نيل الابتهاج بتطريز الديباج

التنبكتي، أحمد بابا

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف الطبعة الثانية 2000 إفرنجي الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى دار الكتاب هاتف: 6/ 4/ 4806563، فاكس: 4806483 ص ب: 84557 البريد المركزي - طرابلس

نيل الابتهاج بتطريز الديباج

[مقدمة التحقيق]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة الطبعة الثانية تكتسي هذه الطبعة من نيل الابتهاج طابع الاستعجال لأنها جاءت استجابة لطلب محدد الوقت من إخوة أفاضل في جمهورية مالي الشقيقة، وهم يرون في هذا الكتاب مصدرا من مصادر تاريخهم الثقافي والاجتماعي المهمة، وهو كذلك فعلا، لهم ولجميع المتساكنين على جانبي الصحراء الكبرى. وعلى الرغم من ذلك الاستعجال فإن هذه النشرة قد صححت كثيرًا من الأخطاء التي وجدت في النشرة الأولى، بل في غيرها من الطبعات السابقة، فقد أدت طباعة النص سابقًا اعتمادًا على أصل وحيد، وخروج النص في بلد آخر دون مراجعة وتصحيح المشرف، إلى وقوع أخطاء في أسماء الأعلام، والنصوص الشعرية على وجه الخصوص، وكان ذلك سببًا في ظهور تلك النشرة خِلْوًا من فهارس القوافي والألقاب، وهي مفتاح مهم لمادة الكتاب تيسرت إضافته في هذه الطبعة، بحمد اللَّه. ولقد عوضنا عن عدم توفر نسخ المخطوط بالرجوع التي ست نسخ من كتاب "كفاية المحتاج" وهو مختصر "نيل الابتهاج" تم جلبها من: مالي، والنيجر والمغرب، بالإضافة التي نسختين من ليبيا، ونسخة من "نيل الابتهاج" نفسه، ونسخة من "وجه الابتهاج" الذي كان يُظَنُّ بأنه نسخة أخرى من "نيل الابتهاج"، وهو يحتوي على اضافات واختصارات تجعله أشبه ما يكون بكتاب

الرموز المستخدمة

آخر لولا الاشتراك الكبير بين الكتابين، واعتماد ثانيهما في كتابته على الأول، شأن اعتماد الكفاية على النيل. وقد أشرت إلى هذه المصادر في التصحيحات العجلي التي أجريتها على هذه الطبعة، برموز أثبتها فيما بعد، دون أن أسمي ما قمت به تحقيقا علميا، لأن ذلك يستدعي وجود المتوفر من نسخ المخطوط وهو ما لم يتيسر لي في هذه النشرة. الرموز المستخدمة: نيل الابتهاج - نسخة الخزانة الحسنية رقم 2193. . . . . . . ح وجه الابتهاج - بتذييل الديباج. . . . . . . وكفاية المحتاج - نسخة مركز جهاد الليبيين: 1194. . . . . أ كفاية المحتاج - نسخة أخرى في المركز برقم 1195. . . . . ب كفاية المحتاج - نسخة معهد البحوث بالنيجر. . . . . هـ كفاية المحتاج - نسخة الخزانة الكتانية بالخزانة العامة بالمغرب. . . . . ج كفاية المحتاج - نسخة الخزانة الملكية بالمغرب. . . . . د كفاية المحتاج - نسخة مركز أحمد بابا التنبكتي بمالي. . . . . ز وأنتهز هذه الفرصة لشكر الذين أسهموا في التعجيل بإصدار هذه الطبعة، وأخص منهم بالذكر (دار الكتاب) التي تفضل صاحبها الصديق الدكتور عارف على النايض بتحمل تكاليف النشر، راجيًا له ولداره الفتية كلَّ التوفيق في إصدار الكتب النفيسة خدمة للعلم والتراث الإسلامي والحاضر الثقافي. واللَّه ولي التوفيق عبد الحميد عبد اللَّه الهرَّامة طرابلس: في 3/ 3 / 1993

شكر وتقدير

شكر وتقدير أذكر بالشكر والعرفان كلَّ الذين أسدوا لهذا العمل أياديَ كريمةً عجلت في إخراجه في طبعته الأولى. وليسمحوا لي أن أخص بالذكر منهم الأخ الأستاذ المهندس: الصديق بشير نصر الذي أدين له بالفضل لمعاناته في المراجعة، ولما أسداه من ملاحظات قيمة وآراء صائبة. فجزاهم اللَّه جميعًا خير الجزاء على حسن تعاونهم وكريم فضلهم.

مقدمة الطبعة الأولى

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة الطبعة الأولى الحمد للَّه المتفضل على عباده بالتوفيق، الميسر لهم سبل التقدم بنور العلم وهدي المعرفة. . . أما بعد. . . فلا تخفى أهمية كتب التراجم في كونها تسجيلًا لحياة الأفراد الممتازين على اختلاف ميادين بروزهم، ودرجات تفوقهم، حين تعتبر كتب التاريخ العام تسجيلًا لأطوار الدول، وحياة الملوك. ولذا فلن تجد في الثانية ما تجده في الأولى من اهتمام بحياة الشعوب في تفاصيلها الدقيقة، وجوانبها المتنوعة، كبيان معارفهم، ووصف عاداتهم ومعتقداتهم، وربما خرافاتهم أيضًا. وهي مع ذلك لا تهمل الأحداث التاريخية في عصر المترجم لهم وان أوردتها في إشارات عجلى وإيماءات سريعة، قد تكون غاية في الأهمية للمؤرخ العام. وكتاب "نيل الابتهاج" مما يصدق عليه اعتباره ضمن كتب التراجم، لأنه يترجم فعلًا لفئة من الناس تجمعها صفة الاهتمام بالدراسات الدينية والعربية، وتتميز تراجمه بدقة الوصف وامتاعه، مع قدرة فائقة على إيراد التفاصيل تتمثل بخاصة في تراجم من عاصرهم المؤلف وأطال عشرتهم.

والكتاب مع ذلك لرجل من افريقيا الغربية، أسهم بقسط وفير في ربط وشائج بلاده مع الأقطار الإسلامية بصفة عامة والبلاد الافريقية الشمالية على وجه الخصوص، وقد وجد فيه طلاب كلية الدعوة الإسلامية -وأغلبهم من افريقيا- عددًا من الأمور العلمية، ومستغلقات المسائل التي يواجهها الباحث حين مباشرته لتحقيق المخطوطات، أو عند كتابته للبحوث العلمية الأخرى، ولقوا نصيبًا مما يلاقيه ذلك الباحث من العناء، وجرّبوا بعض ما يجرب من الحلول. ولما كان هذا الكتاب ذا أهمية بالغة في بابه لتعلقه بتاريخنا الثقافي والاجتماعي، ونظرًا لنفاد طبعاته القديمة غير المحققة رأت كلية الدعوة الإسلامية أن تقدمه إلى الباحثين، وأن تطلعهم من خلاله على جانب من جهود طلابها في دراساتهم التطبيقية، شعورًا منها بأهمية هذا الجانب، في إكمال الغاية من العملية التعليمية. وإذا كان هذا الوقف يدعو إلى الشكر فإن هذه الكلية جديرة به، يشاركهِا في الفضل أولئك الطلاب الذين عكفوا على العناية بهذا الكتاب شهورًا طويلة، ترجموا خلالها لأعلامه كلها، وخرّجوا كثيرًا من نصوصه، وعرفوا ببلدانه. غير أن العمل بتلك الصورة -مع دلالته على الجهود المبذولة وفائدته في الدراسة التطبيقية- كان عبئًا في مرحلة الراجعة ومرحلة الطباعة ولذا رأينا عدم إثقال النص الأصلي بالتعليقات والشروح والتعريفات الإضافية، والاكتفاء بالإشارة إلى بعض المصادر لزيد التعريف بالمترجم لهم دون غيرهم، آملين أن يستكمل تحقيق الكتاب، وتستوفى العناية به في فرصة أخرى إن شاء اللَّه. وقد يقرأ الكتاب من يرى في بعض صفحاته ما يخالف وجهة نظره، وبخاصة عند تراجم المتصوفة، فيسيء إلى قيمة الكتاب غير عابيء بما تضمنه من معارف نفيسة، وأخبار نادرة، اختص بها دون غيره من المصادر، ولذا

فالكتاب مقدّم لمن يعرف قيمته في صورته الإجمالية، وينصف كاتبه باعتباره أحد البارزين في هذا الميدان. وهو فوق ذلك جانب من تاريخنا الثقافي بأضوائه وظلاله، نقدمه للدارسين من أجل بحث النسيج الكون لثقافتنا العامة بمفهومها الواسع، من عادات وتقاليد وآداب وقيم، ومعتقدات. ولا يخفى ما في الكتاب من شطحات صوفية مخالفة لمنطق العقل وظاهر الشريعة، ومبالغات أخرى ليس من بقائها بدٌ لأنها من محتويات النص الأصلي، ولم نر ضرورة للتعليق عليها منفردة في مواضعها، فأثبتنا هنا إشارة عامة، يدركها عند المطالعة القارئ العابر، بله الناقد الحصيف. ومما قد يؤخذ على المؤلف، ولا يمكن تتبعه داخل الكتاب تصرفه في الاقتباسات تصرفًا ظاهرًا ينحو فيه غالبًا منحى الاختصار، وقد يهدف إلى تغيير الأسلوب أو تصويب العبارة، ويكون في النادر مخلًا بالمعنى مسيئًا إلى الخبر المنقول. على أن الكتاب ذو أهمية قصوى في نواح بعينها من اهتمامات الباحثين العاصرين، فهو جدير بمراجعة المهتمين بطرق التدريس وتطورها والمعتنين بالتاريخ العام شمال وغرب افريقيا الأندلس والراصدين لطبيعة الحياة الاقتصادية والاجتماعية في هذه المناطق. هذا، فضلًا عن عنايته بالحياة العقلية في فترات مجهولة من تاريخنا، وتركيزه على ما اعتراها من تأثيرات علمية أو صوفية أو أدبية، وما انتابها من هزات بفعل الانقلاب الحضاري الكبير الذي حل بها بعد القرن الثامن الهجري. نرجو أن يجد فيه كل هؤلاء المهتمن غايتهم واللَّه المستعان على الكمال.

تعريف بالمؤلف

تعريف بالمؤلف * - هو أبو العباس أحمد بابا بن أحمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن أقيت بن عمر بن علي بن يحيى بن كدالة بن مكي بن نيق بن لف بن يحيى بن تشت بن تنفر بن حيراي بن النجر بن أبي بكر بن عمر الصنهاجي الماسني السوداني التكروري التنكبتي (¬1). ولد ونشأ في تنبكتو عام 963 هـ (1556 م) في اسرة من بني أقيت المسوفيين المعروفين بانتسابهم إلى العلم، وحظوة أغلبهم بمكانة اجتماعية عالية ¬

_ (*) للمزيد من المعلومات حول التنبكتي انظر: نشر المثاني للقادري 1/ 271. روضة الآس للمقري 303. خلاصة الأثر للمحبي 1/ 170. صفوة من انتشر للافراني 52. نزهة الحادي له 97. الاستقصا للسلاوي 5/ 129. تاريخ السودان للسعدي 242 - 218 - 35 - 1. الإعلام بمن حلّ مراكش وأغمات من الأعلام 2/ 302. التقاط الدرر 11 و 12. شجرة النور الزكية، لمخلوف 298. كفاية المحتاج للمؤلف. المؤرخون الشرفاء. بروفنسال 176. فهرس الخزانة الملكية بالرباط. قسم التاريخ. عنان 356. فهرس الفهارس للكتاني 1/ 176. بروكلمان ج 2/ 618 قسم 2/ 715 دائرة المعارف الإسلامية الطبعة الأولى بقلم محمد شنب والثانية بقلم ليفي بروفنسال. الإجازة لمحمد شنب 94. الأعلام للزركلي. محجم المؤلفين لعمر رضا كحالة 1/ 145. رسالة علمية بعنوان: أحمد بابا التنبكتي 1556/ 1627 حياته وأعماله لمحمد الزبير باريس. المجلة التاريخية المغربية عدد 34 - 33 تونس 1984. مجلة أرابك 2/ 1955 ص 89 و 96. (¬1) ثمة إختلاف أو تصحيف في عدد من أسماء هذا النسب بين ما أورده القادري في نشر المثاني وبين ما أورده المحبي في خلاصة الأثر. وانظر الصفحة الأخيرة من الكتاب.

بين سكان الإقليم لاشتغالهم بالقضاء والتعليم واعتبارهم من أهل الفتيا والشورى والوجاهة (¬1). تلقى التنبكتي تعليمه في البيئة السودانية التكرورية على يد والده (¬2) الذي أخذ عنه الحديث سماعًا، والمنطق وكان مما درس عليه الصحيحان وكتاب الشفاء للقاضي عياض وغيرها. وأخذ النحو عن عمه أبي بكر بن أقيت (¬3) وقرأ على القاضي العاقب بن الشيخ أبي الثناء محمود بن عمر (¬4) وأجازه، كما أجازه من مكة الشيخ يحيى بن محمد الحطاب (¬5) وأجازه الشيخ محمد بن محمد المعروف بمحمد خادم الغلاني (¬6) على أن أبرز أساتذته وأكثرهم تأثيرًا في حياته شيخه محمد بغيغ (¬7) الذى لازمه سنتين قرأ عليه فيهما علوم التفسير والحديث والفقه والأصول والعربية والبيان والتصوف والتنجيم والمنطق والعروض وغيره من كتب تعد أمهات في بابها يزيد عددها عن أربعة وعشرين كتابًا ذكرها مفصلة ضمن ترجمته الواردة في كتابه كفاية المحتاج (¬8) وفيها وصف بطبيعة دراسته على شيخه كقوله: "فقرأت عليه بلفظي. . . قراءة بحث وتحقيق وتحرير". وقوله: "وختمت عليه الموطأ قراعة تفهم". وقوله: "سمعت بقراءته هو. . . وبقراءة ¬

_ (¬1) نشر المثاني 1/ 274، السلاوي 5/ 129. (¬2) عالم مؤلف له تشخيصيات العشرينيات الفزازية لابن مهيب، وشرح منظومة المغيلي في المنطق، وحاشية علي القتائي في الفقه، وشرح جمل الخونجي وصغرى السنوسي والقرطبية. ولد سنة 929 وتوفي سنة 990 هـ (شجرة النور الزكية ص 286 وألف سنة من الوفيات 318). (¬3) انظر شجرة النور الزكية 286. (¬4) المصدر نفسه والصفحة ذاتها وفيه إشارة إلى أخذه عن التاجوري وعبد السلام الأسمر، وانظر روضة الآس 311. (¬5) انظر نيل الابتهاج وألف سنة من الوفيات 321 وأعلام ليبيا 435 وشجرة النور الزكية 279. (¬6) انظر روضة الآس 311. (¬7) محمد بن محمود بن أبي بكر الونكري التنبكتي المعروف ببغيع بباء مفتوحة فغين معجمة ساكنة فياء مضمومة فعين مهملة مضمومة، ولد سنة 930 هـ وتوفي سنة 1002 هـ أثنى عليه التنبكتي في الكفاية م م الرباط رقم 681 وعنه نقل صاحب الأعلام 2/ 303 وانظر ما كتب عنه في الفكر الإسلامي 4/ 105 ونيل الابتهاج 342 وحاشية ص 305 من روضة الآس. (¬8) وانظر نصها في الأعلام بمن حل بمراكشى من الأعلام 2/ 302 وفي نيل الابتهاج وفيه إشارة إلى أنه كان مع بني أقيت حين حاصرهم جنود السلطان الذهبي وأنه نجا بفضل اللَّه فكان ذلك آخر عهد المؤلف به.

محنه

غيري. . ." وذكر أنه باحثه في المشكلات وراجعه في المهمات ثم قال: "وبالجملة فهو شيخي وأستاذي ما انتفعت بأحد انتفاعي به وبكتبه". محنه: عاش التنبكتي حتى أواخر العقد الثالث من عمره في أسرة تتمتع بالرئاسة والجاه، ثم حلّت به محن شداد (¬1) طبعت حياته الباقية بطابع الحزن كما يبدو من قراءة سيرته ومؤلفاته. ففي السابعة والعشرين من عمره فقد والده وهو أستاذه الأول، وفي التاسعة والثلاثين حاصر القائد المغربي محمد بن زرقون عشيرته بني أقيت فيما يسميه المؤلف بالكائنة العظمى (¬2) لما لحقهم فيها من التنكيل والعذاب إذ سيقوا موثقين بالقيود إلى مراكش، حيث أودعوا السجن من أول رمضان عام 1002 حتى يوم الأحد الحادي عشر من رمضان سنة 1004 هـ وفي الطريق إليها سقط الشيخ عن ظهر الجمل فكسرت ساقه، وفقد في هذه المحنة ستمائة وألف مجلد من كتبه (¬3) وفي ذروة هذه المحن أصيبت عشيرته بوباء الطاعون فمات معظم أفرادها فيما يروي المؤرخون (¬4) وفي هذه الفترة العصيبة فقد من أقاربه الأدنين ابنه محمدًا (¬5) وعمه عبد اللَّه بن محمود بن أقيت (¬6). إن هذه المحن تفسر ضيق أحمد بابا بمراكش حتى قال عند مغادرتها: "لا ردّني اللَّه إلى هذا المعاد، ولا رجعني إلى هذه البلاد" (¬7). وهو ما يؤكد أن ¬

_ (¬1) نشر المثاني 1/ 274 وفيه أنه امتحن امتحانًا عظيمًا على عادة أمثاله وخلاصة الأثر للمحبي ج 1 ص 171. (¬2) الأعلام بمن حلّ بمراكش وأغمات من الأعلام 2/ 303، وانظر نيل الابتهاج ص 114. (¬3) انظر ترجمة المؤلف لنفسه في كفاية المحتاج والاستقصا 5/ 129، 130، نقلًا عن بذل المناصحة لأحمد السوسي تلميذ التنبكتي، ونشر المعاني 1/ 274 وشجرة النور الزكية ص 299 ودائرة المعارف الإسلامية في طبعتها الأولى نقلًا عن كتاب السير وغيره. (¬4) روضة الآس ص 314 والسلاوي 5/ 131. (¬5) روضة الآس ص 314. (¬6) ألف سنة من الوفيات ص 329 ونيل الابتهاج ص 161 وقد أشار التنبكتي التي من فقدهم في بعض أسفاره. انظر نزهة الحادي ص 98. (¬7) السلاوي 5/ 131 والأعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام 2/ 307 ونزهة الحادي ص 98.

عودته ووفاته

إقامته في مراكش بعد إطلاق سراحه ما كانت باختياره كما جاء في رواية ابن شنب وبروفنسال بدائرة المعارف الإسلامية في طبعتها الأولى والثانية (¬1) بل كانت إقامة قسرية كما قال السلاوي فيما نصه: "ولم يزل بمراكش إلى أن مات المنصور، لأنه ما سرحهم حتى شرط عليهم السكنى بمراكش، ولما توفي أذن ابنه زيدان لآل أقيت في الرجوع إلى بلادهم (¬2) ". وعلى الرغم من شدة المحن التي ابتلي بها الكاتب في هذه السنوات المراكشية كانت تلك من أغنى فترات حياته عطاء وشهرة. ففيها ختم بعض كتبه سنة 1004 هـ (¬3) وأكمل أشهرها وهو "نيل الابتهاج" سنة 1005 هـ (¬4)، واختصره في "كفاية المحتاج" الذي تعود إحدى نسخه الكاملة إلى صفر من سنة 1012 هـ (¬5) هذا فضلًا عن جلوسه للتدريس بعد خروجه من السجن وازدحام الطلاب من حوله ودوران الفتيا عليه لفظًا وكتابة، بحيث لا تتوجه غالبًا إلا إليه (¬6) وأشار في "النيل" إلى أن اللَّه قد جبر عليه فعادت له بعض كتبه بعد دخوله لمراكش (¬7). عودته ووفاته: عاد التنبكتي إلى بلاده اثر وفاة السلطان المنصور الذهبي وبعد أن أذن ابنه التولي بعده في رحيل آل أقيت عن مراكش وقد حدد موعد عودتهم في دائرة المعارف الإسلامية بسنة 1014 هـ. وفي كتاب الأعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام ما يؤكد هذا التحديد (¬8) غير أن الأحداث التاريخية تشير ¬

_ (¬1) انظر الطبعة المترجمة الجامعة للروايتين 2/ 290 ط دار الشعب. (¬2) الاستقصا 5/ 130 وأنظر نزهة الحادي ص 97. (¬3) نشر المثاني 1/ 275 وفهرس مخطوطات الخزانة العامة بالرباط 2/ 193. (¬4) فهرس الخزانة الملكية المغربية، قسم التاريخ 356. (¬5) فهرس الخزانة الملكية المغربية، المجلد الأول 256. (¬6) خلاصة الأثر 1/ 172 وكفاية المحتاج للمؤلف. (¬7) النيل 114. (¬8) الأعلام 2/ 306.

بيئته الثقافية

إلى أن سيطرة زيدان بن المنصور على مراكش لم تتم حتى سنة 1015 هـ، حيث دخلها في أواخر هذه السنة (¬1) فليتأمل. وفي تنبكتو قضى المؤلف العشرين سنة الأخيرة من حياته في التعليم حيث انتقل إلى الرفيق الأعلى يوم الخميس السادس من شعبان سنة 1036 هـ/ 1627 م (¬2). وفي رواية أخرى أن وفاته كانت سنة 1032 هـ (¬3). بيئته الثقافية: شهد عصر التنبكتي في بيئته التكرورية والمغربية اهتمامًا خاصًّا بالعلوم الشرعية، وعناية بالغة بجمع الكتب، ففي تنبكتو مكان ميلاد أحمد بابا وموطن تعليمه نجد إقبالًا عظيمًا على جمع المخطوطات، يفهم من قوله في كفاية المحتاج: "وأنا أقل عشيرتي كتبًا نهب لي ألف وستمائة مجلد" (¬4). ومهما يكن في قوله من مبالغة أو مطابقة فإن في وصف افريقيا للوزان المتوفى سنة 957 هـ ما يؤازره، حيث جاء فيه عن تنبكتو ما نصه: "إن المخطوطات الكثيرة من بلاد (المغاربة) كانت تباع وتدر على أصحابها أرباحًا تفوق أرباح سائر البضائع (¬5) فإذا عرفنا أن عشيرة المؤلف من وجوه البلاد وعلمائها وقضاتها ترجح صدق ما ذكره المؤلف عن كثرة كتبهم. قال السلاوي: "وتوارثوا رئاسة العلم مدة طويلة تقرب من مائتي سنة وكانوا من أهل اليسار والسؤدد والدين" (¬6). فالمظنون إذن أن تكون أنفس وأغلب الكتب ¬

_ (¬1) الاستقصا 6/ 8. (¬2) صفوة من انتشر 52 والأعلام بمن حل بمراكش 2/ 306. ونشر المثاني 1/ 151 ودائرة المعارف الإسلامية ط 1. (¬3) خلاصة الأثر 1/ 172، وشجرة النور الزكية 199. (¬4) وانظر النص في بذل المناصحة والاستقصا 5/ 130 وشجرة النور الزكية 299 ونشر المثاني ج 1 ص 274. (¬5) وصف افريقيا ص 167. (¬6) الاستقصا ج 5 ص 129.

مؤلفاته

التي أشار إليها الوزان المتوفى قبل ولادة المترجم له بست سنوات، قد استقرت في خزائنهم. وفي البيئة المغربية صادفت وجود الرجل هناك فترة مزدهرة من حياة الدولة السعدية، إذ تزامن وجوده مع عصر المنصور الذهبي 986 هـ - 1012 هـ وهو العصر الذي حظي من المنصور بدعم خاص للجهود العلمية، وتنافس العلماء أثناءه في التأليف، حتى ألفت برسم خزانته مئات الكتب وألفت عن حياته كتب منها: "المنتقى المقصور" لابن القاضي، و"المدود والمقصور" لابن عيسى، و"مناهل الصفا" للفشتالي (¬1). وقد جاء التنبكتي إلى هذه البيئة وعمره يناهز الأربعين سنة فأسهم فيها بالتأليف والتعليم والإفتاء كما تقدم، وكان أستاذًا لجماعة من علمائها المشاهير من أمثال ابن القاضي صاحب "جذوة الاقتباس" (¬2) ومحمد بن يعقوب صاحب فهرسة أشاد فيها بفهم التنبكتي وحسن تصنيفه (¬3)، وأحمد المقري صاحب روضة الآس (¬4) والقاضي أبو النعيم الغساني والمفتي الشيخ الرجراجي وغيرهم وهم كثر. مؤلفاته: أكثر التنبكتي من التأليف حتى قال تلميذه محمد بن يعقوب: "كان أخونا أحمد بابا. . . مطبوعًا على التأليف" (¬5) وكانت مؤلفاته موزعة بين الفقه والتراجم ¬

_ (¬1) انظر مقدمة روضة الآس، والنبوغ المغربي لعبد اللَّه كنون ج 1 ص 249 - 276. (¬2) ذكره التنبكتي ضمن من أخذ عنه في كتابه كفاية المحتاج وانظر نص ذلك في خلاصة الأثر ج 1 ص 172. (¬3) خلاصة الأثر ج 1 ص 171. (¬4) انظر روضة الآس 303. (¬5) خلاصة الأثر ج 1 ص 171 وانظر أسماء مؤلفاته من المصدر نفسه وفي إيضاح المكون للبغدادي في مواضع متفرقة وفهارس دار الكتب المصرية والخزانة العامة والملكية بالرباط والتيمورية 3/ 10، 2/ 273، 365 ودائرة المعارف الإسلامية ورسالة محمد الزبير "أحمد بابا حياته وأعماله وشجرة النور الزكية" ص 298.

"والنحو والحديث والتصوف وغيرها، في كتب ورسائل تزيد عن الأربعين حتى مستهل صفر عام 1012 هـ على ما أورده التنبكتي نفسه في كفاية المحتاج. ومن هذه المؤلفات: 1 - المقصد في الشرح على مختصر خليل. 2 - حاشية منن الجليل على مهمات تحرير الشيخ خليل. 3 - نيل الابتهاج بتطريز الديباج. 4 - كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج. 5 - النكت الوفية بشرح الألفية. 6 - التحديث والتأنيس في الاحتجاج بابن ادريس. 7 - اختصار شرح المقدمة الصغرى. 8 - تنبيه الواقف على تحرير نية الحالف. 9 - جلب النعمة ودفع النقمة بمجانبة الظلمة أولي الظلمة. 10 - ترتيب جامع المعيار للونشريسي. 11 - نيل الأمل في تفضيل النية على العمل. 12 - اللآلي السندسية، مختصر عن المواهب القدسية لمحمد الملالي. 13 - غاية الأمل في تفضيل النية على العمل (¬2). 14 - غاية الإجادة في مساواة الفاعل للمبتدأ في شرط الإفادة. 15 - تعليق على مواضع من خليل ومواضع من ابن الحاجب. 16 - مسائل متضمنة فنونًا في صورة أسئلة. 17 - فتح المحيي في مسألة حي. 18 - المسك الأنم إلى معرفة هلم. 19 - منور الحالك في شرح بيتي ابن مالك. 20 - المطلب والمأرب في أعظم أسماء الرب. 21 - جزء في تكفير الكبائر بالأعمال الصالحة. ¬

_ (1) منه نسختان في الخزانة العامة بالرباط (انظر فهرسها 2/ 192). (¬2) هو غير الكتاب الوارد في الترتيب الحادي عشر من هذه القائمة.

22 - نشر العبر. 23 - خمائل الزهر. 24 - الدر النضر، وهذه الكتب الثلاثة ذات الأرقام (22 - 23 - 24) في الصلاة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. 25 - رسائل نثرية مودعة في المكتبة الجزائرية. 26 - فوائد النكاح على مختصر كتاب الوشاح للسيوطي. 27 - معراج الصعود، أشار إليه السلاوي في الاستقصا (¬1). 28 - استطراد الظرفاء، ذكره مؤلف "بذل الناصحة" وأشار إلى أنه أخفاه إلى أن سافر إلى بلده (¬2). 29 - تحفة الفضلاء ببعض فضائل العلماء، منه نسخة في الخزانة العامة بالرباط، وثلاث نسخ في الخزانة الملكية (¬3). 30 - مرآة التعريف بفضل العلم الشريف (¬4). ¬

_ (¬1) الاستقصا في أخبار المقرب الأقصى 5/ 133. (¬2) نشر المثاني 1/ 274. (¬3) انظر فهرس مخطوطات القسم الخاص بالتاريخ والرحلات بأرقام /2261/ و/5534/ و/ 6308/. (¬4) مركز أحمد بابا السوداني بتنبكتو رقم 229.

تعريف بالكتاب

تعريف بالكتاب سمي هذا الكتاب بأسماء مختلفة حسب ورودها في عناوين النسخ الباقية منه حتى الآن، ففي إحداها كان عنوانه "نيل الابتهاج في التذييل على الديباج" وفي نسخة ثانية "وجه الابتهاج في الذيل على الديباج" (*) وفي الثالثة "نيل الابتهاج بتطريز الديباج". ويقع الكتاب في عدد من الصفحات يختلف باختلاف النسخ المخطوطة التي تتراوح ما بين 90 و 286 ورقة، ويشير الناسخ في خاتمة بعضها إلى تمام كتابها بدرب عبيد اللَّه من مدينة مراكش في 17 من جمادى الأولى سنة 1005 هـ (¬1). وقد وضع كتاب "نيل الابتهاج" ليكون ذيلا على كتاب "الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب". لابن فرحون المدني المتوفى سنة 799 هـ. وبذلك كان مشاركًا له في موضوعه، موفيًا ما نقص من مادته ومضيفًا عليه من جاء بعده من أعيان الفقهاء حتى عصر المؤلف. أما سبب تأليفه فيوضحه أحمد بابا بقوله: "لما كان علم التاريخ ومعرفة ¬

_ (*) اطَّلعت على هذه النسخة وفيها تغيير وإضافات عما في النيل، وقد أفدت منها في تقويم بعض النصوص في هذه الطبعة. (¬1) توجد في الخزانة العامة بالرباط نسخة واحدة منه تقع في 238 ورقه رقم /2229/ وفي الخزانة الملكية بالرباط ست نسخ تحمل الأرقام التالية: /2358/ و/1896/ و/4206 و/2139/ و/3302/ و/099/ وتقع على التوالي في 90 ورقة و 106 ورقة و 105 ورقة و 169 ورقة و 216 ورقة و 286 ورقة. انظر فهرس المخطوطات العربية المحفوظة بالخزانة العامة ج 2 ص 187 - 188، وفهارس الخزانة الملكية المجلد الأول 356 - 358.

الأئمة. . . من الأمور العلية، ويعتني به كل ذي همة ذكية. . . اعتنى به الأئمة قديمًا وحديثًا. وذكر جماعة من العلماء الذين سبقوه في موضوع كتابه حتى انتهى إلى ابن فرحون وكتابه، ثم قال: فما زالت نفسي تحدثني من قديم الزمان وفي كثير من ساعات الأوان باستدراكي عليه ببعض ما فاته أو جاء بعده من الأئمة الأعيان" (¬1). وخصص جانبًا من آخر كتابه لمصادره (¬2) وذكر منها في "كفاية المحتاج" أربعين مرجعًا بعضها لم يعرف سبيله إلى النشر ومنها ما لم يعثر عليه حتى كتابة هذه الأوراق، وأبرز مؤلفي مصادره ابن الأبار والتادلي وابن الزبير والتجيبي وابن فرحون والمقري والحضرمي وابن الخطيب وابن خلدون وأبو زكريا السراج وابن الأحمر والمنتوري وابن مرزوق الحفيد والسيوطي، مع مؤلفي الرحلات الغربية من أمثال القلصاري والعبدري والقسنطيني والقتوري ومنهم جامعو الفهارس والكناشات، ومؤلفو الكتب الفقهية. واعتمد بالإضافة إلى هذه المصادر المكتوبة على مصادر شفهية ممن عاصرهم من الشيوخ، كما اعتمد على صلاته الواسعة ببعض من ترجم لهم من معاصريه. وقد أشاد جماعة من الكتاب بأحمد بابا التنبكتي وكتابه وأشاروا إلى أنه كان ثقة فيما يرويه عنِ معاصريه (¬3) وأخذ عليه بعضهم نقله عن غيره دون إشارة إلى المصدر أحيانًا، فقد استنتج عبد الجليل التميمي في مقال له عن "نيل الابتهاج" أن المعلومات الببليوغرافية المتعلقة بالقرن العاشر وأوائل الحادي عشر الهجرى تكاد تكون سليمة وصحيحة وموثوق بها، بخلاف ما أورده حول أعلام القرون الأولى من الرصيد المكتبي (¬4) وقال: "إن الكتاب يعتبر أساسًا سجلًا للأعلام الأندلسيين والتونسيين والمغاربة والجزائريين والطرابلسيين" واعتبر بروفنسال هذا الكتاب من أهم المصادر المغربية المتعلقة ¬

_ (¬1) النيل: 28. (¬2) النيل: 640. (¬3) المجلة التاريخية المغربية 1984 ص 44 والمؤرخون الشرفاء ص 176 - 177. (¬4) المجلة التاريخية المغربية العدد نفسه والصفحة نفسها.

بالتراجم وقال: "إن أحمد بابا التنبكتي جدير بأن يسجل اسمه ضمن المؤرخين غير المباشرين للمغرب أواخر القرن السادس عشر الميلادي" (¬1). وجاء في دائرة المعارف الإسلامية أن كتاب النيل هذا من المصادر العمدة في استعراضه المراجع التي تحدثت عن الغرب وأعلامه حتى القرن السادس عشر الميلادي (¬2). أما السملالي فقد اتهم المؤلف بأنه يختصر كلام صاحب الجذوة ولا ينسبه إليه في تراجم المتأخرين. وقال: "إنه قد يزيد في بعض المواضع عما في الجذوة" (¬3). ويؤكد محمد الهيلة في تعريفه بالإمام البرزلي أن التنبكتي اكتفى بنقل ما كتبه ابن مريم ونسب لنفسه ما نقله عنه، ثم أورد مقارنة بين نص ابن مريم التالي: "قلت: ذكر بعض أصحابنا وفاته سنة 842 هـ وكذا رأيته مقيدًا في بعض المواضع". وبين قول أحمد بابا. قلت: "ورأيت في بعض التقاييد أن وفاته سنة 842 هـ (¬4) ولا تثبت المقارنة كما نرى تهمة النقل الحَرْفِي غير الموثّق. وأشار كاتب آخر إلى أن التنبكتي قد نقل من كتاب الفهرس لابن منجور ما يتعلق بعمر الوزان (¬5)، وقد نبه أحمد بابا نفسه أنه أفاد من فهارس الشيوخ ولم ينكر الأخذ من فهرس ابن منجور. طُبع نيل الابتهاج عدة طبعات غير محققة أكثرها على حاشية الديباج فمن طبعاته تلك طبعة فاس سنة 1317 هـ والقاهرة سنة 1329 هـ وطبعة العاهد سنة 1335 هـ. أما اختصارات وذيول هذا الكتاب فقد بدأها المؤلف نفسه باختصاره ¬

_ (¬1) المصدر السابق ص 48. (¬2) المؤرخون الشرفاء ص 179. (¬3) الأعلام بمن حلّ بمراكش ج 2 ص 307. (¬4) النشرة العلمية للكلية الزيتونية السنة الأولى العدد الأول ص 7 وانظر البستان وابن مريم ص 50 ونيل الابتهاج. (¬5) تاريخ الجزائر الثقافي 1/ 387.

المسمى "كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج" وقدمه بقوله: "وبعد فهذا جزء اختصرته من الذيل الذي ذيلت به كتاب الديباج المُذهب في معرفة أعيان المذهب". وأضاف أنه اقتصر فيه على مشاهير الأئمة وأولي التصانيف دون غيرهم غالبًا فبدأ بترجمة الأحمدين وتبع الترتيب الهجائي الذي سار عليه في الأصل، ثم ختمه بترجمتين لم يذكرا في ذلك الأصل، ثم عَرَّف بنفسه وذكر مصادر كتابه (¬1). وفي عصر المؤلف كُتب مختصر آخر لمصنف مجهول لا زالت منه نسخة في الخزانة العامة بالرباط (¬2) وهناك نسختان من مختصر صغير منه لمصنف مجهول أيضًا مودعتان في الخزانة الملكية بالمغرب (¬3) ويعد كتاب اليواقيت الثمينة في أعيان مذهب عالم المدينة لمحمد بن بشير بن ظافر المدني توفي 1909 م. ذيلًا على نيل الابتهاج (¬4). وكما حظي نيل الابتهاج بذيول ومختصرات وجد مختصره كفاية المحتاج من يعمل على تذييله وتكميله، فقد ألف محمد بن الطيب القادري الحسني كتابًا بعنوان "الاكليل والتاج" في تذييل كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج يقع في مائة ورقة تمت كتابتها في ربيع الثاني سنة 1217 هـ (¬5). ¬

_ (¬1) من هذا المختصر سبع نسخ في الخزانة الملكية في المغرب تحمل الأرقام التالية: (681 - 453 - 2045 - 1741 - 1970 - 8077)، وقطعة برقم: (9902) ونسختان بمركز جهاد الليبيين وقد عثرت على نسخ أخرى في النيجر ومالي والمغرب. (¬2) انظر فهرس المخطوطات العربية في الخزانة العامة القسم الثاني 2/ 188 تحت رقم: 2230 (1641 د). (¬3) انظر فهارس الخزانة الملكية المجلد الأول فهرس قسم التاريخ ص 279 والنسختان تحملان رقم: 7229 و 7434. (¬4) انظر مع المكتبة العربية د. عبد الرحمن عطبة ص 130. (¬5) انظر فهرس الخزانة الملكية المجلد الأول ص 32، برقم: 1897 و 3717.

نيل الابتهاج بتطريز الديباج

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة الحمد للَّه المنفرد (¬1) بالبقاء، الحاكم على سواه بالفناء، المختص بالإحاطة والإحصاء. والصلاة والسلام على سيدنا محمد المرسل بالحنيفية الغراء، وعلى آله وصحبه أنجم الاقتداء، وبدور الاهتداء، وحافظي الشريعة بعدهم مصابيح الاقتداء، ما كرّ ظلام بالليل، وبالنهار ضياء. وبعد. . . فيقول الفقير لرحمة ربه القدير، أحمد بن أحمد بن أحمد بن عمر بن محمد أقيت عرف ببابا التكروري ثم التنبكتي المالكي -وفقه اللَّه لرضاه، وأناله حلاوة تقواه-: لما كان علم التاريخ ومعرفة الأئمة من علماء الملة، من الأمور العلية، يعتني به كل ذي همة زكية، إذ هم نقلة الدين وحملة الشريعة المحمدية، وبه يتميز الصالح من الطالح، والمسخوط من المقبول، ويعرف ذو العدل منهم ومن هو مجهول، فيعطي كل ذي حق حقه، كما ورد به أمر من الرسول، اعتنى الأئمة قديمًا وحديثًا بالوضع فيها على أنحاء متفاوتة، وأضرب متباينة، فبعضهم عرف المحدِّثين والرواة جرحًا وعدالة، وبعضهم عرف أهل الفقه ومن لهم فيه مقالة، أو انتسب إلى حملته وانتحى له، وكان ممن سعى في ذلك من أهل مذهبنا المالكية سعيًا حثيثًا، وجمع فيه ما تفرق عند غيره قديمًا ¬

_ (¬1) (ح) و (و): الذي انفرد وقضى على خلقه بالفناء.

وحديثًا، الإمام الكامل، الجليل الفاضل، أبو الفضل عياض (¬1)، ملأ اللَّه تعالى ثراه من رحماه أزاهير رياض. ثم تابعه جماعة اختصروا من مداركه بعض ما تيسر كابن حماد (¬2) وابن رشيق وابن علوان (¬3)، وغيرهم من فضلاء الأعيان. ثم جاء الإمام العلامة الحافظ القدوة أبو إسحاق إبراهيم بن فرحون المدني، أدخل اللَّه على رمسه الريح الهني، فقطف من كلامه بعض ما ذكر، واستدرك عليه جماعة ممن عنه تأخر، فرتبه على حروف المعجم، وبين فيه بعض من قد يخفى أو يبهم، فهو وإن لم يوف من ذلك مطلوب الغرض، فلقد قام ببعض الحق المفترض. فما زالت نفسي تحدثني من قديم الزمان، وفي كثير من ساعات الأوان، باستدراكي عليه ببعض ما فاته أو جاء بعده من الأئمة الأعيان، فقيّدت فيه بحسب الإمكان، حين كنت ببلد بعيدة عن نيل المقصد من ذلك، لبعدها عن مدن العلم وكتب هذا الشأن، فقصر بي الحال مع عدم مساعدة الزمان، لما بلينا به من حوادث الوقت وفتنة تشغل عن كل فرض، وترمي بشرر كالقصر في الطول والعرض. هذا مع أن المجتهد في هذا الغرض مقصر، والطيل مختصر؛ إذ ما يذكر! أقل من معشار ما يغفل، وما ينقل لا نسبة بينه وبين ما يجهل، فبحار المدارك مسجورة، وغايات الإحسان على الإنسان مهجورة، وحسبك في صعوبة الحال إنا لم نجد أحدًا تعرض لجمع ذلك بعد ابن فرحون، أو تصدّى لذلك في جدّ أو مجون، إلا رجلًا واحدًا من أهل العصر، ذكر في مجموع نحو ثلاثمائة رجل، بيّض لتراجم منهم لم يجد لمعرفتهم سبيلًا، ولا ذكر من حالهم كثيرًا ولا ¬

_ (¬1) أبو الفضل بن عياض بن موسى اليحصبي، صاحب ترتيب المدارك، انظر ترجمته في: وفيات الأعيان 3: 483، الفكر السامي 2: 223، تذكرة الحفاظ 1304، شذرات الذهب 4: 138، الإحاطة 2: 167، الديباج 168، معجم المؤلفين لرضا كحالة 8/ 16، والأعلام لخير الدين الزركلي. (¬2) انظر ترجمة ابن حماد في: التكملة 2 ترجمة 1637، وفيات ابن قنفد 311، بروكلمان 6: 30، الأعلام بتاريخ الإسلام، خ. (¬3) ابن علوان عبد اللَّه بن محمد. ترجمته في: عنوان الدراية 314، تعريف الخلف 2: 241، معجم أعلام الجزائر 240.

مقدمة

قليلًا، مع أنه من أهل مصر والقاهرة، وله حظ من الرياسة الظاهرة، وعنده من الكتب، على ما قيل، ما لا يحصى، لما ناله من السعادة الباهرة، وقِدْمًا قيل "نعم العون على العلم الرياسة"، فما الظن بمن في طرف من آخر المعمور، خال عن العلم وأدواته، خادع نفسه بسراب التمني والغرور؟ ولولا فضل المولى ذي الفضل والإحسان، الذي يفتح على من يشاء من عباده بما شاء من أنواع الامتنان، ما جمعت في هذه الكراريس ما تيسر لي من ذلك ممن ليس في ديباج ابن فرحون مذكورة، وزدت في بعض تراجم من ذكره ما ترك من أوصافه المشكورة، فجاء -بحمد اللَّه تعالى- فوق ما أردت، وزائدًا على ما نويت وقصدت، وسميته بـ (نيل الابتهاج، بتطريز الديباج)، جعله اللَّه تعالى خالصًا لكريم وجهه، وموجب الفوز لديه بفضله. مقدمة: قال بعضهم نقلًا عن "أبي شامة" (¬1) قال "أبو مصعب الزبيدي": ما رأيت أحدًا أعلم بأيام العرب، بل بأيام الناس من الشافعي. ويروى عنه. أنه أقام على تعلم أيام الناس والأدب عشرين سنة، وقال ما أردت بذلك إلا الاستعانة على القلب، وفي كتاب اللَّه وسنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، من أخبار الأمم السالفة ما فيه عبر لذوي البصائر. قال تعالى -وهو أصدق القائلين-: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (سورة هود، الآية 120)، وقال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} (سورة القمر، الآية 4، 5). وحدّث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بحديث أم زرع وغيره لما جرى في الجاهلية والإسلام، والأحاديث الإسرائيلية، وحكى عجائب الإسراء والمعراج، وقال: "حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج". وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن ¬

_ (¬1) أبو شامة (596 - 665 هـ) وقيل: 599 هـ. هو عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان شهاب الدين أبو القاسم أبو شامة. انظر ترجمته في: طبقات القراء 1: 366. طبقات الشافعية 5: 61، أعلام من الاسكندرية 176. بغية الوعاة 297. البداية لابن كثير 13: 250.

سمرة "لا يقوم -صلى اللَّه عليه وسلم- من مصلاه الذي صلى فيه الصبح حتى تطلع، وكانوا يتحدثون ويأخذون في أمر الجاهلية ويضحكون ويتبسمون". وفي أبي داود من حديث ابن عمر كان -صلى اللَّه عليه وسلم- يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح (*) وقال: والجاهل بالتاريخ راكب عمياء، وخابط خبط عشواء، ينسب إلى من تقدم أخبار من تأخر، ويعكس ذلك ولا يتدبر. ولقد رأيت مجلسًا جمع ثلاثة عشر مدرسًا، ومنهم قاضي قضاة ذلك الزمان، وغيره من الأعيان، فجرى بينهم وأنا أسمع ذكر من تحرم عليه الصدقة، وهم ذوو القربى المذكورون في القرآن، فقالوا: هم بنو عبد المطلب وأن عبد المطلب هو هاشم، فما أحقهم بلوم كل لائم! إذ هو أصل من أصول الشريعة أهملوه، وباب من أبواب العلم أغفلوه اهـ. وقال من فوائد التاريخ واقعة رئيس الرؤساء مع اليهودي الذي أظهر كتابًا فيه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بإسقاط الجزية عن أهل خيبر وفيه شهادة الصحابة منهم علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- فحمل الكتاب إلى رئيس الرؤساء، ووقع الناس في حيرة عظيمة من شأنه، فعرض على الحافظ أبي بكر الخطيب (¬1) فتأمله وقال: هذا مزور فقيل: من أين ذلك؟ فقال: فيه شهادة معاوية، وهو أسلم عام الفتح، وفح خيبر سنة سبع، وشهادة سعد بن معاذ، وسعد مات يوم بني قريظة قبل فتح خيبر، ففرج بذلك عن الناس غمًا- اهـ. قال الجلال السيوطي بعد نقله ما تقدم: وقال الولي العراقي (¬2): قد وقع الاستدلال بالتاريخ في الكتاب العزيز، قال تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ ¬

_ (*) في (و): لايقوم إلّا إلى عظيم صلاة. وأنشد لبعض الفضلاء: كتابٌ أطارحه مُؤنسٌ ... أحَبُّ إليَّ من الآنسهْ أدارسُهُ فيريني القرو ... ن، حضورًا وأعظمهم دارسهْ (¬1) هو أحمد بن علي بن ثابت البغدادي (ت 463 هـ). انظر ترجمته في: طبقات الحفاظ 434، معجم الأدباء 1: 248، طبقات الشافعية 3: 12، النجوم الزاهرة 5: 87، سير أعلام النبلاء واللباب 1: 380، وابن عساكر 1: 398، وابن الوردي 1: 374. (¬2) ولي الدين أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين المعروف بابن العراقي (ت 826) انظر ترجمته في: الضوء اللامع 1: 336، البدر الطالع 1: 72، المنهل الصافي 1/ 312، الشذرات 7: 137، حسن المحاضرة: 1: 206.

تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (سورة آل عمران، الآية 65). فاستدل على بطلان دعوى اليهود في إبراهيم أنه يهودي، ودعوى النصارى أنه نصراني بقوله: {وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ}. وهذا من لطائف الاستدلالات ومقايسها. وقال الصلاح الصفدي: قد يفيد التاريخ حزمًا وعزمًا وموعظة وعلمًا وهمة تذهب همًا، وبيانًا يزيل وهنًا وهمًا {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} (سورة هود، الآية 120) {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (سورة يوسف، الآية 111). وقال التاج السبكي في (معيد النعم ومبيد التقم): المؤرخون على شفا جرف هار لأنهم يتسلطون على أعراض الناس، وربما مس أناسًا تعصبًا أو جهلًا أو اعتمادًا على نقل من لا يوثق به أو غيرها من الأسباب، فعلى المؤرخ أن يتقي اللَّه. قال الشيخ الوالد، يعني السبكي الكبير: الرأي لا يُقبَلُ مدح أو ذم من المؤرخين إلا بشروط: أن يكون صادقًا، وأن يعتمد اللفظ دون المعنى، وأن يكون عارفًا بحال من يترجمه علمًا ودينًا وغيرهما من صفاته، وهو عزيز جدًّا، وأن يكون حسن العبارة، عارفًا بمدلولات الألفاظ، حسن التصور حتى يتصور في حال ترجمته حال ذلك الشخص، ويعبر عنه بما لا يزيد ولا ينقص من حاله، وأن لا يغلبه الهوى فيطنب في مدح من يحبه أو يقصر في غيره -انتهى. وقال الصفدي أيضًا: يبدأ في التراجم باللقب ثم بالكنية ثم بالاسم، وبالنسبة إلى البلاد ثم إلى الأصل ثم إلى المذهب في الفروع، ثم إلى الاعتقاد، ثم إلى العلم والصناعة والخلافة والسلطنة والوزارة والقضاء والإمرة والمشيخة. قلت: ولعله أخذ البداعة باللقب قبل الاسم من قوله تعالى: {الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} وإلا فالذي عند النحاة أن الغالب تأخير اللقب عن الاسم والكنية عند الاجتماع، واللَّه أعلم.

فائدة

فائدة: وبعد تحصيل هذه المقدمة نرجع إلى المقصود مبدئًا بصاحب الأصل الذي ذيلنا عليه، وهو ابن فرحون كما اقتضاه حسن الاتفاق، ثم ترتب الأسامي بعده على ترتيبهم في الزمن والوفاة غالبًا، إذ ترتيبهم على مقدارهم في العلم والجلالة غير ممكن، وباللَّه نستعين.

حرف الهمزة

حرف الهمزة 1 - إبراهيم بن (*) علي بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن فرحون (¬1). اليعمري الأُيَّاني (*) ثم الجياني الأصل المدني المولد، كان من صدور المدرسين ومن أهل التحقيق، جامعًا للفضائل، فريد وقته، يعرف ببرهان الدين، من أهل بيت علم أبوه وعمه وجده. نشأ في الاشتغال بالعلم فتدرب بعمه أبي محمد بن فرحون عالمًا بالفقه والنحو والأصول والفرائض والوثائق وعلم القضاء وعالمًا بالرجال وطبقاتهم، مشاركًا في الأسانيد، واسع العلم فصيح القلم ذا بيان، كريمٍ الأخلاق حلو المنظر، بعيدًا من التصنع والرياء، من أَرقِّ أهل زمانه طبعًا وألطفهم عبارة، كثير الأوراد والتلاوة، يحيي آخر الليل بهما إلى أن توفي، جميل الهيئة بهي المنظر معتدل القامة، يلازم الطيلسان على العمامة ولا يلبس الثياب المصقولة، يلازم بيته، قليل الاجتماع بالناس، رحل إلى مصر عدة مرات وإلى القدس ودمشق سنة اثنين وتسعين وسبعمائة، تولى القضاء بالمدينة في ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين فسار فيها سيرة حسنة، ولم تأخذه في اللَّه لومة لائم، وأظهر مذهب مالك بها بعد خموله، ¬

_ (*) في (ح) بن أحمد بن علي. (¬1) انظر ترجمته في شذرات الذهب 6: 357، تعريف الخلف 1: 197، المرر الكامنة 1: 48، دائرة المعارف الإسلامية 1: 399، آداب اللغة 3: 218، إيضاح المكنون وكشف الظنون (مواضع متعددة)، بروكلمان 2: 263. (*) في (و) والأبدي بضم الهمزة وتشديد الباء الموحدة وبعدها دال مهملة.

فهابته الرعية وانتصف من الظالم، ثم حصل له فالج في شقه الأيسر فأبطل حركته ثم مات. سمع الحديث على والده وعمه والشيخ أبي عبد اللَّه المطري الموطأ والصحيحين وسنن أبي داود وابن ماجه وغيرها، والشرف الأهبوطي قاضي المدينة وخطيبها الموطأ والبخاري وجامع الأصول والملخص وتآليف الطرطوشي، والشرف الأسواني الشفاء وصحيح مسلم ودلائل النبوّة، والبدري الأقشهري والجمال الدمنهوري وابن جابر الهراوي والشيخ محمد بن عرفة نزيل الحرمين، واجتمع أيضًا بولده العلامة محمد بن محمد بن عرفة في حجة سنة اثنتين وتسعين، وعنده نزل لما جاء للمدينة فعرض عليه مصنفاته، فأشار عليه ابن عرفة بإفراد مقدمة شرحه على ابن الحاجب عن الشرح لينتفع بها على حدتها، فأجاز له جميع مسموعاته ومروياته وتصانيفه، وأجاز له أيضا جميع من تقدم ما يجوز لهم وعندهم. ومن تآليفه شرح مختصر ابن الحاجب سماه "تسهيل المهمات في شرح جامع الأمهات" كتاب مفيد غاية، جمع فيه كلام ابن عبد السلام وابن راشد وابن هارون وخليل وغيرهم من الشراح، مع التنبيه على مواضع من كلامهم وزوائد من غيرهم مما لا غنى عنه، في ثمانية أسفار، و"تبصرة الأحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام"، لم يسبق لمثله، وفيها من الفوائد ما لا يخفى و"الديباج المذهب في أعيان المذهب" فيه نيف وثلاثون وستمائة نفس، جمعه من نحو عشرين كتابًا، و"درر الغواص في محاضرة الخواص" لم يسبق لمثله، ألفه ألغازًا في الفقه، مرتبًا على الأبواب و"كشف النقاب الحاجب من مصطلح ابن الحاجب" مقدمة من عرفها سهل عليه مشكلات الكتاب و"إرشاد السالك إلى أفعال المناسك" فيه تنبيهات عزيزة و"المنتخب في مفردات ابن البيطار" في الطب في الأدوية المفردة، ومما لا يكمل "بروق الأنوار" في سماع الدعوى، واختصار تنقيح القرافي سماه "إقليد الأصول" وصل الى الناسخ، وكتاب في الحسبة، وتآليفه في غاية الإفادة لاتساع علمه.

2 - إبراهيم بن عبد الرحمن بن خلف القيسي، عرف بابن نشا

عاش لم يملك دارًا ولا نخلًا، إنما يسكن بالكراء ويأكل بالسلف والدَّيْن مع كثرة عياله، مات عن دَيْن كثير عليه توفي عاشر ذي الحجة سنة تسع وتسعين وسبعمائة. هكذا لخصت هذه الترجمة من خط جدي الفقيه الحاج أحمد بن عمر -رحمه اللَّه- ومن خطه أيضًا اليعمري -بفتح الياء التحتية والعين الساكنة والميم المفتوحة والراء الهملة- نسبة ليعمر بن مالك بن يهثم من ذرية ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، والأيَّاني -بضم الهمزة وشد التحتية بعدها ألف ونون- اهـ (*). قلت: وأم القاضي برهان الدين شريفة وكذا أم أبيه، ذكره الإمام عمه أبو محمد بن فرحون في تاريخ المدينة. 2 - إبراهيم بن عبد الرحمن بن خلف القيسي، عرف بابن نشا (¬1) (**) اختصر شرح الشهاب لابن الوحشي والعقد لابن عبد ربه، أخذ عن الصدفي وغالب بن عطية وأبي الحسن بن المياقشي وأبي محمد بن السيد وابن سبعين. كان من أهل الفقه والأدب والتاريخ والغريب له نظم ونثر، وكان حيًّا سنة خمس وخمسين وخمسمائة، صح من صلة ابن الزبير. زاد ابن الحضرمي في فهرسته: وتوفي في حدود السبعين وخمسمائة عن نحو ثمانين سنة. 3 - إبراهيم بن خلف بن محمد بن حبيب بن عبد اللَّه بن عمرو بن فرقد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي عبيدة بن وهب وهو من ذرية عقبة بن نافع الفهري صاحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مسكنه بإشبيلية وكنيته أبو إسحاق (¬2). ¬

_ (*) في (و) ضبط الأُبّدى على النحو المتقدم وليس الأُبَّاني. (**) في (و) ترجمة البلفيقي. (¬1) فقيه وأديب (670 - 750 هـ = 1272 - 1349 م). بغية الوعاة 1: 487، كشف الظنون 1067، و 1149، معجم المؤلفين 1: 45، معجم المصنفين 3: 188، أعلام المغرب 1: 69. (¬2) يعد أبو إسحاق من الفقهاء المحدثين والأدباء المتوسطين (484 - 572 هـ). التكملة 1: 153، والإحاطة 1: 364، معجم المصنفين 3: 125، فهرس الفهارس 2: 274، معجم المؤلفين 1: 29، أعلام المغرب 1: 70.

4 - إبراهيم بن أحمد بن الخطيب

سمع من أبي محمد بن عتاب وأبي عبد اللَّه بن حمدين، وأبي الحسن بن بقي وأبي عبد اللَّه بن الحاج، وأبي عمر ميمون بن يس، وأخذ عنه الصحيحين وكان يعلو فيهما، وله أيضًا رواية عن أبي الحسن سليمان بن أبي زيد، وأبي بكر بن عبد العزيز وأبي عبد اللَّه بن أبي الخصال، غلب عليه الأدب وعلم الفرائض، وله في ذلك أرجوزة رويت عنه، وولي القضاء بموضعه وتوفي سنة نيف وسبعين وخمسمائة، ومولده بعد ثمان وثمانين وأربعمائة، ذكر هذا ابن الآبار. ابن فرقد الاشبيلي (¬1)، قال ابن الخطيب في "الإحاطة في تاريخ غرناطة" كان متفننًا في معارف، محدثًا راويًا عدلًا فقيهًا حافظًا، شاعرًا كاتبًا بارعًا، حسق الأخلاق، وطيء الأكناف جميل المشاركة، كتب بخطه كثيرًا من الكتب، من أصح الناس كتبًا وأتقنهم ضبطًا وتقييدًا، لا تكاد تلقى خللًا فيما صححه، رؤوفًا شديد الحنان على الضعفاء واليتامى، صلبًا في ذات اللَّه تعالى، يعقد الشروط محتسبًا لا يقبل عليها ثوابًا. تلا بالسبع على أبي عمران موسى بن أبي موسى، وحدّث عن ابن بقي وأبي محمد بن عتاب، وتفقه بابن الحاج وابن حميد، وأجازه أبو الاصبغ بن مناصف وابن قزمان وابن طريف، وأخذ عنه جماعة. ألف برنامجًا مقنعًا في شيوخه وكيفية أخذه عنهم، ورجزًا في الفرائض مشهورًا، ورسائل كثيرة وغيرها، ومولده سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، وتوفي ثامن عشر المحرم عام اثنين وسبعين وخمسمائة. 4 - إبراهيم بن أحمد بن الخطيب (¬2). الفقيه الجليل النبيل الفاضل المتفنن أبو إسحاق، من أفاضل الحذاق ومن له الذهن الثاقب على الإطلاق، وله علم بالفقه وأصوله وأصول الدين، والنحو والمنطق والحكمة والتصوف، أنبه الطلبة مليح النظم أحسن الناس ¬

_ (¬1) هو إبراهيم بن خلف المتقدم. (¬2) انظر عنوان الدراية 231، ودرة الحجال 1: 193.

5 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم السلمي أبو إسحاق البلفيقي الأندلسي

تقييدًا. استخلف قبل أن يستكمل الأربعين، وقبل أن يظهر خزائن علمه من "عنوان الدراية في علماء بجاية" للشيخ القاضي أبي العباس أحمد الغبريني والد المفتي أبي القاسم. 5 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم السلمي أبو إسحاق البلفيقي الأندلسي (¬1). من أفاضل الأولياء، قال القاضي أبن عبد الملك في ذيله: كان أبو إسحاق هذا من كبار العلماء العاملين الزهاد المحققين، نشأ على الاجتهاد والانقطاع إلى اللَّه تعالى، لا يتحرك إلا بقلب حاضر ولسان ذاكر، حركاته على أقسام الشريعة، ومن كراماته أن صبيًا كان يشكو ألم الحصا فجيء به لطبيب يعالجه، وكان الطبيب لا يثبت كرامات الأولياء ويستهزئ بهم، فأتي بالصبي عند الشيخ وحمله معه إلى الطبيب، فقال له على جهة السخرية والازدراء: يا شيخ تداوي هذا الصبي؟ فتفرس ما أضمره وتغّير وجهه فاستدعى الصبيّ وأمرّ يده على صدره والأخرى على قلبه وحرّك شفتيه ورفع ثياب الصبي ونفخ تحته ثلاثًا، وقبض بعنف وقوة على دبر الصبي، فتجمع وقذف خمس حصيات في حجم الحمص مخضوبة بالدم، وسكن الألم عنه حينئذ، ثم قال الشيخ للطبيب وصاحبه: ما حملكما على إنكار مثل هذا؟ فتنصلا وخرجا على أسوأ حال. ولما عظم ذكره وارتفع قدره ببلده (المرية) وأقبل عليه الخلق سعى به بعض الفقهاء لسلطان مراكش المنتصر أنه قد انضم إليه كثير يخاف منه، فكتب لعاملها: أن ابعث إليّ أبا إسحاق مكرمًا فقال له العامل: وجه عليك السلطان، فقام أصحابه وجمع عظيم وقالوا: اجلس ولا عليك من أحد، فقال لهم: لا تجوز مخالفة السلطان، وإني أرجو أن أموت غريبًا، فركب البحر ونزل العدوة، فلما دخل على المنتصر هابه هيبة عظيمة وأجلّه وندم على ما كان منه وسأله الدعاء، وانصرف على غاية الإكرام ثم مرض وتوفي عام ستة عشر ¬

_ (¬1) انظر ترجمة أبي إسحاق في التكملة 1: 166، والأعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام 1: 154، وأعلام المغرب العربي 1: 82.

6 - إبراهيم بن يخلف بن عبد السلام التنسي المطماطي

وستمائة عن ثلاث وستين سنة، واحتفل الناس بجنازته احتفالًا عظيمًا حضرها الأمراء وغيرهم وقسموا نعشه، ثم أنصف اللَّه من سعى به فماتوا على أسوأ حال بقتل وصلب، سنة اللَّه في عباده. 6 - إبراهيم بن يخلف بن عبد السلام التنسي المطماطي (¬1). انتهت إليه رياسة التدريس والفتوى في أقطار المغرب كلها، ترد عليه أسئلة من تلمسان وبلاد افريقيا كلها، شرح التلقن لعبد الوهاب في عشرة أسفار فضاع الشرح في حصار تلمسان، وما زال السلطان يغمر اسن يخطبه للورود على تلمسان فيمتنع بل يرد زائرًا ويقيم أشهرًا وينصرف إلى تنس. ثم لما كان شأن مغراوة رحل لتلمسان فطلب منه الفقهاء والسلطان القيام بها، فأجابهم فاستوطنها ودرّس بها وانتفع به خلق لا يحصون، وإليه الرحلة شرقًا وغربًا، وكان من أولياء اللَّه الجامعين بين علمي الباطن والظاهر، ومن تلاميذه الشيخ أبو عبد اللَّه بن الحاج صاحب المدخل وله كرامات كثيرة منها: ما حدَّث به ابن القطان عنه أنه قال: لما دخلت إلى مكة وطفت بالبيت ذكرت قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (سورة آل عمران، الآية 97) فقلت في نفسي تعارضت الأقوال واختلفوا في معنى الأمن، فصرت أكرر وأقول: آمنًا آمنًا من ماذا؟ فسمعت صوتًا خلف ظهري آمنًا من النار يا إبراهيم ثلاث مرات أو مرتين. قال ابن الحاج: ورحم اللَّه شيخنا أبا إسحاق التنسي من ورعه أنَّا مضينا معه في قرى مصر فأصابنا عطش شديد فأدركنا بعض تلاميذه بلبن مشوب بسكر فامتنع من شربه فقلت له: كيف يا سيدي تتركه وأنت في غاية الحاجة إليه؟ فقال: خفت أن يكون فعله جزاء القراءة عليّ فتركته لذلك خوفًا أن ينقص من أجري، وردّ له الإناء- اهـ. لقي في رحلته أعلامًا بمصر والشام وروى عن ابن كحيلي وناصر الدين المشذالي، وقرأ بتونس على جماعة وبالقاهرة (المحصول) على الشمس ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: شجرة النور الزكية 218، البستان لابن مريم 66، أزهار الرياض 2: 322، الرحلة المغربية للعبدري 13، والمسند الحسن أ 121 ب 121.

7 - إبراهيم بن عبد الكريم أبو إسحاق.

الأصبهاني، والمنطق والجدل على القرافي، وحضر على السيف الحنفي (الإرشاد) للعميري حتى ختمه ولم يتكلم بكلمة، فلما أعادوا قراءته فأول ما قرر به السيف الحنفي كلام المصنف. قال الشيخ أبو إسحاق: عندي تقريركم لهذا الموضع بغير هذا، فطلب منه تقريره فقرره ثم أحضر لهم غدًا تقييدًا قيده على الشيخ في المرة الأولى فأمر الشيخ بقراءته، فقرئ عليه حتى ختم واستحسنه كلّ من حضر، وهو الشرح الآن الموجود بين الناس ينسبه بعضهم للسيف، وتوفي -رحمه اللَّه- بتلمسان -كذا وجدت هذه الترجمة في بعض المجاميع. قلت: وذكره الشيخ أبو عبد اللَّه العبدري الحاجي في رحلته فقال: كان الشيخ أبو إسحاق التنسي وأخوه فقيهين مشاركين في العلم مع مروءة تامة ودين متين، وأبو إسحاق أسنّهما وأسناهما وهو ذو صلاح وخير، وكان شيخنا الزين بن المنير -حفظه اللَّه- يثني عليه خيرًا كثيرًا. وسألني عن الغرب فذكرت له قلة رغبة أهله في العلم فقال لي بلاد فيها مثل أبي إسحاق التنسي ما خلت من العلم، ولقيتهما بمصر وكان أبو الحسن لم يحج فحج معنا، فلقيت منه خيرًا فاضلًا. لازم شيخنا أبا الفتح بن دقيق العيد بمصر مدة وأخذ عنه كثيرًا- اهـ ملخصًا (¬1). 7 - إبراهيم بن عبد الكريم أبو إسحاق. كان فقيهًا مدرسًا بمكناسة الزيتون، يقرر أقوال الأئمة وكلام الناس والمختصرين ويعلم الصبيان، توفي بعد سبعة عشر وسبعمائة. 8 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي العاص التنوخي الأندلسي أبو إسحاق (¬2). علامة الأولياء بالأندلس في وقته، المجمع على فضله وزهده وعلو ¬

_ (¬1) الرحلة المغربية 13. (¬2) ذكره ابن الخطيب في الكتيبة الكامنة ص 32 ضمن الصوفية الصالحين. انظر ترجمته في: الإحاطة 1: 382، وبغية الوعاة 185. وترجم له ابن الخطيب في عائد الصلة، وصاحب درة الحجال: 1: 179.

9 - إبراهيم بن عبد الله بن زيد بن أبي الخير اليزناسني

رتبته. قال ابن الخطيب في الإحاطة: كان هذا الفاضل إمامًا في القرآن مبرزًا في تجويده مفسرًا زاهدًا في الفانية، رحيمًا بالمساكين جوادًا حتى بقوته، صادعًا بالحق كثير البكاء والخشوع، ألقي عليه من القبول ومحبة الخلق والتعظيم ما لا عهد بمثله، بلغ فيه مبلغًا عظيمًا حتى كان أحب إلى الناس من أنفسهم يترامون عليه في طريقه ويتمسحون بثيابه ويزاحم المساكين على بابه، عودهم طلاقة الوجه وحسن الخلق والمواساة ولو بالقوت، وربما فرق عليهم عجين خبزه إذا أعجلوه عن طبخه. له أخبار عجيبة في ذلك. ومن كراماته ما حدَّث به بعض الثقات أنه لما ولي خطابة جامع غرناطة دعا يومًا ناظر الحبس فقال له: انظر هذه الثريا التي في قبلة المسجد واختبرها فإن نفسي تحدثني أن الخشب الذي قد تعلقت به قد اختل، فجمع الناظر البنائين وكشفوا عنها فوجدها قد اندقت وكادت أن تسقط. وكان إذا أثنى عليه بمحضره يقول: اللهم اجعلني خيرًا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما لا يقولون. ولد في حدود سبعة وستمائة وتوفي عام سبعة وعشرين وسبعمائة. وقال في عائد الصلة: كان نسيج وحده حياء وصدقة وتخلقًا ومشاركة، نزل بسبتة عام أحد وسبعين وستمائة لما استولى العدو على طريف، فقرأ بها واستفاد، ثم دخل غرناطة وأقرأ بها فنون العلم بعد وفاة ابن الزبير، وجمع بين القراءة وتدريس الفقه والعربية والتفسير، ثبتًا محققًا لما ينقل، ألقي له من المحبة والقبول والتعظيم ما لم يعهد. 9 - إبراهيم بن عبد اللَّه بن زيد بن أبي الخير اليزناسني (¬1). الفقيه العالم الصالح أحد أعيان أصحاب الشيخ أبي الحسن الرزويلي، كان مفتيًا بفاس، قال تلميذه الرعيني في برنامجه: "كان رجلًا فاضلًا متناصفًا حافظًا مفتيًا قاضيًا لحوائج المسلمين ساعيًا في مصالحهم" اهـ. وكان حيًا بعد الأربعين وسبعمائة وله فتاوى كثيرة منقولة في العيار للونشريسي، وله حفيد جليل سميه إبراهيم بن محمد، سيأتي. ¬

_ (¬1) كان حيًا سنة 740. انظر ترجمته في: جذوة الاقتباس 86، نفح الطيب 5: 252، شجرة النور الزكية 1: 218، وله إشارة في السند الصحيح الحسن ص 159، 261.

10 - إبراهيم بن حكم الكناني السلوي

10 - إبراهيم بن حكم الكناني السلوي (¬1). شهر بأبيه أبو إسحاق. قال تلميذه أبو عبد اللَّه المقري في مشيخته: هو شيخنا مشكاة الأنوار يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، ورد على تلمسان بعد العشرين والسبعمائة، ثم لم يزل بها إلى أن قتل يوم دخلت علي بني عبد الوادي في ثامن عشرين من رمضان عام سبعة وثلاثين. قال المقري: نظرت يومًا معه في تكملة بدر الدين بن مالك لشرح التسهيل لأبيه، ففضلت عليه كلام أبيه ونازعني الأستاذ، فقلت: عهود من الآبا توارثها الأبنا فما رأيت بأسرع من أن قال: بنوا مجدها لكن بنوها لهم أبنا فبهتُ من العجب. لطيفة: سأل الشيخ الأديب أبو الحسن بن فرحون المدني شيخنا ابن حكم: هل تجد في التنزيل فاءات مرتبة كترتيبها في هذا البيت؟: رأى فحبَّ فدامَ الوصلُ فامتنعتْ ... فَسَامَ صَبْرا فَأعيْا نَيْلُهُ فَقَضى ففكر ساعة ثم قال: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ} (سورة القلم، الآية 19) إلى آخرها، فمنعت له البناء في "فتنادوا" فقال لابن فرحون: فهل عندك غيرها؟ فقال نعم {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ} (سورة الشمس، الآية 13)، فمنع له بناء الأخيرة لقراءة الواو، فقلت له: امنع ولا تسند فيقال لك أن المعاني قد تختلف باختلاف الحروف، وإن كان السند لا يسع الكلام عليه، وأكثر ما وجدت الفاء تنتهي في كلامهم إلى هذا العدد سواء بهذا الشرط وبدونه كقول نوح: {فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ} (سورة يونس، الآية 71) - اهـ. بنقل ابن الخطيب في تاريخ غرناطة. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: درة الحجال 1: 178، النفح 5: 224، أعلام المغرب العربي 1: 115. وأشار إليه ابن الخطيب في الإحاطة، انظر 2: 201، وفي موضع آخر لم نقف عليه.

11 - إبراهيم بن محمد القيسي الصفاقسي

11 - إبراهيم بن محمد القيسي الصفاقسي (¬1). الإمام العلامة برهان الدين، صاحب (الإعراب) عرّف به ابن فرحون في الأصل أعني الديباج، وذكر أنه أخذ عن عبد العزيز الدروالي وأنه ألّف (إعراب القرآن) وتوفي عام ثلاثة وأربعين وسبعمائة، هذا ما عنده. قال الحافظ ابن حجر: ولد في حدود سنة سبع وتسعين وستمائة، وسمع ببجاية من شيخها ناصر الدين، ثم أخذ عن أبي حيان بالقاهرة، وقدم دمشق فسمع من المزني وزينب بنت الكمال، وخلق ومهر في الفضائل ومات ثامن عشر ذي القعدة سنة اثنين وأربعين، انتهى. وقال الخطيب ابن مرزوق الجد: من شيوخي إبراهيم الصفاقسي نزيل القاهرة وأحد أئمتها، أحمل عنه مصنفاته، سمعت من لفظه كتابه الذي أعرب فيه وأغرب في إعراب القرآن وتحدث فيه مع شيخنا أبي حيان في أبحاثه وقرأت عليه بعض تآليفه في نوازل لفروع سئل عنها، منها: (الروض الأريج في مسألة الصهريج) سئل عن أرض ابتيعت فوُجد فيها صهريج مغطى هل يكون كواحد الأحجار أم لا؟ وأبدع فيها وخالف كثيرًا من المالكية، وعمل على مذهبه فيها، والجزء الذي ألفه في إسماع المؤذنين خلف الإمام وغيرها. وقرأت عليه أكثر تقييده على ابن الحاجب الفرعي وتركته لم يكمله، وتلخيص المفتاح لشيخنا وشيخه القزويني- اهـ. بنقل الشيخ عبد الرحمن الثعالبي في فهرسته. قال الشيخ أبو عبد اللَّه بن غازي في كتابه (المطلب الكلي في محادثة الإمام القلي): ولقد كان شيخنا شيخ الجماعة الإمام الأستاذ أبو عبد اللَّه الكبير يثني كثيرًا على فهم الصفاقسي ويراه مصيبًا في أكثر تعقباته وانتقاداته لأبي حيان، وقد كان له أخ نبيل شاركه في تصنيف كتابه المجيد المذكور، كما نبّه عليه صاحب المغني حيث نكث عليهما في إعراب (زُبرا) في غير محله تبعًا لأبي حيان- اهـ. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: شجرة النور الزكية 209، الديباج المذهب 1/ 279، الدرر الكامنة 1: 55، بغية الوعاة 186، النجوم الزاهرة 10: 98، الأعلام للزركلي.

قلت: الذي في المغني بعد اعتراضه على أبي حيان نصه، وتبعه على هذا الوهم رجلان لخصا من تفسيره إعرابًا- اهـ. وذكر الشيخ أبو عبد اللَّه الرصاع التونسي في كلامه على آيات المغني أن الطلبة كثيرًا ما يسألون عن ثاني الرجلين المذكورين وأنه سأل عنه بعض شيوخه فلم يجبه- اهـ. قلت: أما ما ذكره ابن غازي من أن ثاني الرجلين هو أخوه يعني الشمس الصفاقسي فكأنه اغتّر في ذلك بما وقع في الديباج لأنه قال "ومن تصانيفهما إعراب القرآن جرّداه من البحر المحيط" انتهى. وليس ذلك بمعتمد، وقد تقدم من كلام ابن مرزوق وتلميذه، ومن كلام الحافظ ابن حجر أن برهان الدين هو مؤلف الإعراب وإنما ثاني الرجلين الذي عناه ابن هشام الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن عبد الدائم الحلبي المصري الشافعي الشهير بالسمين أحد أكابر أصحاب أبي حيان، وتأليفه في إعراب القرآن في أربعة أسفار كبار لخصه من تفسير أبي حيان وزاده أشياء سماه (المصون) أكثر فيه من مناقشة أبي حيان، كتاب نفيس إلى الغاية أبسط من إعراب الصفاقسي وأفيد، وأوسع منه، فالرجلان اللذان عنى ابن هشام هما الصفاقسي والسمين، وكذلك رأيت اسمهما مقيدًا على نسخة عتيقة من المغني بخط عتيق، واللَّه أعلم. ثم قال الشيخ ابن غازي، وقد كاد يجمع الثقلان على قوة عارضة أثير الدين أبي حيان وتبرزه في العلوم، وخصوصًا علم اللسان، فقد حاز فيه قصب السباق ورهان الميدان، ولا يلتفت لقول صاحب المغني: "لم يكن يحسن اللسان ": ومن ذا الذي تُرضي سجاياه كلُّها ... كفى المرءُ نبلًا أن تعدَّ معايبُهْ وقال آخر (¬1): أتيت أخيرًا في النحاة وإنني ... لأعبر سبقًا في وجوه الأوائل ولما حج الأستاذ الأكبر أبو عبد اللَّه ابن آجروم الفاسي استجاز أبا حيان فأجازه، وكان ممن أدرج في إجازته تعريفًا لأهل الغرب وقال: إن فتى يقال له إبراهيم الصفاقسي لا يحسن النظر في العربية وإنما يحسن شيئًا من فقه مذهب ¬

_ (¬1) زيادة من (و).

مالك قد تسور على ديواني (البحر المحيط) فسلخ ما فيه من الإعراب بغير إذني وقوّلني فيه ما لم أقل، فإني بريء منه، أو ما هذا معناه. ومع هذا فقد أعطاه الغرب الأذن الصماء وأكبوا على تصنيف الصفاقسي: والناسُ أكيسُ من أن يمدحوا رَجُلًا ... (ما لم يروا عنده) آثار إحسانِ (¬1) - اهـ كلام ابن غازي. قلت: وسيأتي في ترجمة الشيخ منديل ابن الأستاذ ابن آجرّوم أنه الذي وتعت له الواقعة مع أبي حيان، وهو أشبه واللَّه أعلم. وقال البدر الدماميني: أخبرني بعض الثقات أن الأخوين الصفاقسيين كان أحدهما حافظًا لفروع المالكية، والآخر متفننًا لأصول الفقه واللسانية، فكانا إذا حضرا في مجلس يجتمع فيه فقيه كامل فاتفقا أن حضرا بتونس في مجلس ابن عبد الرفيع قاضي الجماعة، فسألهما عن مسألة فأجابا عنها بنقل ذكراه عن البيان لابن رشد، وتكلما عليها بكلام استحسنه الحاضرون، فلما خرجا من الجلس سئل القاضي ابن عبد الرفيع عنهما فقال: ليسا بفقيهين فسئل لم ذلك؟ فقال: ما أجابا به وإن كان صحيحًا إلا أنهما اعتمدا في النقل على غير المدونة في فرع مذكور فيها، ومرتكب هذا لا يعد عند المالكية فقيهًا، لأن المدونة أجل كتب المذهب من إملاء ابن القاسم أجل تلامذة مالك- اهـ. قلت: وهذا لا يضرّهما إلا إذا كان كتابهما المدونة، وما ذكره الدماميني من أن أحدهما حافظ. . الخ فيه تحامل بالنسبة لصاحب الترجمة. أما محله من الفقه فتقدم من كلام ابن مرزوق وغيره ما فيه الكفاية، وله شرح عظيم على ابن الحاجب، وأما علم الأصول فنقل أبو العباس البسيلي عن شيخه ابن عرفة أنه قال: إن برهان الدين الصفاقسي عالم بعلم الأصول، وناهيك بشهادة ابن عرفة في ذلك. وأما معرفته بعلوم اللسان فكتاب الإعراب له كاف في بيان درجته. وأما أخوه شمس الدين فذكر ابن فرحون في الأصل أنه كان عالمًا فاضلًا متفننًا، واللَّه أعلم. ¬

_ (¬1) ما بين القوسين تصويب من ج وص 125 الروض الهتون ص 18.

12 - إبراهيم بن يحيى بن محمد بن أحمد بن زكريا بن عيسى بن زكريا الأنصاري المرسي ثم الغرناطي

فائدة: حيث قال الشيخ خليل في التوضيح: قال بعض من تكلم على الموضع فمراده البرهان الصفاقسي صاحب الترجمة، على ما قيل، فاعلمه. 12 - إبراهيم بن يحيى بن محمد بن أحمد بن زكريا بن عيسى بن زكريا الأنصاري المرسي ثم الغرناطي (¬1). قال الشيخ أبو عبد اللَّه الحضرمي: صاحبنا الفقيه الكاتب البارع الحسيب الفاضل ذو الحظ الفائق والرواء الفائق القاضي المعظم العدل النزيه الصالح الأصيل أبو إسحاق، روى عن والده القاضي أبي بكر يحيى. كان فاضلًا نحويًا لامعًا خيرًا، على طريقة حسنة من خير وعفة وطهارة الجانب، حسن اللقاء رقيق القلب، مشفقًا عطوفًا محبًا في الصالحين مهتمًا بأخبارهم، جيد الحظ وافر العقل عظيم الأمانة صموتًا، ذا سلف شهير وبيت معمور برياسة وعلم وقضاء وولي القضاء وأخذ عن جماعة وتوفي بغرناطة عاشر جمادى الثانية عام أحد وخمسين وسبعمائة، ومولده عام سبعة وثمانين وستمائة. 13 - إبراهيم بن علي المصري (¬2). الإمام أبو إسحاق برهان الدين ابن الإمام القدوة نور الدين أبي الحسن المالكي، قال خالد البلوي: هو نائب أثير الدين أبي حيان في التدريس، وعرفني أبو حيان جلالة قدره ورسوخ قدمه في العلم وطهارته، ثم شاهدت منه إمام العصر وواحد الزمان، فقيهًا عالمًا من فقهاء القاهرة، وصدرًا متقدمًا في علمائهم، عالمًا بالعربية والغريب والنادر بالشاهد، عالمًا بالخبر والأثر، تام العناية بالفقه والسنة، فصيح اللسان حسن البيان، صحيح اللفظ واضح المعاني، ناصع البراعة جيد اليراعة، شاعرًا مطبوعًا، وما ظنك بخليفة أبي حيان ومن لم يقعد في موضعه فيه إلا فلان وفلان- اهـ ملخصًا. ¬

_ (¬1) ترجمته في: الكتيبة الكامنة 197، والمرتبة العليا 154، نثير الجمان 277، أعلام المغرب العربي 121. (¬2) انظر ترجمته في رحلة البلوي.

14 - إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم بن موسى بن إبراهيم بن عبد العزيز بن إسحاق بن قاسم النميري الغرناطي أبو إسحاق يعرف بابن الحاج

14 - إبراهيم بن عبد اللَّه بن إبراهيم بن موسى بن إبراهيم بن عبد العزيز بن إسحاق بن قاسم النميري الغرناطي أبو إسحاق يعرف بابن الحاج (¬1). قال الحضرمي: صاحبنا الفقيه الجليل الكاتب البارع الأديب البليغ الناظم الناثر المتفنن القاضي الأعدل الماجد الحسيب، تولى القضاء بأحواز الحضرة- اهـ. وقال الشيخ خالد البلوي في رحلته: صاحبنا الفقيه الجليل الكاتب البارع الماجد الأكمل ابن الوزير الكبير، ذو المعالي العلية والفنون العلمية والحكم الأدبية والآداب الحكمية، والكرم المفضل والفضائل الكريمة، والبلاغة التي لها على البلغاء مزية المزيد ومزيد المزية، مع الحسب الأصيل والكفاية في طلب العلم والتحصيل، والمعارف التي تحلى بها جيد الزمان على الجملة والتفصيل، شهادة يثبتها قول عمر -رضي اللَّه عنه- للذي زكى رجلين أكنت معهما في سفر؟ لأني عاشرته ذاهبًا إلى الشرق وآيبًا- اهـ. قال ابن الخطيب في الإحاطة: نشأ على عفاف وطهارة، ونظم الشعر وبلغ الغاية في جودة الخط، وحاضر الأبيات وارتسم في الإنشاء، مع حسن صمت وجودة أدب وخط، وفي أثناء ذلك يقيد ولا يفتي، مع تجول العناية ملج الرعاية. شرق عام سبعة وثلاثين وحج وتطوف وقيد واستكثر ودون رحلة، ناهيك بها طرفة، ثم قفل واستقرّ ببجاية مضطلعًا بالكتابة، ثم اتصل بأبي الحسن المريني، ثم كرّ للشرق فحج ورجع وانقطع بتربة أبي مدين بعباد، مؤثر الخمول وعكوف باب اللَّه تعالى، ثم أجبره السلطان أبو عنان على الخدمة، ولحق بالأندلس بعد موته، وتلقى ببر وجراية وتنويه وعناية، واستعمل في ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: نثير فرائد الجمان 313، الإحاطة 1: 342، المنهل الصافي 1: 66، رحلة البلوي الورقة 209، الكتيبة الكامنة 260، الوافي 6: 40، الدرر الكامنة 1: 29، المسند الحسن ب 89، شجرة النور الزكية 1: 229، الأعلام للمراكشي 1: 78، توشيح الديباج 126، مستودع العلامة 69، دائرة المعارف الإسلامية - ومراجعها.

15 - إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الأخناوي

سفارة الملوك، وولي القضاء في الأحكام الشرعية، فهو صدر من صدور القطر وأعيانه، يرخص في لبس الحرير وخضاب السواد. له تآليف منها جزء في بيان الاسم الأعظم كثير الفائدة، وكتاب اللباس والصحبة جمع فيه طرق المتصوفة المدعى أنه لم يجتمع مثله، وجزء في الفرائض على الطريقة البديعة التي ظهرت بالشرق، ورجز في الجدل، وآخر في الأحكام الشرعية سماه الفصول المقضية في الأحكام المنتخبة، وله نظم ونثر كثير. ومولده بغرناطة عام ثلاثة عشر وسبعمائة وامتحن بالأسر عام ثمانية وستين في ربيع الأخير، ثم فك آخر ذلك الشهر. قلت: وممن أخذ عنه القاضي أبو بكر بن عاصم صاحب تحفة الحكام. 15 - إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الأخناوي (¬1). كان شافعيًّا ثم تحول مالكيًا كعمه، ولي الحسبة ونظر الخزانة، وناب في الحكم، ثم تولاه استقلالًا سنة ثلاث وستين وسبعمائة إلى أن مات، وكان مهيبًا صارمًا، قوّالًا بالحق، قائمًا بنص الشرع، رادعًا للمفسدين، نافذ الكلمة عظيم الحرمة، مفصلًا مصممًا، لا يقبل رسالة ولا شفاعة، بل يصدع بالحق ولا يقضي على باطل، ولا يولي إلا مستحقًا، وكان مع ذلك كثير الحلم والستر على من لم يجاهر، وكان مسعودًا في مباشرته، تعرض له جماعة في منصبه فانتصف منهم ونكل بعضهم وهرب بعضهم فما عاد للبلاد إلا بعد موته. له في كل قلب رهبة ولكل أحد إليه رهبة، كثير الأفاضل على مذهبه، صح من "رفع الاصر عن قضاة مصر" للإمام ابن حجر من (أعيان الأعيان) للسيوطي، زاد فيه له مختصر، توفي في رجب سنة سبع وسبعين وسبعمائة. 16 - إبراهيم بن عبد الحق الحسناوي التونسي (¬2). قال الشيخ إسماعيل بن الأحمر في فهرسته: شيخنا الفقيه المتفّنن الكاتب ¬

_ (¬1) راجع الدرر الكامنة 1: 58، وشذرات الذهب 6: 250، الضوء 11: 183، حسن المحاضرة 1: 262، إيضاح المكنون 724:2، معجم المؤلفين 1: 88. (¬2) جذوة الاقتباس 1: 97، سلوة الأنفاس 3: 254، درة الحجال 1: 183، أعلام المغرب العربي 1: 135.

17 - إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي أبو إسحاق الشهير بالشاطبي

الشاعر المكثر المعمر ابن الفقيه أبي محمد، أخذ عن الفقيه المحدث الحافظ الراوية المغربي أبي العباس بن موسى البطروني، وتوفي بفاس سنة خمس وسبعين وسبعمائة. 17 - إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي أبو إسحاق الشهير بالشاطبي (¬1). الإمام العلامة المحقق القدوة الحافظ الجليل المجتهد، كان أصوليًا مفسرًا فقيهًا، محدثًا لغويًا بيانيًا نظارًا، ثبتًا ورعًا صالحًا زاهدًا سنيًا، إمامًا مطلقًا، بحاثًا مدققًا جدليًا، بارعًا في العلوم، من أفراد العلماء المحققين الأثبات وأكابر الأئمة المتفننين الثقات، له القدم الراسخ والإمامة العظمى في الفنون فقهًا وأصولًا وتفسيرًا وحديثًا وعربية وغيرها، مع التحري والتحقيق. له استنباطات جليلة ودقائق منيفة وفوائد لطيفة وأبحاث شريفة وقواعد محررة محققة، على قدم راسخ من الصلاح والعفة والتحري والورع، حريصًا على اتباع السنة، مجانبًا للبدع والشبهة، ساعيًا في ذلك مع تثبت تام، منحرف عن كل ما ينحو للبدع وأهلها، وقع له في ذلك أمور مع جماعة من شيوخه وغيرهم في مسائل، وله تآليف جليلة مشتملة على أبحاث نفيسة وانتقادات وتحقيقات شريفة. قال الإمام الحفيد ابن مرزوق في حقه: إنه الشيخ الأستاذ الفقيه الإمام المحقق العلامة الصالح أبو إسحاق، انتهى. وناهيك بهذه التحلية من مثل هذا الإمام، وإنما يعرف الفضل لأهله أهله. أخذ العربية وغيرها عن أئمة منهم: الإمام المفتوح عليه في فَنِّها ما لا مطمع فيه لسواه بحثًا وحفظًا وتوجيهًا ابن الفخار البيري، لازمه إلى أن مات، والإمام الشريف رئيس العلوم اللسانية أبو القاسم السبتي شارح مقصورة حازم، والإمام المحقق أعلم أهل وقته الشريف أبو عبد اللَّه ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: درة الحجال 1: 182، أزهار الرياض 2: 7، 297 فهرس الفهارس 1: 134، شجرة النور الزكية.

التلمساني، والإمام علامة وقته بإجماع أبو عبد اللَّه المقري، وقطب الدائرة شيخ الشيوخ الجلة الإمام الشهير أبو سعيد بن لب، والإمام الجليل الرحلة الخطيب أبو جعفر الشقوري، وممن اجتمع معه واستفاد منه العالم الحافظ الفقيه أبو العباس القباب والمفتي المحدِّث أبو عبد اللَّه الحفار وغيرهم. اجتهد وبرع وفاق الأكابر والتحق بكبار الأئمة في العلوم وبالغ في التحقيق، وتكلم مع كثير من الأئمة في مشكلات المسائل من شيوخه وغيرهم كالقباب وقاضي الجماعة الفشتالي والإمام ابن عرفة والولي الكبير أبي عبد اللَّه بن عباد، وجرى له معهم أبحاث ومراجعات أجلت عن ظهوره فيها وقوة عارضته وإمامته، منها: مسألة مراعاة الخلاف في المذهب. له فيها بحث عظيم مع الإمامين القباب وابن عرفة، وله أبحاث جليلة في التصوف وغيره، وبالجملة فقدره في العلوم فوق ما يذكر، وتحليته في التحقيق فوق ما يشهر. ألَّف تآليف نفيسة اشتملت على تحريرات للقواعد وتحقيقات لمهمات الفوائد، منها شرحه الجليل على الخلاصة في النحو في أسفار أربعة كبار لم يؤلف عليها مثله بحثًا وتحقيقًا، فيما أعلم، وكتاب "الموافقات" في أصول الفقه كتاب جليل القدر لا نظير له يدل على إمامته، وبعد شأوه في العلوم سيما علم الأصول. قال الإمام الحفيد ابن مرزوق: "كتاب الموافقات المذكور من أقبل الكتب"- اهـ. وهو في سفرين. وتأليف نفيس في الحوادث، والبدع في سفر، في غاية الإجادة، وكتاب المجالس شرح فيه كتاب البيوع من صحيح البخاري، فيه من الفوائد والتحقيقات ما لا يعلمه إلا اللَّه، وكتاب الإفادات والإنشادات في كراسين فيه طرف وتحف ومُلح أدبيات وإنشادات، وله أيضًا كتاب عنوان الاتفاق في علم الاشتقاق، وكتاب أصول النحو، وقد ذكرهما معًا في شرح الألفية. ورأيت في موضع آخر أنه أتلف الأول في حياته وأن الثاني أُتلف أيضًا، وله غيرها وفتاوى كثيرة، ومن شعره لما ابتلي بالبدع: بُليتُ يا قومُ والبلوى منوعةٌ ... بمن أداريهِ حتى كادَ يرديني دفعُ المضرةِ لا جلبٌ لمصلحةٍ ... فحسبي اللَّه في عقلي وفي ديني

أنشدهما تلميذه الإمام يحيى بن عاصم له مشافهة. ومن نظمه في مدح (الشفاء) لما أرسل شيخه الخطيب ابن مرزوق للأندلس يطلب من علمائها نظم قصائد تتضمن مدح الشفاء ليجعلها في طالعة شرحه عليه، فقال صاحب الترجمة في ذلك ما نصه: يا من سما لمراقي المجدِ مقصدُهُ ... فنفسُهُ بنفيس العلم قد كَلِفَتْ هذي رياض بروق العلم مخبرها ... هي الشفا لنفوس الخلق إن دنفت يجني بها زهر التقديم أو ثمر التـ ... ــــعظيم والفوز للأيدي التي اقتطفت أبدت لنا من سناها كل واضحة ... حسانة دونها الأطماع قد وقفت وشيد العقد أركان مؤكدة ... بها على متن أهل الشرع قد وقعت قوت القلوب وميزان العقود متى ... حادت عن الحجة الكبرى أو انحرفت ويا أبا الفضل حزت الفضل في غرض ... به أقرت لك الأعلام واعترفت وكنت بحر علوم ضلَّ ساحله ... منه استمدت عيون العلم واغترفت زارته من جنباتِ القدسِ ناسمةٌ ... فحرَّكتْ منه مدحَ الفكرِ حينَ وفتْ حتى اذا طُفئت أرجاؤه قَذَفت ... لنا بدُرَّتِها الحسناءِ وانصرفتْ إنَّ العِنَايَةَ لَا يَحْظَى بِنَائِلِهَا ... حَرِيصُهَا بَلْ عَلى التَّخْصِيصِ قَدْ وِقفَتْ قال الإمام محمد بن العباس التلمساني هذه الأبيات من أحسن ما قيل فيه. أخذ عنه جماعة من الأئمة كالإمامين العلامتين: أبي يحيى بن عاصم الشهير، وأخيه القاضي المؤلف أبي بكر بن عاصم، والشيخ أبي عبد اللَّه البياني وغيرهم. توفي يوم الثلاثاء الثامن من شعبان سنة تسعين وسبعمائة، ولم أقف على مولده، رحمه اللَّه. فائدة: وكان صاحب الترجمة ممن يرى جواز ضرب الخراج على الناس عند ضعفهم وحاجتهم لضعف بيت المال عن القيام بمصالح الناس، كما وقع للشيخ المالقي في كتاب الورع قال: توظيف الخراج على المسلمين من المصالح

المرسلة، ولا شك عندنا في جوازه وظهور مصلحته في بلاد الأندلس في زماننا الآن لكثرة الحاجة لما يأخذه العدو من المسلمين سوى ما يحتاج إليه الناس وضعف بيت المال الآن عنه، فهذا يقطع بجوازه الآن في الأندلس، وإنما النظر في القدر المحتاج إليه من ذلك، وذلك موكول إلى الإمام. ثم قال أثناء كلامه: ولعلك تقول كما قال القائل لمن أجاز شرب العصير بعد كثرة طبخه وصار ربًا أحللتها واللَّه يا عمر يعني هذا القائل أحللت الخمر بالاستجرار إلى نقص الطبخ حتى تحل الخمر بمقالك، فإني أقول كما قال عمر -رضي اللَّه عنه-: واللَّه لا أحل شيئًا حرمه اللَّه ولا أحّرم شيئًا أحله اللَّه، وإن الحق أحق أن يتبع، ومن يتعدَّ حدود اللَّه فقد ظلم نفسه. وكان خراج بناء السور في بعض مواضع الأندلس في زمانه موظفًا على أهل الموضع فسئل عنه إمام الوقت في الفتيا بالأندلس الأستاذ الشهير أبو سعيد بن لب فأفتى أنه لا يجوز ولا يسوغ، وأفتى صاحب الترجمة بسوغه، مستندًا فيه إلى المصلحة المرسلة، معتمدًا في ذلك إلى قيام المصلحة التي إن لم يقم بها الناس فيعطونها من عندهم ضاعت. وقد تكلم على المسألة الإمام الغزالي في كتابه فاستوفى، ووقع لابن الفراء في ذلك مع سلطان وقته وفقهائها كلام مشهور لا نطيل به. وكتب جوابًا لبعض أصحابه في دفع الوسواس العارض في الطهارة وغيرها: وصلني كتابكم فيما به الوسواس، فهذا أمر عظيم في نفسه، وأنفع شيء فيه المشافهة، وأقرب ما أجد الآن أن تنظروا من إخوانكم من تدلون عليه وترضون دينه، ويعمل بصلب الفقه ولا يكون فيه وسوسة فتجعلونه إمامكم، على شرط أن لا تخالفوه، وإن اعتقدتم أن الفقه عندكم بخلافه، فإذا فعلتموه رجوت لكم النفع وأن تواظبوا على قول: "اللهم اجعل لي نفسًا مطمئنة تؤمن بلقائك، وتقنع بعطائك، وترضى بقضائك، وتخشاك حق خشيتك، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم" فإنه نافع للوسواس، كما رأيته في بعض المنقولات. وكان يقول: لا يحصل الوثوق والتحقيق بشأن الرواية في الأكيال المنقولة

بالأسانيد، واختبرت ذلك فوجدت الأكيال مختلفة متباينة الاختلاف وهي ذوات روايات، فالكيل الشرعي تقريبًا منقول عن شيوخ المذهب (يدركه أحد) (¬1) حفنة من البر أو غيره بكلتا اليدين مجتمعتين من ذوي يدين متوسطتين بين الصغر والكبر، فالصاع منها أربع حفنات، جربته فوجدته صحيحًا، فهذا الذي ينبغي أن يعول عليه لأنه مبني على أصل التقريب الشرعي، والتدقيقات في الأمور غير مطلوبة شرعًا لأنها تنطّع وتكلّف، فهذا ما عندي. ومن كلامه أما من تعسف وطلب المحتملات والغلبة بالمشكلات وأعرض عن الواضحات فيخاف عليه التشبه بمن ذمه اللَّه في قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} (سورة آل عمران، الآية 7). وكان لا يأخذ الفقه إلا من كتب الأقدمين، ولا يرى لأحد أن ينظر في هذه الكتب المتأخرة، كما قرره في مقدمة كتابه الموافقات، وترد عليه الكتب في ذلك من بعض أصحابه فوقع له: وأما ما ذكرتم من عدم اعتمادي على التآليف المتأخرة، فليس ذلك مني محض رأي، ولكن اعتمدته بحسب الخبرة عند النظر في كتب المتقدمين مع المتأخرين، وأعني بالمتأخرين كابن بشير وابن شاس وابن الحاجب ومن بعدهم، ولأن بعض من لقيته من العلماء بالفقه أوصاني بالتحامي عن كتب المتأخرين وأتى بعبارة خشنة ولكنها محض النصيحة، والتساهل في النقل عن كل كتاب جاء لا يحتمله دين اللَّه، ومثله ما إذا عمل الناس يقول ضعيف. ونقل عن بعض الأصحاب لا تجوز مخالفته، وذلك مشعر بالتساهل جدًا، ونص ذلك لا يوجد لأحد من العلماء، فيما أعلم. والعبارة الخشنة التي أشار إليها كان ينقلها عن صاحبه أبي العباس القباب أنه كان يقول في ابن بشير وابن شاس أفسدوا الفقه. وكان يقول: شأني عم الاعتماد على التقاليد المتأخرة، إما للجهل بمؤلفها أو لتأخر أزمنتهم جدًا، فلذلك لا أعرف كثيرًا منها ولا اقتنيته، وعمد في كتب الأقدمين المشاهير، ولنقتصر على هذا القدر من بعض فوائد. ¬

_ (¬1) كذا وفي الكلام حذف ولعل الصواب يدركه كلُّ أحد.

18 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله اليزناسني قاضي الجماعة بفاس

18 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبد اللَّه اليزناسني قاضي الجماعة بفاس (¬1). تقدم جدُّه، كان إمامًا حافظًا علامة بارعًا في الفقه نظّارًا، أثنى عليه الإمام ابن مرزوق الحفيد فقال: إنه من مفاخر قطره، وصفه بعضهم بالفقيه المفتي المدرس المحقق العلامة الصدر العلم الشهير. ووصفه في المعيار بالفقيه الأعدل الأنزه القدوة الأوحد ابن الفقيه الجليل الأصيل الماجد الوجيه النزيه العلم الصدر ابن الفقيه ابن المدرس المفتي المحقق القدوة العلم الفذ الصالح الزاهد الخاشع الولي العارف المجاب الدعوة المبرور أبي سالم- اهـ. وله فتاوى كثيرة ناظر فيها وحقق، ذكر جملة في المعيار، وتوفي يوم الخميس ثامن عشر رجب عام أربعة وتسعين وسبعمائة، ذكره أبو العباس الونشريسي في وفياته (¬2). 19 - إبراهيم بن محمد المدني (¬3). ذكره ابن الزبير في كتابه (المقصد الواجب) ووصفه بالرجل الصالح المجاب الدعوة، شرح مختصر ابن الحاجب في ثمان مجلدات، وله تأليف في اصطلاحات ابن الحاجب منثور، احتوى على عشرين فصلًا، وقال: وقد وقفت عليه. توفي أول القرن التاسع- اهـ -بنقل الشيخ بدر الدين القرافي المصري من شيوخ العصر. قلت: وعندي أن هذا المترجم به هو برهان الدين ابن فرحون صاحب الديباج المتقدم لا رجل آخر فتحققه، واللَّه أعلم. 20 - إبراهيم بن عبد الرحمن ابن الإمام التلمساني نزيل فاس (¬4). الفقيه الحافظ الحجة المشارك المتفنن ابن شيخ الإسلام الإمام العلامة ¬

_ (¬1) جذوة الإقتباس 1: 86، شجرة النور التركية 1: 239، الحجال 1: 181، روضة النسرين 36، سلوة الأنفاس 3: 254. (¬2) ألف سنة من الوفيات، ص 132. (¬3) انظر أول ترجمة في هذا الكتاب. (¬4) انظر درة الحجال 1/ 183 والبستان 63 وسلوة الأنفاس 2/ 120 وألف سنة من الوفيات 228 وجذوة الإقتباس 1/ 97.

21 - إبراهيم بن عبد الله بن عمر الصنهاجي القاضي

المجتهد أبي زيد ابن الإمام. له علوم جمة وفتاوى، ونقل عنه المازوني ثم الونشريسي في نوازلهما، وتوفي بفاس ودفن بباب الجيزيين سنة سبع وتسعين، قاله الونشريسي في وفياته. قلت: وهو والد العلامة أبي الفضل ابن الإمام الآتي في المحمدين. 21 - إبراهيم بن عبد اللَّه بن عمر الصنهاجي القاضي (¬1). تفقه على البدر الغماري، وكان يحفظ الموطأ، وولي قضاء دمشق غير مرة أولها سنة ثمانن وسبعمائة، فلما جاء التوقيع ولم يقبل، وصمم على عدم الباشرة وامتنع من لبس الخلعة، فلم يزالوا به حتى قبل فولي في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وسبعمائة فباشر ثلاث سنين ومات في ربيع الأخير فجأة بعد أن خرج من الحمام، وقد ناهز ثمانين وهو صحيح البنية حسن الوجه كث اللحية، كان فاضلًا في علوم، ولد سنة عشر وسبعمائة وتوفي سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، صح من الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر، رحمه اللَّه. 22 - إبراهيم بن موسى المصمودي التلمساني (¬2). الشيخ العالم الصالح الولي الزاهد أبو إسحاق، أحد شيوخ الإمام ابن مرزوق الحفيد، أفرد ترجمته بتأليف، قال الشيخ أبو عبد اللَّه بن صعد التلمساني في كتابه (النجم الثاقب): كان هذا الولي أحد من أُوتي الولاية صبيًا، وحل من رياسة العلم والزهد مكانًا عليًّا، عرّف به شيخ شيوخنا الإمام ابن مرزوق في جزء قال فيه: "ومن شيوخي الذين انتفعت بهم الإمام العالم العلامة المحقق المدرس رئيس الصالحين والزاهدين في وقته، ذو الكرامات المأثورة والديانة المشهورة الولي بإجماع، المجاب الدعوة إبراهيم المصمودي من صنهاجة المغرب قرب مكناسة، بها ولد ونشأ ثم طلب العلم، وأخذ بفاس عن جماعة من الأكابر كالإمام حامل راية الفقهاء في وقته موسى ¬

_ (¬1) انظر الدرر الكامنة وألف سنة من الوفيات 228. (¬2) ألف سنة من الوفيات 134، البستان 64، شجرة النور الزكية 1: 249، اتحاف أعلام الناس 1: 262.

العبدوسي، والإمام الشهير محمد الأبلي، وقرأ كثيرًا على الإمام شريف العلماء أبي عبد اللَّه الشريف التلمساني، ثم انتقل بعد وفاته للمدرسة التاشفينية فقرأ بها على العلامة خاتمة قضاة العدل بتلمسان سعيد العقباني ثم لبوبته المعروفة. وما زال مقبلًا على العلم والعبادة والاجتهاد في الجاهدة، آخذًا بالغاية القصوى، وَرَعًا وزُهْدًا وإيثارًا، مثابرًا على البر، متّبعًا طريق السلف، أحبّ الناس لمذاكرة العلم، لا يسمع بكبير في علم أو منفرد بفن إلا اجتمع به وذاكره، أعلم أهل وقته بالسير وأخبار السلف والصالحين والعلماء كافة من متقدمين ومتأخرين، كفاه اللَّه ما أهمه كما ضمن لمن انقطع لخدمته، وله كرامات كثيرة. وحدثني كبير أصحابه الشيخ أبو عبد اللَّه بن جميل أنه عرض له شيء منعه من اتباع المشهور في مسألة واضطر لفعله، فبحث حتى وجد جوازه لابن حبيب وأصبغ فقلدهما، قال: ثم مضيت لزيارة أمي وسقط عليّ حجر آلمني شديدًا واعتقدت أنه عقوبتي لمخالفة المشهور وتقليد غيره، وما علم بذلك أحد ثم زرت الشيخ وأنا متألم فقال لي: ما لك يا فلان؟ قلت له ذنوبي، فقال لي فورًا: أما من قلد أصبغ وابن حبيب فلا ذنوب عليه، وهذا من أكبر الكرامات. وحدثني بعض صالحي أصحابه قال: كنت جالسًا معه في بيته ليس معنا أحد وهو يقرأ القرآن ويشير بقضيب في يده إلى محل الوقف ضاربًا، على عادة أشياخ التجويد، فقلت في نفسي: لِمَ يفعل هذا؟ أتراه يقرأ عليه أحد من الجن؟ فما تم المخاطر حتى قال لي: يا محمد كان بعض الشيوخ يجود عليه الجن القرآن، وذكر لي عن غير واحد ممن يُهدي طعامًا من لبن أو غيره وربما رده عليهم، فيتفقدون أنفسهم فيجدون موجب الرد من شبهة من ضجر أهل البيت أو غيره. وحدثني غير واحد أنه كان خارج البلد في وقت لا يدرك الباب عادة إلا وقد غلقت، ثم يرونه في البلد- اهـ.

23 - إبراهيم بن علي بن محمد بن هلال الريعي التونسي التريكي

قال ابن صعد عن جده أبي الفضل: إن الشيخ أبيض اللون طويل لا يلبس سوى الكساء الجيدة يعري رأسه أكثر الأوقات. وذكر جماعة من الفضلاء أنه في ملازمته للجبل إذا وجد نوار الربيع أمعن النظر في أنواعه وألوانه وصنعته فيغلبه الحال ويتواجد ويتبختر ويقرأ حينئذ {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} (سورة لقمان، الآية 11). وقال عن جده: إنه توفى عام خمسة وثمانمائة وحضر جنازته السلطان ماشيًا على قدميه- اهـ. وذكر الونشريسي في وفياته أن وفاته سنة أربع وثمانمائة- اهـ. 23 - إبراهيم بن علي بن محمد بن هلال الريعي التونسي التريكي (¬1). أخذ عنه القاضي عبد القادر المكي بمكة الفقه وأصوله وأذن له في التدريس في حدود الثلاثين وثمانمائة، قاله الحافظ السخاوي في تاريخ أهل المائة التاسعة. وقلت: نقلت عن السخاوي في هذا الجزء وشيخه ابن حجر في الدرر بواسطة البدر القرافي أو بواسطة الإمام السيوطي في الثاني. 24 - إبراهيم بن فائد بن موسى بن هلال الزواوي القسنطيني، شارح مختصر خليل (¬2). قال السخاوي: ولد في جبل جرجر سنة ست وتسعين وسبعمائة، وأخذ الفقه عن أبي الحسن علي بن عثمان- اهـ. قلت: يعني المانجلاتي فقيه بجاية الآتي في حرف العين إن شاء اللَّه تعالى، قال: ثم رحل لتونس فأخذ الفقه أيضًا والمنطق عن الأبي، والفقه والتفسير عن القاضي أبي عبد اللَّه القلشاني، والفقه وحده عن يعقوب الزغبي، والأصول عن عبد الواحد الغرياني. ثم رحل لجبال بجاية، فأخذ العربية عن عبد العالي بن فراج، ثم دخل قسنطينة فقطنها وأخذ الأصلين والمنطق عن حافظ الذهب أبي زيد عبد الرحمن الملقب بالباز، والمعاني والبيان ¬

_ (¬1) انظر الدرر الكامنة والضوء اللامع 1/ 99. (¬2) درة الحجال 1/ 193، الضوء اللامع 1/ 116، شجرة النور 1/ 262.

25 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد البدوي الأنصاري الأندلسي

عن أبي عبد اللَّه القيسي، والأصلين والمنطق والمعاني والبيان مع الفقه، وغالب العلوم المتداولة عن أبي عبد اللَّه بن مرزوق عالم المغرب لما قدم عليهم قسنطينة فأقام بها ثمانية أشهر. ولم ينفك عن الاشتغال والاشغال حتى برع في جميع الفنون لاسيما الفقه، وعمل تفسيرًا، وشرح ألفية ابن مالك، وتلخيص المفتاح في مجلد، وشرح مختصر خليل في ثماني مجلدات وسماه (تسهيل السبيل لمقتطف أزهار روض الخليل) وشرحًا آخر كمل في مجلدين سماه (فيض النيل)، وحج مرارًا وجاور، وتوفي في سنة سبع وخمسين وثمانمائة- اهـ. قلت: وقد وقفت على السفر الثالث من شرحه المسمى (تسهيل السبيل) من القسمة الخ. . . حسن من جهة النقول يستوفيها، يعتمد فيها على ابن عبد السلام والتوضيح وابن عرفة وغيرهم، وفي آخره جامع كبير محتو على فوائد لخصها من البيان لابن رشد وغيره. ورأيت في خزانة جامع الشرفاء بمراكش السفر الأولي من شرح آخر له على خليل قدر الثلث إلى الجهاد سماه (تحفة المشتاق في شرح مختصر خليل بن إسحاق) مجلد ضخم. 25 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد البدوي الأنصاري الأندلسي (¬1). من علمائها الأجلة، معاصر لأبي القاسم من سراج وطبقته في المائة التاسعة، أخذ عنه العلامة أبو عبد اللَّه بن الأزرق، وقال فيه شيخنا الأستاذ القاضي أبو إسحاق: ولم أقف على ترجمته. ثم رأيت في أسانيد الشيخ أحمد ابن داود أن شيخه أبا القاسم بن أبي الطاهر الخطيب أخذ عن صاحب الترجمة وأخذ عن الأستاذ أبي عبد اللَّه محمد بن محمد القعنيبي الكفيف، عرف بابن الأزرق عن الأستاذ أبي محمد قاسم الشروطي. 26 - إبراهيم بن محمد بن فتوح العقيلي الأندلسي (¬2). الغرناطي مفتيها وعالمها يعرف بابن فتوح. قال السخاوي: فمن لازمه ¬

_ (¬1) لعله المشار إليه بإبراهيم البدوي قاضي مالقة. نفح الطيب 4: 304. (¬2) ترجمته في: در الحجال 1: 196، أزهار الرياض 1: 171، 3: 317، كفاية المحتاج 20، نفح الطيب =

في الفقه والنحو والأصلين والمنطق أبو عبد اللَّه بن الأزرق، بحيث كان جلُّ انتفاعه به، وقال: إنه مات بغرناطة سنة سبع وستين وثمانمائة- اهـ. وقال عصريُّه الإمام أبو يحيى بن عاصم بن أبي بكر بن عاصم: "كان صاحبنا أبو إسحاق عالما متفننًا محققًا نظارًا وأستاذًا، فوائد تدريسه لجين ونضار، كلًا بل جواهر ويواقيت ومناسك من السعادة مواقيت، بحسب الطالب الموثوق بفهمه، المعروف للتحصيل مواقع سهمه أن يلازم حلقة تعليمه، وأن يشد يد المنة بما يلقن من محصول تفهيمه، فاكسير الإفادة إنما حصله الواصلون من جابر صنعته، وكيمياء السعادة إنما تلقفها الظافرون في نضرة روضه المخضل وينعته- اهـ". قال ابن الأزرق: فهذا ما وصف به هذا الرئيس الجليل العلم، إمام التحقيق وعلم أعلامه- اهـ. وقال القلصادي في رحلته: لازمت بغرناطة شيخ علماء الأندلس في وقته سيدي أبا إسحاق بن فتوح (¬1)، كانت له مشاركة في العلوم مع تحقيقها، خصه اللَّه تعالى بفكر نقاد وذهن منقاد فانتفع به الجهابذة والنقاد، تخرج على يديه أكثر طلحة الأندلس الأعيان، وطالت مدة اقرائه للعلوم، فألحق الأصاغر بالأكابر. كان اعتناؤه بالأصلين والمنطق والعاني والبيان، له تحقيق بالتفسير والحديث، عالمًا بالعربية، حافظًا اللغة والأدب والشعر وغيرها، ثاقب الذهن لا يعسر عليه ما ينتحله من العلم إذا سُئل عن معنى حديث أو مشكل بيت، ولا يذكره من كتب اللغة، فلابد أن يحمله على وجه يصح في العربية، ثم إذا بحث عنه في كتب اللغة وجد كما قال. لم أر مثله في نوعه غير شيخنا ابن عقاب الجزامي التونسي، ولم يكن في وقت إدراكي له يعتني بالعربية ولا بالتأليف وإنما كتب على الأسطرلاب، ¬

_ = (راجع الفهرس)، شجرة النور الزكية 1: 260، أعلام المغرب 1: 140، وفيه: إبراهيم بن أحمد، والضوء اللامع 1: 157، رحلة القلصادي 162، 166. (¬1) رحلة القصادي ص 162 وما بعده، نقل بتصرف محدود من ص 166 - 168.

27 - إبراهيم بن محمد بن علي التازي، نزيل وهران الشيخ أبو سالم

ونظم رجز الصفيحة الشكازية في أول عمره، ونظره في العربية ما يقرأ عليه، ولا يتكلف في قراءة علم ولا البحث فيه، ولا يحسن تعليم المبتدئ وكان يقر بذلك، ويثقل عليه الكتب على الفتيا والكلام فيها، وإذا عرض له كتب لإنسان يأمرني أو غيري بكتب ذلك. وكان خطه جيدًا، نسخ كثيرًا في علوم شتى سيما المعقول، وخطه رقيق ندم عليه آخر عمره، كتب ابن عرفة في سفرين، وفي الثاني مختصر الحوفي، وقال لو وجدت كاغدًا رقيقًا على اختياري لكتبته في سفر واحد. وله نفس زكية وهمة عالية، لا يعتني بالدنيا ولا أهلها، ولا يحرص على كسب مال ولا رئاسة، وكان اقراؤه بالمدرسة، وهي أنوه مواضع التدريس بغرناطة، تقدم فيها باستحقاق بلا طلب، وكذا تقديمه بالجامع الأعظم. وتُعدي عليه فيها وقتًا وظُلم فوكل أمره لربه، ولم ينتصر لنفسه، وكانت أحواله مرضية إلى أن مات، حضرت عليه قراءة كفب متعددة في علوم شتى، وقرأت عليه مقالات أبي رضوان في المنطق، والشمسية، ورجز ابن سينا، وبعض رجزه في الطب، ومختصر ابن رشد في الأصول، وجمع الجوامع، وكراسة الجزولي، والتسهيل لابن مالك، وشامل بهرام، ومعظم خليل، وقرأت كتاب سيبويه فختمناه سنة ثمان وخمسين، ثم الكشاف وختمناه سنة ست وستين، ثم ابتدأنا خليلًا ثم تركناه لميله لقراءة التفسير والحديث والتصوف، فقرأنا الجواهر والأربعين للغزالي، وتوفى ليلة الثلاثاء سادس ذي الحجة عام سبعة وستين وثمانمائة، وحضر جنازته السلطان فمن دونه، وقد نيف على الثمانين سنة. . . الخ. وممن أخذ عنه العلامة أبو عبد اللَّه الراعي، شارح الألفية، وذكر عنه أنه كان كثير الاعتناء بكتاب سيبويه، وله فتاوى ذكر منها في المعيار جملة. 27 - إبراهيم بن محمد بن علي التازي، نزيل وهران الشيخ أبو سالم (¬1). وأبو إسحاق الإمام العالم العلامة الناظم البليغ الورع الزاهد الولي ¬

_ (¬1) ترجمته في: درة الحجال 1: 194، البستان 58 - 63، أزهار الرياض 2: 309، شجرة النور الزكية 1: 293، كفاية المحتاج 20، ظهر الضوء اللامع 1: 187، مناقب الخطابي 21 ظ، تعريف الخلف 2: 7.

الصالح العارف القطب، صاحب الكرامات والأحوال البديعة والقصائد الرائقة الأنيقة. قال أبو عبد اللَّه بن صعد في النجم الثاقب: كان سيدي إبراهيم من الأولياء الزاهدين والعبّاد الصالحين، إمامًا في علوم القرآن، مقدّمًا في علم اللسان، حافظًا للحديث، بصيرًا بالفقه وأصوله، من أهل المعرفة التامة بأصول الدين، إمامًا من أئمة المسلمين. وقفت على كثير من تقاييده في الفقه والأصول وعلم الحديث بخطه الرائق. من أهل الحفظ العظيم، معروفًا بجودة النظر والفهم الثاقب، جامعًا لمحاسن العلماء، ممتعًا بآداب الأولياء، لا نظير له في كمال العقل، ومتانة الحكم، والتمكن في المعارف، وبلوغ الدرجة العليا في حسن الخلق وجميل العشرة، والمعرفة بأقدار الناس والقيام بحقوقهم، وحسبك من جلالته وسعادته أن المثل ضرب بعقله وحلمه، واشتهر في الآفاق ذكر فضله وعلمه حتى الآن، إذا بالغ أحد في وصف رجل قال: كأنه سيدي إبراهيم التازي، وإذا امتلأ أحدهم غيظًا قال: لو كنت في منزلة سيدي إبراهيم التازي ما صبرىت لهذا، لما كان يتحمله من إذاية الخلق، والصبر على المكاره، واصطناع المعروف للناس، والمداراة، فهو أحد من أظهره اللَّه لهداية خلقه، وأقامه داعيًا لبسط كراماته، مجللًا برداء المحبة والمهابة، مع ما له من القبول في قلوب الخاصة والعامة، فدعاهم إلى اللَّه ببصيرة، وأرشدهم لعبوديته بعقائد التوحيد ووظائف الأذكار. كان أحسن الناس صوتًا، وأنداهم قراءة، آية في فصاحة اللسان والتجويد، ذكر أنه أيام مجاورته إذا قرأ البخاري أو غيره انحشر الناس إليه لحسن قراءته وجودته، وصلى الأشفاع هناك في رمضان بالناس لحسن تلاوته وطلاوة حلاوته. وأصله من بني لنت قبيلة من بربر تازا، وشهر بالتازي لولادته بها، وقرأ بها القرآن على العالم الصالح الولي العارف أبي زكريا يحيى الوازعي، وكان هذا الشيخ يعتني به على صغر سنه، ويقول لأقرانه: هذا سيدكم وصالحكم. وما زال على حاله الحسنة، ونشأته الصالحة، وهديه القويم، إلى أن رحل

للشرق، وعلماؤه على ساق، وعُرفت صدّيقيته هناك، واشتهر ذكره، وكان رفيقه في وجهته للبلاد المشرقية نظيره في العلم والدين الولي الصالح الزاهد الناصح أحمد الماجري-اهـ -كلام ابن صعد ملخصًا. قلت: ولما حج لبس الخرقة من شرف الدين الداعي، ولبسها من الشيخ صالح بن محمد الزواوي بسنده إلى أبي مدين، وأخذ عنه حديث المشابكة، وتبرك بالشيخ الولي الصالح أبي عبد اللَّه محمد بن عمر الهواري، وتلمذ له فنال بركته. وكان عالمًا زاهدًا متصوفًا له كرامات، ومكاشفات كثيرة، وقصائد في مدحه -صلى اللَّه عليه وسلم-. أخذ عنه جماعة من الأئمة كالحافظ التنسي، والإمام السنوسي وأخيه سيدي علي التالوتي، والإمام أحمد زروق وغيرهم، قال القلصادي في فهرسته (¬1): أقمت بوهران مع الشيخ المبارك سيدي إبراهيم التازي خليفة الهواري في وقته، كان له اعتناء بكلام شيخه، ومن حكمه "العالم لا تعاده، والجاهل لا تصافه، والأحمق لا تؤاخه- اهـ.". قال ابن صعد: وأخذ بمكة عن علامة علمائها وكبير محدثيها قاضي القضاة المالكية سيدي الشريف تقي الدين محمد بن أحمد الحسني الفاسي، قرأ عليه كثيرًا من الحديث والرقائق وأجازه، وبالمدينة على جماعة كإمام الأئمة أبي الفتح بن أبي بكر القرشي وغيره. وكان كلامه في طريق التصوف ومقام العرفان لا يقوم بمعناه إلا من تمكنت معرفته، وقويت عارضته، وذاق من طعم الحب ما توفرت به مادته. وأخذ بتونس عن شيخ الإسلام الحافظ العلامة عبد اللَّه العبدوسي، وبتلمسان عن علامة وقته، خاتمة العلماء محمد بن مرزوق وأجازاه معًا، وزار بوهران شيخ المشايخ جنيد أقرانه وحكيم زمانه الهواري- اهـ. قلت: قوله: عبد اللَّه العبدوسي لعل صوابه أبو القاسم عبد العزيز العبدوسي، فهو نزيل تونس في ذلك الوقت، وأما عبد اللَّه العبدوسي فهو ولد ¬

_ (¬1) رحلة القلصادي ص 111، نقل بتصرف يسير.

أخيه، لم أعرف له رحلة لتونس، ولا ذكره أحد، وإنما كان بفاس وبها توفى، واللَّه أعلم. وتوفي سيدي إبراهيم تاسع شعبان سنة ست وستين وثمانمائة -رحمه اللَّه تعالى ونفعنا به- هكذا ذكره غير واحد. ومن شعره قوله -رضي اللَّه عنه-: أَمَا آنَ ارْعوَاؤكَ عَنْ شَنَارِ ... كَفَى بِالشَّيبِ زَجْرًا عَنْ عوار أبَعْدَ الأربعينَ ترومُ هزلًا ... "وهلْ بعد العشيةِ من عَرَارِ" فَخَلِّ حظوظَ نفسكَ والهَ عَنْهَا ... وعنْ ذكرِ المنازلِ والديارِ وعدِّ عن الرَّبَابِ وعن سُعَادٍ ... وزينبَ والمعارفِ والعقارِ فما الدنيا وزخرفها بشيءٍ ... ومعا أيامُهَا إلا عَوارِ وليس بعاقلٍ من يصطفيها ... أتشري الفوزَ ويحكَ بالتَّبَارِ فَتُبْ واخلعْ عِذارَكَ في هوى مَنْ ... لَهُ دارُ النَّعيمِ ودارُ نارِ جمالُ اللَّه أكمل كلِّ حسنٍ ... فللهِ الكمالُ ولا ممارِ وحبُّ اللَّه أشرفُ كلِّ أنسٍ ... فلا تَنْسَ التَّخَلُّقَ بالوقارِ وذكر اللَّه مَرْهَمُ كل جُرْحٍ ... وأنفعُ من زلالٍ للأوارِ ولا موجودَ إلا اللَّه حقًا ... فدعْ عنكَ التَعلُّقَ بالشّفَارِ وله من قصيدة: يا صاحِ من رُزِقَ التُّقى وَقَلَا الدُّنَا ... نَالَ الكرامةَ والسعادةَ والغِنَى فاصرفْ هوى دنياكَ واصرف حَبْلَها ... دارِ البَلايَا والرزايا والعَنَا وودادُهَا رأسُ الخطايَا كلِّها ... ملعونةٌ طوبى لمن عنها انثنى لا تغتررْ بغرورِها فمتاعُها ... عرضٌ معدٌّ للزَّوال وللفَنا لعبٌ ولهوٌ زينةٌ وتفاخرٌ ... لا تخدعنْكَ جنانُها مرّ الجنى خداعةٌ غدارةٌ نكارةٌ ... ما بلَّغتْ لخليلِها قطُّ المنى اليوم عندَك جاهُهَا وحطامُهَا ... وغدًا تراهُ بكفِّ غيرك مقتنى فاقبلْ نصيحةَ مخلصٍ واعملْ بها ... يدنيكَ من رضوانِ ربِّك ذي الغنى يُدخلك جناتِ النعيمِ بفضلِهِ ... دارِ المقامةِ والمسرةِ والهَنَا

وله أيضًا من قصيدة أخرى: وغنمُ مريدٍ في انقيادٍ لكاملٍ ... له خبرةٌ بالوقتِ والعلمِ والحالِ حوى السِّرِّ والإكسيرَ والكيميا لمنْ ... أرادَ وصولًا أو بَغَى نيلَ آمالِ وقد عدم الناسُ الشيوخَ بقطرنا ... وآخرهمْ شيخي وموضعُ إجلالِ وقد قال لي لم يبقَ شيخٌ بغربنا ... وذا منذ أعوام خلونَ وأحوالِ يشيرُ إلى أهلِ الكمالِ كمثله ... عليه من اللَّه الرِّضا ما تلا قال وله أيضًا من قصيدة أخرى: حسامي ومنهاجي القويمُ وشرعتي ... ومنجيَّ في الدارين من كلِّ فتنةِ محبةُ ربِّ العالمين وذكرُهُ ... على كلِّ أحياني بقلبي ولهجتي وأفضلُ أعمالِ الفتى ذكرُ ربه ... فكنْ ذاكرًا يذكرك باري البريةِ وما من حسام للمريدين غيرُهُ ... وكمْ حسموا ظهرًا لزار وباهت وكم بددوا شملا لِذِي جُرْأةٍ وَكَمْ ... أبادوا عدوًا مَسَّهُمْ بمضرةِ وكم دافعَ اللَّه الكريمُ بذكرهم ... عن الخلق من مكروهةٍ ومبيرةِ وأفضلُ ذكرٍ دعوةُ الحقِّ فلتكنْ ... بها لهجًا في كلِّ وقتٍ وحالةِ فكثرةُ ذكرِ الشَّيءِ آيةُ حُبِّهِ ... وحسبُ الفتى تشريفُهُ بالمحبةِ وله أيضًا من أخرى، رحمه اللَّه: وَخِيْرَةُ الخَلْقِ مَنْ مِنْ أجْلِهِ خُلِقُوا ... محمدٌ خيرُ محمودٍ ومن حمدا من خصَّه بلِواءِ الحمدِ حامدُهُ ... وبالمقام القياميّ الذي حمدا ويوم حشرِ الورى للفصلِ يرشدُهُ ... إلى محامدَ لم يرشدْ لها أحدا وكثرةُ الحمدِ من أوصافِ أمته ... في اليُسر والعُسر في الكتبِ العلا وجد صلَّى الحميدُ على المحمودِ أحمدَ ما ... بالحمدِ أفصحَ حمّادٌ وما سجدا للَّه عبدٌ شكورٌ حامدٌ وعلى ... قرباهُ والصحبُ أعلا الأمةِ الحمدا وله أيضًا -قدس سره- من أخرى: أبَتْ مهجتي إلا الولوعَ بما تهوى ... فدعْ عنك لومي والنُّفُوسَ وما تَغْوى (¬1) ¬

_ (¬1) في الأصل: تقوى والتصويب من وجه الابتهاج ص 28.

28 - إبراهيم بن أحمد القاضي برهان الدين الأبوذري الأزهري المصري

هوانُ الهوى عزٌّ وعذبٌ أجاجُهُ ... وعَلْقَمُهُ أحلى من المنٍّ والسَّلوى وتعذيبُهُ للصبِّ عينُ نعيمِهِ ... وسعيُ اللواحي في السُّلوِّ من العدوى ومن لم يَجُدْ النفسِ في حبِّ حبِّهِ ... فلوعتُهُ إفكٌ وصبوتُهُ دَعْوى وليسَ بِحُرٍّ مَنْ تَعبَّدَهُ الهوى ... لِلَهْوِ الدَّنا فاخترْ لنفسكَ ما تهوى فما الحبُّ إلا حبُّ ذي الطَّولِ والغنى ... وأملاكِهِ والأنبيا وأولي التَّقْوى وخيرَةُ رُسُلِ اللَّه أفضلُ خلقِهِ ... محمدٌ الهادي الى جنَّةِ المأوى وله أيضًا -قدس اللَّه روحه- من أخرى: روحي وراحةُ روحي ثم ريحاني ... وجنتي من شرورِ الإنسِ والجانِ ومأمنى وأماني من سعيرِ لظى ... ذكرُ المهيمنِ في سرٍّ وإعلان ومدحُ أَحمدَ أحمى العالمين حِمًى ... [وذو] المقامِ الذي مَا قَامَهُ ثانِ إلى أن قال: هو السِّراجُ هو المَنْجي لمعتصمٍ .... هو المعاذُ وملجأ الخائفِ الجاني يا رحمة اللَّه إني خائفٌ وجلٌ ... يا نعمةَ اللَّه إني مفلسٌ عاني إلى غيرها من قصائده الكثيرة. وقد ذكرت كثيرًا من أحواله في غير هذا الموضع، بل عرّف به الشيخ ابن صعد في نحو كراسين من النجم الثاقب. 28 - إبراهيم بن أحمد القاضي برهان الدين الأبوذري الأزهري المصري (¬1). حفظ القرآن والعمدة ومختصر ابن الحاجب الفرعي، والرسالة وألفية ابن مالك، وغيرها. لازم الزين عبادة في الفقه وغيره، كالشهاب الصنهاجي، وأبي القاسم النويري فيه وفي العربية وغيرهما، وأخذ أيضًا عن الشهاب الأبدي، وأبي الفضل الشذالي، وحفر درس البساطي واستنابه، وكذا استنابه من بعده وصار من أعيان النواب، وحج مرارًا. ولد ثاني عشر ربيع الأول سنة ست وثمانمائة ومات في سنة تسع وخمسين وثمانمائة. ¬

_ (¬1) ترجمته في: شجرة النور الزكية 256.

29 - إبراهيم بن محمد بن أحمد الزفري

29 - إبراهيم بن محمد بن أحمد الزفري (¬1). ولد في الحرم سنة تسع عشر وثمانمائة، تفقه بالزين طاهر (والجب) (¬2) بالطويلية من صحراء مصر، وشرح الرسالة في مجلد، وابن الحاجب الفرعي، بها خمس، وعلق من الفوائد غير ذلك، ولم يزل على طريقته حتي مات بها سادس رمضان سنة سبع وسبعين وثمانمائة، صح من السخاوي. 30 - إبراهيم بن قاسم بن سعد بن محمد العقباني التلمساني (¬3). قاضي الجماعة بها أبو سالم الإمام العلامة الحافظ ابن شيخ الإسلام، مفتي الأمة أبي الفضل قاسم، أخذ -رحمه اللَّه- عن والده وغيره من علماء تلمسان، وحصّل وبرع وألّف وأفتى وتولى القضاء بعد عزل ابن أخيه العلامة محمد بن أحمد بن قاسم الآتي. قال الشيخ أحمد زروق: وكان أبو سالم هذا فقيهًا تولى القضاء بتلمسان وكان شكورًا، انتهى. ونقل عنه المازوني في نوازله. وممن أخذ عنه العلامة أحمد الونشريسي، وأثنى عليه، ونقل عنه في كتبه، وذكر عنه بها تعليقه على ابن الحاجب أنه كان هو وأبوه الإمام قاسم يشدد النكير على ابن العربي في قوله بجواز إرسال الريح في المسجد. توفي سنة ثمانين وثمانمائة، ذكره الونشريسى في وفياته وغيره، مولده سنة ثمانين وثمانمائة، واللَّه أعلم. 31 - إبراهيم بن محمد بن محمد بن عمر بن يوسف بن جميل اللقاني، المغربي الأصل (¬4). قاضي القضاة بمصر برهان الدين، سمع الحديث على الزركشي، وحفظ ¬

_ (¬1) الضوء اللامع 1/ 127. (¬2) في الضوء اللامع وانجمع. (¬3) وفيات الونشريسي ولقط الفرائد، ألف سنة من الوفيات ص 150، 266، درة الحجال 1: 196، البستان 57، شجرة النور الزكية 1: 265. (¬4) الضوء اللامع 1/ 161، وفي لفظ الفرائد أن وفاته كانت سنة 866، ألف سنة من الوفيات، ص 260، ولعله غيره.

32 - إبراهيم بن محمد الخدري

مختصر خليل، وألفية ابن مالك، وتفقه بالزين طاهر ولازمه حتى كان جلّ انتفاعه به، والزين عبادة، وأحمد البجائي المغربي، وأبي القاسم النويري، وتصدى للتدريس والإفتاء، واستقر في قضاء المدينة سادس صفر سنة سبع وسبعين وثمانمائة. وكان له قومات شديدة وعزمات سديدة، وكانت له اليد البيضاء في المجلسين المعقودين بسبب هدم الكنيسة، ولعدم مداراته فرح السلطان وقدم بعد ذلك. وصار بآخرة الأمر عليه المدار، أفتى وقضى واستمر على طريقته في لزوم بيته إلى أن توفي ليلة الثلاثاء عاشر المحرم سنة ست وتسعين وثمانمائة وشهد السلطان جنازته، وولد في صفر سنة سبع عشرة وثمانمائة- اهـ -من الضوء اللامع للسخاوي. 32 - إبراهيم بن محمد الخدري (¬1). شيخ تونس وعلمائها، مولده قبل القرن، كذا في أعيان الأعيان للسيوطي. وقال الشيخ أحمد زروق في في كناشته: "كان إبراهيم الخدري فقيهًا صالحًا مفتي تونس وكبيرها (¬2). وقال السخاوي: إنه الأخضري وأن نسبته إلى الخدري تصحيف، قال: أخذ بتونس عن أبي عبد اللَّه القلشاني، وعن ولده عمر، وعن قاسم العقباني حين اجتيازه بهم، ولم يكن عندهم أجل منه، وكان يصفه بالاجتهاد المطلق، ولكن لا يفتي إلا بمذهب مالك، وأما في خاصة نفسه فلا يعمل إلا بما يراه، وتقدم في الفقه والأصلين والعربية والمنطق. ومات سنة تسع وسبعين وثمانمائة، وقد قارب الثمانين. 33 - إبراهيم بن هلال الفلالي السجلماسي (¬3). مفتيها وعالمها الفقيه العالم الحافظ الصالح، أخذ عن الفقيه ابن آملال ¬

_ (¬1) الضوء اللامع 1/ 169 منشورات مكتبة الحياة بيروت. (¬2) لا يوجد له ذكر في الكناش المحقق بمجلة كلية الزبية، عدد 5 سنة 1967 ص 69 - 114، بعناية الدكتور علي فهمي خشيم. (¬3) ترجمته في: جذوة الإقتباس 97، درة الحجال 1: 197، فهرس الفهارس 2: 426، أزهار الرياض 3: 224، دوحة الناشر ص 89، شجرة النور الزكية 1: 268، معجم المؤلفين 1: 124، أعلام المغرب العربي 142.

34 - إبراهيم بن عمر بن شعيب الدميري

والإمام القوري مفتي فاس وغيرهما، وألف تآليف منها كتاب (المناسك) وتعليق على مختصر خليل ولم يكمل، ولشرح على البخاري اختصر فيه ابن حجر، وله فتاوى مشهورة، توفي، على ما قيل، سنة ثلاث وتسعمائة عن ست وثمانين سنة، وكان آية في النظم والنثر ونوازل الفقه، وأنجب ولده عبد العزيز، وكان رجلًا صالحًا توفي بعده سنة عشر. 34 - إبراهيم بن عمر بن شعيب الدميري (¬1). قاضي القضاة بمصر برهان الدين، أخذ الفقه عن نور الدين التنسي، ثم عن السنهوري، والعربية عن البدر بن أبي السعادات البلقيني، وعبد الحق السنباطي، والمنطق عن العلاء الحصني، وولد، تقريبًا، سنة أربعين وثمانمائة، كذا عن السخاوي. وقال تلميذه الداودي: وكان كثير التلاوة للقرآن، مع التواضع ولين الجانب ومحبة الصالحين، ولي قضاء المالكية فصار أحسن الناس سيرة، توفي في رمضان سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وكانت ولايته القضاء في ربيع الأخير سنة ست وتسعمائة بعد موت القاضي عبد الغني بن تقي. 35 - إبراهيم بن المصمودي (¬2). الفقيه الفرضي الحيسوبي، متقدم في الفرائض والحساب، تصدّر لهما بفاس، وأخذ عنه جماعة منهم عبد الحق المصمودي وغيره، وتوفي سنة اثنتي أو ثلاث عشرة وتسعمائة، هكذا بخط صاحبنا محمد بن يعقوب الأديب المؤرخ -رحمه اللَّه تعالى. ¬

_ (¬1) ترجمته في: شجرة النور الزكية. (¬2) ترجمته في: درة الحجال 1: 199، جذوة الإقتباس 99، أعلام المغرب العربي 144.

"ترجمة الأحمديين"

"ترجمة الأحمديين" 36 - أحمد بن محمد بن عطاء اللَّه الصنهاجي الأندلسي أبو العباس (¬1). عرف بابن العريف أحد الأولياء المتسمين بالعلم والعمل والزهد، كان من الفقهاء والمحدّثين والقرّاء المجودين، ثم غلب عليه الزهد والورع والإيثار، فأصبح من أعلام المتصوفة ورجال الكمال. قال ابن بشكوال: كان متناهيًا في الفضل والدين منقطعًا إلى الخير، يقصده العبّاد والزهاد ويألفونه، بينه وبين القاضي عياض مكاتبات حسنة. وله كرامات ودعوات مستجابة، من أهل الجد والاجتهاد وملازمة الأذكار وصحبة العبّاد والزهاد، فحسده قاضي المرية بن الأسود فكتب فيه للخليفة علي بن تاشفين وخوفه من حاله فكتب لعاملها: أن ابعث إلينا ابن العريف، فجعله في القارب في البحر لسبته، فأشار القاضي على العامل بقيده، فأرسل رسوله فقيّده وهو في البحر، فقال ابن العريف: روّعنا روعه اللَّه، فلقيه العدو في البحر فأسروه، فلما وصل لسبته وافاه رسول السلطان بالأمان وحلّ قيده وتسريحه، فقال: كنت لا أريد معرفة السلطان وقد عرفني فلا بد من رؤيته فوصل لمراكش فأقبل عليه السلطان وعظمه وأكرمه، وسأله عن حوائجه فقال: لا حاجة في إلا أن تخليني أذهب حيث شئت، فأذن له. فلما خاب سعي القاضي ابن الأسود في مراده تحيل عليه بأن سمّه في باذنجان فمات منه بمراكش سنة ست وثلاثين وخمسمائة. واحتفل الناس بجنازته، وندم السلطان على ما كان منه وبحث عن أصله ونسبه، فأنهى إليه من حيلة القاضي ابن الأسود أنه غربه وقتله، فحلف لأفعلنّ به مثل ذلك، فغرّب وسمّ، كذلك صح من النجم الثاقب. ¬

_ (¬1) الصلة 83، التحفة 17، معجم الصدفي رقم 14، البغية رقم 36، الشذرات 4: 112، الوافي 8: 133، وفيات الأعيان 1: 168، نفح الطيب (راجع الفهرس)، أعلام الزركلي 1: 208، مجلة المجمع العلمي العربي 24: 271، المشرق 33، 454.

37 - أحمد بن عبد الصمد بن أبي عبيدة محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الحق الخزرجي القرطبي

37 - أحمد بن عبد الصمد بن أبي عبيدة محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الحق الخزرجي القرطبي (¬1). نزل بجاية وقد سكن غرناطة مرة، يكنى أبا جعفر، روى عن أبي جعفر البطروجي وابن العربي وشريح وابن ورد وابن أبي الخصال وغيرهم. اعتنى بالحديث وروايته وكف بصره أخيرًا. له تأليف في كلامه -صلى اللَّه عليه وسلم- سماه (آفاق الشموس وأعلاق النفوس) وآخر سماه (مقامع الصلبان). روى عنه أبو القاسم بن بقي وأبو سليمان بن حوط اللَّه، وتوفي بفاس سنة اثنين وثمانين وخمسمائة، مولده سنة تسع عشرة وخمسمائة، ذكره ابن الأبار. 38 - أحمد بن جعفر الخزرجي أبو العباس السبتي (¬2). الولي الزاهد العالم العارف باللَّه القطب ذو الكرامات الشهيرة والمناقب الكثيرة والأحوال الباهرة والفضائل الظاهرة، نزيل مراكش وبها توفي، وقبره معروف مزار مزاحم عليه مجرب الإجابة، زرته مرارًا لا تحصى وجربت بركته غير مرّة. أخذ عن الشيخ أبي عبد اللَّه الفخار تلميذ القاضي عياض. قال لسان الدين ابن الخطيت السلماني: كان السبتي مقصودًا في حياته، مستغاثًا به في الأزمات، وحاله من أعظم الآيات الخارقة للعادة. ومبني أمره على أفعال العالم عن الجود، وكونه علة في تأثير الوجود، له في ذلك أخبار ذائعة وأمثال باهرة، ولما توفي ظهر هذا الأثر على تربته، وتشبث بلحده، وانسحب على مكانه عادة حياته، ووقع الإجماع على تسليم هذه الدعوى، وتخطى الناس من مباشرة قبره بالصدقة إلى بعثها له من أماكنهم على بعد المدى، وانقطاع المكان ¬

_ (¬1) الوافي بالوفيات 6: 41، الديباج 50، تعريف الخليف في 2: 61، معجم المؤلفين 1: 274. (¬2) نفاضة الجراب 305، شجرة النور الزكية 184، 608، كتاب الوفيات 302، ريحانة الكتاب 2: 101.

الأقصى، تحملها أجنحة نياتهم فتهوى إليه بمقاصدهم من كل فج عميق، فيجدون الثمرة المعروفة والكرامة المشهورة! وقال ابن الزيات: كان أبو العباس قد أعطى بسطة في اللسان وقدرة على الكلام لا يناظره أحد إلا أفحمه، ولا يسأله إلا أجابه، كأن القرآن والحجج على طرف لسانه حاضرة، يأخذ بمجامع القلوب ويسحر العامة والخاصة ببيانه، يأتيه المنكرون للإنكار، فما ينصرفون إلا مسلّمين منقادين، وشأنه كله من عجائب الزمان. وحدثني مشايخنا أنهم سمعوه يقول: أنا القطب. وحدثني أبو الحسن الصنهاجي، من خواص خدّامه، قال: خرجت معه مرة لصهريج غابة الرمان يوم عرفة، فجلسنا هناك وصلينا فقال لي: إنما سمي هذا اليوم يوم عرفة لانتشار الرحمة فيه لمن تعرف إليه بالطاعة. وقد فاتنا عرفة فتعال نمثل بهذا المكان، نعمل كما يعملون، ولعل اللَّه يتغمدنا برحمته معهم، فعمل مكانًا دائرًا بالعين الكعبة، ومحل عنصر الماء الحجر وموضعًا آخر في مقام إبراهيم، فطاف بالعين أسبوعًا وأنا أطوف بطوافه، وكثير على العنصر في كل طوافة، وصلى في مثل المقام ركعتين تامتين، وأطال في سجود الثانية، ثم استند إلى الشجرة ثم قال: يا علي اذكر كل حاجة لك من حوائج الدنيا تقضى فإن اللَّه وعد في هذا اليوم من تعرف له أن تقضي حوائجه، فقلت: ما أريد إلا التوفيق. فقال لي: ما خرجت معك إلى المدينة حتى وفقت، فسألته عن حال بدايته، وبم تنفعل له الأشياء ويستجاب له الدعاء، ولم صار يأمر بالصدقة والإيثار من شكا إليه حالًا أو تعذر عليه مطلوب في هذه الدار؟ فقال لي: ما آمر الناس إلا بما ينتفعون به، لأني لما قرأت القرآن وقعدت بين يدي الشيخ أبي عبد اللَّه الفخار ونظرت في كتب الأحكام، وبلغ سني عشرين سنة تدبرت قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} وقلت: إني مطلوب به، فبحثت عن الآية، فوقفت على أنها نزلت حين آخى -صلى اللَّه عليه وسلم- بين الأنصار والمهاجرين، فسألوه أن يعلمهم حكم المؤاخاة، فأمرهم بالشاطرة ففهمت أن العدل المأمور به في الآية هو المشاطرة.

ثم تأمّلت حديث تفترق أمتي على ثلاث وسبعين، وأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما آخى بين الصحابة وذكر له الأنصار أنهم شاطروا المهاجرين ذكر ذلك الحديث أثره، فقلت: إن الذي هو عليه وأصحابه الإيثار والمشاطرة، فعقدت مع اللَّه نية أن لا يأتيني بشيء إلا شاطرت فيه الفقراء، فبقيت عليه عشرين سنة، فأثمر في حكم المخاطر، فلا يحكم خاطري بشيء إلا صدق. فلما أكملت أربعين سنة تدبرت الآية، فإذا العدل هو الشطر، والإحسان زائد عليه، فعقدت نية أن لا يأتيني قليل ولا كثير إلا أعطيت ثلثيه للَّه -عز وجل- فعملت عليه عشرين سنة فأثمر في الحكم بالولاية والعزل فأولي من شئت وأعزل من شئت. ثم نظرت بعد في أول ما فرضه على عباده في مقام الإحسان فوجدته شكر النعمة، بدليل إخرل الفطرة على المولود قبل أن يفهم، ووجدت أصناف من يعطي الصدقة الواجبة سبعة، وسبعة أخر صرفها فيها للإحسان والزيادة، وذلك أن لنفسك عليك حقًا ولزوجك حقًا وللرحم حقًا وللضيف حقًا ولليتيم حقًا، وذكر صنفين آخرين، فانتقلت لهذه الدرجة وعقدت معه تعالى عقدًا في إمساك سبعة حق النفس والزوجة، وصرف الخمسة الأسباع لمستحقيها، فأقمت عليه أربعة عشر عامًا فأثمر في الحكم في السماء فإذا قلت يا رب قال لي لبيك، ثم قال لي: نهايتي بتمام عمري بعد ستة أعوام تكملة عشرين عامًا. قال الصنهاجي: فأرّخت ذلك اليوم فلمّا مات وحضرت جنازته تذكرت التاريخ وحققت العدد، فنقصت من الستة الأعوام ثلاثة أيام، فيحتمل كونه من الشهور الناقصة. قال أبو بكر بن مساعد: جاء بعض السلاطين إلى أبي العباس وهو راكب فقال له: إلى متي تحيّرنا ولا تصرّح لنا عن الطريق؟ فقال له: هو الإحسان، فقال له: بيّن لي، فقال له: كل ما أردت أن يفعله اللَّه معك فافعل مع عبيده. وقال له أبو الحسن الجنان: أما ترى ما فيه الناس من القحط والغلاء؟ فقال له: إنما حبس المطر عليهم لبخلهم، فلو تصدقوا لمطروا

فقل لأصحابك الفلاحين تصدّقوا بمثل ما أنفقتم تمطروا، فقال له: لا يصدقني أحد، ولكن مرني في نفسي فقال له: تصدق أنت بمثل ما أنفقت. فقال له: إذا أمطرت أخرجت من ثمن الغلة مثل ما أنفقت، فقال له: إن اللَّه تعالى لا يعامل بالدين ولكن استسلف، فاحتال وتصدق بها كما أمره، قال: فخرجت إلى البحيرة التي عمرتها، والشمس شديدة الحر، فآيست من المطر، وقد أشرف جميع غرسي على الهلاك، فبقيت ساعة فإذا سحابة أمطرت البحيرة ورويت وظننت أن الدنيا كلها مطرف، فخرجت فإذا هو لم يتجاوزها- اهـ. وحكايته في مثل هذا كثير. قال الشيخ العارف أبو الحجاج يوسف التادلي في كتاب (التشوف إلى رجال التصوف): وكان أبو العباس جميل الصورة، أبيض اللون، حسن الثياب، فصيح اللسان، مقتدرًا على الكلام، حليمًا صبورًا، يحسن إلى من يؤذيه ويحلم على من يسفه عليه، رحيمًا عطوفًا محسنًا إلى اليتامى والأرامل، يجلس حيث أمكنه الجلوس، ويحضّ على الصدقة ويذكر في فضلها آيات وأحاديث، ويأخذها ويفرقها، ويرد أصول الشرع إليها، ويفسرها بها، فيقول معنى قول المصلي: اللَّه أكبر، أي من أن نضن عليه بشيء، فمن رأى شيئًا من متاع الدنيا في نفسه أكبر فلم يحرم ولا كبر، ومعنى رفع اليدين في التكبير تخليت من كل شيء لا قليلًا ولا كثيرًا، وهكذا يتكلم في جميع العبادات، ويقول: سرّ الصوم أن تجوع، فإذا جعت تذكرت الجائع وما يقاسيه من نار الجوع، فتصدق عليه، فمن صام ولم ينعطف على الجائع فكأنه لم يصم، إلى غيره، من كلامه في مثل هذا. وإذا أتاه امرؤ في أمر يقول: تصدق تصب ما تريد. وأخباره في ذلك عجيبة كثيرة. قال التادي: وحدثني ولده الفقيه أبو عبد اللَّه عن أبيه في بدء أمره أنه قال: كنت صغيرًا أسمع كلام الناس في التوكل، ففكرت في حقيقته، فرأيت أنه لا يصلح إلا بترك شيء، ولم يكن عندي يد فتركت الأسباب، وطرحت العلائق، ولم تتعلق نفسي بمخلوق، فخرجت سائحًا متوكلًا وسرت نهاري كله، فأجهدني الجوع والتعب، وكنت نشأت في رفاهية عيش، وما مشيت قط

على قدمي، فبلغت قرية فيها مسجد فتوضأت ودخلته، فصليت المغرب والعشاء، وخرج الناس، وقمت لأصلي فلم أقدر من شدة الجوع والتألم بالمشي، فصليت ركعتين، وجلست أقرأ القرآن إلى أن مضى جزء من الليل، فإذا قارع يقرع دارًا بعنف، فأجابه صاحب الدار، فقال: أرأيت بقرتي؟ فقال: لا. فقال: إنها ضلت وقد أكثر عجلها من الحنين، فطلبها فلم يجدها في القرية، فقال أحدهم: لعلها في المسجد ففتحوا بابه ووجدوني، فقال صاحب البقرة: أظنك ما أكلت شيئًا، فجاءني بكسرة خبز وقدح لبن، ثم ليأتيني بالمال فوجد بقرته في وسط الدار، فقال: خرجت بقصد البقرة وما كان خروجي إلا لهذا الفتى الجائع في المسجد، فجاء وطلب مني أن أمشي معه لمنزله فأبيت. وكان -رحمه اللَّه- في أول أمره يسكن الفندق، ويعلم الحساب والنحو، ويأخذ الأجرة عليه وينفقها على الطلبة الغرباء، ويمشي في الأسواق يذكّر الناس ويضربهم على ترك الصلاة، ويأتي بالطعام على رأسه، وبات ليلة عند الطلبة، فارتفعت أصواتهم بالمذاكرة، فإذا بالحرس قرعوا باب الفندق، فقام إليهم القيّم بخدمته، فقالوا له: أما تعلمون أن من رفع صوته بالليل يقتل؟ ثم وقف اثنان من الحرس على باب الفندق ليحملونا بعد الفجر للقتل، وجاء القيم فأخبرنا فخفنا خوفًا عظيمًا، وتيقنا الهلاك، فأخذ أبو العباس في الضحك ولا يبالي، ثم خلا بنفسه ساعة عند السحر، ثم قال لنا: لا خوف عليكم قد استوهبتكم من اللَّه، وهذان الحارسيان يقتلان غدًا إن شاء اللَّه تعالى، فقيل له الجزاء عندنا من الأفعال من الخير والشر، وهما لم يفعلا ما يوجب قتلهما، بل جزاؤهما أن يروعاكما روعانًا، فقال: العلماء ورثة الأنبياء، وترويعكم عظيم لا يقابل منهم إلا بالقتل، فما زلنا نعارضه فيه حتى قال: عقوبتنا أن يضرب كلّ مائة سوط، ثم اجتاز عبد اللَّه الخراز صاحب الوقت بالجامع الأعظم فوجد تابوته مفتوحًا، والحرسيان على قرب منها، فلم يشك أنهما حلاه، فحملا إلى رحبة القصر قبل الفجر، فقال لنا أبو العباس: احضروا على ضربهما كما أرادا قتلكم، فتبعناهما وحضرنا حتى ضرب كل واحد مائة سوط.

وكراماته لا تحصى، وكان يقول: أصل الخير في الدنيا والآخرة الإحسان، وأصل الشر فيها البخل، قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الآية. وقال عن إبليس: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} الآية. وقال: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} الآية، {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} وقال: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا} الآية، وقال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} الآية، وقال: {لَيْسَ الْبِرَّ} الآية. وقال: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ} الآية، فهي أمانة الرزق فأعطت السماء ما فيها من الماء وهو المطر، والأرض ما فيها من المياه النازلة من الجبال، وكذا الجبال، وأنبتت الأرض وأبت إمساكها، فخزن الإنسان جميعها عنده ومنع المساكين {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}. وفي الحديث "هم الأقلون ورب الكعبة إلا من قال هكذا وهكذا" الحديث. ولما أراد اللَّه هلاك فرعون وقومه ودعا عليهم موسى بالبخل فقال: {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ} إلى قوله: {دَعْوَتُكُمَا}. وكان آخر عمره -رضي اللَّه عنه- كثيرًا ما يقرأ هذه الآية {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى} إلى قوله: {سَوْفَ يُرَى}، ويقول: من قال: إن اللَّه لا يجازي على الصدقات فقد وافق اليهود في الفرية على اللَّه تعالى لأنهم قالوا: "يد اللَّه مغلولة غلت أيديهم" أي لا يجازي على الصدقات، قال تعالى: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} أي يجازي عليها كيف يشاء. ويقول في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} إنما كويت هذه المواضع لأن الغني يعرض عن المسكين بوجهه، ثم بجنبيه، ثم بظهره، فعوقبت هذه المواضع بكيِّ النار لإعراضه عنه. ومنازعه -رحمه اللَّه- في أمثال هذا كثيرة- اهـ -ملخصًا من التشوف للتادلي. قال ابن الزيات: وحدثني أبو الحسن الصنهاجي وغيره: أن رجلًا غنيًا يعرف بابن السكان دار عليه الزمان وافتقر، فحدّث أنه جاء لأبي العباس وعليه ثوب خلق تظهر منه عورته، فشكا إليه حالته، قال: فأخذ بيدي إلى أن خرج معي من باب تاغزوت، فجاء إلى مطهرة هناك فدخل فيها وتجرد من أثوابه وناداني وقال لي: خذ الثياب فأخذتها، وكان بعد العصر فأردت أن أدري ما يكون من أمره، فصعدت إلى حائط هناك إلى قرب الغروب، فإذا

بفتى خرج من الباب على دابة معه رزمة ثياب، فلما رأيته نزلت إليه، وقال: أين الفقيه أبو العباس؟ فقلت: ها هو في الساقية عريان، فقال لي: امسك الدابة، فسمعت الفقيه يقول له: أين تلك الثياب؟ فأخذها منه وخرج، فلما رآني قال لي: ما لك هنا؟ قلت: يا سيدي خفت عليك فلم أقدر على الانصراف ونتركك، فقال لي: أفترى الذي فعلت ما فعلت يتركني؟ ثم سأل الفتى عن سبب وصوله إليه، فذكر له أن إحدى الكرائم أمرته أن يحمل إليه تلك الثياب وقالت له: لا تدفعها إلا للفقيه ولا يلبسها إلا هو، فهذه قصة صحيحة مشهورة- اهـ. قال ابن الخطيب السماني: روضته بباب تاغزوت بمراكش غير حافلة البناء، ربما يتبرع متبرع باحتفالها فلا تساعده الأقدار، وزرتها فشاهدت داخلها أشياخًا من أهل التعفف والتصوف يسارقون خفي النظر إلى مساقط رحمات اللَّه عليها، لكثرة زائريها، فيلج ذو الحاجة بابها خالعًا نعليه مستحضرًا آنيته، ويقعد بإزاء القبر قعدة لذلك، ومن عجز عن النقدين تصدق بالطعام ونحوه، فإذا خف الزائر آخر النهار عمد القائم على التربة إلى ما أودع في تلك الأواني فقسمه على المحاويج الحافّين بها، ويحصون كل عشية ويعمهم الرزق المودع فيها، وإن قصر عنهم كملوه بها غده. قال: وترافع خدام الروضة لقاضي البلد وتخاصموا في أمر ذلك الرزق المودع هناك، فسألهم القاضي عن خراج اليوم فقالوا: يحصل هذه الأيام بها اليوم الواحد ثمانمائة مثقال ذهب عين، وربما وصل في بعض الأيام ألف دينار فما فوق، فروضة هذا الولي ديوان اللَّه بالمغرب لا يحيى دخله ولا تحصى جباياته، فالتبر يسيل واللجن يفيض، وذو الحاجة كالطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا، يختص برحمته من يشاء، واللَّه ذو الفضل العظيم. قال: وأنا ممن جرب المنقول عن القبر فاطّرد القياس وتزيف الشبهة، وتعرفت من بدء زياراته ما تحققت به من بركته، وشهد على برهان دعوته- اهـ. قلت: وإلى الآن ما زال الحال على ما كان عليه بها روضته من ازدحام الخلق عليها، وقضاء حوائجهم ولكن قل ذلك العطاء لفساد الزمان، وتقاصر

أهله وبخلهم، ومع ذلك فما زالت بركته تعم قاصديه، من الفقراء والقاصدين، فلله الحمد. وقد زرته ما يزيد على نحو خمسمائة مرة، وبت هناك ما ينيف على ثلاثين ليلة، وشاهدت بركته في الأمور، فلله الحمد على ما يسر. وقال الشيخ ابن الخطيب القسنطيني في رحلته: حضرت عند الحاج الورع الزاهد أبي العباس أحمد بن عاشر بسلا، وقد سأله أحد الفقراء عن كرامة الأولياء، فقال له: لا تنقطع الكرامة بالموت انظر إلى السبتي، يشير للشيني الفقيه العالم المحقق أبي العباس الدفون بمراكش، يلجأ بركته وما ظهر عند قبره من البركات في قضاء الحاجات بعقب الصدقات، قال: سمعت يهوديًا بمراكش يلجأ ببركته، وينادي باسمه في أمر أصابه، لا مع المسلمين. فسألته عن سببه فأخبر أنه وجد بركته في غير موطن، فسأله عمّ رأى له في وقت، فقال: وحق ما أنزل على موسى ما أذكر لك إلا ما اتفق لي، سرت ليلة مع قافلة في مفازة، فعرجت دابتي فما شككت في قتلي وسلبي، فجلست وبكيت وبيني وبين الناس بعد، وقلت يا سيدي أبا العباس خاطرك، قال لي: فواللَّه ما أتممت الكلام إلا وأهل القافلة وقفوا لأمر أصابهم، وجرت دابتي وخفّ عرجها ثم زال، واتصلت بالناس، فقلت له: لم لا تسلم؟ فقال: حتى يريد اللَّه تعالى، وعجبت من كون ذلك يهوديًا فهي شهادة من عدو في الدين. ولقد سألت اللَّه في أشياء عند قبره منها أن أكون ممن يشتغل بالعلم ويوصف به، وأن ييسر عليّ فهم كتب عينتها فيسر اللَّه عليّ ذلك في أقرب مدة، وقبره له بركات وأنوار، وكان أهل مذهبه الحض على الصدقة، وكان أمره عجبًا من إجابة الدعاء، ونزول المطر، واختصاصه بمكان دون آخر، وقال لأصحابه: أنا القطب، تفقه على أبي عبد اللَّه الفخار، وكان آية في الناظرة، وأوذي باللسان كثيرًا جدًا، فيصفح ويتجاوز. ورأى عبد الرحمن بن يوسف الحسني الشريف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في النوم قال: فقلت: يا رسول اللَّه ما تقول في السبتي؟ وكنت سيئ الاعتقاد فيه، فقال لي بعد أن تبسم: هو من السباق. وقلت: بيّن لي يا رسول اللَّه، قال:

39 - أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن مخلد بن بقي بن مخلد القرطبي أبو القاسم

هو ممن يمر على الصراط كالبرق. قال فخرجت بعد الصبح فلقيت أبا العباس فقال لي: ما رأيت وما سمعت؟ واللَّه لا تركتك حتى تعرفني، فعرفته فصاح: لكلمة الصفا من المصطفى. وتوفى سنة إحدى وستمائة، وولادته بسبتة عام أربعة وعشرين وخمسمائة- اهـ. وكذا ذكر التادلي ولادته وموته -نفعنا اللَّه به آمين. 39 - أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن مخلد بن بقي بن مخلد القرطبي أبو القاسم (¬1). ذكره في الأصل. قال أبو القاسم بن الشاط في فهرسته التي عملها لشيخه لابن (¬2) أبي الربيع: وهو الفقيه الكاتب المحدث الفاضل الحسب العلم الأوحد قاضي الجماعة، روى عن أبيه وجده، وأجازه أبو الحسن بن شريح وابن قزمان وابن بشكوال وابن مضاء والسهيلي في جماعة كثيرة، مولده يوم السبت ثاني عشر ذي القعدة عام سبعة وثلاثين وخمسمائة، وتوفي بقرطبة عام خمسة وعشرين وستمائة في رمضان- اهـ. 40 - أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي عرفة (¬3). اللخمي العزفي السبتي أبو العباس، قال ابن الشاط في الجزء المذكور: هو الفقيه العالم العامل العلم الأوحد الأورع الضابط الناقد المسند بقية المحدّثين، روى عن أبيه القاضي أبي عبد اللَّه، وعن الزاهد أبي محمد الحجري، والقاضي ابن زرقون، والخطيب أبي القاسم بن حبيش، وابن بشكوال، وأبي بكر بن خير، وأبي عبد اللَّه بن حميد، والسهيلي، وأبي محمد بن ¬

_ (¬1) التكملة 141 (292)، برنامج الرعيني 50، تاريخ قضاة الأندلس 117، الأعلام 1/ 271. وذكره الوادي آشي في برنامجه ص 51 على أنه من شيوخ شيخه أبي محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن هارون. (¬2) كذا في الأصل المطبوع وهو خطأ والصواب: ابن أبي الربيع وهو شيخ ابن الشاط. وفهرسة ابن أبي الربيع هي من تخريج أبي القاسم ابن الشاط نفه. انظر برنامج التجيبي ص 247. وانظر ترجمة ابن الشاط في برنامج الوادي آشي ص 168 وفي شجرة النور الزكية 217. (¬3) الأعلام 1/ 218.

41 - أحمد بن علي القسطلاني ثم المصري أبو العباس كمال الدين الفقيه الزاهد تلميذ أبي عبد الله القرشي

الفرس، وأبي الحسن بن كوثر، والقاسم بن دحمان، وعبد الحق ابن بونة وغيرهم. وأجازه جماعة من المشارقة. مولده سابع عشر رمضان عام سبعة وخمسين وخمسمائة، وتوفي في رمضان عام ثلاثة وثلاثين وستمائة، وأجاز لابن أبي الربيع في جميع مروياته عن شيوخه. 41 - أحمد بن علي القسطلاني ثم المصري أبو العباس كمال الدين الفقيه الزاهد تلميذ أبي عبد اللَّه القرشي (¬1). قال الذهبي في العبر: درس وأفتى ثم جاور بمكة ومات بها في جمادى الأخيرة سنة ست وثلاثين وستمائة عن بضع وسبعين سنة، وولده تاج الدين، على ما قاله في العبر، مفتٍ مدرس، سمع من زاهر بن رستم وولي مشيخة المالكية، مات في شوال سنة خمس وستين وستمائة عن بضع وسبعين سنة، صح من تاريخ مصر للسيوطي. 42 - أحمد بن عثمان بن عبد الجبار التونسي الملتاني أبو العباس (¬2). الشيخ الجليل الفاضل الكامل المتقن المحصل المجتهد، رحل للمشرق ولقي فضلاء أجلّة، ثم رجع فسكن بجّاية وأقرأ بها، وأسمع. له علم بالعربية والفقه وأصوله وأصول الدين، وحظ من التصوف ونصيب من العبادة، وكان موقَّرًا محترمًا مهيبًا. له تقدم في التلقين، ونظر لم يكن لغيره ولم يكن له مثله في غيره من الكتب، وهو وإن كان إمامًا في الفقه لكنه في هذا الكتاب أصل من غيره، وله ¬

_ (¬1) هدية العارفين 5: 92، شذرات الذهب 5: 179، وفيات الأعيان 1/ 190، شجرة النور الزكية ص 169. في الهدية وشجرة النور أنه توفى سنة 636 هـ. (¬2) عنوان الدراية 188. اسمه في عنوان الدراية: أبو العباس أحمد بن عثمان بن عبد الجبار المتوسي الملياني يقول الأستاذ عادل نويهض محقق الكتاب: نسبة الى مليانة. مدينة في القطر الجزائري وهكذا ورد اسمه في طبعة الأستاذ رابح بونار أيضًا ص 171.

43 - أحمد بن عيسى بن عبد الرحمن الغماري

عليه تقييد فيه تنبيهات خفية، وسمعت أنه كمّل بعض ما فات المازري على التلقين. استدعاه الإمام أبو زكريا إلى حضرة افريقيا وحضر مجلسه وجعل بعض الحاضرين يلقي بعض مسائل المبادئ (¬1) فرأى أن الكلام في المبادئ لا تظهر فيه فضيلة الفاضل ولا جهل الجاهل. توفي عام أربعة وأربعين وستمائة. 43 - أحمد بن عيسى بن عبد الرحمن الغماري (¬2). الفقيه القاضي الجليل النبيه أبو العباس، رحل للمشرق وقرأ هناك، وجدّ واجتهد وحصّل وأتقن، ولقي جملة مشايخ كعز الدين بن عبد السلام. له علم بالفقه وأصوله وحظ من أصول الدين ومشاركة في علم الأدب، وكان ممن يستفاد بالنظر إليه والمثول بين يديه. وكانت دروسه منقّحة الأفراد (¬3)، يبدأ بين يديه بالرقائق ثم بالفقه وأصوله، والتهذيب والجلّاب (¬4)، فيكثر البحث، وَتُجْلَبُ المسألة الخلافية فيرتضي أحد وجهيها فيبحث عنه إلا أن يترجح ويسلم، ثم يأخذ الطرف الآخر، ويلزم أصحابه ما كان هو يناكر عليه، فلا يزال حتى يترجح ذلك الطرف ويسلم أيضًا. ذلك من جودة نظره وَحِدّة فكره. توفي بتونس عام اثنين وثمانين وستمائة. صح من عنوان الدراية للغبريني. 44 - أحمد بن فرتون السلمي أو العباس (¬5). من أهل فاس، من بيت مسلم، أخذ عن ابن زانيف. روى عن جمع عظيم من أهل العدوتين، وأخذ الناس عنه كثيرًا كأبي جعفر بن الزبير، وهو ¬

_ (¬1) في عنوان الدراية: المسائل النحوية. (¬2) ترجمته في عنوان الدراية، ص 93. شجرة النور الزكية ص 201. (¬3) كذا في الطبعة المصرية. وفي عنوان الدراية: الإيراد. (¬4) يعني كتاب التفريع لأبي القاسم عيد اللَّه بن الحسين بن الحسن الجلّاب الفقيه المالكي المتوفى سنة 378 هـ ذكر ذلك محقق عنوان الدراية الأستاذ عادل نويهض. (¬5) هو أحمد بن يوسف بن فرتون السلمي (انظر ترجمته في: جذوة الإقتباس 1: 117، شجرة النور التركية 1: 200، فهرس الفهارس 2: 910، معجم المؤلفين 2: 208، الأعلام 1/ 274، معجم أصحاب الصفدي رقم 179.

45 - أحمد بن محمد بن حسين بن علي اللواتي، من أهل فاس

صاحب الذيل على الصلة، وكان عالمًا جليلًا، ومحدّثًا كبيرًا. توفي بسبتة، وقد انتقل إليها قبل وفاته عام ستين وستمائة، وقد نيف على الثمانين. 45 - أحمد بن محمد بن حسين بن علي اللواتي، من أهل فاس (¬1). أبو العباس بن تامنتيت، سكن اشبيلية وتوجه لافريقيا، ثم لحق بالمشرق وحدّث بمصر وغيرها عن أبي الحسين بن الضائع (¬2)، وكان فقيهًا متصوفًا، روى عنه أبو بكر ابن سيد الناس وأثنى عليه ابن الزبير (*). 46 - أحمد بن محمد القرشي الغرناطي (¬3). وبه يعرف الشيخ الفقيه الحافظ المتفنن التاريخي المدرس المحدّث من الحفاظ يحفظ تاريخ الطبري وتفسير الثعلبي، وهو على طريقة جمهور المعتبرين، اعتنى بالرواية والبحث عن الأخبار ومعرفة الرجال، وله تصانيف على القرآن، وله اعتناء بأهل العصر، شرع في تأليفٍ ذَكَرَهم فيه شرقًا وغربًا، وكتب إلى الشرق التطلع على ذلك. صح من عنوان الدراية. 47 - أحمد بن محمد بن حسن بن الغماز الأنصاري (¬4). ذكره ابن فرحون في الأصل وأحسن في ترجمته. قال الغبريني في عنوان الدراية: كان فقيهًا فاضلًا جليلًا وقاضيًا كبيرًا شهيرًا، عدلًا رضيًّا، اشتهر، ولي قضاء بجاية وإمامة الفريضة والخطابة بجامعها الأعظم، فظهر مِنْ قِبَلِه في القضاء ما عجز عنه من تقدّمه، ثم قدم للقضاء بحضرة تونس، فما زال يخلع ¬

_ (*) وفي الجذوة: "حدّث عنه أبو بكر ابن سيد الناس وأثنى عليه. ذكره ابن الزبير ولم يذكر وفاته" فالظاهر أن الثناء من ابن سيد الناس وليس من ابن الزبير فاختلط ذلك على التنبكتي. (¬1) انظر جذوة الإقتباس 1: 116. وفيها: ابن تاميت وليس ابن تامنتيت. وكذلك ورد اسمه في رحلة العبدري 264 - 247. (¬2) في جذوة الإقتباس: ابن الصائغ. (¬3) انظر شجرة النور الزكية 199، عنوان الدراية 374. (¬4) شجرة النور الزكية 199، الذيل والتكملة 1/ 1/ 409 - 413، الوافي بالوفيات 7/ 188، تاريخ قضاة الاندلس ص 122 - 123، رحلة العبدري 240 - 243، برنامج الوادي آشي 38 - 40، وفيات ابن قنفذ 334. فهرس الفهارس 2/ 893، عنوان الدراية 119 - 121، عنوان الأريب 1/ 67 - 69، الحلل السندسية 1/ 3/ 661.

48 - أحمد بن عمر الأندلسي الأنصاري

ولاية القضاء بحاضرة افريقيا ويلبسها خلعًا أحسن من لبس، ولبسًا أحسن من خلع.- اهـ. 48 - أحمد بن عمر الأندلسي الأنصاري (¬1). أبو العباس المرسي خليفة الشيخ أبي الحسن الشاذلي، الإمام العارف القطب. له مجلس عظيم في المعارف والحقائق والرقائق، وكان يقول: هذا الأمر لا يكون إلّا لواحدٍ بعد واحدٍ، ولا يكون اثنان في الزمان، وكتابه في الفقه (التهذيب) وفي العقائد (الإرشاد) وفي الحديث (المصابيح) وفي التفسير (ابن عطية والهدي) وفي التصوف (الاحياء والقوت ونوادر الترمذي الحكيم)، ومن عجيب حاله أنه ما تسبب في الدنيا بشيء حتى خرج منها فقيل له فيه فقال: سببنا الإيمان والتقؤى قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا} (سورة الأعراف، الآية 96). وله كرامات عدة، وكان يقول: واللَّه ما نطالع كتب القوم إلّا لنرى فضل اللَّه علينا. توفي عام خمسة وثمانين وستمائة. أخذ عنه أبو العباس ابن عطاء اللَّه ونقل عنه فوائد. 49 - أحمد بن عثمان بن عجلان. إمام أئمة المسلمين (¬2). من مشايخ التقوى والورع، وكان متقنًا يحمل على (¬3) الفقه والحديث والعربية والقراءة وطرق الصالحين كثيرًا، يحب الخمول على طريقة السلف الصالح، وطُلِبَ للقضاء فامتنع، هكذا ذكره أبو العباس الغبريني في عنوانه قال: ولما وقع بصري عليه أدركني من الوقار والخشية للَّه ما أقدره ورمقت عيناي ووجدت في نفسي نشاطًا وسرورًا قال: وسألته عن اختيارات أصحابنا الفقهاء المتأخرين كاللخمي وابن بشير وغيرهما هل نحكي أقوالًا على المذهب فيقال في المذهب قولان (¬4)، قال اللخمي: كذا وفلان كذا فيعزى إليه، قال: لا، وسألت عن هذه القضية شيخنا الفقيه أبا القاسم بن زيتون فقال لي: نعم ¬

_ (¬1) انظر النجوم الزاهرة 7: 371، الأعلام 1/ 186 شجرة النور الزكية 187 - 189. (¬2) انظر عنوان الدراية 99، بغية الوعاة 636، الحلل السندسية 1/ 3/ 660. (¬3) في عنوان الدراية: يحمل علم الفقه. (¬4) كذا، وفي عنوان الدراية: في المذهب ثلاثة أقوال.

50 - أحمد بن محمد بن إبراهيم بن هشام القرشي أبو جعفر، يعرف بابن فركون قاضي الجماعة

يحكي قول اللخمي وغيره إلّا قولًا واحدًا في المذهب، كما يحكي قول من تقدّمه من الفقهاء قولًا في المذهب، وجوابهما معًا جيّد لكنّ الجوابَ الأولَ مبنيٌّ على سبيل التوقف والورع، والثاني على سبيل النظر، لأنه يرى إن (¬1) كان جوابًا مبنيًا على أصول المذهب وطريقه لأنه إنما أفتى على مذهبه فتصح إضافة هذه الأقوال إلى المذهب وتعد منه. توفي بتونس في عشر التسعين وستمائة. 50 - أحمد بن محمد بن إبراهيم بن هشام القرشي أبو جعفر، يعرف بابن فركون قاضي الجماعة (¬2). قال ابن الخطيب في عائد الصلة: من صدور القضاة بالأندلس في الاطلاع بالمسائل ومعرفة الأحكام، كثير المطالعة والاجتهاد، مشاركًا في فنون من فقه وعربية وقراءة وفرائض، طيب النغمة حسن التلاوة، عظيم الوقار، فائق الأبهة، مسترسلًا عنان النادرة الحارة في مجالس الحكم وغيرها، فيغض منه بسببها من يحمل عليه، ولي قضاءَ رُنْدَة وغرناطة في أكمل جاه وحرمة، ذُكر أنه كان في صغره يقرأ على أبي عبد اللَّه بن سمعون، وكان صالحًا، فوجهه في حاجة في يوم مطر شديد فرجع بحاجته بعد عناء، فعاتبه أخوه الكبير فقال: صبي ضعيف يأتيك لفائدة تعرّضه في مصلحتك لهذه المشقة ما هذا من شيم الصالحين فقال له: دعه لا بد أن يكون قاضي الجماعة بغرناطة فقال: فتذكرت لما توليت صحة فراسته، ولد عام تسعة وأربعين وستمائة- اهـ. وقال الحضرمي في فهرسته: شيخنا الجليل قاضي القضاة العدل النزيه العارف الصدر الشهير الفضائل، كان بقية الفقهاء المحصلين ذا نظر وبحث، نزيه النفس عالي الهمة، متسع الصدر حسن اللقاء، سهل الأخلاق مليح البادرة، ثاقب الذهن جيد النظر، حافظًا نكت الفقه عارفًا بالأحكام، صدرًا ¬

_ (¬1) كذا، ولعلها: أنه كان. وفي عنوان الدراية: لأنه رأى أن كل جواب بني على أصول مذهب مالك وطريقته، فإنه من مذهبه. (¬2) ألف سنة من الوفيات، ص 184، تاريخ قضاة الأندلس 138 - 139، الكتيبة الكامنة 101، الإحاطة 1/ 153 - 157.

51 - أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي أبو العباس المراكشي، عرف بابن البنا

من صدور قضاة الأندلس، متضلعًا بالمسائل كثير المطالعة والدؤوب عليها، حسن القراءة فائق الأنبهة (¬1)، عظيم الوقار، ولي قضاء الربذة (¬2) ومالقة، ثم قضاء الجماعة بغرناطة عام أربعة وسبعمائة، ثم صُرِف عام ثلاثة عشر عند تَغَلّب السلطان أبي الوليد لكلامٍ نُهي عنه أيام الفتنة نصح به السلطان قبله فناله خمول والتزم داره لمطالعة العلمَ أزيد من عشر سنين، ثم راجع أبو الوليد فيه رأيه فقدمه قاضيًا بالمرية، ثم صرف عنه آخر صفر عام تسعة وعشرين، فعاد لانقباضه وتعففه حتى قبض عن نيّفٍ وثمانين عامًا في ذي القعدة عام تسعة وعشرين وسبعمائة. كتبت من خطه: إذا اجتمعت ثلاثة أمور في هدية القاضي فلا كراهة فيها أن يكون من أهل ولايته وأن تكون من عادته قبل القضاء وعدم الخصومة- اهـ. وهو على حالته واشتهاره من المقلّين في النظم، ومن شعره بعد عزله عن قضاء الجماعة: أنَا من الحُكْمِ تَائِبْ ... وعن دَوَاعِيهِ رَاكِبْ (*) بعدَ التَّفَقُّهِ عُمْري ... ونيلِ أَسْمَى المرَاتِبْ وبعدَ أَنْ كنتُ أرقى ... على المنابرِ خَاطبْ أصبَحتُ أُرْمَى بعارٍ ... لِلْحَالِ غير مناسبْ ما إنْ يليقُ بمثلي ... لأنني غيرُ راقبْ أشْكُو إلى اللَّه حَالي ... فهو المثيب المعاقبْ قد آن لي بيعُ كتبي ... أَو اجْعَلَنْهَا السوائبْ 51 - أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي أبو العباس المراكشي، عرف بابن البنا (¬3). كان أبوه محترفًا بالبناء وطلب هو العلم، فوصل فيه الغاية القصوى، ¬

_ (*) في الإحاطة 1/ 156 والكتيبة: 103 وقد اقتضى نقد ابن الخطيب حذف البيت الأخير، وله في ذلك وجه مقبول. (¬1) كذا في الأصل المطبوع. ولعلها: الأبهة. (¬2) كذا في الأصل المطبوع وهو خطأ، والصواب: رُنْدَه. كما جاء في تاريخ قضاة الأندلس. (¬3) انظر الدرر الكامنة 1: 278، جذوة الإقتباس 149 - 152، الأعلام 1: 222، دائرة المعارف الإسلامية 1: 102، البدر الطالع 1/ 108 - 109، هدية العارفين 5/ 104 شجرة النور الزكية 1/ 216، إيضاح المكنون 1/ 161/ 167.

حتى قال فيه الإمام ابن رشيد، وهو من هو: لم أر عالمًا بالمغرب إلّا رجلين: ابن البنا العددي المراكشي، وابن الشاط بسبتة- اهـ. نقله أبو زكريا السراج في فهرسته في ترجمة شيخه الرعيني عنه عن ابن رشيد وقال غيره: كان إمامًا معظمًا عند الملوك، أخذ من علوم الشريعة حظًا وافرًا، وبلغ في العلوم القديمة غاية قصوى ورتبة عليا، قال تلميذه أبو زيد عبد الرحمن اللجاني: كان شيخنا وقورًا حسن السيرة قوي العقل، مهذبًا فاضلًا حسن الهيئة، معتدل القد أبيفض رفيع الثياب، ويأكل طيب المآكل، يديم السلام على من لقيه، ما تحدث معه أحد إلا انصرف عنه راضيًا، محبوبًا عند العلماء والصلحاء، حريصًا على الإفادة بما عنده، قليل الكلام جدًا، لا يتكلم بهذرٍ ولا بما يخرج عن مسائل العلم، وإذا تكلم في مجلس سكت لكلامه جميع من فيه، محققًا في كلامه قليل الخطأ. وقال ابن شاطر: كان ينظر في النجوم وعلوم السنة مشتغلًا بها، أخذ في الطريقتين بالحظ الوافر، يلازم الولي أبا زيد الهزميري، ودخل في طريقته فأعطاه ذكرًا من الأذكار، ودخل به الخلوة نحو سنة ودعا له وقال له: مكّنك اللَّه من علوم السماء كما مكنك من علوم الأرض، فأراه ليلة وهو متيقظ (¬1) دائرة الفلك مشاهدة حتى عاين مجرى الشمس فوجد في نفسه هولًا عطيمًا فسمع الشيخ أبا زيد يقول: اثبت يا ابن البنا حتى رأى ما رأى مستوفيًا، قال له الهزميري: إن اللَّه تعالى قد فتح لك فيما أراك، فأخذ من وقته في علم الهيئة والنجوم حتى أدرك منه الغاية. وكان يستعمل الصوم والخلوة طلبًا لتصفح (¬2) أمر الفلك يدوم فيها أيامًا فرأى بين يديه في صلاة يصليها صورة قبة نحاس مصنوعة لم ير مثلها في عالم الحس، والقبة محبوسة في الهواء وفي داخلها شخص يتعبد، فهاله ذلك ولم يثبت لما رأى من صور مفزعة حُفَّت بها وأصوات هائلة تناديه: أن ادْنُ مِنّا يا ابن البنا، فلم يقدر على الثبات فأغمي عليه وبلغ خبره الشيخ أبا زيد، فجاء ومسح على صدره ورأسه وأزال عنه ما صنع له من الدواء ورجع في الحين إلى ¬

_ (¬1) مستيقظ، كذا في الجذوة. (¬2) كذا في الطبعة المصرية. وفي جذوة الإقتباس: لتصحيح.

حسّه، فقال له الشيخ أبو زيد: أنا كنت ذلك الرجل الذي في القبة وأُمِرْتُ أن أخبرَك في ذلك المقام فلم تَقْدِرْ وها أنَا أمرت أن أخبرك به في عالم الحس، ثم أخبره بما طلب، قال ابن شاطر: كنت قاعدًا معه بمراكش فإذا رجل جاء إليه وقال له يا سيدي: توفى والدي وهو متهم (¬1) بالمال ولم يترك لي شيئًا، وقيل لي: ماله مدفون بداره فنحب (¬2) خاطرك معي لوجه اللَّه تعالى، فنظر الشيخ برهة في نفسه فقال للرجل: صوِّر لي صورة الدار في الرمل، فصوَّرَها ثم أمره أن يزيل صورتها فأزالها، فأمره بإعادتها ثانيًا ففعل، ثم هكذا ثلاثًا. فقال له: إنّ مالك في هذا الموضع منها، فانصرف الرجل وبحث في الموضع فوجد به المال كما ذكر. ويذكر أن السلطان أبا سعيد المريني سأله عن زمن موته فأجابه أن موته عند اشتغاله ببناء موضع في قبلة تازا فكان كذلك. وأخباره في هذا المعنى كثيرة. قرأ القرآن بمراكش على أبي عبد اللَّه بن يسر (¬3)، والعربية على القاضي الشريف محمد بن علي بن يحيى، قرأ عليه بعض الكتب (¬4) ولازمه وذاكره مسائل من كتاب الأركان لأوقليوس (¬5)، وقرأ جميع كتاب سيبويه، والكراسة (¬6) على أبي إسحاق الصنهاجي العطار، وأخذ العرض (¬7) والفرائض على أبي بكر القلاوسي، وأخذ الحديث عن أبي عبد اللَّه وأخيه، ولقي محمد بن عبد اللَّه، قرأ عليه الموطأ وعروض ابن السقاط، وتأدّب به في عقود الوثائق، وانتفع به كثيرًا وتفقه على أبي عمران موسى الزناتي قرأ عليه شرحه على الموطأ، وعلى أبي ¬

_ (¬1) كذا. ولعلها: مهتم. (¬2) كذا! (¬3) في جذوة الإقتباس: أبو عبد اللَّه بن مبشر. (¬4) في الجذوة: بعض الكتاب. ولعله كتاب سيبويه. (¬5) لاقليدس. كذا في الجذوة. (¬6) يعني كراسة الجزولي. (¬7) الصواب: العروض. كما في الجذوة.

الحسين المغيلي القاضي (إرشاد أبي المعالي) وعلى أبي الوليد ابن حجاج (المعيار (¬1) والمستصفى) وهما لأبي حامد، وفرائض الحوفي، وتفقه عليه في التهذيب، وأخذ علم السنن على قاضي الجماعة بفاس أبي الحجاج يوسف التجيبي المكناسي، وأبي يوسف يعقوب الجزولي، وأبي محمد الفشتالي، وأخذ علم الطب عن الحكيم ابن حجلة وعلم النجوم عن أبي عبد اللَّه بن مخلوف السجلماسي. وألف كثيرًا كتفسير الباء من البسملة وجزء صغير على سورتي إنا أعطيناك الكوثر والعصر (وعنوان الدليل برسوم (¬2) خط التنزيل) وحاشية على الكشاف وكتاب آخر في ضحى (¬3) (ملاك التأويل) و (الاقتضاب والتقريب للطالب اللبيب) بها أصول الدين، و (منتهى السول في علم الأصول) (وتنبيه الفهوم على مدارك العلوم)، (وشرح تنقيح القرافي)، وكليات (¬4) في المنطق وشرحها، وجزء في الجدول وشرحه، ورسالة في الرد على مسائل مختلفة، فقهية ونجومية، وله الرد على من يقول: إن وقتنا يُعلم بوقوع قرص الشمس على بصائر (¬5) القائم مقابلًا لها، وبيّن أنه لا يصح في بلد دون بلد ولا زمن دون زمن، وكليات في العربية و (الروض المريع في صناعة البديع) و (مراسم الطريقة في علم الحقيقة) وشرحه، تأليفان لم يسبق بمثلهما، و (عواطف المعارف) وكتاب (علم الفرائض) وكتاب (الفصول بها الفرائض) وشرح مسائل الحوفي، ومقالة في الإقرار والإنكار، ومقالة أخرى في المدبر والتلخيص في الحساب وشرحه (رفع الحجاب) ومقدمة في أوقليوس (¬6)، والمقالات الأربع والقوانين والأصول والمقدمات، وجزء في ذوات الأسماء والمنفصلات، وجزء في العمل بالرومي، والاقتضاب، ومقالة في المكاييل ¬

_ (¬1) معيار العلم في المنطق. (¬2) في جذوة الإقتباس: من مرسوم خط التنزيل. (¬3) في الجذوة: منحى. (¬4) الكليات. كذا في الجذوة. (¬5) في جذوة الإقتباس: بصر القائم. (¬6) في الجذوة: وله مقدمة على اقليدس.

الشرعية، وجزء في الساحات، و (منهاج الطالب في تعديل الكواكب) و (المستطيل)، وتأليف في أحكام النجوم، ومقالة في علم الأسطرلاب، ورسالة العمل بالصفيحة الشكازية وبالزرقالية، ورسالة في الجهات وبيان القبلة والنهي عن تغييرها، وجزء في الأنواء فيه صور الكواكب واختصار في الفلاحة، ومقالة في الحملاء الستة بجدول، وقانون في معرفة الأوقات بالحساب، وقانون في فصول السنة، وقانون في ترحيل الشمس، ومقالة في عيوب الشعر، وقانون في معرفة الشعر (¬1)، وقانون في الفرق بين الحكمة والشعر، ومقالة شرح فيها لغز عمر بن الفارض، ورسالة في ذكر العلوم الثمانية، وكتاب تسمية الحروف وخاصية وجودها في أوائل سور القرآن، ورسالة في طبائع الحروف، ورسالة في إحصاء أعداد أسماء اللَّه الحسنى، ورسالة في الفرق بين الخوارق الثلاثة: المعجز والكرامة والسحر، وموضوع في صناعة الأوفاق، ورسالة في المناسبات (¬2)، وكلام على العزائم والرقي، وكلام في عمل الطلّسمات، وكلام على الزجر والفأل والكهانة، وكلام على خط الرمل. مولده بمراكش تاسع ذي الحجة عام أربعة وخمسين، وقال ابن زكريا، نقلًا عن شيخه أبي جعفر بن صفوان: وصل شيخنا ابن البنا في علم الهيئة والنجوم غاية لم يلحقها أحد من أهل زمانه، مع اتصافه بطهارة الاعتقاد واعتبار السنة. قال ابن زكريا: مولده عام تسعة وأربعين، توفي سنة أربعة وعشرين وسبعمائة- اهـ. وذكر ابن الخطيب القسنطيني أن وفاته عام إحدى وعشرين وسبعمائة. ثم رأيت في فهرست الحضرمي بخطه ما نصه: أبو العباس اثنان متقاربان طبقة هما من شيوخ شيوخنا، أحدهما هذا له تصانيف عديدة في غير فن، والثاني يشاركه اسمًا وكنية وشهرة وطلبًا وسكنى مراكش، وهو القاضي أبو ¬

_ (¬1) غير موجود في جذوة الإقتباس ولعله الكتاب الأول نفسه. (¬2) رسالة في المتباينات. كذا فى الجذوة.

العباس أحمد بن محمد المالقي قاضي أغمات، توفى بمراكش عام أربعة وعشرين وسبعمائة، ومولده لسبعة وأربعين وستمائة. ورأيت بخط شيخنا أبي البركات أنه رأى في بعض التقاييد أن الأستاذ أبا العباس ابن البنا المراكشي توفى في سادس رجب عام أحد وعشرين وسبعمائة، فلا أدري هو هذا أو مشاركه فيما ذكر، وقيل: مولده عام تسعة وثلاثين، والأول أصح، وكان أبو العباس هذا وقورًا صموتًا متواضعًا فاضلًا متفننًا في العلوم، مصنفًا في أنواعها حسن الإلقاء لها، ولي تقييد في سيره وأخباره. وثم ابن البناء الكاتب المشهور الوجيه الشبيلي، وهو أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمن العبيدي، له مكان معروف عند ولاة اشبيلية، مع براعة الكتابة وحسن الخط وجودة الضبط، توفي بسبتة خامس شوال سنة ست وأربعين وستمائة- اهـ -كلام الحضرمي ولفظه. ابن الخطيب القسنطيني: كان شيخ شيوخنا الشيخ الصالح أبو العباس ابن البنا العددي المتوفى عام إحدى وعشرين، يقصد أبا زيد الهزميري في مشكلات السائل من هندسة وغيرها. قال: وأجد الزحام عليه فأسمع جوابي في طرف الحلقة وأنصرف بلا سؤال. وحدثني غير واحد من الأعلام أن انتفاعه في علومه ومنزلته دينًا ودنيًا إنما كان من بركة الهزميري، لأنه بلغ النهاية في دينه. وحدثني قاضي الجماعة بمراكش أبو زيد المعروف، طالب عافية: أنه أراد قراءة العروض عليه وشك في معرفته إياه قال: فدخلت عليه وهو في الحلقة وأنا قلق من ذلك فسمعته رافعًا صوته وهو يقول مثل قول العروضيين كذا وتكلم في العروض، فعلمت أنه معي. وحدثني القاضي أبو محمد اللوربي قال: خرج أبو عبد اللَّه الكومي المراكشي وهو من الفضلاء المشهورين بالخير والصلاح بمراكش لزيارة الفقيه البقوري صاحب إكمال الإكمال قال: فوجدته بين كتبه وعليه مرقعة والأعراق (¬1) ¬

_ (¬1) يريد جمع (عَرَق). وهو خطأ. لأن (عَرَق) اسم جمع ليس له واحد من لفظه.

تقطر من جبينه من شدة الحرّ، ثم أخرج لي خبز شعير غير منخول وملحًا جريشًا، ثم خرجت من عنده فتركته جالسًا على التراب إذ لم يكن عنده ما يفترش، ولا ما يتخفف به من فيح الحر، ثم قصدت زيارة ابن البنا بالريحانة أو قال بدرب الريحانة، فلما نقرت الباب وإذا (¬1) بجارية خماسية قالت لي: من تكون؟ قلت لها: قولي الشيخ الكومي، فأعلمته فأذن لي بالدخول عنده فوجدته في قبة رياضه التي أحدثها بمراكش عليه ثوب كتان من عمل تونس، وفي القبة مخايد (¬2) وعليها حجاب حسن، فسلمت عليه وجلست فأشار للخادم فأتى بآنية سكّر وأخرى بطيخ فقال لي: ادنُ فقلت في نفسي سبحان اللَّه كيف تركت البقوري وكيف وجدت هذا؟ فقال لي: اسكت ودع الفضول، لو كان البقوري في مقامي هذا وأنا في مقامه لاختل حال كل واحد منا، وحدثني بهذه الحكاية شيخنا أبو العباس الشماع المراكشي- اهـ -ملخصًا. وذكر ابن الأحمر أنه توفى سنة إحدى وعشرين، ومن نظمه كما ذكر أبو عبد اللَّه الحضرمي عن شيوخه عنه قوله: قَصَدْتُ إلى الوَجَازَةِ في كلامي ... لعلمي بالصوابِ في الاختصارِ ولم أحذر فُهُومًا دونَ فهمي ... ولكنْ خِفْتُ إزراءَ الكِبَارِ فشأنُ فحولةِ العلماءِ شأني ... وشأنُ البَسْطِ تعليمُ الصغارِ فائدة: قال بعض المغربيين: القراءة تصحيح المتن وتبين ما أشكل وتتميم ما نقص، وما زاد عليه فضرره على المتعلم أكثر من نفعه- اهـ. من الفهرست الحضرمية: رأيت في بعض التقاييد أن من كرامات صاحب الترجمة أن خديمه عدا عليه شرطي فضربه فقتله، فلما رأى ذلك عمل ما عمل من هندسته فإذا بالشرطي مصروعًا قتيلًا. فأُخرجا معًا في ساعةٍ واحدة، وقد بلغ الغاية في دينه ودنياه النهاية، رحمه اللَّه تعالى، ومن تآليفه ¬

_ (¬1) كذا في الطبعة المصرية. والصواب: فإذا وهي للفجاءة. (¬2) يريد جمع مخَدّة وهو خطأ والصواب: مخادٌ. أما الوسادة فتجمع على وسائد ووسادات.

52 - أحمد بن محمد بن ميمون المالقي، يعرف بابن السكان

-غير ما تقدم- مختصر الاحياء للغزالي، أخبرنا به صاحبنا الحاج الفرضي أحمد بن أبي العافية المكناسي، قاضى سلا -حفظه اللَّه تعالى- وله تأليف في الحساب وغيره. 52 - أحمد بن محمد بن ميمون المالقي، يعرف بابن السكان (¬1). قال العبدري في رحلته: صاحبنا أبو العباس ممن يعجب فهمه وذكاؤه، ويبهر فضله وحياؤه، مجريًا على غاية من كَمُل ومؤزَّرًا في حليته (¬2) العلم والعمل، عذبت أخلاقه وفاضت زللًا (¬3) واستقامت أحواله، فكان (¬4) اعتدالًا وفاضت أنامله كالمزن انهمالًا، أدرك مزايا الشيوخ على فتى (¬5) سنه، فما يتكلم في علم إلّا قلت هذا من فنه، أَلِفَ الانقباض فما يبسطه إلّا يده، وصحب قصر الأمل فما يؤمل غده. له اعتناء بتصحيح الرواية وإغياء في تنقيح الدراية، سمع من الشيوخ واتسعت روايته. له تآليف تشوق ومؤلفات تروق، منها: إكمال ذيل أبي بكر بن فتحون على الاستيعاب لابن عبد البر، اعتنى به اعتناءً تامًّا ولم يكمل إلى الآن، وكتاب الاطّلاع على ما يلزم في رفع الأيدي في الصلاة من الاتّباع، وبرنامج جمعه لشيخه أبي بكر بن حبيش، وكان ابن حبيش هذا آية في التواضع والخمول وفرط الانقباض، مع براعته في الفنون وإجادته في النظم والنثر واتّساع الرواية، فحدثني صاحبنا أبو عبد اللَّه بن هريرة أنه إِنْ عُرِفَ موضعُه انتقل عنه لموضعٍ آخرَ لا يُعْرَفُ به، وخمس على الشقراطسية (¬6)، ولا قرأها عليه صاحبنا المذكور وخططه (¬7) في ذكره بما ينبغي، ثم دفعها إليه ليكتب له عليها قال لي: فأدخلها في الدار وقال لا تستبطأني، ثم خرج وقد بشر كلما (¬8) ¬

_ (¬1) رحلة العبدري 267. (¬2) كذا. والصواب: حلبة العلم. كما في رحلة العبدري. (¬3) الصواب: زلالًا. كما في الرحلة. (¬4) في رحلة العبدري: كالبان اعتدالًا. (¬5) في الرحلة: فتاء. (¬6) تخميس على لامية أبي عبد اللَّه الشقراطيسي في مدح النبي. بروكلمان 5/ 108. (¬7) كذا في الرحلة أيضًا. (¬8) كذا. وهو تصحيف. والصواب: كلَّ ما كما في الرحلة.

53 - أحمد بن محمد بن علي التجيبي، شهر بابن القراف السبتي أبو العباس

خططت به من مدائحه في الموضع المبشور، وكذا بشر كلما خطط به والده إلا الشيخ الكاتب فإنه أبقاهما، وقال لي: نعم كان شيخنا مسنًا وكان يكتب، وهذا نهاية التواضع- اهـ. 53 - أحمد بن محمد بن علي التجيبي، شهر بابن القراف السبتي أبو العباس (¬1). قال أبو عبد اللَّه الحضري: شيخنا الفقيه الحاج الكاتب الأديب الحافظ الصدر، كان أحد وجوه الأدباء القدماء، كثير النظم في النبويات وغيرها، كتب عن أمراء الأندلس والمغرب، واستظهر بالقاهرة المعزية موطأ الإمام مالك حفظًا من صدره عن ظهر قلب، فاحتفل له شيوخ المالكية وضربوا الطبول والبوقات على رأسه إشادة وتنويهًا، وتوفى أوائل رمضان بفاس عام خمسة وعشرين وسبعمائة. 54 - أحمد بن محمد بن سعيد بن محمد بن علي بن مالك بن أبي عبد اللَّه المعافري الغرناطي أبو جعفر (¬2). قال الحضرمي (¬3): شيخنا الفقيه الجليل القاضي الأعدل الأنزه الأعرف الحسيب النحوي المتفنن الفاضل المعظم، كان ذا فضل ودين ووقار وسلامة صدر، حسن الأخلاق لين الجانب، فاضل الطبع، بارع الكتب، مدركًا فيه إدراكًا حسنًا، على هدي صالح، وسمت حسن، لقي جماعة من الفضلاء وأجازوه، وخلقًا من الشرق والغرب، وبرع في علم النحو وغلب عليه، وله حظ في الرواية، مولده بغرناطة في رمضان عام أربعة وستين وستمائة، وصلى عليه أبو القاسم بن جزي. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الكتيبة الكامنة. (¬2) انظر ترجمته في الكتيبة الكامنة لابن الخطيب 107 - 109. (¬3) الحضرمي، هو القاضي أبو عبد اللَّه محمد بن إبراهيم صاحب (الدرّ النفيس) و (السلسبيل العذب). ذكر الكتاني في فهرس الفهارس أنَّ له فهرسة ينقل عنها كثيرًا صاحب نيل الابتهاج. وقال فيه مرة إنه صاحب البلوى مؤلف الرحلة. فهرس الفهارس 1/ 350 - 351.

55 - أحمد بن محمد الزواوي

55 - أحمد بن محمد الزواوي (¬1). قال ابن خلدون في التاريخ الكبير: هو شيخ القرّاء بالمغرب، أخذ العلم والعربية عن مشيخة فاس، روى عن ابن رشيد، وكان إمامًا فِى القراءات لا يجارى، وله صوت من مزامير آل داود- اهـ. 56 - أحمد بن شعيب الفاسي (¬2). قال ابن خلدون: برع في اللسان والأدب والعلوم العقلية من فلسفة وتعاليم وطب وغيرها، وله شعر يسابق به فحول المتقدمين والمتأخرين، وله الأمانة في نقد الشعر. 57 - أحمد بن عبد اللَّه البوشي المالكي (¬3). كان حافظًا لفروع الذهب أخذ عنه إبراهيم بن يخلف التنسي، والعلامة الشهير محمد بن أحمد بن محمد بن مرزوق، هكذا ذكره البدر القرافي. قلت: قوله: أخذ عنه إبراهيم بن يخلف التنسي غير صحيح، وصوابه، واللَّه أعلم، أن يقول: أخذ عن إبراهيم بن يخلف، واللَّه أعلم. 58 - أحمد بن محمد بن حزب اللَّه الخزرجي العبادي السعدي (¬4). من بيت علم بفاس وأصالة، أصلهم من الأندلس، كان فقيهًا خطيبًا مدرسًا مقرئًا، توفى شهيدًا في وقعة طريف سنة إحدى وأربعين وسبعمائة. صح من خط صاحكبنا محمد بن يعقوب الأديب، حفظه اللَّه تعالى ورحمه. ¬

_ (¬1) انظر جذوة الإقتباس 1: 122، والتعريف بابن خلدون 7/ 694، درة الحجال 1: 94، والترجمة من التعريف بتصرف. (¬2) الإحاطة 1/ 272 - 284، جذوة الإقتباس 1/ 119 - 122، درّة الحجال 1/ 45 ألف سنة من الوفيات 119، 202، التعريف بابن خلدون بآخر تاريخه الكبير 7/ 395 طبعة بولاق. والترجمة منقولة عنه بتصرف. (¬3) توشيح الديباج 76. (¬4) انظر جذوة الإقتباس 1: 119.

59 - أحمد بن عتيق بن أحمد بن محمد بن أحمد بن يوسف ابن خيرون الأزدي

59 - أحمد بن عتيق بن أحمد بن محمد بن أحمد بن يوسف ابن خيرون الأزدي (¬1). المعروف بالشاطبي الغرناطي قاضي برجة، كان يقظًا صدرًا في صنفه من شيوخ الطلبة وقدماء القضاة، ضابطًا للشروط، عالمًا بالوثائق، بصيرًا بعللها وأحكامها، إمامًا متقدمًا فيها، حافظًا للنوازل فقيهًا مشاورًا، مليح الطلب حسن الهيئة جميل الأبهة، ذا حظ بارع يقرض الشعر، ويذكر نبذًا من التاريخ. توفى ببرجة بعد صرفه عن القضاء عن سن يقارب التسعين أو يزيد عليها سادس وعشرين من ربيع الأول عام ثلاثة وأربعين وسبعمائة. قال الحضرمي: أنشدني عن الأستاذ أبي جعفر بن الزبير قال أنشدني المدعو الحميد لنفسه: إذا مَا رُمْتَ أَنْ تُدْعَى حَكِيما ... وتلحقَ بالرِّجالِ ذوي الكَمَالِ فلا تَغْبِطْ بني الدُّنْيا بشيءٍ ... ولا تخطرْ لكَ الدُّنْيا ببالِ ويقرب هذا قول الرئيس أبي عثمان حكم المريني: إذا ما شئتَ أَنْ تَحْيَا ... حياةً حُلْوَةَ المَحْيَا فلا تغضبْ ولا تَحْسِدْ ... ولا تأْسفْ على الدُّنْيَا وقال بعض الفضلاء: اذا ما شئتَ أن تُدعَى حَكِيمًا ... رفيعَ القَدرِ ذَا نَفْسٍ كَرِيمَهْ فلا تَشْفع الى رَجُل وجيهٍ ... ولا تشهدْ ولا تحضرْ وَليمَهْ - اهـ. 60 - أحمد بن محمد بن أحمد الرعيني (¬2). يعرف بنسبه، أبو جعفر، من أهل الفضل والظرف، كان عارفًا بالعربية، مشاركًا في الفقه، متدربًا في الأحكام، قرأ على أبي الحسن ¬

_ (¬1) الكتيبة الكامنة 105 - 106. (¬2) انظر بغية الوعاة 1: 361.

61 - أحمد بن عمران البجائي اليانوي

القيجاطي، وابن الفخار. تولى القضاء. ولد سنة إحدى وسبعمائة، وتوفي سنة أربع وأربعين. 61 - أحمد بن عمران البجائي اليانوي (¬1). الإمام العلامة المحقق، أخذ عن ناصر الدين المشذالي، وشرح ابن الحاجب في ثلاثة أسفار. وذكر الإمام الشاطبي عن شيخه منصور الزواوي أن صاحب الترجمة دخل تلمسان تاجرًا وأتى مجلس أبي زيد ابن الإمام في زي التاجر، فجلس حيث انتهى به المجلس فإذا هم يتكلمون في قول ابن الحاجب في حد العلم صفة توجب تمييزًا لا يحتمل النقيض، فلما أتموا بحثهم، صاحب الترجمة قال: (¬2) يا سيدنا هذا الحد غير مانع لانتقاضه بالفصل والخاصة، فقال له أبو زيد: عرّفنا من أنت فقال: صاحبكم أحمد بن عمران فقال: نشتغل بضيافتكم ثم نجيبك، فأكرمه ثم سأله عن حاجته، وسبب قدومه، فأخبره أنه قدم تاجرًا، فأخبر به أبو زيد سلطان تلمسان حينئذ أبا تاشفين وعظمه له فرفع عنه السلطان مغارم وظائف السّلع وأعطاه مع ذلك مائتي دينار ذهبًا. ثم قال له أبو زيد: إن خفّ عليك أن تسلّم على أخي فعلت، قلبى دعوته وأتى معه إلى أخيه أبي موسى، فلما راه قال له: سمعنا عنك أوردت سؤالًا، على الأخ ارتفع بسببه شأنك، وحظي عند السلطان مكانك، فاذكره علينا حق نتكلم، فقرره بين يديه، فقال له: يا فقيه إنما قال أبو الحاجب: توجب تمييزًا والفصل والخاصة إنما يوجب تميزًا لا تمييزًا، فهذا جوابك- اهـ. 62 - أحمد بن عبد الرحمن بن تميم اليفرني المكناسي (¬3). أخو الشيخ أبي الحسن الطنخي (¬4) شيخ السطي. كان صاحب الترجمة من الفقهاء والأساتيذ، وأخذ عن الأستاذ أبي عبد اللَّه محمد بن قاسم بن محمد ¬

_ (¬1) انظر أعلام الجزائر 33، نفخ الطيب 5: 250. (¬2) كذا. الأَوْلى قال صاحب الترجمة وإن جاز الابتداء بالفكرة إذا أضيفت. (¬3) انظر ألف سنة من الوفيات 191، شجرة النور الزكية 1/ 218، درة الحجال 1/ 46، جذوة الإقتباس 1/ 122 وفيها: أحمد بن عبد الرحيم. (¬4) الطنجي كذا في شجرة النور.

63 - أحمد بن العباس النقارسي

الأنصاري المالقي، نزيل مكناسة، ورحل إليه الناس من فاس للأخذ عنه، فلما رجع صار يدعى بالمكناسي، روى عن ابن الزبير ابن سليمان الوادي آشي وابن هاني وابن رشيد، وأبي يعقوب البادسي، وتوفي بفاس سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة. 63 - أحمد بن العباس النقارسي (¬1). قال الشيخ خالد البلوي في رحلته: هو الشيخ الفقيه العالم، كان حافظًا مُجيدًا وحافلًا مَجيدًا وناقلًا سديدًا وناقدًا شديدًا، وعارفًا مديدًا ومدرسًا مفيدًا، له طبع حلّ فيه الذكاء والنّبل، وقل من كرمه الطل والوبل، رحِل من بلد تلمسان قبل الحصار وتلافى ريحها بالأعصار، فدخل تونس مشمرًا عن الجد وقائدًا بالجد، فطلع في آفاقها كوكبًا وسار في ساحاتها كبكبًا، ولم يزل يفحص عن الكمال ويستسقي من عذبة مناهلها الزلال حتى بلغ المنتهى دخول ما اشتهى، فهو الآن أحد مدرسيها الإمام وأوحد من برع في علمي البيان والكلام، وأوجد الناس للدر إذا خاض بكر العلوم بسوابح الأقلام، أديب العصر ونحويّه وبيانيّه وحكيمه ومنطقيّه، والعروض (¬2) إلى الإحاطة بالتفسير والحديث مع المطالعة والمذاكرة في القديم والحديث، وكذا الفروع والأصول. لم تر عيني قط شرقًا ولا غربًا أسرع منه نسخًا وكتبًا، ولا أقرأ منه لكلّ خط ما عسى أن يكون صعبًا، مع جودة خطه وصحة نقله وضبطه. قرأت عليه تأليفه المسمى (الروض الأريض في علم القريض) وتأليفه في الأدب و (حديقة الناظر في تلخيص المثل السائر) في البيان وشرح (المصباح لابن مالك) و (إيضاح السبيل إلى القصد الجليل) في علم الخليل شرح على عروض ابن الحاجب. وله تآليف غيرها عُرِفَ قدرها واشتهر ذكرها، وسارت مسيرة الشمس في كل بلدة وهبت هبوب الريح في البر والبحر، أخذ عن الإمامين الأوحدين ¬

_ (¬1) انظر أعلام الجزائر 331. (¬2) كذا، ولعل في الكلام سقطًا.

64 - أحمد بن عمر بن محمد بن عاشر الأندلسي

ناصر الدين المشذالي وابن راشد القفص- اهـ ملخصًا. قلت: وسيأتي بها ترجمة أبي العباس النقاوسي شيخ عبد الرحمن الثعالبي، وهو غير هذا فتحققه. 64 - أحمد بن عمر بن محمد بن عاشر الأندلسي (¬1). نزيل سلا الولي الزاهد الشهور، صاحب الكرامات والمناقب والأحوال الباهرة، حتى قال ابن عرفة: ما أدركت مبرّزًا في زماننا هذا إلا أبا الحسن المنتصر وأحمد بن عاشر نزيل سلا- اهـ. قال الشيخ ابن صعد في النجم الثاقب: كان أحد الأولياء الأبدال معدودًا في كبار العلماء، مشهورًا بإجابة الدعاء، معروفًا بالكرامات، مقدَّمًا في صدر الزهاد، منقطعًا عن الدنيا وأهلها ولو كانوا من صالحي العباد، ملازمًا للقبور في الخلاء التصل ببحر مدينة سلا، منفردًا عن الخلق لا يفكر في أمر الرزق، له أخبار جليلة وكرامات عجيبة مشهورة. ممن جُمِعَ له العلم والعمل وألقى عليه القبول من الخلق، شديد الهيبة عظيم الوقار، كثير الخشية طويل التفكر والاعتبار، قصده السلطان أبو عنان، وارتحل عام سبعة وخمسين فوقف ببابه طويلًا فلم يأذن له، وانصرف وقد امتلأ قلبه من حبه وإجلاله، ثم عاد للوقوف ببابه مرارًا فما وصل إليه، فبعث له بعض أولاده بكتاب كتبه إليه يستعطفه لزيارته ورؤيته، فأجابه بما قطع رجاءه منه وأيس من لقائه واشتدّ حزنه وقال: هذا وليّ من أولياء اللَّه حجبه اللَّه عنّا، وذكره العلامة أبو عبد اللَّه بن الخطيب السلماني بها (نفاضة الجراب) فقال: ولقيت من أولياء اللَّه بسلا الولي الزاهد الكبير المنقطع العزيز فرارًا عن زهرة ¬

_ (¬1) ذكره ابن قنفذ في شرف الطالب (ألف سنة من الوفيات) 83. وذكره الونشريسي في المصدر نفسه 124، وحدد سنة وفاته 764 هـ، ولكن الرواية الأولى أصح بحكم العاصرة، وفي لقط الفرائد في المصدر المذكور ص 211 تأييد للونشريسي. وقد ترجم له صاحب جذوة الإقتباس 1/ 135 وزعم أن اسمه أحمد بن محمد بن عمر، وقد ورد في شجرة النور الزكية 1/ 233: أحمد بن عمر. انظر درة الحجال 1/ 148، كتاب الوفيات لابن قنفذ 365.

الدنيا، وهربًا عنها وأَفْقًا في الورع وشهرة بالكشف وإجابة الدعوة وظهور الكرامة، أبو العباس ابن عاشر، يسّر اللَّه لقاءه، على تعذره لصعوبة تأتيه وكثرة هيبته، قاعدًا بين القبور في الخلاء، رث الهيئة مطرق اللحظ كثير الصمت، مفرط الانقباض والعزلة، قد فرّ من أهل الدنيا وتطارحهم، فهو شديد الاشمئزاز من قاصده، مجد الوثبة من طارقه- اهـ -ملخصًا. قال الشيخ ابن الخطيب القسنطيني في رحلته: وكان ابن عاشر -رحمه اللَّه- فريدًا في الورع ميسَّرًا عليه في ذلك أتمّ تيسير، محفوظًا من كل ما فيه شبهة، كثير النفور من الناس وخصوصًا أصحاب الولاية في الأعمال. وخرجت على يده تلاميذ نجباء أخيار، وطريقه أنه جعل إحياء علوم الدين بين عينيه، واتبع ما فيه بجدّ واجتهاد وصدق وانقياد، وكان الحجة في ذلك الطريق. وأول اجتماعي به نفر مني فحبسته بيدي وهززته، فتبسم ووقف معي وسألني ودعا لي، وطلبته فيما يطعمتي فاعتذر لي بالإقلال، ثم أمهل ودخل فأخرج لي حبات تين يابسة في يده اليمنى وغطّاها باليسرى ودفعها لي وضحك معي وعجب الحاضرون من انشراحه معي، إذ لا ينبسط إلى أحد، وحصل لي بذلك فخر لا يدري قدره إلا من حاول بعضه معه، وقصدني كثير من الخواص لسؤال عما وقع لي معه. وقد حاول ملك المغرب لما ارتحل إليه عام سبع وخمسين وسبعمائة على (¬1) لقائه فلم يقدر عليه بوجه، وحجبه اللَّه تعالى حتى تبعه يوم الجمعة من الجامع الأعظم على قدمه والناس ينظرونه وهو لم يره فرجع عنه. ولم يكن قوته إلا من نسخ (عمدة الأحكام) في الحديث. وكيف يبيعها؟ ولمن يبيعها؟ ولا يأخذ إلا قيمتها، ولم تزل حالته وبركته في زيادة إلى أن توفى سنة خمس وستين وسبعمائة. وسأله بعض الأخيار بمحضري عن الفرق بين مكاشفة المسلم ومكاشفة النصراني لوقوع ذلك من بعضهم، فقال له: المسلم الذي هذه الدرجة ¬

_ (¬1) كذا في الطبعة المصرية وهو خطأ والصواب حذف حرف الجر.

65 - أحمد بن محمد بن إبراهيم الأوسي الجنان المكناسي أبو جعفر

يبرئ من العاهة، والنصراني لا، ثم قال: وهل يبرئ الفقير من العاهة؟ فقال له: نعم، ثم نظر يمينًا وشمالًا ليجد صاحب عاهة فيأتي بالعيان فلم يجد أحدًا وكأنه اغتاظ لهذا السؤال، ثم أخرج يده وقال: يأتي لمن يقعد عن الحركة فيحبسه بيده ويقيمه، وقد ذهب ألمه بعد أن حنى إلى الأرض في الصفة- اهـ. وقال في وفياته: لقيت بسلا الفقيه الولي ابن عاشر وهو على أتم حال في الورع والفرار من الأمراء والتمسك بالسنة- اهـ. وممن انتفع به الولي القطب أبو عبد اللَّه بن عباد، الآتي في حرف الميم. فائدة: قال ابن عباد في رسائله: كنت قِدَمًا خرجت يوم مولده -صلى اللَّه عليه وسلم- صائمًا إلى ساحل البحر فوجدت هناك السيد الحاج ابن عاشر -رحمه اللَّه- وجماعة من أصحابه معهم طعام يأكلونه، فأرادوا مني الأكل فقلت: إني صائم، فنظر إلي السيد الحاج نظرة منكرة، وقال لي: هذا يوم فرح وسرور يستقبح في مثله الصوم كالعيد، فتأملت مقالته فوجدته حقًا وكأنه أيقظني من النوم- اهـ. 65 - أحمد بن محمد بن إبراهيم الأوسي الجنان المكناسي أبو جعفر (¬1). قال ابن الخطيب السلماني في نفاضته: كان فقيهًا عَدلًا أديبًا إخباريًا مشاركًا، من أهل الظرف والانطباع والفضيلة، كاتب عاقد و (ناظم) (¬2) ناثر، مشارك في فنون من العلم، له تصنيف حسن في ثلاثة أسفار سماه (المنهل المورود في شرح المقصد المحمود) شرح فيه وثائق أبي القاسم الجزيري فأربى على الإجادة بيانًا وإفادة، وناولني إيّاه وأذن في في حمله عنه، وأنشدني كثيرًا من شعره، فمن ذلك ما صدّر به رسالة يهنئ بها ناقهًا من مرض: الْبِسِ الصِّحَةَ بُرْدًا قَشِيبا ... وَأَرْشفِ النعمةَ ثَغْرًا شَنِيبا ¬

_ (¬1) انظر الروض الهتون ص 18. (¬2) زيادة من الروض الهتون.

66 - أحمد بن إدريس البجائي الإمام العلامة الصالح المحقق كبير علماء بجاية في وقته.

واقْطِفِ الآمالَ زَهْرًا نضيرًا ... واعْطِفِ الإقبالَ غُصْنًا رَطيبا إنْ يَكُنْ سَاءَكَ وَعْكٌ تَقَضَّى ... تَجدِ الأجْرَ عَظيمًا رَحيبا فانتعِشْ دَهْرَكَ ذا في سرورٍ ... يُصْبِح الحاسِدُ منهُ كَئيبًا انتهى من الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون لابن غازي. 66 - أحمد بن إدريس البجائي (¬1) الإمام العلامة الصالح المحقق كبير علماء بجاية في وقته. كان ورعًا زاهدًا جليلًا إمامًا علامة بارعًا. أخذ عنه أبو زيد عبد الرحمن الوغليسي وأضرابه، ذكره ابن فرحون في الأصل وأثنى عليه كثيرًا، وأنه توفى بعد الستين وسبعمائة، وأن له تعليقًا على البيوع من مختصر ابن الحاجب- اهـ. قلت: بل له شرح ابن الحاجب، نقل عنه الناس كالشيخ أبي العباس القلشاني في شرحه، والإمام محمد بن بلقاسم المشذالي في اختصاره لمختصر ابن عرفة، والعلامة أحمد بن زاغو التلمساني وغيرهم، وأخذ عنه يحيى الرهوني وابن خلدون، ونقل عنه ابن فرفة وسماه الفقيه الصالح. وذكر الشيخ عيسى بن سلامة اليشكري في منافعه أن ثقة حدّثه أن الشيخ الإمام العالم الورع أحمد بن إدريس مرّ بمصاب ومعه بعض الطلبة فقرأ في أذنه فأفاق فقال له الطالب: يا سيدي وماذا قرأت في أذنه فقال. الفاتحة، ففي يوم آخر مَرّ الطالب على مصاب فقرأ الفاتحة في أذنه فتكلم الجان وقصد الطالب وقال له: هذه الفاتحة وأين قلب ابن إدريس؟ - اهـ. قلت: ويشهد لهذا ما قاله الصفاقسي الشهير بابن التين في شرح البخاري، قال الرقي بالمعوذات وغيرها من أسماء اللَّه هو للطالب الروحاني إذا كان على لسان الأبرار حصل الشفاء بإذن اللَّه، فلعزة هذا النوع فزع الناس ¬

_ (¬1) وردت إشارة عنه في نفح الطيب 5: 255، انظر شجرة النور الزكية 233، الديباج 1/ 255، درّة الحجال 1/ 80 - 81، تعريف الخلف 2/ 30 - 31.

67 - أحمد عيسى البجائي

للطالب الجسماني. قال الشيخ السيوطي: ويشير إليه حديث لو أن رجلًا موقنًا قرأها على جبل لزال- انتهى. ومن فوائد صاحب الترجمة ما ذكره المسيلي وغيره عنه: من نظر إلى جدي بنات نعش وقال: أيها النجم الثاقب "إن كل نفس لا عليها حافظ" "فمنّ اللَّه علينا ووقانا عذاب السموم" "فسيكفيكهم اللَّه وهو السميع العليم"، لم تلدغه عقرب ما بقي من عمره، وإن لدغته لم تضره، وذكر أنه جرّب فصح- اهـ. 67 - أحمد عيسى البجائي (¬1). علامتها وفقيهها وصالحها، في طبقة ابن إدريس، أخذ عنه الوغليسي وأبو القاسم المشذالي، وأبو الحسن المانجلاني وغيرهم، وله فتاوى، ولم أقف على وفاته وولادته. 68 - أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صفوان الفيني بالنون لا بالسين المالقي (¬2). قال الحضرمي: هو الفقيه الجليل الكاتب البارع الأديب البليغ المفنن المصنف العلامة الشهير، كان متفننًا في المعارف أديبًا شاعرًا كاتبًا بليغًا ناظمًا ناثرًا راسخًا في العدد والفرائض، جيد الحظ فصيح اللسان والقلم، بارع الكتابة حسن الإلقاء، ناقدًا بصيرًا نافذ الذهن مدركًا للحقائق، آخذا في المسائل جيد النظم مليح المجالسة جميل المشاركة، فاضلًا. توفي بمالقة في أواخر جمادى الأخيرة عام ثلاثة وستين وسبعمائة عن نحو تسعين سنة أو أزيد- اهـ. ¬

_ (¬1) انظر أعلام الجزائر 33. (¬2) الإحاطة 1: 21، الديباج 43، إيضاح الكنون 1: 190، 2: 499، الأعلام 1: 72، الكتيبة الكامنة 213، الاعلام بمن حَلّ مراكش وأغمات 2/ 211، ذكر صاحب نفح الطيب بعضًا من شعره وأخباره انظر مثلًا: 4/ 149، 5/ 478، 6/ 39.

69 - أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن خاتمة الأديب المتفنن الأنصاري أبو جعفر، يعرف بابن خاتمة

69 - أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن خاتمة الأديب المتفنن الأنصاري أبو جعفر، يعرف بابن خاتمة (¬1). قال الحضرمي: صاحبنا الفقيه الجليل الفاضل، كان فاضلًا أستاذًا أديبًا بارعًا كاتبًا بليغًا، صدرًا حافلًا طيبًا ماجدًا فاضلًا، عدلًا بارعًا ناظمًا ناثرًا شاعرًا، بليغًا كاتبًا مجيدًا محصلًا متفننًا، تصدر للإقراء بالجامع الأعظم بالمرية، وعقد مجلسًا للجمهور وقيّد الكثير وصنّف، طيّبًا، طبًّا للأمور حسن الإلقاء، طلق الوجه بارًا بإخوانه وأصحابه، هَشًّا بَشًّا. أخذ عن جماعة وتوفى سابع شعبان عام سبعين وسبعمائة عن نحو ستين عامًا- اهـ. قال ابن الخطيب في الإحاطة: كان صدرًا مشارًا إليه متفننًا مشاركًا قوي الذهن والإدراك، سديد النظر موفور الأدوات، كثير الاجتهاد معين الطبع، جيد القريحة بارع الخط، ممتع المجلس جميل العشرة، حسن الخلق، من حسنات الأندلس، طبقة في النظم والنثر، بعيد المرقى في درجة الاجتهاد، عقد الشروط، قعد للإقراء ببلده، مشكور السيرة حميد الطريقة (¬2) ولم تزل (¬3) معارفه تنفسح (3) آمادها وتحوز خصال السبق جيادها. أخذ عن مولى النعمة على أهل بلده الخطيب أبي الحسن بن أبي العيش، لازمه وانتفع به، والخطيب الصالح أبي إسحاق ابن أبي العاصي، وشيخنا أبي البركات ابن الحاج، سمع منه كثيرًا وأجازه إجازة عامة، والرُّحْلَة المحدث ابن جابر الوادي آشي، والقاضي أبي جعفر ابن فكرون (¬4). وله نظم كثير ومنه قوله: ملاكُ الأمرِ تقوى اللَّه فاجعل ... تُقَاهُ عُدَّةً لِصَلَاحِ أَمْرِكْ وَبَارِدْ نَحوَ طاعَتِهِ بعزمٍ ... فما تدري متى يمضي بعُمْرِكْ ¬

_ (¬1) ترجمته في: الإحاطة 1: 239، الكتيبة 239، نثير الجمان 331، درة الحجال 1: 40، مسالك الأبصار 11: 502، شجرة النور الزكية 229، نفح الطيب (راجع الفهرس)، ريحانة الكتاب 2: 423، معجم المؤلفين 2/ 19. (¬2) انظر الإحاطة 1: 240 بتصرف. (¬3) في الأصل: وما زالت معارفه تقسم آقادها. والتصويب من الإحاطة 1: 240. (¬4) الإحاطة 1: 240، 241.

70 - أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن، شهر بالقباب

وحضر مرة مع شيخه أبي البركات طعامًا فدعى الشيخ للأكل فاعتذر بالصوم، فلما فرغوا أنشد صاحب الترجمة: دعونَا الخطيبَ أبا البركاتِ ... لأكلِ طَعَامِ الوزيرِ الأجَلْ وقد ضَمَّنَا في نداهُ جِنَانٌ ... بِهِ احتَفَلَ الحسنُ حتى كَمَلْ فأعْرضَ عنا لعذرِ الصِّيامِ ... وما كلُّ عذرٍ له مقتبلْ فإن الجِنانَ محَلُّ الجزاءِ ... وَلَيْسَ الجنانُ محَلَّ العَمَلْ (*) فلما فرغ من إنشادها قال الشيخ: لو أنشدتنيها وأنتم لم تفرغوا لأكلت معكم لهذه الأبيات، والحوالة في ذلك على اللَّه تعالى -اهـ-ملخصًا. قلت: من تآليفه (تاريخ المدينة) وجزء سماه (إلحاق العقل بالحس في الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس) وغيرهما. 70 - أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن، شهر بالقبّاب (¬1). الإمام الحافظ العلامة الصالح الزاهد، أحد محققي المتأخرين من الحفاظ المشهورين بالدين والصلاح والتقدم في العلوم، تولى الفتيا بفاس، وله فتاوى مشهورة مجموعة وقفت عليها، وهو أول من نقل الونشريسي عنه في المعيار، ذكره في الإحاطة ولم يوفه حقه فقال: من صدور عدول فاس فقيه نبيه جيد النظر سديد الفهم، ولي قضاء جبل الفتح، متصفًا بجزالة ودخل غرناطة عام اثنين وستين موجهًا من قبل السلطان أبي القاسم (¬2)، ثم رفض التمعش (¬3) من الشهادة وتنسك على عادة الفضلاء- اهـ. وعلى هذا القدر اقتصر في الديباج. وقال ابن الخطيب القسنطيني: شيخنا الفقيه الحافظ الصالح الفتي الحاج أبو العباس، وحضرت مجلسه في ¬

_ (*) ديوان ابن خاتمة: 186 وقافية البيت الثالث فيه (مستقل) وما هنا أوضح معنى. (¬1) انظر شجرة النور الزكية ص 235، معجم المؤلفين 2: 49، جذوة الإقتباس 123، ألف سنة من الوفيات، 85، 128، كتاب الوفيات 372، الإحاطة 1/ 187 وفيها: أن اسمه أحمد بن أبي القاسم، الحلل السندسية 1/ 3/ 655. (¬2) كذا في الطبعة المصرية وهو خطأ والصواب كما في الإحاطة: سلطان المغرب أبي سالم ابن أبي الحسن. (¬3) كذا وهو خطأ والصواب في الإحاطة: العيش.

الحديث والفقه وأصول الدين، وتوفى سنة تسع وسبعين وسبعمائة. هكذا في رحلته، وزاد في وفياته شيخنا الفقيه المحقق، له شرح حسن على قواعد عياض وشرح بيوع ابن جماعة، لازمت درسه بفاس في الحديث والفقه والأصولين (¬1) - اهـ. أخذ عن الحافظ السطي وأبي الحسن بن فرحون المدني والقاضي الفشتالي، وعنه الإمام الشاطبي، والصالح عمر الرجراجي وغيرهم، وذكره صاحب المنهل في مناقب الأربعين الصلحاء من الطبقة الثانية فقال: الإمام العالم العامل ذو العقل الكامل والطبع الفاضل التائب المتقي ثم الفقيه المفتي، نخبة الأقران والأتراب الحاج المبرور أحمد القبّاب، ممن عرف بالدين والفضل وعدّ في طبقة العلماء العاملين، حسنت توبته وبانت فضيلته، رحل وحجَّ ولقي فضلاء أهل العلم والفضل والصلاح وانتفع بهم، سيرته سيرة أكابر متقدمي الفضلاء من الدأب على العلم قراءة وتكسب الطيب، مع التقشف وترك الدنيا والتواضع للخاصة والعامة، مع خفض جناح الرحمة للضعفاء، لقي سيدي أحمد ابن عاشر وأمثاله وتبرك بهم ومازال على حالته- اهـ. ومن تأليفه اختصار (أحكام النظر) لابن القطان أسقط فيه الدلائل والاحتجاج وشرحه على القواعد في غاية الإتقان، وله مباحث مشهورة مع الإمام الشاطبي في مسألة مراعاة الخلاف في المذهب أحسن فيها غاية (الإحسان) (¬2)، ونقل عنه البرزلي في ديوانه، ووصفه بالعلم والصلاح، ويذكر أنه لما حجّ اجتمع في تونس بابن عرفة، فأوقفه ابن عرفة على ما كتب من مختصره الفقهي وقد شرع في تأليفه، فقال له صاحب الترجمة: ما صنعت شيئًا، فقال له ابن عرفة: ولم؟ قال لأنه لا يفهمه المبتدئ ولا يحتاج إليه المنتهي، فتغير وجه الشيخ ابن عرفة، ثم ألقى على صاحب الترجمة مسائل فأجابه عنها، ويقال: إنّ كلامه هذا هو الحامل لابن عرفة على أن بَسَطَ العبارة في أواخر المختصر ولين الاختصار واللَّه أعلم. ¬

_ (¬1) كذا. وفي كتاب الوفيات لابن الخطيب ص 372: والأصلين. (¬2) الزيادة من عندنا ليستقيم الكلام.

71 - أحمد بن أحمد بن أحمد الغبريني أبو القاسم التونسي

وتقدم في ترجمة الإمام الشاطبي ما نقل عنه أنه كان يقول: إن بشير وابن شاش وابن الحاجب أفسدوا الفقه، وإنما يأمر أصحابه بالتحامي عنهم. قلت: وكأنه يعني بذلك، واللَّه أعلم، أن الأخيرين أدخلا جملة مسائل من وجيز الغزالي في المذهب، مع أنها مخالفة له كما نبّه عليه الناس، والأول بنى فروعًا على قواعد أصولية وأدخلها في المذهب، مع مخالفته لها، كما نبه عليه في الديباجٍ وفي ترجمته. وبالجملة فالقبّاب من أكابر علماء المذهب حفظًا وتحقيقًا وتقدمًا وجلالةً. ووقع بينه وبين الإمام سعيد العقباتي مناظرة بل مناظرات ومراجعات في مسائل جمعها العقباني وسماها (لباب اللباب في مناظرة القبّاب). 71 - أحمد بن أحمد بن أحمد الغبريني أبو القاسم التونسي (¬1). فقيهها ومفتيها، أخذ عن ابن عبد السلام وطبقته، وتولى الفتيا بتونس، قال البرزلي: هو شيخنا الفقيه الراوية المفتي الصالح المسن أبو القاسم. قال تلميذه أبو الطيب بن علوان: شيخنا الإمام العلامة المشاور الثبت الراوية المدرِّس المفتي الخطيب ذو الخطط الشرعية والعلوم النقلية- اهـ. وأخذ عنه جماعة من علماء تونس كالقاضي أبي مهدي عيسى الغبريني وأبي عبد اللَّه القلشاني. وصاحب الترجمة وَلَدُ أبي العباس الغبريني صاحب عنوان الدراية وقاضي بجاية، توفي بعد سبعين وسبعمائة. 72 - أخوه شقيقه: أحمد بن أحمد بن أحمد أبو سعيد الغبريني (¬2). قال ابن علوان: هو شيخنا الفقيه الرئيس الإمام الخطيب الموقر المشاور المسند المحدث بقية المشايخ- اهـ. ولم يذكر وفاته. 73 - أحمد بن محمد الزناتي (¬3). عرف بالحصار، توفي سنة تسع وتسعين وسبعمائة. ¬

_ (¬1) انظر شجرة النور الزكية ص 284. (¬2) انظر أعلام الجزائر ص 249، وشجرة النور الزكية 224. (¬3) انظر: ألف سنة من الوفيات 230. وفي لقط الفرائد ضمن المجموعة السابقة أنه توفي سنة 802 هـ.

74 - أحمد بن محمد بن رشيد الفهري.

74 - أحمد بن محمد بن رشيد الفهري. توفي في سنة تسع وسبعين وسبعمائة. 75 - أحمد بن الحسن بن سعيد المديوني (¬1). جد الحفيد الإمام ابن مرزوق لأمه قال: كان (¬2) جدي هذا قاضي تلمسان، فقيهًا محدثًا صالحًا قاضيًا عدلًا، أجازه أبو جعفر بن الزبير، ولقى أبا حيان والجلال القزويني وغير واحدٍ من الأكابر، وكان معمّرًا توفي سنة ثمان وستين وسبعمائة- اهـ. وقال غيره: نشأ بتلمسان وأخذ عن ابني الإمام، استعمله أبو الحسن المريني في الزكاة وسماع الشكاة إلى أن وَلِيَ قضاء تلمسان في زمن أبي عنان، واستمر عليه إلى أن توفي. 76 - أحمد بن محمد بن عبد المعطي الأنصاري (¬3). ولد سنة تسع وسبعمائة واشتغل كثيرًا ومهر في العربية وشارك في الفقه، انتفع به أهل مكة، وكان حسن الأخلاق مواظبًا على العبادة، مات في المحرم عام ثمانية وثمانين وسبعمائة وقد جاوز السبعين، صح من الدرر الكامنة لابن حجر. زاد السيوطي في طبقاته: سافر إلى المغرب ولقي جماعة وانتصب للإقراء في العربية والعروض، وكان بارعًا ثقةً ثَبْتًا، له تآليف ونظم كثير، سمع من عثمان بن الصفي وهو جدّ شيخنا قاضي القضاة نحوي مكة عبد القادر بن أبي القاسم (¬4). مولده سنة سبع وسبعمائة- اهـ. 77 - أحمد بن محمد الخزرجي، شهر بابن الشماع المراكشي نزيل فاس (¬5). قال ابن الخطيب القسنطيني: هو شيخنا ومفيدنا كان عالمًا بالمنطق- اهـ. ¬

_ (¬1) انظر معجم أعلام الجزائر. (¬2) في الأصل (هو). (¬3) انظر بغية الوعاة 1: 372 الدرر الكامنة 1/ 296. (¬4) في بغية الوعاة: محيى الدين عبد القادر بن أبي القاسم. (¬5) انظر الوفيات 375، الأعلام بمن حل مراكش 2/ 218. ذكره ابن قنفذ في كتاب الوفيات ص 375 في ثنايا ترجمته لمحمد بن حياتي.

78 - أحمد بن مسعود القسنطيني

قال ابن الأحمر في فهرسته: شيخنا الفقيه المعمّر الخطيب الصالح الأصولي المنطقي المعدل، أجازني عامة، أخذ عن الإمام ابن البنا العددي وابن جابر القيسي وغيرهما- اهـ. 78 - أحمد بن مسعود القسنطيني (¬1). أبو العباس الشهير بابن الحاجة الإمام المقري المتبتل المتعبد النحوي المجيد، صاحب الأوقات وإمام الحضرة العليّة، أخذ عن ابن بدال (¬2) والوادي آشي وأبي العباس الزواوي الحافظ وغيرهم، وأخذ عنه البرزلي وأبو الطيب ابن علوان وغيرهما. 79 - أحمد بن محمد بن حيدرة التونسي (¬3). قاضي الجماعة بها الإمام الحافظ أحد الأوتاد بتونس. معاصر لابن عرفة، وقع بينهما نزل في مسائل، أخذ عن ابن عبد السلام وغيره. قال تلميذه أبو الطيب ابن علوان: سيدنا الإمام العلامة قاضي الجماعة الحافظ لمذهب مالك من التحريف والتبديل، فارس علم التجريح والتعديل، القائم على الأحكام المحررة أبو العباس بن حيدرة- اهـ. قلت: وغالب ظني أنه الذي عرّفه في الديباج وسماه حيدرة بن محمد، وذكر أنه تولى قضاء الجماعة بتونس بعد ابن عبد السلام فتأمله. وممن أخذ عنه أي عن صاحب (¬4) القاضي أبو مهدي الغبريني والحافظ البرزلي، وأكثر النقل عنه في نوازله، والقاضي أبو عبد اللَّه القلشاني والد الأعمر وأوحد القلشانيين وغيرهم. 80 - أحمد بن محمد بن علوان الشهير بالمصري (¬5). أخذ عن الإمام أبي العباس أحمد بن إسماعيل الأنصاري، قال ولده أبو الطيب: كان والدي ممن أعرض عن هذه الدار الدنيّة وعمّر أوقاته بتحصيل ¬

_ (¬1) انظر الأعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام 2: 210. (¬2) في الأعلام: ابن يدال. (¬3) انظر شجرة النور الزكية 225، الحلل السندسية 1/ 3/ 621، 655، 663. (¬4) كذا في المطبوعة وفي الكلام سقط ظاهر وهو: صاحب الترجمة. (¬5) انظر شجرة النور الزكية ص 226.

81 - أحمد بن محمد بن أحمد بن الحاج الأشبيلي

المعيّة، طالبًا للمقامات السنيّة، تخلّص من رقّ العبوديّة واتصف بصفات الحريّة، فصار بعد ذلك من الأحرار لخلوه عن حب الدرهم والدينار وأعظم كراماته استقامة حاله لمماته، رؤي بعد موته فسئل عن حاله فتلا: {يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} الآية. توفي سابع عشر شوال سنة سبع وثمانين وسبعمائة بثغر الاسكندرية عن قريب من ستين سنة- اهـ. ومن تآليفه شرح الجلاب سماه (لباب اللباب) و (اقتطاف الأكف من الروض الأنف) و (اجتناء الزهر من كتاب الطرر) و (مختصر المدارك) لعياض وقفت عليه بخطه في سِفْرٍ، واختصار كتاب أنوار القلوب من العلم الموهوب، واختصار كتاب (التشوف إلى أهل التصوف) وغيرها من نحو أربعين تأليفًا ذكره ولده أبو الطيب. 81 - أحمد بن محمد بن أحمد بن الحاج الأشبيلي (¬1). ولد سنة اثنين وسبعين وسبعمائة بغرناطة، وقدم دمشق وتولى إمامة محراب المالكية متصدرًا للفتوى، سمع منه البرزلي. 82 - أحمد بن محمد بن عبد الرحمن (¬2). شهر بالقصاري الأزدي التونسي، من علمائها، عاصر ابن عرفة كان، على ما قيل، إمامًا علامة محققًا عارفًا بالنحو وغيره متقدمًا له شرح حسن مختصر على البردة، وشرح شواهد المقرب نفيس جدًا في مجلد، وقيل إن له حاشية على الكشاف. أخذ عنه الإمام ابن مرزوق الحفيد وأبو العباس البسيلي وغيرهما، كان حيًا بعد التسعين وسبعمائة. 83 - أحمد بن محمد بن عطاء اللَّه بن عوض الزبيري الاسكندري قاضي القضاة بمصر (¬3). شهر بابن التنسي، بفتح التاء الفوقية والنون بعدها ثم سين مهملة، ¬

_ (¬1) الحلل السندسية 1/ 3/ 263 - 264، الدرر الكامنة 1/ 247. (¬2) ذكر في معجم المؤلفين 2: 117، نقلًا عن نيل الابتهاج. (¬3) الضوء اللامع 2: 192، وحسن المحاضرة 1: 262، وكشف الظنون 1371، 1855، ومعجم المؤلفين 2: 153، رفع الإصر 1/ 107، شذرات الذهب 7/ 5، الأعلام 1/ 225

نسبة لجده لأمه ابن التنسي، وينتهي نسبه إلى الزبير بن العوام، ولد سنة أربعين وسبعمائة. قال الحافظ ابن حجر: كان عارفًا بالأحكام كثير العناية بالتجارة، ولم يكن دخل في المنصب إلّا صيانة لماله، تولى قضاء الاسكندرية بسنة إحدى وثمانين وسبعمائة، وتناوب هو وابن الربيع مدة إلى أن استقر ابن التنسي في قضاء الديار المصرية رابع عشر ذي القعدة سنة أربعة وتسعين وسبعمائة، فتحول بعياله وأسبابه مباشرة بنزاهة وعفة وطهارة وسلامة الباطن وقلة الكلام، حتى كان يقال: لم يسمع منه ذمّ أحد بقول ولا فعل. من بيت رئاسة ولي أبوه جمال الدين قضاء الاسكندرية، كانت أيامه كالعافية، والرعية في أمان على أنفسهم وأموالهم، ولم يعرف الناس قدره حتى فقد، ولم يدخل عليه في طول ولايته خلل، وبالجملة فهو من محاسن الوجود، مات ليلة الخميس أول يوم من رمضان سنة إحدى وثمانمائة- اهـ. زاد السيوطي: وكان عاقلًا متوددًا موشعًا عليه في المال سليم الصدر ظاهر النبل قليل الكلام، لم يؤذ أحدًا بقول ولا فعل، عاشر بجميل فأحبوه اهـ. قال الإمام ابن مرزوق الحفيد: كان شيخنا ناصر الدين يعني صاحب الترجمة إمامًا علّامة محققًا فاضلًا، ولي قضاء المالكية بالقاهرة والاسكندرية دخلت عليه يومًا منزله بالاسكندرية فوجدته ينفض كتبه من الغبار فأخذت سفرًا منها فإذا هو تفسير ابن المنِّير ووافق تفسير آية الكرسي وفيه قال شيخنا: إنما كانت هذه الآية أعظم آية لاشتمالها على سبعة عشر اسمًا من أسمائه تعالى ما بين ظاهر ومضمر، وكان يمتحن باستخراجها فأكثرهم يعد ستة عشر ولا يتمها إلا الحذاق، فذكرت ذلك لناصر الدين فعدها كلها بديهة فقلت: أنت من الحذّاق بشهادة هؤلاء ففرح، والسابع عشر الذي يخفى على الكثير فاعل المصدر من حفظهما- اهـ.

84 - أحمد بن حسين بن علي بن الخطيب بن قنفذ القسنطيني

قال البدر الدماميني: حضرت يومًا درس شيخنا قاضي القضاة الناصر التنسي فقرر مباحث حسنة فأنشدته بديهة قولي فيه: أبْدَيْت يا قاضي القُضَاةِ مباحثًا ... عنها تُقَصِّرُ سائرُ الأفهامِ ونشرتَ منها في الدروس جواهرًا ... أمستْ تحيِّرُ فكرةَ النِّظام وأجادَ فكرُكَ في بحارٍ علومِهِ ... غَوْصًا لأنكَ من بني العَّوَّامِ روى بذلك لكونه من ذرية الزبير بن العوام، قال ابن حجر في أنباء الغمر: وناب عنه القاضي بدر الدين الدماميني، وشرع في شرح التسهيل، وله تعليق على شرح مختصر ابن الحاجب، وقال الحافظ السخاوي: شرح التسهيل إلى باب التصريف، وعمل تعليقًا على ابن الحاجب الفرعي، وشرح الأصل أيضًا والكافية. وممن أخذ عنه الإمام أبو مهدي الوانوغي، صاحب حاشية المدونة. 84 - أحمد بن حسين بن علي بن الخطيب بن قنفذ القسنطيني (¬1). أبو العباس الشهير بابن الخطيب وابن قنفذ الإمام العلامة المتفنن الرُّحْلَة القاضي الفاضل المحدث المبارك المصنف، أخذ عن جماعة كأبي علي حسن بن أبي القاسم بن باديس، والإمام الأوحد الشريف أبي القاسم السبتي، والإمام العلامة الشريف أبي عبد اللَّه التلمساني، والشيخ الحافظ أبي عمران موسى العبدوسي، والعلامة الحافظ القبّاب، والإمام المحدث الرُّحْلَة الخطيب ابن مرزوق الجد، والإمام النظّار أبي عبد اللَّه بن عرفة، والحافظ المفتي أبي محمد عبد اللَّه الوانغيلي الضرير، والشيخ أبي زيد اللجائي، والإمام النحوي ابن حياتي في جماعة آخرين من الأعلام، ولقي جماعة كثيرة من الأولياء وتبرك بهم كالسيد الزاهد أحمد بن عاشر وغيره. ارتحل من بلاد افريقيا عام تسعة وخمسين إلى المغرب الأقصى وبقي هناك ¬

_ (¬1) تعريف الخلق 27، ألف سنة من الوفيات ص 3 ومواضع أخرى، جذوة الإقتباس 79، الخزانة. التيمورية 3: 248 آداب اللغة 3: 209، الأعلام 1: 114، والمكتبة الأزهرية 6: 308. وقد ورد في النسختين المطبوعتين بمصر وفاس أن اسم أبيه حسين. وهو خطأ والصواب: حسن ذكر ذلك ابن قنفذ نفسه عند ترجمة أبيه في وفيات سنة 750 هـ ص 355 من كتاب الوفيات.

85 - أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الشريف الحسني السبتي ثم الغرناطي القاضي أبو جعفر وأبو العباس

ثمانية عشر عامًا، فحصل علومًا كثيرة واعتنى بلقاء الصالحين، وجال بلادها فلقي بها الشريف أبا القاسم السبتي وأخذ عنه، وقال في وفياته، بعد الثناء عليه: وبالجملة فهو ممن يحصل الفخر بلقائه- اهـ. وألف تآليف عدة في فنون منها: شرح الرسالة في أسفار وشرح الخونجي في سفر صغير، وشرح أصلي ابن الحاجب، وشرح تلخيص ابن البنا، وشرح ألفية ابن مالك، وأنوار السعادة في أصول العبادة في شرح بني الإسلام على خمس، و (تيسير الطالب في تعديل الكواكب) وذكر أنه لم يهتد أحد من المتقدمين إلى مثله، وكتاب بغية الفارض من الحساب والفرائض، وتحفة الوارد في اختصاص الشرف من قبل الوالد، ووسيلة الإسلام بالنبي -عليه السلام- وقال: إنه من أجل الموضوعات في السير، مع اختصاره، و (أنس الفقير وعز الحقير) في ترجمة الشيخ أبي مدين وأصحابه. وروى عنه الإمام ابن مرزوق الحفيد وغيره، مولده في حدود الأربعين وسبعمائة، وتوفي عام عشرة وثمانمائة، ذكره الونشريسي في وفياته (¬1)، ونقل عنه المازري في نوازله، والقلشاني في شرح الرسالة، ومن شعره: الفَقْرُ إنْ فَكَّرْتَ فيهِ رأيتَهُ ... قد دَارَ بينَ قواعد مُتتاليهْ فاطلبْهُ في القرآنِ أو في سُنَّةٍ ... واعقِدْهُ بالإجماعِ واتْرُكْ قَالِيَهْ وله أيضًا: مضتْ ستونَ عامًا من وجودي ... وما أمسكتُ عن لعبٍ ولهوِ وقد أصبحتُ يومَ حلولِ إحدى ... وثامنةٍ على كسلٍ وسهوِ فكم لابنِ الخطيبِ من الخطايا ... وفضلُ اللَّه يشملُهُ بعفوٍ 85 - أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد اللَّه الشريف الحسني السبتي ثم الغرناطي القاضي أبو جعفر وأبو العباس (¬2) الشيخ الفقيه العالم الأبرع ابن الإمام العلامة أبي القاسم الشريف، ¬

_ (¬1) في الأصل: مَالِيَهْ وفي هـ (23): تاليه والتصويب من وجه الابتهاج: (52)، والمراد بالفقر: التصوف والزهد. (¬2) انظر ألف سنة من الوفيات ص 190 فلعله المذكور هناك أو المذكور في ص 68 من المصدر نفسه.

86 - أحمد بن موسى الصديق.

شارح المقصورة. أخذ عن شيخ الشيوخ أبي سعيد فرج بن لب وغيره. وأخذ عنه الإمام أبو يحيى بن عاصم شارح التحفة، وله أخ عالم فقيه يسمى محمدًا ويكنى أبا المعالي، قال صاحب الكوكب الوقاد فيمن دفن بسبتة من العلماء والزهاد: لقيت هذين الشيخين وأجازاني، أولهما وأكبرهما ذكره الوزير ابن الخطيب في شعراء الكتيبة الكامنة، وذكر له قصيدة لزومية- اهـ (¬1). ولم أقف على تاريخ وفاته، ووقع النقل عنه في المعيار. 86 - أحمد بن موسى الصديق. من متأخري المغاربة، أظنه أهل المائة التاسعة، واللَّه أعلم. 87 - أحمد بن محمد الهنتاني أبو العباس (¬2). شهر بالشماع، أحد تلامذة ابن عرفة. أخذ عنه الشيخ أبو زيد عبد الرحمن الثعالبي، وولي قضاء محلة السلطان أبي فارس، ووقع بينه وبين الحافظ البرزلي نزاع كبير في مسألة العقوبة بالمال هل هي جائزة باق حكمها أو منسوخة؟ ألّف كل واحد على صاحبه ووقع بينهما في ذلك هجو، عفا اللَّه عن الجميع، ونقل عنه في المعيار، ولم أقف على وفاته. 88 - أحمد بن العباس (¬3). شهر بالمريض من أصحاب بن عرفة، شرح رجز الضرير في العقائد، ولم أقف على ترجمة. 89 - أحمد النقاوسي البجاني العلامة. قال تلميذه أبو زيد عبد الرحمن الثعالبي: هو شيخنا الإمام المحقق الجامع بين علمي المنقول والمعقول، ذو الأخلاق المرضية والأحوال الصالحة السنية- اهـ. ¬

_ (¬1) الكتيبة الكامنة 301. (¬2) انظر شجرة النور الزكية 1: 244، الحلل السندسية للسراج 1: 610، النشرة العلمية للكلية الزيتونية، السنة الأولى، العدد الأول ص 206. (¬3) انظر أعلام الجزائر 369، ولم يقف صاحب الحلل السندسية على ترجمة له واكتفى بالنقل بما ذكره التنبكتي هنا 1/ 3/ 610.

90 - أحمد بن عبد الرحمن النحريري

لا أعرف من حاله أزيد من هذا. قلت: تقدم لنا نقاوسي آخر وهو غير هذا، كما لا يخفى واللَّه أعلم. 90 - أحمد بن عبد الرحمن النحريري (¬1). كان من فقهاء المالكية كان له اشتغال قديم، تولى قضاء طرابلس بإعانة الشمس الركراكي، وعزله منطاش مدبر المملكة، فلما عزل منطاش سعى في قضاء الاسكندرية فوليه قليلًا ثم عاد وولي يوم الاثنين سابع عشر المحرم سنة أربع وتسعين وسبعمائة، وتوفي في رجب سنة ثلاث وثمانمائة، صح من رفع الاصر لابن حجر. 91 - أحمد بن عبد الخالق بن علي بن الحسن بن عبد العزيز بن محمد بن الفرات، وبه اشتهر (¬2). قال ابن حجر في أنباء الغمر: اشتغل بالعلم والفقه والعربية والأصول والأدب، ومهر في الفنون ونظم الشعر، وكانت بيننا مودة، وهو القائل: إذا شئت أن تحيا حياة سعيدة .... وتستحسن الأقوام منك القبائحا تزيّ بزيّ الترك واحفظ لسانهم ... وإلّا فجانبهم وكن متصولحًا توفي سنة أربع وثمانمائة. 92 - أحمد بن علي بن محمد بن عبد الرحمن الفاسي المالكي الحسني والد قاضي المالكية بمكة تقي الدين (¬3). قال [في] أنباء الغمر: ولد سنة أربع وخمسين وسبعمائة وعني بالعلم فحمد في عدة خصوصًا الأدباء، فقال الشعر الرائق وفاق في معرفة الوثائق ودرس وأفتى وحدث قليلًا، سمع عز الدين بن جماعة وأبا البقاء السبكي ¬

_ (¬1) انظر شذرات الذهب 7: 24، رفع الإصر. (¬2) انظر شذرات الذهب 7: 41 أنباء الغمر. (¬3) انظر الضوء اللامع 2: 35، المنهل الصافي لابن تغري بردي 1/ 381 - 383، أنباء الغمر 2/. . . .، معجم المؤلفين 2/ 20.

93 - أحمد القصار الأندلسي الغرناطي أبو جعفر.

وغيرهما، وتوفي في حادي عشر شوال سنة سبع عشرة وثمانمائة (¬1). 93 - أحمد القصار الأندلسي الغرناطي أبو جعفر. أخذ عن الإمام أبي إسحاق الشاطبي، قال ابن الأزرق: وكان أستاذًا محققًا، أخذ عنه شيخنا العلامة أبو إسحاق ابن فتوح وحدثني أن الإمام أبا إسحاق الشاطبي كان يطالعه ببعض المسائل حين تصنيفه الموافقات، ويباحثه فيها، وبعد ذلك يضعها في الكتاب على عادة الفضلاء ذوي الإنصاف- اهـ. ولم أقف له على ترجمة. 94 - أحمد بن محمد بن عبد اللَّه الشهاب المغراوي (¬2). قال السخاوي في الضوء اللامع: كان عالمًا بالفقه وأصوله والنحو. قال ابن قاضي شهبة: لم يُترك بمصر والشام في المالكية مثله، ووقع بينه وبين البساطي مشاجرة ومشاتمة بسبب مسألة علمية تجادلا فيها، وكان يعارض ابن خلدون في أحكامه ويفتي عليه ويناظره، وكان العز بن جماعة يعظمه كثيرًا. توفي سنة عشرين وثمانمائة وقد قارب السبعين- اهـ. 95 - أحمد بن محمد بن أحمد الشيخ شهاب الدين والد عبد القادر الآتي وابن أخت القاضي تاج الدين بهرام، ويعرف بابن تقي، بفتح الفوقية وكسر ما بعدها (¬3). نسب للقب بعض أجداده، ولد بقرية من قرى مصر، حفظ القرآن العظيم والموطأ والعمدة وابن الحاجب الأصلي والفرعي وألفية النحو والتلخيص وغيرها، وقرأ عليه الشهاب القرافي (¬4) وتفقه هو بخاله والشمس بن مكين ¬

_ (¬1) وقد ورد في المنهل الصافي أنه توفي يوم الجمعة الحادي والعشرين من شوال سنة تسع عشرة وثمانمائة بمكة نقلًا عما كتبه ابنه القاضي تقي الدين في ترجمة أبيه. (¬2) الضوء اللامع 2/ 138، أعلام الجزائر 307. (¬3) انظر الضوء اللامع 2: 78، أنباء الغمر 2/، مشتبه النسبة. (¬4) في الضوء اللامع: ومن فقهائه الشهاب أحمد القرافي وفي عبارة التنبكتي أن القرافي من تلاميذه فإذا كان الشهاب القرافي هو أحمد بن إدريس الفقيه المشهور صاحب (الفروق)، فإنه لا يمكن أن يجتمع به ابن تقي هذا لا مشيخة ولا تلمذة لأن القرافي توفي سنة 684 هـ وابن تقي ولد =

وعبد المجيد الطرابلسي المغربي، واشتهر بقوة الحافظة، وكان من نوادر القاهرة (¬1) يحفظ الورقة بتمامها من مختصر ابن الحاجب مرتين أو ثلاثة بدون درس على عادة الأذكياء، بل بلغني أنه حفظ سورة النساء في لوحتين (¬2)، والعمدة في ستة أيام، والألفية في أسبوع، وأن السراج الأسواني أنشد قصيدة مطولة من إنشائه وكررها مرة أو مرتين فأحب صاحب الترجمة إخجاله فقال له إنها قديمة فأنكر السراج ذلك وبادر صاحب الترجمة وسردها، وكانت نادرة، واتفق أن بعض شيوخه سأله في عيد: هل تحفظ خطبة؟ رجاء استنابته، فقال له: لا لكن إن كان عندك نسخة خطبة فأرنيها حتى أمر عليها، فأخرج له خطبة في كراسة بأحاديثها ومواعظها، على جاري خطب العيد، فتأملها دون ساعة ثم خطب بها. وتقدم في استحضار الفقه وأصوله والعربية والمعاني في جميعها، مع الفصاحة وجودة الخط والنظر (¬3) الوسط، ولم يشغل نفسه بتصنيف، نعم شرع في تعليق على كل من الموطأ والبخاري، وصار من جمع المالكية خصوصًا بعد موت البساطي، بل عين في حياته للقضاء بمصر فلم يتفق له، لكن استخلفه بمرسوم السلطان حين جاور مكة، وحج هو مرتين، وأول ما ناب عن ابن خلدون سنة أربع وثمانمائة، واستمر ينوب عمن بعده، ولي تدريس الشيخونية والفاضلية والقمحية وغيرها، وممن أخذ عنه الفقه محمد بن عامر (¬4)، وكان يكتب في فتاويه وغيرها، ويقول في نسبه: أحمد بن أخت بهرام. ووصفه ابن حجر بأنه من فضلاء العصر، ومن فوائده كما أخبر به ولده عبد القادر أنه سئل عن جواز الاستنجاء بالتوراة والإنجيل اللذين بيد الكفّار، فقال: التوراة ¬

_ = سنة 785 هـ ثم يستبعد أن يكون قد ناب عن ابن خلدون في القضاء سنة 804 لأنه وقتئذ لم يتجاوز 19 عامًا فلا يمكن أن يتسنم منصب قاضي قضاة المالكية في مثل هذا العمر. واللَّه أعلم. (¬1) في الضوء اللامع: وكان من نوادر الدهر. (¬2) في الضوء: في يومين. (¬3) كذا وهو تصحيف والصواب: النظم كما في الضوء اللامع. (¬4) هو الشمس بن عامر كما في الضوء.

96 - أحمد بن محمد بن أحمد البسيلي

والإنجيل الموجودان الآن بين أظهرنا صغيران مبدّلان في الخط والمعنى لا يجوز مطالعتهما ولا النظر فيهما، ولقد رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بيد عمر بن الخطاب قطعة من التوراة فغضب -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: يا عمر لو كان موسى حَيًّا لما وسعه إلا اتباعي، وأما قول من قال بجواز الاستنجاء بهما فغير سديد، فإنّ نفس الحروف لها حرمة. قلت: وما ذهب إليه حكى [عن] الزركشي فيه الإجماع، وسبقه إلى نحوه المتقي السبكي، ولد سنة خمس وثمانين وسبعمائة -اهـ- من ذيل القضاة، والضوء اللامع للسخاوي -رحمه اللَّه تعالى. قلت: ومسألة النقل عن التوراة والإنجيل من المسائل الواقعة بين البرهان البقاعي والحافظ السخاوي، وألّفا فيها وقد ألمّ بشئ منها الحافظ ابن حجر في آخر شرح البخاري، واللَّه أعلم. 96 - أحمد بن محمد بن أحمد البسيلي (¬1). الشيخ العالم المفسر، أخذ عن الإمام ابن عرفة وأبي الحسن البطروني (¬2)، والولي ابن خلدون وأبي مهدي عيسى الغبريني وغيرهم. له تقييد جليل في التفسير قيّده عن ابن عرفة فيه فوائد وزوائد ونكت، ووقع له فيه قصة، وذلك أنه لما ألفه سمع بذلك الأمير الفقيه الحسين ابن السلطان أبي العباس الحفصي، فراسله فيه وطلبه منه فامتنع وماطله أيامًا، ثمَّ أرسل إليه وأمر رسله أن لا يفارقوه حتى يسلّمه لهم، فلما رأى الشيخ صاحب الترجمة الجدّ في الأمر أخذ منه من سورة الرعد إلى الكهف ودفع لهم الباقي، فمشوا به ثم مات ومات الأمير أيضًا وبيع التقييد في تركته، فسافر به مشتريه إلى بلاد السودان، فبقي أهل تونس لا شعور لهم به، فلذلك كان أصل نُسَخِه من نسخة السودان، ومن هناك انتشر، وقد كان الشيخ لما طولب به اختصر منه تقييدًا صغيرًا جدًا، وهو موجود بيد الناس. ولم أقف على مولده ووفاته، وذكر في ¬

_ (¬1) انظر شجرة النور الزكية 251، الحلل السندسية 1/ 3/ 650، كشف الظنون 1/ 438 - 439، معجم المؤلفين 2/ 85، بروكلمان 2/ 49 (الألمانية). (¬2) في شجرة النور الزكية: البطرني.

97 - أحمد بن عبد الله بن أبي موسى بن محمد الفيلالي.

التقييد المذكور أنه ولي (¬1) ما حضر عند ابن عرفة عام خمس وثمانين وسبعمائة، واللَّه أعلم. 97 - أحمد بن عبد اللَّه بن أبي موسى بن محمد الفيلالي. الأستاذ النحوي، أخذ عنه الأستاذ أبو عبد اللَّه الصغير وغيره، أكثر ابن غازي من النقل عنه في تعليقه على ألفيته، وسماه شيخ شيوخنا. لم أقف على ترجمته. 98 - أحمد بن عيسى البطوي الفقيه العدل الموثق أبو العباس التلمساني (¬2) كان حيًا سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، هكذا وقع في العيار للونشريسي، وليس والد أبي مهدي عيسى المواسي المفتي فذلك هو. 99 - أحمد بن محمد بن ماواس البطوي (¬3). الشيخ الفقيه الصالح أبو العباس، توفي بفاس عام اثنين وأربعين وثمانمائة، وستأتي ترجمة ولده العلامة أبي مهدي. 100 - أحمد بن عبد اللَّه القلشاني أبو العباس عم أحمد شارح الرسالة. وهو الفقيه الصالح العدل الحاج الرُّحْلَة، أخذ عن أبيه عبد اللَّه وعن ابن عرفة، ارتحل من بلده تونس للأخذ عنه، هكذا ذكر ولد أخيه أبو العباس القلشاني شارح الرسالة، ونقل عنه في غير موضع من تآليفه، وأما شارح الرسالة فهو. 101 - أحمد بن محمد بن عبد اللَّه القلشاني التونسي (¬4). فقيهها وعالمها العلامة الحافظ المحقق الحجة قاضي الجماعة، أخذ عن ¬

_ (¬1) كذا ولعلها: أول ما حضر. وقد توفي سنة 830 هـ كما في كشف الظنون. (¬2) انظر تعريف الخلف 2: 69، البستان 51، معجم أعلام الجزائر 67، ألف سنة من الوفيات 156، 280 وفيه: توفي سنة 911 هـ. (¬3) انظر جذوة الإقتباس 126، وفي وفيات الونشريسي: توفي سنة 840، وفي لقط الفرائد: توفي سنة 842 هـ انظر ألف سنة من الوفيات 141، 248. (¬4) شجرة النور الزكية 258، الحلل السندسية 1: 650، فهرسة الرصاع 183، الزركشي في تاريخ =

شيخ الجماعة أبي مهدي عيسى الغبريني ووالده أبي عبد اللَّه، بل أدرك ابن عرفة وحضر عنده، قال السخاوي: وتقدم بحيث شرح ابن الحاجب والرسالة، وولي قضاء الجماعة بتونس بعد موت محمد بن عقاب، وهو تولاه بعد موت القاضي عمر أخي أبي العباس أحمد المذكور، ثمَّ صرف بابن أخيه محمد بن عمر ولازم الإمامة بجامع الزيتونة. قال ابن عوام: توفي سنة ثلاث وستين وثمانمائة- اهـ. قلت: وكان تولى قبل توليته قضاء الجماعة بتونس قضاء قسنطينة سنة اثنين وعشرين وثمانمائة وأبوه حي فبقى عليه زمانًا طويلًا، وفي ذلك شرح ابن الحاجب، وشرحه في سبعة أسفار وقفت عليه كله إلا سفرًا منه، وهو حسن مفيد جدًا، فيه أبحاث مع ابن عرفة وغيره إلا أنه اختصر في أوائله جدًا، وله أيضًا شرح المدونة. وممن أخذ عنه الشيخ أبو الحسن القلصادي الأندلسي وذكره في رحلته فقال: شيخنا وبركتنا الفقيه الإمام المفتي المدرس المصنف القاضي أبو العباس، لم أر أعرف منه بمذهب مالك، ولا من يستحضر النوازل والأحكام مثله، له تآليف في المذهب معتبرة، كشرح الرسالة وابن الحاجب وغيرهما، حضرت عليه بعض تفسير القرآن، وجميع صحيح البخاري، وبعض مسلم، والرسالة، والجلاب، والتهذيب، وابن الحاجب وقرأته عليه مع التهذيب، وأجازني جميعها. ومن نظمه: إدا مَا اعتزَّ ذو عِلْمٍ بِعلمٍ ... فَعِلْمُ الفقهِ أشْرَفُ في اعتزازِ فَكَمْ طِيبٍ يفوحُ وَلا كَمِسْكٍ ... وَكَمْ طَيْرٍ يَطيرُ ولا كَبَازِ انتهى ملخصًا من رحلته. قلت: والبيتان ليسا له بل لبعض القدماء أنشدهما في كتاب الأدب للمتعلم، وهو قبل القلشاني بزمن طويل، واللَّه أعلم. ¬

_ = الدولتين ص 135، رحلة القلصادي 115، الضوء اللامع 1/ 137، فهارس جامع الزيتونة 4/ 306.

102 - أحمد بن محمد بن عيسى اللجائي أبو العباس

102 - أحمد بن محمد بن عيسى اللجائي أبو العباس (¬1). أحد فقهاء فاس في طبقة الإمام عبد اللَّه العبدوسي، أخذ عنه الإمام محمد بن محمد بن مرزوق الكفيف، ونقل عنه ابن غازي في تكميله والونشريسي في معياره. 103 - أحمد بن أحمد بن محمد المصمودي الماجري التلمساني الشيخ الفقيه الحاج الرحلة أبو العباس (¬2). روى بالمدينة عن الجمال الكازروني المدني الشافعي، وعن أبي الفرج ابن الإمام أبي بكر العثماني، هكذا وقع في فهرست ابن غازي، وذكر أن شيخه أبا عبد اللَّه محمد بن يحيى بن جابر الغساني أخذ عنه- اهـ. 104 - أحمد بن قاسم بن سعيد العقبافي قاضي تلمسان، والد الحفيد العقباني وولد شيخ الإسلام قاسم الآتيين (¬3). توفي سنة أربعين وثمانمائة بتلمسان. 105 - أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد الاخنائي (¬4). الإمام العالم أقضى القضاة بمصر أبو الفضل علم الدين ابن سعد الاخنائي، ولد قبل سنة تسعين وسبعمائة ومات مطعونًا خامس عشر رمضان سنة اثنين وأربعين وثمانمائة، صح من العنوان للبرهان البقاعي. 106 - أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الشهير بابن زاغو المغراوي التلمساني (¬5). الإمام العالم الفاضل الولي الصالح الصوفي الزاهد العلامة المحقق المتفنن القدوة، المصنف الناسك العابد. أخذ عن إمام الغرب أبي عثمان سعيد ¬

_ (¬1) انظر الضوء اللامع 2: 163، وفي نفح الطيب 5/ 419 ذكر في عداد أشياخ ابن مرزوق الكفيف. (¬2) أعلام الجزائر 64. (¬3) انظر تعريف الخلف 2: 72، معجم أعلام الجزائر 236. (¬4) شذرات الذهب في أخبار من ذهب 7: 242. (¬5) انظر الزركشي 140، شجرة النور الزكية 254، البستان 41، الحلل السندسية 1086، ومجلة دعوة الحق ع 3 ص 195 ومعجم أعلام الجزائر 156.

العقباني وعن السيد العارف المفسر ابن يحيى الشريف وغيرهما، له تآليف منها: تفسير الفاتحة في غاية الحسن كثير الفوائد، وشرح التلمسانية في الفرائض، وله فتاوى عدة في أنواع العلوم، نقل منه جملة في المازونية والمعيار، توفي سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وأخذ عنه جماعة كالشيخ العالم يحيى بن بدير، والعالم المصنف ابن زكرياء يحيى المازوني، والحافظ التنسي وابن زكري، والشيخ العالم أبي الحسن القلصادي وذكره في رحلته فقال: شيخنا وبركتنا الفقيه الإمام المصنف المدرس المؤلف أعلم الناس في وقته بالتفسير وأفصحهم، فاق نظراءه وأقرانه في دلائل السبل والمسالك، ذي سبق في الحديث والأصول والمنطق وقدم راسخة في التصوف مع الذوق السليم والفهم المستقيم، وبه يضرب المثل في الزهد والعبادة، وعند كلامه يقف الفتى في الأذكار والإرادة، مقبل على الآخرة معرض عن الدنيا عار عن زخرفها إلا ما يتخذه من ثوب حسن أو هيئة فيها جمال أكرمه الولى بقراءة القرآن وشرفه بملازمة قراءة العلم والتصنيف والتدريس والتأليف، له نسب أشهر من الشمس في السماء وحسب كاتساق عقد النجوم في بحر الظلماء، وخلق أندى من الزهر وأسوغ من الاء، ونزاهة الهمة العالية والمشاركة والمباركة للخاصة والعامة من هذه الأمة مع إيثار الخلوة وإجابة الدعوة، ولما رأيت نجاح دعوته وصلاح حالي بالتماس بركاته لازمته وترددت إليه، فكنت أجد في مجالسته فوائد تنسي الأوطان وأرد من بحر فيضه ما يحيا به الظمآن فسرت إلى خدمته مسرعًا فصيرني كبعض أولاده وأنزلني منزلة أصدقائه فقرأت عليه صحيح البخاري كله، ومن أول مسلم إلى أثناء الوصايا. ومن تآليفه: مقدمة في التفسير وتفسير الفاتحة والتذييل عليه في ختم التفسير، ومنتهى التوضيح في عمل الفرائض ومن الواحد الصحيح غير مرة، وشرح التلخيص لوالده، وحكم ابن عطاء اللَّه وشرحها لابن عباد، ولطائف المنن، وتأليف أبي يحيى الشريف على المغفرة، والاحياء ومختصره للبلالي، وأقضية مختصر خليل لآخره، وابن الحاجب الفرعي وبعض الأصلي، ولزمته مع الجماعة في المدرسة اليعقوبية للتفسير والحديث والفقه شتاء، والأصول

107 - أحمد المنستيري التونسي

والعربية والبيان والحساب والفرائض والهندسة صيفًا، وفي الخميس والجمعة التصوف وتصحيح تآليفه، وأوقاته معمورة وأفعاله مرضية وسجاياه محمودة لولا عجائب صنعه تعالى ما ثبتت تلك الفضائل في لحم ولا عصب ولا أعلم منه أنَّه كان يأمر بفعل وخالفه اقتداء بالسلف الصالح، أنشدنا لبعضهم: رأيتُ الانقباضَ أجلَّ شيءٍ ... وأدْعَى في الأمورِ إلى السَّلامَهْ فهذا الخلقُ سالمهُمْ ودعهُمْ ... فَخُلْطَتُهمْ تقودُ إلى النَّدامهْ وَلا تُعْنىَ بشيءٍ غيرَ شيءٍ ... يقودُ إلى خَلاصِكَ في القِيَامهْ وأنشد لبعضهم وكان يستحسنه: أَنسْتُ لوحْدَتي ولزمتُ بيتي ... فدامَ الأنْسُ لي ونما السُّرورُ وأدبني زماني (¬1) فما أبالي ... هُجرْتُ فلا أزارُ ولا أزُورُ ولستُ بسائل ما دمتُ حَيًّا ... أسَارَ الجندُ أم رَكبَ الأميرُ وأنشدني يوم الجمعة: تَمَتَّعْ من شَميمِ عَرارِ نَجْدٍ ... فَما بَعْدَ العَشِية من عَرَارِ فلم يشهد بعدها جمعة أخرى، وآخر ما قرئ عليه كتاب لطائف المنن، ويشير إلينا بأحوال تدل على موته، وكان يتأهب لذلك وتوفي يوم الخميس وقت العصر رابع عشر ربيع الأول عام خمسة وأربعين وثمانمائة في الوباء، وصلَّى عليه يوم الجمعة وشهد جنازته العام والخاص وأسف الناس لفقده وعمره ثلاث وستين سنة -اهـ- ملخصًا. ومولده على هذا في حدود سنة اثنين وثمانين وسبعمائة، واللَّه أعلم. 107 - أحمد المنستيري التونسي (¬2). قال القلصادي في رحلته: هو الشيخ الفقيه الإمام النحوي اللغوي المقريء، أدرك ابن عرفة، وكان لا يعتني بأهل الدنيا ولا يعظمهم، وبه انتفع طلبة تونس ومن يرد عليها في النحو في زمنه، قرأت عليه المقرب والتسهيل ¬

_ (¬1) في الكفاية (د): ص 35 (الزمان) وفي هـ (زماني). (¬2) انظر شجرة النور الزكية 246.

108 - أحمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الأستاذ الندرومي التلمساني، أحد تلاميذ الإمام ابن مرزوق الحفيد

وجمل الخونجي وعله الرجراجي والمقرب ومقدمة ابن بابشاد والألفية والتسهيل وأصلي ابن الحاجب، وتنقيح القرافي والمعالم الفقهية، لم أر أحفظ منه لكلام ابن عصفور ولا من يستحضر نصوص متقدمي النحاة مثله. 108 - أحمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن الأستاذ الندرومي التلمساني، أحد تلاميذ الإمام ابن مرزوق الحفيد (¬1). رحل للقاهرة وتصدر هناك للإقراء، له اختصار شرح جمل الخونجي لشيخه ابن مرزوق، وكان حيًا بعد الثلاثين وثمانمائة. 109 - أحمد العماني أبو العباس يعرف بابن القطانية. من أهل المائة التاسعة، نقل عنه ابن ناجي في شرح المدونة. 110 - أحمد بن محمد ذا قال الجزائري (¬2) من أهل المائة التاسعة من طبقة قاسم العقباني، نقل عنه في المازونية والمعيار. 111 - أحمد بن محمد بن يعقوب العجيسبي شهر بالعبادي يكنى أبا العباس (¬3) توفي بتلمسان سنة ثمان وستين وثمانمائة. 112 - أحمد بن الحسن الغماري التلمساني (¬4). الولي الكبير الشأن ذو الكرامات الظاهرة والآيات الباهرة، أبو العباس، توفي بتلمسان ثاني عشر شوال سنة أربع وسبعين وثمانمائة ودفن بخلوته شرقي الجامع الأعظم منها أخذ عنه الإمام أحمد زروق. ¬

_ (¬1) لقبه (شهاب الدين) عالم بالمنطق، له شرح الجمل للخونجي وسماه كفاية العمل ولعله المختصر. ترجمته في: تعريف الخلف 2: 32، البستان ص 44، معجم المؤلفين 1: 150. (¬2) انظر تعريف الخلف 2/ 72 ومعجم أعلام الجزائر ص 98. (¬3) أحمد بن محمد بن يعقوب العجيسي (... - 868 هـ = 1463 م) فقيه مالكي، شارك في بعض العلوم، من أهل تلمسان. (انظر الضوء اللامع 1/ 322، درة الحجال 1/ 871، والبستان 44، ومعجم أعلام الجزائر 214. (¬4) هو أحمد بن حسن الغماري التلمساني أبو العباس، صوفي عابد، من أهل تلمسان وتوفي بها. (انظره في تعريف الخلف 54 والبستان 31).

113 - أحمد بن العجل الوزر والي قاضي مدينة الجديدة

113 - أحمد بن العجل الوزر والي قاضي مدينة الجديدة (¬1). قال الإمام أحمد زروق في كناشته: هو زوج جدتي تزوجته سنة خمس أو ست وخمسين فأقامت معه ثلاثة أشهر ثم توفي بالوباء، حدثتني أنه كان يختم القرآن كل أسبوع، وكان يعيد صلاته التي صلاها حين كان قاضي المحلة احتياطًا للنجاسة والعزوبة، وذكرت عنه أمورًا من الخير، والغالب عليه النحو وكان متصوفًا، وكتب له عبد اللَّه بن أحمد في كتاب: أقلل من علم الظاهر فإنه يقسي القلب. قلت: يعني بما يعرض فيه لا بذاته. توفي سنة ست وخمسين وثمانمائة -اهـ- كلام زروق، ونقل عنه في المعيار. 114 - أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن علي الشهير بابن المحب (¬2). الشيخ محب الدين الآتي ابنه، ولد ليلة الثلاثاء من ربيع الأول سنة اثني عشر وثمانمائة بالقاهرة ونشأ بها وحفظ القرآن، وأخذ الفقه عن الزين طاهر وأبي القاسم النويري وعن الزين عبادة وكذا العربية، وحضر درس البساطي والقياتي ولازم النواجي في العربية واللغة والعروض وصار أحد الفضلاء، وحمدت فصاحته واتقانه حتى أن ابن حجر وصفه في ثبته بالشيخ الفاضل الأصيل الباهر الماهر العلامة الخطيب، وكان الزين الطاهر يقول له فيما بلغني أنت تزين المجالس التي تحضرها، وكذا غير واحد من شيوخه يعظمونه، وكتب يسيرًا على مختصر خليل وأقبل بآخرة على الذكر والتلاوة والملازمة لبعض التصوف، مات يوم الثلاثاء ثالث عشر المحرم سنة سبع وخمسين عن نيف وأربعين عامًا ودفن بين الصوفيين. ¬

_ (¬1) هو أحمد أبو العباس بن العجل قاضي فاس، مدرس بمدرسة بفاس بالقرب من جامع الأندلس، عالم بالفقه والعربية وغير ذلك. (الضوء اللامع 2: 260). (¬2) هو أبو العباس شهاب الدين أحمد بن بدر الدين محمد بن أحمد بن محمد المعروف بابن المحب المصري الفقيه الإمام العلامة الفاضل، مولده سنة 870 هـ، وتوفي سنة نيف و 960 هـ. (شجرة النور الزكية ص 280).

115 - أحمد بن أبي يحيى بن محمد الشريف العالم العلامة قاضي الجماعة بغرناطة أبو جعفر ابن الإمام العلامة المحقق المفسر أبي يحيى ابن الإمام الأوحد العلامة الشريف التلمساني

115 - أحمد بن أبي يحيى بن محمد الشريف العالم العلامة قاضي الجماعة بغرناطة أبو جعفر ابن الإمام العلامة المحقق المفسر أبي يحيى ابن الإمام الأوحد العلامة الشريف التلمساني (¬1). أخذ عن الإمام الحفيد ابن مرزوق، وله مراجعة وبحث بها مسألة المتيمم يدخل بها الصلاة ثم يطلع عليه رجل بالماء، كما نقل ذلك في المعيار. ولم أقف على وفاته، ثم رأيت في وفاة الونشريسي ما نصه: وفي سنة خمس وتسعين وثمانمائة توفِى الفقيه الإمام أبو العباس أحمد بن سيدي أبي يحيى الشريف -اهـ- فتأمله. 116 - أحمد بن علي بن صالح الفيدالي السجلماسي أبو العباس. الفقيه الصالح المقريء المجود الصوفي، وكان نزل بموضع قريب من فاسِ على أميال منه، قال سيدي الإمام أحمد زروق في كناشته: كان شيخنا فقيهًا صوفيًا عالًا صالحًا قدوة متبركًا به عند الكافة ذا دين متين ويقين ثابت، توفِى سنة ستين أو إحدى وستين، وقال: وحدثنا شيخنا أبو عبد اللَّه القوري أن سيدي أحمد -يعني صاحب الترجمة- اجتمع بالشيخ الصالح عمر الرجراجي وتكلم معه في أمر فقال له صاحب الترجمة: يلطف اللَّه فقال له سيدي: من قال لك يلطف اللَّه، فقال له سيدي: حسن الظن باللَّه تعالى أولى من إساءة الظن به- اهـ. قال وحدثني عن والده أنه كان يصلي لركن جامع القرويين فعمل الناس عقدًا بذلك ثم أحضره القاضي فكلمه فقال: أنا مقر بهذا العقد قال: ولم تفعل؟ قال: أنا عارف بعلم القوم وقد أداني اجتهادي بأن القبلة في الموضع الذي أصلي له، وإن كان ثم من يعرف شيئًا نتكلم معه فإما أن يرجع إلى أو أرجع إليه. ¬

_ (¬1) تعريف الخلف 2/ 96، والبستان 44، ونفح الطيب 2: 699، والضوء اللامع 2/ 243، وشجرة النور الزكية 267.

117 - أحمد بن عمر المزجلدي الفاسي

117 - أحمد بن عمر المزجلدي الفاسي (¬1). قال ابن غازي في فهرسته: وقال شيخنا الفقيه الحافظ المحقق المحصل المتفنن النظار المشاور الحجة الأكمل أبو العباس: ما أدركنا بفاس أعلم منه بالمدونة، كانت نصب عينيه يستحضر نصوصها ويمليها عند الحاجة سردًا، وإذا أقرأها تسمع السحر الحلال ينقل كلام شراحها بألفاظهم بلا تكلف ثمَّ يكرّ على أبحاثهم فيبين من أين أخذوها فيقول إنهم فهموها وفسروا بعضها ببعض وكل الصيد في جوف الفرا، ولم يكن يقرر في مجلسه غير ساذج الفقه، وما سمعه قط يلحن ولا سمعت من يقرأ الفقه مثل قراءته ولا من يقرره مثل تقريره أو يحرر كتحريره: * هَكَذا هَكَذا وإلَّا فَلَا [لا] ... طُرُقُ الجدِّ غيرُ طُرقٍ المزاحِ * لَيْسَ التْكَحُّلُ في العينينِ كالكَحَلِ ... في طلعةِ البَدْرِ ما يغنيكَ عن زُحَلِ لازمته بمدرسة مصباح وسمعت منه بعض رزمة البيوع. أدرك من الشيوخ الشيخ الصالح عمر الرجراجي والفقيه الصالح الحاج أبا يعقوب الأغصاوي والشيخ الحاجة المشاور أبا مهدي عيسى بن هلال سأله كثيرًا، والعلامة الأوحد أبا القاسم التازغدري وبه تفقه وغيرهم. وكان زاهدًا مهيبًا صلبًا في الحق، لا تأخذه في اللَّه لومة لائم لا يبالي بأهل الدنيا ولا يعدهم شيئًا، ولد قبل القرن التاسع وتوفي بفاس عام أربعة وستين- اهـ. وقال البدر القرافي: قال ابن الرئيس بعد أن وصفه بأنه محقق المدونة، حكي عنه. أنه يذكر عن بعض شيوخه أنه قال: ما من حكم نزل من السماء إلا وهو في المدونة قال وكذا سمعته من شيخنا الفقيه الحافظ أبي الحسن علي بن منديل المغيلي- اهـ. ومَزْجَلَد، بميم مفتوحة وزاي ساكنة ثم جيم مفتوحة ثم لام، وضبطه السخاوي بزايين بينهما جيم ولام على صورة مزجزلدي- اهـ. ¬

_ (¬1) انظر ألف سنة من الوفيات ص 146، 258، شجرة النور الزكية ص 385.

118 - أحمد بن سعيد القيخمسي المكناسي الخطيب شهر بالحباك

قلت: والجيم في ذلك معقود قريب من الكاف ولذلك ينقط بعضهم تحته ثلاث نقاط تنبيهًا على ذلك، واللَّه أعلم. 118 - أحمد بن سعيد القيخمسي المكناسي الخطيب شهر بالحباك (¬1). خطيب جامع القرويين بعد العبدوسي، كان فقيهًا متصوفًا شاعرًا فصيحًا ظريفًا علامة، نظم مسائل ابن جماعة في البيوع وقال الشعر النفيس في التصوف وغيره عزل هو والفقيه القوري القاضي الجنياري في يوم واحد ثم طلب لإمامة الأندلس فأبى وقال: إن كان عزلي بجرحة فلا يحل لكم تقديمي وإن كان عن غير جرحة فقبولي من قلة الهمة، وكان يدرس بالمدرسة المتوكلية المعروفة بأبي عنان وكان أخوه محمد بن سعيد مشهورًا بالصلاح وكان قد تلمذ وهو صغير لسيدي سليمان الذي قال فيه ابن عباد: ما أعلم أحدًا في هذا الوقت أعلم منه بمواجيد القلوب، ولم يفارقه حتى توفي ومولده سنة أربع وثمانمائة وتوفي في حدود سبعين وثمانمائة، فسنه نيف وستون، صح من كناشة سيدي أحمد زروق -رحمه اللَّه- قال ابن غازي في فهرسته: كان من آيات اللَّه في النبل والإدراك مع حفظ وافر من الأدب، وله ذوق في التصوف، وكان صنو شيخنا القوري نشأ معه على أشياخه المكناسيين الآتي ذكرهم في ترجمته وأيضًا عن أخيه لأبيه وعن أخيه الشيخ الفقيه الصالح الرباني أبي عبد اللَّه محمد ابن سعيد لازمته واستفدت منه كثيرًا ونظم بيوع ابن جماعة محررة بما وضع عليه الإمام القباب في رجز عذب بليغ أجادته وغاية، قرأته عليه وأصلح أشياء وأجازنيه، وإنشاداته وإفاداته كثيرة، ولد بمكناسة في أوائل هذا القرن وتوفي في حدود سبعين منه بفاس اهـ. قلت: والقيجميسي -بفتح القاف والجيم بينهما ياء مثناة تحتية ساكنة فميم مكسورة فياء ساكنة فسين بعدها ياء النسبة، هكذا قرأته بخطه. ¬

_ (¬1) فقيه صوفي شاعر، توفي بفاس سنة 870 هـ عن نيف وستين سنة، من آثاره: نظم مسائل ابن جماعة في البيوع. (أخبار مكناس 1: 313 - 315).

119 - أحمد بن محمد بن عبد الله التجاني

119 - أحمد بن محمد بن عبد اللَّه التجاني (¬1). بكسر الفوقانية والجيم المشددة، نسبة إلى قبيلة بالمغرب، كذا ذكر البقاعي، ويعرف بابن كحيل التونسي أخذ النحو عن أبي الحسن المعروف بابن سمعت والنطق والكلام عن الآبي والفقه عن القلشاني وأبي القاسم العبدوسي وأبي يوسف يعقوب الزغبي وأبي عبد اللَّه ابن مرزوق العجيسي وغيرهم، وألف في الفقه كتابًا سماه المقدمات في مجلد لطيف، وآخر في الوثائق العصرية، وفي التصوف سماه عون السائرين إلى الحق. ولد في ربيع الأول سنة اثنين وثمانمائة وتوفي سنة تسع وستين وثمانمائة -اهـ- من السخاوي. قال البقاعي: ولد بتونس. 120 - أحمد بن يونس بن سعيد القسنطيني عرف بأبيه (¬2) تفقه بمحمد بن محمد بن عيسى الزيلدوي وأبي القاسم البرزلي ابن غلام اللَّه القسنطيني وقاسم الهزميري، أخذ عن الأول الحديث والعربية والأصلين والبيان والنطق والطب، وأخذ شرح البردة وغيرها من مؤلفها أبي عبد اللَّه بن مرزوق الحفيد لما قدم عليهم وأخذ عن البساطي شيئًا من العقليات، وله من المؤلفات رسالة في ترجيح ذكر السيادة في الصلاة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الصلاة وغيرها، وله أجوبة عن أسئلة وردت من صنعاء شملها ورد "المغالطات الصنعانية" وقصيدة في مدحه -صلى اللَّه عليه وسلم- مطلعها: يا أعظم الخلق عند اللَّه منزلة ... ومن عليه الثنا في سائر الكتب ولد سنة ثلاث عشر وثمانمائة وتوفي في شوال سنة ثمان وسبعين وثمانمائة، صح من الضوء اللامع للسخاوي. قلت: وهو أخذ عنه السيد الشريف نور الدين السمهودي الشافعي، ¬

_ (¬1) انظر ألف سنة من الوفيات ص 261، درة الحجال 1: 88. (¬2) هو أحمد بن يونس بن سعيد بن عيسى بن عبد الرحمن شهاب الدين القسنطيني ويعرف بابن يونس، عالم بالعربية والحساب والنطق: (انظر الضوء اللامع 2/ 244 ونفح الطيب 5/ 428 وتعريف الخلف 2/ 100 وشجرة النور الزكية 259 وتاريخ الجزائر العام 2/ 285 ومعجم المؤلفين ومعجم أعلام الجزائر 260).

121 - أحمد المرجولي

والإمام أحمد زروق، والشمس التتاني ونقل عنه في باب الحج من شرح المختصر وغيرهم. 121 - أحمد المرجولي. قال الشيخ أبو العباس زروق في كناشته: كان من المدريين يقال إنه يحفظ المدونة عن ظهر قلب ويستحضر شراحها- اهـ. 122 - أحمد بن عبد اللَّه الجزائري الزواوي (¬1). الشيخ الفقيه الولي الصالح أبو العباس ظريف العارفين، صاحب العقيدة المنظومة اللامية المشهورة، قال فيه بعض العلماء: وقد ذكر أبا زيد عبد الرحمن الثعالبي هو نظيره علمًا وعملًا، وقال الشيخ زروق: كان شيخنا أبو العباس أحمد الجزائري من أعظم العلماء اتباعًا للسنة وأكبرهم حالًا في الورع، وكان يشير علينا بأن ينبغي لمن وسع اللَّه عليه من الدنيا أن يظهر عليه أثر نعمة اللَّه عليه باستعمالها على وجه يباح ولا يخل بالحق ولا بالحقيقة بأن يلبس أحسن لباس جنسه أو وسطه ويتخذ مرفعة إن أمكن يجعلها عدته وأصل لباسه فما دام غنيًا عنها استغنى وإلا فهو المرجع عنده- اهـ. وقد شرح الإمام السوسي المنظومة المذكورة شرحًا حسنًا وأثنى فيه على ناظمها بالعلم والصلاح. وتوفي سنة أربع وثمانين وثمانمائة بعد الشريف التلمساني. 123 - أحمد بن عبد الرحمن بن موسى بن عبد الحق اليزلتني عرف بحلولو القروي (¬2). قال السخاوي: ذكر تلميذه أحمد بن حاتم المغربي أنه شرح مختصر خليل وجمع الجوامع لابن السبكي وتنقيح القرافي والإشارات للباجي وعقيدة ¬

_ (¬1) فقيه متكلم، من تصانيفه كفاية المريد في علم الكلام، معجم المؤلفين 1: 286 وكشف الظنون 1501 - 1539 وبروكلمان 2/ 252. (¬2) معجم المؤلفين 1: 269، 270، وتكميل الصلحاء للقيرواني ص 13، وأعلام ليبيا ص 37، 38، وتاريخ ليبيا الإسلامي ص 507، ومقدمة تحقيق الشيخ أحمد الخليفي لفتاوى حلولو.

الرسالة، وأنه في سنة خمس وسبعين في قيد الحياة لا يقصر سنه عن الثمانين، ولي قضاء طرابلس سنين ثم عزل عنها ورجع لتونس فتولى مشيخة مدارس أعظمها المنسوبة لقائد ينيل عوضًا عن إبراهيم الأخضري وهو أحد الأئمة الحافظين لفروع المذهب- اهـ. قلت: له شرحان على المختصر كبير في ستة أسفار وقفت على أجزاء منه حسن مفيد فيه أبحاث وتحرير، يعتني بنقل التوضيح وابن عبد السلام وابن عرفة ويبحث معهم وينقل الفقه المتين. وشرح آخر مختصر في سفرين، وله أيضًا شرحان على أصول السبكي وقفت على الصغير في سفر حسن مفيد، ومختصر نوازل البرزلي في سفر، أخذ عن الحافظ البرزلى والإمام عمر القلشاني والإمام قاسم العقباني والفقيه أبي القاسم ابن ناجي وغيرهم، وأخذ عن الإمام زروق وغيره. فائدة: لا بأس بذكرها هنا لا ذكر خليل في مختصره أنه لا يقبل شهادة عالم على مثله جريًا على ما حكاه ابن عات عن الشعباني لأنهم يتحاسدون كالضرائر والحسود ظالم لا تقبل شهادته على من ظلمه، قال صاحب الترجمة: هذا كلام ساقط ويكفي في إبطاله تناقض بعضه لبعض لأنه أثبت لهم وصف الظلم ومن ثبت ظلمه لا يشهد على أحد ولا تجوز روايته لأن الظلم فسق، وهو مانع من الشهادة وذلك يناقض قوله أولًا تجوز شهادته في كل شيء وَرَدُّ شهادتهم على الإطلاق لم يقل به أحد، وقد نقل هذا القول المتيطي عن الثوري ومالك بن دينار، وهذا الكلام إن أريد به من ثبت ذلك بينهم فغير مختص بهم وإن أريد بذلك العموم فقول معارض لأدلة الشرع، وما أحسبه يصدر من عالم ولعله وهم من النقلة، وبماذا يخرج نفسه منهم لأن قائله إن كان عالمًا فقد دخل في ذلك فقوله غير مقبول، وإن كان غير عالم فلا عبرة بقوله، وكيف يصح أن يقال يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله وقد قال عليه السلام: العلماء ورثة الأنبياء، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وقال: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا} الآية.

124 - أحمد بن محمد بن زكري المانوي التلمساني

وأدلة الشرع طافحة بشرف أهل العلم فكيف تنسب هذه الأقبوحة إليهم على الإجمال؟ أو لم يزل الأشياخ قديمًا وحديثًا ينكرون ذلك، ومنهم من يتأولها على من ثبت ذلك بينهم وهو تأويل بعيد لعدم اختصاصه بهم، ولولا أن المصنف، يعني خليلًا، ذكر ذلك ما كتبته وليته لم يذكره، وفي مختصر ابن عرفة العمل خلافه، وفي أسئلة شيخنا البرزلي كان شيخنا الغبريني ينكر هذا القول- اهـ. قلت: قوله: وهو تأويل بعيد لعدم اختصاصه بهم. . الخ يقال: لا استبعاد فإنه وإن لم يختص بهم لكن نصوا عليه لئلا يتوهم أن قيام وصف العلم بهم يوجب أخذ قولهم وإن ثبت تحاسدهم، أخذًا بظاهر الأحاديث والآيات، فنصوا على طرح شهادة من ثبت ذلك بينهم وإن أنصفوا بالعلم دفعًا لما سبق تأمله على أنه جاء في حديث نافع عن ابن عمر مرفوعًا: "يأتي على الناس زمان يحسد الفقهاء بعضهم بعضًا ويغار بعضهم على بعض كتغاير التيوس بعضهم على بعض" رواه الحاكم في تاريخه والخطيب، كما في الجامع الكبير للسيوطي، وذكره أيضًا في كتاب الترغيب والترهيب في ذم الحاسد. وأمَّا ما ذُكر من حديث يحمل هذا العلم. . . الخ فكأنه نحا فيه منحى ابن عبد البرّ في حمله الحديث على الخبر، وقد رُدَّ عليه ذلك بما هو معلوم وأن الحديث إنما هو أمر أي ليحمل، وسيأتي في ترجمة القاضي الفشتالي كلام له في هذه المسألة خلاف ما قال صاحب الترجمة، إن شاء اللَّه تعالى. 124 - أحمد بن محمد بن زكري المانوي التلمساني (¬1). علّامتها ومفتيها العالم الحافظ المتفنن الإمام الأصولي الفروعي الفسر الأبرع المؤلف الناظم الناثر، أخذ عن الإمام ابن مرزوق والمفتي الحجة قاسم العقباني، والعلامة الصالح أحمد زاغو والعالم الأعرف المفتي محمد بن العباس وغيرهم، ويذكر أنه كان في أول أمره حائكًا فدفع له شيخه ابن زاغو غزلًا ينسجه له، ثم إنه حضر عند ابن زاغو يطلب منه غزلًا يكمل به فوجده ¬

_ (¬1) البستان 38 ودرة الحجال 1/ 90 وتعريف الخلف 38 وشجرة النور الزكية 267 وكشف الظنون 1157 ومعجم المؤلفين 2/ 103، ومعجم أعلام الجزائر 159.

125 - أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي الشهير بزروق

يدرس ويقرر قول ابن الحاجب، وخرج في الجميع قولان فأشكل معناه على الطلبة وعسر عليهم فهمه، فقال له ابن زكري: أنا فهمته ثم قرره أحسن ما ينبغي فقال له الشيخ مثلك يشتغل بالعلم لا بالحياكة، وكانت أم زكري أيمًا فذهب إليها الشيخ ابن زاغو وحضها أن تحرض ولدها على طلب العلم فاشتغل حينئذ بالعلم فكان منه ما كان، وله تآليف كتأليفه في مسائل القضاء والفتيا وبغية الطالب في شرح عقيدة ابن الحاجب والمنظومة الكبرى في علم الكلام تنيف على ألف وخمسمائة بيت وغيرها، وله فتاوى كثيرة منقولة في المعيار وغيره. توفي في صفر سنة تسع وتسعين وثمانمائة، قاله الونشريسي في وفياته، وقال تلميذه أحمد بن أطاع اللَّه: توفي سنة تسعمائة وأخذ عنه خلق من أجلهم الإمام أحمد زروق والخطيب العلامة محمد بن مرزوق حفيد الحفيد، والشيخ العالم أبو عبد اللَّه الإمام محمد بن العباس وغيرهم، ووقع له منازعة ومشاحة مع الإمام السنوسي في مسائل كل يرد على الآخر، لولا خوف الطول لذكرنا بعضها. 125 - أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي الشهير بزروق (¬1). الإمام العالم الفقيه المحدث الصوفي الولي الصالح الزاهد القطب الغوث العارف باللَّه الحاج الرحلة المشهورة شرقًا وغربًا ذو التصانيف العديدة والمناقب الحميدة والفوائد العتيدة، قد عرف بنفسه وأحواله وشيوخه في كناشته وغيرها، فقال: ولدت يوم الخميس طلوع الشمس ثامن وعشرين من المحرم سنة ست وأربعين وثمانمائة، وتوفيت أمي يوم السبت بعده وأبي يوم الثلاثاء بعده كلاهما في سابعي، فبقيت بعين اللَّه بين جدتي الفقيهة أم البنين فكفلتني حتى بلغت العشر وحفظت القرآن وتعلمت صناعة الخرز ثم نقلني اللَّه بعد بلوغي سادس عشر إلى القراءة فقرأت الرسالة على الشيخين: على السطي وعبد اللَّه الفخار ¬

_ (¬1) البستان ص 45، سلوة الأنفاس 3: 183، طبقات الشاذلية 123، وانظر أحمد زروق والزروقية لعلي فهمي خشيم.

قراءة بحث وتحقيق والقرآن على جماعة منهم: القوري والزرهوني وكان رجلًا صالحًا، والمجاصي والأستاذ الصغير بحرف نافع واشتغلت بالتصوف والتوحيد فأخذت الرسالة القدسية وعقائد الطوسي على الشيخ عبد الرحمن المجدولي وهو من تلاميذ الآبي وبعض التنوير على القوري وسمعت عليه البخاري كثيرًا وتفقهت عليه في كل أحكام عبد الحق الصغرى وجامع الترمذي، وصحبت جماعة من المباركين لا تحصى كثرة بين فقيه وفقير -اهـ- ملخصًا. وقال فيه الشيخ ابن غازي: صاحبنا الأود الخلاصة الصفي الفقيه المحدث الفقير الصوفي البرنسي، وبرنس، بنون مضمومة بعد الراء، نسبة إلى عرب بالمغرب، انتهت فهرسته. وقال الحافظ السخاوي: أخذ على القوري وكتب على حكم ابن عطاء اللَّه وعلى القرطبية في الفقه ونظم فصول السلمي- اهـ. قلت: ومن شيوخه، كما ذكره هو، الشيخ الإمام عبد الرحمن الثعالبي والولي إبراهيم التازي والمشذالي والشيخ حلولو والسراج الصغير والرصاع وأحمد بن سعيد الحباك والحافظ التنسي والإمام السنوسي وابن زكري وأبو مهدي عيسى المواسي، وبالمشرق عن جماعة كالنور السنهوري والحافظ الدميري والحافظ السخاوي والقطب أبي العباس أحمد بن عقبة الحضرمي، وولي اللَّه الشهاب الأنشيطي في جماعة آخرين. وأما تآليفه فكثيرة يميل إلى الاختصار مع التحرير ولا يخلو شيء منها عن فوائد غزيرة وتحقيقات مفيدة سيما في التصوف، فقد انفرد بمعرفته وجودة التأليف فيه، فمنها شرحان على الرسالة وشرح إرشاد ابن عسكر وشرح مختصر خليل رأيت مواضع منه بخطه عن الأنكحة والبيوع وغيرها، وشرح الوغليسية وشرح القرطبية وشرح الغافقية، وشرح العقيدة القدسية للغزالي، ونيف وعشرون شرحًا على الحكم وقفت على الخامس عشر والسابع عشر منها، وأخبرني والدي -رحمه اللَّه تعالى- أن بعض المكيين أخبره أن له عليها أربعًا وعشرين شرحًا وشرحان على حزب البحر وشرح الحزب الكبير لأبي الحسن الشاذلي وشرح مشكلاته، وشرح الحقائق والدقائق للمقري، وشرح قطع الششتري وشرح الأسماء الحسنى وشرح المراصد في

التصوف لشيخه ابن عقبة، والنصحية الكافية لمن خصه اللَّه بالعافية ومختصره، وإعانة التوجه المسكين على طريق الفتح والتمكين، وكتاب القواعد في التصوف وهذه الثلاثة في غاية النبل والحسن سيما الأخير لا نظير له وكتاب النصح الأنفع والجنة للمعتصم من البدع بالسنة، وكتاب عدة المريد الصادق من أسباب المقت في بيان الطريق و"ذكر حوادث الوقت" كتاب جليل فيه مائة فصل بين فيه البدع التي يفعلها فقراء الصوفية، وله تعليق لطيف على البخاري قدر عشرين كراسًا اقتصر فيه على ضبط الألفاظ وتفسيرها، وجزء صغير في علم الحديث، وله رسائل كثيرة لأصحابه مشتملة على حكم ومواعظ وآداب ولطائف الخصوف مع الاختصار قلّ أن توجد لغيره، وبالجملة فقدره فوق ما يذكر ومن تفرغ فذكر حاله وفوائده وحكمه ورسائله جمع منها مجلدًا، ولعلنا نفردها بتأليف إن يسره اللَّه تعالى. وهو آخر أئمة الصوفية المحققين الجامعين لعلمي الحقيقة والشريعة له كرامات عديدة وحج مرات، وأخذ عنه جماعة من الأئمة كالشمس اللقاني والعالم محمد بن عبد الرحمن الحطاب والزين طاهر القسنطيني وغيرهم، وقد أجازني سيدي الشيخ الصوفي أحمد بن أبي القاسم الهروي التادلي ما أجازه شيخه التعريف الخروبي تلميذ زروق عنه. توفي بتكرين من عمل طرابلس في صفر عام تسعة وتسعين وثمانمائة ووجدت منسوبًا إليه من نظمه قوله (¬1): ألا قَدْ هجرتُ الخلقَ طُرًا بأسرِهمْ ... لعلِّي أرى محبوبَ قَلْبي بمقلتي وخلَّفْتُ أصحابي وأهلي وجيرتي ... وَيَتَّمْتُ نَجْلي واعتزلتُ عشيرتي ووجهتُ وجهي للذي فَطرَ السَّما .... وأعرضتُ عن أفلاكها المستنيرة وعلقتُ قلبي بالمعالي تَهَمُّمًا ... وكوشفثُ بالتحقيق من غير مريةٍ وقُلَّدتُ سيفَ العزِّ في مجمع الوغى ... وصرتُ إمامَ الوقتِ صاحبَ رفعةٍ ومُلِّكتُ أرض الغربِ طُرًا بأسْرِها ... وكلُّ بلاد الشَّرق في طيِّ قبضتي فملكنيها بعضُ من كانَ عارفًا ... وخلفني فيها بأحسنِ سيرةِ ¬

_ (¬1) نفى الدكتور علي فهمي خشيم نسبة هذه القصيدة إلى زروق (أحمد زروق ص 86)، وهو في ذلك مصيب لمخالفتها لمنهجه الصوفي المنكر لهذه الدعاوى.

فأرفعُ قدرًا ثمّ أخفضُ رتبةً ... لأرفعَ مقدارًا بأرفعِ حكمتي وأعزلُ قومًا ثم أودي سواهم ... وأُعلي منارَ البعضِ فوقَ المنصةِ وأَجبُرُ مكسورًا وأشهرُ خاملًا ... وأرفعُ مقدارًا بأرفعِ همتي وأقْهَرُ جَبَّارًا وأدْحَضُ ظالما ... وأنظرُ مظلومًا بسلطانِ سطوتي وألهمتُ أسرارًا وأُعطيتُ حكمةً ... وحزتُ مقاماتِ العُلَا المستنيرةِ أنا لمريدي جامعٌ لشتاتِهِ ... إذا ما سَطَا جورُ الزمانِ بنكبةِ وإن كنتَ في كربٍ وضيقٍ ووحشةٍ ... فنادِ أيا زروقُ، آتِ بسرعةِ فكم كربةٍ تُجلى بمكنونِ عِزِّنَا ... وَكَمْ طرفةٍ تُجنى بأفرادِ صحبتي ومن كلامه -رحمه اللَّه- في بعض رسائله: طفت مشارق الأرض ومغاربها في طلب الحق واستعملت جميع الأسباب المذكورة في معالجة النفس بقدر الإمكان في مرضاة الحق، فما طلبت قرب الحق بشيء إلا كان مبعدي ولا عملت في معالجتها بشيء إلا كان لها معينًا، ولا توجهت لإرضاء الخلق إلا كان غير موف بالمقصود، ففزعت إلى اللجأ إليه -عَزَّ وَجَلَّ- في الجميع فخرجت بفضل ذلك علة رؤية الأسباب ففزعت إلى الاستسلام فخرج لي منه رؤية وجودي وهو رأس العلل فطرحت نفسي بين يدي الحق -سبحانه- طرحًا لا يصحبه حول ولا قوة فصح عندي أن السلامة من كل شيء بالتبري من كل شيء، والغنيمة من كل شيء بالرجوع إلى اللَّه في كل شيء اعتبارًا بالحكمة والقدرة وقيامًا مع الطباع بشواهد الانطباع، ولما يرد منه تعالى أمرًا ونهيًا وخيرًا وقهرًا وعبودية لا تصحبها رؤية، ورؤية لا يصحبها اعتماد واتساعًا لا يصحبه ضيق، وضيقًا لا يصحبه اتساع ممتثلًا في ذلك قول القائل: قَدْ كُنتُ أحسبُ أنَّ وصلَكَ يُشْتَرَى ... بنفائِسِ الأموالِ والأرباحِ وظننتُ جهلًا أن حبِّك هيِّنٌ ... تُفنى عليه كرائمُ الأرواحِ حتى رأيتُكَ تجتبي وتخصُّ من ... تختارُهُ بلطائفِ الأمناحِ فعلمتُ أنك لا تُنالُ بحيلةٍ ... فلويتُ رأسي تحت طيِّ جناحِي وجعلتُ في عشِّ الغرام إقامتي ... فيهِ غدوِّي دائمًا ورواحي

126 - أحمد بن حاتم السطي نزيل القاهرة

ويذكر عن شيخه العارف باللَّه سيدي زيتون أنه قال فيه: إنه رأس السبعة الأبدال نفعنا اللَّه به. 126 - أحمد بن حاتم السطي نزيل القاهرة (¬1). أخذ بتلمسان عن جماعة كالعلامة محمد بن أحمد بن قاسم العقباني ومحمد بن الجلاب، وحضر بتونس مع إبراهيم الحضرمي وقرأ بطرابلس الغرب على أحمد حلولو المغراوي وإبراهيم الباجي، مولده في جمادى الثانية سنة إحدى وخمسين وثمانمائة -اهـ- من السخاوي. 127 - أحمد بن يوسف بن علي البرلسي. نسبة لقرية من قرى مصر عرف بالأقطع، ولد بالبرلس ونشأ بها فقرأ على الفقيه علي المنطرح وكان رجلًا صالحًا وحفظ أصلي ابن الحاجب وألفية ابن مالك والشذور، وأخذ عن محمد الرياحي المغربي تلميذ ابن مرزوق نزيل برلس ثم قدم القاهرة بعد وفاته في أواخر أيام البساطي، فأخذ عن عبادة وطاهرة وتصدر في بلده وغيرها للإقراء وانتفع به الطلبة وتخرج به فضلاء، قال السخاوي: وأخبرني أنه جمع كتاب الوعظ سماه نزهة النظار في المواعظ والأذكار في مجلدين وأنه شرح مقدمة العقائد للشيخ عبد العزيز الديريني والأجرومية وقواعد القاضي عياض لكنه لم يكمل، ومنظومة في الفرائض أولها: الحمد للَّه العلي ذي الكرم ... حمدًا يوافي ما لنا من النعم وشرحها ولد سنة تسع عشرة وثمانمائة- اهـ. قال الداودي توفي سابع شوال سنة إحدى وتسعمائة. 128 - أحمد بن عيسى الماواسي البطوي الفقيه أبو العباس (¬2). توفي سنة إحدى عشرة وتسعمائة. ¬

_ (¬1) الضوء اللامع. (¬2) انظر ألف سنة من الوفيات 156، 280، أعلام الجزائر ص 67، تعريف الخلف 2: 69، البستان ص 51.

129 - أحمد بن محمد الطرطوشي القاضي أبو العباس

129 - أحمد بن محمد الطرطوشي القاضي أبو العباس (¬1). توفي عام عشرة وتسعمائة. 130 - أحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الواحد بن علي الونشريسي (¬2). العالم العلامة حامل لواء المذهب على رأس المائة التاسعة، أخذ عن شيوخ بلده تلمسان كالإمام أبي الفضل قاسم العقباني وولده القاضي العالم أبي سالم العقباني وحفيد الإمام العلامة محمد بن أحمد بن قاسم العقباني والإمام محمد بن العباس والعالم أبي عبد اللَّه الجلاب والعالم الخطيب الصالح ابن مرزوق الكفيف والغرابلي والمزي وغيرهم، ثم حصلت له كائنة من جهة السلطان في أول محرم عام أربع وسبعين فانتهبت داره وفرّ إلى مدينة فاس فاستوطنها. قال أحمد المنجوِر في فهرسته: وأكب على تدريس المدونة وفرعي ابن الحاجب، وكان مشاركًا في فنون العلم إلا أنه لما لازم تدريس الفقه يقول من لا يعرفه أنه لا يعرف غيره، وكان فصيح اللسان والقلم حتى كان بعض من يحضره يقول: لو حضر سيبويه لأخذ النحو من فيه، وتخرج به جماعة من الفقهاء كالفقيه أبي عباد بن مليح اللمطي قرأ عليه ابن الحاجب، والشيخ المتفنن الأستاذ أبي زكرياء السوسي، والفقيه المحدث محمد بن عبد الجبار الورتد غيري، والفقيه عبد السميع المصمودي، والفقيه العلامة القاضي محمد بن الغرديسي التغلبي وبخزانة هذا الرجل انتفع لاحتوائها على تصانيف الفنون بها استعان في تصنيف كتابه المعيار سيما فتاوى فاس والأندلس فإنما تيسرت له من هذه الخزانة وأخذ عنه ولده عبد الواحد أيضًا- اهـ. قلت: أما فتاوى افريقيا وتلمسان فاعتمد في ذلك على نوازل البرزلي والمازوني فيما يظهر لمن طالعهما، وله تآليف كثيرة منها المعيار المغرب عن فتاوى علماء افريقيا والأندلس والمغرب في ستة أسفار جمع فأوعى وحصل فوعى، وتعليق على ابن الحاجب الفرعي في ثلاثة أسفار، ووقفت على بعضها، وغنية ¬

_ (¬1) انظر ألف سنة من الوفيات 154 - 279. (¬2) معجم المؤلفين 2: 205، البستان ص 54، فهرس الفهارس ص 87، بروكلمان 2: 348، جذوة الإقتباس ص 81، الاستقصا 2: 182، تعريف الخلف 1: 58.

131 - أحمد بن محمد بن يوسف الصنهاجي

المعاصر والتالي على وثائق الفشتالي، وكتاب القواعد في الفقه صغير محرر ووثائقه المسماة بالفائق في أحكام الوثائق ولم يكمل، وتأليف له في الفروق في مسائل الفقه وقفت عليه وغيرها. توفي عام أربعة عشر وتسعمائة، وفي هذه السنة استولى الفرنج على مدينة وهران، فكّ اللَّه أسرها، وعمره نحو ثمانين سنة، أخبرنا بذلك صاحبنا الشيخ المسن مفتي فاس محمد بن قاسم القصار الفاسي. زادني بعض أصحابنا أن وفاته يوم الثلاثاء موفى عشرين من صفر وأنجب ولده عبد الواحد، وسيأتي في حرف العين. 131 - أحمد بن محمد بن يوسف الصنهاجي (¬1). شهر بالدفون الفقيه الأستاذ الراوية الشاعر الخطيب بجامع القرويين بفاس، أخذ عن الأستاذ الصغير قرأ عليه بالسبع وقارب الختم فمات الشيخ فكمّل على ابن غازي وروى عن الإمام المواق فهرسته، وكان مقرئًا كثير المزح، روى عنه أبو القاسم بن إبراهيم وغيره، توفي مهل شعبان عام إحدى وعشرين وتسعمائة، كذا كتبه لي صاحبنا المؤرخ محمد بن يعقوب الأديب. 132 - أحمد بن محمد بن الحاج البيدري التلمساني (¬2). علامتها بلا مدافع أخذ العلم عن ابن ذكري والتنسي والسنوسي وطبقتهم، وكان إمامًا فاضلًا علامة متفننًا له تآليف ومسائل وتعاليق في فنون وكلام محقق على الرسالة، وأنت خير منزول به على ماذا يعود ضمير به حققه غاية. لم أقف على ولادته ووفاته. 133 - أحمد بن محمد بن محمد بن مرزوق الكفيف ولد العالم ابن مرزوق ابن الإمام الشهير الحفيد ابن مرزوق (¬3). كان نجيبًا صالحًا من أهل تلمسان، أخذ عن والده الكفيف وعن ¬

_ (¬1) شجرة النور الزكية ص 273. (¬2) تعريف الخلف 2/ 39 والبستان 8 ومعجم المؤلفين 2/ 151 وإيضاح المكنون 1/ 148 ومعجم أعلام الجزائر 67. (¬3) انظر المسند الصحيح الحسن في مآثر ومحاسن مولانا أبي الحسن لابن مرزوق ص 57.

134 - أحمد بن محمد بن علي الشيخ شهاب الدين الفيشي الأزهري

السنوسي والتنسي وابن زكري ومات مغبوطًا به، وقع اسمه في فهرست ابن غازي، ووصفه بالفقيه أبي العباس ونقل عنه صاحب أبي عبد اللَّه بن العباس في مسائله، وتوهم الشيخ بدر الدين القرافي هذا المصري العصري أنه ولد الإمام الحفيد ابن مرزوق وليس كذلك بل هو حفيده ولد ولده الكفيف، كما علمت واللَّه أعلم. 134 - أحمد بن محمد بن علي الشيخ شهاب الدين الفيشي الأزهري (¬1). لازم السنهوري حتى برع وأشير إليه بالفضيلة في فنون، أخذ عن عبد الحق السنباطي قرأ عليه ألفية العراقي وغيرها، أقرأ الطلبة فقهًا وغيره مع تعفف وقناعة، وأقبل عليه البرهان اللقاني، (صح من السخاوي). زاد بعضهم أنه ناب في الحكم بمصر واشتهر بالمهارة فيه وصار مرجع المالكية في الفقه وتلمذ له أعيانه، ثم لما استولى السلطان سليم بن عثمان المملكة على مصر مريدًا سلطانها الغوري الجمريشي أخذه وأمثاله ممن له وجاهة بمصر إلى طرف الروم وبها توفي، أخذ عنه الشيخ الأجهوري، له تقييد على توضيح خليل الخ. 135 - أحمد بن عمر بن محمد أقيت بن عمر بن علي بن يحيى التكروري التنبكتي عرف بالحاج أحمد (¬2). أكبر الأخوة الثلاثة المعروفين في قطرهم بالعلم والدين والد والدي -رحمه اللَّه- كان رحمه اللَّه خيرًا فاضلًا صالحًا متورعًا محافظًا على السنة والمروءة والصيانة والتحري محبًا في النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وصحبه ملازمًا لقراءة قصائد مدحه مشبعًا لذلك ولقراءة الشفاء لعياض على الدوام، معتنيًا به فقيهًا نحويًا لغويًا عروضيًا محصلًا بارعًا، حافظًا معتنيًا بتحصيل العلم ونسخ كتبه، كتب بخطه عدة دواوين كثيرة وجمع كثيرًا من الفوائد والتعاليق. أخذ العلم عن جده لأمه، وكان قاضي تنبكتو وعلى أهل ولاتن، ¬

_ (¬1) الضوء اللامع 2: 156. (¬2) شجرة النور الزكية 278.

136 - أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن أحمد بن داود البلوي أبو جعفر

والنحو عن خاله الفقيه مختار، ثم ارتحل للشرق فحج عام تسعين وثمانمائة ولقي السيوطي وخالد الأزهري شارح التوضيح وغيرهم، ثمَّ آب لبلاده في زمن فتنة سنين عالي الخارجي فجلس للتعليم فأخذ عنه جماعة منهم أخوه الفقيه القاضي محمود بن عمر قرأ عليه المدونة وغيرها، ولم يزل دؤوبًا مجتهدًا في تعليم العلم وتحصيله حتى توفي ليلة الجمعة من ربيع الثاني عام اثنين وأربعين وتسعمائة عن نحو ثمانين سنة، وطلب للإمامة فامتنع فضلًا عن غيرها وترك أولادًا نجباء، رحمهم اللَّه تعالى. ومن كراماته، كما اشتهر عند الناس، أنه لما زار القبر الشريف طلب الدخول في داخله فمنعه القيمون منه فجلس على الباب يمدحه -صلى اللَّه عليه وسلم- فانفتح الباب وحده بلا تسبب من أحد فتبادر الحاضرون بتقبيل يده، هكذا سمعت الحكاية من والدي وغيره، وهي مشهورة عند الناس، وحدثني والدي -رحمه اللَّه- أنَّه سأله عنها فسكت فلم يجبه. 136 - أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن أحمد بن داود البلوي أبو جعفر (¬1). وصفه الشيخ ابن غازي في فهرسته بالفقيه المتفنن المشارك الحجة الجامع الضابط الناظم الناثر البليغ الأكمل الأدري- اهـ. قلت: أخذ عن والده العالم أبي الحسن وعن العالم الصالح أبي الحسن القلصادي وعن أبي محمد عبد اللَّه بن إبراهيم الجابري الغرناطي، وعن الإمام المواق، وبتلمسان عن الكفيف ابن مرزوق وأجازه ابن غازي. وستأتي ترجمة أبيه في حرف العين، ارتحل مع أبيه واخوته من غرناطة بعد التسعين وثمانمائة فنزلوا بتلمسان، وأخذ عمن أدرك من شيوخها حينئذ، ثم ارتحل إلى بلاد المشرق، وله شرح الخزرجية في العروض وغيره، ولم أقف على وفاته. ¬

_ (¬1) من تصانيفه شرح على الخزرجية في العروض، وفرائد الفوائد في فنون غير واحد. معجم المؤلفين 1: 316، كشف الظنون 1136، 1243.

137 - أحمد بن محمد الحباك

137 - أحمد بن محمد الحباك (¬1). الأستاذ الفقيه الصالح الفاسي، روى عن الأستاذ الفقيه أبي الرفيع سليمان بن أبي يعرس اليزناسني والإمام ابن غازي وغيرهما، وأخذ عنه الشيخ الصالح أبو شامة بن إبراهيم وأجازه وغيره، وكان قوامًا بالحق مغيِّرًا للنكر، آية من الآيات لا تأخذه لومة لائم، توفي مسمومًا سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة، كذا بخط صاحبنا المؤرخ محمد بن يعقوب الأديب -رحمه اللَّه- وكذا قال تلميذه أبو عبد اللَّه الدقاق وزاد في المحرم أو صفر- اهـ. 138 - أحمد بن علي بن قاسم الزقاق (¬2). التجيبي الفاسي أبو العباس الفقيه الحافظ، أخذ عن أبيه أبي الحسن وغيره وتفقه عليه جماعة من أهل فاس، ونوظر عليه وألف شرحًا على منظومة أبيه وشرح بعض الرسالة والمدونة ومختصر خليل، أخبرني صاحبنا الحاج الرحلة قاضي سلا أحمد بن أبي العافية شهر بابن القاضي -حفظه اللَّه تعالى- أنه رأى قطعة منه في سبع عشرة كراسًا من القالب الكبير وفيه كتاب الطهارة فقط- اهـ. ورحل صاحب الترجمة وحج ولقي الناس، قال الشيخ المنجور في فهرسته: شرح أبو العباس الزقاق منظومة والده المسماة "المنهج المنتخب في قواعد المذهب" شرحًا مختصرًا رشيقًا وصل منه نحو النصف ومات ولم يكمله، وأخذ عنه ابن أخيه الحافظ عبد الوهاب الزقاق ولازمه وتوفي سنة اثنين وثلاثين وتسعمائة أو في التي قبلها- اهـ. 139 - أحمد بن موسى بن عبد الغفار (¬3). عرف بجده الشيخ شرف الدين العلامة الفهامة نادرة الزمان في فنون، ¬

_ (¬1) هو أحمد بن محمد الحباك الفقيه الأستاذ النحوي، كان قوّالا للحق، توفي بفاس مسمومًا. جذوة الإقتباس 1: 133. (¬2) من تصانيفه: شرح منظومة أبيه سماها بـ "المنهج المنتخب في قواعد المذهب" ولم يكمله، وشرح بعض الرسالة والمدونة ومختصر خليل. معجم المؤلفين 8: 277. (¬3) أحمد بن عبد الغفار المالكي (شهاب الدين) كان حيًا 937 هـ/ 1530 م، فقيه له "إزالة الغشاء عن حكم طواف النساء بعد العشاء. معجم المؤلفين 8: 277، وتوشيح الديباج للقرافي ص 67.

140 - أحمد بن محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن حرة المديوني الوهراني

ولد بمصر وتوطن طيبة عاكفًا صلى الطاعة ميترددًا إلى مكة، أقرأ العلوم وصار إليه المرجع في تلك الأماكن المطهرة، له من المصنفات شرحان على لمع ابن الهائم في الحساب مشهورهما الصغير ووسيلة الوسيلة فيه، ونظم الدرر المنثور في عمل المناسخة في الصحيح والكسور وسلك الدارين في حل النيرين ومختصره وشرح موشح السيوطي في النحو ورسالة في رفع القنطرات لم تكمل، ورسالة في تركيب الأنعام ومؤلف في عدم منع النساء من صلاة العشاء سماه كشف الغشاء -اهـ- من ذيل القرافي. قلت: أخذ عنه العلامة محمد الحطاب نقل عنه أبحاثًا نفيسة في شرح المختصر في الأنكحة وغيرها. 140 - أحمد بن محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن حرة المديوني الوهراني (¬1). أخذ عن الإمام السنوسي مقدمته الصغرى، وعن الكفيف ابن مرزوق، وهو الذي يطالع له، وأخذ التصوف عن ابن تازغدرت، وهو أحد تلاميذ إبراهيم التازي، وأخذ أيضًا عن الشيخ محمد بن موسى تلميذ السنوسي. وتوفي سنة إحدى وخمسين وتسعمائة، وأخذ عنه الشيخ المنجور وذكره في فهرسته. 141 - أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد (¬2). عرف بابن المحب المصري الشيخ أصيل الدين ابن الشيخ بدر الدين ابن الشيخ أحمد محب الدين المتقدم جده قريبًا، قال البدر القرافي: أخذ الفقه عن الأخوين الشقيقين العلامتين الشمس اللقاني والناصر اللقاني، وأخذ عن الأخير تهذيب البراذعي بتمامه والعربية والمعقولات عن الشيخ شقير نزيل البرقوقية، وكتب الخط الحسن وناب في الحكم بمصر وباشر بشهامة وعفة ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: شجرة النور الزكية ص 279، أعلام الجزائر ص 114، البستان ص 52، تعريف الخلف 2: 75، جذوة الإقتباس ص 81، التحفة المرضية ص 69. (¬2) هو أبو العباس شهاب الدين بن أحمد بن بدر الدين بن محمد بن أحمد بن محمد المعروف بابن المحب المصري، الفقيه الإمام، ناب في الحكم بمصر. شجرة النور الزكية 280 والضوء اللامع 2/ 88 وتوشيح الديباج ص 62.

142 - أحمد العيسى

وتصلب في الحق وبعد صيته وأمعن في التعزير وأقام الحدود وصار من أعيان مصر مع تثبت في الدين وإحاطة بالعلوم العقلية، أكثر من الفقه، ثم ترك القضاء واستمر على الخير والدين إلى أن توفي سنة نيف وستين وتسعمائة، ومولده في حدود السبعين وثمانمائة- اهـ. 142 - أحمد العيسى (¬1). أحد علماء هذا القرن العاشر، أخذ العلم عن أبي عبد اللَّه ماغوش عالم تونس وغيره، وتوفي عام اثنين وسبعين مسجونًا. 143 - أحمد بن الحسن بن عبد الرحمن بن عبد العزيز التسولي، الفقيه الأستاذ النحوي (¬2). روى عن الدقون وابن غازي وعنه صاحبنا الشيخ محمد القصار مفتي فاس وغيره، وقال صاحبنا محمد يعقوب: توفي بفاس في رجب عام تسعة وستين وتسعمائة. 144 - أحمد بن أحمد بن عمر بن محمد أقيت بن عمر بن علي بن يحيى (¬3). والدي الفقيه العالم ابن الفقيه العالم ابن أحمد الفقيه أبي حفص، كان -رحمه اللَّه- علّامة فهامة ذكيًا دراكًا محصلًا متفننًا محدثًا أصوليًا بيانيًا منطقيًا مشاركًا، أخذ عن إمام بلده وبركة عصره عمه محمود بن عمر وغيره، ورحل سنة ست وخمسين للشرق فحج وزار ولقي هناك جماعة كالناصر اللقاني والشريف يوسف الأميوطي تلميذ السيوطي وجمال الدين ابن الشيخ زكرياء والشيخ التاجوري والأجهري وتلك الطبقة واستفاد منهم خلق كأمين الدين الميموني وابن حجر المكي والملائي وبركات الحطاب وعبد العزيز اللمطي وعبد المعطي السخاوي وعبد القادر الفاكهاني وغيرهم، وأجازه بعضهم ولازم ¬

_ (¬1) أبو العباس العيسى أخذ عن الرصاع وغيره. شجرة النور الزكية رقم 1063. (¬2) فقيه نحوي محدث، (جذوة الإقتباس ص 134). (¬3) محدث فقيه أصولي نحوي لغوي عروضي منطقي. من تصانيفه شرح تخميسات العشرينيات الفازارية في مدح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يكمله وغير ذلك. (تعريف الخلف 2: 67، معجم المؤلفين 2: 33).

145 - أحمد بن سعيد سبط سيدي البركة محمود بن عمر

أبا المكارم محمد البكري وتبرك به وقيد عنه فوائد ثم رجع لبلاده فقعد للتدريس والإفادة قليلًا وألف شرح تخميسات العشرينيات الفازازية لابن مهيب في مدحه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يكمل وشرح منظومة المغيلي في المنطق شرحًا جامعًا حسنًا، وكتب حاشية على شرح التتائي علي خليل نبه فيه على مواضع السهو منه، وقطعًا على مواضع من خليل وشرحًاً يسيرًا جدًا على جمل الخونجي وفي الأصول وغيرها، وعلى الصغرى للسنوسي والقرطبية، وجلس لإسماع البخاري في رجب وتالييه نحو خمسٍ وعشرين سنة ثم مسلم كذلك حتى توفي في شعبان عام إحدى وتسعين وتسعمائة، ثقل عليه لسانه وهو يقرأ صحيح مسلم في الجامع يوم الخميس ثالث عشر منه فأشار عليه شيخنا العلامة محمد بغيع فقطع القراءة وكان جالسًا بحذائه، ثم توفي ليلة الاثنين بعده سابع عشر من الشهر. أخذ عنه جماعة منهم العلامتان الصالحان الفقيهان الاخوان شيخنا محمد وأخوه أحمد ابنا الفقيه محمود بغيع قرآ عليه الأصول والبيان والمنطق وغيرها، والفقيهان الاخوان القرينان عبد اللَّه وعبد الرحمن ابنا الفقيه محمد بن عمرت، وحضرت أنا عليه أشياء عدة وأجازني جميع ما يجوز له وعنه وكتب لي بخطه وسمعت بقراءته الصحيحين والموطأ والشفاء. مولده في الحرم فاتح تسعة وعشرين وتسعمائة، ورأيت بعد وفاته بمدة بعض معارفي ممن مات بعده في عالم النوم وسألته عن حال جماعة ماتوا من أهل بيتنا وغيرهم فأخبرني بحالهم وقلت ما حال والدي فقال: أُعطي والدك أفضل مما أعطي الفقيه أحمد بن سعيد حفيد الفقيه محمد، فرآني كأني أتعجب من ذلك فقال لي: كذلك كان- اهـ. ثم بعد ذلك أخبرني بعض الناس أنه رأى تلك الرؤية قالها لي ابتداء من غير أن أخبره برؤيتي، فقوي ظني بذلك والمواهب بيد اللَّه سبحانه. 145 - أحمد بن سعيد سبط سيدي البركة محمود بن عمر. كان عالمًا -رحمه اللَّه- بالفقه مطلعًا عليه حافظًا مدرسًا، حضر على جده

146 - أحمد بن علي بن عبد الله المنجور

لامه في الرسالة وخليل مدة، ثم أخذ عن غيره المختصر والمدونة وقعد وجلس للتدريس من عام ستين إلى وفاته في المحرم فاتح ست وسبعين وتسعمائة، وتزاحم عليه الناس وانتفعوا به أخذ عنه الاخوان الشقيقان الفقيهان شيخنا العلامة محمد وأخوه أحمد قرآ عليه الموطأ والمدونة ومختصر خليل وغيرها، وله استدراكات في الفقه وحاشية لطيفة على خليل اعتنى فيها بالنقل واعتمد على نقل البيان والتحصيل. مولده عام أحد وثلاثين، أدركته وحضرت درسه وأنا صغير -رحمه اللَّه. 146 - أحمد بن علي بن عبد اللَّه المنجور (¬1) عرف بالمنجور الفاسي آخر فقهاء المغرب ومشاركيهم في الفنون فقهًا وأصولًا وبيانًا وقراءة وعربية وفرائض وحسابًا ومنطقًا وعروضًا، إلى مطالعة التواريخ والحديث، خدم العلم عمره حتى صار بآخرة شيخ الجماعة، قال تلميذه الشريف عبد الواحد الفيلالي في فهرسته بعد ذكره كثيرًا مما قرأ عليه وسمعت منه من غرر الفوائد ودرر الفرائد ما لو تعرضت لكتبه لخرجت عن حد الإكثار وهو نهاية في تحقيق ما ينقل ويقول، مشارك في فنون العلم له في كل منها الحظ الأوفر والنصيب الأكبر إلى مزيد تحقيق وتدقيق في كل ما يتعاطاه من ذلك ما ليس لغيره، وله عناية عظيمة بالمطالعة والإقراء لا يمل ولا يضجر، منصفًا في المراجعة جنوحًا إلى الصواب مهما تعين وعند من تعين، صدوقًا في النقل متثبتًا في الإملاء قوي الإدراك ثابت الذهن صافي الفهم، وهو وإن كان معه في بعض الأوقات حدة تمنع المتعلم من مراجعته والإكثار من مباحثته فهو مغتفر في جانب محاسنه، استفدنا منه فوائد جمة وفتح بصائرنا وسمعنا منه علمًا غزيرًا في الأدب والتاريخ والعروض وغيرها بمراكش وفاس، ألف مراقي المجد في آيات السعد وشرح المطول ومختصرًا على قصيدة عقيدة العالم الحجة أحمد بن ذكري في الكلام، وشرحًا ظريفًا لقواعد الزقاق المنظومة ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: أخبار مكناس 1: 319، وسلوة الأنفاس 3: 60، وبروكلمان 11: 697، وفهرس الفهارس 2: 6، ومعجم المؤلفين 2: 10. وذكر ترجمته مختصرة في "وجه الابتهاج" ص 79 وهو مما يدل على أن وجه الابتهاج كتاب آخر غير النيل وإن كان يشتمل على كثير من تراجمه كالكفاية.

في الفقه وحاشية لطيفة على شرح الإمام السنوسي لكبراه في علم الأصول- اهـ. قلت: له حاشيتان وشرح على القواعد الصغرى للزقاق وشرح على منظومة الونشريسي لقواعد أبيه وفهرست شيوخه، أخذ عنه طلبة العصر وفقهاؤه ممن لقيناهم وغيرهم كصاحبنا قاضي الجماعة الفقيه الفهامة أبي عبد اللَّه الرجراجي وصاحبنا قاضي تأمسنا إبراهيم الشاوي وصاحبنا قاضي الجماعة بفاس بلقاسم ابن النعيم وصاحبنا قاضي سلا ومكناسة أحمد بن أبي العافية وغيرهم، فهو آخر الناس بفاس لم يخلف بعده مثله -رحمه اللَّه-. مولده عام ستة وعشرين وتوفي نصف ذي القعدة ليلة الاثنين سنة خمس وتسعين وتسعمائة. من نظمه، جوابًا عن سؤال بعض السنوسيين سأل عنها قاضي الجماعة بفاس عبد الواحد الحميدي: إلىَ عِلْمِكَ العَالي المسائلُ تَرْتَقي ... تَفَطَّنْ لها يا أحمديُّ وأَصْدقِ فَما الحكمُ في الأوزاغِ هَلْ سَاغَ أكْلُهَا ... وَمَا الحكمُ في مَوْتِ المجانينِ فانْطِقِ وَهَلْ جَازَ للمسبوقِ بَعْدَ تشَهُّدٍ ... دُعَاءٌ إذا مَا رامَ إكْمَالَ ما بَقي وَمَا وَزْنُ لَيْسَ يا حَبيبُ وَأصْلُهُ ... وَمَا جَمْعُ [تَقليل] (¬1) لصاع فحقق وَما وَزْنُهُ شَمِّرْ ولا تَأْنِ وأتِنا ... بجمعٍ سَواءٍ والمُقَيدَ أطْلقِ وبيَّنْ لَنَا (مِنْ) في أعوذ بِرَبِّنَا ... مِن ابليسَ والتخمينَ في الكلِّ فاتَّقِ فأجاب صاحب الترجمة: جَوابُكَ في الأولى إباحَةُ أكْلِهَا ... ومستقذرٌ كُلٌ (¬2) يُباحُ فَصَدِّق وأنْكَرَ في التنبيهِ نجلُ بشيرِهمْ ... إضافةَ ذا للمذهب افهم ودقق (¬3) وقد قيلَ في الأوزاغِ يحرمُ أكْلُها ... وذلك في الكافي ليوسفَ فارتقِ وَمَيّتُ مجنونٍ جَرَى خلفُ حُكْمِهِ ... بعلمِ كلامٍ لا تكنْ غيرَ مُتَّقِ وتحقيقُها أنَّ الجنونَ الذي طَرا ... يصيرُ كموتٍ فَصِّلِ الحقَّ تعبقِ ¬

_ (¬1) في الأصل: قلة وبه يختل الوزن وإن سلم المعنى. (¬2) كُلّ: كذا ولعلها "أكل". (¬3) لا يخفى ما في وزن البيت من خلل وضعف ولو قال: "إضافة ذا للمالكيِّ فدقق" لسلم له الوزن والمعنى ولعله كذلك في الأصل.

147 - إسماعيل بن الأمير يوسف ابن السلطان محمد بن الرئيس الأمير أبي سعد فرج أمير مالقة ابن الأمير إسماعيل بن يوسف المعروف بابن الأحمر من ذرية سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي

فآونةً بعدَ البلوغ طُرُوُّهُ ... وحينًا يُرَى قبلَ البلوغِ فَطَبِّقِ وآونة إثرَ الصَّلاحِ وقوعُهُ ... وحينًا بعصيانِ الكبيرةِ يَلْتَقي وحينًا يدوم [لِلْمُلِمِّ] (¬1) وتارةً ... يفيقُ فَخُذْ حكمَ الجميعِ ووَثِّقِ ويندبُ للمسبوقِ دعوى تشهد ... وفاتَ إمامٌ في الثلاثةِ فارتقِ وليسَ لهُ فعلٌ بحالٍ وأصلُهُ ... بكسر ليَاءٍ فاكسرِ العَيْنَ ترتَقِ وَجَمْعُكَ صاعًا في القليلِ بأصْوُع ... وسَوِّغْ لهمزِ الواوِ نَهْجًا ونَمِّقِ وإن شثتَ فاقلبهُ فيرجعُ آصُعًا ... لضابطِ تصريفٍ فللعلمِ شَوِّقِ وصاعٌ كعامٍ عينُهُ فرعُ ضمةٍ ... وتحريكُهُ فتحٌ فَزِنْهُ وَحَقِّقِ ومقصودُ مِنْ في العَودِ بدءٌ لغايةٍ ... فإبليسُ مبدأ العوْدِ عِنْدَ الموفقِ وجَمْعُ سواء فالذي منه جامدٌ ... بأفعلةٍ فاعلمْ يقاسُ فَفَرِّقِ ومشتقّهُ وزنُ الخطايا قياسُهُ ... (سوائيه نقل فللمدح فانطقِ) (¬2) يعني أن المشتق جمعه مسموع، وأمَّا الجامد فلم يسمع له جمع لكن قياسه أفعلة كأقبية، وهذه الأبيات أرويها عن صاحبنا قاضي تأمسنا إبراهيم الشاوي عنه. 147 - إسماعيل بن الأمير يوسف ابن السلطان محمد بن الرئيس الأمير أبي سعد فرج أمير مالقة ابن الأمير إسماعيل بن يوسف المعروف بابن الأحمر من ذرية سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي (¬3). كان في بني مرين في جندهم أخذ عن جماعة ابن رضوان وأبي سعيد بن عبد المهيمن الحضرمي وابنه عبد المهيمن وأبي المكارم منديل ابن آجروم وأبي الحسن بن عطية وأبي زيد المكودي والفقيه انقشابو وغيرهم، ذكرهم في برنامجه. له تآليف أدبية كمستودع العلامة ومستبدع العلامة ذكر فيه من تولى ¬

_ (¬1) في الأصل: "للملمات". (¬2) في هذا الشطر خلل في الوزن ناتج عن تحريف لم نتبين وجه الصواب فيه. (¬3) هو أبو الوليد: مؤرخ أديب نسابة، توفي بفاس سنة 807 هـ = 1404 م. من آثاره: نثير الجمان ومستودع العلامة وحديقة النسرين في أخبار بني مرين وغير ذلك. (درة الحجال: 1: 116، جذوة الاقتباس ص 99، نثير فرائد الجمان ص 61).

148 - إسحاق بن إبراهيم بن يعمور السعيدي الغماري أبو إبراهيم.

العلامة من الكتاب عن الملوك، وحديقة النسرين في دولة بني مرين وآخر سماه روضة النسرين في أخبار بني عبد الوادي وبني مرين، ونظم وشرحه على منهاج رقم الحلل لابن الخطيب وعرائس الأمراء ونفائس الوزراء، وشرح البردة وتأنيس النفوس في إكمال نقط العروس ونثير الجمان فيمن ضمه وإياه الزمان من أهل النظم، كان معتنيًا بالتقييد. توفي بفاس عام عشر وثمانمائة، قاله صاحبنا محمد بن يعقوب الأديب. 148 - إسحاق بن إبراهيم بن يعمور السعيدي الغماري أبو إبراهيم. سمع بسبتة من ابن عبد اللَّه وتفقه بمرسية عند ابن عبد الرحيم، ولي قضاء فاس وسبتة وشلب، وكان قائمًا على المدونة يقال: إنه كان يستظهرها، ولي آخر عمره قضاء بلنسية سنة ست وستمائة. قال ابن الأبار: لم تطل ولايته لأشياء نُقمت عليه وصرف بابن مناصب، ثم ولي قضاء جيان، تفقه بأبيه وغيره وذكره ابن خليل في شيوخه وأثنى عليه بالحفظ، فقد في كائنة العقاب يوم الاثنين رابع عشر صفر سنة تسع وستمائة. قلت: وكائنة العقاب هي الواقعة المبيرة حصلت على المسلمين بالأندلس مع الناصر بن المنصور الموحدي. 149 - إسحاق بن يحيى بن مطر الورياغلي أبو إبراهيم الأعرج (¬1). أخذ عنه الشيخ أبو الحسن الصغير وغيره، وله طرر على المدونة، وكان آية فيها. توفي بفاس، والدعاء عند قبره مستجاب، سنة ثلاث وثمانين وستمائة، صح من خط صاحبنا المؤرخ ابن يعقوب الأديب. ¬

_ (¬1) عرف بالأعرج وكان آية اللَّه في المدونة وفقيه فاس. من تصانيفه: الطرر على المدونة. (درة الحجال 1: 307، 390).

حرف الباء الموحدة

حرف الباء الموحدة 150 - بركات الباروني الجزائري يكنى أبا الخير، شارح ابن الحاجب (¬1). قال الونشريسي: سمعت شيخنا الحاج القاضي أبا عبد اللَّه العقباني يحكي أن الشيخ أبا الخير بركات الباروني الجزائري كان من العلماء الجلة الأعلام، وممن وضع على فروع ابن الحاجب شرحًا في سبعة أسفار وأنه كان يأخذ الأجرة على الفتوى بتلمسان حين نقله سلطانها أبو حمو موسى بن يوسف من بلده لتلمسان ثم غفل عنه- اهـ. ونقل عنه المازوني وفي المعيار فتاوى، وزعم بعض من اختصر الديباج أنه هو محمد بن محمد اليحصبي الباروني التلمساني المذكور في آخر المحمديين من الديباج، وعندي أنهما رجلان شرحا ابن الحاجب فأبو عبد اللَّه اليحصبي التلمساني استقر آخرًا بالجزائر، وصاحب الترجمة أبو الخير جزائري نقل منها لتلمسان، هذا ما يظهر لي، واللَّه أعلم. 151 - بهرام بن عبد اللَّه بن عبد العزيز بن عمر بن عوض (¬2). قاضي القضاة بمصر الشيخ تاج الدين أبو البقاء الدميري الإمام الحافظ العلامة، اشتغل كثيرًا وأخذ عن شيوخ عصره كالشيخ خليل والشرف الرهوني ¬

_ (¬1) أبو الخير الباروني فقيه معاصر لأبي حمو مولى سلطان تلمسان. (أعلام الجزائر ص 98). (¬2) هو مالكي قاهري مؤلف شامل في الفقه والشرح والمناسك. (شجرة النور الزكية 239، توشيح الديباج ص 83، رفع الاصر 1/ 155، الضوء اللامع 3/ 219).

وإبراهيم القبيلي وغيرهم، قال ابن حجر في أنباء الغمر: كان فاضلًا في مذهبه برع فيه وأفتى ودرس بالشيخونية وولي قضاء المالكية سنة إحدى وتسعين وتوجه مع القضاء إلى الشام بجواب الظاهر، فلما عاد الظاهر عزله وقد جاوز السبعين إذ مولده سنة أربع وثلاثين، ممن سمع النهاني وتفقه على الرهوني، وله نظم وكان محمود السيرة- اهـ. زاد السيوطي في تاريخ مصر: صنف الشامل في الفقه وشرح المختصر وأصول ابن الحاجب والألفية وغيرها، مات سنة خمس وثمانمائة- اهـ. قال الشيخ زروق: شرح الإرشاد في ست مجلدات وجمع كل ما حصله في شامله- اهـ. قال الشيخ أبو البركات النالي: هو أجل من تكلم على مختصر خليل علمًا ودينًا وتأدبًا وتفننًا، مستحضرًا المدونة وشراحها، معتمدًا على ابن عبد السلام وخليل، سهل العبارة حسن التعبير والإشارات، فاضل في المذهب محقق ثبت صحيح النقل تخرج بخليل وتفقه به، فشرحه الكبير كافل بتحصيل المطالب مغن عن غيره، وهو والصغير من الكتب المعتمد عليها في الفتوى، وقال الشيخ أبو الجود المصري: لما روى قاسم العقباني الشرح الصغير بالقاهرة قال أعجبني بهرام ثلاث مرات وكان ممن سهل له التأليف فصنف الشامل من أجل تصانيفه جمعًا وتحصيلًا وشرحه في عشرة أجزاء ضاع منه جزء في أثنائه وأوراق من مواضع شتى، وله عمر مبارك غير أنه -كما قال بعض الفضلاء- إنما عرف بحسن الاطلاع لا بقوة النظر والانزاع كما يظهر من كتبه، ورأيته بخطه أنه ما كتب الشرح الكبير إلا عن رؤية قال رأيت الشيخ في المنام ناولني ورقة وقال لي يا بهرام اكتب شرحًا على المختصر ينتفع به الناس فانتبهت واستخرتِ اللَّه تعالى فشرح صدري لذلك- اهـ. ولذا انتفع به الناس شرقًا وغربًا غير أنه لم يصحح شرحيه. قال لي أبو الجودانة بلي بحسد المغاربة لأنه شيخ الشيخونية في موضع شيخه وكان فيها فضلاء مغاربة مصاعدة مرتبين فطلب منهم أن يصحح الشرحين بين يديه على عادة المشايخ قال لأنه شرح ظريف يرغب فيه فأبوا عليه وقالوا: لا تقرأ كتبك ولا كتب شيخك ولا ابن عرفة بين أيدينا ولا

نسمع إلا كتاب ابن عبد السلام فما فوقه، فصرف همته لتصفيف الشامل وشرحه ولم يعاود النظر في الشرحين -اهـ- كلام أبي البركات. قال شيخ شيوخنا محمد بن محمد الحطاب: ألَّف بهرام على المختصر ثلاثة شروح وصار بها غالبه في غاية البيان والوضوح واشتهر الأوسط منها، غاية في جميع الأقطار مع أن الصغير أكثرُ تحقيقًا- اهـ. وذكر أبو الحسن الشاذلي المنوفي في شرح خطبة خليل: إن الشرح الأصغر طرر على نسخة خليل جمعها الإسحاقي فجاء شرحًا مستقلًا- اهـ. قال ابن حجر: وصنف المناسك مجلدًا وشرحها ثلاثة أسفار وكانت ولايته بعد برقوق وإرساله للكرك فلما عاد للسلطنة عزله وولى الركراكي ثم ولاه منطاش بعد وفاة ابن خير سنة إحدى وتسعين في سلطنة المنصور حاجي بن شعبان فلما خرج لقتال برقوق لما ظهر من الكرك استصحب معه الخليفة وقضاة القضاة فأصاب القاضي بهرام طعنة في صدره وأخرى في شدقه، فلما استولى برقوق على الخليفة والقضاة صحبوه إلى القاهرة وبهرام في غاية الضرر من الطعنتين فاستمر عليلًا وصرف في ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين فاستمر معزولًا عن الحكم متفرغًا للاشتغال بالعلم وشغل الطلبة إلى أن مات نصف جمادى الأخيرة سنة خمس وثمانمائة، كذا أرخه البشبيشي، وقال المقريزي: في سابع ربيع الأول. وكان لين الجانب عديم الشر كثير الخير قل أن يمنع سائلًا يسأله في شيء يقدر عليه- اهـ. قال السخاوي: وله الدرة الثمينة نحو ثلاثة آلاف بيت وشرحها بخطه عليها- اهـ. قال البدر القرافي: أخبرت أن بعض شيوخ شيوخنا [كان] له التفات إلى تعقب عبارته فرأى في النوم قائلًا يقول له: لا تعترض على بهرام فإنه رجل صالح- اهـ. أخذ عنه جماعة كالشمس البساطي وغيره.

152 - بلقاسم بن محمد بن عبد الصمد الزواوي المشذالي البجائي، والد العلامة محمد بن بلقاسم صاحب تكملة حاشية المدونة للوانوعي الآتي.

152 - بلقاسم بن محمد بن عبد الصمد الزواوي المشذالي البجائي، والد العلامة محمد بن بلقاسم صاحب تكملة حاشية المدونة للوانوعي الآتي. أخذ صاحب الترجمة عن العالمين أحمد بن عيسى وعبد الرحمن الوغليسي وغيرهما، وأخذ عنه الإمام أبو زيد الثعالبي وغيره، وكان موصوفًا بحفظ المذهب وهو في بجاية كالبرزلي بتونس، انتفع به جماعة منهم ولده الإمام العلامة محمد بن بلقاسم الآتي. 153 - بلقاسم بن محمد الزواوي (¬1). من أكابر أصحاب الإمام السنوسي وقدمائهم، أخذ عنه محمد بن عمر الملالي أبو البركات بن أبي يحيى بن أبي البركات التالي التلمساني شارح خطبة خليل، أخذ عن الإمام ابن مرزوق الحفيد والحجة قاسم العقباني والفقيه المحقق سليمان البوزيدي الشريف وغيرهم، رحل للشرق ودرس هناك خليلًا واعتنى به أي بالشرح الكبير لبهرام وتصحيحه ولقي جماعة كالشيخ أبي الجود الفرضي وأبي القاسم النويري وغيرهما، ألَّف شرحًا على الرجز للضريري المراكشي في علم البيان، ولم أقف على وفاته وأنجب ولده محمد وسيأتي. 154 - بركات بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب (¬2). الطرابلسي الأصل المكي المولد الفقيه الصالح العالم العلامة المفتي المعمر، أخذ عن والده وغيره لقيه والدي وغيره من أصحابنا وأجازهم، وألف المنهج الجليل في شرح مختصر خليل في أسفار أربعة، توفي بعد الثمانين وتسعمائة عن عمر عال، أخذ عنه ابن أخيه العالم يحيى الحطاب شيخنا بالإجازة. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: البستان ص 71، إعلام الجزائر ص 161. (¬2) انظر ترجمته في: شجرة النور الزكية ص 279، اعلام ليبيا 112.

الكنى

الكنى 155 - أبو بكر بن عبد الودود الحاناتي. من حفاظ المدونة القائمين عليها، توفي بعد السبعمائة. من خط بعض أصحابنا. 156 - أبو بكر بن أحمد بن عمر بن محمد أقيت التنبكتي الأصل (¬1). نزيل المدينة الشريفة، عمي الرجل الصالح الزاهد الورع المتقي الأواه الولي المبارك، نشأ -رحمه اللَّه ونفعنا به- خيّرًا صينًا ورعًا متواضعًا معروف الصلاح متين الدين مبرزًا فيه، لم يزل عن حاله ولا مال عن الاستقامة بل استمر على حالته المرضية من نشأته إلى وفاته، ارتحل للشرق وحج وجاور ثم رجع لبلاده فبقي نحو أربعة أشهر ثم رحل بأولاده وعياله للمدينة الشريفة فجاور هناك حتى مات فاتح إحدى وتسعين وتسعمائة، مولده عام اثنين وثلاثين، وهو أول من قرأت عليه علم العربية فنلت بركته ففتح لي فيه في مدة قريبة بلا عناء، وكانت له أحوال جليلة كثير الخوف والمراقبة للَّه والنصح لعباده يردف الزفرات بعضها بعضًا وطلب اللسان بالتهليل على الدوام، من خيار عباد اللَّه الصالحين ذوي المقامات العلية، مال إلى الزهد ورفض الدنيا والرغبة عن زهرتها مع ما أوتي أهل بيته حينئذ من الرئاسة والدولة، ما رأيت قط مثله ولا من يقرب منه في معناه، له تآليف صغار في التصوف وغيره منها: معين الضعفاء في القناعة وغيره. ¬

_ (¬1) هو أخو محمد بن أقيت (شجرة النور الزكية ص 378).

حرف الجيم

حرف الجيم 157 - جعفر بن عبد اللَّه بن محمد بن سيدبونة الخزاعي أبو أحمد الأندلسي (¬1) الولي الشهير أحد الأعلام المنقطعين المقربين أولي الهداية، كثير الأتباع يعيد الصيت فذ شهير، وقال الزبير: أحد الأعلام المشاهير فضلًا وصلاحًا، قرأ ببلنسية وتفقه وحفظ نصف المدونة وأقرأها، يؤثر التفسير والحديث والفقه على غيرها، أخذ عن أبوي الحسن بن النعمة وابن هذيل، حج ولقي جلة أكبرهم الولي الجليل أبو مدين شعيب وانتفع به ورجع عنه بعجائب فشهر بالعبادة وتبرك الناس به فظهرت عليهم بركته. توفي في شوال عام أربعة وعشرين وستمائة عن نيف وثمانين سنة. صح عن الإحاطة لابن الخطيب. 158 - جعفر ابن أبي يحيى أبو أحمد بن يحيى أبو أحمد الأندلسي (¬2). قال القلصادي في رحلته: شيخنا وبركتنا الفقيه الإمام الصدر العلم الخطيب الكبير الشهير، له اعتناء بحفظ الفروع والفرائض والعدد ومشاركة في علم الحديث والقراءة والعربية، قرأت عليه مقالات ابن البناء وتلخيصه والتلمسانية غير مرة وأبعاضًا من الحوفي وفرائض عبد الغافر والتلقين ومختصر خليل إلى النكاح والمواريث منه -اهـ- ملخصًا. ¬

_ (¬1) انظر شجرة النور الزكية ص 178. (¬2) رحلة القلصادي ص 85.

حرف الحاء المهملة

حرف الحاء المهملة 159 - حسن بن بلقاسم بن باديس أبو علي (¬1). ذكره العبدري في رحلته وقال: شيخ من أهل العلم يذكر فقهًا ومسائل، ذا سمت وهيئة ووقار، بقسنطينة سمعته يقول: وقع الكلام بين يدي الإمام أبي الحسن اللخمي في حكم السفر إلى الحج مع فساد الطريق هل الأولى تركه احتياطًا على النفس أو الاستسلام في التوجه إليه؟ ومال اللخمي إلى ترجيح الترك، قال وفي المجلس رجل واعظ فقال يا فقيه تسمع ما أقول؟ فقال نعم فأنشده: إن كان سفك دمي أقصى مرادكم ... فما غلت نظرة منكم بسفك دمي فاستحسن كل من حضر منزعه وانفصل المجلس على أن الأولى تحمل الخطر في التوجه والإعراض عن العوائق- اهـ. وكان ملاقاة العبدري لصاحب الترجمة في أواخر السابع. 160 - حسن بن علي المسيلي (¬2). الشيخ الفقيه القاضي العالم العابد المتفنن المحصل المجتهد الإمام أبو ¬

_ (¬1) وردت ترجمته في: تعريف الخلف 2/ 118 وفيات ابن قنفد 376 ومعجم المؤلفين 3/ 270 وبروكلمان 2/ 166 و 2/ 214 ومعجم أعلام الجزائر 27. (¬2) عنوان الدراية ص 13، 20.

علي، كان يسمى أبا حامد الصغير، جمع بين العلم والعمل والورع، له المصنفات الحسنة والقصص العجيبة منها التذكرة في علم أصول الدين كتاب حمسن من أجلّ الموضوعات في فنه، ومنها النبراس في الرد على منكر القياس كتاب حسن ما ريء في الكتب الموضوعة في هذا الشأن مثله وكتاب في علم التذكير سماه التفكر فيما تشتمل عليه السور والآيات من المبادئ في الغايات، كتاب جليل سلك فيه مسلك إحياء الغزالي وكانت الجن تقرأ عليه، ولي قضاء بجاية. ودخل عليه الموارقة وهو قاضيها فألجأوه لبيعتهم وأكرهوه مع غيره عليها، وكانوا يتلثمون ولا يبدون وجوههم فامتنع من البيعة فقال لا نبايع من لا نعرف هل هو رجل أو امرأة فكشف له المورقي، وهذا منتهى ما بلغ من توقفه، وهو أمر كبير عند مطالبته بالبيعة لولا علو منصبه. وتأخر عن القضاء وبقي على دراسة العلم والاشتغال واحتاج إليه الناس في أمر دينهم فمالوا إليه وعولوا في أمرهم عليه، وكان يقول إذا أشير إليه بالتفرد في العلم والتوحد في الفهم: أدركت ببجاية سبعين مفتيًا ما منهم من يعرف الحسن بن علي المسيلي. ومرض في زمن ولايته القضاء فاستناب حفيده على الأحكام، وكان له نبل فتحاكمت عنده يومًا امرأتان ادعت إحداهما على الأخرى أنها أعارتها حليًا وأنها لم تعده إليها وأنكرت الأخرى، فشدّد على المنكرة وأوهمها حتى اعترفت وأعادت الحلى، وكان من سيرة هذا الحفيد أنه إذا انفصل عن مجلس الحكم يدخل لجده الفقيه أبي علي ويعرض عليه ما يلقي من المسائل، فدخل عليه فرحًا وعرض عليه هذه المسألة، فاشتد نكير الفقيه -رضي اللَّه عنه- وجعل يعتب على نفسه تقديمه وقال له: إنما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- البينة على المدعي واليمين على من أنكر، واستدعى شاهدين وأشهد بتأخيره، وهذا من ورعه ووقوفه مع ظاهر الشرع، وعلى هذا يجب أن يكون العمل، وهو مذهب مالك، وظاهر مذهب الشافعي تجوبز مثل هذا فإنه يرى أن القصد إنما هو الوصول إلى حقيقة الأمر بأي شيء وصل إليه حصل المقصد، ولأجل هذا

161 - حسن بن محمد بن باضة أبو علي الغرناطي رئيس المؤقتين بها

يجيزون قضاء الحكام بعلمهم والحق خلافه لحديث "فإنما أقضي له على نحو ما أسمع". وقريب من هذا ما يحكى أن واليًا كان بالاسكندرية يسمى فراجة وكان بها إذ ذاك الفقيه أبو القاسم بن جارة وكان عالمًا رفيع القدر والهيبة معرضًا عن أبناء الدنيا لا يخاف في اللَّه لومة لائم، فاتفق أن عامل بها رجلًا بياعًا ورفع له درهمًا جعله الرجل في قبضته، ثم لم تتم بينهما المعاملة، فقال له الرجل: اصرف علي درهمي فقال له البياع: لا أعرف الدرهم ولكن هذا مكانه، فحلف الرجل بطلاق زوجته لا يأخذ إلا درهمه بعينه وكثرت بينهما المراجعة إلى أن تداعيا إلى هذا الولي فراجة فوصفا له قصتهما فأطرق ساعة ثم قال للبائع: ادفع للرجل جميع ما في قبضتك من الدراهم ويدفع لك مكانها دراهم من عنده ليتحلل ذلك من يمينه وكانت فتوى مرضية صحبها ذكاء فنهي المجلس بحاله إلى الفقيه أبي القاسم ابن جارة فاستحسن فتواه وصوبها، ثم خاف أن يحمله العجب على أن يفتي في غيرها من المسائل بغير علم ولا موافقة شرعية، فتوجه إلى الولي حتى وصل إلى باب داره فقال له: أنت المفتي بين الرجلين في كذا فقال نعم، فقال له: من أباح لك التسور على فتاوى العلماء والدخول في أحكام الشرع إياك أن تتعرض لما لست له أهلًا، فقال له يا فقيه أنا تائب فقال: أما إذا تبت فانصرف واحتفل بالجد فيما كلفت به ولا تتعرض فيما ليس من شأنك. توفي ببجاية ودفن بباب أنيسون. 161 - حسن بن محمد بن باضة أبو علي الغرناطي رئيس المؤقتين بها (¬1) كان فقيهًا إمامًا في الحساب والهيئة، أخذ عنه الجملة والنبهاء قائمًا على ذلك الفن مع التزام السنة والوقوف عند حدود العلماء، نسيج وحده ورحلة فنه، توفى بغرناطة عام ستة عشر وسبعمائة. صح من الإحاطة. ¬

_ (¬1) هو حسن بن محمد بن باضة (أبو علي) ويعرف بالصعلعل رئيس المؤقتين بالمسجد الأعظم في غرناطة، فقيه، إمام في علم الحساب والهيئة، ماهر في التعديل مع التزام السنة. الإحاطة في أخبار غرناطة 1: 468.

162 - حسن بن حسن البجائي أبو علي الإمام المشهور

162 - حسن بن حسن البجائي أبو علي الإمام المشهور (¬1). قال ابن الخطيب القسنطيني: الفقيه العالم المحصل المحقق الشهير شارح المعالم الدينية- اهـ. أخذ عن الإمام ناصر الدين المشذالي، ولما وردت فتوى ابن عبد الرفيع في مسألة ثبوت الشرف من جهة الأم أمره الإمام ناصر الدين بالجواب عنه فألف فيه رسالة رد فيها على ابن عبد الرفيع. توفي سنة أربع وخمسين وسبعمائة، قاله ابن الخطيب القسنطيني. 163 - الحسن بن أبي بكر بن أبي الحسين الكندي الإسكندري (¬2) ذكره في الأصل في آخر حرف الألف، قال خالد البلوي في رحلته في حقه: العالم الكبير. 164 - الحسن بن عطية التجاني المكناسي المعروف بالونشريسي (¬3). قال ابن الأحمر في فهرسته: شيخنا الفقيه المفتي المدرس القاضي أبو علي ابن الشيخ الصالح عطية، توفي عام أحد وثمانين وسبعمائة، أجازني الموطأ رواية يحيى بن يحيى، أخذ عن الفقيه الإمام العالم المحصل المتكلم النظار المفتي المدرس البحر أبي عبد اللَّه محمد بن أبي الفضل بن الصباغ الخزرجي المكناسي، انتهى. 165 - الحسن بن عثمان بن عطية (¬4). ابن أخي الذي قبله، قال ابن الخطيب السلماني في نفاضة الجراب: كان فقيهًا عدلًا من أهل الحساب والقيام على الفرائض والعناية بفروع الفقه، ¬

_ (¬1) حسن بن حسن البجائي (أبو علي) عالم فقيه، له شرح المعالم الدينية. معجم المؤلفين 3: 214. (¬2) فقيه قاض ومحدث، توفي بالاسكندرية، من آثاره تفسير في عشر مجلدات، (بغية الوعاة ص 233، والديباج 100، وحسن المحاضرة 1: 261). (¬3) ترجم له صاحب سلوة الأنفاس 3: 259 وابن الأحمر في نثير الجمان ص 366. فرضي أديب شاعر من فقهاء المالكية. من آثاره أرجوزة في الفرائض، وشرحها وفتاوى. (¬4) (معجم المؤلفين 3: 244).

من ذوي السذاجة والفضل، يقرض الشعر وله أرجوزة في الفرائض مبسوطة العبارة مستوفية المعنى- اهـ. قال ابن الأحمر: شيخنا الفقيه المفتي المدرس القاضي الفرضي الأدبب الحاج أبو علي بن الفقيه الصالح أبي سعيد عثمان التجاني المنعوت بالونشريسي، أجازني عامة، أخذ عن الفقيه المفتي الخطيب المعمر القاضي المحدث الرواية خاتمة محدثي الغرب أبي البركات بن الحاج البلقيني- اهـ. قلت: ومولده في حدود أربع وعشرين وسبعمائة، وكان حيًا قرب التسعين وسبعمائة. ذكر الونشريسي في المعيار جملة من فتاويه وفتاوى عمه السابق وقال في وثائقه: القاضي العلامة يعني صاحب الترجمة، وقع له قضية مع عدول مكناسة وذلك أن السلطان أبا عنان فارسًا أبر بالاقتصار على عشرة من الشهود بمدينة مكناسة كتب فيهم اسم الشيخ أبي علي هذا فشق ذلك على بعض شيوخ العدول المؤرخين لحداثة سن أبي علي، فلما علم تشنيعهم صنع رجزًا ورفعه إلى مقام السلطان ونصه: نَبْدَأُ أولًا بِحَمْدِ اللَّه ... وَنَسْتَعِينُهُ عَلَى الدَّوَاهي ثُمَّ نُوَالي بالصَّلاةِ والسَّلامْ ... عَلَى النَّبي دُونَهُ كُلُّ الأنَامْ وَبَعْدَ ذَا نَسْألُ رَبَّ العالمينْ ... أَنْ يَهَبَ النَّصْرَ أميرَ المؤمنينْ خَليفَةَ اللَّه أبَا عِنَان ... لَا زالَ في خَيرِ مَعَ الأمَانِ مَلَّكَهُ اللَّهُ مِنَ البِلادِ ... مِنْ سَوس الأقصَا إلى بَغْدَادِ وَيَسَّرَ المَجَازَ والجِهَادَا ... وَجَعَلَ الكُلَّ لَهُ مِهَادَا يَا أيُّهَا الخليفةُ المظفَّرُ ... دُونَكَ أَمْرًا إنَّهُ مُفَسَّر عَبْدُكُمُ نَجْل عَطِيَّةَ الحَسَنْ ... قَدْ قِيلَ لا يَشْهَدُ إلا أنْ يَسِنْ (¬1) وَهُوَ في أَمْرِكُمْ الْمَعْهُودِ ... مِنْ جُمْلَةِ الْعَشَرَةِ الشُّهُودِ نَصَّ عَلَيْهِ أَمْرُكُمْ تَعْيينَا ... وَسنُّهُ قَارَبَ أرْبَعيِنَ (¬2) مَعَ الذي ينتسبُ العبدُ إليهْ ... مِنْ طَلَبِ العِلْمِ وَبَحْثِهِ عَلَيْهِ عَلى الفَرائِضِ لَهُ أرْجُوزَهْ ... أَبْرَزَ في نظَامِها إبْريزهْ ¬

_ (¬1) في وجه الابتهاج ص: 90: (إن أسَنْ). (¬2) في المصدر السابق: الأربعين.

166 - حسن بن أبي القاسم بن باديس

وَمَجْلِسٌ لَهُ عَلَى الرِّسالهْ ... فَكَيْفَ يَرجُو حَاسِدٌ زَوَالَهْ حَاشَا أميرَ المؤمنينَ ذَاكَ ... وعَدْلُهُ قَدْ بَلَغَ السِّمَاكَ وَعلْمُهُ قَدْ طَبَّقَ الآفَاقَا ... وَحِلْمُهُ قَدْ جَاوَزَ العرَاقَا وَجُودُهُ مُشْتَهَرٌ في كُلِّ حَيْ ... قَصَّرَ عَنْ إدْراكِهِ حَاتِمُ طَيْ قلت: ويقال إنه لما وصلت الأبيات للسلطان أمر بإقراره على ذلك، وقد وقفت على رجزه في الفرائض وهو حسن سلس، ورأيت في بعض التقاييد عن ابن غازي ما نصه: حج صاحب الترجمة مع خلق كثير ورجع لفاس وهمَّ أن يتفرغ للعبادة حتى يموت، فقالت له امرأته: إما أن ترجع للقضاء وإما أن تطلقني فإني استأنست أن يخدمني النساء فرجع إلى القضاء فباقي خمسة عشر يومًا ثم مات- اهـ. فنعوذ باللَّه من كيدهن وشرهن. 166 - حسن بن أبي القاسم بن باديس (¬1). قال ابن الخطيب القسنطيني: شيخنا الفقيه القاضى الشهير المحدث أبو علي، روى عن ناصر الدين المشذالي وابن غريون البجائي وابن عبد الرفيع القاضي وغيرهم وفي الأخير عن صلاح الدين العلائي وخليل المكي وابن هشام النحوي، وأخبرني عن ابن هشام هذا أنه ختمت عليه ألفية ابن مالك ألف مرة، على ما أخبره، وكانت ولادته سنة إحدى وسبعمائة، له تقاييد منها: شرح مختصر ابن فارس في السير وأدرك في حداثته من المعارف العلمية ما لم يدركه غيره في سنه، ولغلبة الانقباض عليه قل النفع به لمن أدرك حياته. توفي سنة سبع وثمانين وسبعمائة- اهـ. 167 - حسن بن خلف اللَّه بن حسن بن أبي القاسم بن ميمون بن باديس القيسي القسنطيني (¬2). قال ابن الخطيب القسنطيتي: هو ابن عم السابق وابن خالته شيخنا الفقيه القاضي العدل الخطيب الحاج المرحوم أبو علي، روينا عنه الحديث وغيره، ولد في حدود سبعة وسبعمائة، روى عن ابن غريون وغيره وأخذ عن ¬

_ (¬1) تعريف الخلف 2: 118 بروكلمان 11: 166 ومعجم المؤلفين 3: 270. (¬2) انظر كتاب الوفيات لأبي قنفد ص 376.

168 - الحسن بن مخلوف بن مسعود بن سعيد المزيلي الراشدي أبو علي.

ابن عبد السلام وغيره، وتوفي وهو قاض بقسنطينة عام أربعة وثمانين وسبعمائة -اهـ- من رحلته ووفياته. وقال أبو زكرياء السراج الكبير في فهرسته: شيخنا الفقيه الخطيب المدرس الراوية الحاج الفاضل ابن الشيخ الأجل خلف اللَّه، كان ذا سمت حسن وحال مستحسن، له اعتناء بالعلوم ومشاركة، لقي في رحلته للحجاز أعلامًا كثيرة وأخذ عنهم وأجازوه كأثير الدين أبي حيان والراوية الرحلة ابن جابر القيسي الوادي آشي وابن غريون، ومن المغاربة القاضي الخطيب ابن عبد الرزاق الجزولي والخطيب البليغ الحدث محمد بن أحمد بن مرزوق والخطيب القاضي الأعدل الراوية أبو البركات ابن الحاج البلفيقي والفقيه الحاج الصالح أبو عبد اللَّه بن سعيد الرعيني، والفقيه الحاج الخطيب أبو علي عمر بن محمد عرف بابن البحر، توفي ببلده قسنطينة -اهـ- ملخصًا. 168 - الحسن بن مخلوف بن مسعود بن سعيد المزيلي الراشدي أبو علي. شهر بأبركان ومعناه بلسان البربرية الأسود، الشيخ الفقيه الإمام العالم العلم الولي الصالح القطب الغوث الشهير الكبير، أخذ عن الإمام سيدي إبراهيم المصموري والإمام الحفيد ابن مرزوق وعنه الحافظ التنسي وسيدي علي التالوتي وأخوه لأمه الإمام السنوسي ولازمه كثيرًا وانتفع به. وكان يقول: رأيت المشايخ والأولياء فما رأيت مثل سيدي الحسن أبركان كان لا يخاف في اللَّه لومة لائم، ولا يضحك إلا تبسمًا وكان رحيمًا شفيقًا بالمؤمنين يفرح لفرحهم ويتأسف على ما يسوءهم، له سبعة لا تفارقه، لا يفتر من ذكر اللَّه تعالى طرفة عين، وله قبول عظيم من العامة والخاصة وكان مثابرًا على رسالة ابن أبي زيد وكان إذا دخل عليه السنوسي تبسم له وفاتحه بالكلام ويقول له: جعلك اللَّه من الأئمة المتقين، وله مكاشفات كثيرة وكرامات، منها: ما ذكره السنوسي وأخوه علي قالا: كان يتوضأ في صحراء يومًا فإذا بأسد عظيم قد أقبل فبرك على بساطه فلما فرغ من وضوئه التفت إلى الأسد فقال له: (تبارك اللَّه أحسن الخالقين) ثلاثًا فأطرق الأسد برأسه إلى الأرض كالمستحي ثم قام ومضى.

169 - الحسن بن منديل المغيلي أبو علي.

وذكر السنوسي أيضًا قال: حدثني السيد العلامة الولي سعيد بن عبد الحميد العصنوني بمنزله من ونشريس، وكان من أصحابه القدماء قال: دخلت في يوم حار عليه فوجدته في تعب عظيم والعرق يسيل عليه فقال: أتدري مم هذا التعب الذي أنا فيه؟ قلت: لا يا سيدي فقال: إني كنت آنفًا جالسًا بهذا الموضع فدخل عليّ الشيطان في صورته التي هو عليها فقمت إليه فهرب أمامي فتبعته وأنا أؤذن فما زال يهرب بين يدي ويضرط كما ذكر في الحديث إلى أن غاب عني والآن رجعت من اتباعه. قال السنوسي: ولما قدم من الشرق وجد قرية الجمعة قد خربت وكانت سكنى أسلافه فنزل تلمسان ثم تردد خاطره في الرجوع للقرية لتجديد ما دثر منها قال: فخرجت إليها وجلست معتبرًا في آثارها كيف أخذها الخراب واستولى على أهلها الجلاء وإذا بكلب أقبل وجلس بالقرب مني وحاله في انكسار الخاطر وتغير الظاهر كحالي فقلت في نفسي هل تعود هذه القرية عامرة أم لا؟ فرفع الكلب رأسه وقال لي بلسان فصيح إلى يوم يبعثون أي لا تعود عامرة أبدًا، فلما سمعت نطقه إليّ بذلك رجعت لتلمسان- اهـ. قال القلصادي في رحلته: وحضرت مجلس الولي الصالح الحسن أبركان وشهرته تغني عن تعريفه- اهـ. وذكر الشيخ بن صعد جملة من كراماته في تأليفه روضة النسرين. توفي آخر شوال سنة سبع وخمسين وثمانمائة. 169 - الحسن بن منديل المغيلي أبو علي. قال تلميذه ابن غازي في فهرسته: شيخنا الفقيه الحافظ المكثر الخطيب المدرس العلم العلامة، كان آية في حفظ النقول وسرد نصوص المذهب وأقاويل الشيوخ على رسالة أبي محمد، إذا حرك الكلام في العلم أتى الفيض بالمد، وكان عامة فارس يستفتونه كثيرًا ويقلدونه في دينهم ويصدرون عن رأيه ولا يبدلونه بغيره. والناس أكيس من أن يمدحوا رجلًا ... من غير أن يجدوا آثار إحسان

170 - حسن بن علي الرجراجي الشوشاوي رفيق عبد الواحد بن حسين الرجراجي

بيد أنه نسخ في صغره تأليف الجزولي وصحّفه كثيرًا لصغر سنه ثم حبسه بالخزانة فنُقم عليه وعذره ما ذكر. لازمته بجامع القرويين واستفدت منه، وممن أدركه من شيوخ فاس أبو وكيل ميمون والحافظ الفقيه أبو مهدي عيسى بن علال وأبو زيد عبد الرحمن به تفقه- اهـ. قال الشيخ زروق في كناشته: هو الفقيه الحافظ العلم كان إمامًا بالمدرسة العنانية، صليت خلفه وحضرت مجلسه بجامع القرويين فحزرته بنحو ثلاثة آلاف رجل وسمعته يقول: من سنة ثلاث في هذه المائة وأنا أقرأ حضرته بمسجد آمنة بنت السلطان في تفسير "والليل إذا يغشى" ولم أحفظ مما سمعت منه غير شيء يسير منه حديث أن اللَّه خلق ملكًا الجنة في إحدى منخريه وملكًا يرفع الخلق على زغبة من ريشة من جناحه قالوا: وكان يحفظ الجزولي المسبع على رسالة عن ظهر قلب وكان يغلب نقله حتى يظن أنه يزيد عليه، وكان بينه وبين القوري والمزجلدي منافرة. توفي -رحمه اللَّه- عام أربعة وستين وثمانمائة وقد كبرت سنه- اهـ. 170 - حسن بن علي الرجراجي الشوشاوي رفيق عبد الواحد بن حسين الرجراجي (¬1). له شرح على مورد الظمآن ونوازل في الفقه وشرح تنقيح القرافي. توفي أواخر التاسعة بتاردنت من سوس. صح من خط بعض أصحابنا. 171 - حسن الزنديوي التنسي الخطيب الصالح أبو محمد (¬2). في طبقة ماغوش، موصوف بالعلم والصلاح، أخذ عنه اليسيتني الفاسي وأحمد العيسى وغيرهما، وكان حيًا في حدود الأربعين وتسعمائة. 172 - حمزة بن محمد بن حسن البجائي المغربي نزيل الشيخونية (¬3) ولد تقريبا عام تسعة وثمانمائة ببجايه وأخذ عن أبي القاسم المشذالي ¬

_ (¬1) انظر معجم المؤلفين 3: 254، الأعلام بمن حَلّ مراكش 3/ 148. (¬2) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 273، كفاية المحتاج (مخطوط) ورقة 42 ب. (¬3) ترجمته في: أعلام الجزائر ص، الضوء اللامع 3: 167، الحلل السندسية 1/ 3: 648، تعريف =

وولده أبي عبد اللَّه، وفد تونس في سنة ثمانية وخمسن وثمانمائة وتمهر في الأصلين والعربية والصرف والمعاني والبيان والمنطق، قدم القاهرة في شعبان سنة تسع وخمسين وثمانمائة وحج ورجع ونزل في الخانقاه الشيخونية ثم حج ثانيًا رفيقًا للسيد عبد اللَّه عفيف الدين وجاور أيضًا وأقرأ بها يسيرًا واجتمع بالكافيجي واجتمع به الفضلاء فكان من أعيان من اجتمع به المحبي ابن تقيّ والخطيب الوزيري. صح من السخاوي. وقال الداودي: توفي في المحرم سنة اثنتين وتسعمائة. صح من ذيل القرافي. ¬

_ = الخلف ص 140، كفاية المحتاج (مخطوط) 42 ب.

حرف الخاء المعجمة

حرف الخاء المعجمة 173 - خلف اللَّه المجاصى (¬1). الفقيه الحافظ من علماء فاس وشيوخها واحد الحفاظ بها، كان يحفظ المقدمات والبيان والتحصيل لابن رشد، أخذ عن أبي الربيع سليمان الونشريسي. توفي سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة. صح من خط بعض أصحابنا. 174 - الخضر بن أحمد بن الخضر بن علي بن عمر بن أبي العافية الأنصاري الغرناطي (¬2). ذكره في الأصل وأخذ ترجمته من الإحاطة، وقال الحضرمي في مشيخته: الشيخ الفقيه الجليل الفاضي الأعدل النزيه الأديب الأبرع البليغ العارف المتفنن الفاضل أبو القاسم، كان حسن العهد فاضل الصحبة كريم العشرة جميل المودّة، منصفًا في المناظرة، متصفًا بكل فضيلة، عاكفًا على الطلب والنظر والتقييد، صدرًا من صدور القضاة، نسخ بيده كثيرًا، بصيرًا بالشروط ظريف ¬

_ (¬1) ترجمته في: جذوة الاقتباس ص 192، سلوة الأنفاس 1: 209، درة الغواص 1/ 256، لقط الفرائد (ضمن ألف سنة من الوفيات) ص 186. (¬2) له ذكر في ألف سنة من الوفيات ص 114، وترجمة في الكتيبة الكامنة ص 177، والإحاطة 1: 502، والمرقبة العليا ص 149، والديباج المذهب ص 115، ودرّة الحجال 1/ 261، كفاية المحتاج (مخطوط) 43 أ.

175 - خضر زين الدين البحيري الفقيه الفهامة

الخط، مجموع الأدب، شاعرا مكثرا، تصرف أولًا في الكتابة، ثم قضاء وادي آشي وسبطة وبرجة وشوور في النوازل الحكمية والمسائل الأدبية وجرت بيني وبينه مباحث وانظار في مسائل القضاء والأحكام وتراسلنا مرارًا. وثم الخضر بن أحمد المعافري من أهل المرية أبو العباس، روى عن عباد بن سرحان الشاطبي، ومات ابن سرحان عام ستة وخمسمائة، ذكره أبو العباس بن فرتون، وتوفي شيخنا أبو القاسم بن أبي العافية المذكور ببرجة وهو قاض بها آخر ربيع الأول عام خمسة وأربعين وسبعمائة وأنشدني لنفسه: لَا تَرْجُ زَيْدًا وَعَمْرًا ... وَارْجُ الْعَمِيمَ الإفَادَهْ فَزَيْدٌ رَهْنُ اعتلالٍ ... وَوَاوُ عَمْروٍ زِيَادَهْ وفي المعنى قول بعضهم: لا تَرْجُ سَعْدَ المُشْتَري ... وَلا تَخَفْ شُؤْمَ زُحَلْ وارْجُ وَخَفْ رَبَّهُمَا ... فَهُوَ الَّذي مَا شَا فَعَلْ انتهى ملخصًا. 175 - خضر زين الدين البحيري الفقيه الفهامة: كان فاضلًا صالحًا، أخذ عن قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن قاسم الآتي، وعن بلديه الشيخ سليمان البحيري، وكان علّامة زمانه الناصر اللقاني يصفه بمعرفة دقائق مختصر خليل، وكان منجمعًا عن الناس طارحًا للتكلف متعففًا غير مكترث بالدنيا وأهلها، وبالجملة فهو أحسن وإن كان غيره أشعر، له حاشية على المختصر جمعها من شرح التتائي وغيره، وطرر حسنة على نسخته من المختصر، وتلك الطرر غاية في الدلالة على إحاطته بالكتاب، مع وجازة اللفظ والاعتناء بالنقول، وهي أحسن من حاشيته، هكذا عرّفه بدر الدين القرافي، ورأيت حاشيته بمراكش وكان طلبتها لا يشكرونها، واللَّه أعلم.

176 - خليل بن عبد الرحمن بن محمد بن عمر المالقي ثم المكي مفتيها

176 - خليل بن عبد الرحمن بن محمد بن عمر المالقي ثم المكي مفتيها (¬1). اسمه محمد واشتهر بخليل، قال الشيخ خالد البلوي في رحلته: من أعظم من لقيته بمكة قَدْرًا وأرفعهم خطرًا وأشرفهم مكانة وذكرًا الشيخ الفقيه خطيب الحرم الشريف وصاحب الصلاة فارس المنابر إمام الأئمة ومقتدي فرق الأمة ولي اللَّه أبو عبد اللَّه المشتهر بخليل، نفع اللَّه به، أحد السبعة الأبدال ورب المآثر المبرأة عن الخلاف والجدال، الموجود من بركاته ما يخجل الغيث في الانسحاب والانسدال، الموطأة أكنافه للخاصة والعامة معتدلة الكمال، كاملة الاعتدال، فالأعناق معتدلة إليه منثالة عليه، سامعون لأمره، متبركون بمساس طمره، معترفون بفضله، متصرفون من قوله وفعله، يردون من إحسانه مناهل الكرم، ويردون من فضله مواقع الديم، ويبتدئون من علمه ما هو أوضح من نار على علم، أنحلته مواصلة العبادة وأكله قشف الزهادة، فلم تبق منه إلا رسوم على سجادة، ومع ذلك فهو أصبر خلق اللَّه على إلحاح السائرين (¬2)، واختلاف القاصدين والسالكين. تكفّل بحوائج الأغنياء والفقراء في أمور الدين والدنيا، لقيته بمكة واستفدت منه المناسك تفقهًا ومعاينة فانتفعت به أعظم انتفاع وسمعت عليه وأجازني عامة- اهـ. وقال الشيخ أبو محمد عبد اللَّه بن فرحون في تاريخ المدينة: كان من أئمة الدين والمتسمين باليقين، مكة دار إقامته وبلده، وقيل ما ترد على المدينة قافلة إلّا وهو معهم، وكان جاور بها وقرأ على والدي العربية ولازمه وانتفع به، وكان يسألني عما عند والدي من كتب العربية فأقول له: ما عنده إلا شيء من شرح الجمل فيقول لي: ما هذه من حوائج ابن عصفور هذا الذكر العظيم والإلقاء والتفهيم لا يكون إلا عن إلهام أو كثرة اشتغال أو كثرة كتب يلتقط محاسنها ويرتب قوانينها، وكان خليل معلوم البر مشهور الصدقة يواسي الفقراء ويتداين دينًا عظيمًا لأجلهم حتى يكون عليه من الدين ما يقارب مائة ألف ¬

_ (¬1) ترجمته في معجم المؤلفين 4: 121، (ط) ابن تغري بردي النجوم الزاهرة 10: 333، كفاية المحتاج (مخطوط) ورقة 43 أ، ب، ألف سنة من الوفيات 82، 123، 209. (¬2) كذا بالأصل والصواب (السائلين) كما في كفاية المحتاج.

177 - خليل بن إسحاق بن موسى بن شعيب

درهم في بعض السنن ثم يقضيها اللَّه تعالى على أبر ما يكون، وحاله فوق ما يوصف، ومن العلم مثل ذلك ومن الورع والتمسك بالسنة فوق ذلك قل عن البحر فالبحر يقف دونه، وكان له من الوسوسة في طهارته ما اشتهر مثلًا في الأقطار. توفي ليلة الاثنين لعشر بقين من شوال سنة ست وسبعمائة- اهـ (¬1). فائدة: قال الإمام أبو عبد اللَّه المقري كان خليل إمام الوقفة بعرفات أعلم من لقيت بالمناسك دراية ورواية ومشاهدة، ولما انصرفت من المسجد الحرام أرسلت من سأله عن بطن محسر لنحرك فيه الإبل فقال: إن الموضع تنوسي بالتمالؤ على ترك السنة المشروعة فيه وهي التحريك، ثم قال: الظاهر أنه هذا وأشار إلى ما يحاذي الجامع الذي على يسار المتوجه من المشعر إلى منًى من الطريق إلى منتهى المنحدر من جهة مِنًى، قال المقري: قلت: فينبغي أن يعمل على هذا قبل أن يفوت هذا، الظاهر فوت النقل عن هذا القدوة كما فات اليقين، فإنّا للَّه وإنا إليه راجعون. قال: وسألته عن حدود المسجد الحرام في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأشار إلى الخشب المطيفة بالبيت والمقام وزمزم من جميع الجهات فقلت: ولم تصل خارج عنها وأنت تعلم ما في إلحاق الزيادة في الفضيلة بالأصل من الخلاف فقال: أهل مكة يقولون الحرم كله مسجد قال المقري: وهو مذهب ابن عباس، بيد أنه لم يعجبني هذا من الشيخ وقد كنت أصلي خلف إمام المقام إيثارًا للبقعة لا للإمام وإن كان الرجلان أعني خليلًا وإمام المقام ممن تقرّ بهما عين الإسلام. كما وقفت ساعة عند الصخرات ثم رجعت إلى موقف الإمام بعرفات -اهـ- كلام الإمام المقري. 177 - خليل بن إسحاق بن موسى بن شعيب (¬2). المعروف بالجندي ضياء الدين أبو المودة الإمام العلامة العالم العامل ¬

_ (¬1) كذا في المطبوعة وهو خطأ والصواب أنه توفي سنة 760 هـ كما في كفاية المحتاج للتنبكتي وشرف الطالب لابن قنفد ووفيات الونشريسي ولقط الفرائد لابن القاضي. والثلاثة الأخيرة ضمن مجموعة (ألف سنة من الوفيات). (¬2) ترجمته في شجرة النور الزكية 1/ 223، والدرر الكامنة 2/ 86، وحسن المحاضرة 1/ 460، ودرة =

القدوة الحجة الفهامة، حامل لواء المذهب بزمانه بمصر، ذكره ابن فرحون في الأصل وقال: إنه من أجناد الحلقة المنصورة يلبس زيهم متقشفًا منقبضًا عن أهل الدنيا، جامع بين العلم والعمل مقبلًا على نشر العلم والعمل، حضرت بالقاهرة مجلس إقرائه الفقه والحديث والعربية، كان صدرًا في علماء القاهرة مجمعًا على فضله وديانته أستاذًا ممتعًا من أهل التحقيق، ثاقب الذهن أصيل البحث مشاركًا في فنون من فقه وعربية وفرائض فاضلًا في مذهبه، صحيح النقل نفع اللَّه به المسلمين. ألّف شرح ابن الحاجب شرحًا حسنًا وضع اللَّه عليه القبول وعكف الناس على تحصيله، ومختصرًا في المذهب بيّن فيه المشهور مجردًا عن خلاف، فيه فروع كثيرة جدًا مع الإيجاز البليغ، أقبل عليه الطلبة ودرسوه، وكانت مقاصده جميلة، حج وجاور وله منسك وتقاييد مفيدة -اهـ- ملخصًا. قال ابن حجر في الدرر الكامنة: سمع من ابن عبد الهادي، وقرأ على الرشيدي في العربية والأصول وعلى الشيخ المنوفي في فقه المالكية وشرح في الاشتغال بعد شيخه وتخرج به جماعة، ثم درس بالشيخونية وأفتى وأفاد، ولم يغير زي الجند، وكان صينًا عفيفًا نزيهًا، شرح ابن الحاجب في ست مجلدات انتقاه من ابن عبد السلام وزاد فيه عزو الأقوال وإيضاح ما فيه من الأشكال، وله مختصر في الفقه نسج فيه على منوال الحاوي، وجمع ترجمة لشيخه المنوفي تدل على معرفته بالأصول، وكان أبوه حنفيًا يلازم الشيخ أبا عبد اللَّه بن الحاج ويعتقده فشغل (¬1) ولده مالكيًا بسببه- اهـ. وقال أبو الفضل بن مرزوق الحفيد: تلقيت من غير واحد ممن لقيته بالديار المصرية وغيرها أن خليلًا من أهل الدين والصلاح والاجتهاد في العلم إلى الغاية حتى إنه لا ينام في بعض الأوقات إلا زمنًا يسيرًا بعد طلوع الفجر ليريح النفس من جهد المطالعة والكتب، وكان مدرّس المالكية بالشيخونية ¬

_ = الحجال 1/ 257، وكفاية المحتاج (مخطوط) 44 أ، ب. (¬1) كذا في النسخة المطبوعة وفي الدرر الكامنة ولعلها (فتحول).

وهي أكبر مدرسة بمصر وبيده وظائف أخر تتبعها، وكان يرتزق على الجندية لأن سلفه منهم. وحدثني الإمام العلامة المحقق الفاضل قاضي القضاة بمصر والاسكندرية الناصر التنسي أنه اجتمع به حين أخذت الاسكندرية في عشر السبعين وسبعمائة وكان نزل من القاهرة مع الجيش لاستخلاصها من أيدي العدو قال التنسي: واختبر فهمي بقول ابن الحاجب: "والصرف في الذمة والصرف في الدين الحال يصح خلافًا لأشهب- اهـ". ومن تصانيفه شرحه على ابن الحاجب، شرح مبارك لين تلقاه الناس بالقبول، وهو دليل على حسن طويته، يجتهد في عزو الأنقال (¬1)، ويعتمد كثيرًا على اختيارات ابن عبد السلام وأنقاله وأبحاثه، وهو دليل على علمه بمكانة الرجل، وإنما يعرف الفضل من الناس ذووه. ورأيت شيئًا من شرح ألفية ابن مالك قيل إنه من موضوعاته -اهـ- كلام ابن مرزوق. قلت: وله شرح على المدونة ولم يكمل وصل فيه إلى كتاب الحج. قال ابن غازي: كان عالمًا مشتغلًا بما يعنيه، حتى حكى أنه أقام عشرين سنة لم ير النيل بمصر، وحكي عنه أنه جاء يومًا لمنزله بعض شيوخه فوجد كنيف المنزل مفتوحًا ولم يجد الشيخ هناك فسأل عنه فقيل له: إنه يشوشه أمر هذا الكنيف فذهب يطلب من يستأجر له على تنقيته فقال خليل: أنا أولى بتنقيته فشمّر ونزل ينقيه وجاء الشيخ فوجده على تلك الحال والناس قد حلقوا عليه ينظرون إليه تعجبًا من فعله، فقال الشيخ من هذا؟ قالوا خليل، فاستعظم الشيخ ذلك وبالغ في الدعاء له عن قريحة ونية صادقة فنال بركة دعائة ووضع اللَّه تعالى البركة في عمره. وحدثنا شيخنا أبو زيد الكاواني عمن رأى خليلًا بمصر عليه ثياب قصيرة أظنه قال يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وسمعت شيخنا القوري يقول: إنه من المكاشفين وأنه مر بطباخ دلس ¬

_ (¬1) كذا في الأصل المطبوع، ويريد النقول كما في كفاية المحتاج.

يبيع لحم الميتة فكاشفه فأقرّ وتاب على يده- اهـ. قلت: وغالب ظني أن مسألة الطباخ ذكرها الشيخ خليل في ترجمة المنوفي من كرامات شيخه واللَّه أعلم. وذكر التتائي عن ابن الفرات أن خليلًا ريء بعد موته فقيل له: ما فعل اللَّه بك؟ فقال: غفر لي ولكل من صلّى علي- اهـ. قلت: ولقد وضع اللَّه تعالى القبول على مختصره وتوضيحه من زمنه إلى الآن، فعكف الناس عليهما شرقًا وغربًا حتى لقد آل الحال في هذه الأزمنة المتأخرة إلى الاقتصار على المختصر في هذه البلاد المغربية مراكش وفاس وغيرهما، فقلّ أن ترى أحدًا يعتني بابن الحاجب فضلًا عن المدونة بل قصاراهم الرسالة وخليل، وذلك علامة دروس الفقه وذهابه، وأما التوضيح فهو كتاب الناس شرقًا وغربًا ليس من شروحه على كثرتها ما هو أنفع منه ولا أشهر، اعتمد عليه الناس بل وأئمة المغرب من أصحاب ابن عرفة وغيرهم مع حفظهم للمذهب، وكفى بذلك حجة على إمامته، ولقد حكي عن العلامة شيخ شيوخنا ناصر الدين اللقاني أنه حيث عورض كلام خليل بكلام غيره كان يقول: نحن أناس خليليون إن ضلّ ضللنا، مبالغة في الحرص على متابعته. ومدح مختصره الشيخ ابن غازي فقال: إنه من أفضل نفائس الأعلاق، وأحق ما رتق بالأحداق، وصرفت له همم الحذاق، عظيم الجدوى، بليغ الفحوى، بين ما به الفتوى. وجمع مع الاختصار شدة الضبط والتهذيب، واقتدر على حسن المساق والترتيب، فما نسج على منواله، ولا سمح أحد بمثاله- اهـ. ولذلك كثر عليه الشروح والتعاليق حتى وضع عليه أكثر من ستين تعليقًا ما بين شرح وحاشية، وقد يسرّ اللَّه تعالى لي في وضع شرح عليه جمعت فيها لباب كلام من وقفت عليه من شراحه وهم أزيد من عشرة، مع الاختصار والاعتناء بتقرير ألفاظه منطوقًا ومفهومًا وتنزيله على النقول بحيث لو كمل لما احتح -غالبًا- إلى غيره، ثم وقعت علينا محنة وشتت شملنا وذهبت

نفائس كتبنا، جعلها اللَّه تعالى كفارة وتمحيصًا، ولما جبر اللَّه عليّ بعضها بعد دخولنا لمراكش أصبت منها ذلك التعليق فأعطيته للفقيه إبراهيم الشاوي، وكان من أكبر فقهائها حينئذ وأكثرهم خدمة للفقه فأعجب به وصار يعتمد عليه وينقل منه في درسه ويثني عليه في مجلسه بين أصحابه، يسّر اللَّه في إكماله آمين. وكتبت أيضًا تحريرات ونكتًا على كثير من مشكلاته. وأما وفاة الشيخ خليل فذكر الشيخ زروق أنه توفي سنة تسع وستين، وقال ابن مرزوق: حدثني الشيخ الفقيه القاضي ناصر الدين الإسحاقي، وكان من أصحابه ومن حفاظ مختصره أنه توفي ثالث عشر ربيع الأول سنة ست وسبعين وسبعمائة، وأن مختصره إنما لخّص منه في حياته إلى النكاح وباقيه وجد في تركته في أوراق مسودة فجمعه أصحابه وضموه لما لخص فكمل الكتاب -اهـ- ونحوه لابن غازي وغيره. وذكر ابن حجر أن وفاته في ربيع الأول سنة سبع وستين وسبعمائة، وقال الإمام العلامة محمد بن محمد الحطاب شيخ شيوخنا: الصواب ما ذكره ابن حجر- اهـ. قلت: بل الأشبه ما ذكره ابن مرزوق وابن غازي لإسناده إلى بعض تلاميذ خليل وهو أعلم به من غيره لكونه ممن حضره وصاحبه في حياته، وأيضًا فقد ذكر أن الشرف الرهوني وقع بينه وبين خليل منازعة في مسألة فدعا عليه خليل فتوفي الرهوني بعد أيام، ووفاة الرهوني، على ما ذكره ابن فرحون وغيره، سنة خمس وسبعين أو ثلاث وسبعين، على ما ذكره ابن حجر، فخليل في ذلك الوقت حيّ على مقتضى هذه الحكاية. وقد سمعت شيخنا العلامة محمد بن محمود بغيع يذكر عن بعضهم أي بعض شيوخ مصر أن خليلًا بقي في تصنيف مختصره خمسًا وعشرين سنة، وقد ذكر خليل في ترجمة شيخه المتوفى أن وفاته سنة تسع وأربعين وأنه حينئذ لا يعرف الرسالة يعني المعرفة التامة ولا يمكن بقاؤه في تصنيفه المدة المذكورة إن صح إلا أن يكون اشتغل به بعد الخمسين، وتكون وفاته عام ستة وسبعين فتأمله واللَّه أعلم.

178 - خالد بن عيسى بن أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد

وقد قرأت مختصره مرارًا عديدة وختمته بقراءتي وقراءة غيري قراءة بحث وتحقيق وتحرير على علامة وقته شيخنا الفقيه محمد بن محمود بغيع وأجازنيه سيدي والدي في عميم إجازاته، وقرأه شيخنا المذكور على والده وعلى سيدي أحمد بن سعيد ووالده، وسيدي أحمد بن سعيد ووالدي، رحمهم اللَّه كلهم، أخذوه عن بركة الوقت سيدي محمود بن عمر عم والدي وهو عن الشيخ عثمان المغربي، وهو على النور السنهوري، وهو على الشمس البساطي عن تلاميذ خليل عنه، والحمد للَّه. 178 - خالد بن عيسى بن أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد (¬1) البلوي القتوري (¬2) أبو البقاء علم الدين الإمام القاضي الفاضل. قال في الإحاطة: من أهل الفضل كثير التواضع والخلق الحسن وجميل العشرة، محب (في) (¬3) الأدب، تقضى ببلده وغيرها، حج وقيّد رحلته في سفره، وصف فيها البلاد ومن لقي بها وكتب بتونس عن أميرها قليلًا، وهو الآن قاض ببعض الجهات الشرقية من الأندلس- اهـ. وقال غيره: ارتسم بديوان الكتابة بتونس عن أميرها زمنًا يسيرًا، وكان يتشبه بالمشارقة شكلًا ولسانًا، ويصبغ لحيته بالحناء والكتم- اهـ. وقال الحضرمي: هو صاحبنا الفقيه الأجل القاضي العدل الحاج المتخلق الحسيب الأديب المتفنن العالم الفاضل- اهـ. أخذ بفاس عن الشيخ عبد العزيز القروي (¬4) وأبي العباس بن شعيب الجزنائي، وعبد المؤمن الجناتي (¬5) وأبي عبد الرحمن الجزولي وأبي عبد اللَّه ابن ¬

_ (¬1) ترجمته في: الكتيبة الكامنة ص 134، والإحاطة 1: 500، ونفح الطيب 3: 285، شجرة النور الزكية ص 229، هدية العارفين 1: 343، وكفاية المحتاج (فح). (¬2) كذا في النسخة المطبوعة وفي الكتيبة الكامنة. ولعل الصواب كما في الإحاطة وشجرة النور: القنتوري يقول محقق الإحاطة: نسبة إلى قنتورية. (¬3) كذا في الإحاطة أيضًا. (¬4) كذا. وفي كفاية المحتاج وشجرة النور: القوري. (¬5) كذا. وفي الكفاية وشجرة النور: الجاناتي.

179 - خلف بن أبي بكر النحريري

عبد الكريم. سمع على الجزولي كثيرا من الرسالة والتهذيب وعلى ابنه العالم أبي عبد اللَّه محمد الجزولي، وبتلمسان عن أبي موسى ابن الإمام وقاضي الجماعة أبي علي منصور بن هدية وأبي عمران موسى المشذالي، والقاضي أبي عبد النور، وبغرناطة عن محمد بن محمد بن عاصم القيسي وغيره من خلق كثيرين. قلت: وقد وقفت على رحلته في سفر وفيها فوائد ونقلت منها تراجم. 179 - خلف بن أبي بكر النحريري (¬1). أخذ عن الشيخ خليل وبرع في الفقه وناب في الحكم وأفتى ودرس، ثم توجه للمدينة فجاور بها معتنيًا بالتدريس والإفتاء والإفادة والإنجماع والعبادة إلى أن مات بها عام ثمانية عشر وثمانمائة، كذا قال ابن حجر. وقال السخاوي: بحث على الشيخ خليل من مختصره وله أجوبة مسائل النجم بن فهد، وسمع من القلانسي الموطأ بفوت، وحدّث وسمع منه الفضلاء، ولد تقريبًا سنة أربع وأربعين وثمانمائة (¬2). ¬

_ (¬1) ترجمته في الضوء اللامع 1: 18، شذرات الذهب 7: 132، وكفاية المحتاج ورقة ولقط الفرائد (ضمن مجموعة ألف سنة من الوفيات) ص 240. (¬2) كذا في المطبوعة هو خطأ. والصواب: 744 هـ كما جاء في الضوء اللامع وكفاية المحتاج ورقة.

حرف الدال المهملة

حرف الدال المهملة 180 - دراس بن إسماعيل الفاسي (¬1). أبو ميمونة قال ابن الفارضي: (¬2) كان فقيهًا حافظًا للرأي، له رحلة حج فيها ولقي بالاسكندرية علي بن عبد اللَّه بن مطر وسمع منه الموازية وحدث به بالقيروان، وسمع منه أبو الحسن القابسي وكان يقرأ عليه بالقيروان، ودخل الأندلس وتكرر فيها مجاهدًا وتردد في الثغر، سمع منه غير واحد، توفي في ذي الحجة سنة سبع وخمسين وثلاثمائة بفاس ودفن عند باب الجيزيين- اهـ. قلت: وهو خارج باب الفتوح مشهور عند أهل فاس، زرته مرارًا، واللَّه أعلم. 181 - داود بن عمر بن إبراهيم الشاذلي الإسكندري (¬3). من الأئمة الراسخين، فقيه مالكي له فنون عديدة وتصانيف مفيدة صحب التاج ابن عطاء اللَّه وأخذ عنه التصوف، ألف شرحي مختصر التلقين لعبد الوهاب وجمل الزجاجي، وله تأليف في المعاني والبيان، مات بالاسكندرية ¬

_ (¬1) ترجمته في جذوة الاقتباس 1: 194، وسلوة الأنفاس 2/ 175، وترتيب المدارك 4/ 395. (¬2) في كفاية المحتاج: ابن الفرضي. (¬3) ترجمته في الأعلام 2: 333. وشجرة النور الزكية 1/ 204 والدرر الكامنة 2/ 191 ولعلّ الذي في الدرر غير صاحب الترجمة لاختلاف وفاتهما واللَّه أعلم.

182 - داود بن سليمان بن حسن الفنبي

سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة. صح من تاريخ النحاة. 182 - داود بن سليمان بن حسن الفنبي (¬1). الإمام العلامة الصالح أبو الجود الفرضي الحاسب، وفنب، بفتح الفاء الموحدة وسكون النون ثم الموحدة، قرية من قرى مصر، قال الشيخ أبو البركات ابن أبي يحيى: كان الشيخ أبو الجود شيخنا ثقة مسنا انتهى. وقال السخاوي: ولد سنة اثنين وتسعين وسبعمائة ونشأ بها وحفظ القرآن والعمدة والرسالة والمختصر الفرعي وألفية ابن مالك، ومن شيوخه قاسم العقباني والجمال الأقفهسي والبساطي والزين عبادة، وبرع في الفرائض وشارك في العربية وغيرها، وتصدى للتدريس والإفتاء فانتفع به الطلبة خصوصًا في الفرائض بحيث أخذ عنه جمع الأكابر وأملى على مجموع الكلاعي شرحًا مطولًا فيه فوائد، وكتب على الرسالة، فيما أخبرني به جماعة ودرس بالمنكوتمرية والبدرية والرقوقية للمالكية وغيرها، مات في ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثمانمائة- اهـ. 183 - داود بن علي بن محمد القلتاوي الأزهري (¬2). نسبة إلى الجامع الأزهر بمصر، أخذ عن أبي القاسم النويري والزين طاهر وأبي الجود، وأكثر من المطالعة والتحصيل وتمهر في الفقه والعربية وتصدى للإقراء قديمًا وكذا كتب على الفتيا وتكلم في البرقوقية وسعيد السعداء وصار أحد شيوخ المالكية حتى إن قاضي المذهب رد على قاضي الجماعة يوم مجلس الطلبة حين ذكر ما ينقضه بقوله بل هو من مدرسي الجامع الأزهر من نحو عشرين عامًا، كذا قال السخاوي. وقال الداودي: كان من أفراد الدهر ¬

_ (¬1) ترجمته في معجم المؤلفين 4: 137، والضوء اللامع 3/ 211 وكفاية المحتاج ورقة 46 ب. (¬2) ترجمته في الأعلام 2: 333 كفاية المحتاج 46 ب، 47 أوالضوء اللامع 3/ 265 في كفاية المحتاج: البنبي. بباء موحدة ونون ساكنة ثم باء موحدة نسبة لبنب قرية من قرى مصر وكذا جاء في الضوء اللامع.

علمًا ودينًا واعتزالًا عن الخلق وإقبالًا على ما يهمه من أمر آخرته، ألف مختصر شرح خليل وابن الحاجب الفرعي والرسالة. استمر ذكره في الآفاق وعم النفع به وشرح تنقيح القرافي وألفية النحو والجرومية ومناسك الحج وغيرها. مات ليلة الجمعة ثاني عشر رجب سنة اثنين وتسعمائة- اهـ.

حرف الراء المهملة

حرف الراء المهملة 184 - راشد بن أبي راشد الوليدي أبو الفضل (¬1). صاحب كتاب الحلال والحرام وحاشية المدونة، أخذ عن أبي محمد صالح الهشكوري، وأخذ عنه الإمام أبو الحسن الصغير وعبد الرحمن الجزولي وأبو الحسن بن سليمان وغيرهم، لا تأخذه في اللَّه لومة لائم ولم يكن في وقته من هو أتبع منه للحق. صح من خط بعض أصحابنا. فائدة (¬2): ذكر في كتاب الحلال والحرام له أنه سمع من أبي محمد عبد اللَّه ابن موسى الفشتالي أن التائب إذا اقتصر على ما عند علماء الظاهر أولى وأسلم، بل لا يجوز اليوم اتخاذ شيخ لسلوك طريق المتصوفة أصلًا لأنهم يخوضون في فروعها ويهملون شروط صحتها وهو باب التوبة إذ لا يصح بناء فرع قبل تأسيس أصله، قال وسمعته يقول: لو وجدت تآليف القشيري لجمعتها وألقيتها في البحر قال: وكذلك كتب الغزالي قال: وسمعته يقول: إني لأتمنى على اللَّه أن أكون يوم الحشر مع أبي محمد بن أبي زيد لا مع الغزالي بل مع ¬

_ (¬1) ترجمته في جذوة الاقتباس 1: 196 سلوة الأنفاس 3/ 262، وكفاية المحتاج (مخطوط) ورقة 47 ب. (¬2) هذه الفائدة مذكورة في جذوة الاقتباس ولسنا ندري من اقتبس من الآخر ابن القاضي صاحب الجذوة أم أحمد بابا صاحب نيل الابتهاج لا سيما وأنهما عاشا في زمن واحد.

185 - الرماح

أبي محمد يسكر، فذلك أكثر أمنًا لي على نفسي- اهـ ملخصًا منه. توفي بمدينة فاس، على ما قيل، سنة خمس وسبعين وستمائة. 185 - الرماح (¬1). قال أبو القاسم البرزلي: هو الشيخ الفقيه أبو عبد اللَّه القيسي، فقيه القيروان المتأخر، وكان عالمًا صالحًا متعبدًا زاهدًا أقام ستين سنة مواظبًا بجامع القيروان للتدريس والعبادة إلى أن توفي في وباء عام تسعة وأربعين وسبعمائة، أدرك طبقة ابن زيتون ومن في زمن المستنصر الحفصي، أدركته ولم آخذ عنه- اهـ. وأكثر النقل عنه في نوازله. 186 - الرماح الشيخ أبو القاسم (¬2). قال الشيخ زروق: هو أحد عدول طرابلس كان رجلًا صالحًا حسن النية جميل الحالة، له شرح على حكم ابن عطاء اللَّه وضع فيه لكل حكمة خطبة، مع ذكر كثير من كلام الحاتمي وابن الفارض وغيرهما بلا مناسبة، نفعه اللَّه بنيّته، توفي سنة سبع وثمانين وثمانمائة عن نيف ومائة سنة. ¬

_ (¬1) له ترجمة مقتضبة جدًا في وفيات الونشريسي ص 116، ضمن مجموعة ألف سنة من الوفيات. (¬2) ترجمته في: نفحات النسرين 107، 108، وأعلام المغرب العربي 2: 133، وتاريخ ليبيا الإسلامي ص 506.

حرف الزاي المعجمة

حرف الزاي المعجمة 187 - زين بن أحمد بن يونس الجيزي (¬1). بجيم مكسورة ثم تحتية فزاي مكسورة ثم تحتية، نسبة لبلدة بمصر. قال البدر القرافي: شيخنا العلامة العمدة الفهامة عمدة الخلف بقية السلف، ذو الفضائل البهية في العلوم العقلية، أخذ عن الأخوين الجليلين شمس الدين وناصر الدين اللقانيين عن الأول الموطأ والمختصر ثم لازم الثاني نحو أربعين عامًا بحيث اختص به وأخذ عنه بعض الكشاف والبيضاوي والعضد وشرح العقائد والتهذيب ومختصر خليل والمطول وحاشيته ومختصر السعد وشرح المحلى على السبكي والمغني والتوضيح لابن هشام، وغيرهم من المعقولات وأذن له في الإفتاء وحضه عليه بقوله: اكتب أنا أكتب خطي معك، مع اشتهار كمال توقفه عنها، وأخذ أيضًا عن سليمان الجربي (¬2) وغيره، وله اليد الطولى في العربية، انفرد بمعرفة شرح الرضى على الكافية مستحضرًا له وصار مرجع المالكية بمصر في الإفتاء والمعول عليه، مع لا ما له من تفكيك عبارة مختصر خليل، بل انفرد واشتهر بتحقيق كل ما يقرئه (¬3) يوضح حقائقه ودقائقه لا يكاد فهمه يقبل الخطأ، مع التواضع وحمل الأذى على طريقة السلف. وبالجملة فهو ¬

_ (¬1) كفاية المحتاج (مخطوط) ورقة. (¬2) في كفاية المحتاج: الجزولي. (¬3) كذا في النسخة المطبوعة.

من حسنات دهره، مولده في أوائل القرن وكان يلح في الدعاء أن يختم عمره بحجة فتوفي منصرفه من الحج والزيارة سنة سبع وسبعين وتسعمائة، وأخبرني بعض من سمعه أنه كان ينشد بعد هذه الحجة كثيرًا: أَصْبَحَتْ نَفْسِي رَهِينَهْ ... بينَ مكَّةَ والمدينهْ - اهـ. قلت: ولقيه شيخنا العلامة محمد بن محمود وحضر درسه، ولقيه أيضًا والدي رحمه اللَّه.

حرف السين المهملة

حرف السين المهملة 188 - سليمان بن حكم بن محمد بن أحمد بن علي الغافقي القرطبي أبو الربيع (¬1). قال ابن الأبار: روى عن أبي القاسم بن الشراط وأبي حفص بن عمر وجماعة وسع على الخطيب بن جعفر بن يحيى وقرأ بمدينة غافق على خطيبها أبي عبد اللَّه البكري، وأجازه جماعة وكان ثقة عدلًا أديبًا ناظمًا، له أرجوزة في الفقه حسنة رويت عنه، تتبع فيها كتاب الخصال الصغير للعبدي وأبوابه مع الضبط وحسن الخط والتقدم في الشروط. توفي في ربيع الأخير عام ثمانية عشر وستمائة وقد راهق ستين، ذكره ابن الطيلسان. ومن شعره: يَفْرَحُ الإنسانُ لأيَّامِهِ ... تَمْضِي (¬2) لِما يَرجُو مِنَ آمَالِهِ وَهُوَ عَلَى الدِّرْهَمِ يَبْكِي دَمًا ... إنْ خَالَهُ يَذْهَبُ مِنْ مَالِهِ 189 - سليمان الونشريسي (¬3). يسمى أبا الربيع الإمام المقريء بفاس، أخذ عنه الفقيه أبو سالم اليزناسني، وقرأ عليه الأستاذ أبو عبد اللَّه الرندي كتاب الجلاب وكان قائمًا ¬

_ (¬1) كفاية المحتاج (مخطوط) ورقة 47 ب. (¬2) في الأصل وكفاية المحتاج (أ): يمضى - يرجوه، والتصويب من "وجه الابتهاج" ص 102. (¬3) ترجمته في: جذوة الاقتباس ص 515، ودرة الحجال: 2: 477، وسلوة الأنفاس 3: 316، لقط الفرائد (ضمن مجموعة ألف سنة من الوفيات) 164.

190 - سليمان بن خالد بن مقدم بن محمد بن حسن بن غانم الطائي

عليه وعلى المدونة، نقل يومًا مسألة في مسح الخفين عن ابن رشد فقال له خلف اللَّه المجاصي: واللَّه ما قال هذا ابن رشد قط وكان خلف يستحضر المقدمات والبيان، فغضب الشيخ ونزل عن كرسيه وهو يقول: أستغفر اللَّه الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، وترك الاقراء يومين ففي الثالث اجتمع به طلبته وكانوا يجتمعون به قبل ذلك ولا يكلمونه إعظامًا له، فقال لخلف اللَّه: يا أبا سعد تكذبني في النقل وقد نصحتك أعوامًا كثيرة فما كان جزائي منك إلا هذا فقال: يا سيدي ذكرت أن ابن رشد لم يتكلم على مسح الخفين في مقدماته ولا ذكر ذلك في بيانه، فجبذ الشيخ كتاب التقييد والتقسيم لابن رشد ودفعه إليه، فقبّل عند ذلك يده واعتذر له ورجع، وعلم الشيخ أنه لم يقصد إلا خيرًا وإنما حمله على خشونة اللفظ انزعاجه. توفي بفاس سنة خمس وسبعمائة. صح من تاريخ فاس لصاحبنا ابن القاضي. 190 - سليمان بن خالد بن مقدم بن محمد بن حسن بن غانم الطائي (¬1). علم الدين البساطي نسبة إلى بساط، بالباء الموحد فسين وطاء آخره نسبة بلد، اشتهر بمعرفة المذهب وشارك في الفنون، كان كثير التكتشف تاركًا للتكلف كثير الطعام لمن يرد عليه، وكان يقرر الألفية تقريرًا حسنًا ويشغل الناس حين نيابة القضاء ويقرر أحسن تقرير، ثم ولي القضاء بعد صرف البدر بعناية الأمير قرطاني (¬2) سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وسبعمائة فباشرها بمهابة وعفة فاستمر ثمانين يومًا ثم صرف في صفر سنة تسع وأعيد البدر إلى أن مات في سنة ثمانين وسبعمائة، واستمر البساطي إلى أن وقع بينه وبين القاضي برهان الدين بن جماعة فصرف في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين فاستمر معطلًا حتى مات ليلة الجمعة ثالث عشر صفر سنة ست وثمانين. وكان يعارض البرهان في كثير من الأمور، فاتفق أنه عرض عليه وصية ¬

_ (¬1) ترجمته في شذرات الذهب 6: 290، الدرر الكامنة 2/ 243 وهذه الترجمة ليست موجودة في نسخ الدرر المخطوطة كما قال محققها وقد اثبتها في الدرر نقلًا عن نيل الابتهاج، وقد نقل صاحب الشذرات بعض ترجمته عن ابن حجر، فلعل ابن حجر قد ذكره في كتاب آخر فالتبس الأمر على صاحب نيل الابتهاج. (¬2) في شذرات الذهب: قرطاي.

191 - سليمان بن الحسن البوزيدي الشريف التلمساني أبو الربيع

فأثبت قبل أن تعرض على ابن جماعة، فبلغه ذلك فغضب واستعان عليه بأكمل الدين، وكان البساطي لا يلتفت إلى رسائله، مع ماله من الجاه وتعظيم الملوك، فقام الأكمل في نصرة ابن جماعة حتى عزل البساطي واستقر جمال الدين بن خير -اهـ- من الدرر الكامنة لابن حجر. 191 - سليمان بن الحسن البوزيدي الشريف التلمساني أبو الربيع (¬1). الإمام العالم المحصل السيد، قال الشيخ أبو البركات التالي: شيخنا الفقيه المحقق، كان قائمًا على المدونة وابن الحاجب، مستحضرًا لفقه ابن عبد السلام، وأبحاثه نصب عينيه- اهـ. قال القلصادي في رحلته: حضرت مجلس سيدي سليمان البوزيدي وكان فقيهًا إمامًا عالمًا بمذهب مالك- اهـ. وذكر ابن غازي في ترجمة شيخه أبي محمد الورياغلي أن من شيوخه صاحب الترجمة، وأنه وصف بالشريف الحسيب النسيب الفقيه العالم المحقق الأفضل- اهـ. قال الونشريسي: شيخ شيوخنا الفقيه المحصل المحقق، له إشكالات وجهها لعالم تونس أبي عبد اللَّه بن عقاب فأجابه عنها- اهـ. وقال في وفياته: توفي شيخ شيوخنا الحافظ الذاكر شيخ الفروع أبو الربيع سليمان الشريف عام خمسة وأربعين وثمانمائة- اهـ. 192 - سليمان الحميدي الوهراني أبو الربيع (¬2). قال القلصادي في رحلته: اجتمعت به فيها، وكان فقيهًا إمامًا. 193 - سليمان بن يوسف بن إبراهيم الحسناوي البجائي (¬3). قال السخاوي: أخذ عن عمه أبي الحسين علي بن إبراهيم ومحمد بن ¬

_ (¬1) ترجمته في أعلام الجزائر ص 68، 69 وفي وفيات الونشريسي ص 142. (¬2) ترجمته في أعلام الجزائر ص 348. (¬3) ترجمته في الضوء اللامع 3: 370، وأعلام الجزائر ص 35، ومعجم المؤلفين 4: 279، وإيضاح =

194 - سليمان الورنيدي المدعو بابن يعربين

بلقاسم المشذالي، وتقدم في الفقه والأصلين والفرائض والحساب والمنطق، كتب شرحًا للمدونة وصنف في الفرائض والحساب والمنطق، وأشير إليه بالجلالة، وأكره على قضاء الجماعة فأقام به أزيد من سنتين فأعرض عنه ولازم التدريس والإفتاء إلى أن مات سنة سبع وثمانين وثمانمائة تقريبًا، وكان يصرح ببلوغ رتبة الاجتهاد ومخالفة إمامه في كثير من الفروع- اهـ. وقال الشيخ زروق في حقه: الشيخ الفقيه الإمام الصدر العالم أبو الربيع مفتي بجاية من صدور الإسلام في وقته علمًا وديانة. 194 - سليمان الورنيدي المدعو بابن يعربين الشيخ العالم النحوي، أخذ عن الأستاذ الصغير وتقدم في النحو والقراءات وتصدر لإقرائهما، أخذ عنه موسى الزواوي، وتوفي حادي عشر شعبان عام أحد وتسعين وثمانمائة، هكذا نقل من خط أبي القاسم بن إبراهيم الفاسي- اهـ. وقال الشيخ زروق في كناشته: (¬1) الأستاذ أبو الربيع عرف بابن يعربين أحد نجباء تلامذة الأستاذ الصغير، جلس مجلسه بعده لإفادة الأداء في السبع وانتفع به، كان قيمًا على ما هو به، توفي سنة اثنتين وتسعين بعد الأستاذ المصيمدي- اهـ. 195 - سليمان بن شعيب بن خضر البحيري القاهري (¬2). ولد، تقريبًا، سنة ست وثلاثين وثمانمائة (¬3)، وقدم القاهرة وهو كبير يقرأ القرآن وتلا برواية أبي عمرو وانتفع بالسنهوري في الفقه لمزيد ملازمته له فيه، وأخذ أيضًا عن العلمي وغيره، وأصول الدين والمنطق على التقي الحصني، والمنطق مع العربية والمعاني والبيان عن الجمال عبد اللَّه الكوراني، وأصول ¬

_ = المكنون 2/ 33، وتعريف الخلف 2/ 170. (¬1) لم نقف عليه في كناش الذي حققه د. علي فهمي خشيم. (¬2) ترجمته في الضوء اللامع 3: 264، 225 شجرة النور الزكية، ص 271 وكفاية المحتاج (مخطوط) ورقة. (¬3) في شجرة النور الزكية: مولده سنة 866 هـ، وفي الضوء اللامع: ولد تقريبًا بعد سنة 836.

من اسمه سعد

الفقه على العلاء الحصني، وشرح نظم التحفة (¬1) عن مؤلفه، وبرع في الفقه وقعد للإفادة بالجامع الأزهر عن السراج بن حريز، وعن شيخه السنهوري بالبرقوقية وحفظ الرسالة وألفية النحو، كل ذلك مع سكون وتواضع وديانة وتقلل وتنفع -اهـ- من الضوء اللامع. فقال البدر القرافي: من مؤلفاته شرح إرشاد ابن عسكر اعتمد فيه على ابن عبد السلام وخليل وبهرام وشرح اللمع وشرح الإرشاد أمثل، وحاشية على مختصر الجلاب بين فيها المشهور، أجاد فيها على طريقة خليل- اهـ. وقد وقفت على الأخير في جزء لطيف أخذ عن الشرف الطخيخي. من اسمه سعد 196 - سعد بن أحمد بن إبراهيم بن ليون التجيبي أبو عثمان من أهل المرية (¬2). قال الحضرمي في مشيخته: شيخنا الفقيه الجليل الأستاذ المصنف الطيب الأعرف الماهر العالم المتفنن الصالح الزاهد الفاضل، من أجل علماء الأندلس وأبرعهم تأليفًا، له تصانيف عدة في فنون نظمًا ونثرًا نحو ثلاثين تأليفًا، له قدرة على نظم العلوم ليس في بلده في زمنه أحد أكثر منه كتبًا أو أعلى اخطارًا يتنافس في اقتنائها ويهتم بها مع الاعتناء بمقابلتها وضبطها وإجادة تصحيحها، مع زهادة وورع وشدة انقباض عن الناس وزهد فيما عندهم، لم يتزوج قط ولم يزل مدة حياته يقصده فضلاء الناس وخيارهم وأشرافهم للانتفاع به في الطلب والقراءة عليه استنابة قضاة بلده في الأحكام الشرعية والنوازل الحكمية فظهرت عدالته وشكرت سيرته، واشتهرت نزاهته ولد بالمرية ونشأ بها لم يخرج منها لغيرها، كثير الصدقة لازمته ثلاثين سنة تباعًا وحفظت بعض منظوماته في الحديث والفرائض والطلب والعروض والمساحة وغيرها، وسمعت معظمها ¬

_ (¬1) في الضوء اللامع: شرح نظم النخبة. (¬2) نفح الطيب 5/ 543، والكتيبة الكامنة ص 68، والأعلام للزركلي ومستدركه 3/ 83، ودائرة البستاني 2: 257 - 262، ودرّة الحجال 3/ 292 - 295 ولقط الفرائد (ضمن مجموعة ألف سنة من الوفيات) ص 204، وكفاية المحتاج (مخطوط) ورقة.

وتفقهت عليه في علم الحديث والفرائض وغيرهما، وانتفعت بخزانته، توفي شهيدًا في الطاعون عام خمسين وسبعمائة وقد ناهز سبعين سنة، مولده عام أحد وثمانين وستمائة، أنشدني لنفسه: جُنَّةُ العالمِ "لا أدري" ... إذا ما احتاج جُنَّهْ (¬1) فَإذَا مَا تَرَكَ الجُنَّةَ ... بَانَتْ فيهِ جنّهْ فَالزَمْ الجُنَّةَ تَسْلَمْ ... إِنَّمَا الجُنَّةُ جَنَّهْ ومن نظمه أيضًا قوله: يحِقُّ الحَقُّ حَتْمًا دُونَ شَكٍّ ... وَإنْ كَره المُشكِّكُ والمُلِدُّ صَريحُ الحقِّ قدْ يَخْفَى وَلَكِنْ ... بُعَيْدَ خَفَائِهِ لا شَكَّ يَبْدُو وقوله: ما تَمَّتِ الدُّنْيَا لِشَخْصٍ وَلَا ... أَمَّل ذَا فيها سِوَى من فُتِنْ عَادَتُهَا الفَتْكُ بِمَنْ رَامَهَا ... وكُلُّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْها أَمِنْ فَلَا تَغُرَّنْكَ بلَذَّاتِها ... فَإِنَّ من غُرَّ بِهَا قَدْ غُبِنْ وقوله أيضًا: لا تَقْبَل الحُكْمَ على بَلْدَةٍ ... نَشَأْتَ فيها أنَّه يُحْقِدُ رياسةُ المرءِ على الأهلِ ... والجيرانِ والخلانِ لا تُحْمَدُ وقوله: تَغافَلْ في الأمورِ ولا تُكَثِّرْ ... تَقَصِّيهَا فالاستقصاءُ فُرْقَهْ وَسَامحْ في حُقُوقك بعضَ شيءٍ ... فما اسْتَوْفَى كريمٌ قطُّ حَقَّهْ وغير ذلك مما ذكر في حزبه المسمى (إبراء الديم في المواعظ والحكم) وقد اتفق لفظًا وخطًا مع الشيخ الفقيه العدل العالم أبى عثمان. ¬

_ (¬1) الأصل: "لجنة" وهو مخالف لجميع النسخ ونفح الطيب ولذلك اعتمدت رواية أكثر النسخ.

197 - سعد بن أحمد التجيبي

197 - سعد بن أحمد التجيبي (¬1). الجوندي الجياني أحد شيوخ الشورى والفتيا وعقد الشروط واسطة عقدهم بغرناطة وبها توفي عن نحو ثمانين سنة رابع شعبان عام اثنين وعشرين وسبعمائة، كان ضرورة لم يتزوج قط منقبضًا ذا خمول، نظّارًا مفتيًا عدلًا بصيرًا بالشروط، عارفًا بالقضاء والأحكام مطلقًا عليها، ولي قضاء المريّة عام ثمانية وتسعين وستمائة ثم قضاء البيرة وناب عن قضاء غرناطة، أخذ عن خاله الأستاذ الشهير أبي عبد اللَّه بن مسمغور، وكان لا يرى الإجازة فلم يجز أحدًا ولا حدّث بشيء، وقد تقارب مع الذي قبله في سبعة: في السن والطبقة والعلم والزهد والنسب والنيابة عن القضاة وجمع الكتب، وتفارقا في ستة: في البلد واسم الجد والشهرة والمولد والوفاة والخلق، فبين مولدهما ووفاتهما نحو ثلاثين سنة. من اسمه سعيد 198 - سعيد بن محمد بن أبي العافية المكناسي (¬2). قال ابن الأحمر في فهرسته: شيخنا الفقيه المعمر العدل، أخذ عن الراوية ابن جابر الوادي آشي وغيره، توفي بمكناسة الزيتون عام ثمانية وثمانين وسبعمائة. 199 - سعيد بن محمد بن محمد بن محمد العقباني (¬3). التلمساني إمامها وعلامتها، ذكره ابن فرحون في الأصل، وقال: إنه فقيه في المذهب متفنن في علوم، سمع من ابني الإمام وتفقه بهما، وأخذ الأصول عن الأبلِّي وغيره، وصدارته في العلم مشهورة، ولي قضاء الجماعة ¬

_ (¬1) ترجمته في: كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج (خ) 49 أ، وبرنامج القرويين ص 105. (¬2) ترجمته في جذوة الاقتباس ص 519. (¬3) ترجمته في الأعلام 3: 101، والديباج المذهب ص 124، وشجرة النور الزكية، 1/ 250 وكفاية المحتاج (خ) 49 أ - ب، ووفيات الونشريسي ص 137 ولقط الفرائد ص 236 وكلاهما ضمن مجموعة ألف سنة من الوفيات، وتعريف الخلف 2/ 153.

200 - سعيد الدكالي المغربي.

ببجاية في زمن أبي عنان والعلماء يومئذ متوافرون، وولي أيضًا قضاء تلمسان، وله في ولاية القضاء ما ينيف عن أربعين سنة، ألف شرح الحوفي لا نظير له وشرح جمل الخونجي وتلخيص ابن البنا وقصيدة ابن ياسمين في الجبر والمقابلة والعقيدة البرهانية وتفسير سورة الفتح أتى فيه بفوائد جليلة وهو باق بالحياة- اهـ. وقال غيره: العقباني نسبة لعقبان قرية بالأندلس أصله منها تحيبي النسب، إمام فاضل فقيه متفنن في علوم شتى، قرأ الفرائض على الحافظ السطي وولي قضاء بجاية وتلمسان وسلا ومراكش، وكان يقال له رئيس العقلاء، وقال ابن صعد: كان فقيهًا علامة خاتمة قضاء العدل بتلمسان- اهـ. ألّف شرح الحوفية ولم يؤلف عليها مثله، وتفسير سورتي الأنعام والفتح وشرح البردة وشرحًا جليلًا على ابن الحاجب الأصلي أخذ عنه الأئمة كالإمام العارف باللَّه إبراهيم المصمودي والإمام العارف أبي يحيى الشريف، والإمام الحجة ابن مرزوق الحفيد وولده الإمام العلامة قاسم العقباني والإمام أبي الفضل ابن الإمام والإمام الفاضل أبي العباس بن زاغو وغيرهم، وبالإجازة الإمام المحقق النظار محمد بن عقاب الجذامي، قال الونشريسي في وفياته: مولده بتلمسان عام عشرين وسبعمائة وتوفي عام أحد عشر وثمانمائة- اهـ. وتقدمت ترجمة حفيده القاضيين أبي العباس وأبي سالم، وستأتي تراجم ولده قاسم مع حفيديه القاضي محمد بن أحمد وعبد الواحد إن شاء اللَّه تعالى. 200 - سعيد الدكالي المغربي. نزيل مكة، كان عالمًا فقيهًا، حيًا بعد التسعين وثمانمائة. 201 - سعيد بن علي السوسي الأوزالي (¬1). قال عبد الواحد الشريف في فهرسته: شيخنا الفقيه العالم أخذ عن أبي ¬

_ (¬1) انظر نشر المثاني 1/ 371 ولقط الفرائد ص 326.

202 - سرور بن عبد الله بن سرور

عبد اللَّه بن مهدي، كان صالح النية طاهر الطوية سليم الصدر بعيدًا عن خلق أهل الدنيا، مجبولًا على عدم التصنع وقلة المبالاة، تولى قضاء سوس فحمدت سيرته لتحري الحق والوقوف على القسطاس القيم، له نية صالحة في التعليم يقريء الفقه والعربية والحساب، معتنيًا بمطالعة توضيح الشيخ خليل والمرادي على الألفية، مستحضرًا لهما لا يفتر ليلًا ولا نهارًا وفاقًا على النصوص مستحضرًا للصواب، حاضر الذهن مع محبة أهل البيت النبوي- اهـ. قلت: جرى بيني وبينه مراسلة، توفي عام أحد وألف. 202 - سرور بن عبد اللَّه بن سرور (¬1). أبو الوليد الشيخ الإمام القريشي المغربي التونسي المالكي عرف باسمه، قال البرهان البقاعي في عنوانه: ولد، كما أخبرني به، سنة إحدى وتسعين وسبعمائة في قسنطينة، ثم قطن الاسكندرية وبقي فيها مسلسلًا في بعض المراكب في آخر سنة أربعين وثمانمائة (¬2)، ثم بلغنا في شعبان سنة خمس أنَّه قتل واختفى خبره- اهـ. 203 - سالم بن محمد السنهوري (¬3). الشيخ الفقيه المحدث المتفنن العلامة أحد شيوخ مصر، أدرك الناصر اللقاني وتفقه بالشيخ محمد البنوفري، وأخذ الحديث عن نجم الدين الغيطي وبرع في الفقه والحديث وغيرهما، واشتهر ودرس وأفتى، وأخبرني بعض من لقيت من أصحابه أن له تعليقًا عن مختصر خليل وهو الآن حي، نفع اللَّه به. ¬

_ (¬1) ترجمته في الضوء اللامع 3: 245، كفاية المحتاج 50 أ، الحلل السندسية 1/ 3، أعلام الجزائر 366. (¬2) في الضوء اللامع: سنة أربع وأربعين. (¬3) (ط) المحبي: خلاصة الأثر 2: 204، ومعجم المؤلفين 2: 204 اليواقيت الثمينة 1: 155 - 157، هداية العارفين 1: 381، فهرست الخديوية 7/ 1 ص 136، 212، 213، 243 - 7/ 2 ص 513، المكتبة البلدية: فهرست الحديث 37، كشف الظنون ص 1628، الأعلام 3: 72.

حرف الشين المهملة

حرف الشين المهملة 204 - شعيب بن الحسن الأندلسي (¬1). شيخ المشايخ سيدي أبو مدين سيد العارفين وقدوتهم، الإمام المشهور، عرف به جماعة بل ألف ابن الخطيب القسنطيني في تعريفه وأصحابه جزء قال هو وغيره كان من أفراد الرجال، ومن صدور الأولياء الأبدال، جمع بين الشريعة والحقيقة، أقام هاديًا وداعيًا للحق قصدت زيارته من جميع الأقطار وشهر بشيخ المشايخ، وذكر التادلي وغيره: أنه تخرج به ألف شيخ من الأولياء أولي الكرامات، وقال أبو الصبر كبير مشايخ وقته: كان أبو مدين زاهدًا فاضلًا عارفًا باللَّه تعالى، خاض بحار الأحوال ونال أسرار المعارف خصوصًا مقام التوكل لا يشق غباره، ولا تجهل آثاره. قال التادلي: كان مبسوطًا بالقبض مقبوضًا بالمراقبة كثير الالتفات بقلبه لربه حتى مات وهو يقول في آخر الزمان اللَّه الحق، وكان من أعلام العلماء ¬

_ (¬1) انظر شجرة النور الزكية ص 164 وهو ولي مشهور ومصادره كثيرة، وما ورد هنا من القصص الصوفية يساق على علاته لصلته بتاريخ الرجل وله ترجمة في: جذوة الاقتباس ص 531، وسلوة الأنفاس 1/ 364، وكفاية المحتاج (خ) وقد ترجم له ولأصحابه من المتصوفة ابن قنفذ في كتابه (أنس الفقير وعز الحقير) الذي حققه الأستاذ محمد الفاسي وهو من منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي سنة 1965 وله ترجمة أيضًا في: التشوف إلى رجال التصوف ص 316 وشذرات الذهب 4/ 303 وتعريف الخلف 2/ 172 والاستقصاء 2/ 189 ولواقح الأنوار 1/ 154 وعنوان الدراية ص 22 - 32 ووفيات ابن قنفذ 297 - 298، وكفاية المحتاج (خ) 50 أ - 52 أ.

وحفاظ الحديث خصوصًا جامع الترمذي قائمًا عليه رواه عن شيوخه عن أبي ذر، يلازم كتاب الأحياء وترد عليه الفتاوى في مذهب مالك فيجيب عنها في وقتها، له مجلس وعظ يتكلم فيه على الناس، وتمر به الطيور وهو يتكلم فتقف تسمع، وربما مات بعضها وكثيرًا ما يموت بمجلسه أهل الحب، تخرّج به جماعة من العلماء والمحدثين وأرباب الأحوال، كان شيخه أبو يعزى يثني عليه ويعظمه بين أصحابه. ولما قدم من الأندلس قرأ على الحافظين أبي الحسن بن حرزهم والفقيه العلامة ابن غالب، وذكر عنه أنه قال: كنت في ابتدائي إذا سمعت تفسير آية أو حديث قنعت به وانصرفت لموضع خارج فاس أتخذه للعمل بما فتح اللَّه عليّ به، فإذا خلوت تأتيني غزالة تؤنسني وأمرّ في طريقي بالكلاب فيبصبصوا لي ويدوروا حولي، فبينا أنا يومًا بفاس إذا رجل أندلسيّ من معارفي سلّم عليّ فقلت وجبت ضيافته فبعث ثوبًا بعشرة درهم فطلبته لأدفعها له فلم أجده هنالك فحملتها معي وخرجت لخلوتي، على عادتي، فتعرض لي الكلاب فمنعوني الجواز حتى جاء رجل حال بيني وبينهم، ولما وصلت قريتي جاءتني الغزالة، على عادتها، فشمتني ونفرت عني وأنكرت عليّ، فقلت ما أوتي عليّ ألد من هذه الدراهم التي معي فرميتها عني فسكنت الغزالة وعادت لحالها معي، ولما رجعت لفاس رفعتها معي ولقيت الأندلسيّ فدفعتها له ثم خرجت للخلوة فدار بي الكلاب فبصبصوا على عادتهم، وجاءت الغزالة فشمتني وأتت كعادتها وبقيت كذلك مدة، وأخبار أبي يعزى ترد عليّ وكراماته يتداولها الناس فملأ قلبي حبه فقصدته مع الفقراء فلمّا وصلنا إليه أقبل عليهم دوني وإذا حضر الطعام منعني من الأكل معهم، فبقيت ثلاثة أيام فأجهدني الجوع وتحيرت من خواطر ترد عليّ وقلت في نفسي إذا قام الشيخ من موضعه مرغت فيه وجهي فلما قام مرغته فإذا أنا لا أبصر شيئًا فبكيت ليلتي فلما أصبح دعاني وقربني فقلت: يا سيدي قد عميت فمسح بيده على عيني فبصرت ثم على صدري فزالت عني تلك الخواطر وفقدت ألم الجوع، وشاهدت في الوقت عجائب بركاته ثم استأذنته في الانصراف للحج فأذن لي وقال لي ستلقى في

طريقك الأسد فلا يرعبك فإن غلب عليك خوفه فقل له: بحرمة آل النور إلا انصرفت عني، فكان الأمر كما قال. وتوجه للمشرق وأنوار الولاية عليه ظاهرة فأخذ عن أعلام علمائها، واستفاد من زهادها وأوليائها وتعرف في عرفة بالشيخ عبد القادر الجيلاني فقرأ عليه بها الحرم كثيرًا من الحديث وألبسه الخرقة وأودعه كثيرًا من أسراره وحلاه بملابس أنواره فكان أبو مدين يفتخر بصحبته ويعده أفضل مشايخه الأكابر. وعن بعض الأولياء قال: رأيت في النوم قائلًا يقول: قل لأبي مدين بث العلم ولا تبال ترتع غدًا مع العوالي فإنك في مقام آدم أبي الذراري قال فقصصتها عليه فقال لي: عزمت على الخروج للجبال والفيافي وأبعد عن العمران، ورؤياك هذه تأمرني بالجلوس وترك العزم، فقولك: ترتع غدًا مع العوالي إشارة لحديث حلق الذكر مراتع أهل الجنة والعوالي أصحاب عليين، ومعنى قوله أبي الذراري أنه أعطى قوة النكاح وأمر به، ولم يجعل له قوة على كونهم مطيعين ونحن أعطينا العلم وأمرنا ببثه وتعليمه، ولا قدرة لنا على كون أتباعنا موفقين. وكان يقول: كرامات الأولياء نتائج معجزاته -صلى اللَّه عليه وسلم- وطريقتنا هذه أخذناها عن أبي يعزى بسنده إلى الجنيد بسنده للحسن البصري عن علي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعن العارف عبد الرحيم المغربي قال سمعت أبا مدين يقول: أوقعني ربي -عَزَّ وَجَلَّ- بين يديه وقال لي: يا شعيب ماذا عن يمينك فقلت يا رب عطاؤك قال وماذا عن شمالك فقلت يا رب قضاؤك، قال: يا شعيب قد ضاعفت لك هذا وغفرت لك هذا طوبى لمن رآك أو رأى من رآك. وعن أبي العباس المرسي قال: جلت في الملكوت فرأيت سيدي أبا مدين متعلقًا بساق العرش وهو يومئذ رجل أشقر أزرق فقلت له: وما علومك وما مقامك؟ فقال علومي أحد وسبعون علمًا ومقامي رابع الخلفاء ورأس السبعة الأبدال. وسئل عما خصه اللَّه به فقال: مقامي العبودية وعلومي الألوهية، وصفاتي مستمدة من الصفات الربانية، ملأت عظمته سري وجهري وأضاء بنوره بري وبحري فالمقرب من كان به عليمًا، ولا يسمو إلا من أوتي قلبًا سليمًا يسلم من سواه،

ولا يكون في الدعاء إلا ما جعل فيه مولاه فقلب العارف يسرح في الملكوت بلا شك "وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السحب". وسئل في مجلسه عن الحب فقال: أوله دوام الحب ووسطه الأنس بالمذكور وأعلاه أن لا ترى سواه، واختلف أهل مجلسه هل الخضر ولي أو نبي فرأى رجل صالح منهم معروف بالولاية تلك الليلة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال له: الخضر نبيّ وأبو مدين وليّ. وذكر التادلي وغيره أن رجلًا جاء ليعترض عليه فجلس في حلقته فقرأ صاحب الدولة، فقال له أبو مدين: أمهل قليلًا ثمَّ التفت للرجل وقال له لم جئت؟ فقال لأقتبس من نورك فقال له: ما الذي في كمك؟ فقال مصحف فقال له افتحه واقرأ في أول سطر يخرج لك، ففتحه وقرأ أول سطر فإذا فيه {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا} الآية، فقال أبو مدين: أما يكفيك هذا فاعترف الرجل وتاب وصلح حاله. وذكر صاحب الروض عن الشيخ الزاهد عبد الرزاق أحد خواص أصحابه قال: مرّ الشيخ في البلاد الغرب فرأى أسدًا افترس حمارًا وصاحبه جالس بالبعد على غاية الحاجة والفاقة وجاء أبو مدين وأخذ بناصية الأسد فقال له الشيخ: امسك الأسد واستعمله في الخدمة بموضع حمارك فقال: يا سيدي أخاف منه فقال: لا تخف لا يستطيع أن يؤذيك فمرّ بالأسد يقوده والناس ينظرون، فلما كان آخر النهار جاء الرجل معه الأسد للشيخ وقال: يا سيدي هذا الأسد يتبعني أينما ذهبت وأنا خائف منه لا طاقة لي بعشرته، فقال الشيخ للأسد: اذهب ولا تعد ومتى آذيتم بني آدم سلطتهم عليكم. ومن مشهور كراماته أنه كان ماشيًا يومًا على الساحل فأسره العدو وجعلوه في سفينة فيها جماعة من الأسارى، فلما استقر في السفينة توقفت عن السير ولم تتحرك مع قوة الريح ومساعدتها، وأيقن الروم أن لا يقدروا على السير فقال بعضهم: أنزلوا هذا المسلم فإنه قسيس ولعله من أصحاب السرائر عند اللَّه تعالى فأشاروا إليه بالنزول فقال: لا إلّا إن أطلقتم كل من فيها من

الأسارى فعلموا أن لا بدّ لهم من ذلك فأنزلوهم كلهم وسارت السفينة في الحال. ومنها انه لما اختلفت طلبة بجاية في الحديث "إذا مات المؤمن أعطي نصف الجنة" فأشكل عليهم ظاهره إذ يموت مؤمنان يستحقان كل الجنة فجاؤوه وهو يتكلم على رسالة القشيري فقال لهم بلا سؤال: المراد يعطى نصف جنته هو فيكشف له عن مقعده ليتنعم به وتقر عينه ثم النصف الآخر يوم القيامة، وكان يأتيه الأولياء من البلدان للاستفتاء فيما يعرض لهم من المسائل. وذكر تلميذه عبد الخالق التونسي عنه أنه قال: سمعت رجلًا يسمى موسى الطيّار يطير في الهواء ويمشي على الماء، وكان رجل يأتيني عند طلوع الفجر فيسألني عن مسائل الناس فوقع لي ليلة أنه موسى الطيار الذي أسمع به، فلما طلع الفجر نقر البابَ رجلٌ فإذا هو الذي يسألني فقلت له: أنت موسى الطيار؟ فقال نعم ثم سألني فانصرف، ثم جاءني مع آخر فقال لي: صليت الصبح ببغداد وقدِمْنا مكةَ فوجدناهم في الصبح فأعدنا معهم وبقينا حتى صلينا الظهر فجئنا القدس فإذا هم في الظهر، فقال صاحبي هذا نعيد معهم فقلت لا فقال لي: أعدنا الصبح بمكة فقلت له: كذلك كان شيخي يفعل وبه أمرنا فاختلفنا فقال أبو مدين: فقلت لهم: أما إعادة الصبح بمكة فإنها عين اليقين وببغداد علم اليقين وعين اليقين أقوى من علمه، وصلاتكم بمكة وهي أم القرى فلا تعاد في غيرها فقال فقنعا به وانصرفا. وفي حقائق المقري عن أبي زيد البسطامي أنه قال: يظهر آخر الزمان رجل يسمى شعيبًا لا تدرك له نهاية قال وهو أبو مدين- اهـ. وكان استوطن بجاية وبفضلها عن كثير من المدن ويقول: إنها تعين على طلب الحلال، وما زال حاله يزداد رفعة وترد عليه الوفود من الآفاق ويخبر بالغيوب حتى وشى به بعض علماء الظاهر عند يعقوب المنصور وخوفوه منه على الدولة وأنه يشبه الإمام المهدي قد كثر أتباعه في كل بلد فوقع في قلبه وأهمّه

شأنُه فبعث إليه في القدوم عليه ليختبره. ووصى صاحب بجاية به وأن يحمله خير محمل فلما أخذ في السفر شق على أصحابه وتغيروا فسكنهم وقال إن منيتي قربت وبغير هذه المكان قُدَّرت ولا بد منه وقد كبرت وضعفت، لا أقدر على الحركة فبعث اللَّه لي من يحملني إليه برفق وأنا لا أرى السلطان ولا يراني، فطابت نفوسهم وعدوه من كراماته فارتحلوا به على أحسن حال حتى وصلوا حوز تلمسان فبدت لهم رابطة العباد فقال لأصحابه ما أصلحه للرقاد فمرض فلما وصل وادي يسر اشتد مرضه ونزلوا به هناك فكان آخر كلامه اللَّه حق، فتوفي سنة أربع وتسعين وخمسمائة فحمل للعباد مدفن الأولياء الأوتاد وخرج أهل تلمسان لجنازته فكانت مشهدًا عظيمًا. وفي ذلك اليوم تاب الشيخ أبو عمر الحباك وعوقب السلطان فمات بعده بسنة أو أقل، والدعاء عند قبره مستجاب مجرَّب، كما حققه سيدي محمد الهواري في كتابه التنبيه. ومن كلامه: إذا رأيت من يدّعي مع اللَّه تعالى حالًا وليس على ظاهره شاهد فاحذروه، وقال: "حسن الخلق معاشرة كل شخص بما يؤنسه ولا يوحشه، فمع العلماء يحسن الاستماع والافتقار، ومع أهل المعرفة بالسكون والانتظار، ومع أهل المقامات بالتوحيد والانكسار" وقال: "الحق تعالى مطلع على السرائر والضمائر في كل نفس وحال فأي قلب رآه مؤثرًا له حفظه من الطوارق والمحن وفضلات الفتن"، وسئل عن التسليم فقال: "إرسال النفس في ميدان الأحكام وترك الشفقة عليها من الطوارق والآلام"، وقال: "من رزق حلاوة المناجاة زال عنه النوم، ومن اشتغل بطلب الدنيا ابتلي فيها بالذل، ومن لم يجد من قلبه زاجرًا فهو خراب" وقال: "بفساد العامة تظهر ولاة الجور، وبفساد الخاصة تظهر دجاجلة الدين الفتانون"، وقال: "من عرف نفسه لم يغتر بثناء الناس عليه ومن خدم الصالحين ارتفع ومن حرمه اللَّه احترامهم ابتلاه اللَّه بالمقت من خلقه، وانكسار العاصي خير من صولة المطيع"، وقال: "علامة الإخلاص أن يغيب عنك الخلق في مشاهدة الحق"، وسئل عن الشيخ فقال: "الشيخ من شهدت له ذاتك بالتقديم وسرك

205 - شعيب بن محمد بن جعفر بن شعيب أبو مدين

بالتعظيم، والشيخ من هذبك بأخلاقه وأدبك بإطراقه وأنار باطنك بإشراقه" إلى غير هذا من حكمه. وقد ذكرت منها طائفة من غير هذا الموضع، نفعنا اللَّه به آمين. 205 - شعيب بن محمد بن جعفر بن شعيب أبو مدين (¬1). قال في الدرر الكامنة: رأيت بخط البدر الزركشي أنه أحد أذكياء العالم قال: وذكر لي أنه ولد في شعبان سنة سبع وعشرين وسبعمائة وإنما أخذ عن ابن عبد السلام الابلي، وكان علامة في الفقه والنحو واللغة والحساب والمنطق، جيد القريحة أتقن علومًا عدة حتى الكتابة والتدليك (¬2)، وقدم القاهرة سنة سبع وخمسين ثم سافر إلى حماة وتزوج، وبلغتنا وفاته سنة خمس وسبعين وسبعمائة (¬3). 206 - شبيب بن أبرهة بن محمد بن حيدة أبو الحسن القفصي (¬4). ولد بقفصة سنة عشر وخمسمائة، كان فقيهًا صالحًا نحويًا بارعًا زاهدًا، وله في الفقه تعاليف، وفي النحو تصانيف، حدث عن السلفي، ومات سنة ثمان وخمسين. صح من تاريخ مصر للسيوطي. 207 - شقرون بن محمد بن أحمد بن أبي جمعة المغراوي (¬5). الأستاذ المتكلم المقري الحافظ الضابط أبو عبد اللَّه محمد، أخذ عن العلامة محمد بن غازي ورثاه بقصيدة، وتوفي سنة سبع وعشرين وتسعمائة، كذا بخط صاحبنا أحمد بن القاضي المكناسي، وله تعاليق منها: الجيش الكمين في الكَرِّ على من يكفر عوام المسلمين. ¬

_ (¬1) كفاية المحتاج (خ) 52 أ، والدرر الكامنة 2/ 209. (¬2) في الدرر الكامنة: التزميك. (¬3) في الدرر الكامنة: وبلغتنا وفاته سنة 770 هـ. (¬4) ترجمته في معجم المؤلفين 4: 295، عن نيل الابتهاج، وكفاية المحتاج (خ) 52 أ. (¬5) ترجمته في معجم المؤلفين 4: 303، ولقط الفرائد 289، وكفاية المحتاج 52 ب، وفي جميعها: توفي سنة 929 هـ، البستان: 115 وفهرس الفهارس 2/ 394، ودرة الحجال 2/ 151.

حرف الصاد المهملة

حرف الصاد المهملة 208 - صالح بن محمد بن موسى أبو محمد (¬1). الشيخ مجد الدين الحسني الزواوي، ولد ليلة الأربعاء ثامن عشر رجب سنة ستين، وتوفي سادس عشر رجب سنة تسع وثلاثين وثمانمائة. ¬

_ (¬1) ترجمته في الضوء اللامع 3/ 315 - 317.

حرف الطاء المهملة

حرف الطاء المهملة 209 - طاهر بن محمد بن علي بن محمد النويري (¬1). المقريء الشيخ زين الدين طاهر، ولد بعد خمس وتسعن وسبعمائة، وتلا عن ابن الجزري وغيره وتفقه بالبساطي وغيره، وأخذ النحو عن سبط بن هشام ولازم القاياتي في المعقول، وصار أحد الأئمة المالكية في جمعه الفنون، جامعًا بين العلم والتواضع والعفة والانقطاع عن الناس، ولي تدريس المالكية بالبرقوية وبمدرسة حسن، والإقراء بالجامع الطولوني، وانتفع به الناس. مات في ربيع الأول سنة ست وخمسين وثمانمائة -اهـ- من كتاب أعيان الأعيان للسيوطي. وقال السخاوي: وتفقه بالجمال الأقفهسي والشهاب الصنهاجي وأبي عبد اللَّه بن مرزوق شارح البردة وعبيد البشكالي والزين عبادة والبياطي ولازمه حتى أذن له وتصدى لنشر العلم وصار من العلماء المعدودين المتقنن العارفين بالفقه وأصوله والعربية والقراءات وغيرها سالكًا طريق الصلاح، كثرت تلامذته مع الانجماح عن الناس. ولد بعد التسعين وسبعمائة وتوفي عام ستة وخمسين وثمانمائة- اهـ. وذكره القلصادي في رحلته من شيوخه فقال: اشتغلت على الشيخ الفقيه الإمام المفيد زين الدين طاهر، فقرأت عليه بعض الجلاب ومختصر ¬

_ (¬1) ترجمته في الضوء اللامع 4: 5، وشجرة النور الزكية ص 242.

210 - طاهر بن زيان الزواوي القسنطيني

خليل وشرحه للبساطي وشرح الشاطبية للفاسي- اهـ. 210 - طاهر بن زيان الزواوي القسنطيني (¬1). الشيخ الفقيه الصوفي الولي الصالح العارف باللَّه، نزيل المدينة المشرفة أخذ عن الإمام القطب سيدي أحمد زروق وعن ولده الشيخ أحمد زروق الصغير وانتفع بهما، وله تآليف في التصوف كنزهة المريد في معاني كلمة التوحيد في ثلاثة كراريس، ورسالة القصد إلى اللَّه في كراسين. توفي بعد الأربعين وتسعمائة. 211 - الطيب بن أبي بكر الغدامسي (¬2). فقيه نبيه ببلده تفقه بأبيه، وأبوه أخذ عن أبي عبد اللَّه الرصاع، رحل وحج، توفي بعد الستين وتسعمائة، له نظم حسن. ¬

_ (¬1) ترجمته في معجم المؤلفين 5: 35، وتعريف الخلف 2/ 191، وشجرة النور الزكية ص 278 عن نيل الابتهاج. (¬2) انظر أعلام ليبيا ص 184.

حرف الظاء المعجمة

حرف الظاء المعجمة 212 - ظافر بن الحسين أبو منصور الأزدي المصري (¬1). شيخ المالكية، انتصب للإفادة والفتيا، وانتفع به بشر كثير، مات بمصر في جمادى الأخير سنة سبع وتسعين وخمسمائة. قاله الذهبي في العبر من تاريخ مصر. 213 - ظهيرة بن محمد بن محمد بن محمد بن ظهيرة ظهير الدين أبو الفرج القرشي المكي (¬2). ولد في ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة [بمكة] (¬3) ونشأ بها فحفظ القرآن ومختصر ابن الحاجب والرسالة، وكان ديّنًا بارعًا في الفقه والعربية، ولي قضاء المالكية بمكة بعد شيخه عبد القادر المكي سنة ثمان وستين وباشره بعفة ونزاهة ومبالغة في التأدب مع شيخه ومراعاة لخاطره، ثم انفصل عنه بعد الشهر -اهـ- من السخاوي. قال السيوطي: لما أضرّ الشيخ عبد القادر المكي أشار بتولية تلميذه ظهيرة بن أبي حامد بن ظهيرة ثم توفي ظهيرة المذكور آخر سنة ثمان وستين- اهـ. ¬

_ (¬1) انظر شذرات الذهب 4/ 329. (¬2) ترجمته في معجم المؤلفين 2: 153، الضوء اللامع 4/ 15. (¬3) بمكة. زيادة من الضوء اللامع.

حرف العين المهملة

حرف العين المهملة العبادلة 214 - عبد اللَّه بن أحمد بن الحاج الهواري (¬1). عرف بابن حِفَاظ أبو محمد قال ابن الأبّار: روى عن الباجي ولازمه وتفقه به، وأجازه ابن الحذَّاء وهو من أصحاب أبي الحسن طاهر بن مفوّز وله معه قصة تدل على فضله قال القاضي عياض: حدثني أبو الحسن بن مفوز قال: لازم ابن حفاظ الباجي وكان يميل لمذهبه في جواز كتبه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده في قضية المقاضاة، على ظاهر بعض رواياتها، ويعجب به وكنت أنكر عليه، ثم ذكر لي يومًا أن رجلًا رأى في النوم أنه في المدينة في مسجده ورأى قبره -عليه السلام- أمامه فيجد قشعريرة وهيبة عظيمة، ثم يراه انشق ويميد ولا يستقر ففزع وسألني عن تأويله فقلت له: أخشى عليه أن يصفه بغير صفته أو يفتري عليه، فقال لي: من أين هذا؟ قلت: من قوله تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} الآية، فقال لي: للَّه درك يا سيدي وقبّل رأسي وعيني وبكى مرة وضحك ثم قال له: أنا صاحب الرؤيا وتمامه أنه في حال الفزع كنت أقول: واللَّه ما هذا إلا أني أعتقد أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كتب فكنت أبكي وأقول أنا تائب يا رسول اللَّه، وأكرره مرارًا، فرأيت القبر عاد لهيئته أولًا فاستيقظت ثم قال لي: وأنا أشهد أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما كتب حرفًا قط وعليه ألقى اللَّه فقلت له: الحمد للَّه ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: تكملة الصلة 2/ 804.

215 - عبد الله بن محمد بن طريف أبو محمد السرقسطي

الذي أراك البرهان- اهـ (¬1). 215 - عبد اللَّه بن محمد بن طريف أبو محمد السرقسطي (¬2). يعرف بحفيد هاشم، قال ابن الأبار: كان فقيهًا جليلًا زاهدًا شرح تفريع الجلاب في ستة أسفار، وأجمع أهل المرية على استقضائه وأعلموه بكتبهم فيه ليوسف بن تاشفين قبل ولاية ابن الفرّاء فقال لهم: إن فعلتم هذا قررت أهلي وولدي واللَّه يسألكم عني وعنهم، فتركوه، وقرأ عليه أبو عبد اللَّه الحمزي تأليفه. 216 - عبد اللَّه بن طلحة بن محمد بن عبد اللَّه اليابري نزيل اشبيلية أبو بكر (¬3). قال ابن الأبار: روى عن الباجي وجماعة، ذا معرفة بالنحو والأصول والفقه والتفسير قائمًا عليه وهو الغالب عليه، رحل للمشرق فلقي الزيدوني وروى عنه وشرح صدر الرسالة بين عقائده، وله المدخل وكتاب الرد على ابن حزم، وكتاب سيف الإسلام على مذهب مالك ألفه للأمير علي بن تميم الصهناجي صاحب المهدية، استوطن مصر مدة ثم رحل لمكة وبها توفي، له تآليف في الأصول والفقه، روى عنه أبو المظفر الشيباني وأبو الحجاج يوسف القيرواني، سمع منه الموطأ في صفر عام ستة عشر وخمسمائة- اهـ. 217 - عبد اللَّه بن مروان بن محمد بن مروان البلنسي (¬4). قاضيها أبو الحسن، سمع من أبي علي الصدفي. وأجازه وأخاه أبو الوليد ¬

_ (¬1) نقله ابن الأبار من كتاب الغنية (فهرست شيوخ القاضي عياض) ص 162، الدار العربية للكتاب. (¬2) تكملة الصلة لابن الأبار 2/ 809. المعروف بحفيد هاشم الذي ترجم له ابن الأبار وهو عين ما نقله عنه أحمد بابا التنبكتي هو: عبد اللَّه بن إبراهيم بن هاشم القيسي وقد جاءت ترجمته في التكملة عقب عبد اللَّه بن محمد بن طريف، فالتبس الأمر على صاحب النيل فأقحم ترجمة الثاني تحت اسم الأول. فوجب التنبيه. (¬3) النفح 2: 648، بغية الوعاة ص 284، التكملة لابن الأبار ص 2/ 815، معجم المؤلفين 6: 65. (¬4) الحلل السندسية للأمير شكيب ارسلان 3: 191، والمعجم في أصحاب القاضي الصدفي ص 214 وتكملة الصلة 2/ 822.

218 - عبد الله بن أحمد بن سماك العاملي الغرناطي أبو محمد

الوقشي وأبو مروان بن سراج. ولي القضاء ببلده عام عشرين وخمسمائة بعد وفاة ابن واجب وأقام عشرين سنة قويم الطريقة صلبًا في الحق جدلًا نافذًا في الأحكام بصيرًا بها، صادق الفراسة، له فيها أخبار، من بيت نباهة ورئاسة، توفي مصروفًا عن القضاء في رجب سنة خمس وثلاثين وخمسمائة. صح مع ابن الأبار. 218 - عبد اللَّه بن أحمد بن سماك العاملي الغرناطي أبو محمد (¬1). قال ابن الأبار: سمع من أبي المظفر والشعبي (¬2) وتفقه به وروى عن أبي علي الغساني وقعد لتدريس الفقه والمناظرة عليه في المدونة وغيرها، تولى شورى بلده ثم قضاءها، تفقه به أبو عبد اللَّه بن الفرس وأبو خالد بن رفاعة. توفي سابع عشرين من رمضان سنة أربعين وخمسمائة عن أربع وثمانين سنة. 219 - عبد اللَّه بن سعيد أبو محمد البلنسي (¬3). يعرف بالطرَّاز، صحب الفقيه ابن عقال في رحلته لقرطبة وسمعا من ابن العربي وتناظرا في المدونة على البطروني، وكان يحكي من حفظه واستبحاره عجبًا، وعني بحفظ المسائل والخلاف وكان بصيرًا به دؤوبًا على الدرس. ذكره ابن عباد الحديث وغيره، صح من ابن الأبار. 220 - عبد اللَّه بن عيسى بن أحمد بن سليمان بن أبي حبيب أبو محمد (¬4). من أهل شِلْب قاضيها قال ابن الأبار: روى عن أبي بحر الأسدي وأبي الحسن بن مغيث وغيرهما، كان عالمًا بالأصول والفروع حافظًا للحديث ورجاله والخلاف والعربية والهيئة، من أهل الخير والدين والزهد، امتحن في قضائه بالأمراء لإقامته الحق وإظهاره العدل فاعتقل بقصر اشبيلية، ثم سرح ورحل ¬

_ (¬1) القدح المعلى ص 134، والفتح 2: 314، تكملة الصلة 2/ 727، والإحاطة 3: 410، ومجلة المعهد المصري بمدريد المجلد 20 ص 10. (¬2) كذا في المطبوعة وفي تكملة الصلة: سمع من أبي المطرِّق الشعبيّ. (¬3) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 182، التكملة 2/ 833 وفيها: ذكره محمد بن عيّاد لا ابن عباد. (¬4) ترجمته في دائرة المعارف بطرس البستاني 11: 514.

221 - عبد الله بن عبد الغفور بن سلمان بن يوسف الفهري أبو محمد

للحج ودخل المهدية ولقي المازريَّ وصاحبه ثلاثة أعوام ثم حج ولقي بمكة أبا عتيق الأوريوليّ ثم العراق وخراسان وأقام بها أعوامًا وطار ذكره في هذه البلاد وعظم مكانه علمًا ودينًا، ولبيته نباهة ووجاهة وثروة. توفي بهراة في جمادى الأخير سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، مولده بشلب يوم الأربعاء ثامن ربيع الأول سنة أربع وثمانين وأربعمائة- اهـ. 221 - عبد اللَّه بن عبد الغفور بن سلمان بن يوسف الفهري أبو محمد (¬1). من أهل مالقة قال ابن الأبار: روى بقرطبة عن أبي جعفر بن عبد الحق الخزرجي وأبي عبد اللَّه بن الحاج من أهل المعرفة بالفقه والقراءات، ووقفت على مختصر في الوثائق لأبي محمد عبد اللَّه بن عبد الغفور الأقليشي ولا أدري هل هو هذا أم لا- اهـ. 222 - عبد اللَّه بن أحمد بن إسماعيل بن عبد الرحمن العبدري البلنسي (¬2). يعرف بابن مابوال (¬3) أبو محمد قال ابن الأبار: أخذ القراءات عن ابن باسُهْ وروى عن أبي علي الصدفي وأبي محمد الطليوسي وسمع منه كثيرًا ولازمه كثيرًا أي طويلًا، وعن أبي الحسن بن واجب وجماعة، واستوطن اشبيلية وسمع بها من القاضي أبي مروان الباجي وأبي الحسن شريح وابن العربي وتحقق بها ودرّس في مجلسه، وكان ابن العربي يثني عليه وروى عن عياض والسلفي، وكان حافظًا للفقه قائمًا عليه بصيرًا به، نافذًا فيه مع الصلاح والفضل والزهد، شرح صحيح مسلم لم يتم ورسالة بن أبي زيد، وكان الحافظ أبو بكر بن الجد يحدث عنه (¬4) وأبو زكريا ويحيى بن أحمد بن مرزوق الجذامي. توفي بإشبيلية سنة ست وستين وخمسمائة. 223 - عبد اللَّه طاهر بن حيدرة بن مفوِّز المعافري الشاطبي (¬5). أبو محمد، قال ابن الأبار: قرأ على أبي الحسن بن أبي العيش وسمع ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في التكملة لابن الأبار 2/ 836. (¬2) انظر ترجمته في معجم أصحاب الصدفي ص. . . . . . والتكملة ص 2/ 845. (¬3) في معجم أصحاب الصدفي: ابن موجوال وكذا في التكملة. (¬4) في تكملة الصلة: وكان الحافظ أبو بكر بن الجد يَغَصُّ به ويَغُضُّ منه. (¬5) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 147، معجم أصحاب الصدفي ص 208، التكملة 2/ 847.

224 - عبد الله بن محمد بن عيسى الأنصاري

الحديث مع أبيه وأبي إسحاق ابن جماعة وأبي الوليد بن الدباغ وتفقه بابن مغاور وجماعة، أجازه السلفي، كان عارفًا بالفقه حافظًا لمسائله بصيرًا بالشروط وقورًا رحب الصدر عالي القدر ولي قضاء بلده فحمدت سيرته وجرى على سنن سلفه عدلًا وذكاء وحلمًا وأناة، توفي سنة سبع وستين وخمسمائة وأثنى عليه الناس. مولده سنة ست عشرة وخمسمائة. 224 - عبد اللَّه بن محمد بن عيسى الأنصاري (¬1). يعرف بابن المالقي أبو محمد ساكن مراكش، قال ابن الأبار: أخذ في صغره عن أبي الحكم بن بَرِّجان ولازمه وبرع في علمه، كان فقيهًا نظارًا خطيبًا مفوهًا ذا حظ وافر من الأدب، نال دنيا عريضة بخدمة السلطان ورأس طلبة مراكش، وتوفي بها سنة أربع وسبعين وخمسمائة وقيل سنة ثلاث. 225 - عبد اللَّه بن مغيث بن يونس بن محمد بن مغيث الأنصاري القرطبي أبو محمد يعرف بابن الصفار (¬2). قال ابن الأبار: روى عن جده أبي الحسن يونس وعن أبيه أبي يونس وعمه أبي الوليد محمد بن يونس وابن الحاج (¬3) الشهير وأبي مروان الباجي وابن العربي وأبي الحسن شريح وابن مسرة، تولى قضاء الجماعة بقرطبة ثمان عشرة سنة، روى عنه جماعة كابني حوط اللَّه وأبي القاسم بن هشام، توفي بقرطبة سنة ست وسبعين وخمسمائة، مولده سنة ست عشرة وخمسمائة. 226 - عبد اللَّه بن خلف بن محمد بن الحبيب بن فرقد القرشي الفهري (¬4). سكن اشبينية وسمع من (¬5) أخيه أبي إسحاق ومن أبي محمد بن عات وأبي الحسن ابن بقي وابن حمدين، وناظر في المسائل على ابن الحاج وأجازوا ¬

_ (¬1) ترجمته في بغية الوعاة 2: 37، والتكملة 2/ 852. (¬2) التكملة لابن الأبار 2: 853، ترجمة 2061، وشجرة النور الزكية ص 154. (¬3) في التكملة: أبو عبد اللَّه بن الحاج الشهيد. (¬4) انظر التكملة 2/ 854. (¬5) في التكملة: سمع مع أخيه أبي إسحاق من أبي محمد بن عتّاب.

227 - عبد الله بن محمد بن علي بن عبيد الله بن سعيد بن محمد بن ذي النور الحجري

له، وأخذ القراءات عن أبي عمرو موسى بن حبيب، تولى القضاء وكان حافظًا للفقه صلبًا في الأحكام صادعًا بالحق، ولد سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة وتوفي عام ستة وسبعين وخمسمائة، حدث عنه ابن قزمان وقرينه أبو القاسم ابن فرقد. صح من ابن الأبار. 227 - عبد اللَّه بن محمد بن علي بن عبيد اللَّه بن سعيد بن محمد بن ذي النور الحجري (¬1). من أهل المرية أبو محمد، سمع ببلده أبا محمد بن زغيبة، روى عنه صحيح مسلم، وأبا القاسم ابن ورد وأبا الحجاج ابن يسعون وناظر في المدونة على أبي الحسن بن نافع، ولقي بقرطبة من بقية أعلامها وخاتمة أئمتها أبا القاسم ابن بقي وأبا الحسن ابن مغيث وابن العربي، وبإشبيلية أبا الحسن شريحًا (¬2) وابن حبيش، وقرأ على شريح صحيح البخاري وحضره هناك نحو ثلاثمائة من أعيان الطلبة وكان شريح انفرد بعلو الإسناد فيه لسماعه من أبيه وابن منظور عن أبي ذر فرحل إليه الناس لذلك وتزاحموا عليه فيه، وأجاز الحجري عياض وأبو جعفر بن الباذش والسلفي والإمام المازري وسمع من ابن العربي ما يزيد على مائة كتاب وسمع عنه كثيرًا. وكان غاية في الصلاح والورع والعدالة والفضل الكامل، وكان ابن حبيش يقول: لم تخرج المرية أفضل منه مع عنايته بالرواية ومعرفة القراءات، خطب بجامع المريّة وطلب للقضاء فامتنع، ولما دخل مرسية دعي لولايات فزهد فيها ورغب في الخمول وضاقت حاله فرحل لفاس، ثم استوطن سبتة يقريء القرآن ويسمع الحديث فرحل إليه الناس للأخذ والسماع لعلو سنده ومتانة عدالته وضبطه وبصره بالحديث، وكان نظراؤه يصفونه بجودة الفهم، ودعي لمراكش للسماع عليه ثم استأذن في العود لسبتة فأذن له. ¬

_ (¬1) التكملة، طبعة العطار 2: 865، وترجمة رقم 2080، وجذوة الاقتباس ص 427، وفي الجذوة: ذي النون وكذا في تكملة الصلة. (¬2) في جذوة الاقتباس: أبو الحسن شريح بن محمد.

228 - عبد الله بن عبد الحق الأنصاري

مولده لخمس مضين من ذي الحجة سنة خمس وخمسمائة وتوفي عن خمس وثمانين سنة، وعظم الجمع في جنازته وأثنوا عليه جميلًا، وكان رأى رؤيًا أن وفاته في المحرم فمتى قرب من كل سنة استعد له واجتهد إلى أن أتته منيته فيه، ولما وضعت جنازته توسل به أهل سبتة بقحط أضرهم فسقوا تلك الليلة مطرًا وابلًا، وكانت امرأة من الصالحات مستحاضة مدة سمعت موته فقالت: اللهم إن كان هذا الرجل عندك من الصالحين فارفع ما بي حتى أشهد صلاته، فاستجيب لها وارتفع عنها الدم ولم يعد إليها بعد. صح من ابن الأبار. 228 - عبد اللَّه بن عبد الحق الأنصاري (¬1). من أهل المهدية أبو محمد، قال ابن الأبار: أخذ عن شيوخ بلده وانتقل للمغرب وولي قضاء الجماعة بإشبيلية، وكان جزلًا صارمًا صلبًا في الحق، له سَطَوَات بالدّعار مرهوبة، وآثاره في الأحكام محمودة. توفي منصرفه عن مراكش سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وذكر ابن سالم أنه من ذرية المازري. 229 - عبد اللَّه بن طلحة بن أحمد بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي الغرناطي أبو بكر (¬2). قال ابن الأبار: سمع أباه وابن عم أبيه القاضي عبد الحق بن عطية وأبا الحسن بن الباذش وابنه وغيرهم وتفقه بالقاضين أبي الحسن بن صخر (¬3) وابن السماك وسمع أبا عبد اللَّه بن الحاج وأبا الحسن بن مغيث، وبالمرية أبا القاسم بن ورد والقاضي عياضًا وغيرهم، وأجاز له أبو بكر غالب بن عطية وأبو محمد بن عتّاب وأبو بحر وأبو القاسم بن بقي وابن العربي وابن أبي الخصال وغيرهم، كان معدودًا في الفقهاء صدرًا في أهل الشورى والفتيا، حدّث عنه جماعة كأبي العباس بن عميرة وأبي القاسم الملّاحيّ، وتوفي سنة ثمان وتسعين وخمسمائة. مولده يوم الثلاثاء لسبع عشرة من ذي الحجة عام ستة ¬

_ (¬1) التكملة لابن الأبار: 2/ 919. (¬2) التكملة لابن الأبار: 2: 873، وشجرة النور الزكية ص 161. (¬3) في التكملة: أبو الحسن بن أضحي.

230 - عبد الله بن عيسى بن محمد التادلي القاضي الأديب

عشر وخمسمائة عن ست وثمانين سنة. (¬1) 230 - عبد اللَّه بن عيسى بن محمد التادلي القاضي الأديب (¬2). أصله من تادلا، وكان بفاس شوور أيام لمنونة بها روى عن ابن عتاب وأبي بحر الأسدي وأجاز له، وهو آخر من روى عنهما بمغرب العدوة، ودخل الأندلس فلقي ابن العربي وابن بشكوال واعتمد في الرواية على المذكورين قبل، وبسببهما أخذ عنه الناس كثيرًا لانفراده بهما أخيرًا، ولي قضاء بسطة وغيرها واستوطن مكناسة، قال أبو الخطاب بن خليل: كتب لي بالإجازة من مراكش، كان من عدول القضاة تؤثر عنه غرائب، وكان أديبًا شاعرًا مفلقًا. ومن شعره يخاطب ابن مضاء: يا غَارِسًا لي ثِمَارَ مَجْدٍ ... سَقَيْتَها العَذْبَ مِنْ زُلَالِكْ أَخَافُ مِنْ زَهْرِهَا سُقُوطًا ... إنْ لَمْ يَكُنْ سَقْيُهَا بِبَالِكْ روى عنه ابن خليل المتقدم وأبو عبد اللَّه الأزدي وأبو الحسن الغافقي وغيرهم، كبر واختل ذهنه أخيرًا، توفي بمكناسة قبيل ستمائة. 231 - عبد اللَّه بن محمد بن عيسى التادلي الفاسي أبو محمد الحافظ المحصل الفقيه (¬3) كتبت المدونة من حفظه بعد أن أمر الموحدون بحرقها، كان يبث العلم سنة ثلاث وعشرين وستمائة. 232 - عبد اللَّه بن علي بن محمد بن إبراهيم (¬4). الأنصاري الأوسي، يعرف بابن ستاري أبو محمد، من أهل استجة، ¬

_ (¬1) في التكفلة: مولده سنة 511 هـ. (¬2) ترجمته في جذوة الاقتباس ص 421، الأعلام للزركلي 4/ 269، وشجرة النور الزكية ص 164، التكملة 2/ 921. (¬3) لم نقف له على ترجمة والكثيرون يخلطون بينه وبين من سبقت ترجمته، ولعله هو فأخطأ صاحب النيل في جعلهما شخصين مختلفين. واللَّه أعلم. (¬4) التكملة لابن الأبار 2/ 907، وشجرة النور الزكية ص 183.

233 - عبد الله بن أحمد بن عيسى

سكن اشبيلية، قال ابن الأبار: أخذ القراءات عن أبي الحسين بن عظيمة والعربية عن الشلوبين ورحل آخر سنة اثنين وستمائة فدرس الفقه على أبي الحسن الأبياري وأبي العزّ الشافعي المعروف بالمقترح ولقي أبا الحسن بن مفضّل المقدسي فتفقه عنده وسمع الترمذي على أبي شجاع زاهر ابن رستم الأصبهاني وحج، وكان همه الدراية دون الرواية، وعاد للأندلس فدرس الأصول ومذهب مالك ثم انتقل لسبتة فأخذ عنه من كان بها (¬1) من أهل الفهم والتيقظ والاستنباط الحسن، له أجوبة في مسائل تدل على نباهته ومتانة علمه، وكان لا يخبر بمولده إذا سئل عنه ويقول: "مالك يكره للإنسان التعريف بسنِّه"، حدّث عنه من أكابر أصحابنا أبو عبد الرحمن بن غالب وغيره. وقال أبو القاسم بن الشاط في مشيخة شيخه ابن أبي الربيع: ومنهم الشيخ الفقيه الحاج العالم الفاضل الورع الأصولي الماهر العارف المحقق أبو محمد بن ستاري، أخذ بالأندلس عن جده وغيره ورحل وحج ولزم في رحلته الشمس الأبياري وأبا العز المقترح وأخذ عنهما وعن غيرهما، ثم رجع للأندلس فاستقر بإشبيلية إلى أن خرج بخروج أهلها لسبتة فتوفي بها يوم الاثنين تاسع صفر عام سبعة وأربعين وستمائة (¬2). ومولده في سنة خمس أو ست وسبعين وخمسمائة، قرأ عليه ابن الربيع في المستصفى وغيره وأجازه التهذيب، وحدثه به عن الأبياري- اهـ. قلت: وله كلام حسن في غاية التحقيق نقله عنه ابن فرحون في أوائل التبصرة. 233 - عبد اللَّه بن أحمد بن عيسى (¬3). عرف بابن الطير الشيخ الفقيه القاضي الأعدل الأصولي، له علم بالفقه وأصوله ونزاهة ورياسة وعلو همة، ولي قضاء بجاية كرهًا، ولا استقر فيها تخير ¬

_ (¬1) في التكملة: ثم انتقل إلى سبتة فاقرأ بها، وأُخذ عنه. وكان من أهل الفهم والتيقظ والاستنباط الحسن. (¬2) في التكملة: وفاته سنة 646 هـ. (¬3) ترجمته في عنوان الدراية ص 194 طبعة رابح بونار، ص 221 طبعة عادل نويهض.

234 - عبد الله بن محمد بن عمر بن عبادة القلعي

رجلين من رؤساء فقهائها فولى أحدهما قضاء الأنكحة والآخر النظر في الأحكام، وكان يقرأ عليه مدة إقامته بها خواص الطلبة الفقه وأصوله على طريقة الأقدمين -اهـ- من عنوان الدراية. 234 - عبد اللَّه بن محمد بن عمر بن عبادة القلعي (¬1). الفقيه المحصل التاريخي العدل الرضا، كان حافظًا للتاريخ مشاورًا وشاهدًا بالديوان، انتهت الرياسة إليه فيه وتأخر راغبًا في التأخر، قال في مجلس تدريسه: إن لي منذ نزعت من الديوان ستة أعوام وأن من هناك يقدر أنه اكتسب في هذه المدة ستة آلاف دينار وأني قد اكتسبت فيها أي في هذه المدة ستة آلاف حديث، وحديث خير من دينار- اهـ. وكان منقطعًا عن الدنيا متخليًا عن أهلها، وكان الأمراء لا يقطعون الأمور المجمع لها إلا به. توفي عام تسعة وتسعين -اهـ- من عنوان الدراية. 235 - عبد اللَّه بن أبي جَمْرَةَ (¬2). أبو محمد الولي القدوة العارف باللَّه الزاهد الصالح الإمام العلامة المقريء المشهور، مؤلف مختصر البخاري وشرحه بهجة النفوس في سفرين، له كرامات عديدة رأيتها مجموعة في كراريس مع أخباره عن أكابر أرباب القلوب وناهيك عن حاله وكراماته ما ذكر أنه قال يومًا: بحمد اللَّه تعالى أنه لم يعص اللَّه قط، أخذ عنه صاحب المدخل ونقل عنه كثيرًا في كتابه. توفي -نفعنا اللَّه به- سنة تسع وتسعين وستمائة. ذكر الإمام ابن مرزوق الحفيد في شرح خليل أن صاحب الترجمة وتلميذه ابن الحاج ليسا من الأئمة المعتمد عليهم في نقل المذهب، هكذا رأيته في شرحه معترضًا به على خليل، ولا يخفى أن خليلًا يعتمد على صاحب المدخل ونقل عنه في التوضيح في غير موضع، فتأمل ذلك. ¬

_ (¬1) ترجمته وشجرة النور الزكية ص 161، عنوان الدراية ص 65 طبعة نويهض. (¬2) ترجمته في الأعلام 4: 89، البداية والنهاية 13: 346، وكشف الظنون 436، 437، بروكلمان 1/ 372 والذيل 1/ 635 (الطبعة الألمانية)، معجم المؤلفين 6/ 57.

236 - عبد الله بن أبي بكر بن يحيى بن عبد السلام المغربي

236 - عبد اللَّه بن أبي بكر بن يحيى بن عبد السلام المغربي (¬1). الجدميوي الصودي الفرضي نزيل الاسكندرية أبو محمد جمال الدين قال أبو القاسم التجيبي في رحلته: شيخنا الفقيه الفرضي الحسابي العابد الزاهد الصالح أحد الأولياء ممن شهر بالورع والزهد والعفة ومجانبة أهل الدنيا والانقباض عنهم مع شدة فقره وقلة ذات يده، لباسه خشن وعيشه سد رمق يسرد الصوم دائمًا منقطع عن الناس لا يتكلم إلا بذكره تعالى أو اقراء الفرائض مع كثرة الصلاة ودوام الخشوع، نفعنا اللَّه به -انتهى إليه علم القرائض في عصره وصنف فيه كتبًا سمعت منه وأخذت عنه، قرأ فقه مالك، ولم يشتغل بالحديث ولا سماعه على عادة الجزوليين أهل بلده وإنّما اعتناؤهم بالفرائض وتحصيلها وما يتعلق بها، قرأ الكافي لابن عبد البر تفقهًا خمس مرات مع كثير من الحساب على الفقيه الإمام أبي سليمان داود بن علي البجائي قال: وهو أول من قرأت عليه الفقه في سنة ثلاث وستين وستمائة والجعدية تأليف الفاضل أبي الحسن بن الجعد على الشيخ الزاهد أبي الطاهر بن يوسف الرعيني الأندلسي بالاسكندرية، ثم تفقه فيه بالقاهرة على الفقيه الإمام أبي محمد عبد اللَّه الغماري وقرأ عليه التلقين وبه تفقه، وكان يدرس الفرائض كثير الحفظ لها مطلعًا على غوامضها، على اعواز في عبارته لعجمة لسانه. الجزولي: ألف نهاية الرائض في الفرائض كتابًا جليلًا كثير الفوائد قرأته عليه، وكفاية المرتاض في تعاليل الفّراض، ومفتاح الغوامض في أصول الفرائض جزء لطيف، وذكر أنه رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في المنام وهو في تأليف النهاية فتقدم وعليه ثياب بيض وشعره يمس شحمة أذنيه وفي لحيته شعرات بيض فقال لي: لم تنم إلى هذا الوقت، فقلت له: أنا في شغل فقال لي: ما هو؟ فقلت له: أنسخ الفرائض فقال لي: حَسَنٌ أو جيّد ثم دعا لي -صلى اللَّه عليه وسلم-. مولده تقريبًا في حدود ثلاث وأربعين وستمائة بجزولة من أقصى بلاد المغرب على البحر المحيط. والجِدْمِيويِ -بكسر الجيم وسكون الدال المهملة فميم ¬

_ (¬1) ترجمته في برنامج التجيبي ص 274 - 275، والأعلام 4/ 74.

237 - عبد الله بن عبد الواحد بن إبراهيم المجاصي الشهير بالبكاء أيام مجاورته بمكة

ثم ياء ساكنة واو مكسورة فياء النسب-، والصَوْدي، بفتح الصاد المهملة وسكون الواو فدال مهملة- اهـ. 237 - عبد اللَّه بن عبد الواحد بن إبراهيم المجاصي الشهير بالبكاء أيام مجاورته بمكة (¬1). أخذ عنه الخطيب ابن مرزوق الجد ونقل عنه في مواضع من كتبه، والإمام المقري وقال في حقه: عالم الصلحاء وصالح العلماء وجليس التنزيل وحليف البكاء والعويل، دخلت عليه يومًا مع الفقيه السطي في أيام عيد فقدم لنا طعامًا فقلت له تأكل معنا، نرجو بذلك ما يذكر من حديث من أكل مع مغفور له غفر له، فتبسم وقال لي: دخلت مع سيدي علي الفاسي بالاسكندرية فقسم لي طعامًا فسألته عن الحديث فقال لي: وقع في نفسي منه شيء فرأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فسألته فقال لي: لم أقله وأرجو أن يكون كذلك- اهـ. قلت: والحديث لا أصل له في المرفوع، قاله الحفاظ واللَّه أعلم. 238 - عبد اللَّه بن أبي أحمد محمد بن سعيد بن أيوب بن الحسن بن منخل الغافقي أبو محمد (¬2). قال الحضرمي في فهرسته: قال الشيخ الفقيه الأجل القاضي المعظم الحاج الحسيب الفاضل، أخذ عن العالم القاضي المفتي الإمام ناصر الدين المشذالي المعمر، لقيت هذا الفاضل بالمرية وأخذت عنه الموطأ، وكان رجلًا ذا فضل ودين، سليم الصدر قليل التصنع كثير الحشمة عريقًا في الأصالة من بيت شهير حسبًا وظهورًا، ولي القضاء ببسطة ومالقة وبيرة، ورتب نوازل ابن الحاج على أبواب الفقه سماه النهاج في ترتيب نوازل ابن الحاج، حج في حدود سبعة وثمانين وأجازه جماعة من المشارقة وتوفي ببلده غرناطة تاسع المحرم عام أحد وثلاثين وسبعمائة ودفن يوم عاشوراء، مولده حادي عشر المحرم عام ثلاثة وستين وستمائة. ¬

_ (¬1) انظر ألف سنة من الوفيات ص 111، 193. (¬2) ترجمته في معجم المؤلفين 6: 119.

239 - عبد الله بن علي بن عبد الله بن علي بن عبد الله، ثلاثة على نسق واحد، ابن عبد العزيز بن سلمون الكناني الغرناطي

239 - عبد اللَّه بن علي بن عبد اللَّه بن علي بن عبد اللَّه، ثلاثة على نسق واحد، ابن عبد العزيز بن سلمون الكناني الغرناطي (¬1). قال الحضرمي: أخذت عنه كثيرًا قراءة وسماعًا، توفي بطريف يوم الاثنين سابع جمادى الأولى عام إحدى وأربعين وسبعمائة، وأنشدني لنفسه: أمَوْلَاي عَطْفًا عَلَى مُذْنِبٍ ... بِجَنْبَيْهِ نَفْسٌ مِنْ أَعْدَى العِدَا أدَارَتْ عَلَيْهِ مِن أَهْوَائِهَا ... كؤوسًا سَقَتْهُ هُمُومَ الرَّدى أخبرني أنه لم ينظم قط غيرهما. 240 - عبد اللَّه بن محمد بن سليمان المنوفي (¬2). قال ابن فضل اللَّه: جمع بين العلم والصلاح، تفقه على مذهب مالك واعتزل وانقطع بالمدرسة الصالحية مقتصرًا على خصوصية نفسه، لا يكاد يخرج إلا إلى الصلاة، وله كرامات ظاهرة، حكى الأمير الجائي الدودان قال: وقع في نفسي اشكال في مسألة وكان لي صاحب من الفقهاء الحنفية أتردد إليه فكتبت إليه لأسأله عن تلك المسألة فلم أجده، فأتيت الشيخ عبد اللَّه المنوفي فلما جلست قال: كأنك مشتغل بشيء من الفقه فقلت نعم قال: فما قولك في كذا وكذا بعينها فقلت: منكم يستفاد فأخذ يتكلم في تلك المسألة وما عليها من الإيرادات وذكر الاشكال الذي وقع في نفسي، ثم شرع يجيب عنه حتى انجلى فسألته عن شيء آخر فقال: لا قم بالسلامة والقصد قد حصل. ولد سنة ست وثمانين وستمائة وتوفي في رمضان سنة تسع وأربعين وسبعمائة. وذكر خليل في الترجمة التي جمعها له أنه كان مع عظيم علمه لا يدعي بل يعترف بالتقصير ولا يرى نفسه أهلًا للاقراء ويقول: إنما جلست لأصحح على المبتدئين، ويقول للطلبة: نحن إخوان نتذاكر العلم فمن ظهر الحق معه قبلناه، مع اقرائه الكتب المعقدة كابن الحاجب والتهذيب وغيرها بلا مطالعة، جل ابن الحاجب مرارًا قبل ظهور شرح عليه عندنا ويفتح له بما لم يفتح على ¬

_ (¬1) ترجمته في غاية النهاية في طبقات القراء 1: 436. (¬2) ترجمته في شجرة النور الزكية 205.

241 - عبد الله بن محمد بن أبي القاسم بن علي البر التنوخي

غيره لكثرة نوره، ولم يكن غيره يجاريه، وقد كان بعض فضلاء العلماء من أهل البحث والنظر والاشتغال في العلوم العقلية المرجوع إليه فيها عمل على درس يقرأ على الشيخ ثلاثة أيام، ثم جاء لدرس الشيخ وتكلم معه فقطعه الشيخ عاجلًا. وأخبرني القاضي نجم الدين حمزة، من أصحابه، أنه يرى النور يخرج من فيه إذا تكلم ويظهر على ساعديه إذا حسرهما- اهـ. وذكر الشيخ كمال الدين الشمني قال: سمعت شيخنا الحافظ أبا الفضل العراقي يقول: لم أر قط جنازة أكثر جمعًا من جنازة الشيخ عبد اللَّه المنوفي، وذلك أنه صادف اليوم الذي خرج فيه أهل مصر يدعون ربهم لما كثر الفناء، قال العراقي: وكان الناس إنما خرجوا في الحقيقة لأجل جنازة الشيخ، ثم قال: رأيت بعد ذلك في مناقب الشيخ الذي جمعها تلميذه الشيخ خليل، قال: لما حصل الفناء وأراد الناس أن يخرجوا ليدعوا ربهم جئت إلى الشيخ وطلبت منه الحضور مع الناس قال لي: نعم أكون معهم في ذلك اليوم، ولكن لا أظهر، فكان ذلك يوم موته، ففهمت أنه أشار إلى خفائه عنهم بالكفن. صح من تاريخ مصر للسيوطي. قلت: وقد وقفت على المناقب المذكورة في جزء، ثم أخذ مع ما أخذ من كتبي في الواقعة التي وقعت بنا على يد محمود زرقون. ومن شيوخه الشيخ ركن الدين بن القوبع التنسي والشرف الزواوي وأبو عبد اللَّه بن الحاج وغيرهم، ذكره خليل في الجزء المذكور. 241 - عبد اللَّه بن محمد بن أبي القاسم بن علي البر التنوخي (¬1). أبو محمد، قال الشيخ خالد في رحلته: هو الشيخ الفقيه الخطيب ابن الشيخ الفقيه، من بيت علم وأدب ومجد وحسب، قطفوا ثمار الجد من غرس العلى وإليهم الرتب والمنتهى، فهم لباب مجد عزة أنفس وذكاء ألباب، ما منهم إلا عالم أوحد لا ينعت ولا يحد، والقاضي أبو القاسم به سفر مجدهم وهو ¬

_ (¬1) ترجمته في معجم المؤلفين 6: 138، الأعلام للزركلي 4: 126، الحلل السندسية في الأخبار التونسية ص 344.

242 - عبد الله بن يوسف بن رضوان بن يوسف بن رضوان النجاري المالقي ثم الفاسي

الذي عمر ربع الملك وأمر بالحياة والهلك وذبح القرطاس وفوّف ودرس العلم وصنّف. وشيخنا أبو محمد هذا بديع الإحسان بريع القلم واللسان أوتي مقاليد هذا الشأن، وملك أعنة المعاني وأزمّة البيان، ذو الفضل والكرم والسيف والقلم، قرأت عليه بتونس بجامع الزيتونة تصانيف وأجزاء وجزء من برنامجه في شيوخه وأسانيده، وكان إمام ذلك الجامع وخطيب الحضرة العلية -اهـ- ملخصًا. 242 - عبد اللَّه بن يوسف بن رضوان بن يوسف بن رضوان النجاري المالقي ثم الفاسي (¬1). قال أبو زكرياء السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه الخطيب البليغ النحوي اللغوي الراوية المتفنن الناظم الناثر الصدر الأوحد رئيس الكتاب أبو القاسم ابن الفقيه الوزير الجليل الماجد الأصيل الفاضل، كان متفننًا في معارف شتى عارفًا بعقد الشروط آخذًا بحظ وافر من الرواية، شاعرًا مجيدًا كاتبًا بليغًا حسن الخط ذا هيئة حسنة وخلق حسن، يبذل جهده في قضاء حوائج معارفه ومن يلجأ إليه، محبًا لأهل الدين معظمًا لهم ولمن ينتسب للصوفية، قريب الدمعة كثير الذم لنفسه، لم أر في طريقه مثله، أخذ عن والده وخاله أبي الحكم ابن القاضي أبي القاسم بن ربيع والفقيه العالم قاضي مالقة أحمد بن عبد الحق الجدلي والإمام الولي أبي عبد اللَّه الطنجالي والقاضي أبو بكر بن منطور والقاضي الشهير ابن بكر سمع عليه مسند البزار، والعالم الصدر الخطيب ابن أبي الجيش الصريحي، قرأ عليه الكراسة والجمل وألفية ابن مالك وتسهيله والمقرب والإيضاح والأسرار العقلية لأبي العز، وفرعي ابن الحاجب وتلخيص ابن البنا، كلها تفقهًا وتفهمًا، والخطيب العالم الحافظ أبي القاسم بن جزي قرأ عليه كثيرًا من كتب القراءات وأبعاضًا من الموطأ ومسلم والترمذي والنسائي وأبي داود والشمائل والشفا، وسراج ابن العربي وتلقين ¬

_ (¬1) ترجمته في معجم المؤلفين 6: 164، هدية العارفين 1: 468.

243 - عبد الله الباجي القلشادي والد الإمام محمد القلشادي

عبد الوهاب وكثيرًا من تآليفه وغيرها، والشيخ الفقيه قاضي الجماعة نادرة الصقع ونسيج وحده أبي البركات بن الحاج، سمع عليه السيرة والعمدة وآداب السلمي ودرر السمط في أخبار السبط وغيرها، والفقيه الصالح الصوفي الناسك أبي علي عمر بن عتيق الهاشمي، والفقيه العالم الصوفي عبد اللَّه بن سلمون وأستاذ الجماعة رئيس النحاة ابن الفخار البيري تفقه عليه في الجمل وكتاب سيبويه والتسهيل، ولازم عبد المهيمن الحضرمي سفرًا وحضرًا، وعن الإمام الابلي والقاضي أبي سعيد عثمان بن أبي رمانة وقاضي مراكش أبي عبد اللَّه بن سعود وابن عبد السلام الهواري وخلق كثير. مولده عام ثمانية عشر وسبعمائة- اهـ. قلت: وله تأليف حسن في السياسة السلطانية وتوفي (¬1). 243 - عبد اللَّه الباجي القلشادي والد الإمام محمد القلشادي (¬2). قال حفيده أحمد القلشادي شارح الرسالة: كان جدي هذا -كما أخبرني والدي- وقورًا حليمًا صبّارًا على أخلاق الناس وحاسديه، لا يتكلم في أحد بسوء ولا يعوّد لسانه الكلام على أحد، ما سمع قط تشكى وقدح في أحد، شديد الرحمة، لا يتظلم إليه أحد إلا نصره بمنتهى قدرته، ويبكي لبكائه مجبولًا عليه، ولا يطلع الفجر إلا وهو طاهر. يطالع الكتب صيفًا وشتاء، مواظبًا على تغليس صلاة الصبح وقراءة حزبين بعده مع الأذكار المسبعات حتى توفي، مع جد في الطاعة والمطالعة. وأخبرني الفقيه الصالح الحاج أبو العباس القلشادي أن أباه المذكور كان في صغره في غاية الجد ومكابدة السهر يربط خيطًا في وفرة شعره ويجعله في مسمار في الحائط فإذا كبّ رأسه لغلبة النوم جبذه الخيط فانتبه، وكان يرحمه قريب له ويرغبه في الشفقة على نفسه فيأتي ويقبل على الدرس والنظر وينشد: نفسي تنازعني فقلت لها اصبري ... موت يريحك أو صعود المنبر توفى ببجاية ضحى الخميس عاشر شوال سنة خمسة وستين وسبعمائة. ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل لم يذكر تاريخ وفاته. (توفي سنة 784 هـ معجم المؤلفين 6: 164). (¬2) ترجمته في جذوة الاقتباس ص 250.

244 - عبد الله بن أحمد بن أبي بكر بن علي.

244 - عبد اللَّه بن أحمد بن أبي بكر بن علي. شهر بابن مسلم القصري نزيل سبتة، قال أبو زكرياء السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه القاضي النزيه الأستاذ المقريء الحاج الرحلة الراوية أبو محمد، كانا عارفًا بالفقه والقراءات، وافر الحظ من الرواية مشاركًا في غيرها خيرًا دينًا فاضلًا ذا سمت حسن وحال مستحسن، تفقه على الفقيه الحافظ المفتي المدرس مصباح، لازمه اثنتي عشر سنة وختم عليه التهذيب مرتين تفقهًا، والعالم الصالح عبد الرحمن بن عفان الجزولي والفقيه الحافظ الرندي وابن آجروم، والفقيه الصالح عبد العزيز القيرواني وعلى الأستاذ أبي العباس أحمد الحسني وأبي الحسن بن سليمان ومحمد بن عبد الرزاق، والفقيه الأصولي المتكلم محمد بن محمد بن البقال والأستاذ بن بري والفقيه المدرس المفتي الراوية أبي علي بن قداح الهواري والفقيه الجليل الصالح الإمام بجامع الزيتونة أبي محمد عبد اللَّه بن محمد بن أبي القاسم بن البر أو ابن جابر وابن سلامة والفجر بن المنير في خلق كثير، أجازني عام ثمانية وستين وسبعمائة- اهـ. 245 - عبد اللَّه بن عبد الرحمن القفصي المالكي. قال في تاريخ مصر: قال ابن عمر: كان مشهورًا بالعلم منصوبًا للفتوى، مات في رمضان سنة ست وسبعين وسبعمائة. 246 - عبد اللَّه الوانغيلي الضرير أبو محمد (¬1) قال ابن الخطيب القسنطيني: شيخنا ومفيدنا الفقيه الحافظ المفتي بفاس، أخذ عن الربيع اللجائي تلميذ القرافي وانفرد بمعرفة كتابي ابن الحاجب في الأصول والفروع، وختمت عليه الأصلي بفاس وحضرت درسه في المدونة مدة، وتوفي سنة تسع وسبعين وسبعمائة- اهـ. من رحلته ووفياته. قلت: وأخذ عنه الإمام المكودي والشيخ الصالح عمر الرجراجي، نقل عنه في المعيار فتاوى وأثنى عليه. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 235.

247 - عبد الله الزكندري أبو محمد

247 - عبد اللَّه الزكندري أبو محمد (¬1). قال ابن الخطيب القسنطيني: هو قاضي الجماعة بمراكش الفقيه العالم تالي كتاب اللَّه دائمًا، حضرت درسه بمراكش في التفسير والحديث ولم يكن بها مثله في زمانه، توفي سنة ثمان وثمانمائة- اهـ. ولقيت ابن الخطيب السلماني وأثنى عليه في نفاضته، وذكر أن له رحلة للشرق. 248 - عبد اللَّه بن محمد بن عبد اللَّه الدوربي الفاسي. الفقيه العدل قاضي الجماعة بها الفقيه العالم، أخذ عن الأستاذ أبي الحسن بن سليمان والوليين الخطيبن أبي جعفر بن الزيات وأبي عبد اللَّه الطنجالي وغيرهم، قال أبو زكرياء السراج: شيخنا الفقيه الجليل الخطير الوجيه الصدر المعظم قاضي الجماعة أبو محمد بن الأجل الأفضل، كان فاضلًا عارفًا بعقد الشروط قاضيًا نزهًا ذا سجادة وتصحيح، قريب الثغور بعيد الشأو حسن الظن محبًا في الصالحن ذاكرًا لكرامتهم وأحوالهم، عارفًا بأحوال أهل زمانه خاصة وعامة وتواريخهم وأنسابهم كثير الإيراد للحكايات في مجالسه، ثم ذكر شيوخه المذكورين فوق. وذكره ابن الأحمر في فهرسته وقال: هو والسراج توفي بفاس سنة اثنين وثمانين وسبعمائة زاد السراج في سادس عشر ذي القعدة وأن مولده عام أحد وسبعمائة. 249 - عبد اللَّه الشبيبي البلوي القيرواني مفتيها (¬2). الإمام العالم الصالح الفقيه العلامة المتفنن الأستاذ، قال تلميذه أبو القاسم البرزلي: كان شيخنا الشبيبي فقيهًا راوية صالحًا متفننًا، عرضت عليه ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في كتاب الوفيات، ابن القنفد ص 84. في الأصل الزكنوري. وأن وفاته سنة 768 هـ وليست سنة 808 هـ. (انظر الأعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام، 8: 232، وفيات الونشريسي ص 125. (¬2) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 225.

250 - عبد الله بن محمد بن أحمد الشريف التلمساني الحسني

الشاطبية الكبرى وقرأت عليه أكثر التهذيب والجلاب والرسالة والموطأ ومسلم والنحو والحساب والفرائض والتنجيم في علم الأوقات وحفرت مجلسه من عام ستين وسبعمائة إلى عام سبعين وأجازني جميعها- اهـ. وأخذ عنه أبو القاسم بن ناجي وأثنى عليه غاية فقال: كان شيخنا الشبيبي من عادته التكلم بالوعظ في أول ميعاده لكثرة العوام عنده فتارة يعظ بتفسير القرآن وبكتاب مسلم، وكان لما قرأ قول الرسالة على مذهب مالك وأصحابه ما زال يعرف بهم كل يوم رجلًا رجلين مع حكايات منقولة، ومن دأبه الاقراء من نحو طلوع الشمس إلى صلاة الظهر. وكان فصيحًا متواضعًا لا يعتب على مستشكل أو سائل فيخرج للأكل والوضوء ويصلي للظهر قرب العصر ثم يصليها ويجود من حينئذ للعشاء الأخيرة وربما قريء عليه بعد ذلك، وظهرت له الكرامات وانتفع به غالب من قرأ عليه لحسن نيته وكثرة بيانه، وسأفرد ترجمته بتأليف -اهـ- ملخصًا. وأكثر من النقل عنه في شروحه على الرسالة والمدونة واختصر صاحب الترجمة شرح الفاكهاني على الرسالة في سفر. 250 - عبد اللَّه بن محمد بن أحمد الشريف التلمساني الحسني (¬1). الإمام العلامة المحقق الحافظ الجليل المتفنن المتقن ابن الإمام العلامة الحجة النظار الأعلم أبي عبد اللَّه الشريف إمام وقته بلا مدافع، كان صاحب الترجمة من أكابر علماء تلمسان ومحققيهم كابنه، وقال بعض من عرّف به وأبيه وأخيه في جزء: ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة فنشأ على عفة وصيانة وجد، مرضي الأخلاق محمود الأحوال موصوفًا بنبل وفهم وحذق وحرص على طلب العلم، وكان والده قد بشر به في النور رأى قائلًا يقول له: يزداد عندك ولد عالم لا تموت حتى تراه يقريء العلم فكان كذلك. قرأ القرآن على الأستاذ النحوي أبي عبد اللَّه بن زيد بفاس وأبوه بها ¬

_ (¬1) ترجمته في الفكر السامي 2: 249.

حينئذ، وكان الأستاذ يقريء أولًا الشرفاء والعظماء لعلو قدره في النحو والقراءة وظهرت حينئذ نجابته وحفظ القرآن وجمل الزجاجي وألفية ابن مالك وقرأ على الفقيه النحوي الأستاذ الصالح ابن حياتي الجمل والمقرب ثم جملة صالحة من كتاب سيبويه والتسهيل وانتفع به واعتمد عليه وعلى الخطيب ابن مرزوق جملة من البخاري وعلى الفقيه أبي عمران العبدوسي جملة من المدونة وعلى الفقيه الصالح أحمد القباب التلقين والرسالة وقصيدة الكفيف في أصول الدين وحضر على الشيخ الفقيه الحسن الونشريسي والشيخ الصالح أبي العباس الشماع فرعي ابن الحاجب، وعلى القاضي أبي العباس أحمد بن حسن الموطأ تفقهًا والتهذيب وابن الحاجب الفرعي. ثم أقبل أبوه عليه وقد كمل تهيئته لقبول الحقائق وفهم الدقائق فقرأ عليه في الأصول والاقتصاد والاعتقاد للغزالي ومحصل الفخر وبعض "كتاب النحاة" لابن سينا والمقاصد للغزالي ومختصر ابن الحاجب وتأليفه المسمى مفتاح الأصول في بناء الفروع على الأصول وفي البيان الإيضاح والتلخيص، وفي الجدل كتاب المقترح البروني وفي الهندسة كتاب اقليدس، وفي المنطق جمل الخونجي مرارًا والمطالع للسراج الأرموي وفي التصوف ميزان الغزالي وسمع منه أكثر الصحيحن رواية والأحكام الصغرى لعبد الحق فقهًا وسماعًا وسيرة ابن إسحاق والشفاء سماعًا وحضر عليه في التفسير من سورة النحل إلى الختم، ومن أوله إلى قوله تعالى: {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ}، وقرأ عليه التفسير أيضًا فاشتغل بكثير من هذه العلوم حياة أبيه الإمام ودرس فيها فقرأ العربية زمانًا طويلًا وانتفع به فيه وختم اقراء الرسالة في حياة أبيه، وكان مع طلبة أبيه أهل فهم وحفظ ودراية فإذا بحثوا في شيء أمرهم بالتقييد فيه. ويحضر مجلسه كبار الفقهاء فصدر منه أجوبة شهدوا بصوابها وحسنها حتى يقوم بعض الشيوخ فيقبل بين عينيه. ثم جلس مجلس أبيه بعد موته وحضره من يحضر أباه ولم ينتقد عليه أحد منهم فجرى على مذهبه نظرًا ونقلًا وتحقيقًا واعترفوا بتقديمه حتى كان القاضي علي أبو الحسن المغربي يقول: انتفعت به في أصول الفقه أكثر من أبيه

لحسن تقريبه وبسطه، ثم نقل للجامع الأعظم فأقرأ أحكام عبد الحق وفرعي ابن الحاجب ويحضره طلبة فاس وشأنهم حفظ المسائل والنقل على عادتهم خلاف عادة التلمسانيين فيحضره جميعهم فيوفي لكل طريقه. حدثني الفقيه العدل محمد بن صالح الفاسي أنه وجماعة أصحابه يختبرون حفظه وصحة نقله فيأتون بالكتب التي ينقل منها وينظرونها حين نقله عنها فلا يغير منها حرفًا فاعترفوا بحفظه وتحقيقه، ثم بعد نقله يرجع ويوجه لشدة ذكائه حتى علم الفقه أبو القاسم بن رضوان رئيس كتبة المغرب حاله فذكره للسلطان عبد العزيز وبين له علو قدره فوفر له في جرايته من غير سعي فيه، فكان يكثر في اقرائه النقل ويحقق الفقه تحقيقًا بالغًا، وفي الصيف يقرأ في العلوم العقلية من أصول وبيان وعربية وغيرها، يقطع نهاره كله فيه بلا فتور. وكان الطلبة يقسمون الوقت بالرملية حتى لم يكن بالمغرب أكثر اجتهادًا منه في الاقراء وانتفاع الطلبة، وارتحلوا إليه من الأفاق. وقال الشيخ الفقيه الصالح الزاهد الورع أبو العباس أحمد بن موسى البجائي، وكان ممن رحل إليه وأخذ عنه علمًا جمًا، لا يجد اليوم من يرحل عن هذا البلد مثل شيخنا أبي محمد في غزارة العلم وسهولة الإلقاء وخفض الجناح، وكان يثني عليه ثناء عظيمًا ويذكر أنه لم يجد شفاء علته في العلم إلا عنده. وتبرز صدرًا من صدور العلماء الأئمة حافظًا للمسائل بصيرًا بالفتاوى والأحكام والنوازل نحويًا خالط النحو دمه حافظًا للغة والغريب والشعر والمثل وأخبار العلماء ومذاهب الفرق، مشاركًا في جميع العلوم حسن المجلس عذب الحديث فصيحًا مليح المنطق محسنًا لرحمه، مشفقًا على الطلبة متثبتًا في الفتوى متحريًا فيها. ولما وقف القاضي أبو عثمان العقباني على جوابه عن سؤال البجائيين في مسألة أصول الدين كتب تحته شرح اللَّه صدرك ورفع من بين أهك العلم قدرك والسلام -اهـ- ما ذكره صاحب التقييد المذكور ملخصًا. قلت: ثم رحل ودخل غرناطة من الأندلس واقرأ هناك، وتوفي انصرافه من مالقة غريقًا في البحر قاصدًا بلده تلمسان في صفر سنة اثنين وتسعين

251 - عبد الله بن عيسى بن عبد الله بن الإمام.

وسبعمائة، هكذا ذكر وفاته تلميذه الإمام أبو الفضل ابن مرزوق الحفيد وعمره نحو خمس وأربعين سنة، وأخذ عنه بالأندلس القاضي أبو بكر بن عاصم وغيره. وقال الشيخ محمد بن العباس: كان الشريف أبو محمد هذا فقيهًا عالمًا علامة حافظًا راوية متبحرًا، آخر الحفاظ في الفتوى العلمية ذا نفس طاهرة زكية شيخ شيوخنا- اهـ. ونقل عنه في المعيار فتاوى، قال الإمام ابن مرزوق: جمع شيخنا الإمام العلامة أبو محمد الشريف، وقد سئل في مجلس تفسيره وهو يفسر قوله تعالى: {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا}، عن حكمة ذكر الذهب دون الياقوت ونحوه مما هو أرفع قيمة من الذهب لأن القصد المبالغة في عدم ما يتقبل من الكافر في الفداء فأجاب بأنه إنما عظمت قيمة ما ذكر لأنه يباع بذهب كثير فإذا المقصود الذهب، وغيره وسيلة إليه، قال ابن مرزوق: وهذا غاية في الحسن ومثل هذا كانت أجوبته على المسائل بديهة، رحمه اللَّه تعالى- اهـ. 251 - عبد اللَّه بن عيسى بن عبد اللَّه بن الإمام. قال أبو زكريا يحيى السراج: شيخنا الفقيه الحسيب الفاضل أبو محمد ابن الفقيه العالم أبي موسى ابن الإمام، حدثني بالبخاري عن والده عن الشهاب الحجازي- اهـ. ولم أقف على وفاته. 252 - عبد اللَّه بن محمد بن أحمد بن جزي الكلبي (¬1). الإمام العالم العلامة رئيس العلوم اللسانية المعمر، قال ابن الخطيب في الإحاطة: هذا الفاضل قريع بيت نبيه وسلف شهير وأبوة خير وأخوة بليغة وخؤلة، أديب حافظ قائم على العربية مشارك في فنون لسانية ظريف في ¬

_ (¬1) ترجمته في الإحاطة في أخبار غرناطة 299 - 3: 392.

253 - عبد الله بن مقداد بن إسماعيل الأفقهسي القاضي جمال الدين

الإدراك جيد النظم مطواع القريحة باطنه قبل وظاهره غفلة قعد للاقراء بغرناطة مفيدًا ومشتغلًا، ثم تقدم للقضاء بجهات نبيهة على زمن الحداثة. أخذ عن والده الأستاذ الشهير أبي القاسم أشياء كثيرة، وعن القاضي أبي البركات ابن الحاج وقاضي الجماعة الشريف السبتي والأستاذ البياني والأستاذ الأعرف أبي سعيد بن لب والشيخ المقري أبي عبد اللَّه بن يبيس، وأجازه رئيس الكتاب أبو الحسن بن الحباب وقاضي الجماعة عبد اللَّه بن بكر وأبو محمد بن سلمون والقاضي ابن سيرين وأبو حيان والقاضي المقري وأبو محمد الحضرمي وجماعة، وشعره نبيل الأغراض حسن المقاصد- اهـ. قلت: وممن أخذ عنه الإمام القاضي أبو بكر بن عاصم والشيخ أبو العباس البقني الجد شارح البردة، وبالإجازة الإمام أبو الفضل ابن مرزوق الحفيد وغيرهم، وعرف في الديباج بأبيه أبي القاسم، وسيأتي وأخيه القاضي أبي بكر، وقد ذكر الجميع في الإحاطة. 253 - عبد اللَّه بن مقداد بن إسماعيل الأفقهسي القاضي جمال الدين (¬1). تفقه بالشيخ خليل وغيره وتقدم في المذهب ودرس وناب في الحكم عن علم الدين البساطي ومن بعده ثم استقل به مرارًا أولها بعد موت ابن الخلال وآخرها بعد صرف الشهاب الآمدي في رمضان سنة عشر وثمانمائة، وانتهت إليه رئاسة المذهب والفتوى. وكان عفيفًا حسن المباشرة والتودد قليل الأذى، وتوفي ثالث عشر رمضان سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة -اهـ- من الدرر الكامنة لابن حجر. وزاد في أبناء الغمر بأبناء العمر أنه شرح الرسالة، قال السخاوي: وعمل تفسيرًا في ثلاث مجلدات ولم ينتشر، أخذ عنه غير واحد من الأئمة الذين لقيناهم ودارت عليه الفتوى عدة سنين- اهـ. ¬

_ (¬1) ترجمته في: الضوء اللامع 5: 17، شذرات الذهب 7: 160، إيضاح المكنون 3: 557. من ص 210 - 217.

254 - عبد الله بن حمد.

قلت: وله شرح مختصر خليل في ثلاثة أسفار كبار وقفت على سفرين منه وهو قريب من حال بهرام في التقرير ولا يخلو عن فوائد. 254 - عبد اللَّه بن حمد. بفتح الحاء من غير ألف قبلها، من شيوخ الإمام التوري، قال ابن غازي في فهرسته: كان فقيهًا صالحًا زاهدًا، وقال في الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون: الشيخ الصالح الزاهد المتواضع الحسن الخلق أبو محمد المتبرك به حيًا وميتًا، له بيت حسب بفاس، ارتحل منها للشرق فحج ولقي خيار المشائخ فأشار عليه بعضهم بما يقال باستيطان مكناسة فاستوطنها حتى توفي، له مناقب كثيرة- اهـ. وقال بعضهم: كان آية اللَّه في الزهد والورع والعبادة، وكان وزير وقته يعظمه جدًا ويقضي له حوائج الناس حتى أفسد بعضهم نية الوزير فيه فصار لا يقضي له حاجة، فبحث عن سببه فذكر له خبر الرجال فقال الشيخ: منجلي في منجله، على كلام العامة، ثم قال: اللهم خذه من حيث اطمأن ثم قدر اللَّه أن ذكر له الوزير شيئًا من سر السلطنة وخاف أن ينمه فأمر بذبحه فجأة. وتوفي، على ما قاله الونشريسي في وفياته، عام أحد وثلاثين بمكناسة وقال صاحبنا المؤرخ محمد بن يعقوب الأديب، رحمه اللَّه، أنه توفي عام اثنين أو ثلاثة- اهـ. 255 - عبد اللَّه بن مسعود التونسي (¬1). شهر بابن قرشية، قال ابن حجر: أخذ عن والده وقرأت بخطه أن من شيوخه الإمام ابن عرفة وقاضي الجماعة أحمد بن محمد بن حيدرة وأحمد بن إدريس الزواوي وأبا الحسن محمد بن أحمد البطروني وأبا العباس أحمد بن مسعود بن غالب القيسي، وتوفي سنة سبع وثلاثين وثمانمائة. ¬

_ (¬1) ترجمته في الضوء اللامع 5: 70.

256 - عبد الله بن أحمد بن يوسف، عرف بالعشاب الغساني الأندلسي.

256 - عبد اللَّه بن أحمد بن يوسف، عرف بالعشاب الغساني الأندلسي. نزيل درعة، كان من أهل العلم يعتني بجمع الكتب، قيّد بخطه كثيرًا مع حسن خطه رحل وحجّ ولقي أعلامًا وأجازوه كابن عرفة وسعيد العقباني وابن خلدون والعز بن جماعة وكتبوا خطوطهم له، ألف "تحفة الناسك في علم المناسك" وآخر سماه "المقنع في مناسك المتمتع" كذا كتبه لي صاحبنا محمد بن يعقوب الأديب المؤرخ، رحمه اللَّه. 257 - عبد اللَّه بن عبد السلام الباجي. أخذ عن الإمام أبي مهدي عيسى الغبريني، ونقل عنه ابن ناجي في شرح المدونة، ولم أقف له على ترجمة. 258 - عبد اللَّه الغرياني. قال ابن ناجي: صاحبنا الفقيه الحاج أبو محمد- اهـ. أخذ عن قاضي الجماعة أبي مهدي الغبريني، لم أقف على ترجمته. 259 - عبد اللَّه بن محمد موسى بن معطي العبدوسي (¬1). بفتح العين وسكون الباء وضم الدال، الفاسي مفتيها وعالمها ومحدثها وصالحها الإمام الحافظ العلامة الصالح، قال السيوطي في أعيان الأعيان: كان عالمًا بارعًا صالحًا مشهورًا ولي الفتيا بفاس، مات في ذي القعدة سنة تسع وأربعين وثمانمائة- اهـ. قلت: وهو ابن أخي أبي القاسم العبدوسي الحافظ نزيل تونس وحفيد الإمام أبي عمران موسى العبدوسي، وستأتي ترجمتهما. قال السخاوي: كان أبو محمد هذا واسع البدع في الحفظ، ولي الفتيا بالمغرب الأقصى وإمامة جامع القرويين بفاس ومات فجأة وهو في صلاة، سنة تسع وأربعين- اهـ. وقال الشيخ أحمد زروق: كان أبو محمد العبدوسي عالمًا صالحًا مفتيًا، ¬

_ (¬1) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 255.

260 - عبد الله بن سليمان بن قاسم البجيري التونسي أبو محمد بن أبي الربيع.

حملت إليه وأنا رضيع ولم أزل أتردد إليه في ذلك السن لكون جدتي تقرأ عليه مع أختيه فاطمة وأم هانيء وكانتا فقيهتين صالحتن، وكان قطبًا في السخاء إمامًا في نصح الأمة أمات كثيرًا من البدع بالمغرب وأقام الحدود والحقوق وتولى آخر أمره خطابة جامع القرويين، ثم توفى سنة تسع وأربعين وكان أكثر علمه فقه الحديث، سمعت شيخنا القوري يقول: إنهم حسبوا الخارج من يده والداخل فيها فوجدوا الخارج أكثر، وحدثنا أنه حفظ مختصر مسلم للقرطبي في كل خميس خمسة أحاديث، وكان أبوه يعطيه عليها درهمًا، وشهرة أخلاقه وسخائه أبين من أن تذكر، كان لا يدخر شيئًا حتى لم يوجد يوم مات إلا بدنين واحرامين ودراعتين إحداهما للأمير يحيى بن زيان فقال: هكذا يكون الفقيه وإلا فلا. وكان يشترط العزل في النكاح، فرارًا من الولد لفساد الزمان، قالوا: وكان لا تفارق كمه الشمائل عاملًا بها، وحدثت زوجته أنه كان يعمل الخوص خفية ويعطيه لمن لا يعرف أنها له يبيعها، ثم يتقوت بها في رمضان، ومناقبه كثيرة جمع فيها بعض أصحابنا تأليفًا ذكر فيه كثيرًا- اهـ. وذكر في موضع آخر أن صاحب الترجمة أقوى من جده موسى في العمل وأنّ جده أقوى منه في العلم قال: وكان شيخ الجماعة الفقهاء والصوفية، وتخرج به جماعة كالفقيه المحقق ابن آملال والفقيه القوري وأبي محمد الورياجلي وغيرهم، وما ذكر الشيخ بدر الدين القرافي من أن ابن غازي أخذ عنه لا يصح، وإنما أخذ عن أصحابنا كالقوري والبنجي، وحيث نقل عنه فإنما يقول فيه شيخ شيوخنا، وله نظم حسن مشهور في مسألة شهادة السماع نقله ونقل عنه الونشريسي جملة من الفتاوى كثيرة. 260 - عبد اللَّه بن سليمان بن قاسم البجيري التونسي أبو محمد بن أبي الربيع. الإمام الرحلة الراوية العلامة قاضي الأنكحة من معاصري الإمام ابن عقاب، أخذ عنه الشيخ مرزوق الكفيف وأثنى عليه وغيره.

261 - عبد الله بن محمد التلمساني

261 - عبد اللَّه بن محمد التلمساني (¬1). الشريف الفقيه أبو محمد بن القاضي أبي عبد اللَّه المدعو حمو الشريف، وتوفي سنة ثمان وستين وثمانمائة، وتوفي أخوه الفقيه الحاج الخطيب الصالح أبو العباس أحمد بن القاضي حمو سنة سبع وستين وأبوهما حمو المذكور من علماء تلمسان، تأتي ترجمته، وليس هو بالشربف التلمساني الإمام المعروف فذلك من أهل الثامنة، وهذا من أهل التاسعة فاعلمه. 262 - عبد اللَّه بن أحمد البقني أبو الفرج الغرناطي (¬2). من علمائها وأحد المفتين بها، كان فقيهًا عالمًا إمامًا، كان حيًا في حدود الستين وثمانمائة، بل تأخر عنه. نقل عنه في المعيار ورأيت له عدة فتاوى. 263 - عبد اللَّه بن عبد الواحد الورياجلي الفاسي (¬3). قال ابن غازي في فهرسته: الفقيه القاضي المدرس المفتي أبو محمد، جالسته كثيرًا وذاكرته واستفدت منه في الفقه كثيرًا والأصلين وأجازني بلفظه وخطه جميع ما حمله عن شيوخه كالشيخ الفقيه المحقق العالم أبي القاسم التاز غدري والشيخ الفقيه المحدث الحافظ أبي محمد العبدوسي والشيخ العالم المتفنن أبي عبد اللَّه العكرمي والخطيب أبي القاسم محمد بن يحيى السراج، ومن شيوخ تلمسان الإمام العالم العلامة الرباني محمد بن أحمد بن محمد بن مرزوق والإمام العالم أبو الفضل ابن الإمام الفقيه المحقق المحدث الشريف الحسيب الأفضل أبو الربيع سليمان بن الحسن البوزيدي، وكتب له قد أجزت الفقيه أبا محمد عبد اللَّه إجازة مطلقة في تعليم الفقه المالكي والفتيا به بعد مشاركتي له في صدر من المدونة وجملة من ابن الحاجب الفرعي وشاهدت منه أبحاثًا دقيقة وأسئلة عويصة يليق بموردها التعرض لنشر هذا الشأن وبثه- اهـ. ¬

_ (¬1) ترجمته في وفيات الونشريسي ص 147. (¬2) انظر المعيار للونشريسي، طبعة دار الغرب الإسلامي، 1: 277. (¬3) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 266.

264 - عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد الحريري جمال الدين.

والعالم المحقق أبو عبد اللَّه بن العباس والفقيه الحاج الرحال أبو العباس أحمد بن محمد المصمودي الماجري، قال ابن غازي: أجازني في آخر ربيع الثاني سنة ست وسبعين وثمانمائة- اهـ. وفي هذه السنة أخر صاحب الترجمة عن بعض مدارس فاس وقدم عوضه أبو العباس الونشريسي فتنازعا في مرتبته من يستحقها منهما فكتب الونشريسي فيه لفقهاء تلمسان كشيخه إبراهيم العقباني قاضي الجماعة والحافظ المفتي ابن زكريا والإمام السنوسي فأفتوه بما مقتضاه أن المرتبة للمقدم دون المؤخر، قال ابن غازي: ولما أتى فتاوى هؤلاء التلمسانيين أعطوهم علماؤها الأذن الصماء وقضوا بحرمان المولى فكاد يموت غمًا- اهـ. وفتاويهم بذلك مبسوطة في المعيار في كتب الحبس ملخصة في تكيل التقييد -رحمه اللَّه. 264 - عبد اللَّه بن محمد بن إبراهيم بن محمد الحريري جمال الدين. ولد سنة أربع وثمانمائة واشتغل بالعلم بدمشق ثم ناب في الحكم بحلب ثم ولي قضاءها سنة سبع وستين، وحكى القاضي عماد الدين في تاريخ حلب أنه كان إمامًا فاضلًا فقيهًا من أعيان الحلبين يستحضر كثيرًا من التاريخ ويستحضر مختصر ابن الحاجب في الفقه، وكان يحب الفقه وأهله، وقرأت بخط البرهان المحدث بحلب أنه سأل نور الدين بن الخلال عن فرعين منسوبين للمالكية فلم يستحضر وأنكر وجودهما في مذهب مالك قال: فسألت الشيخ جمال الدين فاستحضرهما وذكر أنهما مخرجان من كلام ابن الحاجب. مات في ربيع الأول سنة سبع وثمانين. 265 - عبد اللَّه بن أحمد بن سعيد بن يحيى بن معاوية بن عبد اللَّه الزموري (¬1). الشيخ الفقيه العالم المتفنن الحافظ المؤرخ الأديب العلامة ابن الفقيه أبي العباس، أخذ عن الإمام القوري وغيره، له شرح حسن على الشفاء اعتنى فيه بضبط ألفاظه وتحرير لغاته وتعريف رجاله، حسن مفيد نبيل سماه "إيضاح ¬

_ (¬1) ترجمته في معجم المؤلفين 6: 25، هدية العارفين 1: 473.

266 - عبد الله بن محمد العنابي

اللبس والخفاء عن ألفاظ الشفاء" في مجلد كبير رأيته بخطه، وكان ممن وصل إلى بلاد ولاتن المتصلة ببلاد السودان وأقرأ أهلها ولقي هناك فقهاءها فأثنى عليهم في العلم ثم رجع، وكان حيًا سنة ثمان وثمانين وثمانمائة. 266 - عبد اللَّه بن محمد العنابي (¬1). نزيل درعة أبو محمد، من أعلام العلم يشارك في علوم كثيرة مع براعته في الأدب وقرض الشعر له قصيدة حسنة خاطب بها إبراهيم بن هلال، فقيه شجلماسة وأجاله هو بمثلها وأجاد، وكان حيًا عام اثنين وتسعين وثمانمائة ومات بساحل الريف قتيلًا قتله العدو منصرفه لبلاده، كذا أفادنيه صاحبنا محمد بن يعقوب الأديب -رحمه اللَّه. 267 - عبد اللَّه بن عمر بن محمد أقيت بن عمر بن علي بن يحيى الصنهاجي المسوفي شقيق جدي المتقدم الفقيه الحافظ الزاهد الورع الولي. كان -رحمه اللَّه- في غاية الزهد والورع والتوقّي قوي الحفظ جدًا، درس بولاتن وتوفي بها سنة تسع وعشرين وتسعمائة، مولده سنة ست وستين وثمانمائة، ومن تحريه أنه كان له خادم يبيع اللبن ويجمع ثمنه فباعه مرة بعد المغرب ثم اطلع له على ذلك بعد أن خلط الخادم ثمنه مع غيره من ماله فتصدق بالجميع لأجل تعاطيه البيع بالليل وكان مالًا له بال. 268 - عبد اللَّه بن عمر المطغري (¬2). الفقيه الفرضي الحساب أخذ عن الإمام القوري والحافظ أبي العباس الونشريسي وغيرهما، أخذ عنه جماعة كالشيخ علي بن هارون فقيه فاس وكان حافظًا، توفي ببلاد درعة سنة سبع وعشرين وتسعمائة. 269 - عبد اللَّه بن محمد بن مسعود الدرعي التمكروني (¬3). طالب محصل أخذ عن الشيخ أبي عبد اللَّه بن مهدي عالم درعة، وله ¬

_ (¬1) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 269. (¬2) انظر ألف سنة من الوفيات ص 288. (¬3) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 285، طبقات الحضيكي 2: 213، الأعلام 4: 128.

270 - عبد الله بن محمود بن عمر بن محمد أقيت بن عمر بن علي، أبوه أخي السابق آنفا

تعليق على خليل في أسفار جمع فيه كلام جماعة من شراحه، وتأليف سماه: "الروض اليانع في فوائد النكاح وآداب المجامع"، وكانت وفاته بعد الثمانين وتسعمائة. 270 - عبد اللَّه بن محمود بن عمر بن محمد أقيت بن عمر بن علي، أبوه أخي السابق آنفًا (¬1). كان فقيهًا ساذجًا مستحضرًا لمسائل الفقه ونوازله معتنيًا بذلك خصوصًا مختصر خليل والرسالة يستحضرهما نصب عينيه، لا حظّ له في غير الفقه. توفي بعد امتحانه وإجلائه مع أهل بيته إلى مراكش أول يوم من شعبان يوم الاثنين عام ستة وألف في الطاعون مطعونًا، تقبل اللَّه شهادته -وكان رحيمًا رقيق القلب- رحمه اللَّه تعالى. 271 - عبد اللَّه بن محمد بن عبيد اللَّه النغزي الشاطبي أبو الحسن. يعرف بابن فتوح، قال ابن الأبار: صاحبنا روى عن أبيه وأبي عمر بن عات وأبي الخطاب بن واجب وغيرهم، لقيته بإشبيلية سنة ثمان عشرة وستمائة وأخذ بها عن الحسين بن زرقون ودرس عليه الفقه ثم انصرف لبلده فلزم داره واعتزل الناس وأقبل على العبادة والزهد ودرس العلم. كان حافظًا للفقه والحديث مشاركًا في غيرهما أديبًا يجوّد الشعر، ثم تنزّه عنه، خرج من بلده عند تغلب العدو، وتوفي أثر وروده بجاية ليلة الخميس مستهل جمادى سنة اثنين وأربعين وستمائة، وكانت جنازته مشهورة، والثناء عليه جميل وهو أهل له. 272 - عبد اللَّه بن محمد بن نزار الشاطبي أبو زيد. قال ابن الأبار: روى عن طاهر بن مفوز وسمع من أبي علي الغساني وصحب أبا الوليد بن رشد وابن الحاج وأبا محمد بن عتاب وأبا الحسن ابن مغيث سمع منهم الحديث والفقه، وهو أغلب عليه من الحديث، ولي شورى ¬

_ (¬1) ألف سنة من الوفيات ص 329.

من اسمه عبيد الله

بلده وكان فقيهًا حافظًا مرضيًا من أكثر الناس دراسة ومطالعة، له مشاركة في أصول الفقه مع صلاح وعدالة وتواضع، توفي سنة أربعين وخمسمائة. من اسمه عبيد اللَّه 273 - عبيد اللَّه بن الجد الفهري اللبلي. من أهل العلم وحفظ المسائل، اختصر الاشراف للقاضي عبد الوهاب. 274 - عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن خلف الأزدى الاشبيلي (¬1). يعرف بابن الدوق، أخذ عن أبي الحسن بن عطية وأبي الحسن شريح، كان حافظًا للمسائل عارفًا بالفروع، أمّ وخطب عنه ابنه علي. توفي بعد الستمائة. من اسمه عبد الرحمن 275 - عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن محمد الغافقي المصري (¬2). الفقيه أبو القاسم الجوهري المالكي، مصنف مسند الموطأ، كان فقيهًا ورعًا منقبضًا خيّرًا من جلة الفقهاء، مات سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، قاله الذهبي في العبر. 276 - عبد الرحمن بن قاسم الشعبي أبو المطرف المالقي (¬3). فقيه بلده وبقية مشيخته وكبيرهم في الفتيا والرواية، سمع قاسمًا السبتي في المدونة وتفقه عنده وأبا علي بن عيسى المالقي وأجازه يونس السنتجالي. قال ابن العماد والسبتي: روى عنه شيخنا القاضي محمد بن سليمان، وله في دولة المرابطين وجاهة ومكانة، ولي قضاء بلده، ثم عزل ودعاه أمير المؤمنين ¬

_ (¬1) انظر غاية النهاية في طبقات القراء 1: 489. (¬2) له ذكر في فهرس ابن عطية ص 116، حسن المحاضرة 1: 451، معجم المؤلفين 5: 151. (¬3) انظر في قضاء الأندلس ص 107، ومعجم المؤلفين 5: 165، الأعلام 4: 97.

277 - عبد الرحمن ابن أبى الرجال

للقضاء فأبى وأشار بأبي مروان بن حسون فقلد القضاء، وكان أبو مروان لا يقطع أمرًا دونه إلى أن توفي أبو المطرف في رجب سنة تسع وتسعين وأربعمائة، ألف في نوازل الأحكام كتابًا مفيدًا جيدًا أكثر البرزلي من النقل عنه في نوازله. 277 - عبد الرحمن ابن أبى الرجال (¬1). هو محمد بن عبد الرحمن اللخمي الاشبيلي، افريقي الأصل يعرف بابن برجان أبو الحكم، قال ابن الأبار: سمع من أبي عبد اللَّه بن منظور النخاري وحدّث به عنه وكان من أهل المعرفة بالقراءات والحديث، وتحقُّقِ علم في الكلام والتصوف مع زهد واجتهاد في العبادة، له تآليف مفيدة كتفسير القرآن لم يكمل وشرح الأسماء الحسنى، حدث عنه أبو القاسم بن القنطري وعبد الحق الاشبيلي وأبو عبد اللَّه بن خليل وغيرهم، وتوفي بمراكش مغربًا عن وطنه بعد ثلاثين وخمسمائة. 278 - عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللَّه بن يوسف بن أبي عيسى الأنصاري (¬2). يعرف بابن حبيش أبو القاسم، من أهل المرية، قال ابن الأبار: أخذ عن أبي القاسم العقبي وأبي القاسم بن رجاء البلوي وتفقه بابن ورد وأبي الحسن بن نافع والأدب والعربية على أبي عبد اللَّه بن أبي زيد، وسمع بقرطبة من ابن أبي الخصال وابن العربي وأجازه أبو الحسن سريح وعياض والسلفي، ولي الصلاة والخطبة والأحكام بجزيرة شقر، ثم نقل للقضاء بمرسية، معروف النزاهة محمود السيرة مع حرج في خلقه، كان آخر أئمة الحديث المسلّم له في حفظ عربيته ولغات العرب وتواريخها ورجالها وأئمتها، لا يجاريه أحد في معرفة رجال الحديث والمواليد والوفيات، خطيبًا فصيحًا حسن الصوت له خطب حسان من إنشائه، قال ابن عباد: كان عالمًا بالقرآن إمامًا في الحديث عارفًا بالعلل والرواة، مع تقدم في الأدب والاستقلال بجميع الفنون، مع ¬

_ (¬1) انظر عنوان الدراية 4: 44. (¬2) ترجمته في: سير أعلام النبلاء 13: 28، طبقات القراء 1: 378، تذكرة الحفاظ 4: 143 - 141، بغية الوعاة ص 130، كشف الظنون ص 146، 147، روضات الجنات ص 426.

279 - عبد الرحمن بن عبد الله بن موسى بن سليمان الأزدي المرسي، يعرف بابن برطلة

صحة ضبط واتقان لما رواه، وصدق وثقة وحفظ وافر في البيان والصرامة في الأحكام جزلًا في أموره مكرمًا لأصحابه منوهًا بهم، وتصدّر لإقراء القرآن وسماع الحديث وتدريس اللغة العربية، وإليه الرحلة في وقته، طال عمره حتى ساوى الأصاغر بالأكابر، ألف في الألقاب وكتابًا في المغازي في مجلدات وله اقتضاب صلة ابن بشكوال، ولد بالمرية نصب رجب سنة أربع وخمسمائة، وتوفي سنة أربع وثمانين في صفر، واحتفل في جنازته بما لم يشاهد مثله قبله. 279 - عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن موسى بن سليمان الأزدي المرسي، يعرف بابن برطلة (¬1). أبو بكر سبط القاضي أبي علي الصدفي، قال ابن الأبار: سمع من ابن حبيش وغيره وتفقه بابن عبد الرحمن وأبي محمد بن عاشر وسمع من ابن النعمة وابن بشكوال وابن الجدولي قضاء دانية، ثم صرف، حميد السيرة معروف النزاهة ولي خطابة جامع مرسية، كان حافظًا للحديث راويًا متفننًا ذا حظ في العربية والأدب مدرسًا للفقه عرض المدونة على ابن عبد الرحمن وبعض العتبية والتهذيب على ابن عاشر، مع حسن سمت وجمال الشارة وفصاحة وجلالة ونباهة السلف. حدّث ودرس وأسمع وأخذ عنه. توفي بمرسة في ربيع الأول سنة تسع وتسعين وخمسمائة، مولده سنة سبع وأربعين. 280 - عبد الرحمن بن علي بن يحيى بن القاسم الجزبري البطوي. أخذ عن أبيه عن أبي الحسن وأبي بكر بن الجد وابن ملكون، كان عالمًا متفننًا محققًا للفقه والقراءات، حدث وأقرأ، توفي سنة ثمان وستمائة عن نحو أربع وخمسين سنة. صح من ابن الأبار. 281 - عبد الرحمن بن يخلفتن بن أحمد الفازازي أبو زيد (¬2). قال ابن الأبار: ولد بقرطبة ونشأ بها ثم سكن تلمسان وغيرها، روى ¬

_ (¬1) ترجمته في عنوان الدراية ص 322. (¬2) ترجمته في: التكملة 2: 585، الأعلام 4: 118.

282 - عبد الرحمن بن عبد الحميد بن إسماعيل الصفراوي الإسكندري جمال الدين أبو القاسم

عن أبي الوليد بن بقي والسهيلي وأبي عبد اللَّه بن الفخار وأبي عبد اللَّه التجيبي وغيرهم. كان عالمًا بالآداب متصرفًا في فنونها كاتبًا بليغًا شاعرًا مجوّدًا وافر المادة قوي العارضة مشاركًا في أصول الفقه، ذا معرفة بعلم الكلام ناظرًا في الفقه، كتب دهرًا طويلًا للولاة، وجال بلاد العدوة والأندلس كثيرًا، غلب عليه الأدب ومال للتصوف وشهر به. له أشعار في الزهد سارت منه، ومال لصحبة المريدين والسعي في مطلبهم والتشدد على أهل البدع، ليس له بصر بالحديث. وناله جفوة السلطان بقرطبة واشبيلية فألزمه داره سنة وست وعشرين ثم ظعن في آخرها للعدوة فتوفي بمراكش في ذي القعدة سنة سبع وعشرين وستمائة- اهـ. وله العشرينيات المعروفة في مدحه -صلى اللَّه عليه وسلم-. 282 - عبد الرحمن بن عبد الحميد بن إسماعيل الصفراوي الإسكندري جمال الدين أبو القاسم (¬1). الفقيه المالكي المقريء، ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة، سمع من السلفي وتفقه بأبي طالب صالح بن بنت معافي وقرأ القرآن على أبي القاسم بن خلف اللَّه، وبعد صيته وانتهت إليه رئاسة الإفتاء والإقراء ببلده. مات بالاسكندرية خامس عشر ربيع الأخير سنة ست وثلاثين وستمائة. 283 - عبد الرحمن بن محمد بن علي بن عبد اللَّه الأنصاري الأسيدي، من ولد أسيد بن حضير، يعرف بالدباغ (¬2). قال العبدري في رحلته: الشيخ الفقيه المحدث الراوية المتفنن، كان ذا ¬

_ (¬1) ترجمته في: طبقات القراء 1: 373، كشف الظنون ص 128، إيضاح المكنون ص 618، هدية العارفين 1: 524. (¬2) ترجمته في: كشف الظنون 301، هدية العارفين 1: 526.

284 - عبد الرحمن الهزميري أبو زيد

سمت وهيئة وسكون ظاهر، محبًا لأهل العلم حسن الرجاء، بر اللقاء لم يؤثر الكبر في جسمه على علو سنه ولا تغير ذهنه ولا حواسه، مولده سنة خمس وستمائة، ذا عناية واهتمام بالعلم موطأ الأكناف لين الجانب جميل العشرة على سنن أهل العلم والفضل أوحد وقته رواية ودراية، لقيت من بره وحسن خلقه ما لم أخل مثله باقيًا نيف شيوخه على ثمانين وألّف فيهم برنامجًا. ومن عجيب خلقه أني ما طلبت منه جزءًا لأنقل منه إلا وهبه لي، أعطاني عدة أجزاء من فوائده وفوائد شيوخه وقال لي أنت أولى بها، وله مجموعات وتآليف ونظم كثير جيد ومشاركة في العلوم النقلية والعقلية، وألف تأليفًا حسنًا في سفرين فيمن دخل القيروان من الفضلاء سماه "معالم الإيمان وروضة الرضوان في مناقب المشهورين من صلحاء القيروان"، وذكر لي شيخنا التقي ابن دقيق العيد أنه كلف بعض فقهاء تونس استنساخ هذا الكتاب له، فلما نسخه له مات فبيع في تركته وأثنى على مؤلفه- اهـ. وسألته لم ترك ذكر اللخمي فيه؟ فقال لي: لم يثبت عندي أنه دخل القيروان -اهـ- ملخصًا. وكان تاريخ لقاء العبدري له في حدود عام تسعة وثمانين وستمائة، كما في رحلته. 284 - عبد الرحمن الهزميري أبو زيد (¬1). الولي الشهير شيخ الطائفة العالم العامل ذو المناقب والكرامات قال ابن الخطيب القسنطيني: أخبرني بعض شيوخ مراكش أنه رآه على بهيمة مشدودًا عليها على جنبه بشريط لضعفه وكبر سنه والناس يزاحمون عليه يمسحون وجوههم بطرف ثوبه، وكان أعجوبة وقته يتحدث أبدًا على الضمائر ولا يفضح أحدًا إنما يقول: مثل رجل فعل كذا في مكان كذا، وذكر لي أن شيخ شيوخنا الشيخ صالح أبا العباس بن البنا كان يقصده فيما يشكل عليه من مسائل ¬

_ (¬1) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 201، الأعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام 8: 92 - 98.

الهندسة وغيرها قال فأجد الزمام عليه فيجيبني من طرف الحلقة فأنصرف بلا سؤال. وتنازع فقهاء مراكش في الحوض والصراط أيهما قبل فجاء أحدهم إليه فسأله فنظر إلى السماء واتسعت عيناه اتساعًا عظيمًا ثم قال: الجنة الميزان الحوض، مشيرًا بإصبعه إلى السماء فذكرت ذلك لبعض الفقهاء فبكى فقال لي: ليس الخبر كالعيان. وكانت له أحوال عجيبة قال بعض الصالحين: ما أظن أن يكون أحد مثله في طريقته وعجائبه. رحل من بلده أغمات لقضاء الحاجة من أمير المؤمنين أبي يعقوب وهو في حصاره العظيم بتلمسان مدة سبع سنين في ظاهر أمره ونيته باطنًا صرفه عن ذلك الحصار، ويكفه عن حصره عليهم لشدته، حتى بلغ ثمن الدجاجة عشرة دنانير ذهبًا للقوت ولا للدواء، وللفار ثمن معتبر فلم يقبل منه فرجع لفاس ونزل بجامع الصفارين وهو موضع مبارك يأوي إليه أهل الفضل والصلاح، فبعد أيام قتل السلطان أبو يعقوب ورجع جيشه فقال له خديمه، ظنًا منه أنه ما أقام إلا ليرغب إليه إلى اللَّه في الفرج، مات السلطان أبو يعقوب ففّرج اللَّه على تلمسان فباسم اللَّه نأخذ في الحركة، فقال له عبد الرحمن يمّوت، بتشديد الميم، يعني نفسه فمات بعد أيام يسيرة سنة ست وسبعمائة ودفن هناك، والدعاء عند قبره مستجاب يلجأ إليه أرباب الكرب، وأراد بعض الظلمة يبني على قبره فنهيته عنه فامتنع ثم تسلط عليه السلطان فأكل ماله -اهـ- كلام ابن الخطيب. ومن كراماته قال الإمام الشريف أبو عبد اللَّه التلمساني: أخبرني شيخنا الابلي قال: أخبرني الفقيه أبو عبد اللَّه بن الحداد قال: ورد علينا بفاس العارف أبو زيد الهزميري وكنت أنتابه بالزيارة وأتردد إلى الشيخ أبي محمد الفشتالي -رضي اللَّه عنهما- فكان يسألني عن الشيخ أبي زيد إلى أن قال لي في يوم جمعة ترى الشيخ أبا زيد أين يصلي الجمعة اليوم فقلت لا أدري فخرجت

285 - عبد الرحمن بن يوسف بن الحسن شهر بابن زانيف الفقيه أبو القاسم

من عنده إلى الشيخ أبي زيد فلما سلمت عليه قال لي سألك الشيخ أبو محمد أين أصلي الجمعة، لقد حجبته تلك الركيعات أين يعلم أين أصلي فعجبت من مكاشفته، ثم رجعت إلى الشيخ أبي محمد فلما سلمت عليه قال لي: قال لك الشيخ أبو زيد: حجبته تلك الركيعات قل له: لا قطع اللَّه عني تلك الركيعات قال الإمام الشريف التلمساني: أشار الشيخ أبو زيد إلى اللذة العاجلة بالصلاة وأن الالتفات إليها حجاب، وأشار الشيخ أبو محمد إلى ثوابها الأخروي الباقي- اهـ. 285 - عبد الرحمن بن يوسف بن الحسن شهر بابن زانيف الفقيه أبو القاسم (¬1). الحافظ المنتفع به بفاس، كان من أعيان فقهائها وممن تشد إليه الرحال في المذهب المالكي، مع القيام التام على المدونة، له حظ في علم الحديث وغيره. توفي سنة اثني عشر وستمائة. صح من خط بعض أصحابنا. 286 - عبد الرحمن الرجراجي، الحافظ الفقيه أبو زيد (¬2). كان ممن يتكلم على المدونة بفاس وأملى عليها إملاء حسنًا، أخذ عنه عبد الرحمن بن عفان الجزولي، وتوفي سنة ثمان عشرة وسبعمائة. 287 - عبد الرحمن بن العشاب أبو زيد (¬3). قال أبو العباس الونشريسي: نقلت من خط الأستاذ أبي الحسن بن بري أن أبا زيد العشاب المذكور كان شابًا صالحًا قرأ بتازي وأخذ عليّ النحو وأكمل الإيضاح تفهمًا، ثم نظر في المعقول وشارك في الحديث والتفسير، كان ثاقب الفهم شديد النظر معمور الأوقات بالبحث والمطالعة والمذاكرة، له ورد بالليل واجتهاد في العبارة على صغر سنه لم يزل دؤوبًا على الخير حتى توفي ليلة الجمعة ثاني رمضان عامٍ أربعة وعشرين ودفن عقب الجمعة وسنه نحو عشرين سنة، وألفيت له تقييدًا على كتاب الشمائل لم يكمله- اهـ. ¬

_ (¬1) ترجمته في جدوة الاقتباس ص 396. (¬2) ترجمته في جذوة الاقتباس ص 401. (¬3) انظر المعيار المغرب، طبعة دار القرب الإسلامي.

288 - عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن شعيب بن عبد الملك بن سهيل القيسي أبو زيد وأبو القاسم

قلت: وله أسئلة نفيسة في التفسير وغيره، سأل عنها العلامة ابن البقال الآتي في حرف الميم، تدل على جلالة قدره ذكرتها في غير هذا الموضع. 288 - عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن شعيب بن عبد الملك بن سهيل القيسي أبو زيد وأبو القاسم (¬1). قال أبو عبد اللَّه الحضرمي: شيخنا الفقيه الجليل الخطيب البليغ القاضي العدل المحدث الراوية الصالح الفاضل المعظم أبو زيد، له تآليف حسنة منها: أربعون حديثًا في الأحوال الإنسانية وبرنامج روايته ظهر فيه حفظه واتقانه ورتب نوازل ابن الحاج الشهير وكذا نوازل ابن رشد، ولخص المقنع للداني. مولده اثر صلاة الظهر يوم السبت الثاني والعشرين من المحرم عام ثلاثة وسبعين وستمائة، وتوفي ببلده المرية ليلة السبت تاسع عشر ربيع الأول عام سبعة وثلاثين وسبعمائة وله نيف وستون سنة، وحضر جنازته الخاص والعام وتبعه ثناء حسن، ورأيت له رؤيا تدل على سعادته- اهـ. 289 - عبد الرحمن بن عفان الجزولي أبو زيد (¬2). صاحب تقاييد الرسالة المشهورة الشيخ الفقيه الحافظ شيخ الرسالة والمدونة، كان علامة في المذهب ورعًا صالحًا، أخذ عن أبي الفضل راشد وأبي عمران الجورائي وأبي زيد الرجراجي وأبي محمد عبد الصادق الصبان، وكان للناس في مجلسه وانكباب في الأخذ عنه، قيدوا عنه تقاييد على الرسالة، وكان معمّرًا وما قطع التدريس على ضعفه، وسبب موته أنه خرج للقاء السلطان أبي الحسن المريني مرجعه من وقعة طريف فنزل له عند لقائه عن فرسه ونزل له السلطان أيضًا إجلالًا له وسقط هو عن دابته إذ ذاك فتضعضعت أركانه فمات من ذلك عام أحد وأربعين وسبعمائة، قال الإمام المقري لا بعض تقاييده: دخلت على عبد الرحمن الجزولي وهو يجود بنفسه وكنت رأيته قبل ذلك معافى فسألته عن السبب فأخبرني أنه خرج إلى لقاء السلطان فسقط عن دابته ¬

_ (¬1) ترجمته في معجم المؤلفين 5: 170. (¬2) ترجمته في معجم المؤلفين 5: 153، 154، جذوة الاقتباس 1: 70.

290 - عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن الإمام أبو زيد

فتداعت أركانه ثم ركب عليه- اهـ. وذكر الشيخ زروق أنه مات عن مائة وعشرين سنة، وذكر غيره أنه مات عن نحو تسعين سنة وكأنه أشبه. أخذ عنه الشيخ الصالح يوسف بن عمر الأنفاسي والإمام الحافظ أبو عمران العبدوسي وجماعة. 290 - عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللَّه بن الإمام أبو زيد (¬1). الإمام العلامة الجليل الكبير المجتهد الشهير هو وأخوه شقيقه أبو موسى عيسي بابني الإمام التلمسانيان العالمان الراسخان والعلمان الشامخان المشهوران شرقًا وغربًا الحافظان العلامتان، ذكرهما ابن فرحون في الديباج، قال: أبو زيد شيخ المالكية بتلمسان العلامة الأوحد أكبر الأخوين المشهورين بأولاد الإمام التنسي البرشكي وهما فاضلا المغرب في وقتهما، وكانا خصيصين بالسلطان أبي الحسن المريني، تخرج بهما كثير من الفضلاء، لهما التصانيف المفيدة والعلوم النفيسة. توفى أبو زيد سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة- اهـ. قال تلميذهما الإمام القري: كانا رحلا في شبابهما من بلدهما تلمسان إلى تونس فأخذا بها عن ابن جماعة وابن العطار والبطروني وتلك الطبقة وأدركا المرجاني من أعجاز المائة السابعة، ثم ورد في أول المائة الثامنة تلمسان على أمير المؤمنين وهو محاصر لها وفقيه حضرته يومئذ أبو الحسن علي بن يخلف التنسي، ورحل الفقيهان إلى المشرق في حدود العشرين وسبعمائة فلقيا علاء الدين القونوي وكان بحيث لا نظير له، ولقيا أيضًا الجلال القزويني صاحب التلخيص، وسمعا البخاري على الحجار، وقد سمعت أنا عليهما وناظرا التقي بن تيمية فظهرا عليه، وكان ذلك من أسباب محنته وكان للتقي المذكور مقالات شنيعة من حمل حديث النزول على ظاهره وقوله فيه كنزولي هذا، قلت: وهذه الزيادة أعني قوله كنزولي هذا أثبتها عليه ابن بطوطة فذكر في رحلته أنه حضر ابن تيمية يومًا وهو على المنبر فذكر حديث النزول ثم قال كنزولي هذا فنزل عن درجة المنبر إلى التي تحتها- اهـ. نعوذ باللَّه من تلك ¬

_ (¬1) ترجمته في الأعلام 3: 331، تعريف الخلف 1: 201 - 213.

المقالة، ومنهم من قال: لم يثبت عنه واللَّه أعلم، قال المقري: وكانا يذهبان إلى الاجتهاد وترك التقليد وحسبك ما صار لهما من الصيت بالمشرق، ولما حللت ببيت المقدس وعرف مكاني من الطلب وتناظرت مع بعضهم أتى إليّ بعض المغاربة فقال لي: إن مكانك في النفوس مكين وقدرك عندهم رفيع وأنا أعلم أخذك عن ابني الإمام، فإن سئلت فانتسب إليهما وقل سمعت منهما وأخذت عنهما ولا تعدل عنهما فتضع من قدرك فما أنت عند هؤلاء الناس إلا خليفتهما، وأن الأمر فوقهما، قال المقري: وكان أبو زيد -رحمه اللَّه- من العلماء الذين يخشون اللَّه. حدثني أمير المؤمنين المتوكل على اللَّه أبو عنان أن والده أمير المؤمنين أبا الحسن ندب الناس إلى الإعانة بأموالهم على الجهاد فقال له أبو زيد: لا يصلح لك هذا حتى تكنس بيت المال وتصلي فيه ركعتين كما فعل علي بن أبي طالب قال: وكان أبو زيد يقول فيما جاء من الأحاديث من معنى قول الرسالة وإذا سلم الإمام فلا يثبت ولينصرف أنه بقدر ما يسلم من خلفه لئلا يمر بين يديه أحد، وقد ارتفع حكمه فيكون كالداخل مع المسبوق جمعًا بين الأدلة، قال المقري: وهذا من مليح الفقه. قال ابن خلدون في التاريخ الكبير: ابنا الإمام كانا أخوين من أهل برشك من عمالة تلمسان، أكبرهما أبو زيد وأبوهما إمام برشك قتله المنقلب يومئذ على البلد زيوم بن حماد لاتهامه بوديعة من مال بعض أعدائه طالبه بها فامتنع وارتحل ولداه إلى تونس آخر المائة السابعة فقرأ العلم بها على تلاميذ ابن زيتون وتفقها على أصحاب أبي عبد اللَّه بن شعيب الدكالي، وانتقلا للمغرب بحظ وافر من العلم فأقاما بالجزائر يبثان العلم بها لامتناع برشك عليهما من أجل متغلبها زيوم والسلطان أبو يعقوب صاحب المغرب الأقصى محاصر يومئذ لتلمسان حصاره الطويل قد غلب على نواحيها فارتحلا إلى مليانة فقربهما منديل الكناني واتخذهما لتعليم ولده ثم هلك يوسف بن يعقوب صاحب المغرب سنة خمس وسبعمائة فملك حفيده واصطلح مع صاحب تلمسان فعاد للمغرب مع الكناني وهذان الاخوان فأوصلهما إلى أبي حمو وأثنى عليهما فاغتبط بهما أبو حمو واختط لهما المدرسة بتلمسان فأقاما عنده على هدى أهل العلم

وسننهم، ثم مع ابنه أبي تاشفين إلى أن ملك أبو الحسن تلمسان سنة سبع وثلاثين. وكانت لهما من الشهرة في أقطار المغرب ما أثبت لهما في أنفس الناس عقيدة صالحة فأدناهما وأشار بتكرمتهما ورفعهما عن أهل طبقتهما، وأجمل مجلسه بهما وحضرا معه واقعة طريف وعادا لبلدهما، فتوفي أبو زيد وتبوأ أبو موسى الكرامة ثم صحبه إلى افريقيا سنة ثمان وأربعين مكرمًا موقرًا على المحل قريب المجلس، فلما استولى على افريقيا سرحه إلى بلده فأقام يسيرًا ومات في الطاعون الجارف سنة تسع وأربعين وبقي أعقابهما بتلمسان في تلك الكرامة طبقًا عن طبق إلى هذا العهد- اهـ. قال المقري -رحمه اللَّه-: شهدت مجلسًا بين يدي السلطان أبي تاشفين عبد الرحمن موسى قريء فيه على أبي زيد بن الإمام حديث "لقنوا موتاكم لا إله إلا اللَّه" فقال له الأستاذ أبو إسحاق بن حكم السلوي: هذا الملقن محتضر حقيقة ميت مجازًا فما وجه ترك محتضركم إلى موتاكم والأصل الحقيقة؟ فأجابه أبو زيد بجواب لم يقنع به، وكنت قرأت على الأستاذ بعض التنقيح فقلت: زعم القرافي أن الشيء إنما يكون حقيقة في الحال مجازًا في الاستقبال مختلفًا فيه في الماضي إذا كان محكومًا به، أما إذا كان متعلق الحكم كما هنا فهو حقيقة مطلقًا إجماعًا وعلى هذا لا مجاز، لا يقال احتج في موضع الوفاق ثم أنّا لو سلمنا نفي الإجماع فلنا أن نقول ذلك إشارة إلى ظهور العلامات التي يعقبها الموت عادة، لأن تلقينه قبل ذلك إن لم يدهش فقد يوحش فهو تنبيه على محل التلقين أي لقنوا بأنه ميت أو نقول: إنما عدل إلى الاختصار لما فيه من الإبهام، ألا ترى اختلافهم فيه هل أخذ من حضور الملائكة ولا شك أن هذه حالة خفية تحتاج في نصبها دليل الحكم، والوصف ظاهر بضبطها وهو ما ذكرناه، أو من حضور الموت وهو أيضًا مما لا يعرف بنفسه بل بعلامات، فلما وجب اعتبارها وجب كون التسمية إشارة إليها -اهـ- بنقل ابن الخطيب في الإحاطة. قلت: ومن تآليف أبي زيد شرحه على ابن الحاجب الفرعي وألا أدري

291 - عبد الرحمن بن سليمان اللجائي الشيخ أبو زيد بن أبي الربيع أحد تلاميذ ابن البناء وأصحابه

هل كمل أم لا، وأخذ عنهما جماعة من الأئمة لا يحصون كالشريف التلمساني والمقري وأبي عثمان العقباني والخطيب ابن مرزوق الجد وأبيه وعمه وأبي عبد اللَّه اليحصبي في آخرين، وقال أبو العباس الونشريسي: وأما بنو الإمام فأعلاهم طبقة الشيخان الراسخان الشامخان العالمان المفتيان الشقيقان الفقيه العلامة آخر صدور أعلام المغرب بشهادة أهل الإنصاف شرقًا وغربًا أبو زيد والعلامة النظار آخر أهل النظر وجامع أشتات المعارف أبو موسى ابنا الإمام ثم الشيخ أبو سالم إبراهيم بن أبي زيد وابن عمه الشيخ الصالح أبو محمد عبد الحق ابن أبي موسى، ثم العلامة القاضي الرحال أبو الفضل بن أبي سالم، لم يبق لهما الآن عقب بتلمسان إلا صاحبنا وتلميذه الخير الفاضل أبو العباس أحمد بن أبي الفضل المذكور- اهـ. 291 - عبد الرحمن بن سليمان اللجائي الشيخ أبو زيد بن أبي الربيع أحد تلاميذ ابن البناء وأصحابه (¬1). حقق عنه علومه، ووالده أبو الربيع أول من أدخل فرعي ابن الحاجب في الغرب وعنه أخذ، وكان فقيهًا متفننًا، له تآليف، توفي سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، أخذ عنه ابن الخطيب القسنطيني، هكذا ذكره في وفياته. 292 - عبد الرحمن بن أحمد الوغليسي البجائي (¬2). عالمها ومفتيها الفقيه العالم الصالح أبو زيد، قال ابن الخطيب القسنطيني: توفي سنة ست وثمانين وسبعمائة ببجاية- اهـ. وله المقدمة المشهورة وفتاوى، أخذ عنه جماعة كأبي الحسن علي بن عثمان وبلقاسم بن محمد المشذالي فقيه بجاية وغيرها. 293 - عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن الحفيدة السجلماسي، الفقيه الحافظ الحاج أبو زيد (¬3). قال أبو زكرياء السراج: لقيته بعد قفوله من الحاج عام أربعة وستين ¬

_ (¬1) ترجمته في الضوء اللامع ص 132. (¬2) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 237. (¬3) ترجمته في الدرر الكامنة 2: 343.

294 - عبد الرحمن بن محمد الشهير بابن خير أبو القاسم جمال الدين الاسكندري

وسبعمائة فناولني الجعبري وجميع تآليفه ثم رحل عام سبعة للمشرق فلم أسمع له خبرًا، أخذ عن عبد اللَّه اليافعي والعلامة قاضي القضاة عز الدين ابن جماعة والعفيف المطري، وحدثني أن شيخه اليافعي جاور بالحرمين نحو خمسين عامًا وهو يقول: تعارضت عندي الأدلة في أيهما أفضل فأنا أقيم في كل واحدة سنة وأدعو اللَّه أن يميتني في أحب البقاع إليه. 294 - عبد الرحمن بن محمد الشهير بابن خير أبو القاسم جمال الدين الاسكندري (¬1). أخذ الفقه عن أبيه وسمع منه ومن غيره وناب في الحكم عن الربعي، واشتهر بالديانة وولي القضاء بعد عزل علم الدين البساطي في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة وباشرها مباشرة حسنة، وكان عفيفًا كثير المحبة لأهل العلم وأهل الخير ملازمًا للاعتكاف في شهر رمضان ضابطًا لنفسه حازمًا في أموره لا يقبل الهدية مشددًا في ذلك، مع المعرفة التامة بالشرط والخلاف، وله في استخراج معانيها عجائب، ثم عزل في جمادى الأخيرة سنة ست وثمانين ثم أعيد بعد عزل ابن خلدون في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين، وكان للناس بولايته فرح وسرور لشدة كراهيتهم لابن خلدون فباشرها إلى أن مات في رمضان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. صح من الدرر الكامنة لابن حجر. 295 - عبد الرحمن البرشكي أبو زيد (¬2). الشيخ الإمام العلامة الخطيب المدرس قاضي الخلافة العلية بتونس، كان من أهل العلم والعمل به بمحل لا يجهل، وأما أخلاقه المرضية ومكارمه السنية فكالغيث الواكف. أحد أشياخ العلامة ابن مرزوق، كذا ذكره بعضهم. قلت: وهو من شيوخ أبي الطيب بن علوان المصري. ¬

_ (¬1) ترجمته في شذرات الذهب 6: 317. (¬2) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 226.

296 - عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي

296 - عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي (¬1). الشيخ الصالح الإمام النحوي أبو زيد الفاسي، ألف شرحًا مختصرًا على الألفية اعتنى به الطلبة كثيرًا، وآخر كبيرًا لم يتم أتلفه الحسدة الأوائلة، على ما قيل، نقل عنه ابن غازي وغيره وله شرح الجرمية ونظم المعرب من الألفاظ والمقصورة في مدحه -صلى اللَّه عليه وسلم- على سنن مقصورة ابن دريد نحو ثلاثمائة بيت وفيها يقول: مَقْصُورَةٌ لكِنَّهَا مَقْصُورَةٌ ... على امتداحِ المُصْطَفَى خَيْرِ الوَرَى مَا شبْتُهَا بِمَدْحِ خَلْقٍ غَيْرِهِ ... لرُتْبَةٍ أَحْظَى بهَا ولا جَرى فاقت علاءً كلَّ ذي مقصورة ... وإنْ هُمُ نالوا الأيادي واللُّهى (*) فحازمٌ قد عُدَّ غيرَ حازمٍ ... وابنُ دريدٍ لم يفده ما درى وله أيضًا رجز في التصريف نحو أربعمائة بيت، وفيه يقول على جهة الفخر: فَلَوْ نَهَوْا عَن الهَوَى النُّفُوسَا ... وَجَانَبُوا التَّمْويهَ والتَّلْبيسَا لَسَلَّمُوا أَنِّيَ فيهِمْ مَاهِرُ ... ونُورُ فَهْمِي في العُلومِ بَاهِرُ لكن كِبَارَ أَهْلِ هَذا العِلْمِ ... يَدرونَ تحصِيلي لَهُ وَفَهْمِي توفي سنة سبع وثمانمائة، هكذا رأيته مقيدًا في غير موضع، وأخذ عنه الإمام الرباني الحفيد بن مرزوق وأثنى عليه بالعلم والصلاح والفضل، وأنجب ولده حماد وكان عالمًا بالنحو، ولكن دون والده، رحمهما اللَّه. 297 - عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن خلدون الحضرمي (¬2). الاشبيلي الأصل التونسي المولد الإمام ولي الدين أبو زيد قاضي القضاة ¬

_ (¬1) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 249. (*) زاد في "وجه الابتهاج" (136) بَيْتًا آخر في أولها هو قوله: لكننى طَرَّزْتُها مِنْ مِدَحٍ ... بِحُلَلٍ ذَاتِ بَهَاءٍ وَحُلَى (¬2) هو المؤرخ الشهير عبد الرحمن بن خلدون ترجمته في: الضوء اللامع 4: 145، الشذرات 7: 76، النفح 4: 6، البدر الطالع 1: 337، المجددون في الإسلام للصعيدي ص 295، حياة ابن خلدون للخضر حسين، وظهر الإسلام 3: 225، حسن المحاضرة 1: 263 وبروكلمان 2: 342، ومعجم المؤلفين لكحالة، والأعلام للزركلي، وانظر العبر للمترجم له.

العلامة الحافظ المؤرخ، قال ابن الخطيب في تاريخ غرناطة: كان فاضلًا حسن الخلق جم الفضل باهر الخصال رفيع القدر ظاهر الحياء وقور المجلس عالي الهمة قوي الجأش. طامحًا لقنن الرئاسة متقدمًا في فنون عقلية ونقلية متعدد المزايا سديد البحث كثير الحفظ صحيح التصور، بليغ الخط مغري بالتجلة جواد الكف حسن العشرة بذول المشاركة، مفخرًا من مفاخر التخوم المغربية، من ذرية وائل بن حجر، أخذ القرآن عن بدال والعربية عن الزواوي وابن العربي وتأدب بأبيه وأخذ عن المحدث ابن جابر الوادي آشي وحضر مجلس ابن عبد السلام وروى عن الحافظ السطي والرئيس أبي محمد الحضرمي، ولازم العلم الشهر الابلي وانتفع به وورد على الأندلس في ربيع الأول عام أربعة وستين وأكرمه سلطانها وأركب لتلقيه خاصته وخلع عليه وأبره، شرح البردة شرحًا بديعًا دل على تفننه وإدراكه وغزارة حفظه، ولّخص كثيرًا من كتب ابن رشد وعلق تقييدًا مفيدًا في المنطق للسلطان، ولخص محصول الفجر وألف في الحساب وفي أصول الفقه. مولده بتونس في رمضان عام اثنين وثلاثين وسبعمائة- اهـ. قال أبو جعفر البقني في مختصر الإحاطة: وألف تاريخه المشهور الذي سحر به الخاص والجمهور سماه بكتاب "العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر" اخترع فيه مذهبًا عجيبًا وطريقًا مبتدعًا من الحديث على العلوم وتنقيح الفهوم وما يعرض في الإنسان من الأعراض الذاتية والخيالات والحلوم- اهـ. وقال بعضهم: وخلدون، بفتح الخاء المعجمة وآخر نون، حفظ القرآن والشاطبي ومختصر ابن الحاجب الفرعي وتفقه بأبي عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الجياني وأبي القاسم بن العصير، قرأ عليه التهذيب وعليه تفقه وحفظ المعلقات والحماسة وشعر حبيب وقطعة من شعر المتنبي وسقط الزند، وأخذ العربية عن والده وغيره وعبد المهيمن الحضرمي، وتولى كتابة العلامة عن صاحب تونس ثم توجه لفاس واعتقل عند سلطانها ثم قدم غرناطة وعظمه سلطانها.

298 - عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن الشريف التلمساني المشهور بأبي يحيى الشريف

ثم توجه لبجاية ثم لتونس ثم رحل لمصر فولاه سلطانها الظاهر برقوق قضاء المالكية وتصدر للاقراء بالجامع الأزهر وصنف تاريخه الكبير في سبع مجلدات سماه العبر في تاريخ الملوك والأمم والبرير، وكان يسلك في اقرائه مسلك الأقدمين كالغزالي والفخر مع إنكار طريقة طلبة العجم ويقول: إن اختصار الكتب في كل فن والتعبد بالألفاظ على طريقة العضد وغيرها من محدثات المتأخرين والعلم وراء ذلك كله، وكان يقدم بديع ابن الساعاتي على مختصر ابن الحاجب ويقول: إنه أقعد بالفن زاعمًا أن أبوه الحاجب لم يأخذه عن شيخ، وفيه نظر، وتكرر عزله مرارًا من القضاء وولايته نسب في تاريخه الى عظيمة نقلها عنه أبو الحسن بن أبي بكر. قال ابن حجر: ولم يوجد في تاريخه مات قاضيًا فجأة يوم الأربعاء لأربع بقين من رمضان سنة ثمان وثمانمائة عن ست وسبعين دون أشهر، ودفن في مقابر الصوفية خارج باب النصر- اهـ. قلت: وعرّف هو بنفسه في تاريخه فأطال فيه نحو أربعة وأربعين ورقة من كامل الشامي وذكر فيه أنه حين رجع لتونس ازدحم عليه طلبة ابن عرفة وغيره وأنه وقع بينه وبين ابن عرفة شيء. وممن أخذ عنه الإمام ابن مرزوق الحفيد والشيخ البسيلي والبدر الدماميني والعلامة البساطي وغيرهم. 298 - عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن الشريف التلمساني المشهور بأبي يحيى الشريف (¬1). الإمام العلامة المحقق الأعرف ابن الإمام العلامة المحقق أبي عبد اللَّه الشريف، كان من الآيات في القيام بتحقيق العلوم والاتقان لها ومعرفتها محققًا نظارًا حجة، قال الإمام ابن العباس: الإمام العلامة الأوحد شريف العلماء وعالم الشرفاء آخر المفسرين من علماء الظاهر والباطن ابن العلماء الأئمة- اهـ. ¬

_ (¬1) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 251.

وقال بعض من عرّف به وبأبيه وأخيه: ولد آخر ليلة التاسع عشر من رمضان عام سبعة وخمسين وسبعمائة وبشر به أبوه في منامه كأخيه وكان ليلة مولده بات مع أبيه الفقيه أبو زيد بن خلدون والقاضي أبو يحيى بن السكاك فطلب منه كل أن يسميه باسمه فسماه عبد الرحمن وكناه أبا يحيى، وكان يحبه أبواه كثيرًا شديدًا ويتفرس فيه أبوه، قرأ عليه التقصي تفقهًا وابن الحاجب الأصلي ومثارات الغلط من تأليفه والموطأ وحفظ ودرس في حياته ثم لما مات أخذ عن أخيه علومًا جمة وقرأ عليه كتبًا كثيرة، وعلى العالم الصالح أبي عثمان العقباني أصلي ابن الحاجب وإيضاح الفارسي وجمل الخونجي، وحضر عليه في التفسير وعلى الأستاذ الصالح ابن حياتي الغرناطي المقرب والزجاج، وسمع من الشيخ العالم أبي القاسم بن رضوان صحيح مسلم وشفاء عياض وأجازه وجد في الطلب حتى ارتفع قدره وتعجب منه الأشياخ، ولقد سمعت شيخنا الفقيه الصالح أبا يحيى المطغري يقول: حضرت مجالس العلماء شرقًا وغربًا فما رأيت ولا سمعت مثل أبي عبد اللَّه وولديه. ولما مرض أخوه عبد اللَّه أمره بالجلوس في موضعه للاقراء فامتنع تادبًا حتى قدم عليه فساعفه سنة أربع وثمانين وبلغ الغاية في العلم والنهاية في المعارف الإلهية وارتقى مراقي الزلفي ورسخ قدمه في العلوم، وناهيك بكلامه في أول سورة الفتح. ولما وقف عليه أخوه عبد اللَّه كتب عليه وقفت على ما أولتموه وفهمت ما أرثموه فألفيته مبنيًا على قواعد التحقيق والاتقان بعد مطالعة كلام المفسرين ومراجعة الأفاضل المتأخرين وتلك "شنشنة أعرفها من أخزم" -اهـ- ملخصًا. قال أبو الفضل بن مرزوق الحفيد: توفي سيدنا الشريف العلامة أبو يحيى مع الفجر السادس والعشرين من رجب عام ستة وعشرين وثمانمائة- اهـ. أخذ عنه جماعة كالشيخ أبي زيد الجاديري والعلامة ابن زاغو وأثنى عليه غاية واعتمد عليه، والشيخ أبي عبد اللَّه القيسي وكان قد دخل مدينة فاس واقرأ بحضرة سلطانها وفقهائها -رحمه اللَّه.

299 - عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن محمد بن عطية المديوني

299 - عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن محمد بن عطية المديوني (¬1). ثم الجاديري وبه اشتهر، الفاسي الشيخ الفقيه العالم الموقت الإمام، ولد سنة ست أو سبع وسبعين وسبعمائة واستوطن فاسًا، وكان بها عدلًا مبرزًا ولي التوقيت بجامع القرويين منها وكان متفننًا مقرئًا نحويًا حيسوبيًا مؤقتًا، قرأ بالسبع على ابن عمر وأبي عثمان الزروالي، وأبي عبد اللَّه الفخار وأبي عبد اللَّه القيسي وروى عن الترجالي وبرهان الدين بن صديق وأبي الحسن ابن الإمام البخاري وغيرهم، له تآليف منها روضة الأزهار في علم وقت الليل والنهار واقتطاف الأنوار ذكر فيه مسائلها نثرًا كالشرح لها، ومختصر الاقتطاف المذكور وكتاب جمع فيه بين العمل بآلة الاسطرلاب وبالصفيحة الشكارية وبربع الدائرة والعمل بالحساب والجدول في اثنين وأربعين بابًا، وتنبيه الأنام على ما يحدث في أيام العام وشرح رجز أبي مقرع ومختصر شرح الخاقانية للداني ورجز سماه النافع في أصل حرف نافع وشرح رجز شيخه القيسي في الضبط، وشرح الدرر اللوامع، وله أيضًا المذكر والمؤنث وغيرها. توفي في نيف وأربعين وثمانمائة ودفن في داخل باب الفتوح. هكذا وجدت ترجمته في بعض المجاميع، وذكر الونشريسي في وفياته أن وفاته سنة تسع وثلاثين، وقال بعض أصحابنا: كان من أعلام فاس محصلًا، أخذ عن جماعة وألف فهرستا مليحًا- اهـ. ومن شيوخه أبو زيد المكودي روى عنه مقصورته وغيرها. ذكره ابن غازي في الروض الهتون. 300 - عبد الرحمن بن الشحنة الحلبي الشيخ فتح الدين ابن الشيخ كمال الدين (¬2). كان حنفيًا ثم انتقل مالكيًا، تولى قضاء المالكية وكان من الفضلاء ¬

_ (¬1) ترجمته في جذوة الاقتباس ص 454. (¬2) هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمود بن الشحنة (انظر توشيح الديباج ص 119، والضوء اللامع 4: 150).

301 - عبد الرحمن الغرياني الطرابلسي

الأعيان وأحد النبلاء الأذكياء من بيت علم، وكان حسن النظم، ولد سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة وتوفي ليلة عاشر المحرم سنة ثلاثين وثمانمائة واستقر بعده في قضاء المالكية ولده الكمال إبراهيم، ومن نظمه في محنة توالت عليه وكثرت الأمطار تلك السنة: لا تَلُومُوا الغَمَامَ إِنْ ضَبَّ دَمْعًا (¬1) ... وَتَوالَتْ لأجْلِهِ الأنْوَاءُ فاللَّيَالِي أَكْثَرنَ فِينَا الرَّزايَا ... فَبَكَت رَحْمَةً عَلَيْنَا السَّمَاءُ هكذا وجدت هذه الترجمة بخطي، ولا أدري من أين نقلتها. 301 - عبد الرحمن الغرياني الطرابلسي (¬2). محشي المدونة، أخذ عن أصحاب ابن عرفة كأبي يوسف يعقوب الزغبي وغيره، قال الشيخ حلولو: له معرفة بالفقه- اهـ. فائدة: ذكر في حاشية المدونة عن شيخه الزغبي عن الإمام ابن عرفة قال: لا يجوز لأحد يقف في مسألة على نص ابن رشد ويأخذ فيها بكلام اللخمي، قال: وسبب ذلك اختلاف كلامهما في مسألة، فأراد قاضي الجماعة أن يحكم فيها بقول اللخمي فأنكر عليه ابن عرفة وذكر ما تقدم- اهـ. قلت: وهذا الذي نقله عن ابن عرفة وإن كان له وجه ما إلا أنه قد لا يوافق عليه، فقد مشى خليل في مختصره في مواضع عديدة على كلام اللخمي دون ابن رشد، مع وقوفه على كلامه في ذلك الموضع لنقله له في توضيحه كقوله في الجنائز: وفي الصنف أيضًا الصف، وقد ذكر كلامهما في التوضيح، وله مثل ذلك في مواضع بينتها في غير هذا الموضع- اهـ. 302 - عبد الرحمن الكاواني أبو زيد (¬3) قال ابن غازي في فهرسته: شيخنا الفقيه المتفنن قدم علينا مكناسة ¬

_ (¬1) في الأصول خلل وتصحيحه من نسخة خ ح من كفاية المحتاج ص 155. (¬2) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 260. (¬3) ترجمته في جذوة الاقتباس ص 404.

303 - عبد الرحمن بن أبي القاسم القرموني القيسي أبو زيد

متوطنا ودرس بها، وقرأت عليه الرسالة قراءة تحقيق، وفرائض التلقين تفقهًا وعملًا، وسمعت عليه بعض المدونة والجلاب، وكان إمامًا في الأصلين، أدرك من الفاسيين الحاج أبا يعقوب الأغصاوي وأبا جعفر الزجاجي وأبا وكيل ميمون والمكودي وشيخ الجماعة عيسى بن علال، سمع عليه المدونة وتلميذه العالم العلم أبا القاسم التازغدري وبه تفقه، وأخذ الأصلين عن أبي عبد اللَّه العكرمي وأبي يعقوب يوسف السيتاني. أدرك بعض القرن الثامن وتوفي في حدود التسعين وثمانمائة. 303 - عبد الرحمن بن أبي القاسم القرموني القيسي أبو زيد (¬1). قال تلميذه ابن غازي: هو الفقيه العاقل الصالح الزاهد، جالسته كثيرًا واستفدت منه وحضرته في الرسالة، كان متواضعًا جدًا، أدرك أبا حفص الرجراجي وشيخ الجماعة ابن علال وأبا القاسم التازغدري وأبا مهدي عيسى المغراوي، ومن المكناسيين الفقيهين الزاهدين عبد اللَّه بن أحمد وابن فتوح التلمساني. ولد عام أحد وثمانمائة وتوفي سنة أربع وستين- اهـ. قال الشيخ أحمد زروق في كناشته: عبد الرحمن القرموني فقيه مدرس رئيس خير من بيت خير كان مؤقتًا، وقال أيضًا: كان من بيت علم وتصرّف وفيه ديانة وكان مدرسًا- اهـ. 304 - عبد الرحمن المجدولي المشهور بالتونسي (¬2). قال ابن غازي في فهرسته: كان قد برز في علم العقول وعنه يأخذ بفاس، وكان لسانه لا يعينه على حسن الإلقاء، أخذ عن أبي عبد اللَّه الابي، وحضرته واستفدت منه- اهـ. وأخذ عنه الإمام زروق ونقل عنه أنه كاره ينقل عن شيخه الابي أنه كان يقول ما في علم الكلام أشكل من مسائل ثلاث: مسألة كلامه تعالى ¬

_ (¬1) ترجمته في جذوة الاقتباس ص 405. (¬2) ترجمته في جذوة الاقتباس ص 405.

305 - عبد الرحمن بن عبد الوارث بن محمد بن عبد الوارث بن محمد بن عبد العظيم بن يحيى بن يعقوب بن يحيى بن عيسى بن شعبان بن عيسى بن داود بن محمد بن نوح بن طلحة بن عبد الله بن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه

والقدرة الاكتسابية والرؤية، فعليك باعتقاد الحق في ذاك وترك ما سواه -اهـ- نقلته من حفظي. 305 - عبد الرحمن بن عبد الوارث بن محمد بن عبد الوارث بن محمد بن عبد العظيم بن يحيى بن يعقوب بن يحيى بن عيسى بن شعبان بن عيسى بن داود بن محمد بن نوح بن طلحة بن عبد اللَّه بن أبي بكر الصديق، رضي اللَّه عنه (¬1). القاضي نجم الدين البكري ولد في ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة وحفظ الأحكام لابن دقيق العيد وفرعي ابن الحاجب وألفية النحو، واشتغل بالفقه على بهرام والجمال الاقفهسي قرأ عليهما بحثا جميع المختصرات وناب عن الشمس المزني وابن خلدون، وعن الجلال البلقيني وفرض له ابن حجر فأفرض له السلطان وولي بعد والده القمحية ثم رغب عنها وحج وأعطاه السلطان ألف دينار ثم عاد فأعطاه خمسمائة دينار فلم يقبلها، وكان فاضلًا جوادًا ظريفًا ذا سطوة على المفسدين. ووصفه ابن حجر بالشيخ الإمام العلامة مفتي المسلمن وصدر المدرسين أقضى القضاء ولي أمير المؤمنين، توفي نصف ذي القعدة يوم الجمعة سنة ثمان وستين وثمانمائة. صح من السخاوي. قلت: وأخذ عنه السيوطي وذكره في معجمه. 306 - عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي الجزائري (¬2). الشيخ الإمام الحجة العالم العامل الزاهد الورع ولي اللَّه الناصح الصالح العارف باللَّه أبو زيد شهر بالثعالبي، صاحب التصانيف المفيدة، كان ¬

_ (¬1) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 257. (¬2) ترجمته في: الضوء اللامع 4: 152، شجرة النور الزكية ص 265، الحلل السندسية ص 156، تعريف الخلف 1: 67، فهرس الفهارس 2: 131، معجم المطبوعات ص 661، مناقب الحضيكي 2: 288، هدية العارفين 1: 432، تاريخ الجزائر العام 2: 280، الأعلام 4: 107، معجم المؤلفين 5: 192، المكتبة العبدلية 1: 127، التيمورية 3: 52، الأزهرية 1: 218، كشف الظنون ص 163، إيضاح المكنون 1: 117، 359، 409، 544، 4: 234، فهرس المخطوطات الظاهرية، والمفسرون للذهبي، وصفحات في تاريخ مدينة الجزائر، والتصوف للدكتور عبد الرزاق قسوم، ومعجم المفسرين للمؤلف (مخطوط)، ومعجم أعلام الجزائر ص 90.

من أولياء اللَّه المعرضين عن الدنيا وأهلها، ومن خيار عباد اللَّه الصالحين، قال السخاوي: كان إمامًا علامة مصنفًا اختصر تفسير ابن عطية في جزأين وشرح ابن الحاجب الفرعي في جزأين وعمل في الوعظ والرقائق وغيرها- اهـ. قال الشيخ زروق: شيخنا الفقيه الصالح والديا عليه أغلب من العلم، يتحرى في النقل أتم التحري وكان لا يستوفيه في بعض المواضع- اهـ. قال ابن سلامة البكري: كان شيخنا الثعالبي رجلًا صالحًا زاهدًا عالمًا عارفًا وليًا من أكابر العلماء، له تآليف جمة أعطاني نسخة من تفسير الجواهر لا بشراء ولا عوض، عاوضه اللَّه بالجنة، وقال غيره: سيدنا ووسيلتنا لربنا الإمام الولي العارف باللَّه- اهـ. قلت: وهو ممن اتفق الناس على صلاحه وإمامته، أثنى عليه جماعة من شيوخه بالقلم والدين والصلاح كالإمام الابي والولي العراقي والإمام الحفيد ابن مرزوق، وقد عرف هو بنفسه في مواضع من كتبه قال: رحلت في طلب العلم من ناحية الجزائر في آخر القرن الثامن فدخلت بجاية عام اثنين وثمانمائة فلقيت بها الأئمة المقتدى بهم في العلم والدين والورع أصحاب الفقيه الزاهد الورع عبد الرحمن الوغليسي وأصحاب الشيخ أبي العباس أحمد ابن إدريس متوافرون يومئذ، أصحاب ورع ووقوف مع الحد لا يعرفون الأمراء ولا يخالطونهم وسلك أتباعهم مسلكهم كشيخنا الإمام الحافظ أبي الحسن علي ابن عثمان المكلاتي وشيخنا الولي الفقيه المحقق أبي الربيع سليمان بن الحسن وأبي الحسن علي بن محمد البليليتي وعلي بن موسى والإمام العلامة أبي العباس النقاوسي، حضرت مجالسهم وعمدتي على الأولين ثم دخلت تونس عام تسعة أوائل عشرة وأصحاب ابن عرفة متوافرون فأخذت عنهم كشيخنا واحد زمانه أبي مهدي عيسى الغبريني وشيخنا الجامع بين علمي المنقول والمعقول أبي عبد اللَّه الابي وأبي القاسم البرزلي وأبي يوسف يعقوب الزغبي وغيرهم، وأكثر عمدتي على الابي، ثم رحلت للمشرق وسمعت البخاري بمصر على البلالي وكثيرًا من اختصار الاحياء له، وحضرت مجلس شيخ المالكية بها أبي عبد اللَّه

البساطي، وحضرت كثيرًا عند شيخ المحدثين بها ولي الدين العراقي وأخذت عنه علومًا جمة معظمها علم الحديث، وفتح لي فتحًا عظيمًا وأجازني، ثم رجعت لتونس فإذا في موضع الغبريني الشيخ أبو عبد اللَّه القلشاني خلفه فيه عند موته فلازمته وأخذت البخاري إلا يسيرًا عن البرزلي، ولم يكن بتونس يومئذ من يفوتني في علم الحديث إذا تكلمت أنصتوا وقبلوا ما أرويه، تواضعًا منهم وإنصافًا واعترافًا لحق، وكان بعض فضلاء المغاربة يقول لي لما قدمت من المشرق: كنت آية في علم الحديث، وحضرت أيضًا شيخنا الابي وأجازني ثم قدم تونس شيخنا ابن مرزوق عام تسعة عشر فأقام بها نحو سنة فأخذت عنه كثيرًا وسمعت عليه الموطأ بقراءة الفقيه أبي حفص عمر القلشاني ابن شيخنا أبي عبد اللَّه وغير شيء، وأجازني وأذن لي هو والابي في الاقراء، وأخذت عن غيرهم -اهـ- ملخصًا. قلت: ومن شيوخه الشيخ المحدث عبد الواحد الغرياني وحافظ المغرب أبو القاسم العبدوسي وابن قرشية، وأما تآليفه فكثيرة كتفسيره الجواهر الحسان في غاية الحسن، اختصر فيه ابن عطية مع فوائد وزوائد كثيرة، وروضة الأنوار ونزهة الأخيار وهو قدر المدونة فيه لباب من نحو ستين من أمهات الدواوين المعتمدة، وهو خزانة كتب لمن حصله قال: وجمعته في سنين كثيرة فيه بساتين وروضات- اهـ. وكتاب الأنوار في معجزات النبي المختار -صلى اللَّه عليه وسلم- والأنوار المضيئة الجامع بين الحقيقة في جزء، ورياض الصالحين جزء وكتاب التقاط الدرر وكتاب الدر الفائق في الأذكار والدعوات، والعلوم الفاخرة في أحوال الآخرة مجلد ضخم، وشرح ابن الحاجب الفرعي في سفرين جمع فيه نخب كلام ابن رشد وابن عبد السلام وابن هارون وخليل وغرر ابن عرفة مع جواهر المدونة وعيون مسائلها في سفرين وفي آخره جامع كبير نحو عشرة كراريس من القالب الكبير فيه فوائد وإرشاد السالك جزء صغير والأربعون حديثًا مختارة والمختار من الجوامع في محاذاة الدرر اللوامع، وكتاب جامع الفوائد وكتاب جامع الأمهات في أحكام العبادات وكتاب النصائح وكتاب تحفة الاخوان في إعراب بعض آي

القرآن، والذهب الابريز في غرائب القرآن العزيز وكتاب الإرشاد في مصالح العباد، ذكر جميعها في فهرسته. ولد عام ست أو سبع وثمانين وسبعمائة وتوفي، كما ذكر الشيخ زروق، سنة خمس وسبعين وثمانمائة فعمره نحو تسعين سنة، كما ذكره السخاوي، وقال زروق: ثلاث وتسعون والأول أشبه لما تقدم من ولادته، وقد ذكر هو عن نفسه أنه في عام أحد وأربعين وثمانمائة ابن خمس أو ست وخمسين سنة فاعرفه. أخذ عنه جماعة كالشيخ العالم محمد بن محمد بن مرزوق الكفيف والإمام السنوسي وأخيه لأمه علي التالوني والإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي ومن فوائده وما ذكره في كثير من كتبه قال: ومما جربته من الخواص أن من أراد أن يستيقظ أي وقت شاء من الليل فيقرأ عند نومه عند غلبة النعاس، بحيث لا يتجدد عقبها خواطر آية {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} الخ السورة، فإنه يستيقظ في الوقت الذي نواه بلا شك، وهو من العجائب المقطوع بها قال: وفي الصحيح أن في الليل ساعة لا يوافقها مسلم يسأل اللَّه شيئًا إلا أعطاه إياه، فإذا أردت معرفة هذه الساعة فاقرأ عند نومك {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} إلا آخرها فإنك تستيقظ في الساعة بفضل اللَّه تعالى، وربما تقرر تيقظك لأمر أراده اللَّه تعالى، وهذا مما ألهمت وما كتبته إلا بعد استخارة، وإياك أن تدعو فيه على مسلم وإن ظالمًا وإلا فاللَّه حسيبك وأنا بين يديه خصيمك، وهي فائدة عظيمة- اهـ. ملخصًا. فائدة: ذكر صاحب الترجمة في ورقات جمعها عدة مرائي رأيته في فضل تفسيره فما قال فيها حدثني والدي وعمي عن عمر بن مخلوف قالا بشرنا بك والدنا مخلوف وقال يولد لولدي محمد ولد يكون من شأنه كذا وكذا من أوصاف الخير، وكان جدي المذكور من أفراد الأولياء الراسخين وعباده المتقين، بلغ في سلوك الطريق الغاية والنهاية وظهر له كرامات من أهل الرسوخ والتمكين ما يخبرني بشيء إلا كان كذلك كأنه ينظر اللوح المحفوظ، وتأولت ذلك ما يسر

307 - عبد الرحمن بن موسى البرشوي أبو زيد.

اللَّه لي من التصانيف لاسيما تفسير القرآن لانتفاع المسلمين به. ورأيته -صلى اللَّه عليه وسلم- مرارًا على نحو صفاته المذكورة في الكتب لم يختلف حاله على قط في خلق وما رأيته إلا رأيت منه بشاشة وخلقًا كريمًا إلا مرة واحدة فرأيته وأنا في تأليف هذا التفسير وقراءة البخاري وأنا في موضع عال مع أناس كثيرين وهو يفرق طعامًا في يده الكريمة وطمعت في نيل شيء منه وخشيت نفاده قبل وصوله إليّ لكثرة الناس فما كمل الخاطر إلا وهو -صلى اللَّه عليه وسلم- واقف مقبل عليّ مسرور فسألته أن يطعمني من الطعام فناولني من يده، وأكلت منه -صلى اللَّه عليه وسلم- ونظر إليّ قائلًا: أليس إذا أطعم النبي أحدًا شيئًا يتقيؤه فقلت له أفأتقيؤه وتهيأت للقيء فقال لي: ليس هذا أريد، ففهمت أنه لم يرد القيء بظاهره وأوّلته على نشر العلم وبثه وفرحت. ورأيته مرة أيضًا عام ثلاثة وثلاثين وهو يحض -صلى اللَّه عليه وسلم- على علم الطب قائلًا وواعدًا من اشتغل بتحصيله أن يسأل اللَّه تعالى أن يجعله في جواره أو قال في درجته -صلى اللَّه عليه وسلم-، وذكر الفقيه الصالح سعيد الهواري عن إنسان رأى رؤيا في فضل كتاب الجواهر الحسان كان مناديًا أن اللَّه قضى أنه لا يأتي بعده مثله وأنه تعالى جعل عليه القبول أو نحو ذلك، ثم ذكر سعيد أنه رأى لهذا التفسير ثلاثة آلاف رؤيا تقتصي خيره -اهـ- ملخصًا. وقد ذكر كثير من ذلك. 307 - عبد الرحمن بن موسى البرشوي أبو زيد. قال الشيخ زروق: أحد المدرسين ببجاية وأئمتها، كان فقيهًا ذا دين وعفاف وسناء وتحمّل عقل صبّار توفي (¬1). . . صح من الكناشة. 308 - عبد الرحمن بن سليمان التالي المعروف بالحميدي الفاسي (¬2). أخذ عن القوري وغيره، توفي في الحادي والعشرين من المحرم عام أربعة وتسعمائة، ذكره المنجور في فهرسته. ¬

_ (¬1) بياض في الأصل. (¬2) انظر ترجمته في جذوة الاقتباس ص 405.

309 - عبد الرحمن بن محمد الشهير بابن قاسم

309 - عبد الرحمن بن محمد الشهير بابن قاسم (¬1). قاضي القضاة بمصر جلال الدين العالم الصالح، من المشهورين في العلم والصلاح رقيق القلب سريع الدمعة، يتوجع لضرر المسلمين ومهماتهم، طلب منه السلطان الغوري استبدال مكان موقوف فامتنع وقال ليس الاستبدال، مذهبي فلا أباشر ما لا أعتقده، ثم طلبه لقضاء القضاة وصمم عليه في ذلك فشرط على السلطان متى طلب أحدًا من كبار الأمراء لا يتحامى عليه فقال له: أنا أكون لك رسولًا كل من طلبته على إحضاره، فباشر بعفة وأمانة ثم تعفف عنه وأقبل على مداومة الشغل بالعلم والتصنيف وبذل الصدقة بحيث لا يرد سائلًا ولو بقليل، ألف شرح الرسالة وشامل بهرام وقطعة من المختصر قدر العبادات وحدود الأبدي. توفي بعد العشرين وتسعمائة. صح من ذيل البدر القرافي. 310 - عبد الرحمن بن علي الأجهوري. بجيم بعد الهمزة ثم هاء مضمومة ثم راء فياء، نسبة إلى أجهور قرية بمصر، قال القرافي: شيخنا الفقيه العلامة الناسك الإمام العامل الزاهد بقية السلف، تفقه بالشهاب الفيشي ثم بالشمس اللقاني وأخيه ناصر الدين وبرع في الفقه، تخرج به جماعة من الطلبة حتى وصل ملازموه المجدون عليه نحو مائة ولازم اقراء خليل وأعان على كشف غوامضه وصار مدرس مصر وطلبتها كلهم من طلبته، له حاشية عليه وطرر على هوامش الشرح الكبير أحسن وأدق من حاشيته، كان أعرف من رأيناه بالفقه آية ظاهرة في تربية الطلبة حاز في ذلك ثناء فاخرًا واشتهارًا في حياة شيخه ناصر، مع ما للناصر من الشهرة الذائعة، وقد عده شيخنا ولي اللَّه عبد الوهاب الشعراني في طبقات الصوفية منهم وأثنى عليه. . . (¬2). توفي في صفر سنة سبع وخمسين وتسعمائة- اهـ. قلت: لقيه والدي -رحمه اللَّه- لما حج سنة ست وخمسين، وحاشيته ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 270. (¬2) بياض في الأصل.

311 - عبد الرحمن بن الحاج أحمد المغربي الطرابلسي

على خليل لطيفة لا تخلو في بعض المواضع من نكتة. 311 - عبد الرحمن بن الحاج أحمد المغربي الطرابلسي (¬1). الشهير بالتاجوري، وقال البدر القرافي: شيخنا العالم العامل الناسك صاحب الحقيقة والطريقة، دخل لبلاد الروم في دولة السلطان سليمان وعرف لغتهم ولا يتكلم بها إلا ضرورة، له اعتناء بالتهذيب والرسالة، أخذ الفقه عن الأخوين بن شمس الدين اللقاني وناصر الدين وغيرهما وهو علامة الزمان في علم الميقات على الاطلاق، يدرس في الموطأ والتهذيب والرسالة، قريء عليه يومًا قولها: "وإنه فوق عرشه المجيد" فذكر ما قيل في الاعتذار بأن لفظة بذاته دسّت على الشيخ في كتابه فأنكره بعضهم قائلًا: كل عبارة اعترضت يمكن الجواب عنها بذلك فلا يبقى على صاحب عبارة اعتراض فغضب الشيخ وقال: هذا إمام مجمِع على جلالته لم يوصف بشيء مما يوهمه هذا اللفظ ثم التفت للسائل منكرًا عليه فقال: تسكت وإلا أتكلم وكرره فقال له الطالب لوجه اللَّه لا تتكلم فأغلق الشيخ الكتاب وذهب مغضبًا، ثم سئل الطالب بعد ذلك فقال: خشيت فوت الدرس وأنا جنب فحضرت الدرس في المسجد جنبًا فزجرني الشيخ كما رأيتم. توفي قريبًا من الستين وتسعمائة- اهـ. قلت: لقيه والدي وشيخنا محمد لما حجّا وحضر شيخنا درسه، رحمهم اللَّه تعالى ونفعنا بهم بمنه. 312 - عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم الدكالي (¬2). الفقيه الموثق الأستاذ الواعظ أبو محمد، أخذ عن أبيه العباس الزقاق وأستاذ الجبال وابن هارون وعبد الواحد الونشريسي ودرس في الرسالة في أول شبابه عام أحد عشر، له فيها مزيد على معاصريه يضرب مسائلها بعضها ببعض، قوي الحفظ يستحضر نصوصها ويطرز مسائله بنصوص تحرير المقالة لابن غازي والمنهج المنتخب للزقاق ويعظ ويخضع له الناس، مجلسه منور ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 280. (¬2) انظر ترجمته في درة الحجال 3: 98.

313 - عبد الرحمن بن علي بن أحمد القصري ثم الفاسي السفياني

وللفظه حلاوة وطلاوة، وربما حضر مجلسه أبو محمد الونشريسي مع أنه أسن منه ويتعجب من فصاحته، وهو عمدة العامة في أمورهم ودينهم يلازم سماط الوثيقة ولا يترك معه تدريس المدونة والرسالة مقتصرًا على حل اللفظ فقط. توفي سنة اثنين وستين وتسعمائة عن نحو سبعين سنة، تأسف الناس عليه وأثنوا عليه خيرًا، وكان كثير التنقل في آخر الليل. صح من فهرست المنجور. قلت: أخذ عنه صاحبنا الشيخ المسن محمد بن قاسم القصار مفتي فاس اليوم. 313 - عبد الرحمن بن علي بن أحمد القصري ثم الفاسي السفياني (¬1). عرف بسقين أبو محمد، قال المنجور في فهرسته: شيخنا الفقيه الأستاذ المحدث المسند المحقق الرحلة الحاج، أخذ عن شيخ الجماعة ابن غازي والشيخ زروق وأدرك أبا الفرج الطلبحي وجود عليه وأبا مهدي الماواسي والفقيه أبا فارس اليوقرجي وأبا زيد الحميدي والزواوي. وشرّق سنة تسع وتسعمائة فأخذ علم الحديث بمصر عن أصحاب ابن حجر كالقلقشنري وغيره وضبط فحصل له رواية واسعة لم يحصلها من الفاسيين، ثم آب لبلاد السودان ودخل كنو وغيرها وعظموه وأعطوه مالًا جزيلًا، وذكر عن نفسه أنه افتض هناك من الجواري المهداة قريبًا من مائة جارية، وبقي هناك مدة ثم رجع لفاس سنة أربع وعشرين فتولى الخطابة بجامع الأندلس والفتوى بعد وفاة الفقيه محمد بن محمد بن الإمام القوري ثم عزل وتولاها ابن هارون فأكب على رواية الحديث واقرائه حتى توفي فاتح سنة ست وخمسين عن نحو ست وثمانين سنة. روى عنه اليسيتني وعبد الوهاب الزقاق وغيرهما، وانقطع الحديث بموته، لازم في حياته اقراء العمدة والموطأ مع رواية الكتب الستة والتفسير، قيد بخطه كثيرًا من فوائد الحديث والأدب مع ضبط وشكل يقرب في الاتقان شيخه ابن غازي، جمع كثيرًا من الكتب ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في جذوة الاقتباس ص 457، درة الحجال 3: 96، 97، سلوة الأنفاس ص 159، شجرة النور الزكية ص 279.

بقية من أسمه مصدر بلفظ العبودية

مشاركًا في الأدب والتصوف والطب، يقريء ألفية ابن سناء مع تواضع، يركب الحمار مع أشراف الناس وكان ينكر على من يقرأ الفاتحة للناس أو يطلبها ويقول: إنها بدعة لم ترد في حديث، وريء بعد موته فسئل عن ذلك فرجع عنه بالجملة فهو فيما وصفنا آخر الناس بفاس -اهـ- كلام المنجور. قلت: قال الشيخ زروق في بعض تآليفه: ما اعتاده أهل الحجاز واليمن ومصر ونحوهم من قراءة الفاتحة في كل شيء لا أصل له لكن قال الغزالي في الانتصار ما نصه: فاستنزل ما عند ربك وخالقك من خير واستجلب ما تؤمله من هداية وبر بقراءة السبع المثاني المأمور بقراءتها في كل صلاة وتكرارها في كل ركعة. وأخبر الصادق المصدوق أن ليس في التوراة ولا في الإنجيل والفرقان مثلها، وفيه تنبيه بل تصريح أن يكثر منها لما فيها من الفوائد والذخائر -اهـ- كلام زروق. أخرج أبو الشيخ في الثواب عن عطاء قال: إذا أردت حاجة فاقرأ بفاتحة الكتاب حتى تختمها تقض إن شاء اللَّه تعالى. نقله الجلال السيوطي، رحمه اللَّه تعالى. بقية من أسمه مصدر بلفظ العبودية 314 - عبد الرحيم بن محمد بن الفرج بن خلف بن سعيد بن هشام الأنصاري الخزرجي (¬1). يعرف بابن الفرس أبو القاسم الغرناطي، قال ابن الأبار: أخذ القرآن على موسى بن سليمان وطبقته، والفقه والحديث والأدب على علماء المرية، وأخذ بدانية القراءات على أبي داود القري وغيره واللغة والنحو على أبي الحسين بن سراج وابن أبي العافية، وسمع الحديث على أبي علي الغساني وأبي بكر بن عطية وأبي علي بن سكرة، وتفقه بأبي محمد بن عتاب وسمع القاضي ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 135.

315 - عبد الرحيم بن إبراهيم محمد الخزرجي

أبا الاصبغ بن سهل ودرس الفقه بجامع المرية ولازم الفتيا والشورى، وتولى القضاء كرهًا، وكان فقيهًا حافظًا مبرزًا، إليه الرحلة في وقته لتحققه بصناعة الاقراء، أخذ عنه الناس كثيرًا وانتفعوا به وحدّث عنه جلة وخرج من غرناطة عند انقراض دولة لمتون سنة تسع وثلاثين وخمسمائة فأقرأ بمدينة المنكب وبها توفي أواخر شعبان سنة اثنين وأربعين وخمسمائة، مولده في ربيع سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة. 315 - عبد الرحيم بن إبراهيم محمد الخزرجي (¬1). يعرف بابن الفرس أبو القاسم الغرناطي، قال ابن الأبار: سمع أبا عبد اللَّه بن زرقون، كان فقيهًا أصوليًا محدثًا حافظًا متفننًا أديبًا شاعرًا، سمع منه أبو جعفر بن الدلال بغرناطة وقال لي: لم أر أحفظ منه لأسانيد الحديث، قتل ببعض نواحي مراكش سنة ستمائة. 316 - عبد الرحيم بن جعفر الزياتي أبو القاسم. قال الأبار: كان حافظًا فقيهًا، أخذ عنه أبو عبد اللَّه الأندي، وتفقه به وقال: لم ألق أحفظ منه لمسائل المدونة إلا أفرادًا من الرجال لا عناية له برواية الحديث، عليه الرأي. 317 - عبد الرحيم بن محمد اليزناسني (¬2). قال الغبريني في عنوان الدراية: الشيخ الفقيه العالم الفاضل المحصل المتقن المجيد أحد العلماء الذين لهم السبق وهم بالتقدم أحق، رحل للمشرق ولقي أفاضل، وجد واجتهد وحصل وكان صاحبًا للنجم ابن شاس، وسمعت شيخنا أبا محمد عبد العزيز يقول: قال أبو زيد المذكور: استشارني ابن شاس في وضع كتابه الجواهر فأشرت عليه أن لا تفعل فتركه، ثم لما مشيت للحج وجدته قد وضعه، وكان محققًا لمذهب مالك ولأصول الفقه عن طريق ¬

_ (¬1) ترجمته في غاية النهاية في طبقات القراء 1: 383. (¬2) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 185.

318 - عبد الملك بن أحمد بن محمد الأزدي الغرناطي.

الأقدمين، من أهل الاجتهاد ولا شيء له من الدنيا، دخل بجاية على تلك الحالة فرفع أمره لواليها فأرسل إليه بطعام وجمال فلم يقبله ورده، ثم ارتحل لفاس فوطنها حتى مات، وكان له بها ظهور- اهـ. 318 - عبد الملك بن أحمد بن محمد الأزدي الغرناطي. يعرف بابن القصير أبو مروان، قال ابن الأبار: كان فقيهًا جليلًا حافظًا مشاورًا مدرسًا، ولي قضاء بياسة وغيرها، وأخوه أحمد بن أحمد أبو الحسن من أهل المسائل والرواية، في لسانه حبسة، ناظر عليه أبو إسحاق الغرناطي وأبو خالد بن رفاعة في المدونة. توفي قبل الأربعين وخمسمائة. 319 - عبد الملك بن محمد بن عمر التميمي. يعرف بابن ورد من أهل المرية أبو مروان، أخو أبي القاسم ابن ورد، لقي أبا علي الغساني والصدفي وغيرهما، محققًا حافظًا للمسائل من أهل الفتيا ببلده يقال: إنه أوقف على المسائل خاصة من أخيه ويذكر أنه أتاه في النوم شيخ عظيم الهيئة فأخذ بعضديه وهزه هزًا عنيفًا حتى أرعبه وقال له قل: أَلا أَيُّها المغرورُ ويَحْكَ لَا تَنَمْ ... فَلِلَّهِ في ذَا الخَلْقِ أَمْرٌ قَد انْحَتَمْ فَلَا بُدَّ أَنْ يُرْزَوْا بأَمْرٍ يَسُوؤُهُم ... فَقَدْ أَحْدَثُوا جُرْمًا على حَاكِمِ الأمَمْ وكان هو بالمرية عام أربعين وخمسمائة، ودخلها النصارى عام اثنين وأربعين. صح من ابن الأبار. 320 - عبد العزيز بن خلف بن إدريس السلمي الشاطبي أبو الاصبغ. روى عن أبي جعفر بن حجر، وكان حافظًا للمسائل عارفًا بها بصيرًا بالوثائق دربًا بوجوه الفتيا والأحكام نافذًا في علم اللسان. توفي بشاطبة سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، روى عنه أبو جعفر بن اشكبند وابن سفيان.

321 - عبد العزيز بن إبراهيم بن أحمد القرشي التميمي التونسي، عرف بابن بزيزة

321 - عبد العزيز بن إبراهيم بن أحمد القرشي التميمي التونسي، عرف بابن بزيزة (¬1). أبو محمد الإمام العلامة المؤلف المحصل الجامع المحقق، نزيل تونس كان -رحمه اللَّه- حبرًا صوفيًا وعالمًا فقيهًا جليلًا، له تآليف منها الاسعاد في شرح الإرشاد، وشرح الأحكام الصغرى لعبد الحق الاشبيلي وتفسير القرآن وشرح التلقين وشرح الأسماء الحسنى وشرح العقيدة البرهانية، وكتاب منهاج المعارف إلى روح العوارف بين فيه تأويل أكثر المشكلات، ومختصره يسمى إيضاح السبيل إلى مناهج التأويل. كان حيًا سنة أربع وأربعين وستمائة، وهو من أئمة المذهب المعتمد عليهم، اعتمد عليه خليل في التشهير. لم أقف على تاريخ وفاته ثم رأيت في تقييد البسيلي ما ملخصه أنه يكنى أبا فارس، له تفسير جمع فيه بين ابن عطية والزمخشري وأن صاحب المشرق في علماء المغرب والمشرق ذكره وقال: إنه تفقه بأبي عبد اللَّه السوسي وأبي محمد البرجبي والقاضي أبي القاسم بن البراء، وكان حافظًا للفقه والحديث والشعر والأدب مشاركًا مصنفًا، جمع بين تفسير ابن عطية والزمخشري وشرح التلقين والأحكام والإرشاد وكان من أهل الدين والعلم. ولد بتونس يوم الاثنين رابع عشر المحرم عام ستة وستمائة ومات رابع ربيع الأول عام اثنين وستين وستمائة- اهـ. صوابه ثلاثة وسبعون وستمائة فحققه. 322 - عبد العزيز بن مخلوف العيسي. قال الغبريني في عنوان الدراية: الشيخ الفقيه الجليل القاضي العالم المتقن المحدّث أبو محمد وأبو فارس خزانة مذهب مالك، كان فصيح العبارة حسن الإشارة درس عليه العلم خلق كثير وانتفعوا به، أسند إليه قضاء الأنكحة ببجاية عن قضاتها واستقل بعد ذلك بقضاء بسكرة ثم بقسنطينة ثم ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الفكر السامي 2: 232 ترجمة 549، شجرة النور الزكية ص 190.

323 - عبد العزيز بن محمد بن موسى الجاناتي الفاسي.

الجزائر تكرر إليها مرتين، وكان مشاورًا، على فتياه العمل ولقي بها جماعة من الفضلاء الشيخ أبي الحسن الحراني وأبي العباس الملتاني. ولد بتلمسان يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الأخيرة عام اثنين وستمائة- اهـ. 323 - عبد العزيز بن محمد بن موسى الجاناتي الفاسي. من أعرف الناس بالتهذيب، حسن الالقاء للمسائل، لا يحسن العربية، جلس مجلس الشيخ أبي الحسن الصغير بعد موته فقريء قول المدونة: والدجاج والأوز المخلاة وغيرها فقسم تقسيمًا حسنًا وتكلم على المياه كلامًا حسنًا، وذكر أقوال العلماء ولا فرغ كأنه أعجب بنفسه وقال انظر هل يقال الدجاج أو الجداد أفصح لأنها لغة القرآن قال تعالى: {جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ} فضحك أهل المجلس وهم ينيفون على أزيد من أربعمائة فقيه فيهم مائة متعمم، وطارت سقطته في البلاد. ولد في حدود سنة خمس وتسعين وستمائة، وتوفي عام ستة وأربعين وسبعمائة. صح من خط بعض أصحابنا. 324 - عبد العزيز بن محمد القروي الفاسي. الفقيه الصالح أبو محمد، من أصحاب الشيخ أبي الحسن الصغير، قال الإمام المقريء: هو أكبر تلاميذ أبي الحسن علمًا ودينًا، وكذا قال الإمام ابن مرزوق الحفيد وزاد أن تقييده عنه على المدونة أحسن تقاييده قال ابن الخطيب القسنطيني في رحلته: عبد العزيز هذا هو الذي قال له السلطان أبو الحسن المريني: تخرج مع عامل الزكاة فقال له عبد العزيز: أما تستحي من اللَّه تعالى، تأخذ لقبًا من ألقاب الشريعة وتضعه على مغرم من الغارم، فغضب السلطان وضربه بالسكين التي يحبسها في يده، على عادته، وهي في غمدها وضربه بها جملة وقال له: هكذا تقول لي، فبادر إليه الوزير وأخذ بيده وأخرجه إطفاء لغيظ السلطان وقام السلطان إلى داره وقد اشتد وجع يده التي ضربه بها تم خرج وقال ردوه إليّ فردّوه فاعتذر إليه وقال له: طيب نفسك عليّ فإني علمت ما قلت لي إلا الحق فقال له: يغفر اللَّه لي ولك فانصرف، وكان السلطان بعد هذا المجلس يزوره بداره، وكان من عاداته أنه لا يدخل

325 - عبد العزيز بن موسى بن معطي العبدوسي

شيئًا من الباب حتى يعطي المغرم المعلوم ويقول: أكره أن أمتاز على الناس بشيء، وجمع تقييدًا على الشيخ أبي الحسن الصغير وهو الآن بخطه محبسًا بفاس، وأما التقييد الكبير فجمعه رجل من صدور الطلبة يقال له اليحمدي قال لي بعض الفقهاء: دخلت عليه وهو محتزم في كسائه وكتب الفقه مبسوطة بين يديه وأعراقه تقطر عليه وكساؤه في غاية ما يكون من الوسخ فقلت له: ارفق بنفسك واغسل كساءك فقال لي: ستة أشهر نروم غسلها وما وجدت سبيلًا لذلك من أجل هذا الشغل، وتعجبت منه وانصرفت، وهو شيخ شيخنا الفقيه الحافظ أبي عمران العبدوسي- اهـ. وتوفي سنة خمسين وسبعمائة، رحمه اللَّه تعالى. 325 - عبد العزيز بن موسى بن معطي العبدوسي (¬1). الإمام الحافظ الفقيه المحدث العلامة الجليل، حامل لواء المذهب والحفظ في وقته أبو القاسم شيخ الإسلام ابن شيخ الإسلام أبي عمران العبدوسي الفاسي نزيل تونس، أخذ عن أبيه وغيره، ووصل في قوة الحافظة الدرجة العظمى، قال القاضي أبو عبد اللَّه بن الأزرق: كتب إليّ الشيخ الفقيه الجليل أحد المفتين بتونس أبو عبد اللَّه الزلديوي يعرفني حاله بالحفظ فيما يقضي منه العجب من الغرابة، قال: ورد علينا في أخريات عام سبعة عشر وثمانمائة الفقيه العالم الحافظ أبو القاسم ابن الشيخ الإمام أبي عمران موسى العبدوسي بكتاب في يده من قبل الإمام أبي عبد اللَّه محمد بن مرزوق ويقول لنا فيه: يرد عليكم حافظ الغرب الآن فقلنا لعل ذلك من تعسيل الاخوان لإخوانهم في الوصية بهم، فلما اجتمعنا به وأقام عندنا أزيد من عام رأينا منه العجب العجاب من حفظ لا نتوهم يكون لأحد لما رأينا في بلادنا افريقيا ومجالس أشياخنا بتونس وبجاية، كان عندنا بتونس الشيخ أبو القاسم البرزلي له أهل زماننا في حفظ الفقه وأشياخ المدونة والناس دونه في ذلك، وببجاية ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الفكر السامي 2: 253، شجرة النور الزكية ص 252، وفيات الونشريسي ص 246.

الشيخ الفقيه أبو القاسم المشذالي حضرنا مجالسهم فما رأينا ولا سمعنا من يشبه العبدوسي في حفظه، وعلمنا صدق ابن مرزوق فيما وصفه به، وأن من ورعه أن لا يذكر ولا يكتب إلا بما تحقق، كما قال الشاعر: فَلَمَّا الْتَقَيْنَا صدَّق الخَبَرَ الخَبْرُ وقال الآخر: بل صَغَّرَ الخَبَرَ الخُبْرُ وكذلك فعلنا نحن تركنا مجلس تدريسي وحضرت عنده لآخذ شيئًا من طريقه وأقتطف من رأس يانع تحقيقه، فلما حضرت رأيت شيئًا لا يدرك إلّا بعناية ربانية، موقوف ذلك على من رزقه اللَّه الحفظ ينفق منه كيف يشاء، وأما غيره فلا، لازمناه حضرًا وسفرًا وعلمنا طريقه تفكرًا ونظرًا. ولا يقدر على طريقته إلا من حاز فطنة كاملة الاستواء ممدة من جميع القوى، فمن طريقه إذا قرأ المدونة فاستمع لما يوحي يبتدئ على المسألة من كبار أصحاب مالك ثم ينزل طبقة طبقة حتى يصل إلى علماء الأقطار من المصريين والافريقيين والمغاربة والأندلسيين وأئمة الإسلام وأهل الوثائق والأحكام حتى يكل السامع وينقطع عن تحصيله المطالع، وكذا إذا انتقل إلى الثانية وما بعدها، هذا بعض طريقه في المدونة. وأما إذا ارتقى إلى كرسيه فترى أمرًا معجزًا ينتفع به من قدر له نفعه من الخاصة والعامة، يبتدئ بأذكار وأدعية مرتبة لذلك يكررها كل صباح يحفظها الناس ويأتونها من كل فج عميق يتسابقون في حفظها، وبعد ذلك يقرأ القارئ آية فلا يتكلم بشيء منها إلا قليلًا ثم يفتتح فيما يناسبها من الأحاديث النبوية وأخبار السلف وحكايات صوفية وسير شريفة نبوية وصحابية وأخبار التابعين وتابعيهم، ثم بعدها يرجع إلى الآية وربما أخذ في نقل الأحاديث فيقول الحديث الأول كذا والثاني كذا والثالث إلى المائة فأزيد حتى يختمها ثم كذلك في المائة الثانية، ونشك في المائة الثالثة، ويأتي في نظر ذلك ونقلها بأمر خارق للعادة، هكذا فعل في مسجد القصر وغيره، وكان الناس يتسابقون إلى

المواضع قبل الصبح رجالًا ونساء يتزاحمون عليها وفي خارج المسجد أكثر مما في داخله وصوته جهير يسمع الكل. ومنع السلطان من يخلط عليه ويحيره من الطلبة وإلا فطلبة تونس لا يردهم ذلك عمن لا يشاركهم في علوهم يأتونه من قبلها، وما تصدى لمعارضته إلا شيخنا أبو العباس المعقلي حرض الطلبة تحريضًا عامًا ويقول: إنا للَّه، خلت تونس حتى صار هذا يتكلم فيها بما يشتهي، ولكن خافوا من السلطان، رحمه اللَّه تعالى، وهذه الطريق قالوا: إن ابن أخيه عبد اللَّه يفعلها بفاس بجامع القرويين وقالوا: عملها بمصر فتعجبوا من حفظه ونقله المتين من الأحاديث وثباته عليها وترتيبه، ولكنهم فضلوا عليه سيدنا أبا عبد اللَّه ابن مرزوق لمشاركته في العلوم ومفاوضته إياهم في علوم الحديث في طريق ابن الصلاح ونظمه في ذلك الأراجيز وقيل له: إن التونسيين يقولون: إنك لا تحسن العربية فأمرهم أن يقرأوا عليه كتابًا في العربية أكبر ظني أنه ألفية ابن مالك فسلك في اقرائها طريقه في المدونة وبدأ لهم بأصحاب سيبويه ثم نزل إلى السيرافي وشراح الكتاب وطبقات النحويين حتى ملّ الحاضرون وكلّوا وما زالا ينقل حتى ذهبوا ولم يراجع في ذلك، وقد يقال: اجتمع ليلة في جهاز بالشيخ أبي القاسم البرزلي وهو أعمى ولا تكلم العبدوسي قال له البرزلي: أهلًا بواعظ بلدنا فقال له العبدوسي: قل وفقيهها، فسكت البرزلي، فعد ذلك من رجلة العبدوسي وسرعة جوابه، رحمهم اللَّه تعالى -اهـ- ملخصًا ما كتب إلي به معرفًا بهذا الحافظ العظيم، واللَّه يؤتي فضله من يشاء -اهـ- كلام القاضي بن الأزرق ملخصًا. وقال الونشريسي في تحليته: إنه الفقيه الحافظ المدرس المحدث الصدر الراوية المعتبر الأرفع الأفضل- اهـ. وقال الشيخ الرصاع: شيخنا الإمام العلامة المحدث الصالح الرباني- اهـ. وذكر الشيخ أبو عبد اللَّه الراعي في كتابه (انتصار الفقير السالك) أنه لما

وصل صاحب الترجمة سئل عن مالك والشافعي فقال للسائل: أين قبر الشافعي؟ فقيل بمصر العتيقة، وقال أين قبر مالك؟ فقيل: بالمدينة فقال: بينهما ما بين قبريهما- اهـ. ونقل عنه ابن ناجي في شرح المدونة والشيخ الثعالبي في شرح ابن الحاجب وذكر عنه أنه قال: لا يلزم البراذعي مما تعقب به إلا حيث خالف ما في روايته من الأمهات عن موسى بن عقبة. وذكر الونشريسي في وفياته أنه توفي بتونس في التاسع والعشرين في ذي القعدة عام سبعة وثلاثين وثمانمائة. فائدة: ذكر الشيخ أبو عبد اللَّه الرصاع أن صاحب الترجمة كان يقول في مجلسه بجامع القصر من تونس: مما جرّب لتسهيل الرزق والأمان والتحصّن من آفات الزمان أن تكتب في ورقة وتجعل على الرأس مناقب السادات الكرام من الصحابة جمعهم من كتب عديدة أثنى عليهم سيد المرسلين -صلى اللَّه عليه وسلم- قال الرصاع: وقد قيدتها قديمًا ووجدت لها بركات في جميع الحالات. قال -رضي اللَّه عنه- وهي: قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ومن أحب عمر بن الخطاب فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان بن عفان فقد استضاء بنور اللَّه، ومن أحب علي بن أبي طالب فقد استمسك بالعروة الوثقى، ألا وأن أرأف أمتي أبو بكر وأن أقواهم صلابة في دين اللَّه عمر بن الخطاب وأن أشدهم حياء عثمان بن عفان، وأن أقضاهم على ابن أبي طالب، ولكل نبي حواري وحواري الزبير، ومن أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد اللَّه وسعيد بن زيد من أحباب الرحمن، وسعد بن أبي وقاص يدور مع الحق حيث ما دار، وعبد الرحمن بن عوف تاجر اللَّه، وأبو عبيدة بن الجرل أمين اللَّه، وما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر، ومن أراد أن ينظر إلى زهد عيسى فلينظر إلى زهد أبي ذر، وأن اللَّه ليرضى لرضى سلمان ويسخط لسخط سلمان، وأن

الجنة لتشتاق إلى سلمان أشد من اشتياق سلمان إلى الجنة، ولكل أمة حليم وحليم هذه الأمة أبو هريرة، وحذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن، وأن أعلم الناس بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأن أعلم الناس بالفرائض زيد بن ثابت، وأن أقرأ أمتي أُبي بن كعب، وحمزة أسد اللَّه وأسد رسوله، وخالد بن الوليد سيف اللَّه وسيف رسوله، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين في الجنة يطير بهما فيها حيث يشاء، والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما، والعباس عمي وصنو أبي، ورضيت لأمتي ما رضي لها عبد اللَّه بن مسعود وسخطت لها ما سخط لها عبد اللَّه بن مسعود، وصوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة أو خير من فئة، ولكل نبي خادم وخادمي أنس بن مالك، ولكل نبي خليل وخليلي سعد بن معاذ، ولكل أمة فارس وفارس القرآن عبد اللَّه بن العباس، وأول من يقرع باب الجنة بلال، وأن أول من يأكل من ثمارها أبو الدحداح، وأن أول من تصافحه الملائكة أبو الدرداء، وأن أول من يرد من حوضي صهيب بن سنان، والمقداد بن الأسود من المجتهدين، وعمار بن ياسر من الصديقين وعبد اللَّه بن عمر من وفود الرحمن، وأن أفضل النساء آسية ومريم وخديجة وفاطمة بنت محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، ونسائي خير نساء هذه الأمة، وأحبهن إليّ عائشة، وأصحابي كلهم كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، ومن أحب أصحابي فقد أحبني ومن أبغض أصحابي فقد أبغضني، ألا وأن عليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل اللَّه منه صرفًا ولا عدلًا. هذه وصية نبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- في ساداتنا، نفعنا اللَّه بهم وحشرنا في زمرتهم، ونرغب من حامل هذا الكتاب أن يعطي منه نسخًا للمؤمنين، والسلام من كاتبه محمد بن قاسم الرصاع- اهـ. نقلته من خط والدي قائلًا: نقلته من خط عبد العزيز بن إبراهيم بن هلال قال: نقلته من خط الرصاع وقد رأيت لعمي الولي الصالح الزاهد الورع الحاج المجاور أبي بكر بن أحمد بن عمر، نزيل المدينة المشرفة شرحًا على هذه المناقب، رحمه اللَّه تعالى.

326 - عبد العزيز التكروري.

326 - عبد العزيز التكروري. ممن رحل للشرق في زمن أبي القاسم النويري في أواسط المائة التاسعة، وكان عالمًا ويقال إنه عزى لأهل مصر جميع مسائل مختصر خليل لأصولها إلا نحو ثلاثة سمعتها من شيخنا العالم محمد بن محمود بغيع، ونقل عنه الحطاب في شرح خليل، وذكر السيوطي في معجمه عبد العزيز التكروري، وهو، فيما يظهر، غير هذا فانظره. 327 - عبد العزيز الورياغلي أبو محمد الفاسي (¬1). قال الشيخ زروق في كناشته: الفقيه الخطيب البليغ المصوّت الرئيس، كان جلدًا في ذات اللَّه صلبًا في دين اللَّه تعالى، يلقي بنفسه في العظائم ولا يبالي، له أخبار كثيرة، توفي سنة إحدى وثمانين، ومولده اثنين- اهـ. وقال بعضهم: كان فقيهًا خطيبًا بالقرويين، صاعقة الزمان، وعلى يديه كان القيام على عبد الحق المريني- اهـ. 328 - عبد العزيز بن محمد البوفرجي (¬2). الفقيه الصالح الورع الخطيب بالقرويين بفاس، توفي بها سنة تسع وتسعين وثمانمائة، وتولى خطابته بعده أبو الحجاج يوسف الفندلاوي، شهر بالمكناسي. صح من خط بعض أصحابنا. 329 - عبد العزيز بن عبد الواحد اللمطي الفاسي (¬3). نزيل طيبة المشرفة الإمام العالم العلامة المتفنن الفصيح الناظم الناثر، عدة منظومات في فنون وقفت على كثير منها من الأصلين والفرائض والتصوف والبيان والمنطق والجدل وغيرها، ولقيه والدي -رحمه اللَّه- بالمدينة عام ستة وخمسين وحادثه. ¬

_ (¬1) ترجمته في الضوء اللامع 2: 236، الفكر السامي 2: 263. (¬2) انظر ترجمته في الأعلام 4: 26. (¬3) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 282.

من اسمه عبد الوهاب

وقال المنجور في فهرسته: قرأ بفاس على أبي العباس الزقاق، وكان آية في التوسع في العلوم والتفنن فيها، بعث لأخيه شيخنا عثمان اللمطي منظومة له فيها نيف وعشرون فنًا، ونظمه حلو رشيق يدل على تفننه وتحقيقه، حج أزيد من ثلاثين حجة ومات بالمدينة وبها سكناه- اهـ. وقال بعض أصحابنا: ألف ألفية في النحو وضمن ألفية ابن مالك، وله تقييد على مختصر خليل- اهـ. من اسمه عبد الوهاب 330 - عبد الوهاب بن يوسف بن عبد القادر. الفقيه الفاضل أحد الأفاضل الذي قل أن يسمح بمثله، قرأ ببجاية ولقي بها ناسًا ورحل للشرق ولقي أفاضل، حج مرتين وله تحصيل جيد في الفقه والأصلين ومعرفة بالحكمة وبراعة في المنطق خصوصًا على طريقة المتأخرين، ولم يكن في وقته أعلم منه بكشف الأسرار الذي وضعه الجوهري في علم المنطق، وهو أعلم من واضعه. ولي قضاء جملة بلاد افريقيا كتوزر وقفصة وغيرهما وحقه أن يتقدم على أكابر وقته ولكن الحظوظ لا تجري على العقول، والأرزاق قسم والعقول مثلها وكذلك الحظوظ. توفي بتونس في عشرة الستين وستمائة. صح من عنوان الغبريني قيل: طريق المتأخرين طريق الإمام الفخر والمتقدمين طريق الفارابي. 331 - عبد الوهاب بن محمد بن محمد بن محمد بن عيسى بن أبي بكر الأخنائي (¬1). ولد سنة أحد وعشرين وسبعمائة، ولي قضاء بلده وباشر مباشرة حسنة، وولي قضاء مصر في رجب سنة سبع وسبعين وباشرها مباشرة حسنة، ¬

_ (¬1) ترجمته في ألف سنة من الوفيات ص 224.

332 - عبد الوهاب بن أحمد بن علم الدين بن محمد بن أبي بكر الأخنائي

وكان كثير التلاوة والحج والمجاورة حسن المحاضرة وحج مع الأشراف واستقر. عوّضه العلم البساطي ثم أعيد إلى القضاء سنة تسع وسبعين وسبعمائة في صفر، ثم صرف وأعيد العلم فلزم داره إلى أن مات في شهر ربيع الأول سنة تسع وثمانين. صح من الدرر الكامنة. 332 - عبد الوهاب بن أحمد بن علم الدين بن محمد بن أبي بكر الأخنائي (¬1). تولى القضاء ثم عزل في آخره أي آخر عمره سنة تسع وسبعين وسبعمائة فأقام معزولًا وحج وجاور في الرجبية، ومات سادس عشر رجب سنة أربع وثمانين وسبعمائة. صح من أبناء الغمر. 333 - عبد الوهاب بن محمد بن علي الزقاق التجيبي الفاسي (¬2). قال تلميذه أحمد المنجور: كان شيخنا الأستاذ أبو محمد علّامة متفننًا حافظًا فهّامة، آية اللَّه في الحفظ والفهم لا يجارى في حفظ مختصر خليل وفهمه، يضرب أوله بآخره ويأتي بنصوصه في كل باب، يلازم درسه عن ظهر قلب، وكذا عمه أبو العباس وجده الشيخ أبو الحسن معروفون باتقان هذا المختصر، لهم عليه تقاييد كثيرة وبه اعتناء كبير، شرح من قواعد جده أبياتًا قليلة بكلام حسن مختصر، لازم عمه الإمام المتفنن أبا العباس. وأخذ عن العباس الحباك وسقين وابن هارون وعبد الواحد الونشريسي وأكثر عليهما، وقرأ الفرائض على الحاج الفرضي عبد الواحد الشريف، وأجاز له الخطيب المحدث الحاج أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد حفيد الفقيه المحدث الخطيب ابن مرزوق حين قدم على فاس، كان يقريء خليلًا وجمع الجوامع وألفية ابن مالك وتفسير ابن عطية وغيره، والبخاري بابن حجر، فصيح العبارة غزير الحفظ، والرسالة ينزل عليها فردع خليل، وينقل كلام ابن عباد على الحكم بلفظه، مشاركًا في الأدب والأصلين والطب. ولد عام خمسة ¬

_ (¬1) ترجمته في شذرات الذهب في أخبار من ذهب 6: 284. (¬2) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 283.

334 - عبد الجليل بن مخلوف الصقلي المالكي.

وتسعمائة، قتل ضربًا بالسياط في ذي القعدة سنة إحدى وستين وتسعمائة. 334 - عبد الجليل بن مخلوف الصقلي المالكي. قال ابن ميسر: أفتى بمصر أربعين سنة، ومات سنة تسع وخمسين وأربعمائة. صح من تاريخ مصر. 335 - عبد الجليل بن موسى بن عبد الجليل الأنصاري الأوسي أبو محمد (¬1). روى عن أبي الحسن بن حنين وأبي نصر فتح بن محمد المغربي وأبي الحسن علي بن خلف بن غالب، وحدث بكتاب اليقن من تآليفه وكان متقدمًا في علم الكلام مشاركًا في العربية وغيرها متصوفًا، له تآليف منها كتاب تفسير القرآن وشعب الإيمان وكتاب المسائل والأجوبة وتنبيه الأفهام في مشكل أحاديثه -عليه السلام- قال شيخنا أبو عبد اللَّه الأزدي: إنه صاحب أحوال ومقامات وعلم ومعاملات وزهد وتبتل. توفي عام ثمانية وستمائة. أفادنيه شيخنا أبو الحسن ابن الحداد القصري. صح من ابن الأبار. 336 - عبد الكبير بن محمد بن عيسى بن محمد بن بقي الغافقي أبو محمد (¬2). روى عن أبيه وابن سعادة وأبي بكر بن الجد وأبي الوليد بن رشد، وأجازه أبو الحسن بن هذيل، كان فقيهًا حافظًا حسن الهدى والسمت، مشاركًا في الحديث، بصيرًا بالشروط قائمًا على مذهب مالك، متقدمًا في الفتيا مع تفنن في طب وغيره، له مختصر في الحديث وتفسير جمع فيه بين ابن عطية والزمخشري، ولي قضاء رندة وغيرها. توفي بإشبيلية عام ستة عشر وستمائة وقيل سبعة عن نحو ثمانين سنة، مولده سنة ست وثلاثين وخمسمائة. ¬

_ (¬1) ترجمته في: ترجمة له على مخطوطة كتابه شعب الإيمان نقلًا عن الصفدي، والتاج 3: 494، طبقات المفسرين للداودي، والتيمورية 2: 199، والأعلام 3: 276. (¬2) انظر ترجمته في التكملة ص 654.

من اسمه عبد الحق

من اسمه عبد الحق 337 - عبد الحق بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد القيسي المرسي أبو محمد بن نبت عبد الحق بن عطية وبه سمي. قال ابن الأبار: روى عن أبي القاسم بن حبيش وأبي عبد اللَّه بن حميد وغيرهما، كان متفننًا في علوم الشرع والنظر، مع جودة النظر ودقة الذهن، مشاركًا في الأدب وافر الحظ من قرض الشعر، مولده سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وتوفي سنة ثمان وتسعين وخمسمائة. 338 - عبد الحق بن عبد اللَّه بن عبد الحق الأنصاري (¬1). قاضي الجماعة بإشبيلية ومراكش أبو محمد مهدوي الأصل من ذرية الإمام المازري، تولى قضاء غرناطة ثم اشبيلية ثم مراكش في عام تسعة عشر وستمائة وامتحن فيها بالفتنة المتفاقمة بها حينئذ. كان أحد العلماء المتفننين في وقته فقيهًا بمذهب مالك، حافظًا نظارًا ذاكرًا للخلاف، مشاركًا في الأصول بصيرًا بالأحكام جزلًا صلبًا في الحق لا تأخذه في اللَّه لومة لائم، مهيبًا معظمًا عند الولاة مكين الجاه، له كتاب في الرد على ابن حزم الظاهري، دل عل حفظه وعلمه أفاد فيه، لقيته بإشبيلية سنة ثمان عشرة وستمائة، وتوفي بمراكش في شوال سنة إحدى وثلاثين. صح من ابن الأبار. 339 - عبد الحق بن محمد بن إبراهيم بن سبعين المرسي (¬2). قال الغبريني في عنوانه: الشيخ الفقيه الجليل العارف النبيل الفصيح، له حكمة وعلم ومعرفة ونباهة وبراعة وبلاغة ومشاركة في المنقول والمعقول، أحد الفضلاء، له أتباع كثيرة من الفقراء والعامة وموضوعات كثيرة موجودة ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في تكملة الصلة 651 ومعجم المؤلفين 5/ 92. (¬2) ترجمته في: عنوان الدراية ص 237، شذرات الذهب 5: 329، 330، شجرة النور الزكية ص 196، وتوشيح الديباج ص 154.

340 - عبد الحق بن ربيع بن أحمد الأنصاري

بين أصحابه فيها ألغاز وإشارات بحروف أبجد وتسميات مخصوصة في كتبه في نوع الرمز وتسميات ظاهرة كالأسامي المعهودة وشعر في الطريق. توفي تاسع شوال سنة تسع وستين وستمائة- اهـ. قلت: وقد ذكر ابن الخطيب في الإحاطة في ترجمته أن الناس اختلفوا فيه من القطبانية إلى الزندقة، وهو أحد من بالغ أبو حبان في تفسيره النهر في تضليلهم، فقف عليه وعند اللَّه يجتمع الخصوم. 340 - عبد الحق بن ربيع بن أحمد الأنصاري (¬1). ولد ببجاية وقرأ بها على مشايخ، وكان روح بلده ومصره وواسطة نظام أهل عصره، عنده فنون من العلم في فقه وأصلين ومنطق وتصوف والكتابتين الشرعية والأدبية، حسن الخلق إذا أثنى عليه به يقول قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أول ما يوضع في الميزان الخلق الحسن ومن لم يكن عنده أول ما يوضع في ميزانه لم يكن عنده غيره لأنه الأساس، ناب عن القضاة في الأحكام وهو المشاور عندهم والمعول عليه بل هو القاضي على القضاة في الحقيقة لرجوعهم إليه، كان سليم الباطن سمعته يقول: واللَّه ما بت قط وفي نفسي شر لمسلم، جزاه اللَّه عن نيته، وكان مفوّهًا حسن العبارة، عرض عليه قضاء بجاية فامتنع. توفي ثامن وعشرين من ربيع الأخير سنة خمس وسبعين وستمائة ببجاية. صح من عنوان الدراية. 341 - عبد الحق بن سعيد بن محمد المكناسي (¬2). قال في الروض الهتون نقلًا عن ابن الخطيب في نفاضة الجراب: كان من أهل المعرفة والفصاحة، قائمًا على كتاب ابن الحاجب ممتازًا به فيما دون تلمسان قرأه على الشيخين علمي الأفق القبلي أبي موسى وأبي زيد ابني الإمام وتصدّر لإقرائه، فما شئت من اصطلاح ومعرفة وقيد جزءًا نبيلًا على فتوى ¬

_ (¬1) ترجمته في: عنوان الدراية ص 57، شجرة النور الزكية ص 201، ألف سنة من الوفيات ص 74، كتاب الوفيات ص 333. (¬2) ترجمته في الأعلام 3: 280.

342 - عبد الحق بن محمد الراموذي.

الإمام أبي بكر بن العربي المسمى الحاكمة، وسماه الخارجة على الرسالة الحاكمة أجاد فيه وأحسن، قرأت عليه بعضه وأذن لي في تحمله. كان حيًا سنة إحدى وستين وسبعمائة. 342 - عبد الحق بن محمد الراموذي. الشيخ الفقيه الخطيب بجامع الأندلس نيابة، أبو محمد، سمع العقيدة البرهانية على الخطيب الصالح يوسف بن عمر الأنفاسي، والفقيه القاضي أبي عبد اللَّه محمد بن علي المليلي. صح من فهرست أبي زكريا السراج. 343 - عبد الحق بن علي (¬1). قاضي الجزائر الفقيه العالم المفتي بن الشيخ الصالح أبي الحسن، في طبقة الإمام محمد بن العباس التلمساني، نقل عنه المازوني والونشريسي فتاوى في كتابيهما، ووقع اسمه في كتاب العلوم الفاخرة للثعالبي، ووصفه بالفقيه القاضي. لم أقف على ترجمته. 344 - عبد الحق المصمودي (¬2). قال الشيخ المنجور في فهرسته: الشيخ الصالح الزاهد الفرضي العددي، أبو محمد شيخ الجماعة في ذلك، قرأ الفرائض والحساب على إمامهما إبراهيم المصمودي وقرأ عليه هو كثير من أشياخنا وغيرهم وتخرجوا به، وقل متناول لذلك الفن والإقراء عليه لحسن نيته ونصحه، لا يقرأ عليه بأجر، حضرت عليه الحوفي والتلخيص. وتوفي سنة خمس وخمسين عن نحو ثمانين سنة. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في أعلام الجزائر ص 102. (¬2) ترجمته في جذوة الاقتباس، القسم الثاني 395.

من اسمه عبد القادر

من اسمه عبد القادر 345 - عبد القادر بن عبد الوارث بن عبد القادر الطويل الأنصاري الاسكندري. قاضي قضاة اسكندرية وشيخ الشيوخ. ولد في شوال سنة ستين وسبعمائة بثغر الاسكندرية، وتوفي حادي عشر رجب سنة أربع وأربعين وثمانمائة. 346 - عبد القادر بن أبي القاسم أحمد المالكي السعدي العبادي. ينتهي نسبه إلى سعد بن عبادة -رضي اللَّه عنه- شهر بالمكي، ولد ثاني عشر ربيع الثاني سنة أربع عشرة وثمانمائة. قال البرهان البقاعي: كان رجلًا صالحًا فقيهًا نحويًا مفتيًا قاضيًا مسددًا في قضائه، لم تحفظ له نقيصة، كف بصره ثم أبصر بعده فاستمر مدة عديدة إلى أن مات قاضيًا وبلغنا وفاته سنة ثمانين- اهـ. قال السيوطي: هو شيخنا محي الدين قاضي القضاة نحوي مكة العلّامة المتفنن، ففي التفسير كشاف خفياته وفي الحديث إليه الرحلة في رواياته ودراياته والفقه فمالك زمانه وناصب أعلامه، وفي النحو محيي دارس رسومه ومبدئ فهم علومه لو رآه سيبويه لأقر له لا محالة، وادابه ومحاضراته حدث عن البحر ولا حرج فمجالسه أبهى من الروض الأنوف إذا فتح زهره وارج وزهده في قضاياه سارت به الركبان، ومحاسنه يقصر عن سردها اللسان والبيان، ففي العلم بحر وفي الرشد نجم ولطلابه محط الرحال. نشأ بمكة صينًا خيرًا وسمع بها من التقي الفاسي وأبي الحسن بن سلامة وجماعة وأجازه بالإفتاء البساطي والتدريس وأخذ عنه الفقه والعربية وبرع فيهما وكتب الخط المنسوب وتصدى للإفتاء وتدريس الفقه والتفسير والعربية وغيرها، فهو إمام علامة بارع في هذه العلوم الثلاثة بل ليس بعد شيخي الكافيجي والشمني أنحى منه مطلقًا.

347 - عبد القادر بن أحمد بن محمد الدميري.

يتكلم كلامًا حسنًا في الأصول، حسن المحاضرة جدًا، كثيرًا لحفظ الآداب والنوادر والأشعار والأخبار وتراجم الناس وأحوالهم، فصيح العبارة جدًا طلق اللسان لا تمل مجالسته، كثير العبادة والصلاة والقراءة والتواضع ومحبة أهل الفضل والرغبة في مجالستهم، ولم ينصفني في مكة غيره ولا ترددت فيها لغيره. كان فى دخل القاهرة واجتمع بفضلائها، ولي قضاء المالكية بعد أبي عبد اللَّه النويري سنة ثلاث وأربعين فباشر بعفة ونزاهة وعزل وأعيد مرارًا ثم أضر فقدم له فأبصر فأعيد واستمر إلى الآن، له تصانيف منها سرح التسهيل، يعتني بضبط ألفاظه وتفسيرها خصوصًا ما يتعلق باللغة لم يتم، وحاشية على توضيح ابن هشام وعلى شرح الألفية للمكودي وغيرها- اهـ. قلت: وله أيضًا شرح خطبة خليل وشرح قواعد الإعراب لابن هشام، وأما شرح التسهيل فانتهى فيه إلى باب نون التوكيد وشرح فيه ثلاث قولات، على ما أخبرني به سيدي يحيى الحطاب مكاتبة من مكة، وهو شرح جليل في غاية الحسن جمع فيه زبدة شرح المؤلف وأبي حيان والمرادي والسمين وابن عقيل وناظر الجيش والدماميني ينقل عنهم ويبحث معهم أحيانًا ويتكلم على شواهده، مع ضبط ألفاظ اللغة الواقعة في شروحه، وبه قرآت التسهيل على شيخنا الفقيه العالم الفهامة محمد بغيع، وكان يثني عليه كثيرًا. 347 - عبد القادر بن أحمد بن محمد الدميري. عرف بابن تقي، ولد في جمادى الأخيرة سنة أربع وعشرين وثمانمائة، تفقه على الشيخ عبادة والشيخ طاهر وأبي القاسم النويري وأذن له وناب في الفتيا عن الولي السنباطي فمن بعده وأشير إليه بالفضل ودرس للمالكية بالشيخونية بعد الحسام بن حريز، وحج مرتين وزار بيت المقدس وكتب على الفتيا وعكف بمنزله على الفتيا والتدريس إلى أن استدعاه قاتيباي في سنة نيف

348 - عبد القادر بن عبد الرحمن بن عبد الوارث البكري

وثمانين وثمانمائة بعد صرف البرهان اللقاني فولاه قضاء المالكية، وحمد الناس تواضعه وتودده، توفي ثامن ذي الحجة سنة خمس وتسعين وثمانمائة. 348 - عبد القادر بن عبد الرحمن بن عبد الوارث البكري (¬1). عرف بجده حفظ القرآن ومختصر بن بشير وابن الحاجب الفرعي والمنهاج الأصلي والمنحة وغيرها، وعرض على ابن عمار والشيخ البساطي والشيخ أبي الفتح بن مرفا، وأخذ الفقه عن الشيخ عبادة والشيخ طاهر، لازم ابن حجر حتى قرأ عليه البخاري والموطأ وبرع في الفقه وأصوله والعربية وغيرها وأذن له غير واحد: منهم الولي السنباطي في الإفتاء والتدريس وإقراء الطلبة وقصد بالفتاوى، وكان قوي الحافظة ولي قضاء المالكية بدمشق وحمدت سيرته، ولد يوم الخميس ثامن عشر شعبان سنة أربع وعشرين وثمانمائة وتوفي في جمادى الثانية سنة أربع وثمانمائة. صح من السخاوي. من اسمه عبد المنعم 349 - عبد المنعم بن مروان بن عبد الملك بن سمجون اللواتي الطنجي أبو محمد. قال ابن الأبار: نشأ بغوناطة وتفقه بها على عبد الواحد بن عيسى الهمداني وسمع الحديث من أبي علي الغساني، وكان فقيهًا جليلًا جزلًا مهيبًا ولي قضاء اشبيلة بعد صرف أبي مروان الباجي ثاني مرة، ثم نقل لقضاء غرناطة زمان علي بن يوسف بن تاشفين، ثم إلى قضاء المرية بعد أبي الحسن بن أضحي، فاشتد على أهل الشر وعدل في الأحكام وزهد في الكسب، ثم أعيد لقضاء اشبيلية بعد أبي القاسم بن ورد ثم لقضاء غرناطة واستعفى وألح فلم يعفه السلطان فاستناب وصار إلى المرية فتوفي بها سنة أربع وعشرين وخمسمائة. ¬

_ (¬1) الضوء اللامع 4/ 269 وتوشيح الديباج ص 123.

350 - عبد المنعم بن محمد بن يوسف بن عتيق الغساني الفقيه القاضي الفاضل أبو محمد

350 - عبد المنعم بن محمد بن يوسف بن عتيق الغساني الفقيه القاضي الفاضل أبو محمد (¬1) لقي الشيوخ الذين لقيهم عبد الحق بن ربيع، وكان له رواء وسمت حسن وفصاحة وبيان، معظمًا عند أهل بلده وولاة الأمور وبحضوره تنعقد المجالس، وكان كثيرًا ما ينشد: فَيَا لَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ أَوْ كَيْفَ أَوْ مَتَى ... يُقَدَّرَ مَا لَا بُدَّ أَنْ سَيَكُونُ وكان يحب الجري على طريقة سحنون ويؤثره لأن سحنونًا قاضي قضاة المغرب وبقوله العمل بالمغرب، كما كان العمل بمصر على قول محمد بن المواز. صح من عنوان الدراية لأبي العباس الغبريني. 351 - عبد الكريم بن عبد الواحد الحسني (¬2). الفقيه الصالح الفاضل المدرس أبو محمد، من أصحاب الشيخ أبي زكرياء الزواوي من قرابته، كان من أهل الفضل والوجاهة والنزاهة. صح من عنوان الدراية. 352 - عبد الخالق بن علي بن الحسن، المعروف بابن الفرات، من أهل الفضل. (¬3) أخذ الفقه عن الشيخ خليل بن إسحاق واشتهر به وشرح مختصره، وأخذ عن غيره أيضًا وبالغ أبو البركات في الحض على شرحه إلى الغاية، وذكر أنه كان حنفي الذهب ثم انتقل لذهب مالك ولم يحصل له فيه كبير اشتغال، هذا ما قال. ولم أقف على وفاته، وهو الذي ذكر أنه رأى خليل بعد موته فقال. غفر اللَّه لي ولكل من صلى عليّ. ¬

_ (¬1) ترجمته في عنوان الدراية ص 123 - 124 وتوشيح الديباج ص 155 وشجرة النور الزكية ص 316. (¬2) انظر عنوان الدراية ص 247. (¬3) ترجمته في شذرات الذهب 6: 333.

353 - عبد القوي بن محمد بن عبد القوي، يعرف بجده

353 - عبد القوي بن محمد بن عبد القوي، يعرف بجده (¬1). قدم مصر فأخذ بها عن الشرف الرهوني، وكان عارفًا بالفقه مستحضرًا كثير من الأحاديث والحكايات، قال ابن حجر: تفقه وأفاد ودرس وأعاد وأفتى، وكان خيرًا دينًا جاوز الستين. صح من الضوء اللامع. 354 - عبد النور بن محمد بن أحمد الشريف العمراني الفاسي (¬2). الإمام العلامة، قال أبو زكرياء السراج في فهرسته: شيخنا السيد الشريف القاضي المدرس العالم الحظي الوجيه أبو محمد بن السيد الشريف الحاج أبي عبد اللَّه بن أبي العباس الحسني، أحمد الصدور، كان ذا معرفة تامة بالفقه ومشاركة في أصوله وأصول الدين، من أهل الشورى ومقدميهم وقلمه أفصح من لسانه، له اعتناء بطريقة القوم ومحبة فيمن ينتسب إليها قريب الدمعة مكرمًا لأهل الدين محبًا لهم، أخذ عن الأستاذ المحدث العلم أبي الحسن عليّ بن سليمان القرطبي وأبي عبد اللَّه محمد بن يحيى الحسني، مولده عام خمسة وثمانين وستمائة -اهـ- ملخصًا. قلت: له تقييد على المدونة وفتاوى نقل عنه بعضها في المعيار. 355 - عبد المعطي بن خطيب المحمدي (¬3). نسبة لعرب بالمغرب التونسي أخذ الفقه وأصوله عن عيسى الحصيني وعلى الحسناوي وأبي القاسم المصمودي والتقي الفاسي، تلميذ ابن عرفة وعبد الغني النجمي وحضر درس أحمد القشاني وأخيه عمر ومحمد بن عتاب في آخرين، وتميز في فنون العلم، ولد سنة تسع وعشرين ثمانمائة. صح من الضوء اللامع. قلت: وأخذ عنه العالم محمد بن عبد الرحمن الحطاب الكبير وغيره. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الضوء اللامع 4: 302 وتوشيح الديباج 125. (¬2) انظر ترجمته في معجم المؤلفين 6: 202. (¬3) ترجمته في الضوء اللامع 3: 81، شجرة النور الزكية ص 260.

356 - عبد المعطي بن أحمد بن محمد السخاوي المدني

356 - عبد المعطي بن أحمد بن محمد السخاوي المدني (¬1). الفقيه العالم المصنف الجامع، له تآليف عدة منها تفسير القرآن سماه (فتح الحميد) في ستة أسفار وتاريخ المدينة وشرح الشامل وغيرها، لقيه والدي بالمدينة، وكان حيًا في القرب من ستين وتسعمائة، وهو من بيت علم. 357 - عبد الغني، المعروف بالعسال من أهل مصر (¬2). روى عن ابن وهب وابن عيينة وعنه النسائي وقال: لا بأس به، كان حافظًا فقيهًا مفتيًا مذكورًا في فقهاء المالكية. مات سنة أربع وخمسين ومائتين. صح من تاريخ مصر للسيوطي. 358 - عبد الغني بن أحمد بن محمد الدميري بن تقي أخو عبد القادر المتقدم (¬3). أخذ العربية والفقه عن أبي القاسم النويري والزيني، ثم عن السنهوري وقرأ عنده الحسام بن حريز عدة كتب وكثر الثناء عليه بعد موت أخيه واطمأنت الأنفس الزكية لاستقراره في المنصف بعده، وتوقف قاسم بن قاسم في قبول النيابة لكونه يتوقع استقلاله -اهـ- من السخاوي. قال غيره: توفي يوم الثلاثاء أو آخر ربيع الأول عام ستة وتسعمائة، وتولى بعده البرهان الدميري. من اسمه عبد الواحد 359 - عبد الواحد بن (¬4) أبو الحسن الصفاقسي (¬5). الشهير بابن التين، صاحب شرح البخاري المشهور. لم أقف على ترجمته، وشرحه متداول، كان قبل المائة التاسعة. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في معجم المؤلفين 6: 176، حاجي خليفة: كشف الظنون ص 453. (¬2) انظر ترتيب المدارك 3: 86. (¬3) انظر ترجمته في الضوء اللامع 4: 246، 247. (¬4) بياض بالأصل. (¬5) ترجمته في هدية العارفين 5: 635.

360 - عبد الواحد بن منديل بن عبد الواحد الأنصاري الفاسي.

360 - عبد الواحد بن منديل بن عبد الواحد الأنصاري الفاسي. قال ابن الأحمر في فهرسته: شيخنا الفقيه الكاتب العدل المتدين ابن الفقيه، الكاتب المعروف بالزيتوني، أخذ عن الفقيه المحدث الراوية أبي القاسم بن يوسف التجيبي السبتي والأستاذ النحوي أبي عبد اللَّه ابن هانيء وجماعة كثيرة، وتوفي بفاس سنة ثمان وسبعين وسبعمائة -اهـ- ملخصًا. 361 - عبد الواحد بن أحمد بن قاسم بن سعيد العقباني (¬1). قاضي الجماعة بتلمسان، توفي عام ستة وتسعين وثمانمائة. 362 - عبد الواحد بن أحمد بن يحيى بن علي الونشريسي، قاضيها ثم مفتيها (¬2). قال الشيخ المنجور في فهرسته: شيخنا الفقيه المحقق المفتي الموثق النحوي الأديب الخطيب الفصيح الناظم الناثر أبو محمد، ولد بفاس بعد الثمانين وثمانمائة، أخذ عن أبيه أبي العباس والشيخ ابن غازي والأستاذ ابن الجباك والهبطي وأبي زكرياء السوسي، ختم عليه الألفية أزيد من عشر مرات وابن هارون وغيرهم، كان رائق الخط فائق الإنشاء والشعر، متقدمًا في الوثائق والمكاتبات بأبدع كلام بلا تكلف، هو الذي يكتب لابن غازي ما يحتاجه، وحين زوجه أبوه أطلق القاضي المكناسي يده للشهادة عام عشرة فقال: هديتي للعروس ذلك فخرج من العروس للسماط، ولا توفي أبوه ظن كثير أنه لا يقوم بموضعه في التدريس لأنه إنما يتقن الوثيقة مع النحو، وقال ابن غازي مع غيره: بل يتقن ذلك، قال ابن غازي: فإن لم يتقنه نبت عنه حتى يحسن مختصر ابن غازي جلوسه لكرسي المدونة بالمصاحبة فأجاد كما ينبغي ففرح بذلك ابن غازي لأنه تلميذه وصاحب أبيه فلما نزل قبل بين عينيه ودعا له واعترف بنجابته. كان يقريء ابن الحاجب بالتوضيح من غير استيفاء، مع زيادة طرر أبيه ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في أعلام الجزائر 237. (¬2) انظر ترجمته في نفح الطيب 7: 406، شجرة النور الزكية ص 283 - 282. وكفاية المحتاج (أوقاف طرابلس أ) ق 20 والنسخة ب - ق 80.

ويحضر اليسيتني وعبد الوهاب الزقاق وابن مجبر والتفسير، بنقل ابن عطية والصفاقسي ومواضع من الزمخشري، ومن الرضاع على المغني والبخاري وابن حجر مستوفيًا له لأنه شرط الحبس، تولى القضاء ثمانية عشر عامًا ثم الفتيا بعد موت ابني هارون، وكان عدلًا مهيبًا ذا سمت وتؤدة وسكون، فصيح العبارة آية في إنشاء الخطب البليغة، قويم الطبع ورقيقه، يهتز لسماع الألحان وآلات الطرب. اجتازت عليه يومًا عمارية معها طرب من الزمارة المسماة بالغياطية وطبل وبوقات فأصغى إليها وقال: ما تأتي هذه العمارية لهم حتى أنفقوا مالًا ونحن سمعناه مجانًا، وفتاويه محررة محققة، يطالع الكتب والنوازل. له نظم كثير في مسائل كشهادة السماع ومفتيات البيع الفاسد وما يفتيه حوالة السوق ومواضع الإقالة في البيع وغيرها، جمعها أبو زيد الكلالي، وله نظم قواعد أبيه إيضاح المسالك نظمًا مستوفيًا وزادها قواعد بأمثلتها وصورًا ومثلا انتزعها من مختصر ابن عرفة ولم تتم الزيادة، وقد شرحته شرحًا وافيًا مفيدًا، توفي مقتولًا في ذي الحجة سنة خمس وخمسين وتسعمائة عن نحو سبعين سنة. ويذكر عن الفقيه أبي شامة أنه رآه بعد وفاته فسأله عن حاله فأنشده: لَقَدْ عَمَّني رضوانُ ربي وفَضْلُهُ ... وَلَمْ أَرَ إلَّا الخيرَ في وَحْشَةِ القَبْرِ وإني [لسَآل] (¬1) الإله بفضلِهِ ... ليحفظني يومَ الخروج إلى الحَشْرِ ومَا بَعدَ ذَاكَ منْ أُمُورٍ عَسِيرةٍ ... كنشر الكتابِ والجوازِ على الجسرِ (¬2) -اهـ- كلام المنجور ملخصًا. قلت: وله شرح على ابن الحاجب الفرعي في أربعة أسفار أخبرني به من رآه. ¬

_ (¬1) كلمة غير واضحة في الأصل. (¬2) في الأصل تحريف في بعض كلمات البيتن الأخيرين والتصويب من نسخة خ ح رقم 2139.

من اسمه عيسى

من اسمه عيسى 363 - عيسى بن مع النصر الشريف الحسني الفاسي أبو موسى المومناني الفقيه المدرس الصالح المفتي (¬1). كان إمامًا كاد أن يبلغ الاجتهاد، اعترف له علماء الأمصار بسعة العلم حتى إن القاضي عياضًا ينقل عنه ويقول: قاله أبو موسى المومناني فقيه أهل فاس، كان من أهل اللَّه المخلصين مجاب الدعوة جم الفضائل كتب لبعض الملوك أن اطلق فلانًا المسجون قبل أن يرميك رجل أشعث أغبر بسهم لا يخطئك يقطع به أصل دولتك، فلما وصل كتابه للسلطان بكى فسئل ما الخبر؟ فقال أمرنا هذا قد انقرض فقيل له: سبحان اللَّه وما ذاك فأراهم الكتاب فقيل: لا بأس عليك أنه علق على عدم قضائها فاقضها له وأصلح خاطره قال لهم: جهلتم، لكلام هذا الرجل صولة في القلوب وما قال ما قال إلا وقد تغيرت نفسه، وهم لا تخطئ سهامهم، فكان الأمر كما قال، ذكره ابن الأحمر. 364 - عيسى بن مخلوف بن عيسى المغيلي الشيخ شرف الدين (¬2). ذكره ابن فرحون في الأصل وقال: كان من فضلاء المالكية وأعيانهم بمصر، ولي القضاء بها فحمدت سيرته، توفي سنة ست وأربعين وسبعمائة- اهـ. وقال خالد البلوي في رحلته: شيخنا العالم الأوحد أبو الأصبغ أحد الأعلام الجلة وعلماء الملة إمام الأئمة وعلم الأعلام في الفروع والأصول والكلام، مصيبًا في اختياراته في استقصاء واقتصار واستيفاء واختصار، فات قدره الأقدار في ضبط الفوائد ولقط الفرائد، فهو على الاطلاق العالم الصدر العالي القدر، جمع إلى معارفه بين كرم ومروءة وظرف وفتوة، مع آداب وروايات وعقل وحصاة وفضائل غير مستقصاة، رحل للعراق فأحرز خصال ¬

_ (¬1) ترجمته في جذوة الاقتباس، القسم الثاني ص 500. (¬2) ترجمته في الديباج المذهب 2: 74.

365 - عيسى بن محمد بن عبد الله بن الإمام

السباق واكتسب بخطه الأصول العتاق، صحح متونه وحدق للصواب عيونه، وتبدو لها بشر ونشر كأنما تبلج وجه الصبح أو نفح العطر، سمعت فوائد من لفظه وقيدت شوارد من حفظه، قرأت عليه بعض مختصر الجلال للعز النيلي المختصر الأكبر وأذن لي في روايته عنه قائلًا: تفقهت فيه على مؤلفه ببغداد وأذن لي في تدريسه وأجازه عامة -اهـ- ملخصًا. 365 - عيسى بن محمد بن عبد اللَّه بن الإمام (¬1). أبو موسى أحد الأخوين المعروفين بأبناء الإمام التلمساني، تقدم كثير من حاله في ترجمة أخيه أبي زيد، قال القاضي أبو عبد اللَّه المقري: سألت أبا موسى بن الإمام آخر فقهاء تلمسان عما يكتب الموثقون في الصحة والطلوع والجواز على ظاهر الأمر الذي لا تفيد ما بنيت عليه الشهادة من اليقين لانكشاف الأمر كثيرًا بخلافه، فقال لي: ذلك غاية ما يمكن الوصول إليه غالبًا من ذلك، فلو كلف بغيره شق عليه وأوشك أن لا يصل إليه وتعطل بسببه حقوق كثيرة، قلت له: فهلا كتبوا ظاهر الصحة والجواز والطلوع فتبرؤا من عهدة ما وراء ذلك فقال لي: أيقام في الشهادة ومبناها على العلم، فإذا تعذر أو تعسر وجب كتبها على ما لا ينافي أصلها حفظًا لرونقها، واعتمد في ظاهر أمرها على ما جرت به العادة أن المعتبر في مثلها ظاهر الحال لتعذر غيره أو تعسره- اهـ. سئل صاحب الترجمة عن ابن القاسم هل هو مجتهد في مذهب مالك [أو] مقلد له؟ فأجاب بأنه مجتهد في المذهب فقط لا مطلقًا، وأما اجتهاده في بعض المسائل فإما على جواز تجزئ الاجتهاد هو اختيارنا، كما أن المجتهد المطلق قد يقلد في بعضها لأمر ما، فلا ينافي عروض اجتهاده في بعضها كونه مقلدًا، كما أن المجتهد المطلق عروض التقليد لا يخرجه عن اجتهاده، والدليل على كونه مقلدًا لمالك أقواله وأقوال الأئمة، وبيانه أن المجتهد إنما يتبع الدليل من حيث هو، والمقلد يقلد شخصًا، واتباع ابن القاسم لقول مالك والتزامه ¬

_ (¬1) انظر الأعلام 5: 108، تعريف الخلف 1: 201 - 213. وقد انفردت هذه النسخة باضافات على جميع النسخ المذكورة في ص 6 بما في ذلك نسخة نيل الابتهاج.

مذهبه واضح لا يفتقر لبيان لمن له أدنى اطلاع، وذلك أن المجتهد إنما يجيب على المسائل باجتهاده في الأدلة، وابن القاسم إنما يجيب حيث سئل بقوله قال مالك: كذا كما في الأسمعة والروايات، وهذا عين التقليد ليس في شيء من الاجتهاد. فإن قلت لعله إنما أجاب به قبل نظره لعجزه. قلت: لا يجوز تقليد قبل النظر على الصحيح لآية {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ} ومن أمكنه الرد إليه تعالى فتركه عصي، وإنما ينظر ذلك عند العجز وأجوبته هو بقول مالك كثيرة، بل لا يضيف لنفسه إلا عند خروج مالك عن قواعده واختياره هو أحد أقوال مالك وإن لم نقف نحن عليه كما يأتي. فإن قلت: ولعل سائله إنما سأله عن مذهب مالك فقط. قلت: علمنا جوابه بذلك مطلقًا سواء عَينَّ له السائل ذلك أم لا، بدليل إطلاق الأسئلة عارية عن ذلك، ولئن سلم فسؤالهم إياه عن مذهب مالك على اعتقادهم فيه أنه خزانة مذهب مالك وناشر أقواله، فهذا دليل تقليده إذ المجتهد إنما ينظر في الأدلة مطلقًا، وأيضًا فسؤال المجتهد عن مذهب غيره نادر جدًا، وأيضًا فلِمَ لا يسأل عن مذهب غير مالك وما وجه الخصوصية به؟ وأيضًا فعادته في جوابه عن مسائل لا تحصى ثم يقول: لأن مالكًا قال كذا في كذا وقد قال مالك كذا فيحتج لصحة قوله بقول مالك، وأنه جار على مذهبه، وإنما جواب المجتهد بالدليل لا بقول أحد، ويقول لولا ما قاله مالك لقلت كذا، فيترك مقتضى الدليل بقول مالك، وهذا غاية التقليد. وقد نقل صاحب الاستيعاب عن ابن وهب وأحمد بن حنبل أنهما قالا: إذا لم نجد أثرًا قلدنا قول مالك لأن قوله أثر من الآثار، ونقل عن ابن القاسم أنه قال: اخترت مالكًا لنفسي وجعلته بيني وبين النار، ولا معنى لاختياره له إلا تقليده واعتقاده مذهبه، والمجتهد إنما يجعل بينه وبين النار الأدلة لا شخصًا معينًا.

فإن قلت: لعل ذلك لتعلمه منه أولًا، لا لتقليده آخرًا حين تبحر. قلت: لا يجعل المجتهد حالة ابتدائه حجة لأنها انتسخت بأكمل منها فصار متبعًا للدليل مطلقًا مع أن ابتداءه لم يتمحض في مالك وإن لازمه أكثر من غيره، فقد أخذ عن الليث وعبد العزيز بن الماجشون وابن أبي حازم وغيرهم أيضًا فقد قال الشرف التلمساني أحد محققي الأئمة المتأخرين: لما مثل مجتهد المذهب الذي يخرج الوجوه على نصوص إمامه قال كابن سريج وأبي حامد في مذهب الشافعي وابن القاسم وأشهب في مذهب مالك وأبي يوسف ومحمد بن الحسن في مذهب أبي حنيفة، فهذا نص منه على تقليده لمالك. ويؤيده قول ابن وهب لابن ثابت: إن أردت هذا الشأن يعني فقه مالك فعليك بابن القاسم فإنه انفرد به وشغلنا عنه بغيره، ولهذا رجح القاضي أبو محمد مسائل المدونة لرواية سحنون لها عن ابن القاسم وانفراده بمالك، وطول صحبته له لم يخلط به غيره، فهذا دليل تقليده له وأنه خزانة علمه. ولا يوصف المجتهد بأنه لم يخلط به غيره، وقد حكى الحارث بن راشد القفصي، وكان ثقة مجاب الدعوة يختم في كل ليلة من رمضان القرآن أنه لما وادع هو وابن القاسم وابن وهب مالكًا أنه قال لابن وهب: اتق اللَّه وانظر عمن تنقل، ولابن القاسم اتق اللَّه وانشر ما سمعت فهذا مالك أصل إفادته يأمره بنشر ما سمع، وناشر ما سمع بمعزل عن الاجتهاد المطلق، وبعيد أن يجهل مالك من حاله ما يعلمه غيره، وقد علم هو بما أوصاه به ووثق الناس بروايته عنه واختياراته وقبلوا منه ما لم يرضوه من نظرائه. قال النسائي: ابن القاسم رجل صالح ثقة ما أحسن حديثه وأصحه عن مالك لا يختلف في كلمة ولم يرو أحد الموطأ عنه أثبت من ابن القاسم، وليس أحد من أصحابه مثله لا أشهب ولا غيره، عجب من العجب زهد وفضل وحسن الحديث- اهـ. ولهذا شرط أهل الأندلس في سجلات قرطبة قطب مدنها علمًا أن لا يخرج القاضي عن قول ابن القاسم ما وجده احتياطًا ورغبة في صحة الطريق الوصل لمذهب مالك الذي قلدوه لصحة روايته وطول صحبته له، لم يخلطه بغيره، ولو كان مجتهدًا مطلقًا لكانوا إنما قلدوه دون مالك، وهو خلاف ما

علم من أئمتهم حيث توغلوا في تقليده حتى شفع عنهم ابن حزم أحد حفاظها فقال: قد وصل أهل الأندلس في تقليد مالك حتى يعرضوا كلامه تعالى وكلام رسوله على مذاهب إمامهم فإن وافقاه وإلا طرحوه أخذوا بقول صاحبهم مع أنه غير معصوم، ولا نعلم بعد الكفر باللَّه تعالى معصية أعظم من هذا، فهذا ما وصفهم به من تقليد مالك، وإن كان على كلامه حديث ليس هذا محله. وهم حين فتح الأندلس التزموا مذهب الأوزاعي حتى قدم عليهم الطبقة الأولى ممن لقي مالكًا كزياد بن عبد الرحمن والغازي بن قيس وقرعوس ونحوهم، فنشروا إمامته وفضله فأخذ الأمير هشام الناس حينئذ فالزموا مذهبه من يومئذ وحملوا عليه بالسيف إلا من لا يؤبه به حتى إن الأمير الحكم بن المستنصر، وكان ممن بحث عن أحوال الرجال بحثًا يقصر عنه كثير من العلماء حتى أن خزائن من كتبه في غاية الصحة بحيث إذا اطلع على ما قوبل بأصل منها ولو بوسائط اطلع في غاية الصحة، كتب إلى الفقيه أبي إبراهيم رسالة فيها وكان من زاغ عن مذهب مالك ممن زيد على قلبه وزين له سوء عمله، وقد نظرنا طويلًا في أخبار الفقهاء إلى الآن فلم نر مذهبًا أسلم منه فإن في المذاهب الجهمية والرافضة والمرجئة والشيعة إلا مذهب مالك فما سمعنا عن أحد قلده بشيء من البدعة فالتمسك به نجاة إن شاء اللَّه- اهـ. فهل ترى مع هذا التصميم في هذا الاعتقاد خلفًا عن سلف أن يمنعوا الخروج عن قول ابن القاسم لاجتهاده وتركه قول مالك، بل ذلك لتقليده إياه وطول ملازمته له واطلاعه على مآخذه، وأيضًا فلا ينكر أحد أنه مالكي المذهب وناشره، والمجتهد مطلقًا لا ينسب لأحد سواه لا يقال إنما صدقت النسبة لأجل الاستفادة لأنا نقول يبطل بالشافعي فهو من الطبقة الوسطى من أصحاب مالك وكان يقول: مالك معلمي ومنه تعلمنا العلم، وما أحد أمنّ عليّ من مالك، وعنه أخذت العلم، وشبه هذا ولا يصدق عليه أنه مالكى لاجتهاده وكون مستنده الدليل. فإن قلت: يدل على اجتهاد ابن القاسم مطلقًا مخالفة مالك في مسائل

كثيرة وحظ المقلد اتباع مقلده. قلت: إنما تتحقق مخالفته وإن لم يكن لمالك في المسألة إلا الرأي خالفه فيه ولعل له قولًا آخر رجحه ابن القاسم. فإن قلت قوله أرى أو هو رأي إناطة للحكم برأيه فحمله على ما قلت خلاف الظاهر. قلت: ترجيحه ما صار إليه رأى الحقيقة بلا تأويل، يؤيده ما ذكره الباجي في فرق الفقهاء قال: جمع أبو عمر الاشبيلي أقوال مالك في كتاب كبير يزيد على مائة جزء قرأت بعضه، وكان شيوخنا يقولون لا يكاد يوجد قولة لأصحابه إلا وهي لمالك في ذلك الكتاب لأن الحكم بن عبد الرحمن أخرج الأسمعة من خزانته لأبي عمر وأمره بجمع أقواله حيث كان مقول الشيوخ لا يكاد يوجد الخ، دليل لما قلناه ونية بيان لما تقدم من صرفهم الهمة إلى أقوال مالك وتقليده. واختيارهم لابن القاسم لصحة التوصل لمذهبه، ونحو ذلك أيضًا ما ذكره بعض الأئمة أن ابن القاسم وأشهب اختلفا في قول مالك في مسألة "فحلف كل على نفي قول الآخر" فسألا ابن وهب فأخبرهما أن مالكًا قالهما معًا فحجا قضاء ليمينهما، فهما إمامان لازمًا، غاب عليهما قوله، فكيف بمن تأخر عنهما؟! ولو سلمنا عدم وجود مختاره لمالك فلا يدل على اجتهاده لجواز أنه رأى خروج مالك عن أصوله سهوًا فقاسه هو عليها، فلا يخرج بذلك عن تقليده. ذكر أبو إسحاق الشيرازي أن أسدًا أتى إلى ابن وهب وسأله أن يجيبه في مسائل أبي حنيفة على مذهب مالك فتورع، فذهب إلى ابن القاسم فأجابه عنها بما حفظ عن مالك وفي غيره يقول: سمعته يقول في مسألة كذا وكذا ومسألتك مثلها، ومنها ما أجابه على أصول مالك، فهذا يحقق ما قلناه، فهذه الأسدية أصل مدونة سحنون أصلح ابن القاسم منها أشياء على يد سحنون، وأيضًا سلمنا اجتهاده في بعض المسائل لكن لا يخرجه عن التقليد، كما أن تقليد أقواله، وقد قال إسماعيل بن أبي أويس: قيل لمالك قولك في الموطأ: الأمر المجتمع عليه والأمر عندنا وببلدنا وأدركت أهل العلم فقال: أما أكثر ما

في الكتاب فرأيي ولعمري ما هو رأي بل سماعي عن غير واحد من أهل العلم المقتدى بهم فكثروا عليّ فغلب رأيي وهو رأيهم ورأي الصحابة أدركوهم عليه وأدركتهم أنا عليه وراثة توارثوها قرنًا عن قرن الى وقتنا، وما كان رأيي فهو هكذا، والأمر المجتمع ما اجتمعوا عليه بلا اختلاف، وقولي: الأمر عندنا فما عمل به الناس عندنا وببلدنا وجرت به الناس وعرفه الجاهل والعالم، وما قلت بعض أهل العلم فشيء استحسنته من قول العلماء، وما لم أسمع منهم اجتهدت على مذهب من لقيت، حتى لا يخرج عن مذهب أهل المدينة وإن لم اسمع شيئًا نسبته إليّ بعد اجتهادي مع السنة، وما عليه أهل العلم والأمر المعمول به عندنا من زمنه -صلى اللَّه عليه وسلم- والأئمة بعد فهو رأيهم ما تركته لغيره. فإن قلت: يلزم على هذا إما تقييد مالك لغيره أو كون ابن القاسم مجتهدًا لتفسيركم رأيه باتباعه قواعد مالك وترجيحه عليها، لأن اتباع شخص إن أوجب تقليده لزم الأول وإلا لزم الثاني. قلت: لا بل اتباع قول مالك ليس بمجرد قول غيره بل لدليل عنده مطلقًا كعمل الصحابة أو إجماع أهل المدينة أو استحسان وافق رأيه وغير ذلك، كما أشار إليه، وهذا حال المجتهد المطلق اتباع الدليل، وابن القاسم إما يرجح أو يخرّج على أصول مالك كما تقدم فهو مقلده، إذ اتباع شخص من حيث هو غير اتباع الدليل المطلق، واللَّه أعلم -اهـ- جوابه ملخصًا. وهذا الذي اختاره هو ما اختاره أخوه الإمام أبو زيد المتقن وغيرهما، وسيأتي له مزيد بعد، إن شاء اللَّه تعالى. فائدة: قال الخطيب ابن مرزوق: سمعت شيخنا الإمام أبو موسى بن الإمام وغيره من شيوخ المغرب يستحسنون ما أحدثه العزفي وولده أبو القاسم بالمغرب في ليالي المولد وهما من الأئمة ويستصوبون قصدهما فيه والقيام به، ونُقل عن بعض علماء المغرب إنكاره، والأظهر عندي ما قاله بعض المغاربة استعمال الصلاة عليه -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذه الليلة وإحياء سنته ومعونة آله وتعظيم

366 - عيسى بن أحمد بن محمد بن محمد الغبريني أبو مهدي التونسي

حرمهم وفعل أنواع البر أفضل مما سواها مما أحدث، إذ لا يخلو من مزاحم في النية أو مفسد للعمل أو دخول شهوة، وطريق الحق والسلامة معروف، فالأفضل تكثير الصلاة عليه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأعمال البر -اهـ- ملخصًا. 366 - عيسى بن أحمد بن محمد بن محمد الغبريني أبو مهدي التونسي (¬1). قاضي الجماعة بها وعالمها وصالحها وحافظها وخطيبها، قال الشيخ الثعالبي: شيخنا أوحد زمانه علمًا ودينًا- اهـ. ووصفه تلميذه أبو القاسم بن ناجي بأنه ممن يظن به حفظ المذهب بلا مطالعة، وبالغ في الثناء عليه في غير موضع، بل نقل عنه عصريه أبو القاسم البرزلي في ديوانه في غير موضع. قال السخاوي في تاريخ أهل المائة التاسعة فيه: قاضي تونس وعالمها، أخذ عنه أحمد القلشاني (¬2) والشرف العجيسي وغيرهما، مات عام ستة عشر وثمانمائة- اهـ. قلت: بل أخذ عنه غالب تلاميذ ابن عرفة المتأخرة وغيرهم كالبسيلي وأبي يحيى بن عقبة وعمر القلشاني وأبي القاسم القسنطيني وأبي الحسن علي بن عصفور وابن ناجي والزلديوي في خلق كثير، قال ابن ناجي: ما رأيت أصح منه نقلًا ولا أحسن منه ذهنًا ولا أنصف منه، مع كمال الرئاسة وشاهدت بعض جهال الطلبة، وكان مؤدبًا تلقاه لما قام في مجلسه وسجد بين يديه مشتكيًا له بإنسان، فصاح عليه وانتهره وهرب منه وغضب لمخالفته السنة وحلف له لا أسمع منه الآن كلمة واحدة- اهـ. وقال تلميذه الأمير أبو عبد اللَّه المدعو الحسن بن السلطان أبي العباس: شيخنا ابن عرفة وشيخنا الغبريني ممن يجتهد في المذهب ولا يحتاج للدليل على ذلك، إذ العيان شاهد بتلك- اهـ. ¬

_ (¬1) ترجمته في: تاريخ ابن الشماع 152، شجرة النور الزكية ص 243، الضوء اللامع 3: 151، والحلل السندسية 611 وأعلام الجزائر 250. (¬2) كذا في شجرة النور الزكية، وفي الضوء اللامع: القلجاني وهو تصحيف.

367 - عيسى بن علال المصمودي ويقال الكتامي أبو مهدي الفاسي، شيخ الجماعة فقيه فاس وقاضيها

وقال أبو العباس القلشاني: استناب ابن عرفة وقت سفره للحج تلميذه القاضي الجليل أبا مهدي الغبريني على إمامة جامع الزيتونة وهو المشار إليه في كلامه، وتلميذه حينئذ قاضي الجماعة، ثم استقل بالإمامة المذكورة بعد وفاته وبقي عليها حتى توفي ليلة السبت سابع عشرين من ربيع الثاني عام خمسة عشر وثمانمائة- اهـ. 367 - عيسى بن علال المصمودي ويقال الكتامي أبو مهدي الفاسي، شيخ الجماعة فقيه فاس وقاضيها (¬1). أخذ عن الحافظ أبي عمران العبدوسي وغيره، وصاحب الشيخ عمر الرجراجي، وله رحلة سمع فيها، توفي سنة ثلاث وعشرين، ويقال: إن له استدراكات على مختصر ابن عرفة. قال السخاوي: وهو إمام جامع القرويين، له تعليقة على مختصر ابن عرفة، وكان زاهدًا ورعًا ولي القضاء، مات قريبًا من عشرين وثمانمائة. وقال ابن غازي: هو شيخ الجماعة الخطيب الحجة المشاور، أخذ عنه القوري والأستاذ الصغير في جماعة- اهـ. 368 - عيسى بن أحمد الهَنْدِيسي (¬2). بفتح الهاء فنون ساكنة فدال مهملة مكسورة فياء تحتية فسين مهملة، البجائي عالمها يعرف ابن الشاط. قال السخاوي: تقدم في الفقه وأصوله والعربية وغيرها حفظًا لها وفهمًا لمعانيها، مع فروسية وتقدمة في أنواعها وديانة، وتصدى للإفتاء والإقراء وناب في الخطابة بجامع بجاية الأعظم، وهو الآن في سنة تسعين وثمانمائة شيخ وقدوة أهلها يزيد على ستين سنة- اهـ. قال الشيخ زروق: الشيخ الفقيه الإمام الصدر العالم أبو مهدي مفتي بجاية، من صدور الإسلام في وقته علمًا وديانة- اهـ. ¬

_ (¬1) الضوء اللامع 6/ 155، شجرة النور الزكية ص 251، جذوة الاقتباس 2/ 502، درة الحجال 3/ 191. (¬2) الضوء اللامع: 6/ 151 وفيه: عيسى بن أحمد الحنديسي بالحاء.

369 - عيسى بن الدكالي

قلت: له تعليق لطيف على مسلم في كراريس اقتطفه من شرح الابي عليه، ووقع بينه وبن شيخه الإمام العلامة محمد بن بلقاسم المشذالي الآتي منازعة في مسألة ترافعا فيها إلى الإمام المفتي قاسم العقباني فأجابهما. نقل الجميع في نوازل المازوني، مع عدة فتاوى له. 369 - عيسى بن الدكالي (¬1). قال في فهرست ابن غازي: كان فقيهًا حافظًا- اهـ. 370 - عيسى بن أحمد بن مهدي الماواسي البطوي الفاسي فقيهها ومفتيها العالم (¬2). قال الشيخ أحمد المنجور: كان أستاذًا فقيهًا خطيبًا مفتيًا أخذ العلوم عن شيوخ فاس وتلمسان كالشيخ الإمام أبي محمد عبد اللَّه العبدوسي وغيره، توفي سنة ست وتسعين على سن عال، حكي أنه خطب بفاس الجديد نحو ستين سنة- اهـ. وقال غيره: كان من بيت علم بفاس، أخذ عنه المحدث سقين وغيره. وفاته حادي عشر رجب عام ستة وتسعين- اهـ. ونقل عنه فتاوى في المعيار. قلت: ومن شيوخه الإمام القوري وتولى الفتوى بعده وأخذ عنه الشيخ زروق. من اسمه عمر 371 - عمر بن محمد التميمي (¬3). شهر بالعطار الشيخ أبو حفص، قال الشيخ أبو زيد الدباغ في كتابه مناقب صالحي القيروان: هو الفقيه العالم كان من المجتهدين المبرزين وأئمة ¬

_ (¬1) له ذكر في: ألف سنة من الوفيات ص 258 وفهرس ابن غازي ص 74. (¬2) جذوة الاقتباس القسم الثاني 502، سلوة الأنفاس 3/ 314، درة الحجال 3/ 192. (¬3) شجرة النور الزكية ص 107.

372 - عمر بن محمد بن واجب بن عمر بن واجب بن عمر بن واجب القيسي البلنسي صاحب الأحكام

القرويين المعدودين، انتفع به خلف كثير حتى كان يقال: الذكر لأبي بكر بن عبد الرحمن والتعلم لأبي حفص العطار، لأن أبا بكر هو شيخه وبرع عليه حتى ناهزه أو قارب، وكان موفقًا في أجوبته، لم يُرَ بالقيروان معلم أحسن تعليمًا منه ومات قبل شيخه أبي بكر بن عبد الرحمن فقال الشيخ: رحمك اللَّه يا أبا حفص فقد كنت تنصرني وتكفيني كثيرًا من الفتيا، وله تعليق نبيل جدًا على المدونة أملاه سنة سبع وعشرين وسنة ثمان بعده وأربعمائة- اهـ. 372 - عمر بن محمد بن واجب بن عمر بن واجب بن عمر بن واجب القيسي البلنسي صاحب الأحكام (¬1). سمع أباه وأبا بحر الأسدي وابن العربي وابن اسيد، وأجازه ابن رشد وأبو الحسن شريح، وتفقه بأبي محمد بن سعيد قاضي بلنسية ولازمه طويلًا وعرض تهذيب البرادعي أربع عشرة مرة، وكان فقيهًا حافظًا للمسائل بصيرًا بالأحكام، مقدّمًا في الشورى محسنًا للفتيا درس الفقه وأخذ عنه ونوظر عليه في حياة أبيه وبعده، ولم يعتن بالحديث، غلب عليه الفقه مع تواضع ونزاهة وهدى حسن ولين جانب، واكتفاء بالكفاف والانقباض عن السلطان وتودد الناس وإعطاء السوية من نفسه، مع رئاسة وجلالة متوارثة، ناب لأبيه في الأحكام وقت قضائه ببلنسية وشاطبة وغيرهما. حدّث عنه حفيده شيخنا أبو الخطاب أحمد بن محمد وأبو عمرو بن عياد. توفي ببلنسية يوم الجمعة آخر رمضان سنة سبع وخمسين وخمسمائة ودفن يوم الفطر، مولده سنة ست وسبعين وأربعمائة عن اثنين وثمانين سنة، وكانت جنازته مشهودة، وهو آخر حفاظ المسائل شرق الأندلس. صح من ابن الابار. 373 - عمر بن عزون السلمي (¬2). الشيخ الفقيه الجليل الفاضل المحصل أبو علي، رحل للشرق وقرأ بها ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 135 وتكملة الصلة 2/ 656. (¬2) انظر ترجمته في عنوان الدراية ص 250.

374 - عمر بن محمد بن علوان التونسي

ومهر، ووصل لبجاية وظهر واستمر وقضى وشوور وأفتى، وعليه مع الفيه أبي عبد اللَّه الأريسي يتوقف حال القاضي أبي محمد بن حجاج. صح من عنوان الدراية. 374 - عمر بن محمد بن علوان التونسي (¬1). قال أبو محمد التجاني: شيخنا الإمام أبو علي، ألف تأليفًا في موجبات أحكام مغيب الحشفة ذكر فيه ما قاله غيره وزاد عليه أحكامًا كثيرة، استخرجها بكثرة اطلاعه وقوة استنباطه وتبحره في العلم واتساعه، وكان يزعم أنه لا يكاد يوجد حكم شذ عن كتابه، وقرأته عليه في ذي القعدة عام اثنين وسبعمائة ورأيته قد ترك أحكامًا كثيرًا فحملتني الحداثة إذ ذاك وجب الظهور على أن استدركت في مؤلف وضعته نحو خمسين واتسعت في التعليل وبسط الخلاف، فجاء تأليفًا مستقلًا وأوقفته عليه فعظّمه غاية التعظيم وتلا {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} وتوفي رابع شعبان سنة ست عشرة وسبعمائة. 375 - عمر بن محمد بن حمد بن خليل السكوني أبو علي (¬2). نزيل تونس الفقيه العالم العلامة السني، له تآليف منها: التمييز لما أودعه الزمخشري من الاعتزال في الكتاب العزيز في سفرين ووقفت عليه، وجزء لطيف في البدع. 376 - عمر بن علي بن عتيق بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز الهاشمي المعروف بالقرشي (¬3). قال الحضرمي في مشيخته: كان شيخنا أبو علي هذا رجلًا خيّرًا لا يختلف في فضله وعفته وسلامة مذهبه اثنان، كثير الحياء والصمت، شديد الانقباض ملازم الخلوة لين الجانب دمث الخلق ظاهر الحسب حسن اللقاء ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 205، درة الحجال 3/ 197. (¬2) انظر ترجمته في: معجم المؤلفين 7: 309، كشف الظنون ص 1482، إيضاح المكنون 2: 401، هدية العارفين 1: 788، الأعلام 5: 224, 225. (¬3) له ترجمة مطولة في الإحاطة في أخبار غرناطة 4/ 198.

377 - عمر بن عثمان الونشريسي المكناسي أبو حفص

مولعًا بالتصوف كثير المطالعة لكتبه كلفًا بأفعال الخير مبادرًا لقضاء الحوائج على سنن الصالحين، إذا رأيته سرك أن ترى ابن سيد المرسلين، شرّق وحج ولقي شيوخًا جلة وأعلامًا مشاهير، وأخذ عنهم وروى وقيّد كثيرًا وخطب بالجامع الأعظم نيفًا على اثنين وثلاثين سنة من عام واحد وسبعمائة إلى وفاته، صنف في التصوف مطالع أنوار التحقيق والهداية، مولده تقريبًا عام ثمانية وستين وستمائة وتوفي بغرناطة سحر الخميس ثالث وعشرين من صفر عام أربعة وأربعين وسبعمائة وكان يومًا مشهودًا احتفل الناس بجنازته وتزاحموا تزاحمًا بعد العهد بمثله، سمعني يومًا أنشد قول بعض الغرباء بعد أن شكوت ما لحقني من الغربة لبعض الأصحاب: رَحِمَ اللَّه مَنْ دَعَا لِغَريبٍ ... شَتَّتَتْهُ العِدَا عن الأوطانِ ورماهُ الزمانُ منهُ بصرفٍ ... آهِ واللَّه من صروفِ الزَّمَانِ فأخذ يسليني وقال لي: لا تكترث فلقد شكوت حالي أيام رحلتي لشيخنا الإمام ناصر الدين المشذالي ببجاية فقال لي عن بعض المشايخ: إنه كان يقول: إن اللَّه عز وجل يثير الهمم لسعي القدم لرزق قسم أو موت حتم -اهـ- ملخصًا. 377 - عمر بن عثمان الونشريسي المكناسي أبو حفص (¬1). قال ابن الخطيب في نفاضة الجراب: كان فقيهًا مدرسًا أستاذًا في فن العربية، حضرت مذاكرته في مسألة أعوزت عليه وطال سؤاله عنها وهي قول الشاعر: الناسُ أَكْيَسُ مِنْ أَنْ يَمْدَحُوا رَجُلًا ... مَا لَمْ يَرَوْا عِنْدَهُ آثارَ إحسانِ وصورة السؤال كيف صح وقوع أفعل بين شيئين لا اشتراك بينهما في الوصف؟ إذ أوقع الشاعر أكيس بين الناس وبين أن يمدحوا وهو مؤول ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: ألف سنة من الوفيات ص 137 ونفاضة الجراب. . . . . . والروض الهتون ص. . . . . . ودرّة الحجال 3/ 203 وفيها أنه توفي سنة 810 هـ.

378 - عمر بن محمد الرجراجي أبو علي الفاسي

بالمصدر وهو المدح ولا يوصف بذلك- اهـ. من الروض الهتون لابن غازي وفي وفيات الونشريسي أنه توفي بفاس عام ستة عشر وثمانمائة. 378 - عمر بن محمد الرجراجي أبو علي الفاسي (¬1). قال ابن الخطيب القسنطيني: كان من أولياء اللَّه تعالى وصدور العلماء وشهرته بالصلاح أكثر من شهرته بالعلم، لازمته وقرأت عليه الحوفية في الفرائض وحضرت معه مجالس العلم كمجلس الحافظ الفقيه القباب في الحديث والفقه والكلام، ومجلس الفقيه العالم الصالح مفتي فاس الوانغيلي الضرير وهو قارئ مجلسه وانتفعت به كثيرًا، وإذا قصدته فيما عسر عليّ فهمه أجلسني مع السارية وجلس هو بين يدي كأنه السائل لتواضعه وإخفائه. وقال لي بعض الطلبة: ما الذي يقرأ عليك سيدي عمر؟ لما رأى من هيئته في جلوسه!. وإذا راجعته في مسألة حتى يطلعني على نص ما، قاله هو في كتاب يبسطه ويشير إلى المحل من غير أن يقول لي شيئًا. ومن ورعه وتحفزه أنه لا يحبس الكتب المنسوبة لقوم ليس لهم كشرح الرسالة المنسوب للجزولي ونحوه، وكان كثير الخلوة بنفسه لا يعرف أحد أين هو، ويلبس التليس يباشره بجسده ويستره بجبة. وعيشه من حبك البرانس في بعض الأوقات وغلة دويرة ورثها من أبيه وقال لي ليس لي عادة في غداء وعشاء بل آكل إذا احتجت بلا توقيت. وسرق لي يومًا نعلي في صلاة العصر فجلست ولم أعلم به أحدًا فجاء هو على عادته للحضور وجلس بجنبي ساعة ثم قام، بخلاف عادته، وجاء بقبقابه مختفيًا وقال امش بهذا وطيّب نفسك على السارق، فقبلته متعجبًا منه، وكنت إذا عسر عليّ أمر دنيوي قصدته وقلت له: أريد كذا وكذا فيسكت ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجره النور الزكية ص 250، وفي وفيات الونشريسي ص 137 ولقط الفرائد ص 235 أنه توفي سنة 810 هـ, انظر أيضًا، جذوة الاقتباس 2/ 495، درة الحجال 3/ 202، فهرست ابن غازي ص 71.

وتدمع عيناه ثم يقول لي: نعم يكون إن شاء اللَّه فييسّر اللَّه تعالى ذلك، وما زلت أفعله معه. وقدم لخطابة جامع الأندلس بفاس بعض جمعة من غير أن يغير ثيابه ثم فرّ منها، ويزوره السلطان ويجلس معه ويحضّه على الخير ومراعاة من يستند إلى اللَّه وإن كان كاذبًا فيتمثل السلطان أمره. وسعى في هذا الوقت في تغيير المنكر بنفسه وأقام الحدّ على من لا يجسر عليه ويسّر اللَّه له في ذلك فأعانه الخاصة والعامة، بحيث لو قال: اقتلوا هذا لقتل قبل تمام كلامه وتفقّد أمر القضاة وأصحاب الأحباس، وغيّر على من لا يصلح، وصار الخاصة والعامة تحت طاعته من خوفه للَّه تعالى، فخاف منه كل شيء -اهـ- كلام ابن الخطيب. قال ابن غازي في فهرسته: هو الشيخ العالم المتفق على علمه وصلاحه، تاج الزهاد وإمام العباد ولي اللَّه- اهـ. وقال السخاوي عن الرجراجي نسبة لقبيلة بالغرب، إمام بجامع الأندلس الغالب عليه الزهد والورع، مع تقدمه في الفقه، مات عام عشرة وثمانمائة- اهـ. ويقال: إن شيخ الجماعة الإمام أبا مهدي عيسى بن علال لما فرغ من بناء داره وشيدها نادى شيخه صاحب الترجمة مع جماعة للطعام، فلما دخل سيدي عمر الدار ورآها، قال له يا عيسى: "أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون"، فواللَّه لا أكلمك أبدًا، ثم خرج ولم يأكل طعامه ولا كلمه حتى مات، رحمه اللَّه. زادني بعض أصحابنا في القصة أن شيخ الجماعة أبا مهدي أدركته الشفقة من كلامه وقال: دار حرمتني كلام الشيخ عمر لمشؤومة، فلم يسكنها حتى مات، رحمه اللَّه تعالى- اهـ. وكان إمامًا في الفرائض والحساب، ويقال: إنه من زار قبره وسأل أن يفتح عليه في حاجة فتح عليه فيها.

379 - عمر بن إبراهيم المسراتي أبو علي.

379 - عمر بن إبراهيم المسراتي أبو علي. أخذ عنه ابن ناجي، ونقل عنه في شرح المدونة. 380 - عمر بن يوسف بن عبد اللَّه اللخمي الاسكندري يعرف بالتلقوني (¬1). بحث على محمد بن يعقوب الغماري كثيرًا في فروع المالكية وأصول الفقه والنحو وأذن له في الإفتاء والتدريس وإقراء النحو وتكلم أيضًا مع أبي القاسم العبدوسي فوجده أهلًا لإقراء كلّ علم فأذن له في ذلك، وصنف في أنواع العلوم ثم حصل له ضرر بعينه ونظم المنظومات المتباينة كالجوهرة الثمينة في مذهب عالم المدينة في ستمائة بيت ورجز آخر في العبادات نحو خمسين بيتًا وشرحها في مجلد، وبهجة الفرائض وشرحها في أربعة كراريس، وله عدة أراجيز في العربية وأخرى ضمنها ما في التلخيص من الزيادة في مائتي بيت ونيف، وأفرد أصول أبي عمر في بحر الشاطبية ورويها، وتفسير الفاتحة، ومن سورة النساء إلى آخر القرآن في مجلد، ولد في شعبان سنة إحدى وستين وسبعمائة، وتوفي سنة اثنين وأربعين وثمانمائة. صح من السخاوي. 381 - عمر بن محمد بن عبد اللَّه الباجي التونسي عرف بالقلشاني (¬2). أصله من باجة تونس لا باجة الأندلس، قاضي الجماعة بتونس، الفقيه العالم الإمام العلامة المحقق النظار الحافظ الحجة الإمام المطلق الجليل أبو حفص نخبة الزمان وفريد الوقت ممن قل سماع الزمان بمثله علمًا وجلالة ابن الشيخ الإمام العالم الصالح القاضي أبي عبد اللَّه محمد ابن الشيخ الفقيه الصالح عبد اللَّه القلشاني، كان -رحمه اللَّه- من أكابر علماء تونس ومحققيهم وحفاظهم الأجلاء، أخذ عن جماعة كوالده أبي عبد اللَّه والقاضي أبي مهدي ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في معجم المؤلفين 8: 5، الضوء اللامع 6: 142 - 144، كشف الظنون ص 366، إيضاح المكنون 1: 284، هدية العارفين 1: 792, 793. (¬2) انظر ترجمته في: معجم المؤلفين 7: 312، الضوء اللامع 6: 137، هدية العارفين 1: 793، إيضاح المكنون 1: 475، شجرة النور الزكية ص 246، درّة الحجال 3/ 203.

الغبريني والإمام الابي والإمام محمد بن مرزوق وغيرهم وأخذ الطب عن إمام فنه الشريف الصقلي. قال السخاوي: وهو أخو أبي العباس أحمد القلشاني شارح الرسالة ولي قضاء الجماعة بتونس وأقرأ الفقه والأصلين والمنطق والمعاني والبيان والعربية وحدّث بالبخاري عن ابن مرزوق، وشرح الطوالع شرحًا حسنًا وصل فيها إلى الإلهيات في أكثر من مجلد، وأخذ عنه خلق وغالب الأحيان منهم ولده قاضي الجماعة محمد بن عمر وإبراهيم الأخضري وأبو عبد اللَّه التريكي وآخرين ممن لقيناهم كابن زعران، ولي أولًا قضاء الأنكحة ببلده كأبيه ثم قضاء الجماعة بعد موت أبي القاسم القسنطيني، وكان أبو القاسم المذكور قام على أخيه أحمد شارح الرسالة بسبب ما وقع فيه من نقل كلام بعض المفسرين في قصة آدم -عليه السلام- بل أفتى أخوه صاحب الترجمة بذلك قبل علمه- اهـ. قلت: وممن أخذ عنه العلامة حلولو والشيخ عبد المعطي ابن خصيب والشيخ الصالح الرصاع والشهاب الأبدي وغيرهم، وله شرح عظيم على ابن الحاجب في غاية الحسن والاستيفاء والجمع، مع تحقيق بالغ، ينقل كلام ابن عبد السلام ويذيله بكلام غيره من الشراح كابن راشد وابن هارون والناصر المشذالي وخليل وابن عرفة وابن فرحون وغيرهم، مع البحث معهم، ويطرزها بنقل كلام فحول المذهب كالنوادر وابن يونس والباجي واللخمي وابن رشد والمازري وابن بشير وسند وابن العربي وغيرهم، مع البحث في ألفاظ المتن افرادًا وتركيبًا, بما يدل على سعة علمه وقوة إدراكه وجودة نظره وإمامته في العلوم، وقفت على أوائله. توفي سنة ثمان وأربعين وثمانمائة (¬1)، هكذا ذكره الونشريسي في وفياته وهو أصح مما رأيته في بعض المجاميع بخزانة جامع الشرفاء بمراكش أن وفاته سنة اثنين وأربعين بل لا يصح أصلًا. نقل عنه المازوني والونشريسي جملة من ¬

_ (¬1) وفي لقط الفرائد لابن القاضي ص 249 ضمن مجموعة ألف سنة من الوفيات أنه توفي سنة 842 هـ وفي شجرة النور أنه توفي سنة 847 هـ.

382 - عمر بن أبي بكر بن محمد بن حريز، تصغير حرز أخو قاضي القضاة الحسام بن حريز

فتاويه، وتقدم تعريف جده عبد اللَّه وعمه أحمد وأخيه أحمد وستأتي ترجمة أبيه وولده، إن شاء اللَّه تعالى. 382 - عمر بن أبي بكر بن محمد بن حريز، تصغير حرز أخو قاضي القضاة الحسام بن حريز (¬1). قرأ الفقه على الزين عبادة والشيخ طاهر النويري، ولد سنة تسعة عشر وثمانمائة وصار في قضاء أخيه يكتب على الفتوى بحيث ذكرت فضيلته واستحضاره الفروع مع الديانة والإعانة والتصلب في دينه. استقر في القضاء بعد موت أخيه في شعبان سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة فشكرت سيرته وحكم في قضايا وبرز في مواطن جبن غيره فيها، وأعرض عن تدريس الشيخونية فاستقر فيها لمحي بن تقي وعن تدريس جامع طولون فاستقر فيها النور التنسي ثم عزل سادس صفر سنة سبع وثمانين وتولى البرهان اللقاني، وتوفي في جمادى الأولى سنة اثنين وتسعين وثمانمائة. صح من السخاوي. 383 - عمر بن عبد الرحمن بن يوسف الكزنائي الفاسي. أحد فقهائها، كان شيخًا معمرًا نيف على الثمانين سنة، له تعاليق ردّ في بعضها على مواضع من الشفاء وعلى الخطيب الجد بن مرزوق، وتعقب عليه فيها الإمام أبو العباس الونشريسي وغيره، كان حيًا عام أحد عشر وتسعمائة، نقل عنه في المعيار في كتاب الجنائز، وأخذ عنه علي بن هارون وغيره. 384 - عمر بن محمد الكمادي الأنصاري القسنطيني (¬2). عرف بالوزان قال المنجور في فهرسته: هو الفقيه العالم الكبير المتفنن المحقق الراسخ الصالح أبو حفص، كان آية يبهر العقول في تحقيق فنون المنقول والمعقول، من عباد اللَّه الصالحين، رحل إليه شيخنا أبو زكريا الزواوي ¬

_ (¬1) الضوء اللامع ص 76. (¬2) انظر ألف سنة من الوفيات ص 298، وشجرة النور الزكية ص 283، وتعريف الخلف ص 76.

من اسمه عثمان

يسمعه يقرر الفقه ينقل اللخمي وغيره ويقريء الفنون، فكان إذا ذكر يعجب ويعجب ويرجحه عن كل علماء عمره. حدثني من أثق به من أهل بلده أنه يقريء الجن. أخذ عنه شيخنا اليسيتني الأصلين والبيان وغيرها، وقرأ عليه معالم الفخر قراء بحث وتحقيق. توفي بقرب الستين وتسعمائة، له تآليف منها الرد على الشبوبية المرابط عرفه القيرواني وصحبه كتاب حفيل مدّ فيه النفس فما يعلم أنه من أهل التصوف، وتأليف على طريق الطوالع والمواقف سماه (البضاعة المزجاة) في غاية التحقيق والإيضاح لتلك الأغراض، وفتاوى في الفقه والكلام وغيرهما أبدع فيهما ما شاء، سأله عن بعضها الفقيه الكبير المحقق الصالح أبو زكرياء يحيى بن عمر الزواوي- اهـ. قلت: ومن تآليفه تعليق على قول خليل، وخصصت نية الحالف، وحاشية على شرح الصفري للسنوسي أخذ عنه جماعة كعبد الكريم الفكون وأبي الطيب البسكري ويحيى بن سليمان، وأخبرني بعض أصحابنا أن وفاته سنة ستين واللَّه أعلم. من اسمه عثمان 385 - عثمان بن مالك (¬1). فقيه فاس وزعيم فقهاء المغرب في وقته، أخذ عنه فقهاء فاس كابنه أبي بكر وأبي بكر بن الحناط وغيرهما وتفقهوا عنه، له تعليق على المدونة، ذكره ابن سهل في مختصر المدارك. صح من خط بعض أصحابنا. 386 - عثمان بن دعمون الغرناطي (¬2). ألف برنامجًا على كتاب البيان والتحصيل، توفي سنة تسع وسبعمائة. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: ترتيب المدارك 2: 779، جذوة الاقتباس ص 2/ 457. (¬2) انظر ترجمته في: الديباج ص 191، 192، وذكره ابن القاضي في لقط الفرائد ص 168 في وفيات سنة 709 هـ.

387 - عثمان بن أبي بكر النويري.

387 - عثمان بن أبي بكر النويري. أحد أشياخ المالكية ومدرسيهم بالديار المصرية، شيخ جليل من أئمة الحديث حفظًا واتقانًا وضبطًا، هكذا ذكره تلميذه العلامة ابن مرزوق الحفيد. 388 - عثمان بن عبد الواحد (¬1). المكناسي اللمطي نسبة لقبيلة من زناتة، كان مجيدًا للقرآن حفظًا وأداء ورسمًا وضبطًا وعلمًا بأحكامهم والنحو الغزير كاد يحفظ كافية ابن مالك، عالمًا بالعروض يديم مطالعة ابن عطية مع زهد وصلاح، قرأ بالسبع على ابن غازي وأجازه ولازمه في التفسير وغيره، وقرأ على الأستاذ الصالح أبي العباس الحباك وعلى ابن هارون التفسير وعلى أبي محمد الونشريسي ابن الحاجب وعلى اليسيتني. كان مقبلًا على شأنه منفردًا عن الناس متواضعًا منصفًا، توفي سنة أربِع وخمسين عن نحو سبعين سنة، حضر جنازته السلطان وغيره وأثنوا عليه خيرًا، وهو جدير به، صح من فهرست المنجور، زاد غيره أن مولده عام ثمانية وثمانين وثمانمائة -اهـ- وتقدم أخوه العلامة. من اسمه علي 389 - علي بن إسماعيل بن محمد بن عبد اللَّه بن حرزهم (¬2). كذا ذكره التادلي وضبطه بعضهم بن حرازم، قال الساحلي في بغية السالك الأول أصوب، قال: كان فاسيًا عالمًا فقيهًا محدِّثًا حافظًا مدرِّسًا، زاهدًا في الدنيا سالكًا في طريق القوم، من أهل التحقيق مشاركًا في علوم الشريعة لكنه أميل لعلوم الباطن، أحكم كتاب إحياء الغزالي وضبط مسائله ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في ألف سنة من الوفيات ص 300، وجذوة الاقتباس 2/ 459، وشجرة النور الزكية ص 282. (¬2) انظر ترجمته في: كتاب الوفيات ص 283، روض القرطاس ص 191، سلوة الأنفاس 3/ 71، جذوة الاقتباس 2/ 464، شجرة النور الزكية ص 162.

فكان يستحسنه ويثني عليه، وترك والده مالًا عريضًا فقال لأخيه تركت لك حقي منه فأبى فعزم عليه وقال: إن لم تقبله تصدقت به على الجذمى فقبله، فخرج عن أسباب الدنيا وتجرد للعبادة والزهد، ورد عليه الشيخ أبو مدين شعيب وتردد إلى مجلسه قال: كنت (¬1) يتعلق بقلبي كل ما سمعته منه فأنتفع به وما أسمع من غيره لا يتعلق بقلبي فذكرته له فقال: إن الكلام إذا خرج عن صدق من القلب صادف القلب فانتفع به قال: ولازمته فانتفعت به. قيل: إنه دعا لبعض أصحابه بالعفو والعافية ثم قال له: رأيت رب العزة في المنام فقال لي: ما حاجتك؟ فقلت: أسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة فقال لي: قد فعلت، ثم قال: فلا أبالي بشيء يتقى فقد آمنني رب العزة ولذلك دعوت لك بهذا، قال المدعو له: واللَّه ما نالني مكروه قط بعد دعائه. رحل لمراكش فدرس بها العلم وتوّب ناسًا وزهّد أميرها في الدنيا وكثر أتباعه وتلاميذه، وأخذ عنه ناس الطريق ففتح لهم كالشيخ أبي مدين وأبي عبد اللَّه التاودي فكانا أخوين فاضلين عارفين، أخذ هو عن جماعة اعتمد منهم عمه أبا محمد وشيخه ابن العربي، وكان نعى نفسه للناس فقال: لا أصول رمضان الآتي، ثم بعد أيام قصد صاحبًا له فقال له قدم لي طعامًا آكله فطعامك حلال فقدّم له خبزًا ولبنًا فأكل ثم دخل الحَمّام وقال لخدمة الحمام: لم يبق لكم من خدمتي إلا هذا اليوم فلما خرج منه أتى منزله فاستلقى على فراشه، فلما حان وقت صلاة العصر أتاه بعض تلامذة ليوقظه للصلاة فوجده ميتًا، وقبره بفاس من مزاراتها المتبرك بها، المجاب عنده الدعاء. توفي آخر شعبان سنة تسع وخمسين وخمسمائة -اهـ- ملخصًا. قلت: قد زرت قبره مرارًا بفاس، والحمد للَّه تعالى. ¬

_ (¬1) كذا في المطبوعة والصواب: كان يتعلّق.

390 - علي بن محمد بن عبد الله الجذامي المري

390 - علي بن محمد بن عبد اللَّه الجذامي المري (¬1). يعرف بالبرجي، بفتح الباء، أبو الحسن، قال ابن الأبار: أخذ القراءات عن أبي داود المقري، وسمع الحديث من أبي علي الغساني والصدفي وتصدر للإقراء والإسماع، وكان مقرئًا ماهرًا فقيهًا مفتيًا، من أهل الخير والصلاح والتفنن في العلوم، وجرت له قصة غريبة مع قاضي المرية مروان بن عبد الملك في إحراق ابن حمدين كتاب (¬2) الغزالي، فأفتى فيها بتأديب محرقه وتضمينه قيمته وتبعه عليه أبو القاسم بن ورد وأبو بكر عمر بن الفصح (¬3)، أخذ عنه أبو العباس بن العريف وأبو بكر بن نمارة وغيرهما. توفي بالمرية سنة تسع وخمسمائة. 391 - علي بن مسعود بن علي بن مسعود بن عصام الخولاني أبو الحسن (¬4). كان فقيهًا مشاورًا حافظًا للمدونة بارعًا في الوثائق، له حظ وافر من الأدب، ولي قضاء ميورقة، توفي سنة ثمان عشرة وخمسمائة. صح من ابن الأبار. 392 - علي بن محمد بن أحمد الأزدي. يعرف بابن الصيقل أبو الحسن، روى عن أبي القاسم بن ورد، وأبي العباس ابن عيسى، سمع منه السنن سنة تسع وعشرين وغيرهما، وكان فقيهًا مشاورًا حافظًا للمسائل يناظر عليه في المدونة، تفقه به أبو الحجاج بن أيوب. 393 - علي بن يوسف بن خلف بن غالب العبدري أبو الحسن (¬5). يعرف بابن أبي غالب، قال ابن الأبار: أخذ القراءات عن أبي بكر عتيق ابن عبد الحميد وغيره، وروى عن أبي العباس بن عيسى وأبي بكر بن ¬

_ (¬1) انظر ترجمته فى: تكملة الصلة لابن الأبار 2/ 662 طبعة مجريط، ومعجم أصحاب الصدفي ص 283، الوافي بالوفيات جزء 22 ص 49. (¬2) في معجم أصحاب الصدفي: كتب الغزالي. (¬3) ومعجم أصحاب الصدفي: أبو بكر عمر بن أحمد بن الفصيح وكذا في التكملة. (¬4) لم أجد له ترجمة في تكملة الصلة. (¬5) انظر تكملة الصلة لابن الأبار 2/ 662.

394 - علي بن محمد بن هذيل البلنسي أبو الحسن

الحناط، وتفقه بهما وسمع منهما وأخذ اللغة والأدب عن ابن أبي الخصال وأبي بكر اللياتي، وأجازه المازري، وكان فقيهًا مشاورًا عالمًا بالفتيا صدرًا فيها، حافظًا للمسائل عارفًا بالشروط أديبًا بليغًا مدركًا نحويًا لغويًا فكه المجلس، له حظ من قرض الشعر، ولي الأحكام وأفتى إلى أن مات. مولده ثالث عشر صفر سنة اثنين وثمانين وأربعمائة، وتوفي آخر سنة اثنين وستين وخمسمائة، وقيل: سنة تسع وخمسين. 394 - علي بن محمد بن هذيل البلنسي أبو الحسن (¬1). قال ابن الأبار: روى عن سليمان بن نجاح المقري واختص به وتحقق، لازمه عشرين سنة وأخذ عنه القراءات وسمع منه جل روايته، وهو أثبت الناس فيه، سمع البخاري من أبي محمد الدكلي ومسلمًا وأبا داود من طارق بن يعيش، والترمذي من ابن سعادة، وأجازه أبو علي بن سكرة. وكان منقطع القرين في الفضل والدين، والورع والزهد والصلاح، مع ثقة وعدالة وتواضع وإعراض عن الدنيا والتقلل منها، صوامًا قوامًا كثير المعروف والصدقة، إذا خرج لضيعته تبعه الطلبة من قارئ وسامع الحديث، وهو منشرح الصدر منطلق الوجه طويل الاحتمال لا يضجر ولا يسأم مع كبره، أسنّ وعمّر. وهو آخر من حدث عن أبي داود بالأندلس سماعًا، انتهت إليه رئاسة الإقراء عامة عمره لعلو روايته وصحتها وإمامته فيه وشهرة عدالته، انتفع الناس به طويلًا ورحلوا إليه. أقرأ وأسمع ببلنسية نيفًا وستين سنة، مولده بعد السبعين وأربعمائة وقيل: عام أحد وسبعين، توفي عن نيف وتسعين في رجب سنة أربع وستين وخمسمائة، وحضر جنازته السلطان وغيره، وتبعه ثناء جميل، وتزاحم الناس على نعشه يتمسحون به، وكان يسأل اللَّه في مرضه موته يوم الجمعة حتى عرف من حاله، ثم قبض يوم الخميس ودفن يوم الجمعة. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 747، وتكملة الصلة 2/ 662.

395 - علي بن صالح بن أبي الليث العبدري أبو الحسن يعرف بابن عز الناس

395 - علي بن صالح بن أبي الليث العبدري أبو الحسن يعرف بابن عز الناس (¬1). قال ابن الأبار: سمع من ابن الصيقل وجال في الأندلس ولقي أبا القاسم بن ورد وابن العرب فأخذ عنهما وسمع منهما، وكان فقيهًا حافظًا متفننًا عالمًا بالأصول والفروع، دقيق النظر جيد الاستنباط فصيح العبارة لسنا، أديبًا يقرض الشعر، صاحب ضبط واتقان يغلب عليه الأصول، واصطنعه ابن غانية لنباهته وشهرة معرفته، ثم انقلب لشرق الأندلس فكان كبير فقهائها ورأس مفتيها ومشاوريها، له تآليف ككتاب العزلة في شرح معاني التحية، درس وحدّث، أخذ عنه ولده محمد وأبو عمر بن عبادة، مولده سنة ثمان وخمسمائة وقتل مظلومًا في رمضان سنة ست وستين وخمسمائة (¬2)، وكان قتله لسعاية عند السلطان محمد بن سعد. 396 - علي بن أحمد بن عبد الرحمن بن يعيش بن ذرية عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري (¬3). قاضي اشبيلية أبو الحسن، سمع أبا الحسن سريجًا وابن العربي وناظر في المدونة عند أبي مروان الباجي، وسمع ابن عتاب وابن رشد وناوله تآليفه، وصاحبه ابن الحاج وأبو الحسن ابن بقي وابن مغيث، وأخذ العربية عن ابن الأخضر وأجازه أبو عمران ابن أبي تليد وغيره. كان من أهل العلم والفهم، فقيهًا مشاورًا محدثًا عدلًا متقدمًا بذاته وشرفه، له تأليف في مناسك الحج حدث به، أخذ عنه أبو بكر ابن أبي زمنين وأبو الخطاب بن واجب. توفي في ربيع الأول سنة سبع وستين وخمسمائة، وكانت جنازته مشهورة وأثنوا عليه جميلًا. مولده بباجة سنة تسعين وأربعمائة. صح من ابن الأبار. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: التكملة لابن الأبار ص 668 طبعة مجريط، الديباج ص 212. (¬2) في تكملة الصلة أنه قتل سنة 567. (¬3) انظر ترجمته في تكملة الصلة 2/ 668، (مجريط).

397 - علي بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الأنصاري، أبو الحسن المتيطى، وبه اشتهر

397 - علي بن عبد اللَّه بن إبراهيم بن محمد بن عبد اللَّه الأنصاري، أبو الحسن المتيطى، وبه اشتهر (¬1). صاحب الوثائق المشهورة، ومتيطة قرية من أحواز الجزيرة الخضراء بالأندلس، لازم بمدينة فاس خاله أبا الحجاج المتيطي وبين يديه تعلم عقد الشروط واستوطن مدينة سبتة ولازم بها مجلس أبي محمد عبد اللَّه ابن القاضي أبي عبد اللَّه بن عيسى للمناظرة والتفقه، ومهر في كتابة الشروط واستقل حتى لم يكن في وقته أقدر منه عليها، وكان له في السجلات الطوال طبع موات لا يواتيه في سواها، وكان طبعه فيها أكثر من فقهه. كتب بسبتة للقاضي أبي موسى عمران بن عمران وبإشبيلية، وناب عنه في الأحكام بإشبيلية وولي قضاء شريش مستقلًا وأصابه عذر لازمه نحو عامين ومات مستهل شعبان سنة سبعين وخمسمائة، هكذا أفادني ترجمته صاحبنا المؤرخ محمد بن يعقوب الأديب، رحمه اللَّه تعالى. 398 - علي بن عبد اللَّه بن خلف بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الملك الأنصاري أبو الحسن، يعرف بابن النعمة (¬2). ولد بالمرية وسكن بلنسية، أخذ عن أبي الحسن بن شفيع وسمع من ابن أبي الحسن بن سرحان، ولازم أبا محمد البطليوسي زمنًا طويلًا، وروى عن أبي بحر، وأدرك بقرطبة أعلامها الجلة فتفقه بابن راشد وابن الحاج وسمع الحديث من أبي محمد بن عتاب وأبي الحسن بن مغيث وأبي القاسم بن بقي وأخيه أبي الحسن وجماعة، وببلنسية من ابن العربي، وبالمرية من أبي علي الصدفي وأجازه جماعة كأبي عمران بن أبي تليد وشريح، وله برنامج حافل. تصدر ببلنسية لإقراء القرآن وإسماع الحديث وتدريس الفقه وتعليم ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 163، وإيضاح المكنون 2/ 693، انظر ذيل تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 1/ 661، وجذوة الاقتباس 2/ 480، معجم المؤلفين 7: 129. (¬2) انظر ترجمته في: تكملة الصلة لابن الأبار 2/ 669، طبقات القراء 1: 554، بغية الملتمس ص 411، شجرة النور الزكية ص 150، وفيات ابن قنفذ ص 285.

399 - علي بن حرزهم

النحو، مثابرًا على الإفادة، راغبًا فيها يعين تلاميذه ويبذل أحواله، عالمًا متفننًا حافظًا للفقه والتفسير والسنن والآثار، متقدمًا في علم اللسان فصيحًا مفوهًا فاضلًا ورعًا معظمًا عند الخاصة والعامة، محببًا إليهم بحسن خلقه ولين جانبه، معروفًا بمعاناة الرواية ومتانة الديانة، كتب بخطه كثيرًا، ولي الشورى ببلنسية مع الصلاة والخطبة دهر طويلًا، انتهت إليه رياسة الإقراء والفتوى، رأس المشاورين بها. له تآليف مفيدة جليلة كَرِيِّ الظمآن في تفسير القرآن عدة أسفار كبار، والإمعان في شرح سنن النسائي أبي عبد الرحمن لم يتقدمه أحد لمثله، بلغ فيه الغاية احتفالًا وإكثارًا، أخذ عنه الناس وانتفعوا به ووصفوه بالجلالة والرسوخ في العلم والدين، وهو خاتمة العلماء بشرق الأندلس، توفي ببلنسية في رمضان سنة سبع وستين وخمسمائة. مولده بعد التسعين وقيل سنة تسعين وأربعمائة. صح من ابن الأبار، وقد ذكره ابن عبد الملك في التكملة وأثنى عليه جدًا. 399 - علي بن حرزهم (¬1). تقدم أول العلويين ولكن هذا موضعه، قال ابن الأبار: منسوب لجده، من أهل فارس، عالمًا فقيهًا متفننًا بالرواية، غلب عليه الزهد والورع والتصوف، دخل الأندلس وأخذ عنه جماعة كأبي الحسن بن خيار. 400 - علي بن الحسن اللواتي الفاسي أبو الحسن (¬2). قال ابن الأبار: روى ببلده عن أبي جعفر بن باقي وأبي الحجاج الضريري وغيرهما، وأخذ بالأندلس عن ابن الأخضر العربية، وعن غيره الحديث، كان فقيهًا حافظًا مشاورًا مفتيًا فارضًا مقدمًا في الشروط عدلًا فاضلًا، أخذ عنه جماعة منهم: أبو عبد اللَّه بن عبد الحق التلمساني. توفي سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. مولده سنة تسع وسبعين وأربعمائة. ¬

_ (¬1) سبق ذكر مظان ترجمته ص 309. (¬2) تكملة الصلة لابن الأبار 2/ 684 طبعة مجريط، انظر أيضًا جذوة الاقتباس 2/ 466.

401 - علي بن يحيى بن القاسم الصنهاجي أبو الحسن

401 - علي بن يحيى بن القاسم الصنهاجي أبو الحسن (¬1). قال ابن الأبار: نزل الجزية الخضراء فنسب إليها، ودرس بها الفقه وعقد الشروط وولي قضاءها، وكان متواضعًا كثير الأوراد صاحب علم وعمل، وله في الشروط مختصر مفيد جدًا سماه المقصد المحمود في تلخيص العقود كثر استعمال الناس له فجودته تدل على معرفته. توفي في ربيع الأول سنة خمس وثمانين وخمسمائة عن نحو ستين سنة. 402 - علي بن سعيد أبو الحسن الرجراجي. صاحب منهاج التحصيل في شرح المدونة، الشيخ الإمام الفقيه الحافظ الفروعي الحاج الفاضل، لخص في شرحه المذكور ما وقع للأئمة من التأويلات واعتمد على كلام القاضي ابن رشد والقاضي عياض وتخريجات أبي الحسن اللخمي، كان ماهرًا في العربية والأصلين، لقي بالمشرق جماعة من أهل العلم منهم الفرموسي الجزولي لقيه على ظهر البحر وتكلم معه في مسائل العربية، وأخذ عنه كثير من أهل المشرق، هكذا نقلت هذه الترجمة من خط أبي العباس الونشريسي. 403 - علي بن محمد بن محمد (¬2). اشبيلي الأصل ولد بفاس وسكن سبتة، أبو الحسن، أخذ عن أبي القاسم بن حبيش وغيره، أقرأ أصول الفقه وألف فيه، وفي الناسخ والمنسوخ وكتاب البيان في تنقيح البرهان وكتاب المدارك في وصل مقطوع حديث مالك وعقيدة أصول الدين وشرحها في أربعة أسفار، حدث عنه عبد العظيم المنذري. توفي في حدود عشر وستمائة. صح من ابن الأبار. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في معجم المؤلفين 7: 261، شجرة النور الزكية 158 ولم نقف له على ترجمة في تكملة الصلة طبعة مجريط. (¬2) انظر ترجمته في بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة, ص 198, 199.

404 - علي بن المفضل بن علي، أبو الحسن المقدسي ثم الاسكندري

404 - علي بن المفضل بن علي، أبو الحسن المقدسي ثم الاسكندري (¬1). الحافظ العلامة شرف الدين المالكي، ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة وتخرج على السلفي، وكان من حفاظ الحديث وأئمة المذهب العارفين به، وله تصانيف، مات بالقاهرة سنة إحدى عشرة وستمائة. صح من تاريخ مصر للسيوطي. 405 - علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى الكتامي الحميدي من أهل فاس (¬2). قرطبي الأصل أبو الحسن، يعرف بابن القطان، سمع أبا عبد اللَّه بن الفخار وأكثر عنه وأبا الحسن بن النقرات، وبقرطبة أبا ذر الخشني وأبا الوليد زكريا بن عمر وأبا عبد اللَّه التجيبي وغيرهم، وكتب إليه أبو جعفر بن مضاء وأبو محمد بن الفرس وابن زرقون وأبو الحسن بن كوثر، كان من أبصر الناس بصناعة الحديت وأحفظهم لرجاله وأشدهم عناية بالرواية مع تفنن ومعرفة ودراية، جمع برنامجًا مفيدًا في شيوخه. رأس طلبة العلم بمراكش ونال دنيا عريضة في خدمة السلطان، ألّف كتاب النزاع (¬3) في القياس وشرح أحكام عبد الحق ومقالات في الأوزان وغيرها. درس وحدث وأخذ عنه وامتحن في فتنة حدثت بالمغرب أول سنة إحدى وعشرين وستمائة فخرج من مراكش وعاد إليها واضطرب أمره إلى أن توفي بسجلماسة، وهو قاضيها بالبطن في ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وستمائة. صح من ابن الأبار. قلت: وهو مالكي المذهب، صرح به سيدي محمد الحطاب في شرح خليل، وله كتاب النظر في أحكام النظر. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في هدية العارفين ص 704، وتذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 178، والسيوطي: حسن المحاضرة 1/ 200، وابن العماد: شذرات الذهب 5/ 47. (¬2) انظر ترجمته في: تكملة الصلة 2/ 686 طبعة مجريط، تذكرة الحفاظ 4/ 102، كشف الظنون 262. (¬3) في النسخة المطبوعة: النزع.

406 - علي بن أحمد بن الحسن بن إبراهيم التجيبي، المعروف بالحرالي

406 - علي بن أحمد بن الحسن بن إبراهيم التجيبي، المعروف بالحرالي (¬1). قال ابن الأبار: أندلسي الأصل ولد بمراكش ونشأ بها، أخذ عن ابن خروف وأبي الحجاج بن نموي وغيرهما، رحل وحج ولقي جماعة من العلماء وناظر معهم فبرع وجال في البلاد وشارك في فنون ومال إلى النظريات وعلم الكلام وأخذ عنه، وتوجه ثانية للشرق، وتوفي فجأة في الشام سنة سبع وثلاثين وستمائة- اهـ. قال غيره: الشيخ الفقيه الإمام المطلق الزاهد الورع، بقية السلف وقدوة الخلف أبو الحسن كان بدء أمره بمراكش ثم تخلى عن الدنيا ورحل للشرق ولقي جلة العلماء شرقًا وغربًا، فمن أهل الغرب ابن خروف وأبو الحجاج بن نموي وأبو عبد اللَّه القرطبي وإمام الحرم الشريف وغيرهم. قال أبو العباس الغبريني في عنوانه: تعلمنا عليه الفاتحة في نحو ستة أشهر يلقي في التعليم قوانين تتنزل في علم التفسير منزلة أصول الفقه من الأحكام، حتى من اللَّه تعالى ببركات ومواهب لا يحصى، وعلى أحكام تلك القوانين ألف كتابه مفتاح اللب (¬2) المقفل على فهم القرآن المنزل، وهو ممن جمع العلم والعمل. كان أعلم الناس بالأصلين والمنطق والطبيعيات والإلهيات، صنف فيها تآليف، أخبرنا الفقيه أبو محمد بن عبد الحق قال: كنا نقرأ عليه "النجاة" لابن سينا فينقضه عروة نقضًا نقضًا (¬3)، وأعلم الناس بالفقه معقوله ومنقوله، أخبرنا شيخنا عبد العزيز بن مخلوف قال: لما ظهر له في اعتقاد فقهاء وقته قصور باعه في مذهب مالك لاستغراقه في فنون العلم أقرأ التهذيب فبين في كثير من مواضعه مخالفته لأصل المدونة ومغايرته لها فيأمر بالأصل فيساق فيبين المخالفة ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: تكملة الصلة 2/ 687، عنوان الدراية ص 143 طبعة نويهض نفح الطيب 7/ 167. (¬2) كذا أيضًا في نفح الطيب وفي عنوان الدراية: مفتاح الباب المقفل. (¬3) في عنوان الدراية: فكان ينقض عراه نقضًا.

بينهما، وأما علم التفسير فكان يورده ويناسقه نسقًا بديعًا. وله تفسير سلك فيه سبيل التحرير، تكلم عليه لفظة لفظة، ووقع الكلام بينه وبين الشيخ عز الدين بن عبد السلام إمام مصر في زمنه على التفسير طلب أن يقف على شيء منه فلما وقف عليه قال أين قول مجاهد؟ أين قول ابن عباس؟ أين قول قتادة؟ وكثر القول في مثل هذا ثم قال: يخرج من بلادنا، فلما بلغ كلامه الشيخ قال هو يخرج ويقيم عبد اللَّه فكان كذلك، وله تقدم في علم الحديث وعلو سند، وله تقدم في العربية نحوًا ولغة وأدبًا، له فيه التآليف الحسنة والشعر الرائق، وفي علم الفرائض ما لم يسبق إليه. وأما علم التصوف فهو الإمام فيه ولعمري ما رأيت مثل كتابه الوافي في الفرائض، وكان أحسن الناس خلقًا، قال: أقمت في مجاهدة النفس سبعة أعوام حتى استوى عندي من يعطيني دينارًا أو يزدريني، وكان زهده حقيقًا ظاهرًا وباطنًا، أصبح ذات يوم لا شيء لأهله، وكانت جاريته أم ولده تسمى كريمة سيئة فاشتدّت عليه في الطلب وأن الأصاغر لا شيء لهم قال لها: الآن يأتي من قبل الوكيل ما نتقوت به فبينما هما كذلك إذ الحمال يضرب الباب بشكارة قمح فقال لها يا كريمة ما أعجلك أهذا الوكيل بعث بالقمح فقالت: ومن يصنع؟ فأمر فتصدق به وقال لها: يأتيك ما هو أحسن منه فانتظرت يسيرًا وبدالها فتكلمت بما لا يليق، فبينما هم كذلك فإذا بحمال شكارة سميد فقال لها: هذا سميد أيسر وأسهل من القمح فلم يقنعها ذلك فأمر بصدقته أيضًا، فلما تصدقت به زادت في المقال، وإذا برجل على رأسه كاملي (¬1) فقال لها: يا كريمة قد كفيت المؤنة علم الوكيل بحالك. ومن كراماته أيضًا أن بعض طلبته اجتمعوا في نزهة وأخذوا حليًا من زينة النساء فزينوا به بعضهم ثم جاءوا بعد لمجلس الشيخ، فتكلم الذي في يده الحلى وأشار بيده، فقال الشيخ: يد يجعل فيها الحلى لا يشار بها في الميعاد. ¬

_ (¬1) في نفح الطيب: وإذا برجل على رأسه طعام.

ومنها أنه أصاب الناس جفوف ببجاية فأرسل إلى داره يسوق ماء للفقراء فامتنعت كريمة وانتهرت رسوله فسمع كلامها فقال للرسول قل لها يا كريمة واللَّه لأشربن من ماء المطر الساعة، فرمق السماء بطرفه ودعا ورفع يده به وشرع المؤذن في الأذان، فما ختم أذانه حتى أمطرت كأفواه القرب. توفي بحماة من الشام سنة سبع وثلاثين -اهـ- كلام الغبريني. ويذكر أن بعض تلاميذه كان مولعًا بالخمر فاعتكف عليها ليلة وسقطت على وجهه زجاجة فأثرت فيه، فلما أصبح جاء إلى الشيخ وفي وجهه أثرها فأنشد مكاشفًا: لا تسفكنَّ دَمَ الزُّجاجةِ بَعْدَها ... إِنَّ الجُرُوحَ كَمَا عَلِمْتَ قِصَاصُ فحشم الطالب وتاب. قال الذهبي: أبو الحسن الحرالي أندلسي ولد بمراكش، وحرلة قرية من أعمال مرسية، له تفسير فيه أشياء عجيبة لم أتحقق ما تنطوي عليه العقيدة، غير أنه تكلم في وقت خروج الدجال وطلوع الشمس من مغربها ويأجوج ومأجوج، ورأيت شيخنا المجد التنسي يتغالى في تفسيره ورأيت غير واحد معظمًا له، وتكلم جماعة في عقيدته، كان من أعلم الناس. وقال لنا شرف الدين البارزي: تزوج بحماة وكانت زوجته تؤذيه وتشتمه وهو يبتسم ويدعو لها، وأن رجلًا راهن جماعة على أن يحرجه فقالوا لا تقدر فأتاه وهو يعظ وصاح قائلًا له: كان أبوك يهوديًا فأسلم، فنزل من الكرسي فظن الرجل أنه غضب وأنه تم له ما رامه فوصل إليه فخلع قرظيه عليه فأعطاها له وقال: بشرك اللَّه بالخير لأنك شهدت لأبي بالإسلام- اهـ. قال بعضهم: ما نقله الذهبي في عقيدته عن بعضهم لا يسلم له لأن الغبريني أعلم به لأن أهل كل قطر أعلم ببعضهم، والموجود من تفسيره من أوله إلى قوله تعالى في آل عمران: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ} وهو تفسير حسن، وعليه نسج البقاعي مناسباته، وذكر أن هذا القدر هو الذي وقف عليه منه- اهـ.

407 - علي الزيات

407 - علي الزيات (¬1). الشيخ الفقيه الصالح الأصيل الفاضل المتعبد أبو الحسن، حافظ الذهب محصل له متقن مجيد، قرأ بالأندلس واستوطن بجاية وأقرأ بها وانتفع الناس بعلمه ودينه، ثم رحل لحاضرة افريقيا وكان يقرأ عليه كتب المذهب كالتهذيب والرسالة والجلاب والتلقين وغيرها إلى أن توفي بها، يأكل من كد يمينه معرضًا عن خطط الفقهاء، ولو أرادها ما تعذرت عليه -اهـ- من عنوان الدراية. قلت: وهو من شيوخ العارف باللَّه ابن أبي جمرة. 408 - علي بن أبي نصر، فاتح بن عبد اللَّه البجائي (¬2). قال ابن الأبار: كان أبوه روميًا أسلم، وكان ذا وجاهة يكنى أبا الحسن، دخل الأندلس وسمع بمكة يونس بن يحيى الهاشمي وبالقدس أبا (¬3) الحسين بن جبير، وبدمشق الدمياطي، وبالاسكندرية الأبياري، وعاد إلى بجاية فأقرأ وأسمع، وكان متقنًا ضابطًا أمينة ثقة عدلًا صدرًا في الزهد والورع والانقباض توفي بها آخر جمادى الأخيرة سنة ست وستين وخمسمائة- اهـ. 409 - علي بن عبد اللَّه النميري أبو الحسن الشهير بالششتري (¬4). قال الشيخ زروق: هو الشيخ العارف أحد الصوفية من أبناء الملوك ثم صار من سادات الصوفية، كان يقرأ عليه القرآن والسنن، عارف بالحديث، وأما علم الأسرار والأنوار والحكم والأذواق فحاز فيه قصب السبق، وكتبه دائرة على تحقيق العلم، ونسبته لششتري قرية من الأندلس، بمعجمتين فمثناه ¬

_ (¬1) انظر عنوان الدراية ص 197 طبعة نويهض. (¬2) انظر ترجمته في: تكملة الصلة ص 687، وله ترجمة طويلة في عنوان الدراية ص 137 - 142 طبعة نويهض. (¬3) في التكملة: أبا الحسن بن جبير. (¬4) انظر ترجمته في: نفح الطيب 2/ 384، لسان الميزان 4: 240، مقدمة ديوانه، شجرة النور الزكية ص 196، جامع الكرامات ص 63. انظر عنوان الدراية ص 239 والإحاطة 4/ 205.

فوقية فراء، دخل بجاية وأقام بها، وشيخه ابن سبعين، وهما ممن تكلم فيه، توفي بالطينة من عمالة القدس. قال له أصحابه: من الفقير؟ قال الذي يمشي بعد موته ثمانية عشر ميلًا، وذلك يوم الثلاثاء سابع صفر سنة ثمان وستين وستمائة، وقد استحسن مقطعاته جماعة من أهل الفضل كابن عباد وغيره، ووجد بالخاصية أنها محفوظة من الفسقة أن يذكروها في فسقهم، ومن ذكرها كذلك أصابه بلاء يدفع فيه إلى قطع رقبته، وهي محتوية على ثلاثة معان تغزل وهو أقل ما فيها، وسلوك وهو مستوفى في بعضها، وفناء وأحكامه. وقد نسج الناس على منواله كثيرًا فما أبرقوا ولا أرعدوا ولا قاموا ولا قعدوا إلا من قل وندر لأنهم إن أصابوا علمًا أخطأوا حالًا وبالعكس، وقد نسب إليه كثير مما ليس له، وجملة ما يوجد في المنسوب إليه نحو سبعين مقطعة- اهـ. وقال الغبريني في عنوانه: هو الفقيه الصوفي عالم بالحكمة وطريق الصوفية متقدم في علم النظم والنثر، أكثر الشيوخ يرجحونه على شيخه ابن سبعين، ولما وصل ساحل الشام قال: ما اسم هذه البلدة قيل له: الطينة قال لهم: حنت الطينة إلى الطينة فتوفي بها. ومن كراماته أن رجلًا من أصحابه أُسِر فسمعه الفقراء يقول: إلينا يا أحمد فقيل من أين أحمد الذي ناديته يا سيدي في هذه البرية فقال من تسرون به غدًا إن شاء اللَّه، ففي الغد ورد هو وأصحابه بلاد فاس (¬1) فإذا بالرجل المأسور فقال لهم هنيئًا لنا باقتحام العقبة صافحوا أخاكم المنادى. توفي سابع عشر صفر سنة ثمان وستين وستمائة- اهـ. قلت: وهو ممن اختلف فيه كشيخه ابن سبعين من التكفير إلى القطبانية عرّف به ابن الخطيب في الإحاطة ونسبه أبو حيان في نهره إلى القول بالحلول، ¬

_ (¬1) في عنوان الدراية: "قابس" وكذا في الإحاطة.

410 - علي بن عبد الله المتيوي

قال الشيخ زروق: رمى جماعة بالقول بالحلول والظهر مع أنه كفر كالحلاج والشردي وابن أحلى وابن قسي وابن ذو سكين والعفيف التلمساني والعجمي الأيكي والأقطع والششتري وابن عربي وابن الفارض وابن سبعين وآخرين، ذكرهم بذلك أبو حيان، والظن بهم البراءة مما رموا به، ولكن ضاقت عليهم العبارة عن حقائق تصريح العلم فأدت بظاهر ما يتوهم أنهم براء منه، هذا معتقدنا فيهم وعند اللَّه تعالى الموعد- اهـ. وممن بالغ في الحطِّ عليهم وكفرهم الشيخ برهان الدين البقاعي في تأليف له في ابن الفارض، وعند اللَّه يجتمع الخصوم. 410 - علي بن عبد اللَّه المتيوي (¬1). الفقيه الحافظ المدرس الصالح الورع أبو الحسن، كان من حوز سبتة ونزل بها ودرس بها، كان من حفاظ فروع المذهب، يحكى عنه أنه عرض المدونة يومًا واحدًا عن ظهر قلب، ثم صار بعد يجعل الكتاب تحت ركبتيه ويلقي من حفظه، شرح الرسالة شرحًا نقل فيه أقوال الأئمة الذين تدور عليهم الفتوى في المذهب ولم يتعرض لألفاظها، انتهى فيه لأحكام الدماء فمات. ومن ورعه أنه أعاد الصلاة ثلاثين سنة من عمره قال: شغلنا إذ ذاك بالمسائل وعمارة الفكر بها في الصلاة وقت الشباب، توفي في ذي الحجة عام تسع وستين وستمائة. ذكره ابن خمسين في الأعلام. صح من الكوكب الوقاد فيمن دفن بسبتة من العلماء والزهاد. 411 - علي بن وهب بن دقيق العيد (¬2). العلامة مجد الدين والد تقي الدين نزيل قوص، كان جامعًا لفنون العلم موصوفًا بالصلاح والتأله معظمًا في النفوس، روى عن علي بن الفضل (¬3) وغيره، ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: معجم المؤلفين 7: 139، فهرس الفهارس 3: 132، 133. (¬2) انظر ترجمته في: شذرات الذهب 5/ 324. (¬3) في الشذرات: روى عن أبي المفضل.

412 - علي بن محمد بن منصور بن أبي القاسم بن المختار بن أبي بكر بن علي الجذامي الاسكندري أبو الحسن الشيخ زين الدين بن المنير شارح البخاري أخو ناصر الدين

مات في المحرم سنة سبع وستين وستمائة. 412 - علي بن محمد بن منصور بن أبي القاسم بن المختار بن أبي بكر بن علي الجذامي الاسكندري أبو الحسن الشيخ زين الدين بن المنير شارح البخاري أخو ناصر الدين (¬1). ذكره في الأصل وقصر فيه جدًا، وقال العبدري في رحلته: شيخنا الفاضل الفقيه العامل الكامل الرئيس الأوحد القاضي الجليل العدل، شرف الفقهاء والمفتيين واسطة قلادة المدرسين، صدر البلغاء ورأس الكتاب والناظمين وحيد العلماء وفخر المصنفين، ذو المآثر السنية والمفاخر زين الدين ابن المنير، بحر علم تفيض أمواجه، وغيث سماح لا يغيض لجاجه، متصرف في العلم وفنونه ومتحقق بتمييز أبكاره وعوانه، متسلط بثاقب ذهنه على استنباط عيونه. وما رأيت من اجتمع له من حسن الحفظ وجودة اللفظ وذكاء الفهم ما اجتمع له ولا رئيسًا يجعل العلم قيد همته كما جعله، استظهر في صغره دواوين العلم ولم يتغير حفظه لها في كبره، مع ما منح من حسن الخلق وجميل العشرة وكمال الإنصاف، إلى طلاقة الوجه واليد واللسان. وله اقتدار حسن على التأليف ومكنة في إجادته، شرح البخاري شرحًا مؤسس المباني محقق المعاني حسن العبارة، إن تم كان مفتاحًا يعوّل عليه في حل المشكلات ومصباحًا في إزاحة ظلام الشكوك، ولما وقف الشيخ الصالح رئيس العلم بمكة المحب الطبري عليه استحسنه وقرظه، وكذا العلم العراقي، وكان أخوه ناصر الدين تكلم على أربعمائة ترجمة مشكلة فحل اشكالها في تأليف، وسمعت شيخنا هذا يذكر تأليف أخيه ثم قال: لا يعدم فيما تخلص من تأليفنا هذا أربعة آلاف ترجمة كلها مشكل- اهـ. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: معجم المؤلفين 7: 234، هدية العارفين 1: 714، المشتبه ص 617، شجرة النور الزكية ص 188، برنامج الوادي آشي ص 158، وانظر رحلة العبدري ص 100 وحسن المحاضرة 1/ 317.

413 - علي بن مخلوف بن ناهض النويري

وهو ممن يسر بمعرفته ويطنب في صفته، على أنه قد ترجم على كماله عدم اضرابه في القطر واشكاله -اهـ- ملخصًا. قال في الديباج: لم أقف على وفاته- اهـ. قلت: وقد ذكرها أبو القاسم التجيبي في رحلته فقال: صلينا بالاسكندرية بعد صلاة الجمعة ثالث عشر ذي الحجة سنة خمس وتسعين وستمائة على جماعة منهم الشيخ الفقيه الفاضل زين الدين ابن الإمام الفاضل وجيه الدين أبي المعالي محمد بن منصور بن المنير الاسكندري أخو ناصر الدين، كان أحد الفضلاء المدرسين بهذا الثغر الموصوفين بالحفظ والاتقان، ألف وصنف وأفاد- اهـ. 413 - علي بن مخلوف بن ناهض النويري (¬1). ولد سنة أربع وثلاثين وستمائة، واتصل بالملك المنصور قلاوون فصيره وصيًا على ولده محمد وعرض عليه الوزارة فامتنع، وولي القضاء سنة خمس وثمانين ثم ولي نظر الخزانة واستقر بعد موت تقي الدين بن شاس فباشر نحو من ثلاثين سنة، لكنه عزل، وفي طول هذه المدة كان يقول للناصر أنا وصي عليك فيقول: بل على إخوتي فيقول بل وعليك فيغضب ويعزله ويسرع بإعادته ولا يرجع عن دعواه. وأقام في قضية فتح الدين بن التقي حتى أثبت زندقته فضرب عنقه وهو يصيح أتقتلون رجلًا أن يقول ربي اللَّه -اهـ- من الدرر الكامنة. قال السيوطي: قاضي القضاة زين الدين ولي قضاء الديار المصرية ثلاثًا وثلاثين سنة، وكان مشكور السيرة، مات سنة ثمان عشرة وسبعمائة. 414 - علي بن عبد الرحمن بن تميم اليفرني، شهر بالطنجي (¬2). الفقيه الحافظ الفرضي الحسابي، له تقييد على المدونة، أخذ عن أبي ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شذرات الذهب 6: 49، والدرر الكامنة 3/ 127. (¬2) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 218، ودرة الحجال 3/ 245، ولقط الفرائد 188.

415 - علي بن يونس بن عبد الله الهواري التونسي نور العين أبو الحسن

الحسن الزرويلي، وأخذ عنه الحافظ السطي، وتوفي سنة أربع وثلاثين وسبعمائة. 415 - علي بن يونس بن عبد اللَّه الهواري التونسي نور العين أبو الحسن (¬1). قال خالد البلوي في رحلته: من العلماء المتبحرين شيخًا عالمًا مصنفًا حل كنف العلم والعلا وجلّ قدره في الجلة الفضلاء، قطع الليالي ساهرًا فارتوى من المعارف فأثمر وأورق وغرب وشرق وجمع وفرق، وفي فنون العلم استغرق فأدرك غاية المجد وجمع أشتات الفضائل، ورفع ألوية الفواضل، فلا نرى أزين من لقائه ولا أحسن من إلقائه، ولا أحلى من محادثته ولا أجلى من مناقشته، لقي أكابر الشيوخ، لقيته بالاسكندرية فسمعت منه جملة من تخميس ابن مهيب لعشرينيات الفازازي (¬2)، وحدثني بها سماعًا عن أبي العباس الابلي (¬3) عن ناظمه ابن مهيب، شرح ابن الحاجب الأصلي وتنقيح القرافي -ولد في ذي الحجة عام ثمانية وستين وستمائة -اهـ- ملخصًا. 416 - علي بن محمد بن أبي القاسم، جنة اللَّه الأنصاري الخزرجي أبو الحسن نجم الدين بن زين الدين أبي عبد اللَّه بن جمال الدين أبي القاسم الاسكندري (¬4). قال خالد البلوي: الشيخ العلامة كان عالمًا بالأحكام والشروع، مفتي الأمة في الخطب المروع، إمامًا في الحديث والنحو والفروع، فهو النجم في أوجه والبحر متدفقًا لموجه، له عقل راجح وعلم واضح ونور لائح، صالح للخيرات ابضاعه (¬5) وخبه، وبالصالحات غرامه وحبه، ولي قضاء بلده وحسن سيرته وإمضائه في حالتي سطوته وإغضائه، ثم تركه متطبعًا وطبعًا, واشتغل ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: رحلة البلوي 1/ 208، ومعجم المؤلفين 7: 266، وفي رحلة البلوي: نور الدين لا نور العين. (¬2) في الرحلة: الفزاري. (¬3) في الرحلة: النيلي. وفي بعض نسخ الرحلة كما يقول محققها: النبلي. (¬4) انظر ترجمته في: رحلة البلوي 2/ 36 وفيها: هبة اللَّه لا جنة اللَّه. (¬5) في رحلة البلوي: إيضاحه.

417 - علي المنتصر أبو الحسن التونسي صالحها

بربه قلبًا وذهنًا لي بصرًا وسمعًا، وأقبل على العبادة والإفادة بإخلاص ويقين، رحل وحج عدة مرار لا ينفك عنه يومه إلا وهو ذاكر ولا ليله إلا وهو راكع، ورزق أولادًا حملة علم وفضل وحلم بلغوا من بره فوق مراده وعكفوا على تقبيل رجله فضلًا عن يده، وعلامة الصالح نجابة ولده وعمرت بفؤاده المدارس فعظم الانتفاع بها في المجالس، أخذ عن قاضي القضاة الزين أبي القاسم ابن الحسن بن رشيق والتاج العراقي الشريف وغيره. مولده في جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وستمائة -اهـ- ملخصًا. 417 - علي المنتصر أبو الحسن التونسي صالحها (¬1). قال خالد البلوي: كان من الأولياء والأفراد والعلماء الزهاد الشيخ العالم الولي- اهـ. وقال غيره: كان صالحًا زاهدًا صوفيًا مبرزًا، له كرامات، توفي ليلة الخميس خامس جمادى الأولى سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وهو أحد الرجلين اللذين قال ابن عرفة: لم أدرك في زماني مبرزًا إلا هما، والآخر أحمد بن عاشر، نفعنا اللَّه بهم. 418 - علي بن محمد بن سليمان بن حسن بن الجياب الأنصاري الغرناطي (¬2). ذكره في الأصل وقال: أبو عبد اللَّه الحضرمي في فهرسته: شيخنا الشيخ الفقيه الجليل شيخ المكتبة ورئيسها وكبير الطبقة وعالمها العالم المتفنن الأوحد الفاضل الأديب البليغ الشهير الصالح الخاشع النبيه المبارك، أخذت عنه جملة من تأليفه وسمعت عليه كثيرًا في فنون وأنشدني لنفسه: أَرَىَ الدَّهْرَ في أَلوانِهِ متقلبًا ... فإيَّاك لا تأمنه يومًا فَتُخْدَعَا (¬3) فما هُوَ إلا مثلُ ما قالَ قائلٌ ... (مِكَرٍّ مفرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا) ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 209. (¬2) ترجمته في: نثير الجمان ص 125، ونثير الفرائد ص 239، والكتيبة الكامنة ص 183، والديباج ص 207، ودرة الحجال 3: 234، والنفح 5: 434، وبغية الوعاة 2/ 189. (¬3) انظر ألف سنة من الوفيات ص 208، ودرة الحجال 3/ 247.

419 - علي بن عبد الحميد السخاوي

توفي -قدس اللَّه روحه- ثالث عشر شوال سنة تسع وأربعين، وحضر جنازته السلطان فمن بعده، وولد يوم السبت ثالث جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وستمائة- اهـ. 419 - علي بن عبد الحميد السخاوي (¬1). كان فقيهًا عارفًا بمذهبه، اعترف له أهل عصره بالتقدم في ذلك ووصفوه بأنه أحفظ أهل زمانه لمذهب مالك مع الدين المتين والأمانة والصيانة، حج مرات وقدم إلى دمشق ثم إلى مصر، فتولى القضاء عوضًا عن التاج الأخنائي فباشر مباشرة حسنة نيفًا وسبعين يومًا مع ضعفه في أكثرها، ثم مات في جمادى الأولى سنة ست وخمسين وسبعمائة، فلما مات أعيد تاج الدين، قال ابن حبيب: كان رأسًا في مذهب مالك، وقال العراقي: كان شيخ المالكية وفقيههم بديار مصر والشام. 420 - علي بن عبد الصمد الجلاوي أبو الحسن (¬2). قال الشهاب بن الهائم الفرضي في شرح ألفيته في الفرائض: شيخنا الإمام أبو الحسن الجلاوي، بكسر الجيم، نسبة لجلاوة قبيلة: كان إمامًا للعلوم جامعًا وفي فنونها بارعًا، مقدمًا فيها على أقرانه منفردًا بالفرائض في زمانه، لا يشق له غبار في صناعة الغبار ولا يجري معه غيره في مضمار، وكأنه الإمام في علم الكلام، كان شيخًا مباركًا ولطريق السلف سالكًا ولأرباب الدنيا تاركًا، وللفقراء في خشن العيش مشاركًا، يرغب في الخمول ولا يحب الفضول، لا يكاد يعرفه من لا يسائله، ولا يعلم رتبته من لا يبادله، بلغ في السخاء وحسن الخلق رتبة معروفة وأوقاته كلها في الخير مصروفة، إما في نظر وفكر وإما في تلاوة وذكر وإما في استفادة أو إفادة أو في طاعة وعبادة، طباعه على الخير مجبولة وفكرته بالعلوم مشغولة، دربًا في التعليم والتحصيل، متمكنًا ¬

_ (¬1) في نفح الطيب: أرى الدهر في أطواره متقلبًا ... فلا تأمننّ الدهر يومًا فتُخدعا (¬2) انظر ترجمته في شذرات الذهب 6: 276.

421 - علي بن محمد بن منصور الغماري، أبو الحسن عرف بالأشعب

في التصوير والتمثيل، حريصًا على التقريب والتسهيل، مجتهدًا في تقرئة الطالب والتكميل، شديد العناية بكتب المتقدمين يرغب فيها الطلبة والمشتغلين، ويرى أن تعليم الطلبة أهم من التصنيف، وكان ينهى الطالب عن الاعتناء بالمناقشة في الحدود والتزييف. ومناقبه كثيرة لا تحصى ولا تكاد تستقصى، توفي يوم الأربعاء ثالث وعشرين من ذي الحجة سنة اثنين وثمانين وسبعمائة بمنزله بمصر بقرب جامع عمرو بن العاص ودفن بالقرافة- اهـ. ثم قال ابن الهائم: وفرائض الحوفي الكبىى كتاب نفيس ليس للمالكية في الفن أنفس منه، فيما أعلم، قرأته أجمع على أستاذي أبي الحسن الجلاوي المالكي- اهـ. 421 - علي بن محمد بن منصور الغماري، أبو الحسن عرف بالأشعب (¬1). قال تلميذه الإمام ابن مرزوق الحفيد في حقه: شيخنا العلامة توفي بفاس وقد أرسل إليها من تلمسان عام أحد وتسعين وسبعمائة- اهـ. وقال المنتوري في فهرسته: شيخنا الأستاذ الحج الراوية نور الدين أبو الحسن، توفي بفاس يوم الجمعة خامس رمضان عام أحد وتسعين- اهـ. وممن أخذ عنه بالأندلس القاضي أبو بكر بن عاصم والشيخ أبو جعفر البقني الجد شارح البردة وغيره. 422 - علي بن عبد اللَّه بن محمد بن محمد بن الحسن الجذامي المالقي النباهي الشهير بابن الحسن (¬2). قاضي الجماعة بغرناطة الفقيه العالم العلامة، من أكابر المشهورين بها ذوي الفصاحة والبلاغة والجلالة والاتصاف بالعلم والتفنن في العلوم منقولها ومعقولها، ذكره ابن الخطيب في الإحاطة، وذكر ولادته عام ثلاثة عشر ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 238. (¬2) انظر ترجمته في: مقدمة المرقبة العليا، والكتيبة الكامنة ص 146، وأزهار الرياض 1: 211، ونفح الطيب 5: 122، ونثير الجمان ص 170.

423 - علي بن محمد بن محمد بن وفا القرشي أبا الأنصاري، الشاذلي

وسبعمائة، هكذا في حفظي عنه. وقال ابن الخطيب في ترجمة السلطان محمد ابن الأحمر: وقدم للقضاء الفقيه الحسيب أبو الحسن بن الحسن وهو عين الأعيان بمالقة مخصوص برسم التجلة والقيام بالعقد والحل، يسدّد ويقارب، وحمل الكل وأحسن فصاحة الخطبة والخطة مع نزاهة، ولم يقف في حسن التأني على غاية وبرز تسميًا وحفظًا، فاتفق على رجاحته- اهـ. وقال أبو زكرياء السراج في فهرسته: الشيخ الفقيه الراوية قاضي الجماعة بالأندلس وخطيبها أبو الحسن، أخذ عن أبي محمد عبد اللَّه بن أحمد التجيبي الموطأ والشفاء وأكثر الصحيحين، وعن الخطيب الطنجالي والقاضي العارف أبي القاسم بن سعيد الحميري والوزير أبي بكر بن الحكيم والقاضي أبي جعفر ابن عبد الحق وأبي القاسم الهنا، وقرأ على الفقيه الحاج أبي القاسم بن أحمد بن عمران الحضرمي بعض مختصر ابن الحاجب ومختصر الجلاب، والحاج أبي عبد اللَّه محمد بن علي الكوني الخطيب الساحلي وأبي الحجاج المتشافري. قدم رسولًا بفاس عام سبعة وستين ثم عام ثمانية وثمانين -اهـ- ملخصًا. وله المرقاة (¬1) العليا في مسائل القضاء والفتيا في جزأين وبحث في مسألة الدعاء بعد الصلاة رام فيه الرد على الإمام أبي إسحاق الشاطبي، كان حيًا عام اثنين وتسعين، ولم أقف على وفاته، ولابن الخطيب فيه هجو في كتاب أعلام الأعلام بويع من ملوك الإسلام قبل الاحتلام. 423 - علي بن محمد بن محمد بن وفا القرشي أبا الأنصاري، الشاذلي (¬2). العارف الكبير أبو الحسن القطب ابن العارف الكبير ابن العارف الكبير، قال السيوطي: ولد بالقاهرة سنة تسع وخمسين وسبعمائة، وكان يقظًا، حاد الذهن مالكي المذهب، له نظم كثير وكان أبوه معجبًا به، وأذن له في ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، والمعروف أن اسم الكتاب هو: المرقبة العليا. (¬2) ترجمته في الضوء اللامع 6: 21، والشذرات 7: 70، ووفيات ابن قنفذ ص 323، ومعجم المؤلفين 7: 231.

الكلام على الناس وهو دون العشرين، مات سنة سبع وثمانمائة- اهـ. قال أبو الطيب بن علوان: هو سيدنا وجه الطبقة ونقطة الدائرة على الاطلاق لجميع الأنام قطب الوجود ونقطة أهل الشهود أبو الحسن ابن سيدنا الإمام القطب أبي عبد اللَّه بن قطب زمانه وأستاذ عصره وأقرانه أبي القاسم محمد الأنصاري أمهات القرشي آباء، حضرت مشاهده كثيرًا وسمعت منه كثيرًا، وحكمه أكثر من أن نأتي عليها. وسمعت من حكمه قوله: العادة ما فيه حظ للنفوس والعبادة ما كان محضًا للملك القدوس فرب قيام وصيام عادة، ورب طعام ومنام عبادة كونوا أرباب العبادات ولا تكونوا عبيد العادات، فمن ملكته عاداته فسدت عليه عباداته، وقال: الإنكار مانع كنز الأنوار، وقال: من شهد نور الحق ولم يخدمه استخدمته نفسه لمن لم يرحمه، ومن دعائه "رب إني مغلوب فانتصر، واجبر قلبي المنكسر، واجمع شملي المنتشر، إنك أنت الرحمن المقتدر، اكفني يا كافي فأنا العبد المفتقر". وأما نظمه ونظم والده البديع فكثير، ربما جمعت منه مجلدًا على حروف أبجد من سائر ضروب الشعر، فمن نظمه سنة ثمانمائة بعد ذكره حكاية تلخيصها رؤيته للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو ابن خمس سنين في المكتب فأقرأه سورة والضحى حتى حفظها من فيه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: وعليه قميص قطن يبلغ كمه رسغه قال: فلما كمل سني خمسة وعشرين صليت يومًا الصبح فرأيته -صلوات اللَّه عليه- ولست إذ ذاك بنائم وعليه ذلك القميص فنزعه وألبسنيه ثم ضمني لصدره الشريف قائلًا "وأما بنعمة ربك فحدث"، فقال ارتجالًا: دَع الحسادَ هَلْكَى في المُحَالِ ... فقد وجبتْ لَكَ الرتبُ العَوَالي تنعَّمْ أنتَ في دَعَةٍ وكَشْفٍ ... وذَرْهُمْ في التَخَالفِ (¬1) والجدالِ إذا أَصبحتَ للرَّحمن فأمنْ ... بعونِ (¬2) اللَّه من خوفِ الزَّوالِ فمثلُكَ لا يخفُّ لمُسْتَفِزٍّ ... ولو نالتْ هواه بالجوالي (¬3) وعرشُ الحيِّ لا يهتزُّ إلا ... لمن مقدارُه في الحبِّ عَالي ¬

_ (¬1) م، هـ، د: التجالد. (¬2) في (ج) ص /131/: بعين. (¬3) د، أ = الجدال، وفي هذه الرواية تتكرر القافية قبل سبعة أبيات وهو غير محمود.

424 - علي بن يوسف القاضي نور الدين الزبيدي المصري

تَوَجَّهْ للحبيبِ بلا التفاتٍ ... وخلِّ الغيرَ في شغلِ الخيالِ في قصيدة تنيف عن أربعين بيتًا. ولد ليلة الأحد حادي والعشرين من المحرم عام أحد وستين، توفي ليلة الخميس عشرين من ذي الحجة عام سبعة وثمانمائة، وكان أخوه أحمد عظيم الشأن نقطة دائرة العرفان، ولد عام ستة وخمسين وسبعمائة، وتوفي في العشرين من شوال عام اثني عشر وثمانمائة -اهـ- كلام أبي الطيب ملخصًا. قلت: وبيتهم بمصر، على ما قيل، بيت كبير ظهر فيه جماعة من الأولياء والصالحين بعد هذين الأخوين، وآخرهم سيدي إبراهيم، وفيهم إلى الآن بقية بمصر. 424 - علي بن يوسف القاضي نور الدين الزبيدي المصري (¬1). قال السخاوي: اشتغل بالفقه وبرع في زمانه وصار يتعاطى غرائب المنقولات، واشتدت مع ذلك مخالفته لأهل مذهبه مع المعرفة بالأحكام، وناب في القضاء مدة ثم استقل به في المحرم سنة ثلاث وثمانمائة بعد صرف ابن خلدون، مع قصر مدته دون ستة أشهر، عارض الصدر المناوي في واقعة فغضب منه وأفحش في خطابه فتأثر ولم يستطع أن يجيبه، فحصل له (¬2) ومن سافر مع العسكر إلى قتال اللغك فمات قبل أن يصل- اهـ. 425 - علي بن عثمان المنجلاتي الزواوي البجائي (¬3). من علمائها وفقهائها الجلة، أخذ عن الشيخ عبد الرحمن الوغليسي وغيره، وهو والد العلامة أبي منصور مفتي بجاية الآتي في حرف الميم، قال الشيخ عبد الرحمن الثعالبي في حقه: شيخنا أبو الحسن الإمام الحافظ، وعليه كانت عمدة قراءتي ببجاية- اهـ. وله فتاوى نقل بعضها في المازونية والمعيار. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شذرات الذهب. . . . . .:32، والضوء اللامع 6/ 55. (¬2) في الضوء اللامع: وحصل له انكسار من ذلك الوقت ثم سافر مع العسكر إلى دفع اللغك فمات قبل الوصول. (¬3) انظر ترجمته في أعلام الجزائر ص 162، تعريف الخلف 1: 73.

426 - علي بن مكي من فقهاء مليانة

426 - علي بن مكي من فقهاء مليانة (¬1). أخذ عن الإمام عبد الرحمن الوغليسي، له ذكر في نوازل المازوني، لم أقف على ترجمته. 427 - علي بن محمد بن سمعة الأندلسي الغرناطي. علامتها المحقق الإمام الفقيه النحوي الجليل البارع صاحب اليد الطولى في العلوم مع تحقيق بالغ، أخذ عنه جماعة كالقاضي الإمام أبي يحيى بن أبي بكر ابن عاصم، ونقل عنه في مواضع من شرحه لمنظومة والده في الأحكام والشيخ أبي عبد اللَّه الداعي. وذكر عنه أنه كان يقول: شيئان لا يصحان توبة الزمخشري من الاعتزال وإسلام إبراهيم بن سهل الإسرائيلي، وذكر عنه أيضًا أنه كان لا ينطق بكلام فيه فحش، وأنه متى وجده في شعر بدله، وكان يقرأ قول ابن مالك "أو مفهم ذات حر" ذات كذا. قال ابن عاصم: وله مسائل واشكالات شتى وجهها لافريقية فأجابه عنها الأمير أبو عبد اللَّه محمد الحسين الحفصي- اهـ. ولم أقف على زيادة على هذا. 428 - علي بن موسى البجائي، أحد شيوخ عبد الرحمن الثعالبي ابن عبد اللَّه بن محمد بن هيدور التادلي (¬2). كان إمامًا في الفرائض والحساب، حسن الخط كثير التقييد، له مسائل في فنون، شرح تلخيص ابن البناء وقيد على رفع الحجابلة، توفي عام ستة عشر وثمانمائة. 429 - علي بن موسى بن عبد اللَّه اللخمي البسطي، عرف بالقرباقي (¬3). الفقيه المؤقت، قال تلميذ القلصادي في رحلته: شيخنا وبركتنا الفقيه ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في أعلام الجزائر ص 317. (¬2) تعريف الخلف 2/ 273، أعلام الجزائر 39، درة الحجال 3/ 249, جذوة الاقتباس 2/ 475. (¬3) رحلة القلصادي ص 87، ومعجم المؤلفين 7/ 249.

الإمام الصدر العالم الخطيب الخطير النظّار الكبير، أوحد الزمان وفريد البيان العديم الاقران المفتي المؤلف المدرس المصنف الذاكر لأحوال العرب وأنسابها، حافظًا للغاتها وآدابها، له في العربية أوفر نصيب وفي التفسير والحديث والأصول والطب سهم مصيب، حتى ارتقى لدرجة عالية ورتبة سامية فشهد له بالفضل في الغيبة والعيان وأقر له صديقه وحاسده للدليل والبرهان، قرأت عليه التلقين والإيضاح للفاسي، وأبعاضًا من الجلاب وابن الحاجب الفرعي وتنقيح القرافي وفصيح ثعلب وألفية ابن مالك وأدب الكاتب لابن قتيبة وتأليفه المسمى بالتبصرة الكافية في علمي العروض والقافية على الخزرجية، وحضرت عليه كثيرًا من التفسير وكتب متعددة في علوم شتى. وكان كثيرًا ما يتمثل بقول الشاعر: وزهدني في الناس معرفتي بهم ... وطول اختباري صاحبًا بعد صاحب فلم ترني الأيام خلا تسرني ... مباديه إلا ساءني في العواقب ولا قلت أرجوه لدفع ملمة ... من الدهر إلا كان إحدى المصائب ولذا كان لا يخالط الناس، مع نزاهة نفس وارتفاع همة، كثير الصمت فصيح اللسان لم أسمع مثل خطبه ووعظه، فيما رأيت من البلدان. وغضب عليه بعض الجبابرة فأخرجه من بسطة إلى برشانة فأقام بها عشرة أشهر ثم عاد لبسطة إلى أن توفي بها في الوباء عاشر صفر عام أربعة وأربعين وثمانمائة وصلي عليه خارج المدينة لكثرة الناس في جنازته -اهـ- ملخصًا. قلت: ووقع بينه وبين الإمام أبي القاسم بن سراج مفتي غرناطة نزاع في مسائل منها مسألة قبلة جوامع الأندلس المستقبلة لجهة الجنوب وغيرها، نقل بعضها في المعيار.

430 - علي بن عصفور أبو الحسن، أحد أصحاب الإمام أبي مهدي عيسى الغبريني.

430 - علي بن عصفور أبو الحسن، أحد أصحاب الإمام أبي مهدي عيسى الغبريني. نقل عنه صاحبه أبو القاسم بن ناجي في شرح المدونة. 431 - علي بن ثابت بن سعيد بن علي بن محمد بن علي بن سعيد بن محمد بن عبد اللَّه بن يحلف بن عبد الرحمن بن محمد بن زيد بن يس بن عبد الملك بن محمد بن قيس بن أحمد بن محمد بن أبان بن عثمان بن عفان القرشي الأموي (¬1). هكذا نسبه شيخه الإمام ابن مرزوق الحفيد في إجازته له، كان مقطوع النظير في الورع والاجتهاد والدين، قائم الليل صائم النهار. له من التآليف نحو ثمانية وعشرين تأليفًا أكثرها في أصول الدين والحديث والتاريخ والطب منها ثلاثة شروح على البردة الكبير والوسط والصغير وشرح لتنقيح القرافي وشرح عقيدة الضرير، أخذ عن الإمام ابن مرزوق وتوفي في ذي الحجة متم عام تسعة وعشرين وثمانمائة، وسنه سبع وخمسون سنة، هكذا أصبته. 432 - علي الوزر والي أبو الحسن (¬2). الشيخ الصالح المشهور، توفي بفاس سنة ثمان وستين وثمانمائة. صح من خط بعض أصحابنا. 433 - علي بن محمد الحلبي الجزائري (¬3). فقيهها وعلامتها ومفتيها من معاصري الإمام محمد بن العباس التلمساني، له فتاوى نقل كثيرًا منها في المازونية والمعيار. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 252، وتعريف الخلف 2/ 259، ومعجم المؤلفين 7/ 50، وأعلام الجزائر ص 72. (¬2) انظر ترجمته في: جذوة الاقتباس 2/ 476، ودرة الحجال 3/ 250، وسلوة الأنفاس 3/ 311. (¬3) انظر تعريف الخلف 2/ 271, وأعلام الجزائر 106.

434 - علي بن عبد الرحمن الأنفاسي

434 - علي بن عبد الرحمن الأنفاسي (¬1). قال الشيخ أحمد زروق في فهرسته: الشيخ الفقيه الصالح أبو الحسن، خطيب جامع الأندلس وإمامها، انتفع به جماعة كثيرة في قراءة المدونة قال: كان يقرؤها بابن يونس، والغالب عليه المسكنة والديانة، طلب الناس منه أن يستسقي لهم فوعدهم ثالث يوم في الغد أخرج ما عنده من الزرع فتصدق به وكان كثيرًا رأيته بعيني صبرة في صحن المسجد وقال: الآن أبكي مع المسلمين ثم أستسقي لهم فما رجع إلا بالمطر. توفي سنة ستين وثمانمائة وقد طعن في السن، صليت خلفه كثيرًا وكان على جانب عظيم من الصلاح. 435 - علي بن منون أبو الحسن الشريف الحسني المكناسي (¬2). قال ابن غازي في فهرسته: الشيخ الأستاذ النبيل الذكي الشريف، ختمت عليه القرآن مرارًا وتمرنت عليه في الفرائض والوثائق وإعراب القرآن واستفدت منه كثيرًا، أدرك الفقيه المفتي أبا الحسن علي بن عمر، وأبا حفص الرجراجي، وأبا مهدي بن علال، وأبا يعقوب يوسف بن منحوت، وأبا زيد الجاديري وأبا وكيل ميمون، وأبا عبد اللَّه النجار، وكانت فيه دعابة، أنشدني لبعضهم: يا معشر الإخوان أوصيكم ... وصية الوالد والوالده لا تعملوا الأقدام إلا لمن ... كانت لكم في وصله فائده إما لعلم تستفيدونه ... أو لكريم عنده مائده ولد سنة تسعين وسبعمائة ومات بعد السبعين وثمانمائة بمكناسة. 436 - علي بن يوسف أبو الحسن (¬3). الشيخ المتفنن، هكذا وقع في فهرست ابن غازي. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: جذوة الاقتباس 2: 475، سلوة الأنفاس 2: 123. (¬2) فهرس ابن غازي ص 80، اتحاف أعلام الناس 5/ 451، الروض الهتون 54. (¬3) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 297، وهو التلاجدوتي كما في فهرس ابن غازي ص 66.

437 - علي بن قاسم الشهير بالحداد

437 - علي بن قاسم الشهير بالحداد (¬1). قال القلصادي في فهرسته: هو الشيخ الفقيه الصدر، اجتمعت به بوهران- اهـ. 438 - علي بن محمد بن أحمد بن محمد التنسي ابن أخي البدر محمد بن أحمد الآتي شقيق الشهاب أحمد الماضي (¬2). أخذ عن أبي القاسم النويري والآمدي وأبي الفضل المشذالي المغربي، وأخذ عن الأخيرين الأصول والعضد عن الثاني وعن الشمني والكافيجي العاني والبيان وعلوم الحديث عن الشمني ودرس الفقه بالجمالية بعد منازعة القرافي وبجامع طولون بعد الحسام بن حريز، ثم ترفع عن تعاطيه وتصدى للإقراء، تخرج به جماعة وربما كتب على الفتوى، ثم استقر في قضاء الشام بعد أن تعب فيه ناظر، وتألم أكثر الناس لفقده من الديار المصرية. ولد عام أحد وثلاثين وثمانمائة، وتوفي في سابع شوال سنة خمس وسبعين وثمانمائة. صح من السخاوي. 439 - علي بن عبد اللَّه الشيخ نور الدين شهر بالسنهوري (¬3). نسبة لقرية من قرى مصر، حفظ القرآن ثم تحول للقاهرة فقطن الجامع الأزهر وحفظ الشاطبيتين وألفية ابن مالك وأصلي ابن الحاجب وشرح العضد والرسالة وابن الحاجب إلّا كراسًا من آخره (¬4)، وأخذ عن الزين طاهر الفقه المختصر وثلثي ابن الحاجب وقطعة من المدونة، وأخذ الفقه أيضًا عن الزين عبادة، سمع منه ابن الحاجب والرسالة والمختصر، وعن أبي القاسم النويري وأحمد البجائي والبساطي وإبراهيم الزواوي ويحيى العلمي (¬5) وأبي عبد اللَّه ¬

_ (¬1) انظر رحلة القلصادي ص 112، وتعريف الخلف 2/ 267. (¬2) انظر ترجمته في: الضوء اللامع 5: 285. (¬3) انظر ترجمته في: الفكر السامي 2: 267، أخبار مكناس 3: 597، الضوء اللامع 5/ 249. (¬4) في الضوء اللامع: إلّا كراسين من آخره. (¬5) في الضوء اللامع: يحيى العجيمي.

الراعيى والبدر والتنسي والولي السنباطى، وعن أبي الجود الفرائض والحساب عن ابن المجد (¬1) والعربية عن ابن الهام والشمني وطاهر، وغير هذه العلوم عن القاياتي والشمني والاقصرائي، وحج وجاور وأقرأ هناك في العضد وغيره، ودرس للمالكية بالبرقوقية والأشرفية نيابة، وصار بآخره شيخ المالكية وازدحم عليه الفضلاء حتى صارت حلقته بعد الثمانين من أجل حلق دروس العلم وشرح المختصر والجرومية بشرحين. ولد سنة أربعة عشر وثمانمائة، وتوفي تاسع عشر رجب سنة تسع وثمانين وثمانمائة -اهـ- من الضوء اللامع. قلت: وشرحه على المختصر وصل فيه من أوله إلى الاعتكاف، ومن البيوع إلى الحجر، وهو حسن جيد العبارة اعتنى بالأجوبة عن اعتراضات البساطي، وذكر تلميذه أبو الحسن المنوفي أنه لو تم لم يكن له نظير- اهـ. وله تعليق على التلقين، على ما قيل، أخذ عنه الإمام زروق ونقل عنه أنه رآه إذا توضأ يغسل تحت حلقه، قال زروق: ولا أدري يفعله لورع أم غيره إلا أنه من العلماء العاملين- اهـ. وقال في أول شرح الإرشاد: كان شيخنا فقيهًا صالحًا قدوة محققًا ناصحًا، قرأت عليه الإرشاد بالقاهرة سنة ست وثمانين وثمانمائة، وسمعته يقول: إنه جامع لما في الجلاب والرسالة والتلقين بزيادات، مع أن كلًا منهما أكبر منه جرمًا. وتأملته أنا فوجدته قد انتقى أمهات مسائل ابن الحاجب وجواهر درره، وتفصيل مسائله غالبًا في الجواهر- اهـ. وقال في فهرسته: كان شيخنا السنهوري حافظًا للفقه عارفًا بالنحو والأصول، له شرح الجرومية وشرح المختصر، وهو الآن يصنف فيه، قرأت عليه أوائل المختصر- اهـ. وقال أبو الحسن المنوفي في حقه: إنه رأس محقق زمانه، وأخذ عنه أيضًا الحطاب الكبير والد شارح خليل والشمس التتائي وغيرهم. ¬

_ (¬1) في الضوء: وكذا أخذها والحساب عن ابن المجدي.

440 - علي بن محمد بن محمد بن علي القرشي البسطي

440 - علي بن محمد بن محمد بن علي القرشي البسطي (¬1). نزيل غرناطة الشهير بالقلصادي، الفقيه العالم الصالح المؤلف الفرضي الرحلة، آخر من له التآليف الكثيرة، من أئمة الأندلس، قال القاضي بن الأزرق: هو الشيخ الفقيه الأستاذ العالم المتفنن المصنف الراوية الرحال الحاج الصالح- اهـ. قال تلميذه أبو عبد اللَّه الملالي: كان عالمًا فاضلًا صالحًا شريف الأخلاق سالم الصدر، له تآليف أكثرها في الحساب والفرائض كشرحه العجيب على تلخيص ابن البنا وشرحه العجيب على الحوفي، انتفع عليه خلق كثير، وأخذ عنه شيخنا أبو عبد اللَّه السنوسي جملة من الفرائض والحساب، وأجازه جميع ما يرويه، ثم لما قدم من الأندلس استقر عند سيدي محمد بن مرزوق يعني الكفيف، ولد الإمام الحفيد ابن مرزوق، فقرأ عليه جم غفير من الناس، وأخذت عنه أنا تأليفه في العربية، انتهى. وقال تلميذه الشيخ أحمد بن علي بن داود البلوي: شيخنا الإمام العالم الصالح، خاتمة الحساب والفرضيين أبو الحسن، أصله من بسطة وبها تفقه على شيخ طبقتها وبقية شيوخها أبي الحسن علي القرباقي، ثم انتقل لغرناطة فاستوطنها لأخذ العلم فأخذ بها عن جملة شيوخها كالأستاذ أبي إسحاق بن فتوح والإمام المشاور أبي عبد اللَّه السرقسطي وغيرهما، رحل للشرق فلقي كثيرًا وانتفع به، ومن شيوخه بتلمسان الأئمة: أبو الفضل قاسم العقباني وابن مرزوق الصوفي وأبو العباس أحمد بن زاعو وغيرهم، ولقي بتونس الإمام أبا عبد اللَّه محمد بن محمد بن إبراهيم بن عقاب الجذامي تلميذ ابن عرفة، والإمام أبا العباس القلشاني والشيخ أبا العباس أحمد بن عبد الرحمن الشهير بحلولو وغيرهم، ثم حج ولقي أعلامًا وعاد إلى غرناطة فوطنها حتى حل بوطنه ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: الضوء اللامع 6/ 14، درة الحجال 3/ 251، نفح الطيب 2/ 692، البستان 141، شجرة النور الزكية ص 261، فهرس الفهارس 2/ 962، انظر أيضًا: مقدمة رحلة القلصادي للأستاذ محمد أبو الأجفان.

ما حلّ فتحيل في تخليصه من المشرك فأدركته المنية بباجة من افريقيا منتصف ذي الحجة سنة إحدى وتسعين وثمانمائة. وكان على قدم في الاجتهاد ومواظبة الإقراء والتدريس، ومن تآليفه أشرف المسالك إلى مذهب مالك وشرح مختصر خليل وشرح الرسالة والتلقين وهداية الأنام في شرح مختصر قواعد الإسلام وهو شرح مفيد، وشرح رجز القرطبي وتنبيه الإنسان إلى علم الميدان والمدخل الضروري، وشرح ايساغوجي في المنطق وشرح الأنوار السنية في الحديث، وشرح رجز الشران، وشرح حكم ابن عطاء ورجز قاضي الجماعة أبي عمرو بن منظور في أسماء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعلى البردة، وعلى رجز ابن بري، وعلى رجز أبي إسحاق بن فتوح في النجوم، وعلى رجز أبي مقرع، والنصيحة في السياسة العامة والخاصة وهداية النظار في تحفة الأحكام والأسرار، وكشف الجلباب عن علم الحساب وكشف الأسرار عن علم الغبار والتبصرة وقانون الحساب في مقدار التلخيص وشرحه، وشرحان على التلخيص كبير وصغير وشرح ابن الياسمين في الجبر والمقابلة ومختصره، وكليات الفرائض وشرحها والضروري في علم المواريث والمستوفى لمسائل الحوفي، وشرحان على التلمسانية الأكبر والأصغر وشرح فرائض صالح بن شريف وان الشاط، وشرح فرائض مختصر خليل وفرائض التلقين وفرائض ابن الحاجب والعتبية في الفرائض وغنية النحاة وشرحها الأصغر والأكبر، وتقريب الموارث ومنتهى العقول البواحث وشرح مختصر العقباني لم يتم ومدخل الكالئين، ومختصر مفيد في النحو وشرح ألفية ابن مالك والجرومية وجمل الزجاجي والملحة والخزرجية، ومختصر في العروض ورحلته الحاوية لشيوخه نيفًا وعشرين رجلًا أخبرني بها بعض شيوخنا -اهـ- كلام ابن داود ملخصًا. وقال الحافظ السخاوي: درس علي ابن مرزوق التفسير والحديث والفقه والفرائض والنحو والمعاني والبيان والهندسة وبتونس على ابن عقاب التفسير والحديث والفقه، وروى عنه كتب شيخه ابن عرفة، والقلصادي بالقاف والصاد واللام المفتوحة- اهـ.

441 - علي بن أحمد بن داود البلوي الأندلسي الغرناطي

قلت: ومن شيوخه بتلمسان يوسف بن سليمان والعلامة محمد بن النجار والشريف محمد المعروف بحمو، وبالشرق الحافظ ابن حجر والزين طاهر النويري وأبو القاسم النويري وأبو الفتح المراعي والجلال المحلي والشمني وغيرهم ممن ذكرهم في رحلته. 441 - علي بن أحمد بن داود البلوي الأندلسي الغرناطي (¬1). والد أحمد بن علي المتقدم، قال ابن غازي في فهرسته: العالم العلامة الأكمل الثقة، وقال السخاوي: أخذ عن إبراهيم بن فتوح الغرناطي العقليات ونحوها، وعن محمد السرقسطي الفقه وتميز في الفقه والعربية وتصدر للإقراء والإمامة والخطابة والتدريس وغيرها، ثم تورع عن القضاء نحو بعد شهر وهو الآن في سنة ست وستين (¬2) وثمانمائة لم يكمل الستين، خيرًا متواضعًا- اهـ. قلت: وكان حيًا سنة ست وتسعين، انتقل مع أولاده من الأندلس لتلمسان بعد تسعين. 442 - علي بن محمد التالوتي الأنصاري أخو الإمام محمد بن يوسف السنوسي لأمه (¬3). قال تلميذه الملالي: شيخنا الفقيه الحافظ المتقن العالم المتفنن الصالح أبو الحسن، كان محققًا متقنًا حافظًا يحفظ كتاب ابن الحاجب ويستحضره بين عينيه، قل أن ترى مثله حافظًا، قرأ عليه أخوه محمد السنوسي الرسالة في صغره، وكان من أكابر أصحاب الحسن أبركان، ما رأيته قط مشتغلًا بما لا يعنيه بل إما ذاكرًا أو قارئًا للقرآن أو مشتغلًا بمطالعة أو نحوه، يحفظ الرسالة وابن الحاجب والتسهيل لابن مالك وغيرها، جعل له وردًا كل يوم، قرأت عليه ابن الحاجب قراءة بحث وإفادة وسألته عن وضع الكتاب في الأرض فقال: حكى شيخنا الحسن أبركان فيه قولين لمتأخري أهل تونس وبجاية ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: الضوء اللامع 5/ 167، وفهرس ابن غازي ص 27. (¬2) في الضوء اللامع: وهو الآن في سنة ست وتسعين. (¬3) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 266.

443 - علي بن عباد التستري البكري الفاسي المغربي

جوازًا ومنعًا، وسألته عن مستند الناس في عادتهم من عدم أخذ الرجل المقص من صاحبه بل يضعه على الأرض فيأخذه حينئذ فقال: سألت عنه شيخنا الحسن أبركان فقال: هكذا رأينا شيوخنا يفعلون، ثم قال سيدي علي ولعله علم نسبي- اهـ. قلت: وقد ذكر السيد الشريف السمهودي الشافعي في كتابه جواهر العقدين حكمة منعه عن بعض شيوخه فانظره فيه، قال الملالي: وسألته عن الوتر جالسًا قال: فيه قولان بالجواز وعدمه، وذكر أخوه السنوسي أنه يؤخذ جوازه جالسًا من قول المدونة أنه يوتر في سفره على الدابة- اهـ. قلت: وهذا الأخذ نقله ابن ناجي عن بعض الشيوخ، قال الملالي: رأيت بخطه عن بعض الصالحين أن من نزل منزلًا وجمع أثقاله وخط على حواليها خطا وهو في داخل الخط ويقول في داخله ثلاثًا: اللَّه اللَّه ربي لا شريك له، لم يضره لص ولا عدو ولا غيره ويكون مع ثقله في حرز اللَّه، وهو مجرب- اهـ. وتوفي في صفر عام خمسة وتسعين وثمانمائة، ورأى أخوه السنوسي قبل موته في المنام دارًا عظيمة فيها فرش مرتفع فقيل له: هي لأخيك علي يدخل فيها عروسًا -اهـ- من الملالي 443 - علي بن عبّاد التستري البكري الفاسي المغربي (¬1). أخذ عن أبي بكر البرجي الفقه وأسئلة كثيرة عن محمد القوري، وسمع الحديث على عبد الرحمن الثعالبي، ومن تآليفه لطائف الإشارات في مراتب الأنبياء في السموات، ولد سنة ثلاثين وثمانمائة، من السخاوي. قلت: وتأليفه المذكور في كراسة ذكر في آخره أنه فرغ منه في ذي الحجة عام ثمانين وثمانمائة. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الضوء اللامع 5/ 273، وجذوة الاقتباس 2/ 476، وفي الضوء اللامع: علي بن عياد البستريني.

444 - علي بن قاسم بن محمد التجيبي

444 - علي بن قاسم بن محمد التجيبي (¬1). شهر بالزقاق أبو الحسن من أهل فاس، قال سيدي أحمد المنجور: كان عارفًا بالفقه متقنًا لمختصر الشيخ خليل، كثير الاعتناء به والتقييد والبحث عن مشكلاته، مشاركًا في فنون من النحو والأصول والتفسير والحديث والتصوف، خيرًا دينًا فاضلًا ذا سمت حسن وهدي مستحسن، مقبلًا على ما يعنيه زوارًا للصالحين كثير التقييد للعلم، أخذ عن الفقيه الحافظ العلامة أوحد زمانه أبي عبد اللَّه القوري وغيره من الفاسيين. ودخل غرناطة وأخذ عن العالم العامل الصوفي المواق وغيره، خطب آخر عمره بجامع الأندلس وتوفي عن سن عالية سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، ووجدت بخطه في شهرته بالزقاق أن سببه أن جده كان ذا مال ولا يعيش له ذكر فدل على أن يصب زقًا من زيت على ما يولد له من ذكر يسخمه به ثم يتصدق به فعاش ذو الزق واشتهر به فبقي شهرة في ولده، وتجيب بضم التاء وفتحه قبيلة من قبائل اليمن -اهـ- وتقدم ترجمة ولده أحمد وحفيده. 445 - علي بن موسى بن جلال البحيري (¬2). الشيخ نور الدين، ولد سنة إحدى وخمسين وثمانمائة بالبحيرة ونشأ بها، ثم قدم القاهرة وحفظ بها القرآن والمختصر وألفية ابن مالك والتلخيص وجمع الجوامع، وأخذ الفقه عن البرهان اللقاني والسنهوري، واشترك مع البدر بن المحب والشهاب الفيشي والتقسيم على السنهوري (¬3)، وسمع علي الشاوي وحفيد يوسف العجمي، وقرأ على التقي الحصني، وحج في سنة خمس وتسعين وثمانمائة وجاور. صح من السخاوي. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: جذوة الاقتباس 2: 476، شجرة النور الزكية ص 274، ودرة الحجال 3/ 252، وسلوة الأنفاس 2/ 84. (¬2) انظر ترجمته في الضوء اللامع 6/ 43. (¬3) في الضوء اللامع: "ولم يكن الشيخ -السنهوري- يحمده. بل ربما يطرده حتى إنه أبطل تقسيمًا كان اشترك مع البدر بن المحب والشهاب الفيشي فيه لأجله".

446 - علي بن محمد بن الحسن بن محمد بن علي، من أهل سوس.

446 - علي بن محمد بن الحسن بن محمد بن علي، من أهل سوس. كان فقيهًا عالمًا نحويًا شاعرًا، أخذ عن إبراهيم بن هلال بن غازي، ولقي السنوسي وطلب منه قراءة الحوفي فوجده غير فارغ، درس بسوس وأخذ عنه بها، كان رجلًا صالحًا، دخل مراكش ودرس بها النحو وحضر قيام الشرفاء بالسوس فهرب من ذلك وطلع الجبل ومات في الوباء عام ثمانية وعشرين وتسعمائة، هكذا كتبه لي بعض أصحابنا. 447 - علي بن محمد بن محمد بن محمد ثلاثًا ابن يخلف بن جبريل المنوفي (¬1). المصري مولدًا الشاذلي طريقة، وبها عرف الشيخ نور الدين أبو الحسن بن المرحوم ناصر الدين. قال البدر القرافي: قرأت بخط بعض أصحابنا أنه ولد بالقاهرة بعد العصر ثالث رمضان عام سبعة وخمسين وثمانمائة وتفقه بالنور السنهوري والشهاب ابن الافطع والأخوين عبد القادر وعبد الغني بن تقي والسراج عمر النتائي، وأخذ النحو وغيره عن جماعة من العلماء كالنور الفيومي والزين عبد الرحمن الأنفاسي والتقي الحصيني والشمس الجوجري والكمال بن أبي شريف، والشهاب الصيرفي وخاتمة الحفاظ الجلال السيوطي ولازمه والشريف النور المهودي والزين عبد القادر بن شعبان والشمس السنباوي والحافظ الديمي ومشائخ الإقراء عبد الغني الهيثمي وعبد الدائم الأزهري والسراج النسائي ووالده شمس الدين. وصنف تصانيف نافعة، ففي الفقه عمدة السالك على مذهب مالك ومختصرها وتحفة المصلي وشرحها وستة شروح على الرسالة الأول: غاية الأماني والثاني تحقيق المباني والثالث توضيح الألفاظ والمعاني، والرابع تلخيص التحقيق والخامس الفيض الرحماني والسادس كفاية الطالب الرباني، وشرحان على الخطبة والعقيدة وشرح القرطبية وشرح مختصر خليل ومقدمة في العربية وفي ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الضوء اللامع 5: 6، ولقط الفرائد (ضمن مجموعة ألف سنة من الوفيات) 293 وأيضاح المكنون 1/ 557، الأعلام للزركلي 5/ 11، هدية العارفين 1/ 743، وشجرة النور الزكية ص 272، ودرة الحجال 3/ 253.

448 - علي بن موسى بن علي بن هارون

الحديث أربعون حديثًا وشرح البخاري سماه معونة القاري، وآخر سماه صيانة القاري عن الخطأ واللحن في البخاري وشرح مسلم وشرح ترغيب المنذري، والنجاة في الأذكار في عمل الليل والنهار في الأصول، حاشية على شرح العقائد للتفتازاني، وشرح عقيدة السنوسي، وفي القراءة الوافي لما في التيسير والكافي والوقاية في التجويد والبداية فيه أيضًا، وفي الخط وفي التصوف زاد السافر ونجاة المكلفين وحادي الأرواح وهداية الكفار وروضة المتعبدين وشرح منازل السائرين، وفي اللغة ونحوها شفاء الغليل في شرح لغات خليل ومختصره والكواكب المضيئة في شرح الجرومية والدرر الوضيئة والجوهرة الضوية، وشرح مرشد الطلاب وشرح شواهد الجرومية وشرح المدخل في المعاني والبيان وغير ذلك. توفي يوم السبت رابع صفر سنة تسع وثلاثين وسبعمائة- اهـ. وأخبرني بعضهم أن شرحيه على المختصر لم يكملا- اهـ. قلت: أشهر شروحه على الرسالة التحقيق، ووضع عليه القبول فاعتنى به الناس وانتشر بينهم كثيرًا، وكان، على ما قيل، رجلًا صالحًا- اهـ. 448 - علي بن موسى بن علي بن هارون (¬1). وبه اشتهر المطغري بالطاء مطغرة تلمسان أبو الحسن، قال المنجور: شيخنا الفقيه الفرضي العدد الأستاذ المؤقت المتفنن الخطيب المفتي، لازم ابن غازي بعد انتقاله لفاس عام أحد وتسعين وهو قارئ دروسه في المدونة والموطأ والعمدة والتفسير وخليل والعربية والحساب والفرائض وغيرها، جمع عليه سبعًا وحصل عنه علمًا جمًا حتى قيل له: خزانة علم لكثرة الفنون عنده، أجازه ابن غازي عام ستة وتسعمائة وختم عشرين ختمة بعد السبع وغيرها، والبخاري نحو عشرة ختمات والموطأ بالباجي وغيره قراءة بحث وتحقيق، وجامع الأصول لابن الأثير وترغيب المنذري واكتفاء أبي الربيع بقراءة ولد الشيخ أحمد بن ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: شجرة النور الزكية ص 278، أعلام الجزائر 305، درة الحجال 3/ 254.

غازي، وانتفع عليه في هذه الكتب وفي شروحها وغريبها وكذا في الأصول كالسلالجية وعقيدة ابن أبي زيد وأصلي ابن الحاجب ومختصر ابن عرفة وقانون ابن العربي وجمع الجوامع وموافقات الشاطبي والتنقيح، وفي الرسالة أربع ختمات والمدونة والمختصر مرتين وابن الحاجب وبعض التوضيح وابن عرفة والألفية مرارًا واللامية والجرومية والمغني والشاطبية الكبرى والتيسير وابن بري ومورد الظمآن والتلخيص مع شرح السعد والبردة بشرح ابن مرزوق مرارًا وابن أبي حمزة على البخاري والحكم مع شرحها لابن عباد، ومختصر الاحياء للبلالي وجمل الخونجي إلى لوح القضايا وبعض مقدمة ابن الحاجب والحوفي وشرحه عليه والتلمسانية ورجز الونشريسي وشرحها ابن عيسى وتلخيص ابن البنا ومنية الحساب والخزرجية مرتين وذيلها من تآليفه ونظم ابن جماعة للحباك شيخه ونظم شيخه القوري أيضًا رجز العبدوسي في شهادة السماع ومثلى الطريقة لابن الخطيب وشيئًا من المدارك وابن خلدون ورسالة القشيري وكثيرًا من مقتطعاته ومنظوماته في الفقه والأدب وغيرها. وأجازه في الجميع مع جميع ما يجوز له، وعنه عام ستة وتسعمائة، ثم لازمه بعد ذلك أربعة عشر عامًا حتى مات، وأخذ أيضًا عن أبي العباس الونشريسي والقاضي المكناسي والأستاذ المؤقت أبي العباس الزاجني وأدرك المواسي والطنجي، وأقرأ المدونة في حياة ابن غازي. أخذ عنه الواحد الونشريسي واليسيتني والزقاق وغيرهم، وسألت اليسيتني أيهما أفقه هو أو عبد الواحد الونشريسي؟ فقال لي ابن هارون أفقه لأنه لازم ابن غازي تسعة وعشرين عامًا في البحث والتحقيق وعبد الواحد الونشريسي لم يخدم الفقيه مما يقرب من ذلك، وإن كان دراكًا سالم الذهن بل كان يتأدب مع ابن هارون. توفي في ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وقد ناف عن ثمانين وإفادته لا ساحل لها حتى كأنه لا يتنفس إلا بفائدة، كان غاية في حفظ لا يقف لم يختلف بعده في فنه مثله، متواضعًا منصفًا كثير التلاوة وعيادة المرضى وحضور الجنائز، حضر جنازته السلطان فمن دونه -اهـ- ملخصًا.

449 - علي بن أبي بكر بن عثمان المصمودي السكتي قاضي مراكش.

449 - علي بن أبي بكر بن عثمان المصمودي السكتي قاضي مراكش. فقيه نوازلي فرضي نحوي، قال المنجور: فصيح يحفظ النقول في درسه من تفسير وفقه ونحو وغيره، دأب على التدريس والمطالعة لا يمل ذاكرًا للنوازل بحاثًا عنها استنسخ نوازل الونشريسي وهو أول من أخرجها بعد اللتيا والتي، شرح مختصر خليل إلى النكاح، كان متواضعًا منصفًا يطلب العلم أين كان. توفي شهيدًا آخر أربع وستين ولم يكمل ستين، أخذ عن اليسيتني- اهـ. زاد بعض أصحابنا وعن أبي مجبر وغيره: رحل وحج ودرّس بمراكش فقهًا وأصولًا ونحوًا وتفسيرًا- اهـ. 450 - علي بن سليمان نور الدين الديلمي (¬1). العلامة المحقق فهامة زمانه، أخذ العلوم على صهره العلامة الناصر اللقاني وغيره، كان آية في فهم كلام العلماء مع سكينة وتؤدة وأمانة وديانة وفقر إلى الغاية، أخبر أنه أصبح يومًا لا يملك شيئًا فتعلق به أولاده جوعًا فخرج لزيارة ابن القاسم وأشهب بقرب القوافة ودعا اللَّه عندهما وخرج على بابهما، فإذا شخص ملم فارس دفع له ورقة بسرعة فأخذها مع شدة خوفه منه قال: ففتحت الورقة عند جامع الأزهر فإذا فيها عدة دنانير فتوسعت بها فذكرها لصهره اللقاني فقال: ليتك لم تخبر بذلك ليعود عند ضيق الحال، له طرر على نسخته من خليل فيها تقييدات وتحريرات مع تقرير صهره المذكور، ومعرفته بالعلوم العقلية أشهر من الفقه، ولم يزل على ملازمة العلم مع زهد وورع وإفادة حتى مات سنة سبع وأربعين وتسعمائة. صح من ذيل القوافي ملخصًا. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 273.

بقية الأسماء في حرف العين

بقية الأسماء في حرف العين 451 - عاصم بن خلف بن عقاب التجيبي البلنسي أبو محمد (¬1). روى عن القاضي أبي الحسين بن واجب، وتفقه بأبي محمد عبد اللَّه بن سعيد الوجدي، وأخذ عن أبي محمد البطليوسي، وكان لسانًا فصيحًا جزلًا مهيبًا صادعًا بالحق مقبلًا صابرًا، من أهل الرأي، درس المدونة دهرًا طويلًا، لا اعتناء له بالحديث توفي مسجونًا في جمادى الأول سنة سبع وأربعين وخمسمائة. صح من ابن الأبار. 452 - عليم بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن هانيء العمري، من ذرية عمر بن الخطاب أبو محمد شاطبي (¬2). قال ابن الأبار: سمع بها ابن أبي عبد اللَّه بن معاوز (¬3)، وتفقه به وبغيره وسمع بالمرية من أبي القاسم بن ورد ابن يسعون. وكان أحد العلماء الزهاد أقرأ القرآن ودرس الفقه وأسمع الحديث، وكان يبصر. مشاركًا في الأدب وعلم الكلام والتفسير وفنون كثيرة، ويجتمع إليه في المدونة وغيرها من كتب الفقه فيستظهرها، وهو دأبه في كتب الحديث والسنن سيما الموطأ والصحيحين، يلقي الأحاديث من حفظه وينصها كأنه ينظر في كتاب ويأتي فيه بأمر معجز، قال ابن سفيان: قال لنا: ما حفظت شيئًا فنسيته، وأكثر ميله للسنن والآثار وعلوم القرآن، مع حفظ من علم العبارة وقرض الشعر وزهد وتواضع وورع ورفض الدنيا. قال ابن عباد: كان فقيهًا عالمًا حافظًا متفننًا واسع المعرفة حافل الأدب شاعرًا، غاية في الحفظ والذكاء حسن العشرة مسرعًا لقضاء حوائج الناس سندًا لهم فيها يظل يومه ساعيًا في مآربهم مهتمًا بأمورهم معظمًا عند الخاصة ¬

_ (¬1) ابن الأبار: تكملة الصلة 2/ 694. (¬2) ابن الأبار: التكملة 2/ 696. (¬3) في التكملة: أبو عبد اللَّه بن مغاور.

453 - عتيق بن أسد بن عبد الرحمن الأنصاري أبو بكر

والعامة، مع زهده وانقباضه وتصاونه، لين الجانب والتواضع وبذاذة الهيئة من بيت علم وفقه وخير قال: وأحفظ من رأيته أبو محمد الغلني وأبو الوليد بن خيرة القرطبي وأبو الوليد بن الدباغ الرندي وأبو محمد هذا، وأزهد من رأيته أربعة أبو محمد طارق بن يعيش وأبو الحسن بن هذيل وأبو بكر بن رزق وأبو محمد عليم. ولد بشاطبة في آخر سبع وخمسمائة، وتوفي ببلنسية خامس عشرين من ذي القعدة سنة أربع وستين وخمسمائة، وقيل سنة خمس وستين، وقد قارب الستين. 453 - عتيق بن أسد بن عبد الرحمن الأنصاري أبو بكر (¬1). قال ابن الأبار: أخذ القراءات عن أبي الحسن بن البيان (¬2) وابن فرج المكناسي، وأكثر من السماع على الصدفي، ثم مال إلى علم الرأي وحفظ المسائل ودرس الفقه ولازم أبا محمد بن أبي جعفر وتفقه به وتميز بالشفوف فكان الفقه أغلب عليه من علم الحديث، ولي قضاء شاطبة وخطابة جامعها ثم الشورى، ودارت الفتيا عليه وعلى أبي محمد عاشر، وكان نسيجًا وحده في الفقه ومعرفة وجوه الفتاوى والبصر بالأحكام والشروط، وله فيها مجموع صغير كبير الفائدة، مع مشاركة في الأدب واللغة والنحو وقرض الشعر والاتصاف بالبلاغة والبيان والخطب وحفظ الأخبار، درس الفقه وأسمع الحديث، حدّث أبو إسحاق بن جماعة في ديوانه، وروى عنه أبو بكر بن مفوز وأبو محمد بن سفيان، وكان جده لأمه. توفي بشاطبة سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة ليلة الجمعة أواخر جمادى الأخيرة. 454 - عتيق بن محمد بن عتيق الأنصاري البلنسي (¬3). يعرف بابن المؤذن أبو بكر، قال ابن الأبار: سمع من أبوي الحسن بن ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في ابن الأبار: تكملة الصلة 2/ 690، معجم أصحاب الصدفي ص 292. (¬2) في التكملة والمعجم: ابن البيّاز. (¬3) انظر ترجمته في غاية النهاية في طبقات القراء 1: 500، ولم أجد له ترجمة في تكملة الصلة لابن الأبار طبعة مجريط.

455 - عتيق بن علي بن سعيد العبدري أبو بكر

هذيل وابن النعمة وأبي عبد اللَّه بن سعادة، ولي قضاء المرية، كان فقيهًا حافظًا للمسائل مشاركًا في العربية متصفًا بذكاء وفهم، أقرأ في زمن شيخه ابن النعمة وأنابه القاضي أبو بكر بن أبي جمرة لخطة الشورى، وكان شيخنا ابن نوح يثني عليه ويصف زكاءه وذكاءه وحسن عبارته وبيانه، توفي ببلده سنة أربع وستين وخمسمائة وثكله أبوه. مولده سنة سبع وعشرين وخمسمائة. 455 - عتيق بن علي بن سعيد العبدري أبو بكر (¬1). قال ابن الأبار: أخذ القراءات عن أبوي الحسن بن النعمة وابن هذيل وأبي بكر بن نمارة وأجازه ابن بشكوال وأبو محمد عليم، وعبد الحق الإشبيلي والسلفي، قعد لتعليم القرآن مدة، ثم عقد الشروط، كان من أهل التحقيق والتجويد عالمًا بحقيقة الأداء متقدمًا في صناعة الإقراء مع تحقق الفقه وحفظ المسائل وتبصر الوثائق، ولي قضاء بلنسية وخطب بجامعها، وفي أحكامه شدة وفي خلقه حدة، أخذ الناس عنه وسمعوا منه، إلى حسن الخط وجودة الضبط. توفي آخر ذي الحجة سنة ستمائة، مولده بطرطوشة سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة. 456 - عمران بن موسى المشذالي البجائي الأصل، نزيل تلمسان أبو موسى، صهر ناصر الدين المشذالي (¬2). كان فقيهًا حافظًا علامة محققًا كبيرًا، أخذ عنه العلامة المقري وغيره، قال المقري: رأيته إذا دخل المسجد بعد المغرب قبل الإقامة يثبت قائمًا إلى أن تقام الصلاة وأنا لا أدري ذلك بل يركع الداخل لانتهاء وقت المنع بالغروب، وما وقع في المذهب في ذلك فللمبادرة للصلاة وهو لم يفعل، فإن كان ترك الركوع حسمًا للذريعة فلا فرق بين قيامه وجلوسه ألا ترى أن داخل المسجد إذا تحدث قائمًا حتى انصرف أو بدا في المسجد بغير صلاة ولم يجلس ما امتثل الأمر على ما مر، والمراد بحديث لا يجلس داخل المسجد حتى يصلي ركعتين ¬

_ (¬1) ابن الأبار: التكملة 2/ 692. (¬2) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 220، نفح الطيب 5/ 223، تعريف الخلف 1/ 73.

افتتاحه بالصلاة وذكر الجلوس خرج مخرج الغالب لا مفهوم له، فله صلاة التحية جالسًا والجلوس إن لم يتمكن من الصلاة- اهـ. قال المقري فرّ صاحب الترجمة من حصار بجاية إلى الجزائر، فبعث إليه فيه صاحب تلمسان وقربه وأحسن إليه فدرس بها الحديث والفقه والأصلين والفرائض والمنطق والجدل، وكان كثير الاتساع في الفقه والجدل، مديد الباع في غيرهما مما ذكر، سألته عن قول ابن الحاجب في السهو: فإن أخال الاعراض فيبطل عمده فقال معناه: إن أخال غيره أنه معرض فحذف المفعول الأول وأقام المصدر مقام المفعولين كما يقوم مقامهما ما في معناه من أن نحو أحسب الناس أن يتركوا المقري وأقوى من هذا كون المصدر هو المفعول الثاني وحذف الثالث اختصارًا لدلالة المعنى أي أخال الاعراض كقولهم خلت ذلك، وقد أعربت الآية بالوجهين وهذا عندي أغرب، ومنه قول القضاة أعلم باستقلاله أي أعلم الواقف عليه بأنه مستقل فحذفوا الأول وصاغوا المصدر مما بعده. المقري، شهدت مجلس أبي تاشفين صاحب تلمسان ذكر فيه أبو زيد بن الإمام أن ابن القاسم مقلد لمالك ونازعه أبو موسى عمران المذكور، وادعى أنه مطلق الاجتهاد، واحتج بمخالفته لمالك في كثير، وذكر منه نظائر قال: فلو قلده لم يخالفه لغيره، فاحتج أبو زيد بنصر الشرف التلمساني أنه مثل مجتهد المذهب بابن القاسم في مذهب مالك والمزني في مذهب الشافعي ومحمد بن الحسن في مذهب أبي حنيفة، فأجابه عمران بأنه مثال والمثال لا يلزم صحته فصاح عليه أبو موسى ابن الإمام وقال لأبي عبد اللَّه بن عمر تكلم، فقال: لا أعرف ما قاله هذا الفقيه والذي ذكره أهل العلم أنه لا يلزم من فساد المثال فساد الممثل فقال أبو موسى للسلطان: هذا كلام أصولي محقق قال المقري: فقلت لهما، وأنا يومئذ حديث السن، ما انصفتماه فإن المماثلة كما تؤخذ على جهة التحقيق تؤخذ أيضًا على جهة التقريب، ومن ثم جاء ما قاله ابن أبي عمرو كيف لا وهذا سيبويه يقول: وهذا مثال ولا يتكلم به فإذا صح أن المثال يكون تقريبًا لم يلزم صحة المثال ولا فساد المثل بفساده فالقول من أصل

واحد -اهـ- بنقل ابن الخطيب في الإحاطة. قلت: وبنحو ما استدل به عمران على اجتهاد ابن القاسم من مخالفته لمالك استدل ابن عبد السلام لذلك، وتعقبه ابن عرفة بأنه مزجي البضاعة في الحديث، ونكت ابن غازي على تعقبه بأنه كيف يثبت الاجتهاد لشيوخه كابن عبد السلام وغيره وينفيه عن شيخ هداية المالكية بعبارة فظيعة. قلت: ولا ريب في إمامة ابن القاسم في الحديث وناهيك بثناء النسائي عليه فيه، كما تقدم، والعجب من الإمام ابن عرفة كيف يثبت الاجتهاد لابن دقيق العيد ونظرائه ثم يقول وفي المازري نظر هل لحقه أم لا ومعلوم أن ابن عبد السلام وابن دقيق العيد لا يبلغان درجة المازري في تفقهه وإمامه. قال بعض شيوخ العصر: من الأدلة القطعية عندي أن ابن دقيق العيد والسبكي ما بلغوا رتبة الاجتهاد المطلق فأحرى الجلال السيوطي وأضرابه الذين ادعوا هذه المرتبة، وأين مرتبتهم من مرتبة الغزالي وإمام الحرمين في الفقه والإمامة وقوة الذهن؟! تاللَّه لا نسبة بينه وبينهما في شيء من ذلك- اهـ. قلت: والذي يظهر أن الاجتهاد المذهبي مرتبة متسعة تتفاوت بقوة التمكن وضعفه، فالاتصاف بأدنى درجاتها يدعيها مدعيها، ومع الاتساع الحفظ ومعرفة الأحاديث، بل الوقوف على الأحاديث وبما يخيل لصاحبها مع ذلك وصول درجة الاجتهاد المطلق مع كون من فوقه في تمكن النظر وقوة التفقه ومعرفة المذهب ومداركه لا يدعي تلك الرتبة لعدم اتساعه في الحفظ ومعرفة الأحاديث، فتأمل ذلك فهذا قاسم العقباني والمسناوي والبجائي من أهل المائة التاسعة يصرحون ببلوغ درجة الاجتهاد، والإمام الشاطبي والحفيد ابن مرزوق ينفون ذلك عن أنفسهما، ومعلوم أنهما أقوى علمًا وأوسع باعًا من الذين ادعوها، واللَّه أعلم فتأمل ذلك. مولد عمران المشذالي سنة سبعين وستمائة، وتوفي سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وله مقالة مفيدة في اتخاذ الركاب من خالص الفضة، نقل عنه في المعيار في مواضع.

457 - عمران بن موسى الجاناتي أبو موسى المكناسي

457 - عمران بن موسى الجاناتي أبو موسى المكناسي (¬1). الفقيه الحافظ، أخذ عن الإمام الحافظ موسى العبدوسي، وهو المقيد عنه التقييد البديع على المدونة في عشر مجلدات وقفت على بعضها، وعليه أعتمد في قراءتها، قال الشيخ ابن غازي وغيره: أخذ عنه الإمام القوري. توفي سنة ثلاثين وثمانمائة. 458 - العاقب بن عبد اللَّه الانصمني المسوفي من أهل أكدس بلدة قريبة من بلاد السودان عمرها صنهاجة (¬2). فقيه نبيه ذكي الفهم حاد الذهن وقاد الخاطر مشتغل بالعلم، في لسانه حدة، له تعاليق من أحسنها تعليقه على قول خليل: وخصصت نية الحالف حسن مفيد جدًا، اختصرته مع كلام غيره في جزء سميته تنبيه الواقف على تحرير وخصصت نية الحالف، وألّف جزء في وجوب الجمعة بقرية "انصمن" خالف غيره من شيوخ بلده وأرسلوه لعلماء مصر فصوبوه، والجواب المجدود عن أسئلة القاضي محمد بن محمود، وأجوبة الفقير عن أسئلة الأمير أجاب فيها السلطان أسكن الحاج محمد وغيرها، أخذ عن الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي وعن الإمام السيوطي لما حج وغيرهما، ووقع له منازعة مع الحافظ مخلوف البلبالي في مسائل، كان حيًا قريبًا من الخمسين وتسعمائة. 459 - العاقب بن محمد بن عمر بن محمد أقيت بن عمر بن علي بن يحيى قاضي تنبكتو (¬3). كان -رحمه اللَّه- مسددًا في أحكامه صلبًا في الحق ثبتًا فيه لا تأخذه في اللَّه لومة لائم، قوي القلب مقدامًا في الأمور العظام التي يتوقف فيها غيره، جسورًا على السلطان فمن دونه، وقع له معهم وقائع، وكانوا يخضعون له ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: جذوة الاقتباس 2/ 498، درة الحجال 3/ 185، فهرس ابن غازي ص 66، شجرة النور الزكية 252، الروض الهتون 56. (¬2) انظر ترجمته في: شجرة النور الزكية 278، وفيها: الماسوفي. (¬3) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 286.

ويطاوعونه في كل ما أراد إذا رأى ما يكره عزل نفسه عن القضاء وسد بابه ثم يلاطفونه حتى يرجع، وقع له مرارًا، موسعًا عليه في دنياه، مجدودًا في أموره مع التحري والتوقي، أخذ عن أبيه وعمه ورحل وحج ولقي الناصر اللقاني وأبا الحسن البكري والشيخ البسكري وتلك الطبقة أجازه اللقاني جميع ما يجوز له عنه، وأجازني هو كذلك، وكتب لي بخطه مولده سنة ثلاثة عشر وتسعمائة، وتوفي حادي عشر رجب عام أحد وتسعين.

حرف الغين المعجمة

حرف الغين المعجمة 460 - غريب بن خلف بن قاسم القيسي (¬1). سكن مالقة يكنى أبا الحسن، روى عن أبي بكر بن العربي، كان من أهل العلم والفقه والنظر والتحقيق، له رسالة البيان فيمن أفطر في رمضان هل يستديم صومه بقية يومه أم لا، دلت على مكانه من الفهم والتصرف، حدث عنه القاضي أبو الحسن صالح بن عبد الملك الأوسي وبه تفقه وصاحبه. صح من ابن الأبار. 461 - غازي بن محمد بن أحمد بن غازي (¬2). الشيخ الفقيه النحوي الأستاذ ابن شيخ الجماعة أبي عبد اللَّه، قال تلميذه أبو عبد اللَّه الدقاق: أخذ عن أبيه وغيره، وتوفي أول يوم ربيع الثاني يوم الأحد ودفن يوم الاثنين سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة- اهـ. ¬

_ (¬1) ابن الأبار: التكملة 2/ 700 وهو في التكملة: غربيب بن خلف. (¬2) لقط الفرائد ص 295 ضمن مجموعة ألف سنة من الوفيات.

حرف الفاء

حرف الفاء 462 - فرج بن قاسم بن أحمد بن لب التغلبي الأندلسي الغرناطي أبو سعيد (¬1). إمامها ومفتيها وعالمها الإمام المشهور، ذكره ابن فرحون في الأصل، وقال ابن الخطيب في الإحاطة: من أهل الخير والطهارة والذكاء والديانة وحسن الخلق رأس بنفسه وحلِّي بفضل ذاته، وبرَّز بمزية إدراكه وحفظه فأصبح حامل لواء التحصيل عليه مدار الشورى، وإليه مدار الفتوى ببلده لغزارة حفظه وقياسه على الفقه واضطلاعه بالمسائل، أقرأ بالمدرسة النصرية ثامن عشر رجب عام أربعة وخمسين وسبعمائة، معظمًا عند الخاصة والعامة، مقرونًا اسمه بالتسديد، وهو الآن بحاله الموصوفة عارفًا بالعربية واللغة مبرزًا في التفسير قائمًا على القراءات مشاركًا في الأصلين والفرائض والأدب، جيد الخط والنظم والنثر، قعد للتدريس ببلده على وفور الشيوخ وَوُلِّي خطابة الجامع، معظمًا عند الناس، قرأ على أبي الحسن القيجاطي والعربية على ابن الفجار البيري، وروى عن ابن جابر الواد آشي- اهـ. وقال أبو زكريا السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه الخطيب الأستاذ ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: بغية الوعاة ص 372، درة الحجال 3: 265، الأعلام 5: 140، الكتيبة ص 67، الديباج 220، الإحاطة 4/ 253.

المقري العالم العلم الصدر الأوحد الشهير ابن الشيخ الأجل الفاضل، كان شيخ الشيوخ وأستاذ الأساتذة بالأندلس، إليه انتهت رياسة الفتوى في العلوم، كان أهل رمانه يقفون عندما يُشَار إليه. قرأ بالسبع على الحسن القيجاطي وتفقه عليه في العلوم ولازمه إلى موته وأجازه وعليه اعتمد، وقرأ على أبي جعفر بن الزيات وقاضي الجماعة المحدث أبي عبد اللَّه بن بكر، سمع عليه البخاري وتفقه عليه وقرأ عليه عقيدة المقترح وبعضًا من الإرشاد والتهذيب وأبي محمد بن سلمون وأبي عبد اللَّه الهاشمي الطنجالي، وأجازه ناصر الدين المشذالي وابن عبد الرفيع، والأصولي المحدث أبو عبد اللَّه محمد بن أبي القاسم بن حماد اللبيدي والفقيه الراوية أبو محمد عبد اللَّه بن محمد بن أبي القاسم بن البراء وابن عبد النور والتاج الفاكهاني وفخر الدين بن المنير وأبو حيان والتقى الصائع في جماعة. مولده عام أحد وسبعمائة، وتوفي في ذي الحجة متم عام اثنين وثمانين- اهـ. وكذا ذكر مولده ووفاته تلميذه المنتوري في فهرسته فقال: شيخنا الأستاذ الخطيب المقري المتفنن المفتي، وهو أعلم به من ابن حجر، فإنه ذكر أن وفاته سنة ثلاث وثمانين، واللَّه أعلم. قال ابن حجر: أخذ عنه شيخنا إجازة قاسم بن علي المالقي وصنف كتابًا في الباء الموحدة- اهـ. قلت: وبالجملة فهو من أكابر علماء المذهب المتأخرين ومحققيهم فمن له درجة من الاختيار في الفتوى إلى التحقيق بالعلوم والقيام التام على الفنون، قال المواق: شيخ الشيوخ أبو سعيد الذي نحن على فتاويه في الحلال والحرام- اهـ. وله اختيارات خارجة عن مشهور المذهب، وقلّ بالأندلس في وقته من أئمتها الجلة من لم يأخذ عنه، ومن أكابرهم الإمام الشاطبي وأبو عبد اللَّه الحفار وابن بقي وابن الخشاب وأبو محمد محمد بن جزي وابن الخطيب السلماني والحافظ ابن علاق والأستاذ أبو عبد اللَّه القيجاطي والكاتب ابن زمرك في خلق كثير من الأئمة، ومن الطبقة الثانية أبو يحيى بن عاصم

والقاضي أبو بكر بن عاصم وأبو القاسم بن سراج والمنتوري وغيرهم، له تآليف كشرح جمل الزجاجي وشرح تصريف التسهيل وتآليف صغار في مسائل عدة كمسألة الدعاء اثر الصلوات على الهيئة المعروفة وكينبوع عين الشره في مسألة الإمامة بالأجرة، والقول المجتاز في مسألة ابن المواز والرد على ابن عرفة في مسألة القراءة بالشاذ في الصلاة في مقدار كراسين، ضمنه كل أصيل من الرأي وصحيح من النظر وغيرها. فائدة: قال الإمام الشاطبي: لقيت يومًا بعض أصحابنا شيخنا الأستاذ المشاور أبا سعيد بن لب، أكرمه اللَّه، فقال: أردت أن أطلعكم على بعض مستنداتي في الفتوى الفلانية وما شاكلها ووجه قصدي للتخفيف فيها، وكان أطلعنا على جواب بخطه عن سؤال أفتى فيه بمراعاة اللفظ والميل إلى جانبه فنازعناه فيه وانفصل المجلس عن المنازعة فأرانا مسائل في النهاية وأحكام ابن الفرس وغيرهما وبسط لنا ما يقتضي الاعتماد على ألفاظ الحالف وإن كان فيه خلاف ما لقيته بناء على قول من يقول به من أهل المذهب وغيرهم، وقال: أردت أن أنبهكم على قاعدة في الفتوى نافعة جدًا ومعلومة من سند العلماء وأنهم كانوا ما يشددون على السائل في الواقع إن جاء مستفتيًا، قال الشاطبي: وكنت قبل هذا المجلس تترادف عليّ وجوه الاشكال في أقوال مالك وأصحابه، فبعد ذلك المجلس شرح اللَّه بنور ذلك الكلام صدري فارتفعت ظلمات تلك الاشكالات دفعة واحدة، للَّه الحمد وجزاه اللَّه عني خيرًا وجميع معلمينا- اهـ. وقال أيضًا: سألني الأستاذ الكبير الشهير أبو سعيد عن قول ابن مالك في التسهيل في باب الإشارة وقد يغني ذو البعد عن ذي القرب لعظمة المشير أو المشار إليه ومثله في الشرح بقوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى} ولم يبين وجه ذلك فما وجهه؟ ففكرت فلم أجد فقال لي: وجهه أن الإشارة بذي القرب ههنا قد يتوهم فيها القرب بالمكان واللَّه تعالى يتقدس عن ذلك، فلما أشار بذي البعد أعطى بمعناه أن المشير مباين للأمكنة بعيد عن أن يوصف

بالقرب المكاني، فأتى بالبعد في الإشارة منبهًا على بعد نسبة المكان عن الذات العلية، وأنه يبعد أن يكون في مكان أو يدانيه- اهـ. قال المواق: حدثني شيخي المنتوري قال: حدثني شيخ الشيوخ ابن لب قال: خطر لي خاطر خير فأردت أن أجعل على نفسي وظيفة من ذكر وتلاوة وترددت أيهما أفضل فأنشدت في النوم: إذا الأحباب فاتهم التلاقي ... فما صلة بأفضل من كتاب فلما استيقظت علمت أن قراءة القرآن أفضل- اهـ. ومن نظمه: وهبك وجدت العفو عن كلّ زلة ... فأين مقام العفو من مقعد الرضا وكيف بثوب حالك اللون رمت أن ... يصير كثوب لم يزل قط أبيضا

حرف القاف

حرف القاف 463 - القاسم بن محمد بن أحمد بن سليمان الأوسي الأنصاري القرطبي يعرف بابن الطيلسان (¬1). روى عن جده لأمه أبي القاسم الشراط وخاله أبي بكر بن غالب وأبي محمد بن عبد الحق الخزرجي، نافت شيوخه على مائتين، تصدر للإقراء والاسماع، وكان مع معرفته بالقراءات والعربية متقدمًا في صناعة الحديث معنيًا بروايته وتقييده، ضابطًا متقنًا مشاركًا في فنون، ألّف تأليفًا في التغليظ على شربة الخمر، وله كتاب المفتي على قارئ السنن والمسلسلات وزهر البساتين في غرائب خبر المسندين، ومناقب المهتدين واختصاره اقتطاف الأنوار، واختطاف الأزهار من بساتين العلماء الأبرار وكتاب في أخبار صالحي الأندلس، أخذ عنه جماعة، خرج من قرطبة عند تغلب العدو عليها آخر ستة وثلاثين إلى مالقة فتولى إمامتها وخطبة قصبتها، توفي آخر ربيع الأخير سنة اثنين وأربعين وستمائة، مولده سنة خمس وسبعين. صح من ابن الأبار. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: شجرة النور الزكية ص 182، هدية العارفين 1: 829، ابن الأبار: تكملة الصلة 703، تذكرة الحفاظ 4/ 211، شذرات الذهب 5/ 215.

464 - القاسم بن أبي بكر بن مسافر بن أبي بكر بن أحمد اليمني التونسي

464 - القاسم بن أبي بكر بن مسافر بن أبي بكر بن أحمد اليمني التونسي (¬1). أبو القاسم، عرف بابن زيتون، ذكره ابن فرحون في الديباج وزيد هنا ما نصه: وقال العبدري في رحلته: ولقيت بتونس الفقيه الحسيب العالم الفاضل الكامل الزكي الرضي مفتي افريقية والمنظور إليه بها قطب أصولها وفروعها والمرجوع إليه في أحكامها غير مدافع ولا منازع أبو القاسم بن زيتون، وكلامه في المسائل كلام ممارس للعلم طويل الخدمة له، يدل على الخوض فيه غير هيوب ولا فرق، وحق له ذلك لأنه زاوله جمعًا وفرقًا وطلبه غربًا وشرقًا وخدمه من لدن شب إلى أن دب وأولع به ولوع متيم صب يحب بحبه كل منتم إليه ويعطف بكليته عليه، لم يتفرغ للرواية لكثرة شغله بالمسائل، رحل قديمًا للشرق فلقي جماعة من أحبار العلماء وأخيار الفضلاء وسمع منهم وأجازوه كالزكي المنذري والشرف المرسي وعز الدين بن عبد السلام، سمع تأليفه مختصر الرواية وقواعده المسماة مصالح الطاعات، والرشيد العطار وعبد الغني بن سليمان بن بنين والخسرو شاهي وغيرهم -اهـ- ملخصًا. وقال التجيبي في رحلته: أبو القاسم السبتي صاحب الرحلة المشهورة، وكان عالمًا بارعًا محدثًا حافظًا متقنًا عارفًا بالحديث قيمًا على أنواعه ضابطًا ثقة. ولد عام ستة وستين وستمائة ورحل عام ستة وتسعين إلى الأندلس ثم للشرق ولقي جلة من العلماء الأكابر وأخذ عنهم، فمن شيوخه أبو بكر بن عبيدة وأبو القاسم بن الشاط وابن العماد وأبو القاسم القبتوري وأبو عبد اللَّه ابن شعيب والناصر المشذالي وابن دقيق العيد وأبو القاسم اللبيدي وعبد اللَّه الصودي الجدميوي العرضي في خلق ذكرهم في رحلته، وهو كتاب نفيس في ثلاث مجلدات فيها فوائد كثيرة سيما نكت الحديث وفنونه. توفي سنة ثلاثين وسبعمائة، أخذ عنه أبو عبد اللَّه الرعيني وعرّف به في فهرسته. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: درة الحجال 3/ 276، الحلل السندسية 1 - 3 - 684، برنامج الوادي آشي 40، رحلة العبدري ص 256.

465 - القاسم بن إبراهيم بن محمد النويري

465 - القاسم بن إبراهيم بن محمد النويري (¬1). الشيخ زين الدين، تفقه وقرأ المواعد وأعاد للمالكية وتصدر بالجامع الأزهر وغيره، قال ابن حجر: سمعت بقراءته كثيرًا على شيوخنا السراج البلقيني. مات في المحرم سنة تسع وتسعين عن نحو ستين سنة -اهـ- من أنباء الغمر له. 466 - القاسم بن علي بن محمد الفاسي (¬2). أبو القاسم، خرج له غرس الدين الأقفهسي مشيخة، حدّث به ابن حجر، قال السخاوي: لقيته بالقاهرة. 467 - قاسم بن علي بن محمد الشروطي الفاسي. المالقي أبو محمد، أخذ عن شيخ الشيوخ ابن لب، وأخذ عنه القاضي إبراهيم البدوي الأندلسي وغيره، وانظر مع الذي قبله ولعلهما واحد، واللَّه أعلم. 468 - قاسم بن محمد بن محمد بن أحمد القسنطيني الاستاني (¬3). أبو الفضل وأبو القاسم التونسي, رأيت بخط بعضهم في وصفه أنه الإمام العالم العلامة مفتي الأنام ورئيس الفقهاء الأعلام، فريد دهره وجمة عصره شيخنا قاضي الجماعة بتونس شيخ الشيوخ الحجة الرسوخ جامع أشتات العلوم معقولها ومنقولها- اهـ. قال السخاوي: أخذ عن أبي مهدي الغبريني وغيره، ولي قضاء الجماعة وإمامة جامع الزيتونة، كان لا يخاف في اللَّه لومة لائم، وقام في أيام قضائه على الإمام أحمد بن عمر القلشاني شارح الرسالة ورام قتله فلم يمكن منه لكنه ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شذرات الذهب 6: 361. (¬2) ترجمته في شذرات الذهب 7: 92. (¬3) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 245، والضوء اللامع 11/ 140، وتعريف الخلف 2/ 322، وأعلام الجزائر ص 264، وهو الوشتالي لا الاستاني وفي الضوء اللامع: الوشتاتي.

469 - قاسم بن عيسى بن ناجي

عزر بالحبس وغيره، واتفق أن ابن أبي القاسم المذكور مات مقتولًا، يقال ناله ذلك من جهة حكمه وهو بمحراب جامع الزيتونة من صلاة الصبح يوم الخميس تاسع صفر سنة سبع وأربعين (¬1) وثمانمائة- اهـ. قلت: ومن شيوخه أبو يوسف يعقوب الزغبي، وأخذ عنه هو أبو القاسم بن ناجي ونقل عنه في شرح المدونة، ووقع في زمن القاضي يعقوب الزغبي مسألة في رجل أوصى لأول ولد يتزايد عند ابنته فولدت ولدًا ميتًا فاختلفت فتواهم حينئذ وبقيت المسألة حتى تولى صاحب الترجمة القضاء فحكم فيها بأن المراد أول ولد يولد حيًا لأن القصد بها النفع ولا ينتفع بها إلا من كان حيًا- اهـ. قلت: وقد ذكر الشيخ حلولو هذه المسألة في شرح خليل فانظره. 469 - قاسم بن عيسى بن ناجي (¬2). أبو الفضل وأبو القاسم شارح المدونة والرسالة الشيخ العالم الفقيه الحافظ الزاهد الورع القاضي، أخذ بالقيروان عن الشبيبي وغيره، وعن ابن عرفة وكثير من أصحابه كأبي مهدي الغبريني والأبي والبرزلي ويعقوب الزغبي وأبي القاسم السلاوي وأبي عبد اللَّه الوانوغي وقاسم القسنطيني، وعن القاضي أبي عبد اللَّه بن قليل الهم والفقه عمر المسراتي القيرواني وأبي علي السواني وأبي عبد اللَّه بن محمد بن بندار المرادي القيرواني والقاضي أبي عبد اللَّه بن أبي بكر الفاسي القيرواني وغيرهم، ولي القضاء بمواضع كباجة وجربة وقيروان، وكان معه تفقه عظيم وقيام تام على المدونة واستحضار للفروع، له شرح الرسالة حسن مفيد، ويذكر أن المخيلي بالغ في الثناء عل هذا الشرح ويقول له المهذب، وشرحان على المدونة الشتوي في أربعة أسفار والصيفي في سفرين، أخذ عنه الشيخ حلولو وغيره. توفي سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، قاله الونشريسي في وفياته. ¬

_ (¬1) في الضوء اللامع: يوم الخميس تاسع عشر صفر سنة ست وأربعين. (¬2) ترجمته في شجرة النور الزكية 244، البستان 149، درة الحجال 3/ 282.

470 - قاسم بن سعيد بن محمد العقباني

470 - قاسم بن سعيد بن محمد العقباني (¬1). التلمساني الإمام أبو الفضل وأبو القاسم شيخ الإسلام ومفتي الأنام الفرد العلامة الحافظ القدوة العارف المجتهد المعمر، ملحق الأحفاد بالأجداد، القدوة الرحلة الحاج، أخذ عن والده الإمام أبي عثمان وغيره، وحصل العلوم حتى وصل درجة الاجتهاد، وله اختيارات خارجة عن المذهب، نازعه كثير منها عصرية الإمام ابن مرزوق الحفيد قال في حق تلميذه محمد بن العباس شيخنا مفتي الأمة علامة المحققين وصدر الأفاضل المبرزين، آخر الأئمة- اهـ. وقال يحيى المازوني: شيخنا شيخ الإسلام علم الأعلام العارف بالقواعد والمباني أبو الفضل العقباني، وقال الحافظ التنسي: شيخنا الإمام العلامة وحيد دهره وفريد عصره. وقال القلصادي في رحلته: شيخنا وبركتنا الفقيه الإمام المعمر، ملحق الأصاغر بالأكابر العديم النظير والأقران مرتقي درجة الاجتهاد بالدليل والبرهان أبو الفضل، وكان ذا أبهة وبهاء وفروة مملوءة من علم، خالية من ازدهاء، وخلقت سمت في مطالع الحسن إلى أنهى كمال وأكمل انتهاء، انفرد بفني العقول والمنقول واتحد في علم اللسان والبيان، وهو فيما عداه من الفنون يفوق الصدور ويفيض على مزاحمة البحور. ولي القضاء بتلمسان في صغره، ورأى أمله من ذريته في كبره، وأحرز في العلوم قصب السبق وحازه، وقطع فيه صدر العمر واستقبل أعجازه، عكف على تعليم العلوم وعلى تدريس المعدوم منها والمعلوم، فأفاد الأفراد، وأمتع جهابذة النقاد، وأسمع كل الأسماع ما اشتهى وأراد. لازمته بعد وفاة أحمد بن زاغو حتى رحلت من تلمسان، ولما عدت إليها وجدته حيًا. قرأت عليه بعض مختصر المدونة لابن أبي زيد، ومختصر خليل وحكم ابن عطا اللَّه مع شرح ابن عباد والحوفي بطريق الصحيح والمكسور، ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: الضوء اللامع 6: 181، البستان ص 147، و 149، شجرة النور الزكية 255، تعريف الخلف 1/ 85، رحلة القلصادي 106.

الكنى

والمناسخات من شرح والده ومختصره في أصول الدين وغيرها، وحضرته في كتب عديدة في فنون شتى، وكانت خلقته حسنة مرضية قل أن يرى مثلها. توفي في ذي القعدة عام أربعة وخمسين وثمانمائة، وصلى عليه في الجامع الأعظم وحضر جنازته السلطان فمن دونه، ودفن قرب الشيخ ابن مرزوق -اهـ- ملخصًا. وتوفي عن سن عالية، رحل للحج في سنة ثلاثين وحضر بمصر املاء ابن حجر واستجاز ابن حجر فأجازه، وحضر أيضًا درس العلامة البساطي، له تعليق عن ابن الحاجب الفرعي، أرجوزة تتعلق بالصوفية في اجتماعهم على الذكر وغيره، أخذ عنه جماعة منهم أبو البركات النالي وولده أبو القاسم العقباني وحفيده محمد ابن أحمد والعلامة ابن زكري والكفيف ابن مرزوق وأبو العباس الونشريسي ومن تقدم ذكرد في خلق، وسبق ترجمة والده وولديه أحمد وإبراهيم، وسيأتي حفيده القاضي محمد. الكنى 471 - أبو القاسم بن مخلوف. المغربي ثم الاسكندري، أحد المالكية الكبار، تفقه به أهل الثغر مدة، مات سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، قاله في العبر. صح من تاريخ مصر. 472 - أبو القاسم بن ابانة الاشبيلي. قال ابن الأبار: كان مقرئًا مفتيًا مفتي القضاة في نوازل الأحكام، أحد أئمة الصلاة بإشبيلية. 473 - أبو القاسم بن ياسين (¬1). من أهل المرية من أئمة فقهائها وأعلامها ونبهائها. صح من ابن الأبار. ¬

_ (¬1) انظر التكملة لوفيات النقلة 1: 607.

474 - أبو القاسم بن حماد بن أبي بكر الحضرمي اللبيدي التونسي

474 - أبو القاسم بن حماد بن أبي بكر الحضرمي اللبيدي التونسي (¬1). قال العبدري في رحلته: الشيخ الجليل الفاضل العالم العامل المسن المسند، بقية السلف ذو الدين المتين، صالح العلماء وعالم الصلحاء، أوحد وقته علمًا ودينًا واجتهادًا ومواظبة وحسن ظن وغزارة دموع، معدوم النظير في عصره لا يفتر عن العبادة وحضور الجماعة والمجلس لإسماع العلم مع ضعفه وفرط ساحته وضرارة بصره، لا يتخلف عن المسجد ليلًا ولا نهارًا ولا يقطع عن إسماع العلم وتعليمه وإقراء القرآن، وقد أنهكت التسعون قواه ولكن ذهنه ما تغير، مع غاية التواضع وقوة الرجاء، يروي البخاري عن الإمام المحدث الراوية أبي زكرياء يحيى البرقي والمعلم للمازري عن الفقيه أبي يحيى بن الحداد قراءة على مؤلفه الإمام. مولده عام ستمائة -اهـ- ملخصًا. 475 - أبو القاسم بن محمد الغماري النازلي (¬2). كان فقيهًا محدثًا حافظًا، درس المدونة بفاس، من أحفظ أهل زمانه، وكان ينشد: قنوعُ النفسِ يِعْقبها رواحَا ... وحرصُ النفسِ يدني للتداني وليس بزائدٍ في الرزق حرصٌ ... وليس بناقص منه التواني إذا ما اللَّه سبّب رزق عبدٍ ... أتاه في التواني والتداني كان حيًا في حدود العشرين وسبعمائة ظنًا. صح من خط بعض أصحابنا. 476 - أبو القاسم السلمي أبو الفضل. من فقهاء تونس المنتصبين للتدريس بها، قال أبو عباس أحمد بن محمد القلشاني: كان شيخًا فقيهًا محققًا من أهل بلدنا باجة، من أهل الدين ¬

_ (¬1) انظر رحلة العبدري ص 243, درة الحجال 3/ 276، وفي رحلة العبدري: أبو القاسم بن حمادي بن أبي بكر. (¬2) ترجمته في جذوة الاقتباس 1: 109، ودرة الحجال 3/ 280.

477 - أبو القاسم الشريف الادريسي السلاوي

والفضل والعلم التام، سمعت بعض القضاة يحكى عنه أن ثمرة الخلاف فيمن حلف واستثنى هل استثناؤه حل لليمين أو رفع لكفارة قولان تظهر إذا حلف واستثنى ثم حلف أنه لم يحلف، وفي هذا ضعف، وما أظن السلمي يقول ولعله إنما قال: إذا حلف باللَّه ثم استثنى ثم حلف، ليس عليه يمين فعلى أنه حل لليمين لا شيء عليه لأن اليمين انحلت بعد انعقادها فهو الآن لا يمين عليه، وعلى أنه رفع لكفارة فاليمين ما زالت منعقدة، ولهذا يحكم عليه أنه مول في أحد القولين يكون حانثًا في يمينه. توفي بتونس في غرة المحرم عام تسعه وتسعين وسبعمائة- اهـ. 477 - أبو القاسم الشريف الادريسي السلاوي (¬1). وبه اشتهر، أبو الفضل الفقيه الصالح الأفضل، أحد الأعلام، من أكابر تلامذة ابن عرفة، أخذ أيضًا عن أحمد بن إدريس البجائي وغيرهما، أخذ عنه أبو القاسم بن ناجي ونقل عنه في شرح المدونة، ومن تآليفه تقييد في التفسير عن ابن عرفة في مجلدين وإكمال الإكمال على مسلم في مجلد ضخم كبير اقتصر فيه غالبًا على أبحاث ابن عرفة وأصحابه، نفيس إلى الغاية -لم أقف على وفاته. 478 - أبو القاسم بن داود. قال الراوية أبو زكرياء السراج: هو الفقيه الأديب الشاعر المكثر الأصولي الفرضي المتخلق الفاضل نادرة الوقت- اهـ. 479 - أبو القاسم بن أحمد بن محمد المعتل البلوي القيرواني ثم التونسي الشهير بالبرزلي الإمام المشهور نزيل تونس (¬2). مفتيها وفقيهها وحافظها العلامة أحد الأئمة في المذهب صاحب الديوان ¬

_ (¬1) انظر شجرة النور الزكية ص 250. (¬2) انظر ترجمته في: شجرة النور الزكية ص 245، الضوء اللامع 11: 133، توشيح الديباج ص 298، البستان ص 180، دستور الأعلام، الورقة 40، 41، الحلل السندسية 1: 701، =

المشهور في الفقه والنوازل من كتب المذهب الأجلة أجاد فيه ما شاء، كان -رحمه اللَّه- إمامًا علامة بارعًا حافظًا للفقه متفقهًا، فيه، بحاثًا نظارًا مستحضرًا للفقه، أخذ عن جماعة، رأيت في بعض إجازاته ما ملخصه أنه قرأ على الفقيه المحدث الراوية الخطيب أبي عبد اللَّه بن مرزوق شيئًا من الصحيحين والشاطبيتين وتكملة القيجاطي والدرر اللوامع يرويهما عن مؤلفهما، والعمدة وغيرها، وعلى الفقيه المحدث الراوية المسن الصالح أبي الحسن البطروني القراءة السبعة وكتبًا كثيرة وأحزاب الشاذلي عن الشيخ ماضي عنه وعلى الإمام المؤلف الفقيه الصالح المتفنن العلم أبي عبد اللَّه بن عرفة لازمه ما ينيف على ثلاثين سنة وقرأ عليه بعض مسلم وسمع جميعه عليه وجميع البخاري والموطأ والشفاء وعلوم الحديث لابن الصلاح وجميع التهذيب مرارا وابن الحاجب الفرعي وكثيرًا من الأصلي ومعالم التلمساني الفقيه وجمل الخونجي، وكثيرًا من المحصل وإلقاء التفسير مرارًا وقرأ عليه مختصره المنطقي وفي الأصلين وأكثر مختصره الفقهي وأجازه الجميع وغيرها. وكتب له بخطه مرارًا، وقرأ عليه الفقيه المقريء الراوية أحمد بن مسعود البلنسي، عرف بابن الحاجة القراءات السبعة وغيرها وعلى الفقيه الصالح الراوية المتفنن أبي محمد الشبيبي القراءات السبعة وغيرها والتهذيب والجلاب والرسالة وغيرها والموطأ ومسلمًا وعلم النحو والحساب والفرائض والتنجيم، ولازمه من حدود ستين وسبعمائة إلى عام سبعين، وعلى الفقيه الصالح القاضي العدل الحافظ أحمد بن حيدرة التوزري، لازمه كثيرًا وأخذ عنه مسائل كثيرة، وقرأ على الفقيه الصالح العدل أبي العباس المومناني الصحيحين والشفاء وغيرها، وكذا أخوه الفقيه الصالح القاضي العدل أبو زيد عبد الرحمن وقرأ عليه شيئًا من أصلي ابن الحاجب وأذن له في إقرائه، وعلى الفقيه المحدث الراوية برهان الدين الشامي قرأ عليه أبعاضًا من البخاري والترمذي والشفاء والشاطبية وغيرها، وناوله فهرسته، وعلى الراوية المحدث المعمر أبي إسحاق بن صديق الرسام -اهـ- ملخصًا. ¬

_ = اتحاف أهل الزمان 7: 62، تكميل الصلحاء 9: 11، النشرة العلمية للكلية الزيتونية 1: 169، درة الحجال 3/ 282.

480 - أبو القاسم العبدوسي.

وذكر في فتاويه أنه لازم ابن عرفة نحو أربعين عامًا فأخذ هديه وعلمه وطريقته وجالس غيره كثيرًا في الفقه والرواية في الحديث وغيره وحصل بذلك علمًا كثيرًا- اهـ. وقال السخاوي: كان البرزلي أحدم أئمة المالكية ببلاده المغرب وصاحب الفتاوى المتداولة، قدم القاهرة حاجًا سنة ست وثمانمائة وأجاز لشيخنا، أخذ عنه غير واحد ممن لقيناهم كأحمد بن يونس. توفي بتونس سنة أربع وأربعين، على ما قيل، أو سنة ثلاث عن مائة وثلاث سنين، وحينئذ فهو آخر من في القسم الأول من معجم الحافظ ابن حجر، وكان موصوفًا بشيخ الإسلام- اهـ. قلت: ورأيت في بعض التقاليد أن وفاته سنة اثنين وأربعين ومولده، على ما قال السخاوي، في حدود أربعين وسبعمائة، وممن أخذ عنه الشيخ أبو القاسم ابن ناجي والثعالبي والرصاع والشيخ حلولو وغيرهم- اهـ. 480 - أبو القاسم العبدوسي. الإمام الحافظ اسمه عبد العزيز، تقدم ذكره. 481 - أبو القاسم بن حبيب الحريشي المكناسي (¬1). قال ابن غازي في الروض الهتون: كان فقيهًا مفتيًا مشاورًا حجة، أدركته بالسن فقط، وكان عبد اللَّه العبدوسي يثني عليه في مجلسه- اهـ. 482 - أبو القاسم بن إبراهيم بن حسين بن علي بن عبد اللَّه الماجري الزموري (¬2). قال بعضهم: الفقيه العالم الورع الحافظ الخطيب. ¬

_ (¬1) انظر ابن غازي: الروض الهتون ص 25. (¬2) انظر ترجمته في: درة الحجال 3/ 284.

483 - أبو القاسم الكنابشي البجائي

483 - أبو القاسم الكنابشي البجائي ذكر الملالي أنه كان إمامًا عالمًا صالحًا ورعًا، قرأ عليه الإمام السنوسي وأخوه الحسن التالوتي إرشاد أبي المعالي، وعنه أخذ السنوسي التوحيد.

حرف الكاف

حرف الكاف 484 - ابن الكدوف. من أهل المذهب، له كتاب سماه الكافي، نقل عنه سيدي محمد الحطاب في شرح المختصر في غير موضع. لم أقف على ترجمته. 485 - كريم الدين البرموني (¬1). من شيوخ العصر، أخذ عن الناصر اللقاني وغيره، له حاشية على مختصر خليل في مجلدين، كان حيًا بمكة سنة ثمان وتسعين وتسعمائة، كذا أرخه بعض أصحابنا. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في معجم المؤلفين 8: 144، البستان 153, ودرة الحجال 1/ 283.

حرف الميم

حرف الميم من اسمه محمد 486 - محمد بن يحيى التمّار الأسواني أبو الذكر (¬1). الفقيه المالكي صاحب التصانيف في الأصول والفروع، روى عن أبي مسلم الكجي ونزل بمصر وبها توفي سنة أربع وثلاثمائة. قاله الذهبي في العبر فيمن غبر. 487 - محمد بن عبد اللَّه البغدادي أبو الطاهر (¬2). قال في العبر: كان مالكي المذهب فصيحًا مفوهًا شاعرًا اخباريًا حاضر الجواب عزير الحفظ، ولي قضاء واسط ثم قضاء بعض بغداد، ثم قضاء دمشق ثم قضاء الديار المصرية واستناب على دمشق، حدّث عن بشر بن موسى وأبي مسلم الجي وطبقتهما. توفي سنة سبع وستين وثلاثمائة عن قرب من ستين، قال ابن ماكولا: كان يذهب إلى قول مالك وربما اختار، وكان متفننًا في علوم، له تصانيف- اهـ. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في معجم المؤلفين 12: 101. (¬2) انظر ترجمته في معجم المؤلفين 10: 203، حسن المحاضرة 1/ 256.

488 - محمد بن مسلم بن محمد بن أبي بكر القرشي الصقلي المازري

488 - محمد بن مسلم بن محمد بن أبي بكر القرشي الصقلي المازري (¬1). سكن الاسكندرية، قال القاضي عياض في الغنية: أخذ عن شيوخ صقلية، سمع الحديث من أبي بكر الطرطوشي ودرس الكلام والأصول على أبي محمد الحنفي والنحو على أبي القاسم بن القطاع وأبي حفص السوسي، وغلب عليه الكلام والتحقيق وتقدم فيه تقدمًا برز على أهل وقته فيه، وصنف فيه تصانيف قوية كبارًا ككتاب البيان لشرح البرهان وكتاب تأييد التمهيد وتقييد التجريد وكتاب المهاد في شرح الإرشاد، ورحل إليه الناس في هذا الشأن وناظر الفرق، وكتب إليّ من مصر يجيزني تآليفه، وعمّر فكانت وفاته (¬2)، صح منه. 489 - محمد بن عبيد اللَّه الاشبيلي (¬3). أبو عبد اللَّه بن مجاهد زاهد الأندلس، كان رحمه اللَّه علامة العلماء في وقته وشيخ مشيخة الصوفية، غلب عليه الزهد والانقطاع، مقتديًا في جميع أحواله بالصحابة والسلف، بعيدًا عن الملوك مع شدة رغبتهم فيه. قال القاضي ابن عبد الملك: كان ابن مجاهد واحد وقته علمًا وزهادة واجتهادًا في العبادة، معدودًا من الأولياء ذوي الكرامات الشهيرة وإجابة الدعاء، من الأبدال الأفراد لا يمثل إلا بالصدر الأول منافرًا للملوك مع شدة رغبتهم فيه لا يقبل منهم كثيرًا ولا قليلًا، له غرائب أحوال منها: أن بعض أمراء الموحدين تشفع إليه في قبول صلة بعثها إليه، فبعد وفاة ابن مجاهد وجدت في تركته مكتوبًا عليها لفلان بن فلان. وذكر الأستاذ ابن طلحة أن بعض السلاطين قدم اشبيلية فاستدعاه مع العلماء لمجلسه ليشاركهم في أمور المسلمين، فلما انصرفوا عن الأمير قال ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الغنية ص 156. (¬2) في الغنية: فكانت وفاته بعد العشرين وخمسمائة. (¬3) انظر ترجمته في معجم المؤلفين 1: 240، تكملة الصلة 1/ 240، والمرقبة العليا ص 106، وشذرات الذهب 4/ 248.

490 - محمد بن عبد الواحد بن إبراهيم بن فرج بن أحمد بن حريث الغافقي

لأصحابه: هذا ابن مجاده لا مطمع لأحد فيه أما رأيتموه حين دخل علينا قدّم رجله اليسرى فلما خرج قدم رجله اليمنى. ولما ملك منصور الموحدين، وكان غاية في العلوم والتفنن فيها قدم اشبيلية لرؤية ابن مجاهد والتبرك به، فحاول بكل وجه أن يصل إليه فامتنع من ذلك، فبينما هو ذات ليلة في داره إذا بأمير المؤمنين في خاصته يدق عليه الباب فأذن له فدخل عليه وسأله الدعاء وانصرف فرحًا مسرورًا بإقباله عليه ودعائه له، وكان قوته من الخبز قرصة في يومين، وكثيرًا ما يتصدق بها ويبقى طاويًا يومًا أو يومين إلى أن توفى سنة أربع وسبعين وخمسمائة. وذكر الإمام أبو إسحاق الشاطبي أن ابن مجاهد كان محافظًا على ترك الدعاء بإثر الصلوات على الهيئة، تصميمًا منه على مذهب مالك أنه مكروه فنزل في جواره رجل من عظماء الدولة وأهل الوجاهة وأمره أن يدعو فأبى وبقي على عادته ثم صلى العشاء في المسجد وخرج لداره، قال لمن حضره: قلت لهذا الرجل يدعو بعد الصلوات فأبى، ففي غد أضرب رقبته بهذا السيف وأشار لسيف في يده، فخافوا على ابن مجاهد منه فرجعت الجماعة إلى ابن مجاهد بجملتها فقال: ما شأنكم؟ قالوا واللَّه خفنا عليك من هذا الرجل، اشتد غضبته عليك في تركك الدعاء فقال لهم: لا أخرج عن عادتي فأخبروه بالقصة، فتبسم فقال انصرفوا ولا تخافوا فهو الذي تضرب رقبته غدًا بذلك السيف بحول اللَّه ودخل داره وانصرفوا عن ذعر، ففي الغد جاء إلى دار الرجل قوم من صنفه مع عبيد المخزن وحملوه فتبعه قوم من أهل المسجد ممن على خبر البارحة حتى وصلوا به إلى دار الإمارة فضربت رقبته بسيفه ذلك، تحقيقًا للكرامة- اهـ. 490 - محمد بن عبد الواحد بن إبراهيم بن فرج بن أحمد بن حريث الغافقي (¬1). أبو القاسم، يعرف باللاحي، كان محدثًا راوية أديبًا مؤرخًا فاضلًا ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: الإحاطة. . . . . . /. . . . .، تكملة الصلة 323، تذكرة الحفاظ 4/ 189، فهرس الفهارس 2/ 884.

491 - محمد بن إبراهيم المشتهر بالأصولي

جليلًا. قال ابن الزبير: كان من أفضل الناس وأحسنهم عشرة وألينهم كلمة وأكثرهم خلقًا، وذكره صاحب الذيل والأستاذ الطراز والقاضي ابن عبد الملك وأطنب فيه وعيرهم، أخذ عن جماعة كأبي بكر بن طلحة بن عطية وعبد المنعم بن عبد الرحيم وأبي الحسن بن كوثر وأبي بكر بن أبي زمنين وغيرهم، وكان كثير الرواية من أهل الضبط والتقييد والاتقان بارع الخط حسن الوراقة أديبًا بارعًا ذاكرًا للتاريخ نقادًا حافظًا للأسانيد، ثقة عدلًا مشاركًا في فنون، روى عنه ابن المرابط ألف تاريخ علماء البيرة واحتفل فيه، وكتابًا في الأنساب والأربعين حديثًا وفضائل القرآن وبرنامج رواياته. ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة، وتوفي في شعبان سنة تسع عشرة وستمائة ببلده -اهـ- ملخصًا من الإحاطة لابن الخطيب. 491 - محمد بن إبراهيم المشتهر بالأصولي (¬1). من أهل بجاية تقضى في مدن من الأندلس وبمراكش وببجاية ثلاث مرات آخرها سنة ثمان وستمائة، وكان جلدًا صلبًا قوي الجأش، ومن ظرفه أنه حضر مجلس السلطان وأحضرت فيه لآليء نفيسة في طبق وعرضت على حاضري المجلس فاستحسنوها وعدت ففقدت منها واحدة، فهمّ أمير المؤمنين يفتشهم فأشار عليه بإحضار قلة ماء مملوءة ويدخل فيها كل إنسان يده يستبرأ على الفاعل، فسيقت القلة فلما انتهت إليه ليدخل يده فيها امتنع وقال صبوها فإن وجدتم حاجتكم وإلا فهي عندي فصبوها فوجدوها فخلص من الشك، وهذا من نبله وسياسته، كان عالمًا بالفقه والأصلين والخلاف والجدل شديدًا على الولاة، جرى بينه وبين والي بجاية كلام فيه غلظة فقال له الوالي: واللَّه لقد أصاب فيكم أمير المؤمنين المنصور فقال: إن كان أصاب المنصور فأخطأ أمير المؤمنين الناصر فأفحمه فرجع الوالي واسترضاه. توفي ذبيحًا ببجاية أواخر سنة اثنتي عشرة وستمائة. صح من عنوان الدراية للغبريني. ¬

_ (¬1) انظر عنوان الدراية 208، دليل مؤرخ الغرب 1/ 87، تكملة الصلة 376، تعريف الخلف 2/ 327، أعلام الجزائر 18.

492 - محمد بن عيسى بن مع النصر المومناني

492 - محمد بن عيسى بن مع النصر المومناني (¬1). أبو عبد اللَّه، كان شريفًا حسنيًا فاسيًا يدعى بالإمام لسعة علومه في المنقول والمعقول، ولي قضاء قرطبة ومراكش زمن الموحدين، كان فقيهًا عالمًا صالحًا مستبحرًا مفتيًا مدرسًا، من أهل الرأي مقدمًا في الفتوى، شديد الفهم كثير الحفظ عارفًا بالأصول والفروع والحديث وعلله وأسانيده وتخريجه، ذكره ابن الأحمر في حديقته ولم يذكر وفاته. 493 - محمد بن عيسى بن محمد بن أصبغ، عرف بابن المناصف (¬2). الأزي القرطبي من أعيانها، يكنى أبا عبد اللَّه وبيته بيت علم، روى عن جماعة من أهل بلده، وأخذ الناس عنه كثيرًا، تولى قضاء بلنسية، وكان فقيهًا جليلًا أديبًا متفننًا عالمًا ألّف كتاب الاتحاد في أبواب الجهاد وهو كتاب مفيد استوعب فقه الجهاد مع حسن اختياره واتقان تأليفه، لم يؤلف في بابه مثله، ونظم الرجز المسمى بالمذهب في الحلى والشيات وغيرها بمراكش في جمادى الأولى عام عشرين وستمائة. مولده بالمهدية من افريقية قال ابن الزبير: أخذ عنه جماعة من شيوخنا كأبي الحطاب بن خليل وأبي القاسم بن ربيع وأخيه أبي الحسن وغيرهم -اهـ- من رحلته. 494 - محمد بن أحمد بن عيسى عرف بابن الطير (¬3). قرأ بتونس ثم رحل للشرق وحج ولقي ناسًا ورجع لافريقية وكان عالمًا بالفقه وأصوله مع رياسة ونزاهة. أكره على قضاء بجاية ثم عزل ولما وصَلَهُ عَزْلُه سجد للَّه شكرًا اختصر كتاب المستصفى اختصارًا حسنًا. ذكره شيخنا أبو محمد بن عبادة. صح من عنوان الدراية. ¬

_ (¬1) انظر جذوة الاقتباس 1/ 215، الأعلام بمن حلّ مراكش 3/ 139. (¬2) انظر ترجمته في: تكملة الصلة 325 المغرب في حل المغرب 1: 105. (¬3) انظر توشيح الديباج ص 239 وعنوان الدراية 194.

495 - محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن. عرف بابن محرز

495 - محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن. عرف بابن محرز (¬1). الشيخ الفقيه، الحافظ اللافظ، المحدّث المتقن، اللغوي، التاريخي. قرأ بالأندلس، ولقي بها أفاضل، وله مكارم. ثم ارتحل عنها بعد الأربعين وستمائة إلى بجاية فاستوطنها، معظّمًا عند أهلها ومكرّمًا عند الملك، روى عنه بها كثير. تقرأ عليه كتب الفقه والحديث واللغة والأدب، مجيدًا محصلًا لهذه الفنون، قيّد عنه أصحابه كثيرًا وذكر لي أن له تقييدًا على التلقين، حسن الحجج، وكان رأس الجماعة بالأندلسية، فتوفي ببجاية يوم الأحد ثامن عشر شوال سنة خمس وخمسين وستمائة. مولده في آخر جمادى سنة تسع وستين وخمسمائة. صح من عنوان الدراية. 496 - محمد بن يوسف المزدغي (¬2). الفقيه المفتي، كان عالمًا بالأصول والكلام، وله معرفة باللسان وتصرف في جميع العلوم العقلية والنقلية، محدث حافظ ألف تفسيرًا انتهى فيه إلى سورة الفتح ومات، وأنوار الأفهام في شرح الأحكام إلى الأقضية، ومقالة في الوباء وأخرى فيما يجوز للفقراء المضطرين في أموال الأغنياء، وعقيدة. أخذ الحديث عن أبي ذر بن أبي ركب وعبد العزيز بن زيدان، وروى بقرطبة واشبيلية وروى عنه ابناه أبو جعفر وأبو القاسم ومحمد بن عبد الرحمن بن راشد العمراني والحافظ ابن عبد الملك صاحب التكملة. توفي في رابع عشر ربيع الأول سنة خمس وخمسين وستمائة عن اثنين وثلاثين، وصحبه طير من داره إلى قبره، 497 - محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الخزرجي التلمساني المالكي، نزيل ثغر الاسكندرية. كان من صلحاء العلماء سمع بسبتة الموطأ على أبي محمد بن عبد اللَّه ¬

_ (¬1) انظر عنوان الدراية ص 283، الحلل السندسية 3/ 187، نفح الطيب 2/ 272 توشيح الديباج ص 239. (¬2) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 199، وجذوة الاقتباس 1/ 222، وسلوة الأنفاس 2/ 38.

498 - محمد بن أحمد بن عبد الله، يعرف بابن سيد الناس

الحجري، مات في ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة عن اثنين وسبعين سنة. صح من تاريخ السيوطي. قلت: وهو شارح الجلاب المشهور، واللَّه أعلم. 498 - محمد بن أحمد بن عبد اللَّه، يعرف بابن سيد الناس (¬1). الشيخ الفقيه الحافظ الخطيب اللغوي أبو بكر، لقي مشايخ منهم: والده الفقيه أبو العباس والشيخ أبو العباس أحمد بن عيسى وغيرهما، وأقرأ بإشبيلية، كان راوية حافظًا للحديث يقوم قيامًا حسنًا على البخاري، وكان إذا قرأ الحديث أسنده إلى أن ينتهي للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم يتكلم على رجاله الصحابة والتابعين فمن بعدهم واحدًا فواحدًا، ويعرفهم نسبًا واسمًا وصفة وتاريخًا إلى شيخه فذكر ما فيه وأنه لقيه وقرأ عليه وسمع منه، ثم يذكر لغة الحديث وغريبه وفقهه والخلاف العالي ودقائقه ورقائقه والمستفاد منه بفصاحة. واستدعاه المنتصر باللَّه لافريقية ولما دخل عليه سأله قراءة آية من القرآن، فاستفتح بالاستعاذة ثم قرأ {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا} الآية، فكان ذلك سبب حظوته واجزال عطيته، ويذكر أنه يستظهر ستة آلاف حديث بأسانيدها ويذاكر بها مع ما يتبعها من لغة ونحو، وكان رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومسح بيده الكريمة على صدره قال: فما حفظت شيئًا ونسيته، وهذا من كراماته، وكان يكتب جيدًا وينظم حسنًا. توفي في ثالث عشر جمادى الأخير سنة سبع وخمسين وستمائة. 499 - محمد بن محمد بن أبي بكر القلعي (¬2). كان عالمًا بالفقه والفرائض والحساب، له مجلس يقرأ عليه فيه التهذيب من العدول المرضيين. توفي ببجاية في عشر الستين وستمائة. صح من الغبريني. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 194، عنوان الدراية 291، ألف سنة من الوفيات 73. (¬2) ترجمته في: عنوان الدراية ص 266، وتعريف الخلف ص 488، وأعلام الجزائر ص 267، 268.

500 - محمد بن عبد الرحمن بن يعقوب الخزرجي الأنصاري الشاطبي

500 - محمد بن عبد الرحمن بن يعقوب الخزرجي الأنصاري الشاطبي (¬1). الفقيه القاضي الصدر المتقن المحصل المجيد، له علم محكم وعقد صحيح مبرم، رحل للشرق وحج وكانت رحلته بعد تحصيله فزاد فضلًا إلى فضل ونبلًا على نبل، كان متثبتًا في فقهه لا يستحضر كثير النقل ولكن ما يحتاج إليه، عالمًا بالعربية وأصول الفقه مشاركًا في أصول الدين كشرح الجزولية، وكان أبوه قاضيًا وبيتهم بيت علم وقضاء وتوارث سودد، ولي قضاء بجاية فكان على سنن الفضلاء وطريق الأولياء العقلاء، قائمًا بالحق مع الصدق معارضًا للولاة لا يرى تقديم الشهود إلا عند الحاجة، فإذا حصل من تقع به الكفاية فلا يقدم سواهم لأن الكثرة مفسدة. طلب منه الملك تقديم رجل فقال له مشافهة: إن شئتم قدمتموه وأخروني وكان إذا جرى الأمر في تحري الشهادة، ويجري ما قاله فيه القاضي أبو بكر بن العربي وغيره من أنها قبول قول الغير بغير دليل، يرى أن هذا أمر عظيم لا يليق أن يمكن منه إلا الآحاد الذين بأن فضلهم في الوجود، وكان يرى أن جنايات الشاهد في صحيفة من يقدمه لحديث "من سن سنة حسنة" وقد سئل من أولياء اللَّه؟ فقال: شهود القاضي لأنهم لا يأتون كبيرة ولا يواظبون على صغيرة، فإن كانت الشهادة بهذه الصفة فلا شيء أجل منها، وإن كانت خطة فلا شيء أخس منها، ولما كانت واقعة ابن مرين بطنجة عرض عليه أهلها أن يتقدم وأن يبايعوا فقال: واللَّه لا أفسد ديني، ولما توفي عجر القاضي بعده عن سلوك منحاه واقتفاء سننه. صح من الغبريني في تاريخ أهل المائة السابعة ببجاية. 501 - محمد بن شعيب الهسكوري (¬2). الفقيه العالم الفاضل والإمام المجتهد الجليل العابد أبو عبد اللَّه، من أهل العلم والعمل متفننًا في العلوم كالفقه والأصلين والتصوف، محصلًا ¬

_ (¬1) انظر عنوان الدراية للغبريني ص 115، نفح الطيب 3/ 372. (¬2) الظاهر أن ترجمته قد سقطت من عنوان الدراية (طبعة عادل نويهض).

502 - محمد بن علي بن معلي القيسي السبتي.

لمذهب مالك، ثم رحل للشرق ولازم الاشتغال وأقام بالاسكندرية ثلاثًا وعشرين سنة، ثم رجع لتونس وظهر حاله ودرس عليه الناس وانتفعوا ثم عرض عليه القضاء فامتنع فأكره فأشار عليه بعض أصحابه أن يتصرف في أموره التصرف الشرعي ليكون سبب عزله فكان كذلك، ولي ولده القيروان فوقعت المعارضة بين المكاسين وبعض أهلها فدعي إليه فقال ليس في الشريعة مكس وضرب المكاس وضيق به فأنهى الأمر إلى الولاة بحاضرة أفريقية فأمروا بعزله وقالوا: لا يصلح للولاية فوصل سريعًا مكرمًا. صح من عنوان الدراية. 502 - محمد بن علي بن معلي القيسي السبتي. صاحب المناسك المشهورة، قال صاحب الكوكب الوقاد: هو الفقيه الإمام المتفنن المحقق الأعرف المعظم العامل الخاشع العالم الخاشي التقي الورع أبو عبد اللَّه، كان في الدولة العزالية معظمًا عندهم متبركًا بدعائه، ومناسكه تدل على مكانه من العلم، وقد اشتهرت في البلاد وانتفع بها الناس، وتوفي سنة واحد وستمائة -اهـ- ملخصًا. 503 - محمد أبو عبد اللَّه الهزميري (¬1). الشيخ الصالح العالم الزاهد الولي العارف باللَّه، أخو أبي زيد الولي المتقدم، وهو أسن منه، كان من الفقهاء المتصدرين للإقراء والتدريس قال ابن الخطيب القسنطيني: حدثني ثقات أنه كان يومًا يتكلم على مسألة في مجلس إقرائه فتكلم رجل من طرف الحلقة فيها معه فلم يجبه والرجل لا يُعرف وعليه مرقعة، فنظر إليه الحاضرون استهزاءً فقال له الرجل: يا فقيه أدرك أُمَّك فقد حضر أَجلُها ثم قال: اللَّه فطار في الهواء، فعجب الحاضرون من ذلك، فقام ضجيج في المسجد وغُشي على الشيخ ساعة وانصرف إلى منزله فوجد أمه منتظرة [إياه]، وكانت من الصالحات فقالت: يا ولدي حضر أجلي وأردت حضورك وأعياني انتظارك، فجلس عندها حتى قبضت، ولما فرغ من دفنها ¬

_ (¬1) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 201.

504 - محمد بن إبراهيم بن أحمد بن حسن الطائي الأندلسي أبو عبد الله، ويعرف بابن مشعور

خرج عن الدنيا وانقطع إلى اللَّه تعالى، وبلغ أمله في مقامات الأولياء، وجاهد ما لم يجاهده غيره، فمن مجاهداته أنه أمر ببناء باب البيت وأن لا يُحَلَّ إلا بعد ستة أشهر، ولم يُدخل معه غير الماء وحده، وسُئل بعد خروجه عن حاله. فقيل له كيف كنت في هذه المدة فقال كالميت إلا أني أجد قوة عند الصلاة. وببلد "أغمات" وقفت على قبره متبركًا به، مترحمًا عليه- اهـ. قلت: وله كرامات كثيرة أفردها مع كرامات أخيه أبي زيد الشيخ أبو عبد اللَّه بن تجلات الأغماتي بتأليف سماه "اثمد العينين في مناقب الأخوين" ذكر منها كثيرًا، وقفت عليه بمراكش، وذكر أنه توفي عصر يوم السبت آخر يوم من شوال سنة ثمان وسبعين وستمائة، عن نيف ستين سنة، ودفن بعد العصر يوم الأحد- اهـ. وقد زرت قبره بأغمات مرارًا وتوسلت عنده، وللَّه الحمد (¬1). 504 - محمد بن إبراهيم بن أحمد بن حسن الطائي الأندلسي أبو عبد اللَّه، ويعرف بابن مشعور (¬2). قال ابن الزبير: كان مقرئًا متقنًا محكمًا للقرآن حافظًا ضابطًا، آخر أهل الشأن بغرناطة والأندلس اتقانًا وضبطًا وتجويدًا وورعًا، لازمته سنين كثيرة فما سمعته يتكلم بغيبة أحد، ولا منتصرًا بل مشتغلًا بنفسه مقبلًا على ما يعنيه، ما استُعمل قطُّ لأبناء الدنيا ولا وقف على باب أحد بوجه، عُرضت عليه نيابة الجامع الكبير من غرناطة فامتنع جملة استصغارًا لنفسه، مع أنه أهل لما فوق ذلك، وافر الحظ من العربية أقرأها عمره، أخذ عن الأستاذ المحدث الطراز والأستاذ المقري الجليل أبي محمد الكواب، أخذ عنه السبعية وغيرها ولازمه. توفي آخر يوم من ربيع الأول سنة سبعين وستمائة. ¬

_ (¬1) هكذا كانت بعض تراجم شخصيات "النيل" موغلة في عالم التصوف ولا يتردد المؤلف في قبول مثل هذه الأخبار لأنها جزءٌ من اتجاهه الفكري، ولا يسمح المجال هنا بمناقشة هذه القضايا ولا يؤثر وجودها في قيمة الكتاب التاريخية. (¬2) ترجمته في غاية النهاية في طبقات القراء 2: 43، وفيه: يعرف بمشعور.

505 - محمد بن الحسين بن عتيق بن رشيق الربعي المصري

505 - محمد بن الحسين بن عتيق بن رشيق الربعي المصري (¬1). علم الدين شيخ المالكية، كان من سادات المشائخ، جمع بين العلم والعمل والورع، ولي قضاء الاسكندرية. ولد سنة خمس وتسعين وخمسمائة، ومات سنة ثمانين وستمائة، وولي ولده زيد الدين أبو القاسم محمد بن العلم قضاء الاسكندرية اثنتي عشرة سنة، كان مالكيًا، وروى عن ابن الجميزي، وله نظم وفضائل. مات في المحرم سنة عشرين وسبعمائة عن اثنين وتسعين سنة. صح من تاريخ مصر. 506 - محمد بن إبراهيم السبتي (¬2). نزيل قوص أبو الطيب، قال السيوطي: كان من أوحد العلماء العاملين فقيهًا مالكيًا متفننًا في علوم متورعًا، أخذ عنه أبو حيان وغيره، مات سنة خمس وتسعين وستمائة. قال الكمال الأُدفُوي في "الطالع السعيد" بعد ذكره ما تقدم: حكى لنا صاحبنا العدل ناصر الدين محمود بن العماد أنه كان يجوز بالمكتب في يوم مولد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيقول: يا فقيه، هذا يوم سرور اصرف الصبيان فيصرفنا، قال السيوطي: وهذا منه دليل على تقريره وعدم إنكاره. 507 - محمد بن فتح بن علي الأنصاري (¬3). قاضي الجماعة أبو بكر، كان طِرفًا في الدَّهاء والتخلُّق والمعرفة بمقاطع الحقوق ومغابن (¬4) الرّيب وعلل الشهادات، فذًا في الجلالة (¬5) والصَّرامة مقدَّمًا (¬6) بصيرًا بالأمور، حسن السيرة عذب المفاكهة، خرج من اشبيلية عند تغلب ¬

_ (¬1) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 187. (¬2) الطالع السعيد. . . . .، وبغية الوعاة 1/ 14 وما نسبه هنا إلى السيوطي منسوب فيه إلى الصلاح الصفدي. (¬3) الإحاطة 2/ 138 مع تصرف في النقل. (¬4) الإحاطة: معامز. (¬5) الإحاطة: الجزالة. (¬6) الإحاطة: مقدامًا.

508 - محمد بن أحمد بن يحيى بن إبراهيم بن غالب الكلابي الطريفي.

الروم عليها فولي قضاء مالقة وبسطة ثم غرناطة (¬1)، فاستمر ثلاثين عامًا فتوفي في ربيع الأولى عام ثمانية وتسعين وستمائة. صح من تاريخ غرناطة لابن الخطيب. 508 - محمد بن أحمد بن يحيى بن إبراهيم بن غالب الكلابي الطريفي. عُرف ابن غالب قال الحضرمي: كان شيخًا مسنًا فاضلًا نبيهًا حسيبًا مليح المجلس أديبًا عالي الطبقة، ذا نظم كثير، ولي قضاء بلش ومالقة وغيرهما، ودرس وأفتى، ذكره الوزير الكاتب البليغ الحافل الصدر ابن الخطيب في كتابه "عائد الصلة وعاقد الأشباه المنفصلة" الذي وصل به صلة بن الزبير. توفي عن سن عالية عشرين من شوال عام تسعة وعشرين وسبعمائة. مولده في المحرم عام ستة وخمسين وستمائة. 509 - محمد السوكني المفتي (¬2). 510 - محمد بن محمد بن محمد بن عبد اللَّه بن إبراهيم بن غريون أبو عبد اللَّه الأنصاري البجائي (¬3). عالمها وخطيبها، قال الحضرمي: شيخنا الخطيب الصالح- اهـ. 511 - محمد بن محمد بن علي، شهر بابن البقال (¬4). العلامة المحقق الفقيه أبو عبد اللَّه، قال أبو العباس الونشريسي: نقلت من خط الفقيه الأستاذ أبي الحسن علي بن محمد بن بري أن أبا عبد اللَّه المذكور كان من العلماء المحققين المحصلين المشاركين، أخذ أولًا بتازي علم الفرائض والعدد على أبي عبد اللَّه العباس بن مهدي والنحو والكلام على أبي عبد اللَّه الترجالي، واستوطن فاسا، ودأب على القراءات واستفرغ وسعه في ¬

_ (¬1) الإحاطة: ثم ولي الحسبة بغرناطة ثم جمعت له إليها الشرطة ثم قدم قاضيًا. (¬2) بياض بالأصل. وسوكنة إحدى المدن الليبية. (¬3) ترجمته في غاية النهاية 2: 254، وتعريف الخلف. (¬4) ألف سنة من الوفيات.

512 - محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف

المعقول سنين عديدة، حتى حصَّل التعاليم واتقنها، ثم أخذ أخيرًا في التفسير والفقه الخلافي، كان له حظ وافر من اللغة والأدب والبيان والعروض والشعر والكتابة، وكان آخر عمره كثير التلاوة للقرآن محافظًا على صلاة الجماعة له ورد من الليل، وبالجملة ما ريء في وقته من حصَّل من علوم الفلاسفة مثل ما حصله، مع الديانة والوقوف مع الشريعة، وأخذ في آخر عمره في تدريس الفقه فكان آيةً، وتوفي بفاس سنة خمسين ودفن إثر صلاة الجمعة داخل باب الفتوح وقد قارب الخمسين- اهـ. قلت: وله أجوبة حسنة في التفسير والأصول أجاب بها أبا زيد بن العشاب المتقدم. 512 - محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف (¬1). القرشي الهاشمي التونسي عرف بابن القوبع، ذكره ابن فرحون في الديباج وقال: شيخ الديار المصرية والشامية العلامة في فنون العلم، نزيل القاهرة، لم يخلف بعده مثله، مولده سنة أربع وستين وستمائة، وتوفي سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. زاد السيوطي عن الصدفي (¬2): أنه ولد بتونس في رمضان وقرأ النحو على يحيى ابن الفرج بن زيتون والأصول على محمد بن عبد الرحمن قاضي تونس، وقدم سنة تسعين فسمع بدمشق من ابن القواس وأبي الفضل بن عساكر وجماعة، ودرس الطب بالبيمارستان وكان يتوقد ذكاءً، ومهر في فنون حتى إذا تحدث في شيء من العلوم تكلم في دقائقه وغوامضه حتى يقول القائل: إنه أفنى عمره في ذلك. وكان التقي السبكي يقول: ما أعرف أحدًا مثله، وقال ابن سيد الناس ¬

_ (¬1) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 208، والديباج المذهب 2/ 323، والوافي بالوفيات 1/ 238 - 247، والدرر الكامنة 4/ 181، وبغية الوعاة 1/ 226. (¬2) في البغية: عن الصفدي، والنقل عن هذا المصدر بتصرف يسير.

513 - محمد بن حسن بن محمد اليحصبي

لما قدم قعد بسوق الكتب والشيخ بهاء الدين بن النحاس هناك ومع المنادي ديوان ابن هانيء، فنظر فيه ابن التوبع فترنم بقوله: فَتَكاتُ لحظكِ أم سيوفُ أَبيكِ ... وكُؤوسُ خمركِ أم مراشفُ فيكِ (¬1) فقرأ بنصب الجميع فقال له ابن النحاس: يا مولانا هذا نصب كثير فقال له بشدة: أنا أعرف ما تريد من رفعك على أنها أخبار مبتدءات مقدرة والذي ذهبت له أنا أغزل وأمد وتقريره "أقاسي فتكات لحظك"، فقال له: يا مولانا فلم لا تتصدر وتشغل الناس؟ فقال: وأي شيء هو النحو في الدنيا حتى يذكر! وكان فيه بادرة واحدة (¬2)، وكان يتردد إلى الناس من غير حاجة لأحد، ولا سعى منصب، وناب في الحكم في القاهرة ثم تركه قائلًا: يتعذر فيه براءة الذمة، وكان كثير التلاوة حسن الصحبة كثير الصدقة سرًا ولا يمل مطالعة "الشفاء"، لابن سينا كل ليلة، مع سآمة وملل. شرح ديوان المتنبي وغيره. والقُوبع، بضم القاف فيما اشتهر على الألسنة، وقال هو بفتحها اسم طائر- اهـ. قلت: هو من شيوخ الشيخ عبد اللَّه المنوفي، ذكره خليل في ترجمته. 513 - محمد بن حسن بن محمد اليحصبي (¬3). أبو عبد اللَّه، يعرف بابن الباروني من أهل تلمسان، وأخذ بفاس عن أبي الحسن الصغير وأبي زيد الجزولي والأستاذ يوسف الجزولي وأبي زيد الرجراجي، وحضر الموطأ على المزوغي، وكان من صدور الفقهاء، توفي بتلمسان ثالث عشر شوال سنة أربع وثلاثين وسبعمائة. هكذا كتبه لي صاحبنا محمد بن يعقوب الأديب -رحمه اللَّه- وفي مشيخته المقري محمد بن الحسين ¬

_ (¬1) ديوان ابن هانيء ص 94. (¬2) في البغية: وحدّة. (¬3) ترجمته في أعلام الجزائر ص 81.

514 - محمد بن أحمد بن فرج اللخمي الغرناطي يعرف بالطرسوني

البروني الشيخ أبو عبد اللَّه، قدم علينا مع الأندلس وأقام بتلمسان إلى أن مات، وسمعته يقول: البقر العدوية كالإبل المهملة في الصحراء لا يجوز بيعها بالنظر إليها لكن بعد أن تمسكها وتستولي عليها -اهـ- فتأمله أهو الذي قبله أم لا؟. 514 - محمد بن أحمد بن فرج اللخمي الغرناطي يعرف بالطرسوني (¬1). كان قائمًا على النحو والفقه والقراءة، مجيدًا في ذلك محكمًا لما أخذ فيه، مشاركًا في الأصلين والمنطق، بفضل نباهته وذكائه وشعوره، رتب العلوم بالأندلس دون شيخ أرشده، يجمع إلى ذلك خطبًا وظرفًا وفكاهة وسخاء نفس وجميل مشاركة لأصحابه بأقصى قدرته، صنع اليدين يسفر ويحكم تراكيب الطب، وبالجملة فهو من أجل نبلاء عصره الذين قلّ أمثالهم. أخذ القراءة عن الأستاذ أبي الحسن بن أبي العباس (¬2) وبه تفقه بالمرية، وقرأ على الأستاذ ابن الزبير والخطيب ابن الزيات أبوي جعفر وأبي الحسن بن مشعور وأبي عبد اللَّه الطنجالي وأبي الحسن القيجاطي وابن رشيد وغيرهم. توفي ببلد العناب بعد أن أجلاه عن الأندلس وزيرها ابن المحروق آخر ثلاثين وسبعمائة. 515 - محمد بن يعقوب بن يوسف المنجلاتي الزواوي البجائي أبو عبد اللَّه يعرف بالزواوي (¬3). كان حافظًا فقيهًا مستبحرًا في حفظ المسائل والفروع، ولي قضاء بجاية ثم أخر عنه، وكان صديقًا للناصر المشذالي، قال الحضرمي في فهرسته: أخبرنا ولده صاحبنا الفقيه الخير أبو يوسف يعقوب قال: لما صرف والدي عن قضاء بجاية لقيه شيخنا الإمام ناصر الدين المشذالي وكان صديقه وسأله عن حاله واعتذر له وأعلمه أن صرفه عن القضاء شق عليه وأنشد في الحال وحفظه والدي من فيه: ¬

_ (¬1) ترجمته في بغية الوعاة 1: 38. (¬2) في البغية: ابن أبي العنبس. (¬3) انظر النفح 5/ 250.

516 - محمد بن محمد بن أبي القاسم بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن سلامة البلوي القضاعي المالكي الاسكندري.

يعز علينا أن نرى ربعكم يبلى ... وكانت به آيات حُكْمِكُمُ تتلى فشكره والدي وأثنى عليه خيرًا. ورد علينا أبو عبد اللَّه المذكور المرية رسولًا وأقرأ فرائض مختصر ابن الحاجب بحضرة جماعة من شيوخنا كأبي عثمان بن ليون والقاضي أبي يزيد البلوي والكاتب المتفنن أبي عبد اللَّه بن عُمر وغيرهم، وكان القاضي أبو عبد اللَّه المذكور فقيهًا ابن فقيه، مليح البحث حسن، حافظًا مستبحرًا في علم المسائل والفروع وقورًا مشاركًا في فنون العلم فاضلًا، عنده حظ من الأدب، أخذ عن والده وعن الشيخ المحدّث أبي محمد عبد العزيز بن مخلوف بن كحيلا وغيرهما. توفي يوم الجمعة ثاني شوال عام ثلاثين وسبعمائة، والزواوي نسبة لقبيلة من البربر، بفتح الزاي وكسرها، عنهم، وولده صاحبنا أبو يوسف المذكور، كان فقيهًا معظمًا خيِّرًا فاضلًا -اهـ- من فهرسة الحضرمي. 516 - محمد بن محمد بن أبي القاسم بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن سلامة البلوي القضاعي المالكي الاسكندري. قال خالد في رحلته: هو الشيخ الزاهد جمال الدين أبو الفرج ابن الفقيه نجم الدين أبي البركات ابن الفقيه الصالح شرف الدين، من كبار علماء المسلمين، أعلم الناس بمذهب مالك وأعلاهم في دلالة تلك السبل والمسائل، نسب أشهر من الشمس في السماء، وحسب كاتساق النجوم في الظلماء، مع سبق في المنطق والجدل، وحذق في الأصول والفروع، وتشبث بالأدب وتمسك بالرواية، وشأنه عجيب في طرق العلم وبلوغه أعلى مراتب التقى والحلم، أطبق الناس على تعظيمه وحبه، مع انقباضه عنهم وانقطاعه لربه، يضرب به المثل في العلم والزهد، وعند كلامه يقف البحث في الفتوى، مقبلًا على الآخرة معرضًا عن زخرف الدنيا إلا ما يتخذه من ثوب حسن جيد، فترى رجلًا زينه اللَّه بهيبة وجلال وأكرمه أن يشغله بأهل أو مال، وحفظ عليه شبابه فلم تتغير ديباجته، أفادني من فنون المحفوظ والمفهوم ما لا يفيد إلا الأعلام الجلة- اهـ.

517 - محمد بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن محمد بن عطية بن المسلم بن التنخي اللخمي الاسكندري المالكي، شهر بابن عطية.

517 - محمد بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن محمد بن عطية بن المسلم بن التنخي اللخمي الاسكندري المالكي، شهر بابن عطية. قال خالد البلوي في رحلته: الشيخ العالم المسند سديد الدين أبو عبد اللَّه ابن الشيخ عز الدين أبي القاسم ابن الشيخ شهاب الدين ابن الشيخ (¬1) الدين ابن الإمام مفتي المسلمين جمال الدين أبي الماضي عطية، كان من أهل المجد والعلم والعبادة بل أوحد من برع في العبادة والزهد وذروة العلم، له مزية الرفعة ورفعة المزية، فهو حبر الأكارم وبحر المكارم، وتاج المفاخر وحجة الفاخر ودليل كم ترك الأول للآخر. مولده عام خمسين وستمائة -اهـ- ملخصًا. 518 - محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن إبراهيم الأنصاري الساحلي المالقي (¬2). قال الحضرمي في فهرسته: شيخنا الفقيه الجليل الخطيب البليغ العابد المجتهد المتبتل الخاشع الناسك السالك الصالح ولي اللَّه ذو المقامات والأحوال والكرامات الشهير الكبير الراسخ القدم في الولاية، أجازني عامة ما رواه وسمعت من كلامه: "كل حقيقة لم تتقيد بالشريعة فهي باطلة"، وكل شريعة لم تتقيد بالحقيقة فصاحبها محجوب. توفي -قدس اللَّه روحه- بمالقة آخر ساعة يوم الجمعة قبيل المغرب في شوال عام خمسة وثلاثين وسبعمائة عن سبع وثمانين، مولده سنة ثمان أو تسع وأربعين وستمائة، وحضو جنازته العامُّ والخاص وتزاحموا عليها، وكان رجلًا كبيرًا، من المشيخة المحققين والأولياء المجتهدين، ذا قدر وديانة وعبادة، مقيمًا للسنن والأذكار بقية الصالحين، وله تآليف وشعر كثير- اهـ. قلت: وقد ذكر ولده العلامة الجليل أبو عبد اللَّه الساحلي في كتابه "بغية ¬

_ (¬1) بياض بالأصل ولعلها "تقي" الدين. (¬2) ترجمته في الدرر الكامنة 3: 322، والإحاطة 3/ 239، وبروكلمان 1: 809، ومعجم المؤلفين 8: 275.

519 - محمد بن جعفر بن يوسف بن مشتمل الأسلمي.

السالك" له ترجمة مليحة، وذكر أنه ألف في مناقبه "النفحة القدمية في الأخبار الساحلية"، وكذا عرف به في الإحاطة بترجمة حسنة جدًا تركناها خوف الطول. 519 - محمد بن جعفر بن يوسف بن مشتمل الأسلمي. قال الحضرمي في فهرسته: شيخنا الفقيه القاضي الراوية الأفضل أبو عبد اللَّه، من أهل الخير متمعشًا في التوثيق، ولي قضاء غربي مالقة وناب في شرقيها. توفي عام ستة وثلاثين وسبعمائة، ولد في رجب عام ثمانية وستين وستمائة. أنشدني لأبي الحسن بن جبير بسنده إليه: من اللَّه فاسأل كلّ أَمرٍ تريده ... فما يملكُ الإنسانُ نفعًا ولا ضرًا ولا تتواضع للولاةِ فإنّهم ... من الكبر في حال يموج بهم سَكْرى وإياك أن تَرْضى بتقبيل راحةٍ ... فقد قيل فيها: إنها السجدة الصغرى - اهـ. قلت: وعن سفيان الثوري تقبيل يد الإمام العادل سنة، وعن الحسن طاعة، وفي إحياء الغزالي: قبَّل أبو عبيدة بن الجراح يد عمر بن الخطاب فما أنكره، وقد ألّف في رخصة تقبيلها الحافظ أبو بكر بن العربي جزءً لطيفًا، واللَّه أعلم. 520 - محمد بن عبد اللَّه بن راشد البكري نسبًا، القفصي بلدًا، نزيل تونس ويعرف بابن راشد شارح ابن الحاجب (¬1). ذكره في الأصل، ونزيد هنا ما ذكره هو في نفسه، قال ملخصه: قرأت العربية والفرائض والحساب وأدركت بتونس جلة من النبلاء وصدورًا من النحاة والأدباء، فأخذت عنهم ثم تشاغلت بالأصول والفقه زمانًا، ثم رحلت إلى الاسكندرية في زمن الملك السعيد فلقيت بها صدورًا أكابر وبحورًا زواخر كقاضي القضاة ناصر الدين بن المنير، وكان ذا علوم فائقة، والكمال ابن التنسي يدعى مالكًا الصغير يدرس التهذيب، وقاضي القضاة ناصر الدين بن الأبياري ¬

_ (¬1) الديباج المذهب 2/ 328.

تلميذ أبي عمر بن الحاجب، وضياء الدين بن العلاق. وكان فروعيًا مجيدًا، ومحيي الدين حافي رأسه نحويًا أديبًا أنشدني لنفسه: عتبتُ على الدُّنيا لتقديمِ جاهلٍ ... وتأخير ذي فضلٍ فقالت خُذ العُذرا ذوو الجهل أبنائي وكلُّ فضيلةٍ ... فأَربابُها أَبناءُ ضرتي الأخرى فأخذت عنهم ثم رحلت للقاهرة إلى شيخ المالكية في وقته فقيد الاشكال والاقران نسيج وحده وثمر سعده، ذي العقل الوافي والذهن الصافي الشهاب القرافي. كان مبرزًا على النظار محرزًا قصب السبق، جامعًا للفنون معتكفًا على التعليم على الدوام، فأحلَّني محلّ السواد من العين والروح من الجسد، فجلت معه في المنقول والمعقول، فحفظت الحاصل وقرأته مع المحصول، فأجازني بالإمامة في علم الأصول وأذن في التدريس والإفادة، وترددت في أثناء ذلك إلى مجلس الإمام الأوحد العارف بالأصلين الجامع للمذهبين قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد، كان يدرس مختصر ابن الحاجب ويثني عليه كثيرًا، ويقول: إنه احتوى على أربعين ألف مسألة فاعتكف على حفظه ودرسه، وإلى شيخ العقليات بحر المعاني الشمس الأصبهاني استفدت منه طريقته الرشيقة وأبحاثه الأنيقة، وكان يشكر ذهني ويفضّلني على غيري، وإلى الشرف الكركي، وكان لي معه أبحاث ومذاكرات وغيرهم ممن لا يحصى كثرة. ولما ظفرت من العلوم بما أردت رجعت إلى وطني فشرعت في الدروس ومالت إليّ النفوس، ولما توليت القضاء ضاق بأُناس متسع القضاء فسلقوني بألسنة حداد، ولي أُسوة بمن تقدم، وكان ذلك سببًا في الظهور وتضاعف الخسران عليهم حتى سكنوا القبور. في أيام الامتحان ألفت في الأصول [تأليفًا] (¬1) سميته "تلخيص المحصول في علم الأصول" وسهلته بأمثلة، ثم "الفائق في معرفة الأحكام والوثائق" في سبعة أسفار من القالب الكبير، ثم "المذهب في ضبط مسائل المذهب" في ستة ¬

_ (¬1) زيادة عن الأصل.

أسفار من القالب الصغير، ثم "النظم البديع في اختصار التفريع"، ثم "الموهبة السنية في العربية"، ثم "المرقبة العليا في تعبير الرؤيا"، ثم شرح ابن الحاجب المسمى "الشهاب الثاقب" في شرح لفظه وحل مشكلاته وإيضاح رموزه، وإشاراته، وعزو مسائله وتقرير دلائله، وقد استخرجت مسائلها في أماكنها، ولم يبق منها إلا نحو خمس مسائل لم أقف على النقل فيها، وكذا بعض الأحوال -اهـ- ملخصًا. وذكر ابن فرحون أنه لم يقف على وفاته وأنه حيّ في وقت وصول أبي الحسن المريني لتونس- اهـ. وفيه نظر لأن أبا الحسن إنما ملك تونس ودخلها في عام ثمانية وأربعين وسبعمائة. فائدة: ولما زعم صاحب الترجمة في شرح قول ابن الحاجب في القصاص فإن كان فيهم صغير فثلاثة لابن القاسم وعبد الملك وأشهب أن المؤلف خالف عادته وتمشية الأقوال، إذ مقتضى عادته أن يجعل الأول لعبد الملك والثاني لابن القاسم، إذ عادته جعل الثبوت للقول الأول والسلب للثاني- اهـ. قال ابن عبد السلام: هذا الذي قال إنه عادة المؤلف في هذا الكتاب ليس كذلك وإنما يفعل هذا صدر كلامه بالثبوت كما قال، فإن كان فيهم صغير ففي انتظار بلوغه ثلاثة، ولما قال هنا: ثالثها إن لم يكن قريبًا من المراهق لم ينتظر، ومفهوم الشرط يدل على أنه إن كان قريبًا من المراهقة انتظر، كان هذا القول مركبًا من هذين الجزأين الأول منهما هو القول الأول وهو عدم انتظار مطلقًا وهو لابن القاسم، والجزء الثاني هو القول الثاني الانتظار مطلقًا وهو لعبد الملك، وهذا جلي من كلام المؤلف معلوم من عادته يعرفه الصبيان الذين تدربوا بنظر هذا الكتاب وخفي على هذا الشارح وهو يزعم أن له فهمًا لا يشاركه غيره فيه- اهـ. قال الشيخ أحمد الونشريسي: قد أفرط ابن عبد السلام -رحمه اللَّه- في الرد على ابن راشد، مع ما له من مزية التقدم في العلم والصلاح وابتكار

521 - محمد بن عبد الستار أبو عبد الله التونسي

الشرح ونهج السبيل، نفعنا اللَّه بهم ويرحم اللَّه الشيخ أبا عبد اللَّه بن الحباب، فإنه لما توفي القاضي ابن راشد -رحمه اللَّه- بتونس حضر جنازته الأعلام كابن هارون وابن عبد السلام وابن الحباب وغيرهم، وكان ابن عبد السلام وابن هارون مستندين إلى حائط جبانة، وجلس ابن الحباب إلى ظهر الحائط من الجانب الآخر ثم ترحم ابن الحباب على ابن راشد وذكر مآثره وتفننه في العلوم، وقال لو لم يكن من فضائله إلا ابتكاره لشرح ابن الحاجب [لكفى]. قال: وجاء هؤلاء السراق بعده، يشير إلى ابن عبد السلام وابن هارون فسرقوا كلامه ونسبوه لأنفسهم وأشار إليهما وهما يسمعان- اهـ. فرحمه اللَّه تعالى عليهم ونفعنا بهم. 521 - محمد بن عبد الستار أبو عبد اللَّه التونسي (¬1). قال الشيخ خالد في فهرسته: وهو ثاني أبي الحسن المنتصر في الفضل والولاية والعلم، المستمع الرَّاوية العالم العامل خطيب جامعه الأعظم، إمام من أئمة الفروع والتفسير وسراج يقتدى به، انتمى من الفضل إلى أقصى أمده وكرع في بحره لا في ثمره، أصاب بأنوار معارفه البلاد وترادف على محله العلي القُصَّاد، وعلا سنه وسناه وبلغ من المعارف الدينية والأحاديث النبوية قصده ومناه، له جلالة السبق ومهابة الولاية والصدق، ومكانة القبول عند الخالق والخلق، زاهدًا في الدنيا وزهرتها يدرس العلوم من التفسير والحديث والفروع والأصول، لازمته وانتفعت به وشاهدت له كرامات ومقالات لا تصدر إلا عن مثله، رحل وحج فلما عاد لوطنه أعاد جميع صلوات سفره، وقد نيّف الآن على التسعين فما ضعفت له قط مواد العبادة، ولا تعطلت مدرسته عن دولته المعتادة -اهـ- ملخصًا. 522 - محمد بن أحمد بن ثعلب المصري. شهر بابن كشتغدي القاضي مدرس المالكية بمصر، أحد شيوخ ابن مرزوق الخطيب قال في مشيخته: قرأت عليه بمنزله جملة مختصرة، وشرحه على ¬

_ (¬1) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 210.

523 - محمد بن حسن بن عبد الله القرشي الزبيدي أبو عبد الله

ابن الحاجب الفرعي ولم يكمله، وجملة وافرة من الطرر للفقيه سند، ومن شرحه لمختصر أبي الحسن الطليطلي الذي ألفه باقتراح الأمير موسى سلطان مالي ملك السودان. وكان من أحسن الناس سيرة و [أطعمهم] للطعام وأشهرهم تواضعًا، له كلام مستعذب في التصوف، وقلمه أفصح من لسانه- اهـ. 523 - محمد بن حسن بن عبد اللَّه القرشي الزبيدي أبو عبد اللَّه (¬1). العالم الصالح الزاهد النسابة بقية الشيوخ وزين عصره، قال الشيخ الرحلة ابن بطوطة في رحلته: توفي عام أربعين وسبعمائة، وهو أحد الفضلاء والزبيدي نسبة لقرية بساحل المهدية. 524 - محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن بكر بن سعيد الأشعري المالقي يكنى أبا عبد اللَّه ويعرف بابن بكر من ذرية أبي موسى الأشعري (¬2). قال في الإحاطة: كان من صدور العلماء وأعلام الفضلاء سذاجةً ونزاهة ومعرفة وتفننًا، فسيح الدرس أصيل النظر واضح المذهب، مؤثرًا للإنصاف، عارفًا بالأحكام والقراءة، مبرِّزًا في الحديث تاريخًا وإسنادًا، وتعديلًا وجرحًا، حافظًا للأنساب والأسماء والكنى، قائمًا على العربية، مشاركًا في الأصول والفروع، واللغة والعروض والفرائض والحساب، مخفوض الجناح، حسن الخلق عطوفًا على الطلبة، مُحبًا في العلم والعلماء، مطّرح التصنع، عديم المبالاة بالملبس، بادي الظاهر، عزيز النفس نافذ الحكم، تقدم للشياخة بمالقة، ناظرًا في أمور العَقْد والحل ومصالح الكافة. ثم ولي القضاء فأعزّ الخُطة، وترك الهوادة، وأنفذ الحق، ملازمًا للقراءة والإقراء، محافظًا للأوقات حريصًا على الإفادة، ولي القضاء والخطابة بغرناطة محرم سبعة وثلاثين، فقام بالوظائف، وصدع بالحق، و [جرّح] (¬3) الشهود ¬

_ (¬1) انظر الإحاطة في أخبار غرناطة 2: 107 و 4: 310. (¬2) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 214، والإحاطة 2/ 176، ونقله عنها بتصرف. (¬3) في الأصل: بهرج والتصحيح من الإحاطة.

فزيف منهم ما ينيف على سبعين، واستهدف بذلك إلى معاداة ومناضلة، خاض ثبجها وصدم تيَّارها، غير مبال بالمغبَّة ولا حافل بالتَّبعة، فناله لذلك من المشقة والكيد العظيم ما نال مثله، حتى كان لا يمشي إلى الصلاة ليلًا ولا يطمئن على حاله، وجرت له في ذلك حكايات إلى أن عزم الأمير أن يرد للعدالة بعض من أحطه فلم يجد في قناته مغمزًا ولا في هوده معجمًا (¬1). تصدر لبث العلم بالحضرة يقريء فنونًا جمة، فنفع وخرَّج، وأقرأ القرآن ودرس الفقه والأصول والعربية والفرائض والحساب وعقد مجالس الحديث شرحًا وسماعًا على انشراح، صدر وحسن تجمل، وخفض جناح، قال القاضي المؤرخ أبو الحسن ابن الحسن في وصفه: كان شيخنا أبو عبد اللَّه بن بكر صاحب حزم ومضاء، وحكم صادع وقضاء، أحرق قلوب الحسدة وأعزّ الخطة بإزالة الشوائب وذهَّب وفضَّض كواكب الحق، ونفذ في المشكلات، وثبت في المذهلات، واحتج وبكَّت وتفقَّه ونكَّت. قال: حدثنا صاحبنا أبو جعفر الشقوري قال: كنت قاعدًا بمجلس حكمه، فرفعت إليه امرأةٌ رقعةً مضمنها أنها مُحبَّة في مِّطَلَّقها، وتطلب الشفاعة لها في ردِّها، فتناول الرُّقعة، ووقّع لها على ظهرها، بلا مهملة: "الحمد للَّه، من وقف على ما بالقلوب (¬2) فليصغ لسماعه إصاغة مُغيث وليشفع للمرأة عند زوجها تأسيًا بشفاعة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لبريرة في مغيث، واللَّه تعالى يسلم لنا العقول والدين ويسلك بنا مسلك المهتدين والسلام من كاتبه". قال صاحبنا: فقال لي بعض الأصحاب: هلّا كان هو الشفيع لها؟ فقلت: الصحيح أن الحاكم لا ينبغي أن يباشر ذلك بنفسه على النصوص. قرأ على الأستاذ المتفنن ابن السداد الباهلي القرآن جمعًا وإفرادًا والعربية والحديث ولازمه وتأدب به، وعلى الشيخ الصالح أبي عبد اللَّه بن حريث (¬3) ¬

_ (¬1) اختلاف بين نص "النيل" و"الإحاطة" يغيِّر المعنى، وما هنا أقرب للصواب. (¬2) في الإحاطة: ما بالمقلوب أي ما بظهر الورقة، ولعلها ما بالمكتوب. (¬3) في الإحاطة: عيَّاش.

525 - محمد بن أحمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد ابن جزي

كثيرًا من كتب الحديث، سمع عليه جميع صحيح مسلم إلا دولة واحدة. وأخذ عن خاتمة المقرئين أبي جعفر بن الزبير والخطيب ابن رُشيد والولي الصالح أبي الحسن بن فضيلة والأستاذ أبي عبد اللَّه بن الكماد، وأجازه أبو فارس عبد العزيز بن الهواري وأبو إسحاق التلمساني، ومن افريقية أبو المعمر (¬1) محمد بن هارون ومحمد بن محمد بن سيد الناس والشّرف الدُّمياطي وجماعة من أهل مصر والشام والحجاز. فُقد في المصاب يوم المناجزة بطريف؛ زعموا أنه وقع عن بغلة يركبها وأشار إليه بعض المنهزمين بالركوب فلم يقدر وقال له: انصرف هذا يوم الفرح، إشارة لقوله تعالى في الشهداء: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} وذلك ضحى الاثنين سابع جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وسبعمائة- اهـ. قال الحضرمي في مشيخته: شيخنا الفقيه الجليل الخطيب قاضي الجماعة الإمام العدل النزيه العالم المتفنن الصالح الخاشع الشهيد الفاضل أبو عبد اللَّه ابن بكر. توفي شهيدًا بوقيعة طريف مقبلًا غير مدبر، مولده بمالقة في أواخر شهر ذي الحجة عام أربعة وسبعين وستمائة. 525 - محمد بن أحمد بن عبد اللَّه بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد ابن جزي (¬2). بضم الجيم وفتح الزاي بعدها ياء ساكنة ثم همزة أبو القاسم، ويعرف بابن جزي، ذكره في الأصل نقلًا عن الإحاطة، وقال الحرمي في فهرسته: شيخنا الفقيه الجليل الأستاذ المقريء الخطيب العالم المتفنن المصنف الحسيب الماجد المثيل الصدر المعظم الفاضل الشهيد بوقيعة طريف، قال الفقيه المحدث الوزير أبو بكر ابن ذي الوزارتين ابن الحكيم، أنشدني يوم الوقيعة من آخر شعره قوله: ¬

_ (¬1) في الإحاطة: الأديب المعمر. (¬2) ترجمته في أزهار الرياض 3/ 185، والكتيبة الكامنة ص 46، والديباج 2/ 274، والإحاطة 3/ 20، وشجرة النور الزكية 213.

526 - محمد بن يحيى بن عمر بن الحباب

قصدي المؤمل في جهري وإسراري ... ومطلبي من إلهي الواحد الباري شهادةٌ في سبيلِ اللَّه خالصةٌ ... تمحو ذنوبي وتنجيني من النَّار إن المعاصي رجسٌ لا يطهرها ... إلا الصوارمُ من أَيمان كُفَّار ثم قال في اليوم: أرجو أن يعطيني اللَّه ما سألته في هذه الأبيات، قال الوزير: فقلت له: وجعلت للكفار يمينًا فلو كان غير هذا اللفظ موضعه، فقال لي: والحطمة في الناس من أيدي الكفار، قال فكان آخر عهدي به، رحمه اللَّه. قال الحضرمي: كان رجلًا ذا مروءة كاملة، حافظًا متفننًا ذا أخلاق فاضلة وديانة وعفة وطهارة، وشهرته دينًا وعلمًا أغنت عن التعريف به، له جملة تآليف في غير فن وبرنامج لا بأس به. ولد تاسع عشر من ربيع الأول عام ثلاثة وتسعين وستمائة -اهـ- ومن خطه نقلت. 526 - محمد بن يحيى بن عمر بن الحباب (¬1). وبه عرف، التونسي، أحد معاصري ابن عبد السلام، أخذ عن ابن زيتون وغيره وكان إمامًا بارعًا محققًا علامة أصوليًا جدليًا نحويًا متفننًا، وقع له مع ابن عبد السلام مناظرات، وعنه أخذ ابن عرفة الجدل والمنطق والنحو، ونقل عنه في مختصره وغيره أشياء، وأخذ عنه الإمام المقري والشيخ خالد البلوي. وعرّف به في رحلته، فقال: واحد الزمان وفريد البيان والتبيان العديم النظراء والأقران المرتقي درجة الاجتهاد بالدليل والبرهان، العالم المشاور أبو عبد اللَّه بن الحباب حبر بحر حافظ لافظ ذو أبهة وبهاء وحبوة مملوءة من علم، خالية من ازدهاء وخلقة سمت في مطالع الحسن إلى أنهى كمال انتهاء برع بأحسن الصور وبرع من الجمال أرفع الصورة، انفرد بفنَّي المنقول والمعقول، واتَّحد في علمي اللسان والبيان فما يجاري، في شيء من ذلك ولا يباري، وهو فيما عدا ذلك من الفنون يفوق الصدور، ويفيض على مزاحمة ¬

_ (¬1) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 218، وانظر رحلة البلوي 1/ 178 - 179.

البحور، ويحلي من فرائده النحور، له تآليف وتصانيف فيها من العلوم صنوف؛ وهي من الآذان شنوف تقضي له بالظهور على غيره، وشفوف وقلائد، تتحلى بجمانها الخرائد، وتحسد حسنها نيرات الفراقد، ونثر بل نور، أو أنجم زهر. كان أول طلبه رئيس الإنشاء بتونس فأحرز قصب السبق، ثم عطف إلى تعليم العلوم وعكف على تدريسها، فأفاد الأفراد، وأمتع جهابذة النقاد، وأسمع الأسماع ما اشتهى كل وأراد، إلا أنه مؤثر للرحلة قلّ ما ينضبط للطالب ولا يغتبط، إلا لذي فهم ثاقب وسهم في العلوم مسدد صائب، فمجلسه مجلس علم وإيناس، وتقريب لأناس وإبعاد لأناس، وكنت من الفريق الأول لا بالشك ولا بالتأويل، فأخذت عنه وأجازني -اهـ- ملخصًا. قال ابن عرفة: دخلت مرة عليه داره فسألته عن شيء فقال لي: انظر في ذلك الكتاب وأشار لبعض كتبه قال: فجعلت أنظر كتبه فنهاني فقال: لا ينبغي للشيخ أن يطلع تلميذه على جميع أسراره -اهـ- بنقل السلاوي في إكمال الاكمال. ومن تآليفه تقييد على معرب ابن عصفور نقل عنه فيه الجمال ابن هشام في شرح التسهيل، ويذكر عنه أنه دخل على سلطان وقته بتونس أظنه أبا عصيدة فوجده قد أكل فأنشده: لقد فاتك الجدي يا بن الحباب ... بخبز سميذ كثير اللباب ولم يبق منه سوى عظمة ... وذاك لعمري طعام الكلاب فلما وصل في إنشاده إلى قوله: طعام بادره الفقيه ابن الحباب فقال: به طعامكم طعامكم. قال بعض أصحابنا ففي كلامه تورية عجيبة ولكن لا ينبغي مثل هذا مع الملوك لقول أهل السياسة: إذا داعبت الملك فأجمل الأدب ووفه حق اللعب- اهـ. توفي عام أحد وأربعين وسبعمائة.

527 - محمد بن عمر بن علي بن محمد بن إبراهيم، عرف بابن عمر المليكشي ثم التونسي الجزائري

527 - محمد بن عمر بن علي بن محمد بن إبراهيم، عرف بابن عمر المليكشي ثم التونسي الجزائري (¬1). كذا بخطه نسبة إلى جزائر افريقيا لا إلى بلد جزيرة لأن النسب إليها جزيري، قال الحضرمي في مشيخته: كان صدرًا في الطلبة والكتّاب، فقيهًا كاتبًا أديبًا حاجًا راوية متصوفًا فاضلًا صاحب خطة الإنشاء بتونس، شهيرًا ذا تواضع وإيثار وقبول حسن، رحل وحج، روى عن جماعة بالحجاز ومصر والاسكندرية كالرضي الطبري، سمع عليه الكتب الخمسة والسِّراج محمد بن طراد قاضي المدينة وخطيبها وأبي محمد الدلاصي والنجم الطبري وغيرهم، وله شعر رائق ونثر فائق وكتابة بليغة وتآليف مستطرفة. توفي بتونس غرة المحرم فاتح أربعين وسبعمائة -اهـ- ملخصًا. وقد ذكره خالد في رحلته فأثنى عليه فانظره. 528 - محمد بن أحمد بن علي بن الزيات الكلاعي (¬2). أبو بكر ابن الخطيب أبي جعفر، قال ابن الخطيب في عائد الصلة: يشبه أباه في هديه وسمته ووقاره، حافظًا للرتبة مقيمًا للأبهة بقية أبناء المشايخ ظرفًا وأدبًا ومروءة، إلى رواية كثيرة، مشاركًا في فنون من فقه وقراءة وعربية وأدب وفريضة ومعرفة الوثائق والأحكام. تولى قضاء بلده بلش وإمامته وخطابته وأقرأ بها فانتفع به، قرأ على الأستاذ ابن أبي السداد الباهلي وشيخ الجماعة ابن الزبير، وأخذ عن خال أبيه العارف أبي جعفر بن الخطيب وأبي عبد اللَّه بن رشيد والخطيب الرباني أبي الحسن بن فضيلة- اهـ. 529 - محمد بن يحيى الباهلي البجائي عرف بالمسفر (¬3). عالمها (¬4) وفقيهها، ذكره ابن فرحون في الأصل وقال: إنه الإمام العلامة ¬

_ (¬1) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 209، معجم المؤلفين 12/ 107. (¬2) ترجمته في الإحاطة في أخبار غرناطة 2: 138، والكتيبة الكامنة 115. (¬3) ترجمته في الديباج المذهب 2/ 326، وشجرة النور الزكية 219. (¬4) يعني عالم بجاية.

530 - محمد بن محمد بن سلامة

المتفنن المصنف الأوحد نادرة العصر، توفي سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة- اهـ. وقال أبو العباس بن الخطيب القسنطيني: هو الشيخ الإمام العالم المحقق المدرس المفتي الصالح الشهير قاضي الجماعة ببجاية، شهير الذكر رفيع القدر، رقيق القلب غزير الدمعة، لقي أبا الحسن الصغير المغربي صاحب التقاييد، وتحدث معه في الفقه ورد عليه ملحونه، فلما فارقه أبو الحسن قال لأصحابه: بِمَ يدرك هذا؟ فقالوا له: بمعرفة فصيح ثعلب، قالوا: فحفظه في ليلة واحدة، ومجلس المسفر ببجاية معروف باجتماع الفقهاء والفضلاء والصلحاء، أخذ عن ناصر الدين المشذالي، وله املاء عجيب على بعض فرعي ابن الحاجب، وقصيدة بديعة سماها "فوائد الجواهر في معجزات سيد الأوائل والأواخر" مطلعها: تبدت فغابت واختفت فتجلتِ ... وشاهدتها حالَيْ حضوري وغيبتي وشرحُ الأسماء الحسنى، وكلام عجيب في التصوف، وتقاييد في أنواع فنون العلم، وله شعر فائق وخط رائق، من فصحاء الفقهاء، وأجوبته في الفتيا تدل على مكانته العلية وسيادته السنية، يتولى قضاء حوائجه في السوق بيده، ولعلمه بل وأمانته وفصاحته يتوجه في رسائل السلطان. كثير التواضع والملاقاة، وهو على الجملة ممن يفتخر بلقائه. توفي سنة أربع وأربعين وسبعمائة -اهـ- ملخصًا. أخذ عنه جماعة كمنصور الزواوي والخطيب ابن مرزوق والإمام المقري، باحثته واستفدت منه وسألني عن ضبط صحاح الجوهري، فقلت: منهم من يفتح ومنهم من يكسر فقال لي: إنما هو بالفتح بمعنى الصحيح، كما ذكره في باب الصحيح، وقال بعضهم: يحتمل كونه مصدر صح كجنان- اهـ. 530 - محمد بن محمد بن سلامة (¬1). الأنصاري التونسي الشيخ الفقيه العالم الصالح العابد، أخذ عنه العلامة ¬

_ (¬1) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 209، ألف سنة من الوفيات 320.

531 - محمد الرندي الفاسي أبو عبد الله الفقيه الحافظ

المقري والشيخ ابن عرفة وغيرهما، قال بعض أصحابنا: توفي سنة ست وأربعين وسبعمائة. 531 - محمد الرندي الفاسي أبو عبد اللَّه الفقيه الحافظ (¬1). كان قائمًا على المذهب، إمامًا في العربية مقدمًا في النظر، انتفع به خلق، توجه مع أبي الحسن المريني لافريقية فمات سنة ست وأربعين وسبعمائة، له تأليف حسن في شرح الجلاب أبان فيه عن فضله وتصرفه. صح من خط بعض أصحابنا. 532 - محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء اللَّه الجذامي المالكي الاسكندري أبو البركات (¬2). قال خالد البلوي في رحلته: الشيخ الفقيه العدل شرف الدين ابن الشيخ الإمام فخر الدين أبي بكر ابن الإمام العالم المصنف شهاب الدين أبي محمد، كان من العلماء النقاد، له حسب صميم وسلف في العلم قديم ومنهج على ألسنة قويم وبيت له بالعلم تعظيم وتفخيم فهو كريم النجار كبير الكبار خير الأخيار كامل الأدوات عالي الروايات عالم بالشرعيات واقف على الطبيعات سهل العبارة، نبيه التنبيه والإشارات ذاكر للحديث والفروع، سالك سنن المشروع، عارف بعقد الشروط، ناظم لتلك السموط عاقد مجيد، باحث مفيد، إمام مفت عالم عدل مبرر، من معشر أوصافهم كالمسك لذ لمن نشق، فحديثه آخرهم زكاء وحديث أولهم بسبق، أجازني عامة -اهـ- ملخصًا. 533 - محمد بن محمد بن المنير الاسكندري (¬3). قال خالد البلوي: الشيخ العالم الأصيل جمال الدين ابن شرف الدين ابن المنير، ممن له البيت الذي بني على قواعد الأديان الصحيحة، وسما على ¬

_ (¬1) ترجمته في معجم المؤلفين 3: 15، درة الحجال 2/ 240، جذوة الاقتباس 1/ 228. (¬2) انظر رحلة البلوي 1/ 202. (¬3) رحلة البلوي 2/ 61 - 63.

534 - محمد بن يحيى بن علي النجار

عمد الأعمال الصالحة والعلم الذي أنارت مفاخره ومآثره في أقطار الآفاق وآفاق الأقطار وطارت نزاهته وعدالته كل مطار وسمرت أمثال علمه كباسمات الأزهار واستدار فلك مجده على قطبي العلم والدين واستدار قمر هديه أشرق من صبح مبين فسعى في العلم راسخ القواعد مشار إليه من كل غائب وشاهد، مشاورًا في النوازل مستفتى في المشكلات تصطفيه الرتب العلية وتنافس الخطط الشرعية فطورًا مقدمًا في أندية الوزراء الأعيان وتارة صدرًا في قضاة العدل والإحسان، فاعترف بإرشاده الخاص والعام خلاله عن طريق المجد حاسده، ومن يساجل صوب العارض الهطل علم وحلم ورأي محصل وذري، سبحان جامع هذا الفضل في رجل، سمعت عليه أكثر تآليف عمه العالم الكبير قاضي القضاة ناصر الدين ابن المنير كأرجوزته الكبرى التي فسر بها القرآن العظيم وتراجم البخاري له، وجزئه في أحكام السماع وشروطه وغيرها -اهـ- ملخصًا. 534 - محمد بن يحيى بن علي النجار (¬1). التلمساني بادرة الاعطار، قال العلامة الابلي: ما قرأ عليّ أحد حتى قلت له: لم يبق عندي ما أقول لك غير ابن النجار، قال المقري: ذكرت يومًا ما حكاه ابن رشد في الخمر أنها إذا تخللت بنفسها طهرت، واعترضته بما في الإكمال عن ابن وضاح لا تطهر فقال لي: لا تغتر بقول ابن وضاح فإنه يلزم عليه تحريم الخل لأن العنب لا يصير خلًا حتى يكون خمرًا، وذكرت يومًا قول ابن الحاجب فيما يحرم من النساء بالقرابة وهي أصوله وفصوله وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل وإن علا فقال: إن تركب لفظية النسبية العرفية من الطرفين حلت وإلا حرمت فتأملته فوجدته كما قال لأن أقسام هذا الضابط أربعة التركيب من الطرفين كابن العم وابنة العم مقابله كالأب والبنت ¬

_ (¬1) انظر نفح الطيب 5/ 236، جذوة الاقتباس القسم الأول ص 302، معجم أعلام الجزائر ص 82، ألف سنة من الوفيات ص 118، الأعلام بمن حلّ مراكش 3/ 263، درة الحجال 2/ 264، تعريف الخلف 553، البستان 153.

535 - محمد الآجمي

التركيب من قبل الرجل كابنة الأخ والعم مقابله كابن الأخ والخالة -اهـ- بنقل ابن الخطيب في تاريخ غرناطة، ونقله الونشريسي في فوائد المقري أيضًا. ولما أوقفت شيخنا الفهامة محمد بن محمود بغيع على هذه الفائدة أعني قوله إن تركب الخ تأملها وعجب بها كثيرًا، وصار ينقلها في دروسه -رحمه اللَّه- قال المقري: لم يكن ابن النجار بصيرًا بالفقه وإنما عنده ذكاء زائد- اهـ. قلت: وانما ذكرته في هذا الذيل لهذه الفائدة. 535 - محمد الآجمي (¬1). أحد فقهاء تونس وقاضي الأنكحة بها، أخذ عنه الإمام المقري، وقال: إنه حافظ فقهائها في وقته- اهـ. وأخذ عنه أيضًا الخطيب ابن مرزوق وابن عرفة ونقل عنه في مختصره قصة في أجرة الشهادة. توفي سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، أفادنيه بعض أصحابنا. 536 - محمد بن عبد اللَّه بن عبد النور الندرومي أبو عبد اللَّه الفقيه (¬2). قاضي فاس وقاضي عسكر أبي الحسن المديني، قال ابن خلدون: كان مبرزًا في الفقه على مذهب مالك، تفقه بالأخوين ابني الإمام، ولما فتح أبو الحسن تلمسان ورفع منزلة ابني الإمام واختصهما بالشورى وكان يستكثر من العلماء ويعمر بهم مجلسه طلب منهما أن يختارا له من أصحابهما من ينطقه في فقهاء مجلسه، فأشارا عليه بابن عبد النور هذا فأدناه وولاه قضاء عسكرة، توفي بتونس في الطاعون الجارف سنة تسع وأربعين وسبعمائة- اهـ. ¬

_ (¬1) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 210، توشيح الديباج ص 246. (¬2) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 221، جذوة الاقتباس القسم الأول ص 301، درة الحجال 2/ 136، نفح الطيب 5/ 235، معجم أعلام الجزائر ص 330، ألف سنة من الوفيات ص 118، تعريف الخلف 424.

537 - محمد بن محمد بن غالب.

537 - محمد بن محمد بن غالب. أحد أصحاب أبي الحسن الصغير، نقل عنه في المعيار، ولم أقف على ترجمته (¬1). 538 - محمد بن عبد السلام الهواري التونسي، قاضي الجماعة بها وعلّامتها وإمامها شيخ الإسلام الإمام المحقق المشهور (¬2). ذكره في الأصل وأثنى عليه، وقال خالد البلوي في رحلته: البحر المتلاطم الأمواج والنهل الذي يعذبه بقاع الوهاد والتلاع العجاج، نزلت بساحته متفرقات العلوم نزول الماء الثجاج، قاضي القضاة وإمام الفقهاء والنحاة، العالم العلامة قطب الشورى وعماد قدوة علماء الإسلام، نشأ في عفة وصيانة وتبوأ ذروة طهارة وديانة، وصعد من هضبة التقى على أعلا مكانة، لم تعرف له قط صبوة ولا حلت له إلى غير الطاعة حبوة، فالمسهب بها أوصافه سكيت وقاصد وهيهات يضرب في حديد بارد ومن رام بيده لمس الشمس وتعاطى برجله لحاق البرق. وصرف همته العلية وفكرته الوقادة الزكية لانتحال فنون العلم وفتح مختومها فملك أعنتها وقاد أزمتها وأوضح أشكالها وحل أقفالها فهو وحيد الأوان وعلامة الزمان والمشار إليه بالبنان والبيان ما قرن به فاضل من العلماء إلا رحمه ولا ألقى إليه بسهم من العلوم إلا كشفه وأوضحه، عدلًا في أحكامه جزلًا من إقباله في فعله وكلامه، له صادقات عزائم لا تأخذه معها في اللَّه لومة لائم إلى نزاهة عن الدنيا وهمة نيطت بالثريا، وله فيها ترقرق ماء البشر فأحيا وحيا، سمعت في درسه أنيق الفوائد وأخذت عنه شرحه لابن الحاجب، مولده سنة ست وسبعين وستمائة، سمعت عليه جميع الموطأ، وقرأه هو على أبي العباس ¬

_ (¬1) توشيح الديباج ص 270. (¬2) ترجمته في معجم المؤلفين 10: 171، إيضاح المكنون 1: 351، الأعلام 6/ 205، هدية العارفين 5: 155، شجرة النور الزكية ص 210، وفيات ابن قنفذ 543، رحلة البلوي 1/ 176 - 177، فهرس الرصاع 86، درة الحجال 2/ 133.

539 - محمد بن هارون الكناني

الطبراني والمعمر أبي محمد بن هارون -اهـ- ملخصًا. توفي عام تسعة وأربعين. 539 - محمد بن هارون الكناني (¬1). التونسي الإمام العلامة الحافظ أحد مجتهدي المذهب، وصفه ابن عرفة ببلوغه درجة الاجتهاد المذهبي، له تآليف كشرح مختصري ابن الحاجب الأصلي والفرعي واختصار المتيطة في قدر ثلثها، أسقط وثائقها وتكرارها وشرح المدونة، وقعت على أسفار من الجميع، ووقع بينه وبين ابن عبد السلام نزاع في مسائل، تولى القضاء بغير تونس، أخذ عنه الأئمة كالمقري والخطيب ابن مرزوق وابن عرفة وخالد البلوي وذكره في رحلته وبالغ في ثنائه فقال: الشيخ الفقيه الإمام أبو عبد اللَّه بن هارون إمام في الفقه وأصوله وعلم الكلام وفصوله، متوصل بالجد والجد لحصوله، علم من أعلام العارف ومعلم لأعلام الحلل الدينية والمطارف، نفع بما وعى في العلم وتنفع فاستفاد من علماء تونس بما استفاد من علماء الشرق وظفر في رحلته بمرزي العلماء، فآب بعد قضاء فرصة وقد كمل فضله واشتمل على الكمال عقله ونقله فانبسط في العلم بنباهته والقبض عن العالم بنزاهته، ولزم مطالعة دواوينه وحدق إليها عيون فهمه ودينه فانتفع به بشر كثير وأودع له في القبول حظ كبير، ولولا زهده وقناعته لتولى قضاء الجماعة. فقال العباد بحقه وصدقوا إليه الخبر النبوي فلم يتماروا في صدقه فهو السابق في المضمار لا يترشح أحد لسبقه فازدحم عليه الناس واقتبسوا من أنواره التي لا تنقص بكثرة الاقتباس فأقرت له السادات بالتسديد وأحيا اللَّه به سنة الاجتهاد حين وقف غيره مع التقليد فبرز في تدريسه بما برز وأحرز من السبق ما أحرز من جلالة قدر وسعة صدر وحسن خلق واعتدال خلق وسهولة عبادة وصناعة صوغ كلام البداوة والحضارة، وقمع الباحث الملد ومزج الهزل ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 211، رحلة البلوي 2/ 98 - 99، الحلل السندسية ص 338، وفيات ابن قنفذ 354.

540 - محمد بن سليمان السطي

بالجد إلى تآليف أحكم أصولها وأتقن فصولها مع توفية الأغراض باختصار وإيجاز ومآخذ تكاد ينسب للإعجاز، فإليها يطمح الأمل وبها الاعتماد وعليها العمل، هذا مع حسن إلقاء وملاحة إشارة وإيماء ونبل تنبيه ولطف توجيه وإصابة تنظير وإجادة تنقير، وقل ما ترى العين أو تسمع الأذن بأصل في الأصول وأفرع للفروع وأبرع في نقد الفروع، واعترف بتأليف ابن الحاجب وفتح مقفلاته وحل مشكلاته، قرأت عليه نصف مختصري ابن الحاجب الأصلي والفرعي قراءة بحث وسمعت عليه كثيرًا من التهذيب وغيره من كتب الفقه والأصول والعربية ومن تآليفه كشرح المعالم الفقهية ومختصر التهذيب وشرح في مجلدات عديدة، وشرح الحاصل وغيرها. مولده سنة ثمان وستمائة -اهـ- ملخصًا. قلت: وتوفي في الوباء العام سنة خمسين وسبعمائة، ذكره ابن الخطيب القسنطيني، والعجب من ابن فرحون حيث لم يذكره في الديباج أصلًا، مع كثرة نقله عنه في تبصرته وشرحه. 540 - محمد بن سليمان السطي (¬1). الفقيه حافظ المغرب العلّامة الفرضي الجليل، قال ابن خلدون: وسطة بطن من أوربة بنواحي فاس أخذ العلم عن إمام المالكية بالمغرب الطائر الذكر أبي الحسن الصغير وتفقه عليه، وكان أحفظ الناس للمذهب وأفقههم فيه، وأخذ الفرائض عن الشيخ أبي الحسن الطنجي، ختم عليه الحوفية ثمان ختمات، وكانت له في فهمه وإقرائه وحل عقده اليد الطولى، واختاره السلطان أبو الحسن المريني مع جماعة من العلماء لصحبته وكان أبو الحسن لدينه وسرارته وبعد شأوه في الفضل يتشوق لتنويه مجلسه بهم فقدم السطي معه تونس وشهدنا وفور فضائله. ¬

_ (¬1) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 221، ألف سنة من الوفيات ص 117، درة الحجال 2/ 134 - 135، التعريف بابن خلدون 9/ 389، فهرس الرصاع 87.

وكان في الفقه نبيهًا لا يجارى حفظًا وفهمًا، وكان أخي محمد (¬1) يقرأ عليه تبصرة اللخمي ويصححها عليه من املائه وحفظه في مجالس عديدة، وهذا أكثر حاله في أكثر ما يعاني جملة من الكتب، وحضر مع السلطان أبي الحسن واقعة القيروان وخلص معه إلى تونس وأقام معه بها نحو من سنتين ثم غرق في سواحل بجاية مع من غرق من الفضلاء وغيرهم- اهـ. وقال بعض أصحابنا: كان السطي إمامًا جليلًا حافظًا مقدمًا في الفقه، من أكبر تلامذة أبي الحسن الصغير في الفقه مع المشاركة في الأصلين والعربية مع دين تام، حظي الجاه عند أبي الحسن المريني يؤم به ويخطب ويقرأ مكبًّا على المطالعة والنظر يسرد الصوم لا يتكلم حتى يسأل، أخذ عنه ابن عرفة والعقباني وابن خلدون، توفي غريقًا سنة تسع وأربعين. قلت: بل في شوال سنة خمسين كما ذكره ابن الخطيب في رقم الحلل، وممن أخذ عنه من الأئمة المقري والعبدوسي الكبير والخطيب ابن مرزوق والقباب وغير واحد، قال بعضهم: كان خزانة المذهب مع مشاركة تامة في علوم وديانة شهيرة وصلاخ متين، كان مدرس حضرة أبي الحسن ومفتيه وخطيبه، مقبلًا على ما يعنيه لا تراه إلا مكبًا على النظر والقراءة والتقييد، حتى في مجلس السلطان- اهـ. وناهيك من جلالته أنه لما وصل تونس طلب منه ابن عرفة قراءة الحوفية فقال: بلغني أنك قرأته على ابن عبد السلام فقال له نعم ولكن وقف عليه منه مواضع قال ابن عرفة: فقال لي: ليس لي وقت إلا ساعة خروجي من عند السلطان قال: فكنت أنتظره قرب الزوال حتى يخرج من عند السلطان فإذا خرج قرأت عليه حتى إذا وصلنا إلى تلك المواضع التي توقف فيها ابن عبد السلام من المناسخات والإقرارات فقررها لي أقرب ما كان وأحسنه، نقله الرصاع. ¬

_ (¬1) في التعريف بابن خلدون: وكان أخي موسى.

541 - محمد بن الصباغ الخزرجي المكناسي

ومن تآليفه تعليق صغير على المدونة وشرح جليل على الحوفية وتعليق على ابن شاس فيما خالف فيه المذهب، ذكره تلميذه ابن عرفة عنه قال الأبي: كان السطي ممن يقتدى به وذكر شيخنا ابن عرفة أنه رآه إذا عطس السلطان لا يشمته بشيء لا برحمة ولا دعاء قال ابن عرفة: فكنت أقول سرًا: يرحمك اللَّه لأخرج من عهدة الرد في مثل هذا المحل ومن الضر للسطي، واللَّه أعلم بما يتقي من ذلك- اهـ. فائدة: كان السطي يقول في قول ابن الحاجب: والثمن والسدس والثلث من أربعة وعشرين لا يصح هذا، إذ لا يجتمع الثلث والثمن في فريضة، وسبقه لهذا الوهم صاحب المقدمات، قال العلامة المقري: وسألت عنه ابن النجار فقال لي: إنما أراد المقام لأنه يجتمع مع الثلثين والانصاف أنه لا يحسن التعبير بما لا تصح إرادة نفيه عن غيره، فالوجه أن يقول الثلثان أو مقام الثلث إنما يدخل هنا تقدير إلا تحقيقًا كما في الجواهر، وفي باب مدبر الحوفية موافقه لعدد لا يوافقه فهو من باب الفرض وعليه ينبغي حمل كلام ابن الحاجب- اهـ. 541 - محمد بن الصباغ الخزرجي المكناسي (¬1). قال ابن خلدون: وكان مبرزًا في المنقول والمعقول عارفًا بالحديث ورجاله إمامًا في معرفة كتاب الموطأ واقرائه، أخذ العلوم عن مشيخة مكناسة ولقي شيخنا أبا عبد اللَّه الابلي ولازمه وأخذ عنه العلوم العقلية فاستفاد بقية طلبه عليه فبرز آخرًا، واختاره السلطان فاستدعاه ولم يزل معه حتى هلك غريقًا في ذلك الأسطول- اهـ. يعني أسطول أبي الحسن آخر سنة خمسين وسبعمائة، قال الشيخ ابن غازي في الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون: كان ابن الصباغ المذكور ¬

_ (¬1) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 221، درة الحجال 2/ 135 - 136، التعريف بابن خلدون 7/ 394، الروض الهتون ص 16.

542 - محمد بن إبراهيم بن أحمد العبدري التلمساني عرف بالابلي

فقيهًا شهيرًا عالمًا علامة، جاز قصب السبق في المعقول والمنقول قد ذكره ابن مرزوق الجد في كتابه في مناقب أبي الحسن، وابن الخطيب السلماني في بعض فهارسه وابن خلدون. وكان من كبار العلماء الذين استصحبهم السلطان أبو الحسن في حركة افريقية، واجتمع هناك بالإمامين ابن عبد السلام وابن هارون والإمامين أبي زيد وأبي موسى ابني الإمام أخذ معهم في العلم وأعطى، وحدثني شيخنا أبو الحسن بن منون الحسني أنه بلغه أنه أملى في مجلس درسه بمكناسة على حديث أبي عمير "ما فعل النغير" أربعمائة فائدة زاد ابن غازي في بعض كتبه أن ذلك كان آخر ما أقرأ بها أو من آخر ما أقرأ بها فلم يلبث أن استدعاه السلطان أبو الحسن لصحبته في وجهة افريقية فلم يجد مندوحة، فكان أحد من غرق من العلماء ببحر تونس حينئذ، رحم اللَّه تعالى الجميع- اهـ. وقال الإمام القوري: لم نزل نسمع من شيخنا محمد بن جابر حكاية ظريفة وقعت لابن عبد السلام التونسي مع الفقيه ابن الصباغ، وذلك أن ابن الصباغ اعترض عليه في أربع عشرة مسألة لم ينفصل عن واحدة منها بل أقر فيها بالخطأ، إذ ليس ينبغي اتصاف بالكمال إلا لربي الكبير المتعال- اهـ. وفي الروض الهتون حدثني بعض الأعيان أنه بلغه أن الفقيه ابن الصباغ سمع بمقصورة تلمسان ينشد كالمعاتب لنفسه: يا قلبي كيف وقعت في أشراكلهم ... ولقد عهدتك تحذر الأشراكا أَرِضًا بذُلٍّ في هوى وصبابة ... هذا لعمر اللَّه قد أشقاكا وممن مات معه في ذلك الأسطول الفقيه الحافظ السطي والأستاذ الزواوي وغير واحد، وله نظم في علاقات المجاز- اهـ. 542 - محمد بن إبراهيم بن أحمد العبدري التلمساني عرف بالابلي (¬1) الإمام العلامة المجتمع على إمامته، أعلم خلق اللَّه بفنون المعقول، قال ¬

_ (¬1) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 221، درة الحجال 2/ 265، ألف سنة من الوفيات ص 122، =

تلميذه الإمام المقري: هو الإمام نسيج وحده ورحلة وقته في القيام على الفنون العقلية وإدراكه وصحة نظره، قال ابن خلدون: أصله من الأندلس من أهلة ابلة من بلاد الجوف انتقل منها أبوه وعمه فخدما يغمراسن صاحب تلمسان وتزوج أبوه بنت القاضي محمد بن غليون فولدت له شيخنا هذا، ونشأ في كفالة جده القاضي بتلمسان فانتحل العلم فسبق لذهنه محبة التعاليم فبرع فيها وعكف الناس عليه في تعلمها. فلما أخذ يوسف بن يعقوب تلمسان استخدمه فكره ذلك وسار إلى الحج، قال فلما ركبت البحر من تونس لاسكندرية اشتد على الغلمة في البحر واستحييت من كثرة الغسل، فأشير عليّ بشرب الكافور فشربت منه غرفة فاختلطت فقدمت الديار المصرية وبها ابن دقيق العيد وابن الرافعة والصفي الهندي والتبريزي وغيرهم من فرسان المعقول، فلم يكن قصارى إلّا تمييز أشخاصهم فحججت ورجعت لتلمسان، وقد أفقت من اختلاطي فقرأت المنطق والأصلين على أبي موسى ابن الإمام. ثم أراد أبو حمو صاحب تلمسان إكراهه على العمل ففر لفاس واختفى هناك عند خلوف اليهودي شيخ التعاليم فأخذ فنونها وحذق، ثم دخل مراكش في حدود عشر وسبعمائة ونزل على شيخ المعقول والمنقول المبرز في التصوف علمًاَ وحالًا الإمام ابن البنا فلازمه وتضلع عليه في المعقول والتعاليم والحكمة، ثم صعد إلى الجبل عند علي بن محمد شيخ الهساكرة فقرأ عليه واجتمع عليه طلبة العلم فكثر إفادته واستفادته ثم رجع لفاس فانثال عليه طلبة العلم من كل ناحية فانتشر علمه واشتهر ذكره. ولما لقي السلطان أبو الحسن عند فتح تلمسان أبا موسى ابن الإمام أثنى عليه ووصفه بتقدمه في العلوم، وكان يعتني بجمع العلماء لمجلسه فاستدعاه من فاس فنظمه في طبقة العلماء، فعكف على التدريس والتعليم ولازمه وحضر ¬

_ = 208، التعريف بابن خلدون 5/ 385، جذوة الاقتباس 5/ 244، نفح الطيب 5/ 244، نفاضة الجراب 63، 132، البستان 145، الأعلام بمن حل مراكش 3/ 273.

معه وقعة طريف والقيروان، قال ابن خلدون: لازمته وأخذت عنه فنونًا ثم طلبه أبو عنان بتلمسان فنظمه في طبقة علماء أشياخه، وكان يقرأ عليه حتى مات بفاس سنة سبع وخمسين وسبعمائة، وأخبرني أن مولده سنة إحدى وثمانين وستمائة- اهـ. قال تلميذه المقري: أخذ بتلمسان عن أبي الحسن التنسي وابن الإمام ورحل في آخر السابعة للشرق فدخل مصر والشام والحجاز والعراق ثم رجع لتلمسان ثم للغرب فأخذ عن ابن البنا وساءل كثيرًا من علمائه قال لي: قلت لأبي الحسن الصغير ما قولك في المهدي؟ فقال: عالم سلطان ولقيته بعد فتح تلمسان وأخذت عنه- اهـ. قال المقري: ولما قدم شيخنا ابن المسفر الباهلي فاسًا رسولًا عن صاحب بجاية زاره الطلبة فحدثهم أنهم كانوا في زمن ناصر الدين يستشكلون ما وقع في تفسير الفخر في سورة الفاتحة ويستشكله الشيخ معهم، وهذا نصه ثبت في بعض العلوم العقلية أن المركب مثل البسيط في الجنس، والبسيط مثل المركب في الفصل وأن الجنس أقوى من الفصل، فلما رجعوا إلى الشيخ الابلي أخبروه بذلك فاستشكله ثم تأمله فقال فهمته وهو كلام مصحف وأصله أن المركب قبل البسيط في الحس، والبسيط قبل الركب في العقل وأن الحس أقوى من العقل فرجعوا إلى ابن المسفر فأخبروه فلج فقال لهم الشيخ اطلبوا النسخ فوجدوا في بعضها كما قال الشيخ -اهـ- بنقل ابن الخطيب في الإحاطة. قال المقري: وحدثني الابلي أن عبد اللَّه بن إبراهيم الزموري أخبره أنه سمع من ابن تيمية ينشد لنفسه محصلًا في أصول الدين حاصله من بعد تحصيله علم بلا دين أصل الضلالة والإفك المبين فما فيه فأكثره وحي الشياطين قال وبيده قضيب فقال: واللَّه لو رأيته لضربته بهذا القضيب كذا ثم رفعه ووضعه- اهـ. قال المقري: وسمعته يقول: ما في الأمة المحمدية أشعر من ابن الفارض قال وقال طالب له يومًا مفهوم اللقب صحيح، فقال له الشيخ قل

زيد موجود فقال زيد موجود فقال له الشيح: أما أنا فلا أقول شيئًا فعرف الطالب ما وقع فيه فخجل. قال: وقال لي: كنت عند القاسم بن محمد الصنهاجي إذ وردت عليه رقعة من القاضي أبي الحجاج الطرطوشي فيها خيرات ما تحتويه مبذولة، ومطلبي فيها تصحيف مقلوبها فقال لي مطلبه فقلت نارنج- اهـ. أي فإن مقلوبه تاريخ وتصحيفه نارنج، قال أيضًا: وسمعته يقول: إنما أفسد العلم كثرة التآليف وأذهبه بنيان المدارس وكان ينتصف من المؤلفين والبانين وأنه لكما، قال بيد أن بها شرحه طولًا وذلك أن التأليف نسخ الرحلة التي هي أصل جمع العلم فكان الرجل ينفق فيها مالًا كثيرًا وقد لا يحصل له من العلم إلا نزر يسير، لأن غايته على قدر مشقته في طلبه، ثم يشتري أكبر ديوان بأبخس ثمن فلا يقنع منه أكثر من موقع عوضه فلم يزل الأمر كذلك حتى نسى الأول بالآخر وأفضى الأمر إلى ما يستخرج منه الساخر، وأما البناء فلأنه يجذب الطلبة لما فيه من مرتب الجرايات فيقبل بهم على ما يعنيه أهل الرئاسة للإجراء والإقراء منهم أو من يرضى لنفسه دخوله في حكمهم، ويصرفهم عن أهل العلم حقيقة الذين لا يدعون إلى ذلك وإن دعوا لم يجيبوا وإن أجابوا لم يوفوا لهم بما يطلبون من غيرهم- اهـ. قلت: ولعمري لقد صدق في ذلك وبرّ فلقد أدى ذلك لذهاب العلم بهذه المدن الغريبة التي هي من بلاد العلم من قديم الزمان كفاس وغيرها حتى صار يتعاطى الإقراء على كراسيها من لا يعرف الرسالة أصلًا، فضلًا عن غيرها بل من لم يفتح كتابًا للقراءة قط فصار ذلك ضحكة، وسبب ذلك أنها صارت بالتوارث والرئاسات، أعاذنا اللَّه حتى خلت هذه الساعة عمن يعتمد عليه في علمه مصداق قوله ما ورد في ذلك. قال المقري: ولقد استباح الناس النقل من المختصرات الغريبة أربابها ونسبوا ظواهر ما فيها لأمهاتها، وقد نبه عبد الحق في التعقيب على منع ذلك لو كان من يسمع، وذيلت كتابه بمثل عدد مسائله أجمع ثم تركوا الرواية فكثر

التصحيف وانقطعت سلسلة الاتصال فصارت الفتاوى تنقل من كتب لا يدرى ما زيد فيها مما نقص منها، لعدم تصحيحها وقلة الكشف. كان أهل المائة السادسة وصدر السابعة لا يسوغون الفتيا من تبصرة اللخمي، لأنها لم تصحح على مؤلفها ولم تؤخذ عنه، وأكثر ما يعتمد اليوم هذا النمط ثم انضاف إلى ذلك عدم اعتبار الناقلين فصار يؤخذ من كتب المسخوطين كالأخذ من المرضيين بل لا تكاد تجد من يفرق بين الفريقين، ولم يكن هذا فيمن قبلنا حتى تركوا كتب البراذعي على نبلها ولم يستعمل منها على كره من كثير منهم غير التهذيب وهو المدونة اليوم لشهرة مسائله وموافقته في أكثر ما خالف فيه المدونة لأبي محمد، ثم كلّ أهل هذه المائة عن حال من قبلهم من حفظ المختصرات وشق الشروح والأصول الكبار فاقتصروا على حفظ ما قل لفظه ونزر حظه وأفنوا عمرهم في حل لغوزه وفهم رموزه، ولم يصلوا لرد ما فيه إلى أصوله بالتصحيح فضلًا عن معرفة الضعيف والصحيح، بل حل مقفل وفهم أمر مجمل، ومطالعة تقييدات زعموا أنها تستنهض النفوس، فبينما نستكثر العدول عن كتب الأئمة إلى كتب الشيوخ أتيحت لنا نقييدات للجهلة بل مسودات المنسوخ فإنا للَّه وإنا إليه راجعون، فهذه جملة تهديك إلى أصل العلم وتريك ما غفل الناس عنه- اهـ. قال المقري: وسمعت العلامة الابلي أيضًا يقول: لولا انقطاع الوحي لنزل فينا أكثر مما نزل في بني إسرائيل، لأنا أتينا أكثر مما أتوا، يشير إلى افتراق هذه الأمة على أكثر مما افترقت عليه بنو إسرائيل، واشتهار بأسهم بينهم إلى يوم القيامة حتى ضعفوا بذلك عن عدوهم وتعدد ملوكهم لاتساع أقطارهم، واختلاف أنسابهم وعوائدهم حتى غلبوا بذلك على الخلافة فنزعت من أيديهم وساروا فى الملك يسير من قبلهم مع غلبة الهوى واندراس معالم التقوى، لكنا آخر الأمم، أطلعنا اللَّه من غيرنا على أقل مما ستر منا، وهو المرجو أن يتم نعمته علينا ولا يرفع جميل ستره عنا. فمن أشد ذلك اتلافًا لغرضنا تحريف الكلم عن مواضعه الصحيحة إذ

543 - محمد بن حيدرة أبو عبد الله التونسي

ذاك لم يكن بتبديل اللفظ إذ لا يمكن ذلك في مشهورات كتب العلماء المستعملة فكيف في الكتب الإلهية، وإنما ذلك بالتأويل كما قال ابن عباس وغيره، وأنت تنظر ما اشتملت عليه كتب التفسير من الخلاف وما حملت الآي والأخبار عليه من ضعاف التأويلات، قيل لمالك لم اختلف الناس في تفسير القرآن فقال قالوا بآرائهم فاختلفوا، أين هذا من قول الصديق: "أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتابه، عز وجل، برأيي"؟ كيف وبعض ذلك قد انحرف عن سبيل العدل إلى بعض الميل، وأقرب ما يحمل عليه معظم خلافهم كون بعضهم علم فقصد إلى تحقيق نزول الآية بسبب أو حكم أو غيرهما، وبعضهم لم يعلموا ذلك تعيينًا فلما طال بحثهم وظنوا عجزهم صوروا المسألة بما يسكّن النفوس إلى فهمها في الجملة ليخرجوا عن حد الابهام المطلق فذكروا ما ذكروا تمثيلًا لا قطعًا بالتعيين، بل منه ما لا يعلم أنه أريد لا عمومًا ولا خصوصًا، لكنه يجوز أن يكون المراد أو قريبًا منه، وما يعلم أنه مراد بحسب الشركة والخصوصية، ثم اختلط الأمران، والحق أن تفسير القرآن من أصعب الأمور، فالإقدام عليه جرأة وقد قال الحسن لابن سيرين: تعبر الرؤيا كأنك من آل يعقوب فقال له: تفسر القرآن كأنك شهدت التنزيل، وقد صح أنه، عليه السلام، لم يفسر من القرآن إلا آيات معدودة، وكذا أصحابه والتابعون بعدهم، وتكلم أهل النقل في صحة ما نسب لابن عباس من التفسير، إلى غير ذلك، ولا رخصة في تعيين الأسباب والناسخ والمنسوخ لا بتوقيف صحيح أو برهان صريح، وإنما الرخصة في تفهم ما تعرفه العرب بطبائعها من لغة وإعراب وبلاغة وبيان إعجاز ونحوها- اهـ. قلت: وأخذ عن صاحب الترجمة من لا يعد كثرة من الأئمة كابن الصباغ المكناسي والشريف التلمساني والشرف الرهوني وابن مرزوق الجد وأبي عثمان العقباني وابن عرفة والولي ابن عباد وابن خلدون في خلق أجلاء. 543 - محمد بن حيدرة أبو عبد اللَّه التونسي (¬1). قال ابن خلدون في رحلته: إمام المعارف وفرع الأصل العزيز المعترف ¬

_ (¬1) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 211.

544 - محمد بن أحمد بن شاطر المراكشي

له في البلاغة والبراعة بالسبق والتبريز، برع في الأدب والتصوف ونبغ في المعقول والمنقول، مع نفس عصامية وفكرة إياسية، انقبض في منزله بعد وفاة أصحابه على عبادة ربه، إلا عن محتاجى إفادته فتراكم الخلق عليه، فمجلسه بتونس مجتمع أصناف أهل العلم أولى التقى والفهم، فهو اليوم كعبة العلوم حببه اللَّه للأنفس، مع صدق مصاحبة وحسن مداعبة وكثرة خشية ومراقبة إلى قريحة وفطنة وقادة نقادة وخوض في العلوم الشرعية والطبيعية والمشارب الذوقية والعطايا الحاتمية، والزهد في الدنيا الدنية وإجابة الدعوة والخلق من الزهد والنخوة، لازمته لما رأيت من نجاح دعوائه، قلت له: يا سيدي علم اللَّه أني أحبك فقال لي: أبشر فإني رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في النوم فقال لي: يا محمد رزقك اللَّه التقوى وحببك إلى خلقه وجعل من يحبك من عباده المؤمنين، قال: فمن علمت أنه يحبني علمت أنه من المؤمنين. مولده في ثاني عشرين ربيع الثاني عام اثنين وثمانين وستمائة -اهـ- ملخصًا. 544 - محمد بن أحمد بن شاطر المراكشي (¬1). قال المقري: صحب أبا زيد الهزميري كثيرًا وابن البنا وغيرهما ورزق بصحبة الصالحين حلاوة القبول فلا تكاد تجد من يستثقله، وربما سئل عن نفسه فيقول: ولي مفسود، قلت له يومًا: كيف أنت؟ فقال محبوس في الروح وقال: الليل والنهار حرسيان أحدهما أسود والآخر أبيض قد أخذ بمجامع القلوب إلى يوم القيامة، وأن مردها إلى اللَّه، وسئل عن العلة في نضارة الحداثة، فقال: لقرب العهد باللَّه قيل له: ففيم تغير الشيوخ؟ قال من بعد العهد من اللَّه وطول صحبة الشياطبن فيل: ففيم نتن أفواههم؟ قال من كثرة ما تفل الشياطن فيها- اهـ. بنقل ابن الخطيب في الإحاطة، وكان حيًا سنة سبع وخمسين وسبعمائة. 545 - محمد بن أحمد بن أبي عفيف المكناسي أبو عبد اللَّه (¬2). قال ابن الخطيب في نفاضة الجراب: كان ففيهًا عدلًا خيرًا متصدرًا ¬

_ (¬1) ترجمته في الاحاطة 3: 269، نفح الطيب 5/ 248، نثير الجمان 431، جذوة الاقتباس 1/ 302. (¬2) الروض الهتون ص 18.

546 - محمد بن محمد البدوي

لقراءة الشفاء النبوي، ولديه جملة حسنة من أصول الفقه، أشف بها على كثير من نظرائه، قرأها على الإمام أبي عبد اللَّه بن الصباغ وشاركه في قراءتها على الإمام أبي عبد اللَّه الابلي -اهـ- من الروض الهتون. 546 - محمد بن محمد البدوي (¬1). الأندلسي الخطيب ببلش أبو عبد اللَّه، قال في الإحاطة: كان حسن التلاوة ذا قدم في الفقه ومعرفة بالأصلين، شاعرًا مجيدًا فصيحًا، بليغ الخطبة حسن الوعظ سريع الدمعة، حج ولقي جلة وأقرأ ببلده بلش وانتفع به ولقي شدائد أصلها الحسد، قرأ على أبي جعفر بن الزيات وبلبلن الكماد وأخذ الأصلين والعربية على الأستاذ أبي عمر بن منظور ولازمه وانتفع به، والفقه على القاضي أبي عبد اللَّه بن عبد السلام بتونس، ومن شعره في النسيب: خالٌ على خدِّكَ أمْ عنبرُ ... ولؤلؤ ثَغركَ أم جَوهرْ أوريتَ نارَ الحبِّ في الحَشَا ... فصارتْ النَّاس بِهِ تستعرْ لَوْ جُدْتَ لي منك برشف اللَّما ... لقلتُ: خمرٌ، عسلٌ، سكرْ دَعْنيَ في الحُبِّ أذبْ حسرةً ... سفك دَم العاشِقِ لا ينكرْ توفي عام خمسين وسبعمائة. 547 - محمد بن محمد بن محارب الصريحي المالقي (¬2). يعرف بابن أبي الجيش، قال ابن الخطيب في عائد الصلة: كان من صدور المقرئين وأعلام المتصدرين تفننًا واطلاعًا وإدراكًا ونظرًا، إمامًا في الفرائض والحساب، قائمًا على العربية، مشاركًا في الفقه والأصول وكثير من المعقول، قعد للإقراء بمالقة وخطب. قرأ على الأستاذ القاضي ابن بكر ثم ساء ما بينهما في مسألة وقعت وهي ¬

_ (¬1) ترجمته في الاحاطة 3: 81. (¬2) ترجمته في معجم المؤلفين 11: 263، بغية الوعاة ص 101، الدرر الكامنة 4: 248، ورد في بغية الوعاة بلفظ: (الصبرنجي).

548 - محمد بن عبد الرزاق الجزولي

تجويز الخلف في وعد اللَّه شنع فيها على شيخه المذكور ونسبه إلى أن قال: وعده تعالى ليس بلازم بل يجوز فيه الخلف إذ الأشياء في حقه تعالى متساوية، وكتب فيها أسئلة لعلماء المغرب فقاطعه وهاجره، ولما ولي شيخه القضاء وجه إليه اثر ولايته فلم يشك في الشر، فلما دخل عليه رحب به وأظهر له القبول والعفو عنه واستأنف مودته، فعد ذلك في مآثر القاضي، وأخذ بسبتة على أبي إسحاق الغافقي وغيره، ثم رجع لمالقة فدرس بها حتى توفي في الطاعون آخر ربيع الأخير عام خمسين وسبعمائة بعد أن تصدق بمال كثير وحبس كتبه على الطلبة، شرح التسهيل لابن مالك بشرح في غاية النبل والاستيفاء لم يكمل- اهـ. 548 - محمد بن عبد الرزاق الجزولي (¬1). قال ابن خلدون: شيخنا شيح وقته جلالة وتربية وعلمًا وخبرة بأهل بلده وعظمة فيهم، نشأ بفاس وأخذ عن مشيختها، ورحل لتونس فلقي القاضيين ابن عبد الرفيع وأبا عبد اللَّه النفزاوي وطبقتهما، أخذ عنهم وتفقه عليهم، ورجع للمغرب ولازم الأكابر والمشائخ إلى أن ولاه السلطان أبو الحسن قضاء فاس فبقي عليه إلى أن عزله بالفقيه المقري، ثم لما جمع شيوخ العلم للتحقيق بمجلسه والإفادة منهم استدعاه معهم فلم يزل كذلك إلى أن هلك قبل مهلك أبي عنان بيسير- اهـ. قال صاحبنا المؤرخ محمد بن يعقوب الأديب الراكشي: كان فقيهًا قاضيًا معمرًا راوية من الفضلاء، روى عنه ابن مرزوق الخطيب، وتوفي سنة ثمان وخمسين وسبعمائة بفاس. 549 - محمد بن علي بن أبي رمانة (¬2). أبو عبد اللَّه المكناسي قاضيها، قال الخطيب ابن مرزوق: قال ابن ¬

_ (¬1) ترجمته في نثير الجمان 355، نفح الطيب 5/ 241، سلوة الأنفاس 2/ 276، تاريخ قضاة الأندلس ص 125، ألف سنة من الوفيات ص 82، التعريف بابن خلدون 7/ 403. (¬2) الروض الهتون ص 20.

550 - محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن يحيى بن عبد الرحمن القرشي التلمساني شهر بالمقري

الخطيب في نفاضة الجراب: كان شيخنا فقيهًا خيرًا فاضلًا، من أهل الحياء والحشمة وذوي السذاجة والعفة -اهـ- من الروض الهتون لابن غازي. 550 - محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن يحيى بن عبد الرحمن القرشي التلمساني شهر بالمقري (¬1). بفتح الميم وتشديد القاف المفتوحة، كذا ضبطه الشيخ عبد الرحمن الثعالبي في كتابه العلوم الفاخرة، وكذا الونشريسي وزاد أنها قرية من قرى بلاد التراب من افريقية سكنها سلفه ثم تحولوا لتلمسان، وبها ولد ونشأ وأقرأ وقرأ، وضبطه ابن الأحمر في فهرسته والشيخ زروق، بفتح الميم وسكون القاف، الإمام العلامة النظار المحقق القدوة الحجة الجليل أحد مجتهدي المذهب وأكابر فحولة المتأخرين الأثبات قاضي الجماعة بفاس، ذكره ابن فرحون في الأصل وأثنى عليه، ونزيد هنا ما تيسر، قال ابن الخطيب في الإحاطة: كان مشارًا إليه اجتهادًا ودؤبًا وحفظًا وعناية واطلاعًا ونقلًا ونزاهة، يقوم أتم قيام على الفقه والتفسير والعربية، ويحفظ الأخبار والحديث والتاريخ ويشارك مشاركة فاضلة في الأصلين والجدل والمنطق، ويكتب ويشعر، مصيبًا غرض الاجادة ويتكلم في طريق الصوفية ويعتني بالتدوين فيها، شرق وحجّ ولقي أجلاء كأبي حيان والشمس الأصبهاني وابن عدلان وبمكة الرضي إمام المقام، وبدمشق ابن قيم الجوزية، وصنف في الفقه التصوف- اهـ. قال الخطيب ابن مرزوق الجد: كان صاحبنا المقري معلوم القدر مشهور الذكر ممن وصل إلى الاجتهاد المذهبي ودرجة التخيير والتزييف بين الأقوال، وتبعه بعد موته من حسن الثناء وصالح الدعاء ما يرجى له النفع به يوم اللقاء وعوارفه معروفة عند الفقهاء، مشهورة بين الدهماء- اهـ. وقال ابن خلدون في تاريخه الكبير: أخذ المقري العلم بتلمسان عن أبي ¬

_ (¬1) ترجمته في الإحاطة 2: 191 - 226، شذرات الذهب 6: 193 - 196، تعريف الخلف 2: 493، شجرة النور الزكية ص 232، جذوة الاقتباس 1/ 298، سلوة الأنفاس 3/ 271، معجم الجزائر ص 312 - 313.

عبد اللَّه السلوي ثم لازم بعده شيخنا الابلي وابني الإمام واستبحر في العلوم وتفنن، ولما نقض السلطان أبو عنان بيعة أبيه ندبه لكتابة البيعة فكتبها وقرأها على الناس في يوم مشهود، وارتحل معه لفاس فعزل قاضيها الشيخ المعمر ابن عبد الرزاق وولاه، فلم يزل قاضيها بها حتى سخطه لبعض النزغة الملوكية فعزله وولى الفقيه أبا عبد اللَّه الفشتالي آخر ست وخمسين. ثم بعثه سفير الأندلس فامتنع من الرجوع فأنكر السلطان على صاحب الأندلس ابن الأحمر تمسكه به وبعث إليه يستقدمه منه فلاذ منه ابن الأحمر بالشفاعة فيه واقتفى كتب أمان له لخط السلطان أبي عنان فأوفده مع الجماعة من شيوخ العلم بغرناطة، ومنهم القاضيان بغرناطة شيخنا شيخ الدنيا جلالة وعلمًا ووقارًا ورياسة أبو القاسم الشريف السبتي وشيخنا شيخ المحدثين والفقهاء والأدباء والصوفية والخطباء سيد أهل العلم بإطلاق أبو البركات ابن الحاج البلقيقي فوفدوا به على السلطان شافعين على عظيم نشوبه للقائهما فقبلت الشفاعة وأنجحت الوسيلة وحضرت يوم قدومهما مجلس السلطان سنة سبع وخمسين وكان يومًا مشهودًا فاستقر القاضي المقري في مكانه بباب السلطان عطلًا من الولاية والجراية وامتحنه السلطان بعد ذلك بسبب خصومة وقعت بينه وبين أقاربه امتنع من حضوره معهم عند القاضي الفشتالي فتقدم السلطان لبعض أكابر الورعة ببابه بأن يسحبه لمجلس القاضي حتى أنفذ فيه حكمه، فكان الناس يعدونها محنة، ثم ولاه السلطان بعد ذلك قضاء العساكر في دولته عند ارتحاله إلى قسنطينة، فلما فتحها وعاد إلى ملكه بفاس آخر ثمان وخمسين اعتل القاضي المقري في طريقه ومات عند قدومه لفاس- اهـ. قال الونشريسي: لما تولى قضاء فاس قام بأعبائه علمًا وعملًا، وحمدت سيرته ولم تأخذه في اللَّه لومة لائم، ولما توفي نقل إلى بلدة تلمسان- اهـ. وأما شيوخه فذكر هو ما ملخصه من أخذت عنه بتلمسان علماها الشامخان وعالماها الراسخان ابنا الإمام وحافظها ومفتيها عمران المشذالي ومشكاة الأنوار الأستاذ إبراهيم بن حكيم البلوي وعالم الصلحاء وصالح العلماء

أبو محمد المجاصي والقاضي الشريف الرحلة أبو علي حسين السبتي وقاضي الجماعة الكاتب أبو عبد اللَّه بن هدية ومحمد بن حسن الزهري التونسي، وإمام الحديث والعربية عبد المهيمن الحضرمي والفقيه المحقق السطي والقاضي أبو إسحاق بن أبي يحيى والشقيقان أبو عبد اللَّه محمد وأبو العباس أحمد ابنا ولي اللَّه محمد بن محمد بن مرزوق العجيسي في جماعة آخرين. قلت: أبو العباس بن مرزوق هذا والد الخطيب ابن مرزوق الجد وأبو عبد اللَّه المذكور عمه فاعلمه. ثم قال: ونسيج وحده أبو عبد اللَّه الابلي وابن المسفر وقاضي بجاية محمد ابن الشيخ أبي يوسف يعقوب الزواوي، فقيه ابن فقيه وإمام المعقولات أبو علي حسن ابن حسن، والخطيب أحمد بن عمران اليانيوسي وبتونس ابن عبد السلام والآجمي وابن هارون وابن الحباب وابن سلامة وأبو الحسن المنتصر، وبمصر فذكر من تقدم كالشيخ الصالح عبد اللَّه المنوفي والتاج التبريزي وخليل المكي وابن تامتيت والقاضي شمس الدين ابن سالم والفقيه ابن عثمان، وغيرهم -اهـ- ملخصًا. وقد أطال في الإحاطة في ترجمته، فلنذكر هنا بعض فوائده، فمنها قال: تكلم العلامة أبو زيد ابن الإمام في الجلوس على الحرير فقال له الأستاذ ابن حكم: مقتضى حديث أنس المنع لقوله: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس، فقال أبو زيد: لا نسلم أن مراده الجلوس لاحتمال كون ذلك الحصير يغطي وذكر حديثًا فيه تغطية الحصير، وكان الرجل واعية. قلت: وللأستاذ أن يقول الغالب خلاف ذلك فيجب العمل عليه حتى ينص على غيره بالدليل، على أنه روى نصًا في صحيح البخاري وغيره الجلوس عليه. ومنها: شهدت الوقفة سنة أربع وأربعين وسبعمائة وكانت جمعة فذكر الخطيب بالمسجد الحرام للناس أن جمعة وقفتهم هذه خاتمة مائة جمعة وقف بها من الجمعة التي وقف بها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجة الوداع، فشاع في الناس وكان

علم ذلك مما تواتر عندهم، واللَّه أعلم. وهم يزعمون أن الجمعة تدور على خمس سنين وهذا مناف لذلك، لكن كثير منهم نكر اطراد هذا، ويقول: إنها قد تنقل إلى أكثر من ذلك. ومنها: قال: كنت عند الابلي بتلمسان إذ دخل عليه أبو عبد اللَّه المالقي المتطبب فكان فيما تكلم به أن قال: استجرى أديبًا كريمًا بهذا الشطر ثم جيب فلم ينصف قال لنا ما أراد؟ فجعلنا ندبر الحيلة فيه والشيخ ينظر في الهواء فسبقنا بفضل ذهنه فقال تقولون أو نقول فسألناه التربص علينا، ثم كنت أول من عثر عليه فقلت قضيته ملف شحمي. ومنها: قال لي أبو القاسم بن محمد اليماني أحد مدرسي دمشق، ونحن يومئذ بها: قال شيخ صالح برباط الخليل عليه السلام، نزل بي مغربي فمرض مرضًا طويلًا فدعوت اللَّه أن يفرج عني وعنه بموت أو صحة، فرأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال لي: أطعمه الكسكسون قال يقوله هكذا بالنون، فصنعته له فكأنما جعلت له فيه الشفاء فكان أبو القاسم يقول بالنون، يخالف الناس في حذفه من هذا الاسم ويقول: لا أعدل عن لفظه -عليه السلام- قال المقري: قلت وجه هذا من الطب أن هذا الطعام معتاد المغاربة ويشتهونه على كثرة استعمالهم له، فربما فيه شهوة أورده إلى عادة، واللَّه ورسوله أعلم. ومنها: قال: حدثني القاضي الظريف أبو عبد اللَّه بن عبد الرزاق الجزولي عن الشيخ النخبة ابن قطرال أنه سمعه يقول: سمع يهودي بحديث نعم الادام الخل فأنكر ذلك حتى كاد يصرح بالقدح، فبلغ بعض العلماء فأشار على الملك بقطع الخل وأسبابه عن اليهود سنة، فقال: فما تمت سنة حتى ظهر فيهم الجذام. ومنها: قال: قال صاحبنا عبد اللَّه بن عبد الحق: قال لي عبد اللَّه بن قطرال كنت بالمدينة إذ أقبل رافض بفحمة في يده فكتب بها في جدار هناك: من كان يعلم أن اللَّه خالقه ... فلا يحب أبا بكر ولا عمرا

فانصرف فألقى عليّ من الفطنة وحسن البديهة ما لم أعهد مثله من نفسي قبل، فجعلت مكان يحب يسب، ورجعت لموضعي فجاء الرافض فوجده كما اصلحته فالتفت يمينًا وشمالًا كأنه يطلب من صنعه ولم يتهمني فأعياه ذلك وانصرف. ومنها: قال: سمعت الابلي يقول: سمعت أبا عبد اللَّه بن رشيد يقول: إن خطيبنا بتلمسان كان يقول في خطبته: من يطع اللَّه ورسوله فقد رشد، بالكسر، وكان الطلبة ينكرون عليه فلا يرجع، فلما قفلت من رحلتي تلك دخلت على الأستاذ ابن أبي الربيع بسبتة فهناني بالقدوم وقال لي فيما قال رشدت بابن رشيد ورشدت لغتان صحيحتان حكاهما يعقوب في الاصلاح، قال المقري: وهذه كرامة للرجلين أو الثلاثة. ومنها: قال: من عجائب تفسير الرؤيا أن أبا عبد اللَّه القرقوني كان في سجن السلطان يوسف بن عبد الحق مع غيره من التلمسانيين أيام حصره فرأى أبا جمعة علي الجرائحي منهم كأنه قائم على سانية دائرة وجميع أقداحها وأقواسها تصب في نقير في وسطها، فجاء يشرب فاغترف الماء كذا فيه فرث ودم فأرسله واغترف فإذا هو كذلك ثلاثًا أو أكثر، ثم عدل إلى خصة ماء فجاءها وشرب منها ثم استيقظ وهو في النهار فأخبره فقال: إن صدقت الرؤيا فنحن على قليل خارجون من هذا السجن قال كيف؟ قال: الساقية الزمان والنقير السلطان وأنت الجرائحي تدخل يدك في جوفه فينالها الفرث والدم، وهذا لا نجاح معه فلم يكن إلا ضحوة الغد فإذا النداء عليه فخرج فوجد السلطان مطعونًا بخنجر فأدخل يده في جوفه فناله الفرث والدم فخاط جراحته وخرج فرأى خصة ماء فغسل يده وشرب، فلم يلبث السلطان أن توفي وسرح المسجونون. ومنها: قال: شهدت الشمس ابن قيم مقيم الحنابلة بدمشق، وهو أكبر أصحاب ابن تيمية وقد سئل عن حديث "من مات له ثلاث من الولد كانوا له حجابًا من النار" كيف إن أتى بعدها بكبيرة؟ فقال: موت الولد حجاب

والكبيرة خرق لذلك الحجاب، وإنما يحجب الحجاب إذا لم يخرق فإذا خرق لم يكن حجابًا بدليل حديث "الصوم جنة ما لم يخرقها". ومنها: قال: سألني السلطان عمن لزمته يمين على نفي العلم فحلف جهلًا على البت هل يعيد أم لا فأجبته بإعادتها، وقد أفتاه من حضر من الفقهاء بأن لا تعاد لأنه أق بأكثر مما أمر به على وجه يتضمنه فقلت له: اليمين على وجه الشك غموس، قال ابن يونس: الغموس الخلق على تعمد الكذب، أو على غير يقين، ولا شك أن الغموس محرمة منهي عنها، والنهي يدل على الفساد، ومعناه في العقود عدم ترتب أثره فلا أثر لهذه اليمن فوجب أن تعاد، وقد يكون من هذا اختلافهم فيمن أذنها السكوت فتكلمت هل يجتزئ بذلك؟ والإجزاء هنا أقرب لأنه الأصل والصمات رخصة لغلبة الحياء. فإن قلت: البت أصل وإنما يعتبر نفي العلم إذا تعذر. قلت: ليس رخصة كالصمات. ومنها: قال: سألني بعض الفقراء عن سوء بخت المسلمين في ملوكهم إذ لم يل أمرهم من سلك بهم الجادة وحملهم على الواضحة، بل يغتر في صلاح دنياه غافلًا عن عقباه فلا يرقب في مؤمن إلّا ولا ذمة ولا يراعي عهدًا ولا حرمة، فأجبته بأن ذلك، لأن الملك ليس في شريعتنا بل كان شرع من قبلنا قال تعالى: ممتنًا على بني إسرائيل: {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} ولم يقله في هذه الأمة بل جعل لهم خلافة، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} الآية، وقال تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} وقال سليمان: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا} فجعلهم ملوكًا، ولم يجعل لنا إلا الخلفاء فأبو بكر خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كما فهمه الناس عنه فهمًا وأجمعوا على تسميته بذلك، ثم استخلف عمر فخرج بها عن سنن الملك الذي يرثه الولد عن والده إلى سنن الخلافة الذي هو النظر والاختيار، ونص في ذلك على عهده، ثم اتفق أهل الشورى على عثمان فأخرجها عمر عن بنيه إلى الشورى دليلًا على أنها ليست ملكًا، ثم تعين على بعد إذ لم يبق مثله فبايعه من آثر الحق على الهوى والآخرة على الدنيا، ثم الحسن كذلك ثم كان معاوية

أول من حولها ملكًا والخشونة لينًا {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} فجعلها ميراثًا، فلما أخرجت عن موضعها لم يستقم ملك فيها، ألا ترى أن عمر بن عبد العزيز كان خليفة لا ملكًا لأن سليمان رغب عن بني أبيه إيثارًا لحق المسلمين ولئلا يتقلدها حيًا وميتًا، وكان يعلم اجتماع الناس عليه فلم يسلك طريقة الاستقالة بالناس قط إلا خليفة، وأما الملوك فعلى ما ذكرت إلا من قلّ، غالب أحواله غير مرضية- اهـ. ومنها: ما ذكره عنه أنه يحضر مجلس السلطان أبي عنان لبث العلم، وكان مزوار الشرفاء بفاس إذا دخل مجلس السلطان قام له السلطان وجميع من في مجلسه إجلالًا له إلا الشيخ المقري فلا يقوم معهم فأحسن المزوار من ذلك وشكاه للسلطان فقال السلطان: هذا رجل وارد علينا نتركه على حاله حتى ينصرف فدخل المزوار يومًا فقام له السلطان وغيره على العادة، فنظر المزوار إلى المقري فقال له: أيها الفقيه مالك لا تقوم كما يفعل، نصره اللَّه، وأهل مجلسه إكرامًا لجدي وشرفي، ومن أنت حتى لا تقوم لي، فنظر إليه المقري فقال له: أما شرفي فمحقق بالعلم الذي أنا أبثه ولا يرتاب فيه أحد، وأما شرفك فمظنون، ومن لنا بصحته منذ أزيد من سبعمائة عام، ولو قطعنا بشرفك لأقمنا هذا من هنا وأشار للسلطان أبي عنان وأجلسناك مجلسه، فسكت المزوار- اهـ. قال العلامة أبو عبد اللَّه بن الأزق: وعلى اعتذاره ذلك يكون الشرف الآن مظنونًا، فمن معنى ذلك أيضًا ما يحكى عنه أنه كان يقرأ بين يدي السلطان وأبي عنان صحيح مسلم بحضرة أكابر فقهاء فاس وخاصتهم، فلما وصل إلى أحاديث الأئمة من قريش قال الناس: إن أفصح بذلك استوغر قلب السلطان وإن ورى وقع في محظور فجعلوا يتوقعون ذلك، فلما وصل إلى الأحاديث قال بحضرة السلطان والجمهور: إن الأئمة من قريش ثلاثًا، ويقول بعد كل كلمة وغيرهم متغلب، ثم نظع وقال: لا عليك فإن القرشي اليوم مظنون أنت أهل للخلافة إذ توفت فيك بعض الشروط والحمد للَّه، فلما انصرف لمنزله بعث له السلطان ألف دينار- اهـ.

551 - محمد بن إبراهيم الصفار المراكشي

قال القاضي ابن الأزرق: يلزم من اعتذاره أن قيام السلطان لذي الشرف المحقق بالعلم أولى في المحافظة على حرمات اللَّه، وقد روي أن بعض الأمراء تكبر عن ذلك واستخف بمنزلة من عظم به غيره، فسلب ملكه وملك بنيه بعده- اهـ. قلت: وفوائده ولطائفه وتحفه وظرفه لا تحمى فلنكتف بما ذكرنا، وله تآليف ككتاب القواعد، اشتمل على ألف قاعدة ومائتي قاعدة، قال الونشريسي: وهو كتاب غزير العلم كثير الفوائد لم يسبق بمثله بيد أنه يفتقر إلى عالم فتاح، وكتاب الحقائق والرقائق في التصوف لطيف الإشارة بديع المنزع موجود بأيدي الناس، شرحه الشيخ زروق، وكتاب التحف والطرف غاية في الحسن والظرف، قاله الونشريسي، واختصار المحصل لم يتم، وشرح الخونجي لم يتم، وكتاب عمل من طب لمن حب مشتمل على فنون فيه أحاديث حكمية كالشهاب وعلى كليات فقهية على أبواب الفقه في غاية الإفادة وعلى قواعد وأصول وعمل اصطلاحات وألفاظ. قال الونشريسي: رأيته عند الفقيه عبد اللَّه بن عبد الخالق فتلطفت في استنساخه فلم يسمح به، وكتاب المحاضرات مشتمل على حكايات وإشارات وفوائد، وقال الونشريسي: ولقد استوفى شيخ شيوخنا المحقق النظار أبو عبد اللَّه بن مرزوق ترجمته في كتاب سماه النور البدري في التعريف بالفقيه المقري- اهـ. وممن أخذ عنه من العلماء الإمام الشاطبي وابن الخطيب السلماني وابن خلدون والكاتب ابن زمرك وأبو محمد بن جزي والأستاذ القيجاطي والحافظ ابن علاق في خلق. 551 - محمد بن إبراهيم الصفار المراكشي (¬1). الأستاذ إمام القراءة في وقته، أخذ عنه كثير من شيوخ الغرب، كبيرهم شيخ المحدثين أبو عبد اللَّه ابن رشيد. صح من ابن خلدون، وقال غيره: ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الوفيات لابن قنفذ ص 360، الأعلام بمن حلّ مراكش 3/ 316، التعريف بابن خلدون 7/ 400.

552 - محمد بن علي بن العابد الأنصاري

ألف تأليفًا في القراءات أحضره أبو عنان أخيرًا عنده، فكان يعارضه القرآن، وهو الذي غسله لما مات، وتوفي بعده سنة إحدى وستين. 552 - محمد بن علي بن العابد الأنصاري (¬1). الفاسي الأصل ثم الأندلسي أبو عبد اللَّه، قال في الإحاطة: كان إمامًا في الكتابة والأدب واللغة والإعراب والتاريخ والفرائض والحساب والبرهان، عليه أربي على الموثقين من فحول المبرزين في نظم الشعر وحفظه، حافظًا مبرزًا درس الحديث وحفظ أحكام عبد الحق الاشبيلي ونسخ كبار الدواوين وضبط كتب اللغة وقيد على كتب الحديث، واختصر تفسير الزمخشري وأزال اعتزاله، لم يفتر قط من قراءة أو درس أو نسخ أو مطالعة ليله ونهاره، لم يكن في وقته مثله، أخذ بفاس عن أبي العباس بن أبي القاسم وابن البقال الأصولي وأبي عبد اللَّه بن البيوت المقري وأبي الحسن الموالي الزاهد وغيرهم. توفي بغرناطة عام اثنين وستين وسبعمائة في ذي القعدة. 553 - محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم البلفيقي (¬2). السلمي أبو البركات، شهر بابن الحاج الري من ذرية العباس بن مرداس الصحابي، ذكره في الديباج ونقل ترجمته من الإحاطة. قال الحضرمي في مشيخته: شيخنا الفقيه الجليل الأستاذ القاضي العدل النزيه الخطيب البليغ المتفنن العالم الصالح الفاضل عماد الدين قاضي القضاة علم الرواية وفخر الولاة الإمام الخاشع الشهير الأصيل المعظم- اهـ. قال ابن خلدون: شيخنا شيخ المحدثين والفقهاء والأدباء والصوفية والخطباء بالأندلس وسيد أهل العلم بإطلاق، والمتفنن في أساليب وآداب صحبة الملوك فمن دونهم- اهـ. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الإحاطة في أخبار غرناطة 2: 287، جذوة الاقتباس 1/ 231. (¬2) انظر ترجمته في الإحاطة 2: 143، والكتيبة ص 127، والمرقبة العليا ص 164، والديباج ص 164، والنفح 5/ 471، وشجرة النور الزكية ص 229، وطبقات الجزري 2: 235، جذوة الاقتباس 1/ 292، الأعلام بمن حل مراكش وأغمات 3/ 325.

وقال أبو زكريا السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه القاضي الخطيب البليغ الأستاذ المقري العالم الحدث المسند الراوية المكثر المحقق المتخلق سليل العلماء ونتيجة البررة الأولياء ابن الشيخ الفقيه الجليل السنن السني الصالح الزاهد الخاشع الحسيب أبي بكر بن الشيخ الأستاذ المحدث الرحال الناقد الراوية الشهير المتبرك به أبي إسحاق، كان شيخًا محدثًا حافظًا متفننًا متمسكًا بطريق القوم، مؤثرًا لها حسن التلاوة طيب النغمة بالقراءة مع خشوع وبكاء، حسن المجالة مليح المداعبة، صدرًا في عدول القضاة وأئمة الرواية، من ذوي الأحساب الطاهرة الأصلية والبيوت الرفيعة الجليلة. رحل في طلب العلم قديمًا وحديثًا وحصل من المعقول والمنقول بغية أربه، طلع بالأندلس شمسًا منيرة ونزع باجتهاده في المعارف والروايات إلى مناحيه الشهيرة، أخذ عن عمه الفقيه الحدث أبي القاسم محمد والخطيب أبي الحسن بن أبي العيش وأبي جعفر اللورقي وابن الزبير والقاضي ابن فركون ابن رشيد وأبي الحسن القيجاطي والقاضي ابن بكر وابن أبي العاصي وأبي محمد بن سلمون وابن الكماد وابن الفخار الأركشي وأبي الحسن عبيد اللَّه بن منظور وأبي عبد اللَّه الهاشمي والقاضي ابن البنا الهمداني المالقي وأبي إسحاق الغافقي وابن حريث، والفقيه المحدث الرحلة المحقق أبي القاسم التجيبي والعلامة أبي القاسم بن الشاط وابن هانيء والفقيه الصالح أبي بكر المتفنن أبي العباس أحمد بن محمد بن عثمان بن البنا العددي والخطيب أبو غربون والناصر المشذالي في خلق كثيرين، وله سماع كثير، ولم ألق في هذه الطريقة أكبر منه ولا أعلم منه بهذا الشأن- اهـ. قال الحضرمي: كان على جلالته وتبحره في فنون المعارف شاعرًا مفلقًا وأديبًا بارعًا وخطيبًا مفوهًا مصنفًا، له ديوان كبير سماه "العذب والأجاج من شعر أبي البركات ابن الحاج" أتى فيه بالعجب العجاب، أنشدني لنفسه كثيرًا، ومما أنشدني في التحذير من بذل الوجه للناس لغيره: إذا أظمأتك أكف اللئام ... كفتك القناعة شبعًا وريا

554 - محمد بن أحمد بن علي بن يحيى بن علي بن محمد بن القاسم بن محمود بن ميمون بن علي بن عبد الله بن عمر بن إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب

فكن رجلًا رجله في الثرا ... وهامة همته في الثريا أبيًا لنائل ذي ثروة ... تراه بما في يديه أبيا وسمعته ينشد وقد سئل عن سنه، وكان مذهبه أن لا يخبر به ولا بتاريخ حياته: احفظ لسانك لا تبح بثلاثة ... سن ومال إن سئلت ومذهب فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة ... بحاسد ومكفر ومكذب ومن المأثور عن مالك "ليس من المروءة اخبار الرجل بسنه" فقيل له: لم؟ قال: لأنه إن كان صغيرًا استحقر أو كبيرًا استهرم. وتوفي شيخنا أبو البركات وقت الزوال يوم الجمعة أو آخر رمضان عام أحد وسبعين وسبعمائة عن نحو تسعين سخة تخمينًا، وكانت جنازته حافلة وتبعه ثناء حسن -اهـ- ملخصًا. 554 - محمد بن أحمد بن علي بن يحيى بن علي بن محمد بن القاسم بن محمود بن ميمون بن علي بن عبد اللَّه بن عمر بن إدريس بن عبد اللَّه بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (¬1). هكذا وجدته بخط ولده، عفا اللَّه عنه، الشريف أبي عبد اللَّه التلمساني، قال ابن خلدون: يعرف بالعلوني نسبة لقرية من أعمال تلمسان تسمى العلونين، ونسبة بيته لا يدافع فيه، وربما غمص فيه بعض الفجرة ممن لا يزعه دينه ولا معرفته بالأنساب، فيعد من اللغو- اهـ. ويعرف أيضًا بالشريف التلمساني، علّامة تلمسان بل إمام المغرب قاطبة الإمام ابن مرزوق الحفيد شيخ شيوخنا، أعلم أهل عصره بإجماع- اهـ. وقال السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه الإمام العالم العلامة الشهير ¬

_ (¬1) ترجمته في البستان ص 164، الأعلام 5/ 337، ومعجم المؤلفين 8/ 301، جذوة الاقتباس 316، شجرة النور الزكية ص 234، تاريخ الجزائر العام 2: 190 - 193، وفيات الونشريسي (ضمن مجموعة ألف سنة من الوفيات) ص 126.

الكبير الصدر القدوة الشريف نسبًا العظيم قدرًا ومنصبًا أبو عبد اللَّه ابن الشيخ الفقيه الجليل الوجيه العاقل العدل المبرز أبي العباس. كان أحد رجال الكمال علمًا وذاتًا وخُلقًا وخَلقًا، عالمًا بعلوم جمة من المنقول والمعقول، بلغ رتبة الاجتهاد أو كاد، بل هو أحد العلماء الراسخين وآخر الأئمة المجتهدين. نشأ بتلمسان وقرأ القرآن على الشيخ أبي زيد بن يعقوب، وأخذ عن الإمامين ابني الإمام والقاضي أبي عبد اللَّه بن هدية الرشي والولي الصالح عبد اللَّه المجاصي والقاضي التميمي وأبي عبد اللَّه محمد بن محمد البروني وعمران المشذالي والقاضي ابن عبد النور والقاضي أبي العباس بن الحسن والقاضي علي بن الرماح وابن النجار، ولازم الإمام الابلي كثيرًا وانتفع به، وأخذ أيضًا عن ابن عبد السلام التونسي والعالم السطي بمدينية فاس وغيره. حضرت عليه الأحكام الصغرى لعبد الحق والتهذيب وبعض الموطأ والصحيحن لما قدم رسولًا لفاس عام سبعة وستين وسبعمائة- اهـ. قلت: وممن صرح ببلوغه درجة الاجتهاد عصريه الإمام الخطيب ابن مرزوق الجد في رسالته التي ردّ فيها على أبي القاسم الغبريني وأثنى عليه كثيرًا، قال ابن خلدون: أخذ العلم بتلمسان عن مشيختها واختص بأولاد الإمام وتفقه عليهما في الأصول والكلام، ثم لزم شيخنا الابلي وتضلع من معارفه واستبحر، وتفجرت ينابيع العلوم من مداركه، ثم رحل لتونس سنة أربعين فلقي شيخنا ابن عبد السلام وأفاد منه واستعظم رتبته في العلم، وكان ابن عبد السلام يصغي إليه ويؤثر محله ويعرف حقه حتى زعموا أن عبد السلام يخلو به في بيته فيقرأ عليه أي على الشريف فصل التصوف من إشارات ابن سينا لأن الشريف قد أحكم الكتاب على الابلي وقرأ عليه ابن عبد السلام أيضًا فصل التصوف من شفاء ابن سينا ومن تلاخيص أرسطو لابن رشد، ومن الحساب والهندسة والهيئة والفرائض، علاوة على ما كان الشريف يحمله من الفقه والعربية وسائر علوم الشريعة، وله اليد الطولى في الخلافيات وقدم

عالية، فعرف له ابن عبد السلام ذلك كله وأوجب حقه، فرجع لتلمسان وانتصب للتدريس وبث العلم فملأ المغرب معارف وتلامذ إلى أن اضطرب المغرب بعد واقعة القيروان، ثم ملك أبو عنان تلمسان بعد مهلك أبيه سنة ثلاث وخمسين فاختار الشريف لمجلسه العلمي مع من اختار من المشيخة ورحل به لفاس فتبرم الشريف من الغربة واشتكى، فغضب السلطان لذلك ثم بلغه أن عثمان بن عبد الرحمن سلطان تلمسان أوصاه على ولده وأودع مالًا له عند بعض الأعيان من التلمسانيين وأن الشريف عالم بذلك، فسخط على الشريف واعتقله ثم سرحه عام أول ست وخمسين وأقصاه. ثم أعتبه بعد فتح قسنطينة فرده لمجلسه ثم هلك أبو عنان وملك أبو حمو بن عبد الرحمن تلمسان فاستدعى الشريف من فاس فسرحه الوزير القائم بالأمر عمر بن عبد اللَّه فرجع لتلمسان فتلقاه أبو حمو براحتيه وأصهر له في بنته فزوجها له وبنى له مدرسته، فقام يدرس حتى هلك سنة إحدى وسبعين، وأخبرني أن مولده عام عشرة- اهـ. قال الونشريسي: هذا هو الصحيح في ولادته، وأما وفاته فرابع ذي الحجة من عام إحدى وسبعين، وكان شيخًا حبرًا إمامًا محققًا نظارًا، شرح جمل الخونجي وألف كتاب المفتاح في أصول الفقه- اهـ. وممن أخذ عنه ولده أبو محمد والإمام الشاطبي وابن زمرك وإبراهيم الثغري أبو عبد اللَّه القيسي وابن خلدون وابن عباد وابن السكاك والفقيه ابن محمد ابن علي الميروفي والولي إبراهيم المصمودي وغيرهم، وذكر أبو زكريا السراج والسيلي أن مولده عام ستة عشر، وما تقدم أصح. وبعد أن كتبت ما تقدم وقفت على جزء لبعض التلمسانيين عرف صاحبه بالشريف وولديه فلخصته في جزء سميته القول المنيف في ترجمة الإمام أبي عبد اللَّه الشريف، فلنذكر هنا بعض ما تيسر منه، قال صاحب الجزء المذكور: وكان آخر الأئمة المجتهدين ولد عام عشرة وسبعمائة فنشأ عفيفًا صينًا فتعلم العلم في صغره بأخلاق مرضية نسيج وحده وفريد عصره، انتهت إليه

إمامة المالكية بالمغرب وضربت إليه آباط الإبل شرقًا وغربًا، فهو علم علمائها ورافع لوائها. أحيا السنة وأمات البدعة وأظهر من العلم ما بهر العقول، نجب في القرآن على ابن يعقوب فلما ظهرت نجابته أحبه خاله عبد الكريم فكان يلازمه في مجالس العلم صغيرًا، حضر يومًا مجلس أبي زيد ابن الإمام في تفسير القرآن فذكر نعيم الجنة فقال له الشريف، وهو صبي، هل يقرأ فيها العلم؟ قال له: نعم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فقال له: لو قلت: لا لقلت لك: لا لذة فيها، فعجب منه الشيخ ودله. ثم قيض اللَّه له الابلي بما عنده من العلوم الجزيلة والتحقيق التام فانتفع به انتفاعًا عظيمًا واعتمد عليه، ثم استفرغ وسعه في طلب العلم حتى حدث لبعضهم أنه لازمه أربعة أشهر فلم يره نزع ثوبه ولا عمامته لشغله بالنظر والبحث، فإذا غلبه النوم نام نومًا خفيفًا، فإذا أفاق لم يرجع إليه أصلًا ويفول: أخذت النفس حقها فيتوضأ، والوضوء من أخف الأشياء عليه ثم رجع للنظر، ابتدأ الإقراء وهو ابن احدى عشرة سنة. أخذ عن ابني الإمام وكانا من أجلة العلماء، لم يكن في زمانهما أعظم منهما قدرًا ولا أعلى قدرًا، ولا أوقع عند الملوك نهيًا وأمرًا فتضلع وأخذ عن غيرهما، فذكر من تقدم وشهد له شيوخه كلهم بوفور العقل وحضور الذهن، فاتسع في العلم باعه وعظم قدره، فأقرأ العلوم في زمن شيوخه وأقبل عليه الخلق، مع سلامة العقل، جاريًا على نهج السلف، عالمًا بأيام اللَّه، مائلًا للنظر والحجة أصوليًا متكلمًا جامعًا للعلوم العقلية القديمة والحديثة. لقي بتونس ابن عبد السلام فلازمه وانتفع به، وذكر ولده أبو محمد عبد اللَّه أنه لما حضر مجلس ابن عبد السلام جلس حيث انتهى به المجلس فتكلم الشيخ في الذكر هل هو حقيقة في ذكر اللسان؟ فقال له أبو عبد اللَّه: يا سيدي الذكر ضد النسيان ومحل النسيان القلب لا اللسان وتقرر أن الضدين يجب اتحاد محلهما فعارضه ابن عبد السلام بأن الذكر ضد الصمت والصمت

محله اللسان فيجب كون اللسان محل ضده الذي هو الذكر، فيكون حقيقة فيه، قال أبو عبد اللَّه: فسكت عن مراجعته تأدبًا معه، وقد علمت أن الصمت إنما ضده النطق لا الذكر، فلما جاء في الغد جلس في موضعه فقام نقيب الدولة فأجلسه بجنب ابن عبد السلام بأمره بذلك، فلما فرغ من القراءة قال: أنت أبو عبد اللَّه الشريف؟ قال نعم فأكرمه، فكان يجلس بجنبه وكان يقرأ على الشيخ في داره، ولقي أكابر التونسيين بمجلسه فتعجبوا منه فكل يوم يزداد عندهم جلالة، ثم رجع لبلده فدرس العلوم وأحيا الشريعة. كان من أحسن الناس وجهًا وقورًا مهيبًا، ذا نفس كريمة وهمة نزيهة رفيع الملبس بلا تصنع، سري الهمة بلا تكبر، حليمًا متوسطًا في أموره قوي النفس مؤيدًا بطهارة، ثقة عدلًا ثبتًا سلم له الأكابر بلا منازع، أصدق الناس لهجة وأحفظهم مروءة، مشفقًا على الناس رحيمًا بهم يتلطف في هدايتهم ويعينهم بجهده، حسن اللقاء كريم النفس طويل اليد، يعطي نفقات عديدة ذا كرم واسع وكنف لين وصفاء قلب. دخل عليه طالب فصيح فأعطاه وفرًا، ثم دخل عليه مرة بفاس فسأله عن حاله، فذكر له أنه قرأ القرآن بالقرويين فما أعطاه أحد شيئًا فتأسف الشيخ لحاله، ففي الغد بعث أربعة من طلبته بأربعة قراطيس دراهم وقال لهم احضروا مجلسه فإذا قرأ فارموا القراطيس بين يديه ففعلوا فأخذها الطالب ودعا لهم، فعرف الناس حاله فانثالت عليه العطايا. وسأله السلطان يومًا عن مسألة ابن الحاجب الأصلي فقال له: إنما يفهم هذه المسألة الطالب الفلاني وكان محتاجًا، فطلبه السلطان فقيل: إنه بسجلماسة فوجه لعاملها أن يعطيه نفقة وكسوة ويوجهه فوصل في أسرع وقت، فبين المسألة بين يدي السلطان، فسئل عمن استفادها فقال: من سيدي أبي عبد اللَّه الشريف. وكان الطلبة في وقته أعز الناس وأكثرهم عددًا وأوسعهم رزقًا، فنشروا العلم واستعانوا بحسن إلقائه وسهولة فيضه وحلاوته، مع بشاشة لا يؤثر على

الطلبة غيرهم، يحملهم على الصدق ويبث لهم الحقائق يرتب كلًا في منزله ويحمل كلامهم على أحسن وجوهه؛ يبرزه في أحسن صورة يترك كل أحد وما يميل إليه من العلوم ويرى الكل من أبواب العادة، ويقول: من رزق في باب فليلازمه، مع كرم أخلاق قائمًا بالعدل لا يغضب، وإذا غضب قام وتوضأ. جميل العشرة بسامًا منصفًا يقضي الحوائج، سمحًا متورعًا يوسع في نفقته أهله ويصل رحمه للَّه، ويواسيهم بجرايات كثيرة من ماله، يكرم ضيفه ويقرب له ما حضر ويطعم الطلبة طيب الأطعمة، وبيته مجتمع العلماء والصلحاء. كان أشياخه يجلونه حتى قال ابن عبد السلام: ما أظن أن في المغرب مثل هذا، وكان الابلي يقول: هو أوفر من قرأ عليّ عقلًا وأكثرهم تحصيلًا، وقال أيضًا: قرأ عليّ كثير شرقًا وغربًا فما رأيت فيهم أنجب من أربعة أبو عبد اللَّه الشريف أنجحهم عقلًا وأكثرهم تحصيلًا، وإذا أشكلت مسألة على الطلبة عند الابلي وأظهر بحث دقيق يقول: انتظروا أبا عبد اللَّه الشريف، قال له الشيخ ابن عرفة: غايتك في العلم لا تدرك، ولما سمع بموته قال: لقد ماتت بموته العلوم العقلية. وحضر بفاس في بدايته مجلس عبد المؤمن الجناتي فاتفق بحث بأبدى فيه وجهًا بديعًا، فنظر إليه الشيخ عبد المؤمن فقال: ما ذكرته من عندك أو من نقل؟ فقال: من عندي، فسأله عن بلده ونسبه ولأي شيء جاء فقال: جئت للقراءة على الابلي فقال له: الحمد للَّه الذي وفقك ودعا له، وبحث يومًا مع أبي زيد ابن الإمام في حديث وتجاذبا فيه الكلام جوابًا واعتراضًا حتى ظهر فأنشد الشيخ: أعلّمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني قال الشيخ أبو يحيى المطغري: لما اجتمع العلماء عند أبي عنان أمر الفقيه العالم المقري بإقراء التفسير فامتنع منه وقال الشريف أبو عبد اللَّه أولى مني بذلك، فقال له السلطان: تعلم أنت علوم القرآن وأهل تفسيره فأقرأه قال له: إن أبا عبد اللَّه أعلم بذلك منّي، فلا يسعني الإقراء بحضرته،

فعجبوا من انصافه، ففسر أبو عبد اللَّه بحضرة العلماء كافة في دار السلطان ونزل عن سرير ملكه وجلس معهم على الحصير فأتى بما أدهش الحاضرين حتى قال السلطان عند فراغه: إني لأرى العلم يخرج من منابت شعره. وجاء إليه القاضي الفشتالي بعد خروجهم فطلب منه تقييد ما صدر منه ذلك اليوم فقال: إنه من كتاب كذا وكذا وذكر كتبًا معروفة عندهم، فعلم القاضي أن الحسن للشنب وأن الأمر غير مكتسب. قال الخطيب ابن مرزوق: لما سافر أبو عبد اللَّه لتونس كرهت مفارقته ولكن حمدت اللَّه على رؤية أهل افريقية مثله من المغرب، وكان الفقيه الكبير الصالح موسى العبدوسي كبير فقفاء فاس يبحث عما يصدر من أبي عبد اللَّه من تقييد أو فتوى فيكتبه وهو أسن من أبي عبد اللَّه، وكان الفقيه المحدث القاضي أبو علي منصور بن هدية القرشي يقول: كل فقيه قرأ في زماننا هذا أخذ ما قدر له من العلم إلا أبا عبد اللَّه الشريف فإن اجتهاده يزيد، واللَّه أعلم حيث ينتهي أمره، وسمعت أبا يحيى المطغري يقول: حضرت مجلس كثير من كبار العلماء فما رأيت مثل أبي عبد اللَّه وولييه- اهـ. ووصل في التفنن في العلوم إلى الغاية، جمع بين الحق والحقيقة، لا يشق غباره بل حظ العلماء السماع منه، فسر القرآن خمسًا وعشرين سنة بحضرة أكابر الملوك والعلماء والصلحاء وصدور الطلبة لا يتخلف منهم أحد، عالمًا بقراءته ورواياته وفنون علومه، من بيان وأحكام وناسخ ومنسوخ وغيرها، مع إمامته في الحديث وفقهه وغريبه ومتونه ورجاله وأنواع فنونه إلى الإمامة في أصول الدين قائمًا بالحق صحيح النظر، كثير الذب عن السنة وإزاحة الاشكال، متدربًا في تعليم غوامضها، حسن البسط في التأليف، ألف كتابًا في القضاء والقدر وحقق فيه مقدار الحق بأحسن تعبير عن تلك العلوم الغامضة، وإليه يفزع علماء المغرب في حل المشكلات، وجه العالم المحقق يحيى الرهوني من بلاد توزر أسئلة فأوضع مشكلها، وكان من أئمة المالكية ومجتهديهم فقيه النفس، قائمًا على الفروع والأصول ثبتًا وتحصيلًا، عالمًا بالأحكام واستنباطها، قوي الترجيح سريع النظر متورعًا في الفتوى متحريًا في مسائل الطلاق يدفعها

عن نفسه ما استطاع، يدرس الفقه في كثير أوقاته وغالبها يقرأ المدونة بعد التفسير حتى مات، لم ينتفع الطلبة بأحد في مصر من الأمصار ما انتفعوا به في زمانه. وذكر بعض فقهاء فاس للسلطان أبي عنان أنه غير متبحر في الفقه حسدًا، فبعث السلطان حينئذ للفقهاء فحضروا وأمره بقراءة حديث "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم" يختبر به حاله في الفقه، فأخذ فيها من غير نظر فأول ما قال: في هذا الحديث خمس وعشرون فرقة فسردها، ثم تكلم على أخذها من الحديث وترجيح ما رجح كأنه يمليها من كتاب، فلما رأى السلطان ذلك أقبل على الطاعنين وقال لهم: هذا الذي قلتم أنه قاصر في الفقه، وكان لكلامه حلاوة ورونق وطلاوة، قوة علمه فيه ظاهرة وأنواره باهرة. ألف في أصول الفقه مفتاح الأصول في بناء الفروع على الأصول طبق منه مسائل الفقه مع الأصول، من أعلم الناس بالعربية وعلوم الأدب نحوًا وبيانًا، حافظًا للغة والغريب والشعر والأمثال وأخبار الناس ومذاهبهم وأيام العرب وسيرها وحروبها وأخبار الصالحين وسيرهم، وإشارات الصوفية ومذاهبهم، حسن المجلس كثير الحكايات ممتع المحضر عذب الكلام منصفًا في البحث والمناظرة، كثير البسط بلا عار ولا سرف، خبيرًا بأخبار النفس وتزكيتها وتطهيرها مذللًا صعاب الأمور إمامًا في العلوم العقلية كلها منطقًا وحسابًا وفرائض وتنجيمًا وهندسة وموسيقًا وتشريحًا وفلاحة وكثيرًا من العلوم القديمة. شرح جمل الخونجي من أجل كتب الفن، انتفع به العلماء قراءة ونسخًا وتأليفًا في المعاوضات، وكان قليل التأليف أكثر اعتنائه بالإقراء تخرج به من صدور العلماء وأعيان الفضلاء ونجباء الأولياء من لا يحصى، وكان مهيبًا محببًا، جعل اللَّه محبته في القلوب، من رآه أحبه وإن لم يعرفه، يجله الملوك فيقدمونه في مجالسهم يلاطفهم تارة ويفصح بالحق تارة وينصر المظلوم ويقضي الحوائج. وقال لبعض اللوك، وقد أمر بضرب فقيه: إن كان عندك صغير فهو

عند الناس كبير، وإنه من أهل العلم، فنجا الفقيه وسرح مكرمًا، ودخل بعض المرابطين على السلطان أبي حمو في أول أمره فلم يقبل يده ولا بايعه بل سلم وانصرف، فاشتد عليه غضبه فقال: ما له لا يبايعني وهم بشر فقال له أبو عبد اللَّه: هذه عادته مع من تقدم من الملوك وهو من أهل اللَّه فانكسر غضبه وأكرم المرابط وولاه قبيلة كلها، وكان يجلسه الملوك في أرفع المجالس ينصتون له فيقيم الحق، لا يخدمهم بدينه ولا يسألهم حوائج نفسه ولا يخاطبهم إلا بما يسوغ شرعًا، يعظم أهل الحق في قلوبهم ولا ينتصر لنفسه ويدفع حاسده بالتي هي أحسن يلتمس لأولي الفضل في عثراتهم أحسن الوجوه، ويتغافل عن غيره، مع ما له من جميل الذكر وبعد الصيت وعلو المنصب، لا يماري العلماء في مجالس الملوك ولا يرد على أحد ولا يخطئ المفسرين ولا ينصر العامة ولا يجرئهم على المعاصي بل يعظم منصب العلم. مجلسه مجلس نزاهة ودراية وتحقيق، إذا تكلم في مسألة أوضحها نهاره كله بين إقراء ومطالعة وتلاوة، يقسم الوقت على الطلبة بالرملية ينام ثلث الليل وينظر ثلثه ويصلي ثلثه، يقرأ كل ليلة ثمانية أحزاب في صلاته ومثله في أول النهار ويواظب قراءة الحزب دائمًا، ويقرأ من التفسير نحو ربع حزب كل يوم مع البحث، وإذا طال بحث الطلبة أمرهم بالتقييد في المسألة ثم يفصل بينهم. يطالع كتبًا كثيرة حدثني بعضهم أنه وجد بين يديه سبعين كتابًا، قوي اليقين بعيد النفس عن الطمع لا يشغله أمر الرزق، ارتاض نفسه للطلب حتى سهل عليه فنال خيرات الدنيا والآخرة، وكان علماء الأندلس أعرف بقدره وأكثرهم تعظيمًا له، حتى إن العالم الشهير لسان الدين ابن الخطيب صاحب الأنباء العجيبة والتآليف البديعة إذا ألّف تأليفًا بعثه إليه وعرضه عليه، وطلب منه أن يكتب عليه بخطه، وكان الشيخ الإمام الصدر المفتي أبو سعيد بن لب شيخ علماء الأندلس كلما أشكل عليه شيء كاتبه ليبين له ما أشكل، مقرًا له بالفضل. وأما زهده ومروءته ودينه فمعلوم، كان غني النفس بربه ساكن الجاش

كثير النفقة لا يهتم في أمرها حتى ذكره ولده عبد اللَّه أنه بقي بعض الأزمنة ستة أشهر مشتغلًا بالعلم لم ير فيها أولاده لأنه يقوم صبحًا وهم نائمون ويأتي ليلًا وهم نائمون، وذكر أنه لم يأخذ مرتبًا في مدرسته ولا غيرها في زمن طلبه وإنما ينفق من مال أبيه، وربما وضع له طيب الطعام ليفطر به في رمضان وغيره فيشتغل عنه بالنظر حتى لسحوره فيتركهما حتى يصبح ويواصل الصوم بالنظر، مصون العرض منزهًا عن الريب، اتفق العدو والصديق على نزاهة وصدق لهجته، وتساوى في محبته البر والفاجر، مواظبًا على الفكرة، واقفًا مع الحدود، مسلمًا للعبودية كثير الجد في الأمر والنهي، لا تعدل الدنيا عنده شيئًا، يتباعد عن الملوك مع إقبالهم عليه وحرصهم على قربه ورفعته، ما تولى أمرًا من أمور الدنيا بل يقف مع العلم حيث وقف، مع تمكنه، وكان السلطان أبو سعيد يحبه حبًا عظيمًا ويخاطبه بسيدي فلما انحل ملكه عرض عليه مالًا وديعة فامتنع بالكلية فأودعه عند غيره وأشهده، ثم رفع الأمر لأبي عنان بعد ملكه وأخبر به، فوجه فيه وعاتبه شديدًا حين لم يرفع الأمر إليه وأمن عليه بتقريبه ورفعه على العلماء فأجابه، وقال: إنما عندي شهادة لا يجب عليّ رفعها بل سترها، وأما تقريبك إياي فقد ضرّني أكثر مما نفعني ونقص به ديني وعلمي، وشدد القول عليه أي على السلطان فغضب لذلك وسجنه، ثم ورد اثر ذلك يعقوب بن علي شيخ أعراب افريقية على السلطان فسأله عما يقول الناس فيه بافريقية فقال خيرًا، غير أنهم سمعوا بسجنك عالمًا شريفًا كبير القدر فلامك فيه الخاصة والعامة، فأمر بإطلاقه والإحسان إليه بلا تسبب منه ولا معرفة، وهي أعظم محنة امتحن بها، ومازال السلطان يعتذر له عنها حتى مات. وكان أمينًا مأمونًا حافظًا لسره مالكًا لنفسه مقبلًا على شأنه، يركن إليه أهل الدين والدنيا من القريب والبعيد، وكان قاضي قسنطينة حسن بن باديس وضع عنده أمانة في قرطاس فوضعها في بيته، فلما طلبه صاحبه أخرجها فوجد مكتوبًا على ظاهر القرطاس مائة ذهب، فحله وعدها فإذا خمس وسبعون ذهبًا فزاد فيها خمسة وعشرين فأعطاه له، فمكث عنده يومين فرجع إليه وقال: يا سيدي وجدت في الأمانة زيادة خمس وعشرين فقال: إني لم أعدها عند أخذها

منك فلما وقع بصري على الخط اختبرتها فلم أجد العدد فكملتها ظانًا ضياعها عندي فقال: يا سيدي لم أعط إلا خمسة وسبعين فرد الزيادة وشكره وحمد اللَّه على وجود مثله، وكان متمسكًا في أموره بالسنة راكبًا لأهلها كثير الاتباع شديدًا على أهل البدع ذا بأس وقوة في نصر الحق، لا تشاهد في فطره بدعة ولا أشرار الشريعة في غير محلها ولا يشوش على أحد ويزجر من أخذ فوق قدره، سأله بعض مفقهة عن تفضيل أبي بكر على عمر فزجره. وكان يحضر مجلسه كبير وزراء الدولة فمال يومًا على بعض الأئمة فنظر إليه نظرة غضب وعنفه فسكت الوزير ولم يقطع المجلس، وقرأ عليه بعض الطلبة كتب الغزالي على وجه التجمل بها، فرأى الشيخ في المنام كأنه يضع كتبه في موضع قذر فتركه ولم يعد لتعليمه، وكان كثير التدبر للآيات والنظر في الملكوت بعبرة وفكرة، له كرامات كثيرة. منها: أنه اشتد الغلاء بقسنطينة في محلة أبي عنان حتى بلغ الفول ثمانية بدرهم وعظم الحال فكانت تصله الكتب وفي عنوانها تدفع لسيدي أبي عبد اللَّه فإذا فتحها وجدها بيضاء فيها ذهب لا يعرف من أين هي فيستعين بها على شأنه حتى خلصه اللَّه. ومنها: أنهم أتوا في واد حامل لا يجوزه إلا الفرسان، وكانت معه حمارة يحمل عليها فجازت مع الفرسان سالمة فنزلت المحلة قرب الوادي فاتفق ضرب خبائه بموضع مرتفع هناك، ففي نصف الليل جاء سيل عم المحلة وطلع في أخبيتهم وانهدت أبنية السهلطان فباتوا في أسوأ حال وهو في منزله لم يصله الماء، فكان السلطان ينظر إليه في تلك الحال ويقول: كيف علم بما يتفق الليلة ولم يعلمنا به، ولما وصل في تفسيره الأخير إلى قوله تعالى: {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} مرض ثمانية عشر يومًا ثم مات ليلة الأحد رابع ذي الحجة متم عام أحد وسبعين، وحدّث الخطيب الصالح علي بن مزية والفقيه راشد وغيرهما أنهم رأوه حين موته كأنه يجلس من يدخل عليه فكانوا يظنونه الملائكة، وذكر ولده أبو يحيى أنه في مرضه قبّل المصحف ومسح به وجهه

وقال: اللهم كما عززتني به في الدنيا فاعززني به في الآخرة، ورآه بعض الصلحاء بعد موته فقال له أين أنت؟ فقال في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وتأسف لموته السلطان، وقال لولده عبد اللَّه ما مات من خلفك وإنما مات أبوك لي لأني أباهي به الملوك، ثم أعطاه الدرسة ورتب له جميع مراتبه -اهـ- ملخصًا من الجزء المذكور. فائدة: سئل -رحمه اللَّه- عن غرناطة عن قول الإمام المرجوع عنه وما نقله أهل المذهب عنه في مسألة واحدة قولين مختلفين وثلاثة يقولون: وقع له في المدونة كذا وفي الموازية كذا ويعتقدونها خلافًا فيفتون بها من غير تعيين للمتأخر منها يجب الأخذ به من المتقدم الذي يترك مع التقليد لصاحبها وهو واحد مع اتفاق أهل الأصول على أنه إذا صدر القولان عن عالم لم يعلم المتأخر منهما لا يؤخذ بواحد منهما لاحتمال كون المأخوذ المرجوع عنه، فصارا كدليلين نسخ أحدهما فلم يعلم بعينه لا يعمل بمقتضى واحد منهما، وأما المجتهد فيأخذ برأيه من حيث اجتهاده، وقد وقعت هذه عندنا وتردد النظر فيها أيامًا فلم يوقف إلا أن الضرورة داعية إلى ذلك وإلا ذهب معظم فقه مالك ومستند الأخذ مع الضرورة أن مالكًا لم يقل بالأول إلا بدليل وإن رجع عنه فيأخذ به من حيث الدليل وأيضًا غالب أقواله قال بها أصحابه، فيعمل بها من حيث اجتهادهم، وأيضًا فجميع المصنفين سطروا هذه الأقوال وأفتوا بها من غير تعرض لهذا الاشكال فبعيد اجتماعهم على الخطأ، هذا ما ظهر لنا. وقد أجاب القرافي عن هذا الأخير في شرح التنقيح بما في علمهم، فأجاب -رحمه اللَّه- اعلموا أن المجتهد إما مطلق وهو من اطلع على قواعد الشرع وأحاط بمداركها ووجوه النظر فيها، فهو يبحث عن حكم نازلة بنظره في دلالتها على المطلوب فينظر في معارض المسند والتخصيص والتقييد والترجيح وغيرها إن لم يعلم المتأخر فيعمل بالراجح أو الناسخ حيث ظهر، ويصير المتقدم لغوًا كأنه لم يذكر البتة هذا نظره. وأما مجتهد في مذهب معين وهو من اطلع على قواعد إمامه وأحاط

بأصوله ومآخذه وعرف وجوه النظر فيها ونسبته إليها كالمجتهد المطلق في قواعد الشريعة كابن القاسم وأشهب في المذهب والموني وابن سريج في مذهب الشافعي وقد كان ابن القاسم وأشهب والشافعي قرؤوا على مالك، فأما الشافعي فترقى للاجتهاد المطلق فكان ينظر في الأدلة مطلقًا بما أداه إليه اجتهاده وابن القاسم فيقول: سمعت مالكًا يقول كذا أو بلغني عنه كذا وقال في كذا كذا، ومسألتك مثلها، فهذه رتبة الاجتهاد المذهبي. وقد قال في غصب المدونة في الغاصب والسارق يركبان المغصوبة أو المسروقة بعد حكايته قول مالك ولولا ما قاله مالك، لجعلت على الغاصب والسارق كراء ركوبة إلى، فأنت ترى شدة اتباعه لمالك وتقليده له. وأما مخالفته له في بعض المسائل كقوله: يتعين ثلاث بنات لبون في مائة وإحدى وعشرين من الإبل كقول ابن شهاب ومالك يخيره في ذلك أو حقتين، وفيمن قال لعبده أنت حر بتلا وعليك مائة دينار فقال مالك: هو حر ويتبع بها وابن القاسم لا يتبع بشيء كقول ابن المسيب وفي الغرماء يدعون على الوصي التقاضي يحلفهم مالك في القليل وتوقف في الكثير، ويحلفهم ابن القاسم مطلقًا كقول ابن هرمز وغيرها، فيحتمل أنه رأى أن ما قاله هو في هذه المسائل هو الجاري على قواعد مالك فلذا اختاره فلم يخرج عن تقليده فيها، ويحتمل أنه اجتهد فيها مطلقًا بناء على جواز تجزي الاجتهاد، وأما أصبغ فقال: أخطأ ابن القاسم لما رآه خالف فيها مالكًا أما لأنه رآه خارجًا عن أصوله وصريح قوله، وأما أشهب فالمحققون على أنه مقلد لمالك غير مجتهد، وقوله في مسألة من حلف بعتق أمته أن لا يفعل كذا فولدت بعد اليمين وقبل الحنث لا يعتقون معها قيل له: إن مالكًا قال: يعتقون معها قال: وإن قاله مالك فلسنا له بمماليك يقتضي اجتهاده، كما قال ابن رشد خلاف ما قاله الجمهور أنه مقلد له، فإذا تقرر هذا فالقولان لمالك الذي لم يعلم المتأخر منهما، ينظر مجتهدًا لذهب أيهما أجرى على قواعد إمامه وتشهد له أصوله فيرجحه ويفتي به.

وإذا علم المتأخر من قولي الإمام فلا ينبغي اعتقاد أنهما كأقوال الشارع بحيث يلغى الأول البتة لأن الشارع واضع ورافع لا تابع، فإذا نسخ الأول رفع اعتباره أصلًا وإمام المذهب لا واضع ولا رافع بل هو في اجتهاده طالب حكم الشرع متبع لدليله في اعتقاده، وفي اعتقاده ثانيًا أنه غالط في اجتهاده الأول، ويجوز على نفسه في اجتهاده الثاني من الغلط ما اعتقده في اجتهاده الأول ما لم يرجع لنص قاطع، وكذلك مقلدون يجوزون عليه في كلا اعتقاديه ما جوزه هو على نفسه من غلط ونسيان، فلذلك كان لمقلده اختيار أول قوليه إذا رآه أجرى على قواعده إن كان مجتهدًا في مذهبه، وإن كان مقلدًا صرفًا تعين عليه العمل بآخر قوليه لأغلبية إصابته على الظن، فهذا سر الفرق بين صنفي الاجتهاد وفصل القضية فيهما. وحاصله أن أقوال الشارع إنشاء وأقوال المجتهد أخبار، وبهذا يظهر غلط من اعتقد من الأصوليين أن حكم القول الثاني من المجتهد حكم الناسخ من قولي الشارع، ويظهر صحة ما ذكره ابن أبي جمرة في "اقليد التقليد" أن المجتهد إذا رجع عن قول أو شك فليس رجوعه عنه مما يبطله، ما لم يرجع لقاطع قال: لأنه رجع من اجتهاد لاجتهاد عند عدم النص فيرجح أصحابه فيأخذ بعضهم بالأول قال: وفي المدونة من ذلك مسائل هذا كلامه، ولم أر من اعترض عليه بأن من أخذ بالقول المرجوع عنه فإن ذلك لقوة مداركه عنده لا أنه قلد مالكًا فيها، كما أشير إليه في السؤال، وإنما لم يصب لأن نظر من أخذ بالقول الأول من أصحابه نظر مفيد بقواعده لا نظر مطلق كالمجتهد، فلذا كان مقلدًا له لتمسكه بأصول مذهبه وقواعده. وإن خالف نص إمامه ففي العتبية في سماع عيسى فيمن قال لامرأته: أنت طالق إن كلمتني حتى تقولي: أحبك، فقالت: غفر اللَّه لك إني أحبك فقال حانث لقولها: غفر اللَّه لك قبل قولها: أحبك، ولقد اختصمت أنا وابن كنانة لمالك فيمن قال: إن كلمتك حتى تفعلي كذا فأنت طالق، ثم قال لها نسقًا: فاذهبي فقلت: حانث، وقال ابن كنانة: لا يحنث فقضى لي مالك عليه، فمسألتك أبين من هذا وصوّب أصبغ قول ابن كنانة.

ولما تكلم ابن رشد على هذه المسائل وشبهها اختار قول ابن كنانة ثم قال: يوجد في المذهب مسائل ليست على أصوله تنحو لمذهب أهل العراق فأنت ترى ابن رشد اختار خلاف قول ابن القاسم كما اختاره أصبغ جريًا على أصل المذهب ولم يبالوا بقضاء مالك لابن القاسم لما رأوه خارجًا عن أصول مذهبه حتى قال ابن رشد: إن في المذهب مسائل ليست على أصوله، أترى من خالف في تلك المسائل جريًا منه على قواعد المذهب ومداركه يعد شاقًا لإمام تلك المذهب؟ كلا بل هو أولى بالاتفاق وأحق بالتقليد، وقولكم: اتفق أهل الأصول على عدم العمل بمقتضى الولين المتضادين اللذين لا يعلم المتأخر منهما، فلا أعرف في كتبهم إلا في المقلد تفريعًا على أن أحدهما مرجوع عنه، قالوا: لا يعمل بواحد حتى يظهر المتأخر وقد قدمنا أن مجتهد المذهب لا ينظر في ترجيح أحدهما فيعمل بما يوافق المذهب كفعل المجتهد في أقوال الشارع. وبينا أن قولي الإمام ليسا كنسب الناسخ والمنسوخ بما لا مزيد عليه، وقولكم: إن الضرورة داعية إلى العمل بمثله ذلك وإلا بطل معظم الفقه قلنا: كان ماذا وأين هذه الضرورة من وجوب التوقف في أقوال الشارع إذا لم يعلم المتأخر؟ إذ لا يعمل بواحد منهما قبل التبين وقولكم في مستند الأخذ بها إن مالكًا لم يقل بكل إلا بدليل، فلنأخذ به من حيث ذلك الدليل. قلنا: لا يصح هذا المسند عند من يقول إن القولين كدليلين نسخ أحدهما الآخر ولم يعلم الناسخ ولا اعتبار للدليل مع نسخه، نعم إنما يتم ذلك المستند على ما أصلناه من أن الشارع رافع وواضع، والإمام بان على دليله وتابع. وقولكم: إن غالب أقوال مالك أخذ بها أصحابه فنعمل بها من حيث اجتهادهم فأين هذا من قولكم أولا أنهم يعملون بها مع تقليد صاحبها اللهم إلا أن يحقق بما ذكرنا من عمل أصحابه بأول أقواله، بناء على اعتقادهم جريه على قواعده وأصوله، فلم يزالوا في ذلك التقليد وإن اجتهدوا في المذهب، وأما إن عملوا به بناء على الاجتهاد المطلق فقد بطلت وحدة الإمام ولزم

555 - محمد بن عبد الله بن سعيد بن علي بن أحمد السلماني

الخروج عن مذهبه، وقولكم: إن الصنفين سطروا الأقوال إلى قولكم بعيد أن يجمعوا على الخطأ فهو رد إجمالي ما تبين فيه نكتة مستندها الإجماع السكوتي وهي ما أشرنا إليه، وأما جواب القرافي فضعيف عند التأمل واللَّه أعلم، انتهت فتواه ملخصة فتأملها مع ما فيها من التحقيق، فبعض الشيء يؤذن بكله وربك الفتاح العليم. 555 - محمد بن عبد اللَّه بن سعيد بن علي بن أحمد السلماني (¬1). الغرناطي، قرطبي الأصل أبو عبد اللَّه لسان الدين ويعرف بابن الخطيب الإمام الأوحد الفذ صاحب الفنون المنوعة والتآليف العجيبة ذو الوزارتين، قرأ القرآن على الشيخ الصالح أبي عبد اللَّه العواد، والقرآن والعربية على أبي الحسن القيجاطي وأبي القاسم بن جزي ولازم في العربية والفقه والتفسير ابن الفخار البيري، المجمع على إمامته في العربية المفتوح عليه فيها حفظًا واصطلاحًا ونقلًا وتوجيهًا بما لا مطمع فيه لسواه، وعلى القاضي أبي بكر وتأدب بأبي الحسن بن الجياب، وروى عن كثير كأبي عبد اللَّه بن جابر وأخيه أبي جعفر وأبي البركات ابن الحاج وأبي محمد بن سلمون وأبي عمر بن أبي جعفر بن الزبير وأبي الحسن التلمساني وأبي القاسم بن البنا والقاضي أبي عبد اللَّه المقري والخطيب ابن مرزوق وأبي عثمان بن ليون وأبي الحجاج المتشافري في خلق كثيرين. وألّف تآليف عديدة أكثرها في الأدب والتاريخ والطب، منها كتاب الإحاطة في تاريخ غرناطة في ثمانية أسفار، وريحانة الكتاب في ثمانية أيضًا وكتاب المحبة في سفرين والصيب والجهام في مجموع شعره ومفاضلة مالقة وسلا ورسالة الطاعون، والتاج المحلى في سفرين وعائد الصلة في سفرين وصل بها صلة ابن الزبير ونفاضة الجراب في أسفار والبيطرة في سفر في محاسن ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في معجم المؤلفين 10: 216، فهرس الفهارس 1: 281، هدية العارفين 2: 167، نفح الطيب 4: 244، والدرر الكامنة 3/ 469، الأعلام للزركلي 7/ 112، ونثير فرائد الجمان ص 242، وفيات ابن قنفذ ص 372، مقدمة كتاب الإحاطة للأستاذ محمد عنان.

556 - محمد بن أحمد بن عبد الملك الفشتالي

الخيل وغيرها، والوصول لحفظ الصحة في الفصول في سفر، ورجز في الطب ورجز في الأغزية ورجز في السياسة، وكتاب الوزارة ورسالة الغيرة على أهل الحيرة وحمل الجمهور على السنن المشهور والزبدة الممخوضة المنحوضة في الرد على أهل الإباحة، وسد الذريعة في تفصيل الشريعة وتقريب الشبه وتحرير الشبه كبير له فيه شجرات عشرة: شجرة السلطان ثم الوزارة ثم العمل ثم الجهاد أسطولًا وخيولًا ثم المضطر إليهم في باب السلطنة من الأطباء والمنجمين والندماء والشعراء وغيرهم، ثم الرعايا في عدة أسفار، وتلخيص الذهب في اعتبار عيون كتب الأدب، وطرفة العصر في دولة بني نصر في سفرين، وكتاب أعلام الأعلام فيمن بويع من ملوك الإسلام قبل الإحتلام في ثلاثة أسفار، وهو من أواخر ما ألّف. مولده عام ثلاثة عشر وسبعمائة، وتوفي مقتولًا فاتح عام ستة وسبعين وسبعمائة في خبر طويل ذكرناه في غير هذا الموضع، نقلًا عن ابن خلدون وغيره. 556 - محمد بن أحمد بن عبد الملك الفشتالي (¬1). الفاسي، قاضي الجماعة بها، وسلفه من أهل الصلاح والخير فيها كان من أكابر الفقهاء المشاركين من العلوم لكن غلب عليه الفروع واقتصر على حفظ المسائل وتقدم في علم الوثائق واشتهر بها، كان منقبضًا عن الناس كثير الصمت متحفظًا للسانه لا يتكلم إلا في ضرورة، تقلد خطة القضاء بفاس وسلك سيرة قضاة العلل، له نظم حسن وكتابة رائقة يضمن فيها، فمنها مما رفعه لأبي عنان قوله: أَيا إمامًا ندى كفيه قد وكفا ... حسبي اعتصامي بحبل منكم وكفى وكيف أصرف وجه القصد عن ملك ... ما صدَّ عَنِّي سَنا بشر ولا صرفا ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في معجم المؤلفين 8: 286، الأعلام 5/ 328، جذوة الاقتباس 234 - 235، شجرة النور الزكية ص 235، الدرر الكامنة 3/ 420، الإحاطة 2/ 133، وفيات ابن قنفذ 373.

في أبيات. هكذا أصبت هذه الترجمة في بعض المجامع بخزانة جامع الشرفاء بمراكش، وقال ابن الخطيب في الإحاطة في ترجمته: له أبوة صالحة وأصالة زاكية قديم الطلب ظاهر التخصيص مفرط الوقار صدر الصدور في الوثيقة والأدب فاضل النفس جميل العشرة مديد الباع في الأدب شاعر مجيد كاتب بليغ، علم من أعلام المشيخة، قدمه السلطان العالم أبو عنان لقضاء حضرته اختصه واشتمل عليه فعرف حقه وتردد للأندلس سفيرًا فذاع فضله وعلم قدره -اهـ- ملخصًا. قال أبو زكرياء السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه الخطيب البليغ المدرس العالم العلم المتفنن الصدر الأوحد قاضي الجماعة، كان عالمًا بالفقه مشاركًا في غيره من العلوم مسددًا في الفتاوى عارفًا بأخذ الشروط، له حظ وافر من الرواية شاعر مجيد وكاتب بليغ، حسن المعاملة للطلبة مستحسنًا لأبحاثهم متممًا لنقصها مغضيًا متغافلًا عمن يورد ما لا يحسن، صدرًا في القضاة ذا سمت فيه، لم أر بعده من يشبهه منهم ولا من ينحو نحوه، أخذ عن الأستاذ أبي الحسن بن سليمان والشيخ الصدر وحيد عصره ونسيج دهره قاضي الجماعة ابن عبد الرزاق، سمع عليه الترمذي وعن الإمام السطي والصدر المحقق أبي عبد اللَّه بن آجروم والحافظ الناقد المحقق أبي زكرياء ابن واثق والفقيه الخير العالم أبي عبد اللَّه الرندي والخطيبين أبي عبد اللَّه الطنجالي وأبي جعفر الزيات والمحدث ابن جابر الوادي آشي وعبد المهيمن الحضرمي -اهـ- ملخصًا. وقال ابن الخطيب القسنطيني: شيخنا قاضي الجماعة، له عقل وسمت لم يكن لغيره من القضاة وله مجلس جليل في العلم، توفى سنة تسع وسبعين وسبعمائة، أخذ عن شيخنا القباب- اهـ. قلت: وله تأليف في الوثائق مشهور مليح وكلام في الدعاء بعد الصلاة على الهيئة المعهودة، رد عليه فيه الإمام أبو يحيى بن عاصم الشهير في تأليفه الذي رد فيه على شيخ الشيوخ ابن لب، منتصرًا للإمام الشاطبي.

557 - محمد بن الحسن بن محمد المالقي

557 - محمد بن الحسن بن محمد المالقي (¬1). نزيل دمشق، قال ابن حجر في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة كان من أئمة المالكية وشيوخ العربية حسن التعليم متواضعًا، شرح التسهيل وشرع في شرح فرعي ابن الحاجب وانتفع به الطلبة، ولي مشيخة التجيبية، ومات في ذي الحجة أحدى وسبعين وسبعمائة. 558 - محمد بن يوسف الرجراجي (¬2). الشيخ شمس الدين، قدم من الغرب وقد راهق أو بلغ فلازم الاشتغال على شيوخ عدة ومهر في المعقول، وقرأ الأصلين والعربية وكان غاية في الذكاء وحصل طرفًا جيدًا من الفقه، ولا اشتهر أمره نازع البرهان الاخنائي في تدريس المنصورية، وكان كثير الاستهتار بالكبار والاستهزاء بالصغار فكتبوا فيه بحضوره ونسبوه لعمل السحر والنجوم، فخلصه أكمل الدين ثم ولاه نور الدين الاخنائي مدرسة الحجازية. وتصدر بالجامع الأزهر ثم درس الفقه بالشيخونية فقرره أكمل الدين ثم بغيرها واتصل بالملك الظاهر وأجلسه عنده يوم الممالآت ثم فسد ما بينه وبين أكمل الدين فآل أمره إلى أن أهانه منطاش وأمر بضربه، ثم قيد فلم يثبت القيد في رجله فأعيد فيها فانكسر فتحيروا في أمره فبعضهم قال: إنه سحر وبعضهم قال: إنه صلاح وبعضهم: وقع اتفاقًا -اهـ- من الدرر الكامنة. 559 - محمد بن حسن بن يوسف بن يحيى بن أحمد الحسيني (¬3). أبو القاسم، قال الشيخ يحيى السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه الجليل العلم الصدر الشهير الماجد الأصيل الفاضل ابن الففيه الجليل الفاضي الشريف المحدث الراوية الرحلة الحاج أبي علي، كان حسن الخلق والخلق ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في بغية الوعاة ص 35، الدرر الكامنة 3: 424، كشف الظنون ص 407، الأعلام 6: 87. (¬2) راجع الدرر الكامنة لابن حجر. (¬3) الدرر الكامنة 3/ 429 - 430، ألف سنة من الوفيات ص 129.

560 - محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن علي بن إبراهيم الغساني البرجي

ساعيًا في حوائج معارفه وغيرهم باذلًا جهده فيه، معظمًا عند الأمراء والخاصة والعامة، فصيح الكلام والكتب ناظمًا مجيدًا عارفًا بأصول الفقه واللغة مشاركًا في بقية العلوم، لازم والده كثيرًا فسمع وقرأ وأخذ عن الأخوين الإمامين الفذين ابني الإمام أبي زيد وأبي موسى وابن جابر الهواري والمسند عبد المهيمن الحضرمي، وأجازه من الشرق الشرف الدمياطي والتاج الشرافي والشراف الطبري وغيرهم. مولده عام ثمانية عشر وسبعمائة، وتوفي موفى عشرين من ذي القعدة عام أحد وثمانين. 560 - محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن علي بن إبراهيم الغساني البرجي (¬1). من برجة الأندلس الغرناطي، قال في الإحاطة: فاضل مجمع على فضله صالح الأبوة طاهر النشأة بادي الصيانة طرف في الخير والحشمة، صدر في الأدب جم الشاركة ثاقب الذهن جميل العشرة ممتع المجلس حسن الحظ والشعر والكتابة فذ في الانطباع يحكم كثيرًا من الآلات العملية ويجيد تفسير الكتاب، رحل للعدوة فاشتمل عليه السلطان الكبير أبو عنان فنوه به وملأ بالخير يده فاقتنى جدة وحظوة وشهرة وانقباضًا مع استرسال الملك وأثر الدعة، ومهد في رحلة طلب المشرق فأسعف به، ثم تولى قضاء فاس فسدد مع نزاهة، وهو الآن بحالة الموصوف من مفاخر بلده، نسيج وحده في السلامة والتخصيص واجتناب الفضول، واستعمل سفيرًا عند الفشتالي وغيره- اهـ. قال ابن خلدون: كان كاتب السلطان أبي عنان وصاحب الإنشاء والسر، مختصًا به نشأ بالأندلس واجتهد في العلم والتحصيل وقرأ وسمع وتفقه على شيوخ الأندلس واستبحر في الأدب وبرز نظمًا ونثرًا، وكان لا يجارى في كرم الطبع وحسن العشرة ولين الجانب وبذل البشر والمعروف، رحل لبجاية في عشر الأربعين وسبعمائة فتولى خطة الإنشاء بها ثم نزل تلمسان بعد تملك أبي الحسن المريني بجاية ثم استكتبه أبو عنان، ثم تولى قضاء فاس في زمن أبي ¬

_ (¬1) انظر ترجمه في جذوة الاقتباس ص 311 - 312، الإحاطة في أخبار غرناطة 2: 293، التعريف بابن خلدون 7/ 402، الكتيبة الكامنة ص 250، نفح الطيب 6/ 68.

561 - محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن مرزوق الخطيب

سالم فلم يزل عليها، ثم مات بعد الثمانين وسبعمائة، وأخبرني أن مولده سنة عشرة -اهـ- ملخصًا. وقال السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه القاضي النزيه الخطيب البليغ الراوية المتفنن الفاضل المتخلق أبو القاسم ابن الفقيه الجليل الأستاذ المقري، نشأ بغرناطة وقرأ ثم انتقل لفاس فنوه به أبو عنان واشتهر في زمانه ورحل حينئذ وحج ورجع فحظي عند ملوك الغرب، ولي الخطابة والقضاء بالحضرة ودأب عليه، محمود السيرة، توفي في ثالث صفر سنة ست وثمانين وسبعمائة، وتولى قضاء الجماعة بفاس، كان فاضلًا بليغًا ذا سمت حسن متفننًا في معارف، صدرًا في الطلب علمًا في الأدب مائلًا بطبعه للتصوف مؤثرًا له محبًا في أهله مليح الخطابة جيد الخط والشعر والكتابة، ثاقب الذهن بعيدًا من فضول القول والعمل، جميل العشرة والمجلس صنع اليدين جملة فاضلة. أخذ السبع عن والده وغيره وعن الإمام الولي أبي إسحاق بن أبي العاص الكتب الخمسة في الحديث وغيرها، وعن العالم المحقق الولي الطنجالي وأبي جعفر بن الزيات وعبد المهيمن الحضرمي وابن جابر الوادي آشي وابن هدية القرشي والمجاصي وإمام الموقف خليل المكي وعبد اللَّه اليافعي -اهـ- ملخصًا. 561 - محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن مرزوق الخطيب (¬1). شمس الدين شهر بالخطيب وبالجد ابن مرزوق، شارح العمدة في الحديث والشفاء، ذكره ابن فرحون في الأصل أي في الديباج وأثنى عليه وذكر شيوخه، ولنذيله هنا لما لم يذكره هنا. قال ابن خلدون: صاحبنا الخطيب أبو عبد اللَّه التلمساني كان سلفه ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في معجم أعلام الجزائر ص 289، البستان ص 184، الدرر الكامنة 3: 360، جذوة الاقتباس ص 225، فهرس الفهارس 1: 394، شجرة النور الزكية ص 275، الاعلام بمن حل مراكش 4/ 36، درة الحجال 2/ 275 - 276، توشيح الديباج ص 229، التعريف بابن خلدون 7/ 396، وفيات ابن قنفذ 373.

نزلاء إلى مدين بالعباد متوارثين تربته من زمن جدهم خادمه في حياته وجده الخامس والسادس أبو بكر بن مرزوق معروف بالولاية فيهم، وولد صاحب الترجمة، على ما أخبرني، عام عشرة وسبعمائة ورحل مع والده للشرق سنة ثمان عشرة وسمع ببجاية على ناصر الدين، ولا جاور أبوه بالحرمين رجع هو للقاهرة فأقام وقرأ على البرهان السفاقسي وأخيه وبرع في الطلب والرواية، وكان يجيد الخطين، ورجع سنة ثلاث وثلاثين للمغرب ولقي السلطان أبا الحسن محاصرًا لتلمسان وقد بنى مسجدًا عظيمًا بالعباد. وكان عمه محمد بن مرزوق خطيبًا به على عادتهم، وتوفى فولاه السلطان خطابة ذلك المسجد مكان عمه، وسمعته يشيد بذكره في خطبته ويثني عليه فقربه، وهو مع ذلك يلازم ابني الإمام ويلقى أكابر الفضلاء ويأخذ عنهم، وحضر معه وقعة طريف وأرسله للأندلس وفشتالة في الصلح وفك ولده المأسور ورجع بعد وقعة القيروان مع زعماء النصارى وافدين على أبي عنان بفاس مع أمه حظية أبي الحسن، ثم رجع لتلمسان وأقام بالعباد وبها يومئذ أبو سعيد عثمان وأخوه أبو ثابت والسلطان أبو الحسن بالجزائر وقد حشد هناك فأرسل أبو سعيد بن مرزوق إليه سرًا في الصلح، فلما أطلع أبو ثابت على الخبر أنكره على أخيه فبعثوا من حبس ابن مرزوق ثم أجازوه البحر للأندلس فنزل على أبي الحجاج سلطان غرناطة فقربه واستعمله على الخطبة بجامع الحمراء فبقي عليها حتى استدعاه أبو عنان سنة أربع وخمسين بعد مهلك أبيه واستيلائه على تلمسان وأعمالها فنظمه في أكابر أهل مجلسه، ثم بعثه لتونس عام ثمان ليخطب له بنت السلطان أبي يحيى فردت الخطبة ووشى لأبي عنان أنه مطلع على مكانها وسخطه وأمر بسجنه فسجن مدة ثم أطلقه قبل موته. ولما تولى أبو سالم آثره وجعل الأمور بيده فوطيء الناس عقبه وغشي أشراف الدولة بابه وصرفوا إليه الوجوه، فلما وثب الوزير عمر بن عبد اللَّه بالسلطان آخر اثنين وستين حبس ابن مرزوق ثم أطلقه بعد طلب كثير من أهل الدولة قتله فمنعه منهم ولحق بتونس سنة أربع وستين ونزل على السلطان أبي إسحاق وصاحب دولته أبي محمد بن تافراكين. فأكرموه وولوه خطابة جامع

الموحدين وأقام بها حتى هلك أبو يحيى سنة سبع وولي ابنه خالد. ثم لما تولى أبو العباس الأمر بعد قتله خالدًا وبينه وبين ابن مرزوق شيء لميله مع ابن عمه محمد صاحب بجاية عزله عن الخطبة فوجم لها فأجمع الرحلة للشرق وسرحه السلطان فركب السفينة للاسكندرية ثم للقاهرة ولقي أهل العلم وأمراء الدولة فنفقت بضاعته عندهم وأوصلوه للسلطان الأشرف فولاه الوظائف العملية موفر المرتبة معروف الفضيلة مرشحًا للقضاء ملازمًا للتدريس حتى هلك سنة إحدى وثمانين -اهـ- ملخصًا. وقال في الإحاطة: كان من طرف دهره ظرفًا وخصوصية ولطافة، مليح التوسل حسن اللقاء مبذول البشر كثير التودد نظيف البزة لطيف التأتي خير البيت، طلق الوجه حلو اللسان طيب الحديث مقدر الألفاظ عارفًا بالأبواب دربًا بصحبة الملوك والأشراف، ممزوج الدعابة بالوقار والفكاهة بالنشك والحشمة والبسط، عظيم المشاركة لأهل وده والتعصب لإخوانه، ألفًا مألوفًا كثير الأتباع غاص النزاع بالطلبة منقادًا للدعوة بارع الخط أنيقه، عذب التلاوة متسع الرواية مشاركًا في فنون من أصول وفروع وتفسير يكتب ويشعر ويقيد ويؤلف فلا يعدوه السداد في ذلك، فارس منبر غير جزوع ولا هيابة، رحل للشرق في كنف وحشمة مع والده فحج وجاور ولقي جلة ثم فارقه. وقد عرف حقه بالشرق ورجع للغرب فاشتمل عليه أبو الحسن وجعله مفضي وإمام جمعه وخطيب منبره وأمين رسالته، وقدم الأندلس وسط عام اثنين وخمسين فقلده سلطانها خطبة مسجده وأقعده للإقراء بمدرسته، ثم صرف عنه جفن سره من أسره من أسلوب طماح ودالة فاغتنم الفترة وانتهز الفرصة فانصرف عزيز الرحلة مغبوط المنقلب في شعبان عام أربعة وخمسين فاستقر عند أبي عنان في محل تجلة وبساط قربة مشترك الجاه مجري التوسط -اهـ- ملخصًا. قال الحافظ ابن حجر: ولما وصل تونس أكرم إكرامًا عظيمًا فخطب ودرس في أكثر المدارس ثم قدم القاهرة فأكرمه الأشرف شعبان ودرس

بالشيخونية والصرغتمشية والنجمية، وكان حسن الشكل جليل القدر. مات في ربيع الأول سنة إحدى وثمانين- اهـ. قال ابن الخطيب القسنطيني: شيخنا الفقيه الجليل الخطيب، توفى بالقاهرة ودفن بين ابن القاسم وأشهب، له طريق واضح في الحديث ولقي أعلامًا، سمعنا منه البخاري وغيره في مجالس، ولمجلسه لياقة وجمال، وله شرح جليل على العمدة في الحديث- اهـ. قلت: وقرأت بخط العالم أبي عبد اللَّه بن الإمام بن العباس التلمساني ما ملخصه: كتب بعض السادات للإمام زعيم العلماء الحفيد ابن مرزوق أنه وجد بخط جده الخطيب ابن مرزوق لما تفقه عمر بن عبد اللَّه على يد الشيخ أبي يعقوب كتب ما نصه: الحمد للَّه على كل حال خرج الطبري في منسكه أبو حفص الملائي في سيرته عن عبد اللَّه بن عمر وعبد اللَّه بن عمر قالا: وقف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الثنية التي بأعلى مكة وليس بها يومئذ مقبور فقال: "يبعث اللَّه من هاهنا سبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب يشفع كل واحد منهم في سبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب ووجوههم كالقمر ليلة البدر "فقال أبو بكر: من هم يا رسول اللَّه؟ فقال: هم الغرباء من أمتي الذين يدفنون ها هنا" ففي الموضع دفن والدي رحمه اللَّه بعد سماعه الحديث بسبعة أيام أفتراه لا يشفع فيمن أقال عثرة ولده؟ أفما يشترى هذا بأموال الأرض؟ أفلا يراعى لي ثمانية وأربعين منبرًا في الإسلام شرقًا وغربًا وأندلسًا؟ أفلا يراعى لي أنه ليس اليوم يوجد من يسند أحاديث الصحاح سماعًا من باب اسكندرية إلى الريق والأندلس غيري؟ وقرأت عن نحو مائتين وخمسين شيخًا واللَّه ما أعلمه لكني حرمني اللَّه منه فنبذت الاشتغال به وآثرت اتباع الهوى والدنيا فهويت، اللهم غفرانك أفلا يراعى لي مجاورة نحو اثني عشر عامًا وختم القرآن في داخل الكعبة والاحياء في محراب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمكة؟ ولا أعلم من له هذه الوسيلة غيري، أفلا يراعى لي الصلاة بمكة ستة وعشرين سنة وغربتي بينكم ومحنتي في بلدي

على محبتكم وخدمتكم؟ من ذا الذي خدمكم من الناس يخرج على هذا الوجه؟ أستغفر اللَّه أستغفر اللَّه أستغفر اللَّه من ذنوبي، ذنوبى أعظم وربي أعلم وربي أرحم والسلام- اهـ. وفيه دليل على قدر الرجل ومكانته دينًا ودنيا، ورأيت له في بعض المجامع ما ملخصه: ومن أشياخ والدي سيدي محمد المرشدي لقيه في ارتحالنا للشرق وحملني إليه وأنا ابن تسع عشرة سنة، فنزلنا عنده وقت صلاة الجمعة، ومن عادته أن لا يتخذ إمامًا للمسجد وحضر حينئذ من أعلام الفقهاء من لا يمكن اجتماع مثلهم في غير هذا المشهد فقرب وقت الصلاة فتشوق من حضر من الفقهاء والخطباء للتقديم، فخرج الشيخ فنظر يمينًا وشمالًا وأنا خلف والدي فوقع بصره عليّ فقال لي يا محمد تعال فقمت معه إلى موضع خلوة فباحثني في الفروض والشروط والسنن قال: فتوضأت وأخلصت النية فأعجبه وضوئي ودخل معي المسجد وقادني للمنبر وقال لي: يا محمد ارق المنبر فقلت له: يا سيدي واللَّه ما أدري ما أقول فقال لي ارقه وناولني السيف الذي يتوكأ عليه الخطيب عندهم وأنا جالس مفكر فيما أقول إذا فرغ الأذان، فلما فرغوا ناداني بصوته وقال لي: يا محمد قم وقل بسم اللَّه قال: فقمت وانطلق لساني بما لا أدري ما هو إلا أني انظر إلى الناس فينظرون إليّ ويخضعون من وعظي فأكملت الخطبة فلما نزلت قال لي: أحسنت يا محمد وقراك عندنا أن نوليك الخطابة وأن لا تخطب بخطبة غيرك ما وليت وحييت، ثم سافرنا فحججنا وأراد والدي الجوار وأمرني بالرجوع لتلمسان لأونس عمي وأمر لي بالوقوف على سيدي المرشدي هنالك فوقفت عليه وسألني عن والدي فقلت له يقبل أيديكم ويسلم عليكم، فقال لي: تقدم يا محمد واستند لهذه النخلة فإن شعيبًا يعتي أبا مدين عبد اللَّه عندها ثلاث سنين، ثم دخل خلوته زمانًا ثم خرج فأمرني بالجلوس بين يديه، ثم قال: يا محمد أبوك من أحبابنا وإخواننا إلا أنك يا محمد إلا أنك يا محمد، فكانت إشارة منه لما امتحنت به من مخالطة أهل الدنيا والتخليط، ثم قال: يا محمد أنت مشوش من جهة أبيك تتوهم أنه مريض ومن بلدك، أما أبوك فبخير وعافية وهو الآن عن يمين منبر الرسول

562 - محمد بن علي بن أحمد بن محمد الدوسي البلنسي

-صلى اللَّه عليه وسلم- وعن يمينه خليل المكي وعن يساره أحمد قاضي مكة. وأما بلدك فسم اللَّه فخط دائرة في الأرض ثم قام فقبض إحدى يديه على الأخرى وجعلهما خلف ظهره وجعل يطوف بتلك الدائرة ويقول: تلمسان تلمسان حتى طاف بها مرات، ثم قال لي: يا محمد قد قضى اللَّه الحاجة فيها فقلت له: كيف يا سيدي، فقال ستر اللَّه إن شاء اللَّه على ما فيها من الذراري والحريم، ويملكها هذا الذي حصرها فهو خير لهم. ثم جلس وجلست بين يديه فقال لي: يا خطيب، فقلت يا سيدي عبدك ومملوكك، فقال: كن خطيبًا أنت الخطيب، وأخبرني بأمور وقال لي: لا بد أن تخطب بالجانب الغربي وهو الجامع الأعظم بالاسكندرية، ثم أعطاني شيئًا من كعيكعات صغار وزودني بها وأمرني بالرحيل. وأما خبر تلمسان فدخلها المريني كما ذكر وستر اللَّه على ما فيها من الذراري والحريم، وكان هذا المرشدي يتصرف في الولاية كتصرف أبي العباس السبتي، نفعنا اللَّه بهما- اهـ. ولصاحب الترجمة تآليف كشرحه الجليل على عمدة الأحكام في أسفار خمسة جمع فيها بين ابن دقيق العيد والفاكهاني مع زوائد، وشرحه النفيس على الشفا ولم يكمل، وشرح الأحكام الصغرى لعبد الحق وشرح فرعي ابن الحاجب سماه: إزالة الحاجب لفروع ابن الحاجب ولا أدري كمل أم لا. وبيته بيت علم ودراية ودين وولاية كعمه وأبيه وجده وجد أبيه وكولديه محمد وأحمد وحفيده الإمام النظار الحفيد بن مرزوق وولد حفيده المعروف وحفيد حفيده المعروف الخطيب، وهو آخر فقهائهم، فيما أعلم. 562 - محمد بن علي بن أحمد بن محمد الدوسي البلنسي (¬1). أبو عبد اللَّه، من علماء غرناطة يعرف بالبلنسي، قال في الإحاطة: كان حسن اللقاء عفيف النشأة، مكبًا على العلم والاستفادة، قائمًا على العربية ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الإحاطة 3/ 38، ألف سنة من الوفيات ص 220.

563 - محمد بن عبد المؤمن

والبيان، ذاكرًا لكثير من المسائل، متفننًا حسن الإلقاء والتقرير تولى بعض أمور المتغلب على الدولة فجرت عليه نكبة ثم خلص منها بحسن براءته، لازم شيخ الجماعة ابن الفخار وانتفع به وأعاد دول دروسه، وقرأ على غيره، له تفسير كبير على القرآن وتأليف في مبهماته، وهو من فضلاء جنسه- اهـ. قلت: وأخذ عنه الإمام أبو إسحاق الشاطبي والقاضي أبو بكر بن عاصم المنتوري، ولد يوم الاثنين خامس عشر ذي الحجة عام أربعة وعشرين وسبعمائة وتوفي يوم السبت خامس ربيع الأول عام اثنين وثمانين، كذا وجدته بخطه. 563 - محمد بن عبد المؤمن (¬1). من فقهاء فاس في طبقة موسى العبدوسي، نقل عنه في المعيار. ولم أقف له على ترجمة. 564 - محمد بن عبد اللَّه الهاروني (¬2). الفقيه أبو جابر، مشهور بكنيته كان ماهرًا في مذهبه كثير المخالفة في الفتوى، كثير الاستحضار، توفى سنة ست وسبعين وسبعمائة -اهـ- من أنباء الغمر. 565 - محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن محمد بن علي الأنصاري (¬3). شهر بابن الخشاب الغرناطي، قال السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه الأستاذ الجليل الخطيب البليغ المقرئ الراوية المسند أبو القاسم ابن الفقيه العدل أبي عبد اللَّه، كان راوية عارفًا بالوثائق خطيبًا بليغًا كثير التلاوة للقرآن وقورًا حسن السمت واللبس مليح الشيبة، أخذ عن والده وخاله الأستاذ عبد اللَّه بن سلمون والقاضي ابن بكر سمع عليه مسلمًا والنسائي وابن ماجه ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 316، جذوة الاقتباس ص 238. (¬2) توشيح الديباج ص 257، أنباء الغمر 4/ 109. (¬3) الدرر الكامنة 4: 78.

566 - محمد بن سعيد بن عثمان بن سعيد الصنهاجي الهنائي البرنسي الزموري الدار شهر بانقشابو

والخطيبين الصالحين أبي الحسن القيجاطي وأبي علي عمر بن عتيق وأبي القاسم بن جزي وأبي الحسن بن الحباب والأستاذ البياني وابن الفخار البيري وأجازه المزني والبرزلي وأبو حيان والمشهاب أبو العباس بن كشتغدي، ومن تونس الشريف محمد بن يحيى الحسني البجائي وابن عبد السلام وابن جابر، ومن المغرب القاضي ابن عبد الرزاق وابن أبي يحيى وعبد المهيمن الحضرمي في جماعة يقاربون أربعمائة شيخ، جمعهم في معجم كبير نحو عشرين جزء، أجازني عام اثنين وسبعين وسبعمائة -اهـ- ملخصًا. 566 - محمد بن سعيد بن عثمان بن سعيد الصنهاجي الهنائي البرنسي الزموري الدار شهر بانقشابو (¬1). الشيخ الفقيه القاضي العدل الأرضي المحدث الراوية الواعية المدرس المتقن المتفنن أبو عبد اللَّه الفقيه المفتي المدرس المصنف القاضي الحاج الرحلة، أخذ عن أبي حيان والقاضي ابن عبد الرزاق الجزولي وأبي العباس ابن عبد الرحمن المكناسي، عرف بالمجاصي والحافظ العلامة المقري وغيرهم، وأجازني. صح من فهرسة ابن الأحمر. قلت: له تآليف كشرح فرعي ابن الحاجب سماه معتمد الناجب في إيضاح مبهمات ابن الحاجب في ثلاثة أسفار، وذكر فيه أنه حضر قراءته على مشايخ مصر والاسكندرية، وذكر في باب الحج منه ما نصه: حدثني شيخي شيخ المالكية بمكة خليل: أنه حدثه من يثق به من الأولياء المجاورين بمكة أنه رأى الجمار ترفع إلى السماء- اهـ. وله أيضًا كنز الأسرار ولاقح الأفكار جزء مليح وقفت عليه. 567 - محمد بن محمد بن عمران الفنزاري السلوي عرف بالمجراد (¬2). فهو عبد اللَّه فقيه محدث مدرس صالح، أخذ عن ابن الفخار الحولاني ¬

_ (¬1) ترجمته في جذوة الاقتباس ص 238 القسم الأول. (¬2) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية 235، معجم المؤلفين 11: 286، ألف سنة من الوفيات 217.

568 - محمد بن علي بن البقال الأنصاري الفاسي

وأبي الفضل بن الحسن المزدغي وغيرهما، وتوفي عام ثمانية وسبعين وسبعمائة. 568 - محمد بن علي بن البقال الأنصاري الفاسي (¬1). قال ابن الأحمر في فهرسته: الفقيه العدل الكثير الحياء والصمت أبو عبد اللَّه ابن الفقيه المدرس، أخذ عن والده وعن الإمام أبي العباس بن البناء العددي، وتوفي بفاس عام ثمانية وسبعين وسبعمائة، أجازني عامة- اهـ. 569 - محمد بن سعيد بن محمد بن عثمان الرعيني الأندلسي الفاسي مولدًا ووفاة، من أعلامها (¬2). قال أبو زكريا السراج في فهرسته: شيخنا الحسن الفقيه الحاج الصالح الفاضل أبو عبد اللَّه، كان فاضلًا دينًا خيرًا حسن الخلق متواضعًا مولعًا بالتقييد والتصنيف، قلّ ما تراه إلا ناظرًا أو مقيدًا لفائدة مقتر الرزق صابرًا عليه، تفقه على أبي الحسن الصغير والحافظ عبد الرحمن الجزولي وأبي سالم اليزناسني وأبي الحسن المزدغي. وأخذ عن جماعة شرقًا وغربًا كأبي الحسن بن سليمان والمفسر أبي عبد اللَّه بن أيوب الصنهاجي والإمام ابن البن الأزدي، سمع عليه من تآليفه تفسير الباء من بسم اللَّه، وتفسير الاسم وتأويله وتفسير سورة الكوثر ومراسم الطريقة في فهم الحقيقة من حال الخليفة ومقالة في المكاييل الشرعية، والكلام على القبلة وعن الشيخ الفقيه الراوية الرحلة الحدث المحقق الضابط أبي القاسم التجيبي السبتي، لقيه بفاس وأجازه برنامج روايته ومؤلفاته، والخطيب الراوية المحدث ابن رشيد والشيخ المسند الراوية أبي بكر محمد بن محمد بن أبي عمر محمد بن خليل السكوني، والأصولي النظار قاسم بن الشاط، قال: كان شيخنا ابن رشيد يقول: ما رأيت عالمًا بالمغرب إلا ابن البنا بمراكش وابن الشاط بسبتة. ¬

_ (¬1) جذوة الاقتباس 236، درة الحجال 2/ 274. (¬2) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 236، جذوة الاقتباس 235 - 236 درة الحجال 2/ 270.

570 - محمد الغرباني التونسي أبو عبد الله

وعن القاضي أبي عبد اللَّه القرطبي السبتي وابن عبد المنعم والناصر المشذالي وابن عبد الرفيع وابن قداح وأثير الدين أبي حيان وابن سيد الناس في جماعة كثيرة، ذكرهم في برنامجه، وتوفي ثامن صفر عام تسعة وسبعين وسبعمائة -اهـ- ملخصًا. قال ابن الأحمر في فهرسته: شيخنا الفقيه المعمر المحدث الصالح الرحال الجامع أبو عبد اللَّه الفاسي يعرف بالرعيني وبالسراج، توفى عام ثمانية وسبعين أخذ عن جماعة فذكر بعض من تقدم. وقال بعضهم: كان من فقهاء فاس نسخ بخطه أزيد من مائة وخمسين كتابًا وألف في فنون منها: تحفة الناظر ونزهة الخواطر في غريب الحديث، والجامع المفيد في سفرين "والغرب في حثالة صلحاء المشرق والمغرب" والقواعد الخمس، والمقامات وشرحها، والوعظ والشعر، والمهاد والاعتماد في الجهاد، وتنبيه الغافل وتعليم الجاهل. واختصر مقدمات ابن رشد والأسئلة والأجوبة واختصار حدود الشيرازي ونظم مراحل الحجاز، والروضة البهية في البسملة والتصلية، وروى عن نحو ستين شيخًا مخربًا وشرقًا منهم ابن الشاط وابن رشد وأبو حيان وأبو الحسن الصغير والناصر المشذالي وأبو الربيع اللجائي. هكذا وجدت بخطه، رحمة اللَّه. 570 - محمد الغرباني التونسي أبو عبد اللَّه (¬1). قال البرزلي: الفقيه العدل الدرس- اهـ. وهو من معاصري ابن عرفة، تنازع معه في مسألة القبطان المكاس القائل لرجل في محاورة: أنا عدوك وعدو نبيك، فأفتى صاحب الترجمة بأنه مرتد وأفتى ابن عرفة بأنه منتقص بقتل بلا استتابة، وجرى في ذلك بحث لابن عرفة مع الابي وغيره. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 226.

571 - محمد بن علي بن حياتي الغافقي

571 - محمد بن علي بن حياتي الغافقي (¬1). الأستاذ النحوي، قال السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه الجليل الأستاذ المقري النحوي المحقق الصدر المتخلق الفاضل، كان شيخ الجماعة بقطرنا والمنفرد بالإمامة في النحو في أفقنا حيى به ما درس من رسمه على يديه ونفع به أكثر من قرأ عليه، نشأ بغرناطة وقرأ بها ولازم المحقق شيخ الجماعة ابن الفخار البيري قرأ عليه بالسبع ثمان ختمات وعرض عليه الرسالة حفظًا وقرأ عليه كثيرًا. وانتقل لفاس وأخذ بها عن الأستاذ أبي العباس اليفرني المكناسي والفقيه قاضي الجماعة ابن عبد الرزاق وغيرهما، ولد سنة ثمانية عشر وسبعمائة، وتوفى يوم الخميس ثامن جمادى الأولى عام ثمان وثمانين وسبعمائة. وقال ابن الخطيب القسنطيني: شيخنا الأستاذ، له تحقيق في النحو والقراءات، طلب منه بعض الناس قراءة الجزولية فأخذها الأستاذ في يده وقصد شيخنا أبا العباس أحمد بن الشماع المراكشي لمعرفته بالمنطق وقرأ عليه استفتاحها في الجنس والنوع وأنا حاضر، ثم أقرأها عشية يومه، وهذا من انصافه وتحقيقه، توفي بفاس عام أحد وثمانين- اهـ. وهو خلاف ما تقدم في وفاته، والأول أشبه وأخذ عنه الإمام ابن مرزوق الحفيد. 572 - محمد بن سعد بن أحمد بن لب بن حسن بن بقي (¬2). وبهذا الأخير يعرف، من علماء غرناطة كان خطيبًا أستاذًا راوية، قال في الإحاطة: كان فاضلًا حسن الخلق جميل العشرة كريم الصحبة مبذول المشاركة معروف الذكاء والعرفة، مبسوط الكف مع الانقباض عفة مع الحشمة، تسع الطوائف أكناف خلقه ويعم المتضادين رحب ذرعه، محصل حصيف العقل ¬

_ (¬1) جذوة الاقتباس 237، درة الحجال 2/ 275، وفيات ابن قنفذ 375، سلوة الأنفاس 3/ 278. (¬2) انظر ترجمته في ألف سنة من الوفيات ص 225، الإحاطة 3: 39.

573 - محمد بن أحمد البطروني الأنصاري التونسي محدثها أبو الحسن

حسن المشاركة في فنون من فقه وقراءة ونحو وغيرها، حلق التعليم في الجوامع فانثال عليه المتعلم والمستفيد لإجادة بيانه وحسن تفهمه. قرأ بنافع على أبيه وعلى الخطيب ابن طرفة وابن عامور، والعربية على إمام فيها الأستاذ ابن الفخار، وجود عليه بالسبع، وعلى الأستاذ ابن لب أنشدني في اثر مواراة جنازة: كم أرى مدمن لهو ودعه ... لست أخلو ساعة من تبعه كان لي عذر لدى عصر الصبا ... وأنا آمل في العمر سعه أو ما يوقظنا من حالنا ... ألف لقبره قد شيعه سيما وقد بدا بفرق ... ما أخال الموت قد جاء معه فدعوني ساعة أبكي على ... عمر أمسيت ممن ضيعه وأنشدني في النوم وهو يكرره كثيرًا: أباد البينِ [أجياد] التلاقي ... وحالتْ بينَنا خيل الفراقِ فجودوا وارحموا وارثوا ورِقُّوا ... على من جفنه سكبَ المآقِي ولد عام اثنين وعشرين وسبعمائة -اهـ- ملخصًا. ورأيت في موضع آخر ولد يوم الجمعة ثاني عشر صفر عام اثنين وعشرين وسبعمائة، وتوفي يوم الجمعة ثاني عشرين من ذي القعدة عام أحد وتسعين، أخذ عنه العلامة الراوية المنتوري وغيره، وهو جد الإمام المواق لأمه. 573 - محمد بن أحمد البطروني الأنصاري التونسي محدثها أبو الحسن (¬1). قال البرزلي: شيخنا الفقيه الراوية المحدث المسن المقرئ الصالح الزهد- اهـ. وقال أبو الطيب بن علوان: سيدنا الإمام الخطيب الراوية المتقن الأصيل ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 226، شذرات الذهب 6/ 331، وفيات ابن قنفذ 378 وفيها: البطرني وهو الصواب نسبة إلى بطرنة.

574 - محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر

المشاور ولي اللَّه أبو الحسن ابن الحافظ أبي العباس، أخذ عن والده، والقطب ماضي ابن سلطان خادم أبي الحسن الشاذلي يروى عنه جميع أحزابه، وأجازه نور الدين بن فرحون والعز بن جماعة. مولده عام ثلاثة وسبعمائة وتوفى تاسع عشر ذي القعدة عام ثلاثة وتسعين وسبعمائة- اهـ. قال ابن الخطيب القسنطيني: شيخنا الفقيه الخطيب الصالح، ابتدأ الرواية عام تسعة وسبعين- اهـ. وممن أخذ عنه البسيلي والوانوغي وغيرهم. 574 - محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر (¬1). وبه اشتهر، اللخمي الفاسي أبو عبد اللَّه الأستاذ الصالح. قال السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه المسن الأستاذ الجليل المقرئ الراوية المتخلق الصالح الفاضل، انفرد بعلو الرواية في قطرنا وجلس للإقراء بفاس، مواظبًا عليه صابرًا محتسبًا للَّه، قرأ عليه خلق كثير حتى كبر وضعف وعجز عن الخروج فأقرأ بداره مدة ثم اشتد ضعفه فصار يقرئ في بعض الأوقات، أخذ عن أبي الحسن بن سليمان القرطبي القراءات وعن قاضي الجماعة ابن عبد الرزاق. ولد عام ثلاثة وسبعمائة وتوفى ليلة الأحد ثاني عشر المحرم عام أربعة وتسعين -اهـ- مختصرًا. 575 - محمد بن موسى بن عامر أبو عبد اللَّه الغماري (¬2). نزيل مكة، كان كثير العناية بالعبادة، يحكى عنه أنه أصابته فاقة زائدة فبينما هو طائف بالكعبة إذ رأى المطاف ممتلئًا ذهبًا بحيث غاصت رجلاه فيه إلى فوق قدميه فقال يعني للذهب: تقربني، ولم يتناول منه شيئًا، وكان قدومه مكة سنة ثمانين وسبعمائة. 576 - محمد بن عمر بن علي بن عبد الرزاق الغماري النحوي (¬3). الشيخ شمس الدين، قال ابن حجر: أخذ العربي والقراءات عن أبي ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الأعلام 6: 196، جذوة الاقتباس ص 237، درة الحجال 2/ 277. (¬2) توشيح الديباج ص 233. (¬3) انظر ترجمته في الغاية والنهاية في طبقات القراء 2: 244 الشذرات 7/ 19، بغية الوعاة ص 99.

577 - محمد بن محمد بن عرفة الورغمي

حيان وغيره وأخذ عن الشيخ خليل وحدّث، وكان عارفًا باللغة والعربية بارعًا فيهما كثير الحفظ للشعر سيما الشواهد، قوي المشاركة في الأدب، قال السيوطي: قال بعضهم: تفرد على رأس المائة الثامنة خمسة بخمسة: البلقيني بالفقه والعراضي بالحديث والغماري هذا بالنحو والشيرازي صاحب القاموس باللغة وابن الملقن بكثرة التصانيف، وتوفي في شعبان سنة اثنين وثمانمائة وولد في ذي القعدة سنة عشرين وسبعمائة- اهـ. قلت: ويزاد على الخمسة فيقال: وابن عرفة بجمع العلوم والتحقيق والشريف الصقلي بمعرفة الطب. وممن أخذ عن الغماري الكمال الدميري الشافعي والإمام ابن مرزوق الحفيد في شعبان الأثاري وغيرهم. 577 - محمد بن محمد بن عرفة الورغمي (¬1). التونسي، إمامها وعالمها وخطيبها الإمام العلامة المحقق القدوة النظار شيخ الإسلام العالم المبعوث على رأس المائة الثامنة حسبنا ذكره السيوطي في نظمه، عرّف به في الديباج وأثنى عليه غاية، ولنذيله بما قال غيره، قال الشيخ الرصاع: هو شيخ الإسلام الإمام الأعلم الصالح القدوة الفهامة البركة الحاج الأنزه الأكمل، كان والده خيرًا صالحًا متعبدًا، جاور بالمدينة الشريفة، على ساكنها الصلاة والسلام، ولازمها حتى توفي. كان يدعو آخر الليل لولده بعد تهجده ويصلي على النبي وسلم عليه ثم يقول: يا نبي اللَّه محمد بن عرفة في حماك يقوله في كل ليلة، فصحبه اللطف الجميل في حياته، وظهر عليه آثار البركة بعده، وكان أبوه صاحب جد وولاية يناول عصى الخطيب لولي اللَّه خليل المكي فإذا ناوله يقول: يا سيدي ادع لمحمد ولدي، فكان له بذلك الكرامات، كان الشيخ، رضي اللَّه عنه، ¬

_ (¬1) انظر ترجمته: أنباء الغمر 2: 192، طبقات القراء 2: 243، غاية النهاية 2/ 243، وفيات ابن قنفذ ص 380، الضوء اللامع 9: 240 - 241، ذيل تذكرة الحفاظ ص 193، بغية الوعاة ص 98، طبقات المفسرين 2/ 236، توشيح الديباج 251 - 255 كشف الظنون 438، 1246، 1626، البدر الطالع 2: 255، هدية العارفين 2/ 77، شجرة النور الزكية 277.

في صغره مشهورًا بالجد والاجتهاد والمطالعة والمذاكرة، لازم الشيوخ الجلة، أخذ عن الإمام ابن عبد السلام القراءات العشر والحديث ولازمه كثيرًا وأخذ عنه علمًا غزيرًا، والفرائض على الشيخ السطي والعلوم العقلية على ابن اندراس والابلي وابن الحباب، والنحو والمنطق والجدل على ابن الحباب والحساب وسائر العقول على الابلي وكان يثني عليه، وقرأ بالسبع على ابن سلامة، والفقه على ابن عبد السلام وابن قداح وابن هارون والسطي، وأما جدّه واجتهاده في الطاعات من صلاة وصيام وصدقة فيقال: إنه بلغ درجة كثير من التابعين، وحكاية حاله في ذلك تحتاج لتأليف. ألّف تآليف العجيبة كمختصره الفقهي، لم يسبق به في تهذيبه وجمعه وأبحاثه الرشيقة وحدوده الأنيقة، وتأليفه في المنطق فيه من القواعد والفوائد، على صغر جرمه، ما يعجز عنه الفحول، وتأليفه في الأصلين وغيرهما من املآته الحديثية والقرآنية والحكم الشرعية، وكان مسعودًا في دنياه مرضيًا عنه في أخراه، مع طول عمره هابته الملوك وقامت بحقه، ومن سعادته أنه لم يتل بتولية القضاء مع قدرته على تحصيله حفظًا من اللَّه تعالى له، تولى إمامة الجامع الأعظم سنة خمسين وسبعمائة وقدم لخطابته عام اثنين وسبعين وللفتوى عام ثلاثة وسبعين، ولم يقع له عذر في صلاة من الصلوات إلا زمن أمراضه الثلاثة وزمن خروجه في مصلحة المسلمين بعثه الملك الهمام أبو العباس، جمع اللَّه له خيري الدنيا والآخرة، كان، رحمه اللَّه، وليًا صالحًا ذكيًا قدوة سنيا عارفًا محققًا، صاحب سعدة، نهاية في المنقول والمعقول بقية الراسخين آخر المتعبدين، تواتر هديه وغزارة علمه وقوة فهمه، ألقى اللَّه محبته في القلوب، شيخ كثير من شيوخنا، وكان شيوخنا الآخذون عنه يقفون عند حده معظمين لقدره مسلمين لفهمه، وتلقينا عنهم كراماته ومحاسنه وحسن دينه وطريقته، وكتبه جامعة مانعة شافية مبرز الفقهاء قل من يفك رموزه ويفهمها، يتفاخرون بذلك خلفًا عن سلف -اهـ- كلام الرصاع ملخصًا. قال القاضي ابن الأزرق: ووقفت في مكتوب لابن عرفة وفيه أنه قرأ على ابن الحباب جملة من كتاب سيبويه قراءة بحث وتحقيق، وجملة من

التسهيل على بعض شيوخه، وسمع القاء ابن عبد السلام والتفسير من أول القرآن العظيم لآخره بما يجب لذلك من تحقيق أحكام الاعتقاد والفقه وقواعد العربية والبيان وأصول الفقه وغيرها مما تتوقف هذه المذكورات عليه، مع مراجعة وبحث وأسئلة وجواب، وقرأ عليه جميع صحيح مسلم بلفظه إلا يسيرًا، سمعته بقراءة غيره وسمعت عليه بعض البخاري والموطأ وقرأت عليه جملة من التهذيب وسمعت عليه سائر أزيد من ختمة قراءة بحث وفقه ونقل وفروع الأمهات وأحاديث الأحكام مع التنبيه عليها تصحيحًا وتحسينًا وتعقب ما تعقبه الأئمة وغيرها مما قرئ عليه مما قرأه على شيوخه مع ما أفاد من ذكر الأدب في الاشتغال بالتعلم خصوصًا حكم البحث والمراجعة وتوجيه الأسئلة- اهـ. وقال تلميذه الإمام الابي: كان شيخنا من حسن الصورة والكمال على ما هو معروف، وكان شديد الخوف من أمر الخاتمة يطلب كثيرًا الدعاء له بالموت على الإسلام ممن يعتقد فيه خيرًا، أعطاني يومًا شيئًا مما يتصرف به الأولاد وقال: اعطه للولد الذي عندك وكان ولدًا سباعيًا وقل له يدعو لي بالموت على الإسلام رجاء قبول دعاء الصغير، فلحقتني منه عبرة وشفقة، وكان يقول في حديث أو علم ينتفع به بعده إنما تدخل التآليف في ذلك إذا اشتملت على فوائد زائدة وإلا فهو تخسير للكاغد، ويعاني بالفائدة الزائدة على ما في الكتب السابقة عليه، أما إن لم يشتمل التأليف إلا على نقل ما في الكتب فهو الذي قال فيه: تخسير للكاغد، وهكذا يقول في حضور مجالس التدريس أنه إن لم يكن فيها التقاط زيادة من الشيخ فلا فائدة في حضور مجلسه بل الأولى لمن حصلت له معرفة اصطلاح وقدر على فهم ما في الكتب أن ينقطع لنفسه ويلازم النظر، ونظم ذلك في أبيات فقال: إذا لم يكن في مجلس الدرس نكتة ... وتقرير إيضاح لمشكل صورة وعزو غريب النقل أو فتح مقفل ... أو إشكال أبدته نتيجة فكرة فدع سعيه وانظر لنفسك واجتهد ... وإياك تركًا فهو أقبح خلة

قال الأبي: وقلت مجيبًا: يمينًا بمن أولاك أرفع رتبة ... وزان بك الدنيا بأكمل زينة لمجلسك الأعلى كفيل بكلها ... على حين ما عنها المجالس ولت فأبقاك من رقاك للخلق رحمة ... وللدّين سيفًا قاطعًا كل فتنة ثم قال: وإني لبار في قسمي هذا، فلقد كنت أقيد من زوائد القائه وفوائد إبدائه الخمس التي تقرأ في مجلسه من تفسير وحديث وثلاثة في التهذيب نحو الورقتين كل يوم مما ليس في الكتب، قدّس اللَّه روحه، فقد كان الغاية، وشاهد ذلك تآليفه وناهيك مختصره الفقهي الذي ما وضع في الإسلام مثله لضبطه في المذهب مسائل وأقوالًا مع زوائد مكملة والتنبيه على مواضع مشكلة وتعريف الحقائق الشرعية قال: وقال يومًا: لولا خوف الحاجة في الكبر ما بت وعندي عشرة دنانير، ثم حبس آخر عمره قبلٍ موته من الربع ما يفرق من أكريته آخر كل شهر نحو اثنين وعشرين دينارًا- اهـ. وقال تلميذه البرزلي: أدركناه يقرأ في الصيف الأصلين والمنطق والفرائض والحساب والقراءات في آخر عمره وجالسناه نحو أربعين عامًا وأخذنا عنه علومه وهديه- اهـ. وقال تلميذه البسيلي بعد إيراد أسئلة وأجوبة، وهذه الأسئلة والأجوبة مما تقع بين الطلبة في مجلس شيخنا ابن عرفة أو بينه وبينهم مما يدل على علو رتبته وعظم منفعه ولذا كان الحذاق يفضلونه على غيره من مجالس التدريس- اهـ. قال الحافظ ابن حجر في أنباء الغمر: شيخ الإسلام بالمغرب، سمع من ابن عبد السلام وابن سلامة وابن بلال واشتغل ومهر في الفنون وأتقن المعقول حتى صار المرجع في الفنون إليه ببلاد الغرب، معظمًا عند السلطان فمن دونه مع دين متين وصلاح، له تصانيف منها المبسوط في المذهب سبعة أسفار إلا أنه شديد الغموض، ونظم قراءة يعقوب، أجازني وكتب لي خطه لما حج بعد التسعين، وعلق عنه بعض أصحابنا كلامًا في التفسير في مجلدين كثير الفوائد كان يلتقطه في حال قراءتهم عليه ويدونه أولًا فأولًا، وكلامه دال على توسع في

الفنون واتقان وتحقيق- اهـ. وقال تلميذه أبو الطيب بن علوان: كان شيخنا ابن عرفة إمامًا علامة محققًا مفتيًا مدرسًا خطيبًا صالحًا حاجًا، فاز من كل فن بأوفر نصيب وحاز في الأصول والفروع السهم والتعصيب، رمى لهدف كل مكرمة بسهم مصيب وأطلعت سماء إفاداته ذراري علم عيشهم وإبل مرعاهم خصيب فمنفعته بعد موته دائمة وبركاته بعد وفاته وتلامذته وأوقاته قائمة جمع بين طرفي العمل والعلم وشغل أوقاته بخير، فليس وقت منها بهزل، أيامه صيام ولياليه قيام وركوع وسجود جاهد هجوم الليل وآثر السجود على النوم والهجود- اهـ. وقال تلميذه الشمس بن عمار: اجتمعت به سنة ثلاث وتسعين وأخذ عنه المصريون وهو إمام حافظ وقته بفقه مذهبه شرقًا وغربًا، انتهت إليه الرياسة في قطره أجمع في الفنون والتحقيق والمشاورة مع خشونة جانبه وشدة عارضته وبراءته من المداهنة وحرز من المخاشنة- اهـ. قال القاضي ابن الأزرق: حال الشيخ ابن عرفة في بلوغه أقصى مراتب الغاية العلمية لا ينكر ومقامه في المجاهدة العملية من أشهر ما يذكر، فقد أخبرني الفقيه القاضي الأجل خاتمة السلف أبو عبد اللَّه الزلديوي نزيل تونس مكاتبة قال: كان ابن عرفة في العلوم كما دلت عليه تآليفه فيها وفي العبادة بالمزية الأعلى قال: سمعت شيخنا الإمام المعظم قاضي الجماعة أبا مهدي الغبريني يقول: لا يرى ولا يسمع مثل سيدي الفقيه في ثلاثة أشياء الصيام والقيام وتلاوة القرآن إلا ما يذكر عن رجال رسالة القشيري فلا تراه أبدًا إلا صائمًا ويقرأ عشرين حزبًا في ساعة معتدلة وقيامه معلوم يقوم في جامع الزيتونة العشر الأواخر من رمضان في كل عام حتى عجز عنه قرب وفاته. قال الزلديوي المذكور: أول ما لقيناه عام ثلاثة وتسعين وله سبع وسبعون سنة وقرأنا عليه جميع صحيح البخاري بقراءة شيخنا قاضي الجماعة أبي مهدي المذكور وحضر هذه الختمة جميع أعلام تونس وعلماؤها وطلبتها صغارًا وكبارًا، وكانت من الغرائب قراءة عالم على عالم وهما علماء وقتهما، وذلك في رمضان

أول عام من هذا القرن، وسبب القراءة ما أصاب أمير الؤمنين حجة اللَّه على السلاطين أبا فارس بجبل أوراس فأمر بقراءته لأنه ترياق الشدائد فقرئ كذلك، ثم أجازا كل من حضر أو مهدي بقراءته والشيخ الإمام بالقراءة عليه- اهـ. قال ابن الأزرق: وأفادني الفقيه العالم المتفنن أبو الحسن القلصادي قال: أفادني شيخنا الإمام العلامة محمد بن عقاب وغيره من علماء تونس أن الإمام آخرًا بالفقه خصوصًا من حين تولى الفتيا بعنى بالمدونة غاية ملازمًا لنظرها. قرأ بالسبع على ابن سلمة من طريق الداني وابن شريح وعلي بن برا من طريق الداني وأصول الدين على ابن سلمة وابن عبد السلام وأصول الفقه على ابن علوان والنحو على ابن نفيس والجدل على ابن الحباب، والفقه على ابن عبد السلام وسائر المعقولات على الشيخ الابلي، وكان يثني عليه كثيرًا ويقول: إنه لم ير ممن قرأ عليه مثله والشريف التلمساني. ولي إمامة جامع الزيتونة عام ستة وخمسين وخطابته عام اثنين وسبعين والفتوى عام ثلاثة وسبعين، وابتدأ تصنيف المختصر الفقهي عام اثنين وسبعين وكمله عام ستة وثمانين، واستخلف، حين حج، على الإمامة قاضي الجماعة عيسى الغبريني وعلى الخطابة الولي الصالح أبا عبد اللَّه البطروني وعاد لخططه عام ثلاثة وتسعين لما رجع إلا موته، وكان مجدودًا في دنياه موسعًا عليه فيها، مالًا وجاهًا ونفوذ كلمة- اهـ. وقال تلميذه أبو حامد بن ظهيرة المكي في معجمه: هو إمامة علّامة برع أصولًا وفروعًا وعربية ومعاني وبيانًا وقراءة وفرائض وحسابًا، رأسًا في العبادة والزهد والورع ملازمًا للشغل بالعلم، رحل إليه الناس وانتفعوا به ولم يكن بالمغرب من يجري مجراه في التحقيق ولا من اجتمع له من العلوم ما اجتمع له، تأتي إليه الفتوى من مسيرة شهر، له مؤلفات مفيدة، لم يخلق بعده مثله- اهـ.

قلت: قوله: ولم يكن بالغرب من يجري مجراه!. . الخ يعني، واللَّه أعلم، بالنسبة لآخر عمره أو ببلاده افريقيا فقط، وإلا فقد كان بالمغرب الأوسط والأقصى والأندلس من هو مثله ومن لا يتقاصر عن رتبته فيما ذكر من جمعه وتحقيقه، فهذا الإمام الشريف التلمساني والإمام المقري والقاضي أبو عثمان العقباني في تلمسان، وشيخ الشيوخ أبو سعيد بن لب والإمام النظاري أبو إسحاق الشاطبي بغرناطة والإمام القباب بفاس، فهؤلاء أمثاله في علومه بلا شك، بل قال ابن مرزوق في حق الشريف أنه أعلم أهل وقته بإجماع، كما تقدم. ونذكر ما وقع بين ابن عرفة وابن لب وكذا بينه وبين الشاطبي في المراجعات والأبحاث في عدة مسائل، نعم هؤلاء ماتوا قبله بزمن بل تأخر عن المقري بأزيد من أربعين عامًا وعن الشريف بأزيد من ثلاثين وعن ابن لب بأزيد عن عشرين، وكذا عن القباب وعن الشاطبي بأزيد من عشر سنين إلا العقباني وحده، واللَّه أعلم، نعم إنما فاقهم بتأليفه الفقهي، وقال البسيلي وغيره: مولده ليلة سابع وعشرين من رجب ستة ست عشرة وسبعمائة وتوفى يوم الثلاثاء تاسع عشر جمادى الأولى عام ثلاثة وثمانمائة فعمره سبع وثمانون عامًا إلا نحو شهرين، وحبس قبل موته كثيرًا من الرباع، وتصدق قرب موته بمال كثير، وكان قدر تركته ثمانية عشر ألفًا ذهبًا دنانير ما بين عين وحلى ودرهم وطعام وكتب، وكان مجاب الدعاء، ومما رأيت من بركته إذا جلس قبالته في درسه فربما. وأخبرني عم والدي الشيخ الصالح عبد العزيز البسيلي أنه رأى في نومه بعضر معاصريه وهو الفقيه المفتي القاضي أحمد بن حيدرة، وكان في نفسه منه شيء فقال له اطلب لي منه السماحة لأني رأيت له منزلة عظيمة عند اللَّه تعالى قال لي: نعم، فالتقيت بالشيخ ابن عرفة وأخبرته بذلك فقال لي: الملتقى بين يدي اللَّه تعالى، ولم يزد على ذلك- اهـ. قال أيضًا: ومن نظمه قرب وفاته: بلغت الثمانين بل جزتها ... فهان على النفس صعب الحمام

وآحاد عصري مضوا جملة ... وعادوا خيالًا كطيف المنام وأرجو به نيل صدر الحديث ... بحب اللقاء وكره المقام وكانت حياتي بلطف جميل ... لسبق دعاء أبي في المقام أشار بقوله: وأرجو. . . البيت، لحديث "من أحب لقاء اللَّه أحب اللَّه لقاءه" الحديث، وصدره: أوله. وأنشدني بعض الحذاق من الطلبة تخميسًا لنفسه: علمت العلوم وعلمتها ... ونلت الرئاسة بل جزتها فهاك سنين عددتها ... بلغت الثمانين (البيت) فلم تبق لي في الورى رغبة ... ولا في العلى والنهي بغية وكيف أرجيهما لحظة ... وآحاد عصري (البيت) ونادى الردى لي وما لي مغيث ... وحث المطية كل الحثيث وأني لراج وحي أثيث ... أرجو به نيل (البيت) فيا رب حقق رجاء الذليل ... ليحظى بداريك عما قليل فيسمى رجائي بموت كفيل ... وكانت حياتي (البيت) - اهـ. قلت: والمخمس هو الإمام الأبي، كما ذكره. وقال تلميذه ابن الخطيب القسنطيني: شيخنا الإمام الحجة، له مصنفات أرفعها مختصره الكبير في المذهب قرأت عليه بعضه سنة سبع وسبعين، وهو على حال اجتهاد في العلم، ثم لقيه قبل وفاته وبه ضعف وبعض نسيان، وأمّ بجامع الزيتونة خمسين عامًا- اهـ. وقد مدحه الأبي بقصيدة مطلعها: أيا طالبي العلم يبغون حفظه ... هلموا فإن العلم هانت سبيله فهذا هديتم للصواب ابن عرفة ... أتاكم بوضع لم يشاهد مثيله فدونكم يغني عن الكتب كلها ... وإن قل حجمًا والعيان دليله وحل من التحقيق أرفع رتبة ... وهذب مبناه فصحت نقوله وأحكم من كل الحقائق رسمها ... فلا خلل يخشى لديها حلوله

وردّ من التخريج والنقل واهيًا ... وأورد تنبيهًا فحق قبوله كذا. فليكن وضع التآليف لو يدم ... ولا غير ذاك العلم هذا قليله فإن جاء فرضًا من يريد اعتراضه ... فدع أمره أن التعسف قيله وقال بعض تلاميذه: وعلَّامة من نعته العَلَمُ الفَرْدُ ... وبعض سجاياه السماحة والرفد تفرد في عليائه وذكائه ... وفي خلق حلو حكى طعمه الشهد إذا فسر التنزيل أعجز أو عزا ... حديثًا فلا يسأل زهير ولا عبد ومهما نحا نحوًا وفقهًا وأصّله ... وعلم كلام سلمت له ألسن لد وإن قسّم الميراث أوجز عادلًا ... بفرض يحلي وجه سنته الرشد لقد حفّ بالحوفي منه مسدد ... متى رامه حيف فبينهما سد فلو مالك العلم الإمام بطيبة ... رآه لولاه وقال لك العهد أمام إمام والورى من ورائه ... يؤمون مصباحًا مصاحبه رشد إلى أن قال في مختصره: أبان لغيره ما لم يبنه لذي النهي ... بيان ابن رشد ما ابن رشد وما رشد في أبيات تزيد على خمسين بيتًا. وقلّ بتونس من لم يأخذ عنه، فمن أصحابه غير ما تقدم الشريف السلاوي والإمام ابن مرزوق الحفيد وأبو مهدي عيسى الوانوغي وأبو العباس المريض وابن قليل الهم، وأبو عبد اللَّه القشاني وأخوه الحاج أحمد القلشاني وولده أحمد شارح الرسالة وأبو يعقوب الزغبي والأمير أبو عبد اللَّه ابن السلطان أبي العباس الحفصي، والعلامة ابن عقاب وأبو يحيى بن عقيبة وابن ناجي والشريف العجيسي والإمام الزلديوي في خلق لا يحصون غربًا وشرقًا كالبدر الدماميني وغيره من الأئمة الأجلاء.

578 - محمد بن محمد بن إسماعيل بن مكين الدين البكري الشيخ شمس الدين

578 - محمد بن محمد بن إسماعيل بن مكين الدين البكري الشيخ شمس الدين (¬1). برع في الفقه وولي تدريس الظاهرية وعين للقضاء فامتنع، مات في ربيع سنة ثلاث وثمانمائة وقد بلغ ستين سنة. صح من تاريخ مصر. 579 - محمد بن يوسف الاسكندري يعرف بالمسلاتي (¬2). فقيه أهل الثغر، درس وأفتى، وكان عارفًا بالفقه مشاركًا في غيره، انتهت إليه رئاسة العلم مع دين وصلاح، مات سنة خمس وثمانمائة، صح من السخاوي. 580 - محمد بن إبراهيم بن عبد اللَّه بن مالك بن إبراهيم بن محمد بن عباد النفزي الرندي، شهر بابن عباد (¬3). الفقيه الصوفي الزاهد الولي العارف باللَّه، قال ابن الخطيب القسنطيني فيه: الخطيب الشهير الصالح الكبير، وكان ولده خطيبًا نجيبًا فصيحًا، وكان والده هذا ذا عقل وسكون وزهد بالصلاح مقرون، يحضر معنا مجلس شيخنا الفقيه أبي عمران العبدوسي، وهو من أكابر أصحاب ابن عاشر وخيارهم، له كلام عجيب في التصوف وصنف فيه، وله فيه قلم انفرد به وسلم له فيه بسببه ألف شرح حكم ابن عطاء اللَّه في سفر، ورأيت في ظهر نسخة منه مكتوبًا ما نصه: لا يبلغ المرء في أوطانه شرفًا ... حتى يكيل تراب الأرض بالقدم ومن كلامه: الاستئناس بالناس من علامة الافلاس، وفتح باب الأنس باللَّه تعالى الاستيحاش من الناس، ومن لازم الكون وبقي معه وقصر عليه ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الضوء اللامع 9: 100 الشذرات 7/ 37. (¬2) انظر شذرات الذهب 7/ 53، التوشيح 234. (¬3) انظر شجرة النور الزكية ص 238، جذوة الاقتباس 1/ 315، سلوة الأنفاس 2/ 133، الكتيبة الكامنة 40، نفح الطيب 5/ 341 انس الفقير وعز الحقير 79.

همته لم تفتح له طريق الغيوب الملكوتية ولا خلص له سير إلى قضاء مشاهد الوحدانية فهو مسجون بمحيطاته محصور في هيكل ذاته إلى غيرها من كلامه. وكان يحضر السماع ليلة المولد عند السلطان وهو لا يريد ذلك، وما رأيته قط في غير مجلس العلم جالسًا مع أحد وإنما حظ من يراه الوقوف معه خاصة، وكنت إذا طلبته بالدعاء احمر وجهه واستحيا كثيرًا ثم دعا لي، وأكثر تمتعه من الدنيا بالطيب والبخور الكثير، يخدم نفسه، لم يتزوج ولم يملك أمة، ولباسه في داره مرقعة يسترها إذا خرج بثوب أخضر أو أبيض. له تلاميذ أخيار مباركون، بلغني عن بعضهم أنه تصدق حين تاب على يده بعشرة آلاف دينار ذهبًا، وهو الآن إمام جامع القرويين وخطيبه، وأكثر قراءته في صلاة الجمعة "إذا جاء نصر اللَّه" وأكثر خطبه وعظ، ومثله يعظ الناس لاتعاظه في نفسه، أوحى اللَّه لعيسى، عليه السلام، يا عيسى عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحصي مني، ذكره الغزالي وهو على صفة البدلاء الصادقين النبلاء، كثر اللَّه أمثاله- اهـ. قال صاحبه الشيخ أبو زكرياء السراج في فهرسته: شيخنا الفقيه الخطيب البليغ الخاشع الخاشي الإمام المصنف السالك العارف الرباني المحقق، ذو العلوم الباهرة والمحاسن المتظاهرة سليل الخطباء ونتيجة العلماء ابن الفقيه الواعظ الخطيب البليغ العلم الحظي الوجيه الحسيب الأصيل إبراهيم بن أبي بكر بن عباد، كان حسن الخَلق والخُلق عالي الهمة متواضعًا معظمًا عند الخاصة والعامة، نشأ ببلده رندة على أكمل طهارة وعفاف وصيانة وحفظ القرآن ابن سبع سنين ثم طلب العلوم بعده نحوًا وأدبًا وأصولًا وفروعًا حتى حصلها ورأس فيها ثم أخذ في التصوف وبحث عن الأسرار الإلهية حتى أشير إليه وتكلم في علم الأحوال والمقامات والعلل والأفات، وألف فيه تآليف عجيبة بديعة. وله أجوبة كثيرة في مسائل العلوم نحو مجلدين ودرس كتبًا وحفظها أو جلها كالشهاب القضاعي والرسالة ومختصر ابن الحاجب وتسهيل ابن مالك

ومقامات الحريري وفصيح ثعلب وقوت القلوب وغيرها، وأخذ ببلده عن أبيه القرآن وغيره، وعن خاله القاضي الفقيه عبد اللَّه الفربسي العربية وغيرها والخطيب أبي الحسن الرندي عرض عليه الرسالة والإمام العلّامة المحقق الشريف التلمساني جمل الخونجي تفهمًا وغيره، والقاضي العالم المقري كثيرًا من مختصر ابن الحاجب الفرعي وفصيح ثعلب وبعض صحيح مسلم كلها تفقهًا، والعالم الفقيه عبد النور العمراني الموطأ والعربية والإمام الابلي إرشاد أبي المعالي وجمع أصلي ابن الحاجب وعقيدته تفقهًا، والفقيه الحافظ أبي الحسن الصرصري بعض التهذيب تفقهًا، والأستاذ أحمد بن عبد الرحمن المجاصي، شهر بالكناسي جمل الزجاج والتسهيل، والفقيه الصالح أبي مهدي عيسى المصمودي جمع فرعي ابن الحاجب والحاجبية له تفقهًا. وتفقه على الفقيه أبي محمد الوانغيلي في ابن الحاجب الفقهي، وأخذ عنه حرف نافع وعن الفقيه الصالح المدرس أبي محمد عبد اللَّه الفشتالي كثيرًا من التهذيب تفقهًا وعن غيره ولقي بسلا الزاهد الورع الحاج ابن عاشر وأقام معه وأصحابه سنين عديدة، قال: قصدتهم لوجدان السلامة معهم، ثم رحل لطنجة فلقي الشيخ أبا مروان عبد الملك الصوفي قال: لازمته كثيرًا وقرأت عليه وتردد بيننا مسائل في إقامته بسلا، وانتفعت به عظيمًا في التصوف وغيره. مولده عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة وتوفى بعض عصر الجمعة رابع رجب عام اثنين وتسعين وحضر جنازته الأمير فمن دونه وهمت العامة بكسر جنازته ولم أر أحفل ولا أكثر خلقًا منها، ورثاه الناس بقصائد كثيرة- اهـ. زاد الشيخ زروق أنه رحل لفاس وتلمسان فقرأ بهما الفقه والأصول والعربية ثم عاد وصحب بسلا أفضل أهل زمانه علمًا وعملًا أحمد بن عاشر فظهر عليه من بركته ما لا يخفى ثم نقل بعد وفاة الشيخ فجعل خطيبًا بجامع القرويين بفاس وبقي بها خمسة عثر عامًا حتى توفي، وكان ذا صمت وسمت

وتجمل وزهد، معظمًا عند الكافة معولًا في حل المشكلات على فتح الفتاح العليم: ومن علمه أن ليس يدعى بعالم ... ومن فقره أن لا يرى يشتكى هجرًا ومن حاله أن غاب شاهد حاله ... فلا يدعي وصلًا ولا يشتكي هجرًا وكتبه شاهدة بكماله علمًا وعملًا كافية في تعريفه، وكان الذي طلبه في وضع الشرح على الحكم أبو زكريا السراج، وله أكثر رسائله وأبو الربيع سليمان ابن عمر- اهـ. وقال في موضع آخر: الفقيه العارف المحقق الخطيب البليغ، نسيج وحده من شيوخه الشريف التلمساني والابلي، مزيته معروفة شرقًا وغربًا ورأيت تأليفًا له في الإمامة سماه تحقيق العلامة في أحكام الإمامة. وقال لي شيخنا القوري، وكان معتنيًا بكتبه معولًا عليه في حاله: أظنه لوالده إبراهيم كان خطيبًا بالقصبة -اهـ- وله خطب حسنة الموقع عظيمة الفصاحة- اهـ. وقال أبو يحيى بن السكاك: شيخي ابن عباد سرح الحكم ونظمها نظمًا بديعًا، وجمعت من انشائه رسائل تدور على الإرشاد إلى البراءة من الحول والقوة، فيها نبذ كأنفاس الأكابر مع حسن التصرف في طريق الشاذلي وجودة تنزيله على صور جزئية وبسط التعبير أقصى غاية البيان والتفنن في تقريب الغامض للأذهان بأمثلة وضعية قرب بها حقائق الشاذلية تقريبًا لم يسبق إليه، كما قرب الإمام رشد مذهب مالك تقريبًا لم يسبق إليه، آية في التحقيق بالعبودية والبراءة من حول وقوة لا يبالي بمدح ولا ذم بل مقاصده نفيسة في الاعراض عن الخلق وعدم المبالاة بهم. وكان عظيم الاضطراب إذا حضر حيث ينسى فيه الحق لا سيما إن كان ذلك لأجله فيضيق صدره غاية على اتساعه، وقال بعض خواص أصحابه لما مات الشيخ وتبصرت من أحواله وأفعاله مما شاهدته منه ما يدل على القطع بصدّيقيته فلاح لي أن صفات رجال الرسالة القشيرية مشخصة فيه، ولو لم أره لقلت ما رأيت كمالًا.

وهو على الجملة واحد عصره بالمغرب، وذكر عن قطب المعقول شرقًا وغربًا الابلي أنه كان يشير إليه يعني ابن عباد في حال قراءته عليه ويقول: إن هناك علمًا جمًّا لا يوجد عند مشاهير أهل ذلك الوقت إلا أنه لا يتكلم. وشهد له المقطوع بولايته بتقدمه وشيوخه كسيدي سليمان اليازغي ومحمد المصمودي وسليمان بن يوسف بن عمر الأنفاسي وأمثالهم، وكان شيخه ابن عاشر يشيد بذكره ويقدمه على أصحابه ويأمرهم بالأخذ عنه والتسليم له ويقول: إنه أمة وحده لا شك أنه كذلك، كان غريبا إذ العارف غريب الهمة بعيد القصد لا يساعد على قصده. وكان الغالب عليه الحياء من اللَّه وتنزيل نفسه منزلة أقل الحشرات لا يرى لها مزية على شيء لغلبة هيبة الجلال عليه وشهود المنة، ينظر لجميع العباد بعين الرحمة والشفقة والنصيحة، مع توفية الحقوق والوقوف مع الحدود الشرعية واعتبار مراد اللَّه، هذا دأبه مع الطائع والعاصي إلا أن يظهر له من أحد حب التكبر والمدح والتجبر على المساكين مع الدعوى التي لا تليق بالعبد. ومن حاله تألف قلوب الصغار فهم يحبونه محبة تفوق محبة والديهم، ينتظرون خروجه للصلاة وهم عدد كثير يأتون من كل أوب من مكاتب بعيدة، فإذا رأوه تزاحموا على تقبيل يده، وكذا ملوك وقته يزدحمون عليه متذللين له فلا يحفل بذلك. وذكر لي بعض أصحابه أن أقواله لا تشبه أفعاله لما منح من فنون الاستقامة مع حلاوة كلامه ونوره حتى استفزت عقول المشارقة بحيث صار لهم بحث عريض على تآليفه -اهـ- ملخصًا. قلت: وقد وقفت على رسائله الكبرى والصغرى وشرح الحكم ونظمها رجزًا في ثمانمائة بيت.

581 - محمد بن علي بن قاسم بن علي بن علاق

581 - محمد بن علي بن قاسم بن علي بن علاق (¬1). وبه عرف الأمي الأندلسي الغرناطي حافظها وخطيبها وقاضي الجماعة بها أبو عبد اللَّه سبط الإمام أبي القاسم بن جزي المفسر. قال تلميذه المنتوري: شيخنا الأستاذ الخطيب المفتي الحافظ قاضي الجماعة، توفي يوم الخميس ثاني شعبان عام ستة وثمانمائة- اهـ. له شرح مطول على ابن الحاجب الفرعي في عدة أسفار وشرح فرائض ابن الشاط وغيرهما، أخذ عن شيخ الشيوخ ابن لب والإمام المقري والخطيب ابن مرزوق وغيرهم، وأخذ عنه جماعة كالمنتوري والقاضي ابن سراج والقاضي أبي بكر بن عاصم وغيرهم، له فتاوى نقل بعضها في المعيار ونقل عنه المواق في غير موضع. 582 - محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن سعد الأنصاري الشهير بالحفار (¬2). الغرناطي إمامها ومحدثها ومفتيها الشيخ المعمر ملحق الأحفاد بالأجداد الفقيه الصالح العلّامة، قال في الإحاطة: فاضل خير طرف في الخير والعفاف حسن الخلق والعشرة كثير الصمت خاص التمعش ظاهر الاقتصاد متفنن في المعارف شتى من قرآن ونحو وفقه وتاريخ. نشأ بالحضرة لم يعدها ولا سورها مكبًا على العلم مشتملًا بالعفاف بعيدًا من اللهو والبطالة، ولما بان فضله وظهر اضطلاعه وحفظه جعلت بيده صدفة المساكين والضعفاء من جهة السلطان فكرم أثره وحسنت القيلة فيه، قرأ العربية على الأستاذ البياني والقرآن على أبي عبد اللَّه بن العواد ولازم أبا سعيد بن لب وبه جل انتفاعه في الفنون، وهو الآن بحاله الموصوفة على سنن الفضلاء- اهـ. أخذ عنه خلق كابن سراج والقاضي أبي بكر بن عاصم وغيره والإجازة الإمام الحفيد بن مرزوق. له فتاوى نقل بعضها في المعيار، وتوفي عام أحد عشر وثمانمائة عن سن عالية. ¬

_ (¬1) شجرة النور الزكية ص 247، ألف سنة من الوفيات 135، 233. (¬2) الضوء اللامع 9: 18، شجرة النور الزكي 247، ألف سنة من الوفيات ص 236.

583 - محمد بن علي بن إبراهيم الكناني القيجاطي

583 - محمد بن علي بن إبراهيم الكناني القيجاطي (¬1). الغرناطي الأستاذ المحقق الإمام الشهير أبو عبد اللَّه، قال في الإحاطة: طالب عفيف له عرق من جده شيخنا الأستاذ أبي الحسن، لازم واجتهد وعرف نبله وظهرت في علم القرآن والعناية نجابته ووسمه، وفي العربية قرأ على الأستاذ الفقيه البياني والأستاذ ابن الفخار البيري والأستاذ أبي سعيد ابن لب والقاضي أبي البركات ابن الحاج والقاضي أبي القاسم الحسني والخطيب اللوشي وابن يبيش والقاضي المقري والخطيب ابن مرزوق والخطيب أبي جعفر الشقوري- اهـ. قال تلميذه المنتوري: شيخنا الأستاذ إمام القراء ومعلم الأداء، قال أبو جعفر البقني: شيخنا الأستاذ الإمام- اهـ. وممن أخذ عنه القاضي أبو بكر بن عاصم وغيره، وبالإجازة الحفيد ابن مرزوق، توفي سنة عشر أو أحد عشر وثمانمائة، وله تآليف في القراءات وغيرها وهو حفيد الإمام أبي الحسن القيجاطي المعرف به في الإحاطة والديباج فاعلمه. 584 - محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف الصريحي أبو عبد اللَّه، يعرف بابن زمرك (¬2). قال في الإحاطة: ولد هذا الفاضل بغرناطة ونشأ بها، وهو من مفاخرها صدرًا من صدور طلبتها وأفراد نجبائها مختصًا مقبولًا هشًا خلوبًا عذب الفكاهة حلو المجالسة حسن التوقيع خفيف الروح عظيم الانطباع، شره المذاكرة فطنًا بالمعاريض حاضر الجواب شعلة من شعل الذكاء كثير الرقة فكهًا عزلًا مع حياء وحشمة جوادًا بما في يديه مشاركًا لإخوانه، نشأ عفًا طاهرًا كلفًا بالقراءة عظيم الدؤب ثاقب الذهن، أصيل الحفظ ظاهر النبل بعيد مدى ¬

_ (¬1) ألف سنة من الوفيات ص 106، التوشيح ص 215 - 216، درة الحجال 2/ 284. (¬2) ترجمته في الكتيبة الكامنة ص 282، والإحاطة 2: 300، والنفح 4/ 10، وأزهار الرياض 2/ 7، والأعلام 7/ 154، جذوة الاقتباس ص 312 - 314، شجرة النور الزكية ص 231 - 232.

الإدراك جيد الفهم واشتهر فضله وذاع أرجه وفشا خبره، اضطلع بكثير من الأغراض وشارك في فنون فأصبح متلقف كرة البحث وصارخ الحلقة وسابق الحلبة مظنة الكمال ثم ترقى للمعرفة والاضطلاع وخاض لجة الحفظ، فقيّد وعلّق وسوّد وتكلم للناس فوق الكرسي بين الحفل المجموع مستظهرًا بفنون بعد شأوه فيها من عربية وبيان وأخبار وتفسير متشوقًا معها للسلوك مصباحًا للصوفية ريض نفسه وجاهد ثم عانى الأدب فكان أملك به. رحل في طلب العلم كتب عن ولد السلطان أبي سالم بالمغرب وعرف بالإجادة ثم رجع مع السلطان ابن الأحمر لما رجع لملكه فخصه بكتابة سره معروف الانقطاع كثير الدالة مضطلعًا بالخطة خطًا وإنشاء ولسانًا ونقدًا فاشتهر فضله وظهرت مشاركته ووسع الناس تخلقه وامتد في النظم والنثر باعه، فصدر عنه قصائد بعيدة الشأو في الإجادة في أغراض متعددة، وهو بحاله الموصوفة. أخذ عن ابن الفخار البيري ثم على إمامها القاضي الشريف أبي القاسم الحسني إمام فنون اللسان، والفقه والعربية على الأستاذ المفتي أبي سعيد بن لب واختص بالفقيه المحدث الصدر ابن مرزوق وروى عنه كثيرًا، وذاكر القاضي المقري لما قدم الأندلس، وقرأ الأصول على أبي علي منصور الزواوي، وروى عن القاضي أبي البركات ابن الحاج والمحدث أبي الحسن التلمساني والخطيب اللوشي والمقرئ أبي عبد اللَّه بن يبيش، وقرأ بعض الفنون العقلية بفاس على أبي عبد اللَّه الشريف التلمساني العلوني واختص به اختصاصًا لم يخل فيه من استفادة وحنكة في الصناعة. وشعره مترام إلى نمط الإجادة خفاجي النزعة، كلف ببديع المعاني وصقيل الألفاظ غزير المادة، ولد في أربع شوال عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة -اهـ- من الإحاطة. قلت: تولى الكتابة عن السلطان ابن الأحمر بعد ابن الخطيب وحظي عنده جدًا وبقي عليها زمنًا طويلًا، وكان حيًا سنة اثنين وتسعين وسبعمائة، كما ذكره في الكوكب الوقاد، ولم أقف على وفاته، ونقل عنه صاحب الإمام

585 - محمد بن موسى بن محمد بن معطي العبدوسي

الشاطبي في إفادته أشياء. ومن شعره في الفجر قال ابن الخطيب: وقد صدق فيه قوله: أيا لائمي في الجود والجود شيمتي ... جبلت على إيثارها يوم مولدي ذريني فلو أني أخلد بالغنى ... لكنت ضنينًا بالذي ملكت يدي وله أيضًا: لَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أني أُجَرِّ ... رُثَوْبَ العَفَافِ القَشيب فكم غمض الدهر أجفانه ... وفازت قداحي بوصل الحبيب وقَيل رقيبك في غفلة ... فقلت أخاف الإله الرقيب وله أيضًا: ما لي بحمل الهوى يدانِ ... من بعد ما أعوز التداني أصبحت أشكوك من زمانِ ... ما بتّ منه على أمانِ ما بال عينيك تَسُحَّانِ ... والدمع يرفضّ كالجمان ما ذاك والألف عنك وانِ ... والبعد من بعده كواني يا شقوة النفس من هوانِ ... مذ لججت في أبحر الهوان لم يثنني عن هواك ثانِ ... يا بغية النفس قد كفاني 585 - محمد بن موسى بن محمد بن معطي العبدوسي (¬1). أبو عبد اللَّه بن أبي عمران، وصفه بعضهم بالفقيه المدرس العالم الخير الأزكى الورع الصالح العلامة ابن الإمام العلامة -اهـ- كان حيًا بعد التسعين وسبعمائة، وهو والد الإمام عبد اللَّه العبدوسي المتقدم وأخو أبي القاسم العبدوسي المتقدم أيضًا، وسيأتي ولده الحافظ موسى بعد. 586 - محمد بن عبد الرحمن الكفيف المراكشي (¬2). عرف بالضرير، قال ابن الخطيب القسنطيني في وفياته: الفقيه الحافظ ¬

_ (¬1) شجرة النور الزكية ص 235. (¬2) انظر ترجمته في الضوء اللامع 8: 48، كشف الظنون ص 1090، ومعجم المؤلفين 10: 155، درة الحجال 2: 283، شجرة النور الزكية 247، وفيات ابن قنفذ 381.

587 - محمد بن أبي البركات ابن السكاك

الأستاذ الجليل أبو عبد اللَّه، ولد سنة تسع وثلاثين وسبعمائة وتوفي آخر عام سبعة وثمانمائة- اهـ. ومن تآليفه "اسماع الصم في إثبات الشرف من جهة الأم" تأليف حسن في كراريس أملاه سنة إحدى وثمانمائة، كما وقفت عليه في نسخة صحيحة منه، ووقع للسخاوي أنه أملاه سنة عشر وثمانمائة وليس كذلك لما تقدم من وفاته لابن الخطيب وهو أعلم به، أخذ عن علماء بني باديس وغيرهم، وورد تونس وحضر مجلس ابن عرفة ورأى ما يقع هناك من الأبحاث وقام عنهم ونظم بيتين في هجو المجلس، فبلغ ذلك ابن عرفة فتغير من ذلك كثيرًا وأجابه بقوله: وما بال من يهجو أخاه بلفظة ... لدى ذاكر المروى عند الأئمة في أبيات تركها أولى، واللَّه يغفر للجميع بمنه. وله منظومة في البيان وغيرها. 587 - محمد بن أبي البركات ابن السكاك (¬1). العياضي، قال في الكوكب الوقاد: شيخنا الأستاذ الأصولي البياني الفاسي الأصل، انتقل منها صبيًا مع والده التلمساني فنشأ بها وقرأ على شيوخها كالإمامين العلمين الشريف التلمساني، والمحقق أبي عبد اللَّه الابلي والعبدري، ولى قضاء سبتة مرارًا وقضاء الجماعة بفاس في زمن موسى ابن أبي عنان ثم أعيد لقضاء سبتة وغيرها، حضرت دوله في التفسير وأصلي ابن الحاجب ومستصفى الغزالي بقراءة صاحبنا أبي زيد بن أبي حجة ووثائق الجزيري وجواهر ابن شاس وغيرها، وليس له اعتناء بالرواية. كان سكونًا رابط الجأش جزلًا مهيبًا لا يعبأ بأهل الباطل مهينًا لهم، حضر عنده يومًا والي سبتة في ميراث فنهاه فلم يقبل فقال: أعوذ باللَّه من خطاب من لا يفهم، ولعلك تريد الاستبداد والجور وأغلظ له فخرج الوالي ¬

_ (¬1) ألف سنة من الوفيات ص 138، 139، شجرة النور الزكية 251.

588 - محمد بن أبي بكر الفاسي القيرواني

وقد انكسرت شوكته ولم ينل مراده، ثم أتاه الغد وقد أحدق به الطلبة فما التفت اليه، فقال له الوالي: يا سيدي أنا خائف منك وأعتذر، فقال له الشيح: الآن أنت مسلم ولم يزد عليه شيئًا، ثم توفي القاضي في محرم فاتح ثمانمائة وهو في ثمانين من عمره- اهـ. وفي وفيات الونشريسي محمد بن أبي غالب بن أحمد بن علي بن أحمد المكناسي ثم العياضي القاصي الإمام المفسر أبو يحيى، عرف بابن السكاك قاضي الجماعة بفاس شرح الشفا وأخذ عن جماعة كالشريف التلمساني. توفى بفاس سنة ثمان عشرة وثمانمائة، زاد صاحبنا المؤرخ محمد بن يعقوب الأديب ما نصه: سمعت أنه بات عنده ليلة مع أبي زيد بن خلدون فولد له تلك الليلة ولد فسماه عبد الرحمن باسم ابن خلدون وكناه أبا يحيى كنية ابن السكاك تبركًا بهما، فخرج الولد عالمًا جليلًا وهو أبو يحيى الشريف. شرح صاحب الترجمة الشفا وأجاده، وله تآليف في الأدعية، وآخر سماه نصح ملوك الإسلام بالتعريف بما عليهم من حقوق أهل البيت عليهم السلام. توفي سنة ثمان عشرة وثمانمائة- اهـ. فانظره مع ما تقدم فبينهما بون، واللَّه أعلم. 588 - محمد بن أبي بكر الفاسي القيرواني (¬1). قال ابن ناجي: شيخنا القاضي العدل أبو عبد اللَّه ابن الشيخ القاضي أبي بكر، تولى قضاء القيروان- اهـ. ونقل عنه في شرح المدونة. 589 - محمد بن عبد الرحمن الحسيني الفاسي (¬2). ثم المكي، تفقه بالشيخ موسى المراكشي وبأبيه وخلفه بالمسجد الحرام فأفاد وأجاد، وكان من خيار الفضلاء، توفي يوم الاثنين سادس شوال سنة ست وثمانمائة، من السخاوي. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الضوء اللامع 7: 154. (¬2) انظر الضوء اللامع 8: 40.

590 - محمد بن محمد بن أبي القاسم المراغي

590 - محمد بن محمد بن أبي القاسم المراغي (¬1). أحد المالكية بمصر، برع في الفقه والعربية والفرائض والتاريخ، مات في ذي الحجة سنة إحدى عشرة وثمانمائة -اهـ- من الضوء اللامع للسخاوي. 591 - محمد بن يوسف القيسي التلمساني عرف بالثغري (¬2). وصفه المازوني في نوازله بالشيخ الفقيه الإمام العلّامة الأديب الأريب الكاتب أبي عبد اللَّه، أخذ عن الإمام الشريف التلمساني وغيره، ولم أقف له على ترجمة. 592 - محمد بن محمد بن محمد بن محمد. مكررًا أربع مرات ابن عاصم، يكنى أبا يحيى الشهيد الأندلسي الغرناطي الأستاذ العالم العلم الراسخ الشهيد. قال ابن الأزرق: هو الشيخ العلامة الصالح السيد صاحب الإمام أبي إسحاق الشاطبي ووارث طريقته، أخذ عنه شيخنا أبو إسحاق بن فتوح، وحكى عنه أنه إذا سئل عن طالب لم يقرأ عليه لا يشهد فيه بشيء وإن كان قد ظهر بالاشتغال على غيره اطراحًا لاعتبار ما لم يعلمه عيانًا- اهـ. وقال ابن أخيه قاضي الجماعة أبو يحيى بن عاصم في تقييد عرف فيه أهل بيته: كان عمي أبو يحيى -رحمه اللَّه- سابغ الدين رائق الزهد خصيف الورع فضفاض الصلاح متلاحك الحزم مسدول الهيبة مطبق الأعضاء مبسوط الايثار بليغ الصدق حمي الأنفة نافذ البصيرة رصين الحلم وضاح الفهم ساطع الحجة عباب العلم، متين الحفظ قوي المناظرة مديد التحصيل متسع المعرفة سديد الرواية متعدد الإفادة عربية أصلية متمكنة التنظير من صلة القواعد ومستحضرة الشواهد ومنزهة عن ارتكاب الشواذ والنوادر ومستوفاة المتعلقات ¬

_ (¬1) ترجمته في الضوء اللامع 9: 29 - 30. (¬2) ترجمته في التحفة المرضية ص 83، 233، ومعجم المؤلفين 9/ 144، وتاريخ الجزائر العام 2: 215، ونفح الطيب 6: 427، والبستان ص 222، وأعلام الجزائر ص 92.

593 - محمد بن أحمد بن محمد بن عطاء الله القاضي جمال الدين التنسي

من علمي البيان والغريب والقافية والعروض والفقه، مع الوقوف على واضحة الجادة من المشهور. يحوط بصلب العلم عن اتباع الرخص ويغني بواضح السنة عن البدع، ويطلع من كنه التصرفات الاجتهادية عن الغاية إلى القيام على الأصلين قيامًا سلب به الفخر الإمامة وطوق به أبا هاشم وأباه الملامة -اهـ- ملخصًا. لأنه أطال في تعريفه وتحليته في عدة أوراق ثم قال وفاته فقد يوم المناجزة الكبرى بظاهر التقيرة الجاري على المسلمين فيها التمحيص العظيم صابرًا محتسبًا رابط الجأش ثابت القدم في ذلك الموقف الصعب، وقد طاشت الأحلام ودهشت الأعلام، عرض عليه بعض من معه التحيز بعد الوصول للمحلة من غير طرس [وقد] انكشف عنها المسلمون فأبى ذلك وقال له: لا يجوز لهم تجاوز محلتهم إذ هي الفئة المتحيز إليها فتركه وقد أقبل بوجهه على الكفرة القاصدة له يدافعهم بجهده، ورماحهم تنوشه وانصرف عنه الحاكي فكان آخر العهد به، وذلك في صدر المحرم عام ثلاثة عشر وثمانمائة- اهـ. ومن تآليفه جزء كبير في الانتصار لشيخه الإمام الشاطبي والرد على شيخه الإمام أبي سعيد بن لب في الدعاء بعد الصلاة في غاية النبل والجودة، وستأتي ترجمة أخيه بعد ثمان تراجم. 593 - محمد بن أحمد بن محمد بن عطاء اللَّه القاضي جمال الدين التنسي (¬1). ولد القاضي ناصر الدين المتقدم، تولى قضاء المالكية يسيرًا، قال السخاوي: أظنه الذي غرق سنة أربع عشرة وثمانمائة مع جماعة منهم ابن وفاء والذي جزم به شيخه ابن حجر في أبناء الغمر ورفع الاصر أن الذي غرق من أولاد التنسي هو القاضي عبد اللَّه بن أحمد، واللَّه أعلم، وسيأتي أخو صاحب الترجمة واسمه أيضًا محمد. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الضوء اللامع 4: 90.

594 - محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر الوانوغي

594 - محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر الوانوغي (¬1). التونسي العلامة أبو عبد اللَّه شهر بالوانوغي نزيل الحرمين، قال السيوطي: كان عالمًا بالتفسير والأصلين والعربية والفرائض والحساب والجبر والمقابلة والمنطق ومعرفته بالفقه دون غيره، ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة بتونس ونشأ بها وسمع من مسندها أبي الحسن بن أبي العباس البطروني خاتمة أصحاب ابن الزبير بالإجازة، وسمع أيضًا من ابن عرفة وأخذ عنه الفقه والتفسير والأصلين والمنطق، وعين أبي زيد بن خلدون الحساب والهندسة والأصلين والمنطق، والنحو عن أبي العباس القصار، وكان شديد الذكاء سريع الفهم حسن الإيراد للتدريس والفتوى، وإذا رأى شيئًا وعاه وقرره وإن لم يعتن به، له تآليف على قواعد ابن عبد السلام وعشرون سؤالًا في فنون العلم تشهد بفضله بعث بها للقاضي جلال الدين البلقيني فأجاب عنها، فرد ما قاله البلقيني، وقد وقفت على الأسئلة وأجوبتها دون الرد، وكان يعاب عليه إطلاق لسانه في العلماء ومراعاة السائلين في الإفتاء، أجاز لغير واحد من شيوخنا المالكيين- اهـ. وقال الحافظ ابن حجر: وعني بالعلم وبرع في الفنون مع الذكاء المفرط وقوة الفهم حسن الإيراد كثير النوادر المستظرفة كثير الواقعة في أعيان المتقدمين وعلماء العصر وشيوخهم، شديد الإعجاب بنفسه والازدراء بمعاصريه، فلهجوا بذمه وتتبعوا أغلاطه في فتاويه، وله انتقاد على قواعد ابن عبد السلام ثم أقام بمكة فجاور مقبلًا على الاشتغال والتدريس والإفادة، اجتمعت به بالمدينة وله أسئلة كتب بها للجلال القاضي البلقيني فأجابه عنها وكان يعيب الأجوبة، توفي سابع عشر ربيع الأخير سنة تسع عشرة وثمانمائة- اهـ. وقال السخاوي: كان عارفًا بالتفسير والأصلين والعربية والفرائض والحساب والجبر والمقابلة ومعرفته بالفقه دونها، له أجوبة على مسائل ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 243، الضوء اللامع 7/ 3، درة الحجال 2/ 38، بغية الوعاة 13، ذيل تذكرة الحفاظ 277، كشف الظنون 92، طبقات المفسرين 2/ 61 - 62.

595 - محمد بن علي بن معبد القدسي

عبد النجم بن الفهد- اهـ. وذكر الشيخ بدر الدين القرافي أن له حاشية على التهذيب للبراذعي في غاية الجودة محتوية على أبحاث جليلة مرتبة على مقدمات منطقية- اهـ. قلت: محشي المدونة إنما هو أبو مهدي عيسى الوانوغي، كما ذكر المشذالي في أول تكميلته، وهو أيضًا من أصحاب ابن عرفة، حج عام ثلاثة وثمانمائة ورجع لبلاده كما في الحاشية، وصاحب الترجمة بقي بالمشرق حتى مات، كما تقدم، واللَّه أعلم. 595 - محمد بن علي بن معبد القدسي (¬1). عرف بالمدني كان مؤذنًا بالمسجد النبوي، ولى قضاء المالكية مرتين: الأولى في سنة اثني عشر وثمانمائة والثانية بعده، ثم عزل في عام ستة عشر ومات في ربيع الأول سنة تسعة عشر وثمانمائة عن سبعين سنة. صح من الدرر الكامنة لابن حجر. 596 - محمد بن جابر الغساني المكناسي (¬2). الفقيه العالم الناظم، نظم المرقبة العليا في تعبير الرؤيا لابن راشد ونظم رجزًا بديعًا في التعريف ببلده سماه نزهة الناظر لابن جابر، وله تأليف في رسم القرآن، أخذ عنه الحافظ القوري، قال ابن غازي في الروض الهتون: شيخ شيوخنا الأستاذ المقرئ الشاعر الجيد الحسن ذو التصانيف الحسان والقصائد العجيبة، له تسميط البردة للبوصيري ورجز في بلده- اهـ. وتوفي سنة سبع وعشرين وثمانمائة. 597 - محمد بن أحمد بن محمد بن علوان (¬3). المصري أبو الطيب العالم الرّاوية الرحلة، أخذ بتونس عن والده وأبي ¬

_ (¬1) ترجمته في الضوء اللامع 8/ 220، الشذرات 7/ 141، توشيح الديباج 215. (¬2) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 251، معجم المؤلفين 9: 146، الروض الهتون ص 22. (¬3) انظر شجرة النور الزكية ص 243 - 244، معجم المؤلفين 9/ 11.

598 - محمد بن خلفة بن عمر التونسي الوشتاني شهر بالأبي

القاسم الغبريني والقاضي ابن حيدرة والخطيب ابن مرزوق وأبي الحسن البطروني والإمام ابن عرفة وابن الحاجة، وبالشرق عن الحافظ المصنف الشهاب الفرنوي والحافظ الكبير زين الدين العراقي وولده ولي الدين أبي ذرعة وصهره النور الهيثمي، والولي القطب علي بن وفا والشيخ جلال الدين ابن نصر البغدادي والمؤرخ ناصر الدين بن الفرات والبرهان بن العداتي الحنفي، والزين البشكيلي والكمال الدميري والشمس البرشنسي أحد فضلاء الشافعية والتقي الدجوري والشهاب ابن الزاهد بن سرارة الناس، والجمالين المحلي والرشيد في جماعة كثيرة ذكرهم في إجازته للحفيد ابن مرزوق. وله جزء في الاجتماع علي الذكر، ورأيت بخط بعضهم أن صاحب الترجمة كان مثل والده علما ودينًا وصلاحًا ورواية وزهد أو سلوكًا، وأنه توفي أواسط ذي القعدة عام سبعة وعشرين وثمانمائة- اهـ. وتقدمت ترجمة والده في الأحمدين. 598 - محمد بن خلفة بن عمر التونسي الوشتاني شهر بالأبي (¬1). الإمام العلامة المحقق المدقق البارع الحافظ الحاج الرحلة، أخذ عن الإمام ابن عرفة ولازمه واشتهر في حياته بالهارة والتقدم بها الفنون، وكان من أعيان أصحابه ومحققيهم، وأبة، بضم الهمزة، قرية من تونس. قال السخاوي: كان سليم الصدر، ذكر ذلك جماعة عنه مع مزيد تقدم في الفنون، له إكمال الاكمال في شرح مسلم في ثلاثة مجلدات جمع فيه بين المازري وعياض والقرطبي والنووي مع زيادات مفيدة من كلام ابن عرفة شيخه وغيره. وله شرح المدونة أيضًا، وله نظم، وكثر انتقاده لشيخه مشافهة وربما رجع عليه سيما في تعريفه الطهارة ووصفه ابن حجر في المثبتة بالأصولي عالم المغرب بالمعقول وقال: إنه سكن تونس وسما والده خلفا. ¬

_ (¬1) السر الطالع 2/ 169، شجرة النور الزكية 244، الضوء اللامع 11/ 182، فهرست الرصاع 105، التوشيح ص 204 - 205، الحلل السندسية 1/ 686، أبو عبد اللَّه الأبي دراسة لعبد الرحمن عون.

599 - محمد بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن محمد بن سليمان القرشي المخزومي الاسكندري بدر الدين الدماميني

توفى، فيما قيل، سنة سبع وعشرين، وخلفة بكسر المعجمة وفتحها ثم لام ساكنة بعدها فاء- اهـ. قلت: قرأت بخط سيدي يخلفتين حفيد الشيخ عبد الرحمن الثعالبي أن وفاته سنة ثمان وعشرين وثمانمائة- اهـ. ويذكر أن الإمام ابن عرفة ليم على كثرة الاجتهاد وتعبه نفسه في النظر فقال: كيف أنام وأبا بين أسدين الأبي بفهمه وعقله والبرزلي بحفظه ونقله- اهـ. ووصفه أبو عبد اللَّه المشذالي بالفقيه المحقق العالم، وأخذ عنه جماعة من الأئمة كالقاضي عمر القلشاني وأبي القاسم بن ناجي وعبد الرحمن المجدولي والثعالبي والشريف العجيسي وغيرهم، وقال الثعالبي فيه: شيخنا مولاي الإمام الحجة الثقة إمام المحققين الجامع بين حقيقتى المنقول والمعقول ذو التصانيف الفائقة البارعة والحجج الساطعة اللامعة- اهـ. وأما شرحه لمسلم ففي غاية الجودة ملأه بتحقيقات بارعة وزيادة حسنة نافعة سيما أوائله، قال الثعالبي: حضرت عليه قراءة بحث وتحقيق وتدقيق من أوله إلى الطهارة متواليًا، وكثيرًا من الطهارة وأكثر كتاب الصلاة وكثيرًا من أواخر مسلم أو كله، ومن المدونة والرسالة وابن الحاجب كلها قراءة بحث وتحقيق، وأكثر إرشاد أبي المعالي وتفسير القرآن، وأذن لي في اقرائها كلها سنة تسعة عشر وثمانمائة -اهـ- ملخصًا. وسمعت والدي الفقيه أحمد -رحمه اللَّه- يحدث عن بعض المشارقة أنه رأى له تفسير القرآن في ثمان مجلدات- اهـ. 599 - محمد بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن محمد بن سليمان القرشي المخزومي الاسكندري بدر الدين الدماميني (¬1). الإمام العلّامة الأديب المشهور، قال الشيخ عبد القادر المكي والسخاوي ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 240، الأعلام 6: 57، الضوء اللامع 7/ 184 - 187، بغية الوعاة ص 27، شذرات الذهب 7: 181، معجم المطبوعات ص 897.

والسيوطي ثلاثتهم: ولد بالديار الاسكندرية سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وتفقه وتعاني الأدب ففاق في النحو والنظم والنثر والخط ومعرفة الشروط، وشارك في الفقه وغيره بسرعة إدراكه وقوة حافظته، وناب في الحكم ودرس بعدة مدارس وتقدم. واشتهر ذكره ومهر وتصدر بالجامع الأزهر لإقراء النحو ثم رجع للاسكندرية واستمر يقرئ بها ويحكم ويتكسب بالتجارة، ثم قدم القاهرة وعين للقضاء فلم يتفق له واستمر مقيمًا إلى شوال سنة تسع عشرة فحج ودخل دمشق سنة ثمانمائة وحج منها وعاد لبلده وتولى خطابة الجامع وترك نيابة الحكم، وأقبل على الاشتغال ثم اشتغل بأمور الدنيا معاني الحياكية وصار له دولاب متسع فاحترقت عليه داره وصار عليه مال كثير ففر إلى الصعيد فتبعه غرماؤه وأحضروه مهانًا إلى القاهرة، فقام معه تقي الدين الشيخ ابن حجة وكاتب السر ناصر الدين البارزي حتى صلحت حاله. وحضر مجلس الملك المؤيد ثم حج سنة تسع عشرة ودخل إلى اليمن سنة عشرين ودرس بجامع زبيدة نحو سنة فلم يرج له بها أمر فركب البحر إلى الهند فحصل له إقبال كثير وأخذوا عنه وعظموه، وحصل له دنيا عريضة فبغته الأجل ببلد كلبرجا من الهند في شعبان سنة سبع وقيل ثمان وعشرين وثمانمائة قتل مسمومًا. وله من التصانيف تحفة الغريب في حاشية مغني اللبيب وشرح البخاري وشرح التسهيل وشرح الخزرجية وجواهر البحور في العروض، والفواكه البدرية من نظمه ومقاطع الشرب ونزول الغيث وهو اعتراضات على الغيث الذي انسجم في شرح لامية العجم للصفدي، وشرح مصدر الجواهر، وقد عمل حاشية على المغني ثم أشهد على نفسه بالرجوع عنها لما دخل الهند وألف هناك تحفة الغريب، ومن شعره: رماني زماني بما ساءني ... فجاءت نحوس وغابت سعود وأصبحت بين الورى بالمشيب ... عليلًا فليت الشباب يعود

وله أيضًا: لا ما عذاريك هما أوقعا ... قلب المعنى الصب في الحين فجد له بالوصل واسمح به ... ففيك قد هام بلامين قال السخاوي: وأكثر الشمني من تعقب كلامه في حاشيته على المغني، وكان غير واحد من فضلاء تلاميذته ينتصر لصاحب الترجمة، وله أيضًا مجلد في الإعراب وعين الحياة مختصر حياة الحيوان، وممن أخذ عنه الزين عبادة ورافقه إلى اليمن حتى أخذ عنه حاشية المغني وفارقه لما توجه للهند، وكان أحد الكمل في فنون الأدب معروفًا باتفاق الوثائق- اهـ. قلت: وأخذ عن الناصر التنسي وابن عرفة وابن خلدون والجمال إبراهيم الأميوطي والجلال البلقيني وغيرهم، وأخذ عنه الشيخ عبد القادر المكي وغيره. فائدة: قال صاحب الترجمة: من أظرف الحكايات التي أذكرها أني كنت يومًا بمجلس شيخنا ابن عرفة عند قدومه للاسكندرية في رمضان سنة اثنين وتسعين بالمثناة في الأول وأنا أقرأ عليه درسًا في كتاب الحج من مختصره، وكان شخص من الطلبة الموسومين بالتشدق والتكثر بما لم يعط حاضرًا بالمجلس، فمر بموضع من كلام الشيخ عائد فيه ضمير على مضاف إليه فقال ذلك الشخص بجرأة: النحويون يقولون: لا يعود الضمير على المضاف إليه فكيف أعدتموه؟ فقال الشيخ على الفور بلا تعلم قال تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} ولم يزد على ذلك، وفيه من اللطف ما لا يخفى، ولا شك أن النحاة لم يقولوا ما نقل هذا الرجل عنهم وإنما قالوا: إذا وجد الضمير يمكن عوده إلى المضاف وإلى المضاف إليه فعوده إلى المضاف أولى لأنه المحدث عنه ولم يمنع أحد عوده إلى المضاف إليه- اهـ. قلت: والمسئلة ذكرها في التسهيل وباب الضمير.

600 - محمد بن أحمد بن عبد الله الزفري

600 - محمد بن أحمد بن عبد اللَّه الزفري (¬1). وصفه الإمام ابن حجر بالشيخ الإمام العلامة قاضي القضاة، درس وأم السلطان وولي بعد أبيه إفتاء دار العدل ومشيخة القمحية بمصر، ولد سنة سبع وستين وسبعمائة، وتوفي سنة ثمان وعشرين وثمانمائة. 601 - محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عاصم (¬2). القاضي أبو بكر الأندلسي الغرناطي قاضي الجماعة بها، العلامة الرئيس قال ولده القاضي أبو يحيى في التقييد المذكور قبل: كان -رحمه اللَّه- علم الكمال ورجل الحقيقة، وقارًا لا يخف راسيه ولا يعري كاسيه، وسكونًا لا يطرق جانبه ولا يرهب غالبه، وحلمًا لا تزل حصاته ولا تعمل وصاته، وانقباضًا لا يتعدى رسمه ولا يتجاوز حكمه، ونزاهة لا ترخص قيمتها ولا تلين عزيمتها، وديانة لا تحسر أذيالها ولا يشف سربالها، وإدراكًا لا يفل نصله ولا يدرك خصله، وذهنًا لا يخبأ نوره ولا ينبو مطروره، وفهمًا لا يخفى فلقه ولا يلحق طلقه، وصدقًا لا يخلف موعده ولا يلسن مورده، وخفظًا لا يسبر غوره ولا يذبل نوره، بل لا يتوق بحره ولا يعطل نحره، وتحصيلًا لا يفلت قنيصه ولا يسأم حريصه، بل لا يحل عقانه ولا يصدأ صقاله، وطلبًا لا تنحد فنونه ولا تتعين عيونه بل لا تحصر معارفه ولا تقصر مصارفه. يقوم أتم قيام على النحو على طريقة متأخري النحاة جمعًا بين القياس والسماع، وتوجيهًا لأقوال البصرية، واستحضارًا للشواهد الشعرية واستظهارًا للغات والأعربة واستبصارًا في مذاهب المعربة، محليًا أجياد تلك الأعاريب من علمي البديع والبيان بجواهر أسلاك، وجليًا في آفاق تلك الأساليب من فرائد هذين الفنين زوائد أفلاك إلى ما يتعلق بها من قافية وميزان، وما للشعر من بحور وأوزان، وتضلع بالقراءات أكمل اضطلاع مع تحقيق واطلاع، فيقنع ¬

_ (¬1) التوشيح ص 180، الضوء اللامع 6/ 325 - 326. (¬2) انظر معجم المؤلفين 11: 290، كشف الظنون ص 365، إيضاح المكنون 1: 127، 155، هدية العارفين 2: 185، الأعلام 7/ 45، معجم المطبوعات ص 156، شجرة النور الزكية ص 247.

ابن البادش من اقناعه، ويشرح لابن شريح ما أشكل من أوضاعه، ويقصي الداني عن رتبته المختصة ويجوز أوزان حرز الأماني صدر المنصة، ويشارك في المنطق وأصول الفقه والعدد والفرائض والأحكام مشاركة حسنة، ويتقدم في الأدب نظمًا ونثرًا وكتبًا وشعرًا، إلى براعة الخط واحكام الرسم وانقان الصنائع العملية كالتفسير والتذهيب وغيرهما. نشأ بالحضرة العلية لا يغب عن حلقات المشيخة ولا يغيب عن مظان الاستفادة ولا يفتر عن المطالعة والتقييد، ولا يسأم عن المناظرة والتحصيل، مع محافظة لا تنخرم ومفاوضة في الأدب والنظم، وفكاهة لا تقدح في وقار -اهـ- ملخصًا. وقد أطال فيه في أوراق ثم قال: مولده في الربع الثالث من يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى من عام ستين وسبعمائة، نقلته من خط أبيه، وله مسائل متعددة في فنون شتى ضمنها كل سديد من البحث وصحيح النظر. وأما كتبه فالدر النفيس والياقوت الثمين والروض الآنق والزهر والنضير نصاعة لفظ وأصالة غرض وسهولة تركيب ومتانة أسلوب. ومن شيوخه مفتي الحضرة وقطب الجملة الأستاذ الشهير أبو سعيد بن لب وإمام الأدباء الأستاذ أبو عبد اللَّه القيجاطي، وناصر السنة أبو إسحاق الشاطبي وقاضي الجماعة أبو عبد اللَّه بن علاق وخالاه قاضي الجماعة أبو بكر ورئيس علوم اللسان أبو محمد عبد اللَّه ابنا أبي القاسم ابن جزي، والشريف الشهير أبو محمد عبد اللَّه بن الشريف العلم التلمساني والقاضي الرحلة أبو إسحاق ابن الحاج، والحاج الراوية أبو الحسن علي بن منصور والأشهب، والأستاذ أبو عبد اللَّه البلنسي. نظم أراجيز تحفة الحكام ورجز منيع الوصول في علم الأصول في أصول الفقه، والرجز الصغير سماه مرتقى الأصول في الوصول كذلك، ونيل المنى في اختصار الموافقات رجز، وقصيدة إيضاح المعاني في قراءة الداني وقصيدة الأمل المرهوب في قراءة يعقوب، وقصيدة كنز المفاوض في الفرائض

602 - محمد بن عبد السلام بن إسحاق بن أحمد الآمدي

ورجز الموجز في النحو حاذى رجز ابن مالك في غرض البسط ومحاذاة قصده، وكتاب الحدائق في أغراض شتى من الأدب والحكايات. وتوفي بعد العصر يوم الخميس حادي عشر شوال عام تسعة وعشرين وثمانمائة- اهـ. 602 - محمد بن عبد السلام بن إسحاق بن أحمد الآمدي (¬1). الشيخ الفقيه اللغوي مؤلف كتاب تنبيه الطالب لفهم لغات ابن الحاجب بين فيه ألفاظ الواقعة في فرعي ابن الحاجب، حسن مفيد ذكر فيه أنه يروي المختصر المذكور عن شيخه السراج البلقيني والشمس الغماري وأنه قرأه أيضًا على الشيخ المسند الرحلة أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن مبارك العزي، عرف بابن الشيخة سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، ولا أعرف من حاله زيادة على هذا. 603 - محمد بن يعقوب بن يحيى بن عبد اللَّه الجميل (¬2). ذكر حفيده أنه أخذ عن الوانوغي وغيره وارتحل للعجم وأقام هناك أربع سنين، وأخذ عن شيوخه في العقليات وتميز ودرس وناب في قضاء المدينة الشريفة، وألف في الفقه ومقدمة في المنطق وخمس البردة. توفي قرب الثلاثين والثمانمائة. صح من الضوء اللامع. 604 - محمد أبو عبد اللَّه القاضي التلمساني (¬3). يعرف بحمو الشريف، أخذ عنه أبو زكرياء المازوني ونقل عنه فتاوى في نوازله، قال الونشريسي في وفياته: توفي سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة. وقال صاحبنا محمد بن يعقوب الأديب: توفي سنة اثنين أو ثلاث وثلاثين- اهـ. وسيأتي بعد نحو ثلاثة وعشرين ترجمة محمد الشريف التلمساني، من شيوخ القلصادي، وهو غير هذا، واللَّه أعلم، لاختلاف وفاتهما فتأمله. ¬

_ (¬1) انظر كشف الظنون ص 487، فهرست الخديوية 4: 181. (¬2) انظر ترجمته في الضوء اللامع 10: 87. (¬3) انظر ترجمته في البستان ص 201، ألف سنة من الوفيات ص 245.

605 - محمد بن عبد الرحمن الحسني الفاسي رضي الدين أبو حامد

605 - محمد بن عبد الرحمن الحسني الفاسي رضي الدين أبو حامد (¬1). تفقه بأبيه والزين خلف النحريري وأبي عبد اللَّه الوانوغي، قرأ عليه أصلي ابن الحاجب وكثرت عنايته بالفقه ومهر فيه وأذن في الإفتاء والتدريس وتصدر لذلك، وكتب على مختصر الشيخ خليل وشارحه صدر الدين عبد الخالق بن الفرات وبهرام في قدر ثلاثة كراريس، فلم يعترض عليه علماء القاهرة، وعلّق شيئًا على ابن الحاجب بيّن فيه الراجح مما فيه الخلاف سماه أداء الواجب في إصلاح ابن الحاجب. ولد في رجب سنة خمس وثمانين وسبعمائة وتوفي في منتصف ربيع الأول سنة أربع وعشرين وثمانمائة -اهـ - من السخاوي. وتقدم أخوه شقيقه قبل تراجم. 606 - محمد بن عبد العزيز التازغدري (¬2). أبو القاسم، قال ابن غازي: شيخ شيوخنا الفقيه العالم العلامة الحافظ المحقق النظار الحجة. وقال غيره: الفقيه المعظم العلم الأوحد الصدر المعتبر الشهير المفتي المحقق المتفنن المشاور الخطيب الأفصح البليغ الأحفل- اهـ. أكثر ابن غازي من النقل عنه في كتبه، وله فتاوى في المعيار، وقال السخاوي: التازغدري نسبة لموضع من نواحي طنجة المغرب، أخذ عن عيسى ابن علال، وله تعليقة على شرح المدونة لأبي الحسن الصغير. مات مقتولًا غدرًا بعد الثلاثين وثلاثمائة ولم يعرف قاتله، أفادنيه بعض أصحابنا- اهـ. قال صاحبنا محمد بن يعقوب الأديب في وصفه: مفتي فاس وحافظها وخطيب جامعها الأعظم، توفي قتيلًا سنة اثنين وثلاثين، وسمعت بعض الشيوخ يذكر أنه كثيرًا ما يفضل بين الأنبياء، عليهم السلام، فمات مقتولًا لجري العادة بذلك، فيما قيل، واللَّه أعلم- اهـ. ¬

_ (¬1) انظر معجم المؤلفين 10: 138، شذرات الذهب 7/ 168. (¬2) التوشيح ص 210، 267، 268، الضوء اللامع 11/ 140، درة الحجال 3/ 281.

607 - محمد بن عبد الملك بن علي بن عبد الملك القيسي المنتوري وبه اشتهر

607 - محمد بن عبد الملك بن علي بن عبد الملك القيسي المنتوري وبه اشتهر (¬1). الغرناطي الأستاذ المقري الخطيب المحقق الراوية إمام الإقراء ومعلم الأداء، الأصولي، كذا وصفه بعضهم، وقال صاحبه أبو زكريا السراج في فهرسته: صاحبنا الفقيه القاضي الأستاذ النزيه المحقق الحافظ أبو عبد اللَّه ابن الشيخ الحاج الفاضل أبي مروان المنتوري. أخذ عن الفقيه الأستاذ الجليل النحوي المقري الدرس المصنف إمام الأئمة في الإقراء أبي عبد اللَّه القيجاطي، قرأ عليه بالسبع والروايات الأربعة عشر المسطورة في سبعة عشرة ختمة، وقرأ عليه جميع تآليفه من القراءات وغيرها وسمع عليه غيرها، وعليه اعتمد في الاتقان والتجويد وأجازه عامة، وعن الأستاذ الفقيه شيخ الجماعة ابن لب قرأ عليه بالسبع وعرض عليه كتبًا، وعن صهره الأستاذ ابن بقي والأستاذ عبد اللَّه بن عمر وغيرهم، وأجاز لي ولولدي وهو بقيد الحياة- اهـ. قلت: ومن شيوخه الأستاذ البلنسي وقاضي الجماعة أبو بكر بن جزي والشيخ الحفار والفقيه محمد بن محمد بن يوسف الرعيني وأبو الحسن علي ابن منصور الأشهب التلمساتي، وأجازه ابن عرفة والحافظ العراقي، وأخذ عنه القاضي أبو يحيى بن عاصم ونقل عنه في مواضع فن شرح التحفة والعلامة المواق. ومن تآليفه شرح ابن بري في قراءة نافع ذكر في طالعته أنه طالع عليه مائة وتسعة وتسعين مجموعًا: سبعة وعشرين من كتب القراءات والباقي من غيرها، وفهرستًا حافلة، قال صاحبنا المؤرخ محمد بن يعقوب: كان فقيهًا كبيرًا محدثًا جليلًا راوية- اهـ. وتوفى في عصر يوم الاثنين ثالث ذي الحجة متم عام أربعة وثلاثين وثمانمائة، هكذا وجدته مقيدًا، والمنتوري، بكسر الميم وإسكان النون وضم ¬

_ (¬1) التوشيح ص 207، درة الحجال 2/ 287، شجرة النور الزكية ص 247 - 248.

608 - محمد بن علي بن عبد الملك الألبيري الغرناطي شهر بابن مليح

التاء المثناة من فوق وآخره مهملة، كذا ضبطه العلامة أحمد بن داود البلوي أحد تلاميذ المواق. 608 - محمد بن علي بن عبد الملك الألبيري الغرناطي شهر بابن مليح (¬1). قاضيها، وقع النقل عنه في شرح التحفة لابن عاصم، وكان حيًا عام اثنين وثلاثين. 609 - محمد بن عبد اللَّه القلشاني (¬2). الفقيه العالم العلامة الصالح القدوة والد القاضيين للجماعة أبي العباس أحمد وعمر القلشانيين، كان رحمه اللَّه تعالى من أكابر علماء تونس، أحد أصحاب الإمام ابن عرفة أخذ عنه وعن القاضي أبي العباس بن حيدرة التوزري وغيرهما وتولى تدريس أبي مهدي عيسى الغبريني بعد وفاته بإشارة منه، قال السخاوي: تولى قضاء الأنكحة بتونس والتدريس بها وكان عالمًا صالحًا، توفي أوائل سلطنة السلطان عثمان حفيد أبي فارس- اهـ. فائدة: وقال ولده أبو العباس أحمد القلشاني: توفي والدي محمد القلشاني يوم الثلاثاء حادي عشر ربيع الثاني عام سبعة وثلاثين وثمانمائة بتونس عن ثلاثة وثمانين سنة وخمسة أشهر غير ستة أيام، وشرحي ابن الحاجب في ميزان حسناته إذ هو الآمر به- اهـ. ومولده على ما ذكر سابع عشر ذي القعدة عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة وفي سنة سبع وثلاثين المذكورة توفى السلطان أبو فارس عبد العزيز بن أبي العباس الحفصي صاحب تونس فجأة بجبل ونشريس، ذكره الونشريسي في وفياته. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في ترتيب المدارك ص 263، 287. (¬2) الضوء اللامع 8: 257، التوشيح ص 212، شجرة النور الزكية 244.

610 - محمد بن عمر بن الفتوح التلمساني ثم المكناسى أبو عبد الله

فائدة: قال ولده أبو العباس القلشاني: لما توليت القضاء بقسنطينة أوصاني سيدي الوالد أبو عبد اللَّه يعني صاحب الترجمة فقال لي: عليك بتقوى اللَّه سرًا وعلانية وأوصيك مع ذلك بآية وحديث، أما الآية فقوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} والحديث قوله، عليه السلام: "حسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل" قال: وأوصى صديق صديقه، وقد ولى أمر الناس، بقوله: "صن أذنيك عن أخبارهم تسلم من عداوتهم، وأوف لذوي الحقوق حقوقهم تستجلب مودتهم، وشاور ذوي العقل والدين يقل عتبهم عليك، وتجاوز عن جفوة ذي الهفوة يقل ندمك، وتأنّ في الحكم يقل خطؤك، واصبر على ما تكره تصل لما تحب والسلام"- اهـ. ويقال: إنه كان إذا رأى من ولده عمر القلشاني فتورًا في وقت طلبه أنشده قول الشاعر: إذا أخرج الدهر حبرًا نجيبًا ... فكن في ابنه فاسد الاعتقاد فلست ترى من نجيب نجيبًا ... وهل تلد النار غير الرماد يحثه بذلك على الطلب. قلت: وأخذ عنه الإمام أبو زيد الثعالبي ولازمه وذكره في بعض كتبه، وتقدمت ترجمة أبيه عبد اللَّه وأخيه أحمد وولديه أحمد وعمر، وتأتي ترجمة حفيده محمد بن عمر قاضي الجماعة، إن شاء اللَّه تعالى. 610 - محمد بن عمر بن الفتوح التلمساني ثم المكناسى أبو عبد اللَّه (¬1). قال ابن غازي: الشيخ الفقيه الصالح الزاهد ولي اللَّه تعالى، حدثني شيخنا أبو زيد القرموني، وكان ارتحل إليه من فاس والي رفيقه عبد اللَّه ابن حمد فخدمهما تسعة أعوام، إن سبب انتقاله من تلمسان أنه كان من نجباء طلبتها وكان شابًا حسن الصورة مليح الشارة فموت به امرأة جميلة فجعل ينظر ¬

_ (¬1) فهرست ابن غازي ص 75، التوشيح ص 214، درة الحجال 2/ 284، الروض الهتون ص 22، اتحاف أعلام الناس 3/ 587، البستان 264، شجرة النور الزكية 251، أعلام الجزائر ص 80.

لمحاسنها من طرف خفي فقالت: اتق اللَّه يا ابن الفتوح {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} فانتفع بكلامها فزهد في الدنيا فخرج من وطنه ولحق بفاس. وهو أول من أشاع فيها مختصر خليل، وقال في الروض الهتون: أول من أدخل المختصر لفاس هو عام خمسة وثمانمائة، انتقل لفاس فأخذ الفقه عن شيخ الجماعة أبي موسى عيسى بن علال المصمودي ويقرئ ألفية ابن مالك بمدرسة أبي عنان، يقيم حاله بمرتبها، ثم عرضت عليه رئاسة درس الفقه بمدرسة العطارين فاستخار اللَّه تعالى فرأى في منامه عجوز شمطاء سيقت له في عمارية بأنواع الملاهي فعلم أنها الدنيا فلم يقبلها. وكان يضيق ذرعه من مخالطة من لا يحفظ لسانه عن الغيبة وغيرها مما لا يليق ويتمنى أن يجد من يعينه على الخير فدله بعض النصحاء على الصالح عبد اللَّه بن حمد وأصحابه فرحل إليه لمكناسة، فظفر ببغيته، وكان، كما قيل، وافق شن طبقة، وافقه فاعتنقه. وحدثني والدي عنه أنه يقصد المساجد الخالية ويعمرها بقراءة القرآن العزيز، وأنه أصابه الطاعون وهو يقرأ البخاري في مكناسة عند خزانة الكتب عام ثمانية عشر وثمانمائة فحمل لبيته في المدرسة، فلقن عند الموت فقال له: الشغل بالذكر عن المذكور غفلة. وحدثني شيخنا العلامة القوري عنه أن سبب ارتحاله لفاس في طلب الفقه مسألتان، سئلنا عنهما فلم يحضرنا فيهما شيء مع شهرتهما، مسألة المكثر من النذر وهي في كتاب الإيمان والنذور من المدونة، ومسألة من اشترى جارية بشرط أنها ثيب فألفاها بكرًا، ما حضر أصحابنا فيها شيء غير أنهم قالوا هذا كمن تلف له قب ووجد حمامًا، وهي منصوصة في نوازل ابن سهل أنه إن شرطه لغرض ككونه شيخًا كبيرًا لا يطيق الافتراع أو حلف أن لا يطأ بكرًا ولا يملكها فله ردها وإلا فلا. وحدثني شيخنا القوري أيضًا أنه مرضت إحدى يديه فلم يتمكن له

611 - محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد ابن أبي بكر بن مرزوق الحفيد العجيسي التلمساني

مسح أذنيه إلا باليد الصحيحة فمسح اليمنى وأراد مسح اليسرى فأشكل عليه الأمر في استئناف الماء ولم يذكر فيه نصًا وجدد، وكان بينه وبين شيخ الجماعة عبد اللَّه العبدوسي ودّ وأخاء وكل منهما يفيد صاحبه فكتب إليه يخبره بما فعل وهل عنده فيها نص؟ فأجابه: لا أذكر فيها نصًا ولو نزل بي مثله لفعلت فعلك- اهـ. 611 - محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد ابن أبي بكر بن مرزوق الحفيد العجيسي التلمساني (¬1). الإمام المشهور العلامة الحجة الحافظ المحقق الكبير الثقة الثبت الطلع النظار المصنف التقي الصالح الزاهد الورع البركة الخاشي للَّه الخاشع الأواب القدوة النبيه، الفقيه المجتهد الأبرع الأصولي المفسر المحدث الحافظ المسند الراوية الأستاذ المقرئ المجود النحوي اللغوي البياني العروضي الصوفي المسلك المتخلق الولي الصالح العارف باللَّه، الآخذ من كل فن بأوفر نصيب الراعي في كل علم مرعاه الخصيب حجة اللَّه على خلقه المفتي الشهير السني الرحلة الحاج، فارس الراسي والمنابر سليل أفاضل الأكابر سيد العلماء الجلة وصفي أئمة الملة وآخر السادات الأعلام ذوي الرسوخ الكرام، بدر التمام الجامع بين المعقول والمنقول والحقيقة والشريعة بأوفر محصول. شيخ الشيوخ وآخر النظار الفحول صاحب التحقيقات البديعة والاختراعات الأنيقة والأبحاث الغريبة والفوائد الغزيرة المتفق على علمه وصلاحه وهديه، السيد الزكي الفهامة القدوة الذي قل سماح الزمان بمثله أبدًا. أحد الأفراد العلية في جميع الفنون الشرعية ذو المناقب العديدة والأحوال ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في معجم المؤلفين 8: 317، الضوء اللامع 7: 50، البدر الطالع 2: 119، 120، والأعلام 5/ 325، أعلام الجزائر ص 290، فهرس ابن غازي 111، 170، بغية الوعاة ص 18 - 19، الشجرة 436، البستان 201 - 214، رحلة القلصادي ص 96، تعريف الخلف 1/ 124.

الصالحة العتيدة، شيخ الإسلام وإمام المسلمين ومفتي الأنام ذو القدم الراسخ في كل مزلق ضيق، والرحب الواسع في حل كل مشكل مقفل، صاحب الكرامات والاستقامات، حامل لواء السنة وداحض شبه البدعة، سيف اللَّه المسلول على أهل البدع والأهواء الذائعة، الذي أفاض اللَّه تعالى على خلقه به بركته ورفع بين المرية محله ودرجته، ووسع على خليقته به نحليته. معدن العلم وزناد الفهم وكيمياء السعادة وكنز الإفادة ابن الشيخ الفقيه العالم أبي العباس أحمد ابن الإمام العلامة الرحلة المحدث الكبير الخطيب الشهير محمد شمس الدين ابن الشيخ العالم الولي الصالح المجاور أبي العباس أحمد ابن الفقيه الولي الصالح الخاشع محمد ابن الولي الكبير ذي الأحوال الصالحة والكرامات محمد بن أبي بكر بن مرزوق. كان -رحمه اللَّه- آية اللَّه في تحقيق العلوم والاطلاع المفرط على النقول والقيام الأكمل على الفنون بأسرها. أما الفقه فهو فيه مالك، ولأزمة فروعه حائز ومالك، فلو رآه الإمام لقال له: تقدم فلك العهد والولاية وتكلم فمنك يسمع فقهي لا محالة أو ابن القاسم لأقر به عينًا وقال له: طالما دفعت عن المذهب عيبًا وشيئًا، أو أدرك الإمام المازري لكان من أقرانه الذي معه يجاري أو الحافظ ابن رشد لقال له: هلم يا حافظ الرشد، أو اللخمي لأبصر منه محاسن التبصرة، أو القرافي لاستفاد من قواعده المقررة. إلى ما انضم لذلك من معرفة التفسير ودرره والاطلاع بحقائق التأويل وغرره، فلو رآه مجاهد لعلم أنه في علوم القرآن العزيز مجاهد، أو لاقاه مقاتل لقال: تقدم أيها المقاتل، أو الزمخشري لعلم أنه كشف النكت على الحقيقة وقال لكتابه: تنح لهذا الحبر عن سلوك تلك الطريقة، أو ابن عطية لعلم كم للَّه تعالى من فضل وعطية، أو أبو حيان لاختفى منه إن أمكنه في نهره ولم تسل له نقطة من بحره. إلى الإحاطة بالحديث وفنونه وحفظ رواياته ومعرفة متونه، ونظم أنواعه

ووصف فنونه، فإليه الرحلة في رواياته وعليه المعول في حل مشكلاته وفتح مقفلاته. وأما الأصول فالعضد ينقطع عند مناظرته ساعده والسيف يكل عند بحثه حده حتى يترك ما عنده ويساعده، والبرهان لا يهتدي معه لحجة والمقترح لا يقترح عنده بحجة. وأما النحو فلو رآه الزمخشري لتجلجل في قراءة المفصل واستقل ما عنده من القدر المحصل أو الرماني لاشتقاق لفاكهته وارتاح واستجوى من ثمار فوائده وامتاح، أو الزجاج لعلم أن زجاجه لا يقوم بجواهره وأنه لا يجري معه في الفن إلا في ظواهره، بل لو رآه الخليل لأثنى عليه بكل جميل وقال لفرسان النحو: ما لكم إلى لحوقه من سبيل. وأما البيان فالصباح لا يظهر له ضوء مع هذا الصبح، وصاحب الفتاح لا يهتدي عنده للفتح، وأما فهمه فعنه تنحط الشهب الثواقب وبمطالعة تحقيقاته يتحير الناظر فيقول: كم للَّه تعالى من مواهب لا تسعها المكاسب، إلى غيرها من علوم عديدة وفضائل مأثورة عتيدة. وأما زهده وصلاحه فقد سارت به الركبان واتفق على تفضيله وخيرته الثقلان، هو فاروق وقته في القيام بالحق ومدفعة أهل البدع بالصدق، هو البحر بل دون علمه البحر، هو البدر بل دون فلقه البدر، هو الدر بل دون منطقه الدر. وبالجملة فالوصف يتقاصر عن مزاياه ويعجز عن وصفه ويتحاماه، فهو شيخ العلماء في أوانه وقطب الأئمة والزهاد في زمانه شهد بنشر أصبحت علومه العاكف والبادي وارتوى من بحر تحقيقاته الظمآن والصادي: حلف الزمان ليأتينّ بمثله ... حنثت يمينك يا زمان فكفّر وربك الفتاح العليم، غير أنه كما قيل: يا له من عالم وإمام جمع العلوم بأسرها ولكن بخسته الدار فاللَّه تعالى يرحمه ويرضى عنه وينفعنا به آمين. وما قلناه من أوصافه فمما علم من حاله فلا يحتاج لنقله عن معيّن ومتى

احتاج شمس الضحى لدليل، على أنا نذكر بعض ما قيل فيه شاهدًا لما قلناه: قال تلميذه أبو الفرج بن أبي يحيى الشريف التلمساني: شيخنا الإمام العالم العلم جامع أشتات العلوم الشرعية والعقلية حفظًا وفهمًا وتحقيقًا راسخ القدم رافع لواء الإمامة بين الأمم ناصر الدين بلسانه وبيانه وبالعلم محيي السنة بفعاله ومقاله وبالشيم قطب الوقت في الحال والمقام والنهج الواضح والسبيل الأقوم مستمر الإرشاد والهداية والتبليغ والإفادة، ذو الرواية والدراية والعناية، ملازم للكتاب والسنة على نهج الأئمة المحفوظين من البدع في زمن من لا عاصم فيه لأمر اللَّه إلا من رحم، ذو همة علية ورتبة سنية وخلق رضية وفضل وكرم، إمام الأئمة وعالم الأئمة الناظر للحكمة ومثير الظلم سليل الصالحين وخلاصة مجد التقى والدين، نتيجة مقدمات البنين، حجة اللَّه على العلم والعالم، جامع بين الشريعة والحقيقة على أصح طريقة، متمسك بالكتاب لا يفارق فريقه الشيخ الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد. اتصلت به فأويت منه إلى ربوة ذات قرار ومعين فقصرت توجهي عليه ومثلت بين يديه فأنزلني، أعلا اللَّه قدره، منزلة ولده رعاية للذمم وحفظًا على الود الموروث من القدم فأفادني من بحار علمه ما تقصر عنه العبارة ويكل دونه القلم. فقرأت عليه جملة من التفسير ومن الحديث: الصحيحين والترمذي وأبا داود بقراءتي والموطأ سماعًا وتفقهًا والعمدة وأرجوزته الحديقة في علم الحديث وبعض أرجوزته الروضة فيه تفقهًا، ومن العربية نصف المقرب وجميع كتاب سيبويه تفقهًا وألفية ابن مالك وأوائل شرح الإيضاح لابن أبي الربيع وبعض مغني ابن هشام، وفي الفقه التهذيب كله تفقهًا وابن الحاجب وبعض مختصر خليل والتلقين وثلثي الجلاب وجملة من المتيطية والبيان لابن رشد والرسالة تفقهًا، وتفقهت عليه في كتب الشافعية في تنبيه الشيرازي ووجيز الغزالي من أوله إلى كتاب الإقرار، ومن كتب الحنفية مختصر القدوري تفقهًا، ومن كتب

الحنابلة مختصر الحرفي تفقهًا، ومن الأصول المحصول ومختصر ابن الحاجب والتنقيح وكتاب المفتاح لجدي وقواعد عز الدين وكتاب الصالح والمفاسد له وقواعد القرافي وجملة من الأشباه والنظائر للعلائي وإرشاد العميري، وفي أصول الدين المحصل والإرشاد تفقهًا، وفي القراءات الشاطبية تفقهًا وابن بري، وفي البيان التلخيص والإيضاح والمصباح كلها تفقهًا، وفي التصوف احياء الغزالي إلا الربع الأخير منه، وألبسني خرقة التصوف كما ألبسه أبوه وعمه، وهما ألبسهما أبوهما جده -اهـ- ملخصًا. وكتب الإمام صاحب الترجمة تحته: صدق السيد أبو الفرج ابن السيدي فيما ذكر من القراءة والسماع والتفقه وبر، وقد أجزته في ذلك كله فهو حقيق بها مع الانصاف وصدق النظر، جعلني اللَّه وإياه ممن علم وعمل لآخرته واعتبر، قاله محمد بن أحمد بن محمد بن مرزوق- اهـ. وقال تلميذه الإمام الثعالبي: وقدم علينا بتونس شيخنا أبو عبد اللَّه ابن مرزوق فأقام بها وأخذت عنه كثيرًا وسمعت عليه جميع الموطأ بقراءة صاحبنا أبي حفص عمر ابن شيخنا محمد القلشاني، وختصت عليه أربعينيات النووي قراءة عليه في منزلة قراءة تفهم، فكان كلما قرأت عليه حديثًا يعلوه خشوع وخضوع، ثم أخذ في البكاء فلم أزل أقرأ وهو يبكي حتى ختمت الكتاب، وهو من أولياء اللَّه تعالى الذين إذا رأوا ذكر اللَّه (¬1). وأجمع الناس على فضله من الغرب إلى الديار الصرية واشتهر فضله في البلاد فكان بذكره تطرز المجالس، جعل اللَّه حبه في قلوب العامة والخاصة فلا يذكر مجلس إلا والنفوس متشوقة لا يحكى عنه، وكان في التواضع والإنصاف والاعتراف بالحق في الغاية وفوق النهاية لا أعلم له نظيرًا في ذلك في وقته فيما علمت ثم ذكر كثيرًا جدًا مما سمعه عليه من الكتب وأطال فيه. وقال أيضًا في موضع آخر: هو سيدي الشيخ الإمام الحبر الهمام حجة أهل الفضل قي وقتنا وخاتمتهم ورحلة النقاد وخلاصتهم ورئيس المحققين ¬

_ (¬1) هنا سقطة ولعلها وجلت قلوبهم -اهـ- مصححة.

وقادتهم السيد الكبير والذهب الابريز والعلم الذى نصبه التمييز ابن البيت الكبير والفلك الأنير ومعدن الفضل الكثير سيدي أبو عبد اللَّه بن الإمام الجليل الأوحد الأصيل، جميل الفضلاء سليل الأولياء أبي العباس أحمد ابن العالم الشهير، تاج المحدثين وقدوة الحققين أبي عبد اللَّه بن مرزوق. وقال أيضًا في موضع آخر: لشيخي الإمام العلم الصدر الكبير المحدث الثقة المحقق بقية المحدثين وإمام الحفظة الأقدمين والمحدثين سيد وقته وإمام عصره وورع زمانه وفاضل أقرانه أعجوبة وقته وفاروق أوانه ذو الأخلاق المرضية والأحوال الصالحة السنية والأعمال الفاضلة الزكية أبو عبد اللَّه ابن سيدنا الفقيه الإمام أبي العباس أحمد بن مرزوق- اهـ. وقال المازوني في أول نوازله: شيخنا الإمام الحافظ بقية النظار والمجتهدين ذو التآليف العجيبة والفوائد الغريبة مستوفي الطالب والحقوق- اهـ. وقال تلميذه أبو الحسن القلصادي في رحلته: أدركت بتلمسان كثيرًا من العلماء والعبّاد والصلحاء وأولاهم بالذكر والتقديم الشيخ الفقيه الإمام العلامة الكبير الشهير شيخنا وبركتنا أبو عبد اللَّه بن مرزوق العجيسي، رضي اللَّه عنه، حل كنف العلم والعلا وجل قدره في الجلة الفضلا، قطع الليالي ساهرًا واقتطف من العلم أزاهر فأثمر وأورق وغرّب وشرّق حتى توغل في فنون العلم واستغرق إلى أن طلع للأبصار هلالًا لأن الغرب مطلعه، وسما في النفوس موضعه فلا ترى أحسن من لقائه ولا أسهل من القائه، لقي الشيوخ الجلة الأكابر وبقي حمده مغترفًا من بطون الكتب وألسنة الأقلام وأفواه المحابر. كان، رضي اللَّه عنه، من رجال الدنيا والآخرة وأوقاته كلها معمورة بالطاعة ليلًا ونهارًا من صلاة وقراعة قرآن وتدريس علم وفتيا وتصنيف، وله أوراد معلومة وأوقات مشهودة، وكانت له بالعلم عناية تكشف بها العماية، ودراية تعضدها الرواية، ونباهة تكسب النزاهة. قرأت عليه بعض كتابه في الفرائض وأواخر إيضاح الفاردصي، وشيئًا من شرح التسهيل، وحضرت عليه

اعراب القرآن وصحيح البخاري والشاطبيتين وفرعي ابن الحاجب والتلقين وتسهيل ابن مالك والألفية والكافية وابن الصلاح في علم الحديث، ومنهاج الغزالي والرسالة. توفي يوم الخميس عصر رابع عشر شعبان عام اثنين وأربعين وثمانمائة وصلى عليه بالجامع الأعظم بعد صلاة الجمعة، حضر جنازته السلطان فمن دونه، لم أر مثله قبله، وأسف الناس لفقده، وآخر بيت سمع منه عند موته: إن كان سفك دمي أقصى مرادكم ... فما غلت نظرة منكم بسفك دمي -اهـ- ملخصًا. وفي فهرست ابن غازي في ترجمة شيخه أبي محمد الورياجلي ما نصه: أنه لقي بتلمسان الإمام العلامة العلم الصدر الأوحد المحقق النظار الحجة العالم الرباني أبا عبد اللَّه بن مرزوق، وأنه حدثه بكثير من مناقبه وصفة إقرائه وقوة اجتهاده وتواضعه لطلبة العلم، وشدته على أهل البدع وما اتفق له مع بعضهم، إلى غيره من شيمه الكريمة ومحاسنه العظيمة- اهـ. وقال غيره: كان يسير سيرة سلفه في العلم والعمل والشفقة والحلم وحب المساكن، آية اللَّه في الفهم والذكاء والصدق والعدالة والنزاهة، واتباع السنة في الأقوال والأفعال ومحبة أهلها في جميع الأحوال، مبغضًا لأهل البدع ومحبًا لسد الذرائع- اهـ. أخذ العلم عن جماعة كالسيد الشريف العلامة أبي محمد عبد اللَّه ابن الإمام العلم الشريف التلمساني والإمام عالم المغرب سعيد العقباني، والولي الصالح أبي إسحاق المصمودي، أفرد ترجمته بتأليف، والعلامة أبي الحسن الأشهب العماري، وعن أبيه وعمه ابني الخطيب ابن مرزوق، وبتونس عن الإمام ابن عرفة وأبي العباس القصار، وبفاس عن الأستاذ النحوي ابن حياتي الإمام والشيخ الصالح أبي زيد المكودي والحافظ محمد بن مسعود الصنهاجي الفيلالي في جماعة، وبمصر عن الأئمة السراج البلقيني والحافظ أبي الفضل العراقي والسراج ابن الملقن والشمس الغماري والمجد الفيروزآبادي صاحب

القاموس، والإمام محب الدين بن هشام ولد صاحب المغني والنور النويري والولي ابن خلدون، والقاضي العلامة ناصر الدين التنسي وغيرهم. وأجازه من الأندلس الأئمة كابن الخشاب وأبي عبد اللَّه القيجاطي والمحدث الحفار والحافظ ابن علاق وأبي محمد ابن جزي وغيرهم، وأخذ عنه جماعة من السادات كالشيخ الثعالبي وقاضي الجماعة عمر القلشاني والإمام محمد ابن العباس والعلّامة نصر الزواوي، وولي اللَّه الحسن أبركان وأبي البركات الغماري والعلّامة أبي الفضل المشذالي والسيد الشريف قاضي الجماعة بغرناطة أبي العباس بن أبي يحيى الشريف وأخيه أبي الفرج وإبراهيم بن فائد الزواوى وأبي العباس أحمد بن عبد الرحمن الندرومي والعلّامة المؤلف علي بن ثابت والشهاب ابن كحيل التجاني وولد العالم محمد بن محمد بن مرزوق الكفيف، والعلامة أحمد بن يونس القسنطيني والعالم يحيى بن بدير وأبي الحسن القلصادي والشيخ عيسى بن سلامة البكري، والعلامة يحيى المازوني والحافظ التنسي والإمام ابن زكري في خلق كثيرين من الأجلاء. وقال الحافظ السخاوي: هو أبو عبد اللَّه حفيد ابن مرزوق، ويقال له أيضًا ابن مرزوق، تلا بنافع على عثمان الزروالي وانتفع في الفقه بابن عرفة وأجازه ابن الخشاب والحفار والقيجاطي وحج قديمًا سنة تسعين وسبعمائة رفيقًا لابن عرفة، وسمع من البهاء الدماميني والنور العقيلي بمكة، وقرأ بها البخاري على ابن صديق، لازم المحب ابن هشام في العربية ثم حج سنة تسعة عشر وثمانمائة ولقيه رضوان الزيني بمكة وكذا لقيه ابن حجر- اهـ. وأما تآليفه فكثيرة منها شروحه الثلاثة على البردة الأكبر المسمى إظهار صدق المودة في شرح البردة استوفي فيه غاية الاستيفاء ضمنه سبعة فنون في كل بيت، والأوسط والأصغر المسمى بالاستيعاب لما فيها من البيان والإعراب والمفاتيح القرطاسية في شرح الشقراطيسية، والمفاتيح المرزوقية في استخراج رموز الخزرجية، ورجزان في علوم الحديث الكبير سماه الروضة جمع فيه بين ألفيتي ابن ليون والعراقي ومختصر الحديقة اختصر فيه ألفية العراقي، وأرجوزة

في الميقات سماه المقنع الشافي في ألف وسبعمائة بيت، وأرجوزة ألفية في محاداة الشاطبية، وأرجوزة نظم تلخيص المفتاح وأرجوزة نظم تلخيص ابن البنا وأرجوزة نظم جمل الخونجي وأرجوزة في اختصار ألفية ابن مالك، ونهاية الأمل في شرح جمل الخونجي، واغتنام الفرصة في محادثة عالم قفصة وهو أجوبة على مسائل في الفقه والتفسير وغيرهما وردت عليه من عالم قفصة أبي يحيى بن عقيبة الآتي فأجابه عنها، والمعراج إلى استمطار فوائد الأستاذ ابن سراج أجاب فيه العالم قاضي الجماعة بغرناطة ابن سراج عن مسائل نحوية ومنطقية، ونور اليقين في شرح أولياء اللَّه المتقين تأليف ألفه في شأن البدلاء تكلم فيه على حديث في أول الحلية والدليل المومي في ترجح طهارة الكاغد الرومي، والنصح الخالص في الرد على مدعي رتبة الكامل للناقص في سبعة كراريس ألفه في الرد على عصريه وبلديه الإمام قاسم العقباني في فتواه في مسألة الفقراء الصوفية في أشياء صوّب العقباني صنيعهم فيها فخالفه ابن مرزوق، ومختصر الحاوي في الفتاوى لابن عبد النور التونسي والروض البهيج في مسألة الخليج في أوراق نصف كراس وأنوار الدراري في مكررات البخاري، وتأليف في مناقب شيخه الزاهد الولي إبراهيم المصمودي في مقدار كراس، وتفسير سورة الإخلاص على طريقة الحكماء، وهذه كلها تامة. وأما ما لم يكمل من تآليفه فالمتجر الربيح والسعي الرحب الفسيح في شرح الجامع الصحيح صحيح البخاري وروضة الأديب في شرح التهذيب، والمنزع النبيل في شرح مختصر خليل شرح منه الطهارة في مجلدين ومن الأقضية لآخره في سفرين في غاية الاتقان، والتحرير والاستيفاء والتنزيل لألفاظ الكتاب، والنقول لا نظير له أصلًا لخصه العلامة الراعي كما يأتي، وايضاح المسالك في ألفية ابن مالك انتهى إلى اسم الإشارة والموصول مجلد في غاية الاتقان، ومجلد في شرح شواهد شراحها إلى باب كان وأخواتها، وله خطب عجيبة، وأما أجوبته وفتاويه على المسائل المنوعة فقد سارت بها الركبان شرقًا وغربًا بدوًا وحضرًا ذكر المازوني والونشريسي منها جملة وافرة في كتابيهما، وله أيضًا عقيدته المسماة عقيدة أهل التوحيد المخرجة من ظلمة التقليد، وعلى

منحاه بنى السنوسي عقيدته الصغرى، والآيات الواضحات في وجه دلالة المعجزات، والدليل الواضح المعلوم في طهارة كاغد الروم واسماع الصم في إثبات الشرف من قبل الأم. وذكر السخاوي أن من تأليفه شرح فرعي ابن الحاجب وشرح التسهيل، واللَّه أعلم. ومولده، كما ذكره هو في شرحه على البردة، ليلة الاثنين رابع عشر ربيع الأول عام ستة وستين وسبعمائة قال: وحدثتني أمي عائشة بنت الفقيه الصالح القاضي أحمد بن الحسن المديوني، وكانت صالحة ألفت مجموعًا في أدعية اختارتها، ولها قوة في تعبير الرؤيا اكتسبتها من كثرة مطالعة كتب الفنن أنه أصابني مرض شديد أشرفت منه على الموت ومن شأنها وأبيها أنهما لا يعيش لهما ولد إلا نادرًا وسموني أبا الفضل أول الأمر فدخل عليها أبوها أحمد المذكور، فلما رأى مرضي وما بلغ بي غضب وقال: ألم أقل لكم لا تسموه أبا الفضل، ما الذي رأيتموه له من الفضل حتى تسموه أبا الفضل، سموه محمدًا، لا أسمع أحدًا ينادله بغيره إلا فعلت به وفعلت يتوعد بالأدب، قالت فسميناك محمدًا ففرج اللَّه عنك -اهـ- ملخصًا. وتوفى، كما قاله القلصادي وزروق والسخاوي وغيرهم، يوم الخميس رابع عشر شعبان عام اثنين وأربعين وثمانمائة ولم يخلف بعده مثله في فنونه في المغرب، وصلى عليه يوم الجمعة بالجامع الأعظم من تلمسان، رحمه اللَّه تعالى، وستأتي ترجمة ولده الكفيف وحفيده ابن ابنته محمد بن مرزوق الخطيب ابن حفصة، إن شاء اللَّه تعالى. فائدة: قال صاحب الترجمة: حضرت مجلس شيخنا العلّامة نخبة الزمان ابن عرفة، رحمه اللَّه، أول مجلس حضرته فقرأ {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} فجرى بيننا مذاكرة رائقة وأبحاث حسنة فائقة منها: أنه قال: قرئ يعشو بالرفع ونقيض بالجزم ووجهها أبو حيان بكلام ما فهمته، وذكر في النسخة خللًا وذكر بعض ذلك الكلام فاهتديت إلى تمامه فقلت: يا سيدي معنى ما

ذكر أن جزم نقيض بمن الموصولة لشبهها بالشرطية لما تضمنتها من معنى الشرط، وإذا كانوا يعاملون الموصول الذي لا يشبه لفظه لفظ الشرط بذلك فما يشبه لفظه لفظ الشرط أولى بتلك المعاملة فوافق، رحمه اللَّه وفرح، كما أن الإنصاف كان طبعه وعند ذلك أنكر على جماعة من أهل المجلس وطالبوني بإثبات معاملة الموصول معاملة الشرط فقلت لهم: نصهم على دخول الفاء في خبر الوصول في نحو الذي يأتيني فله درهم من ذلك، فنازعوني في ذلك، وكنت حديث عهد بحفظ التسهيل فقلت: قال ابن مالك فيما يشبه المسألة: وقد يجزمه متسبب عن صلة الذي تشبيهًا بجواب الشرط وأنشدت من شواهد المسألة قول الشاعر: كذاك الذي يبغي على الناس ظالمًا ... تصبه على رغمٍ عواقب ما صنع فجاء الشاهد موافقًا للحال -اهـ- من اغتنام الفرصة. وقد ذكر الشيخ ابن غازي الحكاية في فهرسته في ترجمة شيخه النبيحي الشهير بالصغير وفيها بعض مخالفة لما تقدم فلنسقه قال: حدثني أنه بلغه عن ابن عرفة أنه كان يدزّس من صلاة الغداة للزوال يقرأ فنونًا يبتدئ بالتفسير وأن الإمام ابن مرزوق أول ما دخل عليه وجده يفسِّر آية {وَمَنْ يَعْشُ} (¬1)، فكان أول ما فتحه أن قال: هل يصح كون من هنا موصولة؟ فقال ابن عرفة: كيف وقد جزمت؟ فقال له تشبيهًا لها بالشرط، فقال ابن عرفة إنما يقدم على هذا بنص من إمام أو شاهد من كلام العرب، فقال: أما النص فقول التسهيل، كذا، وأما الشاهد فقول الشاعر: فلا تحفرن بئرًا تريد بها أخًا ... فإنك فيها أنت من دونه تقع كذاك الذي يبغي على الناس ظالمًا ... تصبه على رغم عواقب ما صنع فقال ابن عرفة: فانت إذًا ابن مرزوق قال نعم فرحب به -اهـ- وهو خلاف ما تقدم، ورأيت في بعض المجاميع زيادة، وهي أن ابن عرفة اشتغل بضيافته لما انفصل المجلس- اهـ. ¬

_ (¬1) سورة الزخرف آية 36.

612 - محمد الرياحي

فائدة أخرى: ذكر الشيخ ابن غازي أن الإمام ابن مرزوق صاحب الترجمة كان يصرف لفظ أبي هريرة وأن الأشياخ الفاسيين بلغهم ذلك فخالفوه فيه قال: وقال لمذهبهم شيخاي النيجي والقدري لوجوه طال بحثي معه فيها ليس هذا موضعه- اهـ. قلت: وللإمام ابن العباس التلمساني فيه تأليف سماه الإنصاف في ذكر ما في لفظ أبي هريرة من الانصراف أجاد فيه. 612 - محمد الرياحي (¬1). أقام بالبرلس من قرى مصر نحو ستين سنة وانتفع به جماعة من أهلها وغيرهم، وكان بارعًا في الفقه والأصلين، أخذ عن ابن مرزوق وغيره ومات بعد الأربعين راجعًا من زيارة بيت المقدس، وكان حسن الخلق، كذا من الضوء اللامع للسخاوي. 613 - محمد بن محمد بن يحيي الأندلسي اللبسي (¬2). بباء موحدة فسين مهملة، أخذ عن ابن حجر ونوه به عند الأشرف حتى ولاه قضاء المالكية وسار سيرة السلف الصالح، ثم حنق على نائبها في بعض الأمور وسافر إلى حلب مظهرًا إرادة السماع على حافظها البرهان، ووصفه في بعض المجاميع بالشيخ الإمام العالم العلامة في الفنون قاضي الجماعة، وقال: إنه إنسان حسن إمام في علوم منها: الفقه والنحو وأصول الدين، مستحضر للعلوم كأنها بين عينيه، ووصف أيضًا بعلامة دهره وخلاصة عصره وعين زمانه وإنسان أوانه، جامع العلوم وفريد كل منثور ومنظوم قاضي القضاة، لا زالت رايات الإسلام به منصورة وأعلام الإيمان به منشورة ووجوه الأحكام الشرعية بحسن نظره محبورة. ولد سنة ست وثمانمائة وتوفي ببرصا من بلاد الروم في أواخر شعبان سنة أربعين وثمانمائة -اهـ- من الضوء اللامع للسخاوي. ¬

_ (¬1) الضوء اللامع 10: 121، التوشيح ص 233. (¬2) انظر الضوء اللامع 5: 26.

614 - محمد أبو عبد الله العكرمي

614 - محمد أبو عبد اللَّه العكرمي (¬1). الفقيه العالم، من أصحاب ابن عرفة، أخذ عنه، وهو شيخ الأستاذ النيجي الصغير، وذكر عن ابن غازي أنه كان يقول: سمعت العكرمي يقول: سمعت ابن عرفة يقول: إن الإمام ابن القاسم ضعيف في الأصول- اهـ. وتوفي سنة اثنين وأربعين وثمانمائة. 615 - محمد بن أحمد بن عثمان بن نعيم بن محمد بن حسن بن غنائم بن مقدم -بكسر الميم- الطائي البساطي (¬2). وبه عرف، قاضي القضاة أبو عبد اللَّه شمس الدين العلامة المالكي، ولد في جمادى الأولى سنة ستين وسبعمائة، كذا قال الحافظ ابن حجر، قال السيوطي: رأيت بخط صاحبنا النجم بن فهد في أواخر المحرم ببساط وانتقل بمصر سنة ثمان وسبعين فاشتغل بها كثيرًا في عدة فنون، وكان نابغة الطلبة في شبيبته واشتهر أمره وبعد صيته وبرع في فنون المعقول والعربية والبيان والأصلين وصنف فيها، وفي الفقه وعاش دهرًا في بؤس بحيث أنه كان ينام على قشر القصب ثم تحرك له الحظ فتولى تدريس المالكية ثم مشيخة تربة الملك الناصر ثم تدريس القرقوقية ثم تدريس الشيخونية وناب في الحكم عن ابن عمه. ثم تولى القضاء بالديار المصرية سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة فأقام فيها عشرين سنة متوالية لم يعزل منه، ورافقه من القضاء خمسة من الشافعية: الجلال البلفيني والولي العراقي وشيخنا العلم البلقيني وابن حجر والهروي، ومن الحنفية: شمس الدين وولده سعد الدين والتفهني والعيني، ومن الحنابلة: ابن معلى والمحب البغدادي والعز المقدسي، وكان سمع الحديث من التقي البغدادي وغيره ولم يعن به-اهـ. ¬

_ (¬1) انظر الضوء اللامع 5: 117، درة الحجال 2/ 287، جذوة الاقتباس ص 239. (¬2) انظر ترجمته في معجم المؤلفين 8: 291، الضوء اللامع 7: 5 - 8 والأعلام 5/ 332، البدر الطالع 2/ 112 - 113 بغية الوعاة 13 - 14، الشذرات 7: 245 - 246، شجرة النور الزكية 241.

ومن تصانيفه المغني في الفقه متن جعله على تصحيح ابن الحاجب وشراحه لم يكمل وقفت منه إلى الحج، وشفاء الغليل في شرح مختصر خليل في سفرين أكثر فيه من الأبحاث اللفظية قليل الفقه على نقص فيه من السلم إلى الحوالة والفرائض وتوضيح المعقول وتخريج المنقول على مختصر ابن الحاجب الفرعي لم يكمله أيضًا، وحاشية على المطول وحاشية على المطالع وحاشية على المواقف، ونكت على الطوالع ومقدمة في علم الكلام. أخذ عنه جماعة من أهل الذهب كالشيخ عبادة وأبي القاسم النويري والكمال ابن الهمام والشيخ الثعالبي والنور السنهوري والقلصادي ومحمد بن إبراهيم ابن فرحون والتقي الشمني ومحيي الدين عبد القادر المكي والشمس السخاوي وغيرهم. قال السخاوي: كان إمامًا علامة عارفًا بفنون المعقول والمنقول، متواضعًا سريع الدمعة رقيق القلب محبًا في الستر والصفح، طارحًا للتكلف، ربما صاد السمك ونام على قشر القصب، تزاحم الأئمة من سائر المذاهب والطوائف في الأخذ عنه. وأول شيوخه نور الدين الجلاوي المغربي لازمه نحو العشرين سنة في الفقه والعقليات وغيرها، ولما مرض أشار عليه أن يقرأ في المعقولات على العز بن جماعة فلازمه، وكذا انتفع في الفقه مع فنون كثيرة بابن خلدون والمعقولات على الشيخ قنبر العجمي وخصه بالاجتماع دون الجماعة الذين خرجوا يوم قدوق الظاهر برقوق فقال: قدموا بنا يا بني الدنيا على بني الآخرة. وأخذ أصول الفقه والعربية على الشمس الرجراجي، والفقه على ابن عم أبيه القاضي سليمان والتاج بهرام وعبيد البشكالي ويعقوب الرجراجي، والفرائض والحساب على ابن الهائم والقراءات على الشيخ نور الدين أخي بهرام، وأخذ المعقول على الشيخ أكمل الدين وسمع البخاري على ابن أبي المجد، وأول تدريس وليه الشيخونية عقب موت تاج الدين بهرام ثم الصالحية

ثم الجالية بعد أن كان يتوقع من صاحبها سوء لكونه أفتى بالمنع من قتل شخص عرض في قتله، وقد نبه على ذلك في شرحه لمختصر خليل في باب الردة، ثم مشيخة الناصرية فرج بن برقوق. ثم استقر في قضاء المالكية في يوم السبت خامس عشر جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة بعد موت الجمال الاقفهسي في آخر الدولة المؤيدة وقدم على قريبه الجمال يوسف البساطي لما ذكر من فاقته وسعة علمه ومعرفته بالفنون، ورغب عن الشيخونية للشهاب ابن تقي واستقر في قضاء المالكية نحو عشرين سنة إلى أن مات بحيث أنه حج سنة ثلاث وثلاثين وجاور بمكة سنة أربع وهو على قضائه. وكان خليفة الشهاب ابن تقي، وهمّ الأشرف بعزله وعين للقضاء الشهاب ابن تقي بسبب كائنة ابن العربي حيث نازع العلاء البخاري في تصريحه بذمه وتكفير من يقول بمقالة ابن عربي، واللَّه أعلم، وبالإنكار على من يقول بالوحدة الطلقة، مع ثوب رفيقه الحافظ ابن حجر موافقًا للعلاء حتى صرّح بأن من أظهر لنا كلامًا يقتضي الكفر لا نقره عليه فقال: إنما ينكر الناس ظاهر الألفاظ التي يقولها وإلا فليس في كلامه ما ينكر بضرِب من التأويل، وأما أنتم فما تعرفون الوحدة الطلقة، فاستشاط العلماء غضبًا وأقسم باللَّه للسلطان إن لم يعزله من القضاء ليخرجن من مصر. ووصل خبر ذلك للسلطان فاستدعى بالقضاة عنده ودار بين الحافظ ابن حجر والبساطي في ذلك كلام فتبرأ من مقالة ابن عربي وكفر من يعتقدها، فصوب ابن حجر قوله وأفتى حيث سأله السلطان ماذا يجب عليه وهل يستحق العزل بأنه يجب عليه شيء بعد اعترافه بهذا؟. قال الحافظ ابن حجر: وعلقت من فؤاده حال سفرنا مع الأشرف في سنة ست وثلاتين ما معناه لأنه سئل بحضرة السلطان الظاهر ططر وهو حينئذ أمير عن قول يعقوب، عليه السلام، لأولاده لما رجعوا من عند يوسف، عليه السلام، وقالوا له: {إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} إلى قوله: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ

أَمْرًا} ما هو الذي سولته أنفسهم لهم مع أنهم لم يكن لهم في القضية تصنع ولا تسبب من أخذ أخيهم منهم؟ بل جهدوا على أن يأخذوا بدله فلم يجابوا إلى ذلك، قال، وكان في المجلس جمع من الفضلاء فكثروا الخبط وما تحصل من جوابهم شيء، قال: فنمت تلك الليلة فرأيت قائلًا يقول: هل تعرف جواب السؤال الذي سئلته؟ فقلت: لا فقال إن يعقوب، عليه السلام، أشار إلى أنهم ما نصحوا في قولهم: جزاؤه من وجد في رحله، لأن شرعهم إنما كان من يسرق يسترق في جناية السرقة ولا بد من تحقيق السرقة، ووجد أن المفقود في رحل الشخص لا يثبت سرقته، فلو قالوا جزاؤه إن سرق أن يؤخذ مثلًا لنصحوا. فال الحافظ ابن حجر: فقلت له: بل الذي يظهر أن يعقوب، عليه السلام، لما عادوا إليه بدون أخيهم تذكر صنيعهِم في يوسف فأشار إلى ما صنعوا بيوسف بقوله: {سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} فإن قصتهم مع يوسف كانت مبدأ زنة وهو الذي تفرع منه جميع ما اتفق له، ويؤيده قوله عقب كلامه "وقال يا أسفي على يوسف" وقوله قبل ذلك {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} وقوله: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} وقوله: {اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} فإن ذلك كله يدل أنه لم يكن لييأس من حياة يوسف، وأشار إلى أنه ظن أنه في الجهة التي فيها أخوه، واللَّه سبحانه أعلم. وظهر في جواب آخر وهو أن متعلق التسويل في هذه القصة غير متعلق التسويل في قصة يوسف، فالذي في قصة يوسف أنهم زينت لهم أنفسهم أن يبعدوه عن أبيه فصنعوا وأظهروا أن الذئب أكله، والذي في قصة أخيه يحتمل أن يكون المراد به الإشارة إلى علمهم بالقرينة وهي وجدان الصاع في رحله فكأنه قال لهم جوابًا لقولهم: إن ابنك سرق لا لم يسرق بل زينت لكم أنفسكم أنه سرق بكون الصاع في رحله ولم يكن في باطن الأمر كذلك، ولم يرد أن أنفسهم زينت لهم إعدامه، كما قي قصة يوسف واللَّه تعالى أعلم- اهـ.

ولصاحب الترجمة جواب عن سؤال الإمام البدر الدماميني عن المحليين من كلام الكشاف أحدهما في قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} الآية، والثاني في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}، وقد ذكرهما معًا مع جوابه عليهما الحافظ السخاوي في ترجمة القاضي محب الدين بن الشحنة، وتركته لتصحيف في النسخة فراجعه. ثم قال السخاوي: ومن تآليفه، فذكر ما تقدم وزاد قائلًا: منها مقدمة على مقاصد الشامل في علم الكلام وآخر في أصول الدين، وفي العربية وكتب على مفردات ابن البيطار، وله شرح قصة الخضر وشرح الدريوية في العربية ورسالة في المفاخرة بين مصر والشام بديعة، وتقريظ على الرد الوافر لابن ناصر حافظ الشام، ونسب ابن تيمية ولمح فيه بالحط على العلاء البخاري وشرح التائية لابن الفارض وغيرهما. وله نظم ونثر من قبيل المقبول، فمن نظمه عقب رجوعه من المجاورة لمكة: ولم أنس ذاك الأنس والقوم هجع ... ونحن ضيوف والقرى تتنوع وعشاق ليلى بين باك وصارخ ... وأحسن مصروع بوصل يمتع وآخر في السر الإلهي متيم ... تغوص به الأمواج حينًا وترفع في أبيات، وكان يضربه القولنج وينقطع لأجله أيامًا ثم يسكن ويفيق فثار به ثم عوفي وحضر سماع الحديث وسلم على السلطان وسرّ بعافيته، ثم في ثالثة حضر عند مجلس بالصالحية وكتب على الفتاوى إلى يوم الخميس ثار عليه الوجع آخر النهار فصرع وغشي عليه، ثم مات ليلة الجمعة ثالث عشر رمضان سنة اثنين وأربعين وصلى عليه الحافظ ابن حجر إمامًا، واستقر بعده في القضاء البدر التنسي وفي القمحية ولداه وفي المشيخة الناصرية فرج أصغرهما، وفي البرقوقية ابن عمار. ورثاه الشهاب ابن أبي مسعود المنوفي بقوله: مات قاضي القضاة يا علم فاهجع ... واطو من بعده بساط البساطي

616 - محمد بن عمر الهواري

وابك شمسًا أغارها القبر وافرش ... للثرى وجنتيك بعد البساطي وحكى الشيخ نور الدين السنهوري أنه كان بعض طلبته يحضر له طعامًا بدرهم، ففي بعض الليالي أحضر له طعامًا فلما أصبح قال للطالب: من أين لك هذا الطعام؟ فإني لما أكلته، وكان لي عادة أن أنظر في شيء من العلوم في الليل، فرأيت قلبي أسود، وكان الطالب فقيه والي القاهرة والطعام المذكور من طعام الجبابرة، وهذا مما يدل على صلاحه -اهـ- كلام السخاوي، رحمه اللَّه تعالى. 616 - محمد بن عمر الهواري (¬1). الشيخ الولي الصالح العارف باللَّه القطب أبو عبد اللَّه، كان كثير السياحة شرقًا وغربًا برًا وبحرًا، أخذ بفاس عن موسى العبدوسي والقباب وببجاية عن شيخه أحمد بن إدريس وعبد الرحمن الوغليسي، وكان يثني على أهل بجاية كثيرًا لمحبتهم الغرباء والفقراء ومحافظاتهم في معاملاتهم على الخلل، وسافر من فاس للشرق للحج فيدخل مصر فلقي بها الحافظ العراقي وغيره وأخذ عنهم وجاور مدة بالحرم الشريف بين مكة والمدينة. ثم سافر للقدس وجال ببلاد الشام، وكان في جامع بني أمية يأوي في سياحته لغيضة ملتفة فتأوى إليه السباع والوحوش العادية، ثم استقر أخيرًا بوهران مثابرًا على العلم والعمل والصدق في الأحوال، وانتفع به جمع، وعند قرب أجله كان أكثر كلامه في مجالسه في التبشير بسعة رحمة اللَّه وعفوه. قال بعضهم: وكان مقطوعًا بولايته، وعنه أخذ الإمام إبراهيم التازي كما تقدم في ترجمته، وهو صاحب التنبيه المتقدم. قال الشيخ أبو عبد اللَّه ابن الأزرق: ووقفت لبعض العصريين أن الشيخ الولي الشهير الهواري نزيل وهران لما ألف السهو الذي عمل عليه ¬

_ (¬1) شجرة النور الزكية ص 254، البستان 228، تعريف الخلف 1/ 170، الضوء اللامع 8/ 272، درة الحجال 2/ 289.

التنبيه أخذه الفقيه أبو زيد عبد الرحمن المعروف بالمقلاشي فوزن فيه أشياء وأعرب فيه أشياء فأتي به الشيخ وقال له: يا سيدي إني أصلحت سهوك فقال له الشيخ: هذا السهو يقال له سهو المقلاش، وأما سهوي فهو أن الفقراء إنما ينظرون فيه إلى المعنى، ومن أين العربية والوزن لمحمد الهواري بل سهوي يبقى على ما هو عليه- اهـ. قال ابن الأزرق: وفي مراعاة هذا المعنى على الجملة أنشد غير واحد: وما ينفع الإعراب إن لم يكن تقى ... وما ضر ذا تقوى لسان معجم - اهـ. وذكر أبو عبد اللَّه الملالي أن شيخه أبا الحسن التالوتي كان كثير المطالعة لكتاب السهو والتنبيه للهواري كل يوم، ورأيت بخطه ما نصه: ضمن مؤلفه، رحمه اللَّه، لكل من قرأ سهوه واعتنى به أن لا يجوع ولا يعري ولا يعطش وأنه ضامنه في الدنيا والآخرة، كذا نص عليه في التنبيه الذي جعله في فضل السهو من سيدي إبراهيم التازي، ورأيناه يختم السهو بالنظر في كل يوم للتبرك غير مرة- اهـ. وذكر أيضًا أن هذا السهو جعله المؤلف للأولاد ولم يتعرض لوزن شعر ولا عربية فإياك والاعتراض، تأمل واقرأ تنتفع، كذا سمعناه من سيدي إبراهيم التازي- اهـ. وقال بعضهم: كان الشيخ آية اللَّه في فنونه ومكاشفاته، ومن كراماته أن بعض العرب ومفسديهم أخذ مال بعض أصحابه فبعث فيه الشيخ إليه، فأخذ رسوله فقيده وحبسه حين أغلظ القول، فبلغ الخبر الشيخ فقام من مجلسه وقد اسود وجهه لشدة غضبه، قال سيدي إبراهيم التازي: فلما دخل خلوته سمعته يقول: مفرطخ مفرطخ يكرره مرارًا، ففي الوقت قام الظالم يلعب بخيله في بعض عرسهم، فلما حرك خيله والناس ينظرون فإذا رجل أبيض الثياب أخذه على فرسه وضربه بالأرض أسرع من طرفة عين فإذا هو ميت بلا روح مفرطخ دخل رأسه في جوفه من شدة ضربه منكسًا فأطلقت أمه رسول الشيخ وقالت

617 - محمد بن أحمد بن علي تقي الدين الفاسي

لولدها الميت: حذرتك دعوة الشيخ وشوكته فأبيت فلا حيلة لي فيك اليوم- اهـ. توفي بوهران سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وقد استوفى كراماته مع صاحب إبراهيم التازي والحسن أبركان وأحمد بن الحسن الغماري الشيخ ابن صعد في روضة النسرين في مناقب الأربعة الصالحين فلينظر منها. 617 - محمد بن أحمد بن علي تقي الدين الفاسي (¬1). سمع بالمدينة من إبراهيم بن فرحون، وأخذ علم الحديث على القرافي وغيره، والفقه على ابن عم أبيه عبد الرحمن بن الخير والتاج بهرام والزين خلف وأبي عبد اللَّه الوانوغي، وأذنوا له في الإفتاء والتدريس، وأخذ أصول الفقه على أبي الفتح بن صدقة والبرهان الأنباسي، وكتب تاريخًا حافلًا سماه شفاء الغرام بأخبار بلد اللَّه الحرام واختصره مرارًا، وعمل العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين في أربع مجلدات، وله ذيل على سير النبلاء وعلى التقييد لابن نقطة وكتاب في الأخريات سود غالبه واختصر حياة الحيوان، وخرّج الأربعن المتباينات والفهرست وكذا خرج لجماعة من شيوخه، وضاع أكثر تصانيفه لاشتراطه أن لا يعار لمكي. ولى قضاء المالكية في شوال سنة سبع وثمانمائة. قال الحافظ ابن حجر: وافقتي في السماع بمصر والشام واليمن وغيرها، وكنت أورده وأعظمه. توفي في شوال سنة اثنين وأربعين وثمانمائة -اهـ- من السخاوي في أهل المائة التاسعة. 618 - محمد بن محمد بن محمد بن أحمد (¬2). قال السيوطي: الشيخ الإمام العلامة شمس الدين أبو ياسر، ولد، كما كتبه بخطه، يوم السبت العشرين من رجب سنة ثمان وستين وسبعمائة، ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في ذيل طبقات الحفاظ ص 291، 377، الضوء اللامع 7: 18 - 19 التيمورية 3: 223. (¬2) الشذرات 7: 254، الضوء اللامع 8/ 232 - 234، هدية العارفين 2/ 194 - 295، درة الحجال 2/ 311.

واشتغل قديمًا ولقي المشايخ وتفقه بابن عرفة، وسمع الحديث من السويداوي والتنوخي والتاج ابن الفصيح وأضرابهم، وكان صاحب فنون حسن المحاضرة محبًا في الصالحين، ولى تدريس المسلمين بمصر سنة ثلاث وثمانمائة فنوزع فيها بأن شرط واقفها أن يكون المدرس في حدود الأربعين فأثبت محضرًا بأن سنه حينئذ خمس وأربعون سنة فيكون مولده على هذا سنة ثمان وخمسن- اهـ. قلت: ولا يبعد أن يكون ما وجد بخطه من أن مولده سنة ثمان وستين سبق قلم أبدل فيه خمسين بستين واللَّه أعلم، ثم قال السيوطي: وله مجاميع كثيرة وشرح التسهيل سماه جلاب الموائد والمغني لابن هشام سماه الكافي الغني ثلاث مجلدات، وألفية الحديث والعمدة، واختصر كثيرًا من المطولات، وحصل له عرق جذام فاستحكم به فمات ليلة السبت رابع عشر ذي الحجة سنة أربع وأربعين وثمانمائة- اهـ. وقال الحافظ السخاوي: الشيخ شمس الدين بن عمار الإمام العلامة في الفقه وأصوله والعربية والتصريف، مشاركًا في كثير من الفنون، ممتع الحاضرة والفوائد، أمارًا بالمعروف كثير الابتهال، قرأ على المجب ابن هشام في النحو واللغة ولازم العز بن جماعة في كثير من الفنون، وأخذ أصول الفقه على ابن خلدون ولقي أبا عبد اللَّه بن عرفة فقرأ عليه قطعة من مختصره الفقهي، وأخذ الفقه أيضًا عن بهرام وعبيد البشكالي وأبن خلدون وغيرهم. سمع أشياء من الحديث يطول ذكرها ووافق الحافظ ابن حجر في كثير من شيوخه في الحديث، وأقام بالاسكندرية وأذن له معظم شيوخه في الإفتاء والإقراء، وأذن له ابن عرفة في إقراء الفقه وغيره، ثم ولى تدريس المالكية بالمسلمية القديم ونوزع فيها بأن شرط واقفها أن يكون المدرس في حدود الأربعين فأثبت أنه زاد عليها، ثم ولى تدريس قبة الصالح عن شيخه ابن خلدون والبرقوقية عوضًا عن البساطي، وناب في القضاء عن شيخه ابن خلدون ثم عن الشمس البساطي، وحج حجة الإسلام، وسمع وهو بعرفة قائلًا لم ير شخصه لا إله إلا اللَّه مات البلقيني فكان كذلك.

وابتدأ بالتصنيف في حياة كثير من شيوخه منها غاية الإلهام في شرح عمدة الأحكام ثلاث مجلدات قرئ عليه وشرح غريبها في جزء لطيف سماه الأحكام في شرح غريب عمدة الأحكام، والتفسير والتقريب في اختصار الترغيب والترهيب للمنذري، والفتح الشافي في تحرير أحاديث الكشاف لم يكمل والغيوث الثجاجة في مختصر ابن ماجه وشرحها سماه الديباجة لتوضيح منتخب ابن ماجه، وعلق على مختصر السنن لأبي داود شرحًا سماه المواهب والمنن في التعريف والأعلام بفوائد السنن، وله أسئلة سماها فتح الباري ومفتاح السعدية في شرح الألفية الحديثية للعراقي، والسعادة والبشرى في التعريف بمولد المصطفى، والمعراج والإسراء بمنتهى المرام في تلخيص مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام للحافظ أبي القتاء، وزوال المانع في جمع الجوامع وغذاء الأرواح في كشف القناع عن عروس الأفراح للبهاء السبكي لم يكمل، والمستغاث بالرسول في شرح مقدمة ابن الحاجب المنطقية لمختصره في الأصول، وجلاب الموائد في شرح تسهيل الفوائد في ثمان مجلدات بيّض منه نحو الثلث الأول فأزيد، واختصر توضيح ابن هشام سماه تنقيح التوضيح وشرحه والملحة والدرة الرحمانية في شرح اليدانية في التصريف لأبي الفضل الميداني، واللطائف الشهبة فيما وقع لابن عبد السلام من اللطائف الفقهية والنحوية، وشرح مختصر ابن الحاجب الفرعي على سبيل الاختصار كتب منه إلى أثناء النكاح وقطعة من آخره، واللباب في تعداد الحساب والنصرة على الدوام في المنع من مقالات العوام في ثلاث مجلدات وبغية الصالحين في تعداد الطواعين، وتطهير الشريعة في قتل ابن صنيعة والفتح الناصح في اجلاس الصالح تكلم فيه على آية أن ولي اللَّه الذي نزل الكتاب واللطف المبرور في لغة الصدور والعناية الإلهية في الخطط المدنية. ولد أذان العصر يوم السبت العاشر من جمادى الأخيرة سنة ثمان وستين وسبعمائة، وتوفي رابع عشر ذي الحجة سنة أربع وأربعين وثمانمائة- اهـ.

619 - محمد بن محمد الأنصاري الزموري نزيل طيبة

619 - محمد بن محمد الأنصاري الزموري نزيل طيبة (¬1). ولد بزمورة من أقصى الغرب وبها نشأ، ثم استوطن المدينة منشدًا قوله: ببابكُمُ حَطَّ الفقيرُ رحَالَهُ ... وما كانَ عبدٌ منكم متوسلًا لقد جاءَ يبغي من نداكُمْ قراءةً ... وللعفوِ والإحسانِ أمَّ مؤملًا ثم رجع اليها منشدًا لغيره: لا كالمدينةِ منزلٌ وكفى بها ... شرفًا حلولُ محمدٍ بفناها حظيتْ ببهجةِ خيرِ من وطئَ الثرى ... وأجلِّهم قدرًا فكيف تراها وكان عالمًا مدرسًا في الفقه والعربية واستفاض بين كثير في المدينة أنه يختم القرآن بين المغرب والعشاء. وممن أخذ عنه الشهاب أحمد بن عقبة القفصي وتأخر إلى بعد الأربعين -اهـ- من الضوء اللامع للسخاوي. 620 - محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللَّه ابن الإمام أبي الفضل التلمساني (¬2). الإمام العالم العلامة الحجة النظار المحقق العارف الادري الرحلة، أحد أقران الإمام ابن مرزوق الحفيد، شهر بابن الإمام، من بيت علم وشهرة وجلالة. قال الحافظ التنسي: شيخنا صدر البلغاء وتاج العارفين وأظروفة الزمان أبو الفضل- اهـ. قال السخاوي: ارتحل في سنة عشر وثمانمائة وأقام بتونس شهرًا ثم قدم القاهرة فحج منها وعاد إليها، ثم سافر في اثني عشر للشام فزار القدس وتزاحم عليه الناس بدمشق حين علموا فضله وأجلوه. ذكره المقريزي في عقوده، وقال: إنه صاحب فنون عقلية ونقلية قل علم إلا ويشارك فيه مشاركة جيدة- اهـ. ¬

_ (¬1) الضوء اللامع 7/ 252، التوشيح ص 205. (¬2) انظر ترجمته في معجم أعلام الجزائر 74 - 75، البستان ص 220، شجرة النور الزكية ص 254، درة الحجال 2/ 289 والضوء اللامع 10/ 74، رحلة القلصادي 108، تعريف الخلف 2/ 332.

وقال أبو العباس الونشريسي: هو شيخ شيوخنا، له قدم راسخ في البيان والتصوف والأدبيات والشعر والطب، وهو أول من أدخل للمغرب شامل بهرام وشرح المختصر له وحواشي التفتازاني على العضد وابن هلال على ابن الحاجب الفرعي وغيرها من الكتب الغريبة، وتوفي عام خمسة وأربعين وثمانمائة- اهـ. وذكره القلصادي في رحلته فقال: حضرت مجلسه وكان فقيهًا إمامًا صدرًا عالمًا بالعقول- اهـ. قلت: وله كلام وأبحاث في التفسير تكلم فيها مع الإمام المقري في مسائله التفسيرية مفيدة كتبتها فِى غير هذا الموضوع مع ما كتبت من فوائده التفسيرية، وأخذ عنه محمد بن مرزوق الكفيف، ووصفه شيخنا الإمام العالم النظار الحجة أبو الفضل ابن الإمام. وممن أخذ عنه بالشرق التقي الشمني شارح المغني وذكر ما نصه: حدثنا شيخنا العلامة أبو الفضل ابن الإمام التلمساني إجازة إن لم يكن سماعًا قال أخبرنا شيخنا القاضي سعيد العقباني قال: اجتمعت بمدينة مراكش بيهودي يشتغل بالعلوم فقال: ما دليلكم على عموم رسالة نبيكم؟ قال قلت قوله: "بعثت للأحمر والأسود" فقال لي: هذا خبر آحاد لا يفيد إلا الظن والمطلوب في المسألة القطع فقلت له قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} فقال: هذا لا يكون حجة إلا على من يقول بصحة تقدم الحال على صاحبها المجرور، وأنا لا أقول بصحته- اهـ. قال الشمني: ويجاب بعد قيام البراهن القاطعة على رسالة نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- كما هو مذكور في الكتب بأن هذا الحديث وإن كان آحادًا في نفسه متواتر معنى لأنه نقل عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الأحاديث الدالة على عموم رسالته ما بلغ القدر المشترك منه التواتر وأفاد القطع وإن كانت تفاصيله آحادًا كجود حاتم وشجاعة علي- اهـ هذا ما قال فتأمله. قلت: والحجة القاطعة في ذلك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} فهو نص قطعي ولعلهم لم يستحضروه، وللَّه الحمد.

621 - محمد بن سعيد الحباك القيجميسي المكناسي أخو أحمد بن سعيد الخطيب المتقدم وشيخه.

621 - محمد بن سعيد الحباك القيجميسي المكناسي أخو أحمد بن سعيد الخطيب المتقدم وشيخه. قال ابن غازي في الروض الهتون (¬1): شيخ شيوخنا الفقيه الصالح الزاهد الرباني الربي أبو عبد اللَّه، كان، واللَّه أعلم، في مقام الجلال لأن الغالب عليه القبض، وكان معاصره أبو محمد بن حمد في مقام الجمال لأن الغالب عليه البسط- اهـ. 622 - محمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز المعروف بالحاج عزوز الصنهاجي المكناسي (¬2). قال ابن غازي: الشيخ الذكي المتفنن الحجة الحاج الرحلة أبو عبد اللَّه جوّد القرآن على الأستاذ ابن جابر وحفظ الحديث والتاريخ ونبغ في الطب، وارتحل للشرق ولقي به جماعة من الأعلام وأخذ عنهم كالإمام الحفيد وغيره، ورجع لبلده مكناسة وانتفع به شيخنا القوري كثيرا وحدثني عنه أنه نزل ببعض الشارقة فقدم له طعامًا عندهم يقال له البازين فلم يصب منه كبير شيء فقال له: ما لك لا تأكل فقال: إنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه كما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فعلم أنه من أهل الحديث فبالغ في إكرامه- اهـ. ثم رحل ثانية فمات هناك فتزوج أيى زوجته رحمة بنت الجنان وهي أمي، وكانت حفظت منه حديثًا كثيرًا من الصحاح، وكانت تحيط بحفظ الأدعية الورادة في الصحاح فحفظت منها كثيرًا في صغري فلم أتعب في حفظها بعد الكبر، وعلّمها كثيرًا من تفسير قصص القرآن وأخباره. وكان جيد القريحة في الشعر، حدثني الشيخ المعمر أبو عبد اللَّه بن الأستاذ ابن جابر قال: خرج مرة ينزههم وغفل عن تلميذه ابن عزوز فلم يدعه فعاتبه في ذلك بقوله: ¬

_ (¬1) الروض الهتون ص 23. (¬2) فهرس ابن غازي ص 66 - 67 - اتحاف اعلام الناس 3/ 597.

623 - محمد بن محمد بن إبراهيم الغرناطي

ليت شعري وذاك ليس بمغني ... ما يرد الفوات حرف التمني أي ذنب قارفته يا عمادي ... فحرمنا من قربكم قرب عدن ومنحنا الأعراض إذ أعرض النا ... س فأعظم بذلك الذنب مني وهب الذنب فيه يعظم هلا ... منكم كان حسن عفو وظن في أبيات. 623 - محمد بن محمد بن إبراهيم الغرناطي (¬1). شهر بالصناع، قال أبو زكرياء السراج في فهرسته: الشيخ الفقيه الخطيب المتخلق أبو عبد اللَّه ابن الفقيه الصالح المتبرك به السالك الناسك أبي عبد اللَّه شهر بالصناع، شيخ خير من أهل الفضل متواضع حسن الظن محب في طريق الصوفية مؤثر لأهلها، أخذ عن الأستاذ أبي محمد ابن سلمون والمحدث أبي عبد اللَّه محمد بن الولي أبي عبد اللَّه الطنجالي وأبي عبد اللَّه الساحلي وأبي الحجاج يوسف الفهري وأبي الحسن بن الحباب والقاضي المفري والخطيب ابن مرزوق التلمسانيين والخطيب اللوشي وغيرهم، وأجازني وولدي- اهـ. قلت: حق هذه الترجمة جعلها بأثر ترجمة الحفار فإنه من تلك الطبقة ووقع هنا في غير موضعه. 624 - محمد بن محمد بن محمد بن حسن الشمني المغربي (¬2). اشتغل بالعلم في بلده ومهر فيه وأخذ عن العراقي وتخرج به وبالبدر الزركشي في الحديث، وتقدم فيه وتصرف ونظم نخبة الفكر وعمل متنًا مستقلًا، ومن نظمه: من يأخذ العلم عن شيخ مشافهة ... يكن من الزيغ والتصحيف في حرم ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الإحاطة في أخبار غرناطة 3: 229. (¬2) انظر ترجمته في معجم المؤلفين 11: 208، الضوء اللامع 9: 74، 75، هدية العارفين 2: 83، إيضاح المكنون 2: 631.

625 - محمد بن أحمد الحفصي

ومن يكن آخذا للعلم عن صحف ... فعلمه عند أهل العلم كالعدم وولد سنة أول ست وستين وسبعمائة -اهـ- من السخاوي. قلت: وهو والد العلامة تقي الدين الشمني الحنفي. 625 - محمد بن أحمد الحفصي (¬1). الأمير ابن السلطان أبي العباس التونسي أخو السلطان أبو فارس صاحب تونس يعرف بالحسين، كان من جلة فقهاء تونس وعلمائها، كان علامة محققًا، أخذ عن ابن عرفة والقاضي أبي مهدي عيسى الغبريني وغيرهما، وله أجوبة مسائل الإمام أبي الحسن بن سمعه الأندلسي المنوعة حين وجهها إلا افريقيا، ذكرها القاضي الوزير أبو يحيى بن عاصم ونقل عنه أبو القاسم ابن ناجي في شرح المدونة، ونقل عنه في المعيار. ولم أقف على تاريخ وفاته. 626 - محمد المسناوي. من معاصري ابن ناجي، نقل عنه في شرح المدونة، ولم أقف له على شيء. 627 - محمد بن أحمد بن النجار (¬2). التلمساني الفقيه العلامة الأصولي أبو عبد اللَّه، أخذ عنه القلصادي وعرف به في رحلته فقال: شيخنا الفقيه الإمام العلامة المتفنن السيد، كانت له مشاركة في العلوم النقلية والعقلية، قرأت عليه أبعاضًا من مختصر الشيخ خليل ومستصفى الغزالي وأصلي ابن الحاجب، وحضرت عليه تفسير القرآن وبعض إرشاد إمام الحرمين ومنهاج البيضاوي والسلالجية وجمل الخونجي وتلخيص المفتاح غير مرة وقواعد القرافي وتنقيحه وبعض الألفية والمرادي والجمل وشيئًا من المدونة، وتوفي عام ستة وأربعين وثمانمائة- اهـ. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 245. (¬2) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 255 معجم أعلام الجزائر 76، البستان 221، رحلة القلصادي ص 102.

628 - محمد أبو عبد الله الشريف التلمساني

628 - محمد أبو عبد اللَّه الشريف التلمساني (¬1). قال القلصادي في رحلته: شيخنا الفقيه الإمام الصدر العلم الحسيب الأصيل السيد الشريف إمام مسجد الخراطين، اختصر شرح التسهيل لأبي حيان، قرأت عليه تلخيص المفتاح وبعض التسهيل لابن مالك ومفتاح الأصول للشريف التلمساني وحضرت عليه الألفية وبعض المرادي عليها وجمل الزجاجي وتنقيح القرافي. توفي عام ستة وأربعين وثمانمائة- اهـ. قلت: وتقدم الشريف حمد التلمساني وهو غير هذا كما تقدم، فهما شخصان واللَّه أعلم. 629 - محمد بن محمد بن سراج (¬2). أبو القاسم الأندلسي الغرناطي مفتيها وقاضي الجماعة بها، الإمام العالم العلامة الحافظ الجليل، حامل راية الفقه والتحصيل علامة بارعًا جليلًا جامعًا للفنون محصلًا قدوة، أخذ عن شيخ الشيوخ ابن لب والأستاذ الحفار والقاضي الحافظ ابن علاق وغيرهم، واشتهر بالعلم والإمامة له تآليف منها: شرحه الكبير على مختصر خليل، أكثر المواق من النقل عنه في شرحه على المختصر، وله فتاوى كثيرة ذكر جملة وافرة منها في المعيار، ارتحل إلى تلمسان ولقي بها الإمام ابن مرزوق وناظره وإلى افريقيا ولقي بها جملة وناظرهم، ثم رجع للأندلس. أخذ عنه جماعة من الأئمة الكبار كالإمام العلامة قاضي الجماعة أبي يحيى بن عاصم الوزير والإمام المفتي أبي عبد اللَّه السرقسطي والإمام إبراهيم بن فتوح والعلامة الراعي وقاضي الجماعة أبي عمرو بن منظور، والعلامة المواق وغيرهم من الأكابر، وتوفي سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، قاله الونشريسي في وفياته. ¬

_ (¬1) ترجمته في البستان ص 222، معجم المؤلفين 9: 138، رحلة القلصادي 99. (¬2) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 248.

630 - محمد أبو عبد الله البياني

630 - محمد أبو عبد اللَّه البياني (¬1). الأستاذ الأندلسي الغرناطي، أخذ عن الإمام أبي إسحاق الشاطبي، وعنه القاضي الوزير أبو يحيى ابن عاصم، ونقل عنه في شرح التحفة. 631 - محمد بن يوسف الصناع. الأندلسي الغرناطي، أحد شيوخ أبي عبد اللَّه المواق، نقل عنه في غير موضع ونقل عنه في المعيار. لم أقف له على ترجمة. 632 - محمد بن سالم بن حسن البطرني (¬2). الزياتي الإمام أبو عبد اللَّه، مات بتونس في ليلة العاشر من رمضان سنة ثمان وأربعين وثمانمائة -اهـ- من السخاوي. قلت: وهو من شيوخ الرصاع، نقل عنه في شرح آيات المغني. 633 - محمد بن أحمد بن زاغوا (¬3). التلمساني الفقيه العالم ابن الإمام العلامة، توفي سنة تسع وأربعين وثمانمائة أثر قدومه من الحجاز، قاله الونشريسي في وفياته. 634 - محمد بن محمد بن إبراهيم بن عقاب (¬4). وبه اشتهر الجذامي التونسي قاضي الجماعة بها وأحد الأئمة الفقيه العالم الحجة المحصل المحقق النافذ الناقد النظار، ذو الفنون الصافية والتحقيقات البارعة، أخذ عن الإمام ابن عرفة وغيره وأجازه سعيد العقباني، كان أحد مدرسي تونس في الفنون. قال السخاوي: كان إمامًا فقيهًا جليلًا رحلة، أخذ عن ابن عرفة وله تلاميذ، مشتهر بالفضل، أخذ عنه القلصادي وغيره- اهـ. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في تاريخ علماء الأندلس 2: 711، ألف سنة من الوفيات 204. (¬2) انظر ترجمته في التوشيح ص 206، درة الحجال 2/ 29. (¬3) انطر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 246، معجم أعلام الجزائر 156 - 157، درة الحجال 2/ 289. (¬4) التوشيح ص 228، الشجرة ص 246، فهرست الرصاع ص 112، رحلة القلصادي ص 118.

قلت: وممن أخذ عنه القاضي محمد بن عمر القلشاني والشيخ الرصاع والشيخ محمد بن محمد بن مرزوق الكفيف. وذكره القلصادي في رحلته فقال: شيخنا وبركتنا أوحد زمانه العديم النظراء في عصره وأوانه، الفقيه المحدث الأستاذ المقري الإمام العلامة القاضي العدل الأرضي أبو عبد اللَّه بن عقاب، كان إمامًا في الفقه والأصلين متوصل الجدل تحصيله وحصوله، علمًا من أعلام العارف ومعلمًا لأعلام الحلل المرضية والمطارف، نفع بما وعى من العلم الأصلي المغرق، وشفع ما استفاده من علماء تونس ما ساد به من النور المشرق فنفع اللَّه به بشرًا كثيرًا، وجعل له في قلوب عباده من القبول حظًا كبيرًا فتولى قضاء الجماعة وأجل المدارس، فحصل له البغية وبه الإفادة. وبرز في ميدان تدريسه بما برز وأحرز من خصال السبق ما أحرز من جلالة القدر وسلامة الصدر وحسن الخلق واعتدال الخلق وسهولة الإشارة وصياغة العبارة للبداوة والحضارة، فقال العباد بحقه وصدقوا أن لا يترشح أحد لسبقه، فازدحموا لإفادته واقتبسوا من علمه ونور مشكاته. ثم تولى أخيرًا إمامة جامع الزيتونة، وكان من أذكياء تلاميذ ابن عرفة له ذهن وقاد وعقل منقاد وهمة عالية ودين متين، كثير الخشوع عند قراءة القرآن، لازمت مجلسه وحضرت عليه في التفسير من سورة الحشر إلى آخر البروج، وبعض مسلم والموطأ وكتبًا شتى من التهذيب والرسالة والجلاب وفرعي ابن الحاجب. وسمعت عليه رواية جميع البخاري غير مرة وشفاء عياض وقرأت عليه أبعاضًا من العمدة والتيسير والشاطبيتين والحوفية والجعدية في الميراث ومختصر ابن عرفة الفقهي والمنطقي والطوالع وجمل الخونجي والحصار، وناولني الجميع وأجازنيه، وحضرت عليه مستصفى الغزالي والمنهاج والأربعين ومختصر الحوفية والبردة والشقراطيسية وأحكام الآمدي وتنقيح القرافي وذخيرته ونهاية الأصول وأبكار الأفكار وبعض نوادر ابن زيد وقواعد عياض وجمع الجوامع وروض الأزهار وأجازني الجميع وكتب لي خطه. ثم بلغني، وأنا بمكة بعد مفارقته، أنه

635 - محمد بن عبد القوي ابن محمد البجائي

توفي يوم الاثنين سابع عشر جمادى الأولى عام أحد وخمسين وثمانمائة، رحمه اللَّه تعالى -اهـ- ملخصًا. 635 - محمد بن عبد القوي ابن محمد البجائي (¬1). عرف بأبيه وتفقه على أبيه والزين عبد الرحمن الفاسي والبساطي أيام مجاورته بها، وبلغني أنه أذن له في الفتيا. ولد سنة إحدى وثمانين وسبعمائة، وتوفي سنة اثنين وخمسين وثمانمائة، صح من السخاوي. 636 - محمد بن عبد الحليم التجيبي أبو عبد اللَّه (¬2). يعرف بالجزائري، الفقيه الكاتب البارع، توفي سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، قاله الونشريسي. 637 - محمد بن أحمد بن محمد بن عطاء اللَّه (¬3). المتقدم أخوه بنحو ثلاث وأربعين ترجمة، أخذ الفقه عن الجمال الاقفهسي والشيخ محمد بن مرزوق الحفيد والشمس البساطي، وأخذ الحديث عن الولي العراقي والحافظ ابن حجر، وكان يذكر أن ابن عرفة أجاز له، وليس ببعيد، استخلفه شيخه البساطي شريكًا للشهاب ابن تقي عند سفره ومجاورته ثم استقل في ذلك بعد وفاة البساطي. ومن نظمه ما ذكر أنه نظمه في منامه أيام طاعون سنة سبع وأربعين وثمانمائة وأوصى أن يدفن معه: إِلهَ الخلقِ قد عَظُمَتْ ذنوبي ... فسامحْ ما لعفِوكَ من مشارِكْ أَغِثْ يا سيدي عبدًا فقيرًا ... أناخَ ببابكَ العالي ودارِكْ قال السخاوي: وله مما يقال على قافيتين مما ابتكره شيخنا: ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في معجم أعلام الجزائر ص 217، معجم المؤلفين 1: 185، الضوء اللامع 8/ 71 - 73، الشذرات 7/ 275. (¬2) انظر ألف سنة من الوفيات ص 253، درة الحجال 2/ 290. (¬3) الضوء اللامع 7/ 90 - 92، التوشيح ص 179 - 180، رفع الاصر ص 242 - 245.

638 - محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل الأندلسي الغرناطي

جَفَوْتُ منْ أهواهُ لا عن قِلَى ... فظلَّ يجفوني يرومُ الكفا ثم وَفَى لي زائرًا بعده ... خطابٌ شهيرٌ من حبيبٍ وفا وكان رئيسًا عالمًا فصيحًا طلقًا مفرط الذكاء جيد التصور سخيًا في إسداء المعروف للطلبة، كثير المداراة مهيبًا. توفى يوم الاثنين ثالث عشر صفر سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، واستقر بعده في القضاء ولي الدين البساطي -اهـ- من السخاوي. 638 - محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل الأندلسي الغرناطي (¬1). شهر بالراعي الفقيه النحوي العالم العلامة أبو عبد اللَّه، أخذ العلم ببلده عن شيوخها الجلة كالإمام المحقق أبي الحسن بن سمعة والإمام القاضي ابن القاسم السراج وغيرهما، ثم ارتحل إلى مصر في حدود خمس وعشرين وثمانمائة فلقي الحافظ ابن حجر وأخذ عنه، قال السيوطي، ولد بغرناطة سنة نيف وثمانين وسبعمائة واشتغل بالفقه والأصول والعربية ومهر فيها، واشتهر بها ودخل القاهرة سنة خمس وعشرين وثمانمائة وحج واستوطنها وأقرأ بها وانتفع به جماعة وأمّ بالمؤيدية، وله نظم وشرح الألفية والآجرومية، حدث عنه ابن فهد ومات سابع عشر رجب سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة- اهـ. قلت: وأخذ عنه البرهان البقاعي، قال السخاوي: وله شرح القواعد ونظم وسط. قلت: ومن تآليفه كتاب انتصار الفقير السالك لمذهب الإمام الكبير مالك في أربعة كراريس حسن في موضوعه، وله النوازل النحوية في عشرة كراريس فيه فوائد حسنة وأبحاث رائقة تكلم معه في بعضها أبو عبد اللَّه ابن الإمام محمد بن العباس التلمساني الآتي. وذكر بعضهم أنه اختصر شرح الإمام ابن مرزوق على خليل من الأقضية لآخره قال: وهو مما يدل على شرف ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الضوء اللامع 9: 203،درة الحجال 2/ 290، بغية الوعاة ص 100، الشذرات 7: 279، هدية العارفين 1/ 198.

639 - محمد بن أحمد بن العافية المعروف بالأجول المكناسي

الشرح المذكور وكونه في الذروة العليا- اهـ. وله شرحان على الآجرومية. 639 - محمد بن أحمد بن العافية المعروف بالأجول المكناسي (¬1). قال في الروض الهتون: شيخ شيوخنا الفقيه الخير الصالح الناصح أبو عبد اللَّه كان عيبة نصح لشيخنا القوري وانتفع به كثيرًا، وله موضوع في المسائل الواقعة في المدونة في غير مواضعها، وكان أبوه أبو العباس أحمد قاضيًا بالمدينة المذكورة فعرضت عليه الخطة بعد أبيه فزهد فيها- اهـ. 640 - محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الفاسي الأصل القسنطيني التونسي (¬2). كان بارعًا في الفقه متقدمًا فيه، صح من الضوء اللامع. 641 - محمد بن إبراهيم بن علي بن فرحون أبو عبد اللَّه. الفقيه العالم مؤلف السائل الملقوطة جمع فيها فروعًا حسنة، أخذ عن الجمال الأقفهسي وأبي عبد اللَّه الوانوغي والشمس البساطي وغيرهم. ولم أقف على وفاته. 642 - محمد بن علي المديوني أبو عبد اللَّه (¬3). شهر بابن آملال الفاسي الفقيه المدرس الأفضل العلم الأجل الأوجه الأكمل، كذا وصفه بعضهم وقال الشيخ أحمد زروق: الشيخ الفقيه الصدر العلم مفتي المسلمين أبو عبد اللَّه عرف بابن آملال، كان متواضعًا حضريًا فقيهًا فهامًا ضخمًا، ولى الفتيا بعد تأخير الشيخ القوري أيامًا ثم مات فعادت إليه، صليت خلفه بمدرسة الحلفاوين أيام ولايته وحضرت جنازته يوم مات ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في أخبار مكناس 3: 579، 580، معجم المؤلفين 8: 272، الروض الهتون ص 25. (¬2) انظر ترجمته في الضوء اللامع 8/ 39، التوشيح ص 208. (¬3) انظر ترجمته في سلوة الأنفاس 3: 86، جذوة الاقتباس ص 240، درة الحجال 2/ 290.

643 - محمد بن إبراهيم الصباغ الأندلسي الغرناطي

سنة ست وخمسين، ومات معه في ذلك اليوم الفقيه الزروالي، وكان لهما مشهد عظيم، وذكروا أنه مات في باب الفتوح رجل بالزحام للجنازة، صح من كناشته. ونقل عنه ابن غازي في غير موضع ووصفه بالإمام المحقق، أخذ عنه الشيخ إبراهيم بن هلال الفيلالي ووصفه في نوازله بالعلم والتحقيق. 643 - محمد بن إبراهيم الصباغ الأندلسي الغرناطي (¬1). نقل عنه الراعي في شرح الألفية. ولم أقف على ترجمته. 644 - محمد بن محمد بن علي بن محمد أبو القاسم النويري، نسبة إلى قرية من قرى صعيد مصر الأدني (¬2). ولد بالميمون بقرب نويرة وقدم القاهرة فحفظ القرآن ومختصر ابن الحاجب الفرعي وألفية ابن مالك والشاطبيتين ولازم البساطي في الفقه وغيره من العلوم العقلية وأذن له في الإفتاء والتدريس، وأخذ العربية والفقه عن الشهاب الصنهاجي، والفقه عن الجمال الأقفهسي وناب في القضاء عن شيخه الشمس البساطي ثم تركه ولم يزل يدأب في التحصيل حتى برع في الفقه والأصلين والنحو والصرف والعروض والقوافي والمنطق والبيان والمعاني والحساب والقراءة وصنف في أكثرها وأكمل شرح المختصر لشيخه البساطي، وذلك من السلم إلى الحوالة في كراريس، وشرح مختصر ابن الحاجب الفرعي سماه بغية الراغب وعلى أصليه أيضًا لكنهما في المسودة، وتنقيح القرافي في مجلد سماه التوضيح على التوضيح وأرجوزة في النحو لطيفة الحجم ومنظومة سماها المقدمات، وفي القراءات الثلاثة الزائدة على السبعة لأبي جعفر ويعقوب وخلف وشرحها ونظم النزهة لابن الهائم في أرجوزة نحو مائتي بيت وشرحها في كراريس. وعمل قصيدة دون ثلاثين بيتًا في علم الفلك وشرحها وشرح طيبة النشر ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في أعلام المغرب 7: 338 التوشيح ص 184 - 185. (¬2) انظر ترجمته في الضوء اللامع 9: 246، التيمورية 3: 308، الكتنجانة 4: 276 الأعلام 7: 47، الشذرات 7/ 292، التوشيح ص 221 - 222، شجرة النور الزكية 243، درة الحجال 2/ 290.

645 - محمد بن إبراهيم الشران الأندلسي الغرناطي

في القراءات العشر لشيخه ابن الجزري في مجلدين، والقول الحاذ لمن قرأ بالشاذ وكراسة تكلم فيها على قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ}، وأخرى فيها أجوبة على اشكالات معقولية وأخرى من نظمه فيها أشياء فقهية، ومن نظمه: وأفضل خلق اللَّه بعد نبينا ... عتيق ففاروق فعثمان مع علي وسعد سعيد وابن عوف وطلحة ... عبيدة منهم والزبير فتم لي ولد في رجب سنة إحدى وثمانمائة وتوفي بمكة رابع جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثمانمائة. 645 - محمد بن إبراهيم الشران الأندلسي الغرناطي (¬1). وصفه بعضهم بالشيخ الفقيه الرئيس الصدر العلامة العماد الذخر العلم الأرفع الأوحد الأمجد، الذي لا يجارى في الإنشاء والاختراع كلامًا جزلًا وقولًا فصلًا، رئيس كتبة الحضرة العلية أبو عبد اللَّه ابن الشيخ الفاضل الماجد الأرفع الأعز الأوجه أبي إسحاق، كان حيًا سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، له منظومة حسنة في الفرائض، وقفت عليها، وشرحها القلصادي، كما تقدم في ترجمته، ومن نظمه: دوامُ حالٍ من قضايا المحالْ ... واللُّطْفُ موجودٌ على كلِّ حالْ والنصرُ بالصَّبرِ مُحَلِّي الظُّبَا ... والجدُّ بالجدِّ مُريش النبالْ وعادةُ الأيامِ معهودةٌ ... حربٌ وسلمٌ والليالي سِجالْ وما على الدَّهْرِ انتقادٌ على ... حالٍ فإنَّ الحالَ ذاتُ انتقالْ مَنْ لِلَّيالي بائتلافِ وَكَمْ ... من اعتبارٍ في اختلافِ اللَّيالْ أخذٌ عطاءٌ محنةٌ منحةٌ ... تفرقٌ جمعٌ جَلالٌ جَمَالْ حُلَى انتظام وانتثارٍ معًا ... كأَنما هذي الليالي لآلْ وهل سَنَا الصُّبْحِ وجنحُ الدُّجا ... لِخَلْقِهِ الأضدادَ إلَّا مِثَالْ ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 248.

الظُلَمُ الحُلْكُ علي نُورِهَا (¬1) ... تدلُّ والعسرُ بيسرٍ بُدالْ والسيفُ قد يصدأْ في غمدِهِ ... ثم يُجِليِّ صفحتيه الصقالْ والشمسُ بعدَ الغيمِ تُجْلَى كَمَا ... للغيثِ بعدَ القنوطِ انهمالْ والفرجُ الموهوبُ تجري بِهِ ... لطائفُ لم تجرِ يومًا ببالْ فصابِرِ الدَّهرَ بحاليهِ مِنْ ... حُلُوٍ ومُرٍّ واعتَدَا واعتدالْ فما لَهُ صَبْرٌ على حالةٍ ... وإنَّما الصبرُ حُليُّ الرِّجالْ ولا يضقْ صدرُكَ من أزمةٍ ... ضاقتْ فصنعُ اللَّه رحبُ المجالْ وله أيضًا: لما اختفت شمسك عن ناظري ... أرسلت منه مطر الدمع وأقبلت ظلمة ليل النوى ... فما ترى في رخصة الجمع حكاية: ذكر أنه لما صرف الفقيه أبو الفضل ابن جماعة عن رياسة الكتابة بغرناطة إلى قضاء الجماعة بها وولي مكانه صاحب الترجمة أبو عبد اللَّه الشران لقي بعض رؤساء الدولة ابن جماعة يومًا فقال له: إن السر الذي عهدناه في الحضرة غاب عنها بغيبتك فقال له: وكيف لا وقد تركتم الفضل المجموع وأخذتم الشر المكرر، ثم إن ابن جماعة كان عنده أعذار فدعا أعيان البلد ولم يدع الشران فكتب إليه الشران: ماذا أعدَّ المجد مِن أعذارهِ ... في ترك دعوتنا الى إعذاره إنْ كانَ رسم دون محضرنا اكتفى ... لا بد أن يبقى على أَعذاره قال الحافظ التنسي بعد نقله ما تقدم: والشران المذكور ممن له باع مديد في الشعر وتصرف حسن- اهـ. ¬

_ (¬1) الكفاية د: ضوئها.

646 - محمد بن محمد بن يحيى، عرف بابن المخلطة

646 - محمد بن محمد بن يحيى، عرف بابن المخلطة (¬1) بكسر اللام، كما ضبطه ابن فرحون، والمحفوظ الفتح، اشتغل بالفقه على أئمة عصره كالجمال الأقفهسي والبساطي ومن هو أقدم منهما، وناب في القضاء قديمًا وتصدر لذلك وراج أمره فيه لمعرفة الأحكام واستحضاره لفروع مذهبه، وكان مقدامًا بحيث يندب لأمور ذوي الوجاهات، واستقر في تدريس الفقه بالأشرقية على الزين عبادة وذكر للقضاء الأكبر. ولد، تقريبًا، سنة تسعين وسبعمائة وتوفي في ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وثمانمائة، صح من السخاوي. 647 - محمد بن سعيد بن محمد الزموري (¬2). عرف بابن سارة، تفقه بعالم بلده القاسم بن إبراهيم وأخيه محمد، وقدم تونس في رجب سنة إحدى وعشرين وثمانمائة ثم قدم مكة في موسمها، وكان كثير التلاوة صلبًا في دينه لا يعرف الهزل فضلًا عن الكذب. ووصفه ابن عرفة بشيخنا وفقيهنا، توفي في صفر سنة ستين وثمانمائة. 648 - محمد بن محمد التميمي المعقلي (¬3). قال ابن سلامة البسكري: شيخنا الإمام العلامة الحافظ المحقق، أخذ عن الإمام إمام المغرب محمد بن مرزوق وحدثني عنه أنه أراد ركوب البحر من تونس في مركب فأخذ الفال في المصحف فوقع له {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ} فترك الركوب في ذلك الوقت فغرق ذلك المركب، ثم إنه أتي مركب آخر فأراد الركوب فأخذ المصحف ونظر فوقع له قوله: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} الآية، فركب، رحمه اللَّه، ولقي السلامة. قال البسكري: في هذا دليل جواز أخذ الفال من المصحف مع أنه مكروه فهو كرامة في حق الشيخ، رحمه اللَّه تعالى- اهـ. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 256، الضوء اللامع 10/ 27، التوشيح ص 225 - 226، درة الحجال 2/ 291. (¬2) انظر ترجمته في الضوء اللامع 7: 252، التوشيح ص 205. (¬3) انظر وجه الابتهاج 153.

649 - محمد بن محمد بن عبد اللطيف الأموي المحلي شهر بالسنباطي

قلت: بل ذلك يدل على جوازه عنده اذ مثله لا يقدم على ما هو مكروه لجلالته علمًا ودينًا، على أن الشيخ أبا الحسن الزرويلي حكى في التقييد عن الطرطوشي أن أخذه الفال من المصحف من الاستقسام بالأزلام وأقره، وأظنه في آخر كتاب الصيد والضحايا فانظره. 649 - محمد بن محمد بن عبد اللطيف الأموي المحلي شهر بالسنباطي (¬1). بسين مهملة ثم نون ثم باء موحدة، نسبة لقرية من قرى مصر، الشيخ ولي الدين، قال السخاوي: وأخذ الفقه عن الأقفهسي والبساطي وغيرهما وسمع الحديث على العلاء ابن المجد والحافظ ابن حجر وأذن له الأقفهسي في التدريس والإفتاء بما يراه مسطورًا لأهل المذهب في سنة تسع عشرة وثمانمائة، وناب بالقاهرة عن الشمس المدني وعين للقضاء بالقاهرة وتولاه بعد البدر التنسي في تاسع صفر سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، والتمس منه البقاعي الحكم بصحة التزام مطلقة أنه كلما تحركت لطلب ولده المرضع منه أو التمست نظره عليها كان عليها خمسمائة دينار ونحو ذلك، فصمم على الامتناع وكان إنسانًا حسنًا متواضعًا لين الجانب مترددًا ثبتًا في الأحكام وفي أمر الدماء، وله نظم حسن فمنه أول قصيدة حين حج: يا هجرة المختار خير الورى ... محمد الهادي سواء السبيل لعل قبل الوت أني أرى ... ضريحك السامي وأشفى الغليل توفي يوم الخميس في رجب سنة إحدى وستين وثمانمائة واستقر بعده في القضاء الحسام بن حريز -اهـ- من الضوء اللامع. 650 - محمد بن سعيد التونسي (¬2). يعرف بالغافقي من نظراء أبي القاسم القسنطيني، ترافقًا في الأخذ عن يعقوب الزغبي وغيره ممن تقدم في الفقه، ودرس وأفتى وانتفع الناس به، مات بعد الستين، صح من السخاوي. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الضوء اللامع 9: 113 - 114، التوشيح ص 223 - 224. (¬2) انظر ترجمته في الضوء اللامع 7: 253، التوشيح ص 205 - 206.

651 - محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد

651 - محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد (¬1) مكرر خمس مرات ابن عاصم القيسي الغرناطي الأندلسي قاضي الجماعة بها، أبو يحيى العلامة الحافظ النظار الوزير الجليل الرئيس المعظم الكاتب الخطيب البليغ الشاعر الفصيح الجامع الكامل، ذكر أنه تولى اثنتي عشر خطة في وقت واحد من القضاء والوزارة والكتابة والخطابة والإمامة وغيرها، مع إمامته وتقدمه في العلوم والفنون وتضلعه بالحفظ والتحقيق، من أكابر علمائها الجلة أخذ عن الإمام المحقق أبي الحسن بن سمعت والإمام القاضي ابن سراج والمحدث الراوية المنتوري وأبي عبد اللَّه البياني والشريف أبي جعفر ابن أبي القاسم السبتي وغيرهم، وذكر في شرحه على تحفة والده في الأحكام أنه تولى القضاء عام ثمان وثلاثين وثمانمائة. وله تآليف منها شرحه الحسن على تحفة الحكام لوالده القاضي أبي بكر بن عاصم في الأحكام وفيه فقه متين وتصرف عجيب ونقل صحيح، وله الروض الأريض في ذيل الإحاطة لابن الخطيب في أسفار، وجنة الرضى في التسليم لما قدّر اللَّه وقضى، وتآليف وتعاليق في مسائل، ووقع بينه وبين عصريه الإمام المفتي الصالح أبي عبد اللَّه السرقسطي نزاع في مسائل ومراجعات مع التزام كل منهما حسن الأدب مع صاحبه شأن سادات العلماء، نقل عنه في المعيار في مواضع، توفي، على ما قيل، ذبيحًا من جهة السلطان ولم أقف على وفاته. 652 - محمد بن قاسم الأنصاري (¬2). أبو عبد اللَّه التلمساني، ويعرف بالمري قال الونشريسي في وفياته: شيخنا ومقيدنا المقدم توفي بعد عيد الأضحى سنة أربع وستين وثمانمائة. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في إيضاح المكنون 1: 369، وهدية العارفين 2: 199، شجرة النور الزكية 248. (¬2) ترجمته في أعلام الجزائر ص 80، درة الحجال 2: 293، ألف سنة من الوفيات ص 258.

653 - محمد بن سليمان بن داود الجزولي

653 - محمد بن سليمان بن داود الجزولي (¬1). أبو عبد اللَّه، ولد بجزولة واشتغل بها ستة عشر عامًا في الفقه والعربية والحساب على أبي العباس الحلقاني وأخيه عبد العزيز وقاضيها وآخرين، ولقي بتونس حين دخلها أبا القاسم البرزلي، وغيره بالقاهرة في أواخر سنة أربعين البساطي ودخل مكة في سنة إحدى وأربعين ثم سار منها إلى المدينة ثم عاد إلى مكة وتصدر للتدريس مع الإفتاء، وكان بارعًا في الفقه والأصلين، متقدمًا في العربية، ولد سنة ستين وثمانمائة، وتوفي في يوم الأحد ثاني عشر ربيع الأخير سنة ثلاث وستين وثمانمائة -اهـ- من الضوء اللامع. وليس هذا صاحب دليل الخيرات وإن توافقا اسمًا واسم أب ونسبًا وزمانًا، وسيأتي هو قريبًا. 654 - محمد بن أبي القاسم بن محمد بن عبد الصمد المشذالي (¬2). وبه عرف، البجائي علامتها وفقيهها وإمامها وخطيبها ومفتيها وصالحها ومحققها الفقيه العلامة المحقق النظار الورع الزاهد البركة، شهر بالمشذالي، بفتح الميم المعرفة وشد الذال، نسبة لقبيلة من زواوة أخذ عن أبيه بل ترقى معه في بعض شيوخه وكان إمامًا كبيرًا مقدمًا على أهل عصره في الفقه وغيره، ذو وجاهة عند صاحب تونس كمل تعليقة الوانوغي على البراذعي واستدرك ما صرح فيه ابن عرفة في مختصره بعدم وجوده، وتتبع ما في البيان والتحصيل بغير مظانه وحوله لها وحادى به ابن الحاجب، وخطب بالجامع الأعظم ببجاية وتصدر فيه وفي غيره بالتدريس وتخرج به ابناه وأئمة، وكان يضرب به المثل حتى يقال: أتريد أن تكون مثل أبي عبد اللَّه المشذالي. رأيت من أرخه سنة بضع وستين وثمانمائة -اهـ- من السخاوي، يعني أرخ وفاته. قلت: وفي وفيات الونشريسي ما نصه: وفي سنة ست وستين وثمانمائة ¬

_ (¬1) الضوء اللامع 7/ 258، التوشيح 206، هدية العارفين 1/ 204، درة الحجال 2/ 292. (¬2) انظر ترجمته في درة الحجال 2/ 294، تعريف الخلف 1: 105، شجرة النور الزكية ص 263، الضوء اللامع 8/ 290، التوشيح 174.

655 - محمد بن محمد بن محمد الأنصاري السرقسطي

توفي ببجاية مفتيها وخطيب جامعها الأعظم أبو عبد اللَّه المشذالي -اهـ- واللَّه أعلم. وأما تآليفه فمنها: تكملة حاشية أبي مهدي عيسى الوانوغي على المدونة في غاية الحسن والتحقيق تدل على إمامته في العلوم في مجلد ذكر في آخره أنه فرغ منه عام ستة وثلاثين، وهي مراد السخاوي بقوله: كمل تعليقة الخ، ومنها مختصر البيان لابن رشد رتبه على مسائل ابن الحاجب وجعله شرحًا له أسقط التكرار منه ورد كل مسألة إلى موضعها من الإحالات فجاءت في غاية الاتقان والتيسير وترك من مسائله ما لا تعلق له أصلًا بكلام ابن الحاجب ولا يقرب إليه بوجه فجاء في أربعة أسفار في مقدار تسعين كراسًا، وقفت عليها ما عدا الثاني منها، فلله الحمد، وإياه أراد السخاوي بقوله: تتبع ما في البيان الخ. ومنها اختصار أبحاث ابن عرفة في مختصره المتعلقة بكلام ابن شاس وابن الحاجب وشرحه مع زيادة شيء يسير في بعض المواضع مما لم يطلع عليه ابن عرفة، وهو الذي أراد السخاوي بقوله: واستدرك ما صرح به ابن عرفة الخ، وهو في مجلد نحو سبعة عشر كراسًا من القالب الكبير، وأخذ عنه جماعة من الأئمة كالإمام أبي الربيع المسناوي وأبي مهدي عيسى بن الشاط والعالم محمد بن مرزوق الكفيف وولديه الآتيين قريبًا وغيرهم. وله فتاوى نقلها في المازونية والمعيار. 655 - محمد بن محمد بن محمد الأنصاري السرقسطي (¬1). الغرناطي عالمها ومفتيها وصالحها الإمام، شهر بالسرقسطي الفقيه العالم الزاهد الصالح العمدة، أخذ عن أبي القاسم بن سراج وغيره واشتهر علمه وصلاحه، تولى الفتيا بغرناطة وأخذ عنه جماعة كالقاضي أبي عبد اللَّه ابن الأزرق وأبي الحسن القلصادي وغيرهما ونقل عنه المواق في مواضع من كتابه سنن المهتدين، قال القلصادي في رحلته: كان من أحفظ الناس لمذهب ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 260، رحلة القلصادي 164 - 166، النفح 2/ 699، التوشيح ص 269.

656 - محمد بن محمد بن عيسى العقوي الزلديوي التونسي

مالك، رحمه اللَّه تعالى، ولا كلفة عليه في كتب الفتيا، كان فصيحًا في كتبه وجيز العبارة، له مشاركة في علوم الشريعة واعتكافه على قراءة المذهب، لازمته بغرناطة وحضرت عليه كتبًا متعددة، منها: كتاب مسلم إلّا بعضه والموطأ والتهذيب غير مرة والجلاب والتلقن والرسالة وابن الحاجب الفرعي وخليل وبعض مقدمات ابن رشد والمدونة وقرأت عليه التهذيب من أوله إلى أثناء البيوع وبعض مختصر خليل والشافل. توفى، رحمه اللَّه تعالى، يوم الثلاثاء سابع رمضان عام خمس وستين وثمانمائة وتأسف الناس لفقده وحضر جنازته السلطان فمن دونه، مولده كما وجدته بخط والده ليلة الثلاثاء بين العشاءين لخمس وعشرين مضين من ربيع الأخير عام أربعة وثمانين وسبعمائة، ورثاه الأديب العارف الماهر اللغوي الشيخ أبو عبد اللَّه بن الجبير اليحصبي بقوله: بكتك رسوم الدين يا واحد (¬1) العليا ... ونورك لما غاب أظلمت الدنيا لئن صدع الإسلام فيك فطالما ... صدعت بأحكام الشريعة والفتيا على نعشك انثالت نفوس أولي النهي ... وقد زهدوا في العيش بعدك والبقيا وقد بسطوا أيدي الدعاء بقولهم ... مناجن رب العزة الواحد الحيا على السرقسطي الرضا منك ورحمة ... تعود على مثواه بالغيث والسقيا -اهـ- ملخصًا، واللَّه أعلم. وعمره، على ما قال، احدى وثمانون سنة وأربعة أشهر واثنا عشر يومًا. 656 - محمد بن محمد بن عيسى العقوي الزلديوي التونسي (¬2). من أصحاب ابن عرفة، قال الشيخ زروق في كناشته: هو شيخ تونس في وقته وقاضي الأنكحة بها. وقال السخاوي: كان عالمًا ولى قضاء الأنكحة وانتفع به الفضلاء كأحمد بن يونس، وقال: إنه أخذ عنه العربية والأصلين والبيان والمنطق والطب والحديث وغيرها من الفنون العقلية والنقلية، وله ¬

_ (¬1) في رحلة القلصادي: يا أوحد. (¬2) انظر ترجمته في الضوء اللامع 9: 179، 180، إيضاح المكنون 1: 305، معجم المؤلفين 11: 255.

657 - محمد الواصلي التونسي

تصانيف عدة في فنون منها تفسير القرآن وشرح على المختصر، وعمّر حتى زاد على المائة. مات بتونس في سنة اثنين وثمانين وثمانمائة- اهـ. قال ابن الأزرق: كتب إلي بالإجازة العامة من تونس أوائل شوال عام أحد وسبعين وتوفي عام أربعة وسبعين فيما بلغنا- اهـ. وله فتاوى مذكورة في المازونية والمعيار. 657 - محمد الواصلي التونسي (¬1). قال القلصادي في رحلته: كان فقيهًا إمامًا صدرًا علمًا، حضرت عنده في القراءة عام أربعة وخمسين وثمانمائة- اهـ. وقال زروق في كناشته: كان الفقيه أبو عبد اللَّه الواصلي ذا دين وعلم وصيانة- اهـ. 658 - محمد بن محمد بن أبي القاسم المشذالي (¬2). البجائي العلامة أبو الفضل ابن العلامة أبي عبد اللَّه، قال السيوطي: هو أحد أذكياء العالم اشتغل بالمغرب وقدم في حياة والده وأقرأ بمصر وغيرها وأبان عن تفنن في العلوم فقهًا وأصولًا وكلامًا ونحوًا وغير ذلك، وأخذ عنه طلبة العصر، ومات بحلب سنة نيف وستين وثمانمائة- اهـ.؟ وقال غيره: أبو الفضل المشذالي ولد العلامة أبي عبد اللَّه، حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين ونصف. ورحل في سنة أربعين وثمانمائة إلى تلمسان فبحث على الحفيد الإمام ابن مرزوق العالم الشهير وأبي القاسم العقباني وأبي الفضل ابن الإمام وأبي العباس ابن زاغو وأبي عبد اللَّه محمد النجار، وقال البقاعي في الفنون حدث عن ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الضوء اللامع 10/ 65 - 66، فهرست الرصاع ص 188، رحلة القلصادي 160. (¬2) انظر ترجمته في هدية العارفين 2: 202، معجم المؤلفين 11: 259 التوشيح ص 219، الضوء اللامع 9/ 180، نظم العقيان 1/ 160، تاريخ الجزائر العام 2/ 271، شجرة النور الزكية 263، رحلة القلصادي 127.

659 - محمد بن محمد بن أبي القاسم

العلامة ابن مرزوق وقاسم العاقباني وابن الإمام وغيرهم من فضلاء المغاربة، وقال ابن مرزوق: ما عرفت العلم حتى قدم على هذا الشاب فقيل له: كيف؟ قال: لأني كنت أقول فيسلم لي كلامي فلما جاء هذا الفتى شرع بغاز فشرعت أتحرز؟ وانفتحت لي أبواب المعارف. وقال السخاوي: ولد ليلة نصف رجب سنة إحدى وعشرين وثمانمائة. قال السيوطي في أعيان الأعيان: هو محمد بن محمد بن أبي القاسم المشذالي الإمام العلامة نادر الزمان أبو الفضل المغربي ابن الشيخ العلامة الصالح أبي عبد اللَّه الشهير في الغرب بابن أبي القاسم، ولد بعد عشرين وثمانمائة، واشتغل في الفنون على والده ومشايخ بلده في أنواع العلوم العقلية والنقلية واتسعت معارفه وبرز على أقرانه بل على مشايخه وشاع ذكره وملأ الأسماع وصار كلمة إجماع، كان أعجوبة الزمان قي الحافظ والذكاء والفهم وتوقد الذهن، شرح جمل الخونجي ومات سنة خمس وستين وثمانمائة- اهـ. وقال القلصادى في رحلته: وقع اجتماعنا في مصر بصاحبنا الفقيه الإمام الفذ في وقته ذي العلوم الفائقة والمعاني الرائقة أبي الفضل المشذالي لم أر مثله في تحصيل العلوم وتحقيقها، أخذ في كل علم بأوفر نصيب وضارب فيه بسهم مصيب، وتذكرنا أزمانًا مضت لنا بتلمسان فيا لها من ليال وأيام مع سادات أعلام: أَحاديثُ أَحْلَى في النُّفوسِ مِنَ المنى ... وأَلطفُ من مَرِّ النسيمِ إذا سَرَى - اهـ. 659 - محمد بن محمد بن أبي القاسم (¬1). أخو الذي قبله وشقيقه، قال ابن حزم: كان فقيهًا توفي في محرم عام تسعة وخمسين وثمانمائة -اهـ- من السخاوي في تاريخ أهل المائة التاسعة- اهـ. فعلى هذا وما تقدم يكون مات هو وأخوه معًا قبل أبيهما، واللَّه أعلم. ¬

_ (¬1) ترجمته في أعلام الجزائر ص 302، الضوء اللامع 9: 188، شجرة النور الزكية ص 263.

660 - محمد بن يحمد بن يحيى التلمساني شهر بالحباك

660 - محمد بن يحمد بن يحيى التلمساني شهر بالحباك (¬1) الشيخ الفقيه العالم العلامة الأجل الصالح العدل الفرضي العددي، أحد شيوخ الإمام السنوسي، قرأ عليه، على ما قاله تلميذه الملالي، كثيرًا من الاسطرلاب وشرح أرجوزته فيه السماة بغية الطلاب في علم الاسطرلاب، ونقل عنه فيه أشياء من فوائد هذا العلم، وله أيضًا شرح تلخيص ابن البنا ونظم رسالة الصفار في الاسطرلاب، وفي وفيات الونشريسي توفي الفقيه الفرضي العددي أبو عبد اللَّه الحباك شارح تلخيص ابن البنا ورجز التلمساني في سنة سبع وستين وثمانمائة- اهـ. 661 - محمد بن الحسن بن مخلوف الرائد (¬2). شهر بأبركان أبو عبد اللَّه، وصفه الشريف محمد بن علي التلمساني شارح الشفا بالعلم الحافظ أبي عبد اللَّه ابن الشيخ الشهير بالولاية والزهد والعلم- اهـ. وله تآليف منها: ثلاثة شروح على الشفا أكبرها في مجلدين سماه الغنية ذكرها التلمساني المذكور في طالعة شرحه، وله أيضًا تعليق رجال ابن الحاجب وغيرها. قال الونشريسي في وفياته: توفي المحدث الحافظ أبو عبد اللَّه بن الحسن بن مخلوف سنة ثمان وستين وثمانمائة- اهـ. 662 - محمد بن أحمد بن عمر بن شرف (¬3). عرف بالقرافي العلامة شمس الدين سبط العارف باللَّه أبي جمرة، قال السخاوي: ولد في العشر الأخيرة من رمضان سنة إحدى وثمانمائة وحفظ القرآن وصلى به عشرًا والعمدة والرسالة والشاطبية وألفيتي العراقي وابن مالك والمنحة والحاجبية وغالب التسهيل. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في البستان 219، أخبار مكناس 3/ 594، ألف سنة من الوفيات ص 260. (¬2) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 626، درة الحجال 2: 295، البستان ص 220، هدية العارفين 2: 89، كشف الظنون ص 1035. (¬3) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 256، الضوء اللامع 7/ 27.

أخذ النحو عن والده وناصر الدين البارنباري وغيرهما، والفقه عن الجمال الأقفهسي والشمس الدفزي وأصوله عن الجد البرماوي والصنهاجي والفرائض والحساب ومصطلح الحديث عن ابن حجر ولازم البساطي كثيرًا وانتفع به في الفقه والنحو والأصلين والمعاني وسمع عليه غالب شرحه لمختصر الشيخ خليل، وجود الخط على ابن الصائغ وسمع الحديث على غير واحد كالشرف ابن الكويك والجمال ابن الحلي وابن فضل اللَّه والشموس الشامي وابن البيطار وابن الجزري والزين والزركشي والولي العراقى. ودخل الاسكندرية مرارًا وحج مرتين وجاور سنة ست وثلاثين ودخل دمشق فسمع بها على ابن ناصر الدين وبيت المقدس ودخل دمياط. وبرع في الفقه وأصوله والعربية وغيرها وفاق الناس في التدقيق بحيث كان يملي في وقت واحد على اثنين من مسطورين مختلفين بل على ثلاثة ولا يجف قلم واحد منهم، فيما بلغني- اهـ. قلت: وأعظم من هذا ما ذكر عن لسان الدين بن الحطيب السلماني صاحب تاريخ غرناطة أنه كان يملي في وقت واحد على سبعة أنفس من إنشائه بأمور مختلفة ولا يجف لواحد منهم قلم، وهذا غاية ما يكون من البراعة يكاد أن لا يقبله العقل، أخبرني به بعض أصحابنا بمراكش، واللَّه أعلم بصحته. قال السخاوي: كان صاحب الترجمة يتوقد ذكاء مع الخط البديع والعبارة الرائعة قل أن تجتمع محاسنه في غيره حسنة من حسنات الدهر، ناب عن شيخه البساطي بعد سنة خمس وثلاثين فحمدت سيرته وصار بالمحل الجليل عند الأكابر مع بذل الجهد في انفاذ الأحكام، وكان قاضي الذهب ودرّس بالقمحية عقب البساطي والبرقوقية عقب أبي الجود وتصدر بجامع عمرو وصار الاعتماد في الفتاوى عليه لمزيد اتقانه واختصاره وتحريره وحسن إدراكه لمقاصد السائلين، وحدث وعظمت رغبته في السماع والإسماع. توفي بعد مرضه بالريق والسعال وحبس الإراقة وضيق النفس ليلة الاثنين رابع عشر ذي الحجة، سنة سبع وستين وثمانمائة- اهـ.

663 - محمد بن مبارك القسنطيني

وقال البقاعي في العنوان: صلى عليه العلم صالح البلقيني ودفن بالقرافة بقرب تربة جده وتأسف عليه الناس، وهو جدير بذلك فإنه لم يخلف في مالكية مصر مثله- اهـ. قال حفيده البدر القرافي العصري: كتب على الثلث من مختصر خليل إلى قوله في أول النكاح، وشرحًا لطيفًا على الجرومية سماه الدرر المضيئة، وأخبرني والدي أن له كراسة في مسألة أحداث الكنائس- اهـ. 663 - محمد بن مبارك القسنطيني (¬1). نزيل المدينة المشرفة استوطنها مدة، تقدم في العلوم حتى أقرأ في الفقه والعربية، مات سنة ثمان وستين وثمانمائة -اهـ- من السخاوي. 664 - محمد بن سليمان الجزولي (¬2). الشيخ العالم العارف الولي الصالح القطب، كان فقيهًا ألف في التصوف، وله كتاب دلائل الخيرات في الصلاة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عمت بركته الأرض، قال بعضهم في وصفه: نخبة الدهر ووحيد العصر محي الطريقة بالغرب بعد درسها وشمس الحقيقة عند طمسها. وكان ببلاده وقت قتال انفصل فيه الصفان عن قتيل تَبَرأَ كلُّ من قتله ولم يحضره هو فأراد إصلاحهم فقال لهم: أنا قتلته، وعادتهم إخراج القاتل من بينهم فيصطلحوا فخرج لطنجة فلقي بها صدّيقة فمنعته من سفر الشرق، وكان يحفظ فرعي ابن الحاجب فرجع لفاس وقيد بها دلائل الخيرات وفيها لقيه الشيخ زروق. ثم رجع للساحل ولقي به أوحد وقته الحفيد أبا عبد اللَّه امغار الصغير فأخذ عنه ثم انقطع في الخلوة أربعة عشر سنة، وِرْدُه نهارًا أربعة عشر ألف ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في معجم أعلام الجزائر ص 625، الضوء اللامع 8: 295. (¬2) ترجمته في الضوء اللامع 7/ 258، التوشيح 206، معجم المؤلفين 10: 50، شجرة النور الزكية ص 264، دليل مؤرخي المغرب 381.

665 - محمد القماح المغربي.

بسملة وسلكتين من دلائل الخيرات وبالليل سلكة منه وربع القرآن، ثم خرج للانتفاع به وظهر له كرامات، ولما نقل تابوته الذي دفن فيه بعد سبع وسبعين سنة وجد لم يتغير منه شيء، حدث بذلك من شاهده- اهـ. وتوفي مسمومًا في الركعة الأول من صلاة الصبح سادس ربيع الأول عام سبعين وثمانمائة. 665 - محمد القماح المغربي. أحمد تلاميذ أبي القاسم البرزلي، وذكر أنه سأل البرزلي عما جرى به العمل فيمن أشهد على نفسه جماعة يعرفه بعضهم، أن لمن لا يعرفه منهم أن يشهد عليه أنه يذكر في شهادته عليه ما نصه ولمعرفته بالموجب، قال إنه زيادة حسنة، فقال صاحب الترجمة للبرزلي: ما معناها عندهم؟ فأجابه بأن الموجب، بكسر الجيم، وأن ذلك يقوله الشاهد فيمن عرف عينه واسمه وجهل نسبه ومسكنه ووقع التعريف به في ذلك وذكره تقوية، فإن كان مشهورًا فلا يحتاج إلى حضوره وإلا فلابد من الشهادة على عينه عند الحكم- اهـ. قال العلامة ابن غازي: والذي ينقدح لنا فيه أن المصدر مضاف للمفعول وأن المعنى أن الشاهد يشهد بمعرفة الشهود عليه بالوجه الذي يوجب صحة الشهادة عليه، فهو إحالة على فقه المسألة من خارج كقولهم: وحازه بما يحاز به الجزء المشاع وحينئذ يتناول مسألة البرزلي. 666 - محمد بن علي (¬1). القاضي نور الدين الرهوني، أخذ عن أبيه وعن البساطي وغيرهما وناب عن البساطي فمن بعده، وكان فاضلًا فهمًا في الفقه والفرائض والعربية، مات سنة سبعين وثمانمائة. ¬

_ (¬1) ترجمته في الضوء اللامع 8: 597.

667 - محمد بن العباس بن محمد بن عيسى العبادي

667 - محمد بن العباس بن محمد بن عيسى العبادي (¬1). شهر بابن العباس التلمساني الإمام العلامة المحقق المتفنن المحصل القدوة الحجة المفتي الصالح الحافظ المتقن البركة، هكذا وصفه بعضهم، كان إمامًا نظارًا، وقال القلصادي في رحلته: كان إمامًا فقيهًا متفننًا في علوم (¬2)، وقال المازوني في أول نوازله: شيخنا الإمام الحافظ المتفنن بقية الناس أبو عبد اللَّه بن العباس. وقال الخطيب ابن مرزوق حفيد الحفيد: شيخنا ومفيدنا العالم المطلق الإمام الشهير الكبير السيد. وقال ابن غازي في ترجمة شيخه الورياجلي من الفهرست عنه وقال: ومن شيوخي العالم الحقق أبو عبد اللَّه بن العباس قرأت عليه جملة صالحة من شرح التسهيل لمؤلفه وبعض جمل الخونجي وجالسته في مهمات من مسائل الفقه فرأيت دخلته مملوءة الجراب- اهـ. وقال الشيخ زروق: هو شيخ الشيوخ بوقته في تلمسان- اهـ. وبالجملة فهو من أكابر علماء تلمسان وأكبر أئمة وقته بها، أخذ عن الإمام ابن مرزوق الحفيد وقاسم العقباني وغيرهما، وعن جماعة كالمازوني وابن زكري والتنسي والكفيف ابن مرزوق والسنوسي والونشريسي وابن صعد والخطيب الحفيد ابن مرزوق وغيرهم، وله تآليف كشرح لامية الأفعال في التصريف وشرح جمل الخونجي "والعروة الوثقى في تنزيه الأنبياء عن فرية الالقاء" في كراريس وغيرها، وفتاوى عدة مذكور بعضها في المازونية والمعيار. توفى بالطاعون آخر عام أحد وسبعين ودفن بالعباد. وقال الونشريسي في وفياته: توفي شيخ شيوخنا شيخ المفسرين والنحاة العالم على الاطلاق ثامن عشر ذي الحجة عام أحد وسبعين- اهـ. 668 - محمد بن أحمد بن قاسم بن سعيد العقباني (¬3). التلمساني الفقيه العالم العلامة الحاج الرحلة المتقن البارع ولى قضاء ¬

_ (¬1) ترجمته في البستان ص 223، 224، كشف الظنون ص 1536، الضوء اللامع 7: 278، هدية العارفين 2: 205، معجم المؤلفين 10: 121، ومناقب السنوسي 13، شجرة النور الزكية 264. (¬2) رحلة القلصادي، ص 109 بتصرف. (¬3) ترجمته في الضوء اللامع 7: 37، ووفاته فيه سنة 866 هـ، وهدية العارفين 2: 301، والصادقية 4: 281، الأعلام 6: 231، معجم أعلام الجزائر ص 237، وبروكلمان 346: 2 - 5.

669 - محمد بن قاسم بن محمد بن أحمد بن محمد القوري

الجماعة بتلمسان، أخذ عن جده الإمام قاسم وغيره وأخذ عنه أبو العباس الونشريسي وأحمد بن حاتم وغيرهما، وقال الشيخ زروق في كناشته: كان فقيهًا عارفًا بالنوازل وملكة في التصوف- اهـ. توفي سنة إحدى وسبعين وثمانمائة في الثالث والعشرين من ذي الحجة. 669 - محمد بن قاسم بن محمد بن أحمد بن محمد القوري (¬1). اللخمي المكناسي ثم الفاسي، أندلسي الأصل شهر بالقوري، بفتح القاف وسكون الواو ثم راء، نسبة لبلدة قريبة من اشبيلية، الإمام العلامة المحقق، قال الونشريسي في تحليته: الفقيه البركة المعظم المفيد الصدر الأوحد العلامة الجامع المشإر إليه في سماء تحقيق العلوم العقلية والنقلية، الرفيع القدر والشأن، لم يختلف في فضله وسعة علمه اثنان، تاج الأئمة الحفاظ، ممن تكل عن ذكر أوصافه العلمية الألفاظ، السيف الأقطع، والبدر الأسطع، الإمام القدوة المولى العماد المشاور حامل راية النص والقياس، رأس العلماء والناس، مفتي فاس العالم العامل، برز في تحقيق العلوم وفاز، وعقد له في قلم الفنون اللواء والحفاز، ابن الشيخ الفاضل الحسيب الأصيل الناصح الصالح الكامل النافع الخاشع المبرور أبي الفضل قاسم- اهـ. وقال تلميذه ابن غازي في فهرسته: شيخنا الإمام الفقيه العالم العلم العلامة المفتي المشاور الحجة الأنوه الحافظ المكثر أبو عبد اللَّه، كان آية في التبحر في العلم والتصرف فيه واستحضار نوازل الفقه وقضايا التواريخ، مجلسه كثير الفوائد مليح الحكايات. وكان له قوة عارضة ومزيد ذكاء مع نزاهة وديانة وحفظ مروعة لا يأتي الزمان بمثله، لازمته في المدونة أعوامًا ينقل عليها كلام المتقدمن والمتأخرين من الفقهاء والموثقين ويطرز ذلك بذكر مواليدهم ووفياتهم وحكاياتهم وضبط ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الضوء اللامع 8/ 280، وتوشيح الديباج ص 217، وفهرسة ابن غازي (. . . .)، وشجرة النور الزكية ص 261.

أسمائهم والبحث في الأحاديث المستدل بها في نصر آرائهم، فمجلسه نزهة السامعين. سمعت عليه كثيرًا من الموطأ وبعض سير ابن إسحاق بحثًا وتفقهًا وبعض المدارك والجوزقي ووثائق الجزيري ومختصر خليل والمدونة والرسالة والتفسير والمرادي، أدرك من شيوخ مكناسة أبا موسى عمران الجاناتي راوية أبي عمران العبدوسي الذي جمع عنه التقييد البديع على المدونة وعليه اعتمد في قراءتها، والشيخ المتفنن أبا الحسن علي بن يوسف التلاجدوتي، أخذ عنه العربية والحساب والعروض والفرائض، وعن الشيخ ابن جابر الغساني القراءات السبع، وعن أبي عبد اللَّه الحاج عزوز الحديث والتاريخ والسير والطب، وعن الشيخ ابن غياث السلوي علم الطب، وكان مجيدًا فيه، وبفاس عن الشيخ المتفنن الفقيه العالم المحقق أبي القاسم التارغدري والشيخ الفقيه المحدث الحافظ أبي محمد العبدوسي، باحثه كثيرًا واستفاد منه مشافهة ومكاتبة، وهو الذي ولّاه التدريس بفاس، وولي اللَّه الشيخ الصالح الفقيه الزاهد عبد اللَّه بن حمد وغيرهم. وإفاداته وإنشاءاته لا ساحل لها، كان لا يتنفس إلا بالفوائد، وكنت بمكناسة لمّا ارتحلت إليه أكاتبه ما يعرض لي فيجيبني بما أحب، وكان لسانه رطبًا بلا إله إلا اللَّه تسممعها جارية على لسانه في أثناء حديثه، رحمه اللَّه، ولد بمكناسة أول القرن وتوفى عام اثنين وسبعين وثمانمائة بفاس ودفن بباب الحمراء- اهـ. ثم ذكر ابن غازي اتصال سنده في الفقه لسحنون. وقال السخاوي في الضوء اللامع: كان متقدمًا في حفظ لمتون وفقيهًا، علّق شيئًا على المختصر ولم ينشر وانتفع به الطلبة، أخذ عنه الفاضل أحمد زروق وقال: إنه مات آخر ذي القعدة عام اثنين وسبعين أنه سئل عن ابن عربي فقال: اختلف الناس ما بين مكفر ومقطب والأولى الوقوف- اهـ. قلت: أخذ عنه جماعة من أهل فاس وغيرهم كالشيخ إبراهيم بن هلال

670 - محمد بن محمد بن عامر العامري

والشيخ عبد اللَّه الرموري شارح الشفا وأبي الحسن الزقاق القاضي المكناسي، والمفتي أبي مهدي الأواسي وابن غازي وغيرهم، وأما شرحه على المختصر فذكر أبو الحسن المنوفي شارح الرسالة في شرح خطبة المختصر أن القوري شرحه في ثمان مجلدات- اهـ. ولم أر لغيره ولا ذكر له البتة عند أهل فاس واللَّه أعلم. فائدة: قال الشيخ ابن غازي: حدثني صاحب الترجمة عن شيخه أبي عبد اللَّه ابن عبد العزيز أنه قال سمعت العالم المحدث الحافظ الرباني البلالي بمصر يقول: حديث "الباذنجان لما أكل له" أمثل إسنادًا من حديث "ماء زمزم لما شرب له"، قال شيخنا القوري: وهذا عكس المعروف- اهـ. قلت: ولعل النقل انقلب على ناقله سهوًا وإلا فالذي نقل البلالي المذكور في مختصر الاحياء خلافه، بل صرح بأن حديث الباذنجان موضوع وضعته الزنادقة، وأن حديث ماء زمزم صحيح، وقد استوفيت كلامه وكلام غيره في تقييدي على المختصر في كتاب الحج واللَّه أعلم. 670 - محمد بن محمد بن عامر العامري (¬1). أخذ عن البساطي والشهاب ابن تقي، وناب في القضاء مدة عن البساطي وولى قضاء دمشق ثم عزل فتصدر للقراءة واستقر في تدريس الفقه بالشيخونية بعد الزين عبادة ثم انتزع منه، وقد كتب على مختصر الشيخ خليل شرحًا سماه تفكيك الرموز والتكميل على مختصر خليل لم يكمل وقفت منه على مجلد وصل فيه إلى الحج، وامتنع ابن عمار من التقريظ عليه لكثرة أوهامه، وكتب ابن حجر على المجلد المشار إليه الحمد للَّه الفتاح العليم: لعمري لقد أوضحت مذهب مالك ... بتفكيك رمز لائح للمسافر وجودت ما سطرت منه مهذبًا ... ومن أين للتجويد مثل ابن عامر ¬

_ (¬1) ولد العامري في ربيع الأول سنة 795. (ترجمته في الضوء اللامع 9/ 87 وتوشيح الديباج للقرافي ص 220).

671 - محمد بن محمد بن محمد بن يحيى بن محمد الشيخ بدر الدين ابن المخلطة

671 - محمد بن محمد بن محمد بن يحيى بن محمد الشيخ بدر الدين ابن المخلطة (¬1). تقدم أبوه، وأخذ الفقه عن أبيه وأبي القاسم النويري والبدر التنسي والزين ظاهر ولازمه فيه وفي غيره، ولازم الشمني في الأصلين والتفسير والمعاني والبيان وغيرهم، وقرأ عليه التلخيص وشرح المختصر والموقف الأول من الواقف، وأماكن من شرح السيد والمقصد الأول من المقاصد ونبذة من المقصد الخامس ومعظم المطول، وأصلي ابن الحاجب وشرح العضد وحاشية التفتازاني. وأخذ عن الشمس الشرواني وابن الهمام وسمع على ابن حجر وغيره وكتب خطًا منسوبًا، وأذن له في الإفتاء والتدريس وعظمه الأكابر كالشمني وابن الهمام وكان يعجبهما مناسبة تحقيقه وتدقيقه وجودة إدراكه وتأمله، وحج وجاور وناب في القضاء عن الولي السنباطي واختص بالحسام بن حريز وقرأ عليه في الجواهر لابن شاس ودرس للمالكية بالمؤيدة عوضًا عن الولي السنباطي ودرّس بأمر السلطان بالقميحية والإعادة بالصالحية وغيرها من الجهات، وشرع في شرح مختصر ابن الحاجب فكتب مواضع متعددة. وكان إمامًا علَّامة ذكيًا متقنًا جمّ الفضائل وافر الفضل ذا سياسة ودُربة وتوجه في القضاء بالاسكندرية وأثنوا عليه فتعلل فاستأذن في القدوم فأُجيب وقدم، فلم تطل مدته ومات بعد أيام، ليلة السبت تاسع عشر ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة -اهـ- من السخاوي. 672 - محمد بن أبي بكر بن محمد، عرف بابن حريز (¬2). قاضي القضاة حسام الدين الشريف الحسني، ولد في العشر الأخير من رمضان سنة أربع وثمانمائة وتفقه بالزين عبادة والعماد المقري، وسمع على الولي ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في توشيح الديباج ص 226، والضوء اللامع 10/ 8 - 9، وشجرة النور الزكية 256. (¬2) انظر ترجمته في توشيح الديباج ص 183، والضوء اللامع 7/ 191، وشجرة النور الزكية ص 257.

673 - محمد بن محمد بن محمد، عرف بابن أبي القاسم النويري

العراقي بعض الحديث ولازم المطالعة في كتب العلم والتفسير والحديث والتاريخ والأدب واستقر بعد موت القاضي ولي الدين السنباطي في تاسع عشر رجب سنة إحدى وستين وثمانمائة برأي القاضي جمال الدين ناظر الخاص، وقد قتل بسيف الشرع جماعة من المفسدين، واستقر بعده أخوه عمر المتقدم في المنصب وتوفي مستهل شعبان سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة -اهـ- من السخاوي. 673 - محمد بن محمد بن محمد، عرف بابن أبي القاسم النويري (¬1). حفظ الفرقان وتهذيب البراذعي ومختصر الشيخ خليل وألفيتي الحديث والنحو وألفية والده في النحو والصرف والعروض والقافية المسماة بالمقدمات ومختصره في العروض الشاطبيتين ونخبة ابن حجر وأصلي ابن الحاجب وغيرها، وأخذ عن التقي الحصري والسنهوري وغيرهما، وقرأ على ابن أبي اليمن في فرعي ابن الحاجب وغيره، وما زال يترقى الخير بحيث صار يدرس. ولد سنة أربع وثمانمائة (¬2) بالقاهرة، وتوفي ليلة الخميس تاسع رمضان سنة ثلاث وسبعين مطعونًا. صح من السخاوي في الضوء اللامع. 674 - محمد بن أحمد بن عيسى المغيلي، شهر بالجلاب التلمساني (¬3) الفقيه العالم العلامة أحد شيوخ الونشريسي والإمام السنوسي، كان السنوسي يقول عنه: إنه حافظ لمسائل الفقه، قال الملالي: ختم عليه السنوسي المدونة مرتين- اهـ. وله فتاوى في المازونية والمعيار ووصفه المازوني بصاحبنا الفقيه، قال الونشريسي في وفياته: شيخنا الفقيه المحصل الحافظ، توفي سنة خمس وسبعين وثمانمائة. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الضوء اللامع 9/ 287، وتوشيح الديباج ص 222، وشجرة النور الزكية ص 257. (¬2) في التوشيح سبع وأربعين. (¬3) ترجمته في شجرة النور الزكية 264، وانظر فهارس المعيار المغرب ص 387.

675 - محمد البياني الأندلسي

675 - محمد البياني الأندلسي (¬1). قال القلصادي في رحلته: الشيخ الفقيه الوجيه الخطيب أبو عبد اللَّه قرأت عليه رسالة ابن أبي زيد وأواخر الألفية والنصف الأول من إيضاح الفارسي، وحضرت عليه كتبًا في الفقه والعربية وغيرهما، توفي آخر شوال عام ستة وسبعين وثمانمائة- اهـ. وتقدم لنا بياني آخر أقدم من هذا طبقة فاعلم. 676 - محمد بن محمد بن يحيى بن جابر الغساني المكناسي (¬2). قال ابن غازي: شيخنا الثبت الذكي الواعية أبو عبد اللَّه ابن الشيخ الأستاذ الحافظ، استفدت منه كثيرًا، ومن أغبط ما أخذت منه المصافحة المروية من طريق الخضر- اهـ. 677 - محمد بن أبي القاسم محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد النميري الحميدي، شهر بالسراج. قال ابن غازي في فهرسته: كان له رواية عن أبيه وجده الشيخ الراوية المكثر الحافظ المسند الأكمل أبي زكرياء، أجاز جميع ما رواه من ذلك لي آخر ربيع الثاني عام ستة وسبعين وثمانمائة. 678 - محمد بن أحمد بن محمد العمراني الفاسي الشريف الحسني (¬3). الفقيه العالم المحصل. 679 - محمد بن قاسم بن توزت التلمساني (¬4). قال تلميذه الإمام السنوسي: كان شيخًا صالحًا عالمًا بالمنقول والمعقول والحساب والفرائض والأوقاف والخط والهندسة وبكل علم قال: وما رأيته قط ¬

_ (¬1) ترجمته في الضوء اللامع 6/ 14، ورحلة القلصادي ص 85، وانظر أزهار الرياض 1/ 145. (¬2) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 251. (¬3) ترجمته في توشيح الديباج ص 180، وانظر الإحاطة 2/ 523. (¬4) ترجمته في أعلام الجزائر ص 80.

680 - محمد بن الحسين بن محمد بن جماعة الأوربي النيجي، شهر بالصغير

نظر في كتاب إلا مرّة واحدة، أشكلت عليه مسألة هندسية فنظر فيها كتبًا كثيرة أيامًا فلم عدها فقال هكذا أتعب نفسي بالمطالعة فتركها وتدبر المسألة بعقله حتَّى اتقنها قال: وكان شيخًا حسن الأخلاق سليم الصدر يقول لكل من جاءه للقراءة أقرأ في أي علم شئت، وليس له طعام مخصوص إنما يأكل من طعام مخلوط بطعام يعطى للسعاة من الديار، قال: وكنت أحضره مع شبان لهم فهم ثاقب في الفرائض فبنفس ما يشير عليهم بشيء فهموه وحصلوه، وأنا لا أفهم شيئًا فتخلفت عن مجلسه أيامًا ثم جئته ووجدته وحده فقال لي: تغيبت عنا فقلت يا سيدي أنا لا أعرف شيئًا ولا أفهم شيئًا فقال لي: إن أردت القراءة تأتيني وحدك بعد العشاء فكنت إذا صليت المغرب رفعت عشاء إلى الشيخ فيأكل منها حتَّى يكتفي فإذا صليت العشاء يقول لي اقرأ فقرأت عليه جملة من الفرائض والحساب (¬1) ولازمته كثيرًا، وكنت أقرأ عليه جلّ الليل، ولم أره يرقد إلا في بعض الليالي ينام وهو مستقبل- اهـ. 680 - محمد بن الحسين بن محمد بن جماعة الأوربي النيجي، شهر بالصغير (¬2). قال ابن غازي: شيخنا الأستاذ العالم الإمام العلامة الشهير الخطير الكبير، وحيد دهره وفريد عصره، ما رأت عيناي قط مثله خَلْقًا وخُلُقًا وإنصافًا وحرصًا على العلم ورغبة في نشره واجتهادًا في طلبه وإدمانًا على تلاوة القرآن، وحسنَ نغمةٍ وتواضعًا وخشية ومروءة وصبرًا واحتمالًا وحياءً وصدق لهجة وسخاء وإيثارًا، مع قيام ليل وتبحر في القراءة وأحكامها، وبلغ في علم النحو ما لم يصل إليه أشياخه ولا أترابه مع مشاركة في سائر العلوم الشرعية وحسن إدراك وقوة فهم وحب الخير للمسلمين، وربما حسد فدفع بالحسنة وصفح. لازمته كثيرًا، ختمت عليه بالسبع، وحدثني به عن شيخه أبي العباس أحمد بن عبد اللَّه بن محمد بن أبي موسى شهر بالفلالي وأبي الحسن الوهري ¬

_ (¬1) تدل هذه القصة على مراعاة الأستاذ للفروق الفردية وعلاجها. (¬2) انظر ألف سنة من الوفيات ص 268.

وشيخه محمد بن أبي سعيد السلوي والحافظ الحجة أبي محمد العبدوسي. وأخذت عنه كثيرًا من كتب القراءات والحديث دراية ورواية ولازمته سنن في التفسير، ينقل كلام ابن عطية والصفاقسي ويضيف إليه كلام الزمخشري والانتصاف والطيبي وغيرها، وفي الألفية بالمرادي مستوفى، مع أبحاث من كلام ابن أبي الربيع وأبي حيان وابن هانيء وأبي إسحاق الشاطبي وغيرهم، وأبعاضًا من كتاب سيبويه والإيضاح والتسهيل والمغني وشرح بانت سعاد لابن هشام والبداية للغزالي وغيرها، وأجازني الجميع. ومن عادته إطالة البحث عما أشكل عليه حتى يقف عليه، وعوّد لسانه "لا أدري" يكررها مرارًا في مجلس واحد وربما قالها فيما يدري، وربما حرّر مسألة أتمَّ تحريرٍ ثم يقول: إنما خرجتها فعليكم بمطالعتها في كذا وكذا (¬1)، وإذا تراخى من طلبته أحد أنشده: ما هكذا يا سعدُ تورد الابل (¬2) أدرك شيخ الجماعة أبا مهدي بن علال وتلميذه أبا القاسم التازغدري والعكرمي وابن آملال وأبا راشد يعقوب الحلفاوي وأبا الحسن الأنفاسي والشيوخ المتقدمة وغيرهم، وكان ينشدر، مُحضًّا على الجد متمثلًا: والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى يسير تقنع ومات يطلب العلم وقد ناف على ثمانين، وأنشدني عن العكرمي عن ابن عرفة لنفسه: صلاة وصوم ثم حج وعمرة ... عكوف طواف وائتمام تحتما وفي غيرها كالطهر والوقف خيّرن ... فمن شاء فليقطع ومن شاء تمما وكان مولعًا بالمصراع الرابع من قوله: وقائلةٍ لِمْ عَرَتْكَ الهمومُ ... وأمرك ممتثلٌ في الأممْ ¬

_ (¬1) توثيق بالإشارة إلى المصادر. (¬2) شطر بيت أوله: أوردها سعد وسعد مشتمل.

681 - محمد بن محمد بن علي الزواوي البجائي، شهر بالفراوصني

فقلتُ ذرينى على حالتي ... فإنَّ الهمومَ بقدوِ الهِمَمْ ولما وصل في إقرائه شرح البردة لقطب المغرب الإمام الأكبر ابن مرزوق إلى إنشاده: أعاذلتى على إتعاب نَفْسي ... وَرَعْيي في الدُّجى روض السُّهادِ إذا شامَ الفتى برقَ المعالي ... فأهونُ فائتٍ طيبُ الرُّقاد طرب وجريا على لسانه كثيرًا. ذكر لي أن مولده ببلاد نيجة بطن أوربة عام ثلاثة وثمانمائة، وتوفي بفاس ليلة الجمعة سادس شعبان عام سبعة وثمانين ودفن قريبًا من قبر الولي أبي زيد الهرميزي، رحمه اللَّه تعالى. 681 - محمد بن محمد بن علي الزواوي البجائي، شهر بالفراوصني (¬1). الشيخ الصوفي الصالح، ذكر في تأليفه في شرح حديث "أكثروا ذكر اللَّه حتى يقولوا مجنون" (¬2) أخذ العلم عن جماعة كالفقيه أبي زيد عبد الرحمن بن أحمد اليحمدي الزواوي، والفقيه الصالح أبي العباس أحمد بن موسى بن عزيز الزواوي والقاضي أبي القاسم بن سراج الغرناطي وشيخ الإسلام الفقيه الصدوق محمد بن مرزوق، وأظروفة زمانه الفقيه أبي الفضل ابن الإمام والفقيه الصالح الحاج أبي زيد عبد اللَّه القسنطيني عرف بالباز، والولي الأكرم أبي العباس أحمد الماكري. وأخذ علم الباطن عن الشيخ الإمام الولي خطيب جامع بجاية أبي العباس أحمد ابن إبراهيم الزواوي والولي الصالح الخطيب بها أبي عبد اللَّه بن يحيى اليجري وقطب العارفين وتاج الأولياء أبي عثمان سعيد الصفراوي التونسي، قال: قرأت عليه كتبًا في هذا الشأن والزم النسبة إليه دنيا وآخرة قائلًا: وعزة اللَّه لا أفارقك حتى للجنة، بعد قسمي عليه أن لا يفارقني بهمته ¬

_ (¬1) لعله المذكور في توشيح الديباج ص 251. (¬2) في الأصل "اذكروا اللَّه حتى يقول إنه مجنون" والخريج عن مسند أحمد بن حنبل 3/ 68 - 71.

682 - محمد بن زغران التونسي الشيخ أبو المواهب

حيًا وميتًا حتى للجنة، والإمام المحدث الولي الكبير شرف الدين أبي الفتح المراغي المدقي- اهـ. قال الشيخ زروق في كناشته: لقيت بمكة الشيخ الفراوصني الزواوي، ولم آخذ عنه لأمر عرض له في سنة خمس وسبعين وثمانمائة، جاورت معه بالمدينة ثلاثة أشهر وتكلمت معه مرارًا- اهـ. وقال في غير الكناشة: وشرح الحكم الشيخ الفراوصني فما قام ولا قعد ولا وصل ولا كمل، وكان يدَّعي مرائيَ خارجة عن الإضمار في جنب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فامتحن لذلك ومات مرفوضًا والعياذ باللَّه سنة اثنين وثمانين وثمانمائة- اهـ. قلت: وقد وقفت على مرائيه في جزء بمراكش وفيها أزيد من مائتي رؤيا فيها عجائب وغرائب مما خاطبه به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- واللَّه أعلم. 682 - محمد بن زغران التونسي الشيخ أبو المواهب (¬1). قال الشيخ زروق: رحل لمصر وتوطنها وأخذ عن بيت الوفائية وبشر به بعضهم قبل قدومه، وكان حسن الأخلاق متجملًا جدًا ذا لسان عظيم في كلام القوم، يرى أن ليس في المغاربة من يفهم الطريقة، وشرح حكم ابن عطاء اللَّه ونحا في شرحه نحو شقائق الفلاسفة ودقائقهم، فاللَّه أعلم بمراده، ولم يكمل، توفي سنة اثنين وثمانن وثمانمائة. 683 - محمد بن محمد بن عيسى بن علال المصمودي (¬2). الفقيه القاضي بفاس، يكنى أبا عبد اللَّه، قال الشيخ زروق: كان فقيهًا قاضيًا عدلًا نيرًا صالحًا حفيد السلف الصالح عيسى بن علال، وكان ثقة مأمونًا عدلًا جميلًا متجملًا تقيًا قائمًا بما تجب لحظته محصلًا أكثر مسائل البيان، قرأ المدونة على الأنفاسي وكان صلبًا في دين اللَّه تعالى ولا يخاف لومة لائم، توفي قرب سنة ¬

_ (¬1) لعله المذكور في جامع الكرامات لحسن الكوهن 131 - 133. وجاء اسمه في الكفاية خ ح (زعدان) 409. (¬2) انظر ألف سنة من الوفيات ص 151، 267.

684 - محمد بن محمد بن محمد بن محمد مكررا أربع مرات ابن منظور الأندلسي الغرناطي قاضي الجماعة بها، يكنى أبا عمرو

أربع وثمانين وثمانمائة- اهـ. وقال الونشريسي في وفياته: وفي سنة خمس وثمانين وثمانمائة توفي قاضي الجماعة بفاس أبو عبد اللَّه بن علال، وزاد صاحبنا المؤرخ محمد ابن يعقوب الأديب: ليلة الخميس ثالث عشر رمضان ودفن خارج باب الفتوح- اهـ. 684 - محمد بن محمد بن محمد بن محمد مكررًا أربع مرات ابن منظور الأندلسي الغرناطي قاضي الجماعة بها، يكنى أبا عمرو (¬1). الإمام العالم العلامة الفقيه الجليل القاضي الجليل ابن أبي بكر أبي العرب، كان قاضيًا بغرناطة، سنة أربع وستين، وصفه أحمد بن داود بالإمام الكبير، فارس البراعة، أخذ عن أبيه القاضي أبي بكر وعن العالم القاضي ابن سراج وغيرهما، ونقل عنه عصريُّه الإمام المواق في سنن المهتدين وشرح (¬2) خليل له في باب الميراث. وله فتاوى مذكور بعضها في المعيار، وكان حيًا سنة سبع وثمانين وثمانمائة، وفي تلك الحدود مات عن سن عالية وأخذ عنه الخطيب الصالح أبو القاسم بن أبي طاهر الفهري الأندلسي أحد شيوخ أحمد بن داود، وأجاز الحافظ التنسي. ولنا أبو عمرو بن منظور شخص آخر اسمه عثمان من أهل المائة الثامنة (¬3)، له تآليف وفتاوى عدة ذكر جملة منها في المعيار سأله عن بعضها شيخ الشيوخ ابن لب، وهو الذي عرفه به في الإحاطة والديباج فاعلمه. 685 - محمد بن عمر بن محمد بن عبد اللَّه القلشاني التونسي (¬4). قاضي الجماعة بها، أخذ عن أبيه القاضي عمر وعمه أبي العباس وأبي القاسم البرزلي وولى قضاء الجماعة بتونس في شعبان سنة تسع وخمسين وثمانمائة بعد صرف عمه أبي العباس فقام سبعة عشر سنة ثم جاء للقاهرة وراج أمره فيها، ثم عاد إلى ¬

_ (¬1) ورد ذكره في توشيح الديباج ص 269. (¬2) في الأصل: شراح. (¬3) أنظر ترجمته في الكتيبة الكامنة ص 114. (¬4) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 259.

686 - محمد بن محمد بن موسى الطنجي الفاسي أبو الفرج

بلده لطلب قضاء الجماعة فلم يتيسر له إلا منصب القضاء بجامع الزيتونة، ولى الخطابة الخطابة بجامع الموحدين ثم صرف. توفي، فيما بلغنا، سابع عشر جمادى الثانية، سنة تسعين وثمانمائة -اهـ- من السخاوي. قلت: له فتاوى منقولة في المازونية والمعيار. 686 - محمد بن محمد بن موسى الطنجي الفاسي أبو الفرج (¬1). قال ابن غازي: الشيخ الأستاذ الحقق الصالح الورع، أخذ عن أبي مهدي عيسى المغراوي وعبد اللَّه العبدوسي والأستاذ أبي عمران موسى بن عبد المؤمن وشيخنا أبي عبد اللَّه النيجي والفقيه القوري والفقيه أبي سعيد ابن أبي محمد السلوي وعن والده الفقيه أبي عبد اللَّه- اهـ. وذكر الونشريسي في وفياته ما نصه: وفي سنة تسع وثمانين وثمانمائة توفى الشيخ الورع الخطيب الصالح أبو الفرج الطنجي- اهـ. ووقع في فهرسة الشيخ المنجور أنَّه توفي سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة، واللَّه أعلم. 687 - محمد بن أحمد بن موسى السخاوي المدني، قاضيها نحو خمسين سنة، شمس الدين (¬2). قال السيوطي: له نظم كثير، سمعت منه- اهـ. وتوفي بعد الثمانين واللَّه أعلم، وسيأتي ولده خير الدين. 688 - محمد بن أحمد بن إبراهيم التريكي التونسي (¬3). أخذ الفقه عن جماعة منهم البزلي وأبو القاسم القسنطيني، وكان يحذف ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في معجم المؤلفين 11: 35، فهرس الفهارس 1: 112، دليل مؤرخي المغرب ص 347. (¬2) قارن مع معجم المؤلفين 9: 23. (¬3) انظر ترجمته في توشيح الديباج ص 187، وإيضاح المكنون للبغدادي 2/ 381، ومعجم المؤلفين 8/ 225.

689 - محمد بن قاسم أبو عبد الله الأنصاري التونسي، شهر بالرصاع

الواو والهمزة من الكنية خروجا عن الخلاف، وعن عمر القلشاني ومحمد بن عقاب قاضي تونس، وقدم القاهرة وحج ورجع فأقام بالقاهرة وتردد لابن حجر وأخذ عنه واغتبط كل منهما بالآخر. شرح جمل الخونجي في سفرين سماه إكمال الأمل بشرح الجمل جمع فيه شرح ابن واصل والشريف التلمساني وسعيد العقباني ومحمد بن مرزوق، وشرح الشمسية وشرح ابن الحاجب، وكاد يلي قضاء مصر، وكانت له وجاهة مع رسوخ في الفقه واستحضار كثير، له ولغيره وكثير من العلوم وحافظة جيدة حتى كان ابن الهمام يقول: إنه معجون فقه وأدب كثير ومحاضرة حسنة وكذا كلامه وإشكالاته. توفي آخر سنة أربع وتسعين وثمانمائة- اهـ. من الضوء اللامع للحافظ السخاوي، رحمه اللَّه. 689 - محمد بن قاسم أبو عبد اللَّه الأنصاري التونسي، شهر بالرصاع (¬1). قاضي الجماعة بها الفقيه العالم العلامة الصالح المفتي، أخذ عن جماعة من أصحاب ابن عرفة وغيرهم كالبرزلي وأبي القاسم العبدوسي والإمام ابن عقاب والمحقق عمر القلشاني والفتى عبد اللَّه البحيري وغيرهم. وألف تآليف كتذكرة المحبين في أسماء سيد المرسلين -صلى اللَّه عليه وسلم- كتاب حسن في نوعه في الصلاة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وشرح حدود ابن عرفة في الفقه وتأليف في الكلام على الآيات الواقعة في شواهد المغني لابن هشام في سفرين وجزء في إعراب كلمة الشهادة وشرح البخاري والتشديد نسبة لأحد آبائه. أخذ عن الأخوين أحمد وعمر القلشانيين وابن عقاب والبرزلي، ولى قضاء المحلة ثم الأنكحة ثم الجماعة ثم صرف نفسه في كائنة المريني واقتصر على إمامة جامع الزيتونة وخطابتها متصدرًا للإفتاء وإقرار الفقه وأصول الدين والعربية والمنطق وغيرها، جمع شرحًا في الأسماء النبوية وآخر في الصلاة عليه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأفرد ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في توشيح الديباج 216، والضوء اللامع 8: 287، المكتبة العبدلية ص 48، 241، البستان ص 283، وشجرة النور الزكية 259، وتكميل الصلحاء والأعيان لمعالم الإيمان ص 309.

690 - محمد بن علي بن محمد الأصبحي

الشواهد القرآنية من المغني ورتبها على السور وتكلم عليها، وشرح حدود ابن عرفة، وبلغني أنه شرع في تفسير واختصر شرح البخاري لابن حجر، وعندي أنه انتقاء الاختصار. بلغنا أنه مات في سنة أربع وتسعين وثمانمائة، صح من الضوء اللامع. 690 - محمد بن علي بن محمد الأصبحي (¬1). الأندلسي الغرناطي قاضي الجماعة بها، الإمام العلامة يعرف بابن الأزرق، قال السخاوي: لازم الأستاذ إبراهيم بن أحمد بن فتوح مفتي غرناطة في النحو والأصلين والمنطق بحيث كان جل انتفاعه به، وحضر مجلس أبي عبد اللَّه السرقسطي العالم الزاهد مفتيها أيضًا في الفقه ومجالس الخطيب أبي الفرج عبد اللَّه بن أحمد البقني والشهاب قاضي الجماعة أحمد بن أبي يحيى ابن الشريف التلمساني- اهـ. قلت: ومن شيوخه القاضي أبو إسحاق إبراهيم البدري، وله تآليف منها: بدائع السلك في السياسة السلطانية كتاب حسن مفيد في موضوعه، لخص فيه كلام ابن خلدون في مقدمة تاريخه وغيره مع زوائد كثيرة لا يستغنى عنه بوجه، ومنها روضة الأعلام بمنزلة العربية من علوم اللسان مجلد ضخم فيه فوائد، وشرح مختصر خليل مع مقدمة حافلة في أوله ولا أدري هل كمله أم لا؟ نقل عنه في المعيار، وكان حيًا في حدود التسعين وثمانمائة، ارتحل لتلمسان لما استولى العدو على بلده ثم للشرق، ولم أقف على وفاته. 691 - محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري، شهر بالمواق (¬2). الأندلسي الغرناطي عالمها وصالحها وشيخها ومفتيها الإمام العلامة الصالح الحافظ المحقق القدوة الحجة، مفتي الحضرة وخطيبها وآخر الأئمة بها، أخذ عن جماعة من الشيوخ كأبي القاسم بن سراج والأستاذ المنتوري والشيخ محمد بن ¬

_ (¬1) ترجمته في الضوء اللامع 9/ 20، ودوحة الناشر ص 124، وتوشيح الديباج 216، والنفح 2/ 48، وإيضاح المكنون (راجع الفهرس). (¬2) انظر ترجمته في توشيح الديباج ص 234، والضوء اللامع 10: 98، وشجرة النور الزكية ص 262.

يوسف الصناع وغيرهم، وأخذ عنه جماعة كالشيخ أحمد الدقون وأبي الحسن الزقاق وأحمد بن داود وغيرهم. والموّاق بفتح الميم وشد الواو وآخره قاف، قال الشريف محمد بن علي الحسنِ في شرح الشفا في وصفه: الإمام العالم العامل العلامة الخطيب، كان حافظًا للمذاهب ضابطًا لفروعها مضطلعًا عليها من خباياها- اهـ. توفي، كما رأيته بخط الأندلسيين، في شعبان سنة سبع وتسعين وثمانمائة عن سن عالية، وأخبرني صاحبنا أبو عبد اللَّه القصار مفتي فاس اليوم أنه لما استولى النصاري على غرناطة، دمرهم اللَّه، وجدوه بها وهو حي فسألوا عمن هو المقدم بها في العلم فأشير بالمواق فأمروا بإحضاره عندهم فامتنع فكلمه الناس فحضر عند وزير الطاغية فبسط الوزير له يده فقبلها المواق، رحمه اللَّه، فلما خرج من عنده أنكره الناس عليه، فلم تلبث يد الوزير الكافر المقبلة أن تورمت وتوجع منها فأمر برد المواق إليه وطلب منه الدعاء- اهـ. قلت: ودخول النصارى غرناطة في أوائل سنة سبع وتسعين وثمانمائة. وله تآليف منها شرحاه على مختصر خليل الكبير، سماه التاج والاكليل والمختصر من مسودة وهما متقاربان في الجرم يزيد كل على الآخر في بعض المواضع، نحا طريقًا انفرد به وهو الاقتصار على عزو مسائل الأصل ونقل فقهه من أصول المذهب بما يوافقه أو يخالفه من غير تعرض لألفاظه البتة بحيث إن لم يقف على نص مسألة خليل بيض لتلك القولة، وهما في غاية الجودة في تحرير النقول مع الاختصار البالغ، وقد تتبعت أنا حاشية الشيخ ابن غازي فوجدته يعتمد فيها على المواق ويتكلم فيها أحيانًا على المواضع التي بيض لها المواق، وعلى المواضع التي أشار المواق لاستشكالها، وربما ذكر بعض إصلاحاته وعزاه لبعضهم واللَّه أعلم. ومنها كتاب سنن المهتدين في مقامات الدين نحا فيها منحى الأستاذ ابن لب في طلب التأويل لكثير من المحدثات وتكلم فيها على آية {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا} في تسع مقامات ترقيًا وتدليًا بكلام حسن أبان فيه عن معرفته بالفنون أصولًا وفروعًا وتصوفًا وغيرها، وفيه مسائل وفوائد وأرسله لمفتي تونس

692 - محمد الجعدالة الأندلسي المالقي.

الشيخ الرصاع فأثنى عليه كثيرًا قائلًا: لا طالعته رأيت كلامًا حسنًا ونكتًا ومعاني أصولية ومسائل فقهية، فسلمت أن الرجل من أهل العلم والفهم والتخلق بطريق السلف الصالح فكتبت له بما ظهر لي- اهـ. وقد أطنب فيما كتب له من الثناء عليه بما في جلبه طول. 692 - محمد الجعدالة الأندلسي المالقي. من شيوخ أحمد بن داود من الفقهاء الجلة وعلماء اللَّه، له فتاوى منقول بعضها في العيار، نقل عنه سيدي محمد الحطاب في شرح المختصر في باب إحياء الموت، وكان حيًا سنة ثمانين وثمانمائة. 693 - محمد الفخار الغرناطي. من علمائها وكذا الترانبي الغرناطي معدود من علمائها وكذا. 694 - محمد الذَّبيح. الغرناطي أحد فقهائها، وكلهم أحياء في التاريخ المتقدم آنفًا وكذا. 695 - محمد بن سيد بونة. الغرناطي أحد علمائها، حي في التاريخ المتقدم، نقل عنهم في المعيار، ولم أقف على تراجمهم. 696 - محمد بن يوسف بن عمر شعيب السنوسي (¬1). وبه اشتهر نسبة لقبيلة بالمغرب الحسني، نسبة للحسن بن علي بن أبي طالب من جهة أم أبيه، قاله تلميذه الملالي في تأليفه التلمساني، عالمها وصالحها وزاهدها وكبير علمائها الشيخ العلامة المتفنن الصالح الزاهد العابد الأستاذ المحقق المقرئ الخاشع أبو يعقوب يوسف. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في تعريف الخلف 1/ 176، والبستان ص 237، ودوحة الناشر بتحقيق محمد مجي ص 121.

نشأ خيرًا مباركًا فاضلًا صالحًا، أخذ، كما قال تلميذه الملالي، عن جماعة منهم والده المذكور والشيخ العلامة نصر الزواوي والعلامة محمد بن توزت والسيد الشريف أبو الحجاج يوسف بن أبي العباس بن محمد الشريف الحسني أخذ عنه القراءات، وعن العالم المعدل أبي عبد اللَّه الحباب علم الاسطرلاب وعن الإمام محمد بن العباس الأصول والمنطق، وعن الفقيه الجلاب الفقه وعن الولي الكبير الصالح الحسن أبركان الراشدي حضر عنده كثيرًا وانتفع به وببركته، وكان يحبه ويؤثره ويدعو له، فحقق اللَّه فيه فراسته ودعوته، وعن الفقيه الحافظ أبي الحسن التالوتي أخيه لأمه الرسالة، وعن الإمام الورع الصالح أبي القاسم الكنابشي إرشاد أبي المعالي، والتوحيد عن الإمام الحجة الورع الصالح أبي زيد الثعالبي الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث، وأجازه ما يجوز له، وعنه وعن الإمام العالم العلامة الولي الزاهد الناصح إبراهيم التازي ألبسه الخرقة وحدثه بها عن شيوخه وبصق في فمه، وروى عنه أشياء كثيرة من المسلسلات وغيرها، وعن العالم الأجل الصالح أبي الحسن القلصادي الأندلسي الفرائض والحساب وأجازه جميع ما يرويه وغيرهم، وكان آية في علمه وهديه وصلاحه وسيرته وزهده وورعه وتوقيه. جمع تلميذه الملالي في أحواله وسيره وفوائده تأليفًا كبيرًا في نحو ستة عشر كراسًا من القالب الكبير، واختصرته في جزء نحو ثلاثة كراريس فلنذكر هنا طرفًا من ذلك، قال: له في العلوم الظاهر أوفر نصيب جمع من فروعها وأصولها السهم والتعصيب، لا يتحدث في فن إلا ظن سامعه أنه لا يحسن غيره سيما التوحيد والعقول، شارك غيره فيها وانفرد بعلوم الباطن بل زاد على الفقهاء، مع معرفة حل المشكلات سيما التوحيد، لا يقرأ علم الظاهر إلا خرج منه لعلوم الآخرة سيما التفسير والحديث لكثرة مراقبته للَّه تعالى، كأنه يشاهد الآخرة، سمعته يقول: ليس علم من علوم الظاهر يورث معرفته تعالى ومراقبته إلا التوحيد، وبه يفتح في فهم العلوم كلها، وعلى قدر معرفته يزداد خوفه، تعالى- اهـ. وانفرد بمعرفته إلى الغاية، وعقائده كافية فيه خصوصًا الصغرى لا

يعادلها شيء من العقائد كما أشار إليه وسمعته يقول: العالم حقًّا من يستشكل الواضح ويوضح المشكل لسعة فهمه وعلمه وتحقيقه، فهو الذي يحضر مجلسه ويستمع فوائده- اهـ. وبموته فقد من يتصف بها وإن كان العلماء الحافظون موجودين، لكن المراد العلم النافع المتصف صاحبه بالخشية فهو في علوم الباطن قطب رحاها وشمس ضحاها وقد غاب بكلامه فيها في غيب اللَّه تعالى واطلع على معادن أسراره وطالع أنواره فيؤثر حب مولاه ويراقبه لا يأنس بأحد بل يفر كثيرًا إلى الخلوات يطيل الفكرة في معرفته فانكشفت له عجائب الأسرار وتجلت له الأبصار فصار من وارثي الأنبياء جامعًا بين الحقيقة والشريعة على أكمل وجه، له لطائف الأحوال وصحائح الأقوال والأفعال. باطنه حقائق التوحيد وظاهره زهد وتجريد وكلامه هداية لكل مريد، كثير الخوف طويل الحزن يسمع لصدره أنين من شدة خوفه مستغرقًا في الذكر فلا يشعر بمن معه، مع تواضع وحسن خلق ورقة قلب رحيمًا متبسمًا في وجه من لقيه مع إقبال وحسن كلام، يتزاحم الأطفال على تقبيل أطرافه لينًا هينًا حتى في مشيه ما ترى أحسن خلقًا ولا أوسع صدرًا وأكرم نفسًا وأعطف قلبًا وأحفظ عهدًا منه يوقر الكبير ويقف مع الصغير ويتواضع للضعفاء معظمًا جانب النبوة غاية لا يعارضه أحد إلا أفحمه جمع له العلم والعمل والولاية إلى النهاية، مع شفقته على الخلق وقضاء حوائجهم عند السلطان والصبر على إذايتهم، وضع له من القبول والهيبة والإجلال في القلوب ما لم ينله غيره من علماء عصره وزهاده. ارتحل الناس إليه وتبركوا به، وسمعته آخر عمره يقول: من الغرائب في زماننا هذا أن يوجد عالم جمع له علم الظاهر والباطن على أكمل وجه بحيث ينتفع به في العلمين فوجود مثله في غاية الندور فمن وجده فقد وجد كنزًا عظيمًا دنيا وأخرى، فليشد عليه يده لئلا يضيع عن قرب فلا يجد مثله شرقًا وغربًا أبدًا- اهـ.

وكأنه أشار به لنفسه فلم يلبث بعده حتى خطف فكأنه كاشفنا بذلك ولا شك أنه لا يوجد مثله أبدًا، وأما زهده وإعراضه عن الدنيا فمعلوم ضرورة عند الكافة، بعث إليه السلطان في أخذ شيء من غلات مدرسة الحسن أبركان فامتنع فألحوا عليه فكتب في الاعتذار كتابة مطولة فقبل منه، وسمعته يقول: الولي الحقيقي من لو كشف له عن الجنة وحورها ما التفت إليها ولا ركن لغيره تعالى، فهذه حقيقة العارف- اهـ. فهذا حاله، وأما وعظه فكان يقرع الأسماع وتقشعر منه الجلود، كل من حضر يقول معي يتكلم وإياي يعني جله في الخوف والمراقبة وأحوال الآخرة، لا تخلو مجالسه منه مع حلاوة له لا، توجد في كلام غيره، يعظ كل أحد بحسب حاله ما رأيته قط إلا وشفتاه متحركتان بالذكر وربما يكلمه إنسان وأسمعه يذكر اللَّه تعالى وتسمع لقلبه أنينًا من شدة خوفه ومراقبته على الدوام، سمعته يقول: حقيقة العبودية امتثال الأمر واجتناب النهي مع كمال الذلة والخضوع- اهـ. كان أورع زمانه، يبغض الاجتماع بأهل الدنيا والنظر إليهم وقربهم، خرجنا معه يومًا صحراء فرأى على بعد ناسًا راكبين على خيول مع ثياب فاخرة، فقال: من هؤلاء؟ قلنا: خواص السلطان، فتعوذ باللَّه ورجع لطريق آخر ولقيهم مرة أخرى وما تمكن من الرجوع فجعل وجهه للحائط وغطاه حتى جازوا ولم يروه، ولما وصل في تفسيره سورة الإخلاص وعزم على قراءتها يومًا والمعوذتين يومًا سمع به الوزير وأراد حضور الختم فبلغه ذلك فقرأ السور الثلاثة يومًا واحدًا خيفة حضوره عنده. وطلبه السلطان أن يطلع إليه ويقرأ التفسير بحضرته، على عادة المفسرين، فامتنع فألحوا عليه فكتب إليه معتذرًا بغلبة الحياء له ولا يقدر على التكلم هناك فأيسوا منه، وإذا سمع بوليمة أحد من أبناء الدنيا يخلف يومه عن الحضور خيفة أن يدعى فلا يظهر بالكلية حتى تمر أيام الوليمة، وربما تخلف قبله أيامًا ولا يقبل عطية السلطان ومن لاذ به وربما تأتي داره وهو غائب

فإذا وجدها أنكر على أهل داره وتغير كثيرًا، ويقبل عطية غيرهم ويدعو لهم. وكان رفيع الهمة عن أهل الدنيا يتطارحون عليه فيعرض عنهم، أتى إليه ابن الخليفة يومًا ومعه عين فقبل يديه ورجليه وطلب منه قبوله، فتبسم في وجهه ودعا له وأبى، فلما أيس منه قال له تصدق بها يا سيدي على من شئت من الفقراء فامتنع منها مع ما جبل عليه من الحياء حتى لا يقدر أن يخالف الناس في أعراضهم أو يقابلهم بسوء. وكان يكره الكتب للأمراء فإذا طلب بذلك كتب لهم حياء، وعاتبه أخوه علي التالوتي قائلًا يومًا: لأي شيء تكثر الكتب للسلطان وغيره فقال: كلفت به فقال: لا توافق عليه وقل لا أكتب فقال: واللَّه يا أخي يغلب عليّ الحياء ولا أقدر على المنع قال: لا تستحيي من أحد فقال له: إذا دخل النار أحد بالحياء فأنا أدخلها، وبالجملة فرفع همته عن الخلق معلوم عند الكافة، لا يأنس بأحد ولا يتسبب في معرفة ويود أن لا يراه أحد، وقال لي يومًا: واللَّه يا ولدي لو صبت ما نرى أحدًا ولا يراني أحد بل أشتغل وحدي وما يأتيني من قبل الناس إن قصدوا به نفعي سلمت لهم فيه، لا حاجة لي بأحد ولا بما له- اهـ. وكان مع ذلك حليمًا كثير الصبر، ربما يسمع ما يكره فيتعامى عنه ولا يؤثر فيه بل يتبسم، وهذا شأنه في كل ما يغضبه ولا يلقي له بالًا، ولا يحقد على أحد ولا يعبس في وجهه، يفاتح من تكلم في عرضة بكلام طيب وإعظام حتى يعتقد أنه صديقه وقع له ممن يدعي أنه أعلم أهل الأرض ينقصه فما بالى به، ولا ألّف بعض عقائده أنكر عليه كثير من علماء أهل وقته وتكلموا بما لا يليق فتغير لذلك كثيرًا وحزن أيامًا ثم رأى في منامه عمر بن الخطاب واقفًا على رأسه بيده سيف أو عصا فهزها على رأسه وهدده بها وكأنه قال: ما هذا الخوف من الناس فأصبح قد زال حزنه واشتد قلبه على المنكرين فخرست حينئذ ألسنتهم فحلم عنهم وسمح فأقروا بفضله. وبلغ من شفقته أنه مر به ذئب يجري معه الصياد والكلاب فحبسوه

وذبح فوصل إليه ملقى على الأرض فبكى وقال: لا إله إلا اللَّه أين الروح التي يجري بها؟!. وسمعته يقول: ينبغي للإنسان أن يمشي برفق وينظر أمامه لئلا يقتل دابة في الأرض وإذا رأى من يضرب دابة ضربًا عنيفًا تغير وقال لضاربها، ارفق يا مبارك، وينهي المؤدبين عن ضرب الصبيان، وسمعته يقول: للَّه تعالى مائة رحمة لا مطمع فيها إلا لمن اتسم برحمة جميع الخلق وأشفق عليهم، وما رأيته قط دعا على أحد إلا مرة رأى في مسكن منكرًا لا يقدر على صبره فغضب ودعا عليه بالجلاء فنفذ في أقرب مدة. وأتاه في مرضه بعض من يذمه من علماء عصره فطلب منه أن يسمح له، فغفر له ودعا له، ولما مات بكى عليه هذا العالم شديدًا وتألم ومتى ذكره بكى ويقول: فقدت الدنيا بفقده، وسمعته يثني كثيرًا على رجلين من علماء عصره ممن يذمونه ويسيئون إليه، وكان يصلح بين الخصام ويقضي الحوائج، ذكر أنه كتب يومًا ثلاثين كتابًا بلا فترة، قال: كلفني بها إنسان لم أقدر على ردها قال: ولو كان إنسان ينسخ مثل هذا في كل يوم لظفر بعدة أسفار وهذه مصائب ابتلينا بها. ومن صبره كثرة وقوفه مع الخلق ولا يفارق الرجل حتى ينصرف وهذا كله مع إدامة الطاعات وسواء الطريقة وشدة التحرز والإسراع بوفاء حقوق العباد قبل استحقاقها، إذا أعار كتابًا رده في أقرب مدة قبل طلب صاحبه وربما كان سفرًا ضخمًا لا يمكن مطالعته إلا في ثلاثة أيام فيطالعه يومًا واحدًا ويرده. وكان يأمر أهله بالصدقة سيما وقت الجوع ويقول: من أحب الجنة فليكثر الصدقة خصوصًا في الغلاء، كثير التصدق بيده ويكثر الخروج للخلوات ومواضع الخرب الباقية آثارها للاعتبار، وإذا رأى ما كان منها متقنًا ذكر حديث رحم اللَّه عبدًا صنع شيئًا فأتقنه ويقول: أين سكانها وكيف يتنعمون؟

وسمعته يقول: كم من ضاحك مع الناس وقلبه يبكي خوف ربه، فهذا شأن العارفين. سأله بعض أصحابه ممن يبحث عن أحواله لأي شيء يتلون وجهك ويتغير كثيرًا مع الانقباض؟ فأجابه بعد تمنع بشرط أن لا يخبر به أحدًا فقال: نعم، فقال الشيخ: أطلعني اللَّه تعالى على رؤية جهنم وما فيها، نعوذ باللَّه منها، فمن حينئذ صرت أتغير وأحزن إلى الآن فهذا سبب تغيري. وقال شيخنا بلقاسم الزواوي، حفظه اللَّه، من أكابر أصحابه: سمعته يقول: ضاقت على العوالم كلها من العرش إلى الفرش ولم أر منها ما يسرني فلم أمل لشيء منها بالكلية- اهـ. وحاله في الدنيا كالمسجون لشدة خوفه ومراقبته كل لحظة وكثرة تفكره، كان يصوم يومًا بيوم. صوم داود عليه السلام، ويفطر على يسير طعام ولا يطلب يوم فطره ما يأكله وربما بقي ثلاثة أيام أو أزيد لا يأكل ولا يشرب إن أتي بطعام أكل وإلا بقي كذلك، وربما سألوه بعد مضي جل النهار أمفطر هو؟ فيقول: لا مفطر ولا صائم فيقال له لم لا تعلمنا بفطرك فتبسم. وربما مازح بعض أصحابه فلا ترى أحسن منه حينئذ لا يرفع صوته بل يعتدل فيه ويصافح الناس ولا يمنع من قبل يده، وليس له لباس مخصوص يعرف به بل معتاد الناس اليوم، ويكره الكلام بعد صلاة الصبح والعصر ويتراخى في تكبيرة الإحرام بعد الإقامة ولا يكبر إلا بعد حين. وأخبرتني زوجته أنه في بدء أمره إذا قام من الليل نظر السماء ويقول: يا سعيد كيف تنام وأنت تخاف الوعيد؟! ثم التزم صوم عام إن رجع إلى النوم متى استيقظ منه فمن حينئذ لا يرجع إليه إذا استبقظ حتى مات، ينام أول البيل ويحييه كله للفجر حتى أثر في وجهه- اهـ. وكان لكثرة انقباضه لا ينبسط مع أحد ويشق عليه الخروج للمسجد للإقراء والصلاة، لا يخرج في بعض الأيام إلا حياء ممن ينتظره، ولما أحس بمرض موته انقطع عن المسجد ولازم فراشه حتى مات، ومرض عشرة أيام ولما

احتضر لقنه ابن أخيه مرة بعد مرة فالتفت إليه وقال له: هل ثم غيرها، وقالت له ابنته: تمشي وتتركني فقال لها: الجنة مجمعنا عن قرب إن شاء اللَّه تعالى، وكان يقول عند موته: نسأله سبحانه أن يجعلنا وأحبتنا عند الموت ناطقين بالشهادة عالمين بها. وتوفي يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأخيرة عام خمسة وتسعين وثمانمائة وشم الناس المسك بنفس موته، رحمه اللَّه. مولده بعد الثلاثين وثمانمائة، ومن عاداته أنه إذا صلى الصبح في مسجده وفرغ من ورده أقرأ العلم إلى وقت الفطور المعتاد ثم خرج ووقف مع الناس ساعة بباب داره ثم دخل وصلى الضحى قدر قراءة عشرة أحزاب، ثم اشتغل بالمطالعة في وقت طول النهار وإلا ربما زالت الشمس وهو في الضحى وخرج بعد الزوال للخلوات فلا يرجع إلا للغروب أو يبقى في بيته فيتوضأ ويصلي أربع ركعات ثم خرج لمسجده وصلى بالناس الظهر وتنفل أربعًا ويقرئ ثم يتنفل وقت العصر أربعًا ويصلي العصر ويقرأ أو يخرج لداره واشتغل بالورد إلى الغروب ثم خرج للمغرب وتنفل بست ركعات ويبقى هناك حتى يصلي العشاء ويقرأ ما تيسر ورجع لداره ونام ساعة، ثم اشتغل بالنظر أو النسخ ساعة وتوضأ، ويصلي باقيًا فيها، أو في ذكر لطلوع الفجر، هذا أكثر حاله. وأخبرني قبل موته بنحو عامن أن سنه خمس وخمسون سنة- اهـ من الجزء الذي لخصته من تأليف الملالي. قلت: ورأيت مقيدًا عن بعض العلماء أنه سأل الملالي المذكور عن سن الشيخ فقال له: مات عن ثلاث وستين سنة، واللَّه أعلم، ورأيت مقيدًا في موضع آخر من كراماته أن رجلًا اشترى لحمًا من السوق فسمع الإقامة في المسجد فدخل واللحم في قبه فخاف من طرحه فوات ركعة فكبر كذلك، فلما سلم ذهب لداره فطبخ اللحم فبقي إلى العشاء فأرادوا طرحه فإذا هو بدمه لم يتغير فقالوا: لعله لحم شارف فباتوا يوقدون عليه إلى الصبح فلم يتغير عن حاله حين وضعوه فتذكر الرجل، فذهب إلى الشيخ فأعلمه فقال له: يا بني

أرجو اللَّه أن كل من صلى ورائي أن لا تعدو عليه النار، ولعل هذا اللحم من ذلك، ولكن اكتم ذلك- اهـ. وسمعت أيضًا أنه كان في صغره إذا مر مع الصبيان على الإمام ابن مرزوق الحفيد وضع يده على رأسه ويقول: نقرة خالصة. وأما تآليفه فقال الملالي: منها شرحه الكبير على الحوفية المسمى المقرب المستوفى كبير الجرم كثير العلم ألفه وهو ابن تسعة عشر عامًا، ولما وقف عليه شيخه الحسن أبركان تعجب منه وأمر بإخفائه حتى يكمل سنه أربعين سنة لئلا يصاب بالعين ويقول له: لا نظير له فيما أعلم ودعا لمؤلفه، وعقيدته الكبرى سماها عقيدة التوحيد في كراريس من القالب الرباعي أول ما صنفه في الفن ثم شرحها ثم الوسطى وشرحها في ثلاثة عشر كراسًا ثم الصغرى وشرحها في ست وهي من أجل العقائد لا تعادلها عقيدة، كما أشار إليه هو. حدثني بعضهم أنه مات قريبه وكان صالحًا فرآه في النوم فسأله عن حاله فقال: دخلت الجنة فرأيت إبراهيم الحليل، عليه السلام، يقرئ صبيانًا عقيدة السنوسي يدرسونها في الألواح يجهرون بقراءتها- اهـ. قال الشيخ: لا شك أن لا نظير لها فيما علمت تكفي من اقتصر عليها عن سائر العقائد، وقد نظم سيدي محمد بن يحبش التازي في مدحها أبياتًا، وعقيدته المختصرة أصغر من الصغرى وشرحها أربع كراريس، وفيه فوائد ونكت، والمقدمات المبينة لعقيدته الصغرى قريبة منها جرمًا وشرحها خمس كراريس وشرح الأسماء الحسنى في كراريس، وشرحه الكبير على الجزيرية فيه نكت نفيسة، ومختصر الأبي على مسلم في سفرين فيه نكت حسنة، وشرح ايسا غوجي في المنطق تأليف البرهان البقاعي كثير العلم، ومختصره العجيب فيه زوائد على الخونجي وشرحه الحسن جدًّا، وشرح قصيدة الحباك في الأسطرلاب شرح جليل وشرح أبيات الإمام الاليري في التصوف وشرح الأبيات التي أولها تطهر بماء الغيب وشرحه العجيب على البخاري وصل فيه التي باب "من استبرأ لدينه" وشرح مشكلات البخاري في كراسين ومختصر الزركشي على البخاري.

697 - محمد بن عبد الجليل التنسي

قلت: وقد وقفت على جميع هذه الكتب، ثم قال الملالي: ومنها عقيدة أحْرى فيها دلائل قطعهية على من أثبت تأثير الأسباب العادية كتبها لبعض الصالحين، ومختصر حاشية التفتازاني على الكشاف، وشرح مقدمة الجبر والمقابلة لابن الياسمين، وشرح جمل الخونجي في المنطق وشرح مختصر ابن عرفة فيه حل صعوبته وقال لي: إن كلامه صعب سيما هذا المختصر تعبت كثيرًا في حله لصعوبته إلى الغاية، لا أستعين عليها إلا بالخلوة. ومنها شرح رجز ابن سينا في الطب لم يكمل ومختصر في القراءات السبع وشرح الشاطبية الكبرى لم يكمل شرح الوغليسية في الفقه لم يكمل ونظم في الفرائض واختصار رعاية المحاسبي ومختصر الروض الأنف للسهيلي لم يكمل، ومختصر بغية السالك في أشرف المسالك للساحلي وشرح المرشدة والدر المنظوم في شرح الجرومية وشرح جواهر العلوم المعضد في علم الكلام على طريقة الحكماء وهو كتاب عجيب جدًّا في ذلك، إلا أنه صعب متعسر على الفهم جدًّا، وتفسير القرآن إلى قوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} في ثلاثة كراريس ولم يمكن له التفرغ له، وتفسير سورة ص وما بعدها، فهذا ما علمت من تآليفه مع ما له من الفتاوى والوصايا والرسائل والواعظ، مع كثرة الأوراد وقضاء الحوائج والإقراء- اهـ. قلت: سمعت أن له تعليقًا على فرعي ابن الحاجب وغيره، نفعنا اللَّه به. قلت: أخذ عنه أعلام كابن صعد وأبي القاسم الزواوي وابن أبي مدين، والشيخ يحيى بن محمد وابن الحاج البيدري وابن العباس الصغير وولي اللَّه محمد لقلعي ريحانة زمانه، وإبراهيم الوجديجي وابن ملوكة وغيرهم من الفضلاء. 697 - محمد بن عبد الجليل التنسي (¬1). وبه عرف التلمساني الفقيه الجليل الحافظ الأديب المطلع، من أكابر ¬

_ (¬1) انظر أعلام الجزائر ص 85.

علمائها الجلة، أخذ عن الأئمة أبي الفضل بن مرزوق وقاسم العقباني وابن الإمام، والإمام الأصولي محمد الفخار والولي إبراهيم التازي والإمام ابن العباس وغيرهم، واشتهر علمه حتى لقد ذكر عن الشيخ أحمد بن داود الأندلسي أنه سُئل حين خرج من تلمسان عن علمائها فقال: العلم مع التنسي والصلاح مع السنوسي والرياسة مع ابن زكري، واللَّه أعلم بصحته، ووصفه ابن داود المذكور فيما رأيته بخطه: شيخنا بقية الحفاظ قدوة الأدباء العالم الجليل ابن الإمام العلامة أبي محمد- اهـ. وله تآليف منها: نظم الدرر والعقبان في دولة آل زيان، وتأليف في الضبط وراح الأرواح، وسمعت أن له تعليقًا على فرعي ابن الحاجب وجواب مطول عن مسألة يهود توات أبان فيه عن سعة الدائرة في الحفظ والتحقيق وأثنى عليه عصريِّه الإمام السنوسي غاية، فمما قال: لقد وفق لإجابة المقصد وبذل وسعه في تحقيق الحق وشفا غليل أهل الإيمان في المسألة، وما بالى لقوة إيمانه ونصوع إلقانه بما يشير إليه الوهم الشيطاني، الشيخ الإمام القدوة علم الأعلام الحافظ المحفق أبو عبد اللَّه التنسي، جزاه اللَّه خيرًا، قد أمد لإبانة الحق ونشر أعلامه النفس، وحقق نقلًا وفهمًا وبالغ فأبدى من نور إيمانه الماحي ظلمة الكفر أعظم قبس -اهـ- ملخصًا. أخذ عنه جماعة كالعلامة أبي عبد اللَّه بن صعد والخطيب ابن مرزوق السبط وابن العباس الصغير، قال: لازمت مجلس الفقيه العلم الشهير سيدي التنسي عشرة أعوام وحضرت إقراءه تفسيرًا وحديثًا وفقهًا وعربية وغيرها- اهـ. والشيخ بالقاسم الزواوي وعبد اللَّه بن جلال وغيرهم. في وفيات الونشريسي توفي الفقيه الحافظ التاريخي الأديب الشاعر أبو عبد اللَّه التنسي في جمادى الأولى سنة تسع وتسعين وثمانمائة- اهـ. ونقل عنه عدة فتاوى في معياره.

698 - محمد بن محمد بن أحمد بن الخطيب، الشهير محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق

698 - محمد بن محمد بن أحمد بن الخطيب، الشهير محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق (¬1). العجيسي التلمساني عرف بالكفيف، ولد الإمام أبي الفضل قطب المغرب الحفيد ابن مرزوق شارح المختصر المتقدم، كان ولده صاحب الترجمة إمامًا عالمًا علامة، وصفه ابن داود البلوي بشيخنا الإمام علم الأعلام فخر خطباء الإسلام سلالة الأولياء وخلف الأتقياء المسند الراوية المحدث العلامة القدوة الحافل الكامل أبو عبد اللَّه ابن سيدنا شيخ الإسلام خاتمة العلماء الأعلام الحبر البحر الناقد النافذ النحرير المشاور العمدة الكبير، ذي التصانيف العديدة والأنظار السديدة أبي عبد اللَّه بن مرزوق. أخذ العلم عن جماعة منهم أبو شيخ الإسلام قرأ عليه الصحيح والموطأ وغير كتاب من تآليفه وغيرها وتفقه عليه وأجازه ما يجوز له، وعنه روايته والإمام العالم النظار الحجة أبو الفضل ابن الإمام والإمام العلامة قاضي الجماعة المعمر المشاور أبو الفضل قاسم العقباني والأستاذ المقرئ العالم أحمد بن محمد بن عيسى اللجائي الفاسي والإمام العالم والولي الصالح الحديث عبد الرحمن الثعالبي والإمام العالم الفقيه النظار أبو عبد اللَّه محمد بن قاسم المشذالي، والإمام قاضي الجماعة العالم المحقق أبو عبد اللَّه ابن عقاب الجذامي التونسي والإمام العالم الراوية الرحال قاضي الأنكحة أبو محمد عبد اللَّه بن سليمان بن قاسم البجيري التونسي، قرأ وسمع عليهم وأجازوه عامة، وأجازه مكاتبة من شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر مع أولاد مرزوق عام تسعة وعشرين، ومولده ليلة الثلاثاء غرة ذي القعدة عام أربع وعشرين وثمانمائة- اهـ. قلت: ومن شيوخه الإمام ابن العباس، قال السخاوي: قدم صاحب الترجمة مكة فعرض عليه ظهيرة، وأخذ عنه في الفقه وأصوله والعربية والمنطق في سنة إحدى وستين، وسمعت في إحدى وسبعين أنه حي- اهـ. ¬

_ (¬1) انظر معجم المؤلفين 11: 187.

699 - محمد بن أبي الفضل بن سعيد بن صعد

قلت: وفي وفيات الونشريسي أن وفاته عام أحد وتسعمائة، ووصفه بالفقيه الحافظ المصقع، وآخذ عنه الخطيب ابن مرزوق ابن أخته وابن العباس الصغير ووصفه بشيخنا علم الأعلام وحجة الإسلام آخر حفاظ المغرب، قرأت عليه الصحيحن وبعض مختصري ابن الحاجب الأصلي والفرعي وحضرت عليه جملة من التهذيب والخونجي وغيرها- اهـ. وبالإجازة ابن غازي نقل عنه في المازونية، وتقدم ترجمة جد والده الخطيب قريبًا. 699 - محمد بن أبي الفضل بن سعيد بن صعد (¬1). وبه عرف التلمساني الفقيه العالم المحصل العلامة، أخذ عن الإمام خاتمة العلماء محمد بن العباس والحافظ التنسي والإمام السنوسي وألف كتاب النجم الثاقب فيما لأولياء اللَّه من المناقب، وروضة النسرين في مناقب الأربعة الصالحين وهم: الهواري وإبراهيم التازي والحسن أبركان وأحمد بن الحسن العماري، وله تأليف في الصلاة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وفيه يقول محمد العربي الغرناطي: إذا جئت لتلمسان فقل ... لصنديدها ابن صعد علمك فاق كل علم ... مجدك فاق كل مجد في أبيات. توفي بالديار المصرية في رجب سنة إحدى وتسعمائة، قاله الونشريسي في وفياته. 700 - محمد بن إبراهيم بن عثمان الخطيب الوزيري (¬2). اشتغل في ابتدائه بالعربية على النور الوراق ثم أخذ الفقه والعربية على السنهوري وعن ابن أخت الشيخ مدين وحضر مجالس السادات الوفائية، وربما أفتى، وسمعت أنه كتب على تفسير البيضاوي وقال لي إنه شرح رسالة صوفية ¬

_ (¬1) انظر أعلام الجزائر ص 195. (¬2) ترجمته في توشيح الديباج 187، والضوء اللامع 6/ 259.

701 - محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي

واختصر شرح الأسماء الحسنى للغزالي. ولد سنة سبع وأربعين وثمانمائة -اهـ- من السخاوي. قلت: وله مراجعات في البيان والأصول مع الجلال السيوطي، ألف فيه السيوطي تآليف صغارًا. 701 - محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي (¬1). التلمساني خاتمة المحققين الإمام العالم العلامة الفهامة القدوة الصالح السني أحد الأذكياء ممن له بسطة في الفهم والتقدم متمكن المحبة في السنة وبعض أعداء الدين، وقع له بسبب ذلك أمور مع فقهاء وقته حين قام على يهود توات وألزمهم الذل بل قتلهم وهدم كنائسهم ونازعه في ذلك الفقيه عبد اللَّه العصنوني قاضي توات وراسلوا في ذلك علماء فاس وتونس وتلمسان فكتب في ذلك الحافظ التنسي كتابة مطولة، كما تقدم، بصواب رأي صاحب الترجمة ووافقه عليها الإمام السنوسي، فمما كتب السنوسي له: من عبيد اللَّه محمد بن يوسف السنوسي إلى الأخ الحبيب القاسم بن اندرس في فاسد الزمان من فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي القيام بها لا سيما في هذا الوقت علم على الاتسام بالذكورة العلمية والغيرة الإسلامية وعمارة القلب بالإيمان السيد أبي عبد اللَّه بن عبد الكريم المغيلي، حفظ اللَّه حياته وبارك في دينه ودنياه وختم لنا وله ولسائر المسلمين بالسعادة والمغفرة بلا محنة يوم نلقاه، بعد السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته. فقد بلغني أيها السيد ما حملتكم عليه الغيرة الإيمانية والشجاعة العلمية من تغيير أحداث اليهود، أذلهم اللَّه، كنيسة في بلاد الإسلام وحرصكم على هدمها، وتوقف أهل تمنطيطة فيه من جهة من عارضكم فيه من أهل الأهواء فبعثتم إلينا مستنهضين همم العلماء فيه فلم أر من وفق لإجابة المقصد وبذل وسعه في تحقيق الحق وشفاء الغلة ولم يلتفت لقوة إيمانه ونصوع إيقانه لما يشير ¬

_ (¬1) البستان ص 253، تعريف الخلف 1: 166، بروكلمان 2: 363، دوحة الناشر، وفهرس الزيتونة 4: 362، ومجلة كلية الدعوة الإسلامية بطرابلس العدد 369.

إليه الوهم الشيطاني من مداهنة من يتقي شوكته سوى الشيخ الإمام القدوة الحافظ المحقق علم الأعلام أبي عبد اللَّه محمد بن عبد الجليل التنسي، أمتع اللَّه به، إلى آخر كلامه المتقدم بعضه. وممن أجاب في المسألة الرصاع مفتي تونس وأبو مهدي الماواسي مفتي فاس وابن زكري مفتي تلمسان والقاضي أبو زكرياء يحيى ابن أبي البركات الغماري وعبد الرحمن بن سبع التلمسانيان، وحين وصل جواب التنسي ومعه كلام السنوسي لتوات أمر صاحب الترجمة جماعته فلبسوا آلات الحرب وقصدوا كنائسهم وأمرهم بقتل من عارضهم دونها فهدموها، ولم يتناطح فيه عنزان ثم قال لهم: من قتل يهوديًّا فله على سبع مثاقيل وجرى في ذلك أمور، فنظم في تلك القضية قصائد في مدح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وذم اليهود ومن ينصر اليهود. ثم دخل بلاد أهر ودخل بلاد تكدة واجتمع بصاحبها وأقرأ أهلها وانتفعوا به ثم دخل بلاد كنو وكشن من بلاد السودان واجتمع بصاحب كنو واستفاد عليه وكتب رسالة في أمور السلطنة يحضه على اتباع الشرع وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وقرر لهم أحكام الشرع وقواعده. ثم رحل لبلاد التكرور فوصل إلى بلدة كاغو واجتمع بسلطانها ساسكي محمد الحاج وجرى على طريقته من الأمر بالمعروف وألف له تأليفًا أجابه فيه عن مسائل وبلغه هناك قتل ولده بتوات من جهة اليهود فانزعج لذلك وطلب من السلطان قبض أهل توات الذين بكاغو حينئذ فقبض عليهم، وأنكر عليه سيدنا أبو المحاسن محمود بن عمر إذ لم يفعلوا شيئًا، فرجع عن ذلك وأمر بإطلاقهم ورحل لتوات فأدركته المنية بها فتوفى هناك سنة تسع وتسعمائة. ويقال: إن بعض ملاعين اليهود أو غيرهم مشى لقبره فبال عليه فعمى مكانه، وكان، رحمه اللُه، مقدامًا على الأمور جسورًا جريء القلب فصيح اللسان محبًا في السنة جدليًا نظارًا محققًا. له تآليف منها: البدر المنير في علوم التفسير ومصباح الأرواح في أصول الفلاح كتاب عجيب في كراسين أرسله للسنوسي وابن غازي فقرظاه، وشرح

مختصر خليل سماه مغني النبيل اختصر فيه جدًّا وصل فيه للقسم بين الزوجات، وله عليه قطع أخر من البيوعات وغيرها بل قيل إنه شرح ثلاثة أرباع المختصر وحاشية عليه سماها إكليل الغني وقفت منها إلى التيمم، وشرح بيوع الآجال من ابن الحاجب فبحث فيه مع ابن عبد السلام وخليل وتأليف في المنهيات ومختصر تلخيص المفتاح وشرحه ومفتاح النظر في علم الحديث فيه أبحاث مع النووي في تقريبه وشرح الجمل في المنطق ومقدمة فيه ومنظومة فيه سماها منح الوهاب وثلاثة شروح عليها، وقد شرحها والدي بشرح حسن استوفى فيه. وله أيضًا تنبه الغافلين عن مكر الملبسين بدعوى مقامات العارفين، وشراح خطبة المختصر ومقدمة في العربية وكتاب الفتح المبين وفهرسة مروياته، وعدة قصائد كالميمية على وزن البردة ورويها في مدحه -صلى اللَّه عليه وسلم-. أخذ عن الإمام عبد الرحمن الثعالبي والشيخ يحيى بن بدير وغيرهما، وأخذ عنه جماعة كالفقيه أيد أحمد والشيخ العاقب الأنصمني ومحمد بن عبد الجبار الفيجي وغيرهم. وقع له مراسلة مع الجلال السيوطي في علم المنطق، فمما كتب للسيوطي قوله: سمعت بأَمرٍ ما سمعتُ بمثله ... وكلُّ حديثٍ حُكْمُهُ حكمُ أصلِهِ أَيمكنُ أَنَّ المرءَ في العلم حجةٌ ... وينهى عن الفُرقانِ في بعضِ قولِهِ هل المنطقُ المعنيُّ الا عبارةٌ ... عن الحقِّ أو تحقيقِهِ حينَ جَهْلِهِ معانيهِ في كلِّ الكلامِ وهلْ ترَي ... دَليلًا صحيحًا لا يُرَدُّ لَشكْلِهِ أَريني (¬1) هَدَاكَ اللَّه منه قضيةٌ ... على غير هذا تَنْفِهَا عن مَحَلِّهِ وَدَعْ عَنك أَبْدَاهُ كفُورٌ وَذَمَّهُ ... رجالٌ وإنْ أثبتَّ صحةً نقلِهِ خذِ الحقَّ حتى مِنْ كَفُورٍ ولا تُقِمْ ... دليلًا على شَخْصٍ بِمَذْهَبِ مثلِهِ عَرفْناهُمُ بالحقِّ لا العَكْسُ فاستبِنْ ... بِهِ لا بِهِمْ إذ هُم هداةٌ لأجلِهِ لَئِن صَحَّ عنهمْ ما ذكرتَ فَكَمْ هُمُ ... وَكَمْ عالمٍ بالشَّرْعِ بَاحَ بضلِّهِ ¬

_ (¬1) الصواب: "أرني" وهو كذلك في بعض النسخ غير أن إثبات الياء كان لضرورة الوزن.

702 - محمد بن عبد الرحمن الحوضي

من أبيات تركتها فأجابه السيوطي بقوله: حمدتُ إلهَ العرشِ شُكْرًا لفضلِه ... وأَهدي صلاةً للنبيِّ وأَهْلِهِ عجيبٌ لنظمٍ ما سمعتُ بمثلِهِ ... أَتانيَ عن حبر أُقرُّ بنبلِهِ تَعَجَّبَ مني حينَ أَلَّفتُ مُبْدِعًا ... كتابًا جموعًا فيه جمٌّ بنقلِهِ أَقَرِّرُ فيه النهيَ عَنْ عِلمِ منطقِ ... لما قاله الأعلامُ من ذم شكلِهِ وَسَمَّاهُ بالفرقانِ يا ليتَ لم يقلْ ... فذا وصفُ قرآن كريمٍ لفضلِهِ وقالَ [بِهِ] فيما يقرر رأيه ... مقالًا عجيبًا نائيًا عن محلِّهِ ودعْ عنكَ أبْداهُ كَفُورٌ وبعد ذا ... خُذِ الحقَّ حتى من كَفُورٍ بختلِهِ وقد جاءتِ الآثارُ في ذمِّ من حَوَى ... علومَ يهودٍ أو نصارى لأجلِهِ يعززْ بِهِ علمًا لديهِ وأَنَّهُ ... يُعَذِّبُ تعذيبًا يليقُ بفعلِهِ وقد منعَ المختارُ فاروقَ صحبِهِ ... وقد خطَّ لوحًا بعد توراةِ أهلِهِ وقد جاءَ من نهي اتباعٍ لكافرٍ ... وإن كانَ ذاك الأمرُ حقًّا بأَصلِهِ أقمتُ دليلًا بالحديثِ ولم أُقِمْ ... دليلًا على شخصٍ بمذهبِ مثلِهِ سلامٌ على هذا الإمام فكمْ لهُ ... لديَّ ثناءٌ واعترافٌ بفضلِهِ - اهـ. 702 - محمد بن عبد الرحمن الحوضي (¬1). الفقيه الأصولي التلمساني العالم الشاعر المكثر، له نظم في العقائد وشرحه الإمام السنوسي وله غيره. قال الونشريسي: توفي في ذي القعدة عام عشرة وتسعمائة بتلمسان- اهـ. 703 - محمد بن أبي العيش الخزرجي التلمساني، الفقيه الأصولي أبو عبد اللَّه، من فقهائها (¬2). له فتاوى منقول بعضها في المعيار وتأليف كبير في الأسماء الحسنى في ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في تعريف الخلف 2: 396، شجرة النور الزكية ص 254، البستان 252، معجم المؤلفين 10: 139، أعلام الجزائر ص 129. (¬2) ترجمته في البستان ص 252 - 253.

704 - محمد بن محمد بن محمد الديمي النحريري

سفرين. توفي في صفر سنة إحدى عشرة وتسعمائة، ذكره في الوفيات للونشريسي. 704 - محمد بن محمد بن محمد الديمي النحريري (¬1). أخذ الفقه عن أبي الجود والقاضي ولي الدين السنباطي ويحيى العلمي والسنهوري، وحضر دروس أبي القاسم النويري وتميز في الفضائل عن كثير من القضاة، ولد ثاني عشر إحدى الجمادين سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة، وبالجملة فهو من نوادر قضاة المالكية -اهـ- من السخاوي. 705 - محمد بن محمد بن أحمد بن موسى السخاوي المدني (¬2). قرأ الفقه على المحيى عبد القادر بن عبد الوارث، وأخذ أيضًا عن القرافي والعلمي والسنهوري واللقاني ولازم أحمد بن يونس في كثير من الفنون وأذن له القرافي بعده، وكذا الحسام بن حريز وأخوه، وناب في القضاء، وأوقفني على شرح لأماكن في المختصر وشرح منه كاملًا من القضاء لآخر الكتاب وقرئ عليه بالمدينة -اهـ- من الضوء اللامع للسخاوي. ورأيت في تاريخ المدينة لعبد المعطي السخاوي أن صاحب الترجمة تولى قضاء المدينة ثلاثين سنة وأنه توفي عام ثلاثة عشر وتسعمائة وأن والده أحمد بن أحمد تولى القضاء بها نحو خمسين عامًا إلى قرب وفاته فتولاها ولده المذكور -اهـ- أخذ عنه سقين العاصمي راوية فاس. 706 - محمد بن أبي جمعة المغراوي (¬3). الفقيه المدرس أبو عبد اللَّه، توفي يوم الخميس سادس ربيع الأول سنة سبع عشرة وتسعمائة بعد صلاة الجمعة. 707 - محمد بن أبي البركات النالي (¬4) التلمسانى، أحد المشهورين بها، له نظم حسن، لم أقف على وفاته. ¬

_ (¬1) الضوء اللامع 9/ 274 - 275، وتوشيح الديباج 224. (¬2) ترجمته في توشيح الديباج ص 228. (¬3) انظر ألف سنة من الوفيات ص 289. (¬4) في نسخة خ ح رقم (2139): التالي.

708 - محمد بن أحمد بن عبد الله اليفرني الفاسي قاضي الجماعة بها، شهر بالمكناسي

708 - محمد بن أحمد بن عبد اللَّه اليفرني الفاسي قاضي الجماعة بها، شهر بالمكناسي (¬1). أخذ عن القوري وغيره، قال بعض أصحابنا: كان فقيهًا قاضيًا فرضيًا حسابيًا، تولى قضاء فاس أزيد من ثلاثين سنة لأنه ولى سنة خمس وثمانين إلى أن مات، وكان فاضلًا ذا سياسة، أخذ عن القوري وعن أبيه، وهو من بيت علم من ذرية أبي الحسن الطنجي المعروف بالمكناسي، له تقييد على الحوفية، ولجده عبد اللَّه أيضًا تقييد عليها أجاد فيه، توفي قاضيًا سنة ثمان عشرة وتسعمائة، مولده سنة تسع وثلاثين وثمانمائة- اهـ. قلت: وله تآليف في القضاء نقل عنه عصريه الشيخ ابن غازي في تكميل التقييد وأنجب ولده، تولى الفتوى بفاس. 709 - محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن غازي العثماني المكناسي ثم الفاسي (¬2). شيخ الجماعة بها الإمام العلامة البحر الحافظ الحجة المحقق الخطيب جامع شتات الفضائل خاتمة علماء المغرب وآخر محققيهم ذو التصانيف المفيدة العجيبة، قال تلميذه عبد الواحد الونشريسي: شيخنا الإمام العالم الأثير السيد أبو عبد اللَّه، كان إمامًا مقرئًا مجودًا صدرًا في القراءات متقنًا فيها، عارفًا بوجوهها وعللها، طيب النغمة قائمًا بعلم التفسير والفقه والعربية متقدمًا فيها عارفًا بوجوهها ومتقدمًا في الحديث حافظًا له واقفًا على أحوال رجاله وطبقاتهم ضابطًا لذلك كله معتنيًا به ذاكرًا للسير والمغازي والتاريخ والأدب، فاق في كله أهل وقته. ولد مكناسة الزيتون وأخذ العلم بها وبفاس عن مشايخ جلة كالأستاذ ¬

_ (¬1) ترجمته في معجم المؤلفين 8: 285. (¬2) ترجمته في توشيح الديباج 176، فهرس الفهارس 1: 210، أخبار مكناس 4: 2 - 11، إيضاح المكنون 1: 17، 18، 188 - 2: 379، دوحة الناشر 54، فهرسة المنجور 21 جذوة الاقتباس 203، سلوة الأنفاس 2/ 73، الفكر الإسلامي 4/ 100، وفي صدر كتابيه الروض الهتون والتعلل.

النيجي والفقيه القوري وغيرهما ممن ذكره في برنامجه، أنفق عمره في طلب العلم وإقرائه والعكوف على تقييده ونشره، ألف في القراءات والحديث والفقه والعربية والفرائض والحساب والعروض وغيرها تآليف نبيلة، ولى خطابة مكناسة ثم بفاس الجديدة ثم الخطابة والإمامة بجامع القرويين آخرًا ولم يكن في عصره أخطب منه، وكان يسمع في كل شهر رمضان صحيح البخاري وله عليه تقييد نبيل. وتخرج بين يديه عامة طلبة فاس وغيرها، رحل الناس للأخذ عنه وتنافسوا فيه، كان عذب المنطق حسن الإيراد والتقرير فصيح اللسان عارفًا بصنعة التدريس ممتع المجالسة جميل الصحبة سري الهمة نقي الشيبة حسن الأخلاق والهيئة عذب الفكاهة معظمًا عند الخاصة والعامة، حضرت مجالس إقرائه تفسيرًا وحديثًا وفقهًا وعربية وغيرها وكلها في غاية الاحتفال وانتفعت به. وبالجملة فهو آخر المقرئين وخاتمة المحدثين لم يزل باذل النصيحة للمسلمين محرضًا لهم في خطبه ومجالس إقرائه على الجهاد والاعتناء بأموره، حضر فيه بنفسه مواقف عديدة ورابط مرات كثيرة وخرج في آخر عمره لقصر كتامة للحراسمة فمرض ورجع لفاس فاستمر به إلى أن توفى اثر صلاة الظهر يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى سنة تسع عشرة وتسعمائة ودفن في عدوة فاس الأندلس صبح يوم الخميس واحتفل الناس بجنازته عظيمًا، حضرها السلطان ووجوه دولته فمن دونه، وتبعه ثناء حسن جميل وتأسفوا عليه عظيمًا -اهـ- من خط من نقله من خط عبد الواحد الونشريسي. قلت: وممن أخذ عنه ابن العباس الصغير وأحمد الدقون والمفتي علي ابن هارون في خلق لا يحصون، وأما تآليفه فمنها شفاء الغليل في حل مقفل خليل بيَّن فيه هفوات وقعت لبهرام ومواضع مشكلة من المختصر أجادها ما شاء من أحسن الموضوعات عليه، متداول شرقًا وغربًا، وتكميل التقييد وتحليل التعقيد على المدونة كمل به تقييد أبي الحسن الزرويلي وحل مشكل كلام ابن عرفة في مختصره في ثلاثة أسفار كبار، سمعت أن بعض معاصريه الفاسيين يقول: أما

710 - محمد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن يجبش (*) التازي

التكيل فقد كمله وأما التعقيد فما حله- اهـ. وحاشية لطيفة على الألفية مفيدة نبه فيها على مواضع من كلام المرادي، مع نقل زوائد الإمام الشاطبي وتحقيقاته العجيبة، ومنية الحساب في الحساب بديع النظم وشرحها حسن مفيد سماه بغية الطلاب في مجلد وذيل الخزرجية في العروض ونظم مشكلات الرسالة وفهرسة شيوخه وحاشية لطيفة في أربعة كراريس على البخاري، وإنشاد الشريد في ضوال القصيد تكلم فيه على الشاطبية، والمطلب الكلي في محادثة الإمام القلي والروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون في نحو كراس، وقد وقفت على الجميع. ومما لم أقف عليه من تآليفه الجامع المستوفى بجداول الحوفي والمسائل الحسان المرفوعة إلى حبر فاس وتلمسان ونظم مراحل الحجاز وشرحه، واستنبط من حديث أبي عمير ما فعل النغير مائتي فائدة وترجمها، وقد وقفت على التراجم. مولده عام أحد وأربعين وثمانمائة، قاله المنجور في فهرسته ورثاه تلميذه العلامة شقرون بن أبي جمعة الوهراني بقصيدة مليحة تركتها لطولها. 710 - محمد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن يجبش (*) التازي (¬1). الفقيه الصالح الأديب الناظم الناثر أبو عبد اللَّه، كان فقيهًا نحويًا عروضيًا، له منفرجة مطلعها: اشتدي أزمة تنفرجي ... قد أُبْدِلَ ضيقُكِ بالفَرَج مهما اشتدت بك نازلة ... فاصبر فعسى (¬2) التفريج يجي توفي عام عشرين وثمانمائة، كذا وجدته بخط بعض أصحابنا، وقال غيره: كان عالمًا صالحًا فقيهًا شاعرًا، له قصائد يندب الناس بها للجهاد عند كائنة غرناطة، أعاذها اللَّه تعالى- اهـ. قلت: وله قصائد في مدح تآليف الإمام السنوسي كالصغرى وشرح ¬

_ (¬1) ألف سنة من الوفيات ص 284. (*) في بعض النسخ "يحبس". (¬2) في الأصل الفرج والتصويب من نسخة خ ح رقم 2139 من كفاية المحتاج نُسخة م. ج - ب: الورقة /191/.

711 - محمد بن أحمد بن محمد بن أبي يحيى بن أحمد بن الخطيب بن مرزوق

مسلم ومراسلات معه، ذكره تلميذه الإمام الملالي، ومن نظمه في الرد على البيتين اللذين ذكرهما الزمخشري في الطعن علي السنة. 711 - محمد بن أحمد بن محمد بن أبي يحيى بن أحمد بن الخطيب بن مرزوق (¬1). فيه اجتمع أبواه وهو ولد الخطيب شمس الدين بن مرزوق، قال أبو عبد اللَّه ابن العباس الشهير محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق العجيسي التلمساني شهر بالخطيب سبط الإمام الحبر قطب المغرب الحفيد ابن مرزوق ابن بنته حفصة، و (¬2) صاحب الترجمة أحمد المذكور هو والد الحفيد ابن مرزوق وفيه اجتمع أبواه وهو ولد شمس الدين ابن مرزوق، وقال أبو عبد اللَّه بن العباس في صاحب الترجمة: آخر علماء قطرنا الآخذ من كل فن بأوفر نصيب الحائز قصب السبق فيه خصوصًا علم الحديث فإنه حصل له بالفرض والتعصيب، صدر الحفاظ المبرزين وإمام الجهابذة النقاد المتقنين السيد الأعدل الأكمل ابن السيدة حفصة بنت زعيم العلماء وسيد الكلمة الشرفاء العالم المطلق محمد بن مرزوق الحفيد، قرأت عليه أبعاضًا من شفاء عياض والبردة والشقراطيسية وشمائل الترمذي وتأليف جده الأعلى الخطيب المسمى عجالة المستوفى، وحضرت عليه تفسير القرآن وسمعت عليه جملة الصحيحين- اهـ. أخذ عن خاله الكفيف ابن مرزوق والإمام ابن العباس وغيرهما، وكان حيًا في حدود العشرين وتسعمائة. 712 - محمد بن أبي مدين. التلمساني تلميذ الإمام السنوسي، قال أبو عبد اللَّه بن العباس: شيخنا السيد الفاضل العلامة أبو عبد اللَّه محيي دارس علم الشريعة، علم الأعلام، حائز قصب السبق منقولًا ومعقولًا خصوصًا علم الكلام لولا هو لتلاشى في ¬

_ (¬1) انظر المسند الصحيح الحسن ص 16 لمعرفة شجرة نسب الرازقة. (¬2) في الأصل: وهو.

713 - محمد بن محمد بن العباس التلمساني

علم المعقول بأسره بمغربنا، تفقهت عليه دراية في مقدمة السنوسي وصغراه وكبراه ومختصره المنطقي ودولًا من شرح الكبرى ومختصر الأبي على مسلم وابن الحاجب الأصلي وتلخيص المفتاح، ودولًا من البخاري رواية- اهـ. وكان حيًا قرب العشرين وتسعمائة. 713 - محمد بن محمد بن العباس التلمساني (¬1). شهر بأبو عبد اللَّه الفقيه العالم النحوي ابن الإمام العلامة المحقق ابن العباس، أخذ عن جماعة كالإمام السنوسي والكفيف ابن مرزوق والحافظ التنسي وابن زكري وغيرهم، ورحل لفاس وأخذ عن ابن غازي ورجع لبلاده. له مجاميع وفوائد ومرويات وأبحاث وقفت على بعضها. وكان حيًا بعد العشرين وتسعمائة. 714 - محمد الكفيف الأنفاسي (¬2). الأديب أبو عبد اللَّه، من أصحاب ابن غازي، ومن نظمه في تذليل بيت بعض القدماء وهو: لقد هتكتْ قلبي سِهامُ جفونها ... كما هَتَكَ اللَّخميُّ مذهبَ مالِكِ وصالتْ على الأوصال بالقدِّ قدِّها ... فأَمستْ كأَبياتٍ بتقطيعِ مالكِ وقلدتُ إذ ذاك الهوى في مُرادها ... كتقليدِ أعلامِ النُّحاةِ ابنَ مالكِ وملَّكْتُها رِقِّي لِرِقَةِ عطفِهَا ... وَإنْ كُنْتُ لا أرضاهُ مُلْكًا لمالكِ وناديتُهَا يا بُغيتي بذلُ مُهجتيَ ... وما لي قليلٌ في بديعِ جمالكِ توفي، على ما قيل، في حدود ثمان وعشرين وتسعمائة. 715 - محمد بن موسى الوجديجي (¬3). التلمساني أدرك السنوسي وطبقته من حفاظ مختصر ابن الحاجب معتنيًا ¬

_ (¬1) ترجمته في البستان ص 259. (¬2) ترجمته في جذوة الاقتباس 244. (¬3) شجرة النور الزكية ص 377.

716 - محمد بن أبي جمعة الهبطي

به، لقيه أبو العباس الزقاق وباحثه، وأخذ عنه شقرون بن هيبة والشيخ محمد ابن جلال التلمساني وغيرهما، وكان حيًا قرب الثلاثين وتسعمائة. 716 - محمد بن أبي جمعة الهبطي (¬1). عالم فاسي، توفي عام ثلاثين وتسعمائة. 717 - محمد بن محمد بن محمد القوري (¬2). الفاسي، مفتيها الفقيه العالم، توفي بعد الثلاثين وتسعمائة. 718 - محمد بن حسن بن علي بن عبد الرحمن شمس الدين اللقاني (¬3). قال البدر القرافي: شيخ شيوخنا الفقيه الصالح العلامة المحقق، قال في الضوء اللامع: ولد بلقانة من قرى مصر وحفظ بها القرآن والشاطبية والرسالة ثم قدم القاهرة فحفظ مختصر الشيخ خليل وألفية ابن مالك فلازم في الفقه البرهان اللقاني والسنهوري، وأخذ العربية عن الأخير والأصول مع العربية عن الجوجري والمنطق عن التقي الحصني، وجلس بباب البرهان اللقاني أيام قضائه. ولد وقت صلاة الجمعة عاشر المحرم سنة سبع وخمسين وثمانمائة -اهـ- من السخاوي. قال القرافي: ومات كما وجدته بخط الداودي يوم الأربعاء رابع عشر ربيع الثاني سنة خمسين وثلاثين وتسعمائة- اهـ. ولم يخلق بعده مثله، وعم نفعه في الفتوى، عكف عليه الناس وتزاحموا عليه، انفرد بإقراء مختصر الشيخ خليل وتفقه عليه شيوخنا وله تحريرات بديعة من الطرر عليه موجودة عند بعض الأصحاب، وذكر أنه كتب حاشية عليه فلما ظهرت حاشية ابن غازي وجدت موافقة لما حرره بالمعنى فامتنع من إظهار حاشيته وكان ينفر من قراءة حاشية ابن غازي عنده في درسه، وله مكاشفات ¬

_ (¬1) سلوة الأنفاس 1: 268، 2: 7. (¬2) جذوة الاقتباس ص 1319، القسم الأول. (¬3) توشيح الديباج ص 201، الضوء اللامع 7/ 227، شجرة النور الزكية ص 261.

719 - محمد بن أحمد بن أبي محمد التازختي.

عديدة عجيبة. أخذ عن زروق وانتفع بعلمه وعمله وداوم خدمته وحصل له بذلك خير كثير- اهـ. وقال أيضًا: هو وأخوه الناصر من العلماء الأجلاء العاملين، عليهما مدار المذهب بمصر، وهو أكبر سنًا وأكثر فقهًا، له قدم راسخ في الكشف، اجتمع بعدة أولياء من المصريين والمغاربة، وأخوه ناصر الدين أكثر تحريرًا وتحقيقًا في العلوم العقلية. زاد النفع يه لطول عمره واشتغاله ليلًا ونهارًا وكثرت تلامذته- اهـ. 719 - محمد بن أحمد بن أبي محمد التازختي. شهر بأيد أحمد، بهمزة مفتوحة ثم ياء ساكنة ثم دال مفتوحة بعدها، اسم أحمد ومعناه بلغتهم أبركان شيخنا فقيهًا عالمًا علامة محققًا فهامة محدثًا متفننًا رحلة شهيرًا محصلًا نافذًا جيد الخط والفهم حسن الإدراك كثير النزاع. قرأ ببلده على جدي الحاج أحمد بن عمر وعلى خاله الفقيه علي وحصل ثم وحل إلى تكدة فلقي بها المغيلي وحضر دروسه، ثم الشرق صحبة سيدنا الفقيه محمود فلقي أجلاء كشيخ الإسلام زكريا والبرهانين والقلقشندي وابن أبي شريف وعبد الحق السنباطي في جماعة فأخذ عنهم علم الحديث وسمع وروى وحصل ودأب حتى تميز في فنونه وصار في أعداد المحدثين. ولقي الشمس اللقاني والناصر أخاه حضر دروسهم وتصاحب مع أحمد بن عبد الحق السنباطي وأجازه من أهل مكة أبو البركات النويري وابن عمه عبد القادر وعلي بن ناصر الحجازي وأبو الطيب البستي وغيرهم، واجتهد حتى صار من محصلي العلماء ثم قفل للسودان فنزل بلدة كشن فأكرمه صاحبها غاية وولاه قضاءها. وتوفي بها في حدود ست وثلاثين وتسعمائة عن نيف وستين سنة، له تقاليد وطرر على مختصر خليل وغيره.

720 - محمد بن إبراهيم التتائي

720 - محمد بن إبراهيم التتائي (¬1). بتاءين فوقيتين مخففتين، أبو عبد اللَّه شمس الدين المصري قاضي القضاة بها، قال البدر القرافي: كان موصوفًا بدين وعفة وصيانة وفضل تواضع، تولى القضاء ثم تركه وأقبل على الاشتغال والتصنيف. له يد طولى في الفرائض شرح المختصر بشرحين سمى الكبير فتح الجليل والآخر جواهر الدرر وشرح ابن الحاجب الفرعي في سفرين لخصه من التوضيح، وشرح الإرشاد لابن عساكر والجلاب والقرطبية والشامل ولم يكمله، ومقدمة ابن رشد وألفية العراقي، وله حاشية على شرح المحلي على جمع الجوامع وغيرها في الفرائض والحساب والميقات، كما وجدته بخط بعض أصحابنا، وأنكر بعض أصحابه أن يكون حشي على المحلي، سمعت بعض أشياخي يقول: أخذ ما تعب فيه أبو الحسن الشاذلي مما جمعه في شروحه على الرسالة الستة ووضعه في شرحه باختصار، توفي بعد الأربعين وتسعمائة- اهـ. قلت: ما قاله بعض شيوخه غير مسلّم، بل من وضع شرحه على خليل وغيره، ولا يصعب عليه وضع شرح على الرسالة حتى يستعين بما ذكره، وإنما هو تحامل وعصبية، اللهم غفرًا، واللَّه أعلم. على أن شرحه الكبير على خليل فيه مواضع كثيرة جدًّا حصل له فيها الوهم نقلًا وتقريرًا وبحثًا تتبعها سيدي والدي ثم شيخنا الفقيه محمد بغيع، كما سيأتي في ترجمته. أخذ صاحب الترجمة عن السنهوري والشيخ داود وأحمد بن يونس القسنطيني وعن زكريا وسبط المارديني وغيرهم. 721 - محمد بن عبد الرحمن بن حسين (¬2). أبو عبد اللَّه الرعيني، أندلسي الأصل الطرابلسي ثم المكي عرف بها بالحطاب، ولد بطرابلس وتفقه على محمد الفاسي وعلى أخيه في المختصر، ثم ¬

_ (¬1) ترجمته في توشيح الديباج ص 186، وشذرات الذهب 8: 224، كشف الظنون ص 1628، ومعجم المؤلفين 8/ 194، وإيضاح المكنون 1/ 201 - 334 و 2/ 449. وهدية العارفين 2/ 236. (¬2) انظر أعلام ليبيا للزاوي، ومعجم المؤلفين العرب الليبيين، وألف سنة من الوفيات ص 299.

722 - محمد بن علي بن أبي الشرف التلمساني

تحول مع أبويه وأخويه إلى مكة سنة سبع وسبعين وحضر عند السراج معمر في الفقه وجلس للإقراء في الفقه والعربية. ولد وقت صلاة الجمعة في العشر الأواخر صفر سنة إحدى وستين وثمانمائة -اهـ- من السخاوي. قلت: وأخذ أيضًا عن السنهوري والشيخ عبد المعطي بن خصب ويحيى العلمي وقاضي المدينة محمد بن أحمد السخاوي والإمام أحمد زروق والحافظ أبي الخير السخاوي المذكور والشمس الراعي بن الناصر الشافعيين وغيرهم، ذكر ذلك ولده العلامة محمد الحطاب، وأخذ عنه جماعة كوليد وغيرهما، وبيان حيًا في حدود أربع وأربعين وتسعمائة. 722 - محمد بن علي بن أبي الشرف التلمساني (¬1). الشريف الحسني، أخذ عن ابن غازي والقون وغيرهما، له تعليق على شفاء عياض في سفر سماه المنهل الأصفى في شرح ألفاظ الشفا لخصه من شرح العلامة الحافظ محمد بن الحسن أبركان، ومن شرح الزموري مع أشياء من كلام ابن مرزوق والشمني، كتب له على ظهره ابن غازي: طالعت بعض هذا المجموع فأعجبني، وذلك في عام ثمانية عشر وتسعمائة- اهـ. ولم أقف على وفاته. 723 - محمد بن عبد الكريم بن أحمد الدميري. نسبة لبعض قرى مصر بغربيها، قال سبطه البدر القرافي: ولد بها وحفظ القرآن ثم قدم القاهرة فشغل بالعلم وبرع في الفقه، تولى قضاءها معتمدًا عليه في المهمات ومشارًا إليه في علم القضاء والنوازل وصحيح الوثائق، لا يقر على باطل يضرب بوثيقته المثل، يملي وثيقتين على كاتبين في وقت واحد لا يجف قلم أحدهما. أخذ عن الشمس التتائي وغيره وخطب الغورية ودرس بالطولوني الفقه والحديث وبالمنصورية والأشرفية والشيخونية وغيرها الفقه، وكان ذا همة ¬

_ (¬1) انظر توشيح الديباج ص 215.

724 - محمد ماغوش أبو عبد الله التونسي

وصرامة وشهامة منفذًا للأحكام يهابه الخصوم، استقر في القضاء منفردًا، مع وجود شيوخه نائبًا عن القاضي الرومي، وكان الناصر اللقاني إذا عرضت عليه فتوى تحرز فيها ويقول: يحتمل أن يقول الدميري: أردت وجهًا شرعيًا بلفظ كذا. له نظم لطيف وشرح من أول المختصر لصلاة السفر ومن البيوع للجراح. توفي ثاني عشر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة. 724 - محمد ماغوش أبو عبد اللَّه التونسي (¬1). عالمها وفقيهها الإمام العلامة الكبير الحافظ المحقق المعقولي البارع، قرأ بتونس فحصل، وكان أعلم أهلها بالمعقولات، ثم لما أُخذت تونس خرج عنها، ورحل لبلد الروم، دخل اسطنبول فلقي علماءها فأثنوا عليه عند السلطان سليمان فأكرمه، وطلب منه الإقامة بها فامتنع، ورجع إلى مصر واجتمع بعلمائها وتعجبوا من درجته في الفنون فأدركته الوفاة بها في قرب ومات في حدود خمسين ظنًا، وذكر من حفظه أنه يحفظ صحيح البخاري، أخذ عنه الشيخ اليستيني الفاسي وغيره. 725 - محمد بن حسن الشيخ ناصر الدين اللقاني (¬2). شيخ شيوخنا الإمام العلامة المحقق الفهامة بقية السلف ذو الفضائل العديدة والعلوم النفسية، قال القرافي: شارك أخاه في غالب شيوخه وأخذ عن علامة المعقولات منلا على العجمي وغيره، وجلس لإقراء العلوم على اختلافها على وجه لم يشاركه فيه أهل عصره من فك العبارات وتحريرها والنظر فيها، فأقرأ تفسير البيضاوي وأصله والطوالع والعضد وتلخيص المفتاح وشرحي السعد والمحلي على السبكي والشمسية ومغني ابن هشام والألفية وشرحها والرضي وغيرها والتهذيب مرتين بمطالعة أبي الحسن الزرويلي وابن الحاجب بالتوضيح ومختصر خليل وغيرها من الفقه نحو ستين سنة لا يفتر عن الاشتغال والأشغال طول نهاره، ولذا لم يصنف أشياء إلا ما كتب على الطرر على نسخة ¬

_ (¬1) ترجمته في شجرة النور الزكية ص 273، 1015. (¬2) توشح الديباج ص 202.

726 - محمد أبو السعادات بن أبي القاسم.

التوضيح، وكنت سببًا في جمعه بعد موته فجاءت في مجلدين لطيفين بعد أن صمم وارثه على الامتناع من ذلك فعمّ النفع به، ونسب إليه تقييد على المحلي شارح السبكي جرد من خطه، وعلى شرح السعد للعقائد وعلى شرحه أيضًا للتصريف الغزي وشرح خطبة المختصر. ودارت عليه الفتوى بمصر بعد موت أخيه لإشارته له بذلك وكتب قليلًا في حياته واستفتى من سائر الأقاليم في العلوم العقلية والنقلية، وكان حافظًا لناموس العلم لا يدخل بيت أمير ولا غيره بل صلى نائب السلطان الجمعة بجامع الأزهر وطلب الاجتماع به فأرسل إليه لا يأتيني ويزكني أدعو له في موضعي، ولم يجتمع به وامتنع من الولاة والدخول في دنياهم. وتجرّد في آخر عمره عن الدنيا وفرق ماله بيده على أماثل طلبة الفقراء لوجهه تعالى، وأنكر على من حسّن له إبقاءه بيده خوف الفقر في آخر العمر وقال: تريد أن تغشني في آخرتي وأعرض عنه. وبالجملة فهو آخر من انتهت إليه رياسة العلم بمصر ممن رأيناه لم يبق من أهل المذاهب المخالفة وغيرهم إلا من طلبته وطلبة طلبته. توفي في شعبان سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، مولده كتبه بخطه سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة وكثر النفع به لطول عمره وجميل صبره على الطلبة من المذاهب الأربعة في العلوم العقلية، فشيوخ الوقت كلهم من طلبته، وطلب وكيل السلطان الاجتماع به فقال: إن عدل عن الاجتماع بي دعوت له وإلا فلا -اهـ- ملخصًا. قلت: وأخذ عنه شيوخنا كسيدي والدي أحمد بن أحمد وسيدي القاضي العاقب أجازه جميع ما يجوز له، وشيخنا الفقيه محمد بغيع وأخيه أحمد، والحمد للَّه تعالى. 726 - محمد أبو السعادات بن أبي القاسم. أحمد بن الشيخ عبد القادر المكي، من فقهائها نقل عنه عصريه سيدي الحطاب في شرح المختصر، ثم رأيت في بعض تقاييده أنه أخذ عن جده

727 - محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن حسن الرعيني المغربي الأصل المكي المولد، شهر بالحطاب

قاضي القضاة عبد القادر المكي والشرف العلمي والعلامة الفهامة سعيد الدكالي المغربي ووالده العلامة الحافظ محمد بن سعيد الدكالي والعلامة العارف باللَّه أحمد زروق والعلامة سراج الدين البياني المغربي وعن الشمس السخاوي والشهاب أحمد الصنهاجي المغربي والعلامة القطب الطبري والعلامة المجد إسماعيل اليمني والعلامة الشريف عبد اللَّه الامحي الشافعي، والعلامة العارف باللَّه البرهان المواهبي الحنفي وغيرهم وأنه ولد في عاشر ذي الحجة عام سبعة وستين وثمانمائة، وكان حيًا عام ثلاثة وعشرين وتسعمائة. 727 - محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن حسن الرعيني المغربي الأصل المكي المولد، شهر بالحطاب (¬1). شيخ شيوخنا الإمام العلامة المحقق البارع الحافظ الحجة الجامع الثقة النظار الورع الصالح الأبرع الجليل، كان من سادات العلماء وسراتهم جامعًا فنون العلم متقنًا محصلًا متفننًا نقادًا عارفًا بالتفسير ووجوهه، محققًا في الفقه وأصوله عارفًا بمسائله مقتدرًا على استنباطه يقيس على المنصوص غيره، حافظًا كبيرًا للحديث وعلومه محيطًا باللغة وغريبها عالمًا بالنحو والتصريف فرضيًا حسابيًا معدلًا محققًا لها، له الإمامة المطلقة في ذلك جامعًا لسائر الفنون. وبالجملة فهو آخر الأئمة المتصرفين في الفنون التصريف التام بالحجاز وآخر أئمة المالكية بها. له تآليف بارعة تدل على إمامته وسعة علمه وحفظه وسيلان ذهنه وقوة إدراكه وجودة نظره وحسن اطلاعه، يستدرك فيها على الأئمة الفحول كابن عبد السلام وخليل وابن عرفة فمن فوقهم، وفي الحديث على الحفاظ كابن حجر والسخاوي والسيوطي وناهيك به في درجته. أخذ الفقه وغيره عن جماعة كوالده الحطاب الكبير والعلامة أحمد بن عبد الغفار والعارف باللَّه محمد بن عراق، وروى عن الحفاظ الشيخ عبد القادر ¬

_ (¬1) ترجمته في هدية العارفين 2: 242، كشف الظنون ص 1628، أعلام ليبيا، معجم المؤلفين العرب الليبين.

النويري وابن عمه المحب أحمد بن أبي القاسم النويري والبرهان القلقشندي والعز عبد العزيز بن فهد والجمال الصاني وعبد الرحمن القابوني وغيرهم وأجازوه. وأخذ عنه الشيخ عبد الرحمن التاجوري والشيخ محمد القيسي وولده شيخنا يحيى الحطاب وشيخنا محمد الفلاني وغيرهم. وألف تآليف حسانًا أجاد فيها ما شاء كشرحه على مختصر خليل، مات عنه مسودة فبيضه ولده الشيخ يحيى في أربعة أسفار كبار، وفيه دليل على جودة تصرفه وكثرة اطلاعه وحسن فهمه، لم يؤلف على خليل مثله في الجمع والتحصيل بالنسبة لأوائله والحج منه، استدرك فيه أشياء على خليل وشراحه وابن عرفة وشراح ابن الحاجب وغيرهم، وشرح مناسك خليل شرحًا حسنًا وشرح قرة العين في الأصول لإمام الحرمين وألّف في مسائل إلزام الإنسان نفسه معروفًا سماه تحرير الكلام في مسائل الالزام، حسن في نوعه لم يسبق إليه ومناسك سماه هداية السالك المحتاج لبيان فعل المعتمر والحاج في كراسين وشرح رجز ابن غازي في نظائر الرسالة سماه تحرير المقالة وكتاب تفريج القلوب بالخصال المكفرة لما تقدم وما تأخر من الذنوب جمع فيه بين تأليفي الحافظ بن حجر والسيوطي وزاد عليهما في كراسة، والبشارة الهنيئة بأن الطاعون لا يدخل مكة والمدينة والقول المتين بأن الطاعون لا يدخل البلد الأمين وعمدة الراوين في أحكام الطواعين، والمقدمة التي بسط فيها مسائل الآجرومية وثلاثة رسائل في استخراج أوقات الصلاة بالأعمال الفلكية من غير آلة من الآلات كبرى ووسطى وصغرى كمل منها الوسطى وانتشرت. ومؤلف يشتمل على تفضيل نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- على جميع الأنبياء والمرسلين وعلى تفضيله على الملائكة وما يلزم من فضل عليه أحدًا من الأنبياء والملائكة، ومؤلف في استقبال عين الكعبة وجهتها والفرق بين العين والجهة جعله شرحًا على كلام صاحب الاحياء في كتاب السفر لطيف جدًّا في نصف كراس مفيد، ومختصر إعراب الألفية لخالد الأزهري مع يسير من زيادة في أربعة كراريس،

728 - محمد بن أحمد بن عبد الرحمن اليستني الفاسي

وله عدة تآليف لم تكمل منها: تفسير القرآن وصل فيه لسورة الأعراف وحاشية على تفسير البيضاوي وحاشية على الاحياء نحو ثلاثة أرباع الكتاب وصل فيه إلى أواخر ذم الجاه، وشرح قواعد عياض وصل فيه إلى أثناء القاعدة الثانية وحاشية على شرحها للقباب وقواعد على نمط قواعد عياض وصل فيه إلى القاعدة الثانية وتعليق على ابن الحاجب يتضمن ما أطلقه من الخلاف والتنبيه على ما خالف فيه المشهور والمذهب وصل فيه إلى سنن الصلاة، وتعليق في المسائل التي انفرد بها الإمام مالك وذكر فيه بعض مسائل وتعليق في المسائل التي لم يقف فيها على نص في المذهب، وتعليق على ما في كلام بهرام في شروحه الثلاثة مما فيه الاشكال ومخالفة للمنقول لم يتم وإنما كتب منه يسيرًا، وتعليق على الجواهر وصل فيه إلى شروط الصلاة، وتعليق على ابن عرفة يتضمن الكلام على تعريفاته والتنبيه على بعض اعتراضاته من كلامه كتب منه يسيرًا، وحاشية على توضيح النحو وشرح الشيخ خالد عليه وشرح على مختصر الحوفي وصل فيه إلى المناسخات، وتعليق جميع المواضع التي غلّط فيها صاحب القاموس صاحب الصحاح وتعليق يذكر فيه الألفاظ العربية التي فسر صاحب الصحاح كل لفظ منها بمرادفه فاستغنى بها عن التفسير كقوله في فصل الجيم في باب الباء: الجدب نقيض الخصب ثم قال في فصل الخاء: الخصب بالكسر نقيض الجدب، ثم يفسر الشيخ كل واحد من اللفظين بما قاله أهل اللغة، وحاشية على الشامل وصل فيه إلى شروط الصلاة وحاشية على الإرشاد وصل فيه إلى الاستقبال وتأليف في القراءات وحاشية على قطر الندى في النحو. مولده ليلة الأحد ثامن عشر من رمضان سنة اثنين وتسعمائة، وتوفي يوم الأحد تاسع ربيع الثاني سنة أربع وخمسين. 728 - محمد بن أحمد بن عبد الرحمن اليستني الفاسي (¬1). قال تلميذه أبو العباس المنجور: شيخنا الفقيه العلامة الإمام المحقق الجامع بين المعقول والمنقول الحاج الخطيب المفتي الصالح، كان مجتهدًا في ¬

_ (¬1) انظر. ترجمته في شجرة النور الزكية ص 283، سلوة الأنفاس 3: 59، الأعلام 6: 6.

طلب العلم نابذًا للراحة والرفاهية مازال يدرس حتى مات لا يتكلف في لباسه وطعامه وشأنه كله، حريصًا على نشر العلم لا يمنع كتابًا من الطلبة. قرأ على الإمام ابن غازي قليلًا وعلى الفقيه يحيى السوسي الفقه والأصلين وعلى الفقيه أبي العباس الزقاق مختصر خليل والألفية والتفسير والحديث وغيرها، وعلى الأستاذ أبي عمران الزواوي لازمه كثيرًا، وعلى المفتيين ابن هارون وعبد الواحد الونشريسي والمحدث سقين العاصمي لازمه، والإمام الصالح المتفنن أبي العباس الحباك قرأ عليه تفسير ابن عطية وقال: ما أدركت أورع منه، ثم اشتغل بالتصوف وصحبة الصالحين فحسنت أخلاقه وكثرت صدقاته وحرصه على الخير كثير البكاء سريع الدمعة، ثم ارتحل فلقي بتلمسان جماعة كالفقيه الفتي الكبير الصالح محمد بن موسى والإمام المتفنن أبي عثمان سعيد المنوي وبقسنطينة فقيهها العالم المحقق المتفنن الصالح عمر الوزان والفقيه الأصولي المتفنن محمد العطار. كان قائمًا على الطوالع وبتونس إمام المعقولات ماغوش وقاضيها أبي العباس أحمد سليطين والمعقولي الصوفي محمد الحويحب والفقيه الشريف ابن علي والفقيه القاضي أبي القاسم البركشي وخطيبها ومفتيها أبي محمد حسن الزلديوى والفقيه الأصيل أبي عبد اللَّه بن عبد الرفيع، له قدم في المنطق وأبي عبد اللَّه البياشي. كان غاية في تقرير أصلي ابن الحاجب فأخذ عنهم وبمصر عن الأخوين الفقيهين شمس الدين وناصر الدين اللقانيين عام أحد وثلاثين والفقيه المفسر الصوفي أبي الحسن البكري والشيخ البحيري، وبمكة الشيخ ملا عبد الرحمن العجمي والشيخ الصالح محمد الحطاب والفقيه المتفنن عبد العزيز اللمطي، ثم رجع لفاس سنة اثنين وثلاثين فدرّس بها، وكان يطيل الدرس بالنقل والبحث، ثم حصل له كلل وملل. كان متواضعًا يحضر مجالس أقرانه، لازمته نحو إحدى عشرة سنة فأخذت عنه الفقه والأصلين والنحو والبيان والحديث والتفسير حتى توفي ليلة

729 - محمد بن مهدي الدرعي الجراري

الأربعاء فاتح تسعة وخمسين، ولما احتضر كبّر إحدى عشرة مرة ثم قضى وتنوّر لونه بعد موته وقال غاسله، وكان صالحًا، ما رأيت مثل نوره لميت، صلى عليه السلطان فمن دونه. مولده سنة سبع وتسعين وثمانمائة. وكان شديد التغيير للمنكر لا يتمالك عند رؤيته حتى يغيره بيده وكثيرًا ما يحسد ويؤذى فيصبر، أصله من يسيتن بربر من أعمال دبد ينتمون للشرف، كان أبوه وجده ينتمون لذلك وتورع هو عنه. أخذ عنه جماعة كأبي الحسن السكتاني قاضي مراكش. له تآليف منها: جزء على التاجوري في تصحيح قليلة فاس والرد على مخلوف البلبالي في إنكاره القول بطهارة بول المريض الذي باله بأوصاف الماء بلا تغير، وكان مخلوف ألف فيه تأليفًا رد به على من نقل طهارته سلك فيه طريقة المعقول فناقصه، والرد على عبد الوهاب الزقاق في زعمه صحة الخلف في وعيده تعالى، وشرح مختصر خليل وصل إلى النواقض وتأليف في حقوق السلطان على الرعية وحقوقهم عليه، وتأليف في الرد على من زعم أن لا إله إلا اللَّه لا ينتفي بها ألوهية صنم وغيره ونحوه مما عبد دونه تعالى -اهـ- ملخصًا. 729 - محمد بن مهدي الدرعي الجَراري (¬1). وجرار، بفتح الجيم، على وزن فعال نسبة لقبيلة من العرب بسوس الأقصى، قال تلميذه عبد الواحد الشريف في فهرسته: كان آية في حسن الطوية وسلامة الصدر وحسن الخلق والأنقباض عن الدنيا وزينتها والزهد فيها، دعاه الملوك لدنياهم فما التفت إليها وأعطوه صلات فلم يئن لها عنانًا مع فادح الضرورة. كساه اللَّه هيبة عندهم فلا أذل في نفسه من العمال فلا يلقي لهم بالًا ولا يرون منه اهتبالًا، أفنى عمره في العلم والتعليم صبورًا في ذلك فانتفع به كل من قرأ عليه لصلاح نيته وسيرته في الإقراء والاقتصار على تصحيح المتن ¬

_ (¬1) انظر ألف سنة من الوفيات ص 311.

730 - محمد بن محمود بن عمر بن محمد أقيت بن عمر بن علي بن يحيى الصنهاجي قاضي تنبكت

وحل المشكل وإيضاح المقفل ويقول: حقيقة الإقراء تصحيح المتن وحل المشكل وزيادة غيره ضررها بالمتعلم أكثر من نفعها، ويحكيه عن ابن عرفة أو غيره، كان سهل الخلق ذا ذهن ثاقب وتواضعٍ، مواظبًا على وظائف العبادات معمور الأوقات بالأوراد مستمر الإقراء دائمًا صباحًا ومساءً كثير الإفادات والإنشادات، ورأينا له من صالح الحالات وإجابة الدعوات وعموم البركات ما هو معروف للصالحين. قرأت عليه صحيح البخاري مع بحث وعربية ومعنى وأربعينيات النووي والتهذيب ورجز التلمساني والونشريسي في الفرائض والخزرجية في العروض ومغني ابن هشام وقوانين ابن أبي الربيع في النحو وتنقيح القرافي وبعض شرحه وتشوف التادلي وشرح صغرى السنوسي وغيرها، وسمعت تفسير ابن عطية وغيره وحكم ابن عطاء اللَّه وشرحها ومختصر ابن الحاجب وخليل والألفية واللامية. ولا أشرف على معترك المنايا صرف أكثر عنايته لصالح الأعمال فامتطى الليل جملًا وبلغ في طاعة ربه أملًا فلا يزال لسانه رطبًا بذكره تعالى وقلبه منيبًا مع التزهيد في الدنيا ومعاناة شاق الأعمال حتى توفي ليلة الخميس حادي عشرين من جمادى الأولى سنة تسع وسبعين وتسعمائة، مولده آخر يوم من ذي الحجة سنة اثنين وتسعمائة. 730 - محمد بن محمود بن عمر بن محمد أقيت بن عمر بن علي بن يحيى الصنهاجي قاضي تنبكت (¬1). كان، رحمه اللَّه، على ما أخبرني به والدي، ذا فهم ثاقب وذهن صاف واقد، فهامًا دراكًا من دهاة الناس وعقلائهم، تولى القضاء بعد أبيه فساعدته السعادة فنال ما شاء من دولة ورياسة تفيأ منها ظلًا ظليلًا واكتسب من الدنيا عريضًا وطولًا، له تعليق على رجز المغيلي في المنطق. أخذ عنه والدي البيان والمنطق وتوفي في صفر سنة ثلاث وسبعين، السنين مولده سنة تسع وتسعمائة. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 284.

731 - محمد بن مجبر الفاسي.

731 - محمد بن مجبر الفاسي. قال المنجور في فهرسته: شيخنا الفقيه الأستاذ العروضي المتفنن، كان متقنًا للقراءات حفظًا وفهمًا، فاق أقرانه فيها مع رسوخ القدم، وتحقيق الألفية وشروحها واعتناء بالمرادي، قيد عليه كثيرًا عن شيخه الزواوي ويحيى السوسي مشاركًا في الفقه يحفظ ابن الحاجب وقرأه مرارًا على عبد الواحد الونشريسي وأخذ الفرائض عن أبي القاسم الكوشي الدرعي وعن ابن هارون، وحضر على أبي العباس الزقاق في الفقه والتفسير، ويحفظ السبع حفظًا بالغًا يستحضر نصوص الشاطبية، له أبحاث ونكت مع المكودي على الألفية جمعها عن شيوخه، ومن شروح التسهيل قيدها الطلبة، ولد في حدود ثمان وتسعين وثمانمائة- اهـ. قال عبد الواحد الشريف: كان غاية في صلاح النية والبعد عن الأخلاق الردية وإضمارًا الخير لكل البرية، مقبلًا على ما يعنيه لا يخوض فيما لا ينبغي مع عفة ونزاهة ومسكنة وقناعة ووقار وخلق، عليه المدار في قطره في تحقيق السبع وأحكامها مع انفراده بحمل لواء النحو وتحقيقه، له إيراد يهز النفوس سماعه واشكال يحير الأفكار إبداعه -اهـ- ملخصًا. 732 - محمد بن محمد محب الدين بن أحمد الفيشي، أحد أعيان مالكية مصر (¬1). أخذ عن الناصر اللقاني والشمس التتائي والدميري والشرف الطخيخي والزينين البحيري الأجهوري والفتح الوفائي، قرأ عليهم مختصر خليل وأكثر ابن الحاجب على الأجهوري، والبخاري على السراج العبادي ويوسف السالمي الشهير بالجمل من بقية السادات وشيخ الإسلام التنوخي الحنبلي والشمس الأبودري وغيرهم. ولد في رجب عام سبعة عشر وتسعمائة. وقال البدر القرافي في فهرسته: شيخنا علم المحدثين صاحب السند المتن، الزاكي خَلقًا وخُلقًا ابن الشيخ محب الدين ابن الإمام الحجة عين القضاة الأخيار الشهاب الفيشي، بفاء مكسورة فمثناة تحتية ثم شين معجمة ثم ¬

_ (¬1) انظر شجرة النور الزكية ص 280، هدية العارفين 6: 226.

733 - محمد بن عبد الرحمن بن جلال وبه عرف، التلمساني نزيل فاس مفتيها

ياء، نسبة لبعض قرى مصر، حاله حسنة كامل الدين والخير والصلاح يعامل اليتامى بكل جميل، مع الذكاء الثاقب وحسن حال جدًّا، قرأت عليه أول سيرة شيخه الإمام ختام المحدثين محمد الشامي الشافعي المسمى سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، ومن شيوخه الشمس اللقاني محمد بن عمر الفشلي وأحمد ابن النجار والمسند الرحلة عبد العزيز الأزدي -اهـ- ملخصًا. 733 - محمد بن عبد الرحمن بن جلال وبه عرف، التلمساني نزيل فاس مفتيها (¬1). قال المنجور: كان فقيهًا موحدًا مشاركًا مفتيًا خطيبًا، أفادني في الفقه والعقائد والحديث والأدب وغيرها، أخذ عن الفقيه المفتي الصالح أبي عثمان سعيد المنوي والأستاذ المحقق أحمد بن أطاع اللَّه، وحضر في التفسير عند الفقيه الفسر النوازلي عبد الملك البرجي، كان ذا تؤدة وسكون وهمة وسخاء. توفي بفاس في رمضان سنة إحدى وثمانين، مولده سنة ثمان وتسعمائة. 734 - محمد شقرون بن هيبة الوجديجي التلمساني مفتي مراكش (¬2). قال المنجور: كان فقيهًا علامة مشاركًا، ترب الفقيه ابن جلال ومشاركه في شيوخه، نافذًا في الفروع منطبعًا معها، مشاركًا في الفرائض والحساب والبيان والمنطق. توفي آخر سنة ثلاث وثمانين عن خمس وسبعين سنة- اهـ. وله شرح على التلمسانية وأخذ عنه صاحبنا إبراهيم الشاوي. 735 - محمد البنوفري وبه عرف (¬3). المصري الفقيه الصالح الزاهد الورع، من أعيان فقهائها مشهورًا بالدين والخير والورع والزهد، أخذ عن الناصع اللقاني والتاجوري وغيرهما، واتفرد أخيرًا برياسة المذهب مع شهوته يالديانة، كان، على ما قيل، يختم إقراء ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرد النور الزكية ص 285. (¬2) انظر شجرة النور الزكية ص 285. (¬3) انظر شجرة النور الزكية ص 281.

736 - محمد بن محمود بن أبي بكر الونكرمي التنبكتي عرف ببغيع

مختصر خليل في أربعة أشهر ويمشي لرباط اسكندرية أربعة أشهر ويحج في أربعة أشهر، هذا حاله في العام. توفي في حدود سنة ثمان وتسعين وتسعمائة. 736 - محمد بن محمود بن أبي بكر الونكرمي التنبكتي عرف ببغيع (¬1). بباء مفتوحة فغين معجمة فياء مضمومة فعين مهملة مضمومة، شيخنا وبركتنا الفقيه العالم المتفنن الصالح العابد الناسك المفتي، من خيار عباد اللَّه الصالحين والعلماء العاملين مطبوعًا على الخير وحسن النية وسلامة الطوية والانطباع على الخير واعتقاده في الناس حتى كاد يتساوى عنده الناس في حسن ظنه بهم وعدم معرفة الشر، مع السعي في قضاء الحوائج وارتكاب ضرر نفسه فيه والتفجع لمكروههم والإصلاح بينهم ونصحهم إلى محبة العلم وملازمة تعليمه ودرسه وصرف أكثر وقته فيه ومحبة أهله والتواضع التام ومساعدتهم والاعتناء بهم وبذل نفائس الكتب الغريبة العزيزة لهم، بحيث لا يفتش بعد ذلك عنها كائنًا ما كان من جميع الفنون فضاع له بذلك جملة من كتبه نفعه اللَّه تعالى بذلك. وربما يأتي لباب داره طالب فيرسل له براءة فيها اسم كتاب بطلبه فيخرجه من الخزانة ويرسله له من غير معرفته من هو فكان في ذلك العجب العجاب إيثارًا لوجهه تعالى، مع محبته للكتب وسعيه في تحصيلها شراء ونسخًا، وقد جئته يومًا أطلب منه كتب نحو ففتش في داره فأعطاني كل ما ظفر به منها، وكان له صبر عظيم على التعليم آناء النهار وحصل على ايصال الفائدة للبليد بلا ملل ولا كسل حتى يضجر حاضروه وهو لا يكثرت، فنفع اللَّه به كثيرًا حتى سمعت بعض أصحابنا يقول: أظن هذا الفقيه شرب ماء زمزم لئلا يمل في الإقراء تعجبًا منه لما رأى من صبره، مع ملازمة العبادة وصلاح النية والتجافي عن رديء الأخلاق وإضمار الخير لجميع البرية حتى للظلمة، مقبلًا على ما يعنيه متجنبًا الخوض في الفضول. ¬

_ (¬1) انظر صفوة من انتشر ص 101، شجرة النور الزكية ص 287، خلاصة الأثر 4: 211، الأعلام للزركلي.

ارتدى من العفة والمسكنة أزين رداء، وأخذ بيده من النزاهة أقوى لواء مع سكينة ووقار وحسن أخلاق سهلة الورود والإصدار فألقى له المحبة في القلوب كافة وأثنوا عليه بلسان واحد إلى الغاية، فلا ترى إلا محبًا له مادحًا ومثنيًا بالخير صادقًا اتفق على هديه الألسنة وائتلفت عليه الأفئدة، طويل الروح في التعليم لا يأنف من مبتدئ ولا بليد. أفنى فيه عمره مع تشبته بحوائج العامة وأمور القضاة إذ لم يصيبوا عنه بديلًا ولا نالوا له مثيلًا، طلب من جهة السلطان بتولية قضاء محل السلطنة فأنف منه وامتنع وأعرض عنه واستشفع فخلصه اللَّه تعالى، لازم الإقراء لاسيما بعد موت سيدي أحمد بن سعيد، أدركته أنا يقرئ من صلاة الصبح أول وقته إلى الضحى الكبيرة دولًا مختلفة ثم يقوم لبيته ويصلي الضحى مدة وربما مشى بعدها للقاضي في أمر الناس ويصلح بين الناس، ثم يقرأ في بيته وقت الزوال ثم يصلي الظهر بالناس ويدرس إلى العصر ثم يصليها ويذهب إلى موضع آخر يدرس فيه إلى الاصفرار أو قرابه وإذا صلى المغرب درس في الجامع إلى العشاء ثم رجع لبيته، وسمعت أنه يحيي آخر الليل دائمًا. وكان مع ذلك محققًا دراكًا ذكيًا فطنًا غواصًا على اللطائف حاضر الجواب سريع الإدراك وجودة الفهم معروفًا بذلك، أخذ العربية والفقه على أبيه القاضي الصالح محمود وعلى خاله الفقيه الصالح ثم رحل لتنبكت مع أخيه الفقيه الصالح أحمد فلازما الفقيه أحمد بن سعيد في المختصر ثم حجا مع خالهما فلقوا بمصر الناصر اللقاني والتاجوري والزين البحيري والشريف يوسف والبرهمتوشي الحنفي، والشيخ الإمام ولي اللَّه محمد البكري وغيرهم فحصّلا هناك ما حصّلا. ثم رجعا بعد أداء فريضة الحج وموت خالهما فاستوطنا تنبكت فأخذا أيضًا عن ابن سعيد الفقه والحديث وقرأ عليه المدونة والموطأ والمختصر وغيرها ولازماه، وعلى السيد الوالد أحمد بن أحمد الأصول والبيان والمنطق فقرأ عليه أصول السبكي والتلخيص.

وحضر عليه شيخنا الخونجي ولازم مع ذلك الإقراء فحصل له علوم حتى صار في آخرة الحال شيخ وقته في الفنون لا نظير له. لازمته أكثر من عشر سنين فقرأت عليه بلفظي مختصر خليل وفرعي ابن الحاجب قراءة بحث وتحقيق وتحرير ختمتها عليه، أما خليل فمرارًا عديدة نحو عشر مرات أو ثمان بقراءتي وقراءة غيري، وحضرت عليه التوضيح كذلك لم يفتني منه إلا اليسير من الوديعة إلى الأقضية عليه وختمت عليه الموطأ قراءة تفهم، وحضرته كثيرًا في المنتقى والمدونة بشرح المحلي ثلاث مرات وألفية العراقي في علم الحديث مع شرحهما، وحضرتهما عليه مرة أخرى وختمت عليه تلخيص المفتاح مرتين وبعض الثالث بمختصر السعد وصغرى السنوسي مع شرح الجزيرية وحضرت عليه الكبرى وشرحها وقرأت عليه حكم ابن عطاء اللَّه مع شرح زروق عليه ونظم أبي مقرعة والهاشمية في التنجيم مع شرحها ومقدمة التاجوري فيه ورجز الغيلي في المنطق والخزرجية في العروض بشرح الشريف والدماميني وكثيرًا من تحفة الحكام لابن عاصم في الأحكام مع شرح ولده عليها، وسمعت بقراءته هو كثيرًا من البخاري ومسلمًا كله ودولًا من مدخل ابن الحاج وبقراءة غيري دروسًا من الرسالة والألفية وغيرها. وسمعت بلفظه جامع معيار الونشريسي كاملًا وهو مجلد كبير ومواضع أخر منه وباحثته كثيرًا في المشكلات وراجعته طويلًا في المهمات. وبالجملة فهو شيخي وأستاذي ما انتفعت بأحد انتفاعي به وبكتبه، رحمه اللَّه ونفعه، وأجازني جميع ما يجوز له وعنه وكتب لي بخطه في ذلك وأوقفته على بعض تآليفي وتقاييدي فكتب لي بخطه الثناء والموافقة بل كتب عني أشياء من أبحاثي لحسن نيته، وسمعته ينقل في دروسه بعضها لإنصافه وتواضعه وقبوله الحق حيث تعين. وكان حاضرًا معنا يوم الكائنة العظمى علينا بتنبكت فنجاه اللَّه تعالى، فكان آخر عهدي به، ثم بلغني وفاته بها يوم الجمعة من شوال في عام اثنين. وألف، رحمه اللَّه تعالى، وأخبرني أن مولده سنة ثلاثين وتسعمائة، وله تعاليق

737 - محمد بن يحيى بن عمر بن أحمد بن يونس المصري، عرف بالقرافي

وطرر نبه فيها على هفوات لشرح خليل وغيره وتتبع شرح التتائي الكبير من أوله التي آخره فبين ما فيه من السهو نقلًا وتقريرًا في غاية الإفادة، وقد جمعتها في عدة كراريس تاليفًا مستقلًا، وله فتاوى عديدة. 737 - محمد بن يحيى بن عمر بن أحمد بن يونس المصري، عرف بالقرافي (¬1). القاضي بدر الدين أحد شيوخ العصر، كان مشارًا إليه بالعلم والصلاح موسعًا عليه في دنياه، أخذ عن الشيخين التاجوري والأجهوري والزين الجيزي وروى الحديث عن جماعة أجلهم الولي الصالح البقية جمال الدين يوسف ابن الشيخ زكريا والعلامة العلم خاتمة المحدثين النجم الغطي والولي الصالح أبو عبد اللَّه بن أبي الصفا ابن الأستاذ محمد البكري عرف الحنفي، تولى قضاء المالكية بمصر وكان، على ما قيل، أمثل قضاته، شرح مختصر الشيخ خليل بشرح عظيم في أسفار سماه عطاء اللَّه الجليل الجامع لما عليه من شرح جميل، وله حاشية على القاموس سماه القول المأنوس وتعليق على أوائل ابن الحاجب وذيل على الديباج فيه نيف وثلاثمائة شخص في خمسة كراريس وشرح الموطأ وشرح التهذيب قصد فيه تعيين المشهور خصوصًا ما ذكره أبو الحسن في التقييد من الخلاف، هكذا ذكر هو في فهرسته، وهو الآن بقيد الحياة، حفظه اللَّه تعالى وعلماء الإسلام كلهم، مولده، على ما قال، سنة تسع وثلاثين في رمضان ليلة سبع وعشرين منه، ثم توفي عام تسعة وألف، على ما بلغنا. بقية الأسماء من حرف الميم من اسمه موسى 738 - موسى بن يحيى الصديني الفاسي أبو عمران. كان فقيهًا حافظًا، لقي أبا جعفر الأسواني وغيره ودخل الأندلس، وحدث عنه أبو الفرج عبدوس وغيره، توفي بفاس يوم الجمعة يوم عرفة سنة ¬

_ (¬1) انظر خلاصة الأثر: 4: 258، الكتبخانة 3: 166، 4: 144، 7: 247.

739 - موسى بن أبي علي الزناتي الزموري المولد والمنشأ، نزيل مراكش

ثمان وثمانين وثلاثمائة، ذكره ابن سعادة في ذيله وابن سهل في اختصار المدارك. صح من خط بعض أصحابنا. 739 - موسى بن أبي علي الزناتي الزموري المولد والمنشأ، نزيل مراكش (¬1). الفقيه الصالح المدرس المذكر أبو عمران شارح الرسالة والمدونة والمقامات وغيرها كتأليفه في المولد. أخذ عنه أبو العباس بن البنا بمراكش في العشر الأول من المائة الثامنة بل في سنة اثنين منها. صح من خط بعض أصحابنا. 740 - موسى بن محمد بن معطي العبدوسي (¬2). وبه عرف أبو عمران الفاسي مدرسها وعالمها ومفتيها، قال ابن الخطيب القسنطيني: شيخنا ومفيدنا طريقة الفقيه الشيخ الحافظ، مجلسه بفاس أعظم المجالس يحضره الفقهاء والمدرسون والصلحاء وحفاظ المدونة يحضره من نسخها بيد الطلبة نحو أربعين، وله ادلال عجيب في إقراء التهذيب، سمعته يقول: لي أربعون سنة نقرئ المدونة، وفي عام وفاته وقف قارئ الرسالة على باب الجنازة فكره ذلك الطلبة وأرادوا الزيادة ففهم وقال لهم: كرهتم الوقوف على الجنائز، واللَّه لا أقف إلا عليه فوقف القارئ وتوفي الشيخ تلك السنة. وما رأيت في الفقهاء من يعظم الشيخ يعزي أعظم منه، كان في أكثر مجالسه يذكر لنا أحواله ويشير أن ما ثم من الأولياء مثله ويحكى عنه أنه إذا حرث يخرج للضعفاء تسعة أعشار صابته ويمسك عشرها عكس الزكاة ويقول: من سعوء أدبي أخرج العشر وأتمسك بالتسعة. وذكر أن أبا الحسن بن حرزهم سجنه سلطان مراكش فقال لتلامذته في الطريق: لا ألبث في السجن فقالوا له: سبحان اللَّه اسكت وهل سجنت إلا على مثل هذه الأحوال فقال لهم ها هو الشيخ أبو يعزى ينظرني لا يتركني فإنه ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الأعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام 7: 99. (¬2) هو أبو عمران موسى بن محمد بن معطي، شهر بالعبدوسي، الفقيه الحافظ، توفي سنة 776 هـ. ألف سنة من الوفيات ص 85، شجرة النور الزكية ص 234، 235.

741 - موسى بن الحاج أبو عيسى

كل ما طلبه من مولاه يلمله له، وبينهما مسيرة خسة أيام فاطلق من ساعته. أخذ شيخنا العبدوسي عن عبد العزيز القوري والشيخ الصالح عبد الرحمن الجزولي صاحب تقاييد الرسالة، وتوفي أوائل عام ست وسبعين وسبعمائة، وكان في مجلسه يشير لنا بذلك -اهـ- من رحلته. وقال الإمام القوري: قال لي الشيخ الصالح أحمد بن مالك خديم سيدي ابن عباد: كان الشيخ العبدوسي آية اللَّه في المدونة وكان الشيوخ يقولون: فقهاء العصر على ثلاثة أقسام: من أعطى الحفظ فقط ومن أعطى الفهم فقط ومن جمعا له وهو سيدي العبدوسي، وقد قيَّد عنه شيخنا الفقيه الحافظ عمر بن موسى تقييدًا كبيرًا في عشرة أسفار على المدونة، وله تقييد آخر عليها وآخر على الرسالة- اهـ. وقال ابن الخطيب أيضًا في موضع آخر: كان له في الفقه مجلس لم يكن لغيره في زمانه، لازمته في المدونة والرسألة بفاس ثمان سنين- اهـ. قلت: وممن كان يحضره من كبار الصالحين ابن عباد وأبو حفص الرجراجي وأبو عبد اللَّه الهواري وناهيك بهم في الولاية والإمامة. 741 - موسى بن الحاج أبو عيسى (¬1). قال في الروض الهتون: شيخ شيوخنا كان إمامًا في العربية، يقوم على تسهيل ابن مالك ويقرر الألفية بجامعها الأعظم تقريرًا حسنًا وكثيرًا ما يتمثل: خلت الديار فَسُدْت غير مسوَّدٍ. . . البيت حدثني عنه بذلك الشيخ أبو عبد اللَّه ابن الأستاذ ابن جابر. 742 - موسى بن يحيى بن عيسى المازوني المغيلي (¬2). قاضي مازونة، وصفه بعضهم بالفقيه الأجل المدرس المحقق القاضي ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الدرر الكامنة 4: 375، الروض الهتون ص 24، وتمام البيت فيه: (ومن الشقاء تفرّدي بالسؤددِ). (¬2) انظر ترجمته في أعلام الخلف 5722 و 575، أعلام الجزائر ص 281.

743 - موسى الخلطي عرف بالعربي.

الأكمل، وهو والد صاحب النوازل الآتي، ولصاحب الترجمة تأليف في الوثائق سماه الرائق في تدريب الناشئ من القضاة وأهل الوثائق في مجلد وذكر فيه ما نصه من الاستغناء قال المشاور إن أوصى بثلثه لسارق فليس للقاضي عزله لأن ربه يوصي به حيث شاء، لكن يلزمه الاشهاد على التنفيذ لئلا يخون المنتخب الذي جرى به العمل عندنا كشفهم عن تنفيذ ما جعل لهم وإن كان مأمونًا وهو أحوط. ثم قال: وإذا ملك اليتيم أمره وطلب محاسبة وليه أو طلبه الوصي بفور إطلاق الوصي له لم ينفع ذلك حتى يطول الأمر طولًا تنتفي عنه به التهمة من أن يقال إنما أطلقه ليبرئه. قال أبي عن شيخه القاضي أبي محمد عبد الحق الملياني، وهو ممن يعول على قوله لمعرفته ودينه: يسحب تأخير المحاسبة بينهما سنة من وقت إطلاقه بخلاف محجور ولي القاضي فإن له محاسبته إن أحب بفور إطلاقه إذ لا تهمة عنه لأنه إنما يطلق بظهور رشده وإذن القاضي- اهـ. 743 - موسى الخلطي عرف بالعربي. أبو عمران، قال الشيخ زروق: الفقيه المدرس الإمام الخطيب مدرس المتوكلية كان يعرف المدونة ويقرئها، مع تجمله في حاله وشغله بنفسه وإقباله على حاله. توفي سنة إحدى وثمانين- اهـ. 744 - موسى بن علي الأغصاري والصلتاني أبو عمران بن القعدة (¬1). الفقيه الفرضي الحساب، ذكر بعصهم أنه أول من أدخل شامل بهرام لفاس. توفي سادس رمضان سنة إحدى عشرة وتسعمائة. ذكره الونشريسي في وفياته ووصفه بالفقيه الفرضي. 745 - مبارك المصمودي (¬2). قال الشيخ المنجور في فهرسته: كان فقيهًا نافذًا في درس مختصر خليل ¬

_ (¬1) انظر ألف سنة من الوفيات ص 156. (¬2) انظر ألف سنة من الوفيات ص 311، سلوة الأنفاس 3: 290 جذوة الاقتباس ص 334.

746 - محمود بن عمر بن محمد أقيت

يحل لفظه، قليل الزيادة عليه، ختمته عليه أربع مرات وقرأ عليّ فرائض الحوفي وتلخيص ابن البنا، وقرأ على شيوخ المصامدة واليسيتني وغيره. توفي سنة ثمانين وتسعمائة عن سن عالية. 746 - محمود بن عمر بن محمد أقيت (¬1). ابن عمر بن علي بن يحيى الصنهاجي المسوفي قاضي تنبكت أبو الثناء وأبو المحاسن عالم التكرور وصالحها ومدرسها وفقيهها وإمامها بلا مدافع، كان من خيار عباد اللَّه الصالحين العارفين به ذا ثبت عظيم في الأمور وهدى تام وسكون ووقار وجلالة، اشتهر علمه وصلاحه في البلاد وطار صيته في الأقطار شرقًا وغربًا وظهرت ديانته وورعه وصلاحه وعدله في القضاء ونزاهته، لا يخاف في اللَّه لومة لائم يهابه السلاطين فمن دونهم ويزورونه في بيته فلا يقوم لهم ولا يلتفت إليهم ويهادونه بالهدايا والتحف تترى وكان شيخنا كريمًا جوادًا يفرق ما يهدى له بين الناس. تولى قضاء عام أربعة وتسعمائة فشدد في الأمور وسدد وتوخى الحق في الأحكام، ولذوي الباطل هدد فظهر عدله بحيث لا يعرف له نظير في وقته مع ملازمة التدريس، فانتفع به بشر كثير وأحيا العلم بتلك البلاد واشتهر هناك وكثر طلبته في الفقه ونجب منهم جماعة كثيرة، وكان أكثر ما يقرئ المدونة والرسالة ومختصر خليل الألفية والسلالجية وربما أقرأ غيرها، وعنه انتشر قراءة خليل هناك وقيد عنه تقاييد عليه أخرجوها شرحًا في سفرين وانتشر. وحج في عام خمسة عشر وتسعمائة فلقي السادات كإبراهيم المقدسي والشيخ زكريا والشيخ القلقشندي واللقانيين وغيرهم، وذكر صلاحه هناك ثم رجع لبلاده ولازم الإفادة وانفاذ الحق وطال عمره فألحق الأبناء بالآباء حتى توفي سنة خمس وخمسين ليلة الجمعة سادس عشر رمضان، وبلغ من جلالة وتعظيم القدر وشهرة الذكر بالصلاح والولاية مبلغًا لم ينله غيره. مولده سنة ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 278.

747 - مخلوف بن علي بن صالح البلبالي

ثمان وستين وثمانمائة، رحمه اللَّه، أخذ عنه والدي، رحمه اللَّه، وأولاده الثلاثة القضاة محمد والعاقب وعمر وغيرهم. 747 - مخلوف بن علي بن صالح البلبالي (¬1). الفقيه الحافظ الرحلة، اشتغل بالعلم على كبر، على ما قيل، فأول من أخذ عنه الشيخ الصالح عبد اللَّه بن عمر بن محمد أقيت أخو جدي ببلاد ولاتن، قرأ عليه الرسالة ورأى منه نجابة فحضه على العلم وترك التجارة فحصل له الرغبة في الطلب فسافر للغرب فأدرك ابن غازي وغيره فأخذ عنه وانتشر علمه واشتهر بقوة الحافظة حتى ذكر عنه فيه العجب حتى قيل إنه يحفظ صحيح البخاري. ثم دخل بلاد السودان كبلد كندوكش وغيرهما وأقرأ أهلها وجرى له هناك نوازل وأبحاث مع الفقيه العاقب الانصمني ثم دخل تنبكت ودرس هناك ورجع، ثم رجع إلى الغرب فدخل مراكش ودرس بها وسم هناك فرجع لبلاده وتوفي بعد الأربعين وتسعمائة. 748 - مسعود بن يحيى من أهل المرية. قال الحضرمي: شيخنا الفقيه الجليل الأصيل الماجد الفاضل ابن الفقيه الجليل قاضي الجماعة أبي بكر يحيى، ولى القضاء بجهات شتى نائبًا عن والده ثم استقلالًا بعده، عرفنا بحاله في تأليفنا في قضاة المرية. توفى قاضيًا ليلة الخميس ثالث جمادي عام أحد وأربعين وسبعمائة وصلى عليه أبو البركات ابن الحاج. مولده بغرناطة يوم السبت الثاني والعشرين سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وقد عرفت بأسلافه الكرام فهو قاض ابن قاض ابن قاض ابن قاض أربعة دونه على نسق -اهـ- ملخصًا. 749 - مصباح بن عبد اللَّه الياصلوتي (¬2). أبو الضياء الفاسي، من أكابر أصحاب أبي الحسن الصغير، كان فقيهًا ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 278، جذوة الاقتباس ص 334. (¬2) انظر ألف سنة من الوفيات ص 119، جذوة الاقتباس ص 338، سلوة الأنفاس 562.

من اسمه منصور

صالحًا حافظًا نوازليًا، وهو أول من درّس بمدرسة أبي الحسن المريني بفاس فنسبت إليه، وكانت أمه من الصالحات ولا ترضعه إلا على وضوء، وتفقه على أبي الحسن الصغير وغيره. توفي بفاس سنة خمسين وسبعمائة. وله فتاوى نقل بعضها في العيار. من اسمه منصور 750 - منصور بن أحمد بن عبد الحق المشذالي (¬1). أبو علي الشيخ ناصر الدين الإمام الفذ الأوحد الحافظ العلامة المجتهد، قال الغبريني في عنوان الدراية: كان فقيهًا محصلًا متقنًا رحل للشرق ولقي أفاضل، وله مشاركة في علم المنطق والعربية وكل هذه الفنون تقرأ عليه، له دروس حسنة منقحة وعبارة جيدة، يتكلم على التفسير والحديث فيجيد، وهو من أهل الشورى والفتيا، له شرح على الرسالة لم يكمل وتحصيله الأصلين على طريقة الأقدمين والمتأخرين، وهو ممن ينتفع بالأخذ عنه والسماع منه- اهـ. وقال التجيبي في رحلته: لقيت ببجاية الشيخ الفقيه الإمام أوحد الفضلاء الأعلام أبا على منصور الزواوي المشذالي وآخر رجالات الكمال بأفريقيا والمغرب الأقصى ممن جمع بين معرفة الفقه وأصوله وأحكم حظًا وافرًا من العربية وحصل المنطق والجدل وغيرهما، وحاز السبق في علوم كثيرة واستبحر فيها وتكلم في أنواعها وناظر في جميعها وتفنن في المعارف كلها، وليس على اللَّه بمستنكر أن يجمع العالم في واحد. وقد اطلع على مذاهب الأئمة خصوصًا مذهب مالك فإنه انفرد بمعرفته والقيام بتقربه ونصرته يصور ويحرر ويمهد ويقرر ويزيف ويرجح، مع ثقوب ذهن وصحة استنباط وفهم، رحل للشرق صغيرًا مع أبيه وبه قرأ وتفقه وسمع بالشام ومصر وأقام في رحلته نيفًا وعشرين، فيما بلغنا، ولزم العز بن ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 217.

عبد السلام كثيرًا وانتفع بعلمه واهتدى بهديه ولقي غيره من الأئمة وسمع الشرف المرسي والرضي الواسطي المجتهد وغيرهم. أخبرني أن مولده سنة إحدى أو اثنين وثلاثين وستمائة، وقد كان كتب قبل ذلك أن مولده سنة إحدى وثلاثين بلا شك -اهـ- ملخصًا. وكان لقاؤه إياه آخر القرن السابع. وقال العبدري في رحلته: رأيت بملالة الفقيه أبا علي منصور المشذالي، ومشذالة قبيلة من زواوة ويلقب بناصر الدين، رحل للشرق قديمًا فقرأ به الأصول والفروع درسة وتفقهًا، وله منهما حظ وافر غير معتن بالرواية ليس له فيها حظ، حدثني أنه حضر وفاة أبي عبد اللَّه بن أبي الفضل السلمي بالشام وسألته عن تاريخه وكان غرضي فلم يحفظه شهرًا ولا عامًا، وهذا نهاية الاغفال- اهـ. وقال أبو حيان في النظار: كان يشتغل ببجاية في النحو والفقه والأصول، رحل للقاهرة ولزم العز بن عبد السلام وسمع من إبراهيم بن مضر- اهـ. قال الخطيب ابن مرزوق الجد: قد وصل شيخنا أبو علي درجة الاجتهاد، سمعته من جماعة من أصحابه كالفقيه السفر والفقيه محمد بن الكاتب والفقيه عمران الشذالي وغيرهم ممن سمع كلامه وكان السامع مضطلعًا بالعلوم بما يدرك به تفننه في تآليفه وأجوبته في النوازل المختلفة والفنون المتباينة لم يبعد إدراكه هذا الرتبة وبلوغه تلك الدرجة -اهـ- ملخصًا. وقال الشيخ منصور الزواوي: شيخنا ناصر الدين هو الإمام المجتهد علم الأعلام وقطب الفقهاء وقدوة النظار وإمام الأمصار، ارتحلت إليه فوجدته قد بلغ من السن غايته وأوجبت جلوسه في داره، إلا أنه يفيد بفوائده بعض زواره. وتوفي عام أحد وثلاثين وسبعمائة، فخص مصابه البلاد وعم ولفّ سائر الطلبة وضم لكن ملأ بجاية وأقطارها بالعلوم النظرية والفهوم النقلية والعقلية -اهـ- وعمره مائة سنة.

751 - منصور بن علي بن عبد الله الزواوي أبو علي، نزيل تلمسان

751 - منصور بن علي بن عبد اللَّه الزواوي أبو علي، نزيل تلمسان (¬1). قال ابن الخطيب في الإحاطة: هذا الرجل صاحبنا طرف في الخير والسلامة وحسن العهد والصون والطهارة والعفة قليل التصنع مؤثر الاقتصاد، منقبض عن الناس مكفوف اللسان واليد مشتغل بشأنه عاكف على ما يعنيه مستقيم الظاهر ساذج الباطن منصف في الذاكرة موجب لحق الخصم حريص على الإفادة والاستفادة مثابر على تعلم العلم وتعليمه غير آنف من حمله عمن دونه جملة من جمل السذاجة الرجولية وحسن العاملة صدر من الصدور له مشاركة حسنة في كثير من العلوم العقلية والنقلية واطلاع وتقييد ونظر في الأصول والمنطق والكلام ودعوى في الحساب والهندسة والآلات يكتب ويشعر فلا يعدو الإجازة والسداد. قدم الأندلس عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة فلقي رحبًا وعرف قدمه فتقدم مقرنًا بالمدرسة تحت جراية نبيهة وحلق للناس متكلمًا على الفروع الفقهية والتفسير وتصدر للفتيا، وجربته وصحبته فرأيت منه دينًا ونصفة، حسن عشرة، ثم امتحن في هذا الوقت بمطالبة شرعية في توقفه حين جمع الفقهاء في عقد على رجل نال من جانب اللَّه والنبوة وشك هو في القول بتكفيره فقال القوم بإشراكه في ذلك ولطخه إذ كان كثير المشاحة لجماعتهم فأجلت الحال عن صرفه عن الأندلس في عام خمسة وستين. أخذ عن جماعة كوالده علي بن عبد اللَّه والإمام المجتهد منصور المشذالي قرأ عليه أوائل ابن الحاجب وابن المسفر وأبي علي بن حسين قرأ عليه جملة من الحاصل والمعالم الدينية والفقهية والآيات البينات والخونجي وقاضي بجاية أبي عبد اللَّه بن يوسف الزواوي وأبي العباس بن عمران بتلمسان عن الإمام المجمع على جلالته وإمامته العالم الفاضل عبد المهيمن الحضرمي وأبي العباس بن يربوع والقاضي أبي إسحاق بن يحيى، وبالأندلس عن إمام الصنعة ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الدرر الكامنة 5: 133، نفح الطيب 7: 147، 166، 304، شجرة النور الزكية ص 234، البستان ص 292، أعلام الجزائر ص 166.

ابن الفخار البيري. لازمه لوفاته وأجازه وأذن له في التحليق بموضع تدريسه والقاضي الشريف السبتي نسيج وحده لازمه وأخذ عنه تآليفه وقرأ عليه التسهيل، وروى عن أبي البركات بن الحاج والخطيب أبي جعفر الطنجالي، وهو الآن بحاله الموصوفة، أعانه اللَّه وأمتعه من حين أزعج عن الأندلس مقيم بتلمسان يقرئ ويدرس -اهـ- ملخصًا من الإحاطة. وفي فهرست الشيخ يحيى السراج شيخنا الفقيه الأستاذ الجليل المقرئ المدرس الأصولي النحوي أبو علي منصور كان شيخًا فاضلًا فقيهًا نظارًا معدودًا في أهل الشورى، له مشاركة في كثير من العلوم النقلية والعقلية واطلاع وتقييد ونظر في الأصول والمنطق والكلام حريصًا على الإفادة والاستفادة مثابرًا على التعلم والتعليم. أخبرني أن مولده في حدود عشرة وسبعمائة- اهـ. وممن أخذ عنه الإمام أبو إسحاق الشاطبي وذكر عنه في الإفادات والإنشاءات عن شيخه الأستاذ الشهير أبي عبد اللَّه المسفر أنه قال: إن تفسير الفخر ابن الخطيب احتوى على أربعة علوم نقلها من أربعة كتب مؤلفوها كلها معتزلة فأصول الدين من كتاب الدلائل لأبي الحسين وأصول الفقه من كتاب المعتمد له أيضًا وهو أحد نظار المعزلة الذي قال فيه بعض الشيوخ إذا خالف أبو الحسين في مسألة صعب الرد عليه فيها، ومن التفسير من كتاب القاضي عبد الجبار والعربية والبيان من كشاف الزمخشري، وذكر عنه أيضًا أن الفخر ابن الخطيب سأل السيف الآمدي لم أجاز الشرع ذبح الحيوان في حق الإنسان وهو تعذيب له وتعذيب الحيوان على خلاف المعقول؟ فأجابه بأن اتلاف الخسيس في حق النفيس من مناهج العقول فقال له الفخر لو كان كذلك لجاز أن تذبح أنت في حق ابن سينا- اهـ. وذكر عنه أيضًا قال: وكثيرًا ما أسمع الفقيه الجليل الأصولي أبا علي الزواوي يقول: قال بعض الفضلاء: لا يسمى العالم بعلم ما عالمًا بذلك العلم على الاطلاق حتى تتوفر فيه أربعة شروط: أحدها كونه محيطًا بمعرفة أصول ذلك العلم على الكمال، ثانيها: كونه قادرًا على التعبير عن ذلك العلم

752 - منصور بن علي بن عثمان الزواوي

ثالثها: كونه عارفًا بما يلزم عنه، رابعًا: كونه قادرًا على رفع الاشكالات الواردة عليه- اهـ. قال الشاطبي: رأيتها منصوصِة لأبي نصر الفارابي الفيلسوف في بعض كتبه- اهـ. وكان حيًا بعد السبعين وسبعمائة. 752 - منصور بن علي بن عثمان الزواوي (¬1). المنجلاتي البجائي، عالمها ومفتيها الإمام العلامة الفقيه الحجة أبو علي ابنِ الفقيه العلامة أبي الحسن. له فتاو عدة منقولة في المازونية والمعيار، كان حيًا في حدود الخمسين وثمانمائة. في غالب الظن معاصرًا لأبي عبد اللَّه المشذالي. لم أقف على ترجمته. 753 - منديل بن محمد بن محمد بن داود بن آجروم الصنهاجي اسمه أحمد (¬2). قال ابن الأحمر: شيخنا الفقيه الأستاذ المقرئ المصنف الأديب الحاج أبو المكارم ابن الأستاذ النحوي أبي عبد اللَّه بن آجروم. توفى سنة اثنين وسبعين، يروي عن أثير الدين أبي حيان والفاكهاني وغيرهما- اهـ. وقال أبو زكرياء السراج في فهرسته: الشيخ الأستاذ الحاج المقرئ اللغوي الأديب ابن الفقيه الأستاذ المقرئ العلامة، كان شاعرًا أديبًا مكثرًا مجيدًا منبسطًا جميل المجلس، من أعجب المقرئين فصاحة وحسن إلقاء، وكان جل إقرائه مقامات الحريري، كان فيه أوحد زمانه، ونبلاء الطلبة يرصدونه فلا يسمعون منه لحنة، حج سنة إحدى وأربعين ولقي جماعة وأجازوه منهم: أبو حيان أجازه جميع ما روى وصنف. ومما أملى عليه: يعلم واقفه أن شخصًا يسمى إبراهيم الصفاقسي وقف ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الضوء اللامع 1: 171، السلوك 4: 194، حوادث 843 هـ، أعلام الجزائر ص 166، 167. (¬2) انظر ألف سنة من الوفيات 126.

754 - ميمون بن مساعد المصمودي مولى أبي عبد الله الفخار

على نسخة سقيمة غاية الرداءة والتصحيف والتحريف من كتابي البحر المحيط فنقل منه مسائل في كتب جمعه من الإعراب وغيره نسبها لي لم ينقل نص كلامي بل على ما فهمه وانتقاه، على زعمه، وزاد من كلام أبي البقاء، وإنما ذكر كلامي ليروج به كتابه وأنا برئ من عهدة ما نقل عني إذ لم ينقل كلامي بلفظه ولم ينتقه وليس بأهل لفهم كلامي لضعفه جدًّا في العربية مشتغل بفروع مذهب مالك وشيء من أصول الفقه مع صغر السن وعدم الأصيل ومنشأ يعرفه من يعرفه، وقد عاتبته على ذلك- اهـ. قلت: وتقدمت هذه الحكاية في ترجمة الصفاقسي عن أبي المترجم به هنا، وما هنا هو الصواب. ثم قال السراج: أخذ صاحب الترجمة بتونس عن أبي برال والفقيه الجليل أبي العباس بن أبي بكر بن أبي القاسم اليحصبي التونسي والقاضي بن عبد السلام وابن جابر الوادي آشي والفقيه العدل مبارك بن يوسف بن محمد بن أحمد ابن زيري النقاسي والفقيه المدرس أبي مهدي عيسى بن موسى بن فركان الزواوي والفقيه الشهير أبي عزيز ببجاية وابن المسفر والفقيه قاضي الجماعة أبي عبد اللَّه ابن يوسف وأبي العباس أحمد بن محمد الزواوي وغيرهم. توفي رابع جمادى الأولى عام اثنين وسبعين -اهـ- ملخصًا. 754 - ميمون بن مساعد المصمودي مولى أبي عبد اللَّه الفخار (¬1). كان فقيهًا أستاذًا. له تآليف في علوم القرآن وسما وقراءة. توفي بفاس جوعًا سنة ست عشرة وثمانمائة. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في سلوة الأنفاس 2: 2، 3، جذوة الأقتباس ص 348.

حرف النون

حرف النون 755 - نفيس الدين بن هبة اللَّه بن شكر (¬1). قاضي القضاة بالديار المصرية، ولد سنة خمس وستمائة ومات سنة ثمانين وستمائة، من تاريخ مصر. 756 - نصر الزواوي (¬2). قال الملالي: كان هذا الشيخ عالمًا محققًا زاهدًا عابدًا وليًا صالحًا ورعًا ناصحًا، من أكابر تلاميذ ابن مرزوق، أخذ عنه السنوسي كثيرًا من العربية ولازمه كثيرًا وحدث عنه أنه كثيرًا ما ينهي عن إعطاء العلم لغير أهله وقال: يجيء كثير إلى العالم يسأله عن مسألة على وجه يريد أنه عارف بها وقصده سرقة الجواب فإذا أجابه العالم أنكر الجواب وربما يقول له: إنه غير صحيح أو ضعيف، ثم إذا سئل هذا المتعنت عنها أجاب بعين ما أنكره على العالم فيحرم إجابة المتعنت لئلا يعطي الحكمة غير أهلها- اهـ. قلت: ومن هذا المعنى ما ذكره ابن الأزرق ونصه قال الملالي: وكان سيدي نصر ينهي عن كتب القرآن العزيز في الحروز التي تسأل قال: مررت ¬

_ (¬1) في كفاية المحتاج: سكر بالسين المهملة. (¬2) انظر ترجمته في الضوء اللامع 1: 201، البستان ص 295.

757 - النجيب بن محمد شمس الدين الكناوي الانصمني، أحد شيوخ العصر.

يومًا بمزبلة فإذا بكاغد مطوي ملقى عليها فرفعته فإذا هو خطي فيه آيات من القرآن فجعلته في جيبي وعاهدت اللَّه أن لا أكتب قرانًا في حجاب- اهـ. 757 - النجيب بن محمد شمس الدين الكناوي الانصمني، أحد شيوخ العصر. معه فقه وصلاح، شرح مختصر خليل شرحين كبير في أربعة أسفار وصغير في سفرين، على ما بلغني، وله أيضًا، على ما قيل، تعليق على المعجزات الكبرى للسيوطي وغيرها. أخذ عن الشيخ أحمد سحولية وهو الآن بقيد الحياة كبير السن، حفظه اللَّه تعالى.

حرف الهاء

حرف الهاء 758 - هارون بن محمد بن هارون الأسواني. قال ابن يونس في تاريخ مصر: كان فقيهًا على مذهب مالك، كتب الحديث ومات في ربيع الأول سنة سبع وعشرين وثمانمائة. 759 - هارون أبو موسى التونسي إمام جامع الزيتونة بها، الشيخ الإمام العلامة الصالح. أخذ عنه الخطيب بن مرزوق الجد وتوفي سنة أربع وعشرين وسبعمائة. 760 - أم هانيء بنت محمد العبدوسي. الفقيهة الصالحة أخت الإمام الحافظ عبد اللَّه العبدوسي، قال الشيخ زروق في كناشته: كانت فقيهة صالحة ذات علم وصلاح، طعنت في السن إلى قرب المائة. توفيت سنة ستين وثمانمائة- اهـ. قال الشيخ ابن غازي: وهي آخر فقهائهم.

حرف الواو

حرف الواو 761 - واضح بن عثمان بن محمد بن عيسى بن فركون المغراوي أبو البيان. الفقيه القاضي الأعدل الصالح، قال الونشريسي في وفياته بعد وصفه بما ذكر بلدينا وقريبنا، توفي سنة ست وخمسين وثمانمائة.

حرف الياء

حرف الياء من اسمه يعقوب 762 - يعقوب الحلفاوي أبو راشد (¬1). من متأخري الفاسيين، لم أقف على ترجمته. 763 - يعقوب بن عبد اللَّه السيتاني أبو يوسف (¬2). أخذ عنه أبو زيد الكاواني شيخ ابن غازي، وكان إمامًا علامة في الفرائض يقرئها في الهواء فإن أراد عاملها تصويرها في اللوح حزبه بالقضيب على يده تلميذه الكاواني، وله شرح جليل على التلمسانية في مجلد يبحث مع العقباني وغيره. 764 - يعقوب الزغبي التونسي قاضي الجماعة أبو يوسف. الإمام العلامة المحقق الفقيه القاضي، من أكابر أصحاب ابن عرفة، ولى قضاء القيروان ثم قضاء الجماعة بها أي بتونس بعد أبي مهدي الغبريني، وتوفى عن قضائها، أخذ عنه أبو القاسم القسنطيني وابن ناجي وأكثر النقل ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 287. وفيه أنه الزعبي بالعين المهملة. (¬2) انظر ترجمته في جذوة الاقتباس ص 558.

765 - يعقوب بن يحيى البدري، فاسي

عنه في شرح المدونة وأبو زيد الغرياني والثعالبي وغيرهم. رأيت لعصريه أحمد الشماع الثناء عليه، لم أقف على وفاته، ويقال: إنه اجتمع في وليمة مع الإمام ابن مرزوق الحفيد فسئلا عمن رأى مصحفًا في نجاسة وهو غير طاهر فهل يأخذه فورًا أو يتيمم فقال صاحب الترجمة: يجري على محتلم انتبه وهو في المسجد فقيل: يجب خروجه فورًا وقيل: يتيمم، فردّ عليه ابن مرزوق بأن هذه الصورة أشد فيجب عليه خلاصه من المفسدة فورًا لأنه إن تركه اختيارًا كان ردة بخلاف بقائه في المسجد فلا يعد ردة، وهو ظاهر نقله الرصاع. 765 - يعقوب بن يحيى البدري، فاسي (¬1). يعرف الفرائض والحساب ويستحضر نوازل الفقه، أخذ عن ابن هارون وعبد الواحد الونشريسي. توفي آخر تسع وتسعين وتسعمائة. من اسمه يوسف 766 - يوسف بن محمد بن يوسف أبو الفضل، عرف بابن النحوي ناظم المنفرجة توزري الأصل من قلعة بني حماد صحب اللخمي (¬2). قال ابن الأبار: أخذ صحيح البخاري عن اللخمي، ولما جاء سأله اللخمي ما جاء بك؟ فقال جئت لنصر تبصرتك فقال له تريد أن تحملني في كفك المغرب أو كلامًا هذا معناه يشير إلى أن علمه كله فيها، وأخذ عن المازري وأبي زكريا الشقراطيسي وعبد الجليل الربعي، وكان عارفًا بأصول الدين والفقه يميل إلى النظر والاجتهاد، له تآليف، حدث وأخذ عنه ووى عنه القاضي أبو عمران موسى بن حماد الصنهاجي وتوفي عن ثمانين سنة بقلعة بني حماد في محرم سنة ثلاث عشرة وخمسمائة- اهـ. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في جذوة الاقتباس ص 558، درة الحجال 3: 360، 361. (¬2) انظر البستان ص 299، جذوة الاقتباس ص 346، كشف الظنون، الأضواء البهجة في إبراز حقائق المنفرجة، المنتخب المدرسى ص 91، الآصفية 2: 302، الأعلام 8: 247.

وقال أبو العباس الغبريني في عنوان الدراية: كان من العلماء العاملين وعلى سنن الصالحين مجاب الدعوة حاضرًا مع اللَّه في غالب أمره، له اعتقاد تام بإحياء الغزالي، دخل قاضي الجماعة يومًا في الجامع وهو يقرر للطلبة علم الكلام فسأل القاضي عن الحلقة فأخبر فأمر بإبطال الدرس فقال أبو الفضل: كما تسبب في إهانة العلم فأرنا فيه العلامة وخرج فتبعه ولد القاضي وله اعتقاد في أبي الفضل فقال له ارجع لوالدك لتواريه فرجع فوجد أباه قتل صبرًا قتله بعض أعدائه، ويذكر أن أبا الفضل ما دعا قط إلا استجيب، وهو ناظم: اشتدي أزمة تنفرج -اهـ. وقال أبو العباس النقاويسي: توفى بقلعة الحمادية سنة ثلاث عشرة وخمسمائة وقبره مشهور بها بالبركة، أحد أئمة الإسلام وأعلام الدين. قال القاضي أبو عبد اللَّه بن علي بن حماد: كان أبو الفضل ببلادنا كالغزالي في العراق علمًا وعملًا، وقال عياض: أخذ هو والمازري عن اللخمي، كان من أهل العلم والفضل شديد الخوف من اللَّه غالب حاله الحضور معه تعالى لا يقبل من أحد شيئًا إنما يأكل ما يأتيه من توزر: أَصبحتُ فيمنْ لهمْ دينٌ بلا أَدَب ... ومن له أَدبٌ عارٍ من الدِّينِ أَصبحتُ فيهم غريبَ الشَّكلِ منفردًا ... كبيتِ حَسَّان في ديوانِ سُحْنُونِ أشار لقوله في الجهاد: وَهَانَ عَلَى سُرَاةِ بني لَؤُيٍّ ... حَريقٌ بالبُوَيْرةِ مُسْتطِيرِ كان يصلي فيكثر رفع صوت من داره باللغط فقال ضيف عنده لابنه: أما تشغلون خاطر الشيخ قال: إذا دخل في صلاة لم يشعر بذلك ثم أدنى السراج من عينيه فما شعر لحضوره مع ربه وغيبته عن غيره، وأقرأ بسجلماسة الأصلين فقال ابن بسام أحد رؤساء البلد يريد هذا أن يدخل علينا علومًا لا نعرفها فأمر بطرده من المسجد فقال: أمت العلم أماتك اللَّه هنا فجلس ثاني اليوم لعقد نكاح سحرًا فقتلته صنهاجة، وجرى له مثله بفاس مع قاضيها ابن دبوس فدعا عليه فأصابته أكلة في رأسه فوصلت لحلقه فمات، وقطع ليلة

خروجه في صبحها بسجدة قائلًا فيها: اللهم عليك بابن دبوس فأصبح ميتًا، ولما أفتى الفقهاء بحرق الاحياء فأحرق في صحن مراكش، ووصل كتاب سلطان لمتون بذلك وتحليف الناس بمغلظ اليمن أن ليس عندهم الاحياء انتصر وكتب للسلطان وأفتى بعدم لزوم تلك الأيمان ونسخ الاحياء ثلاثين جزء يقوم كل يوم في رمضان بنسخ جزء قائلًا: وددت أني لم أنظر في عمري سواه. وكان إذا تأخر ما يأتيه من بلده دعا بدعاء الخضر: اللهم كما لطفت في عظمتك دون اللطفاء الخ، فيفرج عنه، وشكا إليه بعض أهله الضيق من فراره من ظالم بلده ورغبة في رفع الأمر للظالم ليأذن له بالرجوع فقال: سأفعل، وتضرع للَّه تعالى في تهجده فقال: لبستُ ثوبَ الرَّجا والناسُ قد رَقَدُوا ... وقمتُ أشكو إلى مولاي ما أَجِدُ وقلتُ يا سيِّدي يا منتهى أملي ... يا من عليه بكشفِ الضُّرِّ أعتمدُ أَشكو إليكَ أمورًا أنتَ تعلمها ... ما لي على حملهَا صبرٌ ولا جَلَدُ وقد مددتُ يدي للضُرِّ مشتكيًا ... إليك يا خيرَ من مُدَّتْ إليه يَدُ ونظم منفرجته، وأعاد أهله السؤال فقال: بلغ الأمر أهله وسترى، فعن يسير ورد الكتاب من توزر بالتلطف للشيخ ورغبته أن يرجع فقال للسائل قضيت الحاجة ورأى الباغي في نومه فارسًا يحمل عليه بيده حربة من نار، فتنبه مذعورًا ويتعوذ ثم ينام ويعاوده إلى أن قال: إنما يتعوذ من الشيطان وأنا ملك ومالك وللعبد الصالح. قال الشيخ أبو القاسم بن الملجوم الفاسي: ورد أبو الفضل فاسًا فلزمه أبي وحفظ لمع الشيرازي عام أربعة وتسعين وأربعمائة وسافر منها للقلعة فأخذ نفسه بالتقشف ولبس خشن الصوف، وكانت جبته إلى ركبته فمر يومًا بالفقيه أبي عبد اللَّه بن عصمة المفتي فلا يسلم عليه لشغل باله فعظم علمه فلما رجع ناداه محقرًا يا يوسف فجاءه فقال له: يا توزري صفرت وجهك ورققت ساقيك وصرت تمر ولا تسلم فاعتذر فلم يقبل وأغلظ له في القول فقال: غفر اللَّه لك يا فقيه يا أبا محمد فانصرف، وكان مجاب الدعوة حتى يقال: نعوذ

767 - يوسف بن عبد الله بن سعيد أبو عمر يعرف بابن عياد أندلسي

باللَّه من دعوة ابن النحوي. وحصلت له المزية في الفقه والنظر، وأخذ عنه جماعة من الأئمة الأعلام النظار كالفقيه أبي عبد اللَّه محمد بن الرمامة رئيس مفتي فاس والأخوين الفقيهين أبي بكر ومحمد ابني مخلوف بن خلف اللَّه والفقيه أبي عمران موسى بن حماد الصنهاجي. قال الحافظ الزاهد أبو الحسن بن حرزهم: أوصاني أبي أن أقبل يد أبي الفضل متى لقيته ولو لقيته في اليوم مائة مرة فبعثني إليه يومًا ليدعو لي فأتيته عند الغروب فأذّن وأقام وصليت معه فلما أراد أن يكبر نظرت لثوبه على كتفه يتحرك حركة شديدة يسمع صوته من شدة الخوف، فلما سلم دعا لي فانصرفت لأبي وقلت له رأيته صلى قبل صلاة أهل البلد فقال لي: أتتكلم في ولي اللَّه وهل وقت المغرب إلا الذي صلى فيه وإنما ابتدعوا التأخير عنه، ثم قال لأمي: هذا صبي نرجو أن ينفع اللَّه به فإني وجدت بركة أبي الفضل ولقد دخل وعليه نور فعلمت إجابة دعوته فيه -اهـ- فكان كذلك. ومن كريم خلقه أن شابًا من الطلبة بادر السلام عليه فأراق الحبر على ثوبه وكان أبيض فخجل فقال الشيخ: كنت أقول أي لون أصبغ ثوبي فالآن أصبغه حبريًا، فبعث به للصباغ -اهـ- ملخصًا. 767 - يوسف بن عبد اللَّه بن سعيد أبو عمر يعرف بابن عياد أندلسي (¬1). قال ابن الأبار: روى الحديث عن القاضي أبي العرب التجيبي ولقي أعلامًا من المقرئين والمحدثين والفقهاء المتفننين كأبوي الحسن بن هذيل وابن النعمة وأبي الوليد بن الدباغ وأبي الحسن بن يعيش وابن خيرة، وكتب إليه أبو القاسم بن ورد وأبو محمد بن عطية، كان معتنيًا بمطالعة الحديث، جماعًا للدواوين والكتب مكثرًا للرواية مقيدًا مفيدًا عدلًا ثبتًا كتب بخطه كثيرًا، جمع العالي والنازل فذ الأقران في الرواية، يحفظ الأخبار والتواريخ والوفيات ¬

_ (¬1) انظر مرآة الجنان 3: 402، التكلمة ص 734، غاية النهاية 2: 397، الأعلام 8: 240.

768 - يوسف بن عبد الصمد بن نموي.

والمواليد، أنفق عمره في ذلك، له ذيل على صلة ابن بشكوال وبرنامج وشرح منتقى ابن الجارود وبهجة الألباب في شرح الشهاب وأربعون في النشر وأهوال الحشر والمنهج الرائق في المدل لعلم الوثائق وبهجة الحقائق في المدخل للزهد والرقائق، وطبقات الفقهاء في عصر ابن عبد البر لزمنه. حدث عنه ابناه وشيخنا ابن غلبون، وقال ابن سفيان: مشارك في الفقه والأدب والقراءات وغيرها مكثر في لقاء الرواة ورحلة السماع، معتن بالتقييد والرواية ومعرفة الرجال وحفظ التواريخ متواضع سهل الخلق. توفى شهيدًا أحاد العدو بداره فقاتل حتى قتل سنة خمس وسبعين وخمسمائة مولده سنة خمس وخمسمائة. 768 - يوسف بن عبد الصمد بن نموي. وبه عرف فاسي يكنى أبا الحجاج، قال ابن الأبار: أخذ عن أبي عمر السلالجي وأبي عبد اللَّه بن عبد الكريم الغندلاوي وابن مضا، كان إمامًا في الأصلين متحققًا بهما ذا حفظ وذكاء وجودة فهم، مشاركًا في فنون، نوظر عليه بالأندلس ثم عاد لبلاده وقعد لإسماع الحديث والسير ممن غلب عليه الدراية، مع حفظ الشعر والتاريخ. توفي ثاني رجب سنة أربع عشرة وستمائة وولد سنة اربع أو خمس وخمسين وخمسمائة- اهـ. 769 - يوسف بن يحيى بن عيسى بن عبد الرحمن التادلي (¬1). عرف بابن الزيات، قال الحضرمي: هو الشيخ الفقيه القاضي الأديب مؤلف كتاب التشوف إلى رجال التصوف، وله تآليف في صلحاء المغرب لم يدخل الأندلس، صحب أبا العباس السبتي ولقي ابن حوط اللَّه والسلالقي وشرح مقامات الحريري شرحًا نبيلًا جدًا، وحدث بكتابه التشوف الأستاذان الفاضلان أبو القاسم ابن الشاط وابن رشيد عن قاضي الجماعة أبي عبد اللَّه ¬

_ (¬1) انظر شجرة النور الزكية ص 185، دليل مؤرخ المغرب ص 257، 291، 297، دار الكتب 4: 140، بغية الوعاة ص 425، الأعلام 8: 257.

770 - يوسف بن موسى بن أبي عيسى الحساني السبتي

محمد بن علي الشريف عنه إذنًا، توفي قاضيًا بدقداق سنة سبع أو ثمان وعشرين وستمائة- اهـ. 770 - يوسف بن موسى بن أبي عيسى الحساني السبتي (¬1). الفقيه أبو يعقوب، روى صحيح البخاري عن السراج الزبيدي عن أبي الوقت، وأخذ علوم الحديث عن ابن الصلاح وشرح الرسالة بشرحين سماهما بالإفادة كبرى وصغرى مال فيهما إلى سرد الأثر، وفيهما غرائب النقل، أخذ عنه أبو عبد اللَّه الصديني الغماري وأبو زيد عبد الرحمن بن عفان الجزولي وكتب له بالإجازة سنة ست وثمانين وستمائة. صح من خط بعض أصحابنا. 771 - يوسف بن عمر الأنفاسي أبو الحجاج (¬2). قال ابن الخطيب القسنطيني: كان شيخًا صالحًا عالمًا محققًا عابدًا، إمام جامع القرويين بفاس ويحيي فيه ما بين العشاءين أبدًا، وله أوراد ومجالس لقراءة العلم والتصوف، توفى سنة إحدى وستين وسبعمائة عن مائة سنة وصلى عليه عقب صلاة الجمعة، لم يبلغ قبره لأجل الزحام إلى قرب الغروب، ووقف موقفه ولده الشاب المكرم العالم الصالح أبو الربيع سليمان، كان من أكابر الصالحين أهل الكرامات، فرّ من الإمامة وانقطع لنفسه ونازعه كثير من أصحابه أنا منهم لفراره من الطاعة فبينما تكلم فيه يومًا إذا برجل بيده كتاب مقبلًا فقلت: ما هذا؟ قال الطالع السعيد في تاريخ السلطان أبي سعيد فأخذته فأول وقوعي على سنة قال فيهات وفي هذه السنة تاب فلان، سماه، من إمامة جامع القرويين وسببه أن بعض من صلى خلفه قال له سمعتك نوّنت ميم السلام عليكم فقال: بل قلت بضمة واحدة وأشهدكم أني تبت من هذه الإمامة فقال له الشيخ الولي الشهير أبو محمد الفشتالي، نفعنا اللَّه به، فاستغفرت من أخذي عليه وظهر لي أن هذه كرامة له، وقصد السلطان ¬

_ (¬1) انظر جذوة الاقتباس ص 248، الأعلام 8: 254. (¬2) انظر البستان ص 297، شجرة النور الزكية ص 233 فهرس المخطوطات 2: 4، 6، تقييد في الوفيات (خ)، الأعلام 8: 244.

772 - يوسف بن خالد بن نعيم الطائي البساطي

عبد العزيز المريني زيارته فجلس في الجامع بعد صلاة الجمعة وكلف قاضي الجماعة أبا محمد الأوربي أن يأتي به فبحث عنه فلم يوافقه فجاءه برجل من الصالحين يسمى سليمان موافقًا لاسمه وهو من الأخيار فقال له الوزير: ما بهذا كفلت فقال له مبارك وهو من أشياخه وانفصل به المجلس فكان من القاضي سياسة حسنة ثم طلبه السلطان مرة أخرى فكتب له براءة فقنع بها عن رؤيته، وقلت لبعض الأصحاب: هلا رأى السلطان ففي رؤيته له تفريج كرب فقال لي قال: واللَّه لا رأيته أبدًا. وكانت له بركة تامة في انقطاعه للعلم والعبادة ما رأيت أحسن قراءة وأسرع منه فيها في الحديث منه، توفى على أكمل حال وأبلغ منال وحميد سيرة سنة تسع وسبعين وسبعمائة عن نحو أربعين سنة- اهـ. قلت: وذكر بعضهم أن من كراماته أن وزير فاس عزم على غرم الديار ورباع فاس كما فعل الوزير قبله فمشى إليه أبو الربيع المذكور في الفقيه والقباب فكلماه فقال: أنا متبع فيه من قبلي، فقال له أبو الربيع: أتريد أن تكافأ بما كوفيء به من قبلك؟ فقال: لا يا سيدي قال القباب: فخفت خوفًا شديدًا منه حتى كادت الأرض تبلعني وحصل للوزير خوف أشد وأكثر مني- اهـ. وللشيخ يوسف تقييد مشهور على الرسالة متداول بين الناس. قال الشيخ زروق: وإن تقييده وتقاييد الجزولي ومن في معناها لا ينسب إليهم تأليفًا وإنما هو تقييد للطلبة زمن الإقراء، فهي تهدى ولا تعتمد، وسمعت أن بعض الشيوخ أفتى بتأديب من أفتى من التقاييد- اهـ. وقال سيدي الإمام الحطاب: مراد مرزوق حيث ذكروا نقلًا بخلاف نصوص المذهب أو قواعده فلا يعتمد عليها، واللَّه أعلم فتأمله. 772 - يوسف بن خالد بن نعيم الطائي البساطي (¬1) أبو الحسن جمال الدين، تفقه على أخيه والشيخ خليل ويحيى الرهوني ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 241.

773 - يوسف بن مبخوت أبو يعقوب الفاسي.

وابن مرزوق والنور وناب عن أخيه في الحكم ثم عن النحريري ثم عن ابن خلدون ثم الشيسي ثم انجمع عن ابن خلدون لما وقع بينهما ثم استقل بالقضاء فأحبه الناس كراهة لابن خلدون ثم أعيد ابن خلدون آخر السنة ثم أعيد البساطي في ربيع الأول سنة ست وثمانمائة إلى شعبان سنة سبع فصرف وأعيد ابن خلدون في أواخر السنة ثم صرف وأعيد البساطي ثم صرف إلى أن مات الجمال الأقفهسي فعين للقضاء وقبل التهنئة، صرف عنه لابن عمه الشمس البساطي إلى أن ولى الحسبة في سنة ثلاث وعشرين ثم صرف عنها ولزم منزله حتى مات. قال الحافظ ابن حجر: قرأت بخط بعضهم أنه كان فاضلًا في عدة علوم، وصنف تصانيف كثيرة منها شرح بانت سعاد وأفرد جزءًا في شرح قوله: حرف أخوها أبوها البيت -اهـ- من أنباء الغمر (¬1). وقال أيضًا: ولما مات الجمال الأقفهسي اتفق. أهل الدولة على إقامته لكونه أسن وأدرب في الأحكام وأشهر، ولكن شمس الدين أفقه وأكثر معرفة بالفنون منه- اهـ. وقال السخاوي: من مصنفاته شرح مختصر خليل والبردة وقصيدة الفلكية وألغاز العرضية ومحاضرة خواص البرية في الألغاز الفقهية وشرح ألفية ابن مالك وإعراب من الطارق لآخر القرآن- اهـ. قلت: وشرح المختصر له في سفرين سماه الكفوء الكفيل وقفت عليه بخطه ثم نهب مع كتبي، وذكر ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة أن وفاته في جمادى الأخيرة معزولًا سنة تسع وعشرين وثمانمائة عن ثمان وثمانين سنة- اهـ. فمولده على هذا في عام أحد وأربعين وسبعمائة. 773 - يوسف بن مبخوت أبو يعقوب الفاسي. أستاذ البلد الجديد، لم أقف على ترجمته. ¬

_ (¬1) البيت ليس في أبناء الغمر، وهو ..

774 - يوسف بن إسماعيل.

774 - يوسف بن إسماعيل. شهر بالزويدوري، قال القلصادي في رحلته: له مشاركة وقدم في علوم الرياضات وهمة عالية لا يلتفت إلى أحد من أبناء الدنيا منزه نفسه عن دنيء المكاسب وعما يهين الطالب فلم يتعرض لما يذم عليه شرعًا أو عادة أو طبعًا، فلباسه صوف فقط، قرأت عليه الحوفي بطريقي الصحيح والمكسور وبعض الأصول ومقدمات ابن البنا في الجبر والقابلة وتلخيصه وشيئًا من رفع الحجاب وحضرت عليه التلمسانية وجمل النخونجي والتلخيص. توفي في وباء سنة خمس وأربعين وثمانمائة. 775 - يوسف بن أحمد بن محمد الشريف الحسني أبو الحجاج. قال الملالي: كان فقيهًا وجيهًا نزيهًا عالمًا عاملًا أستاذًا مقرئًا محققًا ابن الشيخ الصالح الأجل أبي العباس، قرأ عليه شيخنا السنوسي القرآن بالسبعة مرتين وأجازه فيها وفي سائر مروياته. 776 - يوسف بن حسن بن مروان التتائي (¬1). ويعرف بالهاروني، أخذ الفقه عن العلمي والسنهوري ولازم النجم ابن قاضي عجلون وحج سنة ثلاث وتسعمائة وشرح المختصر، وله يوم الأحد رابع عشر شوال سنة ست وأربعين وثمانمائة -اهـ- من السخاوي. وقال الشمس التتائي: كان علامة فاضلًا محدثًا يلقب جمال الدين أبو المحاسن شهر بالهاروني نسبة لزوج أمه، اشتغل بالعلم في القاهرة وبسماع الحديث، وله فيه أسانيد عالية وغالب اشتغاله بالفقه على شيخنا العلامة الإمام نور الدين البنهوري والإمام العلامة الشريف العلمي- اهـ. 777 - يوسف بن سعيد بن إبراهيم العناطي الحيحي أبو الحجاج. وصفه ابن الرئيس بالفقيه الورع الزاهد- اهـ. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص 273.

778 - يوسف الفندلاوي شهر بالمكناسي خطيب جامع الأندلس

778 - يوسف الفندلاوي شهر بالمكناسي خطيب جامع الأندلس (¬1). توفي بفاس سنة ستمائة. 779 - يوسف التيغاتي الجؤولي أبو الحجاج. شرح ابن الحاجب في سفرين وتوفي قرب تسعمائة. 780 - يونس بن عطية الونشريسي (¬2). قال ابن الخطيب: كان فاضلًا خيرًا له عناية بفروع الفقه، ولى القضاء بقصر كتامة -اهـ- من الروض الهتون. من اسمه يحيى 781 - يحيى بن علي بن عبد اللَّه الأمي النابلسي ثم المصري المالكي أبو الحسن رشيد الدين، شهر بالرشيد (¬3). الإمام الحافظ، ولد سنة أربع وثمانين وخمسمائة، وتخرج بابن المفضل وتقدم في فن الحديث وانتهت اليه رياسة الحديث بمصر وألف وخرج ومات في جمادى الأولى سنة اثنين وستين وستمائة. صح من تاريخ مصر. 782 - يحيى بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن الأشعري، قرطبي أبو عامر. قال ابن الأبار: سمع أباه أبا الحسن وابن بشكوال وأجازه أبو بكر بن الجد وأبو عبد اللَّه بن زرقون، وكان إمامًا في علم الكلام وأصول الفقه ماهرًا في المعقولات ونوظر عليه في شامل أبي المعالي وإرشاده وغيرهما، وله تآليف جليلة في ذلك، وأقرأ صحيح البخاري تفهمًا، ولي قضاء بلده إلى أن تملكه ¬

_ (¬1) ترجمته في جذوة الاقتباس ص 552. (¬2) انظر معجم أعلام الجزائر ص 346، نفح الطيب 5: 351. (¬3) انظر ترجمته في الأعلام 8: 159، ذيل مرآة الزمان 2: 314، شذرات الذهب 5: 311.

783 - يحيى بن أحمد بن خليل بن إسماعيل بن عبد الملك السكوني، لبلي يكنى أبا بكر.

الروم سنة ثلاث وستين وستمائة، وولى قضاء غرناطة ثم صرف، مات بمالقة بفالج سنة أربعين وستمائة. مولده سنة ثلاث وستين وخمسمائة. 783 - يحيى بن أحمد بن خليل بن إسماعيل بن عبد الملك السكوني، لبلي يكنى أبا بكر. قال ابن الأبار: سمع أباه أبا العباس وأبا بكر بن الجد والسهيلي وغيرهم مع ابن خروف وروى عن ابن بشكوال، كان عالمًا بأصول الفقه والكلام مقدمًا فيها أديبًا، له حظ من النظم والنثر خطيبًا مفوهًا، يشارك في العربية متحققًا بمعرفة الشروط، ولى قضاء الجزيرة الخضراء ثم شريس ثم جيان زمنًا طويلًا ثم صرف عنه وأقبل على التدريس، أخذ عنه جماعة وفيه بعضهم يقدم النزة في أحكامه. توفى في ربيع الأول سنة سبع وعشرين وستمائة ونيف على السبعين- اهـ. وقال غيره: جلس للتدريس بإشبيلية فكان مجلسه أحفل مجلس وأجمعه لأشتات المعارف، شرح مستصفى الغزالي وقيّد على تفسير الزمخشري كتابًا سماه بالحسنات والسيئات أبدى فيه مستظرف غرائبه البيانية وطرقه الاعتزالية، وله تقييد في الرد على ابن خروف في رده على المتكلمين وغيرها. وأخذ عنه كثير من الطلبة، وله تقدم في الأصلين والخلاف والأدب والكتابة والشعر ورياسة في البلاغة والفصاحة، يخطب بديهًا ويتكلم عند السلاطين في مصالح الجمهور فيأتي بعجائب. توفي سنة ست وعشرين وستمائة- اهـ. 784 - يحيى بن أبي الحسن اللفتني الأندلسي أبو زكرياء (¬1). قال الغبريني: شيخ جليل حافظ رحل لبجاية واستوطنها وأقرأ وأسمع، أخذ عنه عبد اللَّه بن عبادة وكان جلوسه بالجامع الأعظم في عشر الثلاثين وستمائة، ووقعت مسألة حينئذ بمجلس أبي الحسن الحرالي في حكم الغسلات الثلاث فحكى الشيخ عنه أن بعض العلماء قال بوجوب جميعها فبلغ صاحب الترجمة هذا فأنكره فقهًا ونقلًا فذكر أن الشيخ أحال نقله على شرح البخاري ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في عنوان الدراية ص 260، وفي نسخة خ ح من الكفاية ص (476): أنه ابن أبي الحسن.

785 - يحيى بن محمد بن يحيى بن عبد الله أبو زكرياء الصنهاجي وجيه الدين المالكي.

لابن بطال، وأما فقهًا فقال: إنه يكون كخصال الكفارة عند من يقول بوجوب جميعها ويسقط الفرض واحد، وحجته أنه أمر بالغسل والغسل مصدر يدل على القليل والكثير فالوحدة مضمنة كالاثنين والثلاثة وأورد عليه أن زاد على الثلاثة لأن المصدر يتناوله فأجاب بالمنع لحديث الزيادة على الثلاثة سرف، أورد عليه جواز الترك فقال يسقط الفرض بواحد وإذا فالجميع كان في حيز الواجب، ثم مر بعض طلبة لصاحب الترجمة وناظره في المسألة ثم رحل إلى حاضرة تونس باستدعاء صاحبها وبها توفي -اهـ- ملخصًا. 785 - يحيى بن محمد بن يحيى بن عبد اللَّه أبو زكرياء الصنهاجي وجيه الدين المالكي. قال خالد البلوي في رحلته: الفقيه الإمام قاضي المالكية بالاسكندرية ذو الرتبة السامية السنية إمام في الفروع والأحكام عالم بالحلال والحرام، مهتم بالعلم أي اهتمام، له رحلة قديمة لقي بها الصدور ووعي كثيرًا وحج عشر حجج وجاور سنين وشغل زمانه بالعلم فأفاد واستفاد، وفيه يقول صاحبنا الفاضل أبو إسحاق بن الحاج أضحى وجيه الدين أسبق سابق في العلم والعياء والخلق النزيه، عجب الورى من سبقه وتعجبوا فأجابهم لا تنكروا سبق الوجيه رجل أعطى كمال الخلقة ووفور القوة وسعة الدنيا ومتانة الدين سري وسيم مسكي النسيم طلق الوجه دمث الجانب رقيق الطبع حسن الأخلاق والهيئة جميل اللباس سمح اللقاء، مليح التأنيس ذكي المعاني نبيل المقاصد سهل الحجاب يقظ الذهن، كان خاطرة جمرة تقد سمعت عليه كثيرًا، مولده في ربيع الأول سنة سبع وستين وستمائة -اهـ- ملخصًا. 786 - يحيى الدكالي أبو زكرياء (¬1). الفقيه الحافظ الناقد الذكي زعيم أهل سبتة في الفقه ذاكر المسائل عارفًا بالأصول ذا حظ من الأداء أنيق الخط صحيحه قيل: كان خطه لا يحتاج ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في جذوة الاقتباس ص 543، القسم الثاني ع - ي.

787 - يحيى بن أحمد بن محمد بن حسن بن القس، بضم القاف وكسر السين مهملا، الرندي النفزي الحميدي الفاسي أبو زكرياء عرف بالسراج

لمقابلة ذكي الطبع ذا نوادر وظرف له أخبار عجيبة، قدم فاسًا وقعد في سوق الكتب يوم الجمعة فأورد عليه الحاج أبو عبد اللَّه بن عبد الواحد مسألة النية في صلاة الجمعة فأجابه بعض أصحاب أبي الحسن الزرويلي بأن أصح الأقوال أن ينوى صلاة ظهر الجمعة فصاح الحافي وجهه فقال له: لا تصوت فالخطاف أصبح منك ولا ثمن له فضحك أبو زكرياء الدكالي ومن حضر. كان حيًا سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ظنًا. صح من خط بعض أصحابنا. 787 - يحيى بن أحمد بن محمد بن حسن بن القس، بضم القاف وكسر السين مهملًا، الرندي النفزي الحميدي الفاسي أبو زكرياء عرف بالسراج (¬1). قال ابن الأحمر في فهرسته: صاحبنا الفقيه المحدث الصالح معلم كتاب اللَّه تعالى ابن الفقيه الصالح المكتب أبي العباس، أخذ عن جماعة كالفقيه المفتي المحدث القاضي الخطيب أبي البركات ابن الحاج البلفيقي والفقيه المدرس القاضي عبد النور، أخبرني عنه عن محمد بن عبد العزيز بن واجتن النينملى عن أبيه قال: رأيت في المنام جابر بن عبد اللَّه فقلت له: باللَّه حدثني حديثًا سمعته من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال لي: سمعته -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من سلم عليّ في يوم مائة مرة مات ولم يذق طعم الموت". قال ابن الأحمر: ويشبه هذا ما روي عن أبي إسحاق الشيرازي قال فرأيته -صلى اللَّه عليه وسلم- في المنام مع أبي بكر وعمر -رضي اللَّه عنهما- فقلت يا رسول اللَّه بلغني عنك أحاديث كثيرة فأسمعني خيرًا أتشرف به دنيا وأجعله ذخيرة للآخرة فقال لي: "يا شيخ قل عني: من أراد السلامة فليطلبها في سلامة غيره منه"- اهـ. توفي السراج بفاس عام ثلاثة وثمانمائة- اهـ. وقال غيره: كان بينه وبن ابن عباد مراسلات وإشارات وله فهرست وسماع صحيح، انتهت إليه رياسة الحديث في وقته ودفن مع ابن عباد- اهـ. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في الأعلام 8: 136، جذوة الاقتباس ص 339، فهرس الفهارس 2: 338، درة الحجال رقم 1468 - 3: 341.

788 - يحيى بن محمد التلمساني.

788 - يحيى بن محمد التلمساني. سمع من أبي الحسن البطرني وأبي عبد اللَّه بن مرزوق وأبي القاسم الغبريني وشارك في الفقه ومهر في العربية، مات سنة سبع وثمانمائة على خمس وستين، وكان أضر قبل ذلك. صح من أنباء الغمر. 789 - أبو يحيى أبو بكر بن عقيبة القفصي. عالمها، كان علامة بارعًا ورجلًا صالحًا، أخذ عن ابن عرفة وأبي مهدي الغبريني وغيرهما، وله أسئلة في فنون كتبها للإمام ابن مرزوق الحفيد فاجابه عنها بجزء سماه "اغتنام الفرصة في محادثة عالم قفصة" [فلما] وقف عليه قال القاضي أحمد القلشاني الصالح أبو يحيى بن عقيبة مخاطبًا لي من قفصة وأنا بقسنطينة: (عليك أخي بالفقه وأكثر لزومه) ... ولا تكترث ما فيه زيد ولا عمرو فزهرة ذي الدنيا سريعٌ ذبولها ... (وفي نهيه طه النبي لنا ذكر) وقل منشدًا ما قال بعض أولي النهي ... فكم حكمة غراء قيدها الشعر إذا المرء جاز الأربعين ولم يكن ... له دون ما يأتي حياء ولا ستر فدعه ولا تنفس عليه الذي أتى ... وإن مد أسباب الحياة له العمر (¬1) - اهـ. ونقل عنه البسيلي في تفسيره ولم أقف على وفاته. 790 - يحيى بن عبد الرحمن بن محمد من ذرية المقداد بن عمار الكندي العلامة العجيسي المغربي (¬2). الإمام العلامة الحفظة شرف الدين، ولد سنة سبع وسبعين وسبعمائة، أخذ أنواع العلوم تفسيرًا وحديثًا وفقهًا وأصوله وكلامًا وعربية عن الإمام ابن عرفة والإمام الأبي وغيرهما من شيوخ الغرب وبرع ونبغ وتقدم، وكان إمامًا علامة في فنونه، رحل للقاهرة فأقرأ بها وأعاد وصنف، وله شرح على الألفية وآخر عليها منظوم وشرع في شرح البخاري وكان حفظة للأخبار وأيام الناس فصيحًا مفوهًا ¬

_ (¬1) في البيتين الأول والثاني خلل عروض واضح، وترجمة ابن عقبه في شجرة النور الزكية ص 246. (¬2) انظر ترجمته في الأعلام 8: 153، الضوء اللامع 10: 231 - 233، نظم العقيان ص 177، التاج 4: 185.

791 - يحيى الهنيني

عنده ملح ونوادر، وحكى عنه البقاعي في العنوان أنه سئل ما لمذهبكم كثير الخلاف؟ قال: لكثرة نظاره في زمن إمامه، وقد أخذ عنه مشافهة نحو ألفين كلهم مجتهد أو قارب الاجتهاد. ولى تدريس المالكية بالشيخونية، ومات في شعبان سنة اثنين وستين وثمانمائة -اهـ- من أعيان الأعيان للسيوطي. زاد السيوطي في الضوء اللامع أنه حج وزار القدس وورد دمشق وألف تذكرة فيها فوائد، وأنه أخذ عن الفقيه القاضي أبي مهدي عيسى الغبريني وأبي العباس النقاوسي وأحمد بن يحيى بن صابر، وعن قاضي الجماعة بقسنطينة أبي العباس بن الخطيب القنفد وقاضي الجماعة بيونة أبي العباس أحمد ابن القاضي، وأن الكمال بن الهمام قرأ عليه في الابتداء ودرس بالشيخونية عاقب الزين عبادة وقدم على ابن عامر- اهـ. 791 - يحيى الهنيني (¬1). قال القلصادي في رحلته: اجتمعت به بوهران وكان شيخًا فقيهًا صدرًا- اهـ. 792 - يحيى بن أحمد بن عبد السلام عرف بالعُلَمي، بضم العين وفتح اللام، نسبة للعلم فيما قيل (¬2). نزيل القاهرة ثم مكة، اشتغل ببلده على قاضي الجماعة عمر القلشاني وقدم القاهرة وهو فاضل بحيث أنه قال: لم يكن يفتقر لأحد في الاشتغال وحضر يسيرًا عند البساطى وحكى له مباحثة مع القرافي، وأخذ الحديث عن ابن حجر ثم انضم إلى الحسام بن حريز، ويقال إن الحسام كان يقرأ عليه، ولما ولى القضاء استنابه في تدريس المنصورية وتصدر للتدريس بجامع الأزهر وغيره وانتفع به الفضلاء سيما في الفقه وصار بآخره أوفر الجماعة فيهم، ثم حج سنة خمس وسبعين وثمانمائة فقطن مكة على طريقته الجميلة حتى انتفع به الفقهاء في الفقه وأصوله ¬

_ (¬1) له إشارة موجزة في هذه الرحلة ص 111، والهنيني نسبة إلى هنين وهو ثغر على بحر الجزائر أسر فيه ابن القاضي صاحب لقط الفرائد (مع ألف سنة من الوفيات ص 320). (¬2) الأعلام 8: 136، الضوء اللامع 10: 216، شجرة النور الزكية ص 265.

793 - يحيى بن يدير بن عتيق التدلسي أبو زكريا

والكلام والمعاني والبيان والمنطق وروى البخاري ومسلمًا والشفاء وأقرأ شرح التحفة وأفتى باللفظ دون كتابة تورعًا، وبلغني أنه كتب على المدونة والمختصر والرسالة والبخاري ولد، ظنًا، بعيد القرن وتوفي يوم الاثنين رابع ربيع الثاني سنة ثمان وثمانين وثمانمائة- اهـ. من الحافظ السخاوي في أهل المائة التاسعة. قال البدر القرافي: وقفت على شرحه للكتب المذكورة بخطه ناقصة الأوائل كلها سلك فيها مسلك الاختصار ولا تخلو من فوائد وبيعت بثمن سهل لقلاقة خطه وتلف أطرافها- اهـ. قلت: وقفت على شرحه على الرسالة كذلك في مجلد ورأيت بخطه أنه قسنطيني البلد، رحمه اللَّه. 793 - يحيى بن يدير بن عتيق التدلسي أبو زكريا (¬1). الفقيه العالم العلامة قاضي توات، أخذ عن الإمام ابن زاغو وغيره، وعنه الشيخ محمد بن عبد الكريم الغيلي وتوفي بقسنطينة يوم الجمعة قبل الزوال عاشر صفر عام سبعة وسبعين وثمانمائة، كذا وجدته بخط تلميذه ابن عبد الكريم المغيلي المذكور. 794 - يحيى بن أبي عمران موسى بن عيسى المازوني (¬2). قاضيها الإمام العلامة الفقيه، أخذ عن الأئمة كابن مرزوق الحفيد وقاسم العقباني وابن زاغو وابن العباس وغيرهم، وجب وبرع وألف نوازله المشهورة المفيدة في فتاوى المتأخرين أهل تونس وبجاية والجزائر وتلمسان وغيرهم في سفرين ومنه استمد الونشريسي مع نوازل البرزلي فيما يظهر لي وأضاف إليهما ما تيسر أي من فتاوى أهل فاس والأندلس، واللَّه أعلم. توفي، كما قال الونشريسي، عام ثلاثة وثمانين وثمانمائة بتلمسان، ووصفه بالفقيه الفاضل- اهـ. ¬

_ (¬1) معجم أعلام الجزائر ص 62، تعريف الخلف 1: 192. وألف سنة من الوفيات 265. (¬2) الأعلام 8: 175، تاريخ الجزائر العام 2: 268، مناقب الحضيكي 2: 367.

795 - يحيى بن أبي يعزى.

795 - يحيى بن أبي يعزى. قال الشيخ زروق: كان قاضيًا بالمدينة البيضاء بفاس يدرس النحو، عارفًا بعلوم الأدب والتنجيم ونحوها، توفى آخر تسع وثمانمائة. وقال في وفيات الونشريسي: سنة إحدى وتسعين توفي الفقيه القاضي بالدار البيضاء الكريم الشمائل أبو زكرياء ابن أبي حامد حفيد ولي اللَّه أبي يعزى- اهـ. 796 - يحيى بن عبد اللَّه ابن أبي البركات أبو زكرياء. قال الونشريسي: صاحبنا قاضي الجماعة الفقيه، توفي في غرة محرم عام عشرة وتسعمائة. 797 - يحيى بن مخلوف السوسي أبو زكرياء (¬1). الشيخ الفقيه الأستاذ الصالح المتفنن الرحلة، أخذ عن أحمد الونشريسي وابن غازي والفقيه عبد اللَّه بن جلال بن حفاظ توضيح خليل، وعن شيوخ بجاية وغيرهم، وعنه عبد الواحد الونشريسي واليسيتني، قاله المنجور في فهرسته، وتوفي عام سبعة وعشرين وتسعمائة. 798 - يحيى بن إبراهيم بن عمر الدميري قاضي القضاة ابن قاضي القضاة المتقدم (¬2). أخذ عن أبيه وتولى قضاء مصر حتى بعد دولة سليم بن عثمان وولده سليمان ثم عزل، وكان ثابت الفهم جيد النظر ذا حشمة ونزاهة ورعاية، توفي سنة تسع وثلاثين وتسعمائة، وتأسف الناس عليه. 799 - يحيى بن عمر بن أحمد بن يونس شرف الدين أبو زكرياء والد البدر القرافي المتقدم، آخر المحمديين (¬3). المصري القرافي شهرة الأنصاري نسبًا، قال ولده المذكور: ولد بمصر سنة ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في جذوة الاقتباس ص 544، القسم الثاني ع - ي. (¬2) ترجمته في الضوء اللامع 5: 215. (¬3) شجرة النور الزكية ص 272، 273.

800 - يحيى بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب المكي، فقيهها وعالمها شيخنا بالإجازة الفقيه العالم العلامة المتفنن المؤلف الصالح آخر فقهاء الحجاز من المالكية

ست وتسعمائة فحفظ القرآن والشاطبية وأصلي ابن الحاجب ومختصر خليل وأصلي ابن السبكي وألفية ابن مالك والرحبية وعرضها على الأعيان كجلال بن قاسم وغيره من الأعلام، وكذا وجده لأمه البدر القرافي المالكي ابن الشمس القرافي سبط العارف باللَّه ابن أبي جمرة، واشتغل بالعلم فأخذ الحديث عن الحافظ المشهدي والفقه عن اللقانيين الشمس والنصر ولازم استغال العلم. وتولى القضاء سنة ست وأربعين فاجتمعوا على براعته ودقة نظره وجودة فكره وصحة تحرير المسائل والوثائق، اعتمده الناس لصدقه، أقرأ مختصر خليل قراءة جيدة مع أبحاث لطيفة، غاية في سرعة الإدراك مع حسن باطنه، سخي النفس كثير العطاء للفقراء يردون عليه مع كثرتهم فيرضيهم مع اطراح نفس إلى الغاية بحيث يضرب به المثل واعتقاد جميل في محبة العلماء والصالحين، توفي يوم الجمعة سادس عشر صفر سنة ست وأربعين، رحمه اللَّه تعالى -اهـ- ملخصًا. 800 - يحيى بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب المكي، فقيهها وعالمها شيخنا بالإجازة الفقيه العالم العلامة المتفنن المؤلف الصالح آخر فقهاء الحجاز من المالكية (¬1). له تآليف في الفقه والمناسك والحساب والعروض وغيرها، ولقيه جماعة من أصحابنا بمكة، وأجازني مكاتبة ثم عمم وكتب إليَّ بخطه، وتوفي بعد ثلاث وتسعن وتسعمائة، رحمه اللَّه تعالى. الافراد 801 - يخلف بن خَرَز الأوربي الفاسي (¬2). قال التادلي: كان حافظًا للمسائل ورعًا صالحًا متواضعًا مجاب الدعوة، جاء ¬

_ (¬1) ترجمته في أعلام ليبيا للزاوي والديباج 160، والفكر الساير 4: 105، ومعجم المطبوعات ص 780، وبروكلين 2: 515، والكتبخانة 5: 252، 277، 284، 329، ومعجم المؤلفين العرب الليبين، والأعلام للزركلي. (¬2) انظر جذوة الاقتباس ص 561، القسم الثاني واسمه فيها خزر، ع - ي، وفي نسخة كفاية المحتاج بالخزانة الحسنية جاء اسمه يخلف بن حرز ص 483.

802 - يسكر أبو محمد بن موسى بن الجرائي فقيه فاس

شخص لأبي الحسن ابن حرزهم فقال له: رأيت في النوم شمعتين واحدة بعدوة الأندلس وأخرى بالقرويين فقال له أبو الحسن: التي بعدوة الأندلس ضوؤها أكثر فقال نعم فقال له تلك أبو خزر والأخرى أنا، وقلة ضوئها لما أنا عليه من كثرة المزاح مع الناس- اهـ. 802 - يسكر أبو محمد بن موسى بن الجرائي فقيه فاس (¬1). قال ابن الخطيب القسنطيني: كان شيخًا فقيهًا صالحًا شهيرًا، أخذ عن أبي خزر يحلف الأوربي وأخذ عنه أبو محمد صالح الهسكوري الذي ينسب إليه شرح الرسالة، وحدث عن بعض الأولياء قال: طلبنا التوفيق فوجدناه في إطعام الطعام، ودخل أيضًا يومًا جامع فاس وليس فيه قنديل فأضاء منه الجامع حتى صلى وخرج وعاينه الناس. توفي سنة ثمان وتسعين وخمسمائة. وقال التادلي صاحب أبي الحسن بن حرزهم: وكان ورعًا فاضلًا مجتهدًا صائمًا، إذا دخل رمضان طوى فراشه واجتهد، وكان لا يأكل طعام السوق وإذا احتاج للحم بعث لماشيته فيؤتي بكبش فيذبحه -اهـ- ملخصًا. * * * وليكن هذا آخر ما أردنا وضعه واخترنا جمعه بعون اللَّه تعالى منتقى من عدة كتب ككتاب التشوف في رجال التصوف للتادلي، وذيل ابن الأبار لصلة ابن بشكوال، وتاريخ ابن الزبير، ورحلتي العبدري، وأبي القاسم التجيبي، ومشيخة الإمام المقري وفوائده، وتاريخ المدينة لابن فرحون، ورحلة خالد القتوري، وفهرست صاحبه أبي عبد اللَّه الحضرمي بخطه، والإحاطة لابن الخطيب السلماني، وتاريخ ابن خلدون، وفهارس أبي زكرياء السراج، وابن الأحمر، والمنتوري، ومرويات الإمام ابن مرزوق الحفيد، والكوكب الوقاد فيمن دفن بسبتة من العلماء والزهاد، ورحلة ابن الخطيب القسنطيني ووفياته، ورحلة القلصادي، وأشياء من كناشة أحمد زروق، وفهرسة ابن غازي، والروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون له في كراسين، وتاريخ النحاة، وتاريخ مصر كلاهما للسيوطي، ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في ألف سنة من الوفيات ص 67. وجذوة الاقتباس: 57، 58، 70، 72، 177 وشجرة النور الزكية 165 واسمه فيه: "يشكر الجراوي" وفي شرف الطالب لابن القنفد: "يسكر الجرواوي".

ومعجمه الصغير، وبعض فوائد الإمام الونشريسي ووفياته، والنجم الثاقب فيما لأولياء اللَّه من المناقب لابن صدر التلمساني، وتأليف الملالي في مناقب السنوسي وفهرسة الشيخ المنجور، والشيخ عبد الواحد الفيلالي، وذيل الديباج للقرافي، وغيرها من المعاجم والكناشات والمجاميع، إلى أشياء أخذتها من بطون كتب الفقه وغيرها، وفوائد تلقفتها من أفواه الرجال كسيدي والدي، رحمه اللَّه، وصاحبنا محمد بن يعقوب الأديب المراكشي وغيره، فحصل بذلك كله بحمد اللَّه تعالى تراجم عدة للأئمة المجتهدين المتأخرين ذوي الرسوخ، فمن دونهم في العلم ممن له شهرة ومعرفة. ففيه، بحمد اللَّه تعالى، بعض كفاية في معرفة تراجمهم لمن له حرص على تحصيلها، وقد نيف ما فيه على عدة ما في أصله الديباج بما يزيد، واللَّه أعلم، على مائتين من عدده، إذ جملة ما في الديباج ستمائة ونيف وثلاثون رجلًا. ونسأل اللَّه تعالى أن يجمعنا معهم ويحشر الجميع في زمرة المفلحين من حزب سيدنا ونبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ونفعنا بهم وبمحبتهم دنيا وأخرى، وآخر دعوانا أن الحمد للَّه رب العالمن. ووافق الفراغ من جمعه سوى أشياء زدتها فيه بعد سابع جمادى الأولى من عام خمسة وألف بمدينه مراكش من المغرب الأقصى، صانها اللَّه تعالى من الغير. قال جامعه وكاتبه الفقير لربه تعالى أحمد بابا بن أحمد بن أحمد بن عمر بن محمد أقيت بن عمر بن علي ابن يحيى الصنهاجي الماسني التنبكتي، ختم اللَّه تعالى له بالحسنى بجاه سيد الأولين والآخرين، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم، حسبي اللَّه ونعم الوكيل. * * *

§1/1