هل من مشمر

عبد الملك بن قاسم

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله الذي جعل الخير باقيًا في هذه الأمة إلى يوم القيامة، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وبعد: فإن الطريق إلى الدار الآخرة طويلة شاقة .. يعتريها بعض الكسل والفتور والإعراض والنفور .. وقد جمعت بعض مداخل ومسالك تعين السائر في الطريق وتحث الراكب على المسير .. ولم أكتبها ليعرفها القارئ، ويطلع عليها فحسب، أو ليتذوقها، ويتمتع بالأسلوب والطرح فيها .. فهذا لا يعذر به. ولكني كتبتها تذكيرًا وتنبيهًا .. وحثًا وتيسيرًا .. ينيخ القارئ ركابه حولها فيحمل واحدة وثانية وثالثة .. وكلما فتر وطاب له الكسل .. قلب صفحات الكتاب فرأى بغيته .. ونال منيته. فلعله يجد في طلب واحدة أو أكثر .. إن كان من أصحاب الهمم العالية ممن يتحرقون شوقًا لخدمة الإسلام، ويتشوقون لرؤية راية التوحيد عالية .. ممن أنعم الله عليهم بالتوفيق والسداد والهمة والنشاط.

جعل الله لنا نصيبًا من ذلك ورزقنا الإخلاص في القول والعمل. عبد الملك بن محمد القاسم

مدخل

مدخل هل من مشمر؟ ! نعم هناك مشمرون .. ولكن التشمير إلى أين؟ ! إنه إلى جنة عرضها السموات والأرض .. مسارعة للخطى .. وتقوية للعزائم .. وحث للنفوس .. إنها خطوات في الطريق إلى هناك، حيث الموقف العظيم .. ثم -برحمة الله- إلى روح وريحان وجنة نعيم. نستدرك بالتشمير تقصيرنا .. ونعوض بالسير القويم تكاسلنا وتأخرنا. هل من مشمر؟ ! كل يوم في طريق .. وكل حين في سبيل .. خطوات متسارعة وقفزات متتابعة .. نسد الفرج .. ونغلق الثلم. نحصن أنفسنا .. ونبني ديارنا .. هل من مشمر؟ ! ندار لمن تأخر عن الركب .. ولا يزال يرى القافلة .. شمر عن ساعدك .. واستدرك أيامك .. هل من مشمر؟ ! إنها دعوة للتشمير .. فهل من مشمر؟ !

نداء

نداء إلى شباب الأمة .. إلى أبناء الإسلام إلى حملة الدعوة .. من غيركم يشمر؟ !

التشميرة الأولى

التشميرة الأولى نتحدث بأصوات مرتفعة في مجالس كثيرة .. أوقاتنا ضائعة وأيامنا مهدرة .. فلا نستفيد منها. تمر علينا الشهور والسنون دون فائدة .. ويتحول ذلك الحديث نحو مصب واحد يتفق عليه الجميع .. إنها مشاغل الحياة وزحمة الأعمال .. وتتوالى الأعذار الواهية .. فتنفرج الأسارير وكل يجد بغيته .. ويلقي باللوم على غيره! ! ولكن عندما رأيته كالجبل ثابتًا قوة ورسوخًا .. أعمال ينجزها في أيام ومشاريع يفكر فيها في ساعات .. هو الذي يخطط ويكتب وينفذ .. ثم يتابع بدقة جميع الأعمال. هل عرفته؟ ! إنه شاب في مقتبل العمر .. مثل كثير من الشباب له وظيفة ولديه زوجة وأطفال ووالدة وأهل .. له مشاغل في الحياة وهموم في النفس .. له تلاميذ في الجامعة .. وله ابن يمرض وزوجة لها مطالب .. وسيارة تحتاج إلى إصلاح .. إنها متطلبات الزمن! ! ولكنه يختلف عنا بحياة في قلبه، وحرقة في كبده .. لقد نذر نفسه لخدمة هذا الدين .. فاتجه إلى خدمته عبر إحدى الهيئات والمؤسسات الخيرية.

شعلة من نشاط، وقبس من نور .. إجازته تكون في متابعة أعمال المؤسسة في الخارج .. أعمال لا نهاية لها .. حدثني مرة أنه يستعد للبدء في رسالة دكتوراة! ! ولم يكن يدور في خلدي أنه رغم هذه المشاغل والأعباء يلازم دروس العلماء بعد الفجر .. وأحيانًا أخرى بعد صلاة المغرب إلا عندما أقنعني بالحضور وتعللت بضيق الوقت .. فاجأني بأنه يحضر درس الشيخ العلامة بعد الفجر! ! قلت في نفسي .. وعيني تتابع جسمه النحيل وبنيته الضعيفة .. يكفي منك عشرة .. يكفي أن تنجب أمهات المسلمين عشرة مثلك. لم يكن تعجبي يطال علماء الأمة ومشايخها فقد عملنا حرصهم على الوقت ومحافظتهم على دقائقه وثوانيه .. ولكن تعجبي أن هذا الشاب في مثل سني وسنك .. ورغم ذلك ركب المركب الصعب .. وبذل نفسه واستطاع أن يجمع بين الدين والدنيا! ! ونحن -أخي الحبيب- فرطنا في الكثير .. وما علمنا إلا القليل. بقي أن نشمر سويًا، فالأبواب مفتوحة، وطرق الدعوة متعددة .. ومجالات العمل فيها تتناسب مع قدرات كل فرد قل تعليمه أو ارتفع. فكل في طريق .. وكل على ثغرة. والقطرات تصب في نهر لتجتمع وتروي ظمأ المسلمين في

مشارق الأرض ومغاربها .. دعوة وإغاثة وإصلاحًا .. تتألم وأنت ترى شباب الأمة تضيع أيامه وتهدر أوقاته .. وهي أوقات غالية نفيسة تشترى بالمال! ! أخي الحبيب .. هل من مشمر؟ !

التشميرة الثانية

التشميرة الثانية اجتمعت مجموعة من الشباب المتحمس لنشر دين الله .. الباحثين على مواطن الخير .. وبدءوا في البحث عن عمل ينفع المسلمين .. وكانت الفكرة .. إنهم هواة المراسلة؟ ! قال أحدهم متعجبًا: ماذا نفعل بهواة المراسلة، وهم ليسوا من مجتمعنا وبيننا وبينهم المفاوز والقفار؟ ! ولكن من طرح الفكرة أوضح الأمر: هؤلاء شباب وفتيات المسلمين من أقطار مختلفة يرسلون صورهم وعناوينهم إلى مجلات منحطة منحلة .. ويطلبون المراسلة، وبهذا تقام علاقات بين الرجال والنساء وبين الرجال والرجال .. إنه أمر مؤسف. ضياع وقت، وانحلال أخلاق، وخسارة مادية! ! وسنكون ممن يراسل هؤلاء استجابة لطلبهم، ولكن بالكلمة الطيبة والنصيحة الصادقة والكتاب المفيد. إنهم في حالة فراغ يستقبلون ما نرسل لهم، بل إنهم في أشد الشوق لرؤية هذه الكتيبات التي تملأ مكتباتنا .. وهم لا يجدونها. والأمر بالنسبة لنا ميسور .. كل واحد منا يأخذ من إحدى المجلات الأسماء والعناوين ونبدأ من الأسبوع القادم مراسلتهم. وكان ذلك .. ففي الجلسة الثانية .. قرروا توزيع العمل بينهم .. قال أحدهم: يكون لكل فرد منا دولة معينة يرسل لها

الرسائل. وتم ذلك وبدءوا بعشرة عناوين .. اختاروا كتابًا في العقيدة وآخر في الرقائق والتوبة وثالثًا في الأذكار وعمل اليوم والليلة. شهر واحد فإذا بالرسائل ترد تحمل الخير والبشر والرجوع والعودة .. لقد تاب على أيديهم الكثير، واهتدى على أيديهم الكثير .. أوقاتهم مشغولة .. ومجالسهم حديث عن هذا العمل .. بدءوا يرسلون كتبًا أخرى. عرف بعض العلماء والدعاة طريقتهم فتأثروا .. وقالوا: الحمد لله بدأتم تطرقون أبوابهم .. هم يبحثون عن الشر وأنتم يا أهل الخير وصلتم إليهم .. رأى بعض العلماء رسائل التوبة والعودة .. وسقطت دمعة من عين عالم الأمة عندما قرئت عليه رسالة أحدهم وهو يعلن رجوعه وهدايته. هل من مشمر؟ !

التشميرة الثالثة

التشميرة الثالثة تأمل كثيرًا .. وحمد الله .. نعم كثيرة لا تحصى ولا تعد .. زوجة وأبناء كالورود .. كل يوم يرى ابتسامة مشرقة منهم .. ولكنه استدرك .. هذا المنزل العامر بالمحبة والمودة لم يقم فيه منذ سنوات درس علمي أو ديني. قرر وهو ينادي زوجته وأبناءه: كل نهاية أسبوع بعد مغرب يوم الأربعاء هناك درس وسوف نقيمه أنا وأنتم في المجلس الرئيس. حتى يأخذ طابع الجد. كان له ذلك وقرأ عليهم في جو من الإنصات والاستماع سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .. وكان ذلك الدرس انطلاقة لتتواصل الدروس في منزل الود والحب .. منزل يحفه الإسلام والإيمان .. فرحت الزوجة .. أما الأبناء فإنهم يتشوقون إلى ذلك الموعد .. رفع صوته وقال: اللهم صل على محمد وأردفت .. صدق الله العظيم {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ردد ذلك وهو يسمع عبر المذياع قول أنس بن مالك خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين والله ما قال لي: أفٍ قط، ولا قال لشيء: لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا؟ ». قرر أن يقتفي ذلك الأثر ويسير على ذلك النهج .. وقال في نفسه: أحاول أن أكون مع خادمي هينًا لينًا .. آمرًا له بالمعروف وناهيًا له عن المنكر ..

وعاد يردد بتعجب .. عشر سنوات! ! اللهمَّ صلِّ على محمد. يتفقد أيتام حيهم، ويسأل أمهاتهم عن غيابهم عن المسجد، وماذا يريدون؟ ويذهب للمدرسة ليسأل عن مستوى الأيتام ويؤانسهم .. ويذهب بهم مع أطفال الحي إلى رحلات قصيرة ومعهم إمام المسجد أو مدرس حلقة تحفيظ القرآن .. ولا ينسى أن يمسح دمعة اليتيم، ويمر يده على رأسه .. فله بكل شعرة .. حسنة قال - صلى الله عليه وسلم -: «من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وفرق بين أصبعيه السبابة والوسطى» وقال أيضًا لمن شكى له قسوة في قلبه: «إن أردت تليين قلبك فأطعم المسكين وامسح رأس اليتيم». قال له وهو يهز رأسه: أخذت الأمر كتذوق .. متى ما طاب لك الوقت ذهبت؟ ! منذ سنة كاملة لم تحضر سوى محاضرتين فقط .. أنت تأتي للتذوق والمتعة .. لا للفائدة. لماذا محاضرتين فقط؟ هذه الدروس والمحاضرات زاد روحي تعين على السير، وتثبت على الطريق. عليك بلزوم دروس العلماء وخذ نفسك بالهمة والعزم. سافرت معه أسبوعًا كاملاً .. ما سمعته اغتاب أحدًا ولا عاب مسلمًا .. تعجبي سبق سفري معه .. ولكنه أكد لي في السفر أن هناك من يحفظ لسانه ويأخذ حذره .. فلا غيبة ولا نميمة .. نعم الصاحب في السفر والرفيق في الحضر.

كل شهر يشتري مجموعة من الأشرطة المخفضة، ويسعى لشراء كتب مناسبة ثم يقوم بتوزيعها على الجيران. سن سنة حسنة! ! له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. قرر أن يأخذ من وقته لقراءة أمهات الكتب وقتًا قصيرًا .. شهور فإذا بالوقت القصير أصبح طويلاً .. وإذا بأسماء علماء السلف ومؤلفاتهم على لسانه .. البعض لا يوجد في منزله كتاب واحد من كتب أئمة المسلمين وعلمائهم! يتفقد أحوال الجيران وشبابهم مع الإمام والمؤذن .. أصبح لديه معلومات كاملة عن أهل الحي. هذا ينصحه .. وهذا يوجهه .. وهذا يعينه .. وهذا يذهب لمدرسته .. وتلك بحث لها عن زوج .. وأما الأرامل والأيتام فكل شهر يصرف لهم بعض المال وكثيرًا من المواد الغذائية ويدفع الإيجار مباشرة إلى المالك. غالب الانحرافات التي تصيب الشباب من رفقاء السوء .. ولقد بحثت حالات كثيرة ووجدت أن السبب الأساسي في طريق المهالك .. هم رفقاء السوء. سكت المحاضر ثم أتم .. ولقد انتقيت لنفسي ولأبنائي رفقة صالحة، تعبت من البحث عنهم حتى وجدتهم .. هم أهل الطاعة والصلاح! !

فانظر من حولك .. فكل قرين بالمقارن يقتدي! ! طال تعجب الكثير من همته وصبره حتى حفظ القرآن .. قال لهم: أنتم أكثر حفظًا وأسرع قراءة وأكثر أوقات فراغ .. ولكن ينقصكم الهمة والعزيمة. ولقد قررت وأنا في المرحلة الثانوية أن أتم حفظ القرآن مع تخرجي وكان لي ذلك ولله الحمد .. إنها سبع سنوات حفظت في كل سنة أربعة أجزاء فقط أي في كل ثلاثة أشهر جزءًا واحدًا. هل هذا صعب المنال؟ ! للتحدث بنعمة الله وحثًا لهم على الحضور إلى الصلاة مبكرين قال لهم المؤذن .. كل ثلاثة أيام أختم القرآن! وشباب الحي أمامه .. سألته العيون في استغراب كيف؟ ! قال: غالبًا بين الأذان والإقامة عشرون دقيقة أختم فيها جزءًا أو يزيد أو يقل، ولكن في ثلاثة أيام أكون ختمت القرآن! سألهم: أرأيتم كم فاتكم من الأجر وأنتم لا تأتون إلا مع الإقامة أو بعدها؟ ! تسائل الجميع في اجتماع عائلي أين شبابنا بل أطفالنا؟ لا نراهم .. بل نتركهم لمن؟ ! لرفقاء السوء وأصدقاء الشر! قال أحدهم .. نجتمع كل أسبوع مرة واحدة في رحلة برية .. فيها رفقة صالحة، وهناك تسلية، ونختم الرحلة بدرس تربوي علمي .. هذا حفظ لهم .. فهم رجال أسرتنا غدًا ..

وموسم الحج قد طرق الأبواب. قال أحدهم .. مع من ستحج يا عبد الله؟ أجاب: سأذهب للصومال فلدي مسئولية عن مشروع الأضاحي هذا العام. وحين طرح السؤال على الآخر: قال: سأذهب إلى الحج هذه السنة مع إحدى المبرات الخيرية لتوزيع الطعام والماء على الحجاج؟ ! إنه نموذج مشرف لشباب الأمة! ! قال له الشيخ وهو يستعرض الوظائف الدنيوية: عليك بالتعليم .. فمتى تجد أربعين طالبًا يستمعون إليك لمدة خمس وأربعين دقيقة كل درس .. تغرس فيهم من القيم .. والعلم ومحبة الله وطاعته ما شاء الله لك .. هذه فرصة عظيمة .. متى تجد مثل هذا العدد تربيهم وتنشئهم التنشئة الصالحة. التعليم هو الطريق إلى شموخ الأمة وعلوها! ! نذر نفسه لمساعدة الغرباء والضعفاء ممن يصلون معه في المسجد .. فهذا لديه زيارة لقريبه وذاك لديه مشكلة مع كفيله .. وآخر يبحث عن سيارة صغيرة .. وثالث يذهب معه ليساعده في قبول ابنه في المدرسة القريبة .. قال لزوجته .. هؤلاء مسلمون يشهدون معنا الصلاة .. نواسي غربتهم ونوانس وحدتهم .. ولذلك دعوتهم هذه الليلة للعشاء

عندنا .. هم وزوجاتهم! ! التقى بحارس العمارة الكبيرة .. وطلب منه أن يضع دولابًا صغيرًا في مدخل العمارة لوضع الكتب والأشرطة .. وافق وتم الأمر .. فإذا بنور يضيء الداخل والخارج! عندما علم شباب المسجد بعودة أحد المصلين إلى بلده .. تهامسوا .. لا بد أن نقدم له هدية .. وتم التشاور وكلفوا أحدهم بمهمة جمع مجموعة مختارة من كتب أئمة السلف وبعض الكتيبات وجعلها في حقيبة كبيرة ليتسنى للمسافر حملها .. قالوا له .. هذه أغلى من الذهب .. فيها كتب العقائد والتفسير والفقه .. وعلم يكفي لقريتك؟ ! في جمع حافل دخل معه أحد الشباب وعلى محياه البشر والسرور .. وقال .. سلموا على أخيكم « .... » ثم أردف هو فرنسي أسلم اليوم وصلى أول صلاة له في الإسلام مغرب هذا اليوم .. سلم الجميع ودعوا له بالثبات والتوفيق .. حين سأله أحدهم عن إسلامه .. قال له الداعية الشاب .. جلست معه جلسات متتالية لمدة ثلاثة أشهر حتى هداه الله .. وهناك الكثير في الطريق إن شاء الله. نذر نفسه لمصالح المسلمين .. ها هو يقصد لجاهه وهمته

و «فزعته» أضحى من لديه مشكلة عائلية يسر إليه بالأمر ويسأله الحل .. فهو رجل عاقل يقدم الشرع على الهوى والعاطفة .. ولا يتأخر إذا كان الأمر يتطلب ذهابه مرات ومرات في سبيل حل مشكلة زوجة مع زوجها أو مطلقة مع والد ابنها! ! أين أنت يا مشمر؟ !

التشميرة الرابعة

التشميرة الرابعة أطلق تنهدًا طويلاً وهو يتألم حسرة ويقول .. ليت أموري المادية تتحسن وظروفي تتيسر، فإني أتمنى أمنية تحرق قلبي وتقض مضجعي .. نفسي تتوق وتتشوق إلى زيارة المسلمين في روسيا .. بلاد الإمام البخاري والإمام مسلم -رحمهما الله- .. بلاد بخارى وسمرقند وطاشقند .. قال له من يستمع الحديث: كفيت العناء ومشقة الطريق .. ها هم عندك! ! قال: أين؟ ! أجاب وهو يوضح الأمر: ها هم يقصدونك من على بعد آلاف الأميال .. أعينهم متلهفة وقلوبهم متشوقة .. وآذانهم مستمعة .. ها هم في موسم الحج كل عام يأتون. ولكن ماذا قدمت لهم؟ ! يا صاحب الأمنية! ! لا يكن حظك من الدنيا الأماني والقول! !

التشميرة الخامسة

التشميرة الخامسة ما إن أقبلت الأجازة حتى كان أمرهم إلى اتفاق وموافقة .. قرروا القيام بجولة لمدة شهر .. راحة من عناء العمل ومعرفة للبلاد .. وحمل للهم الأكبر .. ألا وهو الدعوة إلى الله .. لم يكن الجميع في مستوى واحد من العلم، ولكن أقلهم علمًا من قال: أنا أعلم الناس شروط وواجبات وأركان الصلاة .. بل وأردد عليهم قراءة السور القصار ليحفظوها .. سارت القافلة .. يحوطها الإيمان والطمأنينة .. وكان اتجاه سيرهم نحو القرى والهجر والأرياف .. يزورون بعض المدن في الطريق، ويسلمون على العلماء والمشايخ في تلك المدن وكل همهم الاستفادة من الوقت، ونفع المسلمين وتبليغ الدعوة. صعدوا الجبال، وساروا في السهول .. وقطعوا الأودية .. وكانت رحلة جمع الله لهم فيها التزود بالعلم النافع من شيخهم وراحة للنفس من عناء العمل .. وإبراءً للذمة بزكاة علمهم. إذا نزلوا موطنًا تفرقوا في المساجد بين محاضرة ودرس وخطبة جمعة وجلوس للإفتاء. رأوا الجهل وسمعوا البدعة .. ويزيدهم ذلك حرصًا على تكرار الزيارة كل أجازة .. إنها قافلة الخير ورحلة الدعوة .. لا يعذر بها من يعلم من العلم ولو آية ..

قال - صلى الله عليه وسلم -: «بلغوا عني ولو آية» .. أين أهل التشمير من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -؟ ! هل من مشمر؟ !

التشميرة السادسة

التشميرة السادسة ألزم نفسه بحسن التعامل وطيب المعشر، فكان داعية -بخياله الصامت- وذلك بحسن تصرفه ونزاهة سلوكه .. فاهتدى على يديه الكثير .. والكثير صححت أخطاؤهم، واستقام أمرهم، وحسن منهجهم من خلال محادثته ومجالسته .. وسماع آرائه واستشهاداته .. إنه الداعية المتلطف معهم المشفق عليهم يبحث عن مدخل للقلوب الحائرة وطريق للحديث والمفاهمة .. يتحمل الهفوة ويبرر تلك الجفوة. ثم هو في النهاية .. برحابة صدر وحسن أدب يصل إلى مبتغاه ليفوز بأجر هداية خير له من حمر النعم .. ما انتصر لنفسه قط ولا غضب من جهل جاهل .. بل جعل ذلك الاندفاع من بعض الشباب مدخلاً عليهم -يطأطئون الرءوس لسماع قول الله وقول رسوله - صلى الله عليه وسلم -: إنه حديث من القلب إلى القلب. بعد سنوات حادثه من اهتدى على يديه وقال: لن أنسى حلمك علي وتحملك زلتي في أول لقاء .. ولقد راجعت نفسي مساء ذلك اليوم فاستحييت من حماسي واندفاعي. قال له الداعية الناصح المشفق .. تعال لنرى موقفًا تربويًا وقفه الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع ذلك الأعرابي حين تصرف بتلقائية في مكان لا

يصح فيه ذلك .. عن أنس رضي الله عنه قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس، فنهاهم - صلى الله عليه وسلم -، فلما قضى بوله، أمر - صلى الله عليه وسلم - بذنوب من ماء فأهريق عليه. قلت له .. يخطئ بعضنا اليوم أقل من خطأ الأعرابي، ولكنه يجد الفظاظة وسوء المخاطبة. قال .. وكأنه يستدرك .. لنا في فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدوة حسنة، وفي تعامله أسلوب دعوة .. وصدق الله عز وجل: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}. الدعوة تحتاج إلى صبر وحلم وعفو .. وكل من آمن بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولاً فإنه داعية حتى .. في داخل بيته وأمام أطفاله .. فهل من مشمر؟ !

التشميرة السابعة

التشميرة السابعة صيام أيام البيض ويوم عاشوراء ويوم عرفة لمن لم يحج .. أبواب مفتوحة .. ولكن هل من مشمر؟ ! صلاة الضحى لا تأخذ من وقته سوى دقائق .. وهو يعلم أن هذا الوقت الطويل من آذان الفجر حتى آذان الظهر وقت عمل ومشاغل .. ويندر فيه ذكر الله .. قرر أن يحافظ على صلاة الضحى وكان له ما أراد. لا يخرج من بيته إلا متوضأ، حافظ على أجر عظيم .. ووجد في ذلك إعانة على المحافظة على الصلاة وعدم تأخيرها .. قالت زوجته: منذ أن تزوجته وهو لا يترك الجلوس في المسجد بعد صلاة الفجر أبدًا، كل يوم يتأخر حتى طلوع الشمس ثم يصلي ركعتين ويأتي. طال تعجبي فهو شاب مثل الكثير منا .. ولكن الموفقين قليل. رأى أن الأيام والأوقات ضائعة .. لا يستفيد منها شيئًا .. وأشار عليه الناصح المشفق .. اجعل عشر دقائق بعد صلاة العصر في المسجد لقراءة القرآن .. وكان ذلك. إنها أجمل لحظات يومه. طال تعجبي وهي تذكر أن أخاها يقرأ كل يوم قبل النوم جزءًا كاملاً من القرآن. طال تعجبي من تفريطي في أيام وليال لم أقرأ فيها القرآن

مطلقًا. قالت: وحتى أيام السفر والتعب أصبحت قراءة هذا الجزء من القرآن ضرورة في حياته، فأصبح لا يتركها مطلقًا. كلما سمع بمناسبة زواج أو اجتماع عائلي هاتف صاحب المناسبة .. ماذا أعددتم من كتب وأشرطة للحضور؟ يتشاور معه ثم يتولى الأمر! ! تجهيز للكتب والأشرطة ثم وضعها داخل مظروف أنيق لتكون أجمل هدية تقدم في هذه الدعوة. قال: لدي فائض من الأشرطة ومن المجلات الإسلامية .. أين أذهب بها؟ ! هل أتلفها أم أحرقها؟ ! لقد كثرت المجلات حتى أخذت حيزًا في مكتبتي! قال له الصديق المجرب: كم في حيكم من صالون حلاقة ومستوصف أهلي أو حكومي؟ ! سيفرحون بالمجلات والكتب ولك أن تطلب من صالونات الحلاقة استبدال المجلات التي لديهم بمجلات إسلامية .. أين أنت من هذا الخير؟ ! هل من مشمر؟ ينفق مبالغ طائلة في أمور تافهة ولكنه منذ سنوات طويلة لم يدخل بيته كتابًا نافعًا. ما يصرفه أسبوعيًّا على شراء الصحف والمجلات مبلغ يستحق أن يتوقف عنده! ! البعض منذ سنوات لم ير صحيفة ولم يقتن مجلة سوى المجلات

الإسلامية .. وما نقص من علمه شيء! ! علمه الشرعي لم يزل في نقصان .. ما كان يعرفه بدأ النسيان يدب نحوه. أما التزود من العلم الشرعي فلم يخطر له على بال! عشر سنوات مرت عليه ما استفاد فائدة .. ولا حفظ نصًا ولا جلس مجلس علم؟ ! إنها الهمم والعزائم؟ ! جمعتهم هواية الرحلات البرية .. ولكنهم استفادوا حتى من تلك الرحلات في الوعظ في المساجد وإلقاء الخطب في القرى والهجر، وأما أمهات الكتب فإنها حملها معهم من أولى المهمات. قال رجل الحسبة وهو يتحدث في جمع من الشباب: أوقاتكم ثمينة .. لماذا لا تخصصون ساعة واحدة في الأسبوع تحتسبون فيها الأجر، وتذهبون إلا الأسواق، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر؟ أجاب مدرس العلوم الشرعية .. سترى ذلك إن شاء الله .. ففي كل ليلة جمعة ستجدنا بجوارك ندعو بالحسنى واللين والرفق. فوالله نحن أهل المحبة الصادقة لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. نذكرهم ما نسوا، وننبههم عما غفلوا. هل من مشمر؟ !

التشميرة الثامنة

التشميرة الثامنة أتى بحصالة تبرعات لكل طفل في المنزل .. يوضع بداخلها القرش والريال .. ستة أشهر فإذا بكل طفل قد وضع ما يقارب من ستين ريالاً تدفع لفقراء المسلمين .. جهد بسيط وعمل غير مكلف .. إنها أموال غالبها يفقد أو يضيع أو لا يستفاد منه شيئًا. إنها نقطة واحدة من بحر .. نقطة خير تحتاج إلى ينابيع أخرى لتصبح شلالاً من التبرعات تنفع المسلمين وتسد جوعهم وتغني فاقتهم وتعلمهم أمور عقيدتهم. وضع في سيارته مجموعة من الكتب والمطويات جزء منها مخصص للمسلمين، والآخر لغير المسلمين .. واختار عدة لغات .. لم يكلفه الأمر سوى المرور على أحد مكاتب الجاليات وأخذ ما يريد. شمر أبو عبد الله عن همته .. فما توقف عند محطة بنزين إلا سألهم عن أسمائهم ليميز المسلم من الكافر .. ثم يسأل عن اللغة .. ليقدم بعدها مجموعة من الخير الذي لديه .. ما توقف عند متجر إلا تقدم بهديته. أما أماكن الحلاقة وتجمعات العمال فلا يتركها، بل يتابعها باستمرار! !

وفي أحد الأيام تنادى الأصحاب للذهاب إلى رحلة برية في الصحراء .. حمل ما لديه من الخير وجعله بجواره في السيارة .. وسأله البعض بحدة .. أين نجد من يأخذها؟ ! سنذهب إلى مناطق صحراوية .. لا ينبت فيها العشب .. فكيف نرى بها إنسانًا؟ ! قال لهم وهو يمسك بالكتب .. إذا لم نجد أحدًا أرجعناها .. المكان فارغ، والسيارة فيها متسع .. وهناك والشمس في كبد السماء .. لا ترى إلا سرابًا .. وجدوا راعي إبل في مكان منقطع .. عندها ترددت أصوات الجميع .. الحمد لله .. أين الكتب؟ ! ما هي لغته؟ ! ناولوه ما يحتاج من الكتب وبعض الفاكهة .. وأسقوه عصيرًا باردًا، كان معهم، ودعوا له بالهداية! ! ما زار مستشفى إلا كانت يده تحمل كتبًا يضعها في صالة الانتظار .. أما زوجته فحملت ما تضعه في صالة النساء .. وحين أقبل مع زوجته على الطبيبة .. ناولها كتابًا عن فتاوى المرأة، وندم أنه لم يحمل كتابًا عن الحجاب .. هل من مشمر؟ !

التشميرة التاسعة

التشميرة التاسعة جرب ذلك في مناسبات عدة .. ورأى الأثر الكبير .. وقرر الاستمرار على ذلك .. فهو في كل دعوة ومناسبة يحمل كتابًا معه .. وإذا رأى أن المجلس بدأ يتسيده أهل العبث والغيبة .. أخرج كتابه ثم قال على مسمع منهم دعونا نستفيد .. فهنا فائدة لطيفة .. ثم بدأ يقرأ! ! مشغول ... مشغول ... لدي موعد .. قالت له والدته وهي تتابع خروجه السريع من المنزل .. أنتم خمسة إخوة .. ولا نرى منكم خيرًا .. لم يذهب بنا أحد منكم حتى لزيارة الأقارب والأرحام .. أما أم فلان فلديها ابن -رجل- واحد، ولكنه في خدمة والدته ووالده وأخواته لا يعرفون السائق وليسوا كالأيتام مثلنا! ! تنهدت وقالت .. واحد خير من خمسة! !

التشميرة العاشرة

التشميرة العاشرة قال لزوجته: هل هاتفت أختي اليوم؟ ! قالت: لا .. قال: إذا لم أتمكن من زيارتها اليوم فلا أقل من سماع صوتها، وتفقد حالها ولو بالهاتف. بلغ الستين من العمر .. ولكنه عرف قيمة وقته فاستفاد من دقائق عمره .. ها هو قد خصص يومًا كل أسبوعين .. يزور أقاربه وأرحامه .. إنها ثلاث ساعات تبتدئ من بعد صلاة العصر وتنتهي مع أذان العشاء .. يزور ويسلم .. ويسأل ويتفقد .. ثم هو في كل منزل يؤانس أهله ويدخل السرور عليهم .. تزوجت أختي الكبرى منذ ثلاثة أشهر .. وحينما قابلت من عركته الأيام وصقلته التجارب سألني عنها؟ ! وهل أزورها؟ ! وعندما أجبته .. بنعم. قال: هل زرتها ليلاً وتفقدت حالها؟ ! تعجبت من نظرته! ! وعندما فعلت .. فإذا بالأمر المهول! ! تباعدت به السنون ونسي خالته .. زيارة قصيرة .. ولكن في الأعياد فقط. وتطاولت به الليالي والأيام .. وألهته الدنيا عن أخت والدته .. ولكنه يومًا .. ترك لدمعته أن تجري على خده لتلامس لحيته .. فقد علم أنها تستحق الزكاة وتأخذها! ! هل من مشمر؟ !

التشميرة الحادية عشرة

التشميرة الحادية عشرة لا يزال الرجل يرتفع في عيني يومًا بعد يوم .. آنس بمحادثته، وأجد الصدق في حديثه، والوفاء في معاملته .. صفاء في النفس، وصفاء في الخلق .. ثم تذكرت .. منذ فترة لم أهاتفه بل نسيت أن أهنئه بالمولود الجديد .. تناولت الهاتف ودعوت للمولود ووالدته .. ثم قلت: متى نزوركم؟ ! .. قال اليوم .. ذهبت أنا وزوجتي. وعندما جلست معه في المجلس .. سألته من يخدم أهلك، وهي حديثة عهد بالولادة؟ ! قال: أنا! تعجبت .. أنت! ! قال: نعم أنا أطبخ وأكنس .. وأنظف المنزل! ! قلت له: ما شاء الله كل ذلك .. وأنت على جلال قدرك وعلمك. قال: الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان في خدمة أهله وهو خير مني .. ثم إني تذكرت أيام مرضي السابق وكيف كانت تخدمني وتسهر لراحتي .. فأردت أن أرد جميلها بيدي، وإلا فلو شئت لأتيت بمن يخدمها. استأذن دقائق وأحضر الشاي .. ودوامة في فكري تهزه .. الواقع المرير لبعض الشباب من سوء خلق مع زوجاتهم .. وفظاظة في تعاملهم ..

لنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة الذي قال: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وخياركم خياركم لنسائهم» رواه الترمذي. هل من مشمر؟ !

التشميرة الثانية عشرة

التشميرة الثانية عشرة أسرعت بي الأيام، فإذا بي أقف على عتبة الزواج .. واستأجرت شقة في إحدى العمارات الشاهقة التي لا يعرف الجار فيها جاره .. وبدأت معاناتي عندما ارتفع صوت المؤذن للمرة الأولى بعد استقراري في منزلي .. ألتفت يمنة ويسرة، وكررت النظر وجاهدت الفكر .. أين أصلي؟ ! ولكن الزوجة الصالحة سألتني .. من أين تأتي بالخبز؟ ! قلت من المخبز على بعد نصف ميل من هنا؟ قالت: معنى ذلك أنك تذهب بالسيارة؟ ! قلت: نعم .. قالت: الصلاة أولى .. لم تدع -رحمها الله- فرصة للكسل .. ولا لحظة للتواني .. لا بد أن تذهب للمسجد .. وأعانني الله على ذلك .. أما هي فقد دعتها إحدى الجارات .. وقررن بعد زيارتين أنهن سيقترحن جميعًا على أزواجهن شراء «دش» للعمارة ويكون مشتركًا للسكان .. فتكون التكلفة يسيرة على الفرد. قالت زوجتي .. هذه «المجورة» التي تباع ولا تشترى .. قلت لها .. لماذا لا تحاولين وتأكدي أن صلاح أزواجهن من صلاحهن. قالت .. ولكني أخاف على ديني .. أحتاج إلى من يعينني.

قلت لها .. جربي لمدة شهر .. إن كانت هناك بوادر خير وعلامات تغير وإلا فاتركيهم. وسأحضر لك في الزيارة القادمة كتبًا وأشرطة من كل كتاب نسخة واحدة. وكان كذلك .. فإذا بحديثهن عن الكتب والأشرطة .. وسؤال كل واحدة الأخرى ما اسم الكتاب الذي أهدي إليك .. والشريط. وفي زيارة تالية .. فإذا بغالبهن قد استعرن كتب وأشرطة بعضهن، بل وسمعنها كلها .. فكان المجلس حديثًا عن الكتاب الفلاني وماذا قال؟ ! والشريط وبماذا تحدث الشيخ؟ ! شهور .. فإذا بأغلب نساء العمارة بدأن حلقة لحفظ القرآن .. استرجعت الذاكرة .. قبل شهور .. اجتماع لشراء «دش» مشترك للعمارة. واليوم يحفظن القرآن! ! هل من مشمر؟ !

التشميرة الثالثة عشرة

التشميرة الثالثة عشرة في زمن الإعلان وطغيان المادة .. غزو فكري من جميع الجهات .. صحف يومية .. ومجلات أسبوعية وشهرية .. محطات فضائية لا عد لها ولا حصر .. ومحطات إذاعية تصم الأذن .. هذا هو الغزو الفكري الذي اخترق صفوف المسلمين .. فبدأ البعض ينزل من عليائه درجة .. درجة .. ويتعثر خطوة .. خطوة. سقطت بعض القيم .. وهانت السنن وأصبح المنكر معروفًا .. والمعروف منكرًا. في مجلس حافل بحماس الشباب .. تحدث .. وقال .. أخصكم بالحديث لأن حماس الشباب في عيونكم .. وهم الأمة في قلوبكم .. لن أشرح طويلاً .. ولن أذهب بكم بعيدًا .. ولعل الله يرزقني الإخلاص في العمل .. فقد بدأت منذ سنوات .. ولكن أيها الأحبة .. هذا جهد فرد واحد .. ربما أسافر أو أمرض .. بل ربما أقصر .. وتضعف همتي .. ثم إن طاقتي محدودة وجهدي متواضع. ولكن الأهم أن نكون شركاء في العمل .. إخلاص النية والتشمير في العمل وعدم الفتور والتقاعس أمور مهمة .. فعملنا يحتاج إلى سرعة ومتابعة .. وحرص .. أنصت الجميع وهو يطرح فكرته ويقول: كما تعلمون فإن متابعة الصحف والمجلات وما يصدر منها

يحتاج إلى أمرين: الأول: شكر من أجاد وتهنئته وتثبيته وتشجيعه ومشاركته في الآراء والملاحظات. الثاني: من زل بقلمه وسقط لسانه .. فهو يحتاج إلى نصح وإرشاد لعل الله أن يهديه إذا كان عن سهو وغفلة وإذا كان عن مبدأ ومعتقد فإننا نحجم فكره ونبين معتقده، ولا ندعه يلوث مجتمعنا. كما أن هناك أمورًا نرى أنها تحتاج إلى إشهار وتوضيح وحث الناس على التمسك بها. نثبت الكاتب .. ونشد من أزره ونصحح الخطأ ونحيي الأمور الطيبة .. أرأيتم إنه عمل ممتع وقبل ذلك ثغرة من ثغور الإسلام يجب الوقوف عندها والأخذ بزمامها .. الأمر يحتاج إلى متابعة ولكم أن تروا النتائج السريعة، فالقبول ولله الحمد كثير والخير باق .. فقط نحتاج إلى جهد يسير خاصة أننا مجموعة كاملة نستطيع أن نقرأ الصحف والمجلات جميعها ونرى ما بها من الإيجابيات والسلبيات. قرر الجميع البداية في هذا العمل الخيري التطوعي .. وتم توزيع الصحف والمجلات على الحضور .. فكان من نصيب البعض مجلة وصحيفة والآخر صحيفة .. كل بحسب ظروفه ومشاغله.

وتم اختيار يوم في الأسبوع يكون بمثابة لقاء لهم. يعرضون فيه ما يرون ويقرءون .. ويحررون رسائل شكر أو عتاب أو مناصحة .. إنها محاولة بسيطة في الطريق الطويل .. إنها ثغرة يدخل على الإسلام منها .. قاموا بمحاولة لسدها .. فهل من مشمر ليساعدهم ويعينهم .. الأمر يحتاج إلى ورقة وقلم من كل فرد .. إنه الجهد النافع .. إنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. إنه التواصي بالحق .. هل من مشمر؟ ! ورقة وقلم .. واحتساب! ! شمر! ! ماذا تنتظر؟ !

التشميرة الرابعة عشرة

التشميرة الرابعة عشرة قال محدثي .. ما زرت مديري في الإدارة في منزله إلا رأيت العجب .. رأيت كيف يتحول ذلك الآمر الناهي في إدارته إلى خادم لذلك الرجل العجوز .. إنه تحول عجيب أليس كذلك؟ ! ما زاد في عيني إلا رفعة ولا في نفسي إلا علوًا. كأنه خادم بين يدي والده .. قلت له .. هذا الرجل قربه خير، ومعرفته مكسب .. كل يوم نرى من حسن خلقه وبره بوالده ما نعجب منه نحن الشباب! ! قال من يستمع الحديث وهو يهون الأمر .. لماذا تستغرب؟ ! إنه والده! ! أطلقت بصري نحوه ولساني يردد .. هل تعامل والدك بجزء من هذه المعاملة أو بعضها؟ ! تحدث وزير من دولة عربية عن أمور بسيطة في حياته فقال: إنني قبل أن أخرج من باب المنزل أخبر والدي أين أذهب ومتى أعود هذا مع أن عمري جاوز الخمسين ومرتبتي الوظيفية وزير! ! ولكن هذا أمر اعتدت عليه منذ أن كنت طفلاً وشابًا وأبًا .. وحتى أصبحت وزيرًا .. وأفرح بهذا الأمر وأسر به لعلمي حرص والدي عليَّ .. وهائنذا أكرر السؤال على أبنائي كل يوم ..

أين تذهب؟ ! ومع من تذهب؟ ! ومتى تعود؟ ! يتلطف مع والده ويروي له بعض الأحداث والمستجدات على هذا الكون .. ويحكي له بعضًا مما حصل له من الطرف .. أو مما سمعها .. يحكي كل ذلك بأدب جم وخلق رفيع .. جعل والده يبادله الحديث بضحكة وابتسامة .. ودعاء! ! يستشير والده في أشيائه الصغيرة وفي أمور ربما أن والده لا يحيط بها ولا يتصورها ولكن رغبة منه -حفظه الله- في إشعار والده بأهميته ومكانته .. يكرر على والده كل يوم .. ما رأيك بكذا وكذا .. وأيهما أفضل؟ ! وما البديل فرأيك هو المقدم! ! ترددت أصوات الجميع في الحفل ينادونه لقبول دعوتهم إلى حفل الغداء .. ولكن الرجل -المسئول الكبير- أجاب بهدوء وهو يلتفت نحو والده .. هذا هو الوالد -حفظه الله- إن وافق وسمحت ظروفه فنحن تحت مشورته وأمره! ! يبحث عن ما يحب والده وما يحتاج إليه .. إجازته يقضي جزءًا منها للذهاب به لأداء مناسك العمرة .. ويعرج به إلى المصايف الجميلة .. يأنس به ويحاول أن يلبي طلباته ولو على حساب نفسه. لسانه عذب .. وحديثه يدخل السعادة على قلب والده .. أبشر يا أبي .. وأبشرك يا أبي ..

حديثه يؤانس الوالد، ويدخل السرور على نفسه .. ألا بشرك الله بالجنة يا فتى! ! يفرح إذا رأى غيمة في السماء .. ويهرول مسرعًا إذا علم بنزول المطر على مناطق قريبة. يعلم أن ذلك يفرح والده ويجدد شبابه .. ويومًا أخبره بنزول المطر وقال لوالده: سالت الأودية والشعاب .. ففغر الأب فاه فرحًا، وكانت نفسه تحدث رؤية ذلك الخير .. ولكنه قبل أن يكمل تفكيره فإذا بالابن يقول له .. متى نذهب يا أبي؟ ! اختار لوالده أشرطة متعددة لعدد من المشايخ .. حتى رأى أنه يتأثر ويتابع قراءة أحدهم .. هب مسرعًا واشترى ما وجد لديهم من أشرطة لذلك الشيخ .. وقال: يا أبي هذا ما وجدت فاعذرني! ! يقدم مقدمة طيبة عن المحاضر وموعد المحاضرة وأنه مناسب ويتحدث عن موضوع المحاضرة وفضل الجلوس في حلق الذكر .. حتى يرى القبول في عين والده .. ثم يسأله: ما رأيك يا أبي نذهب سويًا! في الحرم المكي .. يرفق بوالده، ويحنو عليه، ويتفقد حاجته .. ماذا يريد؟ وأين يجلس؟ وماذا ينقصه؟ ! إنه رجل تحت الطلب، يهفو إلى خدمة والده .. ويفرح بنداء صوته.

ما دخل المنزل أو خرج إلا قبَّل رأس والديه، ودعا لهما بالبقاء وطول العمر وحسن الختام .. إظهارًا للفرح بوجودهما وسرورًا بحديثهما. ولسان عذب لا يتأخر عن قول الخير لهما. لا تمر مناسبة إلا ويقدم لوالديه هدية .. دهن عود أو دهن ورد أو مسواك وبين حين وآخر يأتي لوالده بمبلغ من المال على شكل ريالات لكي يوزعها على الأحفاد والأسباط! ! خصص وقت ما بين المغرب والعشاء لجلسة طويلة مع والديه يتجاذب معهما أطراف الحديث ويؤانسهما ويستفيد من خبرتهما ويفرح بسماع دعوتهما. إكرامًا لوالده لا يترك مناسبة يدعى إليها والده إلا كان بجواره حتى وإن كانت في أوقات راحته .. يقدم رضا والده على راحته ونفسه، ويعلم أن والده يسر بهذا. أسقط كلمة «لا» من لسانه، وكأنه انتزعها من بين فكيه .. حمد الله وهو يتذكر أنه ما قال لوالديه هذه الكلمة أبدًا .. فهما لم يأمراه بمعصية .. لا يلح على والديه بطلب أو رغبة .. بل يعرض الأمر عرضًا هينًا لينًا .. فإن وجد الموافقة والقبول .. وإلا «الخير فيما اختاره الله» ويحمد الله أنه نال رضا والديه .. حفظك الله .. سلمك الله .. رعاك الله .. حرم الله وجهك عن

النار .. بارك الله في أيامك .. تقبل الله دعاءك .. أبشر بالخير .. رحمة الله واسعة .. هذا لسانه مع والده .. ما أسمعه إلا ما يحب! ! يتعاهد أصدقاء والده .. يزورهم، ويحتفي بهم، ويدعوهم لبعض المناسبات، ويفرح وهو يسمع الدعاء لوالده بالرحمة والمغفرة. لأن والده يحب القرية ولا يريد أن يبتعد عن مزرعته .. ضحى الابن البار بوظيفته في المدينة واستقر في القرية بوظيفة أقل. هل من مشمر؟ ! لو خدمك إنسان وأكرمك يومًا أو اثنين .. لبالغت في الثناء على كرمه وخدمته، وتمنيت أن تسنح الفرصة لرد جميله ومعروفه .. أليس كذلك؟ ! هناك .. من خدمك سنوات، وضحى لأجلك سنوات، يطعمك في صغرك، ويذهب بك سنوات للمدرسة .. وسنوات وهو يربي ويجهد نفسه لأجلك .. ما مرضت يومًا إلا حملك على ظهره إلى المستشفى .. وما بكيت يومًا إلا تألم قلبه .. ولربما دمعت عيناه .. يدعو لك في سكون الليل .. ويكد لك في النهار .. سنوات طوال .. وهو سعيد بذلك .. ما جزاؤه؟ ! هل من مشمر؟ !

التشميرة الخامسة عشرة

التشميرة الخامسة عشرة فكر يومًا وسأل: منذ متى وأنا لم أدرك تكبيرة الإحرام؟ ! بل منذ متى ذهبت إلى المسجد قبل سماع الإقامة؟ ! قرر وجاهد نفسه مجاهدة حتى استقامت .. منذ أن يسمع الأذان وهو يتأهب للصلاة حتى اعتادت نفسه على ذلك .. ما إن يطرق أذنه صوت المؤذن حتى يلقي ما في يديه، ويسارع إلى المسجد .. رأى العجب بين حاله اليوم وحاله بالأمس .. ما تعطلت مصالحه .. وما نقص ماله. بل إنه يقرأ بين الأذان والإقامة كل فرض ما لا يقل عن جزء كامل .. هذا إضافة إلى محافظته على السنن الرواتب. جاهد وصبر .. فنال وظفر .. تقبل الله منا ومنه .. ونحن هل من مشمر؟ !

التشميرة السادسة عشرة

التشميرة السادسة عشرة إنه تشمير عن ابتسامة صادقة مشرقة .. تفتح القلوب .. وتستأنس بها النفوس .. إنه التشمير الأول، والمدخل الصادق، والعنوان الواضح لما في الأفئدة والصدور .. إنه تشمير سهل .. وأمر يسير .. في كل وقت .. وفي كل لحظة .. في كل مكان وفي كل زمان .. إنها ابتسامة صادقة مدخل للقلوب الحائرة .. وطريق إلى النصح والمفاهمة .. إنها مفتاح للنفوس المغلقة .. ومعبر للقلوب الكارهة .. إنه التشمير بلا كلفة .. والابتداء بلا عناء. إنه التشمير السهل. ولكن! ! كم هناك من محروم؟ ! وكم هناك من مقصر؟ ! هنا من لم ير والده ابتسامته .. ولم تر والدته صفاء وجهه. زوجته لم تر إلا العبوس .. ولا يعرف أطفاله أن الأب يبتسم ويتلطف! ! زميله في العمل ما رأى لطفًا ولا لينا .. يمشي في الطريق وفكره في عالم آخر.

لا يسلم على من يرى، ولا يلقي بالاً إلى من بجواره .. ألا هل من مشمر؟ ! عن بشاشة وطلاقة وجه ... وابتسامة. هل من مشمر؟

التشميرة السابعة عشرة

التشميرة السابعة عشرة ارتبط اسمه بالعيد .. ما ذكر العيد إلا كان اسمه يترادف مع بهجته وفرحته. تأملت كثيرًا .. سبحان من هيأه وسخره وجعل له محبة في القلوب وقبولاً في النفوس. مع إطلالة يوم العيد واجتماع الأطفال .. يبدأ برنامجه الذي لا يتجاوز الساعتين .. مسابقات .. أناشيد .. وقبل ذلك قراءة للقرآن. ثم كل ينال نصيبه من الهدايا .. للطفل ما يناسب ميوله ورغبته من الألعاب .. وللطفلة ما يناسب رغبتها وميولها من الهدايا. وفي أثناء المسابقات يقدم لهم مشروبًا باردًا .. يجدد به نشاطهم ويستحثهم لمواصلة البرنامج الذي أعده .. ويقدم من حفظ الكثير من القرآن ليكون قدوة للأطفال. حمد له صنيعه الآباء والأمهات .. أما الأطفال فهما رأوه إلا سألوه متى يأتي العيد؟ ! أدخل الفرح والسرور على أطفال المسلمين .. وجعل من العيد يومًا حافلاً بالمسابقات والأنشطة .. ثم ختم كل ذلك بالهدايا .. سألني أحد الأقارب: كم يكلف شراء هذه الهدايا والجوائز؟ ! قلت له: مبلغًا يسيرًا لكن من ينتبه لهذا الأمر؟ ! إنه يحتاج إلى من يشمر؟ ! فهل أنت منهم؟ !

التشميرة الثامنة عشرة

التشميرة الثامنة عشرة يقول الناصح المشفق .. ما رأيت شابًا إلا رأيت أمل الأمة في عينيه .. ويحزنني أن أرى في بعض العيون غشاوة الذنب وذل المعصية .. وأشد ما يؤرقني هو رؤية تلك التجمعات الشبابية على الأرصفة وفي الشوارع .. وقد احتضن أحدهم عودًا والآخر مزمارًا والثالث يتمايل ويصفق. ورغم اجتماع كل ذلك إلا أنك تأمل الخير في قلوبهم .. ربما بكلمة بسيطة تغير مجرى حياتهم وتنقذهم مما هم فيه. قال أحد المتشائمين: هؤلاء لا ينفع فيهم النصح ولا تؤثر فيهم الموعظة! قال له الناصح بحنق وغضب: هل جربت ولو مرة واحدة ونصحتهم وجلست معهم؟ ! قال: لا. قال: جلست مع بعضهم دقائق .. نعم دقائق! ! فإذا بهم يستبدلون المصحف بالعود وحلق العلماء بجلسات الأرصفة والسؤال: هل فعلت شيئًا لهم؟ ! خاطبه بصوت هامس بعد السلام والترحيب: أتحب الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ! أجاب باستغراب: نعم! !

قال له الحبيب: لماذا تخالف أمره وتعصي تعاليمه؟ ! لحظات جعله يفكر ثم قال له: هذا الدخان بيدك .. وهذه لحيتك قد حلقتها .. هل صحيح أنك تحبه وتخالف أمره؟ ! إذا كنت تحبه فاتبعه وسر على سنته. هوت يد الرجل بالدخان تحت قدمه وقال: التوبة .. لن أعود .. حوار بسيط تبسم الجميع بعده! ! كثير من الموظفين حركتهم لا تهدأ .. ولكن دون نتيجة .. أما هو فعمله محدود ولكن تأثيره واضح .. يشتري الأشرطة ويوزعها كل وما يناسبه .. ويهدي الكتب المختلفة والمتنوعة .. يصور مواعيد الدروس والمحاضرات الدينية ويعلقها على لوحة الإعلانات .. ويذكر الموظفين بالصلاة وبالحرص على أوقات الدوام فهذه أمانة! ! مع أنه موظف بسيط في إحدى المطارات إلا أن جهده متواصل وسخاءه منقطع النظير يقول: فكرت في طول مدة الرحلات البعيدة وحاجة المسافرين إلى ما يؤانسهم ويزيل سأمهم ومللهم الساعات الطوال في كبد السماء. تمنيت أن يكون لكل مسافر كتابان أو أكثر ولكن قصرت بي المؤنة فأصبح جهدي كما ترى ..

أتابع باستمرار صالات الانتظار في المطار وأضع فيها ما يتيسر من الكتب وأختار منها ما يناسب المسافر من أحكام ومواعظ وفوائد .. بدأ يستحث الجيران ويسألهم عن أطفالهم .. أين أطفال المسلمين؟ لا يعرفون المساجد ولا يحضرون الصلاة! وتحول ذلك النداء إلى متابعة جادة لأطفال الحي فبدأ الأطفال يتوافدون على المسجد حتى أصبحوا ضعف أعداد المصلين. قال لمحدثه بفخر وسعادة .. ابني الصغير لديه ذاكرة عجيبة وقوة حفظ باهرة. وضرب أمثلة لذلك وعندما انتهى من حديثه سأله صاحبه: كيف عنايتك به؟ وهل استفدت من ذلك بتوجيهه إلى حفظ القرآن وطلب العلم؟ سكت الرجل وكأنه أول مرة يسمع بهذا الأمر! قال لزوجته .. جعلت نصب عيني أبنائي الثلاثة، وأنهم سيكونون من رجال المستقبل، ولذلك سأعلمهم من هذا المنطلق وأربيهم على هذا الأساس لماذا أتركهم هملاً؟ لا رعاية ولا تربية ولا علم؟ ! أخي الحبيب هل من مشمر؟ !

التشميرة التاسعة عشرة

التشميرة التاسعة عشرة تسامع أبناء الحي بمصاب جارهم .. فقد توفيت والدته مساء البارحة .. وبعد صلاة الفجر تقدم أحدهم إلى الجار وسأله متى ستصلون عليها رحمها الله؟ ! قال والأسى في عينيه .. حتى الآن لم نجد من تغسلها! ! تعجب الجميع من هول الأمر .. وتساءلوا .. هل عدمت ديار المسلمين من امرأة مسلمة تغسل الأموات! ! تناقلت الألسن الخبر المدهش والحقيقة المروعة .. تموت المسلمة فلا توجد امرأة تغسلها! ! وكان نهاية الحديث أن طرقت مسامع رجل الخير .. اعتصر الألم قلبه ولكنه جدَّ في الأمر .. أخذ الحديث إلى زوجته وكيف أن المسلمة لا تجد من يغسلها .. ثم طرح عليها سؤالاً وهو يلمح الرفض منها والخوف في عينيها .. إذا مت من يغسلك يا مسلمة! ! وافقت وهي ترى الواقع المرير .. وبدأ يدربها على كيفية غسل الميت وعلمها شروط الغسل وما يجب عليها .. وعندما حان التطبيق العملي إذا بها تشمر عن ساعدها وتطبق ما عرفته .. تلقى الآباء والنساء الأمر بفرح حتى بدأت تعلم كبيرات السن تغسيل الأموات .. تتابعت الخطى وانتشر الخير حتى أصبح في

بعض الأحياء عشرات النساء ممن تأهلن لهذا الأمر العظيم! ! ولكن بقيت مناطق أخرى ومدن نائية تحتاج إلى مشمر! ! فهل من مشمر؟ !

التشميرة العشرون

التشميرة العشرون منذ أن سمع ووعى حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه الترمذي: «ما من مسلم يعود مسلمًا غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف في الجنة» إلا استبشر بهذا الخير العظيم .. سبعون ألف ملك! ! خصص يومًا في الأسبوع لزيارة المرضى .. إنها ساعة واحدة في الأسبوع .. يزور المرضى ويواسيهم ويدعو لهم بالشفاء. يسأل عن حالهم وماذا ينقصهم .. يحمل كتبًا .. وبعض المشروبات لمن هم في الغربة ولا يزورهم أحد .. وبدأ يوزع في أروقة المستشفى وممراته كتبًا عن كيفية صلاة المريض والتيمم .. يواسي أحدهم وكأنه والده .. ويمسح على رأسه ويسأل أين الألم؟ وهل ينام الليل أم لا؟ ثم ينفث عليه بعضًا من آيات القرآن؟ ! كم من الساعات الضائعة في أيامنا لم نستفد منها؟ !

التشميرة الحادية والعشرون

التشميرة الحادية والعشرون كلما سأله زميله بعد صلاة الجمعة إلى أين أنت ذاهب اليوم؟ ! قال: إلى جدتي في القرية. ثم تثاقل به السؤال لعلمه تكرار الجواب .. ولكنه يومًا مر من أمام منزل صاحبه فإذا به يحمل أكياسًا ثقيلة فاقترب منه وطلب أن يأذن له في مساعدته .. فأذن له .. الأكياس كثيرة .. سكر وأرز وهناك كراتين الزيت والشاي وغيرها .. وطال به التعجب .. وصمت .. ولكن صمته لم يطل فسأل زميله: كل هذه لجدتك؟ ! قال: لا ولكن هناك فقراء وأيتام. فهذه قرية بعيدة من أهل الغنى والثروة .. وبدأ يعدد له ويحكي له عن بعض الفقراء والأيتام في تلك القرية. سأله وقال: متى تعود؟ ! قال: أذان العشاء إن شاء الله. قال: أأذهب معك؟ ! وافق وبدأت السيارة المحملة تسير الهويني وصوت الشيخ يرتفع من شريط في جهاز التسجيل في السيارة. وعند العودة قال صاحب السيارة وهو يتأسف من تأخرهم. هناك أغنياء وهم ولله الحمد منفقون، ولكنهم يبحثون عن

الإنفاق السهل المريح .. لم يكلفوا أنفسهم الخروج إلى القرى والمناطق النائية حتى تكون صدقاتهم وزكواتهم في أماكنها الصحيحة وتصل إلى المستحقين فعلاً. قال له: نعم .. ماذا يكلف البعض ذهاب ساعة أو ساعتين ويصل الحق إلى أهله. هل من مشمر؟ !

التشميرة الثانية والعشرون

التشميرة الثانية والعشرون في ليلة مقمرة .. قال له .. لدي قريبات في إحدى القرى لم يتزوجن، وأخاف عليهن من المزالق .. أفلا تعرف أحدًا يبحث عن زوجة. قال له: بلى! ! استبشر الرجل واعتدل في جلسته .. قال له: من ولي هؤلاء النساء؟ ! قال: والدهم فإنه معهم وهو كبير في السن ولكن حواسه معه وذاكرته. قال له: ناولني رقم هاتفهم. وفي الليلة التالية .. وهم يبتسم قال لصاحبه .. وجدنا لهن أزواجًا .. وسيتحدثون مع والدهن غدًا إن شاء الله. تعجب وقال بهذه السرعة .. توقعت أن الأمر بعد شهور .. قال: لا تعجب لقد هاتفت فلانًا وأخبرته فقال: أبشر لدي الأزواج الأخيار. ثم عقب على الحديث وهو يضغط على يد صاحبه: تعرف فلانًا -جزاه الله خيرًا- لقد فرغ نفسه لتزويج الشباب والشابات، ويبدأ بكبيرات السن والمطلقات والأرامل .. وتزوج على يديه في شهور أعداد كبيرة .. والدال على الخير كفاعله .. فهو يبحث ويدقق، ثم ينظر كل ما يناسبه ..

إنه جهد زوج وزوجته! ! رجاء دعوة صادقة .. ورجاء ما عند الله. هل من مشمر؟ !

التشميرة الثالثة والعشرون

التشميرة الثالثة والعشرون يعتبر المسجد في الإسلام مهد الانطلاقة الأولى .. فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يؤم المسلمين جماعة في المسجد ويعلم ويدرس ويربي ويعقد الألوية ويسير الجيوش ويقابل الوفود .. أعمال لا حصر لها .. وأمور لا حد لها كل ذلك في المسجد .. الآن لم يبق من ذلك شيء نراه سوى صلاة الجمعة والجماعة وصلاة التراويح والقيام. اختفى دور المسجد أو كاد .. ولكن بقي بعض من في قلبه حياة ممن لم تأخذهم الدنيا ولم تلههم المشاغل .. يعقد حلق حفظ القرآن للأطفال بعد صلاة العصر وهناك من يعقد بعد مغرب كل يوم درسًا لحفظ القرآن للناشئة. أما من جمع الله له من الخير أكثره فقد عقد درسًا للتوحيد وآخر للفقه وحرص على أن يزور العلماء والدعاة مسجده لإلقاء الدروس والمحاضرات .. فكان المسجد بحق منارة يهتدى بها، ومعلمًا يقصده المسلمون، ومكانًا يتقاطر عليه المجدون. وفي الذهن أسماء مساجد لم تتميز بسعة في أروقتها ولا في ساحاتها الخارجية .. بل تميزت بهمة ونشاط الإمام والمؤذن ومن حولهم من أهل العزم والحركة وحب الخير. فمسجدهم مثل خلية النحل .. حلق لتحفيظ القرآن ودروس للعلماء وزيارات للدعاة .. محاضرات ودروس ولقاءات .. هذا في

داخل المسجد وما يدور في أروقته. أما عند الأبواب فهناك مجموعة من الرفوف الخشبية أحدها وضع عليه أشرطة، وآخر بعض الكتيبات بعضها باللغة العربية والبعض باللغات الأخرى، وهناك بجوار الباب مباشرة رف صغير كتب عليه: «خذ هديتك» ويوضع فيه بصفة مستمرة النشرات الموسمية والأسبوعية. وفي أقصى الزاوية الأخرى صندوق لجمع التبرعات .. وبجوارها لوحة إعلانات كبيرة عليها بعض أقوال أهل العلم وفتاواهم .. تجدد كل أسبوع أو حسب الحاجة. ونحن لا نزال في داخل المسجد كل هذا الخير في جنباته، أما في الخارج فالنشاط متوال ومستمر .. فمن زيارات للجيران، وتوزيع للكتب والأشرطة على المنازل، إلى تفقد لأبنائهم وشبابهم .. ومناصحتهم وحثهم على الخير. ويتوج ذلك باجتماع شهري لجماعة المسجد في أحد المنازل يتم فيه التعارف والألفة والاتفاق على زيارة جار جديد لتهنئته والتعرف عليه أو جار مقصر ومتهاون في الصلاة لحثه والتنبيه عليه .. وهناك مسابقة شهرية للأطفال وأخرى لربات المنازل من الفتيات. إنه مسجد يذكرك بقطرات من بحر ما كانت تقوم به المساجد في السابق .. إنها همة الإمام واجتماع الشباب حوله

والاستعانة بالله قبل ذلك. بعض المساجد لا يرى فيها أي نشاط ولا حلقات لتحفيظ القرآن ولم تقم فيه محاضرة منذ أن أنشيء، ولو سألت الإمام لأجاب: الأمر صعب، ولا أعرف طلبة علم ولا دعاة ولا .. ! ! وأهل العلم -جزاهم الله خيرًا- بذلوا أنفسهم للناس فما ردوا سائلاً ولا صدوا طالبًا، فهل طلبت وسعيت وحاولت؟ ! هل من مشمر؟ !

التشميرة الرابعة والعشرون

التشميرة الرابعة والعشرون لهف وترقب في ذلك الجمع الكبير من المدرسين .. أين تم تعيينك! ؟ وفي أي قرية؟ ! وأين تقع؟ ! وكم تبعد؟ ! اجتمع زملاء الدراسة وحديثو التخرج أمام لوحة الإعلانات .. والسؤال على كل لسان .. أين تم تعيينك؟ ! في أقصى الشمال! ! في قرية نائية .. لا يوجد فيها خدمات .. ولا هاتف .. كيف أذهب؟ ! قال الآخر: تم تعييني في أقصى الشرق .. كيف أترك أهلي .. بل كيف أفارق مدينتي؟ ! من يطبخ لي .. ومن يكنس لي؟ ! بل من يغسل ثيابي؟ ! ضحكة سبقت أحدهم وهو يقول: تم تعييني في أعال الجبال، وقيل لي: إنها مناطق نائية، ذات طرق متعرجة، وارتفاعات شاهقة .. أتبع ذلك بتعليق ساخر .. سأشتري دابة لتنقلني من المنزل إلى المدرسة. بعد كل سؤال .. ترتفع الأصوات وتتداخل الضحكات .. يعقبه إظهار للتسخط والتذمر وعدم الرضا .. لله در أبي عبد الله .. حمل هم الدعوة .. تاه فكره وأطرق في سكوت .. وقال بحرقة: لقد تم تعييني في

الرياض! أتته الأصوات مستبشرة .. مرحى لك .. حظك طيب! ! ولكن من حمل هم الأمة بين جنبيه .. ونفض غبار العجز والكسل والراحة .. توجه من الغد بخطاب يطلب فيه تعيينه في قرية ( ..... ) على بعد أكثر من مائة وعشرين ميلاً .. وقال وهو يحدث زوجته .. ويوضح لها الأمر .. هناك أرض خصبة للدعوة. وهناك الفطرة السليمة النقية .. ولكن يا زوجتي الجهل ضارب بأطنابه .. وبدأ يعدد لها المزايا .. أوقات الفراغ نستفيد منها في حفظ القرآن ومراجعته .. وقراءة أمهات الكتب .. هناك لن نضيع ساعة أو اثنتين كل يوم عند إشارات المرور .. وافقت الزوجة المؤمنة .. بل وتحمست للأمر .. ولكن العقبة الأولى ظهرت منذ وصولهم إلى تلك القرية .. لم يجد مدرسة لزوجته في القرية لتدرس فيها .. قال صاحب الهمة والعزيمة .. من وهبه الله صبرًا واحتسابًا في سبيل الدعوة ..

أذهب بك للقرية المجاورة على بعد ثلاثين ميلاً .. كل منا يكون داعيًا إلى الله في قريته .. لله در أبي عبد الله ولله در أم عبد الله. لا تراخي ولا كسل ولا عجز ولا ضعف .. بل همة عالية .. ومثابرة ومجاهدة .. تربية إسلامية في المدرسة .. ونشاط في المنزل والمسجد .. حلقات لتحفيظ القرآن .. توزيع للأشرطة والكتب .. مسابقات وجوائز .. بل إن أم عبد الله جعلت درسًا لكبيرات السن تعلمهن ما يلزم من الدين معرفته بالضرورة .. بل رددت على مسامعهن قصار السور عشرات المرات حتى حفظنها .. لم يمنعها الحمل والإرهاق من زيارة الجيران وقراءة الفتاوى النسائية عليهن. أما أبو عبد الله فجعل للكبار درسًا لحفظ القرآن بعد صلاتي العصر والفجر .. ودرسًا للناشئة بعد العصر .. أما بعد المغرب فدرس عام .. لم ينس رحلات الحج والعمرة .. وإمامة المسجد .. حيوية ونشاط ومسارعة للخير في كل مكان .. بل امتد نشاطه من محاضرات وزيارات .. إلى قرى مجاورة .. مضت ثلاث سنوات .. وأبو عبد الله يسخر منا حينما نستحثه للقدوم إلى المدينة ..

قال: كم نضيع من أعمارنا عند إشارات المرور .. وأخفى عن الجميع نتائج دعوته وثمار صبره .. أضاء بنشاطه سماء الغفلة .. وأنار علمه قلوب أهل القرية. تخرج على يديه الكثير .. وتربى على يديه الكثير .. أما أم عبد الله فقد أخرجت جيلاً يحمل هم الإسلام .. وأمهات يحفظن نصيبًا من القرآن .. ثلاث سنوات زال الجهل وانقشعت الغشاوة .. وكل سنة عند لوحة الإعلانات. تسمع الصوت الضعيف .. وترى من همه راحته ونومه .. وأكله وشربه .. ترى أصحاب الضعف والخور .. وتسمع أصواتهم كل يوم أين تم تعيينك؟ ! يا شباب الإسلام هل من مشمر؟ ! من كتاب صوت ينادي.

التشميرة الخامسة والعشرون

التشميرة الخامسة والعشرون ببشاشة وسماحة نفس .. أبشري ماذا تطلبين؟ ! ماذا تريدين؟ ! ماذا تحبين؟ ! وقبلات على رأسها بين حديث وآخر .. هذا حديثه وفعله مع والدته .. ألا تريدين أن تذهبي لآل فلان تسلمين عليهم؟ ! لا يدع والدته تطلب منه ذلك .. بل هو يعرض الأمر .. فلربما كانت محرجة من طلبه .. لرغبة في نفس والدته قرر القيام برحلة إلى القرية التي تربت ونشأت فيها والدته .. فرحت والدته وهي ترى مراتع الصبا وتجدد له الدعاء وهي تستعيد الذكريات. بين حين وآخر يناول والدته مبلغًا من المال .. سنوات وهو يفعل ذلك .. ما نقص ماله .. وما تأثرت تجارته .. يتحين الفرص .. متى تريدين الذهاب إلى مكة؟ الجو يا أمي هذه الأيام معتدل وليس هناك زحام .. الحمد لله الأمور متيسرة والسبل متوفرة .. هيا يا أمي. ما دخل المنزل أو أراد الخروج منه إلا قبل رأس والدته ودعا لها بطول العمر والبركة في العمل .. تعجب يومًا وهو يستمع إلى والدته تقرأ سورة الفاتحة، وانتبه على صوت في داخله يؤنبه .. أنت مدرس .. تمنح العلم للتلاميذ .. ووالدتك تخطئ في قراءة سورة الفاتحة؟ !

ألزم نفسه بساعات يقضيها بجوار والدته حتى حفظت قصار السور وأجادت قراءة الفاتحة .. رحم ذلك الضعف من والدته، وتذكر كيف كانت عنايتها ورعايتها له .. وقال: بماذا أجازيك وكيف أقضي بعض حقك؟ ! قال الشاب الذي لم يتجاوز العشرين من العمر .. الحمد لله لم آمر والدتي بطلب منذ أن عقلت حق الأم .. قال له من هو في سنه منذ متى عقلت حق الأم؟ ! قال: منذ ثلاث سنوات استمعت إلى محاضرة عن حقوق الأم .. وبعدها عقلت الأمر وسعيت في برها. جعلت حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - « ... ففيهما فجاهد» أساسًا لتعاملي مع والدي .. أقدم رغباتهما وألبي طلباتهما .. وأعلم بعد ذلك وقبله أني لم ولن أوف حقوقهما. قال لزوجته .. هذه أمي .. وأنت يا زوجتي العزيزة مثلما تحبين أمك فأنا أحب أمي ورضاي في رضاها .. أنت المرأة العاقلة .. لا تغضبيها ولا يكن في قلبك عليها شيء .. عندها تأكدي يا زوجتي .. أنه سيصفو لك قلبي .. وتهنأ بك نفسي. لأنه الأخ الأكبر أصر وبشدة أن تبقى والدته عنده، وقال لها .. سأجعل بيتي مفتوحًا للزائرين والمسلمين .. هنا يا أمي سترين الأبناء والأحفاد فلتهنأ عينك وتقر نفسك. يجلس مع والدته ساعة أو تزيد كل يوم .. يسمع حديثها،

وتبث شكواها، وتذكره بأيامه الأولى .. وهو يستمع في دعة وحبور .. ويزيد فرحه ما يراه من سرور والدته. ما قام أو جلس إلا دعت له .. وما غاب إلا أتبعته الدعاء بالصحة والعافية والستر .. تتلهف لعودته وتسر برؤيته .. إنه رجل عرف حق الوالدين .. ويحاول أن يجازي من أحسن إليه ولو ببعض الوفاء.

التشميرة السادسة والعشرون

التشميرة السادسة والعشرون اختار أربعة كتيبات: أحدها في العقيدة، والآخر فتاوى نسائية والثالث في التحذير من البدع، والرابع في أذكار اليوم والليلة. وبدأ يعرض على أقاربه مشروع طباعة واحدة من هذه الكتب .. مدة يسيرة فإذا بالمبلغ يتيسر جمعه .. إنه مبلغ أربعة آلاف ريال .. طبع به ما يزيد على عشرة آلاف كتيب في العقيدة. وبدأ بين حين وآخر يعرض الكتاب الثاني والثالث والرابع .. أما الزملاء في المدرسة فقد رحبوا بذلك وزوجته طرحت الأمر على زميلاتها المدرسات ففرحن بذلك. تم الأمر وأهدي كل من شارك في طبع الكتاب مائة نسخة ليوزعها لمن يراه. رأى تهافت الناس عليه، وكثرة طلب العامة لهذه الكتب. قابل أحد الموسرين، وأراه الكتب وتكلفتها اليسيرة فوافق على طبعها. أصبح هذا العمل طريقة والبحث عن الكتاب المناسب ديدنه .. أحيا الله به أمة جاهلة .. ووصلت كتبه التي قام بطبعها إلى أقصى الأرض .. جهد فردي .. ولكنه يسير .. إنه جهد رجل واحد فقط .. أين أنت يا مشمر؟ !

التشميرة السابعة والعشرون

التشميرة السابعة والعشرون هز رأسه وكأنه يستدرك غفلته وتقصيره .. هناك إخوة لنا بين جدران أربعة ربما لا يزورهم أحد .. ولا ينبههم أحد! ! من يعلمهم بأننا نحبهم ونرى ما أصابهم تكفيرًا لهم .. إنهم إخوة في السجون يقبعون خلف القضبان .. ينادون! ! أين أنتم؟ ! لبى النداء وحمل كتبًا وأشرطة وزارهم ونصحهم ودعاهم إلى التوبة والندم وهز قلوبهم وهو يقول: ربما تكون هذه الزلة منطلقًا للفلاح والصلاح .. أحبوه من خلال زياراته المتكررة .. يفرحون بلقياه وينصتون لحديثه .. أشار هناك .. ودمعة من عينه تسقط .. دار أهلها لا يتكلمون .. قال له صاحبه .. إنها المقبرة .. أليس كذلك؟ ! قال: لا .. ليت الأمر كما قلت ولكن .. ! ! هيا لترى معي .. لترى دارًا أهلها أحياء ولكن لا يتكلمون .. لا يتحركون .. إنها كتل لحم لا تتحرك. ترى الدمعة في العين .. تنحدر منها .. ولا يستطيع إزالتها .. وحديث المكلوم ينطلق عبر حركة بطيئة تبث الشكوى وتحكي الحال. إنهم نزلاء دار النقاهة. ذهب إليهم وزارهم .. ورأى .. ولم تتوقف أحزانه أيامًا ولم تفارق عينه تلك العبر والصور.

قرر .. سأتفرغ لأمرين: الدعوة إلى الله، وإدخال الفرح والسرور على قلوبهم .. إنهم محرومون .. مقطوعون .. أسعدهم من يرى قريبه كل شهر أو شهرين .. ولمدة دقائق فقط .. إنهم أحياء .. أموات! ! هل من مشمر؟ !

الخطوة الأخيرة

الخطوة الأخيرة أخي الحبيب: لا تبرأ ذمتك .. وأنت تقلب الصفحات .. ثم تلقي بالكتاب جانبًا. حاول في خطوة واحدة .. شمر ولو مرة واحدة. لا تتأخر عن الركب، لا يكن أبناء النصارى واليهود والبوذيين خير منك همة وأشد حماسًا .. وأكثر صبرًا .. استعن بالله ولا تعجز .. وكن في أول الركب.

وحتى يستمر التشمير

وحتى يستمر التشمير قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟ »

§1/1