستوى العامل، وقد يكون شفوياً أو تحريرياً. ب اختبار الشخصية، ويهدف لقياس بعض الخصائص والفروقات الفردية. ت اختبار الاهتمامات المهنية، ويستعمل لبعض المهن التي تحتاج إلى درجة عالية من التخصص. ث اختبار المهارات، ويركزّ على معرفة مهارات الفرد المحتملة، وقياس درجة الذكاء. ج اختبار المعرفة، وتعمل على معرفة مدى امتلاك العامل لمعارف معينة، غالباً ما تتعلق بالوظيفة التي يشغلها، كاختبار الرياضيات للمحاسبين. ح اختبار القدرة، ويُقصد من خلاله معرفة قدرة الفرد على أداء عمل معيّن، والقدرات العقلية التي تشمل قدرات عددية لوظائف تتطلب التعامل مع أعداد كبيرة من المراجعين، و تعمل على قياس قدرة العامل على التحكم بالكلام أو الاتصال مع الآخرين. خ اختبار الصدق، ويُستعمل غالباً في التعامل مع السرقة، وليس في التشغيل، مما يعني التأكد من مدى صحة العوامل المستخدمة في توقع أداء العامل. (¬1) 4. مراعاة التخصص: فعند وجود شاغر أو فرصة للعمل تتدافع الطلبات للفوز بهذه الوظيفة، وبطبيعة الحال تختلف الطلبات المقدمة ما بين حظٍ قوي وآخر ضعيف، وهذا بناءً على ملاءمة تخصص المتقدم للعمل أو عدمه للوظيفة، ولقد أرسى الشرع الإسلامي قاعدة مهمة تحذّر من توسيد الأمر لغير الأخصائيين، وذلك بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" إذا أُسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" (¬2) وقد أشار قانون العمل الفلسطيني لاشتراط التخصص إشارة سريعة في المادة رقم (11) من قانون العمل حيث نصت:" على مكاتب العمل الالتزام بتنسيب العمال المسجلين لديها مراعية في ذلك الاختصاصات والكفاءة والأسبقية في التسجيل وحق صاحب العمل في الاختيار" (¬3)، وهذه المادة القانونية التي نصّ عليها القانون تُعتبر شاهدة لتأكيد الضابط السابق، مع أن قانون العمل الفلسطيني ترك لصاحب العمل حرية الاختيار، وهنا قد تدخل المحسوبيات خصوصاً إذا وسّد الأمر إلى غير أهله من المديرين الذين لا وازع ديني ولا مهني لهم. ¬

(¬1) الطائي، يوسف حجيم، وآخرون، إدارة الموارد البشرية، ص211، ط1، 2006م، مؤسسة الورّاق للنشر والتوزيع، عمّان، الأردن. (¬2) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب رفع الأمانة، ص 197، برقم (6496). (¬3) وزارة العمل 2002م، قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000، النسخة الرسمية، ص 11.

5. استعداد العامل للانضباط بالأوامر الصادرة من صاحب العمل أو من ينوب عنه، وكذلك التقيّد باللوائح والتشريعات والنُّظُم التي يضعها ولي الأمر، أوجهة الاختصاص (وزارة العمل)، وذلك لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب أو كره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" (¬1)، ومن ذلك أيضاً الالتزام بمواعيد الحضور والانصراف من العمل حسب الأوقات التي حددها قانون العمل أو حسب اتفاق العامل مع مشغله، فإذا كان العامل قد عمل لدى جهة أخرى يُمكن سؤال هذه الجهة عن مدى التزام العامل بمثل هذه اللوائح والنُّظم، وإن لم يكن قد عمل في مكان آخر فيُمكن الحكم على مدى التزام هذا العامل بمثل هذه النظم من خلال مراقبته في الفترة التجريبية إذا عمل فترة تجريبية. 6. الصفات الشخصية: وهذه تختلف من شخص لآخر، ولكن لكل صاحب عمل حرية اختيار العامل المناسب حسب قناعته من وجود هذه الصفات أو عدمها، ومن هذه الصفات (الصدق، العفة، الوقار، الحِلم، الهيبة، سداد الرأي، صواب القرار، القدرة على التعامل مع ضغط العمل، القدرة على حل المشكلات التي تعترضه أثناء العمل)،ويُمكن الكشف عن هذه الصفات من خلال المقابلة الشخصية التي تسبق التوقيع على العقد، ولنا من سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - شاهد على تحري بعض هذه الصفات، وذلك حينما بعث معاذ بن جبل (¬2) - رضي الله عنهم - لليمن قاضياً إلى اليمن فقال له: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله؟ قال: اجتهد رأيي ولا آلو (لا أُقصّر) قال: فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدره وقال: الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله (¬3) ". ¬

(¬1) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام مالم تكن معصية، ص 352، برقم (7144). (¬2) شهد العقبة وهو ابن ثمان عشرة سنة أو دونها، شهد غزوة بدر والمشاهد كلها، كان من نجباء الصحابة وفقهائهم، حدّث عنه أنس بن مالك، قال عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -:" أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ" استشهد في الطاعون بالأردن سنة 18هـ، وكان عمره 35 سنة. السيوطي، تذكرة الحفاظ، ص15. (¬3) رواه أبو داود في سننه، كتاب القضاء، باب اجتهاد الرأي في القضاء، ص 644، برقم (3592)، وقال عنه الألباني: ضعيف، وقال عنه ابن حزم: لا يصح، لأنه لم يروه أحدٌ إلا الحارث بن عمرو، وهو مجهولٌ، لا ندري مَنْ هو عن رجالٍ من أهل حمص لم يُسَمِّهم، عن معاذ. ابن حزم، علي بن محمد، المحلّى، ج1، ص62، بدون رقم طبعة، المكتب التجاري للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

وقد تكلم العلماء في صحة هذا الحديث طويلاً، وقد قيل فيه إنه مما تلقى بالقبول (¬1). ووجه الاستدلال من الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - امتحن معاذ بن جبل - رضي الله عنهم -، بل وافترض مشاكل قد يقع فيها معاذ، واستمع منه لآلية حلّ هذه المشكلات المفترضة. 7. القدرة على العمل بروح الفريق الواحد مع مجموع العمّال والموظفين، وهذا الضابط يؤخذ من قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (¬2) 8. أن يكون فلسطيني الجنسية، وهذا شرط اشترطه القانون الفلسطيني في المادة رقم (14) حيث نصت:" للوزارة أن تمنح ترخيصاً بالعمل في فلسطين لغير الفلسطيني، ويُحظر على صاحب العمل أن يُلحق مباشرة أو بوساطة الغير أي عامل غير فلسطيني قبل التأكد من الحصول على الترخيص المشار إليه" (¬3)، وهذا الضابط أرى أنه لا يتوافق مع عنصر المساواة بين أبناء المسلمين بغض النظر عن التسميات المعاصرة والجنسيات المتعددة؛ لأنها من صنيع الاستعمار، أما أن تشترط الوزارة أن يقدم صاحب العمل الأوراق الثبوتية للوزارة حفاظاً على النظام، وخوفاً من التسرب والدخول غير القانوني للدولة فهذا حقٌّ لها، كما أني لم أجد - بعد البحث والتحري- من العلماء المسلمين من جعل المواطنة شرطاً لقبول العامل أو الموظف. 9. الصحة الجسدية: تشترط كثير من المؤسسات وأرباب العمل الفحص الطبي للعاملين لديها، ومنهم من يشترطه كل سنة مرة، وذلك للتأكد من قدرة العامل على القيام بالمهام الموكلة إليه، وهو حقٌّ له؛ لأنه ملزم بدفع الأجرة فلا بدّ من حصول منفعة تساوي ما يدفعه من الأجرة، وهذا ما جاء في لوائح قانون العمل الفلسطيني، حيث جاء في قرار مجلس الوزراء رقم (22) لسنة 2003م:" لا يجوز تشغيل أي عامل إلا بعد أن يُجرى له الفحص الطبي الابتدائي، ويمكن تكرار الفحص بعد التحاق العامل بعمله بفترة قصيرة كلما كان ذلك ضرورياً" (¬4)، في حين أحسن قانون العمل الفلسطيني حينما ألزم صاحب العمل بتشغيل نسبة من عماله ممن لديهم إعاقة جسدية لا تُعيقه عن القيام بالعمل، حيث نصت المادة رقم (13) من قانون العمل الفلسطيني:" يلتزم صاحب العمل بتشغيل عدد من العمال المعوقين المؤهلين بأعمال تتلاءم مع إعاقتهم، وذلك بنسبة لا تقل عن 5% من حجم القوى العاملة في المنشأة" (¬5)، ولكن المشكلة تكمن في آلية تحديد الإعاقة التي تتناسب مع العمل، فقد ترك القانون الحرية ¬

(¬1) البخاري، عبد العزيز بن أحمد، كشف الأسرار على أصول فخر الإسلام البزدوي، ج4، ص15، ط3، دار الكتاب العربي، بيروت. (¬2) سورة المائدة، آية رقم 2. (¬3) وزارة العمل 2002م، قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000م، ص 14. (¬4) http://www.mol.gov.ps/html_files/lows/lowaeh.htm (¬5) المصدر نفسه، ص 14.

لصاحب العمل في اختيار من بين المعوقين للعمل لديه، وحبذا لو كان النص القانوني قد جعل بين العامل وصاحب العمل لجنة طبية مختصة تقدّر مدى صلاحية الشخص المعاق للقيام بهذه المهمة. 10. العدالة: وهي من الضوابط والأسس التي ينبغي على صاحب العمل المسلم وولي أمر المسلمين مراعاتها عند الحاجة للعمال أو الموظفين في القطاع الخاص، خصوصاً تلك الوظائف ذات الأهمية في الدولة، التي تُشترط العدالة فيمن يتولاها، والعدالة تكون في استقامة الدين وسلامة الفكر والمعتقد، وخلو العامل من أسباب الفسق، يُضاف لذلك حسن السمعة بين الناس، وأن لا يكون من مرتكبي الكبائر ولا من المصرّين على ارتكاب الصغائر، وأن يكون ذا مروءة وشخصية تتناسب مع العمل ومحيطه (¬1)،وهنا قد تطرأ مشكلة الفسّاق من الأمة الإسلامية؛ لأن المجتمع الإسلامي لا يخلو من الأشخاص الذين تنعدم منهم العدالة، وهؤلاء ينبغي على الدولة توظيفهم في وظائف ليس من الأهمية في كيان الدولة، ولا يؤثر وجودهم في تلك الوظائف على المجتمع سلباً، وذلك من أجل القضاء على البطالة ولو كان العاطل عن العمل فاسقاً فينبغي على الدولة تشغيله. ¬

(¬1) ابن حجر، فتح الباري، ج5، ص 251.

الفصل الثاني: واجبات العمال في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني

الفصل الثاني: واجبات العمال في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني، ويشمل المباحث الآتية: المبحث الأول: واجبات العمال في الشريعة الإسلامية، ويشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: إنجاز العمل على الوجه المطلوب. المطلب الثاني: متابعة العامل للعمل بنفسه. المطلب الثالث: عدم الغياب عن العمل أثناء فترة العمل. المطلب الرابع: الحفاظ على ما تحت رعايته من آلات وأدوات ومعدات. المطلب الخامس: التعويض والضمان. المطلب السادس: تنفيذ الأوامر بالقدر الذي يخصّ العمل. المبحث الثاني: واجبات العمال الأخلاقية، ويشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: عدم إفشاء أسرار العمل. المطلب الثاني: إحسان معاملة عملاء صاحب العمل. المطلب الثالث: التعاون بما يحقق مصالح العمل. المطلب الرابع: استعمال وسائل النظافة والوقاية.

تمهيد يُعتبر العمل أمانة وضعها الشارع في أعناق العمال، ومهما تكن تلك الوظيفة أو العمل، صغيراً أو حقيراً في قيمته فإن العامل مستأمن عليه، من ناحية أداء واجبه على أكمل وجه، ومعروف أنه لا حق يُؤخذ بدون واجب يُعطى، كما أنه لا كسب بدون جهد يبذله طالبه، ومن ثمَّ فإن الإسلام ربط بين الحقوق والواجبات، فجعل الإنسان مأموراً بأداء واجباته التي أوجبتها الشريعة الإسلامية، أو أوجبها ولي الأمر اجتهاداً منه، مستمدها من قواعد الشريعة الإسلامية ومن باب السياسة الشرعية، وذلك حتى يتمكن من المطالبة بحقوقه إن ضاعت أو انتهكت. ولقد تناول علماء الشريعة الإسلامية -قديماً وحديثاً- واجبات العمّال، وذلك حرصاً منهم على وجود علاقة تكاملية بين العامل وصاحب العمل، وليتكون في المجتمع عاملٌ منتجٌ، ومساهمٌ في إعمار الأرض، وأن لا يكون عالة على أهله، أو مجتمعه، أو تتكفل الدولة بالإنفاق عليه، ومن هذه الواجبات التي أوجبها الإسلام على العامل:

المطلب الأول إنجاز العمل على الوجه المطلوب

المطلب الأول إنجاز العمل على الوجه المطلوب وهذا الواجب يعني: "إحكامه بحيث لا يبقى فيه قولٌ لقائل" (¬1)، حيث اعتبر هذا الواجب من أهم الواجبات التي تتمخض عنها الثقة المتبادلة بين العامل وربّ العمل، ولنا في القرآن الكريم الشاهد على ذلك، حينما زكّى سيدنا يوسف عليه السلام نفسه عند عزيز مصر، فقال الله - سبحانه وتعالى - على لسانه: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (¬2)، وموضع الاستدلال من هذه الآية الكريمة: أن سيدنا يوسف عليه السلام علّمنا أن العامل ينبغي له معرفة العمل المنوط به؛ حتى يؤديه بأكمل وجه، ولا يمكن تأدية العمل بإتقان دون المعرفة به وبدقائقه، ومن ثمَّ ينتج عنه عمل مُتقن، ويُرضي صاحب العمل، كما أن قول سيدنا يوسف عليه السلام أمرٌ لنا بأن نحسن أعمالنا لقول الله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} (¬3)، يُضاف إلى ذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبر بأن إتقان العمل ينتج عنه محبة الله - سبحانه وتعالى - للعبد، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -:" إن الله يحبُّ من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه" (¬4)، ولقد أشارت المادة رقم (33) من قانون العمل الفلسطيني على هذا الواجب فجاء فيها:" يلتزم العامل بتأدية عمله بإخلاص وأمانة ... " (¬5). ومعلوم أن القانون الفلسطيني حدد ساعات العمل الأسبوعية بخمسٍ وأربعين ساعة (¬6)، وهي تسعُ ساعات للعامل في القطاع العام، على اعتبار أن الراحة الأسبوعية هي يومان، وسبع ساعات ونصف ¬

(¬1) الحية، خليل إسماعيل، الأحاديث الواردة في حقوق العمال ومسؤولياتهم، جمع وتصنيف وتخريج وتعليق، (1989م)، ص 22، الجامعة الأردنية، كلية الشريعة، رسالة ماجستير غير منشورة، بإشراف الدكتور شرف القضاة. (¬2) سورة يوسف، آية رقم 55. (¬3) سورة الكهف، آية رقم 30. (¬4) الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج4، ص 175، برقم (6460). البيهقي، أحمد بن الحسين، شُعب الإيمان، تحقيق محمد السعيد بن بسيوني زغلول، ط1، 2000م، ج4، ص 335، برقم (5313) دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. وهو حديث صحيح، الألباني، محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، ج3، ص 106، برقم (1113)،طبعة عام 1995م، مكتبة المعارف، الرياض، السعودية .. (¬5) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص 19. (¬6) بينما حددت قوانين العمل المصرية والسعودية ساعات العمل الأسبوعية بثمانٍ وأربعين ساعة.

الساعة للعامل في الأعمال الأخرى على اعتبار أن الراحة الأسبوعية هي يوم واحد، وهذا يعني أن القانون قد أقام الحُجّة على العامل في ضرورة إتقان العمل، ولم يدع له مجالاً للتذرع بالتعب والإرهاق، ولكنّ المهم هو المقدار الزمني الفعلي لتطبيق تلك الأوقات على أرض الواقع، لا سيما إذا التزم صاحب العمل بوقت الراحة اليومي، وهو ساعة زمنية تُعطى للعامل، فقد نصّت المادة رقم (70) من قانون العمل الفلسطيني:" يجب أن يتخلل ساعات العمل اليومي فترة راحة أو أكثر، لراحة العامل، لا تزيد في مجموعها عن ساعة، مع مراعاة ألا يعمل العامل أكثر من خمس ساعات متصلة" (¬1)،ولا بدّ من التأكيد على أن التقصير في إتقان العمل يترتب عليه محاذير شرعية منها: اعتبار عدم إتقان العمل خيانة للأمانة، بل هو غشٌ في العمل وهذا محرّم لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" من غشّ فليس مني" (¬2)، ومن الآثار التي تترتب على عدم إتقان العمل أنه "لو قصّر الأجير في حق المستأجر فنقصه من العمل، أو استزاده في الأجرة منعه (المحتسب) وأنكر عليه إذا تخاصما" (¬3)، وقد يؤول التقصير بالعمل إلى نفور الناس عن التعامل معه، إن كان يزاول عملاً خاصاً، أو تعرضه للفصل من العمل إن كان موظفاً عاملاً. وقد وردت آيات قرآنية تحثُّ على إتقان العمل، وأدائه على أفضل حال، فقال الله - سبحانه وتعالى -: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (¬4)، وقول الله - سبحانه وتعالى -: {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} (¬5)، وما ورد في مفاضلة سيدنا يوسف عليه السلام على إخوته قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} (¬6)، ولم تغفل الأحاديث النبوية الشريفة التأكيد على هذا المبدأ، فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" ألا كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راعٍ وهو مسئول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل زوجها، وهي مسئولة عنهم، وعبد الرجل راعٍ على مال سيده، وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راعٍ، ¬

(¬1) المصدر نفسه، ص 31. (¬2) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من غشّنا فليس منّا، ص 56، برقم الحديث 102 .. (¬3) الماوردي، علي بن محمد بن حبيب، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، تحقيق عصام فارس الحرستاني، ص 384، ط1، 1996م، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، دمشق، سوريا. (¬4) سورة الإسراء، آية رقم 35. (¬5) سورة الرحمن، الآيتان رقم 8 - 9. (¬6) سورة يوسف، آية رقم 59.

وكلكم مسئول عن رعيته" (¬1) وموضع الاستدلال من هذا الحديث أن الرجل مأمور بإحسان تربية الأولاد، وهذا داخل تحت المسؤولية المسئول عنها، وبالتالي فإن العامل أيضاً مسؤول عن عمله، ولا بُدَّ من إتقانه حتى لا يُحاسب عليه، قياساً على المسؤوليات الواردة في الحديث الشريف، ويؤيد ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" إن الله عز وجل كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا الِقتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبح، وليحدّ أحدكم إذا ذبح شفرته، فليُرح ذبيحته" (¬2) والشاهد من هذا الحديث طلب الإحسان والإتقان في كل عمل يُناط بالإنسان، حتى وإن كان في القتل أو الذبح، وهو في غيرهما من الأعمال أولى وألزم. ولقد اعتبر الإسلام القيام بالعمل على أحسن وجه عبادة تضاعف الأجر، حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" إن العبد إذا نصح لسيده، وأحسن عبادة الله، فله أجره مرتين" (¬3) وهذا الحديث وإن كان لفظه خاصاً بالعبيد، إلا أنه ينطبق على كل من وليَّ أمراً من أمور المسلمين- والعمّال منهم- لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وقد صرّح الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأجر العامل والموظف على إتقانه للعمل فقال:"الخازن الأمين الذي يؤدي ما أمر به عن طيبة نفس أحد المتصدقين" (¬4)، ومن الإتقان أن يكون الشخص متخصصاً في عمله، وذلك حتى يغني المسلمين عن طلب خدمات غيره من غير المسلمين، كما ينبغي على العامل أن يحرص على الإلمام بالجوانب الشرعية المتعلقة بعمله، وهو ما جسّده عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - حينما قال:" لا يبيع في سوقنا إلا من يفقه، وإلا أكل الربا شاء أم أبى" (¬5) وارتأيت أن أبدأ بهذا الواجب؛ لأن العامل بإتقانه للعمل يساعد على زيادة الإنتاج، ورواج السلعة في الأسواق، وإذا ما راجت السلعة وزادت مبيعاتها؛ يعود ذلك بالنفع والخير على العامل وربّ العمل معاً، لأن العلاقة التكاملية في المجتمع أن يجد العامل عملاً، وربّ العمل يبيع سلعته، ويزيد بالتالي ¬

(¬1) رواه البخاري في صحيحه واللفظ له، ج6، ص146، كتاب النكاح، باب قوا أنفسكم وأهليكم ناراً. ورواه مسلم في كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر، ص 795، برقم (1829) .. (¬2) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الصيد، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، ص843،برقم 1955. (¬3) رواه البخاري في صحيحه، كتاب العتق، باب إذا أحسن عبادة ربه ونصح لسيده، ج3، ص 143. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب ثواب العبد وأجره إذا نصح لسيده، ص709، برقم (1664). (¬4) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الإجارة، باب استئجار الرجل الصالح، ص533، برقم (2260) (¬5) رواه الترمذي في سننه، كتاب الوتر، باب ما جاء في فض الصلاة على النبي، ص 129، برقم (487)، وحكم عليه الشيخ الألباني بأنه حديث حسن.

إنتاجه، ثم يُعطي العامل أجرته، مع ضرورة تحكيم الضمير والوازع الديني، واستشعار مراقبة الله، بغضّ النظر عن حضور ومراقبة صاحب العمل للعامل (¬1). وانطلاقاً من مبدأ احترام الشروط والاتفاقيات بين المسلمين وحتى بين غير المسلمين فقد قررت الشريعة الإسلامية قاعدة" لا ضرر ولا ضرار" ومن ثمّ لا يجوز إلحاق الضرر بأي طرف من أطراف عقد العمل سواء أكان بالتقصير في أداء العمل المُتفق عليه، أم بأي وسيلة أخرى، فإذا ما لحقت بصاحب العمل عوامل أدت به على الخسارة وإغلاق منشأته، يقوم بضمان ما يلحق بصاحب العمل خسارة، وذلك قياساً على عقد المضاربة التي يضمن العامل الخسارة إذا كانت بتقصير منه، حيث جاء في المغني: "أجمع كل من نحفظ عنهم من أهل العلم أن القول قول العامل في قدر رأس المال (¬2) " ويؤيد ذلك قول الله - سبحانه وتعالى -: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (¬3)، وبالنسبة للتقصير في العمل فإنه لا يتعدّ حالتين هما: أولاً: أن يكون التقصير عن قصد وعمد، وهذا لا تهاون فيه ولا بدّ أن يلقى العامل جزاءه بقدر ما أحدث من ضرر، ومستندنا في ذلك قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (¬4)، ولأن الإنسان يُسأل ويُعاقب على تصرفاته، وكذلك فإن هذا العامل قد خان الأمانة، ففي هذه الحالة يجوز لصاحب العمل أن يخصم من راتب العامل مقدار ما أفسد، وقد يلجأ صاحب العمل لفصله نظراً للأضرار التي لحقت بمنشأته. ثانياً: أن يكون التقصير نتيجة ظروف خارجة عن إرادة وقصد العامل، فإنه معذور ما دام لم يُهمل في الأخذ بالأسباب، كأن يبذل وسعه في تنظيف آلة ما ثم تبيّن فيما بعد أنها كانت بحاجة إلى تنظيف بطريقة مغايرة لتلك التي استخدمها العامل، ولم أعثر -بعد طول بحث - على أقوال للفقهاء القدامى في المسألة إلا ما وجدته في المبسوط، حيث جاء فيه:" تلميذ القصار أو أجيره الخاص إذا أدخل ناراً للسراج بأمر الأستاذ فوقعت الشرارة على ثوب من ثياب القصارة أو أصابها دهن السراج لا يضمن الأجير ويكون الضمان على الأستاذ (أي صاحب العمل)، ولو انقلبت المدقة من يد أجير القصّار أو ¬

(¬1) الطويل، محمد محمد، العمال في رعاية الإسلام، ص 17، ط1، 1998م، مكتبة ومطبعة الغد، الجيزة، مصر. (¬2) ابن قدامة، المغني، ج5، ص38. (¬3) سورة البقرة، آية رقم 286. (¬4) سورة النحل، آية رقم 93.

تلميذه فوقعت على ثوب من ثياب القصارة ضمن الأستاذ، ولو وقعت المدقة على موضعها ثم وقعت بعد ذلك على شيء آخر فالضمان على الأستاذ لا على التلميذ" (¬1)، وفي مثل هذه الحالة وبتوافر حسن النوايا يكون العفو أقرب من العقوبة لما روي أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كم يعفو عن الخادم؟ فصمت عنه - صلى الله عليه وسلم - ثم قال:" اعف عنه في كل يوم سبعين مرة" (¬2)، وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية عن فصل العامل من العمل نتيجة التقصير والإهمال، فأجابت بأنه لا يجوز الفصل إلا في حدود النظام الذي وضعه ولي الأمر، (¬3) وأضيف أيضاً أن العُرف مُعتبر بين فئة العمال، فلا بدّ من اعتباره عند الحكم على العامل بالتقصير، وقد أعطى قانون العمل الفلسطيني الحق لصاحب العمل في إنهاء عقد العمل من طرف واحد دون إشعار إذا ارتكب العامل إحدى المخالفات التسعة التي نصّ عليها في المادة رقم (40) والتي منها:" عدم وفاء العامل بالالتزامات المترتبة عليه بموجب عقد العمل رغم إنذاره حسب الأصول" (¬4)، وبموجب هذه المادة فقد أصبح يحق لصاحب العمل فصل العامل وذلك دون حاجة إلى الذهاب للقضاء، وهو ما يُثير العديد من الإشكالات والمنازعات وربما يكون مجالاً خصباً للفصل التعسفي، خصوصاً إذا صرّح العامل كتابياً أو شفوياً بأنه لن يلتزم بالالتزامات السالفة الذكر، ففي هذه الحالة يجوز لصاحب العمل فصله دون انتظار أن يتغيّب العامل المدة التي نصّ عليها القانون (¬5)، مع أن هناك أمور تشدد من خطأ تقصير العامل وإهماله، وهي: تكرار الخطأ، وصدور هذا الخطأ من عامل متخصص فنياً، وهناك أيضاً مخففات لهذا التقصير هي: تسامح صاحب العمل، وكذلك موافقة صاحب العمل على درجة الكفاءة المحدودة للعامل (¬6)،ويجدر بنا الحديث حول الإستغناء عن العامل في العقد غير محدد المدة، وننطلق في مناقشة هذا الأمر من الناحية الشرعية من اختلاف الفقهاء في حكم الإجارة التي لم تحدد لها نهاية، كأن يقول صاحب العمل للعامل: أجرتك لقيادة سيارتي كل شهر بألف دينار مثلاً فيوافق السائق، وقد اختلف الفقهاء في ذلك العقد على عدة آراء: ¬

(¬1) السرخسي، المبسوط، ج15، ص103. (¬2) رواه أبو داود في سننه، ص 933، برقم (5164) وقال عنه الألباني عند حكمه عليه: حديث صحيح، ورواه الترمذي، ص 444، برقم (1949). (¬3) http://www.islam-qa.com/ar/ref/84956 موقع الإسلام سؤال وجواب .. (¬4) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص22. (¬5) أبو شنب، شرح قانون العمل الجديد، ص225، بتصرف. (¬6) أحمد شوقي، محمد عبد الرحمن، شرح قانون العمل الجديد، ص280، بتصرف.

الرأي الأول: ذهب المالكية وبعض الحنابلة إلى صحة هذا العقد، مع شرط للمالكية بأن يكون المستأجر قد دفع الأجرة نقداً، أما الحنابلة فقد اعتبروا العقد لازماً في الشهر الأول مثلاً. (¬1) الرأي الثاني: ذهب جمهور الشافعية (¬2) وبعض الحنابلة (¬3) إلى بطلان هذا العقد للجهالة. الرأي الثالث: ذهب الحنفية إلى صحة العقد في الشهر الأول وفساده فيما عداه. (¬4) الرأي الرابع: ذهب بعض الحنفية إلى أن العقد صحيح في الشهر الأول والثاني والثالث؛ لجريان العرف بذلك (¬5)،والذي يظهر للباحث -والله أعلم - هو رجحان قول المالكية الداخل في الرأي الأول، وهو لزوم العقد بقدر ما دفعه؛ لأن دفع المستأجر للمبلغ وقبوله من قِبل الأجير دليل على رضاهما بالصفقة، وبالتالي فإن فسخ العقد غير محدد المدة عند أصحاب الرأي الرابع ينتهي بعد الأشهر الثلاثة الأولى، وعند أصحاب الرأي الثالث ينتهي بعد الشهر الأول، أما عند الحنابلة من أصحاب الرأي الأول فإن العقد ينتهي بانتهاء الشهر الأول، ونختم بقول المالكية في الرأي الأول حيث يحق للعاقدين فسخ العقد بعد انتهاء المدة التي دفع فيها الأجرة نقداً، ونخلص إلى أن عقد الإجارة يمكن أن ينتهي بإرادة صاحب العمل، وهو ما يُطلق عليه (الإقالة) وهذا لا يجوز عند جمهور الفقهاء (¬6) من المالكية والشافعية والحنابلة الذين يقولون بأن عقد الإجارة ملزم، وأما من قال بأن الإجارة غير ملزمة (¬7) فيحق لكل من العامل وصاحب العمل فسخ العقد بعذر ما لم يترتب على الطرف الآخر ضرر. ¬

(¬1) الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح لكبير، ج4، ص40. المرداوي، علي بن سليمان، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق محمد حامد الفقي، ج4، ص40، ط1،دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان (¬2) الشربيني، محمد، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، ج3، ص388، بدون رقم طبعة، المكتبة التوفيقية، القاهرة، مصر. (¬3) المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، ج14، ص305. (¬4) الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ج5، ص2574. (¬5) الزيلعي، عثمان بن علي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، ج2،ص122،ط2، دار المعرفة، بيروت، لبنان. (¬6) الشربيني، مغني المحتاج، ج3، ص427.ابن قدامة، المغني، ج5،ص347.الماوردي، الحاوي الكبير، ج7، ص401. (¬7) الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ج4، ص197. الموصلي، عبد الله بن محمود بن مودود، الاختيار لتعليل المختار، وعليه تعليقات الشيخ محمود أبو دقيقة، ج2، ص61، بدون رقم طبعة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان

المطلب الثاني متابعة العامل للعمل بنفسه

المطلب الثاني متابعة العامل للعمل بنفسه أمر الله - سبحانه وتعالى - بالوفاء بالعهود والمواثيق حيث قال:" {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} (¬1) والأمر هنا للوجوب، إذ لا قرينة صارفة له عن الوجوب، ولا فرق في الوجوب بين عاملٍ وآخر، فمن التزم بشيء بموجب عقد صحيح لزمه الوفاء، ومن المعلوم أن الموظف أو أي مستخدم بأجرة إنما استُؤجر ليقوم بالعمل بنفسه، وهذا على خلاف الأجير المشترك، الذي يعمل للمؤجر ولغيره، فإنه يجوز له أن يوكّل غيره بالعمل المتّفق عليه، ما لم يُشترط في العقد قيام الأجير المشترك بنفسه بالعمل، فقد جاء في كشاف القناع:" وإذا تقبّل الأجير عملاً في ذمته بأجرة، فلا بأس أن يقبله غيره بأقل منها- أي من أجرته-" (¬2) وهذا يُمكن أن يتم بشرطين: الأول: أن يلتزم المستأجر في جودة العمل. الثاني: أن لا يكون المستأجر اشترط قيام الأجير المشترك بالعمل بنفسه دون غيره، وتقوم القرائن والعرف مقام الشرط. هذا إذا كان الاتفاق ينصّ على قيام العامل بالعمل بنفسه دون إنابة آخر؛ لأن الإجارة المعيّنة بشخص معيّن تقتضي أن يقوم العامل بالعمل بنفسه، وقد جعل العلماء المعاصرون الإجارة المعيّنة ثلاث حالات: الأولى: النصّ على أن يقوم الأجير بنفسه، وفي هذه الحالة لا يجوز للعامل أن يُنيب غيره للعمل، وذلك كالاتفاق بين الأجير وصاحب العمل على تصليح جزءٍ من البيت المهدّم، فلا يجوز للعامل استنابة أحد لذلك العمل، و إذا أناب غيره بالعمل الموكّل إليه لم يستحق الأجرة المسماة. (¬3) الثانية: النصّ في الاتفاق- صراحة أو ضمناً - على أن يقوم العامل بالعمل بنفسه أو بغيره، فإذا وافق صاحب العمل جاز ذلك؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" الصلح جائزٌ بين المسلمين، إلا صلحاً حرّم حلالاً، ¬

(¬1) سورة المائدة، آية رقم 1. (¬2) البهوتي، منصور بن يونس، كشاف القناع عن متن الإقناع، ج3، ص566،طبعة عام 1982م، دار الفكر، بيروت، لبنان. (¬3) القردة داغي، الإجارة على منافع الأشخاص، ص 55.

أو أحلّ حراماً، والمسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرّم حلالاً، أو أحلّ حراماً" (¬1)، ويدلّ هذا الحديث على وجوب الوفاء بالشروط المُتفق عليها. الثالثة: أن يتم العقد بين الطرفين دون النصّ على هذا الواجب كتابة أو شفاهة - مما يعني بقاء الأمر على إطلاقه-، ففي هذه الحالة الأصل أن يقوم العامل بهذا الواجب بنفسه، وإن كان بعض الحنفية قد أجازوا الاستنابة، إذا كان المُناب عنه أحسن منه وأكثر خبرة. (¬2) ولم ينصّ قانون العمل الفلسطيني على هذا الواجب، بل نصّ عليه القانون المصري بقوله في المادة رقم (56):" يجب على العامل أن يؤدي بنفسه الواجبات المنوطة به بدقة وأمانة، وذلك وفقاً لما هو محدد بالقانون وبلوائح العمل وعقود العمل الفردية والجماعية، وأن يُنجزها في الوقت المحدد، وأن يبذل فيها عناية الشخص المعتاد" (¬3) وكذلك القانون الأردني الجديد الذي صدر عام 1996م، نصّ في المادة رقم (19):" على العامل تأدية العمل بنفسه، وأن يبذل في تأديته عناية الشخص العادي، وأن يلتزم بأوامر صاحب العمل المتعلقة بتنفيذ العمل المتفق عليه، وذلك ضمن الحدود التي لا تعرّضه للخطر، أو تخالف أحكام القوانين المعمول بها أي الآداب العامة" (¬4)، ولم تكن هذه المادة موجودة في القانون القديم الصادر عام 1960م. ¬

(¬1) رواه الترمذي في سننه، ص318، برقم (1352)، وقال عنه: حديث صحيح. ورواه ابن ماجه في سننه، ص 402، برقم (2353). (¬2) ابن عابدين، ردّ المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، ج6، ص18. المرغيناني، الهداية شرح بداية المبتدي، ج3، ص1271.القرة داغي، الإجارة على منافع الأشخاص، ص56. (¬3) سليم، عصام أنور، قانون العمل، ص 497، ط2، 2002م، منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر. (¬4) أبو شنب، أحمد عبد الكريم، شرح قانون العمل الأردني الجديد، ص 146، ط1، 1998م، دار الثقافة، عمّان، الأردن.

المطلب الثالث عدم الغياب عن العمل أثناء فترة العمل

المطلب الثالث عدم الغياب عن العمل أثناء فترة العمل تعدُّ الطريقة التي يتصرف فيها العامل في استغلال الوقت لأداء العمل على أكمل وجه، إحدى المظاهر الأساسية التي تُقاس بها درجة الحرص التي يبذلها في أداء العمل؛ لذا يقع بعض العمّال في الإثم من جرّاء تهاونهم في هذا الواجب، فيغادر بعضهم مكان العمل دون إذنٍ من صاحب العمل، وهذا من شأنه أن يُلحق ضرراً بالغاً بالعمل وصاحبه، من هنا جاء قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" لا ضرر ولا ضرار" (¬1)، فكل وقت يذهب هدراً يمكن اعتباره ضرراً يلحق بصاحب العمل؛ لأن العامل استحق الأجرة مقابل تسليم نفسه للعمل طيلة الوقت، دون إهدار جزء من الوقت في غير العمل، إلا تلك الأوقات التي يستحقها العامل للراحة أو الصلاة، أو غير ذلك من الأعمال الضرورية، التي لا يُمكن القيام بها إلا في أوقات العمل، حيث نصّ الفقهاء على كراهة الحديث مع الآخرين أثناء العمل، حيث جاء في المغني:" وليس له محادثة غيره في حالة النسخ، ولا التشاغل بما يشغل سرّه، ويوجب غلطه، ولا لغيره تحديثه، وشغله، وكذلك كل الأعمال التي تخل بشغل السرّ والقلب، كالقصارة (صبغ الثياب) (¬2) والنساجة وغيرها" (¬3)، وقد اتفق الفقهاء على أن العامل إذا ترك العمل في بعض المدة المتفق عليها يعدُّ مخلاً بالتزامه، فعند الحنفية ينقص من أجر العامل بقدر تقصيره في عمله (¬4)، وعند المالكية إن عمل العامل مدة غيابه بأجرة، كانت تلك الأجرة لمستأجره الأول (صاحب العمل)، وخيّر صاحب العمل بين أجرة العامل عند مستأجره الثاني، وبين إسقاط حصة مدة غيابه من أجرته عنده، وأما إن عمل بالمجّان فيسقط من أجرته بقدر ما فوت على صاحب العمل (¬5)،وعند الحنابلة إن حصل ضرر على ¬

(¬1) رواه ابن ماجه في سننه، ص400، برقم (2341)، ورواه البيهقي في السنن الكبرى، ج6، ص 70، والطبراني في المعجم الكبير ج 2، ص 81. وهو حديث صحيح، الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيءٌ من فقهها وفوائدها، ج 1، ص 498، برقم (250). (¬2) الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، ج13، ص431، مادة قصر، بدون رقم طبعة، دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان. (¬3) ابن قدامة، المغني، ج 6، ص37. (¬4) ابن عابدين، ردّ المحتار على الدرّ المختار، ج8،ص96. المرغيناني، الهداية شرح البداية، ج3، ص1292 .. (¬5) الدردير، سيدي أحمد، الشرح الكبير، ج 4،ص 36، طبعة عام 2005م، دار الفكر، بيروت، لبنان. ابن مهنا، أحمد بن غنيم بن سالم، الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، ج2، ص 185،ط1، 1997م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

المستأجر بسبب غياب العامل، فإن المستأجر يرجع على العامل بقيمة ما فوّت عليه، سواء أكان غيابه في عمل لنفسه أم لغيره، بأجرة أو بغيرها (¬1)، ولم تغفل الشريعة الإسلامية تحديد ضوابط الحضور والانصراف، فهذه مشكلة يعاني منها كثير من رؤساء الأقسام والمراقبين وغيرهم من المسئولين، وهو يؤثر بشكل غير مباشر في الأداء العام، ثم في كفاءة الدولة، فهناك عمال شغلهم الشاغل وهمّهم الكبير كيف يثبت حضوره بالكشف المخصص لذلك، أو بالبطاقة الإلكترونية، سواء أكان في بداية العمل أم آخره، فيوصي غيره بإثبات حضوره أو تسجيل اسمه، وغيرها من الوسائل غير المشروعة، فهذا عمل لا يجوز شرعاً، وعلى العامل الالتزام بوقت حضور العمل، وألا يتخذ وسائل غير مشروعة في حضوره وانصرافه، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"من غشّ فليس مني" (¬2) وهذه الوسائل من الخيانة، وهي من صفات أهل النفاق، وينبه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز (¬3) - رحمه الله - على ذلك فقال: "فالواجب على الموظف أن يؤدي الأمانة بصدق وإخلاص، وعناية وحفظ للوقت، حتى تبرأ الذمة، ويطيب الكسب، ويُرضي ربه وينصح لدولته" (¬4). وقد أصدر علماء اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية فتوى بهذا الخصوص، حيث بيّنت أن خروج الموظف أثناء عمله للبيع والشراء لا يجوز، سواء أذن له من قبل المسؤول عن عمله أم لا؛ لما في ذلك من أمر مخالفة ولاة الأمر بمنع ذلك، ولما فيه من إضاعة عمله الذي اؤتمن عليه مما يترتب عليه إضاعة حقوق المسلمين المرتبطين بعمله، والإخلال بالقيام به على أكمل وجه (¬5) ¬

(¬1) المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق محمد حامد الفقي، ج6، ص70.ابن مفلح، محمد، الفروع، تحقيق حازم القاضي، ج4، ص336، ط1، 1997م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. (¬2) سبق تخريجه ص 41 .. (¬3) عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن باز، ولد في ذي الحجة سنة 1330هـ/1911م بمدينة الرياض، كان بصيراً ثم أصابه مرض في عينيه عام 1346هـ/1927م، فضعف بصره، ثم فقده عام 1350هـ/1931م، حفظ القرآن الكريم قبل سن البلوغ، عُيّن في القضاء عام 1350هـ، توفي رحمه الله عام 11420هـ/1999م. http://www.binbaz.org. (¬4) http://www.binbaz.org.sa/life (¬5) فتاوى اللجنة الدائمة، http://www.alifta.com/Search/ResultDetails.aspx?lan

وعلّق الشيخ العلامة محمد بن عثيمين (¬1) - رحمه الله تعالى - على المغادرة من مكان العمل مبكراً، والتغيّب عن مكان العمل أثناء الدوام، فقال: "أن الموظف ملزم بالبقاء إلى انتهاء الدوام، فإنه لا يجوز لأحد أن يسرق من وقت الدوام شيئاً" (¬2)، وسئل -رحمه الله - أيضاً:"النظام الذي هو الدوام الرسمي للدولة تجد البعض يأتي متأخراً نصف ساعة أو ينصرف من العمل قبل انتهاء الدوام بنصف ساعة، وأحياناً يتأخر ساعة أو أكثر، فما الحكم في ذلك؟ فأجاب: "الظاهر أن هذا لا يحتاج إلى جواب؛ لأن العوض يجب أن يكون في مقابل المعوض، فكما أن الموظف لا يرضى أن تنقص الدولة من راتبه شيئاً، فكذلك يجب ألا ينقص من حق الدولة شيئاً، فلا يجوز للإنسان أن يتأخر عن الدوام الرسمي، ولا أن يتقدم قبل انتهائه". السائل: ولكن البعض يتحجج أنه لا يوجد عمل أصلاً؛ لأن العمل قليل؟ فقال الشيخ - رحمه الله -: المهم أنت مربوط بزمن لا بعمل، يعني: قيل لك: هذا الراتب على أن تحضر من كذا إلى كذا، سواء كان هناك عمل، أو لم يكن هناك عمل، فما دامت المكافأة مربوطة بزمن " (¬3)، وحتى يستقيم الأمر، ويبذل العامل الوقت الكافي في العمل دونما تهاون أو تقصير، فقد أعطت الشريعة الإسلامية، ثم القانون الفلسطيني فترةً للراحة اليومية، قدّرها بساعة خلال اليوم، بالإضافة للإجازة الأسبوعية كوقتٍ للراحة الأسبوعية، ومن هنا فإن التغيّب عن العمل، أو مغادرة مكان العمل دونما إذن، يعتبر خيانة من قِبل العامل لربّ العمل، ويلحق العامل إثمٌ عظيم، والضابط في ذلك قد يكون للعرف أو عادة المؤجرين وأصحاب العمل، فما تعارف عليه أصحاب العمل من وقت يُهدر دونما حساب منهم فهذا من المعفيّ عنه، وقانون العمل الفلسطيني لم يغفل عن المساحة الشخصية التي أعطاها للعامل في إمكانية التغيّب عن العمل، حتى بدون إذن مسبق أو طلب إجازة، حيث نصّت المادة رقم (78) في الفقرة الثانية:" يجوز للعامل التغيّب عن العمل لسبب عارض مُثبت لمدة عشرة أيام في السنة، تُحسب من الإجازة السنوية على أن لا تتجاوز المدة ثلاثة أيام متتالية في المرة الواحدة" (¬4) ¬

(¬1) محمد بن صالح بن محمد بن سليمان آل عثيمين، ولد في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 1347هـ/1928م في مدينة عنيزة في المملكة العربية السعودية، يُعَدُّ فضيلة الشيخ من الراسخين في العلم، تُوفي عام 1421هـ/2000م. http://www.ibnothaimeen.com (¬2) http://www.al-mahmoud.net/pro1/art/wrd/ بتصرف. (¬3) من لقاء الباب المفتوح http://www.islamqa.com/ar/ref/126121 (¬4) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص 33.

المطلب الرابع وجوب الحفاظ على ما تحت رعايته من آلات وأدوات ومعدات

المطلب الرابع وجوب الحفاظ على ما تحت رعايته من آلات وأدوات ومعدات يقتضي أداء الواجب السابق تواجد العامل في مكان عمله، نظراً لوجود العديد من الأموال المنقولة وغير المنقولة التي يمتلكها صاحب العمل، أو تكون تحت إدارته لأغراض مفيدة للعمل، كما يقتضي أداء العمل أن يسلَّم العامل بعضاً من هذه الأغراض، التي تكون من مستلزمات عمله، وتكون هذه الأغراض عُرضة لأضرار تنشأ عن خطأ العامل العمد وغير العمد. والتزام العمّال بالمحافظة والعناية بكل الآلات، والمعدّات والأجهزة التي يستخدمها في عمله مرجعه الأمر بأداء الأمانات، ويندرج أيضاً تحت مقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت لحماية الضرورات الخمس، حفظ النفس، حفظ الدين، حفظ المال، حفظ العِرض، حفظ النسب، وقد نهى - سبحانه وتعالى - عن خيانة الأمانة بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬1)، وتعدُّ هذه الأموال بمنزلة العارية المستردة عند العامل، فإذا ما تلف بعض من هذه الآلات أو المعدات في يد العامل، يُنظر فإذا كان هلاكها بتعدٍ أو تقصيرٍ في حفظها ضمنها، أما إذا كانت بلا تعدٍ ولا تقصير فلا يضمنها؛ لأن يده يد أمانة كما سبق وأن ذكرنا، ويوضح لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما يمكن استعماله من الآلات بقوله:" من وليَ لنا عملاً وليس له منزلٌ فليتخذ منزلا، أو ليست له زوجة فليتزوج، أو ليس له خادم فليتخذ خادماً، أو ليست له دابة فليتخذ دابة، وإن أصاب شيئاً سوى ذلك فهو غالّ" (¬2)، وفي هذا الحديث جواز استعمال العامل لأدوات عمله بما يتطلبه طبيعة العمل، وحُرمة استعمال أدوات العمل بما يُلحق بها الضرر، وكذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" (¬3) وفي هذا الحديث ما يوجب المحافظة على عمل وأدوات وآلات صاحب العمل ولا يضر به، ويُحكّم الاتفاق في تحديد الآلات والمستلزمات التي تدخل ضمن مسؤولياته، فإن عُدم النصّ على ذكرها أو تحديدها، فُيرجَع في ذلك إلى العُرف والعادة؛ لأن المعروف بين الصنّاع والتجار كالمشروط بينهم، ولم توجب الشريعة الإسلامية على العامل ضمان الآلات والمعدّات في حال تلفها بسبب قاهر خارج عن إرادته، مع انعدام قدرته في ردّه، كالزلازل أو البراكين، أو القصف الحربي في حال حصوله؛ لأن الشريعة الإسلامية نهت عن تكليف الإنسان فوق طاقته. ¬

(¬1) سورة الأنفال، آية رقم 27. (¬2) رواه أبو داود في سننه، كتاب الخراج والإمارة، باب أرزاق العمال، ص 448، برقم (2945)، ورواه أحمد في مسنده واللفظ له، ج29، ص، 543، وقال عنه شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح. (¬3) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ص 23، برقم (10) ..

ومما يُلاحظ أن التزام العامل بالحفاظ على هذه الأدوات ما هو إلا التزام عناية وليس لتحقيق نتيجة أو غاية (¬1)، ومن ناحية أخرى يلتزم العامل باستخدام هذه الأدوات لغرض العمل وفي مكان العمل الذي أُعدت له، ويُعدّ إخلالاً بهذا الالتزام كل ما يقع من جانب العامل من إساءة لاستخدام تلك المعدات والآلات بحسب الأصول المهنية، كما يُعدّ من قبيل ذلك استخدام الآلات والأدوات والخامات في الأدوات الشخصية، ومن ثمَّ يكون الإخلال بشقيه مخالفة تأديبية، ويُمكن اعتباره من الخطأ الجسيم المبرر لفصل العامل بغير مسؤولية تترتب على صاحب العمل. ووفقاً للقواعد العامة التي تنظم هذا الالتزام هناك مسؤولية عقدية وأخرى تقصيرية، وقد اعتنى المشرّع الفلسطيني بهذا الواجب بنصّه في المادة رقم (33):" يلتزم العامل بتأدية عمله بإخلاص وأمانة وبالمحافظة على أسرار العمل، وأدواته، ولا يُعتبر العامل مسئولا عن خلل الأدوات أو ضياعها نتيجة ظرف طارئ خارج عن إرادته أو قوة قاهرة" (¬2)، وعملاً بمفهوم المخالفة إذا نجم هذا الضرر أو تسبب العامل في فقد أو إتلاف أو تدمير مهمات أو آلات أو منتجات يملكها صاحب العمل، أو كانت في عهدته وكان ذلك ناشئاً عن خطأ من العامل وجب أن يتحمل المبلغ اللازم نظير ذلك، ولصاحب العمل بعد إجراء التحقيق وإخطار العامل أن يبدأ باقتطاع المبلغ المذكور من أجر العامل، على أن لا يزيد ما يُقتطع على النسبة المسموح بها قانوناً وهي (15 % من الراتب الأساسي)، وعلى العامل بذل عناية الشخص المعتاد ومتوسط السلوك في أداء العمل، بحيث لا يُطلب منه أن يكون أشد حرصاً، ولا يُقبل منه أن يهبط دون هذا المستوى، وفي ذلك تطبيقٌ للقواعد العامة، وفي ضوء ما تقدم يعدُّ العامل ملزماً بتعويض صاحب العمل عن الأضرار التي تلحق أمواله- إذا كانت بقصد أو بتعدّ او بتقصير-، مع أن قانون العمل الفلسطيني لم ينصّ على هذا الأمر صراحة، بخلاف قانون العمل المصري الذي نصّ صراحة على وجوب تعويض صاحب العمل، حيث يُسأل العامل عن تعويض كل ضرر تسبب فيه، ويتم التعويض عنها بقرار قضائي، إلا إذا تم الاتفاق عن التعويض رضاء، ويقوم صاحب العمل بتحديد قيمة الأشياء التي تلفت، حيث يستوفي القيمة بالخصم من مرتب العامل، كما وأعطى القانون المصري للعامل الحقّ في التظلّم من تقدير صاحب العمل لقيمة تلك الأشياء محل الخصومة (¬3). ¬

(¬1) أبو شنب، شرح قانون العمل الجديد، ص151. رمضان، سيد محمود، الوسيط في شرح قانون العمل الأردني الجديد، ص257، ط1، دار الثقافة، عمان، الأردن. (¬2) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص 19. (¬3) خليفة، عقد العمل الفردي، ص 60.

المطلب الخامس التعويض والضمان

المطلب الخامس التعويض والضمان ونعني بذلك تعويض العامل صاحب العمل عما يلحقه من ضرر بسببه، وقد سبق الحديث أن الأجير الخاص صاحب يد أمانة؛ وذلك لأن العين أمانة في يده كونه قبضها بإذن ربّ العمل، وقد اختلف الفقهاء في ضمانه، فاعتبر المالكية أنه لا ضمان عليه، وحتى لو شرط عليه الضمان، فهو شرط يناقض العقد، ويُفسد الإجارة، وإن وقع الشرط فسدت الإجارة (¬1)، ومن فقهاء الشافعية من اعتبر الأجير الخاص كالمشترك فيضمن ما تلف في يده، وذلك صيانة لأموال الناس (¬2)، وهناك من الحالات التي يتحمل الأجير الخاص ضمان ما أتلفه، منها ما هو متفق عليها بين الفقهاء قديماً، ومنها ما هو مُختلف فيها، أما الحالات المُتفق عليها بين الفقهاء فهي حالتان: الحالة الأولى: التعدّي، وهو "مجاوزة ما ينبغي الاقتصار عليه شرعاً أو عرفاً" (¬3)، وقد اتفقت كلمة الفقهاء على أن مخالفة أمر المستأجر صراحة أو دلالة موجب للضمان. (¬4) الحالة الثانية: التفريط، وهو" تجاوز الحدّ من جهة النقصان والتقصير، والإفراط يستعمل في تجاوز الحدّ من جانب الزيادة والكمال" (¬5)، واتفق الفقهاء على أن يد الأمين تنتقل بالتفريط إلى يد ضمان (¬6)، ويُرجع عادة في تحديد التفريط الموجب للضمان إلى عُرف الناس وعادة الصنّاع وأهل المهنة. أما الحالات المختلف فيها فهي على النحو الآتي: ¬

(¬1) القرافي، أحمد بن إدريس، الذخيرة، تحقيق مجموعة من المحققين، ج5، ص505، ط1، 1994م، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، حقق هذا الجزء محمد بوخبزة. القيرواني، الفواكه الدواني، ج2، ص186. (¬2) الشيرازي، إبراهيم بن علي، المهذب في فقه الإمام الشافعي، تحقيق الشيخ عادل عبد الموجود والشيخ علي محمد عوض، ط1، ج 1، ص431، دار المعرفة، بيروت، لبنان. (¬3) المرغيناني، الهداية شرح بداية المبتدي، ج3، ص1289. القرافي، الذخيرة، ج5، ص507.الشربيني، مغني المحتاج، ج2، ص267. البهوتي، كشاف القناع، ج4، ص166. (¬4) ابن عابدين، رد المحتار على الدرّ المختار، ج9، ص96. الشربيني، مغني المحتاج، ج2،ص264. القرافي، الذخيرة، ج5، ص507.البهوتي، كشاف القناع، ج4، ص 32. (¬5) الجرجاني، التعريفات، ص 33. (¬6) ابن عابدين، ردّ المحتار على الدرّ المختار، ج 9، ص95. الدسوقي على الشرح الكبير4، ص 40. الشربيني، مغني المحتاج، ج2،ص267. البهوتي، كشاف القناع، ج4، ص 33.

الحالة الأولى: التجهيل، وهو" عدم تبيين الأمين حال الأمانة التي بيده عند موته، مع علمه بأنّ وارثه لا يعرف كونها أمانة عنده" (¬1)، وعند الحنفية تنقلب الأمانات إلى كونها مضمونة بالموت عن تجهيل إلا في ثلاث حالات: الناظر إذا مات مجهِّلاً غلّات الوقف، والقاضي إذا مات مجهِّلاً أموال اليتامى عند من أودعها، والسلطان إذا أودع بعض الغنيمة عند الغازي، ثم مات ولم يبين عند من أودعها (¬2)، وقد وافق المالكية على ما ذهب إليه الحنفية ولكن بوجود اختلاف في التفصيل والتقييد والأحكام (¬3)، وكذلك الشافعية وافقوا المالكية (¬4)،وذهب الحنابلة إلى مثل ما ذهب الحنفية ونصّوا على ذلك في الوديع والمضارب والوكيل والأجير وعامل الوقف وناظره (¬5). الحالة الثانية: العُرف، حيث ذهب بعض فقهاء الحنفية إلى اعتبار العُرف موجباً لتغيّر يد الأمانة إلى يد ضمان (¬6). الحالة الثالثة: المصلحة، فقد ذهب المالكية في المشهور من مذهبهم إلى التضمين بناءً على المصلحة العامة وسدّاً لذريعة الفساد (¬7)، ووجه المصلحة في تضمينهم: أن الناس لهم حاجة ماسّة بالصنّاع، ومن ثمّ يغيب صاحب المتاع عن متاعه، والغالب على الصنّاع التفريط وعدم الحفظ، ولو لم يضمنوا لأدّى ذلك إلى نتيجتين، الأولى ترك الاستصناع بالكلية، والثانية: ضياع الأموال وظهور الخيانة. (¬8) ¬

(¬1) ابن نجيم، زين العابدين بن إبراهيم، الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، طبعة عام 1980م، ص273، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. (¬2) المصدر نفسه، ص 326. (¬3) مالك، المدونة، ج 15، ص149. (¬4) النووي، يحيى بن شرف، روضة الطالبين وعمدة المفتين، ج5، ص 387، طبعة عام 1995م، دار الفكر، بيروت، لبنان. الباجوري، ابراهيم، حاشية الباجوري على ابن قاسم الغزّي، ج2، ص30،طبعة عام 1930م، مطبعة عيس البابي وشركاؤه، مصر. (¬5) البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج 2، ص336. الكرمي، مرعي بن يوسف، دليل الطالب لنيل المطالب، ص 293، ط1، 1996م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. (¬6) ابن نجيم، الأشباه والنظائر، ص 109. (¬7) ابن رشد، محمد بن أحمد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، تحقيق عبد الحكيم محمد، ج2، ص364،بدون رقم طبعة، المكتبة التوفيقية، مصر. (¬8) الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الاعتصام، تحقيق مشهور حسن آل سلمان، ج3، ص19،بدون رقم طبعة، مكتبة التوحيد، السعودية.

الحالة الرابعة: التهمة، وهي "رجحان الظنّ وغلبة الاحتمال في كذب ادّعاء الأمين هلاك الأمانة بدون تعدٍ أو تقصير" (¬1)، وقد اعتبر المالكية التهمة موجباً لتغيّر حال يد الأمانة إلى يد ضمان، فجاء في الفرق بين قاعدة ما يضمنه الأجراء إذا هلك وبين قاعدة ما لا يضمنونه، من كتاب الفروق:" اعلم أن الهالك خمسة أقسام: ما هلك بسبب حامله من عثار أو ضعف حبل لم يغرر به ... الثاني: ما غرّ فيه بضعف حبل يضمن القيمة بموضع الهلاك لأنه موضع التفريط، وله من الكراء بحسابه، الثالث: ما هلك بأمر سماوي بالبينة فله الكراء كله، وعليه حمل مثله من موضع الهلاك لأن أجزاء المنفعة مضمونة عليه، الرابع: ما هلك بقولهم من الطعام لا يُصَدّقون فيه لقيام التهمة، ولهم الكراء كله؛ لأن شأن الطعام امتداد الأيدي إليه؛ لأنهم استحقوه بالعقد، الخامس: ما هلك بأيديهم من العروض يُصدَّقون فيه لعدم التهمة ولهم الكراء كله" (¬2). الحالة الخامسة: اشتراط الضمان على الأمين، وقد اختلف الفقهاء في هذا الشرط على ثلاثة أقوال كما يأتي: القول الأول: الشرط باطل؛ لأنه منافٍ لمقتضى العقد، وبهذا القول قال الحنفية (¬3) والمالكية (¬4) والشافعية (¬5) والحنابلة (¬6) في المشهور عندهم، ثم اختلف أصحاب هذا القول فيما بينهم حول فساد العقد لفساد الشرط إلى رأيين: الأول: الحنفية والحنابلة قالوا بأن الشرط باطل والعقد صحيح. (¬7) الثاني: الشافعية اعتبروا الشرط باطلاً والعقد باطلاً. (¬8) القول الثاني: اعتبر بعض المالكية أن الشرط مُلزم للطرفين. (¬9) ¬

(¬1) حمّاد، نزيه، قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد، ص382، ط1، 2001م، دار القلم، دمشق، سوريا. (¬2) القرافي، الفروق وأنوار البروق في أنوار الفروق، ج4، ص33، الفرق رقم (207) (¬3) السرخسي، شمس الدين، المبسوط، ط 2،ج15، ص 84، دار المعرفة، بيروت، لبنان. (¬4) ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج2، ص 365. (¬5) الشيرازي، المهذب في فقه الشافعي، ج1، ص 432. (¬6) البهوتي، كشاف القناع، ج4، ص 187. (¬7) السرخسي، المبسوط، ج15، ص 84. البهوتي، كشاف القناع، ج4، ص32. (¬8) الشيرازي، المهذب في فقه الشافعي، ج1، ص 433. (¬9) ابن رشد، محمد بن أحمد، المقدمات الممهدات، ج2، ص 252،ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

القول الثالث: اعتبر الظاهرية أن هذا الشرط صحيح مُلزم (¬1)، وبهذا القول قال بعض المتأخرين من الفقهاء (¬2)، والراجح - واله تعالى أعلم - أن العامل ملزم بتعويض صاحب العمل عن كل ضرر يلحقه بسبب العامل وكان ذلك بسبب تقصير العامل أو تهاونه، ثم إنه ملزم بضمان ما اتلفه بتعدّ او تقصير، وذلك وفقاً للقواعد العامة في القانون فإن كل ضرر يُصيب الغير يلتزم فاعله بالتعويض ولو كان غير مبرر. ¬

(¬1) ابن حزم، المحلّى، ج5، ص 202. الشوكاني، محمد بن علي، السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، ج3، ص 206، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. (¬2) الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، تحقيق نصر فريد واصل، ج5، ص419، بدون رقم طبعة، المكتبة التوفيقية، القاهرة، مصر.

المطلب السادس تنفيذ الأوامر بالقدر الذي يخص العمل

المطلب السادس تنفيذ الأوامر بالقدر الذي يخصّ العمل لا بدّ أن يكون العامل منضبطاً ملتزماً، يسمع ويطيع، ويحترم النظم واللوائح التي يضعها صاحب المنشأة، ما دامت لا تتعارض مع شرع الله - سبحانه وتعالى -، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومرجع ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكَرِه، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " (¬1)، أما عند أهل القانون فإن العامل يُلزم بإطاعة صاحب العمل إنطلاقاً من مبدأ التبعية القانونية، الذي يُعطي صاحب العمل حق الإشراف والإدارة، كما يوجب على العامل إطاعته في هذا الصدد، ولكن هذه الطاعة مقيّدة وليست مطلقة، وهو ما يعني أن تكون الأوامر والتعليمات الصادرة من صاحب العمل تتعلق بالعمل، فلا تمتدّ سلطة صاحب العمل إلى خارج هذا النطاق، كأن يُصدر صاحب العمل أوامر تتعلق بحياة العامل الشخصية ومعيشته الخاصة خارج نطاق العمل، وكل ذلك إذا وضع صاحب العمل النظام الداخلي لتنظيم شؤون العمل في مؤسسته، وإذا لم يوجد هذا النظام المكتوب فيلتزم العامل بالأوامر الشفهية الصادرة من صاحب العمل (¬2)، وهناك من علماء الشريعة المعاصرين من أشار إلى الحدود التي يجب على العامل طاعة أوامر صاحب العمل ضمنها، وهي: 1. أن يكون العمل المطلوب فعله مما اتفق عليه في العقد، وإذا أراد صاحب العمل تشغيل العامل في غير ما اتفق عليه يحق للعامل الامتناع، سوى حالات الضرورة، كمنع وقوع حوادث أو القوة القاهرة، وقد نصّ على ذلك قانون العمل الفلسطيني، دون تحديد معيارٍ للضرورة، ومن هو صاحب الحق في تحديدها، حيث جاء في المادة رقم (31):" لا يلزم العامل بالعمل في غير المتفق عليه في العقد، إذا أدّى إلى تغيير مكان إقامته" (¬3)؛ لأن الأصل في عقد العمل أن مكان العمل من العناصر الجوهرية للتعاقد، لما لذلك من تأثير ملحوظ على مجرى حياة العامل وسكناه وانتقاله وتعليم أبنائه، ولكن هل يُمكن أن يمتنع العامل ويُعتبر نقله من محافظة إلى أخرى دون رضاه باطلاً؟ وهل يُعتبر موافقته دون رضاه؟ هذا ما لم يُفصح عنه قانون العمل الفلسطيني بوضوح، حيث نصّت المادة رقم (32) من القانون نفسه:" لا يجوز تكليف العامل بعمل يختلف اختلافاً بيناً عن طبيعة العمل المتفق عليه في عقد العمل، إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك منعاً لوقوع حادث، أو القوة القاهرة على أن يكون ذلك ¬

(¬1) سبق تخريجه ص 35. (¬2) أبو شنب، شرح قانون العمل الأردني، ص 149. (¬3) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص 18.

بصفة مؤقتة بما لا يتجاوز شهرين" (¬1)، ومما يُستفاد من هذ النص أنه يجوز لصاحب العمل تكليف العامل بعمل غير متفق عليه وبدون موافقة العامل في حالتين: الأولى: حالة الضرورة أو القوة القاهرة، على أن يكون ذلك بصفة مؤقتة في حدود حالة الضرورة، وبما تقتضيه طبيعة العمل، وهو ما يترتب عليه إعادة العامل إلى عمله الأصلي بمجرد زوال حالة الضرورة، وفي حالة الاختلاف بين العامل وصاحب العمل على توافر حالة الضرورة يقع على عاتق صاحب العمل إثبات ذلك. الثانية: حالة الاختلاف الجوهري، وحكمة تقرير هذا الحق لصاحب العمل يرجع إلى أن العامل لن تكون له مصلحة جدية في أن يعارض هذا التغيير الذي يقصد به صاحب العمل تنظيم العمل في المنشأة بما يحقق حسن سير العمل فيها، خاصة وأنه تغيير غير جوهري ولا يُعدُ تعديلاً للعقد، وإنما هو من قبيل ممارسة صاحب العمل لسلطته التنظيمية، ويرجع تقدير مدى جوهرية الاختلاف بين العمل المتفق عليه والعمل الذي كُلّف به العامل إلى القاضي عند المنازعة في كل حالة منفردة عن غيرها، ومن أمثلة الاختلاف الجوهري لطبيعة العمل المتفق عليه الذي يجوز للعامل الاعتراض عليه أن يكون يعمل لدى صاحب العمل مهندساً في مشروع فينقله صاحب العمل ليكون عامل خدمات، أو كان العمل الجديد أقل ميزة من الناحية المالية أو الأدبية عن العمل الأصلي، في حين وضعت بعض قوانين العمل- الأردني والمصري- قيوداً لصاحب العمل لا بدّ من مراعاتها عند استعماله لهذا الحق منها: أ. عدم المساس المادي بالعامل. ب. عدم المساس الأدبي بالعامل. ت. أن تقتضي النقل مصلحة العمل. (¬2) ث. أن يكون العمل المكلَّف به في حدود طاقة العامل. ج. أن يكون هذا التكليف الجديد في حدود الظروف التي اقتضت هذا العمل، ومن ثمَّ إذا انتهت هذه الظروف عاد العامل لعمله. (¬3) 2. أن يكون العمل مشروعاً بالمفهوم الشرعي، بمعنى موافقته للنظام والآداب العامة، كأن يأمره بالغشّ أو التزوير أو مخالفة الأنظمة العامة كمخالفة قوانين السير، ومردّ هذا هو الالتزام بالنظام العام، ولنا ¬

(¬1) المرجع نفسه، ص 18. (¬2) خليفة، عبد العزيز عبد المنعم، عقد العمل الفردي، ص36، ط1، 2008م، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، مصر. (¬3) رمضان، الوسيط في شرح قانون العمل الأردني الجديد، ص247.

في شريعتنا الغرّاء دليل على ذلك كقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف" (¬1) 3. أن لا يُعرّض العمل الجديد العامل للخطر، فلا يُلزم العامل بالطاعة في حال غلب على الظنّ تحقق خطر يلحق العامل. (¬2) والضابط في الموافقة على العمل الجديد حدده علماء الإسلام من المالكية حيث ذكروا أن كلّ عمل كان يشبه بعضه بعضاً، أو بعضه قريبٌ من بعض فلا بأس بذلك، أما إذا تباعد الشبه ما بين الأعمال فلا خير فيه؛ لأن الكراء يختلف والعمل يختلف فهذا من المخاطرة والغرر (¬3)، وعند الشافعية أنه يجوز لصاحب العمل تشغيل الأجير في عمل تشابه مشقته العمل المتفق عليه (¬4)، وبهذا فقد وافق قانون العمل- مع غموض في النص- الشريعة الإسلامية وما قرره فقهاء الإسلام من وجوب التزام العامل بأوامر صاحب العمل ما دامت ضمن دائرة المباح والموافق للشريعة الإسلامية ومقاصدها. ولا تخلو منشآت العمل من بعض الأفراد الذين تصدر عنهم سلوكيات غير متطابقة مع لوائح العمل، مع أن قانون العمل الفلسطيني قد وضع اللوائح التأديبية لمثل هذه المخالفات في المواد من رقم (131) إلى المادة رقم (138)،وترجع أهمية الانضباط في العمل وتنفيذ الأوامر إلى: 1. تصحيح السلوك غير المرغوب فيه. 2. توضيح السلوكيات المقبولة والمرفوضة في المنشأة. 3. معرفة العمّال بالمخالفة، وتوجيه أصحاب العمل عمّالهم للمخالفة في السرعة الممكنة. 4. تطوير المؤسسة والارتقاء بأدائها. ¬

(¬1) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، ص800، برقم (1840). (¬2) الشريف، الإجارة الواردة على عمل الإنسان، ص245. (¬3) مالك بن أنس، المدونة الكبرى رواية الإمام سحنون، ج11، ص 435، دار صادر، بيروت، لبنان، بتصرف يسير. (¬4) الأنصاري، زكريا، شرح روض الطالب من أسنى المطالب، ج2، ص436، بدون رقم طبعة، المكتبة الإسلامية، بدون مكان طبع ونشر.

المبحث الثاني: واجبات العمال الأخلاقية

المبحث الثاني: واجبات العمّال الأخلاقية، ويشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: عدم إفشاء أسرار العمل. المطلب الثاني: إحسان معاملة عملاء صاحب العمل. المطلب الثالث: التعاون بما يحقق مصالح العمل. المطلب الرابع: استعمال وسائل النظافة والوقاية.

المطلب الأول عدم إفشاء أسرار العمل

المطلب الأول عدم إفشاء أسرار العمل السرّ لغة: ما يُكتم (¬1)،والإسرار خلاف الإعلان. قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (¬2) وقوله - سبحانه وتعالى -: {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬3) يعني كتموها. واصطلاحاً هو: ما يُكتم كالسريرة والجماع والنكاح والزنا (¬4)، أو ما يكتمه الإنسان في نفسه. وضمن هذا التعريف مطلوبٌ من العامل عدم إفشاء أسرار عمله، ولكنّ القانون الفلسطيني كغيره من القوانين المجاورة سكت عن تعريف أسرار العمل التي ينبغي على العامل صيانتها، و يُمكن حصرها في جملةٍ من الأمور كالآتي: أ. ما يتعلق بطريقة الإنتاج. ب. المعاملات الرسمية للمنشأة. ت. ما يتعلق بمدى نشاط المؤسسة. ث. ما تعارف عليه أهل التخصص أنه من الأسرار. ج. كلّ ما يترتب عليه الإضرار بالمنشاة أو زعزعة الثقة بها. ويرى الباحث أن كل معلومة ذات قيمة يُمكن أن تمسّ بقدرة المؤسسة أو المنشاة على المنافسة يُمكن اعتبارها معلومة سرية، ولا يجوز للعامل البوح بها، سواء تعلقت هذه المعلومة بالأموال المعنوية أم المادية لصاحب العمل. ويرجع هذا الواجب في الشريعة الإسلامية إلى مبدأ الكتمان والسرية، التي نصّت عليه الشريعة الإسلامية في المواضع الآتية: 1. قوله الله - سبحانه وتعالى - في سورة يوسف: {قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (¬5) حيث جاء في كتاب أحكام القرآن " وهو أصل في جواز ترك إظهار النعمة وكتمانها عند من يخشى حسده وكيده، وإن كان الله قد أمر بإظهاره يقول الله - سبحانه وتعالى -: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ ¬

(¬1) الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ص 406. (¬2) سورة الملك، آية رقم 13. (¬3) سورة سبأ، آية رقم 33. (¬4) أبو البقاء، الكليات، ص514. (¬5) سورة يوسف، آية رقم 5.

رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (¬1) " (¬2)، فدلّ على أن للإنسان أن يكتم من أموره ما يخشى أن يؤدي ظهور الأعداء عليه إلى الإضرار به، حتى لو كان أمراً مما يجب التصريح به في الأحوال العادية. 2. قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" إذا حدّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة" (¬3) وموضع الاستدلال أنه لو كان هناك اثنان يتحدثان، فالتفت أحدهما يميناً أو يساراً، ليتأكد من أنه لا يوجد من يسمعه، فبمجرد هذا الالتفات أصبح هذا الكلام أمانة، وهو سرّ، وليس هناك حاجة أن يقول إن هذا سرّ فاحفظه. 3. قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" لا ضرر ولا ضرار" (¬4) وموضع الاستدلال أن صاحب العمل إذا شعر بأن أسرار عمله قد يعرفها الناس، فإنه يُحجم عن تشغيل العمال إلا بمعايير دقيقة، أو قد لا يثق بهم، فلا يُطلعهم على ما يريدون من معلومات بالقدر الكافي، وبهذا يفقد العمل نسباً كثيرة من نسب النجاح، وفي ذلك ضرر واضح بالعامل وصاحب العمل. 4. قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود" (¬5)، وفي هذا الحديث ما يُلزم العامل بوجوب المحافظة على أسرار عمله وإبقائها طيّ الكتمان. 5. قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" كفى بالمرء إثماً أن يحدّث بكل ما يسمع" (¬6)، وفيه إشارة إلى وجود أسرار تُخفى عن الناس. 6. ما جاء في كتاب أدب الدنيا والدين: "اعلم أن كتمان الأسرار من أقوى أسباب النجاح وأدوم لأحوال الصلاح" (¬7). ¬

(¬1) سورة الضحى، آية رقم 11. (¬2) الجصاص، أحكام القرآن، ج3، ص167. (¬3) رواه الترمذي في سننه، كتاب البر، باب ما جاء أن المجالس بالأمانة، ص446، برقم (1959)، وقال: حديث حسن. ورواه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في نقل الحديث، ص 730، برقم (4868). (¬4) سبق تخريجه ص 48. (¬5) الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، ج20،ص94، بدون رقم طبعة، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، مصر. البيهقي، أحمد بن الحسين، شعب الإيمان، تحقيق محمد السعيد بن بسيوني زغلول، ج5، ص277، ط1، 2000م، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان. والحديث صحيح، الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، ج3، ص436، برقم 1453. (¬6) رواه مسلم في مقدمة صحيحه، ص9. (¬7) الماوردي، علي بن محمد بن حبيب، أدب الدنيا والدين، تحقيق مصطفى السّقا، ص 295، ط4، 1978م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

7. وفي السنة الفعلية ما ورد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يستعين بالكتمان في غزواته، وفي هجرته وفي شئونه المهمة، وقد ورد في سيرته أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل على أبي بكر - رضي الله عنه - قُبيل هجرته إلى المدينة، وكان عنده قوم جلوس، فطلب - صلى الله عليه وسلم - منه لشدة تحرزه في أمر الهجرة وكتمه أمرها عن كل أحد إلا خاصته - صلى الله عليه وسلم -، أن يُخرج من عنده، حتى يحدثه في أمرها، فقال له أبو بكر - رضي الله عنه - "إنما هم أهلك" (¬1). 8. ومنها ما ورد في النهي عن النميمة، فقد أدخلوا فيها إفشاء الأسرار؛ حيث ورد عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بقبرين فقال:" إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، أما الآخر فكان يمشي بالنميمة " (¬2)، وقد قال شارح أنوار البروق "فحقيقة النميمة إفشاء السر، وهتك الستر عما يكره كشفه، وحينئذٍ ينبغي السكوت عن حكاية كل شئ شوهد من أحوال الناس، إلا ما في حكايته نفع لمسلم، أو دفع ضُرّ، كما لو رأى من يتناول مال غيره، فعليه أن يشهد به، بخلاف ما لو رأى من يخفي مال نفسه فذكره، فهو نميمة وإفشاء للسر" (¬3). وقد نصّ قانون العمل الفلسطيني في المادة رقم (33):" يُلزم العامل بتأدية عمله بإخلاص وأمانة وبالمحافظة على أسرار العمل ... " (¬4) ثم أعطى صاحب العمل الحق في إنهاء عقد العمل دون الرجوع للعامل، حيث نصّ في المادة رقم (40):" لصاحب العمل إنهاء عقد العمل من طرف واحد دون إشعار مع حقه في مطالبة العامل بكافة الحقوق الأخرى، عند ارتكابه أياً من المخالفات الآتية منها: إفشاء الأسرار الخاصة بالعمل التي من شأنها أن تسبب الضرر الجسيم" (¬5). لكن القانون الفلسطيني لم يُشر إلى كيفية التعامل مع هذه الأسرار بعد انتهاء عقد العمل، فلم يورد نصاً يوضّح ذلك، وهذا ما قد يدفع بعض العمال -سيئي النية- إلى قصد إنهاء عقد العمل، ليستعمل هذه الأسرار ضد صاحب العمل، وهذا بالتعاون مع منافسيه في العمل، وقد يُقدم العامل على بيع هذه الأسرار، وقد حدد شرّاح قانون العمل الفلسطيني نطاق الالتزام بالمحافظة على أسرار صاحب العمل في عدّة أمور منها:" 1. إن التزام العامل بالمحافظة على أسرار ربّ العمل لا يقتصر على عمل معيّن، بل يشمل أي عمل يؤديه العامل لربّ العمل، كما لا يقتصر على مدة العقد، بل يمتد حتى بعد انتهاء العقد، والحكمة من بقاء العامل مُلزماً بعد انقضاء العقد أنه لو اقتصر التزام العامل مدة العقد لاستطاع العامل التحايل ¬

(¬1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب اللباس، باب التقنع، ص 1483، برقم (5807). (¬2) رواه أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب الاستبراء من البول، ص8، برقم (20)، وهو حديث صحيح. ورواه النسائي في سننه، كتاب الطهارة، باب التنزه عن البول، ص14، برقم (31). (¬3) القرافي، الفروق وأنوار البروق في أنواع الفروق، ج4، ص 364، الفرق (254). (¬4) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص 19. (¬5) المصدر نفسه، ص 22.

على التحريم عن طريق إنهائه لعقد العمل أو فسخه، ولأن رب العمل قد يكون مهدداً بصورة أقوى إذا انتهى عقد العمل بسبب خلاف بينه وبين العامل الذي قد يُسارع في إفشاء هذه الأسرار إضراراً برب العمل، وهذا الأمر يندرج تحت الأمور التي يلتزم بها العامل ديانة لا قضاءً. 2. إن العامل يظل مُلزماً بالحفاظ على أسرار رب العمل ما دامت لها صفة السرية، ومن ثَمّ إذا زالت هذه الصفة بأن أُذيعت بين الناس فإن العامل يتحلل من هذا الالتزام، هذا ما لم تكن إذاعتها على سبيل الإشاعة والتشهير برب العمل. 3. إن التزام العامل يقتصر على عدم إفشائه إلى الغير، ومن ثَمّ إذا قام العامل باستعمال هذه الأسرار لنفسه أو لحسابه الخاص بعد انتهاء عقد العمل فإنه لا يُعدُّ مخلاً بالتزامه، إلا إذا كانت هذه الأسرار تتمثل في اختراعات سُجّلت براءة اختراعها" (¬1). لذلك كله يجب التفريق بين ما هو سرّ وما هو خبرة وتكوين مهني، وهو ما يصعب من الناحية العملية، بحيث يكون إطلاق حظر الإفادة من السر بعد انقضاء علاقة العمل قيداً على حرية العمل، ثم ينبغي التفريق بين إفشاء الأسرار للغير أو الإستفادة منها لحسابه الخاص أثناء العقد أو بعد انقضائه، لذا كان لزاماً على صاحب العمل حماية هذه الأسرار بعد انتهاء العقد، وذلك بالنصّ في عقد العمل على منع العامل من إفشاء الأسرار بعد انتهاء العقد، وأن يتم تعديل القانون ليتضمن نصاً قانونياً، يُلزم العامل بالمحافظة على هذه الأسرار بعد انتهاء عقد العمل، وإلزام العامل بهذا الواجب يقتضيه مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود. ومن المقرر أن كتمان هذه الأسرار لا يدخل تحت حُرمة كتمان العلم، وهو ما ذمّه القرآن الكريم في قول الله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159} إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (¬2)، ولا يدخل كتمان أسرار العمل تحت وعيد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قوله:" من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة" (¬3)؛ لأن المقصود من الآية الكريمة والحديث النبوي الشريف هو ذمّ كتم الأحكام الشرعية، وما تتوقف عليه حياة الناس، ويؤيد ذلك سبب نزول الآية، حيث جاء في ¬

(¬1) مشاقي، حسين، شرح أحكام قانون العمل الفلسطيني، ص26. (¬2) سورة البقرة، الآيتان 159و160. (¬3) رواه ابن ماجه في سننه، كتاب اتباع سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، باب من سئل عن علم فكتمه، ص63، برقم (261)،والترمذي في سسنه، كتاب العلم، باب ما جاء في كتمان العلم، ص 597، برقم (2649) وقال عنه: صحيح.

نزولها أن بعض الصحابة سألوا أحبار اليهود عن بعض ما جاء في التوراة فكتموهم إياه ورفضوا إخبارهم. (¬1) والحديث عن أسرار العمل وضرورة الحفاظ عليها يستلزم منا الحديث عن منافسة العامل لصاحب العمل باستغلال هذه الأسرار، فإذا كان صاحب العمل يخشى منافسة العامل له فمن حقه أن يورد في عقد العمل شرطاً يمنع به العامل من منافسته، وهو ما يُعدُّ قيداً على حرية العمل، وقد وضع شرّاح القانون شروطاً لصحة هذا القيد هي على النحو الآتي: الشرط الأول: وجود مصلحة مشروعة لرب العمل من اشتراط عدم المنافسة، وتتحقق المصلحة إذا كان العمل الموكول للعامل يُتيح له الإطلاع على أسرار رب العمل، وترتيباً على ذلك إذا كان العامل يعمل في أعمالٍ لا تمكنه من الإطلاع على أسرار العمل أو الاتصال بعملاء صاحب العمل، فإنه بذلك يكون بمنزلة الأجنبي من حيث منافسة رب العمل، وذلك كأن يكون العامل يعمل في قسم النظافة داخل المنشأة أو في قسم الاستقبال، ففي مثل هذه الحالات لا يجوز لصاحب العمل أن يشترط عليه عدم المنافسة. الشرط الثاني: أن يقتصر شرط المنع من حيث الزمان والمكان ونوع العمل على القدر الضروري لحماية مصالح رب العمل المشروعة، وهو ما يتطلب توافر ثلاثة أمور في هذا الشرط هي: 1. المنع الزماني: كأن يكون المنع محدداً بزمن معيّن، ويتمثل ذلك باشتراط صاحب العمل على عامله عدم المنافسة طيلة عمله لديه فقط، أو بعد انتهاء العقد بينهما بمدة معيّنة، أما إذا كان المنع أبداً فإن ذلك يُعتبر تعسفاً. 2. المنع المكاني: بحيث يكون شرط المنع شاملاً لمنطقة جغرافية محدودة، وقد تكون المنطقة هي نفس المنطقة التي يمتد فيها نشاط صاحب العمل التجاري، وبالتالي إذا كان المنع مطلقاً كان ذلك تعسفاً أيضا. 3. المنع من حيث نوعية العمل: ويجوز أن يكون شرط المنع - من حيث هذا القيد- مقتصراً على الأعمال التي يقوم بها العامل عند صاحب العمل. الشرط الثالث: أن لا يقترن الاتفاق بشرط جزائي مبالغ فيه، وعلة منع الاقتران حتى لا يبقى العامل مجبراً على البقاء في خدمة صاحب العمل. (¬2) ¬

(¬1) السيوطي، جلال الدين، لُباب النقول في أسباب النزول، تحقيق محمد محمد تامر، ص34، ط1، دار العنان، القاهر، مصر. (¬2) مشاقي، شرح أحكام قانون العمل الفلسطيني، ص 21. أبو شنب، شرح قانون العمل الجديد، ص158.

المطلب الثاني إحسان معاملة عملاء صاحب العمل

المطلب الثاني إحسان معاملة عملاء صاحب العمل جاء الأمر بالإحسان من الله تعالى لجميع الكائنات، حيث قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (¬1)، وحيث فسّر العلماء إحسان العبد معاملته مع الله - سبحانه وتعالى - ومع سائر المخلوقات، وهذا معنى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق" (¬2). والأمر بالإحسان يشمل القريب والبعيد، والمسلم والكافر، والمؤمن والعاصي، حتى وصل الأمر بالإحسان للبهائم حينما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" إن الله عز وجل كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا الِقتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبح، وليحدّ أحدكم إذا ذبح شفرته فليُرح ذبيحته" (¬3)، وتحت هذه التوجيهات يندرج وجوب الإحسان إلى أصحاب العمل والزملاء فيه، بالإضافة إلى الإحسان إلى عملاء صاحب العمل (الزبون) (¬4) لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه" (¬5)، وقيمة كل امرئ ما يحسنه من الأعمال، كما يُنسب الشخص إلى ما يعمله من الأعمال الحسنة، وأيضاً من فطرة البشر أنهم يتقرّبون إلى الأشخاص الذين يحسنون لهم. قد جاء أمر الله - سبحانه وتعالى - بالإحسان في قوله: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} (¬6)، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويوضح ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:"لا تحقرنَّ من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" (¬7)، ومن مجالات الرفق مع المتعاملين أو مراجعة المنشأة الحثّ العام على التبسّم في وجوههم؛ لأن الهدي النبوي يحثّ على ذلك كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" المؤمن يألف ويؤلَف، ولا خير فيمن لا ¬

(¬1) سورة البقرة، آية رقم 195. (¬2) رواه البخاري في الأدب المفرد برقم (273)، وقال عنه الألباني: حديث صحيح متصل من وجوه صحاح، الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج1، ص 112، برقم (45). (¬3) سبق تخريجه صفحة 42. (¬4) المشتري من تاجر، الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، ج1، ص269، بدون رقم طبعة، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر. (¬5) رواه الترمذي في سننه، ص 443، برقم (1944) وقال عنه: حديث حسن غريب. أحمد بن حنبل، المسند، تحقيق شعيب الأرنؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي وإبراهيم الزيبق، وقال عنه: صحيح على شرط مسلم، ج11، ص 126، برقم (6566) ط2، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. (¬6) سورة البقرة، آية 83. (¬7) مسلم، صحيح مسلم، كتاب البرّ، باب استحباب طلاقة الوجه، ص 1100، برقم (2626).

يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس" (¬1) فالرفق والتبسّم وحُسن المعاشرة من أكثر الأمور تأليفاً للقلوب، وفي تحمّل غلاظة بعض المراجعين أو شدتهم أو سوء أدبهم في قضاء حوائجهم يأمر القرآن الكريم بحسن معاملتهم كما قال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (¬2). وينبغي على العمّال الحرص الشديد على أخلاقيات التعامل مع المراجعين، مع التركيز على أصحاب الطباع الفظة، وهذه تنبع من قيم حسن العهد وأخلاق حسن التعامل، وهذا مصداق لقوله - صلى الله عليه وسلم - عندما استقرض من عبد الله بن أبي ربيعة (¬3) - رضي الله عنهم - أربعين ألفا، فجاءه - صلى الله عليه وسلم - فدفعها له وقال: بارك الله في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الحمد والأداء" (¬4). كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى" (¬5)، وتتباين تعاملات العمّال مع العملاء، فالبعض يُهمل الأخلاقيات الأساسية في التعامل مع المراجعين من حيث حُسن مخاطبتهم وتذكيرهم بما يلزم لاستكمال تقديم الخدمة لهم، أما البعض الآخر فيلاحظ توفر الحد الأدنى من أخلاقيات التعامل من حيث الالتزام بها واستحضارها، وبالطبع فإن حسن التعامل مع العملاء يعدُّ أمراً أساسياً في الاحتفاظ بالجمهور في المعاملات المستقبلية، ومن ثمَّ لا بدّ من توعية المؤسسات العامة والخاصة بهذا الأمر، وقد يكون من المناسب استخدام التقنيات الحديثة من خلال تخصيص موقع الكتروني للاستفسار عن كافة الأمور ولتوعية المستثمرين بحقوقهم وواجباتهم. وقد فطنت بعض النظم والقوانين المعاصرة إلى أهمية هذا الأمر، فوضعت ضمن لوائحها المدنية ما يُلزم الموظف بآداب اللياقة والحدود النظامية التي تقتضيها أصول المخاطبة مع المراجعين - كالقانون السعودي-، الذي نص في المادة رقم (65) على أن من واجبات العمال أن يلتزموا حسن ¬

(¬1) رواه الطبراني في المعجم الكبير، ج3، ص309، وأورده الهيثمي في مجمع الزائد بدون الجملة الأخيرة، ج10، ص273، وهو حديث صحيح. الألباني، محمد ناصر الدين، صحيح الجامع الصغير وزياداته، ص 1130، برقم (6662)، ط3، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. (¬2) سورة الأعراف، آية رقم 199. (¬3) كان يُلقّب بذي النور، ولّاه عمر القضاء أثناء معركة القادسية وبعثه لقتال الترك، استشهد في بلنجر (في القوقاز) بعد مضي ثمان سنين من خلافة عثمان، ودفن في بلاد الترك. ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، ج2، ص533. (¬4) رواه ابن ماجه في سننه، كتاب الصدقات، باب حسن القضاء، ص413، برقم (2424)، وحكم عليه الشيخ الألباني بأنه حديث حسن. (¬5) رواه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع ومن طلب حقاً فليطلبه في عفاف، ص 492، برقم (2076).

السلوك والأخلاق أثناء العمل (¬1)، كما أن من عناصر المعاملة الحسنة مع مراجعين المنشأة تحسين حاجات المراجعين والسعي الجادّ إلى حلّها، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" ما من إمام أو والٍ يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة، إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته" (¬2)، وقريب من هذا التوجيه النبوي ما يُطلق عليه اليوم (سياسة الباب المفتوح) التي تدعو إليها بعض المؤسسات، من تخصيص يومٍ من أيام الأسبوع أو وقت معيّن يُسمح فيه لجميع المراجعين بمقابلة أعلى سلطة في المنشأة (¬3)، وقد أغفل قانون العمل الفلسطيني النصّ على هذا الأمر مع أهميته، وتركه للوائح الداخلية لكل منشأة، إلا أن قانون الخدمة المدنية الفلسطيني نصّ على هذا الأمر في المادة رقم (66) على أن:" الوظائف العامة تكليف للقائمين بها، هدفها خدمة المواطنين تحقيقاً للمصلحة العامة طبقاً للقوانين واللوائح، وعلى الموظف مراعاة أحكام هذا القانون واللوائح وتنفيذها وأن يلتزم بمايلي: 1. تأدية العمل المنوط به بنفسه بدقة وأمانة، وأن يخصص وقت العمل الرسمي لأداء واجبات وظيفته، وأن يلتزم بالعمل في غير أوقات العمل الرسمية بناءً على تكليف من الجهة المختصة إذا اقتضت مصلحة العمل ذلك. 2. أن يُحسن معاملة الجمهور وأن ينجز معاملاتهم في الوقت المحدد. 3. احترام مواعيد العمل. 4. المحافظة على الأموال والممتلكات العامة. 5. احترام التسلسل الإداري في اتصالاته الوظيفية وتنفيذ ما يصدر إليه من أوامر وتعليمات في حدود القوانين واللوائح النافذة، ويتحمل كل مسئول مسؤولية الأوامر التي تصدر منه كما يكون مسئولاً عن حسن سير العمل في حدود اختصاصاته. 6. أن يعمل على تنمية قدراته وكفاءاته العلمية والعملية والاطلاع على القوانين واللوائح والتعليمات المتعلقة بعمله والإحاطة بها وتقديم الاقتراحات التي يراها مفيدة لتحسين طرق العمل في الدائرة ورفع مستوى الأداء فيها" (¬4) ¬

(¬1) موقع وزارة العمل السعودية https://mol.gov.sa/ar/RulesAndRegulations (¬2) رواه الترمذي في سننه، كتاب الأحكام، باب ما جاء في إمام الرعية، ص 314، برقم (1332)، وحكم عليه الشيخ الألباني بأنه حديث صحيح. (¬3) العمر، فؤاد، أخلاق العمل وسلوك العاملين في الخدمة العامة والرقابة عليها من منظور إسلامي، ط1، 1999م، ص35، بحث مقدم إلى المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، جدة، السعودية. (¬4) الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، ديوان المظالم، قانون الخدمة المدنية واللوائح المنظمة له، ص69.

المطلب الثالث التعاون بما يحقق مصالح العمل

المطلب الثالث التعاون بما يحقق مصالح العمل إننا إذا نظرنا إلى الإسلام نظرة شاملة، وجدنا مبدأ التعاون يتغلغل في جميع جوانب الحياة، الروحية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وحتى الإنسان فإنه بطبعه لا يُمكن له إلا أن يعيش في مجتمع، يُعينه ويستعين به، وإهمال هذا المبدأ يؤدي - بالتأكيد- إلى ظهور صفة السلبية في التعامل بين أفراد المجتمع، واللامبالاة بهموم الناس ومشاكلهم، خصوصاً إذا انعدمت قناعة الشخص بالتعاون، إلا إذا كان على أساس مادي، أو بمقابل، أو مشروط بمنفعة مقابلة. كما أن العمل الجليل و الإنتاج الغزير لا يتحققان إلا بطريق العمل الجماعي، وهذا بخلاف العمل الفردي الذي لن يثمر إلا شيئاً يسيراً من الأعمال التي تتناسب مع مستوى طاقة الفرد. ولا ريب أن الحالة النفسية للعامل لها أثرها الطيب في زيادة الإنتاج، وكثرة العطاء، لذلك كان لا بدّ من الحرص على تنمية ملكة التعاون بين العمّال، وهذا لا بدّ من تأصيله شرعاً حتى لا يُعتبر نافلة من القول، بل هو واجب جاء به قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (¬1)، ولقد ضرب لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثالاً غاية في الروعة، وشعوراً بضرورة التعاون حيث روى أبو سعيد الخدري - رضي الله عنهم - فقال:" بينما نحن في سفر مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ جاء رجلٌ على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضلٌ من زاد فليعد به على من لا زاد له، فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه لا حق لأحدٍ منا في فضل" (¬2)، ومن هذا الحديث يُمكن استنباط قاعدة أخلاقية في العمل وهي أنّ من كان معه فضلٌ من وقت فليعد به على من لا وقت لديه من زملائه في العمل لأداء مهامه، وهي قاعدة جليلة في أثرها إذا تم مراعاة التخصص والخصوصية. ولقد حثّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على معونة العمّال فقال:" يا أبا ذر أعيّرته بأمّه؟ إنك امرؤٌ فيك جاهلية، إخوانكم خَولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ¬

(¬1) سورة المائدة، آية رقم 2. (¬2) رواه مسلم في صحيحه، كتاب اللقطة، باب استحباب المؤاساة بفضول المال، ص873، برقم (1728).

ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم" (¬1)، وقوله أيضاً:" المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشدّ بعضه بعضاً" (¬2). وفي هذا المجال يُمكن تقسيم الناس باعتبار ما يقدمونه من معونة لبعضهم، وبما يحققه هذا التعاون من معاني الأخوة والإنتاج إلى أقسام أربعة على النحو الآتي: 1. من يُعين ويستعين، وهذا الذي يؤدي ما عليه من واجبات ويأخذ ما له من حقوق، وهو أعدل الناس. 2. من لا يُعين ولا يستعين، وهذا النوع من الناس منع خيره وقمع شرّه، فلا هو مع الأصدقاء فيُرتجى نفعه، ولا مع الأعداء فيُخاف شرّه، وهو متروك بين الناس ومُلام بينهم. 3. من يستعين ولا يُعين، وهذا صاحب طبع لئيم وسجية مرفوضة، حيث يطلب من الناس العون، ولا يُقدّم لهم المعونة عند حاجتها. 4. من يُعين ولا يستعين، وهو صاحب خُلُق كريم، فهو لا يتوانى في مساعدة الآخرين، ويمنعه تعففه من طلب العون. (¬3). وحبّذا لو جعل العامل نفسه مع القسم الأخير، وإن كان من الصعوبة بمكان؛ لأنه لا يُمكن للإنسان أن يقضي حاجاته دون طلب العون من أحد، وإن عُدم ذلك فليكن من الصنف الأول الذي يُقدّم واجبه ثم يطالب بحقه. ¬

(¬1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان، باب المعاصي من أهل الجاهلية ولا يكفّر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك، ص27 برقم (30). ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الأيمان، باب إطعام الملوك مما يأكل وإلباسه ما يلبس ولا يكلفه ما يغلبه، ص832، برقم (1661) (¬2) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا، ص1528، برقم (6026)، ورواه مسلم في صحيحه، كتاب البرّ والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، ص 1087، برقم (2585). (¬3) الماوردي، أدب الدنيا والدين، ص 172،بتصرف.

المطلب الرابع استعمال وسائل النظافة والوقاية

المطلب الرابع استعمال وسائل النظافة والوقاية لا نجد اليوم شيئاً غريباً في أن الطب النبوي توصل إلى كثير من مفاهيم الطب الوقائي، إذا وضعنا هذه المفاهيم في إطارها الزمني ومجالها الحضاري، وإذا عرفنا الشعار المعروف (الوقاية خير من العلاج) فإن استقراء الطب النبوي في المفهوم الوقائي، يجعلنا -دون أدنى شبهة- انحيازاً نشير إلى أن شعار الوقاية خير من العلاج شهد أول بذرة له في عصر الطب النبوي. لقد تحدث الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في الطب والصحة والمرض، والوقاية من العدوى وفي فضائل الأطباء، بل إن بعض الكتب التي جمعت أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - تعدُّ بلغة العصر (دائرة معارف للطب النبوي) ضمنها المفاهيم الوقائية والعلاجية من منظور إيماني إسلامي.، وينحصر المفهوم الوقائي في الطب النبوي في أن النظافة من الإيمان، فقد حثّ الإسلام على النظافة وجعلها من الإيمان، حيث روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله طيِّب يحب الطَّيِّب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظِّفوا أفنيتكم، ولا تشبّهوا باليهود" (¬1)، وكذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو قال تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها " (¬2) وموضع الاستدلال أن الطُهور المقصود به الطهارة، لأن صيغة فعول المقصود منها الفعل -يعني: ما يفعل- فالطهور هو التطهر كما أن الفطور هو فعل الإفطار، والسحور هو الفعل نفسه، بخلاف الطَهور -بالفتح-: فإنه ما يتطهر به -يعني: الماء يسمى طهوراً-، وأكلة السحر تسمى سَحوراً -بالفتح-، والفطور يسمى فَطوراً -بالفتح- إذا كان المراد الذي يؤكل، أما الفعل نفسه فهو طهور للطهارة، وسحور للتسحر، فقوله عليه الصلاة والسلام هنا: الطُهور يعني: التطهر (¬3). ومما يؤكد ضرورة التزام العامل بقواعد النظافة واللياقة وجود كثير من الأعمال التي تتطلب ظهور العامل بمظهر لائق، وبملابس نظيفة نظراً لارتباط هذه الأعمال بالجمهور، كما أن وجود بعض الأعمال التي يعكس مظهر العامل صورة عن جودتها وخلوها من الأوساخ والجراثيم، كالمطاعم ¬

(¬1) رواه الترمذي في سننه، ص (626) برقم (2799) وحكم عليه الألباني بأنه ضعيف، الألباني، محمد ناصر الدين، ضعيف سنن الترمذي، ص332، برقم (2963) ط1، 1991م، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. (¬2) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، برقم (223). (¬3) النووي، صحيح مسلم بشرح النووي، ج2، ص86.

ومحلات الحلويات، كما أن هناك من الأعمال التي توجب على عمالها الظهور بلباس موحّد ليتميزوا عن غيرهم، ويدخل هذا الأمر تحت إتقان العامل لعمله ويتحمل العامل مصاريف الظهور بمظهر لائق إلا إذا نصّ العقد على تحمّل صاحب العمل تكاليف ذلك. والمعروف أن من أهم تعاليم الإسلام إيجاد جيل صحيح سليم، لا يتم ذلك إلا بالعناية بالصحة الفردية التي منها يتوصل إلى صحة المجموع، والنظافة فوق أنها تقوى الله ومن الإيمان، هي أحد أركان الإسلام؛ لأن الصلاة لا تتم إلا بها، والصلاة من أهم أركان الإسلام الخمسة التي بُني عليها، إلا أن النظافة تعتبر وقاية من الأمراض السارية والأوبئة المعدية. وتعدُّ نظافة الأقسام الظاهرة من الجسم أساساً في طهارته، والتي يعتبر فيها الجلد بمنزلة الواقي لما تحته من الأنسجة والأعضاء، وبالتالي فهو معرّض لملامسة مواد متنوعة من غبار ورواسب وأوساخ، تجتمع على سطحه فينتج عن ذلك الأقذار الكريهة والروائح القبيحة، وقد تسدّ الأوساخ مسامات الجلد فتُحدِث أمراضاً متنوعة. ولا بدّ من وسائل وقائية يستعملها العامل في عمله، وهذه ينبغي للعامل استعمالها على الوجه التي وضعت له، حيث نصّ قانون العمل الفلسطيني في المادة رقم (34):" على العامل التقيّد بتطبيق شروط اللائحة الداخلية للمنشأة وبقواعد السلامة والصحة المهنية في العمل" (¬1)، ولم يُشر القانون ضرورة تدريب العمّال على طرق استعمال هذه القواعد، خصوصاً عند وجود فئة من العمّال لا يدركون طبيعة هذه القواعد، صحيح أنه أشار في المادة رقم (90) على أن مجلس الوزراء يُصدر الأنظمة الخاصة بالصحة والسلامة المهنية وبيئة العمل، متضمنة بصفة خاصة ما يأتي: أ. وسائل الحماية الشخصية والوقاية للعاملين وأمراض المهنة. ب. الشروط الصحية اللازمة في أماكن العمل. ت. وسائل الإسعاف الطبي للعمال في المنشأة. ث. الفحص الطبي الدوري للعمال. (¬2) ومن الأمور التي فاتت قانون العمل الفلسطيني أنه لم يذكر العدد اللازم من العمال في المنشأة- بل ترك الأمر لمجلس الوزراء الذي يُصدر الأنظمة الخاصة بالصحة والسلامة -، حتى يترتب بناءً عليه وجوب توفير وسائل الإسعاف الأولية، بينما غيره من القوانين - كالقانون المصري - نصّ في المادة رقم (121) على أنه "في حال وجود خمسين عاملاً أو أكثر يعملون عند جهة معينة، وفي دائرة قطرها خمسة عشر كيلو مترا، فإن صاحب المنشأة ملزمٌ باستخدام ممرضٍ مؤهل، وإذا كان العمل ¬

(¬1) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص 19. (¬2) المصدر نفسه، ص 36.

لا تصل إليه المواصلات العادية، وجب على صاحب العمل توفير وسائل الانتقال المناسبة (¬1)، والواقع الفلسطيني قد لا يحتمل مثل هذه الإجراءات واللوازم نظراً للضعف الإقتصادي الذي يعانيه أهلها، ولكن ينبغي العمل على الإشارة لمثل هذه الاحتياطات الصحية، وعدم الاكتفاء بالنصوص المجملة، التي بحاجة لبيان المكلّف بدفع تكاليف العلاج. وحاجتنا لتوضيح المُجمَل من النصوص نابعٌ من التقصير في التزام أصحاب العمل بالاحتياطات الصحية المتّبَعة في المنشآت، ففي عام 2008م أُجريت دراسة ميدانية للتعرف على مدى تواجد الوسائل الوقائية في المنشأة، شملت هذه الدراسة 800 استمارة وزّعت على العمّال، وتم استيفاء 740 استمارة، منها 564 استمارة وُزّعت في الضفة الغربية، و 176 استمارة تم توزيعها في قطاع غزة، وتبين من هذه الدراسة ما يأتي: 1. هناك 12% من العاملين أفادوا بأنه لا يتوفر في مواقع عملهم صناديق إسعاف أولي. 2. أفاد 44% من العاملين الذين شملتهم الدراسة أنه لا يتوفر في أماكن عملهم مخارج طوارئ. 3. أكثر من ثلث العاملين المستَطلعة آراؤهم ويعملون في القطاع الصناعي أشاروا إلى أنه لا يوجد نظافة ولا ترتيب في المصانع التي يعملون فيها. (¬2) وفي ختام حديثنا عن الواجبات الأخلاقية، ينبغي التأكيد على أن الواجبات السالفة الذكر تُلزم العاملين عموماً- ذكوراً وإناثاً- وتختلف هذه الواجبات من مهنة لأخرى، وإن كان هناك من الأساسيات التي ينبغي تواجدها في كل مهنة -وهي ما أسلفنا- يُضاف إليها بعض الواجبات التي يختلف الناس في تحديد معاييرها منها: أ التقبّل الصادق للخدمة العمومية- وهذا خارج نطاق قانون العمل الفلسطيني-. ب الاستعداد للتطوع من أجل المصلحة العامة، وإن كان ذلك خارج أوقات الدوام الرسمي. ت الحرص الممّيز في مساندة كل مبادرة تخص مستقبل الوطن. ث النزاهة و الامتناع عن إتيان أعمال تضع الموظف موضع الشبهات. ¬

(¬1) سليم، قانون العمل، ص 630, (¬2) الخواجا، حمدي، وآخرون، حقوق العاملين في المنشآت الصناعية (مسح ميداني في الضفة الغربية وقطاع غزة) ص 48 - ص 52، نشر مركز الديمقراطية وحقوق العاملين، رام الله، فلسطين. http://www.dwrc.org/Admin/Publications

الفصل الثالث: حقوق العمال في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني

الفصل الثالث: حقوق العمّال في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني، وفيه سبعة مباحث: المبحث الأول: حقوق العمال الأخلاقية، ويشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: حق العامل على الدولة في توفير فرصة عمل. المطلب الثاني: حق العامل في المعاملة الإنسانية. المطلب الثالث: حق العامل في رفع الروح المعنوية وتحفيزه. المبحث الثاني: حق العامل في تأدية العبادات، ويشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: حق العامل في تأدية فريضة الحج. المطلب الثاني: حق العامل في تأدية الصلوات المفروضة. المطلب الثالث: حق العامل في تأدية صلاة الجمعة. المطلب الرابع: حق العامل في تأدية النوافل والسنن الراتبة. المبحث الثالث: حق العامل في الأجرة، ويشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: تحديد الأجرة. المطلب الثاني: الاعتماد على مؤشر غلاء المعيشة في تحديد الأجرة، والحكم الشرعي في ذلك. المطلب الثالث: وقت دفع الأجرة وتملكها. المطلب الرابع: ضمانات الوفاء بالأجرة. المطلب الخامس: قواعد الوفاء بالأجر. المبحث الرابع: حق العامل في الإجازات، وتشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: الإجازة السنوية. المطلب الثاني: الإجازة الأسبوعية. المطلب الثالث: الإجازة المرضية. المطلب الرابع: إجازة الأمومة. المطلب الخامس:.الإجازة العارضة. المبحث الخامس: حق العامل في التأمين والتعويض، وفيه مطلبان: المطلب الأول: التأمين في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني. المطلب الثاني: التعويض في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني. المبحث السادس: حق العامل في مكافأة نهاية الخدمة والتقاعد، وفيه مطلبان. المطلب الأول: مكافأة نهاية الخدمة في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني. المطلب الثاني: الراتب التقاعدي في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني. المبحث السابع: حق العامل في الشكوى و التقاضي و التظاهر والإضراب عن العمل، وحق الابتكار، ويشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: الشكوى والتقاضي. المطلب الثاني: التظاهر والإضراب عن العمل. المطلب الثالث: حق الابتكار.

المطلب الأول حق العامل على الدولة بتوفير فرصة عمل

المطلب الأول حق العامل على الدولة بتوفير فرصة عمل لا شك أنّ مبادئ الاقتصاد الإسلامي تقوم على الحرية الاقتصادية، المنضبطة بالنُّظم الإسلامية، وأنّ العامل له الحق في اختيار العمل الذي يناسبه، ويتفق - ولو بنسبة متغيّرة- مع ميوله ورغبته، ولا بدّ من تقرير مبدأ هام، ألا وهو مساواة الناس في اختيار عملهم المناسب، فكلٌ مُيسّرٌ لما خُلق له، وكل الناس سواسية. وإذا كان العمل واجباً في نظر الشارع والسؤال محظوراً إلا لمن يحتاجه، والدولة الإسلامية ما قامت إلا لتحقيق ما يحبه الشارع، وإزالة ما يكرهه، فمن الطبيعي أن تقوم الدولة الإسلامية بتسهيل سُبل العمل والكسب للأفراد، فهذا بعض ما عليها للمواطنين فتوجِد العمل لمن يحتاجه، وتقوم بإيجاد المشاريع النافعة لتشغيل الأفراد، ولا تنفق موارد الدولة على التوافه من الأمور، وعلى ما لا ينفع، وحتى إذا اقتضى الأمر لتشغيل الأفراد أن تقوم بإقراضهم من خزينة الدولة، فالقرض جائز وهو من أفضل الصدقة. ولأن الفرد المسلم في مجتمعه له حقوق كثيرة، منها إلزام الدولة بإيجاد عمل لكل قادر عليه، محاربة للفقر والبطالة، ولقد أسست السنة الفعلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - القاعدة المكينة، حينما جاءه رجل أنصاري ليسأله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" أما في بيتك شيء؟ قال: بلى، حِلسٌ (¬1) نلبس بعضه، ونبسط بعضه، وقدحٌ نشرب فيه الماء، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" ائتني بهما"، قال: فأتاه بهما، فأخذهما الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيده، ثم قال: "من يشتري هذين؟ " فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" من يزيد؟ مرتين أو ثلاثاً" فقال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، فأعطاهما الأنصاري، وقال:" اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر (قدّوماً) (¬2) فأتني به، ففعل، فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى نشر فيه عوداً بيده وقال:" اذهب واحتطب، ولا أراك خمسة عشر يوماً"، فجعل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" اشتر ببعضهما طعاماً، وببعضهما ثوباً، هذا خيرٌ لك من أن تجيء المسألة نُكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة، لذي فقر مدقع، أو لذي غُرم مفظع، أو لذي دم موجع" (¬3)، وموضع الاستدلال من هذا الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حرص على تأمين العمل لهذا ¬

(¬1) كساء على ظهر البعير تحت البرذعة، ويبسط في البيت تحت كريم المتاع، الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ص538. (¬2) آلة للنجر والنحت، وجمعها قدائم، المصدر نفسه، ص 1147. (¬3) رواه أبو داود في سننه، ص285، كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة، برقم (1641)، وقال عنه الشيخ الألباني: حديث ضعيف ..

الأنصاري، ووضع له خطة إنتاجية (خمسة عشر يوماً)، استطاع من خلالها أن يوفّر للأنصاري الاكتفاء الذاتي، في ظلّ وجود رأس مالٍ بسيط (درهم واحد) (¬1)، ومن خلال التأمل في الحديث السالف الذكر (حديث الاحتطاب) يُمكن استنباط مايلي: 1. ينبغي على العامل القادر على العمل أن يرفع أمره إلى ولي الأمر، أو من ينوب عنه، وهو ما نصّ عليه قانون العمل الفلسطيني في المادة رقم (10) " على كل شخص قادر على العمل وراغب فيه أن يُسجّل اسمه في مكتب العمل الواقع في دائرة إقامته" (¬2). 2. يجب على الدولة أو ولي أمر المسلمين أو نائبه أو من يوكل إليه الأمر في الدول الحديثة أن ينظر فوراً -بدون تأخير- في أي طلب يُقدّم إليه، وأن لا تتراكم القوائم، وتُدخَل البيانات على أجهزة الحاسوب ثم تُهمل، ويبقى الناس ينتظرون حتى تأتي المشاريع التشغيلية من الشرق أو الغرب، بل تسعى الدول للتشغيل بمقابل محدود. 3. أن تستفيد الدول من قدرات العاملين ومؤهلاتهم، وتستغلّ ذلك في النافع المفيد. 4. لا بدّ من مراقبة العمّال ومحاسبتهم باستمرار، ثم يتبع ذلك تقويم الأنشطة التي يقوم بها العامل من أجل الشعور بالمسئولية. 5. تُلزم الدولة بالقضاء على التسوّل، وذلك بإيجاد بديل مقابل ومتزامن، مع الدعوة لمنع التسوّل والبطالة. ويتضمن هذا التخطيط النبوي كل الأشغال الأخرى، من الصناعة والزراعة والتجارة، بحيث يؤدّي إلى الكسب، من خلال هذا الواجب المُلقى على الدولة كان لها أن لا توجب الزكاة على آلات الحرفيين، وفي ذلك يقول صاحب الفتاوى الهندية:" وكذا كتب العلم إن كان من أهله، وآلات المحترفين التي ينتفع بنفسها، ولا يبقى أثرها في المعمول" (¬3) وفي هذا النص ما يُبين حرص الإسلام على تشجيع العلم وأهله، كما فيه تشجيع الاحتراف والمحترفين. وقد نصّ قانون العمل الفلسطيني على إلزام الدولة بتوفير فرص عمل لكل القادرين عليه، حيث نصّت المادة رقم (2) منه أن" العمل حق لكل مواطن قادر عليه، تعمل السلطة الوطنية على توفيره ¬

(¬1) العلي، صالح حميد، عناصر الإنتاج في الاقتصاد الإسلامي والنُّظم الاقتصادية المعاصرة، ص 228، ط1، 2000م، دار اليمامة للطباعة والنشر، دمشق، سوريا، أصل الكتاب رسالة ماجستير من كلية الشريعة، جامعة دمشق، بإشراف الدكتور محمد الزحيلي. (¬2) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص 13. (¬3) نظام وجماعة من علماء الهند، الفتاوى الهندية في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، ج1، ص 172، ط3، 1973م، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

على أساس تكافؤ الفرص ودون أي نوع من أنواع التمييز" (¬1)، ولكن الواقع يُبين غير ذلك، إذ تتزايد نسبة البطالة في فلسطين بشكل كبير، وهذا راجع إلى سوء توزيع فرص العمل، أو تقصير الدولة في العمل على توفيرها، وكم هي الحاجة ماسّة لاستبدال المساعدات الموسمية والهبات المقدمة من وزارة الشؤون الاجتماعية بدخلٍ ثابت -لو كان محدودا- بشرط أن يكون ذلك مقابل عملٍ يقدّمه العامل للدولة وللمجتمع، لا أن يُعطى بعض العمال الأعطيات والهبات وهم في بيوتهم، لأن ذلك ينعكس سلباً على فهم الناس لطبيعة العمل، وتشير الإحصاءات الرسمية إلى ارتفاع معدل البطالة بين المشاركين (ذكوراً وإناثاً) في القوى العاملة في الضفة الغربية ما بين عامي 1999م -2007م، والجدول الآتي يوضح ذلك (¬2). المحافظة والجنس ... 1999م ... 2000م ... 2001م ... 2002م ... 2003م ... 2004م ... 2005م ... 2006م ... 2007م كلا الجنسين ... جنين ... 12.5 ... 16.6 ... 37.2 ... 45.1 ... 35.5 ... 28.7 ... 25.3 ... 23.2 ... 19.0 طوباس ... 11.1 ... 16.0 ... 30.9 ... 39.5 ... 24.8 ... 21.9 ... 20.1 ... 19.5 ... 20.0 طولكرم ... 13.8 ... 16.7 ... 20.9 ... 23.6 ... 24.9 ... 22.4 ... 21.9 ... 21.9 ... 20.5 نابلس ... 9.2 ... 11.2 ... 22.9 ... 29.5 ... 25.8 ... 20.8 ... 18.1 ... 17.6 ... 15.6 قلقيلية ... 13.5 ... 17.7 ... 32.9 ... 27.0 ... 22.7 ... 22.2 ... 20.9 ... 16.5 ... 16.4 سلفيت ... 13.9 ... 18.1 ... 40.7 ... 29.1 ... 23.2 ... 18.9 ... 21.3 ... 17.6 ... 18.9 رام الله والبيرة ... 5.9 ... 9.6 ... 26.2 ... 25.9 ... 20.5 ... 19.8 ... 15.8 ... 16.3 ... 16.0 أريحا والأغوار ... 6.1 ... 7.3 ... 11.4 ... 10.9 ... 9.4 ... 13.0 ... 13.2 ... 14.4 ... 9.8 القدس ... 9.8 ... 11.6 ... 15.2 ... 27.8 ... 22.3 ... 22.8 ... 16.8 ... 13.2 ... 13.4 بيت لحم ... 12.0 ... 9.7 ... 11.5 ... 20.6 ... 18.4 ... 21.1 ... 13.5 ... 13.7 ... 17.5 الخليل ... 6.4 ... 10.6 ... 16.1 ... 26.7 ... 22.3 ... 25.3 ... 26.1 ... 23.3 ... 22.2 مجموع الضفة ... 9.5 ... 12.1 ... 21.5 ... 28.2 ... 23.8 ... 22.9 ... 20.3 ... 18.6 ... 17.7 ¬

(¬1) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص11. (¬2) الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني http://www.pcbs.gov.ps/Portals/_PCBS

ومما ينبغي التنبيه إليه أن تتاح لجميع العمّال فرصٌ متساوية، وليس من العدل أن تُتاح فرص العمل لأصحاب الشهادات العليا، ويحرم العوام منها، ومن الأمثلة العملية على تكافؤ الفرص ما رواه المؤرخون عن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز (¬1) - رحمه الله- أن أحد ولاته كتب إليه أن أناساً من العمّال الذين قبله اقتطعوا من مال الله مالاّ عظيماً، وطلب الإذن منه لاستخراجه من أيديهم بالقوة والعذاب، فردّ عليه قائلاً:" أما بعد، فالعجب كل العجب من استئذانك إياي في عذاب البشر، كأني لك جُنة من عذاب الله، وكأن رضائي يُنجيك من سخط الله، فانظر، فمن قامت عليه البينة فخذه بما قامت عليه به، ومن أقرّ لك بشيء فخذه بما أقرّ به، ومن أنكر فاستحلفه بالله، وخلّ سبيله، فو الله لأن يلقوا الله بخياناتهم أحبّ إليّ من أن ألقى الله بدمائهم" (¬2)، وهذا يدل على حرص عمر بن عبد العزيز - رحمه الله- على توزيع فرص الغنى بين أبناء المسلمين، ويُقاس عليه توزيع فرص العمل بين أبناء المسلمين، وهنا نتساءل أين العدل من توزيع فرص العمل في أيامنا؟ بل وأين توزيع فرص الشبع بين المسلمين؟ من أجل ذلك ينبغي أن يُعرف أن توفير فرص العمل للجميع هو حق إنساني يستحقه الإنسان، بصفته الإنسانية المحضة، لا بصفته من أبناء طبقة خاصة أو أسرة معيّنة، (¬3) وقد نصّ الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان في المادة رقم (13):" العمل حق تكفله الدولة والمجتمع لكل قادر عليه، وللإنسان حرية اختيار العمل اللائق به، مما يحقق به مصلحته ومصلحة المجتمع، وللعامل حقه في الأمن، والسلامة، وفي الضمانات الاجتماعية الأخرى كافة، ولا يجوز تكليفه بما لا يطيقه أو إكراهه أو استغلاله أو الإضرار به" (¬4). ¬

(¬1) عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، كان أبوه من خيار بني أمية وبقي أميراً لمصر أكثر من عشرين سنة، أمه لأم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم -، الراجح أنه ولد سنة 61هـ في المدينة المنورة زمن يزيد، يُقال له أشج بني مروان؛ لأن فرساً ضربه في وجهه، تزوج فاطمة بنت عبد الملك بن مروان، توفي يوم الجمعة لعشر ليالٍ بقين من شهر رجب سنة 101هـ، وقد استمرت خلافته سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام، وكان عمره يوم وفاته 40سنة. السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، طبقات الحفاظ، ص53، ط2، 1994م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. (¬2) ابن الجوزي، عبد الرحمن، سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز، ص 104، ط1، 1984م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان .. (¬3) القرضاوي، يوسف، دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي، ص369، ط1، 1995م، مكتبة وهبة، القاهرة، مصر. (¬4) الألفي، أسامة، حقوق الإنسان وواجباته في الإسلام، ص83، بدون رقم طبعة، دار الوفاء، الإسكندرية، مصر.

المطلب الثاني حق العامل في المعاملة الإنسانية

المطلب الثاني حق العامل في المعاملة الإنسانية تماشياً مع قوانين الرحمة بالإنسان التي أدّبنا الإسلام عليها، وانطلاقاً من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" (¬1) ومن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" من لا يرحم لا يُرحم " (¬2) أردت إلقاء بعض الضوء على هذا الواجب، الذي أقرّه الإسلام للعامل، خصوصاً في ظل وجود كثير من الأعمال التي تتطلب من عاملها التواجد في حرّ الشمس، فهؤلاء العمّال هم بشرٌ مثلنا يتمتعون بإنسانية وآدمية يجب النظر والانتباه إليها، أجبرتهم ظروفهم المعيشية للعمل في البناء، والتنظيف وتحميل البضائع تحت لهيب الشمس، فيجب أن يُنظر إليهم بعين الرحمة والرأفة، لكونهم يتمتعون بإنسانية أعطاهم الله إياها، سواء كانوا مسلمين أو غير ذلك، وذلك لأن الإسلام لم يتجاهلهم، بل أوصى بأن لا يُكلَّف العامل فوق طاقته وقدرته، لقول الله - سبحانه وتعالى -: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (¬3)، وقول الرسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" للمملوك طعامه وكسوته، ولا يُكلّف من الأعمال إلا ما يطيقه" (¬4) وهذا الحديث وإن ورد في الرقيق إلا أنه يشمل العمّال، لأن الإسلام أتى لتحرير الرقاب من الظلم والاستعباد الذي كان سائداً في الجاهلية، ولا بدّ أن يستشعر صاحب العمل رحمة الله بعباده، وكذلك قول الله - سبحانه وتعالى -: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (¬5). وليس من الصعب - من وجهة نظري- أن يبدأ العامل عمله في ساعة مبكرة على أن يستريح في وقت الظهيرة، وهذا في الأعمال التي يصنفها أهل الخبرة من الأعمال الشاقة في وقتها المعيّن، ولا يتنافي مبدأ الرحمة الذي دعا الإسلام له مع مبدأ المساءلة والمحاسبة إذا قصّر العامل في عمله. ¬

(¬1) رواه الترمذي في سننه، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في رحمة الناس، ص439، برقم (1924)، وقال حديث حسن صحيح. (¬2) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب الرحمة بالبهائم، ص1525،برقم (6013).ورواه مسلم في صحيحه، ص987، كتاب الفضائل، باب رحمة النبي بالصبيان، برقم (2319). (¬3) سورة البقرة، آية رقم 286 .. (¬4) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الأيمان، باب إطعام المملوك مما يأكل، ص709، برقم (1162). (¬5) سورة التوبة، آية رقم 128.

ويندرج تحت هذا الطلب التعامل مع العمّال بوجه طلق، لأن الابتسامة لا تكلّف الإنسان شيئاً، وفي نفس الوقت تُعطي التشجيع للعامل وترفع من معنوياته، وتزيده إقداماً نحو العمل والإنتاج، ناهيك عن أن التبسم في وجوه الناس يحصل صاحبها على الأجر من الله - سبحانه وتعالى - كلما ابتسم، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" تبسمك في وجه أخيك صدقة" (¬1) كما أن الابتسامة تولّد جواً من الراحة النفسية في البيت والعمل والشارع، وتحلُّ كثيراً من مشاكل الناس، وتزيد الألفة والمحبة بين الناس، لذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أكثر الناس تبسماً لكل من يقابله في حياته، فأحد الصحابة يصف ملاقاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - له فيقول:" ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (¬2) وهذا يدلّ على أنّ الابتسامة ما كانت لتفارق شفتيه الطاهرتين، ومن دون تكلّف ومشقة، فيروي صحابي جليل فيقول:" ما حجبني النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسّم في وجهي" (¬3). ولا يجوز أن يتعمد صاحب العمل أن يظهر بمنظر العابس بحجة الجدية في العمل، وحث العمّال على العمل، وليجعل الجميع يخافون من قدومه، ناسياً أنّ الدين الحنيف قد أمر بالرأفة والشفقة بالحيوان، فكيف هي بالإنسان؟ حيث قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" دخلت امرأة النار في هرّة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض" (¬4) ومرّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على حمار قد وُسِم في وجهه، فقال:" لعن الله الذي وسمه" (¬5)، ولم يأت قانون العمل الفلسطيني على ذكر الرحمة والشفقة بالعامل، وكأنه ترك العلاقة جامدة، بعيدة عن الإنسانية. والحديث عن الشفقة والرحمة يستلزم الحديث عن تشغيل الأطفال، حيث ما زالت هذه الظاهرة تثير كثيراً من القلاقل لدى الناشطين الحقوقيين، نظراً لما تخلفه من آثار سلبية على المجتمع عامة، وعلى الأطفال وأسرهم خاصة- حسب وجهة نظرهم- هذا مع اختلاف قوانين العمل في تحديد سنّ الطفل الذي يُسمح له بالعمل، حيث نصّ قانون العمل الفلسطيني في المادة رقم (93) على أنه" ¬

(¬1) رواه الترمذي في سننه، ص445،كتاب البر والصلة، باب ما جاء في صنائع المعروف، برقم (1956)، وقال عنه: صحيح. (¬2) رواه الترمذي في سننه، ص 828، كتاب المناقب عن رسول الله، باب بشاشة النبي، برقم (3641)، وقال عنه: صحيح. (¬3) رواه البخاري في صحيحه، ص1542،كتاب الأدب، باب التبسّم والضحك، رقم (6089). (¬4) رواه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب خمسٌ من الدواب فواسق يُقتلن في الحرم، ص 809، برقم (3318). (¬5) رواه مسلم في صحيحه، كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن ضرب الحيوان في وجهه ووسمه فيه، ص 913، برقم (2116).

يُحظر تشغيل الأطفال قبل بلوغهم سن الخامسة عشر" (¬1) ويشترك في هذا السن الذكر والأنثى لعدم وجود ما يدل على اختصاص هذا العمر بجنس معيّن دون غيره، أما قانون العمل المصري فقد نصّ في المادة رقم (98) على أنه" يُعتبر طفلاً كل من لم يبلغ الرابعة عشر سنة، أو تجاوز سن إتمام التعليم الأساسي، ولم يبلغ ثماني عشرة سنة كاملة، ويلتزم كل صاحب عمل يستخدم طفلاً دون السادسة عشرة بمنحة بطاقة تثبت أنه يعمل لديه، وتلصق عليه صورة الطفل، وتُعتمد من مكتب القوى العاملة المختص" وفي المادة رقم (99) " يُحظر تشغيل الأطفال من الإناث والذكور قبل بلوغهم سن إتمام التعليم الأساسي، أو بلغ أربع عشرة سنة أيهما أكبر، ومع ذلك يجوز تدريبهم متى بلغت سنهم اثنتي عشرة سنة" (¬2) بينما نصّ قانون العمل الأردني في المادة رقم (73) على أنه" لا يجوز بأي حال تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشرة من عمره بأي صورة من الصور" (¬3)، هذا كله يخصّ الأطفال من غير فروع صاحب العمل أو إخوانه، حيث نصّ قانون العمل الفلسطيني في المادة رقم (3) أنه:" تسري أحكام هذا القانون على جميع العمّال في فلسطين باستثناء ... أفراد أسرة صاحب العمل من الدرجة الأولى" (¬4) وفي الإسلام الأصل أن يأخذ الطفل حقه الكامل من الرعاية والعناية والرحمة والتربية، وألا نحوّل طفولته إلى رجولة مبكرة، فهذا يؤثر عليه سلباً، ويحرمه من مرحلة مهمة من مراحل حياته، وهي مرحلة (الطفولة)، ولا بُدّ أن يلعب الطفل في سن الطفولة، ويتعلم ما وسعه التعلم، خصوصاً لو كان من الموهوبين الأذكياء، ولا يجوز ما تفعله بعض المجتمعات من حرمان للأطفال من التعليم، أو عدم إعانته على التعليم عند عدم استطاعته، وفي الشريعة الإسلامية فإن مرحلة الطفولة تنتهي ببلوغ الشاب ودخوله دائرة التكليفات الشرعية، وتحدثنا كتب التاريخ الإسلامي أن هناك من النماذج التي قام الصبيان (من منظور أهل القانون) بأعمال هامة وشاقة رغم أن أعمارهم أقل مما نصّت عليه القوانين المعاصرة، فقد تولى أسامة بن زيد (¬5) - رضي الله عنهم - قيادة الجيش الأول بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو دون ¬

(¬1) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص39. (¬2) موقع وزارة القوى العاملة والهجرة المصرية http://www.manpower.gov (¬3) موقع وزارة العمل الأردنية على شبكة الانترنت http://www.mol.gov.jo/Default.aspx (¬4) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص 11. (¬5) أمه أم أيمن حاضنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولد بمكة المكرمة، هاجر وهو طفل مع أبيه زيد بن حارثة، سمّاه العلماء حِبّ رسول الله والحبُّ بن الحبّ، اشترك في غزوة بدر وأحد ومؤتة ومعظم الغزوات والسرايا، اعتزل الفتن التي حدثت بعد استشهاد الخليفة عثمان بن عفان، سكن المزة وهي من أعمال دمشق، ثم عاد إلى المدينة المنورة، أشارت معظم الروايات إلى أن وفاته كانت سنة 54هـ وكان له من العمر 75 سنة. ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، ج1، ص38.

السابعة عشرة، ليكون قائداً على كبار الصحابة -رضي الله عنهم- (¬1)،وهناك أعمال من الممكن أن يؤديها الطفل، وهي الأعمال الطبيعية، كمن كان والده مزارعاً، فهو يأخذه معه إلى الحقل، في العطلات، أو في أوقات الفراغ، أو كان لوالده (ورشة) فيذهب معه، لكي يُتقن المهنة التي يمتهنها أبوه، عندئذ هذا لا يكون من باب العمل الممنوع، ويرى الباحث أن يُقيّد عمل الأطفال من نواحٍ: 1. الحاجة إلى العمل، وهذا حينما يكون الوالدان بحاجة إلى مصدر دخلٍ قصّرت الدولة في توفيره، إذ لا مانع من تشغيل الأطفال حسب قدرتهم، وفي أعمال تناسب مواهبهم. 2. القدرة على العمل، فقد نجد لبعض الأطفال مواهب جسمية ونفسية يستطيعون معها أداء بعض الأعمال، لا سيما إذا كانت هذه الأعمال سهلة وميسورة، كالبيع مثلاً، ومما يُثير الشفقة والأسى ما تعرضه وسائل الإعلام من تشغيل الأطفال في أعمال شاقّة ينوء بها الكبار، أو ما يُسند إليهم من تنظيف السيارات على إشارات المرور، أو البيع على مفترقات الطرق وتحت أشعة الشمس الحارقة، والمحظور في استعمال هؤلاء الأطفال إنما هو استعمالهم في أعمال شاقة لا تتناسب مع قواهم البدنية، أو استعمالهم طوال ساعات النهار؛ لأن هذا الطفل له صبوة، وهو ميّال بطبعه للهو واللعب، ففي هذا العمل الشاق الطويل حرمان له من هذا اللهو أو اللعب الذي يحرص عليه الأطفال غالبًا. (¬2) 3. أن لا يكون العمل على حساب واجبات أكثر أهمية، كالتعليم أو أداء العبادات. ويتابع مكتب الإحصاء المركزي في السلطة الفلسطينية منذ عام 2004 م تطوّر تشغيل الأطفال في المناطق الفلسطينية، مع أن هذه المعطيات لا يتم نشرها للجمهور إلا أن مديرة مركز فرع أبحاث قطاع العمال في المكتب قدمت النتائج التالية: 1. في سنة 2004م تم تشغيل حوالي 43000 طفل في جيل 5 - 17سنة. 2. في سنة 2007م ارتفع العدد إلى حوالي 47000 طفل. 3. في النصف الأول من عام 2008م وصل العدد إلى حوالي 53500طفل. 4. حوالي 4،6 % من الشباب الفلسطينيين الذين تبلغ أعمارهم اقل من 18 سنة يعملون. 5. التركيز الأعلى لتشغيل الأطفال هو في الضفة الغربية، خصوصاً في أريحا وغور الأردن (23،5%). 6. حوالي 1900 طفل يعملون في المستوطنات الإسرائيلية، والطلب على العمال في ازدياد. 7. متوسط الأجرة اليومية هو 41،90 شيقل، ومتوسط أسبوع العمل لدى الأطفال هو 30 ساعة. (¬3) ¬

(¬1) المصدر نفسه، ص 29. (¬2) http://www.islamonline.net/servlet/Satellite (¬3) http://www.kavlaoved.org.il/media-view_ar.asp موقع للعامل على شبكة الانترنت.

ولأن الإنسان بإنسانيته محور الشرائع السماوية التي أنزلها الله - سبحانه وتعالى - على جميع الأنبياء والرسل من لدن آدم عليه السلام، وصولاً إلى خاتم الأنبياء محمد - صلى الله عليه وسلم -، اعتنت الشريعة الإسلامية بالإنسان أياً كانت صفته، مسلماً أو كافراً، ذكراً أو أنثى، لذلك جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين جميعا، كما في قوله - سبحانه وتعالى -: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (¬1). ولا تقف حماية الدولة للفرد عند حدّ حمايته من الاعتداء على حياته وجسمه وعرضه، بل تمتد إلى حماية كرامته وعزته من الإهانة والإذلال، فلا تُذله هي ولا تسمح بإذلاله، لأن المسلم يجب أن يكون عزيزاً لقول الله - سبحانه وتعالى -: {ولِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (¬2) ولا خير في الذليل المهين، ولن يصلح لحمل رسالة الإسلام إلا الحرّ العزيز، ومن ثم فإن الدولة الإسلامية تُربّى في المسلم معاني العزة، كما أراد الله، فعمر بن الخطاب كان يؤدّب ولاته، ويأمرهم بالحضور في موسم الحج، فإذا اجتمعوا خطب في الناس وقال لهم:" ... ألا إني والله ما أُرسل إليكم عمّالي إليكم ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أُرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسننكم، فمن فُعل به غير ذلك فليرفعه إليّ، فو الذي نفسي بيده إذاً لأُقصّنّه منه، فوثب عمرو بن العاص - رضي الله عنهم - (¬3) فقال: يا أمير المؤمنين إن كان رجل من المسلمين على رعيّةٍ فأدّب رعيته أئنك لمقتصه منه؟ قال: إي والذي نفس عمر بيده، إذن لأُقصّنّه منه، وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقصّ من نفسه، ألا لا تضربوا المسلمين فتُذلوهم، ولاتمنعوهم حقوقهم فتُكفّروهم، ولا تنزلوهم الغياض (¬4) فتضيعوهم" (¬5). ومعنى هذا أن الراعي إذا أدّب أحداً من رعيته- ولو بالضرب المشروع- فلا قصاص فيه بالإجماع، إذ هو واجب، أو مستحب، أو جائز (¬6)،ولقد أعزّ الله - سبحانه وتعالى - العامل ورعاه، وكرّمه وأعلى درجته، ¬

(¬1) سورة الأنبياء، آية رقم 107. (¬2) سورة المنافقون، آية رقم 8. (¬3) أسلم قبل الفتح، وذلك في صفر سنة 8هـ، كان يقول: أذكر الليلة التي ولد فيها عمر بن الخطاب، ولي إمرة مصر زمن عمر - رضي الله عنهم - وهو الذي فتحها، لحق معاوية في فتنته مع علي، كان شديد الحياء من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مات سنة 43هـ على الصحيح من كلام أهل التراجم. ابن حجر الإصابة في تمييز الصحابة، ج3، ص4. (¬4) الغياض: جمع غيضة، وهي الشجر الملتف، لنهم إذا نزلوها تفرقوا فيها فتمكّن منهم العدو، ابن منظور، لسان العرب، باب الغين، ج7،ص 202 .. (¬5) رواه أحمد في مسنده، ج1، ص286، برقم (286) وحكم عليه محقق المسند شعيب الأرنؤوط بأن إسناده حسن. (¬6) ابن تيمية، أحمد، السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة، ص132، ط1، 1983م، دار الآفاق الجديدة، بيروت، لبنان.

وقرر حقوقه التي كانت مُنتهكة منذ خلق البشرية، فأرسى للعمل قواعده، وبيّن للعامل حقوقه، وأسند لصاحب العمل واجباته، كلُّ ذلك باعتبار الناس جميعاً مواطنين في المجتمع، والقصد من ذلك تحقيق العدالة الاجتماعية، بالإضافة للحياة الكريمة. من هنا دعا الإسلام أصحاب العمل إلى معاملة العمّال معاملة إنسانية كريمة، ودعا كذلك إلى الشفقة عليهم والرأفة بهم، فلا طغيان ولا تجبر في العلاقة التشغيلية بين أطراف العمل، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، حيث كان يأكل مع كلّ طبقات المجتمع، والعمّال طبقة منهم -ولا شك- فقال - صلى الله عليه وسلم -:" من لاءمكم (وافقكم) (¬1) من خدمكم فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ومن لم يلاءمكم منهم فبيعوا ولا تعذّبوا خلق الله" (¬2) وهذا غاية التعامل اللطيف الإنساني من النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الخدم، الذين هم بمقام العمّال، ويقول - صلى الله عليه وسلم -:" إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يُجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين، أو أكلة أو أكلتين، فإنه وليَ حرَّه (عند الطبخ) وعلاجه (عند تحصيل آلاته) " (¬3)، وقبل وضع القدر على النار، ويؤخذ من هذا أن في معنى الطباخ حامل الطعام، لوجود المعنى فيه وهو تعلّق نفسه به، بل يؤخذ منه الاستحباب في مطلق خدم المرء ممن يعاني ذلك (¬4)، ولا شك أن سوء معاملة العمّال يعود بالضرر المباشر على صاحب العمل، لقول الله - سبحانه وتعالى -: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (¬5). ومن خلال ما سبق من النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة يتبين لنا جُملة من الحقوق الإنسانية المترتبة على صاحب العمل منها: 1. أن يُعامل العامل معاملة حسنة، ويحلم عليه إذا بدر منه أية أخطاء، انطلاقاً من قول الله - سبحانه وتعالى -: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (¬6). ¬

(¬1) الفيروزآبادي، القاموس المحيط، ص1156. (¬2) ابن حنبل، أحمد، المسند، شرحه ووضع فهارسه أحمد محمد شاكر، ج16، ص 6، برقم (21407)، ط1، 1995م، دار الحديث، القاهرة، مصر. ورواه أبو داود في سننه، ص 933، برقم (5161) وقال عنه صحيح. (¬3) رواه البخاري في صحيحه، ص 1401، كتاب الأطعمة، باب الأكل مع الخادم، برقم (5460) .. (¬4) ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج 9، ص 582،كتاب الأطعمة، باب الأكل مع الخادم5144 (¬5) سورة آل عمران، آية رقم 158. (¬6) سورة آل عمران، آية رقم 134.

2. أن يتواضع معه، فلا يتكبّر عليه؛ لأن ذلك يُشعرهم بالطمأنينة، وعدم الحرج من العسر والمشقة والفقر، كما أن التكبّر عليهم يُشعرهم بالذّل والاحتقار، وأن لا قيمة لهم في المجتمع، مما يُسبب لهم الكآبة في المعيشة، وفي الكلمات المستعملة في مخاطبة العمّال قال - صلى الله عليه وسلم -: " لا يقل أحدكم عبدي وأمتي بل ليقل فتاي وفتاتي " (¬1) هذا وإن كان لفظ الحديث يختصّ بالعبيد إلا أنه يُستفاد منه حُسن اختيار الكلمات مع العمّال، وقد ذمّ الله - سبحانه وتعالى - المتكبرين من الناس، ومدح التواضع والمتواضعين، ووعدهم بحُسن الجزاء، فقال: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (¬2). 3.على صاحب العمل أن يهتم بأخلاق العمّال، لما في ذلك من مصلحةٍ راجعةٍ على العمل وقدرة الإنتاج، ولم ينصّ قانون العمل الفلسطيني على ضرورة معاملة العامل معاملة كريمة تليق بإنسانيته، وإنما جعل تحقير العامل سبباً من أسباب ترك العامل لعمله بعد إشعار صاحب العمل بذلك، حيث نصّت المادة رقم (42) من القانون على أنه يجوز للعامل ترك العمل بعد إشعار صاحب العمل في حالات خمس منها" اعتداء صاحب العمل أو من يمثله على العامل أثناء العمل أو بسببه بالضرب أو التحقير" (¬3)، ومما يؤخذ على هذا النصّ مايلي: 1. حبّذا لو سُبق هذا النص بنصٍّ يمنع صاحب العمل من إهانة العامل ابتداءً، أو يُلزم صاحب العمل باحترام العامل. 2. أن ينصّ القانون على أن الإهانة المعتبرة هي أثناء فترة العمل، أو تكون بسببه، وهنا قد يثور التساؤل الآتي: ماذا عن إهانة العامل خارج أوقات الدوام الرسمي؟ أو كانت الإهانة بغير سبب العمل؟. 3. هل يبقى العامل منتظراً حتى تصدر الإهانة الجارحة بحقه، ثم يترك العمل؟ أم أن الخشونة في التعامل بذاتها هي إهانة؟. 4. لا يوجد معيار محدد في القانون لبيان الإهانة التي يستطيع العامل ترك العمل، مع احتفاظه بحقوقه، ويرجع ذلك للقاضي عند التقاضي، ومما يُذكر لقانون العمل السعودي - دون غيره حسب علمي- أنه أشار في المادة رقم (61) " يُمنع صاحب العمل عن تشغيل العامل سُخرة، وأن لا ¬

(¬1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب العتق، باب كراهية التطاول على الرقيق، ص611، برقم (2552)،ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الألفاظ من الأدب، باب حكم إطلاق لفظة العبد والأمة والمولى والسيّد، ص962، برقم (2249) (¬2) سورة الشعراء، آية رقم 215. (¬3) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص 22.

يحتجز دون سند قضائي أجر العامل أو جزء منه، وأن لا يعامل عماله بالاحترام اللائق، وان يمتنع عن كل قول أو فعل يمس كرامتهم ودينهم". (¬1) كما يجب التنبيه إلى أن هناك من مظاهر الرحمة ينبغي على صاحب العمل مراعاتها وعي على النحو الآتي: 1. مشاركة العامل في أفراحه وأتراحه، لما في ذلك من تقوية لأواصر المحبة والإخاء. 2. مراعاة حالة العامل الصحية عند المرض وحتى بعد عودة العامل من الإجازة المرضية, 3. عدم استغلال حاجة العامل للعمل وتعمد تشغيله بأجر أقل مما يستحقه. ¬

(¬1) موقع وزارة العمل السعودية، http://www.mol.gov.sa/ar/Documents/p33-48.pdf

المطلب الثالث حق العامل في رفع الروح المعنوية وتحفيزه

المطلب الثالث حق العامل في رفع الروح المعنوية وتحفيزه لا شك أن قدرة أي مؤسسة أو جهة تشغيلية تعتمد بالدرجة الأولى على الأفراد العاملين فيها، فقد أظهرت الدراسات أن الواقع الذي يزيد من قوة الأفراد في عملهم أثناء العمل يعتمد اعتماداً كبيراً على العلاقات الإنسانية السائدة بينهم، وذلك مهما تغيّرت ظروفهم المادية، مع أن الروح المعنوية للعمّال من أهم الوظائف التي يقوم بها صاحب العمل. (¬1) ونعني بالروح المعنوية: الحالة العقلية للفرد في وقت معين وتحت تأثير ظروف معينة، والروح المعنوية للفريق "قدرة الفريق على التكاتف بإصرار ومثابرة وثبات، من أجل هدف منشود" (¬2)، بمعنى أن الروح المعنوية يُمكن أن تكون مسألة فردية تعبّر عن مشاعر العامل تجاه عمله، ودرجة الرضا عن هذا العمل، كما يُمكن أن تركّز على درجة الشعور بالانتماء والارتباط مع الجماعة، إلى درجة أن يصل العامل إلى تقديم مصلحة الجماعة على مصلحته الشخصية، وبالروح المعنوية يُعبّر العامل عن مدى استجابته لمتطلبات عمله، ومن أهم مظاهر الروح المعنوية مايلي: 1. توسط إنتاج العامل لفترة زمنية معيّنة، فإذا ما ثبت الإنتاج بنفس المعطيات المتوفرة والفرص المتاحة لفترة زمنية محصورة، فهذا يدلّ على أن روح العمّال المعنوية للعمّال عالية، وبالتالي انخفاض الإنتاج يعني انخفاضها. 2. تُعتبر كثرة الشكاوى والتظلمات من المؤشرات على وجود قلق نفسي لدى العمّال، وهي تنبئ عن روح العمّال المعنوية، وهو ما يتطلب من الإدارة أو من ينوب عنها البحث عن الأسباب ومن ثَم علاجها. 3. التأخّر عن العمل هو مظهر من مظاهر الروح المعنوية، لأن العامل قد لا يُقدم نحو ترك العمل لظروف قاسية تُحيط به، وإنما يلجأ إلى الغياب أو التأخر عن العمل، فيجعل التأخر بديلاً عن الغياب، والغياب الجزئي بديلاً عن الانقطاع عن العمل، وهو من الأمور التي تؤثر سلباً على الإنتاج، ولرفع الروح المعنوية لدى العمّال يُمكن اتباع مايلي: 1. تعزيز ثقة العمّال أو أعضاء الفريق الواحد بالهدف الذي من أجله قامت المنشأة. 2. تقوية ثقة العمّال بقيادتهم. ¬

(¬1) الطائي وآخرون، إدارة الموارد البشرية، ص 472. (¬2) موقع عالم التطوع العربي على الانترنت، http://www.arabvolunteering.org/corner

3. تطوير الروابط الاجتماعية بين العمّال أنفسهم. 4. توفير المشرف المناسب والمقبول لدى العمّال. 5. الأمن النفسي للعمّال. 6. الاستقلالية في العمل، ما يعني التفويض المناسب في اتخاذ القرارات التي لا تتعارض مع أهداف المؤسسة، وهو ما يدفع العمّال للابتكار والثقة بالذات، وحتى يتمكن العامل من القيام بالعمل المنوط به على أكمل وجه وبروح معنوية عالية، ينبغي أن يكون قادراً على أدائه، ثم يكون عارفاً بدقائقه، يُضاف إلى ذلك رغبة العامل بهذا العمل، فإذا أتم العامل عمله على الوجه المتفق عليه، ترتب على صاحب العمل إعطاؤه أجره، ثم تحفيزه ضمن الإمكانات المتوفرة لديه، ونعني بالتحفيز هنا: رفع همة العامل وتنمية رغبته في رفع مستوى الجهد الذي يقوم به، وهذا يتطلب أن يكون صاحب العمل لديه المعرفة بقدرات العمّال ومراعاة الفروق الفردية لديهم، ثم يستخدم الطريقة التحفيزية المناسبة لكل عامل، وتتنوع أساليب التحفيز وتشجيع العمال من مؤسسة إلى أخرى، حسب أهداف كل مؤسسة، وإمكانياتها، ويُمكن تقسيم الحوافز إلى مايلي: القسم الأول: حوافز مادية، وتشمل الأموال والهدايا المادية، كالسكن والسيارة. القسم الثاني: الحوافز المعنوية، كالتطوير الوظيفي، والترقيات، ومن المعاصرين من جعل أساليب التحفيز أربعة هي: الأول: التعزيز الإيجابي، وهو ما ينجُم عنه زيادة في تكرار استجابات العمّال المرغوب فيها. الثاني: التعزيز السلبي أو التجنب، وهو عبارة عن شيء مثير إذا توقف تقديمه للعامل ينجم عن ذلك تكرار الأفعال المرغوب فيها، كالعامل الذي يحضر إلى العمل متأخراً باستمرار، فيلقى اللوم من صاحب العمل، أو المشرف على المنشأة، فيبدأ بالحضور في موعد العمل من أجل أن يوقف لوم صاحب العمل، ولكي يُبعد نفسه عن الانتقاد، بمعنى آخر فإن استجابة الموظف لتعليمات صاحب العمل تزداد عند استبعاد الأشياء غير المحببة لنفس العامل. الثالث: الإخماد أو الإطفاء، ويعني عدم التدخل من صاحب العمل، بهدف إزالة سلوك غير مرغوب فيه، فاستجابة العمال يجب بتعزيزها من أجل تكرارها وإلا أخذت بالتضاؤل والخمود. الرابع: العقاب بأنواعه المادية والمعنوية، وينتج عنه إنهاء السلوك المعيب، فالموظف الذي يترك عمله قبل الوقت المحدد يُعاقبه مسؤوله من أجل تغيير السلوك المرفوض (¬1). ¬

(¬1) العميان، محمود سلمان، السلوك التنظيمي في منظمات الأعمال، ص154، ط4، 2008م، دار وائل، عمّان، الأردن، بتصرف.

المبحث الثاني: حق العمال في تأدية العبادات

المبحث الثاني: حق العمّال في تأدية العبادات، ويشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: حق العامل في تأدية فريضة الحج. المطلب الثاني: حق العامل في تأدية الصلوات المفروضة. المطلب الثالث: حق العامل في تأدية صلاة الجمعة. المطلب الرابع: حق العامل في تأدية النوافل والسنن الراتبة.

المطلب الأول حق العامل في تأدية فريضة الحج

المطلب الأول حق العامل في تأدية فريضة الحج يعتبر الحج ركناً من أركان الإسلام التي ورد ذكرها في قول الرسول:" - صلى الله عليه وسلم - بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحجّ، وصوم رمضان " (¬1) وموضع الاستدلال من هذا الحديث أن تكليف المسلم بالحج تكون بعد توفر شروط الاستطاعة، والتي هي استطاعة مادية، بأن يتوفر لديه ما يدفعه من تكاليف الحج، وأن يترك من يُعيل من أسرته أغنياء لا يحتاجون مساعدة، ثم الاستطاعة التي تُمكنه من السفر والوصول إلى مكة المكرمة بأمان، إذ بات من الواضح وجود كثير من الفئات في الدول الإسلامية (وخصوصاً فئة الشباب) لا تستطيع السفر خارج دولها، نظراً لوجود الترتيبات السياسية والعسكرية بين الدول، وأهل فلسطين لهم خصوصية في هذا الجانب، وذلك لوجود الاحتلال الإسرائيلي وتحكّمه في خروج أهلها منها. جاء الإسلام ليبيح له الانقطاع عن العمل - بإذن صاحب العمل - ويسافر لأداء الحج، ولم أقف- بعد طول بحث- على تعامل المسلمين في العصور السابقة مع عمّالهم الذين يريدون الحج، ولكن مما يغلب على ظني أن الأجواء الدينية التي كانت سائدة عملت على تسهيل الطريق لمن يريد الحج، لأنه من الطاعات التي يحرص المسلم عليها، كونها مرة واحدة في العمر. ولما استقرت التراتيب الإدارية للدول، ووضعت قوانين العمل التي تُنظم العلاقة بين العامل وصاحب العمل، أعطت هذه القوانين الحق في أداء فريضة الحج- للعامل الذي لم يسبق له الحج- مع تفاوت بين قوانين العمل في مدة هذه الإجازة التي ينقطع العامل عن عمله مع استحقاقه للأجرة، فقانون العمل المصري أعطى العامل مدة شهر للتفرغ لهذه العبادة، واشترط لاستحقاق هذا الحق أن يكون العامل قد أمضى في عمله ثلاث سنوات لدى صاحب العمل (¬2)، أما قانون العمل السعودي فقد أبقى مدة هذا الحق غير منضبطة، فجعل أقلها عشرة أيام، وأن لا يتجاوز خمسة عشرة يوماً بما في ذلك إجازة عيد الأضحى المبارك، مع اشتراطه أن يكون العامل قد أمضى سنتين متواصلتين في المنشأة (¬3)، وبالنسبة لقانون العمل الأردني فقد أعطى العامل حق الانقطاع عن العمل لأجل الحج مدة أربعة عشرة يوماً، مع اشتراطه مضي خمس سنوات متواصلة في المنشأة. (¬4) ¬

(¬1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب دعاؤكم إيمانكم، ص 22،برقم (8) واللفظ له. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أركان الإسلام ودعائمه العظام، ص28، برقم (20). (¬2) موقع وزارة القوى العاملة والهجرة المصرية http://www.manpower.gov.eg/default. (¬3) موقع وزارة العمل السعودية على شبكة الانترنت http://www.mol.gov.sa/SecureSSL (¬4) موقع وزارة العمل الأردنية على شبكة الانترنت http://www.mol.gov.jo/Default.aspx

وقد وافق قانون العمل الفلسطيني نظيره الأردني، فنصّ في المادة رقم (77) على أنه" يستحق العامل الذي أمضى خمس سنوات في المنشأة إجازة مدفوعة الأجر لا تقل عن أسبوعين لأداء فريضة الحج تُمنح لمرة واحدة" (¬1)، ما يعني أن المشرّع الفلسطيني اعتبر هذه الإجازة واجبة على صاحب العمل وليس جوازية كما فعل المشرّع المصري، وهذه تُحتسب للمشرّع الفلسطيني، ومما يُلاحظ على هذا النص مايلي: 1. أنه لم يقيّد السنوات الخمس بالتواصل أو عدمه، مما يعني أن العامل الذي عمل لمرات عديدة ومتقطّعة في نفس المنشأة له الحق في هذه الإجازة، ولو مضى على عمله الأخير أسبوع أو أقل، وذلك إذا كان مجموع ما عمل خمس سنوات، ولا يستحق هذا الحق من أمضى أربع سنوات ونصف متواصلة في عمله، وينبغي توضيح هذه المادة لتصبح واضحة لا تخضع لاجتهاد وتقدير صاحب العمل. 2. خالف قانون العمل الفلسطيني نظيره الأردني، فذكر الأخير أن مدة الإجازة مضبوطة بأربعة عشر يوماً، أما قانون العمل الفلسطيني فقد حدد لها الحدّ الأدنى ولم يتطرق إلى الحدّ الأعلى، بمعنى أن يتحكم مدير المؤسسة بحدّها الأعلى، ومما يُخشى فيه من دخول العلاقات الشخصية أو أية اعتبارات أخرى، ثم يستدرك قانون الخدمة المدنية الصادر سنة 1998م ذلك الأمر، فنصّ في المادة رقم (89) أن:" للموظف الحق لمرة واحدة طوال مدة خدمته في إجازة لأداء فريضة الحج براتب كامل لمدة ثلاثين يوماً" (¬2)، ومن خلال استعراض النصوص القانونية حول هذا الحق يرى الباحث مايلي: 1. هناك تفاوت في مدة العمل المشروطة لاستحقاق العامل لهذا الحق، وفي القانون الفلسطيني يشترط مضي خمس سنوات على التحاق العامل بالعمل، وبمفهوم المخالفة (¬3) فإن العامل الذي لم يُمض مدة الخمس سنوات لدى صاحب العمل لا يحق له طلب الإجازة، وإن طلبها فإن صاحب العمل غير ملزم بها، وأرى- والله تعالى أعلم- أن في ذلك من الظلم والتعسف مع العامل نظراً للواقع الفلسطيني، ذلك أن السياسة المتبعة لدى وزارة الأوقاف هي القرعة للراغبين في الحج، فإذا كان نصيبه في القرعة وحصل على هذه الفرصة بعد أن أخذ بالأسباب وفي المقابل لم يكن قد أمضى خمس سنوات في ¬

(¬1) وزار العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص 33. (¬2) الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، قانون الخدمة المدنية، ص91. (¬3) مفهوم المخالفة هو دلالة اللفظ على ثبوت حكم للمسكوت عنه مخالف لما دلّ عليه المنطوق، الصالح، محمد أديب، تفسير النصوص، ج6، ص609،ط3، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان.

عمله، ما يعنى استنكافه لدى وزارة الأوقاف عن الحج، وهو ما يقلل فرصته مرة ثانية وهو عين التعسف. 2. يُمنح هذا الحق لمرة واحدة طوال مدة عمله لدى صاحب العمل، على أنه لا يوجد ما يمنع العامل إن رغب في الحج مرة ثانية، على أن تُحتسب هذه المدة من إجازته السنوية، ولا ينبغي لصاحب العمل منعه من ذلك. 3. الجهد البدني الذي يبذله العامل أثناء أدائه لشعائر الحج يحتاج إلى مدة إجازة أطول، لأن المدة الأطول تمنحه فرصة كافية للراحة، واستعادة النشاط، وهذا يعني تأييد الباحث منح العامل مدة أطول من تلك المنصوص عليها، وحبذا لو كانت شهراً كالقانون المصري.

المطلب الثاني حق العامل في تأدية الصلوات المفروضة

المطلب الثاني حق العامل في تأدية الصلوات المفروضة إقامة الصلاة المفروضة على العبد واجبة لا تهاون فيها، فالصلاة صلة بين العبد وربه - سبحانه وتعالى -، ومناجاة لخالقه - سبحانه وتعالى -، وهي الزاد الروحي الذي يُطفيء لهيب النفوس المتعطشة إلى نوره، فتنير القلوب، وتشرح الصدور، وتزيل الهموم، وللصلاة مكانة عظيمة في ديننا؛ إذ هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وأول ما يُحاسب عنه العبد يوم القيامة، وقد فرضها الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - في أعلى مكان وصل إليه بشر (السماء السابعة)، وفي أشرف الليالي (ليلة الإسراء والمعراج)، فكانت واجبة على المسلم في كل حالاته، في السلم والحرب، والصحة والمرض، ولا تسقط عنه أبداً إلا بزوال العقل. فإذا تقرر هذا فإن العامل ينبغي له تأدية الصلوات المفروضة في مكان العمل، وأثناء الدوام الرسمي وبكامل الأجرة، وذلك حتى لا تفوته الفريضة، وحتى لو عارضه صاحب العمل، فله الحق في عصيان أوامر صاحب العمل، لأنه من المقرر أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وجاء في بعض كتب الشافعية:" ولو اكتراه لعمل مدة مثلاً فزمن الطهارة والصلوات فرائضها وسننها الراتبة مستثنى منها ولا تنتقص من الأُجرة شيئاً، وكذا سبت اليهود والأحد للنصارى إن اعتيد ذلك" (¬1)،وقد نص الحنابلة في كتبهم عند الحديث عن الأجير الخاص فقالوا:" ... وله فعل الصلاة في وقتها بسننها والعيد" (¬2)، ولهم رواية أخرى مخالفة لهذه المذكورة وقد ذكرها صاحب الإنصاف عند حديثه عن الدليل الذي يقود البعير بالمستأجر، وقد ذكر أن الرواية الأولى هي الأصح في المذهب الحنبلي. (¬3) وقد اختلف الفقهاء المعاصرون في تحديد الوقت الكافي الذي يُعطى للعامل لتأدية الصلوات المفروضة في وقت العمل، فقد أفتى الدكتور يوسف القرضاوي (¬4) - بعدما أثنى على دوائر العمل التي تتيح للعمال ¬

(¬1) البرماوي على شرح الغاية، ص180. (¬2) ابن مفلح، الفروع، ج4، ص336. (¬3) المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ج6، ص56. (¬4) ولد الدكتور يوسف القرضاوي في قرية صفت تراب، مركز المحلة الكبرى، وكان مولده في 9/ 9/1926م، وأتم حفظ القرآن الكريم، وأتقن أحكام تجويده، وهو دون العاشرة من عمره، ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وفي سنة 1960م حصل على الدراسة التمهيدية العليا المعادلة للماجستير في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين، وفي سنة 1973م حصل على (الدكتوراة) بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من نفس الكلية، عن: "الزكاة وأثرها في حل المشاكل الاجتماعية". http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?.

فرصة أداء الصلاة- بتقليل المدة التي تستغرقها الصلاة، ونصح الموظفين أن يذهبوا إلى العمل متوضئين، فإن تعذر عليهم هذا فليلبسوا جواربهم على وضوء؛ لأن هذا يقلل الوقت المستغرق للوضوء، كل هذا حتى لا تستغرق الصلاة أكثر من عشر دقائق، واعتبر التطويل والتمطيط في الوضوء وإقامة الصلاة وإقامة السنن ليس مطلوباً في ساحة العمل، الذي تُحسب فيه كل دقيقة، لا سيما الأعمال غير الحكومية (¬1)، وإن كان الباحث يميل إلى أن الدكتور القرضاوي اعتبر ذلك أقرب إلى نصيحة العمّال منه للفتوى. أما الشيخ عبد الله بن جبرين (¬2) - رحمه الله تعالى - فقد اعترض على فتوى الدكتور القرضاوي متهماً إياه بالخطأ فيها؛ لأن الصلاة مقدمة على الأعمال والوظائف، ومن شرط أصحاب العمل أن يسمحوا بأداء الصلاة بقدر نصف ساعة، وذلك لا يُخلُّ بالعمل، لأن المسلم قد يكون محتاجاً للطهارة قبل الصلاة، يُضاف إلى ذلك أداء ركعتين سنة قبلية ومثلها سنة بعدية، وقد استدلّ الشيخ ابن جبرين - رحمه الله- على ذلك بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بلال بن رباح (¬3) - رضي الله عنهم - بأن يجعل بين أذانه وإقامته قدر ما يفرغ الآكل من أكله، وقاضي الحاجة من حاجته (¬4)،ويُضيف الشيخ أن صاحب العمل بإمكانه زيادة مدة العمل، وبإمكانه أيضاً معاتبة من يتهرب من مكان العمل بحجة أداء الصلاة، ويتحصّل من خروجه تعطيل مصالح العباد (¬5). وخروجاً من الخلاف يرى الباحث أن الدكتور يوسف القرضاوي نظر إلى ضرورة أداء الواجبات والفرائض، على اعتبار أن أداء العمل بإتقان واجب من الواجبات، ويُمكن للعامل الذِّكر ¬

(¬1) http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item (¬2) عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين من آل رشيد، ولد سنة 1352هـ في إحدى قرى القويعية،، وحيث لم يكن هناك مدارس مستمرة تأخر في إكمال الدراسة، ولكنه أتقن القرآن وسنه اثنا عشر عاماً، وتعلم الكتابة وقواعد الإملاء، له من المؤلفات بحثه المقدم لنيل درجة الماجستير (أخبار الآحاد في الحديث النبوي)،وله (تحقيق شرح الزركشي على مختصر الخرقي) ونال به درجة الدكتوراة، توفي يوم الاثنين 20/ 7/1430 هـ الموافق 13/ 7/2009م. http://ibn-jebreen.com/index.php موقع الشيخ على الانترنت. (¬3) مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخازنه على بيت المال، أحد السابقين الأولين إلى الإسلام، شهد المشاهد كلها مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكان آخر أذانٍ له يوم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، توفي في دمشق سنة 20 هـ، ودُفن عند الباب الصغير في مقبرة دمشق، وهو ابن بضع وستين سنة، العك، خالد عبد الرحمن، موسوعة عظماء حول الرسول،،ج 1،ص 531،ط1 1991، دار النفائس، بيروت، لبنان. (¬4) الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ج1، ص151. (¬5) http://www..ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=137406

والاستغفار أثناء العمل، أما الشيخ ابن جبرين- رحمه الله - فيرى ضرورة أداء العبادات تامّة بفرائضها ونوافلها، ويتبعها الاستغفار بعدها، وهذا قد يكلّف صاحب العمل الكثير، ومعلوم أنه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، هذا على اعتبار التزام جميع العمّال بالنصف ساعة التي يُطالب بها الشيخ ابن جبرين -رحمه الله-، كما يُمكن لصاحب العمل تقسيم وقت الراحة- الذي هو حق للعامل- حسب الصلوات التي يُصليها العامل في مكان العمل، بمعنى أن العامل إذا كان يعمل عملاً ويمكث فيه وقتاً يستغرق صلاة الظهر والعصر، فإن صاحب العمل يقسم وقت الراحة - ساعة مثلاً- إلى نصفين، النصف الأول وهو نصف ساعة يتمتع به العامل وقت صلاة الظهر، بحيث يصلي صلاة الظهر ويأخذ قسطاً من الراحة، ثم النصف الثاني يتمتع به العامل عند صلاة العصر يفعل ما فعله عند صلاة الظهر. وهذا الذي سبق يتعلق بالصلوات المفروضة، وعلى اعتبار صلاة الجماعة من أفضل الفضائل التي حثّ الإسلام عليها في قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:"صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه خمساً وعشرين درجة، وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة، فلم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحطّ عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلّون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تُب عليه، ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث فيه" (¬1)، وإذا كان المسجد قريباً لمكان العمل فالأولى أن تتم الصلاة في المسجد، مالم يتضرر صاحب العمل، وإذا كان المسجد بعيداً فالصلاة في مقرّ العمل هو الواجب، لأن هذا هو المستطاع، والله - سبحانه وتعالى - يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬2)، ولم يتطرق قانون العمل الفلسطيني للحديث عن وقت الصلاة، بل أبقى ذلك لتقدير صاحب العمل، ويُمكن أن تؤدى الصلوات المفروضة بكل سهولة ويُسر، حيث يُنظم صاحب العمل طريقة مناسبة لطبيعة عمله، بحيث يقسم العمّال إلى قسمين، قسمٌ يُدير العمل، والقسم الآخر يُصلي، ثم يتناوب الفريقان على الصلاة والعمل، وهذا يختلف باختلاف طبيعة العمل الذي يقوم به العامل، فالعامل الذي يقوم بأعمال مكتبية، فهؤلاء يغلب على أعمالهم السهولة وتوفر أوقات الفراغ، وهذا النوع ينبغي عليهم الصلاة في وقتها، أما العمّال الذين تتطلب طبيعة أعمالهم المراقبة المستمرة للآلات، ينبغي على صاحب العمل تقسيم العمّال إلى قسمين، قسم يؤدي الصلاة، والقسم الآخر ينوب عنهم ويستقبل المراجعين، وبهذا لا تؤدي الصلاة إلى تعطيل العمل. ¬

(¬1) رواه البخاري في صحيحه، ص 503، كتاب البيوع، باب ما ذُكر في الأسواق، برقم (2119). ورواه مسلم في صحيحه، ص 258، كتاب المساجد، باب فضل صلاة الجماعة، برقم (649). (¬2) سورة التغابن، آية رقم 16 ..

المطلب الثالث حق العامل في تأدية صلاة الجمعة

المطلب الثالث حق العامل في تأدية صلاة الجمعة العمل يوم الجمعة من المباحات التي جاءت به عموم الأدلة من القرآن والسنة التي تُبيح العمل في كل الأوقات، أما العمل وقت النداء لصلاة الجمعة فقد جاء النهي عنه في قول الله - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬1) وموضع الاستدلال أن الأمر بترك العمل والبيع وقت صلاة الجمعة، وفعل ذروا يُفيد الترك، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:" لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين" (¬2) وهنا يمكن أن يُثار التساؤل الآتي: هل يحق للعامل الذي اتفق مع صاحب العمل على العمل يوم الجمعة أن يذهب إلى المسجد، ليستمع خطبة الجمعة ثم يشهد الصلاة ويعود بعد ذلك إلى مكان عمله؟ وهذا التساؤل يخصّ الحرّاس في المنشآت وموظفي محطات الاتصالات والأطباء المناوبين في المشافي والمستوصفات الطبية، فإذا كان هؤلاء العمّال خارج البلد الذي تُقام فيه الجمعة، وهم بعيدون عن المسجد، فهؤلاء لا تلزمهم الجمعة، ويصلونها ظهراً، وإن كان من الأولى أن يتكفل صاحب العمل بأن يوصلهم للمسجد إن كان ذلك ممكناً؛ لأن في ذلك خيرٌ له ولهم. ولكن إذا كان تركهم للعمل وقت صلاة الجمعة يترتب عليه الإضرار بالعمل أو صاحبه، كاحتمال أن تتعطّل الآلات، أو حدوث حرائق، ووجد في المصنع أو المنشأة جماعة من العمّال فإنهم يصلونها جماعة في مكان العمل، وقد سئلت اللجنة الدائمة ... عن موظفي الهاتف الذين يستمر عملهم يوم الجمعة وقت الصلاة، وإذا تركوا العمل توقفت الاتصالات اللاسلكية والهاتفية، فأجابت:" ... ولكن إذا وجد عذر شرعي لدى من تجب عليه الجمعة كأن يكون مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن عمل يتصل بأمن الأمة، وحفظ مصالحها، يتطلب قيامه عليه وقت صلاة جمعة كحال رجال الأمن والمرور والمخابرات اللاسلكية والهاتفية ونحوهم، الذين عليهم النوبة وقت النداء الأخير لصلاة جمعة أو إقامة الصلاة جماعة، فإنه وأمثاله يعذر بذلك في ترك الجمعة والجماعة لعموم قول الله - سبحانه وتعالى -: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬3)، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على ¬

(¬1) سورة الجمعة، آية رقم 9. (¬2) رواه مسلم في صحيحه، ص334، كتاب الجمعة، باب التغليظ في ترك الجمعة، برقم (865). (¬3) سورة التغابن، آية رقم 16.

أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" (¬1)، ولأنه ليس بأقلّ عذراً ممن يعذر بترك الجمعة والجماعة ما دام العذر قائماً غير أن ذلك لا يسقط عنه فرض الظهر، بل عليه أن يصليها في وقتها، ومتى أمكن فعلها جماعة وجب ذلك كسائر الفروض الخمسة" (¬2). وقد اختلف الفقهاء في اتخاذ يوم الجمعة إجازة على قولين: القول الأول: منهم من رأى في ذلك تشبهاً بالنصارى واليهود إذا كان على وجه التعبّد والتعظيم، كما يفعله أهل الكتابين، فكَرِه ترك الشغل يوم الجمعة، وأن يخصّ يوم الجمعة بذلك، خوفاً من التشبّه باليهود في السبت، وبالنصارى في الأحد، وممن قال بذلك الإمام مالك (¬3) رحمه الله:" وبلغني أن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يكرهون أن يترك الرجل العمل يوم الجمعة" (¬4)، وقال صاحب مواهب الجليل: " يُكره ترك العمل يوم الجمعة" (¬5)، ولكنه أجاز ترك العمل من أجل الراحة. (¬6) القول الثاني: منهم من رأى أنه يومٌ يطالب فيه المسلمون بالتهيؤ لصلاة الجمعة، وما يتطلبه ذلك من النظافة والتطيّب والتبكير إلى المساجد، فناسب ذلك ترك العمل فيه، حيث جاء في الفتاوى الفقهية الكبرى:" حِكمة ترك التعليم وغيره من الأشغال يوم الجمعة أنه يوم عيد المؤمنين كما ورد، ويوم لا يناسبه أن يُفعل فيه الأشياء" (¬7) ثم يذكر الأعمال التي تُناسب هذا اليوم من التبكير للمسجد والتنظيف بإزالة الأوساخ وجميع ما يُزال للفطرة، كحلق الرأس لمن اعتاد ذلك، ونتف الإبط، وقصّ الشارب، ¬

(¬1) رواه البخاري في صحيحه، ص 1827، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن الرسول، برقم (7288). ورواه مسلم في صحيحه، ص 541، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، برقم (1337) واللفظ له. (¬2) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ج8، ص189. http://www.alifta.net/Search (¬3) مالك بن أنس بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان، إمام دار الهجرة وأحد الأئمة الأعلام، أخذ القراءة عن نافع بن أبي نعيم وسمع من الزهري، ولد عام 95 هـ وتوفي في شهر ربيع الأول سنة 179هـ وعاش 84 سنة. ابن خلكان، شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق الدكتور إحسان عباس، ج4،ص135،دار صادر، بيروت. (¬4) مالك، المدونة، ج1،ص 389. (¬5) الحطاب، محمد بن محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، ج2، ص548، ط1، 1995ن، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. (¬6) المصدر نفسه، ج2، ص548. (¬7) الهيتمي، أحمد بن محمد بدر الدين بن محمد، في الفتاوى الفقهية الكبرى، ج3، ص235،بدون رق طبعة، دار الفكر، بيروت، لبنان.

وقصّ الأظافر، والتطيّب، بل إن من الفقهاء من ذكر صلاة الجمعة كوقت لا يستحق المستأجر منفعة الأجير فجاء في كتاب المبدع في شرح المقنع عند الحديث عن الأجير الخاص ما نصّه:" ... أي يقع عليه العقد مدة معلومة يستحق المستأجر نفعه في جميعها سوى فعل الصلوات الخمس في أوقاتها بسننها، وصلاة الجمعة والعيد ولا يستنيب" (¬1) ويرى الباحث أنه إذا وجدت مصلحة عامة للمسلمين، أو خاصة تضيع كسرقة المال أو احتراقه أو تلفه جاز التخلف عن صلاة الجمعة وصلاتها ظهراً، بخلاف أن يكون السبب زيادة الربح أو زيادة الانتاج، أو غيرها من مصالح الدنيا، فإن هذا ليس بسبب يُجيز التخلّف عن الجمعة، ويدلّ على ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاوناً بها طبع الله على قلبه" (¬2)، أما قانون العمل الفلسطيني فقد نصّ في المادة رقم (73) على أن" يوم الجمعة هو يوم الراحة الأسبوعية إلا إذا كانت مصلحة العمل تقتضي تحديد يوم آخر بصورة منظمة" (¬3)، ولكن القانون لم يوضح في أيٍ من نصوصه كيفية التصرف وقت صلاة الجمعة، وترك العامل مقيّداً برغبة صاحب العمل في سماحه له بالصلاة- خصوصاً إذا كان الثاني غير ملتزم بالصلاة-، ويرى الباحث أحقيّة العامل في الصلاة وسماع الخطبة، وفي ذلك تشجيع العمّال على العبادة والطاعة، ومن الممكن أن يتجنب صاحب العمل تعطيل العمل بتكليف من لا تجب عليه صلاة الجمعة- كالمرأة أو العامل غير المسلم- بإدارة العمل في وقت الصلاة، وننصح بأن يشترط العامل على صاحب العمل حضوره لصلاة الجمعة إذا عمل في ذلك اليوم. ¬

(¬1) ابن مفلح، إبراهيم بن محمد، المبدع في شرح المقنع، ج5، ص108،بدون رقم طبعة، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. (¬2) رواه الترمذي في سنه، كتاب الجمعة عن رسول الله، باب ما جاء في ترك الجمعة من غير عذر، ص132برقم (500) وقال عنه: حسن صحيح. (¬3) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص32.

المطلب الرابع حق العامل في تأدية النوافل والسنن الراتبة

المطلب الرابع حق العامل في تأدية النوافل والسنن الراتبة مما لا شك فيه أن حرص الإنسان على الاستزادة من النوافل من أسباب الأجر والمغفرة، وهذا أمر محمود ومندوب إليه، إلا أن هذا مشروط بأن لا يؤدي البحث عن فضيلة إلى تفويت ما هو أفضل منه، فلا يحرص المسلم على نافلة على حساب التفريط في واجب (إتقان العمل وحفظ أمانته)، ولا عجب أن نجد الفقهاء السابقين قد تحدثوا عن أداء الأجير للنوافل فقد نصّ فقهاء الحنفية على قولين في المسألة: القول الأول: ليس للأجير الخاص أن يصلي النافلة (¬1) وهو قول لبعض الحنفية. القول الثاني: أن للأجير الخاص أن يصلي النافلة، وهو المعتمد عند الحنفية، وهو الذي عليه الفتوى في المذهب، ويسقط من الأجر بقدر اشتغاله إن كان المسجد بعيدا (¬2)، وجاء في بعض كتب الشافعية:" ولو اكتراه لعمل مدة مثلاً فزمن الطهارة والصلوات فرائضها وسننها الراتبة مستثنى منها ولا تنتقص من الأُجرة شيئاً، وكذا سبت اليهود والأحد للنصارى إن اعتيد ذلك" (¬3)،وقد نص الحنابلة في كتبهم عند الحديث عن الأجير الخاص فقالوا:" ... وله فعل الصلاة في وقتها بسننها والعيد" (¬4)، ولهم رواية أخرى مخالفة لهذه المذكورة وقد ذكرها صاحب الإنصاف عند حديثه عن الدليل الذي يقود البعير بالمستأجر، وقد ذكر أن الرواية الأولى هي الأصح في المذهب الحنبلي. (¬5) ويشمل الحديث صلاة الضحى، والاستسقاء والجنازة، والتراويح في شهر رمضان، وهذه يرى الباحث أن لا تُصلّى في مكان العمل الذي لا ينبغي لعامله مغادرة مكانه، ويُرجع في ذلك لمصلحة العمل وإذن صاحبه، وقد يتحجج بعض العمّال بوجود وقت فراغ، ففي هذه الحالة ينبغي أن يكون أداء العمل مقدماً على غيره، وبعد فراغه من تكاليف العمل لا بأس إذا استغل هذا الوقت بالنوافل كالتسبيح والذكر ومطالعة المفيد من الكتب أو قراءة القرآن الكريم، بشرط ملائمة ذلك لطبيعة العمل، وأن لا يفرّط أو ينقص من أداء عمله، فإنّ ذلك لا يجوز، وبالنسبة للوظيفة التي ينبغي على الإنسان ¬

(¬1) ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار، ج 9، ص 92. (¬2) ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار، ج 9، ص 92. (¬3) البرماوي على شرح الغاية، ص180. (¬4) ابن مفلح، الفروع، ج4، ص336. (¬5) المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ج6، ص56.

أن يلتحق بها فهي تدخل ضمن العبادة، فإذا نوى العامل الإخلاص والصدق في عمله، فهذا يكون بمنزلة أرفع من أداء النوافل التي قد تُثير ضده الشكوك والاعتراضات من صاحب العمل الذي لا يريد للعامل العبادة المفروضة منها والنافلة. وقد سئل الشيخ ابن جبرين - رحمه الله - عن منع صاحب العمل عماله من أداء صلاة التراويح أو التهجد في رمضان إذا كان عملهم ليلاً فأجاب:" على صاحب العمل أن يتفق مع عماله على ساعات معيّنة يعملونها، سواء في الليل أو النهار، فهذا هو المعتاد، خصوصاً إن كان العمل شاقاً كالبناء مثلاً، ولا يجوز له أن يردّهم عن الصلاة المكتوبة وسنتها إذا تخللت هذه المدة، فإن كان العمل ليلاً فلهم التهجد بعد انتهاء المدة التي حُددت لهم، وليس له منعهم من الصلاة المكتوبة بخلاف صلاة التراويح التي يطول زمنها، فإن اشترطوا عليه أداءها مع الجماعة لزمه تمكينهم وإلا قضوها بعد انتهائهم من العمل" (¬1) والراجح - والله تعالى أعلم- أن العامل يصلي النوافل الراتبة، أما النوافل التي قد تطول كالتراويح والتهجد فتحتاج إلى اتفاق واشتراط مع صاحب العمل إذا كانت خلال فترة العمل. ¬

(¬1) الجريس، خالد بن عبد الرحمن، الفتاوى الشرعية في المسائل العصرية من فتاوى علماء البلد الحرام، ص1292، ط4، 2007م، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، السعودية.

المبحث الثالث: حق العامل في الأجرة

المبحث الثالث: حق العامل في الأجرة ويشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: تحديد الأجرة. المطلب الثاني: الاعتماد على مؤشر غلاء المعيشة في تحديد الأجرة والحكم الشرعي في ذلك. المطلب الثالث وقت دفع الأجرة وتملكها. المطلب الرابع: ضمانات الوفاء بالأجرة. المطلب الخامس: قواعد الوفاء بالأجر.

المطلب الأول تحديد الأجرة

المطلب الأول تحديد الأجرة تُعتبر الأجرة أحد أركان عقد الإجارة عند جمهور الفقهاء، والتي اعتبروا هذه الأركان ثلاثة هي على النحو الآتي: 1. العاقدان: وهما شخص المؤجر والمستأجر. 2. المعقود عليه: ويكون بالمنفعة. 3. الصيغة: وتتكون من الإيجاب والقبول. (¬1) أما فقهاء الحنفية فقد اعتبروا الصيغة هي الركن الوحيد للإجارة، لأنها تُثبت حقيقة الإجارة، وبقية الأركان التي ذكرها الجمهور اعتبرها الحنفية شروطاً لتحقيق الماهية، (¬2) ويرجع الخلاف بين الجمهور والحنفية إلى أن الجمهور يعتبرون الركن ما يتوقف عليه وجود الشيء، وإن لم يكن جزءاً من حقيقته، وبذلك يعدّونها ثلاثة (¬3)، أما الحنفية فإنهم يرون الركن ما يتوقف عليه وجود الشيء وكان داخلاً في الماهية، وماهية العقد هي الصيغة (¬4). وبما أن الأجرة هي أحد أركان عقد الإجارة - عند الجمهور- وتُعتبر عنصراً أساسياً من عناصر عقد العمل، بحيث لا يمكن أن تقوم للعقد قائمة بدونها، كما أنها تُعتبر أهم الحقوق التي يسعى العامل لأخذها في موعدها، لذلك جعلتها من أوائل الحقوق المادية التي يستحقها العامل. وقد عرّف علماء اللغة الأجرة بأنها: الجزاء على العمل (¬5). أما علماء الشريعة فيرون أن الأجرة هي: "العوض الذي يدفعه المستأجر للمؤجر في مقابلة المنفعة التي يأخذها منه" (¬6)، وقد وضح قانون العمل الفلسطيني المقصود بالأجرة بأنها:" الأجر ¬

(¬1) الدسوقي، حاشية الدسوقي، ج4، ص2. البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج2، ص351. الرملي، أحمد بن حمزة، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، ج5، ص263، الطبعة الأخيرة، 1984م، دار الفكر، بيروت، لبنان. (¬2) الزيلعي، تبيين الحقائق، ج5، ص105. (¬3) الدسوقي، حاشية الدسوقي، ج4، ص2. البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج2، ص351. (¬4) السرخسي، المبسوط، ج15، ص74. (¬5) الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ص342. (¬6) الدسوقي، حاشية الدسوقي، ج4، ص2. الشربيني، مغني المحتاج، ج2، ص12. البهوتي، كشف القناع، ج2، ص152. ابن الهمام، كمال الدين محمد بن عبد الواحد، شرح فتح القدير للعاجز الفقير، ج1، ص40، بدون رقم طبعة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

الأساسي مضافاً إليه العلاوات والبدلات" (¬1)، وللأجرة أنواع، استقيتها من مجموع مطالعات، وهي على النحو الآتي: 1. أجرة النقود: وهي الأصل في الإجارات والأعمال، لأن النقود هي أكثر ما يستفيد منه العامل لقضاء حوائجه، ولاعتبار النقود أداة التبادل التجاري، ولا يمكن أن يقوم الاقتصاد المحلي والعالمي دون استخدام العملات النقدية. 2. أجرة العروض: كأن يعمل العامل في مصنع مقابل حصوله على بعض السلع التي ينتجها هذا المصنع. 3. أجرة النفقة: كأن يستأجر صاحب منشأة رجلاً يخدمه، مقابل إطعامه وكسوته، وقد اختلف الفقهاء في هذا النوع من الأجرة على النحو الآتي: أ. ذهب بعض فقهاء الحنفية (¬2) في قول لهم، والحنابلة (¬3)، والشافعية (¬4) والمالكية (¬5) إلى القول بعدم جواز هذا العقد؛ لأن الأجرة مجهولة جهالة فاحشة تفضي إلى المنازعة. ب. ذهب فريق من فقهاء الحنفية (¬6) إلى عدم جواز ذلك إلا في الظئر (¬7) لورود النص القرآني في ذلك وهو قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا} (¬8). ¬

(¬1) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص10. (¬2) (أبو يوسف ومحمد رحمهما الله) الزيلعي، تبيين الحقائق، ج5، ص127. ابن عابدين، حاشية رد المحتار على الدر المختار، ج6، ص51. الكاساني، بدائع الصنائع، ج4، ص193. (¬3) ابن قدامة، المغني، ج6، ص68. الشيباني، عبد القادر بن عمر، ابن ضويان، إبراهيم بن محمد، المعتمد في فقه الإمام أحمد، ج1، ص513، دار الخير، بيروت، لبنان. (¬4) الرافعي، الشرح الكبير، ج6، ص84.الشيرازي، المهذب في فقه الإمام الشافعي، ج2، ص 406. (¬5) الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج4، ص8. الصاوي، أحمد بن محمد، بلغة السالك إلى مذهب الإمام مالك، ج2، ص 270، الطبعة الأخيرة، 1952م، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر. (¬6) أبو حنيفة رحمه الله، الزيلعي، تبيين الحقائق، ج5، ص127.السرخسي، المبسوط، ج15،ص 119. (¬7) هي المرأة المرضعة لغير ولدها، الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ص432. (¬8) سورة البقرة، آية رقم 233.

ت. وذهب بعض فقهاء الحنابلة إلى القول بالجواز المطلق (¬1)،حيث رُوي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:" إن موسى آجر نفسه ثمان سنين أو عشر سنين على عفة فرجه وطعام بطنه" (¬2) ومما يظهر لنا أن الحنابلة كان لهم ثلاثة أقوال في المسألة، وقد ذكر صاحب المغني أن إجماع الصحابة على هذا الأمر هو أحد أدلتهم على قولهم بالجواز المطلق. (¬3) والراجح- والله تعالى أعلم- هو الجواز، حيث جاء في المغني:" وكأن الكسوة عرفاً وهي كسوة الزوجات، وللإطعام عرفاً، وهو الإطعام في الكفارات فجاز إطلاقه" (¬4) وقد تعارف الناس اليوم على أن يُقدّم المستأجر وجبات غذائية للأجير كالتي تُقدّم لأمثاله وتكفيه، أما الكسوة فقد تقدّم قول صاحب المغني بأنها للمرضعات، ويُمكن أن يُقاس عليها تلك العاملات في البيوت، وبالنسبة لكسوة الرجال من العاملين فيرى الباحث أن هذا راجع لعرف أهل المهنة، ويختلف ذلك باختلاف طبيعة العمل الذي يقوم به الأجير، فهناك من الأعمال التي تتسبب في تقطيع الملابس، ويمكن تقدير ذلك بكسوتين، واحدة في للصيف وأخرى في الشتاء. 4. الأجرة بالمنفعة: و هذا كأن يتفق رجلان على أن يُصلح أحدهما سيارة الأخر مقابل أن يحصل على أجرة هي منفعة، كأن يتعلم منه حرفة معينة في وقت معيّن. 5. أجرة بالحصة، ولا تختص بعقد الإجارة وحدها، بل لها صلة ببعض العقود الأخرى، كالمزارعة، وعقد المضاربة، بحيث تكون أجرة العامل حصة محددة من الإنتاج، ويتم تحديدها عند العقد. 6. أجرة المثل، وتكون حينما يترك العاقدان العقد دون تحديد مقدار الأجرة، ويتركانها للعرف، على أن لا يتفقا على شيء لم يقرّه الشارع الحكيم، فقد نصّ ابن تيمية -رحمه الله تعالى- على أن مردّ الأجور إلى العرف فقال:" والمرجع في الأجور إلى العرف، وكذلك في البيع" (¬5)، وهذا عند ترك بيانها، ولأهمية نظام الأجور في أية مؤسسة فقد وضع علماء الإدارة العصرية مجموعة من الخصائص التي ينبغي أن يتمتع بها هذا النظام منها: 1. العدالة: حيث إنها شرط مهم لأي نظام سليم ومتوازن للأجور، وهي قسمان: ¬

(¬1) المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ج6، ص12. (¬2) رواه ابن ماجه في سننه، كتاب الرهون، باب إجارة الأجير على طعامه وبطنه، ص 417، برقم (2444) وحكم عليه الإمام الألباني بأنه حديث ضعيف جداً. (¬3) ابن قدامة، المغني، ج6، ص 69. (¬4) المصدر نفسه، ج6، ص69. (¬5) ابن تيمية، أحمد، نظرية العقد، ص164، بدون رقم طبعة، دار المعرفة، بيروت، لبنان.

الأول: العدالة الخارجية: وهي مقاربة الأجور مع تلك التي تمنحها مؤسسات مشابهة، ولنفس الموظف وبنفس المؤهلات. العدالة الداخلية: وهي العدل في ذات الوظيفة وبين الوظائف المختلفة ضمن نفس المنشأة، بحيث يكون الراتب عادلاً في مكافأة المؤهلات والخبرة. 2. الوضوح: ونقصد بذلك أن يتسم نظام الأجور بوضوح قواعده، بحيث يتمكن كل موظف من معرفة كيفية تحديد أجره. 3. الشفافية: وتعني أن يكون هذا النظام مكشوفاً وليس سرياً. 4. الاستقرار والثبات: بحيث يكون ثابتاً ومستقراً، فلا يتم تغييره إلا عند توفر شروط موضوعية تستدعي ذلك التغيير. 5. ارتباط الأجر بالأداء الفعلي للعامل. (¬1) ومع أن عنصر الأجر يُعتبر من العناصر الأساسية والجوهرية في العقد إلا أنه لا يُلزم الطرفان بالاتفاق عليه قبل البدء في العمل، فإذا عمل العامل لدى صاحب العمل دون اتفاق على الأجرة مع انتفاء نية التبرع، ففي هذه الحالة أرست بعض القوانين العربية قواعد يُعتمد عليها في تحديد الأجرة: الأولى: أجرة المثل. الثانية: تحديد الأجرة طبقاً لعرف الجهة التشغيلية التابع لها. الثالثة: تقدير الأجرة بمعرفة القضاء، وذلك في حالة فقدان القاضي لأجر المثل أو عرف المهنة. (¬2) وقد سبق أن ذكرنا أن عقد الإجارة من عقود المعاوضات، والأصل في هذا النوع من العقود أن يتم بتراضي العاقدين لقول الله - سبحانه وتعالى - " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} (¬3) وهذا يعني أن موضع الاستدلال من الآية الكريمة أن الشرط الوحيد هو رضا الطرفين، وترك حرية الاتفاق بينهما على سعر البيع، أو سعر المنفعة، وقد اختلف الفقهاء في جواز تدخل ولي أمر المسلمين في تحديد سعر المبيع وهو ما يُعرف بالتسعير، الذي هو أمر السلطان أو نوابه، أو كل من يلي أمور المسلمين شيئاً أهل السوق أن لا يبيعوا أمتعتهم إلا بسعر كذا، فيُمنع من الزيادة والنقصان بمصلحة (¬4)، أو هو:" أن يأمر السلطان أو نوابه أو كل من ولي من أمور المسلمين أمر أهل السوق ألّا يبيعوا إلّا بسعر كذا فيمنعون من الزيادة ¬

(¬1) الطائي وآخرون، إدارة الموارد البشرية، ص352. (¬2) رمضان، الوسيط في شرح قانون العمل الأردني، ص136. (¬3) سورة النساء، آية رقم 29. (¬4) المباركفوري، محمد عبد الرحمن عبد الرحيم، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، ج4، ص434، ط1، 2005م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

عليه أو النقصان لمصلحة" (¬1)، ومن المعاصرين من عرّفه بقوله:" إجبار أرباب السلع أو المنافع الفائضة عن حاجتهم على بيعها بثمن أو أجر معيّن، بموجب أمر يُصدره موظف عام مختص بالوجه الشرعي، عند شدة حاجة الناس أو البلاد إليها" (¬2)، وقد اختلف الفقهاء في حكم التسعير على أربعة أقوال، أذكرها بإيجاز: القول الأول: المنع، وهو قول الجمهور (¬3) من الحنفية والشافعية والحنابلة وطائفة من المالكية، وقد استدلوا بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - حينما غلا السعر على عهده فقيل له: يا رسول الله: لو سعّرت فقال:" إن الله هو القابض الباسط الرازق المسعّر، وإني لأرجو أن ألقى الله عز وجل ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه من دم ولا مال" (¬4) وموضع الاستدلال من هذا الحديث أن التسعير مظلمة، والظلم حرام لا يجوز، ثم إن المسلمين قد طلبوا من الرسول - صلى الله عليه وسلم - التسعير، ولو كان جائزاً لأجابهم (¬5)، كما أن الناس مسلطون على أموالهم، وليس لأحد أن يأخذها بغير طيب أنفسهم. (¬6) القول الثاني: الجواز في الأموال والأعمال إذا احتاج الناس إلى ذلك، وقال بذلك الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم- رحمهما الله-، واستدلوا بما ثبت في السنة أن سمرة بن جندب (¬7) كانت له شجرة في ¬

(¬1) الشوكاني، نيل الأوطار، ج5، ص248. (¬2) العبّادي، عبد السلام داود، الملكية في الشريعة الإسلامية، ج2، ص359، ط1، 2000م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان .. وقد ذكر المؤلف أن هذا التعريف للدكتور فتحي الدريني ذكره في مذكراته في التسعير والاحتكار التي ألقاها على طلبة كلية الشريعة بجامعة دمشق. (¬3) الموصلي، الاختيار لتعليل المختار، ج4، ص161.الكشناوي، أبو بكر بن حسن، أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه إمام الأئمة مالك، ج2، ص 305،ط2، مكتبة عيسى البابي الحلبي وأولاده. الماوردي، الحاوي الكبير، ج7، ص80. ابن قدامة، محمد بن أحمد، الشرح الكبير بهامش المغني، ج4، ص44، طبعة عام 1972م، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. ابن حزم، المحلّى، ج9، ص40. أبو يعلى، محمد بن الحسين الفراء، الأحكام السلطانية، تصحيح وتعليق محمد حامد الفقي، ص303، ط3، 1974، دار الفكر، بيروت، لبنان. (¬4) رواه ابن ماجه في سننه، ص378، برقم (2200) وقال عنه الشيخ الألباني: حديث صحيح. والترمذي في سننه، ص311، برقم (1314) والهيثمي في مجمع الزوائد، ج4، ص99. (¬5) ابن قدامة، المغني، ج4، ص164. (¬6) الماوردي، الحاوي الكبير، ج6، ص161. (¬7) ابن هلال الفراري، من علماء الصحابة، نزل بالبصرة، قال عنه ابن سيرين:" كان سمرة عظيم الأمانة صدوقاً" كان زياد ابن أبيه يستخلفه على البصرة إذا سافر إلى الكوفة، ويستخلفه على الكوفة إذا سافر إلى البصرة، وعُرف بشدته على الخوارج، حيث قتل منهم جماعة، توفي في سنة 58هـ. الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج3، ص 186.

حائط رجل من الأنصار، وكان صاحب الحائط يتضرر من دخول سمرة لشجرته، فشكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فطلب من سمرة أن يقبل بدلها، أو يتبرع بها، فلم يفعل. وعند ذلك أذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لصاحب الحائط أن يقلعها، وقال لسمرة:" إنما أنت مضار (¬1) " (¬2) القول الثالث: المنع إذا باع الشخص بأكثر أو أقل من السوق، وقد روي هذا القول عن بعض المالكية (¬3)، واستدلوا بما ورد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مرّ بحاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه - وهو يبيع زبيباً له بالسوق، فقال له عمر:" إما أن تزيد في السعر، وإما أن ترفع من سوقنا" (¬4)، ولأن رفع الأسعار يؤدي إلى الإضرار بالمسلمين، وخفضها يؤدي إلى الإضرار بأهل السوق، وإلى الشغب والخصومة. القول الرابع، جواز التسعير بشرط أن يوجد الضرر على المشترين (¬5)، وروي عن بعض الحنفية. (¬6) وبعد ذكر مذاهب الفقهاء وأدلتهم يتبين أن التسعير تدبير تشريعي اجتهادي خاضع للمصلحة، ويقوم بهذا التدبير من يلي أمور الدولة أو الوظائف، كما أنه من التدابير التي تعالج الأزمات الاقتصادية، ¬

(¬1) رواه أبو داود في سننه، ص 652، برقم (3636) وحكم عليه الشيخ الألباني بأنه ضعيف. ابن رجب الحنبلي، أحمد، جامع العلوم والحكم، تحقيق عبد الله المنشاوي، ص 345، ط1، 1996م، مكتبة الإيمان، المنصورة، مصر، وحكم محقق الكتاب عليه بما حكم الشيخ الألباني. (¬2) ابن القيم، محمد بن أبي بكر بن أيوب، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، اعتنى به ورتّب مادته وبوّبها صالح أحمد الشامي، ص433، ط1، 2002م، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج 28،ص93 و ج28، ص77. (¬3) ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله بن محمد، الكافي في فقه أهل المدينة، ج2، ص360، ط 2، 1992م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. ابن جزي، محمد بن أحمد، القوانين الفقهية، ص 281، بدون رقم طبعة، دار القلم، بيروت. (¬4) مالك بن أنس، الموطأ، تحقيق حامد أحمد الطاهر، ص432، طبعة عام 2005م، دار الفجر، القاهرة، مصر، وحكم عليه محقق الموطأ بأن هذه الرواية معمول بها كون ابن المسيب أعلم الناس بقضايا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ابن القيم، الطرق الحكمية، ص300. (¬5) الكاساني، بدائع الصنائع، ج5، ص 129. النشوي، ناصر أحمد، الاحتكار والمحتكرون في الميزان الشرعي والقانون الوضعي، ص302، ط1،، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، مصر. (¬6) الموصلي، الاختيار في تعليل المختار، ج3، 115.

وهو تدبير يُلجأ إليه لوقاية المجتمع من الاستغلال والاحتكار (¬1)، واختلاف الفقهاء في حكم التسعير يترتب عليه اختلافهم في الأشياء التي يجري فيها التسعير، على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن التسعير يكون في القوتين (قوت الإنسان وقوت الحيوان) وغيرهما مما تعمُّ الحاجة إليه لجميع الناس وبذلك قال بعض الحنفية (¬2)، وبه قال ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم رحمهما الله تعالى. القول الثاني: ذهب بعض المالكية (ابن حبيب (¬3) إلى أن التسعير ينحصر في المكيل والموزون، مأكولاً كان أو غير مأكول. (¬4) القول الثالث: وهو لابن عرفة (¬5) من المالكية، وفيه أن التسعير لا يكون إلا في المأكول دون غيره (¬6). والراجح-والله تعالى أعلم - أن التسعير يكون في القوتين وغيرهما مما تعمّ به حاجة الناس، نظراً لأن هذا القول يتفق مع قواعد الشريعة العامة التي تسعى لرعاية مصالح الأمة ودفع الضرر والاستغلال عنهم، كما أن حاجة الناس إلى غير الأقوات قد تفوق حاجتهم إلى الأقوات (¬7). ¬

(¬1) العبّادي، الملكية في الشريعة الإسلامية، ج2، ص374. بتصرف (¬2) ابن عابدين، حاشية رد المحتار على الدر المختار، ج6، ص400. ابن تيمية، الحسبة في الإسلام، ص16، بدون رقم طبعة وبدون دار نشر. ابن القيّم، الطرق الحكمية، ص244. وممن قال بذلك من العلماء المعاصرين الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في بحثه الموسوم (حكم التسعير) المنشور في مجلة البحوث الإسلامية، ص94، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية، المملكة العربية السعودية. (¬3) عبد الملك بن حبيب بن سليمان القرطبي، عالم أندلسي، ولد سنة 170هـ، له من مؤلفاته: كتاب فضائل الصحابة وكتاب طبقات الفقهاء والتابعين، توفي سنة 239هـ. القاضي عياض، ترتيب المدارك، تحقيق أحمد محمود، ج3، ص30، بدون رقم طبعة، مكتبة الحياة، بيروت، لبنان. (¬4) الباجي، سليمان، المنتقى شرح الموطأ، ج5،ص15،ط2، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، مصر. (¬5) محمد بن عرفة الورغمي التونسي، ولد سنة 716هـ، له كتاب مختصر في الفقه، توفي سنة 803هـ. مخلوف، محمد، شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، ص226، طبعة عام 1930م، المطبعة السلفية، القاهرة، مصر. (¬6) الباجي، المنتقى شرح الموطأ، ج5، ص18. (¬7) الدريويش، أحمد بن يوسف بن أحمد، أحكام السوق في الإسلام وأثرها في الاقتصاد الإسلامي، ص394، ط1، 1989م، دار الكتب، الرياض، السعودية، أصل الكتاب رسالة دكتوراة من كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود، وقد نوقشت عام 1984م، بإشراف الدكتور محمد بن أحمد الصالح.

وينطبق ما سبق بيانه على التسعير في بيع الأعيان والمنافع، أما تحديد الأجور فنعني به معرفة الأسس التي يُعرف بها أن أجرة العامل مقابل قيامه بعمل ما يساوي مبلغ معيّن، والتسعير في الإجارة تكون في حالين: الأولى: التسعير في أجرة منافع الأعيان، ويُقصد به تحديد أسعار الإيجار لكل عين يصح الانتفاع بها وتأجيرها، كتحديد أسعار الإيجار للعقارات، أو تحديد تسعيرة لأجرة النقل والمواصلات كأجرة الطائرات أو السيارات أو السفن، وهذا النوع من التسعير جائز، حيث لا يخرج عن المصلحة العامة التي من أجلها أُبيح التسعير في السلع، خاصة إذا كان مبني على العدل، وقد صدرت الفتوى من مفتي عام المملكة العربية السعودية الأسبق (¬1)، بتحريم التسعير للعقارات في حال عدم الحاجة لذلك، وبهذا يظهر أن مناط الحكم في التسعير هو وجود المصلحة فمتى وجدت جاز، ومتى كان التسعير مضراً أو محتوياً على شيء من الظلم فهو ممنوع. الثانية: التسعير في أجرة منافع العمال (الأجير بنوعيه: العام والخاص) والتسعير على الأجير الخاص أو الأجير المشترك جائز، بل قد يكون هو الواجب والمتعيّن في بعض الأحيان، وهو الذي تقوم به بعض الدول، حماية لحقوق الأجراء، وحقوق المستأجرين لهم (¬2)، يقول ابن تيمية ممثلاً للتسعير في أجرة العمال: "وكذلك إذا احتاج الناس إلى من يصنع لهم آلات الجهاد من سلاح وجسر للحرب وغير ذلك فيستعمل بأجرة المثل، لا يمكّن المستعملون من ظلمهم، ولا العمال من مطالبتهم بزيادة على حقهم مع الحاجة إليهم، فهذا تسعير في الأعمال" (¬3)،وقد أطلق ابن القيم-رحمه الله- على هذه العملية (التسعير في الأعمال)، حيث أفاد بأن الناس إذا احتاجوا إلى فلاحة قوم أو نسجهم أو بنائهم أصبحت هذه الأعمال مستحقة عليهم، ولولي الأمر أن يجبرهم على هذه الأعمال بعوض المثل، كما أن الجند المرابطون للجهاد إذا احتاجوا لفلاحة أرضهم فلولي الأمر أن يُلزم الفلاحين بالعمل فيها، كما يُلزم الجنود بأن لا يظلموا الفلاحين في دفع الأجور. (¬4) ¬

(¬1) الشيخ محمد بن إبراهيم. (¬2) السحيباني، عبد الله بن عمر، التسعير في ظل الأزمة المالية المعاصرة، بحث منشور على موقع الإسلام اليوم، http://www.islamtoday.net/bohooth/artshow، بتصرف يسير. (¬3) ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج 28، ص86، 87. ويقول أيضاً في الطحانين والخبازين: " الذين يطحنون ويخبزون لأهل البيوت، فهؤلاء يستحقون الأجرة، وليس لهم عند الحاجة إليهم أن يطالبوا إلا بأجرة المثل، كغيرهم من الصناع ". المرجع نفسه، ج28،89. (¬4) ابن القيم، الطرق الحكمية، ص238 بتصرف.

ويمكن أن نستدل على جواز التسعير في الأعمال بقول الله - سبحانه وتعالى -: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (¬1) وموضع الاستدلال أن التعاون على كل ما هو برّ يتفرع عنه إجبار صاحب العمل على إعطاء الأجير الأجرة العادلة تتناسب مع مقدار العمل الذي قام به مقارناً بالجهد الذي بذله، كما يُستدلّ بقول الله - سبحانه وتعالى -: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (¬2) وفي ذلك إرساء لقواعد العدل في المجتمع، ومنعاً للخصومة والشقاق بين العامل وصاحب العمل، ومع ميلنا للقول بجواز تسعير الأجور إلا أن من العلماء المعاصرين من وضع شروطاً عامة للتسعير منها: 1. أن يكون التسعير بناءً على دراسة مستفيضة واستشارات علمية صادقة من الخبراء المنزَّهين عن أي مصلحة شخصية. 2. أن يوجد الحرص الكامل من الدولة وأجهزتها المعنية على تحقيق مصالح العباد، وإلا كان التسعير ضرباً من العبث. 3. لا يجوز الالتجاء إلى التسعير إلا إذا كانت الدولة قد اتخذت كافة الاحتياطات اللازمة للحيلولة دون تلاعب المحتكرين، ومن هم ورائهم ممن لهم مصلحة بذلك. (¬3) أما كيفية تحديد الأجور فيرى فقهاء الشريعة الإسلامية أن ذلك يتم بطريق أهل الخبرة والاختصاص، مضافاً إلى خبرتهم واختصاصهم أمانتهم، حيث ذكر صاحب رد المحتار على الدرّ المختار:" أن طريق علم القاضي بالزيادة أن يجتمع رجلان من أهل البصر والأمانة، فيؤخذ بقولهما معاً عند محمد وعندهما (¬4) قول الواحد يكفي" (¬5) ويعتبر في كل تجارة أهلها، وفي كل صنعة أهلها. ونشير إلى أن علماء الإسلام تحدثوا عن لجان تحديد الأسعار والأجور، وعن أعضائها وكيفية اتخاذها للقرار منذ قديم العصور، فاشترطوا أن تضم اللجنة بين أعضائها: أ. ولي أمر المسلمين، أومن يُنيبه عنه، مع التأكيد على امتيازه بالخبرة والاختصاص. ب. من يُمثل رجال الأعمال والتجار وأصحاب الصناعات، حتى يعطوا رأيهم في السعر المناسب والعادل للسلعة، أو الخدمة التي يحصل عليها صاحب العمل. ¬

(¬1) سورة المائدة، آية رقم2. (¬2) سورة الشعراء، آية رقم 183. (¬3) النشوي، الاحتكار والمحتكرون في الميزان الشرعي والقانون الوضعي، ص344. (¬4) أبو حنيفة وأبو يوسف. (¬5) حاشية رد المحتار على الدر المختار، ج6، ص609.

ت. من يمثل المستهلكين للسلع، أو المستفيدين من الأعمال، وينبغي لولي الأمر أن يُنازل هذه الأطراف ويفاوضهم، حتى يتوصل معهم إلى الأجرة العادلة والسعر العادل. (¬1) ولقد تعرّض فقهاء الإسلام الذين كتبوا في الحسبة لموضوع الأجور وبيان حدّها الأدنى، مستنيرين بهدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي حدده وكفله للعامل، بحيث ضمن له فرصة العيش في مستوى صاحب العمل، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ... " (¬2) وموضع الاستدلال أن العامل ما دام يعيش في المجتمع والمحيط الذي يتواجد فيه صاحب العمل، وجب أن يعيش نفس الحياة الإنسانية المساوية لحياة صاحب العمل، وبالنسبة للحدّ الأعلى فلم يفرض له الإسلام مقداراً معيناً، وإنما ربطه بالظروف التي تحيط بالمجتمع، مضافاً لذلك قدرة العامل وخبرته، ومؤهلاته العلمية، ولم يرد في قانون العمل الفلسطيني ما يُبين الحد الأدنى الذي لا يجوز أن يتقاضى العامل أقل منه، ولا حتى معياراً لذلك، وتعليل ذلك سوء الأوضاع الاقتصادية التي تعصف بصاحب العمل وبالعامل، وبالتالي أهملت الحكومات المتتالية تحديد الحد الأدنى من الأجور، مع أن قانون العمل الفلسطيني جعل ذلك مسنداً للجنة الأجور، ثم عطف في المادة رقم (87) من قانون العمل الفلسطيني على أنه تحديد الأجر الأدنى يصدر به قرار من مجلس الوزراء، والأصل أن يتم تحديد الحدّ الأدنى للأجور، بتشريع عام يسري على جميع العاملين الخاضعين لأحكام قانون العمل الفلسطيني، ثم إن تقدير أجرة العامل ليس بالمستحيل إذا أخلصت الأطراف المعنية النية، ويبقى أن تجتمع الأطراف الثلاثة الآتية لتقدير أجرة العامل، وهي: أ. صاحب العمل، حتى لا يُجار عليه، ولا يُكلّف بدفع مبلغٍ أكثر ما تستحقه المنفعة المقدّمة إليه. ب. مندوب عن المجتمع الذي يحرص أفراده على الحصول على السلع بثمن معتدل. ت. العامل أو من يمثل طبقة العمّال، وهو الذي يحرص على الحياة الكريمة (¬3)،وقد ذكر ابن قيم الجوزية (¬4) - رحمه الله- ضرورة إضافة أحد القضاة إلى اللجنة. (¬5) ¬

(¬1) الباجي، المنتقى شرح الموطأ، ج5، ص119. (¬2) سبق تخريجه ص 70. (¬3) الغزالي، محمد، حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة، ط1، ص131، دار الدعوة للطباعة والنشر والتوزيع، الإسكندرية، مصر. (¬4) محمد بن أبي بكر بن أيوب، ولد سنة 691هـ بدمشق، من مؤلفاته زاد المعاد في هدى خير العباد، وإعلام الموقعين عن رب العالمين، وعدّ له محقق زاد المعاد 95 مؤلفاً، توفي في ليلة الخميس الثالث عشر من شهر رجب سنة 751هـ. ابن كثير، إسماعيل بن كثير، البداية والنهاية، ج13، ص550، مكتبة الإيمان مصر. (¬5) ابن القيم، الطرق الحكمية، ص 237.

وهو أحدث ما توصلت إليه القوانين المعاصرة في تحديد الأسعار، حيث نصّ قانون العمل الفلسطيني على كادر يقوم بهذه المهمة، فجاء في المادة رقم (86):" بناءً على توصية من الوزير يشكل مجلس الوزراء لجنة تسمّى (لجنة الأجور) من عددٍ متساوٍ من ممثلين عن الحكومة وعن أصحاب العمل وعن العمّال" (¬1)، وقد قرر مجلس الوزراء الفلسطيني تشكيل لجنة الأجور في جلسته المنعقدة بتاريخ:22/ 3/ 2004م:" تُشكَّل لجنة وطنية للأجور من خمسة عشر عضواً يمثلون أطراف الإنتاج الثلاثة، وذلك على النحو التالي: 1. ممثلو الحكومة، وعددهم خمسة أعضاء، هم: أ. وزير العمل، رئيساً للجنة. ب. وزير المالية، نائباً للرئيس. ج. وزير الاقتصاد. د. وزير التخطيط، عضواً. هـ. وزير العدل عضواً. 2. خمسة من ممثلي أصحاب العمل، يتم اختيارهم من نقابات أصحاب العمل. 3. خمسة من ممثلي العمال، يتم اختيارهم من نقابات العمال. (¬2) أما عن طبيعة عمل هذه اللجنة والأساس التي تبني عليه قرارها بتحديد الأسعار، فقد اختلف الكاتبون في هذه المسألة، فكانوا على أربعة أقوال: القول الأول: يرى أصحابه أن الأجر يُقدّر بقيمة المنفعة التي يحصل عليها صاحب العمل من العامل، دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى، ويخضع تقدير هذه المنفعة لأهل الخبرة، وهو ما تتحكم فيه نظرية العرض والطلب. القول الثاني: وقد اعتمد أصحابه على أساسين في تحديد الأجرة هما: الأساس الأول: قيمة العمل. الأساس الثاني: ما يكفي العامل وأهله بالمعروف من غير بخل تقتير، ولا إسراف ومغالاة. وقد أيّد هذا القول الشيخ محمد أبو زهرة (¬3) - رحمه الله- وذلك لأن الأجرة تكون في غالب الأحيان هي المصدر الوحيد الذي تستند عليها حياة العامل، وبالتالي إذا لم يوفّر العامل ما يكفيه أدّى ذلك إلى ¬

(¬1) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص35. (¬2) http://www.dft.gov.ps موقع ديوان الفتوى والتشريع في السلطة الوطنية الفلسطينية. (¬3) محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد" المعروف بـ "أبي زهرة" المولود في المحلة الكبرى التابعة لمحافظة الغربية بمصر في6 من ذي القعدة 1315هـ الموافق 29 من مارس 1898م، ونشأ في أسرة كريمة تحرص على العلم والتدين. التحق الشيخ بأحد الكتاتيب التي كانت منتشرة في أنحاء مصر تعلم الأطفال وتحفظهم القرآن الكريم، وقد حفظ القرآن الكريم، وأجاد تعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم انتقل إلى الجامع الأحمدي بمدينة طنطا، وكان إحدى منارات العلم في مصر تمتلئ ساحاته بحلق العلم التي يتصدرها فحول العلماء، وكان يطلق عليه الأزهر الثاني؛ لمكانته الرفيعة، توفي عام 1974م. http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=74789

تركه للعمل (¬1)، ويُفيد هذا القول بأن قيمة العمل لا تصلح أساساً لتقدير الأجرة؛ لأن ذلك يؤدي إلى اختلاف أجرة العامل باختلاف الأسعار في السوق، وهو ما يجعل العامل تابعاً لسعر السوق، كما إن اعتبار الكفاية مقياساً للأجور لا يصلح أيضاً، لانعدام العدالة في توزيع الثروات، إذ العامل الأعزب والمتزوج إذا بذلا نفس الجهد فأخذا أجرة كفاية لهم، لحق بالعامل الأعزب ظلم واضح، في حين كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُعطي الآهل حظين، ويُعطي العزب حظاً واحدا (¬2). القول الثالث: حيث يعتمد تحديد الأجور على نوعين من أنواع العدالة: النوع الأول: عدالة التوزيع، بحيث يأخذ عمّال المهنة الواحدة أجراً واحداً، وذلك إذا بذل الجميع جهداً متقارباً مع تقارب الكفاءة. النوع الثاني: عدالة السعر، وهو ما يعني أن يأخذ العامل أجراً متعادلاً مع الجهد الذي يبذله دون التأثر بالتيارات أو الاحتكارات التي تتحكم في السوق، مع تخوّف أصحاب هذا القول من احتكار أصحاب الأعمال وتحديد الأجرة بأقل من سعر المنفعة، لذلك ينبغي على الدولة أن تعمل على إبقاء سعر المنفعة فوق الحدّ الأدنى للأجور، الذي هو حدّ الكفاية للعامل، وينتج هذا عن تشغيل الأيدي العاملة العاطلة عن العمل، وزيادة الأجر عند هبوط قيمة النقد (¬3)، ولم يختلف كثيراً عن القول الأول؛ لأن أجرة المثل تقتضي عدالة التوزيع وعدالة السوق. القول الرابع: الأجر على أساس مدة الخدمة، حيث اتبع هذا الأسلوب في تحديد الأجور عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - بعد أن اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، وتوافدت الأموال الكثيرة لبيت مال المسلمين، ثم نتج عن هذا وجود جيش ثابت للدولة الإسلامية، الأمر الذي دعاه لإنشاء الدواوين التي تشبه الوزارات في العصر الحديث، فوضع معيارين للعطاء هما: ¬

(¬1) أبو زهرة، محمد، النظام الاجتماعي، بدون رقم طبعة، ص52، دار الفكر العربي، بيروت، لبنان. (¬2) رواه أبو داود في سننه، كتاب الخراج، باب قسم الفيء برقم (2953) وقال عنه الألباني في تعليقه على سنن أبي داود: "حديث صحيح" ص526. (¬3) شقفه، محمد نصر، أحكام العمل وحقوق العمال في الإسلام،، ص82، بدون رقم طبعة، دار الإرشاد، القاهرة، مصر.

المعيار الأول: مساهمة الجندي في الفتوحات الإسلامية حتى عهده، فقال:" ليس من قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كمن قاتل معه" (¬1). المعيار الثاني: تدرج الجنود في الإسلام وقرابتهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:" الرجل وقدمه، الرجل وبلاؤه، الرجل وعياله" (¬2) والراجح -والله تعالى أعلم- من أن أجرة المثل هي المعيار في تحديد الأجور، ويقدّر ذلك أهل الخبرة والاختصاص بإشراف الحاكم العادل، ولا بدّ من الإشارة هنا أن معيار الحدّ الأدنى للأجور في الفقه الإسلامي هو حدّ الكفاية المذكور في قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" من وليَ لنا عملاً وليس له منزلٌ فليتخذ منزلا، أو ليست له زوجة فليتزوج، أو ليس له خادم فليتخذ خادماً، أو ليست له دابة فليتخذ دابة، وإن أصاب شيئاً سوى ذلك فهو غالّ" (¬3) وبما أن لجنة الأجور المنصوص عليها في قانون العمل الفلسطيني قد بقيت حبراً على ورق لغاية كتابة هذه السطور ولم تباشر العمل في المهمة الأساسية التي من أجلها شُكّلت (تحديد الحدّ الأدنى للأجور) لذلك لم يُفصح القانون ولا أهله عن المعايير التي يُمكن اعتبارها في تحديد الأجور، لأنهم لم يحددوا الأجور أصلاً (¬4)، ويُمكن اعتبار المعايير الآتية في تحديد الأجور: المعيار الأول: حساب الأجر بالقطعة، حيث يتم حساب الأجر على أساس وحدة إنتاجية معينة، بحيث يتناسب ما يحصل عليه العامل من أجر مع عدد الوحدات الإنتاجية التي يحققها، فيزيد أجره بزيادتها، وينقص بنقصانها، وتُسمّى هذه الطريقة بطريقة حساب الأجر بالإنتاج، ومثال ذلك محاسبة العمال في مصنع النسيج بإعطائهم مبلغ من المال لكل متر من القماش يتم إنجازه. المعيار الثاني: حساب الأجر بالزمن، ويُقصد بهذه الطريقة أنه يتم حساب الأجر على أساس وحدة زمنية معينة كالساعة أو اليوم أو الشهر، دون النظر إلى العمل او كمية الإنتاج التي يحققها العامل، ولا بدّ من التنبيه على عدم الخلط بين طريقة حساب الأجر بالزمن وبين وقت أداء الأجر، فقد يُدفع الأجر كل أسبوعين، ومع ذلك يكون محسوباً على أساس الساعة أو اليوم. المعيار الثالث: حساب الأجر بالطريحة، ويُقصد بذلك حساب الأجر على أساس الزمن والإنتاج معاً، فيتحدد أجر ثابت على أساس الزمن ويزداد هذا الأجر تبعاً لزيادة إنتاج العامل، وعندما تعرض الفقهاء لشرح المادة رقم (36) من قانون العمل المصري وضعوا ثلاثة أسس لا بدّ من مراعاتها عند تقدير الأجرة: ¬

(¬1) ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن محمد، مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ص 98، بدون رقم طبعة، مكتبة ابن خلدون، الإسكندرية، مصر (¬2) رواه أحمد في مسنده، ج1، ص289، برقم (292) وإسناده صحيح. (¬3) سبق تخريجه ص 51. (¬4) مدير مكتب عمل جنوب الخليل، كانون الأول، 2009م، اتصال شخصي.

الأول: الأجر الأساسي الذي يتقاضاه العمال الآخرون الذين يقومون بعمل من نوع مماثل لدى صاحب العمل نفسه. الثاني: عُرف المهنة في الجهة التي يؤدى فيها هذا العمل. الثالث: مقتضيات العدالة، ويجب أن يؤخذ في الاعتبار مقدار الجهد الذي يبذله العامل مقارناً بأعمال شبيهة، وكذا مقدار الربح الذي يحققه رب العمل نتيجة ما ينجزه العامل من أعمال (¬1). وهناك في الشريعة الإسلامية بعض الأمور التي تلحق بالأجرة منها: أولاً: توفير الطعام والشراب والمسكن للعامل، وذلك إذا تبرع بها صاحب العمل زيادة على الأجر المسمّى، وهذا التبرع يعدّ من الإحسان والمعروف الذي يرجو صاحب العمل به الثواب من الله تعالى، إضافة إلى ما يحققه من إخلاص العامل، وحرصه الزائد على العمل، وإذا اشترط العامل توفير تلك الاحتياجات في عقد العمل وجب الوفاء بذلك (¬2)،أما إذا لم يشترطها العامل ولم يقتض العرف توفيرها وفرها العامل لنفسه. (¬3) ثانياً: الأجر الإضافي بدل ساعات العمل الإضافية، ويمكن تعريف الأجر الإضافي ما يتقاضاه العامل مقابل ما يعمله من أعمال زائدة على اتفاقه مع صاحب العمل، فإذا عمل عملاً زائداً بتكليف من صاحب العمل فلا يلزمه ذلك إلا برضاه (¬4)،لأن العبرة بالاتفاق المبرم بينهما، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" المسلمون عند شروطهم" (¬5)، أما إذا كان العمل الإضافي بدون تكليف من صاحب العمل، فإنه يُنظر في طبيعة هذا العمل، فإن كان ضرورياً ويلزم لمصلحة العمل، ولم يتمكن العامل من استئذان صاحب العمل، فإن العامل يستحق الأجر الإضافي وهو أجر المثل، وإذا كان العمل غير مفيد لصاحب العمل وكان بإمكانه طلب الإذن من صاحب العمل اعتبر متبرعاً ولا يستحق أجرا. (¬6) وقد حدد قانون العمل الفلسطيني ساعات العمل الأسبوعي بخمس وأربعين ساعة، حيث نصّ في المادة رقم (68) بأن:" ساعات العمل الفعلي في الأسبوع خمس وأربعون ساعة" (¬7) وبهذا فقد أبقى ¬

(¬1) عبد الرحمن، أحمد شوقي، شرح قانون العمل الجديد والتأمينات الاجتماعية في الفقه والقضاء المصري والفرنسي، ص12، طبعة عام 2008م، مكتبة المعارف، الإسكندرية، مصر. (¬2) ابن قدامة، المغني، ج6، ص68. (¬3) البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج2، ص353. (¬4) ابن قدامة، المغني، ج6، ص8، ابن عابدين، حاشية رد المحتار على الدر المختار، ج6، ص36. (¬5) سبق تخريجه، ص 16. (¬6) الشربيني، مغني المحتاج، ج3، ص414. ابن رجب، عبد الرحمن، القواعد في الفقه الإسلامي، ص143، بدون رقم طبعة، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان. (¬7) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص31.

القانون الباب مفتوحاً لأطراف الإنتاج بالاتفاق على ساعات عمل إضافية، فنص في المادة رقم (71) بأنه:" يجوز لطرفي الإنتاج الاتفاق على ساعات عمل إضافية لا تتجاوز اثنتي عشرة ساعة في الأسبوع، يُدفع للعامل أجر ساعة ونصف عن كل ساعة عمل إضافية" (¬1)، ومما يؤخذ على هذا النص: 1. لم يحدد لطرفي الإنتاج ساعات العمل الفعلية اليومية، بمعنى هل يمكن لطرفي الإنتاج أن يعمل العامل - على سبيل المثال- خمس ساعات إضافية أم لا؟. 2. لم يحدد القانون عدد الأيام التي يمكن للعامل أن يعمل فيها عملاً إضافياً، وهو ما يعني جواز عمل العامل طوال السنة ساعات إضافية، وهو ما يلحق ضرراً بالغاً بصحة العامل وقدرته على العطاء والإنتاج. 3. صحيح أن القانون حدد أجرة ساعات العمل الإضافي بما يساوي أجر ساعة ونصف من ساعات العمل اليومي في غير أيام العطلة أو الراحة، لكنه لم يوضح أجر ساعات العمل الإضافي في أيام العطلة أو الراحة الأسبوعية. ويرى الباحث أن تحديد ساعات العمل بخمس وأربعين ساعة في الأحوال العادية قد جرى العرف بذلك، وإذا اشتُرط ذلك بين المتعاقدين فهو شرط معتبر عند فقهاء الشريعة الإسلامية، لأن هذا التحديد لم يكن معروفاً عندهم، حيث إن هناك من الأعمال ما يستطيع العامل العمل فيها طوال اليوم كالسائق مثلاً، وهناك من الأعمال التي لا يستطيع العامل الاستمرار فيها أكثر من ساعات معينة، وإذا استأجر الرجل أجيراً للعمل يوماً، فإن الأجير يعمل من طلوع الفجر إلى غروب الشمس (¬2)، باستثناء أوقات الصلاة والأكل وقضاء الحاجة. ثالثاً: الإكرامية، والتي هي في نظر الباحث ما يُعطى للأجير مقابل الجهد الزائد الذي يبذله زيادة على العقد، كالتزامه بدقة العمل، وإتقانه لعمله، وقد رأينا فقهاء الشريعة الإسلامية يعتبرون الإكرامية جزءاً من الأجرة، ويحق للعامل المطالبة بها إذا جرى العرف بها، ففقهاء الحنفية يرون أن معلم القرآن يُعطى ما عُرف في زمانهم بالحَلوة المرسومة عند ختم القرآن الكريم كله زيادة على الأجرة (¬3)، والمالكية أيضاً يعتبرونها حقاً للمعلم إذا جرت بها العادة، ويسمونها (الإصرافة) (¬4)،كما اعتبرها بعض فقهاء الإسلام أمراً مستحباً وعملاً يُثاب صاحب العمل عليه، لأنه من حق المجتهد والمخلص في عمله أن يكرّم ليزيد ¬

(¬1) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص 31. (¬2) ابن قدامة، المغني، ج6، ص10. (¬3) شيخي زادة، عبد الرحمن محمد الكليوبي، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، تحقيق خليل عمران المنصور، طبعة عام 1998م، ج3، ص 534، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. (¬4) النفراوي، الفواكه الدواني، ج2، ص186.

من اجتهاده وإخلاصه، وقد دلّ على ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" من قتل قتيلاً فله سلبه" (¬1) ففي هذا الحديث تشجيع على الجهاد في سبيل الله، ويُقاس على ذلك تشجيع العامل على الإنتاج والإتقان، ولم يأت القانون على ذكر الهبات والإكراميات كتشجيع للعامل على عمله، بل أبقى الأمر بيد صاحب العمل وراجع إليه. وقد أجاد من شرح قانون العمل الأردني حينما ذكر سبعة ملحقات للأجرة هي على النحو الآتي: أولاً: العمولة التي يُقصد بها ما يُدفع للعامل في صورة نسبة مئوية من قيمة الصفقات التجارية التي يقوم بعقدها أو المساهمة بعقدها لمصلحة المؤسسة. ثانياً: الوهبة، وهي المبالغ المالية النقدية الزهيدة، التي يحصل عليها العامل من عملاء المنشأة الذين تربطهم برب العمل علاقة عمل مباشرة مقابل عمل يؤديه إليهم، دون أن تقوم رابطة عقدية بينه وبينهم. ثالثاً: المنحة، ويُقصد بها مبلغ من النقود يدفعه رب العمل للعامل في مناسبات معيّنة كالأعياد أو مرتب الشهر الثالث عشر الذي تصرفه بعض المنشآت لعمالها. رابعاً: حصة الأرباح، وتتحقق باتفاق رب العمل مع عماله، أو بعضهم على أن يكون لهم حصة من الأرباح التي تحققها المنشأة. خامساً: البدلات، ويُقصد بها المبالغ المالية التي يدفعها صاحب العمل للعمال عوضاً عما تكبدوه من نفقات في سبيل تنفيذ العمل، كالانتقال أو السفر أو الطعام أو الأدوات والملابس التي تخص العمل. سادساً: العلاوة، ويُراد بها مبلغ من النقود أو أي شيء آخر يُعطى للعامل زيادة على أجره. سابعاً: المكافأة، وهي ما يدفعه رب العمل من مبالغ نقدية لبعض عماله تقديراً لهم على عمل مميز قاموا بأدائه، وما سبق من ملحقات نصّ عليها القانون الأردني، ولكلٍ منها أحكامه وشروطه وضوابطه المتعلق به. (¬2) ¬

(¬1) رواه الترمذي في سننه، كتاب السير، باب ما جاء فيمن قتل قتيلاً فله سلبه، ص370، برقم 1562، وهو حديث صحيح، ورواه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب السلب يُعطى القاتل، ص479، برقم (2718). (¬2) رمضان، الوسيط في شرح قانون العمل الأردني الجديد، ص154 - 164 بتصرف.

المطلب الثاني الاعتماد على مؤشر غلاء المعيشة في تحديد الأجرة والحكم الشرعي في ذلك

المطلب الثاني الاعتماد على مؤشر غلاء المعيشة في تحديد الأجرة والحكم الشرعي في ذلك المقصود هنا بالربط القياسي للأجور بمؤشر غلاء المعيشة هو تعديل الأجور بصورة دورية، تبعاً للتغير في مستوى الأسعار، وفقاً لما تقدره جهة الخبرة والاختصاص، والغرض من هذا التعديل حماية الأجر النقدي للعاملين من انخفاض القدرة الشرائية لمقدار الأجر بفعل التضخم النقدي (التصاعد في المستوى العام للأسعار فترة بعد فترة)، وما ينتج عنه من الارتفاع المتزايد في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات. وعند الحديث عن وجوب أن يغطي أجر العامل متطلباته الأساسية التي هي من الضروريات التي جاء الإسلام وكل الشرائع السماوية لحفظها، يقرر أنها على النحو الآتي: * تكلفة الغذاء والشراب ليقيم صلبه (حفظ النفس). * تكلفة الكساء لستر عورته والمأوى ليسكن (حفظ النفس). * تكلفة العلاج (لحفظ النفس (. * تكلفة التعليم (لحفظ العقل (. * تكلفة الزواج لحفظ العرض. هذا غير نفقات المناسبات الاجتماعية والدينية ونحوها من الضروريات والحاجيات، وبناءً على ذلك لا يجب أن يقل متوسط دخل الفرد العامل عن تكلفة تلك الاحتياجات، فإذا كان تقدير الدولة للحد الأدنى للأجور أقل من تكلفة هذه الاحتياجات فإن هذا يقود بالتأكيد إلى خلل سياسي، مثل الاضرابات والمظاهرات ونحو ذلك (¬1)، أما من المنظور الاقتصادي، لو فرضنا أن متوسط الارتفاع في الأسعار كان بنسبة 25%، في حين أن متوسط الارتفاع في الأجور كان في حدود 10%، فإن هذا يقود إلى خلل في الحياة المعيشية للعامل، وربما يكون ذلك الدافع له إلى ارتكاب بعض السلوكيات غير المشروعة وغير القانونية، ويسبب المزيد من الفساد بكافة صوره: العقدي والأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي. (¬2) وينبغي أن نقرر أن عقد الأجير الخاص لا يلزم فيه التأبيد في العمل، لأن هذا يجعل العامل أقرب إلى العبد وهو لا يجوز، وإنما يمكن العامل أن يستقيل من عمله، كما يمكن لصاحب العمل ¬

(¬1) علاج مشكلة الخلل بين الأجور والأسعار في المنهج الاقتصادي الإسلامي، إعداد دكتور حسين شحاتة، وهو منشور على موقع الدكتور على الانترنت. http://www.darelmashora.com/Def? (¬2) وقد أرفقنا إحصائية لغلاء السلع في الأراضي الفلسطينية تبين أن نسبة التغيير في شهر واحد كانت 1.11%، وهو ما يعني زيادتها عن 10% إذا استمرت الأسعار بالارتفاع. المصدر نفسه.

الاستغناء عن خدمات هذا العامل، مع المحافظة على حقوق كل طرفٍ من أطراف العقد، كما أن المدة الطويلة في العمل تعني بالعادة الزيادة في الكفاءة الإنتاجية للعامل، وذلك بسبب اكتساب العامل مهارات جديدة وخبرات إضافية، وهو ما يعني زيادة قيمة الخدمة التي يقدمها العامل ويحصل عليها صاحب العمل، فكيف يمكن أن يبقى الأجر ثابتاً عند مسمّاه الأول؟ مع احتمال نقص الأجر نتيجة ارتفاع الأسعار، وهو ما يُعتبر بحدّ ذاته مشكلة اقتصادية. ويعُتبر الأجر كالثمن للمبيع، فإذا كان الثمن حاضراً لمبيعٍ حاضر فإنه لا مشكلة في الثمن، ولا يُنظر إذا كان الثمن المدفوع يُلبّي احتياجات البائع أم لا؟ لأنه طالما اتفق البائع والمشتري فإن كل واحد منهما قد قدّر مصلحته في إطار نظرته للسوق ومتابعته له، أما إذا كان الثمن مؤجلاً لمبيعٍ حاضرٍ فإنه لا بدّ من التفرقة بين طروء تضخم على الأسعار بشكل مفاجئ وحادّ، وبين التضخم غير المفاجئ وغير الحادّ، فإذا كان التضخم مفاجئ وحادّ يُنظر في الثمن المؤجل، وذلك حتى لا يقع ظلم على البائع، خصوصاً إذا لم يكن لديه القدرة بتوقع مثل هذه التقلبات في سوق العمل. أما فيما يتعلق بتحديد الأجور وتغيرها تبعاً لتغيّر الأسعار، فقد جاء في كتاب الأحكام السلطانية والولايات الدينية عندما تحدث عن وضع الدواوين وذكر أحكامها وخصوصاً ديوان الجيش عدد شروط إثبات الجندي في الديوان، ثم تحدث عن ضابط الكفاية الذي يستغني به الجندي عن ترك الجهاد وطلب الرزق، فجعل الكفاية معتبرة من ثلاثة أوجه: الأول عدد من يعوله، الثاني عدد ما يرتبطه من الخيول، والثالث الموضع الذي يحله في الغلاء والرخص، وتقدر كفايته في النفقة والكسوة لعامه كاملاً، ثم تُعرض حاله في نهاية العام فإن زادت حاجته الماسة زيد له في راتبه وإن نقصت نقص من راتبه (¬1)،ما يعني أنه إذا ارتفعت الأسعار لا بدّ أن ترتفع الأجور بما يعوض ارتفاع الأسعار، وما قاله صاحب الكتاب منذ حوالي ألف عام هو المعمول به الآن في البلاد المتقدمة، حيث تشكيل واجتماع اللجنة المعنية بتحديد وتغيير الأجور، ومن الفقهاء المعاصرين من أجاز ربط الأجور بالمستوى العام للأسعار ولكن بشروطٍ منها: 1. توافر إحصائيات دقيقة وصادقة عن أسعار السلع، وذلك حتى يتم تقدير الأجرة تقديراً دقيقاً، وهو ما ينتج عنه تحقيق العدالة بين جميع طبقات العمّال. 2. وجود هيئة رسمية عليا على المستوى الوطني، تصبح مسؤولة وبصفة دائمة عن ربط الأجور بالتغيرات في المستوى العام للأسعار. ¬

(¬1) الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، ص 269 بتصرف.

3. التزام عام بعقود عمل مكتوبة ومسجلة رسمياً لدى الهيئات المختصة، وذلك لأن بعض أصحاب العمل يتهربون من تعديل الأجور إذا لم تكن عقود العمل مسجلة ومدوّنة. (¬1) 4. أن يعلم الطرفان بحقيقة المؤشر العام للأسعار الذي يُتفق على اعتماده. (¬2) وهناك من الفقهاء من منع ربط الأجور بتغيّر الأسعار، سواء أكان الربط بالسلع الاستهلاكية أم بالسلع الصناعية، فإن ذلك يؤدي إلى الربا في حالة التضخم لأن النقود مثلية لانضباطها بالعدّ، فإذا انخفضت قيمتها بالنسبة لما ربطت به أدّى ذلك إلى زيادة في عددها، وهذا عين الربا، ومثال ذلك أن تكون الأجرة التي تستحق بعد سنة 500 دينار أردني، فإذا تم الربط بالمستوى العام للأسعار، وكان هذا المبلغ يساوي 100 وحدة مثلاً عند التعاقد، بناء على أن الوحدة تساوي 50 دينار، وفي نهاية السنة انخفضت القيمة الشرائية للدينار بحيث أصبحت الوحدة المربوطة بها تساوي 100 دينار، فإن المبلغ المستحق يكون حاصل ضرب 100× 100 = 10000 دينار، وهكذا الحال فيما لو ارتفعت القيمة الشرائية للعملة التي تم التعاقد بها عند وقت التسليم عنها عند التعاقد، فإن ذلك يؤدي إلى سداد الدين بأقل منه، ومن المعلوم أن الشريعة قد حرمت الربا تحريماً مؤبداً، ولعنت أصحابه كما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:" الذهب بالذهب، والفِضة بالفضة، والبُرُّ بالبر، والشَّعير بالشعير، والتمر بالتمر، والمِلح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، سواءً بسواء، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء" (¬3)، فقوله - صلى الله عليه وسلم -:"فمن زاد أو استزاد "يعمّ كل زيادة؛ لأنه فعل وقع في سياق الشرط، والفعل من قبيل النكرة؛ لأنه يتضمن مصدراً نكرة، والنكرة في سياق الشرط تعمّ على ما تقرر في صيغ العموم، والنقود الورقية أثمان قائمة مقام الذهب والفضة، فالزيادة فيها أخذاً أو إعطاءً تعاطٍ للربا المحرم، وهذا الخلاف له ما يبرره؛ ومرده إلى التطورات التي مر بها الورق النقدي، فإنه في أصله ليس ثمناً وإنما ثمنيته بالاصطلاح، إضافة إلى أنه في أول ظهوره كان مغطى بالذهب والفضة، وكان يكتب عليه ما ¬

(¬1) الدكتور عبد الرحمن يسري أحمد، بحث بعنوان تحليل من منظور إسلامي لمشكلة الأجور في ظل التضخم والعلاج المقترح، مقدّم لمجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، الدورة الثامنة، المجلد الثالث، الصفحات الورقية 517 - 555، بتصرف. (¬2) الزرقا، محمد أنس مصطفى، ربط الأجور بتغيُير المستوى العام للأسعار بين الفقه والاقتصاد، بحث مقدّم لمجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثامنة، المجلد الثالث، الصفحات الورقية 617 - 642. القرضاوي، دور القيم والأخلاق في الإقتصاد الإسلامي، ص377. (¬3) رواه البخاري في صحيحه بلفظ آخر، كتاب البيوع، باب بيع الذهب بالذهب، ص515، برقم (2175) ..

يفيد أنه سند بقيمته من الذهب أو الفضة، ثم بعد ذلك زال الغطاء جزئياً ثم كلياً، ولم تَعُد هذه النقود الورقية متعلقة بالذهب ولا بالفضة من قريب ولا بعيد، وأصبحت هي أثمان الأشياء ووسيط التبادل في المعاملات، والقول بأنها فلوس، تخرج عن الثمنية بالغلاء والرخص شأن الفلوس في الأزمنة السالفة قول غير صحيح ويترتب عليه مفاسد كبيرة في الدين والدنيا، ذلك أنه لابدّ للناس من أثمان تقدر بها السلع والخدمات، وتكون واسطة للتبادل حتى تتيسّر معاملاتهم، ولم يعد الذهب ولا الفضة نقداً أصلاً، وهذه الأوراق النقدية فيها خصائص الثمنية، وأصبح إصدارها مضبوطاً بضوابط معينة، وتعمل الدول على حماية نقدها بالتدابير الاقتصادية، ومكافحة التزوير، وترقيم العملات، وسرية العلامات التي تضعها في النقد ضماناً لعدم تزويره، إلى غير ذلك مما لا يخفى في الحياة المعاصرة، وتستخدم هذه النقود في المبادلات والحقوق اليسيرة والكبيرة، وهذا يجعلها تختلف اختلافاً كبيراً عن الفلوس المعهودة في الأزمنة السالفة، والتي لم تكن لها من الثمنية ما للذهب والفضة، وكانت تتعرض للكساد، ولإبطال الحاكم لها كثيراً، كما أنها في كثير من الأحيان إنما تستعمل في الأشياء الحقيرة التافهة، فلا وجه لقياسها على الفلوس المعهودة فيما مضى وإعطائها حكمها، بل هي أثمان يجري فيها الربا وتجب فيها الزكاة وتصلح رأس مال في السلم والشركات، وقد اقترح المانعون لربط الأجور بالمستوى العام لتغير الأسعار عدم إطالة مدة الإجارة حتى تكون هناك فرصة للاتفاق على الأجر المناسب الذي يتفق مع القيمة الحقيقية له، وإن تعذر الاتفاق على مدة قصيرة للإجارة فليتم الاتفاق أن تكون الأجرة بعملة نادرة التغيّر كالذهب أو الدولار مثلاً. (¬1) أما مسألة إضافة ما يسمى (بعلاوة غلاء المعيشة) إذا اعتبرناه نوعاً من الربط فينظر في ذلك، فإذا كانت هذه العلاوة من الأجرة فلا بدّ أن تكون معلومة حال التعاقد؛ لأن الجهل بها يجعل الأجرة مجهولة فيبطل العقد، فلا يصلح أن يُترك تقديرها لما يتحدد بعد ذلك من أحوال؛ لما يترتب عليها من منازعة، (¬2) وإن كانت هذه العلاوة من باب التكافل فإنها غير لازمة لصاحب العمل، ولا تكون من الأجرة، فلا يشترط العلم بها؛ لأن كفالة المحتاجين واجب على الدولة وليست واجباً على أرباب الأعمال، وإنما الواجب عليهم العدل في الأجرة، وهناك من عوامل مؤثرة في تحديد مستوى الأجور والرواتب كالآتي: 1. العوامل الاجتماعية والقوانين والتشريعات. ¬

(¬1) الفعر، حمزة بن حسين، ربط الأجور بتغيّر المستوى العام للأسعار في ضوء الأدلة الشرعية، بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثامنة، المجلد الثالث، الصفحات الورقية 495 - 516، بتصرف. (¬2) الشريف، الإجارة الواردة على عمل الإنسان، ص216.

2. الوضع الاقتصادي للبلد. 3. العوامل الإدارية والتكاليف المعيشية. 4. جماعات الضغط والمساومة الجماعية كنقابة العمال. 5. الوسائل التكنولوجية واستخدامها في المنشأة. 6. قدرة المؤسسة على دفع الأجور. (¬1) وقد وجدنا قانون العمل المصري يحدد علاوة غلاء المعيشة بنسبة 10% من الأجر للعامل العازب، وبنسبة 15% من أجر العامل المتزوج، وبنسبة 17,5% من أجر العامل الذي يعول ولداً أو أكثر، لذلك يرى الباحث أنه يجب على الأقل في كل فترة زمنية (سنوية مثلاً) أن يكون هناك تغير في الأجور للأكثر، وبنسبة مماثلة أو قريبة من نسبة الزيادة في الأسعار، حتى يحدث التوازن بينهما، وهذه المسألة ليست صعبة عند التطبيق العملي، لاسيما في ظل تطور وتقدم نظم تقنية البيانات والمعلومات السريعة، ويوضح الجدول التالي كيفية تغيّر الأسعار زيادة أو نقصاً وهو ما يستدعي الميل إلى القول بضرورة تغيّر الأجور تماشياً مع تغيّر الأسعار الملحوظ، وهذه الأرقام القياسية لأسعار المستهلك في الأراضي الفلسطينية حسب أقسام الإنفاق الرئيسة للأشهر: أيلول 2009م مقارنة مع أب 2009م. (¬2) أقسام الإنفاق الرئيسية ... آب.2009 ... أيلول.2009 ... نسبة التغير % الرقم القياسي العام ... 125.60 ... 126.28 ... 0.54 المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية ... 141.75 ... 142.14 ... 0.28 المواد الغذائية ... 142.18 ... 142.39 ... 0.15 الخبز والحبوب ومنتجاتها ... 146.36 ... 146.32 ... -0.02 اللحوم ... 150.27 ... 148.79 ... -0.99 دواجن طازجة ... 159.49 ... 157.25 ... -1.40 الأسماك ... 130.84 ... 131.05 ... 0.16 منتجات الألبان والبيض ... 120.29 ... 122.93 ... 2.19 البيض ... 115.67 ... 123.76 ... 6.99 الزيوت والدهون ... 151.46 ... 152.64 ... 0.78 ¬

(¬1) الطائي وآخرون، إدارة الموارد البشرية، ص354. (¬2) هذه الإحصائية مأخوذة من الجهاز المركزي للإحصائي الفلسطيني http://www.pcbs.gov.ps/

الفواكه ... 138.85 ... 137.17 ... -1.21 المكسرات ... 142.25 ... 142.60 ... 0.24 فواكه معلبة ... 97.53 ... 98.38 ... 0.87 الخضروات ... 143.53 ... 146.06 ... 1.76 السكر والمنتجات السكرية ... 129.83 ... 131.99 ... 1.66 التوابل والملح والأغذية الأخرى ... 123.05 ... 122.83 ... -0.18 المشروبات غير الكحولية ... 135.73 ... 138.67 ... 2.17 الشاي والبن والكاكاو ... 141.18 ... 147.97 ... 4.81 المشروبات الكحولية والتبغ ... 140.97 ... 140.88 ... -0.06 المشروبات الكحولية ... 119.79 ... 122.75 ... 2.47 السجائر والسيجار ومنتجات التبغ ... 141.05 ... 140.96 ... -0.07 الأقمشة والملابس والأحذية ... 106.05 ... 106.21 ... 0.16 المسكن ومستلزماته ... 121.95 ... 122.27 ... 0.26 الأثاث والمفروشات والسلع والخدمات المنزلية ... 112.88 ... 114.43 ... 1.37 الصحة ... 113.15 ... 114.10 ... 0.83 النقل والمواصلات ... 119.37 ... 119.72 ... 0.29 وسائل النقل الشخصية ... 108.01 ... 108.02 ... 0.01 تشغيل وسائط النقل ... 133.17 ... 135.26 ... 1.57 خدمات النقل العامة ... 115.57 ... 115.13 ... -0.38 الاتصالات ... 109.98 ... 110.28 ... 0.27 السلع و الخدمات الترفيهية و الثقافية ... 101.35 ... 101.51 ... 0.17 التعليم ... 102.12 ... 109.24 ... 6.97 المطاعم والفنادق ... 133.01 ... 133.71 ... 0.53 سلع وخدمات متنوعة ... 113.63 ... 114.08 ... 0.40

وعند التأمل في هذه الإحصائية الرسمية يتبين للباحث أن أكثر الأصناف ارتفاعاً في أسعارها هي سلع الشاي والبن والكاكاو، ثم يليها المشروبات الكحولية، حيث ارتفعت في شهر واحد 2.47% وهو ما يُثير التساؤل عن سبب هذا الارتفاع، مع أن منها ما هو محرّم شرعاً بنصوص قرآنية مطهّرة وأحاديث نبوية شريفة كالخمر مثلاً، وهو ما يُثير الشكوك من كثرة الطلب على هذا النوع من السلع وعدم الاستغناء عنها، ويتطلب هذا وقفة صارمة من أولي الأمر بمنع هذه السلع المحرّمة.

المطلب الثالث وقت دفع الأجرة وتملكها

المطلب الثالث وقت دفع الأجرة وتملكها بما أن الأجرة ركن من أركان عقد الإجارة- عند جمهور الفقهاء- جاء الشرع الإسلامي بالتأكيد على وجوب الوفاء بها، وتمثل ذلك في قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه" (¬1) وفيه دليل على وجوب إعطاء الأجير أجرته، بل والاستعجال في ذلك أولى من الإبطاء. وقد اتفق الفقهاء على أن للعاقدين (الأجير والمستأجر) أن يتفقا على طريقة دفع الأجرة، فلهما الاتفاق على تعجيلها بعد الاتفاق وقبل الانتهاء من العمل، كما لهما الاتفاق على التأجيل بعد فراغ العامل من عمله، ولا يُمنعا من الاتفاق على تقسيطها حسب ما يتوافق عليه الطرفان (¬2)، في حين اختلف الفقهاء في بعض الحالات، لما لتأخير الأجرة فيها من ممنوعات شرعية منها: الحالة الأولى: إجارة الذمة، كمن يستأجر دابة موصوفة للركوب أو الحمل، أو يقول: ألزمت ذمتك خياطة هذا الثوب أو بناء الحائط (¬3)،وكأن يقول رجل لأحمد- مثلاً-: اتفقت معك على أن تقوم بجلب شخص مواصفاته كذا ليقوم بالإشراف على علاجي لمدة شهر، وأدفع له أجرة كذا، وحينئذ يجوز أن يقوم أحمد بهذا الواجب أو أي شخص تتوافر فيه المواصفات المطلوبة، وفي هذا النوع من الإجارة يرى المالكية (¬4) والشافعية (¬5) أن الأجرة يجب أن تُسلّم في مجلس العقد، وإن كان المالكية (¬6) أجازوا تأخير دفع الأجرة إذا شرع المستأجر في استيفاء المنفعة خلال ثلاثة أيام من تاريخ الاتفاق على العقد، وإن تأخر كان العقد باطلاً؛ لأن المستأجر إذا استوفى جزءاً من المنفعة عُدّ مستوفياً للمنفعة. الحالة الثانية: إذا كانت الأجرة عيناً، كأن تكون الأجرة سيارة مثلاً، ففي هذه الحالة يشترط الشافعية (¬7) والحنابلة (¬8) تعجيل الأجرة؛ لأن الأعيان لا يجوز تأجيلها لما في التأجيل من خوف التلف أو تغيّر ¬

(¬1) سبق تخريجه ص 17. (¬2) الماوردي، الحاوي الكبير، ج9، ص 211. ابن قدامة، المغني، ج6،ص16،الكاساني، بدائع الصنائع، ج4، ص201. (¬3) النووي، روضة الطالبين وعمدة المفتين، ج4، ص344. (¬4) الحطّاب، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، ج6، ص500. (¬5) الشيرازي، المهذّب، ج2، ص406. (¬6) الدسوقي، حاشية الدسوقي، ج4، ص 7. (¬7) الشربيني، محمد، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، ج2، ص71، بدون رقم طبعة، دار الفكر، بيروت، لبنان. (¬8) ابن قدامة، المغني، ج6، ص5.

الأوصاف، وهو ما يسبب الخصومة والشقاق، أما إذا أطلق العاقدان وقت تسليم الأجرة، فتمّ العقد دون الاتفاق على وقت دفع الأجرة، فقد انقسم الفقهاء في وقت التسليم إلى فريقين: الفريق الأول: ذهب الشافعية (¬1) والحنابلة (¬2) إلى أن الأجرة تملك بالعقد ملكاً مراعى، ما يعني أنه كلما مضى جزء من الوقت اتضح أن المؤجر استقرّ ملكه على ما يقابل ذلك، ويستقر بذمة المستأجر إذا انتهت المدة أو استلم العمل، مستدلين بقياس الأجرة في الإجارة على الصداق في النكاح، فكما أن الصداق يجب بعقد النكاح، فكذا الأجرة تجب بعقد الإجارة. الفريق الثاني: ذهب الحنفية (¬3) والمالكية (¬4) إلى أن الأجرة لا تملك بالعقد، وإنما تملك باستيفاء المنافع، واستدلوا بقول الله - سبحانه وتعالى -: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} (¬5) وتدلّ هذه الآية على أن الأجرة تكون بعد الإرضاع؛ لأن الفاء للتعقيب، وردّوا على الفريق الأول بأن قياسهم فاسد؛ لأن علة الأصل لم توجد في الفرع، فعلة الصداق هي تسليم العوض، والمنفعة في عقد الإجارة لم تسلم عند العقد. (¬6) أما الفريق الأول فقد ردّوا استدلال الفريق الأول بأنه غير مسلّم به؛ لأن معنى الآية: فإذا بذلن الرضاع، ويُحتمل أيضاً آخر وهو الإيتاء عند الشروع في الرضاع، أو تسليم نفسها للإرضاع، ومما يوضح ذلك قول الله - سبحانه وتعالى -:" {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (¬7) وموضع الاستدلال أن الإنسان إذا أراد قراءة القرآن فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وليس المراد إذا انتهى من القراءة (¬8)، وقد ذهب الظاهرية إلى أنه لا يجوز اشتراط تعجيل الأجرة ولا تعجيل شيء منها، ولا اشتراط تأخيرها إلى أجل ولا تأخير شيء منها كذلك. (¬9) ¬

(¬1) الأنصاري، زكريا، شرح روض الطالب من أسنى المطالب، ج2، ص409، بدون رقم طبعة، المكتبة الإسلامية، لصاحبها الحاج رياض الشيخ. الشيرازي، (¬2) ابن قدامة، المغني، ج6، ص 14. (¬3) الكاساني، بدائع الصنائع، ج4، ص176. (¬4) الصاوي، أحمد بن محمد، بُلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك على الشرح الصغير للدردير، ج2، ص266. (¬5) سورة الطلاق، آية رقم 6. (¬6) الشريف، الإجارة الواردة على عمل الإنسان، ص221. (¬7) سورة النحل، آية رقم 98. (¬8) الشريف، الإجارة الواردة على عمل الإنسان، ص222. (¬9) ابن حزم، المحلّى، ج5،ص183،مسألة 1290.

ويترجح للباحث- والله أعلم- أن الأجرة لا تملك بالعقد، وإنما باستيفاء المنافع؛ وذلك لأن الآية صريحة وواضحة في وجوب تسليم الأجرة إذا استوفيت المنفعة، حيث جاء في تفسيرها:" فإن أرضعت استحقت أجر مثلها" (¬1) ولا اعتبار للاحتمالات الأخرى، ويؤيد هذا الترجيح قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" يغفر الله لأمتي في آخر ليلة من رمضان، فقيل: يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ولكن العامل إنما يوفّى أجره إذا قضى عمله" (¬2)،وقد نصّ قانون العمل الفلسطيني في المادة رقم (82):" يُدفع الأجر للعامل بالنقد المتداول قانوناً شريطة أن يتم الدفع وفقاً لمايلي: أ. في أيام العمل ومكانه. ب. في نهاية كل شهر للعاملين بأجر شهري. ت. في نهاية كل أسبوع للعاملين على أساس وحدة الإنتاج أو الساعة أو المياومة أو الأسبوع" (¬3) ¬

(¬1) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج6، ص 246. (¬2) رواه أحمد في مسنده، ج13، ص 295،، وقال عنه محقق المسند الشيخ شعيب الأرناؤوط بأن إسناده ضعيف جداً ولكن بعض ألفاظه وردت من طرق أخرى صحيحة. البيهقي، شعب الإيمان، ج3، ص303. (¬3) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص34.

المطلب الرابع ضمانات الوفاء بالأجرة

المطلب الرابع ضمانات الوفاء بالأجرة لأن الأجرة أهم الالتزامات التي يفرضها الشارع الحكيم على المستأجر، فقد منح الإسلام للعامل ضمانات تُعينه على تحصيل أجرته من صاحب العمل، ومن هذه الضمانات: الضمان الأول: حبس العين حتى يحصل العامل على أجرته، وقد قسّم الفقهاء الأجراء إلى قسمين: القسم الأول: من له أثر في العين، كالخياط أو النجار، فهذا النوع اختلف الفقهاء في حكمه، فكانوا على ثلاثة مذاهب: المذهب الأول: منع أصحاب هذا المذهب أن يحبس العامل العين حتى يحصل على أجرته، وقال بذلك بعض الحنفية (¬1)، وهو أحد قولي الشافعية (¬2)، وأحد قولي الحنابلة (¬3) بشرط أن لا يفلس المستأجر، حيث جاء في تبيين الحقائق:" المعقود عليه صار مسلماً على صاحب العين باتصاله بملكه فسقط حق الحبس به؛ لأن الاتصال بإذنه فصار كالقبض بيده، ألا ترى أنه لو أمر شخصاً بأن يزرع له أرضه حنطة من عنده قرضاً، فزرعها المأمور صار قابضاً بملكه، وصار كما إذا صيغ في بيت المستأجر لا يملك الحبس؛ لأن يد المستأجر على منزله" (¬4) ولأن الأجرة في الذمة، ولم يشترط رهن العين فيها، فلا يملك الأجير حبسها بدون إذن أو شرط رهن، ولم توثق الأجرة برهن العين، ولا يكون الرهن إلا برضا مالك الرهن. المذهب الثاني: وقد قال أصحابه بجواز حبس العين لحين الحصول على الأجرة (الجواز المشروط)، وبذلك قال جمهور الحنابلة (¬5)؛ لأن عوض الأجرة (العمل) موجود في العين، كالثوب مثلاً الذي يملك العامل حبسه إذا تبين إعسار المستأجر، أما إذا لم يثبت إعسار المستأجر فلا يحبس العين. ¬

(¬1) الزيلعي، تبيين الحقائق، ج5، ص111.البغدادي، أبو محمد بن غانم بن محمد، مجمع الضمانات في مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، ص45،ط1، المطبعة الخيرية، القاهرة، مصر. (¬2) النووي، محيي الدين بن شرف المجموع شرح المهذب، تحقيق محمد نجيب المطيعي، ج14، ص316، بدون رقم طبعة، مكتبة الإرشاد، جدة، السعودية. (¬3) ابن قدامة، المغني، ج6، ص 116. (¬4) الزيلعي، تبيين الحقائق، ج5، ص111. (¬5) البهوتي، كشاف القناع، ج4، ص37.

المذهب الثالث: الجواز على إطلاقه، وبه قال الحنفية (¬1) وهو مذهب المالكية (¬2)؛ لأن عمل العامل ملك له، فخياطته ملك له وقد التصقت بالعين التصاقاً لا ينفك عنها فجاز له حبسها، وهو ما يترجح للباحث - والله تعالى أعلم -. القسم الثاني: ما ليس لعمل العامل أثر في العين، وذلك كأن يكون الأجير حمّالاً، فاختلف الفقهاء في حبس الأجير للعين إلى قولين: القول الأول: منع الحنفية (¬3) والشافعية (¬4) والحنابلة (¬5) حبس العين التي لا يؤثر عمل العامل فيها، وذلك لأن المعقود عليه هو نفس العمل، وهو فانٍ لا يتصور بقاؤه، فلا يمكن حبسه. القول الثاني: أجاز المالكية (¬6) للعامل حبس ما حمل، لأنه يبيع منفعته، كالبائع الذي يحبس سلعته لحين تسلم الثمن. ويترجح لدى الباحث- والله تعالى أعلم- قول المالكية، لأن صاحب العين قدّم مالاً، بينما قدّم العامل منفعة، فلا يُسلّم العامل ما عنده من أعيان حتى يأخذ عوض منفعته، وقد اعمل العامل بدنه وقضى وقته في العمل فيلزم أن تكون الأجرة مقابل ذلك، وهو أحق الناس بالعين حتى يقبض أجرته، وهذا الحق يثبت للعامل ما دامت العين في يده، أما إذا استلمها صاحبها فلا يجوز للعامل حبسها بالسطو. الضمان الثاني: استحقاق العامل لأجرته إذا أفلس المستأجر. فإذا كان العامل خاصاً ولا يحوز ما يعمل فيه كالبنّاء مثلاً فإنه يقاسم الغرماء حسب حصته، أما إذا كان عاملاً مشتركاً فإن جمهور الفقهاء من الحنفية (¬7) والمالكية (¬8) والشافعية (¬9) والحنابلة (¬10) قالوا بتقديمه ¬

(¬1) الزيلعي، تبيين الحقائق، ج5، ص111. (¬2) الصاوي، بلغة السالك إلى مذهب الإمام مالك، ج2، ص136. (¬3) الزيلعي، تبيين الحقائق، ج5، ص111. (¬4) الشيرازي، المهذب في فقه الإمام الشافعي، ج1، ص417. (¬5) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد، المقنع في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل، طبعة عام 1980م، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، السعودية. (¬6) مالك، المدونة، ج3، ص440. القرافي، الذخيرة، ج5، ص464. (¬7) الزيلعي، تبيين الحقائق، ج5، ص111. (¬8) ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج2، ص366. (¬9) الأنصاري، شرح روض الطالب من أسنى لمطالب، ج2، ص203. (¬10) ابن قدامة، المغني، ج4، ص467.البهوتي، منصور بن يونس، الروض المربع شرح زاد المستنقع، ج2، ص329، طبعة عام 1970م، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، السعودية.

على بقية الدائنين، في حين شذّ الإمام زفر (¬1) - رحمه الله- من الحنفية فمنع الأجير من التقدّم على باقي الغرماء (¬2)، وقد بالغ الحنابلة في تقديم العامل على بقية الأجراء فبيّن صاحب كتاب كشّاف القناع أن الصانع أحق باستيفاء أجرته من صاحب العين المبيعة، ويقدّم على بائعها كرجل اشترى قماشاً مثلاً ودفعه لخيّاط يخيطه قميصاً، ثم أفلس المستأجر وهو لم يدفع قيمة القماش، ولم يدفع أجرة الخياطة، والثوب عند الخياط، فللخيّاط حبس الثوب لاستيفاء أجرته، ولو جاء صاحب القماش يطلبه؛ لأن العمل الذي هو عوض عنها موجود في عين الثوب فملك حبسه مع ظهور عسرة المستأجر (¬3) - وهذا موقف القانون الذي أشار إليه في المادة رقم (85):" وفقاً لأحكام القانون يُعتبر أجر العامل من الديون الممتازة" (¬4)، وهذا الإمتياز يقع على جميع أموال صاحب العمل، من عقارات ومنقولات، كما أن هذا الإمتياز يشمل كل ما ينشأ عن علاقة العمل من حقوق للعامل سواء في حال حياته أو بعد مماته، ونصّ على ذلك قانون العمل الأردني في مادته رقم (51) التي نصّت في الفقرة الأولى على أنه:" على الرغم مما ورد في أي قانون آخر تعتبر الأجور والمبالغ المستحقة بموجب أحكام هذا القانون للعامل أو ورثته أو المستحقين بعد وفاته ديوناً ممتازة امتيازاً عاماً من الدرجة الأولى تتقدم على ما عداها من سائر الديون الأخرى بما في ذلك الضرائب والرسوم والحقوق الأخرى المستحقة للحكومة والديون المؤمنة برهونات عقارية أو تأمينات عينية" (¬5) وفي الفقرة الثانية من نفس المادة نصّت على أنه:" في حالة تصفية المؤسسة أو إفلاس صاحب العمل يدفع المصفّي أو وكيل التفليسة للعامل أو لورثته فوراً وبمجرد وضع يده على أموال صاحب العمل ما يُعادل أجرٌ واحد من المبالغ المستحقة له قبل تسديد أي مصروفات أخرى بما في ذلك المصروفات القضائية ومصروفات التفليسة أو التصفية" (¬6) الضمان الثالث: الامتناع عن استكمال بقية الزمن في الإجارة المحددة بالزمن. (¬7) ¬

(¬1) زفر بن الهذيل، ولد سمة 110هـ، وأصله من أصبهان، كان أبو حنيفة- رحمه الله- يجلّه ويعظمه ويقول عنه:" هو أقيس أصحابي" وكان تناظر معه في الفقه حيث كان جيّد اللسان، بينما كان أبو يوسف يضطرب في مناظرته، ت 158هـ. اللكنوي، الفوائد البهية في تراجم الحنفية، ج1،ص 76. (¬2) الزيلعي، تبيين الحقائق، ج5، ص111. (¬3) البهوتي، كشاف القناع، ج4، ص37. (¬4) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص 35 .. (¬5) موقع وزارة العمل الأردنية على شبكة الانترنت http://www.mol.gov.jo (¬6) المرجع نفسه http://www.mol.gov.jo (¬7) ابن عابدين، حاشية رد المحتار على الدرّ المختار، ج6، ص34. الشربيني، مغني المحتاج، ج5، ص295، ابن قدامة، المغني، ج6، ص136.

ومن حق العامل حماية أجره من تلاعب أصحاب العمل، ذلك لأن الأجرة تعتبر مالاً، وجب على الدولة حمايته إذا أراد صاحب العمل تبخيسه، وفي قصه الخضر عليه السلام أكبر برهان وأصدق دليل على ذلك، فقد قام بإحداث خرق في سفينة العمّال خوفاً من اغتصابها من الملك الظالم لها، فعمله هذا بمثابة حماية لأموال العمّال، والأجرة جزء من تلك الأموال، ولم ينصّ قانون العمل الفلسطيني في أيٍ من نصوصه على الضمانات التي يملكها العامل لاستيفاء أجرته، إلا ما يُمكن أن نسميه الحق القانوني في الأجرة، حيث يُمكن للعامل المطالبة باجرته قضائياً.

المطلب الخامس قواعد الوفاء بالأجرة

المطلب الخامس قواعد الوفاء بالأجرة ذكر قانون العمل الفلسطيني مجموعة من القواعد التي قررها للوفاء بالأجر، وهي على النحو الآتي: أولاً: وجوب دفع الأجرة بالنقد المتداول قانوناً، إلا أن يتم الاتفاق بين الطرفين على عقد بديل، ولكن هذا الأمر لا بدّ من مراعاة تغيّر قيمة هذا النقد المتفق عليه بين الطرفين، حتى لا يلحق ظلم بالعامل بتغيّر قيمة النقد الذي يتقاضى راتبه بناءً عليه، فإذا اتفق الطرفان على أن يكون راتبه بعملة الدولار مثلاً فينبغي الأخذ بعين الاعتبار تغيّر قيمة الدولار تغيّراً فاحشاً يُنقص القيمة الشرائية للراتب. ثانياً: مكان دفع الأجرة، حيث أقرّ المشرّع الفلسطيني أن يكون دفع الأجرة في مكان العمل، والحكمة من ذلك هي أن يوفر على العامل النفقات وعناء الانتقال إلى مكان آخر غير مكان عمله، إلا إذا وافق العامل أن يتم تحويل راتبه إلى مصرف آخر في مكان آخر، ويبطل الاتفاق على دفع أجر العامل في مكان غير مكان عمله بدون موافقته. ثالثاً: زمان دفع الأجرة، فقد نصّ قانون العمل الفلسطيني على أن يكون دفع الأجرة بعد انتهاء المعيار الزمني المتفق عليه، وأكدّ على أنه لا يجوز تأخير الأجرة بعد خمسة أيام من تاريخ الاستحقاق - مع اختلاف بينه وبين قانون العمل الأردني الذي جعلها سبعة أيام، وهذا ما يُحسب للقانون الفلسطيني لأنه في مصلحة العامل- كلّ هذا إلا إذا وافق العامل على غير ذلك، كما له أن يتقاضى دفعات من راتبه خلال فترة عمله، كما أنه لا بدّ أن يكون دفع الأجرة في أيام العمل، ولا يجوز أن يكون وقت دفع الأجرة خلال أيام الراحة الأسبوعية أو الشهرية، وذلك حتى يأخذ العامل حظه في الراحة الأسبوعية ويتفرغ لشؤونه الأسرية الخاصة، وإذا فعل العامل ذلك فإنه يفوّت على العامل راحته المقررة قانوناً وشرعاً. رابعاًَ: إثبات دفع الأجرة، فقد يتم توقيع العامل على سجل الأجور، أو على إيصال يفيد أنه قبض أجرته، لكن ذلك لا يعني إسقاط حقه في أي زيادة على المبلغ المقبوض، بل قد يكون للأجرة توابع أخرى كالعلاوات مثلاً، والأصل أنه لا يوجد طريقة محددة لإثبات الوفاء بالأجر في القانون الفلسطيني، إلا إذا نصّ النظام الداخلي للمؤسسة على مثل هذه الطريقة، وإن لم ينصّ عليه النظام الداخلي فإن هذا يخضع للقواعد العامة.

خامساً: تقادم الحق في الأجر، وهو:" مضي مدة معينة على وجوب أداء الحق، يمنع من سماع الدعوى أمام القاضي" (¬1)، أو هو:"مضي مدة محددة قضاء على إمكان إقامة الدعوى، التي تسقط به دون الحق مع إنكاره" (¬2)، أما عن طبيعة التقادم في الشريعة الإسلامية فإنها تمنح حق التملك لشخص وضع يده على عين لم تكن مملوكة أحد أصلاً لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" من أحيا أرضاً ميتة فهي له" (¬3) ولم ينصّ قانون العمل الفلسطيني على قواعد خاصة بتقادم الحق في الأجر، لذا ينبغي الرجوع إلى القواعد العامة في القانون المدني، حيث احتوى ثلاثة أنواع من التقادم: الأول: بمضي خمس سنوات لكل حق دوري متجدد، ولو أقرّ به المدين، كأجرة المباني والأراضي الزراعية والرسوم المستحقة للدولة والمرتبات والمعاشات. الثاني: بمضي ثلاث سنوات كحقوق الأطباء والصيادلة، على أن تكون هذه الحقوق مستحقة لهم عما أدّوه من أعمال. الثالث: بمضي سنة واحدة، ويشمل حقوق العمال والخدم والأجراء مقابل ما قاموا به من توريدات (¬4). ¬

(¬1) حامد محمد عبد الرحمن، نظرية عدم سماع الدعوى للتقادم، ص 84، رسالة دكتوراه غير منشورة بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، سنة 1976 م، لم أتمكن من الإطلاع عليها، بل كان ذلك في ملخصها المنشور على الانترنت. http://www.biblioislam.net/ar/Elibrary (¬2) محمد حسن إبراهيم، أحكام التقادم في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة، ص 22، رسالة دكتوراة من جامعة القاهرة، وقد أُجيزت عام 2004م، بإشراف الدكتور محمد بلتاجي والدكتور حسن إبراهيم محمد عبد الرحيم. (¬3) رواه الترمذي في سننه، ص326، برقم (1376)، وقال عنه الألباني: حديث صحيح. (¬4) نص المادة رقم (410) من القانون المدني الفلسطيني.

المبحث الرابع: حق العامل في الإجازات

المبحث الرابع: حق العامل في الإجازات ويشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: الإجازة السنوية المطلب الثاني: الإجازة الأسبوعية المطلب الثالث: الإجازة المرضية المطلب الرابع: الإجازة العارضة المطلب الخامس: إجازة الأمومة

المطلب الأول الإجازة السنوية

المطلب الأول الإجازة السنوية عند البحث عن تعريف الإجازة لغة، فإننا نجد أن علماء اللغة وضعوا لها مجموعة من المعاني التي تعبر عنها هذه الكلمة، منها: أولاً: قطع الطريق. (¬1) ثانياً: إنفاذ الأمر والرأي، ومنها ما رواه أنس بن مالك - رضي الله عنهم - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك، فقال: هل تدرون مما أضحك؟ قال: قلنا الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربه، يقول يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول بلى، قال: فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني، قال: فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا، قال: فيختم على فيه، فيقال لأركانه انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام، قال: فيقول بُعداً لكنّ وسحقاً، فعنكنّ كنت أناضل " (¬2) أي لا أنفذ ولا أمضي. (¬3) ثالثاً: تكون الإجازة بمعنى الأعطية والجائزة، ومنها قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم به" (¬4). وهذه المعاني المذكورة كلها تخدم موضوع هذا المطلب، فإذا نظرنا إلى التعريف الأول منها والذي هو بمعنى قطع الطريق، فهذا يعني أن العامل بإجازته يقطع مشوار العمل، سواء كانت الإجازة في منتصف الأسبوع أو في نهايته، وهو ما يعطيه قوة بدنية ومعنوية لمواصلة عمله بعد راحته. أما التعريف اللغوي الثاني والذي هو إنفاذ الأمر فيوافق ضرورة التزام العامل وصاحب العمل بأوامر واضع القانون الذي هو ولي الأمر، وهذه الأوامر هي التي قررت أن الإجازة هي حق للعامل، وواجب على صاحب العمل، وفي التعريف الثالث ترسيخ لمضمون الإجازة التي تجعل منها فترة راحة ومكافأة على العمل الذي قام به قبل الإجازة، وتشجيع للعامل على الجدّ والاجتهاد بعد العودة إلى العمل. ¬

(¬1) الأزهري، محمد بن أحمد، تهذيب اللغة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، بدون رقم طبعة، ج11، ص148، مادة جئز، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، مصر. (¬2) رواه مسلم في صحيحه، ص1235، كتاب الزهد، برقم (2969). (¬3) الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، ج4، ص19، مادة جوز. (¬4) رواه البخاري في صحيحه، ص 746، كتاب الجهاد، باب هل يُستشفع أهل الذمة، يرقم (3053) ورواه مسلم في صحيحه، ص 693، كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي به، برقم (1637).

أما تعريف الإجازة اصطلاحاً: فلم أجد - بعد طول عناء وبحث- من علماء الشريعة أحداً وضع لها تعريفاً نظراً لأن هذه التراتيب الإدارية لم تكن معروفة لديهم، مع أن الشواهد النبوية تشير إلى ضرورة إعطاء البدن ما يحتاجه من وقت للراحة، ويؤيد هذا حادثة مؤاخاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان الفارسي (¬1) وأبي الدرداء (¬2) -رضي الله عنهما-، حيث آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما فزار سلمان أبا الدرداء، فرأَى أُمّ الدرداء مُتبذِّلَة، فقال لها: ما شأنكِ؟ قالت: أَخوك أَبو الدرداء، ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أَبو الدرداء، فصنع له طعامًا، فقال: كُل فإني صائم، قال: ما أَنا بآكلٍ حتى تأْكل، فأَكل، فلما كان الليل ذهب أَبو الدرداء يقوم، فقال: نم، فنام ثم ذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان آخر الليل قال سلمان: قم الآن، قال: فصلَّيا، فقال له سلمان: إِن لربك عليْك حقاً، ولنفسك عليك حقًا، ولأَهلك عليك حقًا، فأَعط كلّ ذي حقّ حقه، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"صدق سلمان" (¬3) و قد جاء في تعليق صاحب فتح الباري حول هذا الحديث أن فيه جواز النهي عن المستحبات إذا خشي أن يفضي إلى السآمة والملل، وتفويت الحقوق المطلوبة الواجبة منها أو المندوبة، وفيه أيضاً كراهة الحمل على النفس في العبادة (¬4)، وإذا كانت الكراهة قد وردت على حمل النفس على العبادة على حساب الصحة والعافية فمن باب أولى أن تكون الكراهة في حمل النفس على العمل، وإعمال البدن فوق طاقته داخل تحت هذه الكراهة. ومن خلال تقرير الرسول - صلى الله عليه وسلم - لقاعدة " إن لبدنك عليك حقا" يمكن تعريف الإجازة على أنها: فترة انقطاع العامل عن دوامه الرسمي في العمل بإذن صاحب العمل لعوارض سيأتي ذكرها عند الحديث عن أنواع الإجازت، والحكمة من هذا الانقطاع- والله تعالى أعلم- أن العمل دون راحة يولّد الملل ¬

(¬1) سلمان الفارسي، أبو عبد الله، يُعرف بسلمان الخير، أصله من فارس من رام هرمز، ومن قرية يقال لها جيّ، كان إذا قيل له: ابن من أنت؟ قال: أنا سلمان ابن الإسلام من بني آدم، توفي في آخر خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنهما، وكان ذلك سنة 35هـ. ابن عبد البر، الإستيعاب في معرفة الأصحاب، ج2، ص638. (¬2) عويمر بن عامر، وقيل أن اسمه عويمر بن قيس بن زيد، شهد أحداً وما بعدها، قال عنه معاذ بن جبل- رضي الله عنهما- التمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام الذي كان يهودياً فأسلم" مات بعد معركة صفين سنة 32هـ وقيل سنة 31هـ. ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج3، ص 1230 .. (¬3) رواه البخاري في صحيحه، ص 466، كتاب الصوم، باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع، برقم (1968) ورواه مرة أخرى، ص 1553، كتاب الأدب، باب صُنع الطعام والتكلّف للضيف، برقم (6139). (¬4) ابن حجر، فتح الباري، ج4، ص212.

والكسل، ويورث الإرهاق الجسدي الذي تنعكس آثاره السلبية على قدرة العامل على الإنتاج والعطاء، وقد وردت الإشارات النبوية إلى تخصيص يوم للراحة والتفرغ للأشغال الخاصة، ومالت تلك النصوص إلى جعله يوم الجمعة لفضله وعظيم شأنه، حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" ما على أحدكم إن وجدتم أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبيّ مهنته" (¬1) وعليه إذا قررت الدولة أن العمل ثماني ساعات مثلاً وجب التقيّد بذلك، كما أنها عندما تقرر يوماً من أيام الأسبوع ليكون يوماً لراحة العمال يكون جمهور العمّال ملزمين بذلك اليوم، ونشير هنا إلى أن قانون العمل الفلسطيني - كغيره من القوانين العربية - لم يأت على تعريف الإجازة، بل خاض في غمار تفصيلاتها مباشرة. وقد قررت الشريعة الإسلامية أن لولي الأمر الحق في تخصيص يوم من أيام الأسبوع لراحة العمال، كلٌ حسب إمكانيات عمله، وهذا من باب السياسة الشرعية ذات المجال الفسيح في الأمور الاجتهادية التي تخضع لتقدير ولي الأمر للمصالح العاملة، وهو ما قرره قانون العمل الفلسطيني، حيث نصّ في المادة رقم (74) من أنه:" يستحق العامل إجازة سنوية مدفوعة الأجر مدتها أسبوعان عن كل سنة في العمل، وثلاثة أسابيع للعامل في الأعمال الخطرة أو الضارة بالصحة، ولمن أمضى خمس سنوات في المنشأة" (¬2). وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن الأولى في القانون أن لا يسمح بتلك الأعمال الضارة بالصحة ابتداءً، لا أن يُعطي العامل فيها إجازة أطول من غيرها من الأعمال، كما أن القانون لم يوضح معياراً للضرر للذي يمكن أن يلحق بالإنسان، وهل هو ضرر بالصحة الجسدية أم الصحة النفسية، أم بهما معاً؟، ثم إن قصر هذه الأعطية على من أمضى خمس سنوات في المنشأة يُلحق الظلم بالعامل الذي أمضى أقل من ذلك، وهو ما يجعله يعمل الخمس سنوات متواصلة، ولا يرتاح إلا أيام الجمعة أو العطلة الأسبوعية، وفي ذلك من الإرهاق الكثير، مع أنه قد يُنجز عملاً أكثر ممن أمضى عشرات السنوات في المنشأة، ثم إن النص القانوني بحاجة إلى تقييد السنوات الخمس بالتواصل أم عدمه. ويمكن ردّ أصل تقرير هذه الإجازة لاندراجها تحت مبدأ المحافظة على النفس والبدن في الإسلام لقصة سلمان الفارسي وأبي الدرداء - رضي الله عنهما- (¬3)، كما تندرج تحت الأمور الدنيوية التي أرجعها الرسول - صلى الله عليه وسلم - للناس، قياساً على حادثة تلقيح النخل، حيث مرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوم يلقحون، فقال: لو لم ¬

(¬1) رواه أبو داود في سننه، ص 170، كتاب الصلاة، باب اللباس للجمعة، برقم (1078)، ورواه ابن ماجه في سننه، ص 197، كتاب إقامة الصلوات، باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة، برقم (1095)، وهو حديث صحيح. (¬2) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص32. (¬3) سبق ذكرها وتخريجها ص 126.

تفعلوا لصلح، فخرج شيصاً (هو البسر الرديء، الذي إذا يبس صار حشفاً، أو هو أردأ التمر) (¬1) فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا، قال: "أنتم أعلم بأمر دنياكم" (¬2). وقد نصّ القانون في نفس المادة السابقة في الفقرة الثانية على عدم جواز تنازل العامل عن إجازته السنوية، وهذا حرص من القانون نحسبه له على أن يستفيد العامل من هذه الفترة المعطاة له لراحته واستعادة نشاطه، ولكن لا أرى مانعاً من تنازله عن بعضها إذا كان العامل بحاجة إلى دخلٍ مادي إضافي، خصوصاً أن العمل في أوقات الراحة والإجازة له من الأجر أكثر من غيره من الأيام، وأشير هنا إلى أن هذا النوع من الإجازات يشترك فيه جميع العمّال، بغضّ النظر عن جنسهم أو مؤهلهم العلمي أو طبيعة عملهم، وهذه المدة الممنوحة للعامل تمثل الحد الأدنى، لذا يُعتبر باطلاً كل اتفاق بين العامل وربّ العمل على أيام أقل مما هو منصوص عليه. ¬

(¬1) النووي، صحيح مسلم بشرح النووي، ج8، ص104. (¬2) رواه مسلم في صحيحه، ص1001، كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله النبي شرعاً دون ما ذكره من معايش الدنيا على سبيل الرأي، برقم (2363).

المطلب الثاني الإجازة الأسبوعية

المطلب الثاني الإجازة الأسبوعية ذكر فقهاء الشريعة الإسلامية على أن المسلم لو استأجر رجلاً يهودياً شهراً كاملاً، كانت أيام السبت مستثناة من هذا العمل، وكذلك لو استأجر المسلم نصرانياً فإن أيام الأحد مستثناة أيضاً، وهكذا الحال بالنسبة للمسلم، فإن أيام الجمعة مستثناة أيضا (¬1)، وتتلخص فكرة هذا النوع من الإجازات بغياب العامل عن عمله الرسمي يوم واحد وبأجر مدفوع، وقد رأينا أن تحديد هذا اليوم يختلف باختلاف ديانة العامل، فالمسلم يغيب يوم الجمعة، واليهودي يغيب يوم السبت، وكذلك النصراني يوم الأحد، مع أن الشريعة الإسلامية أفسحت المجال لطرفي الإنتاج بالاتفاق على أي يوم آخر مع مراعاة المصالح الثلاث (مصلحة العامل، مصلحة صاحب العمل، مصلحة العمل بحدّ ذاته). وقد نصّ قانون العمل الفلسطيني في المادة رقم (72) على أن:" للعامل الحق في راحة أسبوعية مدفوعة الأجر لا تقل عن 24 ساعة متتالية، ويجوز بناءً على اتفاق طرفي الإنتاج تجميعها مرة واحد في الشهر وتُحتسب الراحة الأسبوعية مدفوعة الأجر إذا عمل العامل ستة أيام متصلة قبلها، ويُحسم من ذلك نسبة الأيام التي يغيبها العامل عن العمل" (¬2)، وفي المادة التالية رقم (73) نصّ القانون على أن:" يوم الجمعة هو الراحة الأسبوعية إلا إذا كانت مصلحة العمل تقتضي تحديد يوم آخر بصورة منتظمة" (¬3)، مع أن تغيير يوم الإجازة من يوم الجمعة ليوم آخر لا أرى أنه يُشترط فيه الانتظام، فقد يضّطر صاحب العمل لاستبدال يوم الجمعة بيوم آخر لمدة ثلاثة أسابيع مثلاً، وذلك تماشياً مع ظروف العمل. مع أن في هذا إغفالاً من القانون لوجود موظفين من غير المسلمين، لذلك فإن ما نصّ عليه فقهاء الشريعة قديماً هو الأقرب إلى الصواب، والأسهل عند التطبيق العملي، مع أن المتأمل في النصوص الواردة حول يوم الجمعة لا يجد فيها ما يوجب أن تكون الإجازة يوم الجمعة، إلا أن الأحاديث النبوية تشير إلى أن يوم الجمعة يوم عيد، وقد ذكرنا سابقاً الخلاف بين الفقهاء في العمل يوم الجمعة، يُضاف إلى ذلك استحقاق العامل لإجازة الأعياد مدفوعة الأجر، وقد أضاف القانون تلك الأعياد الرسمية -مع تحفظ الباحث على هذا المسمى- لأن ماهية ما يُسمى بالأعياد الرسمية بحاجة إلى توضيح وحصر، لا أن يبقيها القانون مطلقة، وخاضعة لتقدير مجلس الوزراء، وتختلف باختلاف توجهات الوزير المعني أو توجهات مجلس الوزراء، إلا أن قانون الخدمة المدنية الفلسطيني ¬

(¬1) الشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، ج3، ص403. (¬2) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص32. (¬3) المصدر نفسه، ص32.

ذكرها في المادة رقم (7) من اللائحة التنفيذية لقرار مجلس الوزراء رقم (45) لسنة 2005م، لكنه حصرها للموظفين العاملين في الدوائر الحكومية فقط دون غيرهم، فكانت ثلاثين يوماً للمسلمين والنصارى الشرقيين والغربيين والطائفة السامرية.

المطلب الثالث الإجازة المرضية

المطلب الثالث الإجازة المرضية لا شك أن المرض ابتلاء من الله عز وجل، وهو ما يؤثر سلباً على قدرة العامل الإنتاجية، وقد يحول في بعض الحالات دون قيام العامل بالعمل، ويندرج استحقاق العامل تحت الرحمة بالإنسان كونهم إخواناً لأصحاب العمل، والأخ لا بدّ وأن يكون رحيماً بأخيه، فيعينه على التغلب على مرضه، لهذا كله جاء قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" إخوانكم خَولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم" (¬1). ولقد رأينا فيما تقدم أن أصل استحقاق العامل لأُجرته هو استيفاء المستأجر للمنافع، فإذا لم يستوف المستأجر المنافع فلا أجر للعامل، وعليه فقد نصّ بعض الفقهاء على أن العامل لا يستحق الأجرة إذا مرض وانقطع عن العمل بعذر أو بغير عذر، حيث جاء في المبسوط:" ولو كان يبطل من الشهر يوماً أو يومين حوسب بذلك من أجره، سواء كان من مرض أو بطالة لأنه يستحق الأجر بتسليم منافعه، وذلك ينعدم في مدة البطالة، سواء كان بعذر أو بغير عذر" (¬2)، أما الموقف القانوني من الإجازة المرضية فقد نصّ قانون العمل الفلسطيني في المادة رقم (79) على أنه:" بناءً على تقرير اللجنة الطبية يستحق العامل إجازة مرضية مدفوعة الأجر خلال السنة الواحدة مدتها أربعة عشر يوماً، وبنصف الأجرة لمدة أربعة عشر يوماً أخرى" (¬3) والمتأمل في هذه المادة يتبين له بعض الملاحظات عليها منها: 1. إن تحديد الموافقة على الإجازة المرضية الطارئة بوجود تقرير اللجنة الطبية المعتمدة من جهة التشغيل فيه من التضييق على العامل، إذ قد لا يجرؤ على طلب الإجازة المرضية ليوم واحد خوفاً من عناء المراجعات والانتظار للحصول على تقرير هذه اللجنة. 2. يستحق العامل هذه الإجازة مرة واحدة في السنة الواحدة، ولم يتبين موقف القانون من مرض العامل مرة أخرى. 3. يرى الباحث أن جعل الإجازة مدفوعة الأجر كاملاً أربعة عشر يوماً قليل نسبياً. 4. ينبغي التدرج في احتساب الأجر خلال الإجازة المرضية، فعلى سبيل المثال لو بُدء بشهر كامل تكون الإجازة بأجر كامل، ثم يُعطى العامل مدة عشرين يوماً أخرى بثلثي الأجر، وإن كان هناك حاجة ¬

(¬1) سبق تخريجه ص 69. (¬2) السرخسي، المبسوط، ج15، ص 162. (¬3) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص 33.

لوقت إضافي يُعطى العامل عشرة أيام إضافية بنصف الأجر، ويحتسب للعامل أجر فيما يحتاجه من فترة أخرى بنسبة مئوية تكفيه كأن تكون 10% مثلاً، وفي ذلك التدرج إدامة للمودة والإحسان بين العامل وصاحب العمل، وليكون ذلك مدعاة للعامل للإخلاص في عمله إذا علم أن دخله الشهري قد ينقص ولكنه لن ينقطع بسبب مرضه المؤقت، ولو كان نظام التأمينات الاجتماعية معمولاً به في أيام كتابة هذه السطور لأحلنا العامل المريض على ما يقرره هذا القانون.

المطلب الرابع الإجازة العارضة

المطلب الرابع الإجازة العارضة يعتبر غياب العامل دون إذن من صاحب العمل خطأً منه، ومن ثَّم يشكل مبرراً لفصله، وإذا طالت مدة الغياب، فإن ذلك يُعد خطأً جسيماً من العامل يبرر فصله دون إخطار أو تعويض، وإذا كان غياب العامل بسبب قوة قاهرة مؤقتة فإن هذا الغياب يكون مبرراً لوقف عقد العمل، ولكن قد يحدث أمر من الأمور العائلية للعامل مثل زواج العامل، أو زواج ابنه، أو وفاة أحد أفراد أسرته، أو ولادة طفل له، وهذه من الأمور المهمة في حياة العامل، وغيرها الكثير من الأمور الشخصية، كما يقتضي مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود السماح للعامل بالتغيّب عن العمل في مثل هذه المناسبات، فإذا وجد أمر من هذه الأمور كان للعامل التغيّب عن العمل دون الحصول على رضاء صاحب العمل في صورة إذن مسبق أو في صورة موافقة لاحقة، لكن لصاحب العمل مطالبة العامل بتقديم الدليل على وجود الأمر العارض الذي منعه من الحضور إلى العمل، فإذا لم يقدم العامل هذا الدليل كان لصاحب العمل اعتبار غيابه بدون عذر. وقد توقع المشرّع الفلسطيني حدوث هذه العوارض- دونما توضيح لأحكامها-، فجاء في المادة رقم (78) حيث نصّت:" يجوز للعامل التغيّب عن العمل لسبب عارض مثبت لمدة عشرة أيام في السنة، تحتسب من الإجازة السنوية على أن لا تتجاوز المدة ثلاثة أيام متتالية في المرة الواحدة" (¬1) وهذا على خلاف الإجازات الأخرى التي ذُكرت من حيث أن تلك الإجازات لا تحتسب من الإجازات السنوية، والملاحظ أن قانون العمل الفلسطيني سكت بخصوص أن هذه الإجازة مدفوعة الأجر أم لا؟ (¬2)، ولم يحدد الأمور الشخصية والعائلية- وهذه تحتسب للقانون- بل أبقى حسم اعتبار ما إذا كان الأمر عارضاً لمحكمة الموضوع عند التقاضي، مع العلم أن العامل قد يتردد بالغياب لسبب عارض إذا كان قد استنفذ مدة الإجازة السنوية المقررة له، والأصل أن لا يُحرم الإجازة العارضة، حتى لو استنفذ إجازته السنوية والعشرة أيام المقرر له كإجازة عارضة وحدث له عارض عائلي أو شخصي، ولكن لا يحق له الحصول على أجر عن أيام التغيّب، فالعارض هنا من قبيل الاستحالة المعنوية المؤقتة التي تؤدي إلى وقف عقد العمل ولكن لا تنهيه. ¬

(¬1) المصدر نفسه، ص 33. (¬2) مشاقي، شرح قانون العمل الفلسطيني، ص54.

المطلب الخامس إجازة الأمومة

المطلب الخامس إجازة الأمومة تبدأ مرحلة الطفولة منذ ولادة الطفل وحتى بلوغه سن الاحتلام، حيث يدلُّ على ذلك قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (¬1)؛ فقد دلّت الآية الكريمة على أن بلوغ الطفل هو وقت تكليفه بالاستئذان على من يدخل عليهم، كما أنه هو سن تكليفه بالأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات، ويرى جمهور الفقهاء من الحنفية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) أن حضانة النساء تنتهي باستغناء الطفل عن خدمة النساء وذلك ببلوغ الصبي سبع سنوات عند الحنفية، وسبع سنوات عند الحنابلة (¬5)، أما المالكية فقد نصّوا على أن حضانة الذكر تستمر إلى سنّ البلوغ، أما الأنثى فتستمر حضانتها إلى أن تتزوج ويدخل بها زوجها (¬6)، ولاشك أن تحديد سن الطفولة بهذا القدر من الأعوام فيه حماية أكثر للطفل ورعاية له حتى يشب صحيحًا من الناحية البدنية والنفسية بعد أن أخذ حقه في الرعاية كاملاً طوال تلك المدة، ولم يختلف الفقهاء كثيراً عند تعريفهم الحضانة والمحضون؛ فهي عند المالكية"حفظ الولد والقيام بمصالحه؛ والمحضون هو من لا يستقل كالصغير؛ فتستمر حضانته في الذكر إلى البلوغ على المشهور، وفي الأنثى إلى دخول الزوج بها" (¬7)، وتوسع الشافعية في تعريف الحضانة فهي "حفظ من لا يستقل، وتربيته، وتنتهي في الصغير بالتمييز" (¬8)، أما بعده إلى البلوغ فتسمى كفالة، وقد اتفق الفقهاء من الحنفية (¬9) ¬

(¬1) سورة النور، آية رقم 59. (¬2) ابن الهمام، فتح القدير، ج3، ص316. ابن نجيم، البحر الرائق، ج4، ص184. (¬3) قليوبي، أحمد سلامة، عميرة، أحمد البرلسي، حاشيتا قليوبي وعميرة، ج4، ص91، بدون رقم طبعة، دار إحياء الكتب العربية، مصر. (¬4) ابن مفلح، المبدع شرح المقنع، ج8، ص238. المقدسي، عبد الرحمن، العدة شرح العمدة، تحقيق خالد عبد الفتاح شبل، ص 447، ط1، 2002م، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، لبنان. (¬5) ابن مفلح، الفروع، ج، ص620. المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ج9، ص430. (¬6) الدسوقي، حاشية الدسوقي، ج2، ص526. الخرشي، محمد، حاشية الخرشي على مختصر سيدي خليل، ج3، ص347، بدون رقم طبعة، دار الفكر، بيروت، لبنان .. (¬7) ابن جزي، القوانين الفقهية، ص 223. (¬8) الشربيني، مغني المحتاج، ج5، ص 191. الشربيني، الإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع، ج2، ص148. (¬9) ابن عابدين، رد المحتار، ج5،ص 253.الزيلعي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، ج 3، ص 46.

والشافعية (¬1) والحنابلة (¬2) في قول لهم على أن الحضانة حق للحاضن (الأم)، واستدلوا على ذلك بقول الله - سبحانه وتعالى -: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} (¬3) وموضع الاستدلال في هذه الآية أن هناك إشارة إلى جواز أن ترضع المولود بعد المعاسرة امرأة أخرى، وأن والدته لا تُجبر على إرضاعه، كما استدلوا بما ورد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن امرأة قالت:" يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثدي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني فأراد أن ينتزعه مني"، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "أنتِ أحق به ما لم تنكحي (¬4) "، أما الحنفية (¬5) في المعتمد عندهم فقد ذهبوا إلى أن الحضانة حق للولد على أمه وتُجبر عليه إذا لم يوجد من تحضنه، أو وجد من يحضنه لكنه امتنع من قبول غير أمه، وأما إذا لم تتعين الأم حاضنة فالحضانة حق للمحضون فتُجبر عليها، ودليهم في هذا القول قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (¬6)، والأمر للوجوب، بمعنى أن الأم تُجبر على إرضاع ولدها، وفي هذا دلالة على أنها تُجبر على حضانته (¬7)، وقال المالكية أن الحضانة تتعين على الأب، لذا فهي حق للولد عليه، وهي حق له على أمه في حال تعينها عليها وذلك في حولي الرضاعة إذا لم يكن للمحضون أب ولا مال يُستأجر له منه حاضنة، أما إذا لم تتعين فالحضانة حق للمحضون (¬8)، وقد استدلوا على قولهم بأن الحاضن إذا ¬

(¬1) النووي، روضة الطالبين الطالبين، ج6، ص 504.الشربيني، مغني المحتاج، ج5، ص194. (¬2) ابن مفلح، الفروع، ج5،ص 613. المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ج6، ص13. (¬3) سورة الطلاق، آية رقم 6 .. (¬4) أخرجه أحمد في مسنده، ج11، ص310، برقم (6707) وحكم عليه شعيب الأناؤوط بأنه حديث حسن، ورواه أبو داود في سننه، كتاب الطلاق، باب من أحق بالولد، برقم (2276) وقال عنه: حسن. (¬5) ابن نجيم، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ج4، ص180. ابن عابدين، حاشية ردّ المحتار على الدر المختار، ج5، ص560. (¬6) سورة البقرة، آية رقم 233. (¬7) ابن الهمام، فتح القدير، ج3، ص314. (¬8) التسولي، البهجة شرح التحفة، تحقيق محمد عبد القادر شاهين، ج3، ص645، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان .. العبدري، محمد بن يوسف، التاج والإكليل لمختصر خليل، ج5، ص595، بدون رقم طبعة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. ابن رشد، محمد بن أحمد، مقدمات ابن رشد، ج2، ص 376، بدون رقم طبعة، مطبعة السعادة، مصر.

أسقط الحضانة بعوض الخلع أو بغير عوض أصلاً فإنها تسقط، ولو كانت حقاً للمحضون لما سقطت بإسقاطه، ولأن الحاضن لا أجرة له من أجل الحضانة على المشهور عندهم، إذ الإنسان لا يأخذ أجراً على الواجب عليه، ولو كانت الحضانة حقاً للمحضون لكانت له الأجرة (¬1)، ويرى الباحث - والله تعالى أعلم - أن الحق في الحضانة مشترك بين الحاضن والمحضون، لأن الحضانة بطبيعتها لا توجد إلا بهما، ولكلٍ منهما فيها حق، حيث إن حق المحضون متمثل في البقاء وكذلك حق الحاضن متمثل في تربية ورعاية المحضون وإن كان حق المحضون أقوى لحاجته إليها. (¬2) وتعتبر العناية بالطفل منذ ولادته من أساسيات حياته، وحضانته دليل على استقامته النفسية وسلامته الفكرية والبدنية، وللحضانة دلالة لغوية، حيث تعني احتضان الشيء، أو وضعه في الحِضن، والحضن من الإنسان ما كان دون الإبط إلى الكِشح، وحضن الطائر بيضه، إذا ضمه إلى نفسه تحت جناحيه، وكذلك المرأة إذا حضنت ولدها. (¬3) وفي المصطلح الشرعي تعني الحضانة تربية الطفل ومراعاة مصلحته في وقت يعجز ولا يميّز بين ضرّها ونفعها (¬4)، ومن الفقهاء من جعلها:" حفظ الطفل عما يضرّه، وتربيته بغسل رأسه وبدنه وثيابه، ودهنه وتكحيله، وربطه في المهد وتحريكه لينام ونحو ذلك" (¬5)، ويعتبر هذا التعريف الأقرب لما نناقشه (إجازة الأمومة)، لأنه ذكر ما تقوم به المرأة الموظفة التي تستحق هذه الإجازة، ومن المعاصرين من جعلها القيام على الولد الصغير بما يصلحه تربية وحفظاً حتى يستقلّ بأموره (¬6). وتقرر مستند الحضانة في قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} (¬7) فراعت الشريعة الفطرة البشرية والتكوين الجبلّي للإنسان السوي، إذ الطفل يحتاج إلى ¬

(¬1) التسولي، البهجة شرح التحفة، ج3، ص645. (¬2) عقلة، محمد، نظام الأسرة في الإسلام، ج3، ص353، ط2، 1990م، مكتبة الرسالة الحديثة، عمان، الأردن. (¬3) الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، ج5، ص2101، مادة حضن، ط2، 1979م، دار العلم، بيروت، لبنان. (¬4) الماوردي، الحاوي الكبير، ج11، ص498. (¬5) المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ج9، ص416. (¬6) حمادة، فاروق، أحكام الحضانة في الإسلام سياج لحماية الطفولة، بحث منشور في مجلة الأحمدية، العدد الثالث، ص4، والمؤلف مدرس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة محمد الخامس بالرباط، وهو سوري الأصل. (¬7) سورة الإسراء، آية رقم 24.

صبر طويل، ورأفة مرفقة بالعناية واللطف،،واستحقاق الأم لهذه الوظيفة التي بناءً عليها استحقت إجازة الأمومة أن امرأة كانت قد تزوجها عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - خاصمته إلى أبي بكر - رضي الله عنهم - فقال:"هي أعطف وألطف وأرحم وأحنا وأرق، وهي أحق بولدها ما لم تزوَّج، و ريحها وشمّها ولطفها خير منك (¬1) ". وقد نبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهمية تنشئة الطفل تنشئة صالحة، فقال: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه، أوينصِّرانه، أويمجِّسانه" (¬2)، ولقد سبق الإسلام الأمم والشعوب الكافرة التي انتبهت لأهمية المحاضن، وخطورتها، وتأثيرها في تكييف عقلية الناشئة على المنهج، والفلسفة، والسلوك الذي يراد منه، حيث تنبع إجازة الأمومة من حضانة الأم لمولودها، حيث يُقاس استحقاق الأم لهذه الإجازة على استحقاقها للتفرغ من أجل حضانة المولود، وقد أعطى قانون العمل الفلسطيني حق الانقطاع عن العمل للمرأة المتزوجة والعاملة حين وضع المولود حفاظاً على الحقوق التي كفلها الإسلام للمولود الجديد وللأم المربية والحاضنة، فنصّ في المادة رقم (103):" للمرأة العاملة التي أمضت في العمل قبل كل ولادة مدة مائة وثمانين يوماً الحق في إجازة وضع لمدة عشرة أسابيع مدفوعة الأجر منها ستة أسابيع بعد الولادة" (¬3) ومما يؤخذ على هذا النص مايلي: 1. أن تختصّ المرأة العاملة التي أمضت في العمل ستة أشهر بإجازة الوضع فيه من الظلم الذي يمكن أن يحيق بالمرأة الحامل التي تلتحق بالمنشاة وهي تقترب من وقت وضعها، ففي هذه الحالة يحق لصاحب العمل رفض الموافقة على منحها هذه الإجازة - نظراً لنصّ القانون - ومن هنا ستضطر العاملة النفساء التوجه للعمل في الأيام الأولى من وضعها للحمل، وذلك خوفاً على مستقبل وظيفتها أو انقطاع راتبها، لذا ينبغي العمل على أن يكون هذا الحق لجميع العاملات بغضّ النظر عن المدة التي أمضتها في العمل، لأن هذا الانقطاع عن العمل لا مجال لتأجيله أو منعه. 2. تحديد الإجازة بعشرة أسابيع قليل بالنسبة للعاملة الشابة التي وضعت لأول مرة، نظراً لقلة خبرتها في تربية الأطفال. 3. لم تذكر النصوص القانونية المدة القانونية التي يجوز للمرأة العاملة طلب الإجازة بدون راتب، وهل يحق للمرأة العاملة أن تطلب الإجازة بدون راتب لمدة طويلة، وهل يحق لصاحب العمل الامتناع عن الموافقة؟. ¬

(¬1) الصنعاني، عبد الرزّاق، المصنّف، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، ج7، ص154،ط1، 1972م، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، ولم أقف على حكم للمحدثين على هذا الأثر. (¬2) رواه البخاري في صحيحه، ص327، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، برقم (1385). (¬3) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص41.

4. تحدثت بعض القوانين العالمية عن استحقاق الرجل إجازة عند وضع امرأته، وفي ذلك من القبول في حالات معيّنة منها مثلاً أن تكون المرأة الواضعة تحتاج مساعدة ولا أحد غير زوجها، كذلك لو كان المولود أو المواليد بحاجة إلى رعاية صحية أو مراجعات للمستشفيات، ويُذكر هذا ليكون للعامل الأحقية في مثل هذه الإجازة ولكن لا تُسمى إجازة أمومة، نظراً لارتباط الأمومة بالأم، ولكن ممكن أن تسمى بإجازة طارئة أو إجازة خاصة، وقد حصل الآباء البريطانيون منذ عام 2004م على حقهم في إجازة الأبوة، حيث يعطى حق أخذ الإجازة للآباء وللأمهات على السواء، وفي السويد اعترافاً بالمساواة بين الجنسين وبعداً عن التمييز، أقرّت الحكومة السويدية قوانين تُلزم بالمساواة في كل مناحي الحياة العامة، وفرضت المساواة في الأجور للرجال والنساء الذين يؤدون نفس الوظائف، وأعطت الرجال والنساء حقوقاً متساوية من حيث إجازات الأبوة، وقد أقرت لجنة العمل والشؤون الاجتماعية في البرلمان الإسباني مشروع قانون يمنح الأب بموجبه إجازة لمدة شهر لمساعدة زوجته في تحمل مسؤولية تربية الطفل، وأجمعت جميع الأحزاب على القانون الجديد، باستثناء الحزب الشعبي المعارض، الذي امتنع عن التصويت، ونحن نرى أن هذه القوانين تنطلق من منطلقات غير أخلاقية ولا دينية، وإنما من معتقدات تلزمهم بمساواة الرجل للمرأة، وذلك على حساب الأسرة والقوامة والسكينة. 5. حرصاً من المشرّع القانوني الفلسطيني على سلامة الطفل أولاه رعاية خاصة، فقد أعطى المرأة المرضع الحق بإرضاع وليدها أثناء العمل بعد إجازة الوضع لمرة واحدة أو مرات لا تقل في مجموعها عن ساعة يومياً وذلك لمدة سنة من تاريخ الوضع، مع إقراره بأن هذه الساعة الزمنية تكون محسوبة من ساعات العمل اليومي، فقد ورد في المادة رقم (104) من قانون العمل الفلسطيني:" للمرأة المرضع الحق بفترة أو فترات رضاعة أثناء العمل لا تقل في مجموعها عن ساعة يومياً لمدة سنة من تاريخ الوضع" (¬1)، ولكن مما يُلاحظ على هذا النص هو اشتراط مدة الساعة لمدة سنة من تاريخ الوضع وليس من تاريخ انتهاء إجازة الولادة، وربما أخطأ القانون في هذا، إذ إن المرأة تكون قد أمضت عشرة أسابيع خارج نطاق العمل، لذا فإن الأولى عدم احتساب فترة العشرة أسابيع من ضمن السنة التي أشار إليها القانون (¬2)، وكان من الأولى بالقانون منع أصحاب العمل من تشغيل النساء قبل إنهاء العشرة أسابيع وذلك كنظيره الأردني، حيث استحدث نوعين جديدين من الإجازات وبتفصيل واضح، هما: النوع الأول: إجازة التفرغ لتربية الأطفال، حيث نصّ في المادة رقم (67) أن للمرأة الحق بأن تحصل على إجازة تفرّغ لتربية أطفالها، ولكنه شرطها بشروط منها: 1. أن تكون المؤسسة التي تعمل بها المرأة يعمل بها عشرة عمال فأكثر. ¬

(¬1) المصدر نفسه، ص42. (¬2) مشاقي، شرح قانون العمل الفلسطيني، ص55، بتصرف يسير.

2. أن يكون لدى المرأة العاملة أكثر من طفلين. 3. أن يكون هدف المرأة من الحصول على الإجازة التفرّغ لتربية أطفالها، على أن تطلب المرأة العاملة هذه الإجازة قبل البدء فيها بمدة معقولة. 4. عدم التزام صاحب العمل بدفع الأجر خلال هذه الإجازة. 5. أن تكون هذه الإجازة لمدة سنة واحدة فقط. النوع الثاني: إجازة المرافقة لأحد الزوجين، وذلك حرصاً من المشرّع الأردني على بقاء العلاقات الأسرية قوية ومتماسكة، حيث أشار في المادة رقم (68) من قانون العمل الجديد على أنه لكل من الزوجين الحصول على إجازة لمرة واحدة دون أجر لمدة لا تزيد عن سنتين لمرافقة زوجه، إذا انتقل إلى عمل آخر يقع خارج المحافظة التي يعمل فيها داخل المملكة أو حتى إلى عمل يقع خارجها، ويستنتج من هذا الكلام القانوني: 1. أن يكون كل من الزوجين عاملاً. 2. أن ينتقل أحد الزوجين العاملين إلى مكان عمل آخر. 3. أن تكون الإجازة في حدود سنتين طول مدة خدمة العامل. (¬1) وقد أشار قانون العمل الفلسطيني لمثل هذه الإجازات - دونما تفصيل- في المادة رقم (105) حيث نصت:" وفقاً لمصلحة العمل يجوز للمرأة العاملة الحصول على إجازة بدون أجر لرعاية طفلها أو لمرافقة زوجها" (¬2) وهو ما يُثير التساؤل عن الرجل العامل، هل يجوز له طلب إجازة لمرافقة زوجته العاملة؟ ¬

(¬1) رمضان، الوسيط في شرح قانون العمل الجديد، ص 368، بتصرف. (¬2) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص 42.

المبحث الخامس: حق العامل في التأمين والتعويض

المبحث الخامس: حق العامل في التأمين والتعويض وفيه مطلبان: المطلب الأول: التأمين في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني. المطلب الثاني: التعويض في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني.

المطلب الأول التأمين في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني

المطلب الأول التأمين في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني جاء في تعريف التأمين لغة ما نصه:" أمن: الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان: أحدهما الأمانة التي هي ضد الخيانة، ومعناها سكون القلب، والآخر التصديق" (¬1)، وجاء في المفردات:" أمن: أصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف، والأمن والأمانة والأمان في الأصل مصادر، ويجعل الأمان تارة اسماً للحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن، وتارة اسماً لما يؤمن عليه الإنسان" (¬2)، سوف يظهر من هذين التعريفين أن لفظة التأمين تعود في اللغة إلى الأمن، والأمن والأمان تحدثان في النفس طمأنينة عند زوال ما تخشاه، أو تتوجس منه النفس، وهذا بالضبط ما يحدث للمؤمِن عند اتفاقه مع شركة التأمين. وفي الاصطلاح القانوني يمكن تعريف عقد التأمين بأنه:" عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث او تحقق الخطر المبين بالعقد، وفي نظير ذلك قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن" (¬3)، أما في الاصطلاح الفقهي فيمكن تعريفه بأنه:" ضمان بعوض في مقابل عوض" (¬4). ومن الفقهاء المعاصرين من عرّفه بقوله:" التأمين التزام طرف لآخر بتعويض نقدي يدفعه له أو لمن يُعيّنه، عند تحقق حادث احتمالي مبين في العقد، مقابل ما يدفعه له هذا الآخر من مبلغ نقدي في قسط أو نحوه" (¬5)، وعرّفه آخرون كنظام بقولهم:" نظام تعاقدي يقوم على أساس المعاوضة، غايته ¬

(¬1) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 1، ص 135، مادة (أمن). (¬2) الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، تحقيق محمد سيد كيلاني، ص25،طبعة عام 1961م، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده. (¬3) العروان، ابراهيم بن عبد الرحمن، عقد التأمين التجاري وحكمه في الفقه الإسلامي، ص6، ط1، 1995م، بحث مقدم لمركز البحوث التربوية في كلية التربية، جامعة الملك سعود. (¬4) المصدر نفسه، ص9. (¬5) ابن ثنيان، سليمان بن ابراهيم، التأمين وأحكامه، ص 40، ط1، 1993م، دار العواصم المتحدة، قبرص، بيروت، لبنان، أصل الكتاب رسالة علمية نال بها صاحبها رسالة الدكتوراة من جامعة الإمام محمد بن سعود.

التعاون على ترميم أضرار المخاطر الطارئة بواسطة هيئات منظَّمة تزاول عقوده بصورة فنية قائمة على أُسس وقواعد إحصائية" (¬1) ويتكون عقد التأمين من عناصر سبعة هي: 1. المؤمن (الطرف الذي يتعهد بدفع مبلغ التأمين عند تحقق الخطر المؤمن ضده). 2. المستأمن (الطرف الذي يتعهد بدفع قسط التأمين المتفق عليه للمؤمن). 3. مبلغ التأمين (العوض الذي يتم دفعه من قبل المؤمن عند تحقق الخطر). 4. قسط التأمين (المبلغ الذي يتم دفعه من قبل المستأمن في مقابل التأمين). 5. المستفيد (الذي يستحق مبلغ التأمين عند تحقق الخطر المؤمن ضده سواء كان المستأمن نفسه أو من يقوم مقامه). 6. المؤمن ضده (الخطر أو الحادث الذي يُحتمل وقوعه). 7. المؤمن عليه (الشيء الذي يُخشى عليه من الخطر المؤمن ضده خلال فترة العقد). (¬2) وقد اختلف الفقهاء في حكم التأمين التجاري، فانقسموا فيما بينهم إلى فريقين: الفريق الأول: القائلون بالجواز (¬3)، وقد استدلوا بأدلة أكثرها يستند إلى القياس منها: 1. الأصل كان في الشريعة إباحة العقود، والتأمين واحد من هذه العقود، لقول الله - سبحانه وتعالى -: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (¬4)، وفي هذه الآية ما يدل على إباحة كل ما خلقه الله للناس، إلا ما ورد دليل على تحريمه، وقد يُناقش هذا الاستدلال بأن فيه حجة على قائليه لا لهم فيه حجة، وذلك لأن عقد التأمين يصطدم مباشرة بهذا الاستدلال، حيث قامت الأدلة التي توضح حُرمة الربا كما في قوله - سبحانه وتعالى -: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ ¬

(¬1) الزرقا، مصطفى، نظام التأمين - حقيقته والرأي الشرعي فيه -، ص19، ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. (¬2) السنهوري، عبد الرزاق، الوسيط في شرح القانون المدني، ج7، ص1143، طبعة عام 1964م، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر. (¬3) الشيخ مصطفى الزرقا، الشيخ عبد الله صيام، الدكتور محمد البهي وزير الأوقاف الأسبق في مصر، الشيخ عبد الحميد السايح، الشيخ علي الخفيف. (¬4) سورة البقرة، آية رقم 29.

اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (¬1) ومعلوم أن عقد التامين يقوم على الربا. 2. قياس التأمين على ضمان خطر الطريق، وهو أن يقول إنسان لآخر اسلك هذا الطريق فإنه آمن، فإن كان فيه من يُخيفك ويأخذ مالك فأنا ضامن، فإذا سلكه وأخذ ماله فإنه يضمن، وهذا قول الحنفية (¬2)، ويُناقش هذا القياس بأنه قياس مع الفارق، حيث لا علة جامعة بين المقيس والمقيس عليه، فالعلة في ضمان خطر الطريق هي التغرير المتسبب في الإتلاف، أما العلة في عقد التأمين هي الالتزام بدفع أقساطه. 3. قياس التأمين على الإجارة، فالحارس الأجير يحقق الأمان لمن استأجره، والتأمين يحقق الأمان للمؤمن لهم، وعند مناقشة هذا الاستدلال يتبين مايلي: أ لا جامع بين الإجارة والتأمين، فالعلة في الإجارة هي حفظ المحروس، بينما العلة في التأمين هي الحصول على مبلغ التأمين عند تحقق الخطر. ب أجرة الحارس هي مقابل ما يقوم به من عمل، أما الأقساط في عقد التأمين هي مقابل نقود مؤجلة، وهي مجهولة المقدار والأجل. ت يضمن الحارس إذا تعدّى، وليس من المعقول أن نقول بضمان شركات التامين مع أنها لم تتعد. 4. قياس التأمين على الوديعة وذلك بجامع المصلحة في كل منهما، فكما تستفيد الشركة من الأقساط لديها مقابل ضمانها المؤمن عليه يستفيد المودع إليه من أجرة حفظ الوديعة، ولكن لا وجه لقياس التأمين على الوديعة، لأن التأمين يقوم على المعاوضة الصرفة، أما الوديعة فتقوم على البرّ والحفظ تبرعاً. 5. احتج المبيحون لعقد التأمين بأن المصلحة تقتضيه، على اعتبار أن التأمين يحقق مصلحة للناس، وفيه طمأنينة لأصحاب الأموال والتجارات، ويُجاب على هذا الاستدلال بما يلي: أ التأمين لا مصلحة فيه، وإنما فيه مفسدة عظيمة حيث تكديس الأموال في يد قلة خاصة من الناس (شركة التأمين). ب حتى لو سلمنا بأن التأمين فيه مصلحة، فإنها مصلحة مرسلة وهي أصلاً محل خلاف بين العلماء. 6. ذهب المبيحون للتأمين إلى أنه قد عمّ وانتشر في العالم حتى أصبح عرفاً عاماً، ويُردّ على هذا الاستدلال بأن العُرف بحدّ ذاته ليس دليلاً مستقلاً، بل هو أصلُ يُستعان به على فهم النصوص ¬

(¬1) سورة البقرة، آية رقم 275. (¬2) ابن عابدين، حاشية رد المحتار على الدر المختار، ج3، ص271.

الشرعية، كما أننا لو فرضنا أن التأمين صار عرفاً فإن إباحته بناءً على العرف يكون باطلاً، لأن العرف قد خالف أدلة شرعية تحرّم الربا والغرر وأكل أموال الناس بالباطل. الفريق الثاني: القائلون بالتحريم (¬1)، ومن أدلتهم: 1. أن التأمين قائم على الربا بنوعيه (ربا الفضل وربا النسيئة) وذلك يكون في حالة وقع الحادث فإن مبلغ التأمين المدفوع من الشركة إلى الشخص المؤمَّن له إما أن يكون أقل أو أكثر مما دفعه من أقساط، وفي ذلك اجتماع لنوعي الربا، فربا الفضل يكون لعدم المساواة في المبلغ المدفوع، وربا النسيئة يكون في تأخير أحدهما عن الآخر، بمعنى أن التأمين عبارة عن مبادلة نقود بنقود متأخرة في الأجل، وزائدة في المقدار. 2. اعتبر المحرّمون التأمين نوعاً من أنواع القمار، ولا يُمكن أن يقوم عقد التأمين إلا بوجود عنصري الخطر والاحتمال، وهما مقوّمات القمار. 3. وجود الغرر في التأمين، حيث يمكن تعريف الغرر بأنه:" الخطر الذي استوى فيه طرف الوجود والعدم بمنزلة شك" (¬2)، أو هو" ما تردد بين أمرين ليس أحدها أظهر" (¬3)، والغرر محرم شرعاً بما رواه مسلم في صحيحه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن بيع الحصاة (¬4) وعن بيع الغرر" (¬5)، وعقد التأمين عقد ¬

(¬1) العلامة ابن عابدين، الشيخ محمد بخيت المطيعي، الشيخ محمد أبو زهرة، الشيخ محمد علي السايس، الشيخ محمد الضرير، الشيخ طه الديناري، الشيخ عبد الستار السيد، شيوخ الأزهر: محمد الأحمدي سليم مطر البشرى وحسونة النواوي، الشيخ نجم الدين الواعظ مفتي الديار العراقية، الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير، هيئة كبار العلماء في السعودية، المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، المجمع الفقهي الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي. موقع علماء الشريعة http://www.olamaashareah.net/nawah.php?tid=665 (¬2) الكاساني، بدائع الصنائع، ج5، ص163. (¬3) البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج2، ص145. (¬4) جاء في تأويل معنى بيع الحصاة ثلاثة تأويلات: الأولى: أن يقول البائع: بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها، أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة. الثانية: أن يقول بعتك على أنك بالخيار إلى أن أرمي بهذه الحصاة. الثالثة: أن يجعلا نفس الرمي بالحصاة بيعاً. النووي، صحيح مسلم بشرح النووي، ج5، ص329. (¬5) رواه مسلم في صحيحه، كتاب البيوع، باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر، ص 634، برقم (1513)

معاوضة يتوقف حصولها على أمر احتمالي، وهو وقوع الخطر، فإن وقع الخطر حصل المؤمَّن له على بدل الأقساط (مبلغ التأمين)، وإن لم يقع له حوادث لم يحصل على شيء ضاع ما دفعه من أقساط، وحتى لو وقع له حادث فإنه لا يدري كم سيكون مبلغ التأمين. ولا ننكر وجود فريق ثالث (¬1) أباح بعض أنواع التأمين التجاري كالتأمين على الحياة، مستدلاً بأن عقد التأمين عقد مضاربة، فالمال من جانب المشتركين، والعمل من جانب الشركة والربح لهما (¬2)،ويندرج تأمين العمال تحت التأمين على الأشخاص كأحد أنواع التأمين التجاري الذي يبرمه الشخص مع شركة التأمين ضد الأخطار التي تهدد بدنه كالموت أو فقدان أحد أعضاء جسمه مما يقعده عن العمل والكسب. التأمين لأضرار العمل: " هو نظام إجباري غالباً، تشرف عليه الدولة، و غالباً ما تقوم به، لا بقصد تحقيق الأرباح المادية المالية، يموّله أصحاب العمل غالباً، وقد تشترك معهم الحكومة بمساهمات دورية موحدة أو مختلفة في المقدار أو النسبة، ليحصل المؤمن عليه إذا أصيب بضرر من عمله على العلاج حتى شفائه أو استقرار حالته، أو لمدة محدودة أو بكلفة محدودة، وعلى التأهيل للعمل إن احتاج إليه، وعلى تعويض عن عجزه الجزئي أو الكلي الذي حدث له، وليحصل هو أو معالوه عند انقطاع دخله بسبب إصابته أو موته بها على قدر موحد، أو نسبة من دخله مرة واحدة أو بصفة دورية أو بعض ذلك" (¬3)، وصورة هذا النوع من التأمين أنه يُقتطع من راتب العامل نسبة أقل من النسبة التي تقتطع من راتب الموظف - نظراً لقلة دخل فئة العمال- فيُقتطع -على سبيل المثال- نسبة 5% مثلاً من راتب العامل، ويساهم صاحب العمل بنسبة 10% ليكون المجموع 15% من كامل راتب العامل، ونظراً لارتباط التأمين العمالي بنظام التقاعد واشتراكهما في الهيئة تقريباً، لأنهما فرعان لنوع واحد من أنواع التأمين (التأمين الاجتماعي) كونهما من عقود المعاوضة، وقد نص قانون العمل الفلسطيني على أنه:"يجب على صاحب العمل أن يؤمن جميع عماله عن إصابات العمل لدى الجهات المرخصة في فلسطين" (¬4) ولكن دون توضيح نسبة الاقتطاع من راتب العامل وما يدفعه المشغّل، مما يعني ترك الأمر بيد صاحب العمل. وقد صدرت العديد من الفتاوى الصادرة عن المجامع الفقهية المعاصرة بشأن التأمين التجاري منها: ¬

(¬1) الشيخ عبد الوهاب خلاف. (¬2) آل محمود، عبد اللطيف محمود، التأمين الاجتماعي في ضوء الشريعة الإسلامية، ص306، ط1، 1994م، دار النفائس، بيروت، لبنان (¬3) آل محمود، التأمين الاجتماعي في ضوء الشريعة الإسلامية، ص285. (¬4) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص 47.

أولاً: قرار اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية، وهذا نصه بسؤاله:" ما حكم التأمين: مثل التأمين على السيارة، والتأمين على البضائع والعمال والمصانع، كما أن التأمين أحيانا يكون باختيار الشخص، وأحيانا يجبر عليه بشرط من البائع، كأن يشترط البائع أن تؤمن على السيارة التي يبيعها لك بالتقسيط، وكذلك الذي يرسل لك بضاعة من الخارج، وإذا كان هناك ما هو مباح وما هو محرم، وهل يعتبر التأمين من أنواع الربا؟ الجواب: ما ذكر في السؤال هو من التأمين التجاري، والتأمين التجاري محرم؛ لما يشتمل عليه من الغرر والجهالة اللذين لا يعفى عنهما، والمقامرة، وأكل المال بالباطل، والربا، وكل هذا دلت الأدلة على تحريمه" (¬1) ثانياً: قرر المجمع الفقهي الإسلامي، في دورته الأولي المنعقدة في 10 شعبان 1398هـ بمكة المكرمة بمقر رابطة العالم الإسلامي، بعد ما اطلع على كثير مما كتبه العلماء في ذلك، وبعد ما اطلع أيضًا على ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته العاشرة بمدينة الرياض بتاريخ 4/ 4/1379هـ. بقراره رقم (55) من التحريم للتأمين التجاري بأنواعه. وبعد الدراسة الوافية، وتداول الرأي في ذلك، قرر مجلس المجمع الفقهي بالأكثرية- عدا فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا- تحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه، سواء كان على النفس، أو البضائع التجارية، أو غير ذلك. (¬2) ثالثاً: قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهذا نصّه:" إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، المنعقد في مؤتمره بجدة من 10 - 16 ربيع الثاني 1405هـ، الموافق 22 - 28 (ديسمبر) 198م، وبعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع حول التأمين وإعادة التأمين، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي: 1. أن عقد التأمين التجاري ذا القسط الثابت الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري عقد فيه غرر كبير مفسد للعقد، ولذا فهو حرام شرعاً. رابعاً: فتوى خاصة بالتأمين الصحي صادرة عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، هذا نصّها:" إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، المنعقد في دورته السادسة عشرة بدبي في 30 صفر - 5 ربيع الأول 1426هـ، الموافق 9 - 14 (إبريل) 2005م، وبعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع التأمين الصحي، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي: ¬

(¬1) الفتوى رقم (2233)، المجلد رقم 15، ص 249، http://www.alifta.com/Fatawa/. (¬2) مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي http://www.themwl.org

1. تعريف التأمين الصحي: عقد التأمين الصحي: اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو مؤسسة تتعهد برعايته، بدفع مبلغ محدد أو عدد من الأقساط لجهة معينة على أن تلتزم تلك الجهة بتغطية العلاج أو تغطية تكاليفه، خلال مدة معينة. 2. أساليب التأمين الصحي: التأمين الصحي، إما أن يتم عن طريق مؤسسة علاجية، أو عن طريق شركة تأمين تقوم بدور الوسيط بين المستأمن وبين المؤسسة العلاجية. 3. حكم التأمين الصحي: أ إذا كان التأمين الصحي مباشراً مع المؤسسة العلاجية فإنه جائز شرعاً بالضوابط التي تجعل الغرر يسيراً مغتفراً، مع توافر الحاجة التي تُنزل منزلة الضرورة؛ لتعلق ذلك بحفظ النفس والعقل والنسل وهي من الضروريات التي جاءت الشريعة بصيانتها، ومن الضوابط المشار إليها: · وضع مواصفات دقيقة؛ تحدد التزامات كل من الطرفين. · دراسة الحالة الصحية للمستأمن والاحتمالات التي يمكن التعرض لها. · أن تكون المطالبات المالية من المؤسسة العلاجية إلى الجهة، مرتبطة بالأعمال التي تم تقديمها، وليس بمبالغ افتراضية كما يقع في شركات التأمين التجارية. ب إذا كان التأمين الصحي عن طريق شركة تأمين إسلامي (تعاوني أو تكافلي)، تزاول نشاطها وفق الضوابط الشرعية التي أقرها المجمع في قراره رقم 9 (9/ 2) بشأن التأمين وإعادة التأمين، فهو جائز. ج- إذا كان التأمين الصحي، عن طريق شركة تأمين تجاري فهو غير جائز، كما نص على ذلك قرار المجمع أعلاه. 4. الإشراف والرقابة: على الجهات المختصة القيام بالإشراف والرقابة على عمليات التأمين الصحي، بما يحقق العدالة ويرفع الغبن والاستغلال وحماية المستأمنين (¬1). خامساً: قرر مجمع البحوث الإسلامية في المؤتمر الثالث أن ما يندرج تحت التأمين التعاوني والاجتماعي من التأمين الصحي والبطالة والشيخوخة وإصابة العمل وما إليها بجوازه. (¬2) ولم تمنع الشريعة الإسلامية معاملة إلا وأوجدت البديل الإسلامي لها، وهنا قد عالج الفقه الإسلامي هذه النازلة بإيجاد ما يُسمى اليوم (بالتأمين التكافلي) والذي أجازته معظم المجامع الفقهية المعاصرة، ولتوضيح فكرته أنقل نص الفتوى الصادرة عن هيئة كبار العلماء وكذلك اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية حول شركة التكافل للتأمين الإسلامي:"الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد: ففي الدورة العاشرة لمجلس هيئة كبار العلماء، المنعقدة بمدينة الرياض في شهر ربيع ¬

(¬1) موقع لواء الشريعة http://www.shareah.com/index.php?/records/view/action (¬2) السالوس، علي أحمد، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة والاقتصاد الإسلامي، ص379، ط10، 2008م، دار الثقافة، الدوحة، قطر.

الأول، عام 1397هـ، اطلع المجلس على ما أعده جماعة من الخبراء، فيما يصلح أن يكون بديلا من التأمين التجاري، والأسس التي يقوم عليها لتحقيق الأهداف التعاونية الشرعية، التي أنشئ من أجلها، وصلاحيته أن يكون بديلا شرعا عن التأمين التجاري بجميع أنواعه. وبعد استماع المجلس إلى ما دعت الحاجة إلى قراءته مما أعد في ذلك، وبعد الدراسة والمناقشة وتداول الرأي قرر المجلس -ما عدا فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع - جوازه، وإمكان الاكتفاء به عن التأمين التجاري في تحقيق ما تحتاجه الأمة من التعاون على وفق قواعد الشريعة الإسلامية، للأمور الآتية: الأول: أن التأمين التعاوني من عقود التبرع التي يقصد بها أصالة التعاون على تفتيت الأخطار، والاشتراك في تحمل المسئولية عند نزول الكوارث، وذلك عن طريق إسهام أشخاص بمبالغ نقدية، تخصص لتعويض من يصيبه الضرر، فجماعة التأمين التعاوني لا يستهدفون تجارة ولا ربحا من أموال غيرهم، وإنما يقصدون توزيع الأخطار بينهم والتعاون على تحمل الضرر. الثاني: خلو التأمين التعاوني من الربا بنوعيه: ربا الفضل، وربا النسأ، فليس عقود المساهمين ربوية، ولا يستغلون ما جمع من الأقساط في معاملات ربوية. الثالث: أنه لا يضر جهل المساهمين في التأمين التعاوني بتحديد ما يعود عليهم من النفع؛ لأنهم متبرعون، فلا مخاطرة ولا غرر ولا مقامرة بخلاف التأمين التجاري، فإنه عقد معاوضة مالية تجارية. الرابع: قيام جماعة من المساهمين أو من يمثلهم باستثمار ما جمع من الأقساط لتحقيق الغرض الذي من أجله أنشئ هذا التعاون، سواء كان القيام بذلك تبرعا أو مقابل أجر معين (¬1). وقد جاء قانون العمل الفلسطيني ليُلزم صاحب العمل بتأمين العمال ضد إصابات العمال، فنصّ في المادة رقم (116) على أنه:" يجب على صاحب العمل أن يؤمن جميع عماله عن إصابات العمل لدى الجهات المرخصة في فلسطين" (¬2)، ويجد الباحث في هذه المادة حاجة للتوضيح بحيث يشمل التأمين الوقاية والعلاج من المخاطر الآتية: 1. المخاطر الميكانيكية، وهي التي تنشأ عن الاصطدام أو الاتصال بين جسم العامل وين جسم صلب، كمخاطر المباني والأجهزة والآلات، ويدخل في ذلك مخاطر الانهيار. 2. المخاطر الطبيعية: وهي كل ما يؤثر على سلامة العامل وصحته نتيجة لعوامل خطر أو ضرر طبيعي كالحرارة والرطوبة والبرودة، أو الإشعاعات الضارة أو زيادة أو نقص الضغط الجوي. ¬

(¬1) http://www.alifta.com/Fatawa/fatawacoeval.aspx?View (¬2) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص 49.

3. المخاطر الكيماوية: وهي ما تحدث من تأثير مواد كيماوية تتسرب إلى جسم العامل، كالغازات والأبخرة. 4. المخاطر السلبية: وهي التي ينشأ الضرر أو الخطر من عدم توافرها كوسائل الإنقاذ أو الإسعاف، كما أنها لم تبين التزامات شركة التامين أو المؤمن عليه، وهنا في ظل هذه الحاجة وتعطيل تطبيق نظام التأمينات الاجتماعية الفلسطيني يبقى الرجوع لمجلة الأحكام العدلية أو النظام الخاص بشركات التأمين. والذي يترجح لدى الباحث - والله تعالى أعلم - حرمة التأمين التجاري، وجواز التامين التعاوني بديلاً عنه، وإن اضطر العامل لقبول التامين التجاري نظراً لأنه ملزم به في كثير من المنشآت فلا بأس في ذلك، وفي حال استحقاق العامل مبلغاً من التامين بدلاً من إصابة أو علاج فليأخذ ما يساوي الذي دفعه من أقساط، أما التأمين الصحي فلا بأس من استفادة العامل منه في مصاريف العلاج له ولأسرته.

المطلب الثاني التعويض في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني

المطلب الثاني التعويض في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني جاء في كتب اللغة أن التعويض هو ضد البدل، والجمع أعواض، ويُقال: أعضت فلاناً إذا أعطيته بدل ما ذهب منه (¬1)، وقد دلّ على ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنهم - عندما قال:" فلما أحل الله ذلك للمسلمين - يعني الجزية - عرفوا أنه قد عاوضهم أفضل ما خافوا" (¬2) أي أبدلهم كسباً طيباً أفضل مما كانوا يخشون فوته، وقد قال الإمام الشافعي- رحمه الله -:" سافر تجد عوضاً عمن تفارقه" (¬3) أي بدلاً مكافئاً عمن تنأى عنه وتغترب، ومن اشتقاقات مادة العوض أيضاً التعويض وهو" اللفظ الذي نقصد الحديث عنه" حيث جاء في لسان العرب بعد أن ذكر المؤلف اشتقاقات كثيرة للفظ العوض:" ... والمستقبل التعويض" (¬4)، أما في اصطلاح الفقهاء فلم أقف على ذكرٍ للفظ التعويض بعينه، وإنما استعملوا بدلاً منه لفظ الضمان، وقد تفاوتت تعاريف الفقهاء للضمان، فقد عرّف الحنفية الضمان بقولهم:" هو إيجاب مثل التالف إن أمكن أو قيمته، نفياً للضرر بقدر الإمكان" (¬5)، وهو عند الشافعية:" حق ثابت في ذمة الغير" (¬6) وهو عند الحنابلة:" ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق" (¬7) ويعتبر تعريف الحنابلة من الأبعد عن المعنى المطلوب كونه يخص لفظ الضمان بالكفالة، مع أن الحنابلة يستعملون لفظ الضمان في حالات التعويض بالمثل أو القيمة، ويرى الباحث أن تعريف الحنفية هو الأقرب للمعنى المراد من التعويض لأنه أبرز معنى الضرر. وقد ذكر الإمام ابن القيم -رحمه الله - عبارات يمكن اعتبارها تعريفاً للتعويض فقال:" ... تغريم الجاني نظير ما أتلفه" (¬8) وقال في موضع آخر:" العوض هو مقابلة المتلف من مال الآدمي" (¬9) ¬

(¬1) ابن منظور، لسان العرب، ج9، ص 55. (¬2) ابن الأثير، علي بن محمد بن عبد الكريم، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق محمود محمد الطناحي وطاهر أحمد الزاوي، ج2، ص320، بدون رقم طبعة، دار إحياء التراث، بيروت، لبنان. (¬3) الشافعي، محمد بن إدريس، ديوان الشافعي، ص48،ط1، 1996م، دار صادر، بيروت، لبنان. (¬4) ابن منظور، لسان العرب، ج9، ص55. (¬5) الزيلعي، تبيين الحقائق، ج5، ص223. (¬6) الشربيني، مغني المحتاج، ج2، ص198. (¬7) ابن قدامة، المغني، ج4، ص59. (¬8) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج2، ص152. (¬9) المصدر نفسه، ج2، ص 117.

ولم تذكر عبارات ابن القيم - رحمه الله - محل الضرر الواجب فيه التعويض، ولكنها أفهمت القارئ أنها تختص بالضرر المالي. وبما أن هذا المصطلح من المصطلحات الحديثة والتي لم تكن معروفة قديماً اجتهد العلماء المعاصرون لبيان المقصود منه فقالوا:" التعويض هو ردّ بدل التالف" (¬1) أو هو:" جبر الضرر الذي يلحق المصاب" (¬2) ومنهم من عرّفه بقوله:" هو تغطية الضرر الواقع بالتعدي أو الخطأ" (¬3) ويمكن تعريفه بأنه " المال الذي يُحكم به على من أوقع ضرراً على غيره في نفس أو مال" (¬4) ومن بين هذه التعاريف السالفة الذكر يميل الباحث إلى آخرها لسببين هما: الأول: أن هذا التعريف اشترط صدور حكم من القاضي بالتعويض. الثاني: أنه ذكر أنواع الضرر التي يجب فيها التعويض. وتنقسم الأضرار التي تلحق بالغير إلى قسمين: القسم الأول، وهي الأضرار التي تلحق بالأموال. القسم الثاني، وهي الأضرار التي تلحق ببدن العامل (وهي محل دراستنا). فمن خلال اندماج العامل في عمله يمكن أن يتعرض جسمه لبعض الإصابات من جرح أو تشويه أو تعطيل لمعنى من المعاني، أو قد يؤدي الحادث به إلى العجز عن العمل والكسب، وهو ما يستوجب التعويض في بعض هذه الحالات، ومما لا شك فيه أن أضرار العمل لا تهم العامل المصاب أو صاحب العمل فقط، بل تهمّ المجتمع بدرجة كبيرة لأسباب متعددة من أهمها:" 1. أن المجتمع كله يستفيد من جهود العاملين فيه، سواء كانوا في القطاع العام أو القطاع الخاص، فالرقي والتقدم واستمرار الحركة في المجتمع لا تتأتّى إلا من جهود جميع الأفراد العاملين سواء كان العمل بالعضل أو بالفكر. ¬

(¬1) المحمصاني، صبحي، النظرية العامة للموجبات والعقود في الشريعة الإسلامية، ج1، ص158، ط2، دار العلم للملاين، بيروت، لبنان. (¬2) سيد أمين محمد، المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير في الفقه الإسلامي المقارن، ص115، طبعة عام 2001م، بدون دار نشر، القاهرة. (¬3) الزحيلي، وهبة، نظرية الضمان، ص87، ط1، دار الفكر، بيروت. (¬4) بوساق، محمد بن المدني، التعويض عن الضرر في الفقه الإسلامي، ص155، ط1، 1999م، دار اشبيليا، الرياض، السعودية.

2. أنّ مخاطر العمل ليست من خلق صاحبه، سواء كان فرداً أو مؤسسة أو دولة، وإنما هي من مستلزمات الحياة المعاصرة. 3. أنّ صاحب العمل ينتفع مباشرة بمجهود العامل إذ يعود عليه بمردود مالي يمكنه من المساهمة في التبعات المالية للعامل ولأسرته إن لم يتحملها جميعاً. 4. عدم كفالة العامل المصاب وأسرته، مثل البطالة، يُعرّض المجتمع إلى كثير من الأخطار الاجتماعية والأخلاقية، فتنتشر الجرائم ويضطرب الأمن. 5. عدم الاضطرابات العمالية واللجوء إلى الإفساد والتخريب إذا لم يعوَّض المتضرر، إذ أن كل عامل يضع نفسه موضع العامل المصاب" (¬1) ونجد أن العلماء اختلفوا فيما بينهم في تصنيف البدل المالي الذي يأخذه المتضرر في جسمه مقابل ما يلحقه من ضرر، فهل هو من قبيل العقوبة الواقعة على صاحب العمل؟ أم هو تعويض للعامل وجبرٌ له من إصابته؟ وقد غلّبت جانب التعويض على العقوبة، لذا سأقتصر على الجانب المالي مقابل الضرر الجسمي، دون الحديث عن القصاص وغيره من العقوبات، ولا بأس من الإشارة إلى التعويض عن النفس باختصار. ونشير هنا إلى أن العامل لا يستحق تعويضاً إذا كانت إصابته ناتجة عن تقصير في استعمال وسائل الوقاية التي وفرّها صاحب العمل، حيث إن تغريم صاحب العمل دون تغرير منه أو تسبب فيترتب عليه مضار كثيرة: منها الحكم بما لم يلزمه به الشارع فيكون ظلماً، ومنها أنه تحليل لما حرّم الله من أكل أموال الناس بالباطل، ومنها أنه إدخال للحرام في بطون القصار وغيرهم، ومنها الحكم بغير ما أنزل الله وهو شرٌّ مستطير (¬2)،وقد شمل مشروع قانون السلامة والصحة المهنية مسؤوليات العامل في المنشأة التي تضم: 1. اتباع القوانين والتعليمات الخاصة بالسلامة و الصحة المهنية من خلال التدريب والإشراف المقدمة من قبل صاحب العمل. 2. على العامل المسؤولية باتباع تعليمات صاحب العمل بخصوص الفحص الطبي الدوري. 3. العامل مسؤول عن أي إهمال الذي يؤدي إلى تعريض نفسه أو أي شخص آخر للمخاطر ويحق له ترك عمله في حالة وجود خطر على حياته و لا يحق لصاحب العمل معاقبته. ¬

(¬1) آل محمود، عبد اللطيف محمود، التامين الاجتماعي في ضوء الشريعة الإسلامية، ص261،ط1،1994م، دار النفائس، بيروت، لبنان. (¬2) الشريف، الإجارة الواردة على عمل الإنسان، ص294، بتصرف.

4. على العامل إبلاغ المشرف أو صاحب العمل أو ضابط السلامة على أي ظرف موجود في بيئة العمل قد يؤدي إلى حدوث حادث. 5. على العامل إبلاغ مشرف السلامة عن وقوع حادث أو عن أي ظرف قد يؤدي إلى حدوث حادث. (¬1) وتكون مسؤولية صاحب العمل عن التعويض بصورة عامة عندما يكون الشخص صاحب الحق عاملاً في منشأة ومستخدماً لدى صاحب العمل وتحت إدارته وإشرافه ويتلقى أجراً، وهذا يشمل كل عامل ذكراً كان أو أنثى، وكذلك عمال المياومة، ومن يقومون بأعمال عرضية أو موسمية مؤقته (¬2)، وبالرجوع للقانون الفلسطيني نرى أن ميدان التعويض يتحدد في الأمور الآتية: 1. أن تقع الإصابة (¬3) أثناء العمل لدى صاحب العمل. 2. أن تكون الإصابة بسبب العمل. 3. الإصابة التي تقع في الطريق إلى العمل ذهاباً وإياباً. 4. أمراض المهنة التي تظهر للعامل. (¬4) أما التعويض عن الوفاة، فالأصل أن الواجب في القتل العمد هو القصاص، إلا إذا عفا ولي المقتول، أو يسقط القصاص عن القاتل لسببٍ ما، وهنا يُصار إلى الدية، أما القتل شبه العمد فيُصار إلى الدية (¬5) عند الحنفية والشافعية والحنابلة (¬6) إلا إذا عفا ولي المقتول، وإذا كان الأصل في القتل العمد القصاص من الجاني، فإنه يقابله في القتل الخطأ التعويض المالي (الدية) لقوله - سبحانه وتعالى -: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ ¬

(¬1) الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، مشروع قانون الصحة والسلامة، http://www.pgftu.ps/ (¬2) عدوي، منار، أحكام تعويض إصابات العمل في ظل قانون العمل الفلسطيني دراسة مقارنة، ص81، رسالة ماجستير غير منشورة أُجيزت من كلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية عام 2008م، بإشراف الدكتور حسين مشاقي. (¬3) إصابة العمل كما عرّفها قانون الخدمة المدنية الفلسطيني: هي الحادث الذي يقع للموظف أثناء مباشرته لمهام وظيفته أو بسببها، أو أثناء ذهابه لمباشرة عمله أو عودته منه" نص المادة رقم (95) من القانون. (¬4) المصدر نفسه، ص81، بتصرف. (¬5) كأن يتعمد الجاني جنايته بما لا يقتل غالباً كضربه بعصا مثلاً، (¬6) السرخسي، المبسوط، ج26، ص122، الكاساني، بدائع الصنائع، ج7، ص236، ابن قدامة، المغني، ج9، ص491. المقدسي، العدة شرح العمدة، ص 376.

أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} (¬1)، وقد نصّ قانون العمل الفلسطيني في المادة رقم (120) وفي الفقرة الأولى أنه:" إذا أدّت إصابة العمل إلى الوفاة أو نتج عنها عجز كلي دائم استحق الورثة في الحالة الأولى والمصاب في الحالة الثانية تعويضاً نقدياً يعادل أجر (3500) ثلاثة آلاف وخمس مائة يوم عمل، أو 80% من الأجر الأساسي عن المدة المتبقية حتى بلوغه سن الستين أيهما أكثر" (¬2) وكأن القانون قد اكتفى بعشر سنوات قادمة للعامل يستحق عليها الأجر، وهذا يضرّ بالعمّال صغار السن الذين يتعرضون لحوادث تُعجزهم عن العمل، أما نسبة 80% من الأجر الأساسي فهو قليل، ولماذا تُخصم 20% من أجره الأساسي؟. وتكون الوفاة مباشرة أو متأخرة بسبب حادث العمل، وتخصيص الوفاة بسبب حادث العمل من أجل تمييز هذا التعويض عن المعاش الذي يُعطى للعامل بسبب حادث الوفاة الطبيعية في ظل قانون التأمينات الاجتماعية، وبالرجوع إلى قانون العمل الفلسطيني وكذلك قانون التأمينات الاجتماعية - الذي تم تعطيله ولا يُعمل به - نجد أنهما قد ساويا من حيث مقدار التعويض ما بين حالة الوفاة وحالة العجز الكلي الناتج عن إصابة العمل، إلا أن قانون التأمينات الاجتماعي قد أضاف إلى النفقات مصروفات الجنازة، وهو ما لم يتناوله قانون العمل الفلسطيني، بل نصّ في مادته رقم (120) على أنه:" إذا أدت إصابة العمل إلى الوفاة أو نتج عنها عجز كلي دائم استحق الورثة في الحالة الأولى والمصاب في الحالة الثانية تعويضاً نقدياً يعادل أجر (3500) يوم عمل، أو 80% من الأجر الأساسي عن المدة المتبقية حتى بلوغه سن الستين أيهما أكثر" (¬3)، ونصت المادة رقم (23) من قانون التأمينات الاجتماعية على أنه:"إذا أدّت إصابة العمل إلى وفاة المؤمن عليه، تدفع المؤسسة معاشاً شهرياً يعادل80% من الأجر يوزع على المستحقين وفقاً لأحكام هذا القانون" (¬4). وعند فقد عضو من أعضاء الجسد أو فقدان منفعته فإنه تجب الدية كاملة في كل ما كان في إتلافه ذهاب منفعة الجنس، لأن إتلاف منفعة الجنس كإتلاف النفس، سواء كانت هذه المنفعة في عضوٍ واحد لم يخلق الله غيره في الإنسان، أو في عضوين أو أكثر، وتفويت منفعة العضو تكون بإبانة العضو أو ذهاب معنى العضو مع بقاء العضو مجرد صورة. وتنقسم الأعضاء في الجسم إلى أقسام عدّة هي: ¬

(¬1) سورة النساء، آية رقم 92. (¬2) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص48. (¬3) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص48. (¬4) الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، قانون التأمينات الاجتماعية http://www.pgftu.ps/page.

القسم الأول: ما لا نظير له في الجسم وهي" الأنف، اللسان، الذكر، مسلك البول والغائط، الصلُب، شعر الرأس وشعر اللحية، الجلد" وهذه تجب فيها الدية كاملة. (¬1) القسم الثاني: ما له في البدن اثنان وهي" اليدان، الرجلان، العينان، الأذنان، الشفتان، الحاجبان، اللحيان - العظمان اللذان فيهما الأسنان السفلى- الثديان والحلمتان، الأنثيان - الخصيتان - الإليتان - ما علا وأشرف من الظهر عن استواء الفخذين، الأسكتان - اللحم المحيط بالفرج من جانبيه- "وهذه تجب في الواحد منهما نصف الدية وفي الثنتين الدية كاملة. (¬2) القسم الثالث: ما له في البدن أربعة وهي " أشفار العينين أو الجفون، أهداب العينين" وهذه في الواحدة الربع، وفي الاثتين النصف. (¬3) القسم الرابع: ما له في البدن عشرة وهي" أصابع اليدين والرجلين" وفي الأصبع الواحد عشر الدية. (¬4) ¬

(¬1) المسرقندي، علاء الدين، تحفة الفقهاء، ج3،ص 102، ط1، 1984م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. المقدسي، العُدة شرح العمدة، 529. الزركشي، محمد بن عبد الله، شرح الزركشي على مختصر الخرقي، تحقيق عبد الله بن جبرين، ج6، ص153، ط1، 1993م، مكتبة العبيكان، الرياض، السعودية. أصل الكتاب رسالة دكتوراة للشيخ عبد الله بن جبرين. ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج2، ص424. الباجي، المنتقى شرح الموطأ، ج7، ص83.الشربيني، محمد بن أحمد، الإقناع في حَلّ ألفاظ أبي شجاع، ج2، ص152، بدون رقم طبعة، دار المعرفة، بيروت، لبنان. الشربيني، مغني المحتاج، ج4، ص70. (¬2) السرخسي، المبسوط، ج26، ص70.المرغيناني، الهداية شرح بداية المبتدي، ج4، ص1646.الكاساني، بدائع الصنائع، ج7، ص 311. الباجي، المنتقى شرح الموطأ، ج7، ص 85. الكشناوي، أسهل المدارك، ج3، ص134. ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج2، ص424.السيد البكري، محمد شطا الدمياطي، إعانة الطالبين، ج4، ص 142،ط1، 1997م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان. المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ج10، ص82. (¬3) السمرقندي، تحفة الفقهاء، ج3، ص162. الكاساني، بدائع الصنائع، ج7، ص312. ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج2، ص424. الرافعي، عبد الكريم بن محمد، الشرح الكبير، تحقيق علي محمد معوّض وعادل أحمد عبد الموجود، ج10، ص359، ط1، 1997م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. ابن مفلح، المقنع، ج3، ص401. المقدسي، العدة شرح العمدة، ص530، الكرمي، دليل الطالب لنيل المطالب، ص 491. (¬4) الكاساني، بدائع الصنائع، ج7، ص314.الكشناوي، أسهل المدارك، ج3، ص153. الرافعي، الشرح الكبير، ج10، ص376.ابن قدامة، المقنع، ج3، ص401.

القسم الخامس: ما له في البدن أكثر من عشرة (الأسنان)، وفي ديتها خلاف طويل لا حاجة لذكره. وما ذكر من الأقسام الخمسة يكون في ذهاب العضو بمنفعته، غير أنه قد تذهب المنفعة ويبقى العضو مجرد صورة لا نفع يُرجى منه، فمن جنى على إنسان فذهب سمعه أوبصره أو نطقه وجب في كل معنى من هذه المعاني كمال الدية (¬1)، ولو بقيت صورة العضو سالمة وموجودة، حيث جاء في تبيين الحقائق" وكل عضو ذهب نفعه ففيه دية، كيدٍ شُلّت، وعينٍ ذهب ضوؤها، لأن وجوب الدية يتعلق بتفويت جنس المنفعة، فإذا زالت منفعته كلها وجب عليه موجبه كله، ولا عبرة للصورة بدون المنفعة لكونها تابعة" (¬2)، وذكر صاحب الغني:" أن من أتلف حاسة أو أذهب منفعة من هذه المنافع فكأنه أذهب نفساً وأتلفها، ومن المعلوم أن في النفس الدية الكاملة" (¬3) وسأبذل جهدي في استخلاص القول في المعاني التي تجب فيها الدية: أولاً: العقل، وذلك لأنه من أعظم المنافع وأجلّها، وهو أكثر ما يُميّز الإنسان عن غيره من المخلوقات كونه محل المعرفة وشرط التكليف، من أجل هذا جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ذهابه الدية الكاملة فقال:" وفي العقل الدية" (¬4) وإذا ذهب بعض العقل استحقت الدية بقدر ما ذهب، حيث ورد في بعض كتب الفقه" ولو جُنّ من الشهر يوماً كان له جزء من ثلاثين جزءاً من الدية، وإن جُنّ في النهار دون الليل أو بالعكس كان له جزء من ستين جزءاً" (¬5)، أما إذا كان القدر الذاهب من العقل غير معلوم فيُترك الأمر للاجتهاد وتقدير الحاكم. ثانياُ: السمع، اتفق أهل العلم على أن السمع إذا ذهب من الأذنين ففيه الدية كاملة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:" وفي السمع الدية" (¬6) ولما روي أيضاً أن رجلاً رمى رجلاً بحجر في رأسه فذهب سمعه وعقله ولسانه ¬

(¬1) النفراوي، الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، ج2، ص 310. الشربيني، مغني المحتاج، ج4، ص70.الرافعي، الشرح الكبير، ج10، ص386. ابن قدامة، المغني، ج9، ص58. (¬2) الزيلعي، تبيين الحقائق، ج6، ص131. السرخسي، المبسوط، ج26، ص69. (¬3) ابن قدامة، المغني، ج9، ص584. الزركشي، شرح الزركشي على مختصر الخرقي، ج6، ص116. (¬4) البيهقي، السنن الكبرى، ج8، ص 151، برقم (16229)، وقال عنه الألباني: حديث ضعيف، الألباني، محمد ناصر الدين، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، ج7، ص 322، كتاب الديات، فصل دية المنافع، برقم (2280) ط1،،المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. (¬5) الخرشي، شرح الخرشي على مختصر سيدي خليل، ج8، ص35. (¬6) البيهقي، السنن الكبرى، ج8، ص85.

ونكاحه، فقضى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بأربع ديات" (¬1) وذلك لأن السمع حاسة تختص بمنفعته فأشبهت حاسة البصر. ثالثاً: البصر، وفي ذهاب ضوء العينين الدية كاملة. (¬2) رابعاً: الكلام. خامساً: الشم. سادساً: الذوق، وهو القوة المنبثقة في العصب المفروش على اللسان يدرك بها المطعوم مع مخالطة الرطوبة الموجودة في الفم. سابعاً: تعويج الرقبة وتصعير الوجه، حيث جاء في المغني:" وفي الصعر الدية، والصعر أن يضربه فيصير وجهه في جانب" (¬3). ثامناً: لا خلاف في وجوب الدية في تعطيل قوة الجماع، ولا خلاف بين الفقهاء في وجوبها عند تعطيل القدرة على المشي، ولكن المالكية خالفوا الجمهور في علاقة الجماع والمشي بالصلب، فهم يفرقون بين محل المعنى وسبب التعطيل، فهم يوجبون في كسر الصلب مع ذهاب قوة الجماع ديتين، لأن محل الجماع في غير الصلب قياساً على ذلك إذا كُسر صلبه، ويتبع ذلك ذهاب مشيه وجماعه فله ثلاث ديات. (¬4) وما سبق أن ذكرناه من معاني الأعضاء أغلبها متفق على أن في ذهابه الدية كاملة، وقد اختلف الفقهاء في تحديد المعاني التي يجب في ذهابها كمال الدية، فقد ذكر الشافعية أن المعاني التي يجب فيها الدية هي" العقل، السمع، البصر، الشم، الذوق، المشي، الجماع، الإمناء، الإحبال، لذة الجماع، لذة الطعام، الكلام، إبطال الصوت، قوة البطش، المشي، المضغ" (¬5) ولم يوجبوها في الصعر لأن تفويت الجمال عندهم لا يوجب الدية، أما الحنفية فيرون أن كل معنى يفوت تجب فيه الدية، حيث جاء في تبيين الحقائق:" وكل عضو ذهب نفعه ففيه الدية" (¬6)، وذكر المالكية من المعاني" العقل والسمع ¬

(¬1) البيهقي، السنن الكبرى، ج8، ص 151، برقم (16226)، وهو حديث ضعيف، الألباني، إرواء الغليل، ج7، ص321، برقم (2278). (¬2) الزيلعي، تبيين الحقائق، ج6، ص 126. الرافعي، الشرح الكبير، ج10، ص356. (¬3) ابن قدامة، المغني، ج8، ص 466. ابن قدامة، عبد الله بن أحمد، المغني على مختصر الخرقي، ضبطه وصححه عبد السلام محمد علي شاهين، ج8، ص28، ط1، 1994م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. (¬4) الكشناوي، أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه إمام الأئمة مالك، ج3، ص 132. (¬5) الشيرازي، المهذب في فقه الشافعي، ج2، ص207. (¬6) الزيلعي، تبيين الحقائق، ج6، ص 131.

والبصر والنطق والصوت والذوق وقوة الجماع" (¬1)، والحديث يتركز على فوات المنفعة كلها، وهذا فيه الدية كاملة، أما إذا فات بعض المعنى وجب فيه بعض الدية بنسبة ما فات، وإن كان هناك اختلاف في تقديره ما بين سهل في التقدير كذهاب الإبصار من عين واحدة، أو السمع من أذن واحدة فهذا لا يحتاج إلى جهد كبير في تقديره لأن النسبة المئوية الذاهبة معروفة 50% فتقابلها نصف الدية 50% من الدية. وما يصعب تقديره من فوات المنفعة (¬2) وهنا تبرز حاجة التقرير الطبي الذي تقدمه اللجنة الطبية الموثوقة لتقدير نسبة العجز عند المصاب، وقد نص قانون العمل الفلسطيني في المادة رقم (120) في الفقرة الثانية على أنه:" إذا ترتب على إصابة العمل عجز جزئي دائم يستحق المصاب تعويضاً نقدياً يعادل نسبة العجز إلى العجز الكلي الدائم" (¬3)، ولكن القانون لم يوضح المقصود بالعجز الكلي، بل ترك بيان ذلك لشرّاح القانون، فمنهم من قال بأنه:" فقدان مقدرة العامل عن العمل سواء كان هذا العمل يُستخدم فيه، أو الأعمال التي كان قادراً على القيام بها، أم أي عمل آخر" (¬4)، وهذا ليس بالأمر الحادث، بل سبقت إليه الشريعة الإسلامية قبل أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمن، ذلك أن علياً - رضي الله عنه - أمر الذي أصيب بصره بأن عُصبت عينه الصحيحة وأعطى رجلاً بيضة، فانطلق بها وهو ينظر إليها حتى لم يبصرها فخطّ عند أول ذلك خطاً في الأرض، ثم أمر بعينه المصابة فعُصبت وفُتحت الصحيحة، وأعطى رجلاً البيضة بعينها، فانطلق بها، وهو ينظر إليها حتى خفيت عنه، فخطّ عند أول ما خفيت عنه خطاً، ثم علم ما بين الخطين من المسافة، وعلم مقدار ذلك من منتهى رؤية العين الصحيحة فأعطاه قدر ذلك من الدية (¬5)، وبقدر ما فات من الكلام بعدد الحروف التي ذهبت، حيث تقسم الدية على الحروف التي للسان فيها عمل. أما نسبة تعويض العامل عن إصابته التي الحقت به عجزاً كاملاً وبتقرير من لجنة طبية مختصة، فقد أوجد القانون للعامل خيارين يختار أيهما شاء، فنصت المادة رقم (120) في الفقرة الأولى منه على أنه:" إذا أدت إصابة العمل إلى الوفاة أو نتج عنها عجز كلي دائم استحق الورثة في الحالة الأولى والمصاب في الحالة الثانية تعويضاً نقدياً يُعادل اجر (3500) ثلاثة آلاف وخمس مائة يوم عمل أو 80% من الأجر الأساسي عن المدة المتبقية حتى بلوغه سن الستين أيهما ¬

(¬1) الخرشي على مختصر سيدي خليل، ج8، ص35. (¬2) بوساق، التعويض عن الضرر في الفقه الإسلامي، ص 344. (¬3) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص48. (¬4) شكري، إصابات العمال وأمراض المهنة دراسة تحليلية فقهية قضائية تحليلية ناقدة، ص 71. (¬5) ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج2، ص448. الصنعاني، المصنف، ج9، ص 327.

أكثر" (¬1)، وقد تناول قانون التأمينات الاجتماعية - غير المعمول به - مسألة العجز الدائم بشيءٍ من التفصيل وكان ذلك لمصلحة العامل فجاء في المواد رقم (23 و 24):" إذا أدت إصابة العمل إلى عجز كلي دائم استحق المصاب معاشاً شهرياً يعادل 80% من الأجر حتى وفاته، ويوزع على المستحقين من بعده وفقاً لأحكام هذا القانون، وإذا أدت إصابة العمل إلى عجز جزئي دائم تقدر نسبته بـ 35% فأكثر استحق المصاب معاشاً شهرياً يعادل نسبة عجزه إلى معاش العجز الكلي الدائم حتى وفاته ويوزع على المستحقين من بعده وفقاً لأحكام هذا القانون، وإذا أدت إصابة العمل إلى عجز جزئي دائم تقدر نسبته بأقل من 35% استحق المصاب تعويض الدفعة الواحدة بما يعادل نسبة عجزه إلى معاش العجز الكلي الدائم عن أربعين شهراً" (¬2) أما العجز المؤقت وحرصاً من الشريعة الإسلامية على رفع المنازعات بين المسلمين ذكر الفقهاء (¬3) الجراح التي تستوجب التعويض وهي: الخارصة: وهي الجروح التي تشق الجلد دون ظهور الدم. الدامية: ما يسيل منها الدم. الباضعة: ما تبضع اللحم - أي تقطعه-. السمحاق: وهي الجرح الواصل إلى السمحاق، بمعنى وصول الجرح إلى الجلدة بين اللحم وعظم الرأس. الموضحة: ما يوضح العظم. الهاشمة: ما تهشم العظام أي تكسره. المنقلة: ما تنقل العظم من موضعه إلى موضع آخر. الآمّة: وهي التي تفضي إلى أم الدماغ. الدامغة: ما تخرق جلدة أم الدماغ. وفي كل منها خلاف طويل بين الفقهاء، وهناك من الجروح والإصابات ما يُرجع في تقدير نسبة العجز من أثرها إلى ولي الأمر أو الحاكم، وعليه تقدير المقابل (الأرش) بأن يقوّم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به، ثم يقوّم ومعه الجناية ولكنها قد برئت، فما أنقصته الجناية فله مثله من الدية، ويكون وقت تقدير التعويض بعد البرء من الإصابة، لأن الفقهاء يرتبون التعويض على حصول النقص، أما إذا أصيب العامل وخضع للعلاج اللازم ثم قام بعد ذلك من غير نقص، فقد اختلف الفقهاء في حاله، ¬

(¬1) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص 48. (¬2) الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، قانون التأمينات الاجتماعية http://www.pgftu.ps/page (¬3) ابن قدامة، المغني على مختصر الخرقي، ج8، ص30. الزيلعي، تبيين الحقائق، ج6، ص132.

وهل يستحق التعويض أم لا؟ وقال جماعة من أهل العلم: لا شيء في جناية لم تترك عيباً، وبذلك قال الحنابلة والشافعية. (¬1) وقال آخرون، لا يستحق المصاب الذي برئ من دون نقص تعويضاً، وبذلك قال المالكية (¬2) أن الجاني تلزمه أجرة الطبيب وثمن الدواء، وهو قول عند الحنفية (¬3)، وقد أفتى العلماء المعاصرون بأن الإصابة التي تصيب العامل أثناء عمله في مصنع أو شركة ونحوها ينظر فيها، فإن كانت ناتجة عن تقصير أو إهمال من الشركة فإنها ضامنة لأنها المتسببة في هذا الضرر الذي لحق بالعامل، أما إذا كانت الشركة قد اتخذت كافة الإجراءات والاحتياطات اللازمة ولم يحدث منها تقصير أو إهمال فإنها لا تضمن، لأن الأصل في فعل (إصابات) الجمادات (الآلات) أنها جُبَار (¬4)، ولا يخلو نزول الضرر ببدن العامل من أمرين لا ثالث لهما:" الأول: أن يكون رب العمل متعدياً بالعمل، بأن كان يعمل فيما لا يملك العمل فيه، لمخالفة ذلك العمل للقوانين المتبعة في البلاد. الثاني: أن يكون رب العمل غير متعدٍ في عمله، بمعنى انه موافق لكل القوانين والأنظمة المتَّبعة في البلاد. ففي الحالة الأولى (أن يكون رب العمل متعدياً) لا يخلو موقف العامل من هذا العمل أن يكون عالماً بتعدي رب العمل أو عدم علمه، وفي الحالة الثانية (عدم تعدي صاحب العمل) فلا يعدو كونه متسبباً أو غير متسبب. وقد انطلق الباحثون في هذه الحالات السابقة من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" العجماء جرحها جُبار، والبئر جُبار، والمعدِن جُبار، وفي الركاز الخمس" (¬5) وقد جاء في توضيح هذا الحديث:" من حفر بئراً في طريق المسلمين، وكذا في ملك غيره بغير إذن فتلف بها إنسان، فإنه يجب ضمانه على عاقلة الحافر، والكفارة في ماله، وإن تلف بها غير آدمي وجب ضمانه في مال الحافر، ولو حفر بئراً في ملكه أو في موات فوقع بها إنسان أو غيره فتلف فلا ضمان إذا لم يكن منه تسبب إلى ذلك ولا تغرير، ¬

(¬1) أبو البركات، مجد الدين، المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ج2، ص 129، ط2، 1984م، مكتبة المعارف، الرياض، السعودية. الرافعي، الشرح الكبير، ج10، ص119. (¬2) الحطاب، مواهب الجليل، ج6، ص659. الزرقاني، محمد بن عبد الباقي، شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، ج4، ص221، ط1، 1990م، دار الكتب العلمية، بيروت. (¬3) الكاساني، بدائع الصنائع، ج7، ص296. الزيلعي، تبيين الحقائق، ج6، ص138. (¬4) موقع إسلام ويب على شبكة الانترنت http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa (¬5) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الديّات، باب المعدن جُبار والبئر جُبار، ص 1733، برقم (6912).

وكذا لو استأجر إنساناً ليحفر له البئر فانهارت فلا ضمان عليه" (¬1)، وقد تلخصت آراء الفقهاء في هذه المسألة على النحو الآتي: 1. أن من تعدّى فعمل في ما لا يملك ولا مأذونٌ له بالعمل فيه فهلك به إنسان ضمنه صاحب العمل. 2. أن العامل إذا عمل في غير ملك صاحب العمل مع علمه بأن صاحب العمل متعدٍ في ذلك وحصل له ضرر فالضمان عليه، وإن لم يعلم فالضمان على صاحب العمل. 3. من عمل في ملكه متبعاً بذلك كل القوانين والأنظمة ثم هلك بهذا العمل إنسان فلا ضمان عليه، لأنه غير متعدِّ (¬2). وعلى ما تقدم فإن العامل الذي يعمل في مؤسسة فلا يخلو من كونه يعلم أن هذه المؤسسة تخالف الشرع الإسلامي والقوانين المعمول بها في بلاده فإنه يُعتبر متعدياً في هذه الحالة، فإن تلف بعض من بدنه فهو ضامن، لأنه يعمل فيما لا يجوز له شرعاً مع علمه بذلك، وأما إن كان لا يعلم بمخالفة عمله للشرع الإسلامي أو للقوانين الصحيحة الصادرة من ولي الأمر فتلف شيء من بدنه فضمان ذلك على رب العمل، أما إن عمل العامل في مؤسسة يوافق عملها شرع الله والأنظمة الموضوعة لترتيب أحوال العامل، ثم تلف بدنه أو شيء منه، فلا يخلو ذلك من كون صاحب العمل متسبباً في ذلك التلف فيضمن ما تسبب بتلفه، وذلك كأن يسلّم صاحب العمل آلات صناعية لا تصلح للعمل على وجه السلامة للعامل ليعمل فيها، فإن هلاك العامل أو جزءاً منه يكون بتسبب رب العمل، وأما إذا لم يكن رب العمل متسبباً في ضرر العامل، كأن يكون قد سلّمه آلات جيّدة المواصفات ولكن التلف حصل ببدن العامل بقدر الله - سبحانه وتعالى - وبدون تسبب من ربّ العمل فلا يضمن في هذه الحالة. (¬3) والذي أميل إليه- والله تعالى أعلم - أنه ومن أجل الجمع بين الآراء الفقهية فإنه لا يجوز إهدار دم يسيل من الجسم، وكذلك الألم الذي يعانيه المصاب، مع أن المصاب لا يستعيد قوته العادية إلا بعد وقت قد يكون ليس قصيراً، ثم إن الفقهاء في الزمن الماضي لم يكونوا يعانون من تكاليف العلاج الباهظة كما يعانيها الناس اليوم، ولم يعايشوا تكاليف العلاج الباهظة، لذا فقد حكموا بالعرف السائد لديهم. ¬

(¬1) ابن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج12، ص266. (¬2) المرغيناني، الهداية، ج4، ص539.مالك، المدونة، ج4، ص665. النووي، المجموع، ج19، ص15. ابن قدامة، المغني، ج8، ص330. (¬3) الكبيّ، سعد الدين محمد، المعاملات المالية المعاصرة في ضوء الإسلام، ص575، ط1، 2002م، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، أصل الكتاب رسالة ماجستير من جامعة أم درمان بالخرطوم، وقد تم مناقشتها عام 1997م في جامعة الجنان (فرع لجامعة لأم درمان) بلبنان، بإشراف الدكتور مصطفى ديب البغا، بتصرف يسير.

ثم إنه ينبغي اعتبار أجرة الطبيب وثمن الدواء واجبة على الجاني، أو صاحب العمل، وبهذا أخذ قانون العمل الفلسطيني الذي نصّ في المادة (118) على أنه:" وفقاً لأحكام القانون والأنظمة الصادرة يتكفل صاحب العمل بمايلي: 1. علاج العامل المصاب إلى أن يتم شفاؤه، وتغطية كافة النفقات العلاجية اللازمة بما فيها نفقات الخدمات التأهيلية ومستلزماتها. 2. جميع الحقوق المترتبة على الإصابة ولو اقتضت مسؤولية طرف ثالث". (¬1) وقد نصّت المادة رقم (18) من قانون التأمينات الاجتماعية -المعطَّل- على أنه:"تشمل الرعاية الطبية ما يلي:- 1. تكاليف الخدمات التشخيصية والعلاجية والصيدلية والإقامة في المستشفى وفقاً للتعليمات التي يصدرها المجلس. 2. تكاليف العلاج في الخارج بناء على قرار من اللجنة الطبية. 3. نفقات انتقال المصاب من مكان العمل أو السكن إلى جهة العلاج والعكس. 4. الخدمات التأهيلية الطبية بما في ذلك الأطراف والأجهزة الصناعية التعويضية المقررة من اللجنة الطبية. 5. نفقات إعادة التأهيل المهني والوظيفي التي يحتاجها المصاب" (¬2)، ولكن السؤال الذي يمكن للعمّال المصابين أن يسألوه: هل للمصاب في عمله تعويض عن المدة التي يعجز فيها عن الكسب والعمل؟. الواضح أن جمهور الفقهاء لا يرون للمصاب تعويضاً عما فاته من العمل، لأنهم يمنعون التعويض عن الجرح الذي برئ صاحبه دون إحداث نقص في الجسم، فيكون منع التعويض عن فوات العمل من باب أولى، وقد تحدث الفقهاء عن هذه المسألة كما جاء في العقود الدريّة:" إذا ضرب يد غيره فكسرها وعجز عن الكسب فعلى الضارب المداواة والنفقة إلى أن يبرأ، وإذا برئ وتعطلّت يده وشلّت وجبت ديتها" (¬3)، ولكن هذا النص لا يدل على قول الحنفية بتعويض العامل عن عجزه عن الكسب طوال فترة الإصابة وذلك لسببين: ¬

(¬1) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص47. (¬2) الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، قانون التأمينات الاجتماعية، http://www.pgftu.ps/page (¬3) ابن عابدين، محمد أمين، العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، ج2، ص195، بدون رقم طبعة وبدون دار نشر.

الأول: لا يرى الإمام أبو حنيفة التعويض في الجرح الذي برئ من غير نقص. (¬1) الثاني: إن الحنفية لا يجيزون التعويض عن المنافع بشكل عام، وذلك لأنهم لا يعدّونها مالاً. (¬2) وكذلك المالكية لا يرون تعويض المصاب إن لم يحدث الجرح نقصاً، قياساً على رأيهم في كون المنافع تُضمن بالاستعمال ولا شيء فيها بالتعطيل (¬3)، أما الحنابلة فلا يرون تعويض المصاب الذي تعطّل عن الكسب بسبب الإصابة، لأن المعطَّل عن العمل بسبب الإصابة ينطبق عليه أنه ممنوع من غير حبس (¬4)، وللشافعية في المسألة رأيان: الأول: لا تعويض للمصاب لعجزه عن العمل. الثاني: يلزم له التعويض. (¬5) ومن العلماء المعاصرين من عرّف العجز المؤقت بقوله:" المرض أو الإعياء الذي يُصيب العامل بسبب العمل أو نتيجة له أو لأجله فيُقعده عن العمل مدة زمنية تبدأ من الإعلان عن وقوع الحادث المسبب للمرض، ولغاية إعلان الطبيب المختص عن شفائه، حيث تقرر اللجنة الطبية المختصة وقت بدء المرض ووقت شفائه، أو المدة الزمنية اللازمة تحديداً إلى الشفاء من المرض واللازمة للعلاج، وهي مدة التعطيل الواجب التعويض عنها، وبيان أن العامل أصبح قادراً على العودة إلى ممارسة عمله بانتظام" (¬6). وينبغي ابتداءً تحديد الأجر الذي يُتخذ أساساً لحساب التعويض، إذ جعله قانون العمل الفلسطيني الأجر الأساسي مضافاً إليه العلاوات والبدلات، وقد ألزم قانون العمل الفلسطيني بدفع الأجر من اليوم الأول لوقوع الإصابة، وإذا استحق العامل تعويضاً فإنه يتقاضاه حسب طبيعة عمله، فالعامل الذي كان يتقاضى أجره أسبوعياً فإنه يتقاضى تعويضه أسبوعياً أيضاً، وكذلك العامل الذي كان يتقاضى أجره شهرياً، وهذا الأمر غفل عن تنظيمه قانون العمل الفلسطيني. وقد يُثار خلاف حول استحقاق العامل تعويضاً بدل إجازته الأسبوعية وهنا" لم يرد في قانون التأمينات نص بشأن استحقاق العامل المصاب التعويض بدل الأجر اليومي عن أيام الراحة الأسبوعية التي تقع في فترة العجز المؤقت، ولكن شرّاح قانون التأمينات الاجتماعية يرون أن للعامل حق ¬

(¬1) السرخسي، المبسوط، ج26، ص80. (¬2) المصدر نفسه، ج26، ص9. (¬3) التسولي، علي بن عبد السلام، البهجة شرح التحفة، ج2، ص278. (¬4) البهوتي، كشاف القناع، ج4، ص78. (¬5) الشربيني، مغني المحتاج، ج5، ص 551. (¬6) شكري، موسى، إصابات العمال وأمراض المهنة دراسة تحليلية فقهية قضائية تحليلية ناقدة، ص70، ط1، 2001م، مركز الديمقراطية وحقوق العاملين، فلسطين.

التعويض عن أيام الراحة الأسبوعية" (¬1)، في حين يرى الباحث أن العامل الذي يتقاضى أجره كل شهر يستحق التعويض عن أيام إجازته الأسبوعية؛ لأن الأجر هو كتلة واحدة، أما عمال المياومة فلا حق لهم في تعويض هذه الإجازة، وبالرجوع إلى المادة رقم (72) من قانون العمل الفلسطيني يُلاحظ أن أيام الراحة الأسبوعية تكون مدفوعة الأجر. وبخصوص المدة التي يستمر فيها صاحب العمل بدفع التعويض للعامل الذي يُعاني من عجزٍ مؤقت فلم يُحدد قانون التأمينات الاجتماعية المدة القصوى للاستمرار في دفع التعطيل اليومي بل جعله طيلة مدة عجزه، أما قانون العمل الفلسطيني فقد حدد دفع التعويض عن العجز المؤقت بمدة 180 يوما، حيث نصت المادة رقم (119) من قانون العمل الفلسطيني على أنه:" إذا حالت إصابة العامل دون أداء العامل لعمله يستحق العامل 75% من أجره اليومي عند وقوع الإصابة طيلة عجزه المؤقت بما لا يتجاوز 180 يوماً" (¬2) وحول هذا النص تبدو الملاحظات الآتية: 1. لا تحول الإصابة دون أداء العمل إلا إذا كانت متوسطة أو كبيرة، وهذا يعني أن العامل تعرض لحادثٍ ليس بالبسيط، وإعطاء القانون للعامل هذه النسبة من راتبه الشهري قد يُلحق ظلماً بالعامل، ولماذا حُرم العامل النسبة الباقية من راتبه؟ 2. لم يوضح القانون موقفه إذا تجاوز العجز المؤقت المدة التي ضربها القانون (180 يوم)، وهل يُعطى أجراً؟ أم يُعاقب هو وأسرته نتيجة تفانيه في عمله؟. 3. لم يُجب قانون العمل الفلسطيني عن استمرارية العقد بعد هذه المدة، إذا يظهر تناقض بين هذه المادة والمادة رقم (21) من نفس القانون التي تنص في الفقرة الخامسة على أن ينتهي عقد العمل الفردي:" بوفاة العامل أو إصابته بمرض أو عجز أقعده عن العمل لمدة تزيد على ستة أشهر" (¬3) وهو ما يعني إنهاء عقد العامل وإقالته بحكم القانون. 4. يقترح الباحث أن يُعطى العامل راتبه الشهري كاملاً خلال الشهر الأول من عجزه المؤقت، ثم يُكتفى براتبه الأساسي دون الزيادات عليه طيلة فترة عجزه المؤقت. ونؤكد أن التعويض عن العجز المؤقت دون إحداث نقص في الجسم ملازمة لحقوق العامل في الترقيات والمكافآت، غير أن العامل المتضرر من حادث العمل يمكن أن يُحرم من هذه التعويضات وما يلحق بها في حالات منها: ¬

(¬1) عدوي، أحكام تعويض إصابات العمل في ظل قانون العمل الفلسطيني، ص95. (¬2) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص47. (¬3) المصدر نفسه، ص19.

1. إذا امتنع العامل المصاب من اتباع العلاج الموصوف له من الجهة الطبية المعتمدة دون مبرر. 2. إذا رفض الامتثال للمراقبة الطبية، كأن يتقاعس عن تنفيذ التوجيهات والإرشادات التي تماثله للشفاء. (¬1) 3. إذا كانت الإصابة ناتجة عن فعل متعمد من العامل المصاب. 4. إذا كانت الإصابة بتأثير الخمر أو المخدرات، وهذا الفعل وما قبله نصت عليه المادة رقم (123) من قانون العمل الفلسطيني. (¬2) 5. أضاف قانون الخدمة المدنية الفلسطيني سبباً آخر لحرمان الموظف من التعويض وهو انقضاء سنتين على وقوع إصابة العمل دون المطالبة بهذا الحق، إلا إذا كان التأخير ناتجاً عن عدم استقرار حالة الموظف المصاب وفق تقرير اللجنة الطبية. (¬3) وقد دلّت السنة النبوية المطهرة على مشروعية التعويض، ومن ذلك ما جاء في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي - صلى الله عليه وسلم - فِلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول:" غارت أمكم" ثم حبس الخادم حتى أُتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة إلى التي كُسرت صحفتها وأمسك المكسورة في بيت التي كُسرت فيها" (¬4)، بهذا النص وغيره استدل الفقهاء رحمهم الله على مشروعية التعويض، وأصّلوا لذلك قواعد كلية صيانة لأموال الناس من كل اعتداء، وجبراً لما فات منها بالتعويض كقولهم: الضرر يزال، والضرر لا يزال بالضرر، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله": اقتضت السنة التعويض بالمثل ... "، وقال: "الأصل الثاني: أن جميع المتلفات تضمن بالجنس بحسب الإمكان مع مراعاة القيمة، حتى الحيوان، فإنه إذا اقترضه رد مثله، ... وإذا كانت المماثلة من كل وجه متعذرة حتى في المكيل والموزون، فما كان أقرب إلى المماثلة، فهو أولى بالصواب، ولا ريب أن الجنس إلى الجنس أقرب مماثلة من الجنس إلى القيمة، فهذا هو القياس وموجب النصوص" (¬5) وفي المادة رقم (128) من قانون العمل الفلسطيني نصّ على انه:" إذا ظهرت على العامل أعراض أحد أمراض المهنة الواردة في الجدول الملحق بالقانون خلال سنتين من تاريخ انتهاء خدمته ¬

(¬1) صخري، مصطفى، أحكام حوادث العمل، ص153، ط1، 1998م، دار الثقافة، عمان، الأردن. (¬2) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص49. (¬3) نصّ المادة رقم (97) من القانون. (¬4) رواه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الغَيرة، ص 1343 برقم (5225). (¬5) ابن القيم، محمد بن أبي بكر، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ج2، ص20، ط1، 2003م، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان.

يلتزم صاحب العمل بجميع الحقوق المقررة له وفقاً لأحكام هذا الباب من القانون" (¬1) وهي لفتة تُحتسب للقانون، خصوصاً أن بعض الأمراض لا يظهر تأثيرها وعلاماتها الظاهرة مباشرة، ولكن هذا يلحق الضرر بصاحب العمل، إلا إذا أضفنا شرطاً بعدم عمل هذا العامل بأي أعمال قد تسبب أو تساعد في ظهور هذا المرض. وفي المادة رقم (130) من القانون نصت على انه:" يُحسب التعويض المستحق وفقاً لأحكام هذا الباب على أساس متوسط الأجر لآخر ثلاثة أشهر" (¬2) وقد يثور تساؤل لماذا متوسط الأجر في الأشهر الثلاثة الأخيرة؟ ولماذا لا يكون لآخر شهر عمله العامل؟ ويبقى الغموض في النص الذي محلّه: هل متوسط الأجر مع إضافاته؟ أم هو الأجر الأساسي؟. ¬

(¬1) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص 50. (¬2) المصدر نفسه، ص50.

المبحث السادس: حق العامل في مكافأة نهاية الخدمة والتقاعد

المبحث السادس: حق العامل في مكافأة نهاية الخدمة والتقاعد وفيه مطلبان. المطلب الأول: مكافأة نهاية الخدمة في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني. المطلب الثاني: الراتب التقاعدي في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني.

المطلب الأول مكافأة نهاية الخدمة في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني

المطلب الأول مكافأة نهاية الخدمة في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني إن ارتباط العامل بعمله وإتقانه يؤلف العلاقة الطيبة بين العامل وصاحب العمل، وبالتالي غالباً ما يبادر صاحب العمل على إكرام العامل بمختلف الوسائل المتوفرة لديه، وتتنوّع هذه المكافآت التي تُعطى للعمّال والموظفين، ولكن نشير إلى أن هذه المكافآت تظهر عند انتهاء العقد أو إنهاؤه، وفي ظروف معروفة لدى الطرفين، ومن هذه المكافآت ما بات يسمى بمكافأة نهاية الخدمة، ويمكن تعريف هذا المصطلح الحادث من خلال توضيح معاني مفرداته، ثم بيان المعنى الإجمالي له، فكلمة مكافأة تعني: الجزاء مقابل العمل الذي يقوم به العامل أو الموظف. (¬1) نهاية: تُشير هذه الكلمة إلى انتهاء الخدمات التي يقدمها العامل للمنشأة لسببٍ ما، سواء كانت هذه المنشأة حكومية أو أي جهة تشغيلية أخرى. الخدمة: تلك الخدمات التي كان يقوم بها العامل أثناء وظيفته، وبمعنى آخر هي السبب لثبوت المكافأة. أما تعريف هذا المصطلح مع اجتماع كلماته فهو:" تلك المبالغ المستحقة لمنسوبي المنشأة عند تركهم الخدمة، نظير الخدمات التي حصلت عليها المنشأة منهم خلال مدة الخدمة، وذلك وفقاً لمتطلبات نظامية، أو نتيجة التزام طوعي من المنشأة" (¬2)، كما يمكن تعريفها بأنها" حق مالي جعله القانون للعامل على رب العمل، بشروط محددة، تقتضي أن يدفع الثاني للأول عند إنهاء خدمته، أو لمن يعولهم مبلغ نقدي دفعة واحدة، يُلاحظ في تحديد مقداره مدة الخدمة وسبب إنهائها والراتب الشهري الأخير للعامل" (¬3) وتعتبر هذه المكافأة ثمرة لالتزام يفرضه القانون على صاحب العمل، وذلك لصالح العامل، و ليس لطرفي العقد دور في تحديدها ولا في كيفية احتسابها، وإنما القانون هو الذي يوضح ذلك، كما أن هذه المكافأة تعتبر إلزامية في حق صاحب العمل وذلك في حالات مخصوصة نصّ عليها القانون، أما مقدارها فإنه يتحدد بناءً على سبب ترك العمل ومدة العمل ومقدار الراتب الأخير، وبعد تلمّس ¬

(¬1) الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ص50. (¬2) ورد هذا التعريف في برنامج الدورات التدريبية لاختيار المحاسبين القانونيين في السعودية، http://www.socpa.org.sa/Pdf/trainingsibject.pdf (¬3) الأشقر، محمد سليمان وآخرون، أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة، ج1، ص155، ط1، 1998م، دار النفائس، العبدلي، الأردن.

الحكمة القانونية من هذا الحق نجدها العدالة التي تقتضي التخفيف من وطأة ترك العامل لعمله الذي أمضى سنوات في خدمة صاحب العمل. ولبحث التكييف الفقهي لهذه المكافأة يتبادر لنا مجموعة من الاحتمالات، وهل يمكن اعتبارها دَيناً للموظف في ذمة صاحب العمل؟ أم هي استحقاق معلّق بشيء في المستقبل؟ وهذه الاحتمالات هي على النحو الآتي: الاحتمال الأول: أن تكون هذه المكافأة جزءاً من أجرة العامل، وإذا كانت كذلك فإنها تكون دَيناً للعامل على صاحب العمل، ولكن اعتبارها كذلك يتعارض مع أحكام الأجرة في الفقه الإسلامي، فتجعل العقد فاسداً، وذلك لأن مقدار المكافأة لا يمكن حسابه إلا عند انتهاء العقد، لخضوعه لعدة عوامل كالمدة التي يقضيها العامل في العمل، والأجرة الشهرية الأخيرة، والسبب الذي كان وراء إنهاء عقد العمل، ما يعني أن هذه العوامل السابقة تُدخل الجهالة على أهم جزء من أجزاء الإجارة وهو عنصر الأجرة فيجعلها مجهولة. ثم إن اعتبار المكافأة من الأجرة يعلّق استحقاق هذا الجزء من الأجرة على حدوث أمور مستقبلية، وهي قد تقع وقد لا تقع، وهذا نوع من أنواع الغرر الذي يؤثر في جميع عقود المعاوضات، والتي تعتبر الإجارة واحدة منها، لذا ما كان تمليكاً محضاً لا يدخل عليه التعليق قطعياً، كما يؤخذ على هذا الاحتمال أن العامل بتسليم نفسه لصاحب العمل استحق هذا الجزء، وبالتالي لا يجوز أن يخرج من ملكه إلا بموافقته أو بوفاته، فتنتقل هذه الحقوق إلى الورثة فيتم تقسيمها بينهم حسب القواعد الشرعية المتعلقة بالميراث، فلا يجوز أن يُحرم منها العامل أثناء حياته، وينتفع بها الورثة بعد الوفاة، وهذا الحرمان في الوقت الذي ينصّ القانون على حرمان العامل من هذه المكافأة كأن يُقدم العامل على عملٍ يودي بحياته، أو يتعمد إلحاق أضرار جسيمة بصاحب العمل، لذا فإن كل هذه المناقشات تُخرج مكافأة نهاية الخدمة من دائرة الأجر -والله تعالى أعلم بالصواب -، وبناءً على هذا الاحتمال الذي هو اعتبار المكافأة من الأجرة المتأخرة للعامل فإنها لا تخلو من أحد أمرين: الأول: أن يشترطها العامل في العقد، وهذا شرط جائز، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" المسلمون على شروطهم" (¬1). الثاني: أن لا يشترطه العامل لنفسه، ولم يذكره رب العمل في عقد العمل، وهذه الحالة لا تخلو من أمرين أيضاً: ¬

(¬1) سبق تخريجه ص 47.

الأول: أن يكون تعويض نهاية الخدمة متعارفاً عليه بين أصحاب تلك المهنة عرفاً عاماً شائعاً، فعندئذ يجب التعويض ويستحق العامل مكافأة نهاية الخدمة لنزول العرف بين الناس كالشرط بينه. الثاني: أن يكون التعويض ليس متعارفاً عليه بين عمّال تلك المهنة أو المؤسسة، ففي هذه الحالة لا يكون تعويض نهاية الخدمة حقاً للعامل، كونه لم يشترطه باللفظ ولم ينصّ عليه العقد، ولا هو مما تعارف عليه أهل المهنة. (¬1) الاحتمال الثاني: أن تكون هذه المكافأة نوع من أنواع التعويض عن كل الأضرار التي لحقت بالعامل خلال فترة عمله، ولكنّ هذا الاحتمال مستبعد كون التعويض عادةً ما يستحقه العامل عن الضرر الذي يلحق به، وفي الفقه الإسلامي لا يستحق العامل أي تعويضٍ إلا مقابل ضرر لحق به، بل وأحدث نقصاً في جسم الإنسان، ومكافأة نهاية الخدمة تثبت بدون الضرر، ولو تضرر العامل من تركه للعمل لم يكن ربّ العمل غالباً هو المتسبب، ولو حصل ضرر فإن العامل يطلب التعويض وكذلك مكافأة نهاية الخدمة، حيث نصّ قانون العمل الفسطيني في المادة رقم (47) على أنه:" مع احتفاظه بكافة حقوقه، يستحق العامل تعويضاً عن فصله تعسفياً مقداره أجر شهرين عن كل سنة قضاها في العمل، على أن لا يتجاوز التعويض أجره عن مدة سنتين" (¬2) كما أننا لو اعتبرناها تعويضاً عن ضرر لم يجز للقوانين إنقاصها، مع أن القوانين التي أوجبتها تتراوح نسبة النقص فيها. الاحتمال الثالث: اعتبار مكافأة نهاية الخدمة علاوة تشجيعية للعامل، ولكن هذا النوع لا تتوفر فيه عناصر التشجيع، وإنما تخضع لمعيار السنوات التي أمضاها العامل في عمله، أما الحوافز التشجيعية فإنها تخضع لتفاني العامل في عمله أو نسبة المبيعات التي يحققها العامل، أو التزامه بالدوام الرسمي، أو ما يُعبَّر عنه اليوم (بالتقارير السنوية عن أداء العامل) فبناءً على ذلك يستحق العامل التحفيز والتشجيع، بعكس مكافأة نهاية الخدمة التي تجب للعامل بغضّ النظر عن موجبات العلاوات التشجيعية. الاحتمال الرابع: اعتبار هذا النوع من المكافآت بمثابة الدين المرجو، وذلك إذا كانت حقاً للموظف لا يقبل الإلغاء، وقد وضع أصحاب هذا الاحتمال مؤشرين لاعتبارها كذلك هما: الأول: عدم قابليتها للإلغاء. الثاني: استطاعة العامل صرفها متى شاء وبمحض إرادته، فهي بذلك تكون ملكا تاماً. (¬3) الاحتمال الخامس: اعتبار مكافأة نهاية الخدمة التزام بالتبرع، وذلك بحكم القانون له سبب مهم، وهو الخدمة الوظيفية (¬4)، ويستند أصحاب هذا الاحتمال إلى اهتمام الفقه المالكي بالالتزام بالتبرع، حيث ¬

(¬1) الكبيّ، المعاملات المالية المعاصرة في ضوء الإسلام، ص555. (¬2) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص24. (¬3) القرضاوي، يوسف، فقه الزكاة، ج1، ص155، ط25، مكتبة وهبة، القاهرة، مصر. (¬4) أبو غدة، عبد الستار، زكاة مكافأة نهاية الخدمة، بحث مقدّم إلى بيت الزكاة الكويتي في الندوة الخامسة لقضايا الزكاة المعاصرة سنة 1994م. موقع المسلم على الإنترنت net/nod/ almoslim

اعتبروه من موجبات الاستحقاق المالي (¬1)، وهو ما يخضع لنفس المستند الذي يقوم عليه الضمان الاجتماعي والتعاون بين الناس، وهذا التعاون وإن كان في أصله من المباحات إلا أن ولي الأمر قد يُلزم به بعض المنشآت والجهات المشغّلة للعمال، وذلك أن أكثر عقود العمل هي مما يسمى بعقود الإذعان، حيث لا يكون للعامل خيار إلا بين القبول بالعمل المشروط التي يفرضها صاحب العمل، أو رفض العمل والبقاء في عداد العاطلين عن العمل والكسب، ويرى الباحث - والله أعلم بالصواب - تخريج هذا النوع من المكافآت على صلاحية ولي الأمر في إنشاء بعض الحقوق والواجبات على الأفراد، لاقتضاء في المصلحة للعمال ولأصحاب العمل، وفي ذلك تأمين للعامل وطمأنينة نفسه، وهو ما يدفعه لبذل كل ما في وسعه من جهد وخبرة في العمل، ويندرج هذا تحت باب السياسة الشرعية، ولكن لا بدّ من مراعاة أعراف الناس، وخصوصاً عُرف أصحاب المهنة التي يعمل فيها هذا العامل، لذلك لا ينبغي فرض هذه المكافأة لشخص بعينه، مع أن جمهور العمّال في نفس المهنة لم يتعارفوا فيما بينهم على استحقاق هذه المكافأة. ثم إننا إذا اعتبرنا مكافأة نهاية الخدمة حقاً ذا طبيعة خاصة تنشئه الدولة أو ولي الأمر استبعدنا بذلك كل الاحتمالات السابقة، لأن المكافأة عندئذ لا تكون نتاج لعقد المعاوضة، فلا تتأثر بالغرر ولا بالجهالة، أما قانون العمل الفلسطيني فقد نصّ في مادته رقم (45) على أن:" للعامل الذي أمضى سنة من العمل الحق في مكافأة نهاية خدمة مقدارها أجر شهر عن كل سنة قضاها في العمل على أساس آخر أجر تقاضاه دون احتساب ساعات العمل الإضافية، وتحتسب لهذا الغرض كسور السنة" (¬2)، لكنه وضّح في المادة رقم (42) وفي الفقرة الثانية على أنه:" يحق للعامل إذا استقال من عمله خلال السنوات الخمس الأولى ثلث مكافأة نهاية الخدمة، وثلثي مكافأة نهاية الخدمة إذا كانت الاستقالة خلال السنوات الخمس التالية، ويستحق المكافأة كاملة إذا أمضى عشر سنوات أو أكثر في العمل" (¬3). ومما يؤخذ على هذا النص أنه لم يفرّق بين استقالة العامل وإقالته، وهو ما يتطلب وجود مادة أخرى توضح حق العامل في مكافأة العامل عند إقالته، وذلك بذكر القيود التي بناءً عليها يُحرم العامل من هذه المكافأة، كما أنه لم يأت على استحقاق العامل لمكافأة نهاية الخدمة بعد إنهاء فترة التجربة بنجاح، وهذا راجع إلى الاختلاف في الطبيعة القانونية للعقد الذي يكون تحت الاختبار، وقد خلص ¬

(¬1) الحطاب، محمد بن محمد، تحرير الكلام في مسائل الالتزام، تحقيق عبد السلام محمد الشريف، ص 121،ط1، دار الغرب الإسلامي، لبنان. (¬2) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص23. (¬3) المصدر نفسه، ص24.

فقهاء القانون إلى ثلاثة آراء في طبيعة هذا العقد، أولها: أنه عقد معلق على شرط نجاح التجربة، والثاني: انه عقد تمهيدي مؤقت، فإذا نجحت التجربة أُبرم عقد باتّ بين الطرفين ولا تُحتسب أقدمية العامل إلا من هذا الوقت، والثالث: أنه عقد معلق على شرط فاسخ، فإذا انقضت مدة الاختبار دون تحقق الشرط الفاسخ أصبح العقد باتاً وأنتج كل آثاره، ومع هذا الرأي يميل الباحث، وبالرغم مما سبق فإن من العلماء المعاصرين من اشترط شروطاً لصحة التعويض عند نهاية الخدمة كالآتي:" 1. أن يكون التعويض معلوماً، (في السنة أجرة شهر). 2. أن يشرطاه في العقد. 3. إن لم يشرطاه في العقد تنصيصاً، فيجب أن يكون معمولاً به عرفاً عاماً في تلك المهنة. 4. إذا كان التعويض مشروطاً بالعرف، فيجب أن لا يتضمن العقد نفيه. 5. إذا كان التعويض مقابل كل سنة أجرة شهر- كما هو الحال المعمول به- فيجب أن لا تقل مدة العقد عن سنة كاملة. 6. أن لا يفسخ رب العمل العقد قبل انتهاء السنة، لأجل تفويت التعويض على العامل. 7. أن لا يفسخ العامل العقد قبل نهاية السنة، فإن فسخ العامل قبل نهاية السنة فلا شيء له- عملاً بالعرف-." (¬1) ¬

(¬1) الكبيّ، المعاملات المالية المعاصرة في ضوء الإسلام، ص555.

المطلب الثاني الراتب التقاعدي في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني

المطلب الثاني الراتب التقاعدي في الشريعة الإسلامية وقانون العمل الفلسطيني تُحدثنا كتب التاريخ أن الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - رأى رجلاً عجوزاً ضرير البصر يستعطي الناس فسأله ما الذي ألجأك إلى هذا الحال؟ فيجيبه الرجل: إنها الحاجة والسنّ، فيأخذ عمر بيده إلى بيت المال ويقول للخازن: أنظر هذا وأمثاله فو الله ما أنصفناه إن أكلنا شيبته ثم نخذله عند الهرم، ثم خصص للرجل مبلغاً مالياً يحصل عليه كل شهر، وفي عقد الذمة الذي كتبه خالد بن الوليد لأهل الحيرة بالعراق - وكانوا من النصارى-: "وجعلت لهم، أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنيًّا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طرحت جزيته وعِيل من بيت مال المسلمين هو وعياله (¬1). وقد عرفت المملكة العربية السعودية أول نظام تقاعد سنة 1944م، وكان هذا النوع من التأمين يهدف إلى تامين الموظف ومن يعولهم تجاه الحاجات الاقتصادية التي قد تنشأ عن فقد العامل دخله من عمله أو وظيفته بانتهاء خدمته. ويُقصد بالتقاعد:" الاستغناء عن الخدمات المقدمة من الموظف بعد وصوله السن القانوني للتقاعد، حيث يتراوح السن القانوني في أغلب الدول ما بين سن (60 - 65 سنة) " (¬2)، ويُمكن حصر أسباب التقاعد في: 1. عامل العمر. 2. عامل المرض. 3. عامل المدة القانونية. أما الراتب الذي يستحقه العامل بعد تعرّضه لأحد الاحتمالات السابقة (راتب التقاعد) فيُمكن تعريف هذا المصطلح الحادث بأنه:" مبلغ من المال يستحقه بصفة دورية شهرية العامل أو الموظف الذي انتهت خدمته، على الدولة أو المؤسسة المختصة بالتأمينات الاجتماعية إذا تحققت فيه شروط معينة تتعلق بمدة الخدمة التي دفع عنها اشتراكات شهرية، وبالسن التي وصل إليها عند انتهاء خدمته، والأسباب التي أدّت إلى هذا الانتهاء، ويستحقه العامل طوال حياته، فإن توفي استحقه بنسب حددها ¬

(¬1) أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم بن حبيب، الخراج، ص 126، 144، طبعة عام 199م، دار المعرفة، بيروت، لبنان. (¬2) الطائي وآخرون، إدارة الموارد البشرية، ص505.

القانون طائفة من ورثته، كما يستحقها هؤلاء الورثة مباشرة إذا انتهت خدمة العامل بالوفاة، وتنتهي مدة استحقاقها للورثة ببلوغ سن معينة، أو أسباب أخرى محددة" (¬1). وعرّفه بعض العلماء بقولهم:" مبلغ مالي يُصرف للموظف حال حياته بعد بلوغه سناً معينة - يفترض غالباً مظنة العجز والشيخوخة- وينتقل من بعد وفاته للمستحقين" (¬2)، ولتكييفه الشرعي لا بد من الإشارة إلى أن الراتب التقاعدي ليس أجراً مؤجل التسليم، بدليل أن هناك شروطاً لاستحقاقه، وهناك أسباباً للحرمان منه، ولو كان جزءاً من الأجرة لكانت له صفاتها من حيث الاستحقاق المؤكد، وكذلك إمكانية المطالبة بهذا المال بمجرد تقديم العمل المطلوب منه، كما يجب أن تكون الأجرة معلومة، ومبلغ التقاعد غير معلوم، حيث لا سبيل لمعرفة مقداره وذلك لارتباطه بالباقي من عمر الإنسان بعد خروجه من الخدمة، وهو ما يعني أن تسميته راتباً تسمية مجازية لمشابهته الراتب الشهري في الربط بفترات شهرية. ويقوم نظام التقاعد على الاحتمال كأي نظام تأميني آخر، فقد يُدفع للصندوق عن الموظف القليل، ثم يموت أو يعجز عن العمل، فيُدفع له أو لعائلته الكثير، وكذلك العكس، فقد يُدع للصندوق عن الموظف الكثير، ثم يموت ولا يكون له مستحق عنه حسب النظام، فلا يأخذ شيئاً مما دفع، ويتنوع الراتب التقاعدي إلى نوعين: النوع الأول: الراتب التقاعدي الذي تلتزم به الدولة لموظفيها المدنيين والعسكريين. النوع الثاني: الراتب الذي تعطيه المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. ويُموّل صندوق التقاعد من مصدرين هما: المصدر الأول: ما يُقتطع من راتب الموظف الذي ينطبق عليه النظام. المصدر الثاني: ما تدفعه وزارة المالية إلى هذا الصندوق من مبالغ مماثلة لما يُقتطع من راتب الموظف، وقد وضّح الدكتور علي السالوس (¬3) فكرة التقاعد وتكييفها الفقهي بقوله:"يُعتبر الراتب التقاعدي أحد أنواع التأمين الاجتماعي وليس تأميناً خاصاً بشخص يخشى خطراً معيناً، ولا يندرج تحت التأمين التجاري، وإنما هو تأمين عام لا يهدف إلى الربح، ولكن يهدف إلى مساعدة مجموعة من ¬

(¬1) شبير وآخرون، أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة، ج1، ص258. (¬2) أبو غدة، زكاة مكافأة نهاية الخدمة، ص 4. (¬3) علي بن الشيخ أحمد علي السالوس.، ولد عام 1353هـ ـ1934م في مصر، يحمل الجنسية القطرية، يعمل أستاذاً للفقه والأصول بكلية الشريعة بجامعة قطر، وهو النائب الأول لرئيس مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، عضو بمجمع الفقه - منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، عضو بجمع الفقه برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، له أكثر من ثلاثين مؤلفاً. الترجمة مأخوذة من الموقع العالمي للإقتصاد الإسلامي http://isegs.com/forum/showthread.php?t=1075

الأفراد قد يكثر عددهم جداً فيصل إلى الملايين، مثل ما تقوم به دول للتأمين على أبنائها من العمال والموظفين مما يُعرف بنظام التقاعد أو المعاشات، فتقتطع من الأجور والرواتب نسبة معينة، فإذا بلغ سن التقاعد أو وصل إلى المعاش يُصرف له معاش شهري، أو يأخذ مكافأة مالية تساعده في حياته، وكذلك ما يُعرف بالتأمينات الاجتماعية والتأمينات الصحية" (¬1)، ولبيان الحكم الشرعي في هذا النوع من الاستحقاقات الطبيعية للعامل، أعرض لوجهتي النظر في حكمه الشرعي: الفريق الأول: وهم القائلون بحلّ معاشات التقاعد (¬2)، وقد استدلوا بتعليلين هما: التعليل الأول: أنه يظهر في نظام التقاعد التبرع، حيث عن الموظف متبرع بما يؤخذ من راتبه الشهري، وكذلك الدولة أو الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية متبرعة بما تدفعه لصندوق التقاعد عن موظفيها، كما أن الدولة ممثلة في ولي الأمر معنية برعاية الموظف وبمن يعول بعد نهاية خدمته وكبر سنه فما تقتطعه من مرتبه شهريًّا تضيف عليه نسبة تماثل لما اقتطعته منه أو نحوها وتقوم بتشغيلها وتنميتها ثم يصرف له كامل النسبتين بعد تقاعده، وإنما أتت شبهة الربا عند بعض الناس من حيث إن الموظف يدفع مالاً على أقساط قليلة فيأخذ أكثر منها عند تقاعده من الوظيفة، وليس كذلك، إذ حقيقة الأمر أن ما دفعته الدولة من نسبة هو تبرع وليس لقاء عمل، إذ مقابل العمل هو الراتب الشهري الذي يستلمه الموظف آخر الشهر، فهذا من الدولة شبيه بالمكافأة، وأيضًا مما يؤكد أن المعاش التقاعدي عقد تبرع لا معاوضة. التعليل الثاني: أن الدولة لا تمتلك ما اقتطعته من رواتب الموظفين، وإنما هو موقوف لهم لحين الحاجة، وهذا بخلاف التأمين التجاري الذي تمتلك شركة التأمين أقساط المؤمنين بمجرد دفعها للشركة. الفريق الثاني: القائلون بالتحريم (¬3)، وقد احتجوا بمايلي: 1. أن نظام التقاعد نوع من أنواع التأمين، ولا يختلف عن التأمين التجاري في أصله ومشروعيته، فهو يشتمل على الربا والغرر. 2. يشتمل راتب التقاعد على ربا الفضل، وذلك لأن معاش التقاعد هو عبارة عن بيع نقود مجهولة المقدار بنقود مجهولة المقدار، وقد تكون أكثر منها أو أقل، كما أن هذا الراتب يشتمل على ربا النسيئة حيث إن أحد العوضين في رواتب المتقاعدين مؤجل إلى أجل غير مسمى. ¬

(¬1) السالوس، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة والاقتصاد الإسلامي، ص373. (¬2) أغلب العلماء المعاصرين ومنهم الدكتور علي السالوس. المرجع نفسه ص 373. (¬3) منهم الشيخ عبد الرزاق عفيفي الذي رفض أن يأخذ أية مبالغ عندما تقاعد لأن المسألة عنده فيها شبهة ربا. http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=6798

3. يُعتبر راتب التقاعد نوعاً من أنواع القمار، وذلك لأنها معاوضة تعتمد على الحظ، فقد يدفع الموظف أقساطاً يسيرة ثم يستحق مبالغ كبيرة والعكس. 4. إن معاشات التقاعد مخالفة لقواعد الميراث الشرعية، لأنه إذا توفي الموظف يستحق راتبه من كان يعولهم قبل موته، وذلك حسب أنظمة التقاعد دون اعتبار لباقي الورثة. (¬1) وبعد عرض فكرتي الإباحة والتحريم حول معاشات التقاعد، يميل الباحث - والله تعالى أعلم - لجواز هذا النوع من الرواتب للأسباب الآتية: 1. اندراج هذا النوع من أنواع الرواتب تحت باب التكافل والتضامن بين أفراد المجتمع المسلم، فقد عرف العرب مبكراً هذه الفكرة فنشأت بصورة علمية عند ظهور الإسلام الذي يهدف للإقامة مجتمع الكفاية والعدل والمساواة. 2. أن العمّال وجمهور الموظفين يعانون اليوم من قلة موارد دخلهم، ويعتمدون على الراتب الشهري الذي قلّما يدخرون منه، فيأتي راتب التقاعد ليسد حاجتهم في الوقت الذي غالباً ما يعجزون عن العمل. 3. غياب الدولة الإسلامية التي تتكفل في الغالب بتأمين الدخل للعاجزين عن العمل وبشكل مجاني، وهي ملزمة بذلك. 4. في رواتب التقاعد تخفيف من نسبة الفقر والعوز المنتشرة والمتزايدة. 5. في رواتب التقاعد احترام للموظف العامل ومكافأة له. 6. ينبغي التنبيه إلى أمر غاية في الأهمية، ألا وهو استثمار هذه الأموال المقتطعة من رواتب الموظفين وتلك المدفوعة من الجهة المشغّلة، حيث لا يجوز استثمارها بالوسائل الربوية المنتشرة في زمننا المعاصر، ولا بدّ من الحرص على إبعادها عن الوسائل المحرمة الأخرى، قد صدرت فتاوى معاصرة حول موقف الموظف المسلم الذي يعلم أن راتبه التقاعدي يتم تشغيله في الربا من الحكومة، وهذا حرام على الدولة ولا دخل للموظف فيه، حيث لم يؤخذ رأيه في تشغيل ما يخصه، فهي المرابية وهي الظالمة، والموظف لم يرض بذلك بل هو مجبر عليه (¬2)، كما يحرم الاشتراك في أي صندوق إذا كانت أمواله تشغل بطرق محرمة شرعاً مثل تشغيل الأموال في البنوك الربوية بالفائدة، ومثل المتاجرة بأسهم الشركات التي يحرم التعامل بأسهمها، ومثل تشغيل الأموال في البورصات العالمية لأن أكثر ¬

(¬1) ابن ثنيان، التأمين وأحكامه، ص261 - 262. (¬2) فتوى للدكتور سعود الفنيسان، عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود، موقع الإسلام اليوم http://islamtoday.net/fatawa/quesshow-60-

تعاملاتها محرمة شرعاً (¬1)، ولا يجوز الانتفاع بتلك الأموال انتفاعاً شخصياً كأن ينفقها الشخص على نفسه أو على أهله فهذه الأموال لا تحل للشخص أبداً، ولا يحل له إنفاقها في مصالحه الشخصية كتسديد الضرائب المترتبة على المشترك أو في استخراج رخصة بناء. وعليه إنفاق تلك الأموال على الفقراء والمحتاجين والغارمين والمؤسسات الخيرية ومصالح المسلمين العامة كبناء مدرسة أو مستشفى أو تجهيز شارع ونحو ذلك. وقد أفتى بذلك طائفة من علماء العصر منهم فضيلة الشيخ العلامة مصطفى الزرقا -رحمة الله عليه- حيث قال:"لا يجوز الانتفاع بتلك الأموال انتفاعاً شخصياً كأن ينفقها الشخص على نفسه أو على أهله فهذه الأموال لا تحل للشخص أبداً، ولا يحل له إنفاقها في مصالحه الشخصية كتسديد الضرائب المترتبة على المشترك أو في استخراج رخصة بناء. وعليه إنفاق تلك الأموال على الفقراء والمحتاجين والغارمين والمؤسسات الخيرية ومصالح المسلمين العامة كبناء مدرسة أو مستشفى أو تجهيز شارع ونحو ذلك" (¬2)،وقد أفتى بذلك طائفة من علماء العصر فقالوا:" إن التدبير الصحيح الشرعي في هذه الفوائد أن يأخذها المودع من المصرف دون أن ينتفع بها في أي وجه من وجوه الانتفاع فعليه أن يأخذ تلك الفوائد التي يحتسبها له المصرف الربوي عن ودائعه ويوزعها على الفقراء حصراً أو قصراً لأنهم مصرفها الوحيد" (¬3)، ويختلف الراتب التقاعدي عن مكافأة نهاية الخدمة في أمور جوهرية منها: 1. أن الملتزم بالراتب التقاعدي ليس صاحب العمل، وإنما المؤسسة العامة ذات الشخصية الاعتبارية، وهي الدولة أو المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. 2. مكافأة نهاية الخدمة لا تستحق إلا للعامل الذي يدفع أقساطاً تقتطع من راتبه بصورة دورية، وفي بعض البلدان (الأردن) إذا كان صاحب العمل مؤسسة خاصة وجب عليها دفع أقساط إلى لمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تعادل ما يفرضه قانون العمل من مكافأة نهاية الخدمة، أما إذا كان رب العمل هو الدولة نفسها اقتُصر على موظفيها. 3. إذا توفرت شروط معينة تتعلق بعمر الموظف وعدد الأشهر التي دفع أقساطها استحق الموظف راتباً تقاعدياً له أو لبعض ورثته، فإذا تخلفت هذه الشروط استحق مبلغاً مالياً يُحسب بطريقة محددة يُراعى فيها مدة خدمته وراتبه السنوي، وهو ما يسمى بمكافأة التقاعد. ¬

(¬1) فتوى الدكتور حسام الدين عفانة، بتاريخ 2/ 11/2007م، http://www.yasaloonak.net (¬2) المصدر نفسه. (¬3) الشيخ مصطفى الزرقا، شبكة الشريعة التخصصية، http://sharee3a.com/vb/showthread

المبحث السابع: حق العامل في الشكوى والتقاضي والتظاهر والإضراب عن العمل وحق الابتكار

المبحث السابع: حق العامل في الشكوى والتقاضي والتظاهر والإضراب عن العمل وحق الابتكار، ويشمل المطالب الآتية: المطلب الأول: الشكوى والتقاضي المطلب الثاني: التظاهر والإضراب عن العمل المطلب الثالث: حق الابتكار

المطلب الأول الشكوى والتقاضي

المطلب الأول الشكوى والتقاضي نظمت الشريعة الإسلامية قبل أربعة عشر قرناً من الزمن العلاقة بين العبد وربه ابتداءً، ثم بين العباد بعضهم البعض، وبالتالي اهتمت الشريعة الإسلامية بتنظيم العلاقة بين العامل وصاحب العمل، فالإسلام لم يترك أطراف العقد دون رقيب أو حسيب، فعمل على إشاعة العدل ونشر الأمن والطمأنينة بين فئات العمال، ومن هنا جاءت الآيات القرآنية المطهّرة والأحاديث النبوية الشريفة التي تحذر من الظلم، بل وتطالب المجتمع برفعه عن المظلوم، ومن هذه الآيات قول الله - سبحانه وتعالى -: {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ} (¬1)، وكذلك قوله: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (¬2)، وفي الحديث القدسي يقول الله - سبحانه وتعالى -:" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضالّ إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أُطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليلِ والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إِنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب واحد منكم ما نقص من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عِبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه" (¬3). وبهذه النصوص ومثلها قرر الإسلام مبدأ العدل والمساواة، ولكن النفس البشرية - الأمّارة بالسوء- قد تسيطر على صاحبها فتدفعه لأن يظلم أو ينتقص حقاً من حقوق الغير بدوافع عدّة، لهذا شرع الإسلام للمظلوم أن يرفع مظلمته لصاحب الأمر، بغضّ النظر عن هذه المظلمة، وعلى ولي الأمر النظر في الشكوى المرفوعة إليه، وأن يأخذ الحق من الظالم ويُعطيه لصاحبه، ودفعاً للظلم أباحت الشريعة الإسلامية وسائل عدة للتظلّم، ومن هذه الوسائل الاحتجاج لولي الأمر، ولهذه الوسيلة شاهد من حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، حيث جاءه رجل وقال له:" يا رسول الله أمرني مولاي أن أقدّد لحماً ¬

(¬1) سورة غافر، آية رقم 31. (¬2) سورة النمل، آية رقم 52 .. (¬3) رواه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم، ص 1084، برقم (2577).

(اللحم المشرّر أو ما قُطِع منه طِوالاً) (¬1)، فجاءني مسكين فأطعمته منه، فعلم بذلك مولاي فضربني، فدعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال له:" لمَ ضربته؟ قال: يُطعم طعامي بغير أن آمره، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" الأجر بينكما" (¬2) ويُستفاد من هذا الحديث أن للعامل حق الشكوى على صاحب العمل إذا شعر بظلمه له، كما يؤخذ منه واجب العامل في المحافظة على أموال صاحب العمل وأن لا يتصرف فيه إلا بإذنه (¬3)، وقد عُرف للمغيرة بن شعبة (¬4) - رضي الله عنهم - عبداً (¬5) كان يصنع الرحاء، وكان المغيرة بن شعبة - رضي الله عنهم - يستعمله كل يوم بأربعة دراهم، فلقي العبد عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - وقال: يا أمير المؤمنين إن المغيرة قد أكثر عليّ فكلمه أن يخفف عليّ، فقال له عمر - رضي الله عنهم -: اتق الله وأحسن إلى مولاك، ومن نية عمر أن يلقى المغيرة فيكلمه في التخفيف عنه، فغضب العبد وقال: يسعُ الناس كلهم عدله غيرك، وعزم على أن يقتله، فصنع خنجراً له رأسان، فشحذه وسمّه ... " (¬6)، وتتنوع أساليب الاحتجاج على الظلم الواقع على العمال، فمنها الاحتجاج بالرسائل الموقعة من العمال أو من ينوب عنهم، وهذه الرسائل تصل لصاحب العمل أو من ينوب عنه، كذلك الاعتصام السلمي تعبيراً عن عدم الرضا، ومنها أيضاً اللجوء إلى القضاء، ولم ينصّ قانون العمل الفلسطيني على اعتبار الشكوى على صاحب العمل حقاً للعامل، وإنما أشار في المادة رقم (39) منه على أنه:" لا يمكن اعتبار الحالات التالية بوجه الخصوص من الأسباب الحقيقية التي تبرر إنهاء العمل من قبل صاحب العمل ... إقدام العامل على رفع قضية أو مشاركته في إجراءات ضد صاحب العمل بإدعاء خرق القانون، وكذلك تقديمه لشكوى أمام الهيئات الإدارية المختصة" (¬7)، ومن الوسائل المتاحة لدى العمل للتظلم ما بات يُعرف اليوم بالمظاهرات والإضراب عن العمل. ¬

(¬1) الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ص 309. (¬2) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب ما أنفق العبد من مال مولاه، ص389، برقم (1025). (¬3) الحية، الأحاديث الواردة في حقوق العمال ومسؤولياتهم، ص155. (¬4) من كبار الصحابة، شهد بيعة الرضوان، كنّاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأبي عيسى، له في الصحيحين اثنا عشر حديثاً، وقد انفرد البخاري بحديث واحد، ومسلم بحديثين، توفي في سنة خمسين للهجرة، الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج3، ص 32. ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، ج3، ص599. (¬5) قاتل عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - أبو لؤلؤة المجوسي. المرجع نفسه، ج1، ص90 .. (¬6) رواه البيهقي في سننه، ج4، ص 25، برقم (6820)، ورواه البخاري ولم يرفع شكوى أبي لؤلؤة، كتاب فضائل الصحابة، باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان، ص 904، برقم (3700). (¬7) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص21.

ومع تقريرنا لحق العامل في التقاضي نُشير إلى صاحب الاختصاص في النظر في شكاوى العمال، حيث إن المتتبع لتطور التاريخ الإسلامي يجد حرصاً شديداً من ولاة الأمر- وفي مقدمتهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الاستماع إلى تظلّمات المسلمين وشكاويهم، فقد تنوعت أسالبيهم في الاهتمام بتحقيق العدل، فكانوا يقومون بمراقبة حركة الناس اليومية في أسواقهم وأعمالهم (¬1)، ومن الخلفاء في العصور الإسلامية من كان يجلس مرتين في اليوم صباحاً ومساءً يستمع إلى المظالم (¬2)، ومع نشأة الحكومات المعاصرة برزت الحاجة إلى سماع شكاوى المواطنين - ومنهم فئة العمال- حرصاً على تحقيق العدل، وكان ذلك من خلال تأسيس هيئات خاصة لذلك، وقد بدأت إرهاصات إنشاء مثل هذه الهيئة عام 1709م عندما نفى الروس ملك السويد إلى تركيا وتأثر بنظام قاضي القضاة، وفي عام 1713م عيّن ملك السويد ممثلاً للشعب للرقابة على موظفي الحكومة وحماية المواطنين من الظلم، وفي عام 1809م أنشأت السويد جهازاً رسمياً رقابياً مرتبطاً بالمجلس التشريعي أُطلق عليه (حامي العدالة) (¬3)، ثم لحقت بذلك بعض الدول العربية والإسلامية، فشكّلت المملكة العربية السعودية والباكستان والكويت هيئات رسمية لمتابعة الشكاوى والتظلمات من الناس. أما في الإسلام فكان يقوم الخليفة أو الوزير أو الوالي بالنظر في هذه الشكاوى، وقد يقوم الوالي أو ولي الأمر بتكليف أحد ممن يثق به في مساعدته في هذا الأمر (¬4)، وأحياناً توكل المظالم والمنازعات البسيطة إلى المحتسب في كل قطاع، فالمظالم والمنازعات التي تنشأ في السوق يقوم بحلها القائم على حسبة السوق، ويُمكن أن يقوم القائم بأعمال الحسبة على الأجور والعمال بحل المنازعات البسيطة بين العمال وأصحاب العمل، وذلك لأن أعمال المحتسب تتعدّى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث يمكن اعتباره محكمة عمالية (¬5)، وقد تم مؤخراً إنشاء محكمة عمالية تتولي الفصل في تظلمات العمال وشكاويهم في فلسطين. ¬

(¬1) الكتاني، التراتيب الإدارية، ج1، ص67. (¬2) الماوردي، الأحكام السلطانية، ص104. (¬3) العمر، أخلاق العمل وسلوك العاملين في الخدمة العامة، ص146. (¬4) الماوردي، الأحكام السلطانية، ص104. (¬5) العمر، أخلاق العمل وسلوك العاملين في الخدمة العامة، ص147.

المطلب الثاني التظاهر والإضراب عن العمل

المطلب الثاني التظاهر والإضراب عن العمل قررت الشريعة الإسلامية الغرّاء الوفاء بالالتزامات من كلا الطرفين، حيث قال الله - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} (¬1)، ومن الوسائل التي يُمكن للعامل اتباعها للتعبير عن احتجاجه على صاحب العمل الإضراب عن العمل. وقد عرّف علماء اللغة الإضراب بقولهم:" أضربت عن الشيء: كففت وأعرضت، وضرب عنه الذكر وأضرب عنه: صرفه، ويُقال: ضربت فلاناً عن فلان: أي كففته عنه" (¬2) فالإضراب بهذا المعنى يتضمن معنى الكفّ، وكذلك الإعراض عن الشيء هو الامتناع عنه. أما تعريف الإضراب في الاصطلاح فهو:" توقف أو امتناع العامل عن أداء مهامه التي وكّل بها، بدون سابق إذن من موكله أو رب العمل لغرض الحصول على إحدى حقوقه بالعدل" (¬3)، أو هو:" اتفاق مجموعة من العمال فيما بينهم على الامتناع عن القيام بالعمل المتفق عليه لوجود نزاع عمالي، والغرض منه الحصول على حقوقهم التي تتعلق بشروط العمل أو ظروفه" (¬4) ويتنوع الإضراب إلى أنواع ثلاثة هي: النوع الأول: الإضراب عن الطعام، وغالباً ما يكون هذا النوع داخل السجون والمعتقلات، وقد عايشته ولمست أثره الإيجابي في المعتقلات الإسرائيلية. النوع الثاني: الإضراب العام، وغالباً ما يلجأ إليه العمّال بعد إهدار صاحب العمل- وهو الدولة - حقوقهم. النوع الثالث: الإضراب الفئوي، وتقوم به فئة معينة من الشعب، يجتمعون على مهنة واحدة، أو يعملون في وظيفة واحدة، وقد عايشنا إضراب المعلمين والعاملين في الجامعات الفلسطينية مرات عديدة، ونحن بصدد الحديث عن هذا النوع دون غيره من الأنواع، نظراً لارتباطه بموضوع الرسالة. ومن المقرر بداية أنه لا بدّ من مسوّغ لهذا الإضراب، ويمكن أن تتنوع المسوغات ومنها: ¬

(¬1) سورة المائدة، آية رقم 1. (¬2) ابن منظور، لسان العرب، ج1، ص547. (¬3) نصر عامر، الإضراب وأثره في الفقه الإسلامي، مقال منشور على موقع القلم على شبكة الانترنت http://www.alqlm.com/index.cfm?method=home.con&contentid=734 (¬4) رمضان، الوسيط في شرح قانون العمل، ص504.

1. سلب العامل أحد حقوقه التي سبق الحديث عنها أو غيرها. 2. عدم حصول العامل على جدوى محققة بعد مطالبة العامل بحقوقه، سواء كان ذلك شفوياً أو كتابياً، أو بأيٍ من الطرق المتاحة للعامل. 3. سكوت الدولة وعدم تدخلها لإقامة العدل بين العمال وأصحاب العمل. 4. عدم استجابة أصحاب العمل لتهديدات العمّال بالإضراب عن العمل. 5. وجود فجوة فعلية وواسعة بين الأجر الذي يتقاضاه العامل ومتطلبات الحياة. يُعتبر الإضراب من النوازل الفقهية، حيث ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث تضع للباحث المعاصر قواعد عامة للتعامل مع تلك النوازل، كقوله:" ليُّ الواجد يُحلّ عرضه وعقوبته" (¬1)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -:" مطل الغني ظلم، ومن اتبع على مليء فليتبع" (¬2) ويمكن أن نفهم من هذا الحديث: أن الظلم المالي لا يختص بأخذ مال الغير بغير حق، بل يدخل فيه كل اعتداء على مال الغير، أو على حقه بأي وجه يكون، فمن غصب مال الغير، أو سرقه، أو جحد حقاً عنده للغير، أو بعضه، أو ادّعى عليه ما ليس له من أصل الحق أو وصفه، أو ماطله بحقه من وقت إلى آخر، أو أدّى إليه أقل مما وجب له في ذمته - وصفاً أو قدراً - فكل هؤلاء ظالمون بحسب أحوالهم. والظلم ظلمات يوم القيامة على أهله. ثم إننا نتعلم من الحديث حُسن الاستيفاء، وأن من له الحق عليه أن يتّبع صاحبه بمعروف وتيسير، لا بإزعاج وتعسير، ولا يمتنع عليه إذا وجهه إلى جهة ليس عليه فيها مضرة ولا نقص، فإذا أحاله بحقه على قادر على الوفاء غير مماطل ولا ممانع فليتحوّل عليه، فإن هذا من حسن الاستيفاء والسماحة. ولهذا ذكر الله تعالى الأمرين في قوله - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬3) وقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن اتصف بهذا الوصف الجميل، فقال: "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى (طلب ¬

(¬1) رواه أبو داود في سننه، كتاب القضاء، باب في الدَّين هل يُحبس به، ص 651، برقم (3628) وحكم عليه الشيخ الألباني بأنه حديث صحيح، ورواه النسائي في سننه، كتاب البيوع، باب مطل الغني، ص714، برقم (4689). (¬2) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الحوالات، باب الحوالة وهل يرجع في الحوالة، ص (541) برقم (2287)، ورواه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب تحريم مطل الغني وصحة الحوالة واستحباب قبولها إذا أُحيل على مليء، ص (1564) برقم (1564). (¬3) سورة البقرة، آية رقم 178.

قضاء الحاجة) " (¬1)، فالسماحة في مباشرة المعاملة، وفي القضاء، يرجى لصاحبها كل خير ديني ودنيوي، لدخوله تحت هذه الدعوة المباركة التي لا بدّ من قبولها، وإذا كان مطلُ الغني ظلماً وجب إلزامه بأداء الحق إذا شكاه غريمه، فإن أدّى وإلا عُزّر حتى يؤدي، أو يسمح غريمه، وهذا الحديث أصل في باب الحوالة، وأن من حُوّل بحقه على رجل مليء، فعليه أن يتحول، وليس له أن يمتنع، كما أن امتناع الموسر عن دفع ما عليه من التزامات مادية وكذلك مماطلته في الدفع يُحلُّ عرضه وعقوبته، فما بالنا إذا كان المماطل هو ربّ العمل، وهنا وجب على ولي الأمر التدخل لفضّ النزاع ومعاقبة رب العمل لمماطلته في الدفع، وقد انقسم العلماء المعاصرون في رأيهم الشرعي للإضراب إلى فريقين: الفريق الأول: وهؤلاء منهم من أجاز التظاهر والإضراب عن العمل على إطلاقه (¬2)، وذلك لأن رب العمل أخلّ بالعقد، وفي هذا إشارة إلى الإضراب عن العمل الذي يكون بسبب عدم استلام العمال لرواتبهم، ومن هذا الفريق من أجاز الإضراب عن العمل ولكن بضوابط كعدم الإضرار بالمصلحة العامة، (¬3) ومنهم من سئل الإضراب عن العمل لتحقيق بعض المطالب للعامل أو تحسين بعض الأوضاع فأجاب:" إن الإضراب إخلال في عقد العمل بين العامل من جهة، وصاحب العمل من جهة أخرى، ولقد دعى الله - سبحانه وتعالى - في كتابه الكريم إلى الالتزام والوفاء بالعهود والمواثيق والعقود التي يقطعها الإنسان على نفسه تجاه الغير، ولا بدّ من أن يقوم العامل بجميع الأعمال الموكلة إليه على الوجه الذي يرضي الله تعالى، مصداقا لقوله - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} (¬4) وقد يصاحب ¬

(¬1) رواه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع ومن طلب حقاً فليطلبه في عفاف، ص492، برقم (2076). (¬2) المفتون بالجواز: نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق، والدكتورة سعاد صالح عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، الدكتور حامد أبو طالب عضو مجمع البحوث الإسلامية وعميد كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر، على موقع إسلام أون لاين http://www.islamonline.net. الشيخ محمد علي فركوس من علماء الجزائر http://www.ferkous.com/rep/engine.php?. الشيخ سعد فضل من علماء الأزهر http://www.ikhwanonline.com/Article الموقع العالمي للاقتصاد الإسلامي على شبكة الانترنت http://www.isegs.com/forum (¬3) ورد هذا القيد في بحث بعنوان " الإضراب " للدكتور عبد الكريم زيدان على موقع جامعة الإيمان. http://www.jameataleman.org/ftawha/zadean/zftw6.htm (¬4) سورة المائدة، آية رقم 1.

الإضراب بعض المفاسد وأعمال الشغب ومظاهر العنف، وهذا ما لا يرتضيه الشارع بناءً على القاعدة الفقهية: درء المفاسد أولى من جلب المنافع، وهناك العديد من الوسائل التي يمكن اللجوء إليها لتحقيق المطالب، وقد تكون أكثر فاعلية وجدوى من الإضراب، كالتظلّم لدى المسئولين ومخاطبتهم وجدالهم بالتي هي أحسن، والإنسان العاقل لا يترك باباً وفق أسس سليمة شرعية، إلا ويطرقه، أما الانقطاع عن العمل بسبب عدم دفع الأجور والرواتب فهذا جائز، لأن رب العمل أخل بالعقد، فللعامل أن ينقطع عن العمل حتى يدفع له أجره" (¬1). وقد استدل من قال بإباحة التظاهرات والإضرابات بالأمور الآتية: أولاً: قال الله - سبحانه وتعالى -: {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً} (¬2) فهذا يدل على أنه من ظُلم يجوز له أن يشتكى ويرفع صوته ويعلن ذلك، فكيف إن كان الظلم عامّاً ووقع على كثير من أبناء الأمة إن لم يقع على الأمة بأسرها، ألا يعطيها ذلك الحق في أن تعلن ذلك بشكل جماعيّ وفرديّ؟، لذلك يجوز للعمال إذا كانوا على الحق وقضيتهم عادلة أن يحتشدوا؛ ليعلنوا عن الظلم الذي وقع عليهم وأن يطالبوا برفعه. ثانياً: قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم (¬3)، حيث علّق الإمام ابن القيم - رحمه الله - على ذلك بقوله:" لمّا كانت المقاصد لا يُتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها، ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها" (¬4). ثالثاً: تعتبر هذه الاعتصامات والإضرابات من قبيل العادات وليس من قبيل العبادات، ولم يرد دليل شرعي يمنعها. الفريق الثاني: وقد منع هذا الفريق الإضراب عن العمل لمبررات ساقها كل من أفتى بالمنع، فقد سئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله- عن حكم الإضراب عن العمل في بلد مسلم للمطالبة بإسقاط النظام العلماني فأجاب -رحمه الله-:" إن قضية الإضراب عن العمل سواء كان هذا العمل خاصاً أو بالمجال ¬

(¬1) الشيخ محمد محمود النجدي، في كتابه رسائل ومسائل، ص 48، عن موقعه الشخصي على شبكة الانترنت http://www.al-athary..net/index.php?option=com_content&task= (¬2) سورة النساء، آية رقم 148. (¬3) السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية، تحقيق محمد محمد تامر وحافظ عاشور حافظ، ج1، ص60،ط2، 2004م، دار السلام، القاهرة، مصر. (¬4) ابن القيم، إعلام الموقعين عن رب العالمين، ج2، ص148.

الحكومي لا أعلم له أصلاً من الشريعة ينبني عليه، ولا شك أنه يترتب عليه أضرار كثيرة حسب حجم هذا الإضراب شمولاً، وحسب حجم هذا الإضراب ضرورة، ولا شك أنه من أساليب الضغط على الحكومات" (¬1)، وهناك من ذهب بعيداً ليعتبر المظاهرات والإضرابات من قبيل الإفساد في الأرض، لافتاً إلى أن هذه الأعمال حتى إذا لم تشهد أعملاً تخريبية فهي تصدّ عن ذكر الله. (¬2) ويرى الباحث - والله تعالى أعلم - أن الإضراب منه ما هو مشروع في مقصده ووسيلته، ومنه ما ليس كذلك، وبالتالي يٌعتبر لجوء العمال للمطالبة بحقوقٍ مهضومة أو مسلوبة، والتعبير عن ذلك بالطرق السلمية التي تخلو من التخريب والتدمير والتعطيل لمصالح العامة، من الأمور التي تُبيحها الشريعة الإسلامية، وقد استند الباحث في ترجيحه على الأمور الآتية: أولاً: إن الإضراب عن العمل هو إخلال بالواجب، ويتنافى مع الوفاء بالعقد المأمور به في قول الله - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} (¬3)،وصاحب العمل مطالب بالوفاء بالتزاماته تجاه العامل حتى لا يضطر إلى الإضراب. ثانياً: ينبغي على العامل تسليم نفسه لصاحب العمل طيلة المدة المتفق عليها، وذلك للقيام بالأعمال الموكلة إليه وبما يُرضي الله - سبحانه وتعالى -، كما يلتزم صاحب العمل بدفع الأجرة للعامل على النحو المتفق عليه. ثالثاً: إذا أخلّ صاحب العمل بدفع رواتب موظفيه يتحرك العمّال بخطوات احتجاجية للتعبير عن تظلمهم من عدم دفع رواتبهم، وهذه الخطوات الأصل فيها الإباحة، ولكنها مشروطة بشروط منها عدم التأثير سلباً على مصلحة العمل أو المصلحة العامة. رابعاً: إذا أراد العمّال المطالبة بزيادة رواتبهم المتفق عليها جاز لهم ذلك، نظراً لعدم وجود ما يمنعهم من ذلك، ولكن لا ينقطعوا عن العمل إلا إذا رفض صاحب العمل ذلك الطلب، وكان هناك حاجة ماسّة لزيادة الرواتب. خامساً: لا بدّ من اعتبار أمرين مهمين عند الإقدام على هذه الخطوة هما: ¬

(¬1) ابن عثيمين، محمد بن صالح، الصحوة الإسلامية، ضوابط وتوجيهات، ص289، ط3، دار القاسم، الرياض، السعودية. (¬2) الشيخ صالح اللحيدان، رئيس المجلس الأعلى للقضاء في السعودية، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء. موقع أخبار العالم الإسلامي http://arabic.irib.ir/pages/news/detailnews.asp?idn=37069 (¬3) سورة المائدة، آية رقم 1.

1. مشروعية هذه الوسيلة. 2. مشروعية الغاية من هذه الوسيلة. فإذا كانت الوسيلة إلى الإضراب مباحة، والغاية منه واجبة، فإن الوسيلة لتحقيق الغاية تصبح واجبة، لأنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وخلاف ذلك إذا كانت الوسيلة محرّمة أو اتخذت لغاية غير مشروعة، وهو ما عبّر عنه الدكتور فتحي الدريني -رحمه الله- أن استعمال الحق يعتمد على أمرين هما:" الأول: طهارة الباعث وشرف النية، حتى لا يعبث الهوى أو المصلحة الخاصة في التصرف. الثاني: النظر في مآل التصرف الصادر من صاحب هذا الحق. (¬1) " سادساً: لا يجوز للعامل الإضراب عن العمل للمطالبة بغير مستحقاته، فإذا ترتب على الإضراب عن العمل مفسدة أكبر من المنفعة المرجوّة فلا يجوز القيام بهذه الخطوة، كتعطيل المستشفيات عند امتناع الأطباء عن العمل أو إغلاق الصيدليات أمام المرضى، وفي هذه الحالات يكون درء المفاسد عن الناس أولى من جلب المنافع للعمّال، وقد قامت الشريعة الإسلامية أصلاً لتحقيق المصالح، حيث قال الإمام الشاطبي (¬2) - رحمه الله تعالى -:" أنّا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد" (¬3). وهنا ينبغي التنويه والتساؤل: هل يستحق المشارك في الإضراب أجرة عن المدة التي شارك فيها؟ ويرى الباحث - والله تعالى أعلم - أن الإضراب المشروع في مقصده ووسيلته يستحق العامل فيه الأجر كاملاً , وإذا لم يكن الإضراب مشروعاً لا يستحق أجر المدة التي انقطع فيها عن العمل. وقد راعى قانون العمل الفلسطيني حق العامل في المشاركة في الإضراب عن العمل، فنصّ في المادة رقم (66) على أنه:" وفقاً لأحكام القانون الإضراب حق مكفول للعمال للدفاع عن مصالحهم" (¬4)، في حين سرد بعض التفصيلات التي نوافقه على بعضها ونختلف معه في البعض الآخر، فمثلاً اشترط قانون العمل الفلسطيني على ضرورة توجيه تنبيه كتابي من قِبل العمال إلى إدارة المنشأة أو المؤسسة وإلى الوزارة المعنية قبل أسبوعين، وهنا نوافق على المبدأ حفاظاً على مصلحة ¬

(¬1) الدريني، الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده، ص174. (¬2) إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشاطبي، من أهل غرناطة، من أئمة المالكية، له من الكتب الموافقات في أصول الفقه، توفي سنة 790هـ. المراغي، عبد الله مصطفى، الفتح المبين في طبقات الأصوليين، ج3، ص 205، ط2، 1974م، مكتبة محمد أمين دمج وشركاؤه، بيروت، لبنان. (¬3) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج2، ص262. (¬4) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص26.

العمل وصاحبه، ولكنّ اشتراط ذلك بأن يكون قبل أسبوعين فيه إطالة لانتظار العامل، أما بيان الأسباب فهذا جيد حتى تكون إدارة المنشاة لديها تصور عن مطالب العمّال. ثم إن اشترط القانون أن يكون التنبيه الكتابي الذي يوجَه إلى المنشأة أن يكون موقعاً من 51% من عدد العمّال يناقض تخويل العمّال من يمثلهم، فإذا اتفق العمّال على من يُمثلهم فما الحاجة بعد ذلك لتوقيع أكثر من نصف العمال؟ بل ينبغي الاكتفاء بقرار اللجنة الممثلة للعمال، كما أن القانون منع الإضراب خلال إجراءات النظر في النزاع الجماعي وهذا حفاظاً على مصلحة العمل، أما إيقاف الإضراب بعد عرض النزاع على جهة الاختصاص فهذا إفشال لخطوة الإضراب والاحتجاج، وذلك لاحتمالية استمرار النظر في النزاع أشهر أو سنوات، كما أنه يُحظر على العمّال استئناف إضراب جديد لوجود الخصومة، وقد نصّت المادة رقم (67) من قانون العمل الفلسطيني على أنه:" 1 - يجب توجيه تنبيه كتابي من قبل الطرف المعني بالإضراب أو الإغلاق إلى الطرف الأخر وإلى الوزارة قبل أسبوعين من اتخاذ الإجراء موضحا أسباب الإضراب أو الإغلاق. 2 - يكون التنبيه قبل أربعة أسابيع في المرافق العامة. 3 - في حال الإضراب يكون التنبيه الكتابي موقعا من 51% من عدد العاملين في المنشأة علي الأقل وفي حال الإغلاق أثناء إجراءات النظر في النزاع الجماعي. 4 - لا يجوز الإضراب أو الإغلاق أثناء إجراءات النظر في النزاع الجماعي. 5 - يترتب علي عرض نزاع العمل الجماعي على جهة الاختصاص وقف الإضراب أو الإغلاق" (¬1) ¬

(¬1) المصدر نفسه، ص 30.

المطلب الثالث حق الابتكار

المطلب الثالث حق الابتكار تعددت النوازل المعاصرة التي شغلت بال الباحثين والمختصين، مما حدا بالفقيه المسلم أن يُدلي بدلوه في سبيل الوقوف على حكمها الشرعي، وكان من هذه النوازل تلك الحقوق التي سُميت بالحقوق المعنوية، وكل ما في حكمها كالاسم التجاري وحقوق الإنتاج العلمي (الذهني) وحقوق التأليف وحقوق الابتكار (حق الإبداع) التي هي موضوع حديثنا في هذا المطلب بعون الله وتوفيقه. أما الاختراع في اللغة: فأصل الخرع يُطلق على الرخاوة في كل شيء، ويطلق كذلك على الشق، مما يعني أن الاختراع يُطلق على الاشتقاق، فيُقال خرعته أي شققته، ويُقال: أنشأه وابتدعه، واخترع الرجل كذباً: أي اشتقه، واخترع فلان الباطل إذا اخترقه (¬1)، وبناءً على ذلك فإن الاختراع هو إحداث شيء على غير مثال سابق، ويكون المخترع هو من أحدث هذا الشيء وابتدعه (¬2). وفي الاصطلاح: "هو إخراج ما في الإمكان والعدم إلى الوجوب والوجود" (¬3) وفي هذا التعريف ما يوضّح أن العامل المخترع يُجهد نفسه بتحويل الأفكار المتواجدة في ذهنه ومخيلته إلى محسوسٍ يتجسّد في الجهاز أو المختَرع الجديد، وفي هذا التعريف وما يشابهه ما يجعله عاماً، حيث يشمل غير الاختراعات فيشمل هذا التعريف القصائد الشعرية والأمور الثقافية، أما مفهوم الاختراع بمعناه المعاصر الذي يتعلق بالأمور الصناعية التي يخترعها العامل فهو:" كل ابتكار جديد قابل للاستعمال، سواء كان متعلقاً بمنتجات صناعية جديدة أم بطرق ووسائل مستخدمة أم بهما معاً" (¬4) وقد أضاف بعض الفقهاء المعاصرين قيداً مهماً، وهو أن يكون هذا الاختراع أو الابتكار يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية فقال بعضهم:" كل ابتكار مباح، قابل للاستعمال، يتعلق بمنتجات صناعية، أو طرق ¬

(¬1) ابن عباد، إسماعيل، المحيط في اللغة، تحقيق محمد حسم آل ياسين، ج1، ص124، ط1، 1999م، عالم الكتب، بيروت، لبنان. ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج2، ص170، ابن منظور، لسان العرب، ج4، ص67، أبو البقاء، الكليات، ص29 (¬2) الشهراني، حسين، حقوق الاختراع والتأليف في الفقه الإسلامي، ص 61، ط1، 2004م، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، أصل الكتاب رسالة ماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بإشراف الدكتور أحمد بن يوسف الدريويش، أُجيزت بتاريخ 28/ 10/ 2002م. (¬3) أبو البقاء، الكليات، ص 29. (¬4) الناهي، صلاح الدين، الوجيز في الملكية الصناعية والتجارية، ص 86، بدون رقم طبعة، دار الفرقان للنشر والتوزيع، الأردن.

ووسائل مستخدمة، أو بهما معاً" (¬1)، أما الابتكار فقد عرّفه علماء اللغة بأنه كل من بادر إلى الشيء فقد أبكر إليه في أي وقت كان، أو لم يُسبق إلى هذا الشيء (¬2)، واصطلاحاً الابتكار هو:" الصور الفكرية التي تفتقت عنها الملكة الراسخة في نفس العالم أو الأديب ونحوه مما يكون قد أبدعه ولم يسبقه إليه أحد" (¬3)، وهو يشمل" الحقوق الأدبية كحق المؤلف في استغلال كتابه، والصحفي في امتياز صحيفته، والفنان في أثره الفني من الفنون الجميلة، كما يشمل الحقوق الصناعية والتجارية مما يسمونه اليوم بالملكية الصناعية، كحق مخترع الآلة ومبتدع العلامة الفارقة التي نالت الثقة، ومبتدع العنوان التجاري الذي أحرز الشهرة" (¬4) ولهذا فإن العامل الذي التزم بمقتضيات عقد العمل مع صاحب العمل قد تعتريه ظروف فيتوصل إلى اختراع لم يسبقه إليه أحد، وقد عرّف بعض الفقهاء المعاصرين حق الإبداع بقولهم:" حق مالي مبتكر، يرد على شيء غير مادي، يتميز بالسبق والتفوق والأصالة، واستقطاب أنظار الجمهور إليه" (¬5)، ويُراد بالاختراع قانوناً:" الوصول إلى طرائق أو وسائل جديدة في أساليب النتاج الأمر الذي يترتب عليه تقدم سواء في مستوى الآلات والأدوات، وسواء على مستوى نوعية المواد المنتجة" (¬6)، ونزيد للقارئ بيان أنواع هذه الابتكارات التي يتوصل إليها العمّال، فيمكننا تقسيمها باعتبارات مختلفة هي على النحو الآتي: التقسيم الأول: باعتبار الأصالة والتبعية، حيث تتنوع إلى نوعين: الأول: الاختراعات الأصلية، وتتمثل في الأمور التي لم يسبقه إليها أحد، ولم يعتمد على معطيات أو محاولات سابقة. الثاني: الاختراعات التابعة أو المشتقة من اختراعات كبرى سابقة لها، كأن يقوم أحد العمال بتطوير جهاز صنعه وابتكره غيره، فيعمل على تطويره ليتحمل درجة حرارة أعلى، فمثل هذا النوع من التطوير ¬

(¬1) الشهراني، حقوق الاختراع والتأليف، ص 63. (¬2) الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، ج1، ص 157، تحقيق عبد الحميد هنداوي، ط1، 2003م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. (¬3) الدريني، محمد فتحي، بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي وأصوله، ج2، ص 6، ط2، 2008م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان .. (¬4) الزرقا، مصطفى أحمد، المدخل إلى نظرية الالتزام العامة في الفقه الإسلامي، ص32، ط1، 1999م، دار القلم، دمشق، سوريا. (¬5) الزحيلي، وهبة، المعاملات المالية المعاصرة، ص850، ط4، 200م، دار الفكر، دمشق، سوريا. (¬6) زكي، محمود جمال الدين، عقد العمل في القانون المصري، ط2، 1982م، ص201، بدون دار نشر.

مبنيٌ على اختراع سابق، وفي ذلك يقول أحد المتقدمين:" واعلم أن هذه الصنائع استخرجها الحكماء، ثم تعلم الناس منهم بعضها، وصارت وراثة بين الحكماء للعلماء، ومن العلماء للمتعلمين، ومن الأستاذين للتلامذة، ومن التلامذة للصناع، وكان ولا يزال لكل حرفة زعيم أو نقيب أو شيخ أو عريف، ويُسمى شيخ الحرف كلها بسلطان الحرافيش ثم كُنّي عنه احتشاماً بشيخ الحرف والصنائع" (¬1). التقسيم الثاني: باعتبار النفع والضرر، حيث يُمكن تقسيم الاختراعات بهذا الاعتبار إلى نوعين: الأول: اختراعات نافعة، ولا بدّ من الإشارة هنا أن معيار النفع هنا هو موافقة الشرع الإسلامي، فمن النفع أن يستفيد الناس من هذا الاختراع في حياتهم العامة، كاختراع وسائل المواصلات والاتصالات، وحتى لو انحرف بعض الناس في استخدام هذا النوع من الاختراعات فاستخدمها في الممنوع فإنها تأخذ حكم المنع. الثاني: اختراعات ضارة، وأيضا يُعتبر في الضرر الميزان الشرعي، إذ بميزان الشرع يُحكم على نفع الأشياء أو ضررها، كأداوات السرقة أو ما يُعتبر اليوم أسلحة الدمار الشامل، وقد صدر عن المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي قراراً حول الآلات التي يتم اختراعها، حيث جاء فيه:" إن كل أداة حديثة وصل إليها الإنسان بما علّمه الله، وسخّر له من وسائل؛ إذا كانت تخدم غرضاً شرعياً أو واجباً من واجبات الإسلام، وتحقق فيما لا يتحقق من دونها، تصبح مطلوبة بقدر درجة الأمر الذي تخدمه وتحققه من المطالب الشرعية، وفقاً للقاعدة الأصولية: ما يتوقف عليه الواجب فهو واجب" (¬2). ولم تتحدث كتب الفقه الإسلامي القديمة عن حق الاختراع وغيره من الحقوق المعنوية؛ وذلك لأن المؤلفين لم يكونوا على خوف من سرقة منجزاتهم، وكذلك تشجيع الأمراء للعلماء، وبمعنى آخر كان الجو السائد هو احترام العلماء ومكافأتهم على منجزاتهم، كذلك نرى أنه قد جرى العرف على عدم وجود ما يُسمى اليوم بـ (مالية الابتكار) وإنما وجد ما يُعتبر من الأُعطيات والهبات، وهذه تعتبر من باب التبرعات، أما بداية استعمال هذا اللفظ من الناحية القانونية فقد بدأ منذ عام 1886م في مؤتمر برن في سويسرا، حيث شاركت ثلاث وسبعون دولة كلها غربية إلا تونس والجزائر والمغرب ولبنان والهند، وقد نتج عن هذا المؤتمر توقيع اتفاقية دولية لحماية المصنفات الأدبية والفنية، وهذا على الصعيد القانوني، أما على سبيل الجهود الفقهية الإسلامية فكانت بذرتها في مجلة عالم الكتب الصادرة في الرياض بالمملكة العربية السعودية التي خصصت العدد الرابع من المجلد الثاني للعام 1982م ¬

(¬1) محمد كرد علي، خطط الشام، ج 4، ص229، طبعة عام 1925م، المطبعة الحديثة، دمشق، سوريا، والكلام المنقول نسبه المؤلف لابن جماعة. (¬2) الدورة الثالثة المنعقدة من يوم 23 - 30 من شهر ربيع الآخر سنة 1400 هجري.

للبحث في هذا الموضوع، ولم يقف الفقهاء المعاصرون على من تناول هذا الموضوع إلا ما وُجِد في كتاب الفروق تحت عنوان (منشأ شبهة القرافي في طبيعة حق المؤلف والرد عليه) (¬1)، وقد اجتهد المعاصرون من العلماء فكانت لهم المؤلفات الآتية: 1. حق الابتكار في الفقه الإسلامي للدكتور فتحي الدريني. 2. حقوق التأليف والابتكار من وجهة نظر الفقه الإسلامي لعبد الله العماري. 3. حكم الإسلام في حقوق التأليف والترجمة والتوزيع والنشر لأحمد الحجي الكردي. 4. أمانة تحمل العلم لعبد الفتاح الحلو (¬2)، ولبيان الحكم الشرعي في أحقية هذا الاختراع لا بدّ وأن نتحدث في ثلاثة مجالات: المجال الأول: الحق الخاص، أو ما يسمى بحق النسبة، بمعنى أن يُنسب هذا الابتكار أو الاكتشاف لصاحبه، وهذا النوع من النسبة نراه موجوداً حتى في العصور القديمة. المجال الثاني: الحق العام، أو ما يُطلق عليه حق الله تعالى في الابتكار، ويتمثل بحاجة الناس إلى الاستفادة منه، فلا يجوز أن يختص بمنفعته لنفسه أو لأهله. المجال الثالث: الحق المادي في الابتكار - وهو موضوع البحث - ويتمثل في الامتيازات المالية للمؤلف أو المخترع لقاء ما اخترعه، ويُقسم هذا الحق عند العلماء إلى قسمين: القسم الأول: الحق المالي في حياة المؤلف، ويعني ذلك أن يستفيد المؤلف من العائدات المالية طيلة حياته. القسم الثاني: الحق المالي بعد الوفاة، فتعود كل العائدات المالية بعد وفاة المؤلف لورثته حسب الأنصبة الشرعية (¬3)، ويرى الدكتور فتحي الدريني - رحمه الله تعالى - أن لا تزيد أقصى مدة استغلال هذا الابتكار عن ستين عاماً من تاريخ الوفاة، وذلك اعتباراً بأقصى مدة للانتفاع بحق الحِكر الذي يعني حق القرار على الأرض الموقوفة للغرس أو البناء بطريق الإجارة الطويلة (¬4)، ثم يصبح هذا الابتكار حقاً مشتركاً للأمة. ¬

(¬1) أبو زيد، بكر، فقه النوازل، ج2، ص123، ط1، 2006م، مؤسسة الرسالة، دمشق، سوريا. (¬2) المرجع نفسه، ج2، ص 124. (¬3) المصدر نفسه، ج2،ص 168. (¬4) الدريني، بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي وأصوله، ص73.

ويرجع سبب اختلاف الفقهاء في حكم حق الابتكار إلى اختلافهم في طبيعة هذا الحق واختلافهم في اعتباره، هل هو حق شخصي أم هو حق عيني؟ فالحق الشخصي ما يثبت في الذمة ولا يثبت على شيء معيّن، أما الحق العيني فإنه يثبت على معيّن بذاته. وبما أن من العلماء من قال " إن الغرض الأظهر من جميع الأموال هو منفعتها" (¬1)، كان لزاماً علينا بيان معنى المال عند الفقهاء، فالمال عند الحنفية" اسم لغير الآدمي، خلق لمصالح الآدمي وأمكن إحرازه والتصرف فيه" (¬2)، حيث يتضح من هذا أن المال عند الحنفية عينٌ يُمكن إحرازه، فيخرج من ذلك المنافع كالسكن في الدار، حيث إن السكن في الدار لا يُعدّ مالاً لكون ذلك منفعة ولا يُمكن إحرازها، ويندرج من ذلك أن الابتكار لا يُعدّ مالاً بحدّ ذاته؛ لأنه منفعة للناس، إلا إذا اتفق العامل وصاحب العمل على الابتكار فإنه يصبح مالاً، وقد أجاز متأخرو الحنفية النزول عن حق الوظيفة بالمال، وهو حقٌ مجرد لا متقرر (¬3)، أما جمهور الفقهاء فإنهم عرّفوا المال بأنه:" ما له قيمة يُباع بها، وهو أعيان أو منافع" (¬4)، فيُفهم من ذلك أنهم اعتبروا المنافع مالاً بحدّ ذاتها، حيث يرى الشاطبي أن المال:" كل ما يقع عليه الملك ويستقل به المالك" (¬5)، ونحن نرى أن من الفقهاء المالكية من يذكر للمال تعريفاً ينطبق على الابتكار العلمي، حيث يقول بعضهم:" ظاهر المال إذا أُطلق يشمل العين والعَرَض" (¬6)، وهذا التعريف متحقق في الابتكار الفكري لأنه صورة ذهنية، أو معانٍ عقلية متجردة، لا قيام لها بنفسها، ولا يمكن الإشارة إليها حساً من حيث ذاتها إلا بعد إضافتها ... إلى صاحبها ومصدرها الذي اتخذته حيزاً مادياً لها (¬7)،وعند الشافعية المال:" كل ما له قيمة يُباع بها، ¬

(¬1) العز بن عبد السلام، عز الدين، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ج1، ص200، بدون رقم طبعة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. (¬2) ابن الهمام، فتح القدير، ج6، ص245. ابن نجيم،، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ج6، ص43. (¬3) ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار، ج4، ص 205. (¬4) الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج 3،ص 442.الشربيني، مغني المحتاج، ج 2،ص 286. ابن قدامة، المغني ج7،ص 364. (¬5) الشاطبي، الموافقات، ج2، ص17. (¬6) الرصاع، محمد، شرح حدود ابن عرفة (الهداية الكافية الشافية لبيان حقائق ابن عرفة الوافية) تحقيق محمد أبو الأجفان والطاهر المعموري، ط1،ص 380، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان .. (¬7) الدريني، بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي وأصوله، ج2، ص25.

ويُلزم متلفه ضمانه، وإن قلّت، وما لا يطرحه الناس" (¬1)، ويُصرّح الحنابلة بأن المال:" كل ما فيه منفعة مباحة لغير حاجة أو ضرورة" (¬2)،ومما يُستفاد مما سبق أن منفعة الابتكار والإبداع تُعدُّ مالاً كالأعيان، وتدخل في الملك، لذلك انقسم العلماء المعاصرون عند مناقشتهم لمسألة حق العامل في ابتكاره إلى ثلاثة فرقاء: الفريق الأول: وهو القائلون بالجواز (¬3) (جواز أخذ العامل عوضاً عما ابتكره)، وهم على نهج من سبقهم من الفقهاء المالكية (¬4) والشافعية (¬5) الذين يرون أن حق الابتكار والتأليف وغيرها من الحقوق المعنوية من الحقوق التي تقبل المعاوضة المالية، واستدلوا على قولهم بمايلي: أولاً: استدلوا بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله" (¬6)، فيُستدل من الحديث الشريف أنه إذا ورد جواز أخذ العوض عن القرآن الكريم فإن أخذ العامل مقابل اختراعه أولى بالجواز أيضاً. ثانياً: قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" أطيب الكسب عمل الرجل بيده، وكل عمل مبرور" (¬7) فكل عمل مباح يعمله الرجل فهو من أطيب الكسب. ثالثا: الاستدلال بقاعدة" درء المفاسد أولى من جلب المصالح" حيث يمكن اعتبار المفسدة الناتجة عن ترك المؤلفات والابتكارات بلا حفظ وصيانة مفسدة وخصوصاً في ظل خراب بعض الذمم. ¬

(¬1) السيوطي، الأشباه والنظائر، ص97. الزركشي، محمد بن بهادر، المنثور في القواعد، تحقيق تيسير محمد أحمد فائق، ط1، ج3، ص 222،1982م، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت. (¬2) ابن قدامة، المغني، ج6، ض358. (¬3) منهم الشيخ مصطفى الزرقاء، والدكتور محمد عثمان شبير، والدكتور محمد فتحي الدريني، والدكتور محمد سعيد البوطي، والدكتور وهبة الزحيلي، والأستاذ محمد تقي العثماني، ومجموعة من علماء القارة الهندية، مثل: الشيخ فتح محمد اللكنوي، والشيخ المفتي محمد كفاية الله، والشيخ نظام الدين، والشيخ عبد الرحيم اللاجبوري، الدكتور عماد الدين خليل، والأستاذ وهب غاوجي، والأستاذ عبد الحميد طهماز وغيرهم. مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي. الزرقا، المدخل الفقهي العام، ج3، ص 21، الدريني، بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي، ج2،ص.29 (¬4) ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج2، ص240. (¬5) السيوطي، الأشباه والنظائر، ص258. (¬6) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب الشروط في الرُّقية بفاتحة الكتاب، ص1465،رقم 5737. (¬7) رواه الطبراني (2140).الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيءٌ من فقهها، ج2، 159، برقم607.

رابعاً: المصلحة المرسلة: ويمكن تخريج هذا الحق أيضاً على قاعدة المصالح المرسلة، ووجه المصلحة في حماية هذا الحق تشجيع الاختراع والإبداع، كي يعلم من يبذل جهده في الاختراع أنه سيختص باستئثاره، وسيكون محمياً من الذين يحاولون أن يأخذوا ثمرة ابتكاره وتفكيره، ويزاحموه في استغلالها (¬1)، فلا وجود لنصٍ يمنع اعتبار العوض للمبتكر، كما أنه لا وجود لنصٍ يُعطي المبتكر عوضاً، فيبقى الأمر في دائرة الأمور التي لم يرد دليل في جوازها ولا في حُرمتها. خامساً: العُرف: أن العرف العام جرى على اعتبار حق المؤلف في تأليفه وإبداعه. فأقر التعويض عنه، والجائزة عليه. ولو كان هذا الحق لا يصلح محلاً للتبادل والكسب الحلال لعُدّت الجائزة والتعويض عنه كسباً محرماً فقد تعارف الناس على أخذ المبتكر لقاء ابتكاره (¬2)، ومما لا شك فيه أن حق المؤلف قد أصبح من المسلَّمات به في القوانين المعاصرة، وأن طباعة الكتاب أو تصويره بغير إذن صاحبه عدوان على حق المؤلف، ومن يفعل ذلك يتهرّب من المسؤولية، مما يدل على أن عمله ظلم موجب لإرضاء صاحب المؤَلف، والمسلم من أولى الناس برعاية حقوق العباد، كما يؤكد المجيزون بأن منشأ حق الابتكار هو العرف حيث يقول الدكتور الدريني - رحمه الله تعالى -: "حق الابتكار منشؤه العرف والمصلحة المرسلة المتعلقة بالحق الخاص أولاً، وبالحق العام ثانياً، لأن إقرار الشارع للحق، إنما يكون بحكم، والحكم مستمد من مصادر التشريع التي منها العرف والمصلحة" (¬3). وقد طرح مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي هذا الأمر في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 - 6 جمادى الأول 1409هـ الموافق10 - 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م، وبعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع الحقوق المعنوية، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي: أولاً: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار، هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العُرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتموّل الناس لها. وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً، فلا يجوز الاعتداء عليها. ثانياً: يجوز التصرف في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية ونقل أي منها بِعِوَض مالي، إذا انتقى الغرر والتدليس والغش، باعتبار أن ذلك أصبح حقاً مالياً. ¬

(¬1) الورقي، سعود بن عبد الله، العرف وتطبيقاته المعاصرة، ص40، بحث منشور على موقع الفقه الإسلامي http://www.islamfeqh.com/Nawazel/NawazelItem.aspx?NawazelItem (¬2) أبو زيد، فقه النوازل، ج2، ص182، بتصرف. (¬3) بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي وأصوله، ج 2،ص 29.

ثالثاً: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعاً، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها. (¬1) الفريق الثاني: وهم القائلون بمنع المبتكر من أخذ عوض ابتكاره، وهم بعض علماء الحنفية (¬2) الذين تأثروا بقول متقدمي الحنفية القائلين بعدم اعتبار المنافع مالاً، ولكن بعض الحنفية نصّوا على أن المنفعة قد يؤخذ عنها عوضاً إذا ورد العقد عليها كعقد الإيجار (¬3)،وقد استدلوا بالأدلة الآتية: أولاً: استدلوا بقول الله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (¬4)، ولكن هذه الآية خارج محل النزاع لأنه ورد في تفسيرها بأن المقصود من كتمان ما أنزل الله هو إظهار الزيف وإخفاء الحق (¬5)، كما ورد في سبب نزولها أن معاذ بن جبل ومعه جمعٌ من المسلمين سألوا يهود عن بعض ما في التوراة، فكتموهم إياه وأبوا أن يخبروهم، فأنزل الله هذه الآية. (¬6) ثانياً: قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" من كتم علماً يعلمه أُلجم يوم القيامة بلجام من نار" (¬7) وبالرغم من أنه لا حق لعالم أن يكتم ما علمه الله إياه، إلا أن هذا لا يستدعي من العالم أو المبتكر أن يوزع اختراعه بالمجان أو بدون مقابل، وإنما يتقاضى لقاء اختراعه بالمثل. ثالثاً: احتج المانعون بأن نشر الابتكار بلا مقابل يحقق مقصداً من قاصد الشريعة الإسلامية وهو انتشار العلم بين الناس. الفريق الثالث: من العلماء من نصح العلم أو العامل المبتكر بعدم أخذ مقابل اختراعه إذا لم تدعه الحاجة، وإن دعته أخذ بقدرها، وهذا من باب الورع وخروجاً من الخلاف، ولم يرجّح أصحاب هذا القول أياً من القولين السالفين. (¬8) ¬

(¬1) مجلة المجمع، العدد الخامس، ج 3، ص 2267. (¬2) منهم الدكتور أحمد الحجي الكردي في بحثه (حكم الإسلام في حقوق التأليف والنشر والترجمة) المنشور في مجلة هدي الإسلام الأردنية سنة 1981م، عدد 25. (¬3) ابن عابدين، حاشية رد المحتار على الدر المختار، ج4، ص3. (¬4) سورة البقرة، آية رقم 159. (¬5) القرطبي، محمد بن احمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، خرّج أحاديثه عماد البارودي وخيري سعيد، بدون رقم طبعة، ج2، ص 164، المكتبة التوفيقية، القاهرة، مصر. (¬6) السيوطي، لباب النقول في أسباب النزول، ص34. (¬7) رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ص 52، برقم (118). (¬8) أبو زيد، فقه النوازل، ج2، ص183.

وبعد عرض وجهتي الجواز والمنع في حكم أخذ العامل عوض اختراعه الذي توصّل إليه أثناء عمله نقول: 1. قرر العلماء المعاصرون أحقية العامل في اختراعه. 2. قرر المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي أن اختراع العامل هو ملك له. 3. يرى الباحث - والله تعالى أعلم - أن العامل إذا توصّل إلى الاختراع بلا اعتماد منه على معدات وآلات صاحب العمل، ولم يكن العمل في هذا الاختراع على حساب ساعات العمل فإن هذا الاختراع خالص للعامل نسبة ومالياً، ولكن هذا الحق ممكن أن يقوم ولي الأمر بتقييده في حالات منها: أ تقييد حق المخترع في الإذن بنشر اختراعه وعرضه للناس، مع أن الإذن بنشر الاختراع هو حق خالص للمخترع، ولكن هذا الحق قد يُسلب من العامل المخترع ويُجبر على نشر اختراعه للناس، هذا إذا تعلقت مصالح الناس بهذا الاختراع، كمن يكتشف جهازاً طبياً يُستخدم في علاج مرض معيّن، فإذا امتنع صاحب الاختراع عن طرحه للناس يُجبره ولي الأمر على ذلك. ب تقييد حق المخترع في نشر اختراعه إذا اشتمل اختراعه على مفاسد شرعية، لأن المصلحة العامة تتطلب ذلك المنع، كالعامل الذي يبتكر نوع من الفيروسات التي تُصيب أجهزة الحاسوب، والتي يتمكن المخترع من خلالها من اختراق أجهزة الآخرين والاطلاع على أسرارهم. (¬1) 4. إذا استخدم العامل معدات صاحب العمل أو أياً من ممتلكاته فإن في ذلك إساءة للعمل، ويُلزم العامل جرّاء ذلك بتعويض صاحب العمل (¬2)، ولا بدّ من إخراج فئة من الناس من دائرة النزاع وهم الموظفون الذين تم التعاقد معهم على البحث والتنقيب وإجراء التجارب العلمية للوصول إلى ابتكارات تخدم الناس والمجتمع، فهؤلاء العمال لا يستحقون تعويضاً عن ابتكاراتهم، لن العقد تم بناءً على هذه الغاية، ويبقى نسبة الاختراع في هذه الحالة التي يرى الباحث -والله تعالى أعلم- أنها من حق العامل. ومن الناحية القانونية لم يذكر قانون العمل الفلسطيني نصوصاً ولا إشارات تتحدث عن أحكام الابتكار بعكس بقية القوانين- كالقانون الأردني - التي فصّلت الحديث في هذا الموضوع فقرر حقين للعامل: الحق الأول: الحق الأدبي، والذي هو نسبة هذا الاختراع للعامل نفسه وليس لصاحب العمل. الحق الثاني: الحق المالي، وهو ما يستحقه العامل لقاء هذا الاختراع، وهناك ثلاثة أنواع من الاختراعات: ¬

(¬1) المشهراني، حقوق الاختراع والتأليف في الفقه الإسلامي، ص307، بتصرف. (¬2) موقع الإسلام اليوم http://islamtoday.net/fatawa/queslist-60-125-1.htm

الأول: الاختراع الحر الذي توصل إليه العامل منفصلاً عن العمل المعقود عليه زمانياً ومكانياً، وفي هذا النوع يستقل العامل بهذا الاختراع أدبياً ومالياً. الثاني: اختراع الخدمة، وهو الاختراع الذي توصل إليه العامل خلال عملٍ استنفذ من العامل جهده ووقته، في حين استحق العامل أجراً على هذا العمل، وكان صاحب العمل يتولى إمداد العامل بالمواد الخام والآلات وكل مستلزمات هذا الاختراع، وهذا النوع من الاختراعات من حق صاحب العمل، ولكن لا يمتد حقه إلى الحق الأدبي، بل يقتصر حقه على الحق المالي للاختراع. النوع الثالث: الاختراع العرضي، وهذا ما يتوصل إليه الباحث دون تخصيص جهدٍ ووقت للبحث عنه مع استعانة العامل بآلات وأدوات صاحب العمل، وهو يقف في منزلة بين النوع الأول والثاني من الاختراعات، وهذا النوع ينفرد العامل باستغلاله، لكن صاحب العمل يُعطى فيه حقاً إذ1 اشترط ذلك في العقد. (¬1) أما القانون المدني الأردني فقد نظمت المادة رقم (820) كيفية التعامل مع اختراعات العمال فجاء فيها:" إذا وفق العامل إلى اختراع أو اكتشاف جديد أثناء عمله فلا حق لصاحب العمل فيه إلا في الأحوال الآتية: 1. إذا كانت طبيعة العمل المتفق عليه تستهدف هذه الغاية. 2. إذا اتُفِق في العقد صراحة على أن يكون له الحق في كل ما يهتدي إليه العامل من اختراعات. 3. إذا توصل العامل إلى اختراعه بواسطة ما وضعه صاحب العمل تحت يده من مواد أو أدوات أو منشآت أو أية وسيلة أخرى لاستخدامه لهذه الغاية" (¬2) ¬

(¬1) إلياس، يوسف، الوجيز في شرح قانون العمل، ص70، طبعة عام 1988م، هيئة المعارف الفنية في وزارة التعليم العالي، الرصافة، العراق. (¬2) http://www.barasy.com/forum/showthread.php?t=1889

الخاتمة

الخاتمة بعد حمد الله تعالى على إعانته لي وتوفيقه لإتمام هذا العمل، أشير إلى أن الهدف الأساس من تحرير هذه الرسالة هو - كما جاء في مقدمتها- إبراز واجبات العمال وحقوقهم على صاحب العمل، وأثر ذلك على مناحي العمل، وقد ركزت الرسالة على بيان الواجبات والحقوق التي ذكرها قانون العمل الفلسطيني، كما أبرزت الرسالة ما غفل عنه واضعو القانون الفلسطيني، منوهاً إلى أهم الصعوبات التي اعترضت مشواري ألا وهي انعدام - حسب علمي - المؤلفات التي تناولت شرح وتفسير النصوص القانونية، وقد تمخض الاستعراض لفصول الرسالة عن جملة استنتاجات مهمة حول واجبات العمال وحقوقهم في الإسلام والقانون الوضعي وهي كالآتي: أولاً: وفرة التوجيهات الإسلامية التي تركز على غرس معرفة العامل بواجباته وحقوقه، مع حثه على الالتزام بها. ثانياً: اهتمام الإسلام منذ بزوغ فجره بالعمال مع اختلاف مستوياتهم الاجتماعية، واحترامهم وتشجيعهم؛ وذلك ليمنع من احتقار العمل ولو كان قليل الأجر. ثالثاً: سبق الإسلام القوانين الوضعية في وضعه الأسس التي ينبغي اختيار العمّال والموظفين على أساسها. رابعاً: وجد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والتاريخ الإسلامي منطلقات للواجبات التي نصّ عليها قانون العمل الفلسطيني. خامساً: سبق الإسلام قانون العمل الفلسطيني وبقية القوانين الوضعية في إلزام ولي الأمر بتوفير فرص عمل مناسبة لكل القادرين عليه. سادساً: للعامل الحق بتأدية العبادات في أثناء العمل، كما له الحق في الإجازة لتأدية فريضة الحج. سابعاً: تغيّر القيمة الشرائية يستوجب على صاحب العمل إعادة النظر في قيمة الأجر الذي يدفعه للعامل، حتى لا يلحق الضرر به، وهذا يعني ضرورة زيادة الراتب الشهري للعامل عند ارتفاع أسعار السلع ارتفاعاً فاحشاً. ثامناً: عندما ألزم الإسلام الإنسان بالمحافظة على الجسد فإنه قرر مبدأ الإجازات بأنواعها. تاسعاً: العامل مُلزم بضمان ما أتلفه بتقصير أو إهمال، وكذلك فإن صاحب العمل مُلزم بتعويض العامل عن الأضرار التي تلحق بالعامل نتيجة لتأدية عمله. عاشراً: الراتب التقاعدي ومكافأة نهاية الخدمة حقٌ للعامل، وهذا أمر مرجعه الاجتهاد، ولا يصادم النصوص الشرعية، كما أنه يحقق المصلحة للعامل ويوفر له حياة كريمة بعد تركه للعمل.

حادي عشر: الاحتجاج والتظاهر والإضراب عن العمل وسائل مشروعة إذا كانت غايتها وأساليبها مشروعة، بشرط عدم الإضرار بالمصالح العامة للمسلمين. ثاني عشر: الابتكار حق لصاحبه، ولا يجوز الاعتداء على هذا الحق. ثالث عشر: إن القانون الوضعي مع حرصه على الإحاطة بجوانب الواجبات والحقوق إلا أنه لم ينصّ مباشرة على بعض الأمور منها: 1. لم يوضح معياراً لأسرار العمل التي ينبغي المحافظة عليها، ولم يُظهر الفرق بينها وبين الخبرة المكتسبة. 2. سكت قانون العمل عن الحديث عن أحكام الإجازة العارضة، وخصوصاً أجرها. 3. أبقى القانون الحدّ الأدنى للأجور دون تحديد، مع أنه نصّ على تشكيل لجنة وزارية لهذا الغرض، ولذلك مبررات تتعلق بأوضاع فلسطين الخاصة. 4. خاض في أحكام الإجازة دون بيان معناها، وترك ذلك لشرّاح القانون. 5. لم ينصّ بوضوح على ضمانات الوفاء بالأجرة. 6. اكتفى بذكر حق العامل في التأمين بإيجاز، وأبقى الباب مفتوحاً للقضاء وكذلك القواعد العامة للقانون المدني. خامس عشر: إن القوانين العربية التي رجعت لبعضها لا تزال بحاجة إلى تطوير، وإعادة صياغة لتشمل الحقوق التي ذكرها الشارع الحكيم. ولقد حرص الباحث على التنبيه على جُملة من التوصيات على النحو الآتي: 1. الاهتمام بتعليم وتثقيف العمال وأصحاب العمل بالحقوق والواجبات المترتبة على كل طرف. 2. إدخال مادة "أخلاق المهنة " في الخطة الدراسية لكليات الشريعة. 3. الاهتمام بأخلاق العمل، وبذل الجهد في سبيل نشرها وتحقيقها في الواقع بشتى الوسائل المسموعة والمقروءة والمرئية. 4. العمل على إخراج قانون التأمينات الاجتماعية إلى حيّز التطبيق. 5. إجراء تعديلات على قانون العمل الفلسطيني في المسائل التي يراها الباحث على النحو الآتي: أ أن يفرّق قانون العمل الفلسطيني بين السرّ المهني والخبرة المكتسبة. ب تعديل مادة رقم (78) لتنص على أن الإجازة العارضة مدفوعة الأجر. ت أن تتضمن نصوص القانون ضمانات الوفاء بالأجر.

ث ذكر عدد العمال المتواجدين في المنشأة ليستوجب بناءً عليه توفير ممرض مؤهل مقيم في المنشأة - ويرى الباحث أن يكون العدد خمسين عاملاً-. ج النصّ على حقوق الابتكار والاختراع التي يتوصل إليها العامل. ح أن يُشير قانون العمل الفلسطيني إلى الرحمة والشفقة بالعمال؛ ليتّسم بالإنسانية. خ زيادة مدة إجازة الحج لتصبح أقل من شهر وأكثر من أسبوعين ومدفوعة الأجر؛ كونها مرة واحدة. د تخصيص وقت إضافي لأداء الصلوات المفروضة خارجاً عن وقت الراحة اليومي. ذ أن ينصّ قانون العمل الفلسطيني على الحدّ الأدنى للأجور، على أن يُعطى الحق لمجلس الوزراء بتعديله بلوائح توضيحية بين الحين والآخر، حسب ما يراه مناسباً. ر توضيح موقف القانون من مرض العامل أكثر من مرة وعلى فترات متباعدة. ز أن يكون للمرأة الحق في إجازة الوضع بغضّ النظر عن مدة خدمتها في المنشأة. س تعديل المادة رقم (104) من قانون العمل الفلسطيني لتصبح الساعة التي تقوم المرأة بإرضاع طفلها خلالها تبدأ من تاريخ انتهاء الإجازة، وليس من تاريخ الوضع؛ لأن المرأة تُرضع طفلها مدة الإجازة في بيتها وليس في مكان العمل، فلا حاجة للإجازة اليومية. ش لا حاجة - في نظر الباحث - لأن يكون الإشعار بالإضراب موقعاً من 51% من العمال، إنما يكفي توقيع ممثلي العمال. 6. الاستفادة من الأبحاث المقدمة إلى الندوات والمؤتمرات التي تعنى بأخلاق المهنة، عن طريق طبعها وتوزيعها على المؤسسات العامة والخاصة حتى لا تضيع الجهود، وتبقى حبيسة المكتبات وصفحات الانترنت.

مسارد البحث

مسارد البحث أولاً: مسرد الآيات القرآنية المطهرة. ثانياً: مسرد الأحاديث النبوية الشريفة. ثالثاً: مسرد الآثار. رابعاً: مسرد الأعلام خامساً: مسرد المراجع والمصادر. سادساً: مسرد المصطلحات. سادساً: مسرد المحتويات.

مسرد الآيات القرآنية المطهرة

مسرد الآيات القرآنية المطهّرة الآية ... السورة ... رقم الآية ... رقم الصفحة قال الله - سبحانه وتعالى -: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ ... } ... البقرة ... 29 ... 155 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} ... البقرة ... 83 قال الله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا ... } ... البقرة ... 159 ... 64 قال الله - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ ... } ... البقرة ... 178 ... 196 قال الله - سبحانه وتعالى -: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ... } ... البقرة ... 185 ... 18 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ... } ... البقرة ... 195 ... 66 قال الله - سبحانه وتعالى -: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ ... } ... البقرة ... 198 ... 15 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ ... } ... البقرة ... 233 ... 14،103 قال الله - سبحانه وتعالى -: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ ... } ... البقرة ... 275 ... 156 قال الله - سبحانه وتعالى -: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ... } ... البقرة ... 286 ... 43،80 قال الله - سبحانه وتعالى -: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء ... } ... آل عمران ... 134 ... 86 قال الله - سبحانه وتعالى -: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ ... } ... آل عمران ... 158 ... 85 قال الله - سبحانه وتعالى -: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ ... } ... آل عمران ... 195 ... 18 قال الله - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ... } ... النساء ... 29 ... 107 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً ... } ... النساء ... 92 ... 166 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ ... } ... النساء ... 141 ... 32 قال الله - سبحانه وتعالى -: {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ ... } ... النساء ... 148 ... 198 قال الله - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ... } ... المائدة ... 1 ... 46، 198،195 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى ... } ... المائدة ... 2 ... 36،69،112 قال الله - سبحانه وتعالى -: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ ... } ... المائدة ... 96 ... 30 قال الله - سبحانه وتعالى -: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً ... } ... المائدة ... 107 ... 3 قال الله - سبحانه وتعالى -: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ... } ... الأعراف ... 199 ... 67 قال الله - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ ... } ... الأنفال ... 27 ... 51 قال الله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء ... } ... التوبة ... 60 ... 18 قال الله - سبحانه وتعالى -: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ ... } ... التوبة ... 128 ... 80

قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً ... } ... هود ... 61 ... 22 قال الله - سبحانه وتعالى -: {قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ ... } ... يوسف ... 5 ... 61 قال الله - سبحانه وتعالى -: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ ... } ... يوسف ... 55 ... 33،40 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي ... } ... يوسف ... 59 ... 41 قال الله - سبحانه وتعالى -: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ ... } ... النحل ... 98 ... 129 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ ... } ... الإسراء ... 24 ... 150 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ ... } ... الإسراء ... 35 ... 41 قال الله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ... } ... الكهف ... 30 ... 40 قال الله - سبحانه وتعالى -: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ ... } ... الكهف ... 77 ... 15 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم ... } ... الأنبياء ... 80 ... 23 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ... } ... الأنبياء ... 107 ... 86 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم ... } ... الحج ... 36 ... 2 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ ... } ... الحج ... 78 ... 17 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ ... } ... النور ... 59 ... 147 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ ... } ... الشعراء ... 183 ... 112ٍ قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ ... } ... الشعراء ... 215 ... 86 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ... } ... النمل ... 40 ... ب قال الله - سبحانه وتعالى -: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا ... } ... النمل ... 52 ... 192 قال الله - سبحانه وتعالى -: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ... } ... القصص ... 26 ... 33 قال الله - سبحانه وتعالى -: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ ... } ... القصص ... 27 ... 14، 22 قال الله - سبحانه وتعالى -: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ... } ... القصص ... 26،27،28 ... 14، 33 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ ... } ... القصص ... 57 ... 28 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ... } ... سبأ ... 33 ... 61 قال الله - سبحانه وتعالى -: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً ... } ... يس ... 8 ... 3 قال الله - سبحانه وتعالى -: {لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ ... } ... يس ... 35 ... 24 قال الله - سبحانه وتعالى -: {لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ ... } ... يس ... 70 ... 3 قال الله - سبحانه وتعالى -: {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ... } ... غافر ... 31 ... 192 قال الله - سبحانه وتعالى -: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ ... } ... الزخرف ... 32 ... 14 قال الله - سبحانه وتعالى -: {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ... } ... الرحمن ... 9 ... 41

قال الله - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي ... } ... الجمعة ... 9 ... 98 قال الله - سبحانه وتعالى -: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا ... } ... الجمعة ... 10 ... 24 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ... } ... المنافقون ... 8 ... 84 قال الله - سبحانه وتعالى -: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا ... } ... التغابن ... 16 ... 96،98 قال الله - سبحانه وتعالى -: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ ... } ... الطلاق ... 6 ... 13،129، 148 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ... } ... الملك ... 13 ... 61 قال الله - سبحانه وتعالى -: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً ... } ... الملك ... 15 ... 22 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ ... } ... المزمل ... 20 ... 27 قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} ... الضحى ... 11 ... 62

مسرد الأحاديث النبوية الشريفة

مسرد الأحاديث النبوية الشريفة طرف الحديث ... رقم الصفحة قال - صلى الله عليه وسلم -:" أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" ... 33 قال - صلى الله عليه وسلم -:" إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، ... " ... 84 قال - صلى الله عليه وسلم -:" إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ... " ... 26 قال - صلى الله عليه وسلم -:" إذا حدّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة" ... 62 قال - صلى الله عليه وسلم -:" إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" ... 34 قال - صلى الله عليه وسلم -:" ... أنتِ أحق به ما لم تنكحي" ... 148 قال - صلى الله عليه وسلم -:" أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم به" ... 138 قال - صلى الله عليه وسلم -:" استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، ... " ... 62 قال - صلى الله عليه وسلم -:" أطيب الكسب عمل الرجل بيده، وكل عمل مبرور" ... 207 قال - صلى الله عليه وسلم -:" أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه" ... 17، 128 أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بلال بن رباح بأن يجعل بين ... " ... 95 قال - صلى الله عليه وسلم -:" إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله" ... 207 قال - صلى الله عليه وسلم -:" ... إنك ضعيف، وإنها أمانة وهي يوم القيامة خزيٌ ... " ... 33 قال - صلى الله عليه وسلم -:" إن الله عز وجل كتب الإحسان على كل شيء، ... " ... 66، 42 قال - صلى الله عليه وسلم -:" إن الله يحبُّ من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه" ... 40 قال - صلى الله عليه وسلم -:"إن الله طيِّب يحب الطَّيِّب، نظيف يحب النظافة ... ... 71 قال - صلى الله عليه وسلم -:" إن لبدنك عليك حقا" ... 139 قال - صلى الله عليه وسلم -:" إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة ... " ... 25 قال - صلى الله عليه وسلم -:" إن العبد إذا نصح لسيده، وأحسن عبادة الله، فله أجره ... " ... 42 قال - صلى الله عليه وسلم -:": إن الله هو القابض الباسط الرازق المسعّر، ... " ... 108 قال - صلى الله عليه وسلم - لسمرة:" إنما أنت مضار" ... 109 قال - صلى الله عليه وسلم -:" إن موسى آجر نفسه ثمان ... " ... 106 قال - صلى الله عليه وسلم -:" ألا كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، ... " ... 41 قال - صلى الله عليه وسلم -: بارك الله في أهلك ومالك ... " ... 67 قال - صلى الله عليه وسلم -:" بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، ... " ... 91 قال - صلى الله عليه وسلم -:" تبسمك في وجه أخيك صدقة" ... 81

جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ببُردة فقالت: ... " ... 27 جاء ناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ابعث معنا رجالاً يعلمونا القرآن ... " ... 29 جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال": يا رسول الله أمرني مولاي ... " ... 192 قال - صلى الله عليه وسلم -:" الخازن الأمين الذي يؤدي ما أمر به ... " ... 42 قال - صلى الله عليه وسلم -:" خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه" ... 66 قال - صلى الله عليه وسلم -:" دخلت امرأة النار في هرّة ربطتها، فلم تطعمها، ... " ... 81 قال - صلى الله عليه وسلم -:" الذهب بالذهب، والفِضة بالفضة، ... " ... 123 قال - صلى الله عليه وسلم -:" ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك ... " ... 98 قال - صلى الله عليه وسلم -:" الرجل وقدمه، الرجل وبلاؤه، الرجل وعياله" ... 116 قال - صلى الله عليه وسلم -:" الراحمون يرحمهم الرحمن ... " ... 80 قال - صلى الله عليه وسلم -:" رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى" ... 197 روي أن خيّاطاً دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - لطعام صنعه، قال أنس: ... " ... 27 سأل رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً فقال: يا رسول الله: إنا نركب ... " ... 30 قال - صلى الله عليه وسلم -:" صدق سلمان" ... 139 قال - صلى الله عليه وسلم -:" صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته، ... " ... 219 قال - صلى الله عليه وسلم -:" الصلح جائزٌ بين المسلمين، ... " ... 46 قال - صلى الله عليه وسلم -:" العامل على الصدقة كالغازي في سبيل ... " ... 18 قال - صلى الله عليه وسلم -:" العجماء جرحها جُبار ... " ... 170 قال - صلى الله عليه وسلم -:" على المرء السمع والطاعة فيما أحب أو كره ... " ... 35 قال - صلى الله عليه وسلم -:" على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكَرِه، ... " ... 57 قال - صلى الله عليه وسلم -:" ... غارت أمكم ... " ... 175 كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يستعين بالكتمان في غزواته ... " ... 63 قال - صلى الله عليه وسلم -:" كان زكريا نجاراً" ... 23 كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُعطي الآهل حظين، ويُعطي العزب حظاً واحداً" ... 115 قال - صلى الله عليه وسلم -:" كفى بالمرء إثماً أن يحدّث بكل ما يسمع" ... 62 قال - صلى الله عليه وسلم -:" كل مولود يولد على الفطرة ... " ... 150 قال - صلى الله عليه وسلم -:" كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ ... " ... 35 قال - صلى الله عليه وسلم -:" لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خيراً له ... " ... 25 قال - صلى الله عليه وسلم -:" لا تحقرنَّ من المعروف شيئاً، ... " ... 66

قال - صلى الله عليه وسلم -:" لا ضرر ولا ضرار" ... 48، 62 قال - صلى الله عليه وسلم -:" لا يقل أحدكم عبدي وأمتي بل ليقل فتاي وفتاتي" ... 85 قال - صلى الله عليه وسلم -:" للمملوك طعامه وكسوته، ... " ... 79 قال - صلى الله عليه وسلم -:" لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات ... " ... 98 قال - صلى الله عليه وسلم -:" المؤمن يألف ويؤلَف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ... " ... 67 قال - صلى الله عليه وسلم -:" المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشدّ بعضه بعضاً" ... 70 قال - صلى الله عليه وسلم -:" ما بعث الله نبياً إلا ورعى الغنم، ... " ... 28 قال - صلى الله عليه وسلم -:" ما على أحدكم إن وجدتم أن يتخذ ثوبين ... " ... 140 قال - صلى الله عليه وسلم -:" ما من إمام أو والٍ يغلق بابه ... " ... 68 قال - صلى الله عليه وسلم -:" ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً ... " ... 29 قال - صلى الله عليه وسلم -:" ... ما هذا؟ قال: أُصلح خصّاً لنا يا رسول الله، ... " ... 30 مرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبرين فقال:" إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير ... " ... 63 مرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوم يلقحون، فقال: لو لم تفعلوا لصلح، ... " ... 141 مرّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على حمار قد وُسِم في وجهه، فقال: ... " ... 81 قال - صلى الله عليه وسلم -:" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ... " ... 51 قال - صلى الله عليه وسلم -:" من أحيا أرضاً ميتة فهي له" ... 133 قال - صلى الله عليه وسلم -:" من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاوناً بها طبع الله على قلبه" ... 100 قال - صلى الله عليه وسلم -:" من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام ... " ... 64 قال - صلى الله عليه وسلم -:" من غشّ فليس مني" ... 41،49 قال - صلى الله عليه وسلم -:" من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ... ... 69 قال - صلى الله عليه وسلم -:" فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ... " ... 113 قال - صلى الله عليه وسلم -:" من كتم علماً يعلمه أُلجم يوم القيامة بلجام من نار" ... 206 قال - صلى الله عليه وسلم -:" من لاءمكم من خدمكم فأطعموهم مما تأكلون، ... " ... 85 قال - صلى الله عليه وسلم -:" من لا يرحم لا يُرحم " ... 80 قال - صلى الله عليه وسلم -:" من وليَ لنا عملاً وليس له منزلاً فليتخذ منزلا، ... " ... 51،116 "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر" ... 154 قال - صلى الله عليه وسلم -:" هل تدرون مما أضحك؟ قال: قلنا الله ورسوله أعلم، ... " ... 138 قال - صلى الله عليه وسلم -:" وفي العقل الدية" ... 169 قال - صلى الله عليه وسلم -:" وفي السمع الدية" ... 170

قال - صلى الله عليه وسلم -:" يا أبا ذر أعيّرته بأمّه؟ إنك امرؤٌ فيك جاهلية، ... " ... 69 قال - صلى الله عليه وسلم -:" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ... " ... 192

مسرد الآثار

مسرد الآثار الأثر ... رقم الصفحة قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم -: اتق الله وأحسن إلى مولاك، ... " ... 193 قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:ألا إني والله ما أُرسل إليكم ... " ... 84 أمر الذي أصيب بصره بأن عُصبت عينه الصحيحة ... " ... 171 قال أبو هريرة - رضي الله عنه -:"إنكم تقولون ما بال المهاجرين والأنصار ... " ... 29 رأى عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - رجلاً عجوزاً ضرير البصر ... " ... 186 قال أبو هريرة - رضي الله عنهم -:" فلما أحل الله ذلك للمسلمين ... " ... 161 قضى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بأربع ديات" ... 170 قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:"لا يبيع في سوقنا إلا من يفقه، ... " ... 42 قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:" ليس من قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كمن قاتل معه" ... 116 ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله " - صلى الله عليه وسلم - ... 81 مرّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بحاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه - وهو يبيع ... " ... 109 قال أبو بكر - رضي الله عنهم - "هي أعطف وألطف وأرحم وأحنا وأرق ... " ... 150

مسرد الأعلام المترجم لهم

مسرد الأعلام المُترجم لهم الاسم المترجم له ... الصفحة التي ورد فيها إبراهيم بن موسى بن محمد (الشاطبي) ... 200 أسامة بن زيد ... 82 أنس بن مالك بن النضر ... 25 بلال بن رباح ... 95 جندب بن جنادة ... 33 حرام بن ملحان ... 29 خباب بن الأرت ... 30 خديجة بنت خويلد. ... 23 زفر بن الهذيل ... 133 سلمان الفارسي ... 139 سليمان بن الأشعث (أبو داود) ... 16 سمرة بن جندب ... 109 سهل بن سعد ... 27 عائشة بنت أبي بكر الصديق ... 16 عبد الرحمن بن صخر (أبو هريرة) ... 16 عبد الرزاق السنهوري ... 9 عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... 49 عبد الله بن أبي ربيعة ... 67 عبد الله بن عامر ... 29 عبد الله بن عباس ... 16 عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين ... 95 عبد الله بن عمر بن الخطاب ... 30 عبد الملك بن حبيب بن سليمان القرطبي ... 110 علاء الدين بن مسعود (الكاساني) ... 17 علي بن الشيخ أحمد علي السالوس ... 187 علي بن محمد الآمدي ... 2

عمر بن عبد العزيز ... 79 عمرو بن العاص ... 84 عويمر بن عامر ... 139 مالك بن أنس ... 99 مسلم بن الحجاج بن مسلم ... 16 محمد بن إسماعيل البخاري ... 14 محمد بن أبي بكر بن أيوب (ابن القيم) ... 113 محمد بن إدريس بن العباس الشافعي ... 13 محمد بن أحمد بن مصطفى (أبو زهرة) ... 115 محمد بن الحسن الشيباني ... 10 محمد بن صالح بن محمد بن عثيمين ... 50 محمد فتحي الدريني ... 5 مصطفى الزرقا ... 7 معاذ بن جبل ... 35 المغيرة بن شعبة ... 193 يحيى بن شرف (النووي) ... 23 يوسف القرضاوي ... 94

قائمة المصادر والمراجع

قائمة المصادر والمراجع القرآن الكريم كتب علوم القرآن الكريم 1. السيوطي، جلال الدين، لُباب النقول في أسباب النزول، تحقيق محمد محمد تامر، ط1، دار العنان، القاهر، مصر. 2. الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، تحقيق محمد سيد كيلاني، طبعة عام 1961م، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده. 3. الرازي، فخر، التفسير الكبير، ط2، دار الكتب العلمية، طهران، إيران. 4. ابن العربي، محمد بن عبد الله، أحكام القرآن، ط1، 2005م، دار الفكر، بيروت، لبنان. 5. القرطبي، محمد بن احمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، خرّج أحاديثه عماد البارودي وخيري سعيد، بدون رقم طبعة، المكتبة التوفيقية، القاهرة، مصر. 6. ابن كثير، اسماعيل، تفسير القرآن العظيم، تحقيق عبد الرزاق المهدي، طبعة عام 2005م، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. كتب الحديث الشريف وشروحه وعلومه 1. أحمد بن حنبل، المسند، تحقيق شعيب الأرنؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي وابراهيم الزيبق، ط2، 2008م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 2. أحمد بن حنبل، أحمد، المسند، شرحه ووضع فهارسه أحمد محمد شاكر، ط1، 1995م، دار الحديث، القاهرة، مصر. 3. ابن الأثير، علي بن محمد بن عبد الكريم، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق محمود محمد الطناحي وطاهر أحمد الزاوي، بدون رقم طبعة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. 4. ابن الأثير، مجد الدين المبارك بن محمد، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق محمود محمد الطناجي، طبعة عام 1979م، دار الفكر، بيروت، لبنان. 5. الألباني، محمد ناصر الدين، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، ط1،،المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان.

6. الألباني، محمد ناصر الدين، صحيح الترغيب والترهيب، ط1، 200م، مكتبة المعارف للنشر، الرياض، السعودية. 7. الألباني، محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، طبعة عام 1995م، مكتبة المعارف، الرياض، السعودية. 8. الألباني، محمد ناصر الدين، صحيح الجامع الصغير وزياداته، ط3، 1988م، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 9. الألباني، محمد ناصر الدين، ضعيف سنن الترمذي، ط1، 1991م، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 10. البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، بدون رقم طبعة،1981م، دار الفكر، بيروت، لبنان. 11. البخاري، محمد بن إسماعيل، الأدب المفرد، ط2، 1985م، عالم الكتب، بيروت، لبنان. 12. البيهقي، أحمد بن الحسين، شعب الإيمان، تحقيق محمد السعيد بن بسيوني زغلول، ط1، 2000م، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان. 13. البيهقي، أحمد بن الحسين، السنن الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا، ط1، 1994م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 14. الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي، حكم على أحاديثه الشيخ ناصر الدين الألباني، اعتنى به مشهور حسن آل سلمان، ط1، مكتبة المعارف، الرياض، السعودية. 15. ابن حجر، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، بدون رقم طبعة، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 16. أبو حلبية، أحمد يوسف، المنهاج الحديث في بيان علوم الحديث، ط3، 1995م، مطبعة الرنتيسي، غزة، فلسطين. 17. الحية، خليل إسماعيل، الأحاديث الواردة في حقوق العمال ومسؤولياتهم، جمع وتصنيف وتخريج وتعليق، (1989م)، الجامعة الأردنية، كلية الشريعة، رسالة ماجستير غير منشورة، بإشراف الدكتور شرف القضاة. 18. أبو داود، سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، حكم على أحاديثه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، اعتنى به مشهور بن حسن آل سلمان، ط1، مكتبة المعارف، الرياض، السعودية. 19. السيوطي، عبد الرحمن، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، تحقيق الشيخ عرفات العشّا حسونة، بدون رقم طبعة، دار الفكر، بيروت، لبنان. 20. ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري، مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث، تحقيق سعد كريم الدرعمي، بدون رقم طبعة، دار ابن خلدون، الإسكندرية، مصر.

21. الصنعاني، عبد الرزّاق، المصنّف، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، ط1، 1972م، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 22. الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، بدون رقم طبعة، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، مصر. 23. الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط، تحقيق أيمن صالح شعبان وسيد أحمد إسماعيل، ط1، 1996م، دار الحديث، القاهرة، مصر. 24. ابن ماجه، محمد بن يزيد، سنن ابن ماجة، حكم على أحاديثه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، اعتنى به مشهور بن حسن آل سلمان، ط1، مكتبة المعارف، الرياض، السعودية. 25. مالك بن أنس، المدونة الكبرى رواية الإمام سحنون، دار صادر، بيروت، لبنان. 26. مالك بن أنس، الموطأ، تحقيق حامد أحمد الطاهر، طبعة عام 2005م، دار الفجر، القاهرة، مصر. 27. المباركفوري، محمد عبد الرحمن عبد الرحيم، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، ط1، 2005م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 28. مسلم بن الحجاج النيسابوري، الجامع الصحيح، ط1، 2005م، مؤسسة المختار، القاهرة، مصر. 29. المناوي، عبد الرؤوف، فيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي، ط2، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 30. المنذري، عبد العظيم بن عبد القوي، الترغيب والترهيب،،بدون رقم طبعة، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده، ميدان الأزهر، مصر. 31. النسائي، أحمد بن شعيب بن علي، سنن النسائي، حكم على أحاديث الشيخ الألباني، اعتنى به مشهور حسن آل سلمان، ط1، مكتبة المعارف، الرياض، السعودية. 32. النووي، يحيى بن شرف، شرح صحيح مسلم، بدون رقم طبعة، مكتبة الإيمان، المنصورة، مصر. 33. الهيثمي، علي بن أبي بكر، بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، تحقيق عبد الله الدرويش، طبعة عام 1994م، دار الفكر، بيروت، لبنان. كتب أصول الفقه 1. ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير،،ط2، 1983م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 2. الآمدي، علي بن محمد، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق عبد الرزاق عفيفي ط2، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان.

3. البخاري، عبد العزيز بن أحمد، كشف الأسرار على أصول فخر الإسلام البزدوي، ط3، دار الكتاب العربي، بيروت. 4. الشاطبي، ابراهيم بن موسى، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق الشيخ عبد الله دراز، بدون رقم طبعة، دار الحديث، القاهرة، مصر. 5. الشاطبي، ابراهيم بن موسى، الاعتصام، تحقيق مشهور حسن آل سلمان، بدون رقم طبعة، مكتبة التوحيد، السعودية. 6. الصالح، محمد أديب، تفسير النصوص، ط3، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 7. العز بن عبد السلام، عز الدين، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، بدون رقم طبعة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 8. الدريني، فتحي، الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده، ط2، 1977م، مؤسسة الرسالة، بيروت. 9. الزرقا، مصطفى، المدخل إلى نظرية الالتزام في الفقه الإسلامي، ط1، 1999م، دار القلم، دمشق، سوريا. 10. زيدان، عبد الكريم، الوجيز في أصول الفقه، ط6، 1976م، مؤسسة قرطبة للطباعة والنشر، الجيزة، مصر. 11. ابن القيم، محمد بن أبي بكر، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ط1، 2003م، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان. 12. ابن ملك، عز الدين عبد اللطيف بن عبد العزيز، شرح المنار وحواشيه من علم الأصول، بدون رقم طبعة، مطبعة عثمانية. كتب الفقه أولاً: كتب الحنفية 1. البغدادي، أبو محمد بن غانم بن محمد، مجمع الضمانات في مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، ط1، المطبعة الخيرية، القاهرة، مصر. 2. الجصاص، أحمد بن علي، أحكام القرآن، بدون رقم طبعة، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. 3. الزيلعي، عثمان بن علي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، ط2، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 4. السرخسي، شمس الدين، المبسوط، ط 2، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 5. المسرقندي، علاء الدين، تحفة الفقهاء، ط1، 1984م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

6. الشيباني، محمد بن الحسن، الكسب، تحقيق سهيل زكار، ط1،1980م، دمشق، سوريا. 7. شيخي زادة، عبد الرحمن محمد الكليوبي، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، تحقيق خليل عمران المنصور، طبعة عام 1998م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 8. ابن عابدين، محمد أمين، ردّ المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، تحقيق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد عوض، ط1، 1994م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 9. ابن عابدين، محمد أمين، العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، بدون طبعة وبدون دار نشر. 10. الكاساني، علاء الدين، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 11. المرغيناني، علي بن أبي بكر، الهداية شرح بداية المبتدي، تحقيق محمد محمد تامر وحافظ عاشور حافظ، ط1، 2000م، دار السلام، القاهرة، مصر. 12. الموصلي، عبد الله بن محمود بن مودود، الاختيار لتعليل المختار، وعليه تعليقات الشيخ محمود أبو دقيقة، بدون رقم طبعة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 13. ابن نجيم، زين الدين، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ط2، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان. 14. ابن نجيم، زين العابدين بن ابراهيم، الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، طبعة عام 1980م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 15. نظام وجماعة من علماء الهند، الفتاوى الهندية في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، ط3، 1973م، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان. 16. ابن الهمام، كمال الدين محمد بن عبد الواحد، شرح فتح القدير للعاجز الفقير، بدون رقم طبعة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. 17. أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم بن حبيب، الخراج، طبعة عام 199م، دار المعرفة، بيروت، لبنان. ثانياً: كتب المالكية 1. الباجي، سليمان بن خلف، المنتقى شرح الموطأ، ط2، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، مصر. 2. التسولي، البهجة شرح التحفة، تحقيق محمد عبد القادر شاهين، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان 3. جزي، محمد بن أحمد، القوانين الفقهية، بدون رقم طبعة، دار القلم، بيروت. 4. الحطاب، محمد بن محمد، تحرير الكلام في مسائل الالتزام، تحقيق عبد السلام محمد الشريف،،ط1، دار الغرب الإسلامي، لبنان.

5. الحطاب، محمد بن محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، ط1، 1995ن، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 6. الخرشي، محمد، شرح الخرشي على مختصر سيدي خليل، بدون رقم طبعة، دار الفكر، بيروت، لبنان. 7. الدردير، سيدي أحمد، الشرح الكبير، طبعة عام 2005م، دار الفكر، بيروت، لبنان. 8. الدسوقي، محمد عرفة، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ط1،دار الفكر، بيروت، لبنان. 9. ابن رشد (الحفيد)، محمد بن أحمد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، تحقيق عبد الحكيم محمد، بدون رقم طبعة، المكتبة التوفيقية، مصر. 10. ابن رشد (الجد)، محمد بن أحمد، المقدمات الممهدات، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 11. ابن رشد (الجد)، محمد بن أحمد، مقدمات ابن رشد، بدون رقم طبعة، مطبعة السعادة، مصر. 12. الرصاع، محمد، شرح حدود ابن عرفة (الهداية الكافية الشافية لبيان حقائق ابن عرفة الوافية) تحقيق محمد أبو الأجفان والطاهر المعموري، ط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان. 13. الصاوي، أحمد بن محمد، بلغة السالك إلى مذهب الإمام مالك، الطبعة الأخيرة، 1952م، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر. 14. ابن عبد البر، يوسف، فتح العلي المالك على موطأ الإمام مالك، تحقيق الدكتور مصطفى صميدة، ط1، 1998م، ج8، ص 229، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 15. ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله بن محمد، الكافي في فقه أهل المدينة، ط 2، 1992م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 16. العبدري، محمد بن يوسف، التاج والإكليل لمختصر خليل، بدون رقم طبعة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 17. القرافي، أحمد بن ادريس، الذخيرة، تحقيق مجموعة من المحققين، ط1، 1994م، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان. 18. القرافي، أحمد بن إدريس الصنهاجي، الفروق وأنوار البروق في أنواء الفروق، ط1، 1998م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 19. الكشناوي، أبو بكر بن حسن، أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه إمام الأئمة مالك، ط2، مكتبة عيسى البابي الحلبي وأولاده. 20. النفراوي، أحمد بن غنيم بن سالم، الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، ط1، 1997م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. ثالثاً: كتب الشافعية

1. الأنصاري، زكريا، شرح روض الطالب من أسنى المطالب، بدون رقم طبعة، المكتبة الإسلامية، بدون مكان طبع ونشر. 2. الرملي، أحمد بن حمزة، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، الطبعة الأخيرة، 1984م، دار الفكر، بيروت، لبنان. 3. السيد البكري، محمد شطا الدمياطي، إعانة الطالبين، ط1، 1997م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان. 4. السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية، تحقيق محمد محمد تامر وحافظ عاشور حافظ، ط2، 2004م، دار السلام، القاهرة، مصر. 5. الشافعي، محمد بن إدريس، الأم، تحقيق خيري سعيد، بدون رقم طبعة، المكتبة التوفيقية، القاهرة، مصر. 6. الشربيني، محمد، الاقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، بدون رقم طبعة، دار الفكر، بيروت، لبنان. 7. الشربيني، محمد، الإقناع في حَلّ ألفاظ أبي شجاع، بدون رقم طبعة، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 8. الشربيني، محمد، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، بدون رقم طبعة، المكتبة التوفيقية، القاهرة، مصر. 9. الشيرازي، ابراهيم بن علي، المهذب في فقه الإمام الشافعي، تحقيق الشيخ عادل عبد الموجود والشيخ علي محمد عوض، ط1، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 10. قليوبي، أحمد سلامة، عميرة، أحمد البرلسي، حاشيتا قليوبي وعميرة، بدون رقم طبعة، دار إحياء الكتب العربية، مصر. 11. الماوردي، علي بن محمد بن حبيب، الحاوي الكبير، تحقيق محمود مسطرجي، طبعة سنة 1994م، دار الفكر، بيروت. 12. الماوردي، علي بن محمد بن حبيب، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، تحقيق عصام فارس الحرستاني ومحمد ابراهيم الزغلي، ط1، 1996م، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، دمشق، سوريا. 13. الماوردي، علي بن محمد بن حبيب، أدب الدنيا والدين، تحقيق مصطفى السّقا، ط4، 1978م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 14. النووي، يحيى بن شرف، روضة الطالبين وعمدة المفتين، طبعة عام 1995م، دار الفكر، بيروت، لبنان. 15. النووي، محيي الدين بن شرف المجموع شرح المهذب، تحقيق محمد نجيب المطيعي، بدون رقم طبعة، مكتبة الإرشاد، جدة، السعودية.

16. الهيتمي، أحمد بن محمد بدر الدين بن محمد، في الفتاوى الفقهية الكبرى، بدون رق طبعة، دار الفكر، بيروت، لبنان. رابعاً: كتب الحنابلة 1. أبو البركات، مجد الدين، المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ط2، 1984م، مكتبة المعارف، الرياض، السعودية. 2. البهوتي، منصور بن يونس، شرح منتهى الإرادات (المسمى دقائق أولي النهى بشرح المنتهى)، بدون رقم طبعة، دار الفكر، بيروت، لبنان. 3. البهوتي، منصور بن يونس، كشاف القناع عن متن الإقناع، طبعة عام 1982م، دار الفكر، بيروت، لبنان. 4. ابن تيمية، أحمد، السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة، ط1، 1983م، دار الآفاق الجديدة، بيروت، لبنان. 5. ابن تيمية، أحمد، نظرية العقد، بدون رقم طبعة، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 6. ابن تيمية، أحمد، الحسبة في الإسلام، بدون رقم طبعة وبدون دار نشر. 7. ابن رجب، عبد الرحمن، القواعد في الفقه الإسلامي، بدون رقم طبعة، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان. 8. الشيباني، عبد القادر بن عمر، ابن ضويان، إبراهيم بن محمد، المعتمد في فقه الإمام أحمد، دار الخير، بيروت، لبنان 9. ابن قدامة، عبد الله بن أحمد بن محمد، المغني، طبعة سنة 1972م، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. 10. ابن قدامة، محمد بن أحمد، الشرح الكبير بهامش المغني، طبعة عام 1972م، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. 11. ابن قدامة، عبد الله بن أحمد، المقنع في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل، طبعة عام 1980م، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، السعودية. 12. الكرمي، مرعي بن يوسف، دليل الطالب لنيل المطالب، ط1، 1996م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 13. المرداوي، علي بن سليمان، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق محمد حامد الفقي، ط1،دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان 14. ابن مفلح، محمد، الفروع، تحقيق حازم القاضي، ط1، 1997م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

15. ابن مفلح، ابراهيم بن محمد، المبدع في شرح المقنع، بدون رقم طبعة، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 16. المقدسي، عبد الرحمن، العدة شرح العمدة، تحقيق خالد عبد الفتاح شبل، ط1، 2002م، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، لبنان. 17. أبو يعلى، محمد بن الحسين، الأحكام السلطانية، تصحيح وتعليق محمد حامد الفقي، ط3، 1974، دار الفكر، بيروت، لبنان. خامساً: كتب الظاهرية 1. ابن حزم، علي بن محمد، المحلّى، بدون رقم طبعة، المكتب التجاري للطباعة والنشر، بيروت، لبنان. كتب فقه عام 1. الأشقر، محمد سليمان وآخرون، أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة، ط1، 1998م، دار النفائس، العبدلي، الأردن. 2. الألفي، أسامة، حقوق الإنسان وواجباته في الإسلام، بدون رقم طبعة، دار الوفاء، الإسكندرية، مصر. 3. بدران، بدران أبو العينين، تاريخ الفقه الإسلامي ونظرية الملكية والعقود، بدون رقم طبعة، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان. 4. بوساق، محمد بن المدني، التعويض عن الضرر في الفقه الإسلامي، ط1، 1999م، دار اشبيليا، الرياض، السعودية. 5. ابن ثنيان، سليمان بن ابراهيم، التأمين وأحكامه، ط1، 1993م، دار العواصم المتحدة، قبرص، بيروت، لبنان، أصل الكتاب رسالة علمية نال بها صاحبها رسالة الدكتوراة من جامعة الإمام محمد بن سعود. 6. الجريس، خالد بن عبد الرحمن، الفتاوى الشرعية في المسائل العصرية من فتاوى علماء البلد الحرام، ط4، 2007م، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، السعودية 7. الجمال، محمد، موسوعة الاقتصاد الإسلامي، ط1، دار الكتاب المصري، القاهرة، مصر. 8. حامد محمد عبد الرحمن، نظرية عدم سماع الدعوى للتقادم، رسالة دكتوراه بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، سنة 1976 م.

9. حسني محمود عبد الدايم، مرض الموت وأثره على عقد البيع، ط1، 2007م، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية. 10. حمّاد، نزيه، قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد، ط1، 2001م، دار القلم، دمشق، سوريا. 11. الدريويش، أحمد بن يوسف بن أحمد، أحكام السوق في الإسلام وأثرها في الاقتصاد الإسلامي، ط1، 1989م، دار الكتب، الرياض، السعودية، أصل الكتاب رسالة دكتوراة من كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود، وقد نوقشت عام 1984م، باشراف الدكتور محمد بن أحمد الصالح. 12. الدريني، محمد فتحي، بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي وأصوله، ط2، 2008م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 13. الزحيلي، وهبة، المعاملات المالية المعاصرة، ط4، 2007م، دار الفكر، دمشق، سوريا. 14. الزحيلي، وهبة، نظرية الضمان، ط1، دار الفكر، بيروت. 15. الزرقا، مصطفى أحمد، المدخل إلى نظرية الالتزام العامة في الفقه الإسلامي، ط1، 1999م، دار القلم، دمشق، سوريا. 16. الزرقا، مصطفى، نظام التأمين - حقيقته والرأي الشرعي فيه -، ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 17. الزركشي، محمد بن بهادر، المنثور في القواعد، تحقيق تيسير محمد أحمد فائق، ط1، 1982م، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت 18. أبو زهرة، محمد، النظام الاجتماعي، بدون رقم طبعة، دار الفكر العربي، بيروت، لبنان. 19. أبو زيد، بكر، فقه النوازل، ط1، 2006م، مؤسسة الرسالة، دمشق، سوريا. 20. السالوس، علي أحمد، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة والاقتصاد الإسلامي، ط10، 2008م، دار الثقافة، الدوحة، قطر. 21. السعيد، د. صادق مهدي، العمل والضمان الاجتماعي في الإسلام، ط2،مطبعة المعارف، بغداد، العراق. 22. السنهوري، عبد الرزاق، مصادر الحق في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة بالفقه الغربي، بدون رقم طبعة، المجمع العلمي العربي الإسلامي، بيروت، لبنان. 23. سيد أمين محمد، المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير في الفقه الإسلامي المقارن، طبعة عام 2001م، بدون دار نشر، القاهرة. 24. السيد محمد، يسري، حقوق الإنسان في ضوء الكتاب والسنة، ط1، 2006م، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان. 25. الشرباصي، أحمد، المعجم الاقتصادي الإسلامي، بدون رقم طبعة، دار الجيل، بيروت، لبنان.

26. الشريف، شرف بن علي، الإجارة الواردة على عمل الإنسان دراسة مقارنة، ط1، 1980م، دار الشروق، السعودية، أصل الكتاب رسالة دكتوراة من جامعة الملك عبد العزيز بإشراف الدكتور حسين حامد حسان. 27. شقفه، محمد نصر، أحكام العمل وحقوق العمال في الإسلام، بدون رقم طبعة، دار الإرشاد، القاهرة، مصر. 28. شكري، موسى، إصابات العمال وأمراض المهنة دراسة تحليلية فقهية قضائية تحليلية ناقدة، ط1، 2001م، مركز الديمقراطية وحقوق العاملين، فلسطين. 29. الشهراني، حسين، حقوق الاختراع والتأليف في الفقه الإسلامي، ط1، 2004م، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، أصل الكتاب رسالة ماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بإشراف الدكتور أحمد بن يوسف الدريويش، أُجيزت بتاريخ 28/ 10/ 2002م. 30. الشوكاني، محمد بن علي، السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 31. الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، تحقيق نصر فريد واصل، بدون رقم طبعة، المكتبة التوفيقية، القاهرة، مصر. 32. صخري، مصطفى، أحكام حوادث العمل، ط1، 1998م، دار الثقافة، عمان، الأردن. 33. الطائي، يوسف حجيم، وآخرون، إدارة الموارد البشرية، ط1، 2006م، مؤسسة الورّاق للنشر والتوزيع، عمّان، الأردن. 34. الطويل، محمد محمد، العمال في رعاية الإسلام، ط1، 1998م، مكتبة ومطبعة الغد، الجيزة، مصر. 35. العبّادي، عبد السلام داود، الملكية في الشريعة الإسلامية، ط1، 2000م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 36. ابن عثيمين، محمد بن صالح، الصحوة الإسلامية، ضوابط وتوجيهات، ط3، دار القاسم، الرياض، السعودية. 37. عدوي، منار، أحكام تعويض إصابات العمل في ظل قانون العمل الفلسطيني دراسة مقارنة، رسالة ماجستير أُجيزت من كلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية عام 2008م، بإشراف الدكتور حسين مشاقي. 38. العروان، ابراهيم بن عبد الرحمن، عقد التأمين التجاري وحكمه في الفقه الإسلامي، ط1، 1995م، بحث مقدم لمركز البحوث التربوية في كلية التربية، جامعة الملك سعود. 39. عقلة، محمد، نظام الأسرة في الإسلام، ط2، 1990م، مكتبة الرسالة الحديثة، عمان، الأردن.

40. العلي، صالح حميد، عناصر الإنتاج في الاقتصاد الإسلامي والنُّظم الاقتصادية المعاصرة، ط1، 2000م، دار اليمامة للطباعة والنشر، دمشق، سوريا، أصل الكتاب رسالة ماجستير من كلية الشريعة، جامعة دمشق، بإشراف الدكتور محمد الزحيلي. 41. العمر، فؤاد، أخلاق العمل وسلوك العاملين في الخدمة العامة والرقابة عليها من منظور إسلامي، ط1، 1999م، بحث مقدم إلى المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، جدة، السعودية. 42. العميان، محمود سلمان، السلوك التنظيمي في منظمات الأعمال، ط4، 2008م، دار وائل، عمّان، الأردن،. 43. الغزالي، محمد، حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة، ط1،دار الدعوة للطباعة والنشر والتوزيع، الإسكندرية، مصر. 44. القرشي، باقر الشريف، العمل وحقوق العامل في الإسلام، ط4، 1979م، دار التعارف، بيروت، لبنان. 45. القرضاوي، يوسف، دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي، ط1، 1995م، مكتبة وهبة، القاهرة، مصر. 46. القرضاوي، يوسف، فقه الزكاة، ط25، مكتبة وهبة، القاهرة، مصر. 47. الكبيّ، سعد الدين محمد، المعاملات المالية المعاصرة في ضوء الإسلام، ط1، 2002م، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، أصل الكتاب رسالة ماجستير من جامعة أم درمان بالخرطوم، وقد تم مناقشتها عام 1997م في جامعة الجنان (فرع لجامعة لأم درمان) بلبنان. 48. الكتاني، محمد عبد الحي، نظام الحكومة النبوية المسمّى التراتيب الإدارية، تحقيق الدكتور عبد الله الخالدي، ط2، دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت، لبنان. 49. محمد حسن إبراهيم، أحكام التقادم في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة، رسالة دكتوراة من جامعة القاهرة، وقد أُجيزت عام 2004م، بإشراف الدكتور محمد بلتاجي والدكتور حسن إبراهيم محمد عبد الرحيم. 50. آل محمود، عبد اللطيف محمود، التأمين الاجتماعي في ضوء الشريعة الإسلامية، ط1، 1994م، دار النفائس، بيروت، لبنان. 51. المحمصاني، صبحي، النظرية العامة للموجبات والعقود في الشريعة الإسلامية، ط2، دار العلم للملاين، بيروت، لبنان. 52. الناهي، صلاح الدين، الوجيز في الملكية الصناعية والتجارية، بدون رقم طبعة، دار الفرقان للنشر والتوزيع، الأردن.

53. النشوي، ناصر أحمد، الاحتكار والمحتكرون في الميزان الشرعي والقانون الوضعي، ط1، 2007م، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، مصر. كتب التاريخ والتراجم 1. ابن الأثير، علي بن محمد الجزري، أسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق الشيخ خليل مأمون شيحا، ط3، 2007م، دار المعرفة، بيروت. 2. الإسنوي، جمال الدين عبد الرحيم، طبقات الشافعية، ط1، 1996م، دار الفجر، بيروت، لبنان. 3. ابن الجوزي، عبد الرحمن، سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز، ط1، 1984م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 4. ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن محمد، مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، بدون رقم طبعة، مكتبة ابن خلدون، الإسكندرية، مصر 5. ابن حجر، أحمد بن علي، الإصابة في تمييز الصحابة، بدون رقم طبعة، مطبعة مصر، القاهرة. 6. الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان، سير أعلام النبلاء، أشرف على التحقيق شعيب الأرنؤوط، ط11، 1998م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 7. الزركلي، خير الدين، الأعلام، ط4،دار العلم للملاين، بيروت. 8. ابن خلكان، شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار صادر، بيروت. 9. السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، طبقات الحفاظ، ط2، 1994م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 10. الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك، الوافي بالوفيات، ط3، بدون دار النشر. 11. ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله بن محمد، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق علي البيجاوي، ط1، 1992م، دار الجيل، بيروت، لبنان. 12. العك، خالد عبد الرحمن، موسوعة عظماء حول الرسول، ط1 1991، دار النفائس، بيروت، لبنان. 13. القرشي، عبد القادر بن محمد، الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية، تحقيق الدكتور عبد الفتاح الحلو، ط2، دار هجر، مصر. 14. ابن كثير، إسماعيل بن كثير، البداية والنهاية، مكتبة الإيمان مصر. 15. القاضي عياض، ترتيب المدارك، تحقيق أحمد محمود، بدون رقم طبعة، مكتبة الحياة، بيروت، لبنان.

16. اللكنوي، محمد بن عبد الحي، الفوائد البهية في تراجم الحنفية، بدون رقم طبعة، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت. 17. محمد كرد علي، خطط الشام، طبعة عام 1925م، المطبعة الحديثة، دمشق، سوريا. 18. مخلوف، محمد بن محمد، شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، طبعة عام 1930م، المطبعة السلفية، القاهرة، مصر. 19. المراغي، عبد الله مصطفى، الفتح المبين في طبقات الأصوليين، ط2، 1974م، مكتبة محمد أمين دمج وشركاؤه، بيروت، لبنان. كتب اللغة 1. الأزهري، محمد بن أحمد، تهذيب اللغة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، بدون رقم طبعة، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، مصر. 2. أبو البقاء، أيوب بن موسى، الكليات، ط2، 1998م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 3. الجرجاني، علي بن محمد الشريف، التعريفات، بدون رقم طبعة، 1978م، مكتبة لبنان، بيروت، لبنان. 4. الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، ط2، 1979م، دار العلم، بيروت، لبنان. 5. حاجي خليفة، مصطفى عبد الله، كشف الظنون عن أسماء الكتب والفنون، بدون رقم طبعة، مكتبة المثنى، بغداد، العراق. 6. الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، بدون رقم طبعة، دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان. 7. الشافعي، محمد بن إدريس، ديوان الشافعي، ط1، 1996م، دار صادر، بيروت، لبنان. 8. ابن عباد، اسماعيل، المحيط في اللغة، تحقيق محمد حسم آل ياسين، ط1، 1999م، عالم الكتب، بيروت، لبنان. 9. ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، بدون رقم طبعة، دار الجيل، بيروت، لبنان. 10. الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، تحقيق عبد الحميد هنداوي، ط1، 2003م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 11. الفيروز آبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، تحقيق مكتب التراث في مؤسسة الرسالة، ط6، 1998م، بإشراف محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

12. الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، بدون رقم طبعة، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر. 13. ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، بدون رقم طبعة، دار صادر، بيروت، لبنان. 14. النسفي، عمر بن محمد، طُلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، ط1، 1995م، دار النفائس، بيروت، لبنان. كتب التصوف 1. الغزالي، محمد محمد، إحياء علوم الدين وبذيله كتاب المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار للعراقي، ط3، دار الفكر، بيروت، لبنان. 2. ابن القيم الجوزية، محمد بن أبي بكر، الروح، تحقيق كمال علي الجمل، بدون رقم طبعة، مكتبة الإيمان، المنصورة، مصر. كتب القانون وشروحه 1. إلياس، يوسف، الوجيز في شرح قانون العمل، طبعة عام 1988م، هيئة المعارف الفنية في وزارة التعليم العالي، الرصافة، العراق. 2. باز، سليم رستم، شرح المجلة، ط3، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. 3. خليفة، عبد العزيز عبد المنعم، عقد العمل الفردي، ط1، 2008م، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، مصر. 4. رمضان، سيد محمود، الوسيط في شرح قانون العمل الأردني الجديد، ط1، دار الثقافة، عمان، الأردن. 5. الزقرد، أحمد السعيد، شرح قانون العمل، ط2، 1993م، دار ام القرى، المنصورة، مصر. 6. زكي، محمود جمال الدين، عقد العمل في القانون المصري، ط2،1982م، بدون دار نشر. 7. سليم، عصام أنور، قانون العمل، ط2، 2002م، منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر. 8. السنهوري، عبد الرزاق، الوسيط في شرح القانون المدني، طبعة عام 1964م، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر. 9. الشرقاوي، جميل، دروس في أصول القانون (نظرية الحق)، طبعة عام 1966م، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر.

10. أبو شنب، أحمد عبد الكريم، شرح قانون العمل الأردني الجديد، ط1، 1998م، دار الثقافة، عمّان، الأردن. 11. عبد الرحمن، أحمد شوقي، شرح قانون العمل الجديد والتأمينات الاجتماعية في الفقه والقضاء المصري والفرنسي، طبعة عام 2008م، مكتبة المعارف، الإسكندرية، مصر 12. القاضي، منير، شرح المجلة، ط1، مطبعة العاني، وزارة المعارف العراقية، بتصرف. 13. كيره، حسن، المدخل إلى القانون، طبعة عام 1967م، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان. 14. مدكور، محمد سامي، نظرية الحق، بدون رقم طبعة، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر. 15. مشاقي، حسين، شرح أحكام قانون العمل الفلسطيني، الكتاب تحت الطبع. 16. المصاروة، هيثم حامد، المنتقى في شرح قانون العمل، ط1، 2008م، دار الحامد، عمان، الأردن. 17. هاشم، هشام رفعت، شرح قانون العمل الأردني، طبعة سنة 1973م، مكتبة المحتسب، عمان، الأردن. 18. وزارة العدل 2002م، قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000م، النسخة الرسمية. مواقع الانترنت الموقع ... عنوان الموقع موقع أهل الحديث ... http://www.ahlalhdeeth.com دار الإفتاء الديني في مدينة حلب ... http://eftaa-aleppo.com موقع الملتقى الفقهي ... http://www.fiqhforum.com موقع إسلام أون لاين ... http://www.islamonline.net موقع وزارة العدل الفلسطينية ... http://www.moj.ps موقع الشيخ ابن باز رحمه الله ... http://www.binbaz.org. . الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء ... http://www.alifta.com موقع الشيخ ابن عثيمين ... http://www.ibnothaimeen.com موقع أسرة آل محمود ... http://www.al-mahmoud.net.

موقع الإسلام سؤال وجواب ... http://www.islamqa.com موقع مركز الديمقراطية وحقوق العاملين، فلسطين ... :// www.dwrc.org موقع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ... http://www.pcbs.gov.ps. موقع وزارة القوى العاملة والهجرة المصرية ... http://www.manpower.gov موقع وزارة العمل الأردنية ... http://www.mol.gov.jo موقع للعامل ... ttp://www.kavlaoved.org موقع عالم التطوع العربي ... :// www.arabvolunteering.org موقع وزارة العمل السعودية ... http://www.mol.gov. موقع الدكتور يوسف القرضاوي ... http://www.qaradawi.net موقع الشيخ عبد الله بن جبرين ... http://ibn-jebreen.com موقع أهل الحديث ... ttp://www.ahlalhdeeth.com موقع اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ... http://www.alifta.net موقع الإسلام اليوم ... http://www.islamtoday.net- موقع ديوان الفتوى والتشريع في فلسطين ... http://www.dft.gov.ps موقع دار المشورة ... www.darelmashora.com موقع مجمع الفقه الإسلامي للرابطة ... :// www.themwl.org موقع لواء الشريعة ... :// www.shareah.com موقع الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين ... :// www.pgftu.ps موقع إسلام ويب ... :// www.islamweb.net موقع المحاسبين القانونيين (السعودية) ... :// www.socpa.org.sa موقع المسلم على الإنترنت ... / node almoslim. الموقع العالمي للإقتصاد الإسلامي ... :// isegs.com موقع الدكتور حسام الدين عفانة ... :// www.yasaloonak.net موقع شبكة الشريعة التخصصية ... :// sharee3a.com موقع القلم ... :// www.alqlm.com موقع الشيخ محمد علي فركوس ... :// www.ferkous.com موقع الشيخ محمود النجدي ... :// www.al-athary.net موقع أخبار العالم الإسلامي ... :// arabic.irib.ir

مسرد المصطلحات

مسرد المصطلحات المصطلح ... رقم الصفحة الإجازة ... 138 الأجرة ... 104 الأجير الخاص ... 11 الأجير المشترك ... 12 الأسكتان ... 168 الإضراب ... 195 الإليتان ... 168 الآمّة ... 172 الباضعة ... 172 بيع الحصاة ... 157 التجهيل ... 54 التسعير ... 107 التعويض ... 163 التعدّي ... 53 التفريط ... 53 التهمة ... 55 الحضانة ... 147 الحق ... 3 حق الابتكار/ الاختراع ... 202 الحِلس ... 76 الحَلوة المرسومة ... 119 الخريت ... 16 الخارصة ... 172 الخصّ ... 30 الدامغة ... 172 الدامية ... 172 الدباء ... 27

راتب التقاعد ... 186 الزبون ... 66 السرّ ... 61 السمحاق ... 172 الشيص ... 141 الصعر ... 167 الصفق ... 29 الظئر ... 105 العامل ... 18 عسب الفحل ... 16 عقد التأمين ... 154 العمل ... 9 العينة ... 26 الغياض ... 84 فرض الكفاية ... 26 الفسيلة ... 25 قانون العمل ... 19 القدّوم ... 76 القديد ... 27 القصارة ... 48 القيراط ... 28 لاءمكم ... 84 اللحيان ... 168 مفهوم المخالفة ... 92 مكافأة نهاية الخدمة ... 181 المنقلة ... 172 الموضحة ... 172 الهاشمة ... 172

§1/1