هذه هي الصلاة

أزهري أحمد محمود

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله الهادي إلى الصراط المستقيم، رازق الجزيل وواهب الفضل العظيم، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، حامل لواء الحمد وصاحب المقام العظيم، وعلى آله وصحبه معادن الصدق وأنصار الدين القويم. وبعد: أخي المسلم: ها هما رجلان التقيا على غير ميعاد وتواعدا من غير معرفة! أحدهما مداوم على أداء الصلوات، والثاني مرة يصلي ومرة لا يصلي! جمعهما الطريق إلى المسجد وقد نادى المؤذن إلى الصلاة .. فدار الحديث بينهما وهما يستشعران ضرورة إجابة هذا المنادي إذ يقول: حي على الفلاح .. حي على الفلاح .. فقال الأول: ما أسعد المسلم يا أخي إن حافظ على هذه الصلوات .. وكانت له سكنًا يجد فيه الراحة والطمأنينة .. قال الثاني: صدقت يا أخي ولكني كم حاولت المحافظة عليها، فأجد نفسي أصلي عدة أيام ثم أكسل بعدها؛ فأتركها اليوم واليومين أو أكثر من ذلك! ! الأول: سبحان الله! أو يحدث لك هذا يا أخي .. الثاني: هو ما أقوله لك ..

الأول: إن أمر الصلاة يا أخي أعظم من أن يتهاون بها المسلم، ولن تجد يا أخي نفسك لحظات سعيدة صافية كما تجدها في الصلاة، فإنك إن وجدت يا أخي هذه السعادة فإني لا أشك في أنك ستحافظ على أدائها، ومهما تحدثنا يا أخي عن فوائد الصلاة فإنها أعظم من ذلك! ونصيحتي لك يا أخي أن تسأل الله كثيرًا أن يعينك على طاعته والمحافظة على أداء الصلوات كما أمرك تعالى .. الثاني: سأحاول يا أخي هذه المرة وسأعمل بنصيحتك .. الأول: وفقك الله يا أخي وأعانك على طاعته، وإن شاء الله موعدنا دومًا هذه اللحظات وإن لم تلتق أجسامنا .. أخي المسلم: إنها (الصلاة) ذلك الكنز العظيم .. وتلك الدرة الغالية .. {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132]. أخي: يا ترى ما هو حظك من هذا الكنز؟ ! هل أنت ممن ملأ يديه منه؟ ! أم أنت من الزاهدين عنه المعرضين عن خيراته؟ ! ! فإن كنت من هؤلاء أخي! فكم أنت محروم! وكم أنت ناقص الحظ! فما أحراك أخي وقتها أن تبادر لتشارك المغترفين من ذلك الكنز .. أخي في الله: أما تفكرت أبدًا في يوم من الأيام في تلك اللحظات العجيبة التي مرت على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم عرج به إلى

السماء، ثم إلى سدرة المنتهى فرأى ما رأى من عجائب الملكوت {لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18]. فعرج به - صلى الله عليه وسلم - حتى سمع صرير الأقلام! وهنالك وفي تلك اللحظات المهيبة كان فرض الصلوات على هذه الأمة المرحومة .. وقال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: «هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لديّ» [رواه البخاري ومسلم]. فرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - بفرض خمس صلوات في اليوم والليلة أجرها أجر خمسين صلاة! أخي: أما تذكرت تلك اللحظات؟ ! تلك هي قصة فرض الصلوات الخمس .. خرجت غضة .. زاهية من نفحات الأنوار الإلهية لتكون نورًا وشذى يجد المؤمن عبيره في كل صباح ومساء! أخي المسلم: أما وجدت تلك النفحات القدسية وأنت تتضوع نفح الصلوات ونسيمها الزاكي؟ ! أخي: ما أسعد المصلين. وما أهنأهم إذا وقفوا بين يدي رب العالمين! . قال طلق بن حبيب رحمه الله: (يموت المسلم بين حسنتين حسنة قد قضاها، وحسنة ينتظرها - يعني الصلاة). أخي: فهل أنت من هؤلاء؟ الذين صلوا ثم هم ينتظرون صلاة أخرى .. فهم قد خرجوا من حسنة، ويريدون الدخول في حسنة. أخي المسلم: وأنت تصلي لا تنس أنك في خدمة ملك

الكنز الغالي

الملوك .. مالك النفع والضر .. فإذا كنت أخي من خدامه فإنه تعالى ولي من لزم بابه .. وحري بك أن لا يضيعك .. قال ثابت البناني رحمه الله: (الصلاة خدمة الله في الأرض، لو علم الله عز وجل شيئًا أفضل من الصلاة لما قال: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آل عمران: 39]. أخي المسلم: الصلاة شرف وأي شرف! ومنزلة إن نالها العبد فلن يندم على خير فاته! فهي مائدة جمعت بين أطرافها صنوفًا من الطيبات، وأنواعًا من اللذات! (إن مثل الصلاة كمثل ملك اتخذ عرسًا فاتخذ وليمة وهيأ فيها ألوانًا من الأطعمة والأشربة لكل لون لذة وفي كل لون منفعة؛ فكذلك الصلاة دعاهم الرب إليها وهيأ لهم فيها أفعالاً مختلفة وأذكارًا؛ فتعبدهم بها ليلذهم بكل لون من العبودية، فالأفعال كالأطعمة والأذكار كالأشربة) نصر بن محمد السمرقندي. * الكنز الغالي! * أخي: عجيب لمن لم يصلِّ كيف غفل عن ذلك الكنز ونام عن أن يكون من طلابه! ! فما أشقاه! وما أتعسه! وأنت أخي المصلي أما وقفت على تلك المحاسن البديعة؟ ! لتستظل أخي تحت ظل ظليل ..

أول حساب يوم القيامة

* عن ثوبان - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن» [رواه الحاكم وابن حبان/ صحيح الترغيب: 372]. * وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رجلان من بَلِيّ من (قضاعة) أسلما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستشهد أحدهما وأخر الآخر سنة. فقال طلحة بن عبيد الله: فرأيت المؤخر منهما أدخل الجنة قبل الشهيد! فعجبت لذلك فأصبحت فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أليس قد صام بعده رمضان؟ وصلى ستة آلاف ركعة وكذا وكذا ركعة صلاة سنة؟ » [رواه أحمد، صحيح الترغيب: 365]. أخي المسلم: قل معي: هنيئًا لمن مات وهو يصلي وكان من المقبولين .. هنيئًا لمن بكاه موضع سجوده في الأرض، وموضع صعود عمله الصالح في السماء! * أول حساب يوم القيامة! * أخي المسلم: اذكر وقوفك بين يدي مولاك تعالى: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19]. يوم لا مفر منه إلا إليه سبحانه وتعالى ..

هنالك وفي تلك العرصات! أتدري أخي ما هو أول سؤال سيسألك عنه الله تعالى؟ ! عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر. فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك». [رواه أبو داود والترمذي/ صحيح أبو داود: 864] أخي: ذلك أول حساب! فماذا أعددت له؟ ! هل أعددت له صلاة قد أكملت أركانها، وأتممت فروضها، وصليتها كما صلاها النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ أم كنت من المقصرين في أدائها، والمتهاونين في إقامة حدودها وأركانها؟ ! أم كنت من تاركيها! ! فيا ويلك! ويا لسوء موقفك بين يدي ربك تبارك وتعالى! فما أعظمها من جريمة! وما أشد عذابها من عذاب! ! {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 42، 43].

لماذا لا تصلي

أخي المسلم: ما أعظم خطر هذه الصلاة! وما أكبر مسؤوليتها! وهل أدل على ذلك من أن صلاحها صلاح للأعمال كلها! وفسادها فساد للأعمال كلها! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله! » [رواه الطبراني في الأوسط/ صحيح الترغيب: 369]. * لماذا لا تصلي؟ ! ! * إلى من ترك الصلاة! ! عجبًا لك أيها اللاهي! عجبًأ أيها الغافل! عجبًا أيها المعرض! عجبًا أيها المسكين المحروم! أما علمت منزلة الصلاة؟ ! أما علمت مقامها العظيم؟ ! أما علمت أنها مدارك الذي تدور عليه؟ ! أما علمت أن صلاح دنياك وآخرتك معلق بالصلاة؟ ! وأي خير ترجوه إذا أنت لم تصل؟ ! أما سمعت ما جاء في وعيد من ترك الصلاة؟ ! أما سمعت كلام الصالحين في حق من ترك الصلاة؟ !

فإذا أردت أن تعرف من هو تارك الصلاة؟ ! فتعال معي لتعلم ما جاء في حق من لم يصلِّ! قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]. فقد توعد الله من أضاع الصلاة أنهم سيجدون (غيًا)! أتدري ما هو الغي؟ ! ورد في التفسير أنه: (نهر في أسفل جهنم يسيل فيه صديد أهل النار! لو أن صخرة زنة عشر عشراوات قذف بها من شفير جهنم، ما بلغت قعرها سبعين خريفًا ثم تنتهي إلى غي وآثام! ). وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -: (الغي نهر أو واد في جهنم من قيح بعيد القعر خبيث الطعم يقذف فيه الذين يتبعون الشهوات! ). هذا هو الغي يا من أضعت الصلاة! واتبعت شهواتك! فيا ترى هل تطيقه؟ ! وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة! » [رواه مسلم]. قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (ومن يضيعها فهو لما سواها أضيع! ). وإذا سألوك يا من تركت الصلاة! لماذا لا تصلي؟ ! ما أظن أن أحدًا ولد بين أبوين مسلمين يكون غير مقتنع بفرض الصلاة! أو جاحدًا لها!

إلى من صلى ولكن

ولكن الداء الذي ابتلي به أولئك التاركون هو الكسل، والغفلة، وطول الأمل! وهي أمراض لطالما سيطرت على القلوب فجعلتها معرضة عمّا ينفعها، مقبلة على ما يضرها! وما سمعنا أحدًا ممن ترك الصلاة تعلل بغير الكسل! أو قول أحدهم: الله يهدينا! كم عجيب هذا الإنسان يسأل الله الهداية وهو يعمل بالضلالة في ليله ونهاره! إن من أراد الهداية اتخذ أسبابها. وأولها: أن يعزم على ترك الضلالة، ولا يكفي هذا، بل يبدأ في عمل الهداية ولا يؤخر ذلك، ويسأل الله تعالى أن يعينه على سلوك طريق الهداية، ويكثر من سؤاله تعالى أن يثبته على ذلك. فإن هذه أسس لمن أراد الهداية، أن ينطلق منها، والله بعدها هو الهادي إلى الصراط المستقيم .. * إلى من صلى ولكن! ! * أخي المسلم: إن محافظتك على صلاتك شعار لإسلامك .. إن محافظتك على صلاتك سرور للمؤمنين وغيظ للكافرين .. إن محافظتك على صلاتك نور للأجيال الناشئة أن تسير على الطريق .. إن محافظتك على صلاتك سعادة تمنحها لنفسك لكي تسعد.

أخي: إن أولئك الذين يصلون ولكنهم لا يؤدونها كاملة؛ لن يجدوا تلك الثمرات اليانعة التي يجدها أولئك المحافظون على أدائها كاملة. أخي المسلم: إن بركة الصلاة كثمرة غرست غراسها؛ فإنك إن لم تقم بما يجب له من الحرث والنظافة والسقيا والرعاية من الآفات، فإنك إن لم تفعل ذلك فلن تصل إلى الثمرة! وكذلك الصلاة إن لم تأت بأركانها وشروطها، وما يجب فيها من الخشوع والإقبال على الله تعالى، والمحافظة على أدائها في أوقاتها، وكما صلاها النبي - صلى الله عليه وسلم -. فإنك إن لم تأت بذلك فلن تنال بركة الصلاة وخيراتها المستفادة منها! أخي في الله: كم من مصلٍ لم يستفد من صلاته! وكم من مصل لم يجد لصلاته لذة وحلاوة! فليت شعري ما هو الداء؟ ! وما هو الدواء؟ ! أخي: الداء في ذلك هو: الانشغال بالدنيا إذ أصبح ذلك شعار الغفلة! وأورث الانشغال ضعف الإيمان! وقلة الخشية من الله تعالى! فإذا دخل في الصلاة بمثل هذا القلب فمن أين له أن يجني ثمارها وبركاتها؟ ! أخي المسلم: ها أنت قد عرفت الداء! وأما الدواء فهو يسير على من أراده! فلا أكثر من أن تقبل أخي على صلاتك بقلب صادق خاشع بعد أن تمحو عنه شواغل الدنيا ولو إلى حين! فإنك

إن عودت نفسك ذلك؛ وجدت لصلاتك لذة وأنت تصليها، وإن استمر بك الحال أخي على ذلك، فسيأتي عليك يوم لا تجد فيه لحب الدنيا أثرًا في قلبك .. أخي: إنه دواء كغيره من الأدوية يحتاج إلى صبر لتنال فائدته، فإياك أخي أن تتعجل، فما نال متعجل مقصوده. أخي المسلم: أليس مما يؤسف له أن ترى الجمع الكثير وهم يصلون، ولكن قليل أولئك الذين ينتفعون من صلاتهم؟ ! دخل الزهري على أنس بن مالك - رضي الله عنه - وهو بدمشق - فوجده يبكي! فقال: ما يبكيك؟ ! قال: (لا أعرف شيئًا مما أدركت إلا هذه الصلاة! وهذه الصلاة قد ضيعت) [رواه البخاري]. أخي: (فمن لم يحافظ على أوقات الصلاة لم يحافظ على الصلاة! كما أن من لم يحافظ على وضوئها وركوعها وسجودها فليس بمحافظ عليها. ومن لم يحافظ عليها فقد ضيعها! ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع! كما أن من حافظ عليها حفظ دينه. ولا دين لمن لا صلاة له! ) [الإمام القرطبي].

الخشوع هو الصلاة

أخي في الله: أما قرأت يومًا قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5]. أما وقفت عندها قليلاً؟ ! أخي: كثير أولئك الذين يقرؤون هذه الآيات؛ ولكن قليل أولئك الذين يقفون عندها يستلهمون الدرس والعظة! أخي: يا ترى من هؤلاء الذين توعدهم الله بالويل؟ ! قال ابن عباس رضي الله عنهما: (الذين يؤخرونها عن وقتها) وقال: (هو المصلي الذي إن صلى لم يرج لها ثوابًا، وإن تركها لم يخش عليها عقابًا! ). وقال أبو العالية: (لا يصلونها لمواقيتها ولا يتمون ركوعها ولا سجودها! ). * الخشوع هو الصلاة! ! * أخي المسلم: إذا أردت أن تعرف روح الصلاة وقلبها النابض فهو: (الخشوع! ) والمصلي غير الخاشع كخشبة تتحرك! لا معنى لحركتها .. وأما المصلي الخاشع فهو الذي تنبض صلاته بالحياة، ويحس صاحبها معها أنه حي!

أخي: إذا أقبل قلبك على صلاتك أقبلت عليك صلاتك! فأنت يومها المصلي حقيقة .. وإذا أعرض قلبك وانشغل بأمور أخرى أعرضت عنك صلاتك، فلا صلاتك صلاة! ولا أنت بالمصلي! أخي: ما قولك: (في رجل وفد إلى باب ملك معتذرًا من خطيئته وزلته؛ فلما وصل إلى باب الملك قام بين يديه، وأقبل عليه الملك فجعل الوافد يلتفت يمينًا وشمالاً! ) نصر بن محمد السمرقندي/ بتصرف. أخي: ما قولك في مثل هذا الوافد؟ ! هل سيظفر بحاجته؟ يقينًا لن يظفر بحاجته. وكذلك شأن الصلاة فأنت فيها مقبل على ملك الملوك، فلا يليق بك أخي أن تقبل فيها على شيء سواه تبارك وتعالى .. أخي المسلم: سأحدثك عن رجلين دخلا في الصلاة، وقد يكونان متجاورين، لا يفصل أحد بينهما، ولكن يا ترى هل صلاتهما واحدة. اسمع جواب ذلك: (إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة، وإن ما بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض؛ وذلك: إن أحدهما مقبل بقلبه على الله عز وجل. والآخر ساهٍ غافل. فإذا أقبل العبد على مخلوق مثله وبينه وبينه حجاب لم يكن إقبالاً ولا تقريبًا؛ فما الظن بالخالق عز وجل؟ !

وإذا أقبل على الخالق عز وجل وبينه وبينه حجاب الشهوات والوساوس، والنفس مشغوفة بها ملأى منها فكيف يكون ذلك إقبالاً! وقد ألهته الوساوس والأفكار وذهبت به كل مذهب؟ ! ) حسان بن عطية. أخي: لقد أخطأ من ظن أن الخشوع يكون في حركات الصلاة! فتجد أحدهم يطأطئ رأسه، وينتقل إلى حركات الصلاة ببطء. ولكن أخي إذا أردت أن تعرف كيف يكون الخشوع؟ فالخشوع أخي موضعه القلب وليس الجوارح؛ وإنما الجوارح مترجمة للقلب؛ فمن خشع قلبه خشعت جوارحه حتمًا، ولا يكون العكس. قال حذيفة - رضي الله عنه -: (إياكم وخشوع النفاق! ). قيل له: وما خشوع النفاق؟ ! قال: (أن ترى الجسد خاشعًا والقلب ليس بخاشع! ). ورأى عمر - رضي الله عنه - رجلاً وقد طأطأ رقبته في الصلاة. فقال: (يا صاحب الرقبة، ارفع رقبتك ليس الخشوع في الرقاب! إنما الخشوع في القلوب). أخي المسلم: إذا خشع قلبك في الصلاة، فبشراك .. ثم بشراك .. فأنت يومها بقلبك بعيد عن الدنيا! بعيد عن آفات الصلاة! قلبك بين أطباق الثريا، علا .. وسما .. يحكي سمو وارتفاع الصلاة يوم فرضت في الملكوت الأعلى!

الصلاة راحة .. وفرج .. ونور .. ونجاة

فما أسعد الخاشعين بالصلاة .. وما أعظم تلذذهم بثمراتها .. فهم المصلون حقًا .. وهم المنعمون صدقًا .. فاخشع أخي في صلاتك لتربح الكثير .. ولتنعم بالصلاة.؟ لتدرك يومها أن النعيم الحقيقي إنما هو لتلك القلوب التي انقطعت عن الدنيا ووصلت حبالها بخالقها ومولاها تعالى، فارتفعت عن الدنيا وأهلها! وشتان ما بين من ارتفع إلى الملكوت الأعلى! وبين من انخفض إلى الأرض المغبرة! وكم بين الثرى والثريا؟ ! .. وكم بين الدر والحصى؟ ! .. * الصلاة راحة .. وفرج .. ونور .. ونجاة! * أخي: كم هي هذه الصلاة، غالية .. غالية .. عظيمة النفع .. وعجبًا من مسلم يصلي ولا يجد تلك الثمرات! ولا تهب عليه تلك النفحات العطرات! أخي المسلم: هو ما قلته لك: الصلاة راحة .. الصلاة فرج .. الصلاة نور .. الصلاة نجاة .. عن عبد الله بن محمد بن الحنفية قال: انطلقت أنا وأبي إلى صهر لنا من الأنصار نعوده فحضرت الصلاة فقال لبعض أهله: يا جارية ائتوني بوضوء لعلي أصلي فأستريح! قال: فأنكرنا ذلك عليه!

فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قم يا بلال فأرحنا بالصلاة» [رواه أبو داود؛ صحيح أبو داود: 4986]. أخي: حقًا هي: راحة .. وطمأنينة .. وسكينة .. لتلك القلوب التي أنست بها، فكان عزاؤها في هذه الدنيا التي لا تَصْفُ لأحدٍ! . أخي: عجبًا لمن فقد الراحة والسعادة وهو يلتمسها في غير الصلاة! ! . أخي: إنها الدواء النافع .. والترياق الناجع .. جربه الصالحون فأثمر لهم حلاوة في الإيمان .. وطمأنينة في النفس .. وزهدًا في الدنيا .. أخي: تلك هي (الصلاة) بأسرارها العجيبة .. وهي فوق هذه الأسرار! أخي: كم من محزون اكتسى بالصلاة فرحًا .. وسرورًا! وكم من مهموم انجابت عنه بالصلاة غيوم الهم! أخي المسلم: إن أردت الحقيقة، فالصلاة مفتاح (السعادة) فلا أسعد من مصل أنس بالصلاة، وكانت شغله .. أخي: وإياك أن تنسى أن الصلاة فرج، وخلاص من المضايق والكربات .. أخي: أليس في الصلاة تناجي ربك تبارك وتعالى؟ أخي: أليس الله تعالى هو مالك الدنيا وما عليها، بيده ملكوت كل شيء؟

أخي: فمن أرجى لحاجتك؟ مالك الملك سبحانه وتعالى أم المخلوق الضعيف الذي لا يملك حتى نفع نفسه أو ضرها؟ ! ! أخي: أليس من الغفلة أن تنثر حاجاتك بين يدي مخلوق مثلك؟ ! قد يعطيك، وقد يمنعك، وقد لا يستطيع أن يعطيك! أخي: أين ذهب عقلك عن ربك تبارك وتعالى؟ أترجوا أحدًا أغنى منه تعالى؟ ! وهل أحد أغنى منه تبارك وتعالى؟ ! ! أخي: أما كان لك في الصلاة خير وسيلة لتنثر حاجاتك بين يدي مولاك تعالى؟ حقًا! كم هذا الإنسان ظالم! وجاهل! أخي: لقد جرب المخلصون الصلاة في تفريج كرباتهم، فوجدوها نعم المفزع، ونعم الملجأ. ولك أخي في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأسوة الحسنة .. عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر صلى». [رواه أبو داود/ صحيح الجامع: 4703] وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 143، 144]. قال: كان من المصلين. وقال وهب بن منبه رحمه الله: (إن الحوائج لم تطلب إلى الله بمثل الصلاة، وكانت الكرب العظام تكشف عن الأولين بالصلاة، قلما نزل بأحد منهم كربة إلا كان مفزعه إلى الصلاة).

أخي المسلم: اجعل الصلاة مفزعك عند الكربات .. وسلواك عند الملمات .. أخي: ومهما أدركت من شيء فإنك لن تناله بدون تقدير الله تعالى .. أخي: إذا أردت أن ترفع حاجة إلى مخلوق، فارفعها أولاً إلى خالقك تعالى، فإن ذلك أرجى لقضاء حاجتك .. فما المخلوق إلا سبب من الأسباب .. أخي: فلتفهم ما قلته لك .. فإنه أنفس من الدر والياقوت! وقد أخرجته لك من أصداف النصح .. ونظمته لك في قلادة الصالحين .. فبدا أبهى من الزهر .. وأنضر من الدر .. أخي في الله: وإن أردت النور والنجاة! فالصلاة نور .. ونجاة لصاحبها .. أخي: أهل الصلاة يبصرون يوم لا يبصر إلا الذين أبصرت قلوبهم بذكر الله تعالى وطاعته! وينجون يوم يخردل العاصون الغافلون في نار جهنم .. عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الصلاة يومًا فقال: «من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة. ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا ولا نجاة. وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وأبي بن خلف! ». [رواه أحمد والطبراني]

الصلاة كفارة ..

أخي المسلم: الصلاة أنيسك في ظلمة القبر؛ يوم لا أنيس إلا العمل الصالح! مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبر، فقال: «من صاحب هذا القبر؟ ». فقالوا: فلان. فقال: «ركعتان أحب إلى هذا من بقية دنياكم! ». [رواه الطبراني في الأوسط/ صحيح الترغيب: 384] * الصلاة كفارة .. * أخي المسلم: الصلاة صابون لثوب الأعمال! فهي نعم المنظف له عن أدران الذنوب .. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر» [رواه مسلم]. وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يؤت كبيرة، وذلك الدهر كله» [رواه مسلم]. وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -: إن رجلاً أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فأنزل الله: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}.

أخي .. تلك هي الصلاة

فقال الرجل: يا رسول الله ألي هذا؟ قال: «لجميع أمتي كلهم» [رواه البخاري]. أخي المسلم: إذا سلمك الله من كبائر الذنوب؛ فالصلاة خير مكفر لباقيها .. فالصلاة كالماء لنار الذنوب! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله ملكًا ينادي عند كل صلاة: يا بني آدم قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها فاطفئوها». [رواه الطبراني في الأوسط والصغير/ صحيح الترغيب: 352] أخي: قد عرفت جلاء الذنوب! فليكن أخي همك الاستكثار من الصلاة؛ لتقي نفسك شر الهفوات والمعاصي، فإنه لن ينجو أحد من الذنب! ولكن أخي فلتسأل الله السلامة في أمرك كله .. واحذر أخي كبائر الذنوب فإنها الهلاك! * أخي .. تلك هي الصلاة! * أخي المسلم: تلك هي الصلاة سر الراحة والسرور! أخي: تلك هي الصلاة تعطيك السعادة إن أردتها! أخي: تلك هي الصلاة حبلك الممدود بينك وبين ربك تبارك وتعالى. أخي: تلك هي الصلاة تناجي فيها ربك تعالى بدون واسطة! أخي: تلك هي الصلاة زينة المناجاة .. وحلية الدعاء!

أخي المسلم

أخي: تلك هي الصلاة مفزع المكروب .. وملجأ المحزون .. أخي: تلك هل الصلاة نور وضياء لصاحبها في الدنيا والآخرة! أخي: تلك هي الصلاة طريقك إلى الجنة .. أخي: ألا تحب أن تكون من أهل الجنان والنعيم المقيم؟ ! أخي: لا تفرطن في الصلاة ما دمت طامعًا في السعادة في الدنيا، والخلود في الجنان يوم القيامة .. إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ... ولاقيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على أن لا تكون كمثله ... وأنك لم ترصد كما كان أرصدا أخي المسلم: تلك ومضات وإضاءات أملاها قلم النصح، وزانها حب الخير والسداد لك .. وها أنا أخي أناولكها .. فكن خير آخذ .. والله تعالى أسأل الهداية لي ولك، والعقبى الحسنة في الدارين .. فهو أكرم من جاد وأجود من أعطى ووهب. والحمد لله تعالى، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. * ... * ... *

§1/1