نوادر المخطوطات

عبد السلام هارون

الرسالة المصرية لأبي الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي

الرسالة المصرية لأبي الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي 470-528

مقدمة

مقدمة نزح كثيرون من رجال الأندلس إلى الشرق طلباً للعلم أو المال أو الجاه، أو رغبة في أداء فريضة الحج، وكان من أولئك النازحين إلى مصر رجل جمع إلى الأدب الحكمة، وإلى الطب التنجيم والموسيقى والرياضة، والبراعة في علم الحيل. هذا الرجل هو أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت، المولود في مدينة دانية، من بلاد الأندلس سنة 470 هـ?. قدم أبو الصلت إلى الإسكندرية ومعه أمه - فيما يروى ابن خلكان سنة 487، أي في أيام الخليفة الفاطمي المستنصر بالله أبي تميم معد بن الظاهر بالله على بن الحاكم بأمر الله، ووزيره إذ ذاك والقائم بأمر دولته الأفضل شاهنشاه ابن أمير الجيوش بدر الجمالي الأرمني. وكان يأمل أبو الصلت من وراء رحلته هذه بسطةً في العيش، وثراء من المال، كما أشار إلى ذلك في صدر رسالته. ويبدو أنه ظل دهراً خاملاً يتحين الفرص، إلى أن أتيح له أن يتصل بأحد المقربين إلى الوزير الأفضل، في أيام الخليفة الآمر، وذلك الرجل هو تاج المعالي مختار، فخدمه بصناعتي الطب

والتنجيم، فأعجب به، ووصفه بحضرة الأفضل وأثنى عليه، وكان كاتب الأفضل ينفس عليه ذلك، ويخشى بأس تاج المعالي، وحدث أن تتابعت من تاج المعالي السقطات فأدى ذلك إلى أن يقبض عليه الأفضل ويعتقله، فيجد كاتب الأفضل الفرصة سانحة للقضاء على أبي الصلت، فيختلق له ما يدفع الأفضل إلى أن يلقى به في سجون المعونة بمصر، مدة ثلاث سنين وشهر، بعد الذي دبج فيه من المدائح والشعر. ويروى ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء، أن دخول أبي الصلت إلى مصر كان في حدود سنة 510 هـ، وأنه حبس في الإسكندرية في خلافة الآمر بأحكام الله ووزارة الأفضل. فإن صحت هذه الرواية كانت سنداً في أن أبا الصلت ورد مرة أخرى بعد وفاة ولي نعمته أبي الطاهر يحيى بن تميم بن المعز ابن باديس المتوفى سنة 509، وهي سنة خروجه من مصر.

ضاق أبو الصلت ذرعاً بمصر، وما لقى فيها من الخيبة والعنت. قال القفطي: "ودخل مصر في أيام أفضلها فلم ينل منه إفضالاً، وقصده للنيل فلم يجد لديه نوالاً". فحينئذ شد رحاله إلى المغرب في سنة 506، واستعاد صلته بحضرة أبي الطاهر يحيى بن تميم بن باديس، الذي وضع له هذه " الرسالة المصرية". يصف له فيها ماعاينه في مصر وما عاناه، وتناول في هذه الرسالة القيمة: 1 الوصف البلداني للديار المصرية ونيلها. 2 ثم أخذ في تصوير جمال ربوعها ومغانيها تارة بالشعر وأخرى بالنثر. 3 وعقب على ذلك بالكلام في سكانها وأجناسهم ومذاهبهم وأخلاقهم وعقائدهم، منذ عهد الفراعنة إلى ظهور الإسلام. 4 وتحدث بعد ذلك فيما تحتويه من الآثار العجيبة، كالهرمين والبرابي. 5 وذكر عواصم مصر في القديم والحديث. 6 وقدامى العلماء من اليونان والروم، مستطرداً بذلك إلى ندرة من لقيه بمصر من المشتغلين بالعلم والحكمة والطب. 7 وعجب من جهل من لقي بها من الأطباء، ونوه بفضل بعض الأطباء البارعين. 8 وتحدث في ولوع المصريين بأحكام النجوم وكثرة استعمالهم لها، وأورد في ذلك نوادر وطرائف. 9 ثم عرج على ذكر من لقيه بها من الأدباء والظرفاء. فهذه الرسالة تضرب بأسباب إلى علوم وفنون شتى، وتعد اليوم كما عدت

بالأمس، وثيقة يرجع إليها البلداني، والمؤرخ، وباحث الآثار، والاجتماعي، والحكيم، والطبيب، والمنجم، والأديب. هذه الرسالة الصغيرة الحجم العظيمة القدر كانت متعارفة متداولة بين كبار العلماء والمؤرخين، ثم أضحت نادرة مجهولة، إلى أن تمكن المغفور له العلامة أحمد تيمور باشا طيب الله ثراه من اقتنائها في مكتبته الخاصة، وهي برقم 601 أدب وعلى هذه النسخة الوحيدة في العالم - كما يتضح من مراجعة فهارس بروكلمان أعتمد في نشر هذه الرسالة الفريدة، التي أورد طرفاً منها ياقوت في "إرشاد الأريب"، والعماد في "الخريدة"، والقفطي في "إخبار العلماء"، وابن أبي أصيبعة في "عيون الأنباء"، والأسعد بن مماتي في "قوانين الدولة"، والمقرى في "نفح الطيب"، والمقريزي في "الخطط"، كما سيتضح له عند تحقيق نصوصها. ولأبي الصلت غير الرسالة المصرية "كتاب الحديقة" على أسلوب "يتيمة الدهر" للثعالبي، وقد نقل منه العماد في "الخريدة". وله أيضاً "الأدوية المفردة" وهو محفوظ في مكتبة بودليان، و "تقويم الذهن" في المنطق، بمكتبة الإسكريال، و "أوراق من كتاب في الفلك" بالإسكريال، و "كتاب في المعاني المختلفة للفظة نقطة" في مكتبة ليدن، و "قصيدة" بمكتبة برلين.

وقد صنف في معظم هذه الكتب وهو في اعتقال الأفضل بمصر، كما نص ابن خلكان. انتهت أيام أبي الصلت في المهدية، وقد اختلف المؤرخون في سنة وفاته، فقيل سنة 520 وقيل سنة 528 وإليك الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت رحمه الله تعالى: كنت إبان عصر الشباب مونق، وغصن الصبا مورق. إذا لمتي مسودة ... ولماء وجهي رونق ممن سامحه الدهر بغفلة من غفلاته، وتجافى له عن غفوة من غفواته، فعاش آمن السرب، سائغ الشرب، لا يتفرغ من أدب يرود رياضه، ويرد حياضه، إلا إلى طرب يعمر ميدانه، ويسحب ذيوله وأردانه. ثم تلون فقلب لي ظهر مجنه، وسقاني دردى دنه، فتدارك ما أغفله، واسترد ما بذله، واضطررت إلى مفارقة الوطن، والخروج عن العطن، فتماسكت إشفاقاً من مفارقة أول أرض مس جلدي ترابها، وشدت على التمائم بها. وجاءت أمور لا تطاق كبار، فلما لم يكن الفرار، قلت: ليس لي إلا أن أرمي بنفسي كل مرمى، وأطرحها كل مطرح. لأبلغ عذراً أو أنال رغيبة ... ومبلغ نفسي عذرها مثل منجح وسكنت إلى البيت المشهور:

تلقى بكل بلاد إن حللت بها ... أهلاً بأهل وأوطاناً بأوطان وإن كان يقول العامة: ليس بين بلد وبلد نسب، فخير البلاد ما حملك فجعلت أستقري البلاد لأتيمم أوفقها للمقام، وأعونها على مقارعة الأيام، فكانت مصر مما وقع عليها إختياري، وصدقت حسن ظني قبل اختباري، وسرت قاصداً إليها أعتسف المجاهل والتنائف، وأخوض المهالك والمتالف، فطوراً أمتطي كل حالكة الإهاب، مسودة الجلباب، ثابتة كصبغة الشباب، قد فسح ميدانها، ووضع براحة الريح عنانها، فجرت جري الطرف الجموح، وفاتت مدى الطرف الطموح؛ وطوراً كل نقب الأياطل، كالهياطل، سبط المشافر جعد الأشعار، أحتذى العقيق، أو الصنو الشقيق، إن علاقات ظليم خاضب، وإن هوى قلت شهاب ثاقب، يصل الذميل بالوخاد، وبلتهم التهائم والنجاد. فكم جزع واد جزعته، وجلباب ليل أدرعته، وكم بر خرقت مخارمه وفجاجه، وبحر شققت غواربه وأمواجه، وليس لي غير مصر مقصد، ولا وراءها مذهب، ولا دونها للغنى متطلب. وكم في الأرض من بلد ولكن ... عليك لشقوتي وقع اختياري فلما تغمري ركابي من النيل،، واستذرت بظل المقطم، ألقيت عصا التسيار، واستقرت بي النوى، وخفت ظهورهن من الرحال، وأرحتهن من الحل والترحال، وقلت: ضالتي المنشودة، وبغيتي المقصودة، هاهنا ألبث وأقيم،

فلا أبرح ولا أريم، "بلذة طيبة ورب غفور". وحيث التفت فروضه وغدير، وخورنق وسدير، وظل ظليل، ونسيم عليل. وكم تمنيت أن ألقى بها أحداً ... يسلى من الهم أو يعدى على النوب فما وجدت سوى قوم إذا صدقوا ... كانت مواعيدهم كالآل في الكذب وكان لي سبب قد كنت أحسبني ... أحظى به فإذا دائي من السبب فما مقلم أظفاري سوى قلمي ... ولا كتائب أعدائي سوى كتبي ولم تطل مدة اللبث حتى تبينت بما شاهدته أنى فيها مبخوس البضاعة، موكوس الصناعة، مخصوص بالإهانة والإضاعة؛ وأن عيشها الرغد، مقصور على الوغد، وعقابها المر، موقوف على الحر، فلو تقدمت فعلمت ذلك لخف عنها مركبي وصرفت إلى سواها وجه مطلبي، ولكان لي في الأرض مرمى شاسع، ومنتاب واسع، بل تثبطت، حتى تورطت، حتى عوملت بما يعامل به ذوو الجرائر والذنوب، وجرعت من المذلة بأوفى ذنوب. هذا مع ما حبرته من المدح التي اشتهرت شهرة الصباح، وهبت هبوب الرياح، ولهج بها الحادي والملاح. فسار بها من لا يسير مشمراً ... وغنى بها من لا يغني مغرداً إلا أن الله جلت آلاؤه، وقدست أسماؤه، تدارك برحمته فأزال تلك المحنة بالمنحة، ونسخ تلك النقمة بالنعمة، وختم بالوصول إلى حضرة الملك الأجل أبي الطاهر بن يحيى بن تميم المعز بن باديس، الذي لم تزل حضرته مصاد

العناة، ومراد العفاة، ومجتمع الفضائل، ومنتجع الأفاضل، ومشرع الجود، ومشعر الوفود. فلما استترت بجناحه، واستظهرت باستماحه، أعذب لي بسماحة الدهر جناه، واعتذر لي مما جناه، فكف دوني كفه، وصرف عني صرفه. كريم رفضت الناس لما بلغته ... كأنهم ما خف من زاد قادم فكنت فيما مضيت عليه، وآلت حالي إليه، من إشراقها بعد الأفول، وإبراقها بعد الذبول، كنصل أهمل أمره، من جهل قدره، ولما وقع إلى وقع الخبير به صان صفحته وحده، وحلى حمائله وغمده، ثم ادخره فيما يدخر وأعده، فإن انتضاه، يوماً ارتضاه، وإن جرده، أحمده، وإن هزه، سره في الضريبة حزه. ولكن أبى الله أن يكون الفضل إلا لمن نشأ في مغارسه، ونجم في منابته، وربى في حجره، وغذى بدره. فلم أستسغ إلا نداه فلم يكن ... ليعدل عندي ذا الجناب جناب فما كل إنعام يخف احتماله ... وإن هطلت منه على رباب ولكن أجل الصنع ما جل ربه ... ولم يأت باب دونه وحجاب وما شئت إلا أن أدل عواذلي ... على أن رأيي في هواك صواب وأعلم قوماً خالفوني فشرقوا ... وغربت أني قد ظفرت وخابوا والأولى أن أضرب عما سلف، وأترك ما فرط، وآخذ فيما أجريت إليه وقصدته، ونحوته واعتمدته، مما آثرت به الحضرة السامية أدام الله

سموها من وصف ما عانيته من أرض مصر وعاينته، والاقتصار على الذي رأيته دون ما رويته، فليس من يقول: علمت هذا من طريق العلم والسماع، كمن يقول: تحققته بالمشاهدة والاطلاع، فإن ذا اللب الأمين لا ينخدع بمحال، ولا يرضى بانتحال. وأنا أبتدئ بذكر هذه البلاد وموقعها في المعمورة ومجرى النيل منها، وغنائه فيها، وأشفع ذلك بنبذ من ذكر أحوال أهلها في أخلاقهم، وسيرهم وعاداتهم، وما يتصل بذلك وينجر معه، ويجيئ بسببه، ويدخل في تضاعيفه. وهأنذا آخذ في ذلك، وبالله أستعين، وعليه التوكل. أرض مصر بأسرها واقعة من المعمورة في قسمي الإقليم الثاني والإقليم الثالث، ومعظمها في الثالث. وحكى المعتنون بأخبارها وتواريخها أن حدها في الطول من مدينة برقة التي في جنوب البحر الرومي، إلى أيلة من ساحل الخليج الخارج من بحر الحبشة والزنج والهند والصين. ومسافة ذلك قريب من أربعين يوم. قالوا: وحدها في العرض من مدينة أسوان وما سامتها من الصعيد الأعلى المتاخم لأرض النوبة، إلى رشيد وما حاذاها من مساقط النيل في البحر الرومي، ومسافة ذلك قريب من ثلاثين يوماً. ويكتنفها من مبدئها في العرض إلى منتهاها جبلان [أحدهما في الضفة الشرقية من النيل، وهو المقطم، والآخر في الضفة الغربية منه. والنيل منسرب فيما بينهما. وهما] أجردان غير شامخين، يتقاربان

جداَ في وضعيهما من لدن مدينة أسوان إلى أن ينتهي إلى الفسطاط، فثم تتسع مسافة ما بينهما وتنفرج قليلاً، ويأخذ المقطم منهما مشرقاً والآخر مغرباً على وراب في أخذهما وتفريج في مسلكيهما، فتتسع أرض مصر من الفسطاط إلى البحر الرومي الذي عليه الفرماء وتنيس ودمياط ورشيد والاسكندرية، وهناك تنقطع في عرضها الذي هو مسافة [مابين] أوغلها في الجنوب و [أوغلها] في الغرب والشمال. وإذا ما مسحت بالطريق البرهانية في طريق هذه المسافة [من الأميال] لم تبلغ ثلاثين ميلاً، بل تنقص عنها نقصاً ما له قدر، وذلك لأن فضل ما بين عرض أسوان التي هي أوغلها في الجنوب وعرض مدينة تنيس التي هي أوغلها في الشمال، تسعة أجزاء ونحو سدس جزء من الأجزاء التي بها تحيط الدائرة العظمى، [وهي] ثلاثمائة وستون جزءاً. وليس بين طوليهما فضل يقع بسببه في هذا الحساب ما له قدر يعتد به. فإذا ضاعفنا هذا العدد بما يخص الدرجة الواحدة من محاذاة ذلك من الأميال، وذلك ستة وخمسون ميلاً وثلثا ميل علة ما دل علية البرهان، كان ذلك نحو خمسمائة وعشرون ميلاً بالتقريب، وذلك مسافة سير عشرين يوماً أو قريب من ذلك. وفي هذه المدة من الزمان يقطع السفار أبدا ما بين هذين البلدين بالسير المعتدل في أكثر من ذلك قليلاً، لما في الطريق من التعريج وعدم الاستقامة.

وليس تشتمل أرض مصر بعد الفسطاط الذي هو مقر الملك وكرسي الدولة، على مدائن لها قدر في كثرتها ولا فخامتها، لكن أجل مدائنها وأفخرها أما في الجهة الشمالية من الفسطاط فالاسكندرية وتنيس ودمياط، وأما في الجهة الجنوبية إلى أقصى الصعيد فقوص وقفط. فهذه صفة أرض مصر على الجملة. وأما النيل فينبوعه من وراء خط الاستواء، من جبل هناك يعرف بجبل القمر، فإنه يبتدئ بالتزيد في شهر أبيب، الذي هو بالرومية يولية. والمصريون يقولون: "إذا دخل أبيب، كان للماء دبيب". وعند ابتدائه في التزيد تتغير جميع كيفياته وتفسد، والسبب الموجب لذلك مروره بنقائع مياه آجنة يخالطها فيجتلبها، ويستخرجها معه ويستصحبها، إلى غير ذلك مما يحتمل. فتصير مثل الحال التي وصفه بها الأمير تميم بن المعز لدين الله: أما ترى الرعد بكى فاشتكى ... والبرق قد أومض فاستضحكا فاشرب على غيم كصبغ الدجى ... أضحك وجه الأرض لما بكى [وقد حكى العود أنين الهوى ... لكنه جود فيما حكى]

وانظر لماء النيل في مده ... كأنما صندل أو مسكا أو كما قال غيره من أهل العصر، من قصيدة يصف بها أرض مصر: ولله مجرى النيل منها إذا صبا ... أرتنا به في مرها عسكراً مجرا فشط يهز السمهرية ذبلا ... وموج يهز البيض هندية تبرا إذا مدحا كي الورد غضا وإن صفا ... حكى ماءه لونا ولم يعده نشرا وهذا نظير ما أنشدنيه عبد الله بن سرية لنفسه: راقني النهر صفاء ... بعد شوقي لصفائه كان مثل الورد غضا ... ثم قد صار كمائه ولأبي بكر الصنوبري في مثل هذا المعنى: ولقد طربت إلى الفرا ... ت بكل ذي كرم ومجد والشمس عند غروبها ... صفراء مذهبة الفرند والماء حاشيتاه خض ... روان من آس ورند تحبوه أيد الريح إن ... هبت على قرب وبعد بطرائف من فضة ... وطرائف من لا زورد والسفن كالطير انبرت ... في الجو من مثنى وفرد حتى إذا جزر الفرا ... ت مضى وأعقبه بمد

أبصرته وكأنه ... ملقى عليه رداء ورد متململاً كالصب أو ... ذن من أحبته بصد وكأنما بحشاه ما ... بحشاي من قلق ووجد وقال تميم المعز، وأحسن التشبيه: يوم لنا بالنيل مختصر ... وبكل يوم مسرة قصر والسفن تصعد كالخيول بنا ... فيه وجيش الماء ينحدر فكأنما أمواجه غرف ... وكأنما داراته سرر وقال محمد بن الحسن: النهر مكسو من الأزهار ... برداً أنيقاً مثل ثوب ... ...................... ... يجري بمسك أو بذوب نضار وإذا استقام رأيت صفحة منصل ... وإذا استدار رأيت عطف سوار وقال أبو الحسن محمد بن الوزير، في تدرج زيادة الماء إصبعاً إصبعاً، ومنفعة ذلك التدرج: أرى أبداً كثيراً من قليل ... وبدراً في الحقيقة من هلال فلا تعجب فكل قليل ماء ... بمصر مسبب لخليج مال زيادة إصبع في كل يوم ... زيادة أذرع في أحسن حال فإذا كان في الخامس عشر ذراعاً وزاد من السادس عشر إصبعاً واحدة كسر الخليج. ولكسره يوم معدود، ومقام مشهود، ومجتمع غاص، يحضره العام والخاص. وإذا كسر فتحت الترع وهي فوهات الخلجان ففاض الماء

وساح، وعم الغيطان والبطاح، وانضم الناس إلى أعلى مساكنهم من الضياع والمنازل، وهي على آكام وربى لا ينتهي إليها الماء، ولا يتسلط السيل عليها، فتعود عند ذلك أرض مصر بأسرها بحراً غامراً لما بين جبليها المكتنفين لها. وتثبت على هذه الحال ريثما يبلغ الحد المحدود، في مشيئة الرب المعبود. وأكثر ذلك يحوم حول ثمانية عشر ذراعاً، ثم يأخذ عائداً في منصبه، إلى مجرى النيل [ومسربه، فينضب أولاً عما كان] من الأرض مشرفاً عالياً، ويصير فيما كان منها متطامناً، فيترك كل قرارة كالدرهم، ويغادر كل تلعة كالبرد المسهم، وفي هذا الوقت من السنة تكون أرض مصر أحسن شيئاً منظراً، ولا سيما متنزهاتها المشهورة، ودياراتها المطروقة، كالجزيرة، وبركة الحبش وما جرى مجراها من المواضع التي يطرقها أهل الخلاعة، وينتابها ذوو الأدب والطرب. واتفق أن خرجنا في مثل هذا الزمان إلى بركة الحبش، فافترشنا من زهرها أحسن بساط، واستظللنا من دوحها بأوفى رواق، وطلعت علينا من زجاجات الأقداح شموس في خلع البدور، ونجوم بالصفاء تنور، إلى أن جرى ذهب الأصيل على لجين الماء، ونشبت نار الشفق بفحمة الظلماء، فقال في ذلك بعضنا

لله يومي ببركة الحبش ... والأفق بين الضياء والغبش والنيل تحت الرياح مضطرب ... كصارم في يمين مرتعش قد نسجتها يد الغمام لنا ... فنحن من نسجها على فرش ونحن في روضة مفوفة ... دبج بالنور عطفها ووشى فعاطني الراح، إن تاركها ... من سورة الهم غير منتعش وسقني بالكبار مترعة ... فهن أروى لشدة العطش فأثقل الناس كلهم رجل ... دعاه داعي الصبا فلم يطش وقال أيضاً: علل فؤادك باللذات والطرب ... وباكر الراح بالنايات والنخب أما ترى البركة الغناء لابسة ... وشياً من النور حاكته يد السحب وأصبحت في جديد النبت في حلل ... قد أبرز القطر منها كل محتجب من سوسن شرق بالطل محجره ... وأقحوان شهى الظلم والشنب وانظر إلى الورد يحكى خد محتشم ... من نرجس ظل يبدي لحظ مرتقب والياسمين وقد أربى على درر ... والراح من درر تطفو على ذهب كم مرة قد شفينا فيه غلتنا ... بجاحم من فم الإبريق ملتهب شمس من الراح حيانا بها قمر ... موف على غصن يهتز في كثب أرخى ذوائبه، وانهز منعطفاً ... كصعدة الرمح، في مسودة العذب فاطرب ودونكها فاشرب فقد نغبت ... على التصابي دواعي اللهو والطرب ومما يتعلق بوصف النيل من أبيات له كتبها إلى الأفضل ليلة المهرجان:

أبدعت للناس منظراً عجباً ... لازلت تحيي السرور والطربا ألفت بين الضدين مقتدراً ... فمن رأى الماء خالط اللهبا كأنما النيل والشموع به ... أفق سماء تألقت شهبا قد كان من فضة فصار سماً ... وتحسب النار فوقه ذهبا وقد تعاور الشعراء..... شعاع على صبح. ومن مليح ماقيل في ذلك قول بعض أهل العصر، وهو أبو الحسن على بن أبي البشر الكاتب: شربنا عم غروب الشمس شمساً ... مشعشعة إلى وقت الطلوع وضوء الشمع فوق النيل باد ... كأطراف الأسنة في الدروع وأنشد أبو المنصور الثعالبي (في يتيمة الدهر) لمنصور بن كيغلغ: قام الغلام يديرها في كفه ... فحسبت بدر التم يحمل كوكبا والبدر يجنح للأفول كأنه ... قد سل فوق الشط سيفاً مذهباً وأنشد فيه للقاضي أبي القاسم علي بن إبراهيم بن أبي الفهم التنوخي: أحسن بدجلة والدجى متصوب ... والبدر في أفق السماء مغرب فكأنها فيه بساط أزرق ... وكأنه فيها طراز مذهب وقال ابن وكيع التنيسي: غدير يدرج أمواجه ... هبوب الشمال ومر الصبا إذا الشمس من فوقه أشرقت ... توهمته جوشناً مذهبا

وقال بعض أهل العصر من قصيدة: باطى نهر كان الر ... وهو اللجين به ذوبا إذا حمشته الصبا رأيته ... كأنه زرداً مذهبا وقال أبو عبادة البحتري يصف بركة: إذا علتها الصبا أبدت بها حبكا ... مثل الجواشن مصقولاً حواشيها إذا النجوم تراءت في جوانبها ... ليلاً حسبت سماء ركبت فيها وقد أحسن عبد الله بن المعتز في قوله: وتبدى لهن بالنجف المق ... فر ماء صافي الجمام غرى فإذا قابلته درة شمس ... خلته كسرت عليه الحلى وقال ابن التمار الواسطي يصف ضوء القمر على دجلة: قف فانتصف من صروف الدهر والنوب ... واجمع بكأسك شمل اللهو والطرب أما ترى الليل قد ولت عساكره ... مهزومة وجيوش اللهو في الطلب والبدر في الأفق الغربي تحسبه ... قد مد جسراً على الشطين من ذهب وقال محمد بن عبد الله السلامي: ونهر تمرح الأمواج فيه ... مراح الخيل في رهج الغبار إذا اصفرت عليه الشمس خلنا ... نمير الماء يمزج بالعقار وأما سكان أرض مصر فأخلاط من الناس مختلفة الأصناف: من قبط وروم وعرب وبربر وأكراد وديلم وحبشان وأرمن، وغير ذلك من

الأصناف والأجناس على حسب اختلافاتهم، وقالوا: إن السبب في اختلافهم، والموجب لاختلاطهم، اختلاط المالكين لها، والمتغلبين عليها، من العمالقة واليونانيين والروم والعرب وغيرهم، فلهذا اختلطت أنسابهم فاقتصروا من التعريف بأنفسهم على الانتساب إلى مواضعهم، والانتماء إلى مساقطهم ومواقعهم. وحكى جماعة من المؤرخين أنهم كانوا في الزمن السالف عباد أصنام، ومدبري هياكل، إلى أن ظهر دين النصرانية وغلب على أرض مصر فانتصروا، وبقوا على ذلك إلى أن فتحها المسلمون في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأسلم بعضهم وبقي بعض على دين النصرانية، ومذهبهم مذهب اليعاقبة. وأما أخلاقهم فالغالب عليهم اتباع الشهوات، والانهماك في اللذات، والاشتغال بالترهات، والتصديق بالمحالات، وضعف المرائر والعزمات، إلى غير ذلك مما حكاه أبو الحسين علي بن رضوان في ذلك واقتصه، وأورده من الأمور الطبيعية وموجبه، وكفى به حكماً منصفاً، وشاهداً عدلاً. وحكى الوصيفي في كتابه الذي ألفه في أخبار مصر أن أهلها في الزمن السابق كانوا يعتقدون أن هذا العالم، الذي هو عالم الكون والفساد أقام برهة من الدهر خالياً من نوع الإنسان، وأن تلك الأنواع مختلفة على خلق فاذة، وهيئات شاذة، ثم حدث نوع الإنسان فنازع تلك الأنواع فغلبها واستولى عليها، وأفنى أكثرها قتلاً، وشرد ما بقي منها إلى القفار، وأن تلك المشردة هي الغيلان والسعالي وغير ذلك، مما حكاه من اعتقاداتهم المستحيلة، وتصوراتهم الفاسدة، وتوهماتهم النافرة. إلا أنه يظهر من

أمرهم أنه كان فيهم طائفة من ذوي المعرف والعلوم، خصوصاً بعلم الهندسة والنجوم. ويدل على ذلك ما خلفوه من الأشغال البديع المعجزة، كالأهرام والبرابي، فإنها من الآثار التي حيرت الأذهان [الثاقبة، واستعجزت الأفكار الراجحة] ، وتركت لها شغلاً بالتعجب منها، والتفكر فيها. وفي مثلها يقول أبو العلاء أحمد بن سليمان المعري في قصيدته التي يرثي بها أباه: تضل العقول الهبرزيات رشدها ... ولا يسلم الرأي القويم من الأفن وقد كان أرباب الفصاحة كلما ... رأوا حسناً عدوه من صنع الجن وأي شيء أعجب وأغرب بعد مقدورات الله ومصنوعاته، من القدرة على بناء جسم [جسيم] من أعظم الحجارة، مربع القاعدة مخروط الشكل، ارتفاع عموده ثلاثمائة ذراع ونحو سبعة عشر ذراعاً يحيط به أربعة سطوح مثلثات متساوية الأضلاع، طول كل ضلع منها أربعمائة ذراع وستون ذراعاً وهو مع هذا العظم، من إحكام الصنعة وإتقانها، في غاية من حسن التقدير بحيث لم يتأثر إلى هلم جرا بعصف الرياح وهطل السحاب،

وزعزعة الزلازل. وهذه صفة كل واحد من الهرمين المحاذيين للفسطاط من الجانب الغربي، على ما شاهدناه منهما. وقال بعضهم وقد ذكر عجائب مصر: "وما على وجه الأرض بنية إلا وأنا أرثي لها من الليل والنهار منهما". وهذان الهرمان لهما إشراف على أرض مصر وإطلال [على] بطائحها، وإصعاد على ذراها. وهما اللذان أراد أبو الطيب المتنبي بقوله: أين الذي الهرمان من بنيانه ... ما قومه، ما يومه، ما المصرع كنا نظن دياره مملوءة ... ذهباً فمات وكل دار بلقع تتخلف الآثار عن أربابها ... حيناً ويدركها الخراب فتتبع واتفق أن خرجنا يوماً إليهما، فلما أطفنا بهما واستدرنا حولهما كثر تعجباً منهما، فتعاطينا القول فيهما، فقال بعضنا: بعيشك هل أبصرت أعجب منظراً ... على طول ما أبصرت من هرمي مصر أنافا عناناً للسماء وأشرفا ... عل الجو إشراف السماء أو النسر

وقد وافياً نشزاً من الأرض عالياً ... كأنهما نهدان قاما على صدر وزعم قوم أن الأهرام قبور ملوك عظام، آثروا أن يتميزوا بها على سائر الملوك بعد مماتهم، كما تميزوا عنهم في حياتهم، وتوخوا أن يبقى ذكرهم بسببها على تطاول الدهر، وتراخي العصور. ولما وصل الخليفة المأمون إلى مصر أمر بنقبها، فنقب أحد الهرمين المحاذيين للفسطاط بعد جهد شديد، وعناء طويل، فوجدوا داخله مهاوي ومراقي يهول أمرها، ويعسر السلوك فيها، ووجدوا في أعلاها بيتاً مكعباً، طول كل من أضلاعه نحو من ثمانية أذراع، وفي وسطه حوض رخام مطبق، فلما كشف غطاؤه لم يجدوا فيه غير رمة بالية، قد أتت عليها العصور الخالية، فعند ذلك أمر المأمون بالكف عن نقب ما سواه. ويقال: إن النفقة على نقبه كانت عظيمة، والمؤونة شديدة. ومن الناس من زعم أن هرمس الأول، المدعو بالمثلث بالنبوة والملك والحكمة، وهو الذي يسميه العبرانيون خنوع بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام وهو إدريس عليه السلام استدل من أحوال الكواكب على كون الطوفان يعم الأرض، فأكثر من بنيان الأهرام، وإيداعها الأموال وصحائف العلوم، وما يشفق عليه من الذهاب والدروس، حفظاً لها، واحتياطاً عليها. ويقال: إن الذي بناها ملك اسمه سوريد بن سهلوق بن سرياق. وقال آخرون: إن الذي بنى الهرمين المحاذيين للفسطاط شداد بن عاد، لرؤيا رآها. والقبط تنكر دخول العمالقة بلد مصر،

وتحقق أن بانيهما سوريد، لرؤيا رآها، وهي أن آفة تنزل من السماء، وهي الطوفان. وقالوا إنه بناهما في مدة ستة أشهر، وغشاهما بالديباج الملون، وكتب عليهما: "قد بنيناهما في ستة أشهر، قل لمن يأتي من بعدنا يهدمهما في ستمائة سنة، فالهدم أيسر من البنيان، وكسوناهما الديباج الملون فليكسوهما حصراً، فالحصر أهون من الديباج". ورأينا سطوح كل واحد من هذين الهرمين مخطوطة من أعلاها إلى أسفلها بسطور متضايقة متوازية، من كتابة بانيها، لا تعرف اليوم أحرفها، ولا تفهم معانيها. وبالجملة الأمر فيها عجيب، حتى إن غاية الوصف لها والإغراق في العبارة عن حقيقة الموصوف منها، بخلاف ماقاله على بن العباس الرومي، وإن تباعد الموصوفان، وتباين المقصودان، إذ يقول: إذا ماوصفت أمرأ لامرئ ... فلا تغل في وصفه واقتصد فإنك إن تغلو تغلو الظنو ... ن فيه إلى الغرض الأبعد فيصغر من حيث عظمته ... لفضل المغيب على المشهد وكذلك أمر البرابي، كبربا إخيم، وبربا سمنود، وبربا دندرا، فإن فيها من الإحكام وجودة الشكل وحسن التصوير، ما يدل على أن عمارها

ذوو عقول راجحة، وأنه قد كانت لهم بالحكمة عناية بالغة، لاسيما بصناعة الهندسة والنجوم. وقال بعض أهل العناية بأخبار الأمم وتواريخهم: كان بمصر بعد الطوفان علماء بضروب الحكمة، من العلوم الرياضية والطبيعية والإلهية، ومتحققون بعل المرايا المحرقة، وبالطلسمات والنيرنجيات وغير ذلك. والملك بمصر من قديم الزمان بمدينة منف، وهي في غربي النيل، على مسافة اثني عشر ميلاً من الفسطاط. ولما بنى الإسكندر مدينة (الإسكندرية) منذ نحو ألف سنة وأربعين سنة، رغب الناس في عمارتها، وكانت دار العلم، ومقر الحكمة، إلى أن تغلب علها المسلمون في خلافة عمر بن الخطاب، رضوان الله عليه، واختط عمرو بن العاص مدينته المعروفة (بالفسطاط) فانسرب أهل مصر وغيرهم من العرب والعجم إلى سكناها، فصارت قاعدة ديار مصر ومركزها إلى وقتنا هذا. فيقال إن من قدماء أهل العلم بها هرمس الثالث، وكان فيلسوفاً جوالاً في البلاد، طوافاً في المدائن، عالماً بنصبتها، وطوالعها وطبائع أهلها، وله تصانيف جليلة مفيدة في فنون من الحكمة. ومنهم دبوفنطيس صاحب المقالات الموضوعة في علم العدد وخواصه على طريق الجبر والمقابلة.

ومنهم الإسكندراني صنف كتاب الأفلاك، وكتاب القانون في تقويم الكواكب. ومنهم روسم صاحب التصانيف في الكيميا. ومنهم أنقلاؤس الإسكندري وأصحابه، الذين اختصروا كتب جالينوس في صناعة الطب، وألفوها على طريق المسألة والجواب، يدل حسن اختصارهم لها على وفور علمهم، وفضل معرفتهم. ومنهم واليس صاحب الكتاب المعروف بالبريدج الرومي، المصنف في المواليد وما يتقدمها من المدخل إلى علم أحكام النجوم. ويقال إنه الذي استخرج بطول التحري ومواصلة العناء، جدود المصريين. فهؤلاء هم المشهورون من أهل الحكمة بمصر في ذلك الزمان. وأما زماننا هذا فقد دثر منها كل علم وامحي رسمه، وجهل اسمه، ولم يبق إلا رعاع وغثاء وجهلة دهماء، وعامة عمياء، وجلهم أهل رعانة ولهم خبرة بالكيد والمكر،

وفيهم بالفطرة قوة عليه وتلطف فيه وهداية إليه، لما في أخلاقهم من الملق والسياسة التي أربو فيها على كل من تقدم وتأخر، وخصوا بالإفراط فيها دون جميع الأمم، حتى صار أمرهم في ذلك مشهوراً، والمثل بهم مضروباً. وفي خبثهم ومكرهم يقول أبو النواس: محضتكم يا أهل مصر نصيحتي ... ألا فخذوا من ناصح بنصيب رماكم أمير المؤمنين بحية ... أكول لحيات البلاد شروب [ولا تثبوا وثب السفاة فتركبوا ... على حد] حامي الظهر غير ركوب فإن يك باقي إفك فرعون فيكم ... فإن عصا موسى بكف خصيب وأما حال المنتسبين إلى العلم منهم فأنا ذاكر منها ما وقفت عليه، وكشفت بالمحنة عنه. كنت في أول جلوسي بها شديد العناية بكتب جالينوس وبقراط، باحثاً عن مشكلها، فاحصاً عن مستغلقها، فحرصت كل الحرص، وجهدت كل الجهد على أن أجد من أهل هذه الصناعة من أستفيد منه وأستزيد بمذاكرته وأقدح خاطري بمفاوضته، فلم أجد غير قوم طبع الله على قلوبهم وأعمى أبصارهم، وطمس أفهامهم، وحال بين الحكمة وبينهم، فكانوا وإياي، كما قال الشاعر: قوم إذا جالستهم ... صدئت بقربهم العقول لا يفهموني قولهم ... ويدق عنهم ما أقول فهم كثير بي كما ... أني بجمعهم قليل

وقد تخلقوا بكثرة الخلاف، وقلة الإنصاف، ولزموا البهت والمعاندة، والشغب والمكابرة، وجهلهم بصناعة الكتب وخلوهم من أداتها، وعدمهم لعددها وآلاتها، وإهمالهم لشرائطها، وإغفالهم للوازمها، وقصور أذهانهم عن إدراك دقائقها، وبعد عقولهم عن تصور حقائقها، ولم يعلموا أن الطبيب محتاج إلى أشياء تعينه في صناعته، وتفتح له مغالقها، وتوضح مشكلها، وتشرح مشتبهها، وتبين له مستعجمها، وتذيقه برد اليقين، وتجلو عن عين بصيرته ظلم الشكوك والظنون، وهي العلوم الطبيعية التي تعرفه مبادئها وأوائلها، وتعطيه استقصائها وعناصرها، والقوانين القياسية التي تسدد ذهنه نحو الصواب فيما يلتمس علمه، ويتطلب فهمه، وتعرفه كيف يحيل مطلوباتها إليه، ويبنى قياساته عليها، وكيف يتطرق من جليها إلى خفيها، ويستدل بظاهرها على غائبها، ويأمن الزلل، ووقوع الخطل والخلل، ويحقق الأسباب والعلل. ولابد لمن أراد أن يكون طبيباً كاملاً، وحكيماً فاضلاً، من النظر في العلوم الرياضية، ولا سيما النجومية منها والموسيقاوية. وأولى الناس بأن يكون على هذه الصفة أطباء الملك التبعى الألمعى، الذي إنما يستعمل الطبيب والمنجم على جهة الاستظهار، لا على جهة الافتقار والاضطرار. وكيف ونظره الأعلى، وقدحه المعلى، وسهمه الأسد، وباعه الأمد. ومن كان مثله ولا مثل له في تطبيق المفاصل، وإصابة الشواكل فخليق به أن يختار، ولا يختار، ويستبد، ولا يستمد.

هيهات أن يأتي الزمان بمثله ... إن الزمان بمثله لبخيل فلما [لم] يأخذوا نفوسهم بالإتقان لما قد سلف تعديده، بل استطالوه، واستبعدوا الأمد إليه، ورأوا أن غرضهم من صناعة الطب الذي هو عندهم وبحسب رأيهم، التكسب بما يتم لهم بأقرب مما شرطه الأوائل متناولاً، وأسهل مراماً، لم يحفظوا غير أسماء أدوية قليلة العدد يصرفونها في مداواة كل مرض دون إعمال فكرهم في حقيقة نوعه وسببه، ومقتضيه وموجبه. وقد ذم جالينوس من فرق الطب الثلاث الفرقة الجبلية، لحذقها جميع لوازم الصناعة الطبية، واقتصارها في المداواة على النظر في المرض، هل من جنس الاستفراغ فيقابل بالإمساك، أو من جنس الإمساك فيقابل بالاستفراغ، دون الفحص عن أمر المزاج والسن والسجية، والبلد والعادة والماهية. فما ظنك بجالينوس لو شاهد هؤلاء الذين لا يثبتون على نحلة، ولا ينتسبون إلى فرقة، فإن برئ على أيديهم عليل فبرؤه على جهة الاتفاق، وإن هلك فبالواجب والاستحقاق، وهم كما قال الشاعر في مثلهم: وطبيب مجرب ما له بال ... نجح في كل ما يجرب عادة مر يوماً على عليل فقلنا ... قر عيناً فقد رزقت الشهادة وكما قال الآخر في بعض حكمائنا المشهورين عند العوام بالحذق والتقدم: قل للوبا أنت وابن زهر ... قد جزتما الحد والنهاية ترفقا بالورى قليلاً ... في واحد منكما كفاية أو كما قال بعض أهل العصر أيضاً فيهم: وطبيب مشعبذ ... يمزج الطب بالرقى

ما رأيناه قط ط ... ب عليلاً فوفقا بل عدم الصحة في ال? ... جسم والقلب والبقا ذو صفات تغادر ال? ... جسم مما به لقى عادماً للحراك والح? ... س والخفة والنقا قد سقاه الحما ... م ولم يدر ما سقى وقال آخر: ما خطر النبض على باله ... يوماً ولا يعرف ما الماء بل ظن أن الطب دراعة ... ولحية كالقطن بيضاء ومن ظريف ماسمعته أنه كان بمصر منذ عهد قريب رجل ملازم للمارستان يستدعى للمرضى كما تستدعى الأطباء، فيدخل على المريض فيحكي له حكايات مضحكة، وخرافات مسلية، ويخرج له وجوهاً مضحكة، وكان مع ذلك لطيفاً في إضحاكه وبه خبيراً، وعليه قديراً؛ فإذا انشرح صدر المريض عاده إلى أن يبرأ، أو أن يكون منه ما شاء الله. فليت أطباء عصرنا هذا بأسهم قدروا على مثل هذا العلاج الذي لا مضرة فيه ولا غائلة له، بل أمره على العليل هين، ونفعه ظاهر بين؛ كيف لا وهو ينشط النفس ويبسط الحرارة الغريزية، ويقوي القوى الطبيعية، ويقوي البدن على دفع الأخلاط الردية المؤذية والفضول، مع الاستظهار بحفظ الأصول. وأكثر أطبائها المبرزين نصارى ويهود، وفي ذلك يقول بعضهم:

أقول للمسلمين طراً ... تبغون في طبنا اشتهاراً هيهات حاولتم محالا ... كونوا إذا هوداً أو نصارى وأشبه من رأيته منهم وأدخله في عداد الأطباء، رجل من اليهود يدعى أبو الخير سلامة بن رحمون، فإنه لقى أبو الوفاء المبشر بن فاتك، فأخذ عنه شيئاً من صناعة المنطق تخصص به وتميز عن أضرابه، وأدرك أبا كثير بن الزفان تلميذ أبي الحسن علي بن رضوان، وقرأ عليه بعض كتب جالينوس، ثم نصب نفسه لتدريس جميع كتب المنطق، وجميع كتب الفلسفة الطبيعية والإلهية، وشرح بزعمه وفسر ولخص، ولم يكن بذاك في تحصيله وتحقيقه، واستقصائه عن لطيف العلم ودقيقه، بل كان يكثر كلامه فيضل، ويسرع جوابه فيزل. ولقد سألته في أول لقائي واجتماعي له، عن مسائل استفتحت مباحثته بها مما يمكن أن يفهمها من لم يمتد بعد في العلم باعه، ولم يكثر تبحره واتساعه، فأجاب عنها بما أبان عن تقصيره ونطة بعجزه، وأعرب عن سوء

تصوره وفهمه. وكان مثله في عظم دعاويه، وقصوره عن أيسر ما هو متعاطيه كقول الشاعر: يشمر للج عن ساقه ... ويغمره الموج في الساحل أو كما قال آخر: تمنيتم مائتي فارس ... فردكم فارس واحد وكان بمصر طبيب من أهل أنطاكية يسمى "جرجس"، ويلقب بالفيلسوف، على نحو ما قيل في الغراب: أبو البيضاء، وفي اللديغ: سلي، وقد تفرغ للتولع [بأبي الخير سلامة بن رحمون اليهودي الطبيب المصري] والإزراء عليه، وكان يزور فصولا طبية وفلسفية يبرزها في معارض ألفاظ القوم، وهي محال لا معنى لها، وفارغة لا فائدة فيها، ثم ينفذها إلى من يسأله عن معانيها، ويستوضحه أغراضها، فيتكلم عليها ويشرحها بزعمه دون تيقظ و [لا] تحفظ، بل باسترسال واستعجال، وقلة اكتراث وسوء اهتبال، فيؤخذ منه ما يضحك منه ويشرح الصدر. [وأنشدت] لجرجس هذا فيه، وهو أحسن ما سمعته في هجو طبيب مشؤوم، وأنا متهم له فيه:

إن أبا الخير على جهله ... يخف في كفته الفاضل عليله المسكين من شومه ... في بحر هلك ماله ساحل ثلاثة تدخل في دفعة ... طلعته والنعش والغاسل ولبعضهم: لأبي الخير في العلا ... ج يد ما تقصر كل من يستطبه ... بعد يومين يقبر والذي غاب عنكم ... وشهدناه أكثر ومما قيل فيه: جنون أبي الخير الجنون بعينه ... وكل جنون عنده غاية العقل خذوه فغلوه وشدوا وثاقه ... فما عاقل من يستهين بمختل وقد كان يؤذي الناس بالقول وحده ... فقد صار يؤذي الناس بالقول والفعل وأما المنجمون الآن بمصر فهم وأطباؤهم كما قد الشراك من الجلد، بل كما حذيت النعل بالنعل، لا يتعلق أمثلهم من علم النجوم بأكثر من زايجة يرسمها ومراكز يقومها. فأما المعان والتبحر في معرفة الأسباب والعلل، والمبادئ

الأول، فليس منهم من يرقى إلى هذه الدرجة، ويسمو إلى هذه المرتبة، ولا يحلق في هذا الجو، ويستضئ بهذا الضو إلا أبو الحسن علي بن النضر المعروف بالأديب، رضي الله عنه، من أهل مصر الأعلى، فإنه كان من الأفاضل [الأعيان] ، المعدودين من حسنات هذا الزمان. وسنذكره فيما نستأنفه إن شاء الله تعالى. وأما الطائفة المقلدة التي حظها من المعرف القشور دون اللبوب، والظواهر دون البواطن، والأشباح دون الأرواح، فأمثل من بهم منهم الآن رجل يعرف برزق الله النحاس، فإن له في فروع هذه الصناعة بعض دربه وتجربة، وبتجريباتها بعض خبرة، وهو أكبر المنجمين بها وكبيرهم الذي علمهم، وأميرهم الذي يلوذون به، فجميعهم إليه منسوب، وفي جريدته مكتوب، وبفضله معترف، ومن بحره مغترف، وهو شيخ مطبوع بتطايب وبتخالع. ومن حكاياته الظريفة عن نفسه قال: سألتني امرأة مصرية أن أنظر لها في مسألة جملية تخصها، فأخذت ارتفاع الشمس للوقت، وحققت درجة الطالع والبيوت الإثني عشر ومركز الكواكب، ورسمت ذلك كله بين يدي

في تخت الحساب، وجعلت أتكلم على بيتٍ بيت منها على العادة، وأنا في خلال ذلك أتحسس أمرها وهي ساكتة لا تنبس، فوجمت لذلك وأدركتني فترة عظيمة، وألقت إلى درهما. قال: فعاودت الكلام وقلت: أرى عليك قطعاً في بيت مالك فاحتفظي واحترزي! فقالت: الآن أصبت وصدقت، قد كان والله ما ذكرت. قلت: وهل ضاع لك شيء؟ قالت: نعم، الدرهم الذي ألقيته إليك! وتركتني وانصرفت. والمصريون أكثر الناس استعمالاً لأحكام النجوم وتصديقاً لها وتعويلاً عليها، وشغفاً بها وسكوناً إليها، حتى إنه قد بلغ من زيادة أمرهم في ذلك إلى أن لا يتحرك واحدٌ منهم حركةً من الحركات الجزئية التي لا تُحصر فنونها ولا تحصل أجزاؤها وأنحاؤها، ولا تضبط جهاتها، ولا تقيّد غاياتها، ولا تعد ضروبها إلا في طوالع يختارونها. [ونصب يعتمدونها] . ولقد شهدت يوماً رجلاً من الوقّادين في أتون الحمام، يسأل رزق الله المذكور عن ساعة حميدة لقص أظفاره، فتعجبت من سمو همته على خساسة قدره ووضاعة مهنته. ومن الحكايات العجيبة في فرط استعمالهم لأحكام النجوم وعنايتهم بها،

ما شهدت بالصعيد الأعلى، وذلك أن بعض الولاة حبس رجلاً من [بعض] أهل تلك الناحية كان ينظر في علم النجوم، وشفع إليه فيه من يكرم عليه، فشفعه فيه، وأمر بإطلاقه وكان من الحبس في عذاب واصب، وجهد ناصب، فلما أتوه وقالوا له: انطلق لشأنك، أخرج من كمه أصطرلاباً فنظر فيه ثم أخذ طالع الوقت فنظر فيه، فوجده مذموماً، فسألهم لأن يتركوه مكانه إلى أن يتفق وقت يصلح للخروج من السجن، فعادوا إلى الوالي فأخبروه بخبره، فضحك منه وتعجب من جهله، وفساد عقله وأجابه إلى سؤاله، وتركه على حاله، وأطال مدة اعتقاله. وفيما أوردته من أخبار الأطباء والنجمين الآن بمصر كفاية وبلاغ، إلى أن أنتصب له انتصاباً ثانياُ، فأقول فيه قولاً شافياً. وأما الآن فإني ذاكر على الشرط من لقيته من أدبائها وظرفائها، وفضلائها في الأدب وعلمائها. وأولادهم بالتقديم، وأحقهم بالحظ الأوفر من التعظيم "القاضي أبو الحسن علي ابن النضر" المعروف بالأديب، ذو الأدب الجم والعلم الواسع، والفضل البارع. وله في سائرا أجزاء الحكمة اليد الطولى، والرتبة الأولى. وقد كان ورد الفسطاط يلتمس من وزيرها الملقب الأفضل تصرفاً وخدمة فخاب فيه أمله،

وضاع رجاؤه، وأخفق سعيه، فقال من قصيدة يعاتب فيها الزمان، ويشكو الخيبة والحرمان: بين التعززِ والتذللِ مسلكٌ ... بادى المنار لعين كلَّ موفقِ فاسلكه في كل المواطن واجتنب ... كبر الأبيّ وذلةَ المتملقِ ولقد جلبتُ من البضائع خيرها ... لأجلَّ مختار] وأكرم متقِ ورجوتُ خفض العيش تحت رواقه ... لا بد إن نفقت وإن لم تنفق ظناً شبيهاً باليقين ولم أخلْ ... أن الزمان بما سقاني مشرقي ولعائبي بالحرص قول بين ... لو كنتَ شمتَ سحابةُ لم تطرق ما ارتدتً إلا خيرَ مرتادٍ ولم ... أصلِ الرجاءَ بحبل غير الأوثق وإذا أبى الرزقَ القضاءُ على امرئ ... لم تغنِ فيه حيلةُ المسترزق ولعمرُ عاديةِ الخطوب وإنْ رمت ... شملي بسهم تشتتٍ وتفرق لأقارعهنّ الدهرَ دون مروءَتي ... وحرمتُ عزَّ النًصرِ إن لم أصدق وله في سفرته هذه وقد قوى بأسه من بلوغ أمله ونيل بغيته، وعزم على الصدر عن الفسطاط إلى مستقره، يحض على الزهادة، ويحرض على القناعة

ويذم الضراعة، ويتأسف على إزالة خده، وإراقة ماء وجه. لَهى لملك قناعةٍ لو أنني ... متعت فيه بعزه المتملكِ ولكنزِ يأسٍ كنتُ قد أحرزتُه ... لو لم تعثْ فيه الخطوبُ وتفتكِ آليتُ أجعلُ ماء وجهي بعده ... كدمٍ يهلُّ به الحجيجُ بمنسك وأخٍ من الصبر الجميل قطعته ... في طاعة الأمل الذي لم يدرك يا قاتلَ الله الضرورة حالةً ... أيَّ المسالكِ بالفتى لم تسلكِ كم بات مشكوٌّ إليه [تحيف ... حلقاته قرعا] براحةِ ممسك وفمٍ على قدم رمت، ونواظر ... كحلت محاجرها بمواطئ سنبك ومسربلٍ بالصبر والتقوى=دعت=فأجابها في معرض المتنسك ظلت تصرفه كتصريف العصا ... رأسَ البعير لمبرك عن مبرك وله إلى رئيس كان يكلفه زيارته ويقعد عن ذلك تعاظما وتكبراً: أكبرتَ نفسك أن تسعى مصادفةً ... وسمتنيه لقد كلفتني شططا لا تكذبنَّ فما أن تسعى تملكها من ... حقٍ وأنت تراه عنك قد سقطا لو بعتك النفس بيعاً كنت تملكها ... به لكان عليك العدل مشترطاً فهل سبيلٌ إلى أن لا تواصلني ... ولا تكلف مثلى هذه الخططا عسى صحيفةُ ما بيني وبينك أن ... تطوى وما ضمنت غير الذي فرطا

وله في صدر رسالة: أتى كتابك عن سخط فأنسى ... بما تضمن أنس العين بالوسنِ قرأته فجرت في كل جارحة ... مني معاينة جرى الماء في الغصن فما أقول بعثتَ الروح فيه إلى ... قلبي ولكن بعثتَ الروح في بدني وله في شدة أصابته: ?يا مستجيبَ دعاء المستجير به=ويا مفرج ليلِ الكربة الداجي قد أرتجت دوننا الأبوابُ وامتنعت ... وجلَّ بابك عن منعٍ وإرتاج تخافُ عدلك أن يجري القضاءُ به ... ونرتجيك فكن للخائف الراجي ومن شعرائها المشهورين أبو الطاهر بن إسماعيل بن محمد المعروف بابن مكنسة، وهو شاعر كثير التصرف، قليل التكلف، مفتن في وشي جد القريض وهزله، وضارب بسهم في رقيقه وجزله. وكان في ريعان شبيبته، وعنفوان حداثته، يعشق غلاماً من أبناء عسكرية المصريين، يدعى عز الدولة فائق، وهو الآن بمصر من رجال دولتها المعدودين وأكابره المقدمين. ولم يزل مقيما على عشقه له، وغرامه به إلى أن محا محاسنه الشعر، وغير معالمه الدهر. ولم يزل معز الدولة هذا متعهداً له محسناً إليه، مشتملاً، إلى أن فرق الدهر بينهما. وكان في أيام أمير الجيوش بدر الجمالي منقطعاً إلى عامل من النصارى يعرف بأبي مليح،

وأكثر أشعاره فيه، فلما انتقل الأمر إلى الأفضل تعرض لامتداحه، فلم يقبله ولم تقبل عليه، وكان سبب حرمانه ما سبق لأبي مليح ومرائيه ميتاً، ولا سيما قوله: طويت سماء المكرما ... تِ وكورت شمسُ المديحِ ما كان بالنكس الدن? ... ي من الرجال ولا الشحيح كفر النصارى بعد ما ... عقدوا به دين المسيح وكفله عز الدولة بن فائق، وقام بحالة إلى أن مات. ولم يقبل الأفضل على أحد من الشعراء كإقباله إلى رجل من أهل معرة النعمان يدعى أبا الحسن علي بن جعفر بن النون فإنه أفاض عليه سحائب إحسانه، وأدر له حلوبة إنعامه، ولقبه بأمين [الملك] وأدناه واستخلصه، ولم يكن شعره هناك بل كان متكلفاً متعسفاً، ولست أعرف أحداً من أهل تلك البلاد يروي له بيتاً واحداً فما فوقه، لمنافرة الطباع كلامه، ونبو الأسماع عن طريقته. وقد كان أمره الأفضل يوماً أن يصف مجلساً عبيت فيه فواكه ورياحين، فقال من مزوجته يصف الأترج المصبع: كأنما أترجه المصبعُ ... أيدي جناةٍ من زنودٍ تقطعُ فغلط ولم يقطن، وأساء أدبه ولم يشعر؛ لأنه قصد مدح الأترج فقزر نفس الملك منه وصرفها عنه، ولو قصد ذمة لما زاد على ما وصف به من الأيدي المقطوعة من زنودها. والبليغ الحاذق من إذا وصف شيئاً أعطاه حقه، ووفاه شرطه، ووصفه بما

يناسبه في حالتي مدحه وذمه، ووضع كل شيء في مكانه في نثره ونظمه. فأين هذا الشاعر في أدبه وحذقه بالصناعة وفطنته، من أبي علي الحسن ابن رشيق، وقد أمره المعز بن باديس أن يصف أترجه [مصبغة] كانت بين يديه، فقال مرتجلاً على البديهة: أترجة سبطة الأطرافِ ناعمةٌ ... نلقي العيونَ بحسنٍ غير مبخوسِ كأنها بسطت كفا لخالقها ... تدعو بطول بقاء لابن باديس ولو أن ابن الرومي قصد مدح الورد بقوله: يا مادحَ الورد ما ينفك من غلطه ... أما تأملته في كفِّ ملتقطه كأنه سرم بغلٍ حين يبرزه ... عند الخراء وباقي الروث في وسطه فكان غالطاً أو جاهلاً أو غافلاً، بل قال ذلك حين قصد ذمه وأراد تخسيسه. فانظر هذا التشبيه الذي لم يسمع أعجب منه. فلعن الله الشيطان. وكذلك عبد الله بن المعتز في قوله يصف القمر من أبيات: وبات كما سَرّ حساده ... إذا رام قرباً من النوم شذّ تفرزهُ سروات البعوضِ ... في قمر مثل ظهر الجرذ وقول ابن المعتز في القمر من أبيات: يا سارقَ الأنوارٍ من شمس الضحى ... يا مثكلى طيبَ الكرى ومنغصي

أما ضياء فيك فناقصٌ ... وأرى حرارة نارها لم تنقص لم يظفر التشبيهُ فيك بطائل ... متسلخاً بهقاً كجلد الأبرص وهذا باب لو استقصيناه لطال واتسع، فلنتركه ولنصل من حبلنا ما انقطع. وقال إسماعيل بن مكنسة من قصيدة: أعاذلُ ما هبت رياحُ ملامةٍ ... بنار هوىَ إلا وزادت تضرما فكلني غبرةٍ أعطت غرامي زمامها ... عشيةَ أعملن المطيَّ المزمما وعين حماها أن قارعته أن لمَّ بها الكبرى ... أحاديث أيام تقضين بالحمى ولله قلبٌ قارعته همومه ... فلم يبق حدٌّ منه إلا تثلما وله من أخرى: دقت معاقد خصره فكأنها ... مشتقة من عهده وتجلدي وتجعدت أصداغه فكأنها=مسروقة من خلقه المتجعدِ [ومنها]

ما باله يجفو وقد زعم الورى ... أنّ الندى يختصّ بالوجه الندي لا يخدعنك وجنةٌ محمرة ... رقت ففي الياقوت طبع الجامدِ وله من قصيدة: وعسكرىّ أبداً حيثما ... تلقاه يلقاكَ بكلِّ السلاح حاجبه قوس وأجفانه=نبلٌ وعطفاه تثنى الرماح راح وفعل الراح فيه كما ... يفعل بالغصن نسيمُ الرياح أفار في هذا البيت الأخير على خالد الكتاب في قوله: رأت منه عيني منظرينِ كما رأت ... من الشمس والبدر المنيرِ على الأرضِ عشيةَ حياني بوردٍ كأنه ... خدودٌ أضيفت بعضهن إلى بعض [وناولني كأساً كأنَّ مزاجها ... دموعيَ لما صدَّ عن مقلتي الغمض] وراح وفعل الراح في حركاته ... كفعل نسيم الريح في الغصن الغضِّ وأما البيت الذي قبله فقد تداوله الشعراء. ون مليح ما وقع فيه قول بعض أهل العصر: بي من بني الأصفر ريمٌ رمى ... قلبي بسهم الحوار الصائب سهمٌ من اللحظ رمتني به ... من كثب قوسٌ من الحاجب كأنما مقلته في الحشى ... سيفٌ علىّ بن أبي طالب وله في ورق كاغد أهدي إليه:

أهدي لنا ورقاً أر ... قَّ من الشراب الستحيل خلقا تمزقه الخطو ... ط كأنه غرضُ البخيل لا بالصبيغ ولا الصقي ... ل ولا العريض ولا الطويل إلا بياضاً خلته ... وضحاً إلى جسم نحيل وقد استوفى بعض أهل العصر هذا المعنى، فقال يذكر رزمة كاغد أخرجت إليه من خزانة السلطان، تستعمل في ديوان الإنشاء، وكان بعض كتاب الديوان يسرق الكاغد، فسلكت تلك الرزمة منه لدمامتها وخسة ثمنها: وكاغدٍ يشبه حالتنا ... في كلِّ مغنى ويحاكيها جنس للخطِّ صورة ... لا شيء في القبح يدانيها ينفذ في صفحته كلُّ ما ... ترسمهُ أقلامنا فيها نودعه مكنون أسرارنا ... وهو إلى الكفُّ فيدميها كجلدة الأبرصِ في لونه ... وصفاً على الحق وتشبيها لو كان خلقاً كان مستبشعاً ... أو كان خلقاً كان تشويها يعثر الأقلام حتى ترى ... مفلولة فيه مواضيها يتركها تشبه أعجازها ... في غدم البرى هواديها من بعد ما ضاهى بأطرافها ... أطرافَ سمر الخط باريها

وتفعل الأنملُ في جريها ... كالبرق.......... يها وكم غدا يسلبها جاهداً ... من كان بالنفس يفديها يقول من يبصر أطباقه ... شلت يدٌ باتت تعبيها قد عبث السوس بأوساطها ... وقرض الفأرُ حواشيها لو عرضت رزمتهُ لم تجد ... مشترياً في الخلق يشريها لو بذل الفلس بها غالطاً ... أوسع تضييعاً وتسفيها لا يرزأ السارقُ منها ولا ... يغتالها من أن تحصى مساويها من ذم ذا نقصٍ وذا خسةٍ ... فهو بذاك الذم يعنيها وقال أبو الطاهر: قلت إذا عقربَ الدلا ... لُ على خده الشعر هذه آيةٌ بها ... ظهر الحسنُ وانتشر ما رئى قبلَ صدغه ... عقربٌ حلت القمر هذا معنى مليح ولكنه سرقه من بيتين أنشدنيهما بمصر رحل يسمى أبا محمد التكريتي، من تلاميذ أبي حامد الغزالي، لأبي حامد، ولم أسمعها من غيره:

حلت عقارب صدغه في خده ... قمراً فجلّ به عن التشبيه ولقد عهدناه يحلُّ ببرجها ... فمن العجائب كيف حلت فيه وقال أبو الطاهر أيضاً من قصيدة وقد عزم عليه بعض الأمراء في الخروج معه إلى الشام لقتال الغز، أولها: غير عاصٍ عليك تقويم عودي ... فانقصى من ملامتي أو فزيدي قل لمولاي إذ دعاني لأمر ... قمت فيه له مقامَ العبيد ضعفت حيلتي وقل غنائي ... ودنت غايتي ورث?ّ جديدي أنا مالي وللشآم وإني ... لأرى نار حربها في وقود بلدٌ جنهُ عقاربهُ الغ ... زَّ وأرضٌ وحوشها من أسود والجفار التي تقول إذا ما ... قيل هلا امتلأت: هل من مزيد وكأن بي على بعيرٍ تراني ... آخر الناس في لفيف الحشود أسود الوجه ناظرتً في أمور ... معضلات من الحوادث سودِ

وإذا قيل في غدٍ يلتقي النا ... س فلا تنسَ فهو بيت القصيد حيث لا ناظري تراه حديثاً ... حين يبدو له بريقُ الحديد إن رأيي إذا يسدد نحوي ... سهم رامٍ لغير رأي سديد فإذا ما قتلتُ كنت خليقاً ... بدخولي جهنما وخلودي فاقلني عثارها وابقَ للمج ... د وكبتِ العدى وغيظِ الحسود وقال من قصيدة في طريقة أبي الشمقمق: أنا الذي حدثكم ... عنه أب الشمقمق وقال عني إنني ... كنت نديم المتقى وكنت كنت كنت كن ... ت من رماة البندق حتى متى ألفي كذا ... تيساً طويل العنق بلحيةٍ سابلة=وشارب محلق [ياليتها قد خلقت ... من وجه شيخ حلقى] وقال من أخرى: عشت خمسين بل تزي ... د رقيعاً كما ترى

أحسبُ المقل بندقاً ... وكذا الملحَ سكراً وأظنُّ الطويل من ... كل شيء مدورا قد كبر بر ببر ببر ... ثُ وعقلي إلى ورا عجباً كيف كلُّ شي ... ءٍ أراه تغيرا لا أرى البيض صار يؤ ... كل إلا مقشرا وإذا دق بالحجا ... ر زجاجٌ تكسرا وإذا مات ميت ... لا يشمنّ عنبرا ومن شعراء المصريين زماننا هذا من يقول وهو أبو مشرف الدجرجاوي، وهو منسوب إلى دجرجا، وهي ضيعة بالصعيد الأعلى: قاضٍ إذا انفصل الخصمان ردهما ... إلى الخصام بحكمٍ غير منفصل ببدى الزهادةَ في الدنيا وزخرفها ... جهراً ويقبل سراً بعرةَ الجمل ومنهم من يقول، وهو أبو الحسن علي بن البرقي، من أهل قوص: رماني الدهرُ منه بكلِّ سهمٍ ... وفاجأني ببين بعد بين وجمع في فؤادي كلَّ حزنٍ ... وفرق بين أحبابي وبيني ففي قلبي حرارةُ كلَّ قلب ... وفي عيني مدامعُ كل عين وله من أبيات: ولي سنةٌ لم أدر ما سنةُ الكرى ... كأن جفوني مسمعي والكرى العذلُ

ومنهم من يقول: وهو أبو محمد عبد الله بن الطباخ الكاتب، يهجو رجلاً أوقص. أنشدتهما لأبي الحسن [علي بن] الصوفي الحنبلي: قصرت أخادعه وغاض قذاله ... فكأنه متوقع أن يصفعا وكأنه قد ذاق أول درة ... وأحس ثانية لها فتجمعا ومنهم من يقول، وهو أبو عبد الله محمد بن مسلم الكاتب: تعسفها الحادي وقد هجر الفلا ... وسرَّ عليها الخمسُ يتبعه العشر وأنحلها لفحُ الهجير كأنه ... هوى وهو قلبٌ قد أضربه الهجر ومنهم من يقول، ولا أتحقق من إسمه، في رجل يلقب بالرشيد: شتان ما بين الرش ... يد وبين هارونَ الرشيد هذا يعزز بالجلو ... د وذا يعزز بالجنود ومنهم من يقول، وهو محمود بن ناصر الإسكندري كاتب القاضي ابن حديد، في طبيب أعلم مشوه الخلق: صديقنا المستطبُّ نادرةٌ ... قد أخذت منه أعينُ الناس أنياب غول ومشفرا جملٍ ... ورأس وذقن نسناس ومنه من يقول، وهو أبو نصر ظافر بن قاسم المعروف بالحداد من أهل الإسكندرية، وكتب إلىَّ بها في رسالة:

وما طائرٌ قصَّ الزمانُ جناحه ... فأعدمه وكراً وأفقده إلفا تذكر زغباً بين أفنانِ أيكةٍ ... خوافي الخوافي ما يطرن بها ضعفا إذا التحف الظلماءَ ناجى همومه ... لترجيع لحنٍ كاد من رقة يخفى بأشواقَ مني إذا أطاعت بكَ النوى ... هوائيةٌ مائيةٌ تسبق الطرفا تولت وفيها منك ما لو أقيسه ... بما هي فيه كان في فضله أوفى وقال أيضاً: رحلوا فلولا أنني ... أرجو اللقا لقضتُ نحبي والله ما فارقتكم ... لكنني فارقت قلبي ومنهم من يقول: وهو أبو القاسم بن رشد المصري: وكم قائلٍ ليَ سافر إلى ... بلاد العراق تقع في الرخاء لعمري لقد صدقوه قد وقع ... ت وسط الرخاء بتقديم خاء ومنهم من يقول، وهو الناجي المصري يهجو حماما: إن حمامنا الذي نحنُ فيه ... هو في حاجةٍ إلى حمامِ قد دخلنا ونحن أولاد سامٍ ... وخرجنا ونحن أولاد حامِ وقال بغض أهل العصر في هذا المعنى: حمامنا هذا أشد ضرورة ... ممن يحلُّ به إلى حمامِ تبيضُّ ألوان الورى في غيره ... ويعيرها هذا ثيابَ سخام قد كنتُ من سامٍ فحين دخلته ... لشقاء جدي ردني من حام ومنهم من يقول، وهو أبو الحسن مروان بن عثمان: تمكنَ مني السقم حتى كأنني ... توهم مغنىً في خفي سؤالِ

[ولو سمحت عيناه عينيَّ في الكرى ... لأشكل من طيف الخيال خيالي] سمحت بروحي وهي عندي عزيزةٌ ... وجدت بقلبي وهو عنديَ غالي وقد خفتُ أن تقضي غليّ منيتي ... ولم أقضِ أوطاري بيوم وصال وهونَ ما ألقي من الوجد أنه ... صدودُ دلال لا صدودُ ملال فلو كان ذاك الصدُّ منه ملالةً ... شددت عن لدنيا مطيَّ رجالي هذا من قول العباس بن الأحنف: لو كنتِ عاتبةً لسكن لوعتي ... أملي رضاك وزرتُ غيرمراقب لكن صددتِ فلم تكن ليَ حيلة ... صدُّ الملول خلاف صد العانب ولمروان: ما بالِ قلبك يستكينُ ... أبه غرام أم جنونُ برحَ الخفاء بما تج ... نُ، فأذهب الشك اليقين حتى متى بين الجوا_نحو والضلوع هوىً دفين وإلى متى قلبُ المت ... يم في يد البلوى رهين يا ما طلى بديونِ قل ... بي آنَ أن تقضي الديون شخصت له فيك العيو ... نُ وقسمت فيك الظنون وسلبتَ ألباب الورى ... بلواحظٍ فيها فتون وقوام أغصان الريا ... ض وأين تدرككَ الغضون الحسن في الأغضان فنُ وهو في هذا فنون

من أين للأغصان ذا ... ك الغنجُ والسحر المبين أم ذلك الورد الجن ... ي بخده الياسمين ومنهم من يقول، وهو أبو اسحق إبراهيم بن الأشعث: إذا حل محمودٌ بأرضٍ فإنه ... يفجر فيها من ندى كفه عينا فتنبت نوراً مشبهاً لهباتهِ ... يرى ورقاً بعض وبعض يرى غينا وله في غلام مليح أسمر: يا ذا الذي ينفق أمواله ... في حبِّ هذا الرشا الفائق ما الذهب الصامت مستكثراً ... إذهابه في الذهب الناطق ومنهم من يقول في معشوق له تمتام، وهو محمود بن إسماعيل بن حميد الدمياطي: تمتمةٌ تمَّ غرامي بها وافر ... وعارضٌ عرضني للسقام ووفرةٌ همي بها وافر ... وحاجبٌ حجب عني المنام وله أبيات يصف الخمر: وبثٌّ ليلي أرى النار التي سجدت ... لها المجوس من الإبريق تسجد لي هذا أطال الله بقاء الحضرة السامية ما أملاه الخلد، على اليد، في مدة متقاربة الطرفين، ضيقة ما بين الحاشيتين. فإن تراخت المدة استدركت الفائت واستلحقت الناقص، إن شاء الله تعالى.

كتاب المرادفات من قريش لأبي الحسن علي بن محمد المدائني

كتاب المرادفات من قريش لأبي الحسن علي بن محمد المدائني 135-225 رواية أبي الحسن علي بن محمد بن عبيد الكوفي عن أبي القاسم عبد الله بك محمد، عن أبي جعفر أحمد الحارث، عن المدائني.

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد قال: أنبأنا أبو جعفر أحمد بن الحارث الخراز، قال: أنبأنا أبو الحسن المدائني علي بن محمد، قال: 1 تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب عليهما السلام، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقُتِل عنها فخطبها سعيد بن العاص فقالت: إن مثلي لا تزوج نفسي، فأت أهلي. فأتى الحسن بن علي عليهما السلام فخطبها فقاربه. فبعث إليها سعيدٌ بمائة ألف، وكلم الحسن الحسين فأبى. وقد كان الحسن وعد سعيداً وعداً، فأتاه سعيدٌ وحده فقال: أين أبو عبد الله؟ قال الحسن: لم يحضر ولن يخالفني إذا فعلت. فقال سعيد: إني أكره أن أدخل بينكم بشيء تكرهونه. فرجع ولم يرجع في المال ولم يطلبه. ثم تزوجها عون بن جعفر، ثم تزوجها محمد بن جعفر. وقد ولدت لعمر زيداً ورقّة، فتزوج رقية إبراهيم بن نعيم النحّام، وماتت هي وابنها زيد في يوم واحد. 2 حدثنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: أم كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعيط تزوجها زيد ب الحارثة، ثم خلف عليها الزبير بن العوام فحملت. وكان الزبير شديدا علة النساء، فأقام عندها سبعة أيام فولدت له ابنة، وقالت له حين ضربها المَخَاض: طيب نفس بتطليقة. فطلقها وخرج إلة الصلاة، فلحقه رجل فقال: قد ولدت أم كلثوم. فقال خدعتني خدعها الله. ولم كن له عليها رجعة. وخطبها فأبت أن تزوجه. ويقال: أتى النبي عليه الصلاة والسلام فأخبره فقال: "قد مضى فيه القرآن، ولكن إن شئت خطبتها إلى نفسها". قال: لا ترجع أبداً. وابنتها من الزبير زينب. ثم تزوجها عبد الرحمن بن عوف بعد زيد ثم

الزبير. فولدت لعب الرحمن محمداً وإبراهيم وحميداً وإسماعيل، ثم تزوجها عمرو ابن العاص فأخرجها معه إلى مصر. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجها معه في بعض مغازيه تداوي الجرحى وضرب لها بسهم، فقالت يوماً لخباز عمرو: لا تهيئ له طعاماً فإني قد هيأت له غداءه. ودعا عمرو بالغداء، فقال الخباز: أرسلت إليَّ أم كلثوم: لا تكلف شيئاً فقد هيأت له غداؤه. قال: فغدنا فتغدى، فلما فرغوا وخرج من حضر قال لأم كلثوم: لا تعودي فإني لم أتزوجك لتطعميني، وإنما تزوجتك لأطعمك. فماتت عنده. 3 أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: كانت هند بنت عتبة بن ربيعة أم معاوية، عند الفاكه بن المغيرة، فقتل عنها بالغميصاء في الجاهلية، ثم خلف علها حفص بن المغيرة، فماتت عنه، فتزوجها أبو سفيان بن حرب. 4 عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، أنبأنا أبو الحسن عن جويرية ابن أسماء وعامر بن حفص قالا: عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، أمها ميمونة بنت الحضرمي بن الصعبة كانت عند عبد الله بن أبي بكر بن أبي قحافة فأحبها، فكان ربما ترك الصلاة جماعة، فأمره أبو بكر رضي الله عنه بطلاقها وقال: قد فتنتك عن دينك، وشغلتك عن معيشتك. فطلقها. فطلقها، وقال: ولم أر مثلي طلقَ مثلها ... ولا مثلها في غير جرمٍ تطلق ولها خلقٌ سمحٌ ورأيٌ ومنصبٌ ... وخلقٌ سويٌ في الحاءِ ومصدقُ

أعاتكُ لا أنساكِ ما هبت الصبا ... وما ناح قمريُّ الحمامِ المطوقُ أعاتكُ لا أنساكِ ما حجَّ راكبٌ ... وما لاح نجمٌ في السماء محلقُ أعاتكُ قلبي كلَّ يومٍ وليلةٍ ... إليك بما تخفي النفوسُ معلقُ ولولا اتقاء الله في حقِّ والدٍ ... وطاعته ما كان منا التفرقُ فبلغ أبا بكر شعره فأمره فراجعها، وكانت عنده حتى مات شهيداً، أصابه سمه في حصار الطائف فانتقض به جرحه فمات، فقال لعاتكة حين احتضر: لك حديقة من مالي ولا تزوجي. ففعلت ذلك. وقال حين راجعها: أعاتكُ قد طلقت عني بغضةٍ ... وراجعت لأمر الذي هو كائنُ كذلك أمر الله غادٍ ورائحٌ ... على الناس فيه ألفةٌ وتباينُ وقد كان قلبي للتفرق طائراً ... وقلبي لما قد قرب الله ساكنُ أعاتكُ إني لا أرى فيك سقطةً ... وإنك قد حلت عليك المحاسنُ وإنك ممن زين اللهُ أمرهُ ... وليس لما قد زين اللهُ شائنُ فمات عبد الله وترك سبعة دنانير، فقال أبو بكر: إنا لله، كيف يصبر ابني على سبع كيات. فلما مات عبد الله قالت عاتكة: فجعتُ بخير الناس نبيهم ... وبعد أبى بكر وما كان قصرا فآليتُ لا تنفك عيني سخينةً ... عليك ولا ينفكُ جلديَ أغبرا مدى الدهر ما غنت حمامةُ أيكةٍ ... وما طردَ الليلُ الصباحَ المنورا فلله عينا من رأى مثله فتى ... أكرَّ وأحمى في الجهاد وأصبرا إذا شرعت فيه الأسنةُ خاضها ... إلى الموت حتى يترك الرمحَ أحمرا

فخطبها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: إني قد جعلت نفسي مالا أقدر [معه] على التزويج. فقال: استفتي بن أبي طالب رضي لله عنه. فاستفتته فقال: ردي عليهم ما أخذته منهم وتزوجي. فردت الحديقة، فتزوجها عمر رضي الله عنه، فلما دخل بها أولم، فدنا علي رضي الله عنه من خدرها وقال: فآليتُ لا تنفكُّ عيني سخيةً ... عليكَ ولا ينفكُّ جلديَ أغبرا! فبكت، فقال عمر: ما أردت إلا أن تفسد علينا أهلنا. ويقال قال هذه المقالة لهل عبد لرحمن بن أبي بكر. فلما قتل عمر قالت: فجعني فيروزُ لا درَّ درهُ ... بأبيضَ تالٍ للقرآنِ منيبِ رؤوف على الأدنى غليظٍ على العدى ... أخي ثقةٍ في النائباتِ نجيبِ متى ما يقل لا يكذب القولَ فعله ... سريع إلى الخيرات غير قطوب وقالت: عينُ جودي بعبرةٍ ونحيبِ ... ولا تملي على الإمام النجيب فجعتني المنونُ بالفارس المق ... دم يوم الهياج والتذبيب عصمةِ الناس والمعين على الده ... ر وغيثُ المنتاب والمحروب قل لأهل الضراءِ والبأس موتوا ... قد سقته المنونُ كأس شعوبِ فخطبها طلحة بن عبيد الله، فمشى في أمرها هبار بن الأسود فأفسد عليه، فتزوجها الزبير بن العوام، فنهاها عن الخروج إلى المسجد فقالت: أتنهاني عن الخروج إلة الصلاة وقد قال عليه الصلاة والسلام: "لا تمنعوا إماء لله من مساجد الله". فأعرض عن ذلك أياماً ثم قعد لها في طريقها ليلاً، فلما مرت به ضرب عجيزتها بيده وكانت عظيمة المجيزة جميلة فرجعت إلى بيتها واسترجعت وقالت: سوءة، إنا لله. وتركت الخروج، فقال لها الزبير: مالك تركت

الصلاة في المسجد؟ قالت: قد فسد الناس أبا عبد الله! فقتل عنها فقالت: غدرَ ابنُ جرموزٍ بفارس بهمةٍ ... يوم اللقاءِ وكان غير معرد يا عمرو لو نبهته لوجدته ... لا طائشاً رعشَ الجنان ولا اليدِ شلت يمينك إن قتلت لمسلماً ... حلت عليك عقوبةُ المتعمدِ كم غمرةٍ قد خاضها لم ينهه ... عنها طرادك يا ابن فقع القرددِ ثم خطها علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقالت: إني أشفق عليك من القتل، لم أتزوج رجلاً إلا قتل فتزوجها محمد بن أبي بكر فخرجت معه إلى مصر فقتل ومثل به، فقالت: إن تقتلوا أو تمثلوا بحمدٍ ... فما كان من شأنِ النساء ولا الخمرِ فتزوجها عمرو بن العاص. أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن، عن أبي مقرر، عن محمد بن عمرو، أن ابن أمية بن خلف رأى رؤيا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافة أبي بكر فقصها فقال: رأيت أن هذا الرجل قد هلك، وأنت مكانه، فبثت إلى هذه المرأة فتزوجها يعني عاتكة بنت زيد فدخلت عليك وأنت عروس وعلى باب بيتك ستر. فقال عمر بل يبقى الله خليفة رسول الله. فلما توفي أبو بكر أرسل إليها فخطبها. 5 سكينة ابنة الحسين عليه السلام، أمها الرباب بنت امرئ القيس الكلبية تزوجها عبد الله بن الحسن وهو أبو عذرتها، فمات ويقال قتل مع الحسين فتزوجها مصعب بن الزبير فولدت له ابنة، فأرسل إليها: سميها زبراء

قالت: أسميها باسم إحدى أمهاتي. فسمتها خديجة أو فاطمة. فماتت ابنتها من مصعب صغيرة، فحملها مصعب إلى العراق فقتل عنها. وقال ابن قيس الرقيات حين تزوج مصعب سكينة ويقال قالها الحارث ابن خالد المخزومي حين خرج مصعب بعائشة بنت طلحة: رحل الأمير بأحسن الخلق ... وغدا بلبكَ مطلعَ الشرقِ وبدت لنا من تحت كلتها ... كالشمس أو كغمامة البرقِ وتنو فتثقلها عجيزتها ... مشيَ النزيف ينوءُ بالوسقِ فظللت كالمقمور خلعته ... هذا الجنون وليس بالعشقِ ما صبحت زوجاً بغرتها ... إلا غدا بكواكب الطلقِ وتروي هذه الأبيات لرجل من ثقيف قالها في امرأة من ثقيف. وخطب سكينة عبد الملك بن مروان فقالت أمها: والله لا أزوجها منه أبداً وقد قتل ابن أختي تعني مصعباً فتزوجها عبد الله بن عثمان بن عبد الله ابن حكيم بن حزام وأم عبد الله بن عثمان رملة ابنة الزبير بن العوام فولدت له سكينة ابناً يقال له قرين، وحكيماً، وابنة ويقال ابنتين. فمات عنها فتزوجها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان، فأصدقها صداقاً كثيراً. فقال

عبد الملك: إنا تزوجنا أحسابنا فلم نغرق في الصداق، طلقها. فطلقها، فقال أيمن بن خريم: نكحت سكينةُ في الحساب ثلاثةُ ... فإذا دخلتَ بها فأنتَ الرابعُ إن البقيعَ إذا تتابعَ زرعه ... خابَ البقيعُ وخابَ فيه الزارعُ فتزوجها زيد بن عمرو بن عثمان وأمه أم ولد فأصدقها صداقاً كثيراً، واشترطت عليه أن لا يعصي لها أمراُ ولا يغيرها، ولا يمنعها شيئاً تريده، ولا يمنع أحداً يدخل عليها، وأن يقيمها حيث خلها أم منظور. فتزوجها على هذه الشروط، فقال له سليمان بن عبد الملك: يا زيد بن عمرو، إنك شرطت لسكينة أن لا تطأ جارية، وعندك أمثال المها، وأنا أعلم أنك لا تصبر وأنك قد وطئت بعضهن، وشرطت لها شروطاً لا تستطيع أن تفي بها، وقد حرمت عليك سكينة. فطلقها زيد فتزجها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، فأبى أهلها أن يرضوا، فخاصموه وتحاكموا إلى إبراهيم بن هشام، فقال له: انطلق فادخل إلى أهلك، فإن حال بينك وبينها أحد فامنعه. وكان إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف شرساً كثير الشر، فجاء في رجال من بني زهرة، فأعانه قوم قريش، وجاء بنو هاشم وبنو أمية ,وأرسل عبد الله بن عمرو بن عثمان مواليه وغلمانه في السلاح، فقيل للوالي: إن لم تمنعهم تقاتلوا. فأرسل فرد الفريقين، وكتب إلى هشام فكتب إليه هشام: خيروها، فإن اختارته فاحملها إليه. فاختارت نفسها، وأتى الخبر إبراهيم فأتاها فقال: أنا خير الناس لك. قالت ما تقول، يا بأبي؟! فعلم أنها تهزأ به، فانصرف فخيرها فاختارت نفسها، فجاء علي بن حسين بن حسين عليهم السلام فحملها. وكانت سكينة تقول لزوجها زيد بن عمرو بن عثمان: اخرج إلى مكة وأخرج

معك أشعب. فيخرجه ويخرج من أرادت، فإذا قضوا حجهم ورجعوا فكانوا في نصف الطريق قالت: يا ابن عثمان، ارجع إلى مكة. فيقول: نعم. فإذا صرفوا الإبل إلة مكة قال لها: يا سكينة ما أستطع أن أخالفك وقد انصرف الناس، فإن رأيت أن تمضي معهم: فتقول: نعم فتمضي معهم يومهم ذلك، ثم تقول: يا ابن عثمان، ارجع! فيقول: نعم. فنفعل ذلك مراراً، ومع هذا مواتاة منها وقرة عين وشفقة ونصيحة، وإنما كان ذلك كله منها مزاحاً لتسره ثم ترجع إلى ما يريد. فعتب عليها يوماً في بعض الأمر فصارمها وخرج إلى قصر له ماله. قال أشعب: فدعتني ليلة بعد العشاء فقالت: ويلك، هل لك أن تأتي ابن عثمان فتعلم لي علمه أية خرج وأخذ. قلت: لا أستطيع أن أذهب هذه الساعة. قالت: فإني أعطيك ثلاثين ديناراً. قلت: ادفعيها إلي. فأعطتني ثم مضيت فانتهيت إلى القصر بعدما هزيع من الليل، وليس على باب القصر أحد، فدخلت الدار فإذا هو بين يديه مصباح، قد نزل عن فرشه وهو ينكت في الأرض، فسمع حسي أو رأى خيالي فقال: إن في الدار إنساناً فانظروا من هو؟ فجاءوني فرأوني فقالوا: شعيب. فدعا بي فقال: ويلك يا شعيب ما قصتك؟ قلت: أرسلتني سكينة. قال: ولم؟ قلت: ذكرت منك ما ذكرت منها فأرسلتني أعلم لها علمك. قال: ويحك، غنني فإن جئتني بما في نفسي فلك حلتي الطبرية فقد أخذتها بثلاثمائة. فغنيته: علق القلبُ بعض ما قد شجاه ... من حبيبٍ أمسى هواناً هواهُ

ما ضراري نفسي بهجرانِ من لي ... س مسيئاً ولا بعيداً نواه قال: ما وعدت ما في نفسي. وأعطاني حلته، فرجعت إلى سكينة وهي جالسة تنتظر رجوعي، فأخبرتها عنه وعن حاله التي رأيت عليها وما قلت وما صنع. قالت: فأين الحلة؟ قلت: معي. قالت: أفتريد يا شعيب أن تلبس حلة قد لبسها ابن عثمان وتسلبه إياه، لا ولا كرامة. قلت: والله لألبسنها. قالت: فأنا أشتريها منك. فاشتريها بمائة دينار، ويقال بثلاثين ديناراً. وكان تزويج إبراهيم بن عبد الرحمن بها أنها مكثت حيناً بعد زيد لا تخطب، فقالت لها مولاة لها: جعلت فداك، لا أرى أهل المدينة يذكروننا. قالت: أما والله لأجعلن لهم حديثاً. فقلت له: كيف أنت إن تزوجتك؟ قال: تجديني خير الناس. وكانت ظريفة فقيل لها: يا سكينة، أختك ناسكة وأنت مزاحة. قالت: إنكم سميتموها باسم جدتها المؤمنة، وسميتموني باسم جدتي التي لم تدرك الإسلام. ويقال إنها لما زفت إلى زيد فحملت، قالت لمولى لها كان يمشي مع دابتها يقال له بخة: ويلك ما لك. وقلت لرجل: قوم هذا الأديم. وذكر الفرزدق سكينة وشبب بها وعمرو بن عبد العزيز على المدينة، فأخرجه منها ونفاه. فقال جرير في ذلك: نفاك الأغرُّ ابنُ عيد العزيز ... بحقك تنفى من المسجدِ

وطاقت سكينة بنت حسين رضي الله عنه، فلما انتهت إلى الركن اليماني أعيت في أول طواف، ونظر إليها العرجيُّ فقال: يقعدنَ في التطوافِ آونةً ... ويطفنَ أحياناً على فترِ حتى استلمنَ الركنَ في آنفٍ ... من ليلهنَّ يطأن في الأزرِ ففرغنَ في سبعٍ وقد جهدت ... أحشاؤهن موائلَ الخمرِ فسمعت شعره امرأة ووصفته لها، فحفظت الشعر فأخبرتها، قالت: "لو أن الجمال طفن سبعاً لجهدت أحشاؤهن". وقال أبو دهبل يمدح عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حيكم بن حزام وهو زوج سكينة، ولدت منه قريناً، وحكيماً، وابنة. وأم عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم رملة ابنة الزبير فقال: أكرم بنسلٍ منكَ بين محمدٍ ... وبين عليٍ فاسمعنَّ كلامي وبين حكيم والزبير فلا أرى ... لهم شبهاً في منجدٍ وتهامِ تمطتْ به بيضاء فرعُ نجيبةٍ ... حصانٌ وبعض الوالد عرامُ 6 أخبرنا أحمد قال: أنبأنا أو أبو الحسن قال: أم إسحاق بن طلحة بن عبيد الله كانت عند الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يتزوجها، فتزوجها فولدت له فاطمة بنت الحسين. فقتل الحسين فتزوجها محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، فولدت له آمنة. 7 أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: ميمونة ابنة عبد الرحمن بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبي بكر، كانت عند عبد العزيز بن الوليد، فولدت له عبد الملك، وعتيقاً، ثم خلف عليها محمد بن الوليد، ثم خلف عليها هشام بن عبد الملك.

8 عائشة ابنة طلحة. أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن عن سحيم بن حفص قال: تزوج عائشة ابنة طلحة عبد الرحمن بن أبي بكر، وهو لأبو عذرتها، فولدت له أولاداً، فابنها طلحة الذي يقول الشاعر فيه: يا طلحَ إن كنتَ أعطيتني ... جماليةً تستحقُّ الضفارا فما كان نفعك لي مرةً ... ولا مرتين ولكن مرارا أبوك الذي بايع المصطفى ... وسار مع المهتدي حيث سارا قال أو الحسن: عن سحيم، صارمت عائشة زوجها، وكان في خلقها زعارة، خرجت وهي مصارمة له في ملحفة فمرت في المسجد حتى دخلت حجرة عائشة، فرآها أبو هريرة رضي الله عنه فسبح وقال: كأنها من الحور. فمكثت عقد الإيلاء إن تمت أربعة شهور، فضمها إليك. وكان يلقي منها البلاء، فقيل له طلقها، فقال: يقولون طلقها، وأصبحَ ثاويا ... مقيما عليك الهمُّ، أحلامُ نائمِ وإنَّ فراقي أهلَ بيتٍ أودهم ... لهم زلفةٌ عندي لإحدى العظائمِ فكيف يصفوِ العيشِ من بعدَ بينهم ... وسخطهمُ يوماً على الأنف خاطمي وخطبها مصعب بن الزبير فقالت: إن تزوجته فهو علي كظهر أمي. ثم سألت أهل المدينة فقالوا: أعتقي رقبة وتزوجيه. فتزوجها فأصدقها خمسمائة ألف، وأهدى لها خمسمائة ألف. فقال أنس بن أبي أنس بن زنيم: بضعُ الفتاةِ بألفِ ألفٍ كاملٍ ... وتبيتُ ساداتُ الجنود جياعا لو لأبي حفصٍ أقولُ مقالتي ... وأبثهُ ما قد رأى لارتاعا

فبلغ الشعر عبد الله بن الزبير فقال: إن مصعباً قدم خيره، وأخر أيره. وبلغ الكلام عبد الملك بن مروان فقال: لكن عبد الله قدم أيره وأخر خيره. أحمد قال: قال أبو الحسن: قال الشعبي: كان يجالسنا مصعب بن الزبير وتزوجها فأحبها، وكانت خطبة جميلة من امرأة في أذنها عظم، وفي ساقها حموشة وقال قوم: في قدمها عظم. فأغارها مصعب يوماً فسمته. أنبأنا أحمد قال: قال أبو الحسن: عن علي بن مجاهد عن الشعبي قال: قال الشعبي: أخذ بيدي مصعب فمضى وأنا معه حتى دخل منزله ويده في يدي فرفع ستراً فإذا عائشة، فإذا أحسن الناس وجهاً، فأعرضت وخلاني ودخل، فرجعت ثم رحت إليه بالعشى وهو جالس فأشار إلي بيده فقال: رأيت ذاك الإنسان؟ قلت: نعم. فقال: أفرأيت مثله؟ قلت: لا. قال: تلك ليلى التي يقول فيها الشاعر: وما زلتُ من ليلى لدنْ طرَّ شاربي ... إلى اليوم أخفي حبها فأباينُ وأحملُ في ليلى لقلبي ضغينةً ... وتحملُ في ليلى عليَّ الضغائن يا شعبي رأيت عائشة وما بد لك إذ رأيتها من صلة. ثم قال لابن أبي فروة: أعط الشعبي عشرة آلاف درهم وعشرين ثوبا. فقتل عنها مصعب فخطبها بشر ابن مروان. وقدم عمر بن عبيد الله بن معمر من الشام فنزل إلى الكوفة، فبلغه أن بشراً خطب عائشة فأرسل إليها: "أنا خير لك من هذا المبسور، وأنا ابن عمك وأحق بك، وإن توجت بك ملأت بيتك خيراً، وملأت حرك أيرا". فبنى بها بالحيرة فمهدت له فرشا سعة عرضها أربع أذرع، فأصبح ليلة بنائها عن

تسعة. وكان عمرو غليظاً أحمر يحتجم كل سبعة أيام، فأخرجها معه إلى فديك. ولها يقول الشاعر: أنعمْ بعيشةَ عيشاً غير ذي رنقِ ... وانبذْ برملةَ نبذَ الجوارب الخلقِ وقال آخر: من يجعل الديباج عدلاً للزيقْ ... أراد الريح، وهو ريح الحميس بين الحواريَّ وبين الصديقْ ... فمات عنها فبكته، فعلموا أنها لا تزوج أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن، عن سحيم بن حفص قال: قالت رملة بنت طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي لمولاة عائشة: أريني عائشة متجردة، ولك ألفا درهم. فقالت لمولاتها: إن رملة جعلت لي ألفي درهم إن رأتك متجردة. قالت: فإني أتجرد لها فأعلميها. وتجردت وجعلت تغتسل مدبرة ومقبلة، ورملة تنظر إليها، ثم لبست ثيابها فأعطت رملة مولاتها ألفي درهم ثم قالت: وددت أني أعطيتك أربعة آلاف ولم أرها. قال أبو الحسن: عن أبي هريرة وطارق بن المبارك قال: قال عمر بن ربيعة لعائشة بنت طلحة يشبب بها: أصبح القلبُ في الحبال رهيناً ... مقصداً يوم فارق الظاعنينا لم يرُ عني إلا الفتاة وإلا ... دمعها في الرداء سحا سنينا عجلت حمةُ الفراق علينا ... برحيلٍ ولم تخف أن تبينا أنتِ أهوى العبادِ قرباً ووداً ... لو تواتينَ عاشقاً محزونا

قاده الطرف يوم مرَّ إلى الحي ... ن جهاراً ولم يخف أن يحينا وجلاً يردُ بركةٍ جنديٌّ ... ضوء وجهٍ يضيءُ للناظرينا فإذا ظبيةٌ تراعي نعاجاً ... ومهاً بهجَ المناظرِ عينا قلت: من أنتمُ فصدتْ وقالت: ... أمبدٌّ سؤالك العالمينا قلت: باللهِ ذي الجلالة لما ... إذ تبلتِ الفؤاد أنْ تصدقينا أيُّمنْ تجمعُ المواسمُ أنتمْ ... فأبيني لنا ولا تكذبينا نحن من ساكني العراق وكنا ... قبلها قاطنين مكةَ حينا قد صدقناكِ إنْ سألتِ فمن أن ... ت عسى أن يجرُّ شأنٌ شؤونا قد نرى أننا عرفناكِ بالنع ... ت بظنّ وما قتلنا يقينا بسواد الثنيتين وثغرٍ ... قد نراه لناظرٍ مستبينا فكانت عائشة تقول: والله ما قلت له هذا وما كلمته قط. أنبأنا أحمد قال أنبأنا أبو الحسن عبد الله بن فائد قال: دخلت عائشة بنت طلحة بمكة على الوليد بن عبد الملك فحدثته وقالت يا أمير المؤمنين، مر لي بأعوان. فصير إليها قوماً يكونون معها، فحجت معها ستون بغلاً عليها الهوادج والرحائل، فقال عروة بن الزبير: عائشُ يا ذاتَ البغال الستينْ ... أكلَّ عامٍ هكذا تحجينْ 9 ابنة محمد بن عروة بن الزبير. أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال:

ابنة محمد بن عروة بن الزبير كانت عند الحكم بن يحيى بن عروة، وعند أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فتزوجها محمد بن عمران بن طلحة، ثم راجعها الحكم ابن يحيى بن عروة، ثم طلقها وكان قاضياً على المدينة واشترطت عليه عطاءه ما عاشت وغلة أرضه وبضع بناته إليها، تزوجهن من شاءت، ولا يغير عليها، فإن فعل فأمرها بيدها. 10 أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن: أم سلمة ابنة عبد الرحمن بن سهيل ابن عمرو، كانت عند الحجاج بن يوسف، فطلقها فتزوجها الوليد بن عبد الملك، فأعجلها سليمان وعليها درع فأدخله من وراء الثوب، ثم طلقها فتزوجها هشام ابن عبد الملك. 11 أحمد قال، أنبأنا أبو الحسن قال: ربيحة بنت محمد بن علي بن عبد الله ابن جعفر، تزوجها يزيد بن عبد الملك، ثم تزوجها أبو بكر بن عبد الملك:، فقتله عبد الله بن علي وتزوجها صالح بن علي، فطلقها فتزوجها إسحاق بن إبراهيم بن حسن ابن حسن بن علي عليه السلام. وقوم ينكرون تزويج يزيد بن عبد الملك ربيحة. 12 أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: سحيقة ابنة محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، تزوجها إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد الله، فولدت له ابنة، ففارقها فتزوجها إسماعيل بن إبراهيم ابن عبد الله بن جعفر، فتوفي عنها، فراجعها إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن طلحة، ثم طلقها فتزوجها عبد الرحمن بن عبد الله بن عمرو بن الخطاب. 13 أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: أم إسحاق بنت طلحة بن عبد الله كانت عند الحسن بن علي، فولدت له طلحة بن الحسن، فمات عنها وأوصى الحسين بتزويجها، فتزوجها الحسين، فولدت له فاطمة بنت حسين فقتل عنها،

فتزوجها ابن أبي عتيق وهو عبد الله بن محمد بن عبي الرحمن بي أبي بكر فولدت له آمنة. ويقال تزوجها قبل ابن أبي عتيق تمام بن العباس بن عبد المطلب فهلك عنها فتزوجها ابن أبي عتيق. 14 أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: ميمونة بنت عبد الرحمن ابن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، كانت عند عبد العزيز بن الوليد ابن عبد الملك، فولدت له عبد الملك وعتيقاً. وكان عبد الملك من رجالهم، فمات فرثاه بعض الشعراء من كلب، فقال: إني رأيتُ بني أمِّ البنينَ لهمْ ... مجدٌ طويلٌ وفي أعمارهم قصرُ ماتَ الهمامُ أبو مروانَ فإختشعتْ ... كلبٌ لذاك وذلتْ بعدهُ مضرُ ولعتيق يقول الشاعر: ذهبَ الجودُ غيرَ جودٍ عتي ... قِ ابن عبد العزيز منْ ميمونه بنت قرم قد مهدتْ من قريشٍ ... وأبى اللهُ أن تكونَ هجينهْ ثم تزوجها محمد بن الوليد، ثم تزوجها سليمان بن عبد الملك، ثم تزوجها هشام بن عبد الملك. ويقال: لم يتزوجها سليمان. 15 أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: حفصة بنت عمران ابن إبراهيم ابن محمد طلحة بن عبيد الله، تزوجها القاسم بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، وهو أبو عذرها، ثم خلف عليها هشام بن عبد الملك، وكان القاسم شديد الغيرة، فسمع يوماً كلامها، أو رآها مشرفة، فدخل عليها فضربها، فأثر السوط فيها،

فطلقها فتزوجها هشام، فقالت له أم حكيم: قل لها تريك ظهرها. فقال لها فأبت وقالت: ما تريد من ظهري، كنت عند رجل كريم غيور خير منك أماً وأباً وبيتاً، غار فضربني ضربة فصار في ظهري أثر. فطلقها فتزوجها محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، ثم تزوجها عثمان بن عروة بن الزبير. 16 أنبأنا أحمد قال: أبانا أبو الحسن قال: أم كلثوم ابنة عبد الله بن جعفر، تزوجها القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب، فولدت له فاطمة، ثم تزوجها الجراح أو الحجاج، فولدت له ابنة، فطلقها، فتزوجها أبان بن عثمان ابن عفان. 17 أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: أم القاسم ابنة الحسن بن الحسن بن علي، تزوجها مروان بن عثمان بن عفان، فولدت له محمداً، ثم خلف عليها علي بن حسين بن حسن بن علي، ثم تزوجها الحسن بن عبد الله بن عبيد الله ابن العباس. 18 أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: رملة ابنة محمد بن جعفر بن أبي طالب تزوجها سليمان بن هشام، فطلقها فتزوجها أبو القاسم بن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، فقتله عبد الله بن علي فتزوجها إسماعيل بن علي أو صالح. 19 أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: قريبة أبي أمية بن المغيرة كانت عند عمر بن الخطاب، فرجعت إلى الكفار، فلما أسلمت تزوجها معاوية

ابن أبي سفيان، فقال له أبوه: أتزوج ظعينة أمير المؤمنين؟ أنزل عن ثقله. فطلقها فتزوجها عبد الرحمن بت أب بكر، فولدت له محمداً. فكانت عائشة عمته، وأم حبيبة خالته، فكان يدخل عليهما. 20 أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: أسماء بنت عميس، كانت عند جعفر بن أبي طالب، فولدت له عبد الله، ومحمداً، وعوناً، فتزوجها أبو بكر، فولدت له محمداً، فتزوجها علي عليه السلام، فولدت له يحيى، فقال لها علي: احكمي بين بنيك. وإن ثلاثة أنت أخسها لخيار. فقال علي لابنه: يا بني قد فشكلت أباك. 21قال: وكانت عائشة بنت طلحة عند عمر بن عبد الله بن عبد الله ابن معمر ثماني سنين، ومات سنة اثنتين وثمانين، فبكته قائمة. أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن، عن سحيم بن حفص؛ قال: أتاها مصعب وهي نائمة متصبحة، ومعه ثماني حبات لؤلؤ قيمتها عشرين ألف دينار، ونثر اللؤلؤ في حجرها، فقالت: "نومتي كانت أحب إليَّ من هذا اللؤلؤ! ". وولدت عائشة لعبد الله بن عبد الرحمن أولاداً. وجمع مصعب بينها وبين سكينة، ومات مصعب عن سكينة وعائشة وأم حبيب بنت عبد الله بن عامر.

أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن عن أبي إسحاق بن ربيعة قال: قال سلم بن قتيبة: رأيت عائشة بنت طلحة بمكة في المسجد، فسلمت عليها وانتسبت لها، فبكت وقالت: يرحم الله المصعب. فأرادت النهوض فأخذت امرأتان بيدها وعندها نسوة فاعتمدت على المرأتين، فما كادت أن تستقل [حتى] خذلها وركاها، فقالت إحدى المرأتين: إنا بك لمتبعات. وكانت مديدة الجسم كثيرة اللحم. 22أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: ابنة طلحة بن عمر بن عبيد الله كانت عند الحسن بن الحسن بن علي، فكان يقول له: إنها حملت وولدت وهي ما تكلمني وإنها لمصارمة لي. 23 امرأة [من] آل أبي بكر: أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: تزوج موسى بن عبد الله بن الحسن امرأة بن الحسن امرأة من ولد أبي بكر فغضبت يوماً فأمرت جواري فأمسكنه وضربنه، فأقلت وخرج، فلقيه أخوه إبراهيم فقال: مالك؟ قال: ضربتني ابنة أبي بكرز قال: خذ السوط فوالله لئن لم تضربها لا كلمتك. فدخل وقام إبراهيم على الباب وقال للجواري: يا فواسق، والله لئن منعته واحدة منكن لأدخلن عليكن, وقال لموسى: اضرب وأوجعها. فقال موسى لامرأته: إني زعيم أن أجيءَ بضرةِ ... مقابلةِ الأجداد، طيبةِ النشرِ إذا انتسبت في آل شيبان في الذرى ... وتغلبَ لم نقررْ بفضل أبي بكرِ تحكم أحياناً علينا وتارةً ... تبدى كقرن الشمس أو صورة البدرِ

24امرأة من تيم. أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: وكانت عند يحيى بن عبد الله بن الحسن امرأة من تيم، فخاصمته إلى جعفر بن سليمان بالمدينة، فقضى عليها وقال: اذهب بها حيث شئت. 25وقال: وكانت أم حكيم ابنة يحيى بن الحكم عند سليمان بن عبد الملك، ثم يزيد بن عبد الملك، ثم هشام بن عبد الملك. 26قال: وتزوج عبد العزيز بن الوليد أم خالد بنت عبد الله بن أسيد، فغلبته على أمره كله، وكان يقال: عبد العزيز بن الوليد سيد الناس، إلا أن أم خالد قد غلبته على أمره. فأمره الوليد فطلقه. 27أم عمرو وابنة عبد الله بن خالد. قال: أم عمرو بنت عبد الله بن خالد بن أسيد، كانت عند سليمان بن عبد الملك، فقدم خالد وعبد الله، فوصل خالداً وفضله على عبد الله، فقالت أم عمرو: عبد الله أكرم من خالد وفضلته عليه! فقال: ويحك، إني أعرف أسنهما ولكن خالداً كان خاصتي، وكان له عندي يد وأنا صعلوك، فإنما فضلته لذلك. 28 قال: أنبأنا أبو الحسن قال: كانت دجاجة ابنة أسماء بن الصلت السلمي عند عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس، فولدت له عبد الله بن عامر. ثم تزوجها عمير الليثي فولدت عبيد بن عمير الفقيه المحدث، ثم تزوجها الأسود فولدت له عبد الله بن الأسود. فكان يقال لها أم العادلة.

أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن عن سحيم بن حفص قال: كان مصعب ابن الزبير لا يصل إلى عائشة إلا بشدة، ولا يقد عليها إلا ببلاء حتى يخرق ثيابها ويضربها، فشكا ذلك إلى عبد الله بن أبي فروة كاتبه، فقال له: أفتأذن لي في الحيلة؟ قال نعم، اصنع م شئت فإنها أفضل ما نلت من الدنيا. فأتاها ليلاً فاستأذن عليها، فقالت له: هذه الساعة! قال: نعم، ففزعت معه أسودان فقالت له مولاة له: ما شأنك؟ قال: شؤم مولاتك، قالت: وما لها؟ قال: أمرني هذا الفاسق الفاجر، أسفك من خلق الله لدم حرام وأقتله للناس، أن أحتفر بئراً وأدفنها فيه حية. وقد والله حرصت أن يعفيني من هذا، فأمر بقتلي. قالت: فأنظرني أذهب إليه. قال: لا سبيل إلى ذلك، وقال للأسودين: احفرا. فبكت عائشة ورأت الجد. وقالت: يا ابن أبي فروة، إنك لتقتلني! قال: ما منه بد، وإني لأعلم أن الله سيخزيه، ولكنه قد غضب وهو كافر الغضب. قالت: فأي شيء أغضبه؟ قال: في امتناعك عليه، وقد ظن أنك تبغضينه وأنك تتطلعين إلى غيره، فقد جن. فقالت أذكرك الله إلا عاودته. قال: أخاف أن يقتلني. فبكت وجوارها فقال: قد رققت وأنا أغرر بنفسي فما أقول؟ قالت: اضمن عني أني لا أعود أبداً. قال: فأعطيني مواثيق. فأعطته، فقال للأسودين: مكانكما. وأتى مصعباً فأخبره، فقال استوثق منها بالإيمان. فأتاها فقال: هذا الفاسق قد سكن بعض السكون وسكن شيطانه، فاحلفي لي أن لا تخالفيه، فوثقت له، وصلحت لمصعب. نجز الكتاب والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتاب من أنسب إلى أمه من الشعراء صنعه محمد بن حبيب وتصنيفه، من رواية عثمان بن جني رحمه الله

كتاب من أنسب إلى أمه من الشعراء صنعه محمد بن حبيب وتصنيفه، من رواية عثمان بن جني رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين قرأت على أخي محمد قال: سمعته يقرأ على أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: قرات على ثعلب قال: قال أبو جعفر محمد بن حبيب: ذكر من نسب إلى أمه من الشعراء: 1 (ابن شعوب) أمه شعوب من بني خزاعة، واسمه عمرو بن سمي ابن كعب بن عبد شمس بن مالك بن جعونة بن عويرة بن شجع بن عامر بن ليث بن بكر بن كنانة. وهو الذي يقول: ماذا بالقليب قليب بدرٍ ... من القينات والشرب الكرامِ وماذا بالقليب قليب بدرٍ ... من الشيزى تكللُ بالسنامِ تحييَّ بالسلامة أمُّ بكرٍ ... ومالي بعد قومي من سلامِ يخبرنا النبيُّ بأن سنحيا ... وكيف حياة أصداءٍ وهامِ

وله شعر كثير، قاله وهو كافر، ثم أسلم بعد. 2 و (ابن أم حولى) من بني الحارث بن همام، شاعر أغار على بني يربوع، فلحقه منهم قوم، فقاتلهم حتى أحرز غنيمته، وقال: نحن بني الحارث قد آلينا ... لا يؤخذُ النهبُ الذي حوينا أبا لصياح عولوا علينا ... إنا إذاً صيح بنا أبينا لا نجعلُ الطعنَ بنقدٍ دينا 3 و (عطاف بن بشة الشيباني) ، قال لخاله عدى بن ضب: عديَّ بن ضبٍّ من تكن أنتَ خالهُ ... أخاً أمه تدلجْ بلومٍ ركائبه وقال: وطالب وترٍ قد أتى الليلُ دونه ... وما سبقُ وترٍ أدرك ليوم أو غدا وقال: أنا بن الذي لم يخزِني في حياته ... ولم يخزه عند الوفاة بلائيا 4 و (ابن طوعة) الشيباني، واسمه ناصر بن عاصم وأمه"طوعة"، أمة أو أخيذة من آل ذي الجدين، قال: تعطف اللوم على عطافٍ ... بين بني الحارث والأحلافِ 5 و (ربيعة بن غزالة) الكندي شعر حليف بني شيبان، وأمه غزالة، قال:

كأني إذ وضعت الرحل فيهم ... بمكة حيث حلَّ بها هشامُ 6 و (ابن حجلة الأسدي) وهي أمه، واسمه عبد بن معرض، أحد بني ثعلبة بن سعد دودان من بني أسد، شاعر، وهو الذي يقول: من أخطته ولادتنا فأنا ... ولدنا سيد الناس الوليدا 7 و (السندري بن عيساء الجعفري) ، وهي أمه، لتشريح بن الأحوص بن جعفر. وهو الذي يقول: هل فيكم يوم كيوم جبله ... يوم أتتنا أسدٌ وحنظله والملكان والقطينُ أزفله ... نعلوهم بقصبٍ منتخله لم تعدُ أن أفرشَ عنها الصقله وقال: أنا لمن يسأل السندري ... أنا الغلام الأحوصيُّ الجعفري 8 و (حبيب بن خدرة الهلالي) خارجي، كان مع شبيب، وذكر أنه أدرك الحكمين، وبقي حتى أدرك الضحاك الذي أخذ بالكوفة. وقال: نهيتُ بني فهر غداة لقيتهمْ ... وحتى نصيب والظنون تطاعُ

فقلت لهم إن الجريبَ وراكساً ... بها نعمٌ يرعى المرارَ رتاعُ ولكن فيه السم إن ريعَ أهله ... وإن يأته قومٌ هناك يراعُ وقال: تفرقتم أن تذكوا الحيّ بيضة ... فظل لكم يومٌ إلى الليل أشنع وقال: أصاح ترى بريقاً هبّ وهنا ... يؤرقني وأصحابي هجودُ 9 و (أن عيزارة الهذلي) ، وهو بن خويلد، شاعر. قال: لعمرك أنسى روعتي يوم أقتدٍ ... وهل تتركنْ نفسَ الأسير الروائعُ وقال: يا حار إني يا ابن أمِّ عميدُ ... كمدٌ كأني في الفؤاد لهيدُ 10 و (قطبة بن الزبعري) ، وهي أمه. وهو قطبة بن زيد بن سعد ابن امرئ القيس بن ثعلبة بن كنانة بن [القين بني] جسر، شاعر. وقال: حميتُ القوم قد علمت معدٌّ ... ومن للقوم من مولى وجارِ حبوتُ بها قضاعة إنّ مثلي ... حيقيقٌ أن يذبّ عن الذمارِ ولستُ كمن يغمز جانباه ... كغمز التين تجنيه الجواري وكان قطبة سيد قضاعة في الجاهلية وأول الإسلام. 11 و (قيس بن الحدادية) وهي أمه، من محارب، حضرمية، وله

شعر. قال ابن الأعرابي: حداد من كنانة. وهو الذي يقول: أنا الذي أطرده مواليه ... وكلهم بعد الصفاء قاليه 12 و (عمرو بن الصماء الخزاعي) له شعر، قال في حرب بينهم وبين كنانة: إلا تعاجلني المنية أستقد ... مقاد جيادي من عميرٍ ونعبد ولو أدركتْ خيلي عميراً ومعبداً ... ونعمان ما آبوا بناقلةٍ بعدي لكانوا لأطراف القنا أو لنازعوا ... إلى الحيَّ أعناق المطيِّ المعضدِ 13 و (عياض بن أم شهمة الخزاعي) إسلامي، قال: هاجتك أطلالٌ ومبترك قفرُ ... خات منذ أجلي أهلها حججٌ عشرُ 14 و (العريان بن أم سهلة النبهاني) وهو من طيئ. قال: لمن الديار غشيتها برماح ... فعمايتين فجانب السرداحِ فجنوب فيحان كأن رسومها ... حللٌ يمانيةٌ على ألواحِ 15 و (ابن السجراء) من حرقة جهينة. قال وحرقة هم بنو خميس ابن عامر بن مودوعة من جهينة، كانوا حلفاء للحصين بن الحمام السهمي من بني سهم بم مرة، وبشامة بن الغدير السهمي. قال ابن سجراء يوم دارة موضوع:

لما أتانا جمعُ قيس وواجهت ... كتائب خرس بينهنَّ زفيفُ فلما علت دعوى خميس بن عامر ... وقد كلَّ مولانا وكاد بحيفُ هممنا به ثم ارعوينا حفيظة ... فذلَّ بنا غاشٍ وعزّ حليفُ 16 و (حميد بن طاعة السكوني) قال: ولما استقلَّ الحي في رونق الضحى ... قبضَ الوصايا والحديث المجمجما وكان لموحٌ من خصاص ورقبةٌ ... مخافةَ أعداء وطرفاً مقسما ولما لحقنا لم يقل ذو لبابةٍ ... لهم ولا ذو حاجة ما تيمما من البيض مكسال إذا ما تلبست ... بعقل امرئٍ لم ينجُ منها مسلما وقال لعمر بن الخطاب: إنك مسترعي وإنا رعيةٌ ... وإنك مدعوٌّ بسماك يا عمر لدى يوم شرٍ شره لشراره ... وخيرٌ لمن كانت معائشه الخيرْ وقال: ما إن رأينا مثلك ابن الخطابْ ... أبرَّ بالدين وبالأحسابْ بعد النبي صاحب الكتاب 17 و (ابن الدمينة الخثعمي) ، واسمه عبد الله، وله شعر كثر. 18 و (يزيد بن ضبة) أمه ضبة، وأبوه مقسم، وهو كثير الشعر، وهو مولى لثقيف، وهو الذي يقول:

مشيُ البريّ مع المقارف تهمة ... ويرى البريّ مع السقيم فيلطخُ وهو الذي يقول: صبا قلبي إلى هند ... وهند مثلها يصبي 19 و (ابن الطثرية) وهو ابن عبيد بن عمرو بن الحارث بن كعب ابن سعد بن زيد مناة بن تميم، وهو الذي يقول: ألا عتبت عليَّ وصرمتني ... وأعجبها ذوو اللمم الطولِ فإني يل ابنةَ السعديَّ أربي ... على فعل الوضيَّ من الرجالِ 20 و (ابن فسوة) وهو عتيبة بن مرداس الكعبي. وإنما قيل له ابن فسوة لأنه نزل بهم رجل من عند القيس يقال له ابن فسوة، فكان يعير به، فقال له مرداس: أنا أشتري منك هذا الاسم بكبش. فاشتراه، فقال: [أخو] عتيبة: حول مولانا علينا اسم أمه ... ألا ربَّ مولى ناقص غير زائدِ 21 و (ابن الهيجمانة العبسي) لم نعرفه، وذكر أن الهيجمانة بنت العنبر ابن عمرو بن تميم. 22 ومن شعراء ربيعة (ابن أم الحزنة العبدي) ، وأم حزنة أمه، وهو ثعلبة بن حزن بن زيد مناة بن الحارث بن ثعلبة بن سليمة بن مالك بن عامر

ابن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصي بن عبد القيس. وله شعر كثير. 23 و (عمرو بن مبردة) ، عبدي. 24 و (ابن الذيبة) وهي أمه، امرأة من فهم، واسمه ربيعة بن عبد ياليل، واسم الذيبة قلابة، فلقبت الذيبة، وهو الذي يقول: إني لمن أنكرني ابن الذيبة ... كريمة عفيفة منسوبه 25 و (شبيب بن البرصاء) ، وهي أمه. وهو شبيب بن زيد بن جمرة بن عوف بن أبي حارثة، وأمه القرضابة بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة، أختها عمرة بنت الحارث أم عقيل بن علفة. وهو الذي يقول: قامت وأعلى خلقها في ثيابها ... قضيبٌ وما تحت الإزار كثيبُ وقال: ولا خير في العيدان إلا صلابها ... ولا ناهضات الطير إلا صقورها يبينُ أبرُ الأمور إذا انقضت ... وتقبل أشباهاً عليك صدورها 26 وبعض (بني أم قرفة) . وأم قرفة اسمها فاطمة بنت ربيعة بن بدر الفزاري، وأبوهم مالك بن حذيفة بن بدر تزوج ابنة عمه.

27 و (ابن ميادة المري) من بني غيظ بن مرة، واسمه الرماح بن الأبيرد ابن ثريان. كثير الشعر. وهو الذي يقول: اعر نزمي مياد للقوافي ... واستسمعيهنَّ ولا تخافي وقال: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بحرة ليلي حيث ربتني أهلي وهل أسمعهنَّ الدهر هجمةٍ ... تطالع من هجل قريب إلى هجل يقال ربيب الصبي أربه ربا فأنا رابٌ وهو مربوب، وربيته أربيه تربية فأنا مرب وهو مربى، وربته أربته تربيتاً فانا مربت وهو مربت. ويقال ربيت في بني فلان، وربوت فيهم، وتربيت، كله فصيح مقبول. 28 و (بشامة بن الغدير) وهي أمه، وهو بشامة بن عمرو بن هلال ابن واثلة بن سهم بن مرة. كثير الشعر، وهو الذي يقول: فإنكم وعطايا الرها ... ن إذ جرت الحرب جلاً جليلا كثوب ابن بيض وقاهم به ... فسد على السالكين السبيلاك 29 وأخوه (أسعد بن الغدير) شاعر، وهو خال أبي سلمى زهير ابن أبي سلمى الشاعر.

30 و (زميل بن أم دينار) أبوه أبير بن عبد مناف، من مازن ابن فزازة، وهو قاتل ابن دارة. وابن دارة اسمه سالم بن مسافع بن يربوع. وهو دارة القمر، سمي دارة، سبه بدارة القمر لحسنه، وهو من بني عبد الله بن غطفان. وزميل الذي يقول: أبلغ فزازة أني قد شربت لهم ... مجد الحياة بسيفي بيع ذي الخلقِ وقال: أنا زميل قاتل ابن داره ... وكاشف المخزاة عن فزازه ثم جعلت عقله البكارى 31 و (قعنب بن أم صاحب الفزراي) ، وهو الذي يقول: لو كنت أعجب من شيء لأعجبني ... سعيُ الفتى وهو خبوء له القدرُ وهو الذي هجا الوليد بن عبد الملك فقال: فقدت الوليد وأنفاً له ... كثيلِ البعير أبى أن يبولا 32 و (ابن أم حزنة) وأم حزنة أمه، وهو ثعلبة بن حزن بن زيد مناة بن الحارث بن ثعلبة بن سليمة بن مالك بن عامر بن الحارث بن [أنمار ابن عمرو بن] وديعة بن لكيز بن أفصى. شاعر، وهو الذي يقول: نهيتكم أن تحملوا هجناءكم ... على خيلكم يوم الرهن فتدركوا 33 وهو الذي يقول في يوم ذي قار، وكان مع الفرس:

لما سمعت نداء مرة قد علا ... وابنيْ ربيعة في الغبار الأقتم 34 و (ابن الواقفية السدوسي) ينسب إلى أمٍ من أمهاته، وهو عبد الله بن عبد العزي كليب بن الحارث بن سدس، شاعر. قال: أتاني عن أبي يكر ألوكٌ ... يخب بها المبين والنذيرُ وقال: ألمَّ خيالُ العامرية موهناً ... خيال بأعلى حضرموت غريبُ أرى المرء أمسى للحوادث غاية ... نوائبه تغتاله فتصوبُ وقال يهجو ابن عنمة الضبي: إن الشاعر الضبيَّ عبد ... كزائدة النعامة مستعارُ وقال يمدح الحوفزان: لمن الديار بجانب الغمر ... آياتهن كواضح السطرِ يا حارِ أعطاك الإله كما ... أثنى عليك أخو بني جسرِ فلأنت أكسبهم إذا افتقرو ... ولأنت أجودهم إذا تثري 35 و (ابن دغماء العجلى) أمه دغماء بنت مرة، أخت جعونة بن مرة، وهو الذي يقول لسويد بن قحطان، وكان سويد الضبعي نزل في بني عجل

فانتسب إلى مرة أبي جعونة فقال: أنا سويد بن قحطان بن مرة، فقال ابن دغماء: لعمرك ما أدرى وإني لسائل ... سويد بن حطان يمتّ وما أدرى سوى أنكم دربتم فجريتم ... على دربة والضب يختل بالتمرِ فما أنتم منا ولا نحن منكم ... دعاوة كذب أنتم آخر الدهر فغضب جعونة خال ابن دغماء، فقال: إن ابن دغماء الذي حدثته ... بيض الدجاج لا يحسُّ له أب إلا الرماد فإنها اعتركت به ... بين الرماد وبين أمك تنسب 36 و (عبد المسيح بن عسلة الشيباني) ، أمه عسلة بنت عامر بن شراكة من غسان، إلها ينسبون وهو شاعر، قال: يا كعب إنك لو قصرت علي ... حسن الندام وقلة الجرم لصحوت والنمرى يحسبها ... عم السماك وخالة النجمِ 37 وأخوه (حرملة بن عسلة) ، قال له المنذر بن ماء السماء: اهج الحارث بن أبي شمر. فقال: ألم تر أني بلغت المشي? ... ب في دار قومي عفا كسوبا

وأنَّ الإله تنصفته ... بألا أعقَّ وألا أحوبا وألا أكافر ذا نعمةٍ ... وألا أخيبه مستثيبا وغسان حيّ هم والدي ... فهل ينسينهم أن أغيبا فآثرْ بها بعض من يعتريك ... فإن لها من معدٍّ كليبا فانبرى عمارة بن العيف العبدي من سليمة بن عبد القيس، وهم حلفاء في يني شيبان في بني سعد، فقال: لا همَّ إنَّ الحارث بن جبله ... عقَّ أباه ظالماً وقتله وأيَّ فعل سيئ لا فعله 38 و (عتبان بن وصيلة) وعي أمه. وهو عتبان بن شراحيل بن شريك بن عبد الله بن الحصين بن أبي عمرو بن عوف بن مرة بن ذهل ابن شيبان. 39 و (عمرو بن الإطنابة) وهي أمه، وهو الذي يقول:

قرت أحسابنا كرماً فأبدت ... لنا الضراءُ عن أدمٍ صحاحِ ولم يظهر لنا عقراتِ سوءٍ ... جمودُ القطر أو بكْ اللقاحِ نجز الكتاب والحمد لله رب العالمين. ونجزت هذه النسخة في يوم الاثنين المبارك 14 صفر الخير سنة 1300 بالمدينة المنورة. رحم الله كاتبها ومستنسخها والمسلمين أجمعين.

تحفة الأبيه فيمن نسب إلى غير أبيه لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزاباذي

تحفة الأبيه فيمن نسب إلى غير أبيه لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزاباذي 729-817

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله عدد خلقه وزنة عرشه ورضى نفسه ومداد كلماته، والصلاة والسلام على أشرف مخلوقاته، ملء أرضه وملء سماواته، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأزواجه وذرياته. وبعد يقول محمد بن يعقوب بن محمد الفيروزاباذي نعشه الله من عثراته، وحجز بحفظه وكلاءته بينه وبين زلاته: هذا الكتاب وضعته في ذكر من نسب إلى اثنين من آبائه وأمهاته، أو إلى غير أبيه ثم جدانه، [أو] أجنبي ممن رباه أو تبناه أو غير ذلك من حالاته، وذلك لما رأيت قراء الحديث تزل مفاصلهم فيلحنون في ذلك وأخواته، فأفردته في جزء راجياً أن يكون لوجه الله تعالى بحتاً لروم مرضاته، وأسميته، "تحفة الأبيه فيمن نسب إلى غير أبيه"، ورتبه على الهجاء المشرقي لصفاء أضاته، وقدمت ذكر سيدنا محمد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم محمدٍ عليه أفضل صلوات الله وأشرف تسليماته، تشرفاً للتأليف، ولئلا يندرج اسمه الشريف بين الكتاب حيث يقتضيه ترتيب كلماته: سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، خاتم النبيين وأشرف المخلوقين، ورسول رب العالمين، صلى الله تعالى وسلم أبد الآبدين. قيل نزع في حديث هرقل: "فقال أبو سفيان بن حرب لما قرأ هرقل كتاب النبي صلى الله

حرف الألف

تعالى وسلم عليه: لقد أمر أمرُ ابن أبي كبشة، إنه يخافه ملك بني الأصفر". واختلف العلماء في ذلك؛ فقيل أبو كبشة كنية زوج حليمة العدية التي أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، فهو أبوه من الرضاعة، واسمه الحارث ابن رفاعة السعدي، قاله أبو الحسن علي بن خلف بن بطال. وقيل هو كنية وهب بن عبد مناف جد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، لأته كان نزع إليه في الشبه. وقال ابن الكلبي في جمهرة النسب: أم وهب جد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قيلة بنت أبي قيلة، وهو وجز بن غالب بن الحارث بن عمرو بن حوى ابن ملكان بن أفصى بن حارثة بن خزاعة. تقول خزاعة: أبو كبشة هو أبو قيلة. وقيل أبو كبشة: رجل من خزاعة خلف قريشاً في عبادة الأوثان وعبد الشعرى العبور، فشبهوا النبي صلى الله تعلى عليه وسلم به، ومعناه أنه خالفهم كما خالفهم أبو كبشة. وقيل: كان أبو كبشة عم ولد حليمة السعدية. قال الزبير بن بكار: ليس مرادهم عيب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وإنما مرادهم مجرد التشبيه. وقال غيره: هذا منهم إيذاء للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وأقبح ما كانوا يدعونه به من الكنى والأسماء. ونسب بعض المحدثين المولدين النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى أمة آمنة، فقال: صلى الإله على ابن آمنةَ التي ... جاءت به سبطَ البنان كريما قل للذين رجوا شفاعةَ أحمدٍ ... صلوا عليه وسلموا تسليماً حرف الألف 1 إبراهيم بن علية، سيأتي ذكره عند ذكر أبيه إسماعيل بن علية.

2 إبراهيم بن هراسة، بفتح الهاء والراء المخففة والسين المفتوحة، وهي أمة والهراسة في الأصل: واحدة الهراس كسحاب، وهو شجر ذو شوك. وقال أبو عمرو: يقال له ثمر مثل ثمر النبق، وفيه شوك. قال النابغة الجعدى رضي الله عنه: وخيلٍ يطابقنَ بالدارِ عينَ ... طباقَ الكلاب يطأن الهراسا الواحدة هراسة. وبه سميت المرأة هراسة. وهو أبو إسحاق إبراهيم ابن سلمة، ابن هراسة أعربت الابن الثاني إعراب إبراهيم وكتبته بالألف، وكذا في جميع م أتلوه عليك من هذا النحو. 3 أحمد بن تيمية، هي أم أحد أجداده الأبعدين، وهو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن أبي القاسم بن محمد بن تيمية الحرانيّ، الحافظ المشهور، الذي لم يلحق أوه في الحفظ أحدٌ من المتأخرين. 4 أحمد بن الخاضبة. 5 إسحاق بن راهويه بفتح الهاء الهاء والواو ثم ياء مثناة تحتيه، ويقال بضم الهاء وسكون الواو وفتح الياء، وهذه قليلة، وهما لغتان في كل اسم ختم بويه كسيبويه وعمرويه وبحرويه وغيرهما، ويجوز فيه البناء والإعراب: هذا راهويهِ ورأيت راهويهَ ومرر براهويهِ. وهذا راهويهٌ ورأيت راهويهَ ومررت براهويهٍ. وهذا عن الجرمي. ونقله ابن مالك عن المتأخرين. ولم يذكر سيبويه إلا البناء. وعلى قول من يعربه تجوز تثنيته وجمعه، فتقول لهذان راهويهان وهؤلاء راهويهون. وعلى قول الجمهور تقول: هذان ذوا راهويه وهؤلاء ذوو راهويه. وراهويه لقب أبيه إبراهيم لأنه وجد في الطريق. وأصله

حرف الباء

راهوي أي طريقي. وراه بالعجمي: الطريق. وهو أبو يعقوب إسحاق بن مخلد مسكين بن إبراهيم بن مطر الحنظلي المروزي النيسابوري، أحد الأئمة الحفاظ. قال أبو داوود: تغير قبل أن يموت بخمسة أشهر، وتوفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وهو ابن سبع وسبعين سنة. 6 إسماعيل بن علية بضم العين المهملة وفتح اللام والياء المثناة التحتية المشددة، وهي أمه وقيل جدته أم أمه. ,هو أبو بشر إسماعيل بت إبراهيم بن مقسم كمنبر الأسدي، أسد خزيمة، مولاهم البصري. وأصله من الكوفة، وهو أحد أئمة الحديث والفقه ومن كبار الصالحين. وأما ابن علية الذي يعزو إليه كثيرٌ من الفقهاء فهو ابن ابنه. 7 أيوب بن القرية، بكسر القاف والراء المشددة والمثناة التحتيه آخره هاء، وهو لقب أمه وأسمها جماعة مثل رمانة، بنت جشم بن ربيعة بن زيد مناة، وهو أيوب بن زيد بن قيس بن زرارة بن سلمة بن جشم بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناة، بن القرية. وهو أحد الفصحاء المشهورين بالحفظ، صحب بني مروان والحجاج بن يوسف. والقرية: حوصلة الطائر. ونقل أيوب الكتب القديمة إلى العربية، وقتله الحجاج. حرف الباء 8 بديل بن أم أصرم، بضم الباء على زنة زبير، واسم أبيه سلمة. وبديل ابن سلمة بن أم أصرم صحابي كان بمصر، روى عنه علي بن رياح. وقيل: هو بديل بن ميسرة، بدل سلمة. 9 بشير بن الخصاصية، بفتح الخاء وتخفيف الياء المثناة من تحت، على زنة كراهية وطواعية. وبعض المحدثين شددها، وهو لحن لأنه ليس في كلام العربي فعالية بالتشديد، وإنما هي بالتخفيف قاطبة، ككراهية وطواعية وعلانية ورفاهية

حرف الجيم

وأخوتها. والخصاصية هي أم بشير، واسم أبيه معبد. وكان اسم بشير رحم بن معبد بن شراحيل السدوسي، فغيره النبي صلى اله تعالى عليه وسلم وسماه بشيراً. وأمه الخصاصية من الأزد. وكان بشير يعرف بها، وروى بشير أحاديث. 10 بشير بن عقربه. عقربه أمه. والعقربه في كلام العرب: المرأة العاقلة الخدوم. وبشير صحابي، ولم أقف على اسم أبيه. وكنيته أبو اليمان، نزل الشام، روى حديثاً واحداً، وهو"من قام بخطبة لا يلتمس بها إلا رياء وسمعة وقفه الله عز وجل يوم القيامة موقف رياء وسمعة". روى عنه عبد الملك بن مروان، وعبد الله بن عوف الكناني. 11 بلال بن حمامة، مؤذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وحمامة بالفتح والتخفيف: اسم أمه. واسم أبيه رباح، بفتح الراء والباء الموحدة وبحاء مهملة. ويكنى أبا عبد الله، وقيل أبا عمر، وقيل أبا عبد الرحمن. مولى أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، ومن مولدي السراة، وشهد بدراً. وكان ترب أبي بكر رضي الله عنه. مات بدمشق ودفن بالباب الصغير. قال ابن زبر: مات بداريا وحمل على الرقاب، فدفن بمقبرة باب كيسان. وقيل مات بحلب ودفن بباب الأربعين. حرف الجيم 12 جبير بن بحينه، صحابي وبحينة بضم الباء وفتح الحاء المهملة ثم مثناة تحتيه ساكنة ونون مفتوحة وهاء، وهي لقبها، واسمها عبدة. وكذلك أخواه عبد الله ومالك. وأبوهم مالك بن القشب بكسر القاف. وسيعاد كل واحد في بابه إن شاء الله. 13 جعفر بن عقاب. شاعر، وعقاب أمه. وهو جعفر بن عبد الله ابن قبيصة.

حرف الخاء

14 الحارث بن مالك بن البرصاء، صحابي. والبرصاء اسم أم أبيه، وهي لقبها، واسمها عبدة، واسم أبيه مالك بن قيس الليثي. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يوم فتح مكة: "لا تغزي مكة سوى اليوم". وفي رواية "بعد اليوم". والحديث الآخر "إنه ليس أحد يلقى الله وقد اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه إلا ... "، قال إسحاق بن إبراهيم أحد رواة هذا الحديث: إن سفيان كنى عنه، إنما النار. حرف الخاء 15 خفاف، بضم الخاء وفتح الفاء على زنة غراب، بن ندبة بفتح النون وسكون الدال المهملة وفتح الباء الموحدة، وهي أمه، واسم أبيه عمير بن الحارث ابن الشريد. وكنيه خفاف أبو خراشة بضم الخاء، صحابي. حرف الذال 16 ذو الخرق بن شعاث الشاعر، بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء بعدهما قاف. وشعاث بالسين المعجمة المضمومة وعين مهملة بعدها ألف وثاء مثلثة، واسم أبيه نباتة. حرف الراء 17 رافع بن غنجدة، بضم الغين المعجمة والجيم بينهما نون، وقيل عنجرة بالعين المهملة المفتوحة والجيم والراء، وقيل عنترة، والأول أصح. وغنجدة أمه أو جدته، واسم أبيه عبد الحارث. 18 الرماح بن ميادة بفتح الميم والمثناة التحتيه المشددة، وهي اسم أمه، وكانت أمه سوداء راعية. وهو الرماح بن أبرد بن زبان بن سراقة بن حرملة

حرف الزاي

ابن سلمى بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد ابن ذبيان، وكنيته أو شرحبيل، وهو شاعر مشهور. حرف الزاي 19 زياد بن هندابة، بكسر الهاء وسكون النون بعدها ألف وياء مثناة تحتيه مفتوحة، وهي أمه، وكانت سوداء. واسمه زياد بن حارثة بن عوف بن قتيرة بن حارثة بن عبد شمس بن معاوية بن جعفر بن أسامة بن سعد بن شيب ابن السكون. وكان فارساً مشهوراً. قال ابن الأعرابي: وقال ابن الكلبي هو زياد بن عوف بن حارثة، وهو الذي أسر الحصين ذا الغصة. وكان يقول: "لو أرسلت فرسي أزاهيق عرباً لأسر االغصة". وأزاهيق: اسم فرسه. حرف السين 20 سعد بن حبتة، بفتح الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح المثناة الفوقية، وهي أمه. وهي حبتة بنت مالك رضي الله تعالى عنها. وهو سعد بن بحير بفتح الباء الموحدة وكسر الحاء المهملة. هذا هو الصحيح المشهور، وقيل بجير بالجيم مصغراً. وهو صحابي. وأبو يوسف بن إبراهيم القاضي من ذرية سعد بن عوف بن بجير بالجيم، الأول أصح. 21 سعد بن الحنظلية وهي أم جده، وهو سعد بن عقيب بالقاف مثل زبير، وقيل عميت بالميم والمثناة آخره مثال حميد، وقيل سعد بن الربيع بن عمرو بن عدى. ويكنى أبا الحارث الحارثي الصحابي. 22 سعد بن خولة. خولة أمه، وهو سعد بن خولي. وبعضهم يجعل ابن خولة غير ابن خولي. ولم يعرف اسم أبيه، وهذا هو الأصح. 23 سليك بن سنان بن سلكة، كهمزة. وسلكة أمه، وهو من

الشعراء والعدائين، ومن اللصوص الفتاك، وكان يعرف بسليك المقانب. 24 سويد ب كراع. وكراع أمه، وهي غير مصروفة. وهو سويد ابن عمرو بن كراع، وهو شاعر معروف. 25 سهل بن الحنظلية الحارثي. والحنظلية هي أم أبيه، وهو سهل بن عمرو بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة، صحابي. 26 سهل بن البيضاء. البيضاء لقب أمه، واسمها عد بنت جحدم، بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وفتح الدال اليابسة. وهو سهل بن وهب بن ربيعة، صحابي. 27 سهيل بن البيضاء، أخو سهل حرف الشين 28 شرحبيل بن حسنة. وهو شرحبيل بن عبد الله بن المطاع أخو عبد الله وعبد الرحمن. وحسنة أمه، وهي عدولية: نسبة إلى عدولى قرية بالبحرين. وهي مولاة معمر بن حبيب. وشرحبيل من الصحابة. 29 شريك بن السحماء، بفتح الشين المعجمة وسكون الحاء المهملة: وهو شريك ب عبدة بالتحريك، ابن مغيث، أخو البراء بك مالك لأمه. وهو أول من لاعن في الإسلام. وبعضهم يجعل شريك بن السحماء غير شريك بن عبدة، والأول أصح. حرف الصاد 30 صنوان بن البيضاء، والبضاء لقب أمه، واسمها دعد. وهو سهل وسهيل. وهو صفوان بن وهب، وقد تقدم. حرف العين 31 عاصم بن بهدلة، أبو بكر الأسدي، من القراء، وبهدلة أمه. وهو عاصم بن أبي النجود. والبهدلة: الإسراع والخفة في المشي. والبهدل: جرو الضبع.

32 عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق. سلول أمه. 33 عبد الرحمن بن حسنة، أخو عبد الله وشرحبيل، وهو عبد الرحمن ابن عبد الله بن المطاع. وحسنة مولاة معمر بن حبيب، عدولية. 34 عبد الله بن أم حرام. وهو عبد الله بن عمر بن قيس. وفيه اختلاف. 35 عبد الله بن بحينة، وهو عبد الله بن مالك الأزدي. وقد تقدم ذكر بحينة عند ذكر أخيه جبير. واسمها عبدة بنت الحارث بن عبد المطلب، وهي أم أبيه. 36 عبد الله بن حسنة، أخو عبد الرحمن وشرحبيل، وهو عبد الله ابن المطاع. 37 عمر بن اللتبية. وقيل ابن الأتبية. قيل الأول الصحيح. والأول قول ابن دريد، والثاني قول الكلبي والمعول على قوله أكثر. 38 عمرو بن الفغواء، صحابي، وقيل ابن أبي الفغواء، وهو علقمة بن عبيد الخزاعي. والفغواء، بالفاء والغين المعجمة: لقب أمه. والفغا: ميل في الفم. 40 عمرو بن شعواء اليافعي صحابي. شعواء أمه، ولم أقف على اسم أبيه. والشعواء بالشين المعجمة والعين المهملة: المنتشرة الشعر، ومنه شجرة شعواء. منتشرة الأغصان. وغارة شعواء: متفرقة. 41 عوف بن عفراء، وهو عوف بن الحارث بن رفاعة النجاري. وهي

عفراء بنت عبيد ثعلبة. وقيل فيه عوذ، وعوف أكثر. حرف اللام 42 لوط بن هاران بن تارح، ابن أخي إبراهيم. هاران هو أخو إبراهيم. حرف الميم 43 مالك بن بحينة، وبحينة لقبها واسمها عبدة. وهو مالك بن القشب بكسر القاف. 44 مالك بن نميلة، نميلة أمه. وهو مالك بن ثائب المزني الصحابي. 45 محمد بن الحنفية، هو محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. والحنفية أمه. 46 محمد بن حبيب الأديب. حبيب اسم أمه، ولم أقف على اسم أبيه. 47 محمد بن عائشة، وهو محمد بن حفص. 48 محمد بن عثمان، وهو محمد بن خالد. 49 محمد بن شرف القيرواني. شرف اسم أمه، ولم أقف على اسم أبيه. 50 محمد بن القوطية، بضم القاف وكسر الطاء وفتح المثناة التحتية المشددة، وهي أمه، نسبت إلى قوط بن حام بن نوح. وهو أبو السودان والهند والسند. وهو محمد بن عمر بن عبد العزيز بن إبراهيم بن عيسى بن مزاحم الأندلسي الإشبيلي الأصل، القرطبي المولد. كان من أعلم أهل زمانه، ماهراً باللغة

والعربية، حافظاً للحديث والفقه والشعر، لا يلحق شأوه. وكان متنسكاً متعبداً. حكى أبو بكر يحيى بن هذيل الميمي، أنه توجه يوماً إلى ضيعة له بسفح جبل قرطبة، وهو من بقاع الأرض الطيبة المونقة، وصادف ابن القوطية صادراً عنها. قال: فلما رآني عرج علي واستبش بلقائي، قلت له على البديهة مداعباً: من أين أقبلت يا من لا شبيهَ له ... ومن هو الشمسُ والدنيا له فلكُ فتبسم وأجاب بسرعة: من منزلٍ يعجبُ النساكَ خلوته ... وفيه سترٌعن الفتاك إن فتكوا قال: فما تمالكت أن قبلت يده. مات في سنة سبع وستين وثلاثمائة. 51 محمد بن ماجه، ماجه اسم أمه وهو محمد بن يزيد بن ماجه، وترجمته مشهورة. الإمام أبو عبد الله الحافظ القزويني أحد أصحاب الكتب الستة ودواوين الإسلام. 52 مسعود بن العجماء، العجماء اسم أمه. وهو مسعود بن الأسود ابن حارثة صحابي. 53 معاذ بن عفراء، عفراء أمه، وهو معاذ بن الحارث بن رفاعة النجاري صحابي. 54 معوذ بن عفراء، أخو معاذ. وعفراء هي بنت عبيد بن ثعلبة صحابي. 55 معقل بن أم معقل، وهو معقل بن أبي الهيثم، ويقال له معقل بن أبي معقل الأسدي. 56 المقداد بن الأسود، وهو الأسود بن عبد يغوث، وهو رجل زهري

ربى المقداد وتبناه فنسب إليه. وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك الكندي. حرف الواو 57 ورقة بن نوفل بن عبد العزي، ابن عم خديجة رضي الله عنها. ونوفل هو عم خديجة رضي الله تعالى عنها. حرف الياء 58 يحيى بن الحنظلية. الحنظلية أمه، ولم أقف على اسم أبيه، وهو ممن بايع تحت الشجرة. 59 يعلى بن سيابة، وهي اسم أمه، وهو يعلى بن مرة الثقفي. 60 يعلى بن منية وهي أمه، وقيل جدته أم أبيه، وهو يعلى بن أميه بن عبدة التميمي المكي حليف قريش، ومن مسلمة الفتح، وقتل في صفين، رضي الله عنه. 61 يونس بن حبيب الأديب الشاعر، حبيب أمه، ولم أقف على اسم أبيه؛ وفيه ست لغات مشهورات: تثليث النون، مع الهمز وتركه.

كتاب خطبة واصل بن عطاء

كتاب خطبة واصل بن عطاء 80-131

تلقيبه بالغزال

واصل بن عطاء ليس أبو حذيفة واصل بن عطاء الغزال، مولى بني ضبة أو بني مخزوم، في حاجة إلى أن نسهب في التعريف به، فإنه رأس المعتزلة، وأول إمام قوي دفع مذهب الاعتزال، وكون الفرقة الأولى من فرق المعتزلة العشرين. ولم يختلف المؤرخون أنه ولد بمدينة الرسول، سنة ثمانين للهجرة، وأنه نزح إلى العراق وأقام بها، ولزم الحسن البصري يحضر مجالسه ويقبس من علمه، إلى أن كان ما كان من قول واصل وصاحبه عمرو بن عبي بالمنزلة بين المنزلتين، فكان ذلك سبباً للقطيعة بين الحسن، وبين واصل وزميلهن وانتقل ميدان الرأي من مجلس العلم إلى الرأي العام، فكان للاعتزال أنصاره الذين ينضوون تحت لوائه، وصار مذهباً من المذاهب القائمة. تلقيبه بالغزال وقد اختلف الناس في تلقيب واصل بالغزال، فمنهم من زعم أنه كان غزالاً، وأصح القولين أنه إنما لقب بذلك لأنه كان يكثر الجلوس في سوق الغزالين إلى

هو الجاحظ

أبي عبد الله مولى قطن الهلالي. ويذكرون أنه كان يلازم الغزالين ليعرف المتعففات من النساء ممن يتردد عليهم، فيجعل صدقته لهن. ويذكرون من أمثال ذلك في النسبة بعض الأعلام كخالد الحذاء، قيل إنه سمي بذلك لأنه تزوج امرأة فنزل عليها في الحذاءين فنسب إليها. وهشام الدستوائي إنما قيل له ذلك لأن الإباضية كانت تبعث إليها من صدقاتها ثياباً دستوائية فكان يكسوها الأعراب الذين يكونون بالجناب. هو الجاحظ وبدهي أن الجاحظ لم يدرك واصل بن عطاء، لأن مولد الجاحظ كان في سنة 150 ووفاة واصل كانت في سنة 131. لكن الجاحظ قد أدرك رجلا له صلة بواصل بن عطاء، هو جعفر بن أخت واصل، عرفه الجاحظ، وسمع منه إنشاداً لشعر رواه في كتاب الحيوان، كما روى عنه شيئاً من الدعابة في البيان. والجاحظ يعجب بواصل وبصحة عقله، فهو يقول في كتاب الحيوان عند الكلام على الجن: "لأنهم لم يسلطوا على الصحيح العقل. ولو كان ذلك

عبقرية واصل

إليهم لبدؤوا بعلي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وبأبي بكر وعمر في زمانهم وبغيلان والحسن في دهرهما، وبواصل وعمرو في أيامهما. عبقرية واصل ويبدو أن واصلا كان على جانب عبقري من الذكاء وجرأة العقل والقلب يقول المبرد: "وحدثت أن واصل بن عطاء أبا حذيفة أقبل في رفقة فأحسوا الخوارج، فقال واصل لأهل الرفقة: إن هذا ليس من شأنكم فاعتزلوا ودعوني وإياهم. وكانوا قد أشرفوا على العطب، فقالوا: شأنك. فخرج إليهم فقالوا: ما أنت وأصحابك؟ قال: مشركون مستجيرون ليسمعوا كلام الله وليعرفوا حدوده. فقالوا: قد أجرناكم. قال: فعلمونا. فجعلوا يعلمونه أحكامهم وجعل يقول: قد قبلت أنا ومن معي. قالوا: فامضوا مصاحبين فإنكم إخواننا. قال: ليس ذلك لكم. قال اله تبارك وتعالى: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه"؛ فأبلغونا مأمننا. فنظر بعضهم إلى بعض ثم قالوا: ذاك لكم. فساروا بأجمعهم حتى بلغوهم المأمن. وهذا الخبر على به من أثر الصنعة يطوي وراءه اعترافاً بعبقرية هذا الرجل وزعامته الفطرية. على أن شيئاً مما ذكر ليس يعنينا لذاته، وإنما ليلقي ضوءاً على حياة هذا الرجل الذي هو رأس من رؤوس المعتزلة الذين قامت دعوتهم على المناظرة والمجادلة الملحة، والتي اعتمدت في أكثر ما تعتمد على الخطابة وعلى البيان، وعلى الجرأة في مواقف المخاصمة والمنازعة. لثغة واصل ولكل حسناء ذامها، فهذا الخطيب واصل، مع ما رزقه الله من بيان وحسن تصريف للقول، كان صاحبا عاهة منطقية عرف بها وذاعت بين الناس،

وهي لثغة شنيعة كانت تقع له في حرف الراء فتحرجه في ذلك أيما إحراج فيتأتى لها بمجانبتها إلى سواها من الحروف، ويحمل على نفسه في هذا الأمر ويجهدها فيوفق توفيقاً بالغاً. قال أحد معاصريه: ويجعل البر قمحاً في تصرفه ... وجانب الراء حتى تحتال للشعر ولم يطق مطراً والقول يعجله ... فعاذ بالغيث إشفاقاً من المطر قال الجاحظ: وسألت عثمان البري: كيف كان واصل يصنع في العدد، وكيف كان يصنع بعشرة وعشرين وأربعين، وكيف كان واصل بالمحرم وصفر وربيع الأول وربيع الآخر وجمادى الآخرة ورجب؟ فقال: مالي فيه إلا ما قال صفوان: ملقن ملهم فيما يحاوله ... جمٌّ خواطره جواب أفاق الراء من أكثر الحروف دورانا: وقد لحظ الجاحظ، وهو صادق فيما فطن له، أن الراء من أكثر الحروف دوران في الكلام العربي، قال: أنشدني ديسم قال: أنشدني أبو محمد اليزيدي: وخلة اللفظ في الياءات إن ذكرت ... كخلة اللفظ في اللامات والألف وخصلة الراء فيها غير حافيةٍ ... فاعرف مواقعها في القول والصحف يزعم أن هذه الحروف أكثر ترداداً من غيرها، والحاجة إليها أشد. ثم قال الجاحظ: "واعتبر ذلك بأن تأخذ عدة رسائل وعدة خطب من جملة خطب الناس ورسائلهم، فإنك متى حصلت جميع حروفها وعددت كل شيء على حدة علمت أن هذه الحروف الحاجة إليها أشد".

الجاحظ يعقد فصلا للثغة

وهذه براعة عجيبة للجاحظ: أن يتجه فكره في عصره إلى مثل هذه الطريقة التي لم تشتهر ولم يعرف الاتجاه إليها في البحوث اللغوية والأدبية إلا منذ عهد قريب: الجاحظ يعقد فصلا للثغة هذه اللثغة الشنيعة التي تقع لواصل، هي أقوى الدوافع التي دعت الجاحظ وهو الذي نصب نفسه مدرهاً للمتكلمين وللمعتزلة بوجه خاص، أن يعقد في كتابه فصلا طويلا في اللثغة يبين فيه أنها تقع في أربعة حروف، وهي القاف والسين واللام والراء، ولكل من هذه الحروف ضروب من اللثغ ولا سيما الراء فإن لها ضروباً أربعة، إذ تقلب ياءً كما يقال في عمر عمي، أو عيناً كما يقال عمغ، أو ذالا فتقول عمذ، أو ظاء فتقول عمظ، ثم يخص ضربا لها هو الذي كان يعرض لواصل بالكتابة، ولسليمان بن يزيد. قال الجاحظ في تلك اللثغة: "فليس إلى تصورها سبيل". وقد وجدت برهان الدين الوطواط في كتابه غر الخصائص يزعم أن لثغة واصل. كانت بالظاء أخت الطاء، على حين لم يعين الجاحظ نوعها، وكأنها كانت حرفاً بين حرفين، أو مزيجاً من حروف. ولو كانت حرفاً واحداً لعينه الجاحظ، وهو من أقرب الناس به عهداً، وأخبرهم به علما. شهرة لثغة واصل قلت: إن لثغة واصل كانت أمراً متعالما، ذكرها كل من ترجم له، ونطقت بها آثار الشعراء. فهذا أبو محمد الخازن يقول من قصيدة مدح بها الصاحب إسماعيل بن عباد:

نعم، تجنب"لا" يوم العطاء كما ... تجنب ابن عطاء لفظة الراء وقال الأرجاني: ذا متعاضٍ أخفى اختلالي عن الرا ... ئي كإخفاء واصل للراءِ وقال: فيما رواه ابن شاكر في عيون التواريخ، وليس في ديوانه: هجر الراء واصل بن عطاء ... في خطاب الورى من الخطباء وأنا سوف أهجر القاف والرا ... ء مع الضاد من حروف الهجاء وقال آخر في محبوب له ألثغ: أعدْ لثغةً لو أن واصل حاضر ... ليسمعها ما أسقط الراء واصل وقال آخر أجعلت وصلي الراءَ لم تنطق به ... وقطعتني حتى كأنك واصلُ وقال آخر: فلا تجعلني مثل همزة واصلٍ ... فتلحقني حذفاً ولا راء واصلِ علة تجنب واصل للراء: هذه العيوب اللسانية التي منها اللثغ تعرض لكثير من الناس من يوم خلق الله الدنيا إلى يومنا هذا، والناس متفاوتون في أقدارها من الشفاعة، ويكادون يتفقون على الرضا بها مع طول العهد، وألا يحاولوا تغيير ما صنع الله، وإن كان العلم الحديث في وقتنا هذا يحاول أن يخفف من حدتها، وأن يأخذ بها إلى غير سبيلها، ولكنا لم نسمع فيما يروى في التاريخ من محاولة عنيدة للهرب من هذا العيب، كتلك المحاولة التي أرادها واصل، وقسر نفسه عليها، وذلك باجتثاث

الداء من أصله، وهو التحرز من ذلك الحرف الذي يحمل تلك الشناعة، وهو حرف الراء. ويوضح الجاحظ علة التجاء واصل إلى مجانبة الراء بقوله: "ولما علم واصل بن عطاء أنه ألثغ فاحش اللثغ، وأن مخرج ذلك منه شنيع، وأنه إذا كان داعية مقلة ورئيس نحلة، وأنه يريد الاحتجاج على أرباب النحل وزعماء الملل، وأنه لا بد من مقارعة الأبطال ومن الخطب الطوال، وأن البيان يحتاج إلى تمييز وسياسة وإلى ترتيب ورياضة، وإلى تمام الآلة وإحكام الصنعة، وإلى سهولة المخرج وجهارة المنطق، وتكميل الحروف وإقامة الوزن، وأن حاجة المنطق إلى الحلاوة والطلاوة كحاجته إلى الفخامة والجزالة، وأن ذلك من أكثر ما تستمال به القلوب وتثني إليه الأعناق، وتزين به المعاني، ولم واصل أنه ليس معه ما ينوب عن البيان التام واللسان التمكن والقوة المتصرفة، كنحو ما أعطى الله تبارك وتعالى نبيه موسى عليه السلام من التوفيق والتسديد ... ومن أجل الحاجة إلى حسن البيان وإعطاء الحروف حقها من الفصاحة رام أبو حذيفة إسقاط الراء من كلامه، وإخراجها من حروف منطقه، فلم يزل يكابد ذلك ويغالبه، ويناضله ويساجله، ويتأنى لستره والراحة من هجنته، حتى انتظم له ما حاول، واتسق له أمل. ولولا استفاضة هذا الخبر وظهور هذه الحال حتى صار لغرابته مثلاً، ولطرافته معلما، لما استجزنا الإقرار به والتوكيد له. ولست أعني خطبه المحفوظة، ورسائله المخلدة، لأن ذلك يحتمل الصنعة، وإنما عنيت محاجة الخصوم، ومناقلة الأكفاء، ومفاوضة الإخوان".

نماذج لمجانبته الراء مما رواه الجاحظ

نماذج لمجانبته الراء مما رواه الجاحظ ويذكر نموذجاً من مجانبته الراء إذ يقول: وكان واصل بن عطاء قبيح اللغة شنيعها، وكان طويل العنق جداً، ولذلك قال بشار الأعمى: مالي أشابع غزالا له عنق ... كنقنقِ الدوَّ إن ولى وإن مثلا عنقَ الزرافة ما بالي وبالكم ... أتكفرون رجالاً أكفروا رجلا فلما هجا واصلا وصوب رأي إبليس في تقديم النار على الطين، وقال: الأرض مظلمة والنار مشرقة ... والنار معبودة مذ كانت النار وجعل واصلاً غزالاً، وزعم أن جميع المسلمين كفروا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقيل له: وعلي أيضاً؟ فأنشد: وما دون الثلاثة أمَّ عمرو ... بصاحبك الذي لا تصبحينا قال واصل عند ذلك: "أما لهذا الأعمى الملحد المشنف المكنى بأبي معاذ من يقتله، أما والله لولا أن الغيلة سجية من سجايا الغالية، لبعثت إليه من يبعج بطنه على مضجعه، ويقتله في جوف منزله، وفي يوم حفله، ثم كان لا يتولى ذلك منه إلا عقيلي أو سدوسي". قال إسماعيل بن محمد الصاري، وعبد الكريم بن روح الغفاري: قال أبو حفص عمرو بن أبي عثمان الشمري: ألا تريان كيف تجنب الراء في كلامه هذا، وأنتما للذي تريان من سلامته وقلة ظهور التكلف فيه، لا تظنان به التكلف مع امتناعه منحرف كثير الدوران في الكلام ألا تريان أنه حين لم يستطع أن يقول بشار وابن برد والمرعث، جعل المشنف بدلاً من المرعث، والملحد بدلاً من الكافر، وقال: لولا أن الغيلة سجية من سجايا الغالية، ولم يذكر المنصورية ولا المغيرية لمكان الراء، وقال: لبعثت إليه من يبعج بطنه ولم يقل لأرسلت إليه، وقال: على مضجعه، ولم يقل: على فراشه.

نماذج مما ذكره غير الجاحظ

نماذج مما ذكره غير الجاحظ ويسجل له ابن شاكر في عيون التواريخ احتيالاً آخر للراء، فقد ذكر أنه أمتحن حتى يقرأ سورة براءة، فقرأ من غير فكر ولا روية: "عهد من الله ونبيه إلى الذين عاهدتم من الفاسقين. فسيحوا في البسيطة هلالين وهلالين". ويذكر ابن العماد الحنبلي أنه دفعت إليه رقعة مضمونها: "أمر أمير الأمراء الكرام أن تحفر بئر على قارعة الطريق فيشرب منها الصادر والوارد". فقرأ على الفور: "حكم حاكم الحكام الفخام، أن ينبش جب على جادة الممشى فيستقي منه الصادي والغازي". وهذه الرواية توحي بأن واصلاً كان يشعر بتلك العاهة شعوراً مستبداً تجعله يتجنب الوقوع في أشراكها، وتوحي أيضاً بأن القوم كانوا يداعبونه على ضوئها، ويتحينون الفرص للتندر به وبها.

حادث خطبة واصل

حادث خطبة واصل كان ذلك حفلاً جامعاً حُشد له أقدر الخطباء وأبرعهم، وكان ذلك بالعراق، إذ اجتمع القوم والناسُ ليشهدوا حفلا عند عاد الله بن عمر بن عند العزيز وإلى العراق، تبارى فيه هؤلاء الخطباء، وهم خالد بن صفوان، وشبيب بن شيبة، والفضل بت عيس، وواصل بن عطاء، وتناوبوا القول على المنبر على هذا النظام، فانتزع خالد وشبيب والفضل قلبه إعجاب القوم انتزاعا، فهم كانوا سادة الخطباء في ذلك الزمان، وهم كانوا قد عدُّوا خطبهم من قبل وحبَّروها ونمقوها، وما إن فرغ الثلاثة حتى نهض واصل يهدِر، وبداهته تغلى، وبخطبة ارتجلها ارتجالا، واقتضبها واقتضاباً، وأطال فيها إطالة، وحرص كل الحرص على أن ينزع الراء منها، ففاق إعجابُ الناس والوالى بواصل بن عطاء إعجابهم بالثلاثة قبله، وأظهر الوالى الصِّلات، فأجزل صلاتِ الثلاثة قبله، ثم ضاعف لواصلٍ تقديراً لعبقريته الخطابية النادرة. وقد سجّل شاعران معاصران لواصل هذا الحادث تسجيلا صادقاً، أحدهما بشار، يقول في كملة له:

تاريخ الخطبة

أبا حذيفة قد أوتيت معجبةً ... في خطبة بدهَتْ من غير تقدير وإن قولاً يروق الخالَدينِ معا ... لمسكت مخرِسٌ عن كل تحبير وقال بشار أيضاً: تكلّفوا القول والأقوام قد حفلوا ... وحبَّروا خطباً ناهيك من خطب فقام مرتجلا تغلى بُداهته ... كمِرجل القين لما حُفّ باللهب وجابَ الراء لم يشعر بها أحد ... قبل التصفيح والإغراق في الطلب وقال أيضاً: فهذا بديهٌ لا كتحبير قائل ... إذا ما أراد القوال زوّره شهراً والشاعر الآخر المعاصر هو صفوان الأنصاري، يقول في كلمة له: فسائل بعيد الله في يوم حفلهِ ... وذاك مقام لا يشاهده وغدُ أقام شبيباً وابن صفوان قبله ... يقول خطيبٍ لا يجانبهُ القصد أقام ابن عيس ثم قفّاه واصل ... فأبدع قولاً ما له في الورى ندٌّ فما نقصته الراء إذ كان قادراً ... على تركها واللفظ مطرّد سَرْد ففضّل عبد الله خطبهَ واصلٍ ... وضوعف في قَسم الصلات له الشُّكْد فأقنع كلَّ القوم شكر حبائهم ... وقلل ذاك الضعف في عينه الزهدُ تاريخ الخطبة ويمكننا أن نعين تاريخ هذا الحفل الذي خطب فيه واصل أنه كان ما بين جمادى الآخر من سنة 126 إلى سنة129 كما يتضح من التحقيق الذي أشرت إليه في الحواشي قريباً، إذ أنه المدة المقدورة التي قضاها عبد الله بن عمر بن

خطبة واصل في التاريخ

عبد العزيز في ولاية العراق. والأرجح أنه كان في الشهور الأولى من هذه الفترة حيث كان المألوف والمتبع أن يجتمع الناس للاحتفاء وبالوالي وتكريمه. خطبة واصل في التاريخ اكتسبت خطبة واصل هذه شهرة. وتاريخية، وليس من وأديب شادٍ إلا وهو يعرف هذه الشهرة. ولسنا تجد في الكتب المطبوعة نصاً كاملا محققا لخطبة واصل، إلا ما ورد محرفاً منقوصاً في كتاب مفتاح الأفكار، للشيخ أحمد مفتاح، وأدبيات اللغة العربية. والمؤرخون الذين ترجموا لواصل يذكرون في ثبت كتبه القليلة"كتاب خطبة واصل". وأقدم من ذكرها ابن النديم المتوفي سنة 358 في الفهرست، ذكرها في ثبت مرويات أبي الحسن على محمد المدائني، وبدهي أن المؤرخين لم يعنوا بكلمة"كتاب" تلك الصورة التي نعرفها من الضخامة، وإنما يعنون معناها اللغوي البحت، وهو المكتوب منها يكن مقداره. ولقد قام الأستاذ الكبير"أحمد زكى صفوت" الأستاذ بكلية دار العلوم، بعمل تأليفي ضخم، وضمَّ به أشتات خطب العرب، ووقع تحت يده الكثير من أمهات كتب الأدب المخطوط منها والمطبوع، فظفر بنصوص نادرة لخطب المشارقة والمغاربة، ووقع تحت عينه كثير مما غاب عن أبصار غيره، ولكنه لم يظفر حفظه الله بنص هذه الخطبة إلا في كتاب مفتاح الأفكار. وعند ما قمت بتحقيق كتاب البيان والتبيين حاولت أن أعثر على هذا النص مخطوطاً، فلم أجد إلا خبراً في "مخطوطات الموصل" للدكتور داود جلبي، إذ ورد في ص208 أن نسخة من هذه محفوظة في مكتبة مدرسة النبي شيث

قيمة خطبة واصل

بالموصل، فطلبت إلى أحد العراقيين من طلبتي بكلية الآداب بجامعة فاروق حينما كنت أقوم بالتدريس فيها، أن يستنسخ لي صورة منها فلم يوفق. وعندها أوشكت أن أتم طبع نسختي من البيان والتبيين وقفت على شريط منه من مخطوطات تركيا التي اجتلبها معهد المخطوطات بالجامعة العربية، وهي نسخة مكتبة (فيض الله) ، فحصلت على صورة منه، ووجدت في نهاية النسخة ورقة ملحقة، بها نص كامل لخطبة واصل، بخط كاتب النسخة، وهو محمد بن يوسف اللخمي، كتب النسخة سنة587 وقرأها على الإمام أبي ذر الخشني، فكان سروري بهذا النص النادر أشد من سروري يتلك النسخة العتيقة من كتاب البيان والتبيين. ولكني مع ذلك لم أقنع بهذا الظفر، فجعلت أقلب في كتاب مسالك الأبصار، وهو من أكبر الموسوعات الأدبية التاريخية الجديرة بالنشر، فوجدت نسخة من الخطبة بها قليل من التحريف، فاعتمدت على هاتين النسختين في نشر هذه التحفة، التي يضاعف من سروري أن أكون أول ناشراً علمياً مقروناً بدراسة أدبية تاريخية. قيمة خطبة واصل تستمد خطبة واصل قيمتها من الظروف التي أحاطت بها، وقد سردتها في تضاعيف ما مضى من الكلام. ولسنا بحاجةٍ إلى أن نعيد القول في أن خطبة طويلة تقال ارتجالا واقتضاًباً في مقام رهيب، ويقتدر صاحبها على الاستغناء عن حرف هو من أكثر الحروف دورانا في الكلام على حين أنها خطبة تتسم بطابع ديني، وتقتبس فيها معاني القرآن وأساليبه ونصوصه، فلا يفر صاحبها من أن يزوّد خطبته بذلك الزاد، ولكنه يفرُّ في حذق من ألفاظ معينه إلى مرادف لها_كل أولئك إنما ينبئ عن قدرة فنية لا تتأتى إلا للأفذاذ من الخطباء، فهو

حين يريد أن يقول"أعوذ بالله القوي من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم" يقول: أعوذ بالله القوى، من الشيطان الغويّ، بسم الله الفتاح المنان". وإذا أراد أن يتلوَ سورة كاملة من الكتاب قرأ سورة الخلاص لخلوّها جميعها من الراء. وحين يريد أن يقتبس من القرآن الكريم: "وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما" يقول: "لا يحويه زمان ولا يحيط به مكان ولا يؤوده حفظ ما خلق". وإذا أراد أن يقول: "لا يغرب عنه مثقال ذرة" قال: "مثقال حبة"، وإذا أحب أن يقتبس من قوله تعالى: "أصبحوا لا تَرَى إلا مساكنهم" قال: "أصبحوا لا تعاين إلا مساكنهم". وإذا طلب أن يقول: "فبلغ رسالته" قال: "فبلغ مألَكته....إلى كثير من أشباه هذا. والخطبة كذلك تقدم لنا نموذجا من خطب القرن الثاني الهجري، من الخطب التي تجنَّبت السياسة والدعوة السياسية، وتجنب فتّن المذاهب والدعوة المذهبية، فهي نموذج الخطب الوعظ الخالص. ابتدأها بحمد الله والثناء عليه، ثم ثّنى بالشهادتين في إسهاب طيّب، وعقّب على ذلك بالصلاة على الرسول الكريم مثنياً عليه، ثم حثَّ على التقوى والطاعة، ومال بعد ذلك إلى التحذير من مفاتن الدنيا والتهوين من شأن من أطاعتهم الدنيا وأغدقت عليهم ثم صاروا من بعدُ هاماً وأحاديث. ثم دعا لنفسه والناس أن يكونوا ممن ينتفع بالموعظة الحسنة، ثم نوّة بفضل القرآن وتلا ما تيسَّر له منه، بعد أن أجرى الاستعاذة والبسملة أيضاً على أسلوبه الذي يجانب الراء.

ابن زيدون وواصل بن عطاء

وشيء آخر يلمع لنا من ثنايا الخطبة، التي هي أشبه ما تكون بخطبة تقال في يوم الجمعة قد قيلت في المناسبة رسمية كما يقولون، وكان من المتوقع فيها أن يثنى القوم على الأمير ويذكروا فضله وآلاءه، وينوَّهوا بُيْمن عهده وازدهار أيامه، ولكن يبدو أن الطابع الديني كان غلاباً في ذلك الزمان، والرهبة الدينية كانت لا تزال في قوتها وسلطانها، فإن القوم كانوا ينتهزون مختلف الفرص ليقوموا بواجب التذكير والوعظ، والإرشاد والهداية. والناظر في خطب هذه الفترة يجد شبهاً كبيراً بتن هذه الخطبة وخطبة عمر بن عبد العزيز، وكذا بينها وبين خطبة سليمان بن عبد الملك، اجتمع فيها كلها التحذير من مفاتن الدنيا، وتصوير نهاية الأحياء في ذل وهوان، كما اشتملت على التنويه بفضل القرآن والحث على اتّباع آيه وهديه، كما اتفقت في الأسلوب المبنى على المزاوجة، وظهور السجع اليسير في غير ما تعمُّل. ابن زيدون وواصل بن عطاء هما موقفان تاريخيان، أما موقف واصل فقد ألقى الضوء عليه، وأما موقف ابن زيدون فهو ذلك الموقف البياني الحرج الذي وقفه عند منصرَف الناس وعظمائهم وكبرائهم من جنازة ابنته التي واراها التراب، إذ نهض معه بيانهُ يشكر لهذا بقول غير ما يقوله لذاك، فيقولون: إنه ما أعاد في ذلك الوقت عبارة لأحد وهو عجيب حقاً في ذلك الظرف الذي يغيض معه البيان، ويهرب اللسان. قال الصفدي: "وهذا من التوسع في العبارة، والقدرة على التفتن في أساليب الكلام، وهو أمر صعب إلى الغاية، وأرى أنَّه أشقّ مما يحكى عن واصل بن عطاء، أنه ما سمعت منه كلمة فيها راء، لأنه كان يلثغ بحرف الراء لثغة

قبيحة. والسبب في تهوين هذا الأمر وتهويله أن واصل بن عطاء كان يعدِل إلى ما يرادف تلك الكلمة مملا ليس فيه راء، وهذا كثير في كلام العرب، فإذا أراد العدول عن لفظ فرسٍ مثلا قال: جواد أو ساٍع أو صافن، أو العدول عن رمح قال: قناة أو صعدة أو يزنىّ أو غير ذلك، أو العدول عن لفظ صارم قال: حسام أو لهذم أو غير ذلك. وأما ابن زيدون فأقول في حقه: أقل ما كان في تلك الجنازة وهو وزير ألف رائسٍ ممن يتعيّن عليه أن يتشكَّر له ويضطرّ إلى ذلك، فيحتاج في هذا المقام إلى ألف عبارةٍ مضمونها التشكُّر. وهذا كثير إلى الغاية من محزونٍ. فقد قطعةً من كبده" والناقد يقف في الموازنة بين الموقفين في شيء من الحيرة، ثم يجزم بأن المقايسة بينها مقايسة مع الفارق كما يقولون، فإن موقف واصل واضح، ظروفه معينه ونصوصه حاضرة، ولا كذلك موقف ابن زيدون فقد يكون تطرقت إليه المبالغة في الرواية. ولم يذكر الرواة لنا شيئاً من تلك الأقوال التي غابر بينها، ولم يذكروا لنا عددها، وقد تكون قليلة العدد ولكنها المهارةُ التي أديرت بها تخيل للسامع أنها مئات العبارات، فإن السامع لا يكاد يعي وعيا تاما ما سمعه منذ لحظات إلا إن وقف موقف التسجيل والانتباه المتفرغ. على أن احتمال الإعداد والتهيئة فيها قريب، وليس كذلك خطبة واصل التي اتفق الرواة وسجّل الشعر أنها كانت وليدة ارتجالٍ وبداهة. ومهما يكن فإن غايتنا من هذا التقديم المسهب نظفر الأدباء الذين لبثوا دهراً في لهفة دائبة إلى قراءة خطبه واصل محققة، بنصها الكامل فيما يلي:

هذه خطبة واصل بن عطاء التي جانب فيها الراء

هذه خطبة واصل بن عطاء التي جانب فيها الراء الحمد الله القديم بلا غاية، الباقي بلا نهاية، الذي علا في دنوّه، ودنا في عُلوّه، فلا يحويه زمان، ولا يحيط به مكان، ولا يؤوده حفظ ما خَلَق، ولم يخلقه على مثالِ سبق، بل أنشأه ابتداعا، وعدّله اصطناعا، فأحسن كلَّ شيء خلقه وتمم مشيئته، وأوضح حكمته، فدَلَّ على ألوهيَّته، فسبحانه لا معقّب لحكمه، ولا دافع لقضائه تواضع كلُّ شيء لعظمته، وذلَّ كلُّ شيء لسلطانه، ووسِعَ كلَّ شيء فضلهُ، لا يعزُب عنه مثقال حبّةٍ وهو السميع العليم. وأشهد أن لا إِله إلا الله وحده لا مثيل له إلها تقدست أسماؤه، وعظمت آلاؤه، علا عن صفات كلِّ مخلوق، وتنزّه عن شبه كل مصنوع، فلا تبلغه الأوهام، ولا تحيط به العقول ولا الأفهام، يعصىَ فيحلم، ويُدعَى فيسمع، ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما يفعلون. وأشهد شهادةَ حقّ، وقولَ صدق، بإخلاص نية، وصدق طويةّ، أنَّ محمد بن عبد الله عبده ونبيه، وخالصتُهُ وصفيّه، ابتعثه إلى خلقه بالبينات والهدى ودين الحق، فبلَّغ مألُكتَهَ، ونصح لأمته، وجاهد في سبيله، لا تأخذه في الله لومةُ لائم، ولا يصدُّه عنه زعم زاعم، ماضياً على سنتّه، موفياً على قصده، حتى أتاه اليقين. فصلى الله على محمد وعلى آل محمد أفضل وأزكى، وأتم وأنمى، ,أجل وأعلى صلاةٍ صلاّها على صفوة أنبيائه، وخالصة ملائكته، وأضعافَ ذلك إنه حميد مجيد. وأوصيكم عباد الله مع نفسي بتقوى الله والعمل بطاعته، والمجانبة لمعصيته،

فأحضكم على ما يدنيكم منه، ويزلفكم لديه، فإنَّ تقوى الله أفضل زاد، وأحسن عاقبة في معاد. ولا تلهيتكم الحياة الدنيا بزينتها وخدعها، وفواتن لذَّانها، وشهوات آمالها، فإنها متاعٌ قليل، ومدة إلى حين، وكلُّ شيء منها يزول. فكم عاينتم م أعاجيبها، وكم نصبت لكم من حبائلها، وأهلكت ممن جنح إليها واعتمد عليها، أذاقتهم حلوا، وحرجت لهم سمّا. أين الملوك الذين بنو المدائن، وشيدوا المصانع، وأوثقوا الأبواب، وكاثفوا الحجاب، وأعدوا الجياد، وملكوا البلاد، واستخدموا التلاد، قبضتهم بمخلبها، وطحنتهم بكلكلها، وعضتهم بأنيابها وعاضتهم من السعة ضيقا، ومن العز ذلَّا، ومن الحياة فناءٍ، فسكنوا اللُّحود، وأكلهم الدود، وأصبحوا لا تعاينُ إلا مساكنهم، ولا تجد إلا معالمهم، ولا تحسُّ منهم من أحد ولا تسمع لهم نبسا. فتزودوا عافاكم الله وإياكم فإن أفضل الزاد التقوى، واتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون. جعلنا الله وإياكم ممن ينتفع بمواعظه، ويعمل وسعادته، وممن يستمع القول فينبع أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. إن أحسن قصص المؤمنين، وأبلغ مواعظ المتقنين كتاب الله، الزكية آياته، الواضحة بيناته، فإذا تلي عليكم فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم تهتدون. أعوذ بالله القوى، من الشيطان الغوي، إن الله هو السميع العليم. بسم الله الفتاح المنان. قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلدْ ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.

نفعنا الله وإياكم بالكتاب الحكيم، وبالآيات والوحي المبين، وأعاذنا وإياكم من العذاب الأليم. وأدخلنا وإياكم جنات النعيم. أقول ما به أعظكم، وأستعتب والله لي ولكم.

كتاب أبيات الاستشهاد

كتاب أبيات الاستشهاد

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم قال الإمام أبو الحسن أحمد بن فارس النحوي اللغوي: بلغنا أن رجلا من حملة الحجة، ذا رأى سديد، وهمة بعيدة، وضرس تقاطع، قد أعد للأمور أقرانها، بلسان فصيح، ونهج مليح، وكان إذا رأى ذا مودة قد حال عما عهده، أنشده: ليس الخليلُ على ما كنتَ تَعهدُه ... قد بَدَّل الله ذاكَ الخِلَّ ألوانا وإذا رأى محدَّثَه (عابساً) أنشد: يا عابساً كلَّما طالعتُ مجلسَه ... كأنّ عَبستُه من ذَرق حَمَّاءِ وإذا رأى واحداً يحسن عند الإحسان عليه، ويسئ القولَ إذا شُغل عن الإحسان إليه أنشد: هو كالكلب إذا ما أشبعتَه ... طاب نفساً وإذا ما جاع هَرّْ وإذا رأى رجلاً راضياً بقليلٍ يصونُ وجهه عن السؤال أنشد: وإنَّ قليلاً يستر الوجه أن يُرَى ... إلى الناس مبذولاً لغَيْرُ قليلِ وإذا حُجِب عن باب دار قد أحسن إليه صاحبُهَا أنشد: إني رأيت ببات دارك جفوةً ... فيها لُحِسن فَعالكم تكديرُ

وإذا رأى بشاشةً في وجه مُضِيف أنشد: يُسَرُّ بالضَّيف إذا رآه ... سُرور صادٍ وَرَدَ الماءَ وإذا رأى رجلاً مقِلاً سخيّا أنشد: وليس الفتى المعطى على اليُسرِ وحدَه ... ولكنّه المعطِى على اليسر والعسر وأبلغ منه قوله: ليس العطاءُ من الكريم سماحةً ... حتى يجودَ وما لديه قليلُ وإذا شم رائحةً كَرَيهة من جليسه أنشد: لَقوسُ سليمٍ حين يرُسِل سهمَه ... أشدُّ على الآناف من قوس حاجبِ وإذا رأى أناساً لا خير فيهم أنشد: لا تَلُمِ الأبناءَ في فِعلهمُ ... لو سادَ آباؤهُمُ سادوا وإذا عارضه في كلامه أحدٌ أنشد: ويعترض الكَلاَمَ وليس يدري ... اسَعدُ اللهِ أكثرُ أم جُذامُ

وإذا جالس قوماً ليَلهَ مجالسةَ أهلِ الأدب ثم جاء الفجر أنشد: جِتناَ بأنعم ليلة وأَلذَّها ... لو لم تَنغَّصْ بالفراق من الغدِ وإذا وعده رفيقٌ له بالسفر في غد أنشد: لا مرحباً بغدٍ ولا أهلا به ... إن كاَن ترحالُ الأحِبةَّ في غدِ وإذا تألم من عشيرِهِ وصديقه أنشد: ولي صاحبٌ مرُّ المذاق كأنّما ... أضمُّ إلى نحري به حدَّ منُصُلِ وإذا عاتب ذا قرابةٍ له أنشد: بم استجزَت اطّراحي والصَّريمةَ لي ... وأنت لحمي وإن لم تُدْعَ لي ودَميِ وإذا لم يعجبه إنسان أنشد: قد رأيناك فما أعجبتنا ... وبلوناك فلم نرضَ الخُبُرْ

وإذا هجاه أحدٌ أنشد: وما كلُّ كلب نابحٍ يستفزُّني ... ولا كلما طَنَّ الذباب أُراعُ وإذا أحَّس بتقصيرٍ في سياسة أُمير لرعيته، نسب الأمْرَ لوزيره، وأنشد: إذا غَفَل الأمير عن الرعايا ... فإنَّ العتب أولى بالوزيرِ وإذا ذُكِر له كبرُ سنةَّ أنشد: إنَّ الحسام وإنْ رثَّتْ مضارِبهُ ... إذا ضربتَ به مكروهةً فَضَلا وإذا أثنى على محسن أتشد: فعاجُوا فأثنَوا بالذي أنت أهلهُ ... ولو سكتوا أثنَتْ عليك الحقائب وإذا رأى من والٍ إساءة ً عَلَى من وَلَيَ عليه أنشد: وكنا نستطبُّ إذا مَرِضنا ... فصار سَقامُناَ بيد الطبيب

وإذا حضَر أناسٌ على أمرٍ ذي بال أنشد: أَقول لفتيان كرام تروَّحوا ... على الجُرد في أفواههن الشكائم قعُوا وقعةً مَن يَحْىَ لْم يخْزَ بعدها ... ومن يُحْترمٌ لم تتَّبعه الملاومُ وإذا سُرّ بُلقيا صديقٍ له أنشد: يا خَلاص الأسير يا فرحة الأو ... بة يازورةً على غير وعدِ وإذا أعار أخاً له دفترا فأبطأ عليه بردَّه أنشد: تعجيل ردَّ الكتب مما به ... يستكثِرُ العلمَ أخو العلم وحبسُها يمنع منِ بذلها ... مع الذي فيه من الظلمِ وإذا عاد مريضاً ذا مودَّةٍ صادقة أنشده: نفسي ونفسك إن أبللتَ من سقم ... أبللتُ منه وإن أضناكَ أضناني وإن أمرؤ جزِعَ على فائتٍ أنشده: فلا تكثرون في إثر شيء ندامة ... إذا نزعته من يديك النَّوازع وإذا عُوتِب على إهانته للمال وكثرةِ بذلهِ أنشد: كيف يستطيِع حِفظ ما جمعت كف ... فاه مَن ذاق لذة الإنفاق

وإذا مشى لأخ في قضاء حاجة ووَفَي بحقهَّ أنشد: حقوقٌ لإخواني أريد قضاءَها ... كأنَّيَ ما لم أقضهن مريضُ إذا أثنى على إنسان ورأى منه شُروداً ونفُرةً أنشد: بطئُ عنك ما استغنيتَ عنه ... واطلاّعٌ عليك مع الخطوب وإِذا أراد شيئاً عاناه ليلاً أنشد: والليَّل يقظانُ والكواكب في الآ ... فاق حيَرى كاللؤلؤ البَدَدِ وإذا استبطأ صديقاً له وعاتبَه على قعودِه عنه أنشد: وإني إذَا أدعوك عند مِلمِةّ ... كداعية بين القَبورِ نَصِيرَها وإذا ذمّ أخاً له في إٍساءته إلى إخوانه أنشد: أصبح أعداؤه على ثقةٍ ... منه وإخوانهُ على وجلِ وإذا شكا من جارٍ له هَجْره أنشد: دنَت بأناس عن تناءٍ زيارة ... وشطّ ببكرٍ عن دنّوٍ مزارُها وإنَّ مقيماتٍ بمنقَطَع الثَّرَى ... لأقرَبُ من ليلَى وهاتيك دارُها وإذا تذكر أياما مضت وكان يشكوها وهو اليوم يتمنَّاها أنشد: سَقياً ورَعياً لأياَّمٍ مضيت سَلفَاً ... بكيتُ منها فصِرتُ اليومَ أبكيها كذاك أيامُنا لا شكَّ نندبُها ... إذا تقضَّت ونحن اليوم نشكوها

وإذا عاتب أخاً له هجره، أنشد: تلَجَّين حتَّى يذهبَ الهجرُ بالهوى ... وحتَّى تكاد النَّفسُ عنكِ تطيبُ وإذا عويت في خصلةٍ أو بادرٍة بدرت منه، أنشد: ولستَ بمستبقٍ أخاً لا تلمُّهُ ... على شَعث أيُّ الرجالِ المهذَّبُ وإذا قيل له: قد أسنّ فلان وكبر، أنشد: لم ينتَقص منى الَمشِيبُ قُلامةً ... الآنَ حن بدا ألبُّ وأكيسُ وإذا فسَدَ عند أخٍ له صحةُ ودَّه إياه، أنشد: قل ما تشاء ليؤتي ... وما كرهتَ لُيكرَه فإنَّ ذلك أولي ... بما تشاءُ وأشبه وإذا مات له ولدٌ، أنشد: كلَّ لسانيِ عن وَصفِ ما أجدُ ... وذقت ثكلاً ما ذاقه أحدُ ما عالج الحزنَ والحرارةَ في الأحشاءِ من لم يمت له ولدُ وإذا حثَّ إنساناً على الإحسان وخوّفَه صروفَ الدَّهر، وأنشد: بيننا حرمةٌ وعهد وثيقُ ... وعلى بعضنا لبعضٍ حقوقُ فاغتنمْ لذَّة الحفاظِ فما يد ... ري مُطيق لها متى لا يطيقُ

وإذا رأى خليلا له قد حَفَّت به أربابُ الحاجات وكان أمرهُ في الأولِ وأقرب، أنشد: حَيَّاك مَن لم تكن ترُحَي تحيَّتُه ... لولا الحوائجُ ما حَيَّاكَ إنسانُ وإذا رأى أحداً غَضِب من أمرٍ ولم ينفعه غضبُه، غضبت ْتميمٌ أن تقتَّلَ عامرٌ ... يوم النَّسار فأُعتبوا بالصَّيلمِ وإذا رأى السلطانَ عَزَم على الغَزو ونهض إلى العدوّ، أنشد: يومانِ يومُ مقاماتٍ وأنديةٍ ... ويومُ سيرٍ إلى الأعداء وتأنيبِ وإذا رأى أمراً مُعضِلاً وصَبر عليه وعوتب في ذلك، أنشد: ومِن خير ما فينا من الأمر أننا ... متى نلق يوماً موطنَ الصَّبرِ نصيرِ وإذا قال له أخ: إنهَّ اشتاقَ له اشتاقاً شديداً، أنشد: فلما تواقَفْنا عرفت الذي به ... كمثل الذي حذوك النَّعلَ بالنَّعلِ

وإذا مرَّ بأطلال خلت من سُكَّانها وعَفَت وبِقَى أثرُها، أنشد: لخولة أطلالٌ ببرقة ثهَمدِ ... تلوح كباقي الوَشْم في ظاهرِ اليدِ وإذا حضر مجلساً لمناظرة وسئل عن حله فيه بعد، أنشد: وإذا شهدت أمُّ القُدَيدِ طعاننَا ... بمَرْعَشَ خَيلَ الأرمنيَّ أرنّتِ وإذا قيل له: رأيناكَ أعرضتَ عن فلانٍ إعرَاض مسالمةٍ، أنشد: ولقد أجمَعُ رجلَىَّ بها ... حذرَ الموتِ وإنَّي لَفَرُورُ وإذا استشير في أمر ذي لبس أيقُدِم عليه أم يُحجم عنه، أنشد: مكانَك حتَّى تنظري عمَّ تنجلي ... عمليةُ هذا العارضِ المتألَّقِ وإذا أكثَرَ من ذكر أخٍ له غائبٍ وقيل له في ذلك، أنشد: أريدُ لأنسى ذكرَها فكأَنمّا ... تُمَثَّلُ لي ليَلى بكلَّ سبيلِ وإذا قال له صديق: تناسيتني كأنك لم تعرِفْني، أنشد: تسلَّتْ عَماَياتُ الرَّجالِ عن الصَّبا ... وليس فُؤاديِ عن هواها بمْنسلىِ وإذا حضر رئيسٌ من الرؤساء وأراد مدْحَه، أنشد: لو نال حيٌّ من الدُّنيا بمكرمة ... أفقَ السَماء لنالت كفُّه الأفقا

وإذا عاتب أخاً له على هِجرانه إياه، أنشد: طوى البينُ أسبابَ الوصال وحاولت ... بكُنْهِك أسبابُ الهوى أن تُخَذَّما وينشد أيضاً في مثل ذلك: وكان يزورني منه خيالٌ ... فلما أن حفا منع الخيالاً وإذا رأى رجلاً يُثْنىِ على أخيه ويحضر له محضرًا جميلًا، أنشد: قوم لهم عرفت معدُّ بفضلهِا ... والحقُّ يعرفه ذوو الألباب وإذا قيل له: قد أقررتَ لمناظرك، أنشد: أحسُّ بالفضل في غيري فأنكِرُه ... ما ينكر الفضلَ إلا كلُّ منقوصِ وإذا رأى رجلاً ينتقص فاضلاً، أنشد: ما ضرَّ تغلبَ وائل أهجوتها ... أمُ بلتَ حيث تناطَحَ البحرانِ وإذا أقصاه رئيسٌ بعد إنايته، أنشد: يا أفضلَ النّاسِ إني كنتُ في نَهَرٍ ... أصبحت منه كمثل المفرد الصادِي وإذا كلّفه أمرؤٌ شيئاً لم يكن عنده بالمرضىّ، أنشد: لم أكُنْ من جُناتها علم الل ... هـ وإني بحرَّها اليومَ صلىِ

وإذا رأى أمراً فظيعاً تَقضَّى ثم تجدّد مثلُه، أنشد: إذا لهبٌ من جانب بأخَ شرُّه ... ذكا لهب من جانبٍ فتضرّما وإذا حضر مَحفِلاً من محافل النّظَر وكلمه خصمٌ فدفعه، وانبرى له خصمٌ آخر، أنشد: إذا ما دفعنا هؤلاَء جاء هؤلاَء ... إلينا فكلٌّ بالعداوة مولعُ وإذا كثُر الصَّياحُ في المحفِل، أنشد: يأيُّها الراكبُ المزجِى مطيّتهَ ... سائلْ بنى أسدٍ ما الصوتُ وإذا قيل له: كثر أخصامك، أنشد: تفور علينا قِدرُهم فنُدِيمُها ... ونفثؤها عنا إذا حَمْوُها غلا وإذا بدأه سائلٌ بالسؤال مناظرا له، أنشد: قرَّبا مَرْبَطَ النعّامة منَّى ... لقِجتْ حربُ وائلٍ عن حِيالِ وإذا نُعى له حميمٌ أو ذو مودّة، أنشد: ليس عُدم الأموال عُدماً ولكنْ ... فَقْدُ من قد رزئتُه الإعدامُ

وإذا حضر خضرةَ ملكٍ وبالغ في الثَّناء عليه، أنشد: وأنّك شمسٌ والملوكُ كواكبٌ ... إذا طلعَتْ لم يبدُ منهن كوكبُ وإذا فَخَر بمن تقدّم من العلماء والكبراء، أنشد: ترى الناس ما سِرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحنُ أومأْنا إلى الناس وقفَّوا وإذا أثنى على رجلٍ معطاءٍ، أنشد: ليس يعطيك للرجاء وللخو ... فِ ولكن يَلذُّ طعمَ العطاءِ وإذا قصد أمرأً في حاجةٍ وكررّ الزيارة له ولم ير ما يحبُّه، أنشد: كفى طلباً لحاجةِ كلَّ حرًّ ... مداومةُ الزَّيارةِ والسّلامِ وإذا أخذ إنسانٌ يتًّهم أحداً، غيره، أنشد: رأيت الحربَ يجنيها رجالٌ ... ويصلَى حرَّها قومٌ براء قلت: وبنشد في ذلك أيضاً قولَ القائل: لم أكن من جناتها ... .... (البيت المتقدم)

وأنشد في ذلك أيضاً: وحمَّلتني ذنبَ مريءٍ وتركتهَ ... كذي العُرَّي يكوى غيرهُ وهو راتعُ وإذا عارضه معارضٌ في عِلة بلا علم، أنشد: أخو عديً أمسى يُساجلُنى ... ما لعدىً وما لذا العملِ وإذا ذكر قوماً أشحّاءَ، أنشد: دراهمِهم لا تُستطاع كأنَّها ... فريسةُ ليث أحرزتها مخالبُه وإذا قيل له: أرضيتَ بكذا وأنت أعلى منزلة منه؟! أنشد: وما كنت أخشى أن أرى العَير ملاكي ... ولكنَّ من يمشى سيرضى بما رَكب وإذا زار مريضاً، أنشد: ونعود سيَّدَنا وسيّد غْيرِنا ... ليت التشكَّىَ كان بالعُوَّادِ وإذا حذّر ناسا عدوَّا غَفلوا عنه، أنشد: بنى أميَّةَ إني ناصحٌ لكمُ ... فلا يبِيتَنَّ فيكم آمناً زفرُ

وإذا ذكَر صديقاً له بنقضه العهدَ، أنشد: ألم تر ما بينى وبين ابن خالد ... من العهد قد بالت عليه الثعالب وإذا هدّده عدوٌّ أو توعَّده أنشد: فإن قناتنا يا عَمرُو أعيَتْ ... على الأعداء قبلَك أن تلينا وإذا أشُكِىَ أخٌ له جَنَى عليه، أنشد: بل جناها أخٌ عليَّ كريمٌ ... وعلى أهلها بَراقِشُ تجنِى وإذا رأى ذا بشاشةٍ وظاهره بيدي خلافه، أنشد: يبُدِي البشاشةَ حين تبصره ... وله إليك عقاربٌ تَسرِى وإذا أساَء إليه صديقٌ وحلمُ هو عنه، أنشد: فلا تُوبسوا بيني وبينكم الثرّى ... فإنّ الذي بيني وبينكُم مثْرِي وإذا ذُكِر رجلٌ ببعُد الغور، أنشد: ولم يَخْشوْا مصا لته عليهم ... وتحت الرّغوة اللبنُ الصريحُ

وإذا عزَّى إنساناً وآساه، أنشد: لكلَّ هٍمّ من الهموم سَعَهْ ... والمُسي والصُّبح لا بقاءَ معَهْ وإذا كاتَمَ إنساناً وأضمر له ما يعرفه من التلوُّن، أنشد: فإنَّ الله لا يخفى عليه ... علانيةٌ تُراد ولا أسرارُ وإذا رأى إنساناً تغيَّرت عن غِنًى حالُه، أنشد: إن الفَتى يقُتُرِ بعد الغنى ... ويَغتنى من بعد ما يَفتقرِْ إذا قيل له: مضَى فلان وورث وارثه مالَه، أنشد: قد يجمع المالَ غير آكِلهِ ... ويأكل المالَ غيرُ من جَمعه وإذا رأى رجلاً أثنى على آخَرَ وهو لا يعرفُه، أنشد: لا تحمدنَّ امرأ حتى تجرَّبه ... ولا تذمنَّه من غير تجريبِ وإذا نُعىِ له رجلٌ عظيم الشأن، أنشد: لما أتى خبَرُ الزُّبيرِ تواضعَتْ ... سَور المدينة والجبالُ الخُشَّعُ

وإذا جَهِل عليه جاهلٌ وللجاهل عدوٌّ حاضر لا يجترئ عليه، أنشد: جهلاً علينا وجبنا عن عدوَّكمُ ... لبئست الخلَّتان الجهلُ واُلجُبنُ وإذا مات له خليلٌ يعزُّ عليه فقده، أنشد: ألا ليمتْ مَن شاء بعدك إنمّا ... عليك من الأقدار كان حذارِيا وإذا قيل له: استتر لك فلانٌ وخَدعَك، انشد: وقد كنت مجرور اللَّسانٍ ومفحَما ... فأصبحت أدرى اليوم كيف أقولُ وإذا ذكر إخوانهَ الذين سلفَوا، أنشد: أولئك إخوانُ الصَّفاء رُزِئتُهم ... وما الكفُّ إلا إصبعٌ ثم إصبعُ وإذا نَجُب ابن امرئٍ بعد موته، أنشد: لعمركً ما وارى الترابُ فَعالهَ ... ولكنَّه وارى ثياباً وأعظُما

إذا لم تستطع شيئا فدعه

وإذا رأى رجلاً يتكلَّف مالا يستطيعه، أنشد: إذا لم تستطع شيئاً فدعهُ وإذا استحقره قومٌ وتعرَّضو الأكبرَ منه، أنشد: ذبابٌ طار في لَهَواتِ ليث وإذا تجاهل عليه متجاهلٌ، أنشد: إنا لتُوزَنُ بالجبال حلومُنا ... ويَزِيد جاهلنا على الجهَّالِ وإذا نعِى له رئيسٌ من رؤساء محَلّته أو عشيرته، أنشد: إذا شذّ منا سيَّد قام سيَّدٌ ... قؤولٌ لما قال الكرام فعول وأنشد أيضاً: إذا قمرٌ منَّا تغوَّرَ أو خبا ... بدا قمرٌ من جانب الأفق يلمعُ وإذا مطل إنسانٌ ووعَد بعدُ، أنشد: فإنْ يك صدرُ هذا اليومِ ولَّي ... فإن غداً لناظره قريبُ

وإذا رأى قوماً ذوِى صُورَ ولا أحلامَ لهم، أنشد: لا بأسَ بالقومِ من طولٍ ومن عظمٍ ... جسٍمُ البغالِ وأحلامُ العصافيرِ وإذا اقتضَى صديقاً وعداً، أنشد: قضَى كلُّ ذي دين فوفي غريمَه ... وعزّةُ هطولٌ معَّنى غريمُها وإذا شيّع فريقين وأخَذَ كلُّ واحد غيرَ طريق الآخر، أنشد: فريقانِ منهم سالكٌ بطنَ نخلةٍ ... وآخرُ منهم سالك نجد كبكبِ وإذا لم يزُره أخوه زاره هو، وأنشد: أزوركمْ لا أكافِيكمُ بجفوتكم ... إن المحبَّ إذا لم يزرْ زارا وأنشد أيضاً فيه: وما كنت زوَّاراً ولكنَّ ذا الهوى ... إذا لم يُزرْ لا بد أن سيزورُ وإذا وصفَ رجلاً بالِعنَّة والإعراض عن الزَّنا، أنشد: والله لو كانت الدنيا وزينتهُا ... في بطن راحِتِه يوما لألقاها وإذا قيل له: إن أمثالك قيل، أنشد: وما ضرَّنا أنا قليل وجارُنا ... عزيزٌ وجارُ الأكثرين ذليلُ

وإذا وَلَيِ ولاية وأُثنَىِ عليه بها، أنشد: وإذا الدرُّ زان حُسنَ وجوهٍ ... كان للدَُّّر حُسنُ وجِهكِ زينا وكان يتمثَّل لمناظره ويعرَّض له أنه لم يبَلُغ المبلغ يقول الشاعر: لا تحسب المجدَ تَمراً أنت آكلُه ... لن تبلع المجد حتَّى تلعق الصَّبِرا وإذا ذكر له رجلٌ مضى فذلّت أتباعُه ونبو عمَّه بعد عِزً، أنشد: فتَى كان مولاه يحلُّ بنجَوةٍ ... فحلَّ الموالى بعده بمسيلِ وإذا رأى إنساناً منسور له مطلا ودفاعا، أنشد: لقد جرتِ لنا جبلَ الشَّموسِ فلا ... يأسٍا مبيناً نرى منكمْ ولا طَمعَا وإذا رأى رجلاً همُّه نفسهُ لا غيره، أنشد: دعِ المكارمَ لا ترحَل لُبغيْتها ... واقُعدْ فإنَّك أنت الطاعم الكاسي

وإذا لاجّه إنسان وطاولهَ، أنشد: إذا ما تحدّثتُ في مجلسٍ ... تناهَى حديثي إلى ما علمتُ وإذا رأى امرأ تأمّل حاشيةَ زائرِهِ وغاشِيته، أنشد: وإذا ما جهلتَ ودَّ صديقٍ ... فاعتبر ما جهلتَ بالغلمان إنَّ وجهَ الغلامِ يخبر عمَّا ... في ضمير المولى من الكِتمان وإذا رأى رجلاً انتمى إٍلى قوٍم غير كرام، أنشد: فغَّض الطرفَ إنك من نُميرٍ ... فأصلهم ومنبتهُم لئيمُ وإذا سبَرَ حال صديقٍ له فلم يحمَدْه، أنشد: وما كلُّ إخوانِ الفتى طوعَ هَّمه ... ولا كلُّ عودٍ نابت بنضارِ وإذا نُعِىَ له شخص، أنشد: على صخرٍ وأيُّ كصخر ... ليوِم كريهةٍ وسِداد ثَغْرِ

وإذا رأى رجل اتهم بدعوة، أنشد: زنيمٌ تداعاه الرَّجالُ زيادةً ... كما زيد في عرض الأديم الأكارعُ وإذا رأى عدواً مخاشناً، أنشد: بني تماضرَ إنَّي لا أحبكما ... ولا ألومكما إلا تحبَّاني وإذا قعد عن صديق بعذر، أنشد: فلا بأس بالهجر الذي ليس عن قلا ... إذا شجرت عهدَ الحبيبِ شواجرُ وربما وصل حديثه عن الزمن الأول بقوله: إذِ الناس ناسٌ والزمان بغرَّة ... وإذ أمُّ عمّارٍ صديقٌ مساعفُ وإذا ذكر رجل بجود وسماحة، أنشد: يومان يومٌ يفيض نائله ... وخير يوم ما يقيتُ غدا وإذا خبر أن ولد رجل نجب، أنشد: وهل ينبتُ الخطيَّ إلا وشيجه ... وتغرسُ إلاّ في منابتها النخلُ وإذا أسعفه رجل في أمره، أنشد: أناة امرئٍ الأمورَ بقدرةٍ ... متى ما يردْ لم يعيَ بالأمر مصدرا

وإذا رم بدار صديق له، أنشد: ألا حيِّ الدِّيارَ بسعد إنِّي ... أحبُّ لحبِّ فاطمةَ الدِّيارا وإذا حضر مجلس مناظرة وطلب منه الكلام، جثا على ركبتيه وأنشد: ولا ينجى من الغمرات إلاَّ ... براكاءُ القتالِ أو الفرارُ وإذا ناظره فتى شاب، أنشد: كيف ترجونَ سقاطي بعد ما ... جلَّل الرأسَ مشيبٌ وصلعْ وإذا زاحمه خصماؤه وكثروا عليه، أنشد: إذا اجتمعوا عليَّ فخلِّ عنهم ... وعن أسدٍ مخالبه دوامِ إذا اجتمعوا عليَّ فخلِّ عنهم ... وخربانٍ تصيد حبارياتِ وإذا قيل له: إن فلاناً في فضله فضل عليه من دونه، أنشد: كم قد رأينا من أسد ... بالت على رأسه ثعالب وإذا قيل له أيضاً، أنشد: صرتُ كأنِّي ذبالة نصبت ... تضيءِ للناس وهي تحترقُ وإذا استطال الليل، أنشد: أقول وليلتي تزدادُ طولاً ... أما الَّليلِ ويحكمُ نهارُ

وإذا مرض وعاده عواده، أنشد: وهل هي إلا علّةٌ بعد علّةٍ ... إلى العلة الكبرى وتلك هي التي وإذا رأى رجالاً لا حمية ولا منعة فيهم، أنشد: إذا ما عدّ مثلكم رجال ... فما فضلُ الرَّجالِ على النساءِ وإذا اشتكى إليه إنسان إقلالاً [أنشد] : إذا شئتَ أن تحيا غنيَّاً فلا تكن ... بمنزلة إلا رضيتَ بدونها وإذا رأى ذا ضغن صاحب آخر، أنشد: إذا أنت لم تسقم وصاحبت مسقما ... وكنت له خدناً فأنت سقيمُ وإذا دخل عليه ثقيل، أنشد: أيا جبليْ نعمانَ باللهِ خلِّيا ... نسيمَ الصَّبا يخلصْ إليَّ نسيمها وإذا جاء عليه بنزر يسير، أنشد: توتيك نزراً قليلا وهي خائفة ... كما يخاف مسيسَ الحيَّةِ الفرق وهذه جمعية لم أظفر بمثلها، فرحم الله من فهمها وحفظها، وأورد كل بيت في محله، ليجل عند خله.

رسالة في إعجاز أبيات تغنى في التمثيل عن صدورها لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد 210-285

رسالة في إعجاز أبيات تغنى في التمثيل عن صدورها لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد 210-285

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد: هذه أعجاز بيوت تغني في التمثيل عن صدروها. قال أنس بن مدركة الخثعمي، وكنيته أبو سفيان: لشيءٍ ما يسوَّد من يسودُ امرؤ القيس: وكل غريبٍ للغريب نسيبُ وقال: وبالأشقينَ ما كان العقابُ وقال: والبرُّ خير حقيبةِ الرّحلِ النابغة: ولا قرار على زأر من الأسد وقال: وذلك من تلقاءِ نفسك رائع

وقال: إذاً فلا بسطت سوطي إليّ يدي وقال: وليس وراءَ الله للمرء مذهبُ وقال: لمبلغك الواشي أغشُّ وأكذبُ وقال: ولكن ما وراءكَ يا عصامُ وقال: وهل يأثمنْ ذو إمَّة وهو طائع وقال: سبقَ الجوادِ إذا استولى على الأمدِ أنس بن أبي إياس: وشديد عادة منتزعهْ زهير بن أبي سلمى: وكانوا قديماً من مناياهم القتلُ وقال: ولا محالةَ? أن يشتاقَ من عشقا

وقال: على آثار من ذهبَ العفاءُ عنترة: والكفر مخبثةٌ لنفس المنعمِ لبيد: ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذرْ وقال: ومن الأرزاء رزءٌ ذو جللْ طرفة: ويأتيك بالأخبار من لم تزوِّدِ أبو خراش: وإنما نوكَّل بالأدنى وإنْ جلَّ ما يمضي أبو ذؤيب: والدهرُ ليس بمعتبٍ من يجزعُ وقال: وإذا تردُّ إلى قليل تقنعُ حميد بن ثور: وحسبك داءً أن تصحَّ وتسلما أبو الأسود: وما كل مؤتٍ نصحه بلبيب القطامي: وقد يكون مع المستعجل الزللُ عروة بن الورد: ومبلغ نفسٍ عذرها مثلُ منجحِ جرير: ليت التشكِّيَ كانَ بالعوَّادِ

وقال: رأيت المرءَ يلزم ما استعادا ومثله: وكل امرئٍ جارِ على ما تعوَّدا الحطيئة: ولا ترى طارداً للحرّ كالياسِ وقال: لا يذهبُ العرف بين الله والناسِ وقال: ومن يسوِّ بأنف الناقة الذّنبا دريد بن الصمة: يضع الهناء مواضعّ النُّقبِ مالك بن الريب: وكل بلادٍ أوطنت كبلادِ سالم بن وابصة: إن التخلق يأتي دونه الخلق ابن الزبعري: وعدلناه ببدرٍ فاعتدلْ

الأخطل: والقول ينفذ ما لا تنفذ الإبرُ يزيد بن مفرغ: والحر تكفيه الملامه عبدة بن الطبيب: وفيّ لمصلح مستمتعُ وقال: والعيش شحٌّ وإشفاق وتأميلُ وقال: أعرافهنَّ لأيدينا مناديلُ عمر بن أبي ربيعة: إنما العاجز من لا يستبدّ وقال: حسنٌ في كلِّ عينٍ من يودّ وقال: وجوهٌ زهاها الحسنُ أن تتقنعا وقال: وحديث النفس قدما ولوعُ العديل بن الفرخ: وما على الحرِّ إلا الحلفُ مجتهدا الحارث بن وعلة: والقول تحقره وقد ينمي

الخنساء: كأنه علم في رأسه نارُ الأسود بن يعفر: والدهر يعقب صالحاً بفسادِ عبد الله بن معاوية: ولكن عين السخط تبدي المساويا نصيب: ولو سكتوا أثنت عليك الحقائبُ فعنب بن أم صاحب: زكنت منهم على مثل الذي زكنوا ابن الدمينة: على ذاك قرب الدار خير من البعدِ الطائية: وكيف بتركي يا ابن أمِّ الطبائعا أشجع بن عمرو: ما أخَّر الحزمَ رأيٌ قدم الحذرا

ابن أبي عيينة: فالصبر من كلِّ أمرٍ فائتٍ خلفُ البكري: إن بني عمِّكَ فيهم رماحْ أبو حفصٍ الشطرنجي: لو صح منك الهوى أرشدتَ للحيلِ دعبل: ضحك المشيبُ برأسه فبكى دعبل: كان ينهى فنهى حيث انتهى العتكي: حلّمني قلة أكفائي محمود: فاصبر فإن الدهر لا يصبر عباس بن الأحنف: من عالج الشوقَ لم يستعبد الدارا آخر: والمشربُ العذبُ كثير الزحامْ آخر: إن النَّدى حيث ترى الضِّغاط آخر: من فاته العين لم يستبعد الأثرا

آخر: أنّ السلامة منها تركُ ما فيها آخر: وما لا ترى مما بقى اللهُ أكثرُ آخر: وإن الصَّبا للعيشُ لولا العواقبُ آخر: سقطَ العشاءُ بهِ على سرحان آخر: إن كنت ريحاً فقد لاقيت إعصارا آخر: ناب وقد تقطعُ الداويَّة النابُ آخر: أذن الخوانُ برغم أنف الحاجبِ آخر: لا يحسنُ البرُّ إلا بعد إنصافِ آخر: لا خير في لذة من بعدها النار آخر: والهجر خيرٌ من الفراقِ

تمت بحمد الله وحده

آخر: فبينما العسر إذْ دارت مياسيرُ آخر: وتعلمُ قوسي حين أنزعُ من يرمي آخر: لكلِّ أناسٍ من بعيرهم خبرُ آخر: كفَّا مطلَّقةٍ تفتُّ اليرمعا آخر: إنَّما الجودُ للمقلِّ المواسي آخر: قد ذلَّ من ليس له ناصرُ آخر: ذهب القضاءُ بحيلة الأقوامِ تمت بحمد الله وحده

كتاب العصا لأبي المظفر أسامة بن منقذ 488 - 584

كتاب العصا لأبي المظفر أسامة بن منقذ 488 - 584

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلواته على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه البررة المتقين، وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين صلاة دائمة إلى يوم الدين. وبعد فإن النفس ترتاح لما سمعت، وتلح في الطلب إذا منعت. وكان الوالد السعيد مجد الدين أبو سلامة مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ رضي الله عنه، حدثني أنه لما توجه إلى خدمة السلطان ملكشاه رحمه الله، وهو إذ ذاك بأصفهان قصد القاضي الإمام الصدر العالم أبا يوسف القزويني رحمه الله، عائداً ومسلماً، بمعرفة قديمة كانت بينهما، ويد كانت عنده للجد سديد الملك ذي المناقب أبي الحسن علي بن مقلد رحمه الله. وذاك أن القاضي المذكور سافر إلى مصر في أيام الحاكم صاحب مصر، فأحسن إليه وأكرمه وصله بصلات سنية، فاستعفى منها وسأله أن يجعل صلته كتباً يقترحها من خزانة الكتب، فأجابه إلى ذلك، فدخل الخزانة واختار منها ما أراده من الكتب، ثم ركب في مركب وتلك الكتب معه، يريد بلاد الإسلام التي في الساحل، فتغير عليه الهواء فرمى بالمركب إلى مدينة اللاذقية وفيها الروم، فبعل بأمره وخاف على نفسه وعلى ما معه من الكتب، فكتب إلى جدى سديد الملك رحمه الله تعالى كتاباً يقول فيه: "قد حصلت بمدينة اللاذقية بين الروم، ومعي كتب

الإسلام وقد وقعت لك رخيصاً فهل أجدك حريصاً". فسير إليه من يومه ولده عمى عز الدولة أبا الم [رهف] نصراً رحمه الله، وسير معه خيلا كثيراً من غلمانه وجنده، وظهراً لركوبه وحمل أثقاله، فأتاه وحمله وما معه فأقام عند جدى رحمه الله مدة طويلة، وكانت له بالوالد رحمه الله عناية وإلف، فلما اجتاز ببغداد قصده ليجدد به عهدا، فحدثني رحمه الله قال: دخلت عليه ومعي الشيخ أبو الحسن علي بن البوين الشاعر، وهو كاتب كان لجدى رحمه الله، فوجدته قد بلغ من العمر إلى ما غير ما كنت أعرفه فيه، ونسي كثيراً مما كان يذكره، فلما رآني عرفني بعد السؤال، لأنه فارقني وأنا صبي ورآني وأنا رجل، فاستخبرني عن طريقي، فعرفته توجهي إلى دركاه السلطان، فقال: تبلغ خواجا بزرك نظام الدين سلامي، وتعرفه إن الجزء الأول من التفسير الذي قد جمعته قد ضاع، وهو تفسير "بسم الله الرحمن الرحيم" واسأله أن يأمر باستنساخه من النسخة التي في خزانته وينفذه لي. وكان جمع تفسير القرآن في مجلد، وكان لضعفه وكبره مستنداً بين الجالس والمستلقي على فراش له، وحوله كتب كثيرة، وهو يكتب، فسلم عليه الشيخ أبو الحسن بن البوين كاتب الأمير سديد الملك. قال: البوين أي شيء هو؟ لعن الله البوين! ثم فكر هنيهة وقال: أنت الشاعر النحوي الكاتب؟ قال: نعم. فأنشد: قالوا السُّلاميُّ فقلت اطبقي ... ذا محلبانُ الضَّرع لبّانُ ثم عاد إلى حديثه معي فلمح الشيخ أبا الحسن وقد أخذ كتاباً من تلك

الكتب التي حول فراشه فقال: يدخل الإنسان وينبسط ويقرأ ما عنده من الكتب، أي إني من أهل العلم، ما أحوجك أن يكون ما في يدك فوقها! فألقاه من يده، وكان الكتاب كتاب العصا. ولي منذ سمعت هذا نحو من ستين سنة أتطلب كتاب العصا بالشام ومصر والعراق والحجاز والجزيرة وديار بكر فلا أجد من يعرفه، وكلما تعذر وجوده ازددت حرصاً على طلبه، إلى أن حداني اليأس منه على أن جمعت هذا الكتاب وترجمته بكتاب العصا. ولا أدري أكان ذاك الكتاب على هذا الوضع أم على وضع غيره. على أني قد بلغت النفس مناها، وكانت حاجة في نفس يعقوب قضاها. ولا أرتاب في أن مؤلف ذلك الكتاب وقع له معنى فأجاد في تأليفه وتنميقه، وأنا فاتني مطلوب ففرغت إلى تجويزه وتلفيقه. وكتابي هذا وإن كان خالياً من العلوم التي يتجمل [أصحاب] التصانيف بها، ويرغب أولو الفضل في طلبها، فما يخلو من أخبار وأشعار تميل النفوس إليها، ويحسن موقعها ممن وقف عليها. وقد افتتحه بذكر عصا موسى عليه السلام، ثم ذكر عصا سليمان بن داود عليه السلام، ثم أفضت في ذكر الأخبار والأشعار التي يأتي فيها ذكر العصا. ولا أدعي أني أتيت على ذكر العصا فيما جمعته، وإنما أدرت منه ما حفظته وسمعته. وبالله عز وجل أعو [ذ] وأعتصم، من أن تكتب يدي ما يؤثم ويصم. ومن رحمته تعالى أطلب الصفح والغفران، عن اشتغالي بالترهات عن تلاوة القرآن، وهو سبحانه أقرب م [دعو] ، وأكرم مرجو.

فصل في تسمية العصا

فصل في تسمية العصا قال أبو بكر محمد بن دريد رحمه الله: إنما سميت العصا عصا لصلابتها، مأخوذ من قولهم عصَّ الشيء وعصا وعسا، إذا صلب. واعتصت النواة، إذا اشتدت. فإنما العصا مثل يضرب للجماعة. يقال شق فلان عصا المسلمين والجماعة. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إياك وقتيل العصا" يريد المفارق للجماعة فيقتل. وألقى الرجل عصاه، إذا اطمأن مكانه. ويقال عصا وعصوان، والجمع العصي، وأعصى الكرم، إذا خرج عيدانه. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ترفع عصاك عن أهلك" يراد به الأدب. ويقال لعظام الجناح عصي. وعصوت الجرح، إذا داويته. والعصيان: خلاف الطاعة. قال: دريد بن الصمة: فلما عصوني كنتُ منهمْ وقد أرى ... غوايتهم وأنني غير مهتدِ وقد سميت الهراوة، وجمعها هراوى. قال ابن فارس في كتاب مجمل اللغة: هروته بالهراوة، إذا ضربته بها. قال العباس بن مرداس السلمي أبياتاً ذكر فيها الهراوة أنا ذا كراها وموردها لحسنها وجزالتها، وهي من مختار الشعر. وقد اختارها أبو تمام حبيب ابن أوس الطائي في حماسته في باب الأدب، وهي:

ترى الرجل النحيف فتزدريه ... وفي أثوابه أسد مزيرُ ويعجبك الطَّرير فتبتليه ... فيخلف ظنَّك الرجلُ الطريرُ فما عظمُ الرِّجالِ لهم بفخرٍ ... ولكن فخرهم كرم وخيرُ ضعافُ الطير أطولها جسوما ... ولم تطل البزاة ولا الصُّقورُ بغاث الطَّير أكثرها فراخاً ... وأمُّ الصقر مقلاتٌ نزورُ بغاث الطير: صغارها، وفيها ثلاث لغات: ضم الباء وفتحها وكسرها. والمقلات: التي لا يعيش لها ولد لقد عظم البعيرُ بغير لبٍّ ... فلم يستغنِ بالعظم البعيرُ يصرّفه الصبيّ بكلِّ وجهٍ ... ويحبسه على الخسف الجرير الجرير: حبل يكون في رأس البعير وتضربه الوليدةَ بالهراوى ... فلا غيرٌ لديه ولا نكيرُ فإن أك في شراركم قليلاً ... فإنِّي في خياركم كثير ذكر أبو هلال العسكري اللغوي رحمه الله في كتاب الأوائل قال: أول من خطب على العصا وعلى الراحلة قس بن ساعدة الإيادي، فمما ورد عنه من خطبه قوله: أيها الناس: اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. ليل داج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال

قرع العصا

مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة. مابال الناس يذهبون فلا يرجعون، أرضوا فأقاموا، أم تركوا فناموا. يقسم قس بالله قسماً لا إثم فيه: إن لله ديناً هو أرضى وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه. إنكم لتأتون من الأمر منكرا. ثم أنشأ يقول: في الذاهبين الأولي ... ن من القرون لنا بصائر لما رأيت موارداً ... للقوم ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها ... يمضي الأصاغر والأكابر لا يرجع الماضي إل ... يَّ ولا من الباقين غابر أيقنت أنِّي لا محا ... لة حيث صار القوم صائر قال المؤلف أطال الله بقاءه العرب تقول: فلان ممن قرعت له العصا، إذا كان يرجع إلى الصواب، وينقاد إلى الحق، ويستقيم عند زيغه إذا نبه. وتقول: فلان صلب العصا، إذا كان ذا نجدة وحزامة. وتقول إذا تفرقت الخلطاء واختلفت آراء العشيرة ومرج الأمر: انشقت العصا. وتقول للمسافر إذا آب واستقرت به داره: ألقي عصا التسيار، "فألقت عصاها". قرع العصا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " [ما] قرعت عصاً على عصا إلا فرح لها قوم وحزن آخرون". قال الحجاج بن يوسف الثقفي في بعض خطبه: "والله لأعصبنكم عصب السلمة، وألحونكم لحو العصا، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل. يا أهل العراق،

يا أهل الشقاق والنفاق، ومساوي الأخلاق. إني والله سمعت لكم تكبيراً ليس بالتكبير الذي يراد به الله في الترغيب، ولكنه التكبير الذي يراد به الترهيب. يا عبيد العصا وأشباه الإماء، إنما مثلي ومثلكم ما قاله ابن براقة الهمذاني: وكنت إذا قومٌ غزوني غزوتهم ... فهل أنا في ذا يالَ همدان ظالم متى تجمع القلبَ الذكيَّ وصارماً ... وأنفاً حميّاً تجتنبك المظالم والله لا تقرع عصاً على عصا إلا جعلتها كأمس الدابر. وقال وعلة بن الحارث بن ربيعة: وزعمتَ أنَّا لا حلومَ لنا ... إن العصا قرعت لذي الحلم أقتلتَ سادتنا بغير دمٍ ... إلا لتوهنَ آمن العصم وقال كثير بن عبد الرحمن الخزاعي: وقد قرع الواشون فيها لك العصا ... وإن العصا كانت لذي الحلم تقرعُ ذو الحلم: عامر بن الظرب العدواني، وكان حكماً للعرب يرجع إلى حكمه ورأيه، فكبر وأفناه الكبر والدهر وتغيرت أحواله، فأنكر عليه الثاني من ولده أمراً من حكمه فقال له: إنك ربما أخطأت في الحكم ويحمل عنك. فقال: اجعلوا لي أمارة أعرفها، فإذا أخطأت وقرعت لي العصا رجعت إلى الحكم. فكان يجلس أمام بيته يحكم ويجلس ابنه في البيت ومعه العصا، فإذا زلّ وهفا

قرع له الجفنة بالعصا. وإياه عني المتلمس بقوله: لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علِّم الإنسانُ إلا ليعلما (صلب العصا) يقال فلان صلب العصا، إذا كان جلداً قويا على السفر والسير. قال الراعي يصف راعياً: صلب العصا بضربهِ دمّاها ... إذا أراد رشداً أغواها قوله بضربه أي بسيره. قال الله تبارك وتعالى: "وإذا ضربتم في الأرض": سافرتم. وقوله "دمّاها" أي تركها كالدمى، واحدتها دمية، وهي الصور [في] ٍ المحاريب. وقوله "أغواها" أي رعاها الغواء، وهو نبت تسمن عليه [الإبل] . وقال [أبو] المجشر الضبي: فإن تكُ مدلولاً علي فإنني ... كريمك لا غمرٌ ولا أنا فانِ وقد عجمتني العاجماتُ فأسارت ... صليب العصا جلدا على الحدثان صبوراً عل عضِّ الخطوب وضرسها ... إذا قلَّصتْ عن الفم الشفتانِ

(انشقت العصا) العرب تقول: فلان يشق العصا، إذا كان لا يدخل تحت حكم ولا طاعة مخالفاً لأمر الآمرين. ويستعمل شق العصا فيمن يتفرق عنه أحبابه، ويظعن عنه أصحابه فيظهر مكنون سره، ويبوح مخفي أمره، لضرورة البين الداعية إلى ذلك. قال أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري في كتابه المسمى بالقائف: "مر ركب بشجرة مورية، فاقتضب إنسان منهم عصا ثم شقها، ثم جعل يقتدح قريباً من الشجرة فأورى الزند فقالت الشجرة: يا هذا ما أسرع ما ظهر سرك، وسوف ترغب الركب في اتخاذ زناد مني، فأحور عيداناً في أيدي القوم. فقال: لا تلمني، المغرورة، أظهرت سري ضرورة". وقال قيس بن ذريح: إلى الله أشكو نيةً شقّت العصا ... هي اليوم شتَّى وهي أمسِ جميعُ مضى زمنٌ والناس يستشفعون بي ... فهل لي إلى لبني الغداةَ شفيعُ وأول هذه القصيدة: سقى طللَ الدارِ الذي أنتمُ بها ... حناتمُ وبلٍ صيِّفٌ وربيعُ

قال المؤلف أطال الله علاه: وقد صرعت هذه الأبيات جميعاً وأثبتها في ديوان شعري، وأنا ذاكر تصريع هذين البيتين لما فيهما من ذكر العصا. قال غفر الله له: أيرجو لي اللاحي من الحبِّ مخلصا ... وقلبي إذا ما رضته بالأسى عصا ولو أن ما بي بالحصى فلق الحصى ... إلى الله أشكو نيةً شقّت العصا هي اليوم شتَّى وهي أمسِ جميع أطاعت بنا لبنى افتراءَ التكذُّبِ ... وصدُّ التجنِّي غير صدِّ التجنُّب فيالك من دهرٍ كثيرِ التقلب ... مضى زمنٌ والناس يستشفعون بي فهل لي إلى لبني الغداة شفيع وقال المؤلف أطال الله بقاءه أيضاً أبياتاً في ذكر العصا، وهي: رمتنا الليالي بافتراقٍ مشتِّتٍ ... أشتَّ وأنأى من فراق المحصَّبِ تخالفت الأهواءُ وانشقَّت العصا ... وشعَّبنا وشكُ النوى كلَّ مشعب وقد نثر التوديعُ من كلِّ مقلةٍ ... على كل خدٍّ لؤلؤاً لم يثقّبِ المصراع الثاني من البيت الأول من قصيدة لامرئ القيس بن حجر الكندي واسمه حندج، والحندجة: الرملة الصغيرة. وأول القصيدة:

خليلي مرَّا بي على أمّ جندبِ ... نقضِّ لباناتِ الفؤادِ المعذَّب ومنها البيت: فلله عينا من رأى من تفرقٍ ... أشتَّ وأنأى من فراق المحصَّب وقال أبو الحسن مهيار بن مرزويه الديلمي، من جملة قصيدة له: ما قصرت يدُ الزَّمان شدَّ ما ... تطول في نقصي وفي نقضِ مرر عصاً شظايا ومشيب رائعٌ ... ومنزل ناءٍ وأحباب غدر وصاحبٌ كالداء إن أخفيته ... غوَّر وهو قاتلٌ إذ استتر وقال المؤلف أطال الله بقاءه: زدني جوىً يا حبَّهم وأضلَّني ... يا مرشدي عن منهج السُّلوانِ لا تنهني عنهم فإنَّ صبابتي ... لا تستطيع تطيع من ينهاني أحببتهم أزمانَ غصني ناضرٌ ... حتَّى عسا وعصى بنانَ الحاني فارجع بيأسك لستَ أول آمرٍ ... شقَّ الغرامُ عصاه بالعصيان

وقال أيضاً: كم ذا التجني وكثرةُ العلل ... لا تأمنوا من حوادث المللِ ولا تقولوا صبٌّ بنا كلفٌ ... فأوّلُ اليأس آخر الأملِ ولستُ ممن يريد شقَّ عصاً ... الذَّنبِ ذنبي والحب شفِّع لي هبوني أخطأت عامداً فهبوا ... خجلةَ عذري ما كان من زللي وقال امرؤ القيس بن حجر الكندي: إذا ما لم تكنْ إبلٌ فمعزي ... كأنَّ قرون جلتها العصيُّ فتملأ بيتنا أقطا وسمناً=وحسبك من غنًى شبعٌ وريُّ أي كفاك. وكذلك حسبك الله، أي كفاك. العرب تقول: "طارت عصا بني فلان شفقا". وقال الأسدي: عصيُّ الشملِ من أسدٍ أراها ... قد انصدعت كما انصدع الزُّجاجُ ويقال: "فلان شقَّ عصا المسلمين"، ولا يقال شق ثوباً ولا غير ذلك مما يقع عليه اسم الشق. (ألقى العصا) يقال ألقى عصا التسيار، إذا أقام وترك السفر. وكأن العرب عنت بقولها "ألقى عصاه" أي وصل إلى بغيته ومراده، أو وطنه ومراده، وراحته، ومظنة استراحته. قال الأصمعي واسمه عبد الملك بن قريب قصيدة مدح بها جعفر بن يحيى البرمكي ورحل إليه فمات قبل أن يصل إليه، وذكر فيها العصا، وهي قصيدة طولى أنا مورد منها نبذة لأجل العصا، وهي: فخطَّت إليها مناقيلها ... وألقت عصا السَّفرِ السُّفَّر

وقال راشد بن عبد الله: وخبَّرها الرُّوَّادُ أنْ ليس بينها ... وبين قرى نجران والدَّربِ كافرُ فألقت عصاها واستقرَّت بها النَّوى ... كما قرَّ عيناً بالإياب المسافرُ وقال آخر: فألقت عصا التَّسيار عنها وخيَّمتْ ... بأجباءِ عذبِ الماء بيضٍ محافره الجبا: ما حول البئر، مفتوح الجيم مقصور، وجمعه أجباء ممدود. وقوله "بيض محافره" يريد أنه [لم] يحفر في أرض سوداء، ولا من دمن، بل هي أرض صلبة. وقوله: "خيمت"، أي اتخذت [خيمة] فأقامت. روي أن قتيبة بن مسلم لما تسنم منبر خراسان سقط القضيب من يده فتطير له صديقه، وتشاءم عدوه، فعرف ذلك قتيبة، فحمد الله تعالى عليه ثم قال: ليس كما سر العدو وساء الصديق، بل كما قال الشاعر: فألقت عصاها واستقرَّ بها النَّوى ... كما قر عيناً بالإياب المسافرُ قال المؤلف أطال الله بقاءه: قال جدى الأمير سديد الملك والمناقب أبو الحسن

علي بن مقلد رحمه الله، يخاطب بعض ولاة حلب: خيَّمتَ في حلبِ العواصم بعدما ... قلّدتَ خوفك نازحَ الأقطارِ لا ترضها دار الثَّواء ولا تقلْ ... في مثلها تلقى عصا التَّسيارِ استحي من أجداث قومك أن ترى ... عرض البسيطة وهي دارُ قرارِ قال المؤلف أطال الله بقاءه: حدثني من أثق به في شوال سنة سبع وستين وخمسمائة بحصن كيفا قال: كان في خدمة الأمير نجم الدولة مالك بن سالم صاحب قلعة جعبر رجل عواد يقال له أبو الفرج حدثني قال: كنت يوماً في مجلس الأمير نجم الدولة وهو يشرب إلى [أن] سكر، وانصرفت إلى منزلي، فما كان أكثر من مضي ساعتين من الليل إذ وافاني رسوله فقال: الأمير يستدعيك. فقلت: ما نزلت حتى سكر! قال: هو أمرني بإحضارك. فمضيت معه فرأيت الأمير جالساً، فقال: يا أبا لفرج، بعد انصرافكم نمت فرأيت إنساناً يغنيني صوتاً حفظته ثم أنسيته، وأريد أن تذكره لي. فقلت: يا مولاي، اذكر لي منه كلمة. فقال: ما أذكر منه شيئاً ولكن اعرض علي ما يحضرك. فعرضت عليه أصواتاً كثيرة وهو يقول: ما هذا الصوت الذي أريته! ثم قال: انصرف وأفكر لعلك تذكره. فانصرفت وأصبحت من بكرة طلعت إلى خدمته فقال: يا أبا الفرج، أي شيء كان من الصوت؟ قلت: يا مولاي، لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى. قال: والله لئن لم تذكره لأخرجنك من القلعة. فقلت: والله يا مولاي ما أدري، ما أذكر من صوت ما سمعته ولا ذكرت لي منه كلمة واحدة؟! فقال خذوه وأخرجوه. فأخرجوني إلى "البليل" فأقمت فيه يوماً.

فصل

ثم ردني وعدت إلى الخدمة كما كنت. فأنا يوماً في المجلس أغني إذ قال لي بعض الفراشين: على الباب رجل يطلبك. فخرجت إليه فرأيت رجلاً عليه عمامة مطلسة كعمائم المغاربة، فسلم علي وقال: قد قصدتك لتتوصل لي في الحضور بمجلس الأمير فأنا رجل مغن. فدخلت وأعلمته به فقلت: يا مولاي، إن كان مجيداً سمعته واستخدمته، وإلا وهبته شيئاً وانصرف. فأذن له فدخل فسلم وجلس فشد عوده وغنى: وخبّرها الروّاد أن ليس بينها ... وبين قرى نجران والدربِ كافرُ فألقت عصاها واستقرَّت بها النوى ... كما قرَّ عيناَ بالإياب المسافر فقال الأمير: لا إله إلا الله، هذا والله الصوت الذي رأيته في منامي وطلبته منك. فعجبت أنا ومن حضر لهذا الاتفاق. (عصا الأعرج) . وقال المؤلف أطال الله بقاءه في أعرج بيتين على سبيل الرياضة ذكرهما وإن لم يكن فيها ذكر العصا: عابوا هوى شادنٍ في رجله قصرٌ ... من سكر ألحاظه في مشيه ثملُ وما هوى خوط بانٍ ماسَ من هيفٍ ... عيبٌ، وإنْ كان عيباً فهو محتمل فصل قال المؤلف أطال الله بقاءه: زرت المقدس في سنة اثنين وث [لاثين] وخمسمائة، وكان معي من أهله من يعرفني المواضع التي يصلي فيها ويتبرك [بها] ، فدخل بي إلى بيت جانب قبة الصخرة فيه قناديل وستور، فقال لي: هذا بيت السلسلة. فاستخبرته عن السلسلة فقال لي: هذا بيت كانت فيه على عهد بني إسرائيل سلسلة، إذا كان بين اثنين من بني إسرائيل محاكمة ووجبت اليمين على أحدهما دخلا هذا البيت، فوقفا تحت السلسلة، واستحلف المدعى عليه، ثم يمد يده

فإن كان صادقاً أمسك السلسة، وإن كان كاذباً طالت عن يده فلا يصل إليها. فأودع رجل من بني إسرائيل جوهراً عند رجل، ثم طلبه منه فقال: أعطيتك إياه. فقال: تحاكمني إلى السلسلة. فمضى المستودع فأخذ عصاً فشقها وحفر فيها للجوهر وتركه فيها، ثم ألصقها عليه ودهنها، وأخذها في يده ودخل مع خصمه بيت السلسلة فقال للخصم: أمسك عني هذه العصا. فمسكها ثم حلف له أنه سلم الجوهرة إليه ومد يده فأمسك السلسلة ثم عاد أخذ العصا وخرجا، فارتفعت السلسلة من ذلك اليوم. ولم أر هذا الحديث مسطوراً، وإنما أوردته كما سمعته. قال المؤلف أطال الله بقاءه: كان عندنا بشيزر رجل زاهد من خيار المسلمين، اسمه جرار، رحمه الله، وكان منقطعاً على مسجد على جبل جريجس لا يخرج منه إلا على صلاة الجمعة، وكنت أزوره فيه وأتبرك به. فحدثني بعض من كان يخالطه أنه قال: أردت زيارة الشيخ يس رحمه الله وأظنه كان بمنبج فخرجت أنا ورفقة لي، وفي نفسي أن أطلب منه عصاً، فلما صرنا بالقرب من منبج ومعنا فضلة من زادنا فتحنا رحم حجارة ودفناها فيه ثم رددنا عليه الحجارة، ودخلنا على الشيخ رحمه الله فأقمنا عنده ما أقمنا، ثم ودعناه وعزمنا على المسير، فأحضر لنا زاداً وقال: احملوا هذا فإن زادكم أكله الثعلب. وأحضر عصاً وأخرج من تحت عمامته طاقية وقال لي: خذ هذه العصا وهذه الطاقية. فودعنا وانصرفنا وأنا مسرور بالعصا والطاقية، ونحن

نعجب من قوله عن الزاد. فلما صرنا إلى الموضع الذي فيه الزاد طلبناه فلم نجده، وإذا الوحش قد أكلته، فسرنا ثم افترقنا وركب كل منا قصده، فوصلت إلى أرض شيزر، وإذا الفرنج قد أغاروا على البلد، وهم منتشرون فيما بيني وبين قصدي، فوقع في نفسي أن أخرجت الطاقية من تحت عمامتي ووضعتها على رأس العصا ومشيت على الطريق، والفرنج عن يميني وشمالي وبين يدي والعصا في يدي وعليها الطاقية، فلا والله ما عارضني منهم أحد، كأن الله سبحانه وتعالى أعمى أبصارهم عني، فما نالني منهم سوء حتى وصلت إلى مأمني. قال المؤلف أطال الله بقاءه: ولعل من يقف على هذا الحديث يدفعه ويكذبه. وقد جرى بشيزر ما هو أعجب من هذا، وأنا حاضر نزل الفرنج علينا في بعض السنين، وكان الماء بيننا وبينهم، وهو إذ ذاك زائد لا يمكن خوضه، فما كان لنا إليهم سبيل ولا لهم إلينا، فلما تبينوا ذلك انتشروا في الأرض ودخلوا في البساتين يرعون خيلهم، فجاء نفر منهم إلى بستان على جانب الماء معهم خيلهم، فتركوها ترعى في قصيل من البستان وناموا، فتجرد رجال من أصحابنا وسبحوا إليهم ومعهم سيوفهم، فقتلوا منهم وجرحوا بعضهم، وانتشر الصياح في الفرنج وهم في خيمهم ففزعوا وجاءوا مثل السيل، كل من ظفروا به قتلوه، وانتهى بعضهم إلى مسجد مما يليهم يعرف بمسجد أبي المجد بن سمية، ونحن نراهم ولا سبيل لنا إليهم، وفي المسجد [رجل] يعرف بحسن الزاهد رحمه الله، واقف يصلي على سطحه وعليه ثياب سود صوفاً، وباب المسجد مفتوح، فجاء الفرنج وترجلوا ودخلوا المسجد، ونحن نقول: الساعة يقتلون الشيخ.

فلا والله ما قطع صلاته ولا تحرك من مصلاه، ونحن نظن أنهم يرونه كما نراه، إلا أن الله سبحانه وتعالى أعمى أبصارهم عنه، وحماه من كيدهم، وخرجوا من المسجد بأجمعهم وانصرفوا، والشيخ رحمه الله في مصلاه كما كان. وما العيان كالإخبار والسماع. قال المؤلف أطال الله بقاءه: حضرت بدمشق وقد وقع بين العميان وبين رجل كان يتولى وقفهم يعرف بابن البعلبكي خلف، فبقوا فيه صاحب دمشق شهاب الدين محمود بن تاج الملوك بوري رحمه الله عدة مرار، فقال للأمير مجاهد الدين بوزان بن مامين: أي مجاهد الدين، بالله خلصني منهم، واجمعهم وأحضر نائبهم في الوقف وافصل حالهم. فقال: السمع والطاعة. وقال لي مجاهد الدين: تفضل واحضر معنا. فاجتمعنا في إيوان كبير في دار، وحضر النائب ابن البعلبكي ونائب كان قبله يقال له ابن الفراش، وحضر العميان في نحو من ثلاثمائة رجل، فحملوا أقدمهم ودخلوا الإيوان، كل واحد وعصاه معه في يده وضعها إلى جنبه، ثم تجاروا الحديث، فكان بعضهم هواه مع النائب الأول ابن الفراش، وبعضهم هواه مع ابن البعلبكي. فتنازعوا وتخاصموا ساعة ولا يتدخل بينهم لعلو أصواتهم كثرتهم، ثم تواثبوا فارتفع في الإيوان نحو من ثلاثمائة عصا في أيدي عميان لا يدرون من يضربون. وعلا الضجيج والصياح حتى ندمت على حضوري. فتلطفنا الأمر حتى سكنت الفتنة بينهم، ومشينا أمرهم على ما أرادوا، وما صدقنا أنهم ينصرفون.

العصا فرس جذيمة الأبرش

العصا فرس جذيمة الأبرش قال المؤلف أطال الله بقاءه: ومع ما أوردته فيه من قول أصحاب السير وأشعار الشعراء فلا يحقق ذلك من مارس الحروب وعرف مكايدها، واتقاء الرجال التغرير، والتخوف من سوء عواقب الحيلة وضعف المكيدة. والحزم في الحرب أبلغ من الإقدام. وقد حاربت الفرنج في مواقف ومواطن لا أحصي عددها كثرة فما رأيتهم قط كسرونا فلجوا في طلبنا. ولا يزيدون خيلهم عن الخبب والنقل، خوفاً من مكيدة تتم عليهم. فكيف يحكم من في رأسه لب على نفسه حتى يدخل في غرارة مشدودة عليه أو في تابوت، وكيف يخفى الرجل إذا ربطت عليه غرارة. وخطر لي أن قلت عند انتهائي إلى هذا الموضع أبياتاً أنا ذاكرها، وهي: لو سرتَ في عرض البسيطة طالباً ... رجلاً خبيراً بالحروب مجرَّبا عانى الحروب مجاهراً ومخاتلاً ... طفلاً إلى أن عاد همّاً أشيبا قتل الأسودَ ونازل الأبطالَ في ال ... هيجاءِ واقتاد الكميَّ المحربا

فصل

لم تلقَ مثلي من يكاد يريه حس ... نُ الرأيِ ما قد كان عنه مغيَّبا وأرى مسير الألفِ تطلب وترها ... ضمنَ الغرائر فرية وتكذُّبا فصل قال الفرزدق في قصيدة مدح قيها هشام بن عبد الملك: رأيت بني مروان جلَّت سيوفهم ... عشاً كان في الأبصار تحت العمائم عصا الدين والعودين والخاتم الذي ... به الله يعطي ملكه كلَّ قائم عصا الدين: السيف. والعودان: العصا والمنبر رأيت الغشاواتِ انجلتْ حين أعطيتْ ... هشاماً عصا الدين الذي لم يخاصم فصل قال معن بن أوس المزني: إذا اجتمع القبائل كنتَ ردفاً=أمام الماسحين لك السبالا فلا تعطى عصا الخطباءِ فيهم=وقد تكفي المقادةَ والمقالا وقال آخر في عصا الخطابة: إذا اقتسم الناسُ فضلَ الفخارِ ... أطلنا إلى الأرض ميل العصا

تقول العرب: ما تزال تحفظ أخاك حتى يأخذ القناة فعند ذلك يفضحك أو يمدحك. نقول: إذا قام الخطيب والقناة بيده فقد قام المقام الذي يخرج منه مذموماً أو محموداً. وقال جرير بن عطية: من للقناة إذا ما عيَّ قائلها ... أم للأعنَّة يا عمرو بن عمار عن عبد الله بن رؤبة العجاج قال: سأل رجل رؤبة عن أخطب بني تميم، فقال: خداش بن لبيد بن بيبة خالد. يعين البعيث الشاعر. وإنما قيل له البعيث لقوله: تبعَّث مني ما تبعَّث بعد ما ... أمرَّتْ حبالي كلَّ مرَّتها شزرا قال أبو اليقظان: كانوا يقولون: أخطب بني تميم البعيث إذا أخذ القناة فهزها ثم اعتمد بها على الأرض ثم رفعها. يريد بالقناة العصا. قال يونس: لئن كان مغلبا في الشعر لقد غلب في الخطب. العرب تقول: اعتصى بالسيف، إذا جعل السيف عصاً. وقال عمرو بن الإطنابة: وفتًى يضرب الكتيبةَ بالسَّي ... فِ إذا كانت السيوفُ عصيا وقال [عمرو بن] محرز: نزلوا إليهم والسيوفُ عصيُّهم ... وتذكّروا دمناً لهم وذحولا

فصل جامع

فصل جامع قال عمرو بن بحر الجاحظ: الدليل على أن [أخذ] العصا مأخوذ من أصل كريم، ومعدن شريف، اتخاذ سليمان بن داود عليهما السلام العصا لخطبته وموعظته، ومقاماته، وطول صلواته وتلاوته وانتصابه. فجعلها لتلك الخصال [جامعة] . وقول الله عز وجل: (فلمَّا قضينا عليهِ الموتَ ما دلَّهمْ على موتهِ إلا دابّة الأرض تأكلُ منسأته) . والمنسأة هي العصا. وقال أبو طالب حين قام بذم الرجل الذي ضرب أبا نبقة (وفي نسخة أبا نيقة) واسمه علقمة، حين تخاصما: أمن أجل حبلٍ ذي زمامٍ ضربته ... بمنسأةٍ قد جاء حبل وأحبلُ و (المحجنة) : العصا المعوجة. وفي الحديث المرفوع أنه صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت يستلم الأركان بمحجنه. وفي الحديث أن أبا بكر رضي الله عنه أفاض من جمع وهو يخرش بعبرة بمحجنه. والعرب تقول: "لو كان في العصا سير" للمقل والضعيف. قال أبو تمام حبيب بن أوس الطائي:

يا لك من همَّةٍ ورأى ... لو أنه في عصاك سيرُ ربَّ قليل أجدى كثيراً ... كم مطرٍ بدؤه مطيرُ صبراً على الحادثات صبراً ... ما فعل الله فهو خيرُ وتقول العرب: قد أقبل فلان و [لانت] عصاه، إذا أصابه السواف وهو ذهاب المال وموته فرجع وليس معه إلا العصا، فإنه لا يفارقها إن كان معه إبل أو لا. قال حميد بن ثور: واليوم ينتزعُ العصا من ربِّها ... ويلوك ثنيَ لسانهِ المنطيقُ قيل: كانت العرب تقاتل بالعصي، فلهذا قال الأعشى ميمون بت قيس ابن جندل: لسنا نضارب بالعصي ... ي ولا نقاذف بالحجاره إلا بكلِّ مهندٍ ... عضب من البيض الذِّكاره قضم المضاربِ باترٍ ... يشفي النفوسَ من الحراره وقال جندلٌ الطهوي: حتَّى إذا دارت عصانا تجرى ... صاحت عصيُّ من قناً وسدرِ تقول العرب: "العصا من العصية والأفعى من الحية". تريد أن الأمر الكبير يحدث من الصغير.

والعرب تسمي الصغير الرأس: رأس العصا. وكان عمر بن هبيرة صغير الرأس، فقال فيه سويد بن الحارث: [من مبلغٌ رأسَ العصا أن بيننا ... ضغائن لا تنسى وإن قدم الدهرُ وقال آخر] : من مبلغٌ رأسَ العصا أن بيننا ... ضغائن لا تنسى وإن هي سلَّتِ رضيتَ لقيسٍ بالقليل ولم تكن ... أخاً راضياً إنْ صدر نعلك زلَّت أي لم تكن قيس ترضى لك بالقليل. وقال أبو العتاهية في والبة بن الحباب وقومه وكانت رءوسهم صغارا: رءوس عصيٍّ كن في عود أثلةٍ ... لها قادحٌ يفري وآخر مخربُ وفي حديث زواجِ رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وقد تكلم أبو طالب وذكر رغبته فيها فقال قائل منهم: "ابن أخيك الفحل لا يقرع بالعصا أنفه". وذلك أن الفحل اللئيم إذا أراد الضراب في الإبل ضربوا أنفه بالعصا. وفي خطبة الحجاج: "والله لأعصبنكم عصب السلمة، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل". وذلك أن الأشجار تعصب أغصانها لتجتمع، ثم تخبط بالعصا ليسقط ورقها وهشيم العيدان لتأكله الماشية.

قال المؤلف أطال الله بقاءه: زرت قبر يحيى بن زكريا عليهما السلام بقرية يقال لها سبسطية من أعمال نابلس، فلما صليت خرجت إلى ساحة بين يدي الموضع الذي فيه القبر محوط عليها، وإذا باب مردود ففتحته ودخلت، وإذا كنيسة فيها نحو من عشرة شيوخ رءوسهم مكشوفة كأنها القطن المندوف، وقد استقبلوا الشرق وفي صدورهم عصي في رءوسها عوارض معوجة على قدر صدر رجل، وهم معتمدون عليها، وشيخ بين يديهم يقرأ، فرأيت منظراً يرق له القلب، وساءني وآسفني إذ لم أر في المسلمين من هو على مثل اجتهادهم. فمضت على ذلك مدة فقال لي يوماً معين الدين أنر رحمه الله وأنا وهو نسير عند دار الطواويس: اشتهى أنزل أزور المشايخ. قلت: الأمر كذلك. فنزلنا ومشينا إلى منزل عرضي طويل، فدخلناه وأنا أظن أن ما فيه أحد، وإذا فيه نحو من مائة سجادة وعلى كل سجادة رجل من الصوفية عليهم السكينة، والخشوع عليهم ظاهر. فسرني ما رأيت منهم، وحمدت الله عز وجل، إذ رأيت في المسلمين من هو أكثر اجتهاداً من أولئك القسوس، ولم أكن قبل ذلك رأيت الصوفية في دارهم، ولا عرفت طرقهم. ويقال "يوم أطول من ظل القناة، وأحر من دمع المقلات" قال عبد الله بن الدمينة: ويوم كظلِّ الرمح قصَّر طوله ... دمُ الزِّقِّ عنا واصطفاق المزاهر

فصل في بديع ما جاء في عصا الكبر

ويقال رجل كالقناة، وفرس كالقناة. قال عروة بن الورد: متى ما يجيءْ يوماً إلى المال وارثي ... يجدُ جمعً كفٍّ غيرِ ملأى ولا صفرِ يجد فرساً مثل القناةِ وصارماً=حساما إذا ما هزّ لم يرض بالهبر ويقال للرجل إذا لك يكن معه عصا: باهل؛ وناقة باهل إذا كانت بغير صرار. فصل في بديع ما جاء في عصا الكبر وقال المولى مؤيد الدولة مؤلف هذا الكتاب أطال الله بقاءه في المعنى: أسفي على عصر الشباب تصرَّمت ... أيامه لا بل على أيامي لم أبكه أسفاً على مرح الصِّبا ... ووصالِ غانيةٍ وشربِ مدام لكن على جلدي وخوضي معركاً ... يرتاع فيه الموتُ من إقدامي بيدي حسامٌ كلّما جرّدته ... يومَ الوغى أغمدته في الهام ولصدرِ معتدلِ الكعوب حطمته ... في صدر كبشِ كتيبةٍ قمقام ونزالِ فرسانِ الهياج كلُّهم ... فرقٌ لهول تقحُّمي ومقامي ولقتليَ الأسدَ الضَّواريَ نحطها ... كالرَّعد قعقعَ في متون غمام تقلى إذا لاقيتها أسداً له ... بأسٌ يبيح به حمى الأجسام

لو أنَّ عينَ أبي زبيدٍ عاينتْ ... فتكاتهِ لأقرَّ بالإحجام فحملتُ من بعد الثَّمانينَ العصا ... متيقِّنا إنذارها لحمامي وقال أيضاً أطال الله بقاءه في المعنى: مع الثمانينَ عاثَ الضَّعفُ في جلدي ... وساءني ضعفُ رجلي واضطرابُ يدي إذا كتبت فخطِّي جدُّ مضطربٍ ... كخطِّ مرتعشِ الكفينِ مرتعدِ وإن مشيت وفي كفِّي العصا ثقلت ... رجلي كأني أخوض الوحل في الجلد فاعجبْ لضعف يدي عن حملها قلماً ... من بعد حطم القنا في لبَّة الأسد فقلْ لمن يتمنّى طولَ مدّته ... هذي عواقبُ طول العمر والمددِ قال المؤلف أطال الله بقاءه: دخل علي بالموصل سنة ست وعشرين وخمسمائة رجل من أهل الموصل نصراني يعرف بابن تدرس، وهو شيخ كبير يمشي على عصا ليسلم علي، وأنشدني والعصا بيده قبل السلام: أحمدُ الله إذْ سلمتُ إلى أن ... صرت أمشي وفي يدي عكَّازة نعمةٌ ليتني بقيت عليها ... حذراً أن أشال فوق جنازة وقال آخر: عصيت العصا شرخ شبيبتي ... فلما انقضى شرخ الشباب أطعتها أحمِّلها ثقلي ويحسب كلُّ من ... رآها بكفّي أنني قد حملتها

وقال المؤلف رحمه الله: حملتْ ثقليَ في السهل العصا ... ونبتْ بي حين حاولت الحزونا وإذا رجليَ خانتني فلا ... لوم عندي للعصا في أن تخونا قال المؤلف: وأنشدني العميد أبو الحسن علي بن أبي الآمال بالموصل في سنة ست وعشرين وخمسمائة، ولم يسم القائل: مازلت أركب شاكلاتِ الربرب ... حتَّى مشيت على العصا كالأحدب وتزلُّ رجلي كلَّما ثبَّتها ... فكأنني أمشي الوحى في الطُّحلب أأزيد ثالثة وأنقص عن مدى ... مشى اثنتين لقد أتيتُ بمعجب والليثُ لو بلغت سنوه سنَّي أو ... قاربنها، أمسى فريسةَ ثعلب قال: وأنشدني القاضي الرشيد أحمد بن الزبير بمصر تسع وثلاثين وخمسمائة، للشاعر المعروف بابن المكربل: تقوَّس بعد طول العمر ظهري ... وداستني الليالي أيَّ دوسِ فأمشي والعصا تمشي أمامي ... كأن قوامها وترٌ لقوس قال المؤلف رحمه الله: أنشدني مجد الدين أبو عمران موسى ابن الخطيب قدوة الشريعة يحيى الحصكفي رحمه الله، بظاهر ميافارقين في شعبان سنة إحدى وستين وخمسمائة:

كبرتُ إلى أن صرتُ أمشي على العصا ... لتجبر ما أعرى الزَّمان من الوهن يقولون ما تشكي وهل من شكاية ... أشدَّ على الإنسانِ من كبر السنِّ قال: وأنشدني أيضاً لبعضهم: حملتُ العصا لا الضَّعف أوجب حملها ... عليَّ ولا أنِّي تحنَّيتُ منْ كبرْ ولكنني ألزمت نفسيَ حملها ... لأعلمها أن المقيم على سفرْ قال: وأنشدني بها الموفق نصر بن سلطان لبعضهم: كل أمرٍ إذا تفكرت فيه ... وتأملته تراه طريفا كنت أمشي على اثنتين قويا ... صرت أمشي على ثلاث ضعيفا قال المؤلف رحمه الله: إذا تقوّس ظهر المرء من كبر ... فعاد كالقوس يمشي والعصا وترُ فالموت أروح شيء يستريح به ... والعيش فيه له التعذيب والضرر وقال أيضاً في المعنى: إذا عاد ظهر المرء كالقوس والعصا ... له حين يمشي وهي تقدمه وترْ وملّ تكاليف الحياة وطولها ... وأضعفه من بعد قوّته الكبر فإن له في الموت أعظمَ راحةٍ ... وأمناً من الموت الذي كان ينتظر وقال المؤلف رحمه الله: حنانيَ الدهر وأف ... نتني الليالي والغيرْ فصرتُ كالقوس ومن ... عصاي للقوس وتر

أهدج في مشي وفي ... خطوي فتورٌ وقصر كأننّي مقيدٌ ... وإنما القيدُ الكبر والعمر مثل الماء، في ... آخره يأتي الكدرْ وأنشدني الأمير السيد شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن شهاب الدين العلوي الحسيني، بالموصل في شوال سنة خمس وستين وخمسمائة، لبعض المغاربة: ولي عصاً في طريق السَّير أحمدها ... بها أقدِّم في تأخيرها قدمي كأنها وهي في كفِّي أهشُّ بها ... على ثمانين عاماً لا على غنمي كأنني قوسُ رامٍ وهي لي وترٌ ... أرمي عليها رماء الشَّيب والهرم قال المصنف رحمه الله: وحدثني الشريف الإمام شمس الدين أبو المجد علي ابن علي بن الناصر للحق الحسيني الحنفي بالموصل، في شهر رمضان سنة خمس وستين وخمسمائة قال: خرج خواجا بزرك وفي يده عصا، وهو ينشد هذين البيتين: بعد الثمانين ليس قوه ... لهفى على قوّة الصُّبوَّه كأنني والعصا بكفِّي ... موسى ولكن بلا نبوّه قال: وأنشدني أيضاً قال: أنشدني والدي أبو الحسن علي قال: أنشدني والدي أبو طالب يحيى قال: أنشدني والدي الأمير أبو شجاع وقد علت سنه وحمل العصا: أهدى ليِ الدهرُ رجلاً منه ثالثةً ... ما كان أحسنني أمشي بثنتينِ أمشي بها وهي تمشي بي معاونةً ... ما كان أحسنني أمسي بلا عونِ

هديَّة كنت آباها فصيَّرها ... إليَّ بالرغم مني قرَّةَ العينِ بانَ الشباب وجاء الشَّيب يصحبه ... يا ليتها صحبةٌ تبقى لا بينِ وقال المؤلف رحمه الله: ويحَ السِّنينَ ومرِّها ... ماذا بنا هي فاعله جعلت عصايَ ولم تكن ... شغلي لكفِّيَ شاغله محمولة هي في المجا ... ز وفي الحقيقة حامله والعمرُ ألجأني إلي ... ها والقوى المتخاذله والنَّفس عما سوف تل ... قى حين تسلمُ غافله وجميعُ مكروهاتها ... في العيشة المتطاولهْ قال المؤلف رحمه الله: قصّر خطوي وحنى صعدتي ... مزورُّ دهرٍ خائن خابلِ وصار كفّي مالكاً للعصا ... من بعد حمل الأسمر الذابل أمشي بضعفٍ وانحناء على ... عصايَ مسيَ الصائد الخاتل كأنَّني لم أمش يوم الوغى ... إلى نزال البطل الباسل ولم أشقَّ الجيش لا أختشي ... من الردى كالقدرِ النازل فانظرْ إلى ما فعل العمرُ بي ... من طوله لم أحظ بالطَّائل يا حسرتا إنِّي غداً ميّت ... على فراشي ميتَ الخامل هلّا أتاني الموتُ يومَ الوغى ... بين القنا والأسلِ الناهلِ وقال أيضاً: نظرتْ إلى ذي شيبة متهدِّمٍ ... أفناهُ ما أفنى من الأعوام يمشي وتقدمه العصا وقد انحنى ... فكأنها وترٌ لقوس الرامي

ورأتْ سماتِ الأريحيَّة والنَّدى ... ودلائلَ المعروف والإقدام واستخبرتْ عنِّي فقلت له امرؤ ... نائي المواطن من كرام الشَّام نبت الديارُ به وضاق فسيحها ... عنه ففارقها بغير ملام قالت من أيِّ الناسِ أنت فقلت من ... أولاد منقذَ في ذرًى وسنام من معشر أبداً تروح رماحهم ... بدم العدى مخضوبة الأعلام تحمي البلادَ سيوفهم وتبيح ما ... تحميه دونهم سيوفُ الحامي النازلين بكلِّ ثغر خائف ... والآمنين معرَّةَ الجرَّام وإذا أناخ السائلون بجوِّهم ... عادوا ثقالَ الظَّهر بالإنعام كم فيهم عند الحقوق إذا عرتْ ... من باذلٍ متبرِّع بسَّام تغني يداه إذا هما همتا ندًى ... في المحل عن صوب الغمام الهامي يتهلَّلون طلاقةً ويخافهم ... لسطاهمُ الآسادُ في الآجام قالت فأين همُ فقلتُ أبادهمْ ... دهرٌ وهل باقٍ على الأيام ووددت لو ناهلتّهم كأسَ الردى ... ووردتُ قبلهمُ حياض حمامي فحياةُ مثلي بعد عزّ باذخ ... ومعاشرٍ غلبٍ ومالٍ نام ونفاذِ أمر لا يردّ، يطيعه ... فيما قضى العاصي من الأقوام لأشدُّ من غصص الحمام وراحتي ... بالموت غايةُ منيتي ومرامي فبكت بزفرة موجع لو صادفت ... حجراً لذاب من الزَّفير الحامي وقال أيضاً: حمَّلتُ ثقلي بعد ما شبتُ العصا ... فتحملته تحمُّل المتكارهِ

ومشت به مشيَ الحسير بوقره ... لا يستقل مقيَّدا بعثاره ما آدها ثقلي ولكن ثقل ما ... أبقى الشباب عليَّ من أوزاره ورجايَ معقودٌ بمن أعطى أخا ... السَّبعين عهدة عنقه من ثاره وقال أيضاً: غرضتُ من الحياة فكلُّ عمري ... تصرَّم بالحوادث والخطوب فما ظفرت يدي بسرورِ يومٍ ... بغير همومِ حادثةٍ مشوبِ صباً كالسُّكر أعقبه شباب ... تقضّي بالوقائع والحروب ووافى بعده شيبٌ بغيض ... فلا سقياً لأيام المشيبِ أراني طيب لذّاتي ولهوى ... يعدُّ من الجهالة والعيوبِ وأدّاني إلى كبرٍ وضعف ... وأدواء خفينَ على الطبيب إذا رمتُ النُّهوض ظننتُ أنّي ... حملت ذرى الشّناخب من عسيب فإن أنا قمت بعد الجهد أمشي ... فمشي حين أعجل كالدَّبيب تسيِّرني العصا هوناً وخلفي ... مسيرُ الموت كالرِّيح الهبوب وأفنى الموتُ إخواني وقومي ... وأترابي فها أنا كالغريبِ وفيما قد لقيت ردًى وموتٌ ... ولكن ليس قلبي كالقلوب

وقال أيضاً: إنْ ضعفتْ عن حمل ثقلي رجلي ... ورابني عثارها في السهل أمشي كما يمشي الوجي في الوحلِ ... مشيَ الأسير موثقاً بالكبل فللعصا عنديَ عذرُ المبلي ... إن عجزت أو ضعفت عن حملي وقال أيضاً وكتب بها في كتاب إلى والده الأمير عضد الدين أبي الفوارس مرهف إلى مصر يطلب منه عصاً من آبنوس: أريد عصاً من آبنوسٍ تقلُّني ... فإن الثّمانين استعادت قوى رجلي ولو بعصا موسى اتَّقيتُ لآدها ... على ما بها من قوَّةٍ حملها ثقلي ولكن تمنَّينا الرّجاءَ بباطلٍ ... وكم قدرُ ما ترخي المنايا وكم تملي إذا بلغَ المرءُ الثمانين فالرّدى ... يناديه بالتَّرحال من جانب الرَّحلِ وقال أيضاً: لما بلغت من الحياة إلى مدى ... قد كنت أهواهُ تمنَّيت الرّدى لم يبقِ طولُ العمر مني منَّةً ... ألقي بها صرفَ الزّمانِ إذا اعتدى ضعفت قوايَ وخانني الثِّقتانِ من ... بصري وسمعي حين شارفت المدى فإذا نهضتُ حسبت أنِّي حاملٌ ... جبلاً وأمشي إن مشيت مقيَّداً وأدبُّ في كفِّي العصا وعهدتها ... في الحرب تحمل أسمراً ومهنَّدا وأبيت في لين المهاد مسهَّداً ... قلقاً كأنّنيَ افترشت الجلمدا والمرءُ ينكس في الحياةِ وبينما ... بلغ الكمالَ وتمَّ عاد كما بدا وقال أيضاً: ألوم الرَّدى كم خضته متعرِّضا ... له وهو عنِّي معرضٌ متجنِّبُ

وكم أخذت منِّي السُّيوفُ مآخذ ال ... حمامِ ولكنَّ القضاءَ مغيَّبُ إلى أن تجاوزتُ الثمانينَ وانقضت ... بلهنيةُ العيش الذي فيه يرغب وأصبحت أستهدي العصا فتميلُ بي ... لضعفي عن قصدي كأنِّيَ أنكب وقال أيضاً: قد كان كفِّي مألفاً لمهنَّدِ ... تعري القلوبُ له وتفرى الهامُ قوله "تعرى" من العرواء، وهي الحمى ولأسمرٍ لدنِ الكعوب وحازه ... حيث استمرَّ الفكرُ والأوهامُ يتزايل الأبطال عنِّي مثلَ ما ... نفرت من الأسد الهصورِ نعامُ فرجعتُ أحملُ بعد سبعينَ العصا ... فاعجبْ لما تأتي به الأيّام وإذا الحمامُ أبى معالجة الفتى ... فحياته لا تكذبنَّ حمامُ قال مؤيد الدولة مؤلف هذا الكتاب، رحمه الله: هذا آخر ما قلته وجمعته، وألفته ورصفته، في ذكر العصا. وبه نجز الكتاب، بعون الملك الوهاب.

رسالة التلميذ لعبد القادر بن عمر البغدادي

رسالة التلميذ لعبد القادر بن عمر البغدادي 1030-1093

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه الطيبين الطاهرين. [أما بعد] فهذه كلمات ذكرتها لمعنى التلميذ، فإني لم أجد هذه الكلمة مذكورة في كتب اللغة المتداولة، المدونة [لبيان] الجليل والحقير، وذكر النقير والقطمير، كالجمرة لابن دريد، والصحاح للجوهري، والمحكم لابن سيدة، والعباب للصاغاني، والقاموس لمجد الدين الفيروزابادي، وغيرها، إلا في لسان العرب لابن مكرم، فإنه أورده في مادة (تلمذ) وقال: "التلاميذ: الخم والأتباع، واحدهم تلميذ"، مع أنها كلمة متداولة بين العام والخاص، وكثيرة الاستعمال في تآليف العلماء الأعلام. وكان الباعث لهذا أني لما قرأت كتاب مغنى اللبيب، ووصلت إلى قوله في الباب الخامس "حكي لي أن بعض مشايخ الإقراء أعرب لتلميذ له بيت المفصل" رأيت شارحه الفاضل إبراهيم بن الملا الحلبي قال: "التلميذ: القارئ علي الشيخ. ولم أقف عليه في شيء من كتب اللغة المتداولة كالصحاح والقاموس وغيرهما". فحينئذ تتبعت بطون الدفاتر، من مصنفات الأوائل والأواخر، حتى رأيته في كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري، فإنه ساق فيه شعرا للبيد بن ربيعة العامري الصحابي وفيه هذا البيت: فالماء يجلو متونهنّ كما ... يجلو التلاميذ لؤلؤاً قشبا وقال بعد إنشاد الأبيات: "التلاميذ غلمان الصناع. والقشب والقشيب: الجديد، والجمع القشب".

ورأيته أيضا في شعر أمية بن أبي الصلت، وهو شاعر أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يوفق للإيمان به. وغالب شعره في الواعظ وتذكير الآخرة وقصص الأنبياء، وهو مما لا يكاد يقضى العجب منه. قال في قصيدة: والأرض معقلنا وكانت أمَّنا ... فيها مقامتنا وفيها نولدُ وبها تلاميذ على قذفاتها ... حبسوا قياماً فالفرائص ترعدُ قال شارح ديوانه: "التلميذ الخدم، يعني الملائكة". وقال أيضا في قصيدة أخرى: صاغ السماءَ فلم يخفض مواضعها ... لم ينتقص علمهَ جهلٌ ولا هرمُ لا كشِّفت مرةً عنَّا ولا بليت ... فيها تلاميذ في أقفائهم دغمُ وقال شارحه هنا أيضا كذلك. ورأيت في المقامة الأولى من المقامات الحريرية قوله: "فوجدته محاذيا لتلميذ، على خبز سميذ، وجدى حنيذ، وقبالتهما خابية نبيذ". قال شارحه الشريشي: التلميذ متعلم الصنعة، التلميذ الخادم، والجميع التلاميذ". وأنشد بيت لبيد المتقدم، ثم قال: "وطلبة العلم تلاميذ شيخهم" اه. وإهمال داله لغة فيه، قال أمية بن أبي الصلت في القصيدة الدالية التي تقدم إنشاد بيتين منها: فمضى وأصمد واستبدَّ إقامةً ... بأولىِ قوى فمبتَّل ومتلمدُ قال شارحه: "يريد متلمذ، أي خادم من التلاميذ. وتلمذ: جعل للخادمة. "متلمذ" بكسر الميم. وأراد بأولى قوي: الملائكة الذين يحملون العرش. وقوله: "فمضى" يعني الله عز وجل. واستبد، يعني لا يستشير أحدا، يقال استبد

فلان برأيه، إذا لم يستعن أحدا على ما يريد. والمبتل: المفرد اه. ويؤخذ منه أن تاءه أصلية، ووزن تلميذ فعليل، وأن له فعلا متصرفا هو تلمذه كدحرجه، بمعنى خدمه، يتلمذه كيدحرجه، تلمذة وتلماذا، كدحرجة ودحراجا، فهو متلمذ كمدحرج بمعنى خادم، وذاك متلمذ أي جعل خادما. وإطلاق التلميذ على المتعلم صنعة أو قراءة، لأنه في الغالب يخدم أستاذه. وقول الناس: "تلمذ له" و "تلمذ منه" بتشديد الميم، خطأ، لأنهم توهموا أن التاء زائدة، وليس كذلك، وصوابه "تلمظ له" و "تلمظ منه" بالظاء المشالة المعجمة. ولمظه أي أطعمه وأذاقه. والتلمظ: تتبع اللسان بقية الطعام في الفم. وقد يكني به عن الأكل، استعير للتعليم شيئا فشيئا. والتلميذ يجمع على تلاميذ، فإن فعليلا يجمع على فعاليل، كبرطيل وبراطيل، وعفريت وعفاريت، وقنديل وقناديل، وإصليت وإصاليت، وإبريق وأباريق، ومنديل ومناديل. وأما قولهم في جمعه "تلامذة" فعلى توهم أنه اسم أعجمي، فإن الهاء في الجميع تكون في أحد ثلاثة مواضع: (أحدها) الاسم الأعجمي المعرب، سواء كانت للتعويض عن مدة نحو أستاذ وأساتذة، أم لا نحو موزج وموازجة، وكيلجة وكيالجة. (ثانيها) للتعويض عن ياء النسب في المفرد، نحو أشعثي وأشاعثة، ومهلبي ومهالبة، وأزرقي وأزارقة. (ثالثها) للتعويض [إما] عن ألف خامسة جوازا نحو حبنطي وحبانطة، وعفرني وعفارنة، وإما عن [عين] مضاعفة نحو جبار وجبابرة. وفي غير هذه المواضع الثلاثة قليل نادر كفحولة وحجارة. قيل: وقد يرخم التلاميذ في الشعر على تلام، كقول الطرماح: تتقي الشمس بمدريَّةٍ ... كالحماليج بأيدي التلام

والحماليج: منافخ الصاغة الطوال، وأحدها حملوج. شبه قرن البقرة الوحشية بها. قال الجواليق في المعربات: "التلام أعجمي معرب، قيل هم الصاغة، وقيل غلمان الصاغة، وقيل هم التلاميذ". وأنشد هذا البيت. وأنشد ابن برى في حاشية الصحاح قول غيلان بن سلمة الثقفي أيضا: وسربال مضاعفة دلاص ... قد أحرز شكها صنع التلام وروى: "التلام" في البيتين بفتح التاء وكسرها. أما الفتح فعلى أنه مرخم التلاميذ ضرورة. وقد اقتصر عليه صاحب الصحاح، وقال: "التلام التلاميذ سقطت منه الدال". وصاحب الصحاح تابع في هذا الأبي على، قال في المسائل العسكرية: ومن قبيح الضرورة قول الشاعر: مثل الحماليج بأيدي التلام. قالوا: يريد التلامذة، فحذف. وقد أعلمتك أن ذلك يكون على الترخيم فيما تقدم. إلا أنه قد جاء من هذا النحو ما لايكون في الترخيم كقوله: درس المنا بمتالع فأبان. قالوا: يريد: المنازل. ومثل ذلك ما أنشدوه لأبي دواد الإيادي: فكأنما تذكىسنابكما حبا. قيل يريد الحباحب، أي نار الحباحب. وفي التنزيل: "فالموريات قدحا". انتهى كلامه.

وأبا الكسر فعلى أنه جمع "تلم" بكسر فسكون، بمعنى الغلام. قلل ابن مكرم: فمن رواه: التلامي، بفتح التاء وإثبات الياء، أراد التلميذ، يعني تلاميذ الصاغة. هكذا رواه أبو عمرو، وقال: حذف الذال من آخرها. ومن رواه: التلام، بكسر التاء، فإن أبا سعيد قال: التلم الغلام. قال: وككل غلام تلم، تلميذا كان أو غير تلميذ، والجمع التلام. وقال أبي الأعرابي: التلام: الصاغة، والتلام: الأكرة"اه. وأقول: "الصاغة" تصحيف من الصناع لوقوعه في صحبة الحماليج. ويدفعه البيت الثاني. وقال صاحب القاموس: " التلم، بالكسر: الغلام، والأكار، والصائغ أو منفخه الطويل. وكسحاب: التلاميذ، حذفت ذاله. ولم يذكر الجوهري غيرها، وليس من هذه المادة إنما هو من باب الذال"اه. أقول: أما قوله: "الأكار والصائغ" فأخذه من قول ابن الأعرابي، على أن الصاغة والأكرة بالتحريك جمع صائغ وأكار. وأما قوله: "أو منفخه" فقد أخذه من قول بعضهم، وقد غلط فيه. نقل الأزهر عن الليث أب بعضهم قال: التلام الحماليج التي ينفخ بها. قال: وهذا باطل. والعجب من صاحب القاموس، أنه اعترض على صاحب الصحاح في ذكره التلام في باب الميم، مع أنه أثبته مثله، ولم يذكره في باب الذال.

المجموعة الثالثة

المجموعة الثالثة

رسالة ابن غرسية

رسالة ابن غرسية

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم رسالة خاطب بها أبو عامر بن غرسية أبا عبد الله بن الحداد يعاتبه فيها ويفضل العجم على العرب، وكتب بها من لارة. سلام عليك ذا الروى، المروى، الموقوف قريضه على حللة بجانة أرش اليمن، بزهيد الثمن، كأن ما في الأرض إنسان، إلا من غسان، أومن آل ذي حسان. وإن كان القوم أقنوك، وعن العالم أغنوك، على حسب المذكور، فما هذا الإعمال للكور، وترك الوكور. وقل ما تأخذ الشعرة في الرحيل، إلا عن الربع المحيل! ولو أن القوم خلطوك بالآل، لما أحوجك إلى الخبط في الآل. مه مه، من أحوجك إلى ركوب المهمة، وثقف، وودك لا تقف، على من اضطرك إلى الإيغال، وباعك بيع المسامح بك لا المغال، وعوضك من الأندية، بجوب الأودية، ومن المآلف، بقطع المتالف، وحملك على مخالفة الحصان، ومحالفة الحصان، ووكلك بمسح الأرض، ذات الطول والعرض، فإذا يممت تبالة، تتبالة، وصرت ضغثا على إبالة، تتعلل باليمين، ضنا بالعلق الثمين.

أحسبك أزريت، وبهذا الجيل البجيل ازدريت، وما دريت، أنهم الصهب الشهب، ليسوا بعرب، ذوي أنيق جرب، أساورة، أكاسرة، مجد، نجد، بهم، لا رعاة شويهات ولا بهم، شغلوا بالماذى والمران، عن رعي البعران، وبجلب العز، عن حلب المعز، جبابرة، قياصرة، ذوو المغافر والدروع، للتنفيس عن روع المروع، حماة السروح، نماة الصروح، صقورة، غلبت عليهم شقورة، وشقورة الخرصان، لكنهم خطبة بالخرصان. ما ضرَّهم أن شهدوا مجادا ... أو كافحوا يومَ الوغى الأندادا. ألاَّ يكون لونهم سوادا ... أرومية روميّة، وجرثومة أصفريّة. نمتهم ذوو الأحساب والمجد والعلى ... من الصُّهب لا راعو غضاً وأفانِ. من القدم، الماس الأدم، لم تعرق فيهم الأقباط، ولا الأنباط، حسب حري، ونسب سري، أمكم لأمنا كانت أمة، إن تنكروا ذلك تلفوا ظلمة، ولا تهايل، في التكايل، فما سسنا قط قرودا، ولا حكنا برودا،

ولا لكنا عرودا، فلا تهاجر، بني هاجر، أنتم أرقاؤنا وعبدتنا، وعتقاؤنا وحفدتنا، مننا عليكم بالعتق، وأخرجنا كم من ربق الرق، وألحقناكم بالأحرار، فغمطتم النعمة، فصفعناكم صفعا، يشارك سفعا اضطركم إلى سكنى الحجاز، وألجأكم إلى ذات المجاز. رزن، رصن. جمالَ ذي الأرضِ كانوا في الحياة وهمْ ... بعد المماتِ جمال الكتب والسِّيرِ إذا قامت الحرب على ساق، وأخذت في اتساق، وقرعت الظنابيب، وأشرعت الأنابيب، وقلصت الشفاه، وفغر الهدان فاه، وولي قفاه، ألفيتهم ذمرة الناس، عند احمرار الباس، الطعن بالأسل، أحلى عندهم من العسل. مستسلمين إلى الحتوف كأنما ... بينَ الحتوف مبينهم أرحامُ. من أمنياتهم، حلول ميتاتهم، لهم على القدمة اليدان، على التنائي والتدان. من الألي غيرَ زجرِ الخيل ما عرفوا ... إذ تعرفُ العرب زجرَ الشَّاء والعكرِ. بصر، صبر، تزدان بهم المحافل، والجحافل، قيول على خيول، كأنها فيول، كواكب، المواكب، نجوم، الرجوم، من العجم، ضراغمة الأجم، بنو غاب،

المنتفون من كل عاب، لم تلدهم صواحب الرايات، بل تبجحت عليهم سارة الجمال ربة الإباة، شمخ، بذخ، بررة أقيال، جررة أذيال. بخ بخ، أحلتهم سيوفهم سطة الأرضين، فما قنعوا بذلك ولا رضين، حتى دوخوا المشارق والمغارب، واستوطنوا من المجد الذروة والغارب. بضربٍ يزيل الهامَ عن سكنانه ... وطعنٍ كتشهاق العفا همَّ بالَّهقِ شرهوا برنات السيوف، لا بريات الشنوف، وبركوب السروج، عن الكلب والفروج، وبالنفير، عن النقير، وبالجنائب، عن الحبائب، وبالخب عن الخب، وبالشليل، عن السليل، وبالأمر والذمر، عن معاقرة الخمر والزمر، وباللقيان، عن العقيان، وعن قنيان القيان، طياتهم، خطياتهم، وغلاتهم، آلاتهم، وحصونهم، حصنهم، أقيال، آباؤهم من بين الأنام أقتال. أولئك قومي إن بنوا شيَّدوا النبي ... وإن حاربوا جدُّوا وإن عقدوا شدُّوا وضح، رجح، لا حفزة عكر، ولا حفرة أكر، ملوك جلة، لا محرقو

جلة، ندس، غنوا بالإستبرق والسندس، عن البت، المقيظ المشت، المجموع من النعيجات الست بسل، لا حراس مسل، ولا غراس فسل، ملك لقاح، ليس منهم في ورد ولا صدر شراب در اللقاح، بل شرابهم النبيذ، وطعامهم الحفيذ، لا زهيد الهبيد، في البيد، ولا مكون، الوكون، ولا منهم من احتشى، بمذموم الكشى، ولا في سائر الأحفاشمن وليد وناش، من اغتذى بالأحناش، فلا يقمقع لهم بالشنان، ولا يوعوع لهم بالشنآن، فكف أيها الشان فلهم عظيم الشان، واليد الطولى إذ تخلصوكم من أكف الحبشان، صنيع، منيع، ومنة، لا يشوبها منة، فيالها منحة، لكنها أعقبت محنة، إذ صادفت كفرة، لا شكرة. إيها، إذ تأبطتم تيها، معشر البداة، العداة. اعتقدتم غلا، فاستثرتم صلا. أما علمتم أن الدولة النوشروانية، والمملكة الأردشيرية بقروا أجوافكم، وخلعوا أكتافكم، ثم عطفوا، ورأفوا، وملكوكم الحيرة، بعد الحيرة. قللا، ذللا، تتخيرون البنات، عند البيات، مبهورات، لا ممهورات فبرم من ذلك غسانكم ونعمانكم، وكان برمه سببا لدرء أمانكم، فأصبح بعد جر

الذيول، مدوسا بأخفاف الفيول. والكرام بنو الأصفر، الأطهر الأظهر، عطفتهم عليكم الرحم الإبراهيمية، والعمومة الإسماعيلية، فسمحوا لكم من الشام بأقصى مكان بعد ما كان، من سيل العرم ما كان، يؤدي نعمانكم، وغسانكم، لقروم الأعاجم، الإتاوة على الجماجم. هذي المكارمُ لا قعبانِ من لبنٍ ... شيبا بماءِ فعادا بعدُ أبوالا. مهلا بني الإماء، عن الغمز والإماء، فنحن عرق، غرق، في الأنساب الصميمة، والأحساب العميمة، فمن يهولنا أو يروعنا، وقد رسخت في المجد أصولنا وفروعنا، ومن يطولنا، وكل الورى قد شمله فضلنا وطولنا. شرفٌ ينطح النُّجوم بروقي? ... ?هِ وعزٌّ يقلقلُ الأجبالا. حلم، علم، ذوو الآراء الفلسفية الأرضية، والعلوم المنطقية الرياضية. كحملة الأسترلوميقي والموسيقي، والعلمة بالأرتماطيقي والجومطريقي، والقومة بالألوطيقي والبوطيقي، [والنهضة بعلوم الشرائع، والطبائع، والمهرة في علوم الأديان، والأبدان.

همُ ملكوا شرقَ البلاد وغربها ... وهم منحوكم بعد ذلك سوددا ما شئت من تدقيق، وتحقيق، حبسوا أنفاسهم على العلوم البدنية والدينية، لا على وصف الناقة الفدنية، فعلهم ليس بالسفساف، كفعل نائلة وإساف أصغر بشأنكم، إذ بزق خمر باع الكعبة أبو غبشانكم، وإذ أبو غالكم، قاد فيل الحبشة إلى حرم الله لاستئصالهم. [غضوا الأبصار، فهذا الذكر إلى الفحش أصار] . أزيدك أم كفاك وذاك أني ... رأيتك في انتحالك كفتَ أحمقْ. فلا فخر معشر العربان، الغربان، بالقديم، المفري للأديم، لكن الفخر بابن عمنا، الذي بالبركة عمنا، الإبراهيمي النسب، الإسماعيلي الحسب، الذي انتشلنا الله تعالى به وإياكم من العماية، والغواية. أما نحن فمن أهل التثليث وعبادة الصلبان، وأنتم من أهل الدين المليث وعبادة الأوثان، ولا غرو أن

كان منكم حبره وسبره، ففي الرغام يلغي تبره، والمسك بعض دم الغزال، والنطاف العذاب مستودعات بمسك العزال. لله مما قد برا صفوة ... وصفوة الخلق بنو هاشم وصفوة الصفوة من بينهم ... محمد النور أبو القاسم بهذا النبي الأمي، أفاخر من تفخر، وأكاثر من تقدم وتأخر، الشريف السلفين، والكريم الطرفين، الملتقي بالرسالة، والمنتقي للأداء والدلالة، أصلى عليه عدد الرمل، ومدد النمل، وكذلك أصلي على واصل جناحه، سيوفه ورماحه أصحابه الكرام، عليهم من الله أفضل السلام. يابنَ الأعاربِ ما علينا باسُ ... لم أحكِ إلا ما حكاه الناسُ هذا. ولم أشتمْ لكم عرضاً ولكنْ ... حدوتُ بحيثُ يستمع الحداءُ ثم أحج بشاعر غسان، لا ساسان، في هذا العيد، بالوعيد، وأحر في هذا الفصل، بعدم الوصل. لقد غم آخرك، لكن بالرغم أخرك، إذ أضربت عن مديح، علقنا الربيح، معز الدولة شهمنا الرئيس، وسهمنا النفيس، قيل الأمم، وسيل الأمم، معنى المعاني، ومغنى المغاني، ذي الرياسة الساسانية، والنفاسة النفسانية. فاذهب، يا غث المذهب، وابتغ في الأرض نفقا، أو في السماء مرتقى، فهذه ألية، جلبت عليك بلية. أو حك من البسيط والمديد، ما تستجير به من بطشنا الشديد، إذ نحن معشر الموالى، لا نوالى، إلا من هو

لعظيمتنا موالى، وحذار حذار أن تقرع سن الندم، ولات حين مندم، قبل أن تجمع ذنوبك، على ذنوبك، وكربك في كربك، فمن أبصر، أقصر، وما حرف، من صديقه خروف. فلا تتبشَّعْ ممضَّ العتا? ... ?ب يلقاك يوماً بلقياه لاق فإنَّ الدواءَ حميدُ الفعالِ ... وإن كان مرًّ اكريةَ المذاق يا معتقل علم الشعر، والمستقبل بقلم النظم والنثر. قد استحييتُ منك فلا تكلني ... إلى شيءٍ سوى عذرٍ جميل وقد أنفذتُ ما حقِّي عليه ... قبيحُ الهجو أوشتمُ الرسولِ وذاك على انفرادك قوتُ يوم ... إذا أنفقتَ إنفاقَ البخيل وكيف وأنت علويُّ السَّجايا ... وليس إلى اقتصادك من سبيل وقد يقوى الفصيحُ فلا تقابلْ ... ضعيفَ البرّ إلا بالقول وإنّ الوزن وهو أصحُّ وزن ... يقام صفاهُ بالحرف العليل فإنْ يكُ ما بعثتُ به قليلا ... فلي حالٌ أقلُ من القليل نجزته من كلام المعري. والسلام عليك ما سبح الفلك، وسبح الملك، ورحمة الله وبركاته.

رد أبي يحيى بن مسعدة

رد أبي يحيى بن مسعدة

الرد على ابن غرسية منشئ الرسالة المتقدمة، مما عنى بإنشائه وتأليفه الشيخ المبارك الأفضل أبو يحيى بن مسعدة نفعه الله بها وجعلها حجَّةً له عند الحاجة إليها. ومن يعصِ أطراف الزجاج فإنه ... يطيع العوالي ركبتُ كلَّ لَهذَمِ إياك أعنى أبا عامر، ولا أقول خامري أمَّ عامر، بل أعربك جنى غرسيه، فالتقط يا لقيط غرسية. هيهات جئت إلى دفلى تحركها ... مستطعماً عنباً حرَّكت فالتقط شربك الحميم، وشعاري لك حاميم، فخلع عن مقلدك البريم، وذق إنكَ أنت العزيز الكريم. رميت بما لو أنَّ ترمى ... به لتنهبتها الإنسُ نهبا لمن بعثت يا غثيث من هامد دجنك أوارا، وأرثت من خامد ابنك نارا. وإن النار بالعودين تذكى ... وإن الحرب يقدمها الكلام

مثلك يا دميّ العجم، ودمي العجم، تعدى للأعراب مواليه بسفه، أو تصدى لمعارضة فخارها ببنت شفة؟! غرَّك أن توليتها بحكم المقاسم، وأن ظأرت أمك لها أحور من جآذر عاسم. كلا: فما الكرج الدنيا ولا الناس قاسم ما استجلاك الدويا آبقُ إن سفرت، ولا خلا لك الجو حتى بضت وصفرت، في مثل هذا المعمر، نقر واصفر، وبهذا المحمر، يا مصفر استه حمر وصفر، بموقف لا يعز على الأوس بن تغلب، أن تهان وتغلب. رويدك حتى يلحق الداريون، أصحاب الجياد المكفيون، وتالله لا تغسلك معي الحواريون، بعد أن أتقدم لتأديبك، وأفضح في الحقين عذرة أديبك مناقلك في الأراجيز، وناقلك إلى معرض التعجيز، شيخ الاعتزال، وصريع أهل السنة إذا تداعوا نزال، الأعمى البصر والبصيرة، وشعوبي هذه الجزيرة. عمىٌ حذوك الغيّ أي عجيبةٍ ... أعمى دليل هدى أو أخرس ينطقُ

لشد ما سمع بك في الأملاء، وسرك بالإجلاء في الخلاء، وأرسلك سائماً ورتع في خلاء، كفته في معاني القرآن زحلوفاته الزل الضل، وكمته في نحوه عثراته التي يدمى منها الأظل، مما تحك في الدلى والدوى ومطارحك السلام على ذي الروى المروى، لقد أعلك بواضحها وأبل، وأغلك من فاضحها ما أسلَّ، ورماك يا رجيم بدائه وانسل، فتصنعت بمعار حلاه، وتنطقت بما تلاه، وتشبعت بالعار الذي تولاه، كالخصيِّ يفخر بمتاع مولاه. كثاقبة لحلى مستعار ... بأذنيها فشانها الثقوب فردَّت حلىَ جارتها إليها ... وقد بقيت بأذنيها ندوب أولى لك يا زفر، يا است عيرٍ يحكه الثفر، حين نهقت، وبلسان العرب سباتك تفقهت، فقلت: أولئك قومي إن بنوا شيدوا البنى ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا مالك يا وقاح، ولهذا الحي اللقاح، تفوهت بكلامهم، ونفهت عن أفهامهم، وأهلت بشعارهم، وتمثلت بأشعارهم، وشجعت في أعيارهم، وما نارك من نارهم. هلا رتقت بفطانتك، ونطقت بعجبتك ورطانتك.

أظنك شاهدت لياليهم بالجمع، أو قعدت منهم مقاعد للسمع، ودانيت السرار فاسترقت، وضمك السرار فأغدقت، وأعجزكح النزع فأمرقت، وأورقت وما أخرفت، ثم فسلت، وظننت أنك طلت، بل سفلت، وحيث وجب لك أن تسجد بلت. وقيل يا رخمُ انطقى ... في الطير إنك شر طائر فأنت بما هي أهله ... والغي من شلل المحاور أما كان لك يا لئيم الجدود، ومدرأ الحدود، ولآبائك لفظٌ تحكيه، أو لذوي ولائك من العجم قبرق بجلق تبكيه، أو نحوٌ بلسانك تضعه، أو لحنٌ في شأنك تخفضه وترفعه، فقاولت العرب بلسان هامان، وناضلتها بطمطمة بيحائيل ورومان فتذرها تسبر ما خلقت، وتصبر لسبائك على لكنك لما صدقت. فما على البدر من نبح الكلاب ولا ... يوماً على البحر يرمى فيه بالحجر هذا جزاؤها في تدريبك وتعليمك، وتصريف ألفاتها في حلقة ميمك، فلا ماء وجهك أبقيت، ولا حرجَ أمّك العفلاء أنقيت. ما أنبذك يا نبيذ لذمامها، وأقل شكرك على كفالتها لك وإلقاء أقلامها، لكن أمنت سورة إقدامها،

وضمنت عن مثلك سعة أحلامها، فساجلتها بخلق أرمامها، وجاذبتها فضول كلامها. "ليس قطاً مثل قطي"، ولا الرشد من الغيّ. يموت الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يموت المرء من عثرة الرحل فروغِى جعار، وبدار الإنصاف بدار. من يهن يسهل الكلام عليه ... ما لجرح بميت إيلام وبعد قرعك صفاك، وصفع قفاك، ننتقل إلى نقلة أديانكم، وجهلة أحباركم ورهبانكم، وإقامة أقانيمكم الثلاثة في سنودساتكم الست وهذيانكم، ثم نرسل عليكم خيل البيان شزباً غراثا، ونبعثها ملاحم تنسى الكلاب وملهماً وبعاثا، وتنقض ما غزلت أمك الورهاء بعد قوة أنكاثاً. هما الشظاظان فحولى فحولكما ... لأقطعن بالمرار حبلكما اشدد حيازيمك للمناقش، واجذذ جراميزك عن المناهش، فعلى أهلها دلت بأذاها براقش، أتظن أن تقنع منك اليمن بالأرش، أو سبأ الحاضرون برد العرش، هذا يا ضب أشد من الحرش، نكرت يا نكير، ويا عوير، أن تتحامى الشعرة أبؤسها بالغوير، لوحل رائدها أرض تبالة، لما حرم ولا تواله، ولكنها أعرضت عنه تبالة، ورأى أكمةً فتباله، وترك الضغث والإبالة، وجهد أن

يلحق آله وثمالة، وقال من ابن يزيد ومن ثمالة. تيامنْ تجاهك تلق الكلا ... منيراً وتأمن في المسلك إيه ليت شعري من علقك الربيح في الزمان، وهل أحاط بسقعه هدهد سليمان؟ لعلك تعنى الموفق، ذا النجار الملفق، حاجب الظاهر، ومملوك معافر، عجم دانية، وعرك سردانية. أين أمك، ثكلتك أمك، وهل سوى زعنفة من زعانف الريف، وسفاسف السيف، العراة الحقوين، السراة كمسرى القين، المعتصمين بالخيزرانة بعد الأين. ومن يسكن البحرين يعظم طحاله ... ويغبط بما في بطنه وهو جائع متى جرى، يا عبد عبدة الأوثان، مدح العجم على آسان من لسان، أو تبعهم قائل بإحسان، عياذاً ببشر وأمية وحسان، وحقَّ للمعروف تقريضه، الموقوف على حللة بجانة قريضه وإن كانت أرش اليمن، فيها نودي عليكم

بأبخس الثمن، أن يزدري بفرعك المجيل، وجيلك النجيل، من النجل والتنجيل، يا أشلاء الرحم البجيل، والبظر السجيل، وقد راعتكم من غسان وخولان، وصميم قيس وعيلان، الرائع النجيل، أصحاب الغرر والتحجيل، الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل، يا تبعة المجوس، وقرعة القرن والناقوس، ألسنا بالقوس، وأنتم بالقرقوس، عبدة التثليث، وشردة أجزاء الثالوث، لقد أبحتم السمرة للعاضد، وجشتم بما فضحت قومها غامد، الجوهر وروح القدس وابن الإنسان إله واحد، صمّى صمام، لا بالصماخ ولا الصمام بالحرا تألفت لكم تلك الأقانيم الثلاثة في قرون من الدهر، وقد كان بين أقنومين منها بزعمكم سبعمائة شهر. لقد ضل أقنوم بين سنودسين، واتحد أهل التكليف منكم خلال اتحاد الكلمة بالنفسين، وليتها كانت تسعة فانقرض عليها جيلكم، وانقرض من الاختلاق إنجيلكم. يا قرب ما تلفقت لكم هذه الألوهة دون تكليف، وتنزهت وحدانيتها عن التأليف بالتسويف. وعلى أنّ الجاثليق قد أتاكم في الزيادة عليها ببعض القول، ورد فرض أحكامكم المنسوخة إلى العَول. كفى ما بين الملكانية والنسطورية من فسادٍ في الوضع،

واختلاف في الأناجيل الأربعة بغير إسناد ولا قطع، لهؤلاء جزء من الإله ولهؤلاء جزء، أليس هذا يا هزأة عين الفكاهة والهزء. وحاطب جاء بعارٍ يحطب ... بفيه من ذاك حجار الأثلب ثم مالكم، ويلكم، توسعتم في الكيان، وضايقتم معبودكم بتضايق المكان، ونقلتموه من عالم العقل إلى عالم الحس، وأفردتموه من الإنسانية عن روح القدس، فنقضتم الأسلوب، وقستم الجمع المربوب، وعبدتم منه الجزء المصلوب. أبدع بهذا البدع، وأقدر بشعب هذا الصدع، وأقذر بالسب واللذع، وأحقر بأمة لم تنقذ معبودها من الجذع، أتظنونه أعفاكم من طلب ثأره، وأعاذ كم يوم هول المطّلع من ناره، أم تراه إذا قادكم للعرض وأوقفكم بين يديه للجزاء يأخذ بحقه منكم ويوفيه، أنم يترك للناسوت هدراً ثلاثة فيه. جاءوا بعقي ثم قالوا بنوا ... يا ويحهم أحمقوا أو جنوا ولما أخلفكم التبطين والتحليق، وأعيا عليكم التدخين والتخليق، وخلف على دينكم الجاثليق، حليتم خشبة المسيح بعد رفعه عسجدا، وتوليتم مكانها عيداً ومسجداً، هلاّ نصرتموه في حياته، أو تحديتم بتأليف أثلته قبل وفاته. هلا جعلتم رسول الله في سَفَط ... من الألوة أحوى ملبساً ذهبا

ثم مهيم، يا أبا مريم، وهات الحديث عن مريم ثالثة آلهتكم، والنصب الذي توفضون إليه ببلاهتكم، أليست العذراء البتول، المحصنة أم الرسول، الطيبة النجار، الطاهرة الإزار، ما لكم قذفتموها بإنكار المهد قبل قذفها بيوسف النجار. صلامة كحمر الأبك ... لا جذع فيها ولا مذك يا غواة الهدى، وعواة الصدى، لقد خذلتكم ضلالات السرى، وخبلتكم خيالات الكرى. أطرق كرا أطرق كرا ... إن النعام قي القرى أي حذاء من أديمكم يرقع، أم أي حلى لنسائكم يقعقع، ألاتخاذكم الصاحبة للرحمن، أم لرميكم بالكذب ابنة عمران، تصدقون من مشبهتكم لوقا ويحنا، وتكذبون من قال لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا. يا للعجاب، وهل أمام هذه السوأة من حجاب. حافية من عانة أو بيشا ... تحلق حلق النورة الجميشا لمثل هذا استقادك السفه والعمه، وجعلت أمنا لأمكم أمة. أسمع صوتاً ولا أرى أحدا ... من ذا الشقيّ الذي أباح دمه حاشى لإبراهيم أن يكون لكم أباً وإن كنتم بنيه فمه، ثم مه، وهبك هاجر أمة، بخْ بخْ، أزم بعقبك الفخّ، نكاح، أم سفاح، وكم بين محظور

ومباح. أنَّى لبضع أماتكم للحنيفية جنوح، أو في نكاح عماتكم ما أوصى به نوح، لقد ذهبتم من العار بجمه ورُمِّه، والفحل السوء ببدأ بأمه. في الفرق بين السرارى والهيرات، وخبرهن الذائع وأبنائهن الأنبياء والخلفاء والسادة السراة، ما يرفع الالتباس، ويعرّف بمنجبات الناس. وسل عن سبط داود وسليمان، وبني عبد المطلب وخلائف بني العباس. على أن العرب لا تترجح للأمهات، ولا تتبجح بذكر الحرمات، ولا رضيت الشغار كفعلكم بالبنات، بل وأدتها للحفيظة هبرا، ووردت بها حياض الثكل صبرا، واختارت لهن جنن القبور صهرا. والموت أكرم نزّال على الحرم وتقدر يا قدار، ما صيرت للآلك في ذِ كرسارة من حديث مدار ربة الإياة أمكم، بل ابنة هاران عمكم، ذارية السبط، وعارية صادوف طرخان القبط، إذ غصبها، ولولا عصمة النبوة لعصبها، فتداركها الله بأمنا

ذات المناسك الخمس، ومخلصتها من ملك عين الشمس، إذ نافحت عنها بإرهاص الوحي والتنزيل، وشهدت ببراءتها عند إبراهيم الخليل، فاختارها على أمكم لوراثة أمره، وتسراها بعد ثمانين من عمره، فكانت بكر سلالته ووصي أبينا إسماعيل صلوات الله عليه حامل رسالته، وما زالت أمكم حتى نافستها في السلام، ووسمتها بثلاث لغدرها بقين سنة في الإسلام، ولم ترض لها بيسان بيتا فرضى الله بالبيت الحرام. لزت بها ضرة زهراء واضحة ... كالشمس أحسن منها عند رائيها فرحلت عنها أثره الفراق، طاهرة الأعراق، سائرة مع جبريل على البراق، فبحق تزهى بنو هاجر، بالتهاجر، وتلهى بالتكاثر والتفاخر، يا فاجر. رأيت اللسان على أهله ... إذا قاده الجهل ليثاً هصوراً وأما ما جلبت عليه يا خائن برجلك، ونكست به حذاء صدرك نصال نبلك من ذكر صواحب الرايات، والسارين بأمثال أمك للبيات، فقد رجعت في ذلك يا شام على أدراجك، وبحثت عن مدية لأوداجك، حلا أم عامر عساك ناديتنا من أقرب طية، ونزعت بك إلينا عروق من سمية. دونك هيلي بكيلك الوافي. واعرنزمي مياد للقوافي

سمية أخيذة من أسراكم، وسرية تصيرت إلى أبي جبر ثم إلى الحارث ابن كلدة من هدايا كسراكم، فأزوجها الحارث مسروحاً في حي مضاع، وبيت قعيدته لكاع، تسرح في حيال، ويبيت عندها مصطلباً شيخ العيال. فإن كان واثبها حليف عهد، أو سافحها أو خاتلها عن قصد، فسامحته بما سامحها. ثم صارت إلى عبيد، بغير عقد، وظنت أن في كل أوديتها بني سعد. كعادتها فيما مضى من شبابها ... كذلك تدعو كل مرة أرامله أتراها من الاثنى عشر ألفاً بغين، ببلاد الأرمن، حاضرة ملككم، وسميساط واسطة سلككم، اللائي حظرهن طاغيتكم عن التزويج، وأباح

فروجهن لغراميل العلوج، بوظيفة دينارين ونصف دينار في السنة على كل واحدة وقفها على مأكله ومشربه، وجعلها سنة باقية في عقبه. فلولا الريح أسمع من بنجد ... صليل البيض تقرع بالذكور فيا لها نعمة، أضاعت طعمة، وغنم إفادة، جلبتها قيادة، وزكاء خراج، يمخض زبده إدخال وإخراج، ويملأ في كل فيقة عسَّ أبي سواج، أتحيط، يا بليط، بهذه الروايات حسباناً، أو تحصل لها بظوراً أو جوفانا. لقد نبهت بهذا السماع هاما، وقلقلت للقراع بها يلملما وشماماً. أظنك هذا اعتمدت، أو جمعت قافات الكندي وأنشدت: شرف ينطح النجوم بروقي ... هِ وعزٌ يقلقل الأجبالا فهلا يا جاهل، وشر مباهل، سقت البيت الثاني بعده والثالث، وضفتهما بشرف قومك على إيقاع المثاني والمثلث، أأردت يا ضبع أن تخلع فخارها التغلبي، وتكسوه مغلوبه الدمستق المسبي، إذ أذاقه سيف الدولة بأساً ونكالاً، وغطى منه ببنية الحدث جبيناً وقذالاً.

وحماها بكل مطرد الأك ... عاب جور الزمان والأوجالا ألم يأن لك أن ترجع في الروايات إلى ربيك، وتأخذ هذه المنحة من ربيك، وتستر دونها من عواري، وتغطي هذه الفضيحة بأطماري، فاربع لاربعت، ولا طرت مع النوكي ولا وقعت. وقد بزمام بظر أمك واحتفر ... بأير أبيك الفسل كراث عاسم وأما عوسك بالأيغال، ونوسك في خبر أبي رغال، فناهيك من ثقفي مثاقف، وناحت أثلة عدوه ناقف، ضمه القسر، وضامه الأسر، فساق لأعدائه الأعراض والوسوم، ووصف لهم الأطلال والرسوم، حتى بلغ حتفه أبا يكسوم، فأقره بالمغمس بعد صياله، وأنزله عن محمود غير محمود لاستئصاله، وأسلمه للصلدم الصالم، فهل هو في ذايال همدان ظالم؟ وعلى أن العرب لم تعذر إليه في استكانته للأعادي، ودلالته للتخلص بفيل المعادى، ورجمت قبره كما رجمت قبر العبادى.

ها إنها عذرة إلا تكن نفعت ... فإن صاحبها مشارك النكد وتعرف، يا مقرف، إذا أخسرت بشأننا، وسخرت لانتصاف قصيٍّ من أبي غبشاننا، والأصح في الآثار، عن نقلة الأخبار، أنَّ أبا غبشان ما أضاع البيت ولا باعه، وأن عبد منافٍ وأخاه رزاحاً غلبا عليه خزاعة، وانتزعاه منه عنوة ورأى الله انتزاعه، وإن صح البيع في مفرد الإسناد، وانتسب إلى أهل الجدل والعناد، فخزاعة لم تعرق في السدانة، ولا كان لها طوق بحمل تلك الأمانة، فرزحت بحملها، وضحت عن ظلها، وأسلم أبو غبشان مفاتح الكعبة لأهلها، ورثة الدعوة الإسماعيلية، وخالصة الملة الإبراهيمية، قرعة ولد إسماعيل في قصيٍّ وعبد مناف، والعترة الهاشمية أولى الرحلتين والإيلاف. الخالطين فقيرهم بغنيهم ... والظاعنين لرحلة الأضياف أربح بها صفقة قمر، وولاية أمر وذمر، وشراء أم رحمٍ بزقِّ خمر. شرت القلوب رخيضة أعلاقه ... ومضى يغض بنانه المغبون أي فعل هذا، من حواريكم يهوذا، الذي هو عندكم أفضل من موسى بكر التنزيل، وخير من نوح وسرافيل والخليل، إذ سام بإلهكم عيسى على دعواكم سوم العبيد، وباعه بثلاثين درهماً من اليهود، فجللوه الخبط، وسقوه الخل وأفرشوه السبط، ثم جنبوه وسحبوه وصلبوه، قلتم وقال الله تعالى: "وما قتلوه وما صلبوه". وما فتئتم بعد تولون يهوذا التعزيز والتبجيل، وتأخذون

عنه مختلفات الإنجيل، وتسجدون له ولصاحبيه مرقش ومتى، وتزعمون أنهم يمشون على الماء ويحيون الموتى. شاهت تلكم الوجوه، ولا عدم اللطيم منها والمنجوه. إذ لم تخش عاقبة الليالي ... ولم تستحي فافعل ما تشاء ذلك كله والنبوة غضة بمائها، وعصا المسيح بقرفها ولحائها، والوحي من ورائها والملك على أرجائها، والعهد جديد، والحلقة حديد. لكنهم: نزعوا بسهم قطيعة تهفو به ... ريش العقوق فسار غير سديد فأين بناة الصروح ونماة السروح، بل عصمة السفوح، ولعقة الدم المسفوح، متى ملكوا الأرضين، أو أعطوا من جزيرة العرب مارضين، أبعد أن استباحهم الحبشان، وضربت عليهم الجزية وكانت أول خراج بالزمان. فما زلتم تشغلونهم من أبنائكم بالأماثيل، ويعملون لهم ما يشاءون من محاريب وتماثيل، حتى أخدموكم بيوت النيران، وقدموكم للحرث مع الثيران، فما أنف ذو جاهكم ولا أنقر، ولا أحلى ولا أمقر، كذلك الكلاب على البقر. أهذه النجد البهم، لا رعاة شياه ولا بهم، ومن لرعي التشويهات يا كشاجم، غير العسفاء والأعاجم، سواس الخنازير، وحرَّس

المجازير، ندحة الأكر، ولقحة الشجر لا العكر، ما حاكوا قلت برودا، ولا ساسوا قروداً، ولا لاكوا عروداً. لقد أوضحت لو وافقت، ووصفت لو أنصفت، قل لي فمن رقم البرود بنيسابور، وغرس زيتون العراق لسابور إذ غل أيمانكم، وكسر صلبانكم، وقسر على الغلمة لشفاء الغلمة ولدانكم، تعبدهم وعبدهم، وسورهم وخلدهم، وطوقهم وقرطهم، وماشهم وطرقهم. وبعد ذلك أخذ في جذكم ونقلكم، وزنق فقحة هرقلكم، فصارت في ملوككم مثلة، ولهذا لم تزنق بعد في أرضكم بغلة، إما لتحرّج من الأعذاء، أو تعرج عن شماتة الأعداء، يفعل هذا بالذليل يا بني الصيداء! ترى، يا فقع وادي القرى، حضر هناك لسلفكم حوك برود، ورشف برود، ولوك عرود. رزها، يا مزهي، بمدامنة فهود، كما زعمت وسياسة قرود، وتذكر حال أيتامك، وقدر على هذا الإصبع سعة خيتامك. ولا تغضبن من سيرة أنت سرتها ... وأول راضٍ سيرة من يسيرها

وما ذكرت من إناوة غسان، لسليح يا خطل اللسان، فتلك سارية من خلال الأزد، وفلال عرم السد، رازوا لقومهم البلاد فضلّوا، وفقدوا ملأهم فقلوا، فما عداهم، أن داهنوا عداهم، حتى استقلوا، وأمروا ففلوا. ولما تدارك غابرهم، ودجعا دراك حارثهم وعامرهم، قصروا خطاهم، وقصروا مطاهم، وأعطاهم جذع من سيفه ما أ 'طاهم، ثم جعل قومه بعد يضربونهم في الأعراض والرواجب، ويناوبونهم بين الصفرية والرواجب، حتى استرهنوا منهم قوس حاجب، رغبةً في خفرهم، وإجارة سفرهم، وتجهيز لطائمهم، وتجويز خطائمهم، وجعلت ملوككم تخولنا بالجعائل والوضائع، وتنحلنا ضروب الوشى والقطائع. وإساءات ضى الإساءة يذكر ... نك يوماً إحسان ذي الإحسان هذه أقيالكم ال: اسرة، وأجيالكم القياصرة، لاها الله إلا الفيوج المتقاصرة، وعلوج بخت نصر وناصرة، عاملوا المهن، وحاملوا الأهن، وباذلو

السكين، والهن، يا طعام الأحلام، وحمال أوتار الحلام، ألهذه الخلال، واستقراء الأحوال بهذا الاستدلال، نحن أرقاؤكم وحفدتكم، وعتقاؤكم وعبدتكم؟ لو ساترة شوار كلمتني، أو ذات سوار لطمتني! ألم تدر يا أحثر، يا مجتني الحثر أن جدنا يعرب هو الذي أرقاكم ورفعكم، وصفع بالبج من صفعكم، ووسمكم بسواد جلدته وسفعكم، وأجلاهم عنكم إلى ريف عمان وماسان، وأطراف خراسان، فلما غمطتم نعمته، وأمطتم إمته، عادكم من عيده، وسابقة وعيده، ذو نواس فناسكم وداسكم، وخرب نواويسكم، وبهر أنفاسكم وجذَّكم عن ماء المعمودية، وردكم إلى دين اليهودية، فمن أي دين تحسبون، أو إلى أي رحم تنسبون، إلى الأفياء السورية، أو إلى الأغبياء النسطورية، والأدعياء الصفورية، نسب موضوع بين العفار والعفر، ومنتسب مقطوع في رومة ونهر الصفر. فخالف فلا والله تهبط تلعة ... من الأرض إلا أنت للذل عارف

وما لكم، والذي كثر آلاكم، وأنتم أعجز الأمم بعولا، وأجفرها فحولا، وأثقلها ظهراً مرحولا، ومنكم الأسقف والنطران، والبطرك والمطران، وفيكم الجب والخصاء، والعدّ في وذعة المساس والإحصاء، إلى أفراد رئيسكم ورهبانية شماسكم وقسيسكم، وأنتم مع ذلك أكثر أهل الكتاب عدداً، وابق نسائهم ولداً، ما ذاك إلا أن ضربت فيكم الأكراد والأنباط، والحبشة والأقباط، فمنكم الصفر والسمر، والغنر البرش الحمر، يظاهرون بمقر فيهم لا منجبيهم، والأم تضحك منهم لعلمها بأبيهم: ألا أنها تسرى إذا نام أهلها ... فتأتي بشيء ليس في الظن يخطر وما فخرت به يا حمار، يا ميراث أنمار، من حملة الأسترلوميقي، والعلم بالأرتماطيقي والألوطيقي، كفخر الأمة بحدج ربتها. ذلك لمستنبطي يونان وساسان، وكينية بابل وكلذان وكاسان، أصحاب العلوم الأرضية، والتعاليم الرياضية، من الطبقة الفيثاغورية، والفلاسفة الهرمسية. معالم عفّت ملوككم آثارها، وطمست أنوارها، بغواية قسطنطينكم، وغباوة المفلق لدينكم، ابن الهلانية، وقيم الملة الطبانية: حبوت النصارى بها معلناً ... لها غير كاتم أسرارها ولم أدر أنك من قبلها ... تحب السياط بأثمارها

اللهم ناقلة فيكم من فارس، وخدمة تلك المدارس، لقنوا من آثار اللحون طريقة، وحطوها تقليداً لا حقيقة، يندبون بها في نوحكم، ويقصفون عليها في سعانينكم وفصحكم، فما أنتم وذا، لاقذيت أعينكم من قذى، إن قلت: لكم بوطيقي لا موسيقى، وأرضى ثيقي لا جو مطريقي، وصفت قومك، وعرفت سومك: إياك يعنى القائلون بقولهم ... إن الشقي بكل حبل يخنق وأما قيلك يا سفساف، من العرب في نائلة وإساف، فتانك صخرتان نصبتا كاللات، وثالثتهما مناة، وجدوها على زمزم مواثل جلفا، وطافوا بها ظناً أن تقربهم إلى الله زلفى. فإن صح الخبر ووضح الأثر، بمسخهما عبرة لمقارفة العبث، وموافقة الفسوق في حرم الله والرفث، فزيادة في الإنذار، وأخذ في تعظيم شعائر الله بالإعذار. أين هذا المعتقد يا بني الاستاه، الأجلاه، من جمود السماء عندكم سبعمائة سنة أن محت لكم اسم ابن الله، وأن يحنا المغيث المنزل للمطر، الآتي من أفسس، في الكلمة والجلاد بالبهت المستطر، مسجى في بيعته الآن، من ذلك الأوان، عبيط الدم، غض الأدم، مشيراً باليد والقدم: يحج مأمومةص في قعر لجفٌ ... فاست الطبيب قذاها كالمغاريد

وأنسيت يا هامان، ما وعوعت به وجعجعت في قبر كسرى والنعمان: يا مدعى سوران منزل جده ... قل لي لمن أهناس والفيوم أحرار الفرس كفاؤنا، وأعداؤنا أكفاؤنا، نجتلد ونحتطم، وكما قال أخو لقمان: "ألطمك إذا لم أجد من ألطم". فما للروم والخرس، أولى الأراكنة الملس، والأعاريب الحمس. "حن قدحٌ ليس منها". ومع هذا فقد أنبأتك الأمم الخوالي، والرمم البوالي، أن العرب لا تنكح العجم ولا الموالي، لذلك أحب أبرويز أن يصمها بهناته، وأراد من أبي قابوس أن ينكحه إحدى أخواته، ويستولي على حرمه وحرماته، فرغب عن صهره، على عظيم أمره، وطوى الحديث معه على غره، وأغراه في قومه بالسواد. وأحاله على بقر السواد، فكان في حق الإباء، وكرم الآباء، ألا يلوي إليه صفحاً، ويضرب عنه الذكر صفحاً، وينأى بكسرويته، ويشمخ بقوميته، ولا يرجع لغدره وكيده، ويتزيده خدعة وقد نصب لصيده: ذئب فلاة كيده دارع ... صادف ليئاً كيده حاسرُ والذل دلّ على فسالته، وخفة نسالته، رأيه العاجز بعد موته، في حرائبه ونزله وتهافته على أخذ ماله وأهله، فحماها عنه ذؤبان العرب وحمسها،

شيبانها ومازنها وأوسها، وصدوه عن حوزته إلى الأطرار، واتبعوه بحرب ذي قار، ثم أزالوه عن ملك ظفار: إذ جنبنا خيلنا من ظفار ... ثم سرنا بها مسيراً بعيداً فاستبحنا بالخيل ملك قباذ ... وابن أفلوذ جاءنا مصفودا فهذا أبرويزكم، لا أبان تمييزكم، الذي بذكره تبجحت، وعذره رجحت، هو الذي دوخ أريافكم، ووطئ أكتافكم، وأورثنا ورثته بالمدائن أسيافكم، وحطكم من الحزوم، وأقصاكم إلى أبعد التخوم، وبه نزلت في قصتكم: (آلم غلبت الروم) ، فأخذنا للخؤولة فيكم بثأرها، ونضجنا بالحمية من عارها، وتداعينا بمضر الحمراء ونزارها، يا للهمم الحميرية، والعصائب اليمنية والمضرية، من أبناء ذي مرائد والصباح، وجذيمة الوضاح، وأبرهة ذي المنار، وعمرو ذي الأذعار، وناشر النعم والرائش، وسلمة ذي فائش،

والهدهاد، وابن عباد، والحارث بن شداد، والفياض، والضحاك، والبراض، والحارث بن مضاض: هو المشهد الفضل الذي ما نجا به ... لكسرى بن كسرى لا سنام ولا غرب فما هو إلا أن وضح التمييز، ورجح التبريز، وقيل هذا درفش راية أبرويز، فللحين قوضنا بنيانه، وحللنا سندانه، ونزلنا إيوانه، وأخمدنا نيرانه. ولم أر أمثال الرجال تهافتوا ... على المجد حتى عد ألف بواحد ولله أيام بالقادسية واليرموك، وعتاة منهم مواليك وأبوك وحموك، يا هبيد البيد، وعبيد العبيد: لو كنت من نخبة الموالي إذاً ... لم تنث سوءاً في نخبة العرب إذ جئتمونا أعقاد الرمل، وأعداد النمل، قد اعتقدوا، واحتدموا واحتقدوا، فمن دمائهم ما خاضوا ولصلائهم ما أوقدوا، وعند ما تنادوا: يا أساورة تأهبي، وقلنا: يا خيل الله اركبي: بضربٍ ترقص الأحشاء منه ... وتبطل مهجة البطل النجيد

قسمناهم فشطرٌ في العوالي ... وشطرٌ في لظى حرِّ الوقود فما أإنى عنكم في تلك المشاهد أنو شروانكم وقباذكم، ويزدجركم وشرهياركم، وشهبوركم وخرذانكم، ونسطوركم ويعقوبكم، ونسطسكم وبروسسكم: غدت غيرانهم لهم قبورا ... كفت فيهم مؤونات اللحود أهؤلاء القيول، كما ذكرت على خيول، كأنها فيول، بل الخيل الفيول إذ لاذت الخيل بالكيول، وألا سألتك يا م عا أم عامر بحرمة الصليب، وجرى المذكيات في طلبكم واليعاقيب، أية خيول لأسلافك، أم أي حلبة شاهدتها لأقيالك وأردافك. متى عرف ذؤوك لها اسما، أو حكوا عنها شية أو وسما. لعلها تقدمت من جنائبكم في السوابق، أو لحقت من مقانبكم بآل الوجيه وأعوج ولاحق، أو راهنت بها لذائذ والسكب، وقرزل واليحموم والبطين وزاد الركب، أو داحس والغبراء، أو الحنفاء والشقراء. أم هل من براذنكم المجلِّى والمصلِّى، والعاطف والعاقب والمتلي: عنها الحديث إذا ما حاولوا سمرا ... والرزق منها إذا حلوا أماريتا لسكمن الكودن واللطيم، والسكيت الأخنس والفسكل الخطيم: تبكي عليهن البطارق في الدجى ... وهن لدينا ملقيات كواسد

شمخُ زعمت رجح، بذخ وضح، فمن السمخ الوسخ الودخ، من العجم قلت القدم، نعم اللكن الفدم، الحلم لكن عمن بلغ الحلم، بصر صبر!! بصر بأوقات السمر، وافول القمر، ودبيب الضراء والخمر، صبر على الذفر والقذر، وذفر الغمر، وأطر الكمر، وبحر سرر ترمى بشر كالقصر. ملس الأدم، قلت، هذا وأبيك والتفكيك يا ديوث والتخنيث، وعرض السقاء الخبيث، لقد نبهت [يا] هذا الخبيث، وقلنا إليك يساق الحديث: تصيخ للنبأة أسماعها ... إصاخة الناشد للمنشد جررة أذيال، لكن على دمال وابوال، لا كجرنا العوالي للإعوال، وإعلام الأشبال منا للاحتيال، بريش الرئال: أبقت بني الأصفر المصفر كاسمهم ... صفر الوجوه وجلت أوجه العرب آنفاً يا حضاجر، يا بارداً في شهر ناجر، وصفت العرب بمعاقرة الدنان، وقنيان القيان، والآن فخرت عليهم بالنبيذ والسميذ، والجدى الحنيذ، فلم لا تافخر بالنطيح والوقيذ، وأكل الميتة بعد التشميذ. وأما حنيذ

الجداء والحملان، وكوم متون الجفان، فلنا منها البضيع بعد الذكاة والسديف، والوشيق المسرهد والقدير المعجل والشواء الصفيف: لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما وأما القيان والقنيان: والمعاقرة والدنان، فنحن اخترنا صرفها، واختبرنا صفوها وعفوها، وأخذنا في الجاهلية وصفها، وأهدينا أنفاس النسيم شذاها وعرفها، ومنكم غارس حبلها وآبرها، ومنقحها وزابرها، وسالف سليلها وعاصرها، ومنا أبو عذرها وفاطرها، ومديرها بحديث الركبان ومعاقرها، تدوسونها لنا بالأرجل، وتقتلونها قبل حلول الأجل، ثم تجلبونها من جواثي والرس، وتسبونها من قطر بل وبيت رأس، وتجهزون بها بناتكم بأكواب الساج، ومدارع الديباج، فيرشفها بالشفاه قبل الزجاج، وبهذا توفرت على ضغنها في المزاج، وأخذت من رؤوسنا ثأرها عند أرجل الأعلاج، فلنا الحلب، وعليكم الجلب. ومنا الأجر، وإليكم التجر، ومن بضائع القهر، ثمن البضع والشكر، وكالي المهر. مستردفات فوق جرد أوقرت ... أكفالها من رجح الأكفال ولا حرب، إن شدهت العرب، بربات الشنوف، وولهت بوطف الجفون وذلف الأنوف، ودلهت بعزف القيان والشرب بالمعلم المشوف: فإذا ما شربوها وانتشوا ... وهبوا كل جواد وطمر ثم راحوا عبق المسك بهم ... يلحفون الأرض هداب الأزر لهم عرف النسيب والتشبيب، وعليهم وقف التسهيد والتعذيب، ولهم

الجآذر في زي الأعاريب، شهروا بالحب والجوى، وخبروا بالتحرق للتفرق والنوى، وعزوا للموت كرماً وذلوا للهوى. هم حدوا الركب بالحنين والإرزام، وعارضوا السحب بعيني عروة بن حزام، بكوا الديار، وندبوا بصدق عهودهم الطلول والآثار، وحموا الذمار، وردوا أيديهم عن حرمة الجار: قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت بأطهار رضوا لفضل النيل بفضول الغبوق والقيل، وتبرءوا من رضاع الغيل، ولم يعرفوا غير داعي النداء وزجر الخيل: أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه أرزاقهم في السير والإساد، وإنفاقهم من أكف الآساد: والليث حيث ألب من ... أرضٍ فذاك له عرين أنفوا المساحة والفلاحة، وألفوا الاستباحة لامتلاء الراحة، ملكوا الأرض وما ملكتهم، وتخيروا البقاع فما نهكتهم، منازلهم من المعمورة بمكان الغرة، وحظهم من الفلك رأس المجرة، أغناهم من الأعمال المدنية، والملكة البدنية، إيضاع الشدنية، وإنضاء الناقة الفدنية، طلباً للاعتزاز، وضرباً في مجاهل الأرض للابتزاز، وكفاهم عارض المس، وأرض الرس، إيثارهم على النفس،

والاستقبال بأبنيتهم مطالع الشمس، قنعوا بأفلاذ الحشا، والاحتشاء من الكشى، عن التأري لما في القدور، والتعري لوهج التنور: لقرص تصلى ظهره نبطية ... بتنورها حتى يطير له قشر فأما البهط وحيتانكم ... فما نيل منها كثير السقم ومكن الضباب طعام العريب ... ولا تشتهيه نفوس العجم توقف الطباع على الصميم والخلاصة، وتوقي به شح النفس والخصاصة، ليسوا كالنهمة الخفرة، الأكلة الحفرة، خفرة الجفان، وحفرة الأنفاق للنيران، أعدوها للتحصين، لا للتحسين، وأوفدوا لها على الطين للتبطين، لا للتوطين، إذ لم يغنهم القهر عن الحصر، ولا عقد الجسر عن الأسر، أعجلتهم العربان، الغربان، عن الانتفاع، باليفاع، والاعتصام، بالأعصام، والاحترام، بالأهرام: ولذاك كانوا لا يحشون الوغى ... إلا وقد علموا مكان المهرب وأما الفسل، والمسل، فقد أجلها الله عن اغتراسكم واحتراسكم، وطهر النخلة عمتنا من أدناسكم، وبخر أنفاسكم، وحبا العرب بها عجالة صائمهم، ولهفة طاعمهم، ونقيعة ضيفهم، وفاكهة شتائهم وصيفهم، تحفة الكبير، وضمتة الصغير، وتخرسة مريم ابنة عمران، من الراسيات في الضحل، الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل.

فاخرات زروعها في ذراها ... وأخاض العيدان والجبار فأين صنيع قومك الجلة، من صنيع محرقي البعر والجلة، لما أمنوا اللهفان، وخوفوا أسد خفان، وأفنت نارهم الغضى والأفان: ضربوا بمدرجة الطريق قبابهم ... يتقارعون بها على الضيفان فلم يبق إلا الجلة والبعر، أو خالفة طرافٍ من أديم أو بيت من الشعر خلوا فتحللوا، وعلوا وتجللوا: هناك إن يستخبلوا المال يخبلوا غنوا بالجلة عن الجليل، ومن الحلة بالشليل، وبالخوذ عن العوذ، وبالحلق عن الخرق، والسندس والاستبرق، من كل مدجج: سمر القنا بإهابه ... أولى من السربال ما أكل ذو جار هلم بهواه، ولا استأثر على من حل ريعه وثواه، متى جاع أنشد أم مثواه، أيا ابنة مالك وابنة عبد الله:

إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له ... أكيلاً فإني لست آكله وحدي هذا المجد السري، والفخر الحِري، والنسب الحُري، لا ما تقولته لحاك الله ولحا أباك، وحيا من أباك، من فخرنا بالقديم، المفري للأديم، أغفيت فانتبه، "من يطل أير أبيه ينتطق به": أتبغض جوهر العرب المصفى ... ولم يبغضهم مولىً صريحُ فما لك حيلةٌ فيهم فتحدي ... عليك بل تموت فتستريح أما لك فيهم بعد الملوك العاربة، والكواكب الطالعة الغاربة، من الثمودية والعادية، والطسمية والجديسية، والوبارية، والأميمية، ما يقرع صفاك، وينقع بماء الملام صفاك، إلى خالفة من المتعربة خلفت خلافها، وارتضعت في البأس والجود أخلافها، وإن كانت من جمعكم كالبعرة في البيداء، والشعرة البيضاء في اللمة السوداء، حطت ذاركم من اليفاع، وخطت في صدوركم بخطى الخطى لا باليراع، يستملون من أنسية الآجال، وينهدون إليكم بقلوب أسدٍ في صدور رجال أقلامهم الردينيات واليزنيات، وصحفهم المشرفيات والسريجيات، ولحفهم الوضاء الداوديات، وسررهم المقربات الغر الأعوجيات: إذا ركبوا الخيل واستلأموا ... تحرقت الأرض واليوم قرّ بروياتهم لا بروايتهم، ودراياتهم لا بادراتهم، نصبوا الأحياء، ونسبوا الأشياء، وشققوا الأسماء وقسموا على حصص البروج السماء، فوصفوا النجوم،

وعرفوا الرجوم، وزجروا السانح والبارح، وأثاروا الصيد وعلموا الجوارح، هم كروا نهر مهران، وبنوا قصر غمدان، وحدوا بالركب للنخل من ودان، فجابوا الأقطاب، واجتنبوا الرطاب، وملؤوا الأوطاب، وميزوا التوكيت والتذنيب والإرطاب، وانفردوا بالحكمة وفصل الخطاب: سور القرآن الغر فيهم أنزلت ... ولهم تصاغ محاسن الأشعار قد كان يكفي يا ذات النحيين، وكبوح الحيين، في بعض محاجاتك، وعرض مداجانك، أن هذذت شفتيك بلحنك الماخوري، وأنفذت حضنيك بنفثات أبي العلاء المعري، فأقمت فيها صفاك بالحرف العليل، وبغيت فوق مبتغاك يا لئيم، ما هو أقل من القليل، فأزحت عن فشلك وخمولك، وأبحت هجوك وشتم رسولك، ثم شكوت قفار حالك، وأبنت واهي نثرك بزور انتحالك، فحسبك بها يا ذا العضب قرضاً وجزاء، وانتهاء إلى الفهاهة لا أبالك واعتزاء، واقتساماً لأدبك، بيد التدمير أجزاء.

إن العبيد إذا أذللتهم صلحوا ... على الهوان وإن أكرمتهم فسدوا لعلك، لالماً لك، فضحك العي، أو صبحك النعي، فندمت على بادرة خذلانك، وسقطات لسانك، وهببت من غفوة التأسي، أو المتأسي، وقلت: من الآسي، من حز هذه المواسي، لياذاً بالإسار، عن دعوة الآصار، وعياذاً على الإعلان والإسرار، من مستكن الكفر والإصرار، وتيمم الهاشميين بدعوة أبي عبيد المختار`ggjilأ، والتعمم بسيدنا ونبينا محمد المختار. "متى كان الخيام بذي طلوح"، أو جمعنا الرحم في سام بن نوح، أعرض عليكم ثوب الملبس، بالتحامل على يافث، والترامي في الإلحاق به على القائف والنافث، وإلا أي عيص إلينا ضمكم، أو بأي بركة خصكم صلى الله عليه وسلم أو عمكم. ما غمك، من أغمك، ولا ذمك من أذمك، وسمك وأحمك، وقتل أباك وسباك أمك. ابن عمكم الطاغوت وسيدكم البرهمن والبرهوت، شتان ما بين النجوم الطارقة والشموس الفارقة، وبين سقاط الجرامقة ومقاط الأفارقة، الوضر الأنذال، والبخر السبال، لا غسل ولا طهارة، ولا نظافة لطامث ولا عطاره: قوم إذا جر جاني قومهم أمنوا ... من لؤم أعراضهم أن يقتلوا قودا

ألا ناصر أهل أم القرى ... لأم الذبيح ألا ناصر أسامر نجدا ومن بالصفا ... وإن لم يكن بالصفا سامر وإلا فأين حمى يعرب ... حفائظ لم يحمها عابر فيا للرضى وأبنائه ... ومن ولدت أمه هاجر وللعرب أعراق زند الثرى ... أكابر أورثها كابر أضمت قصى وأخلافها ... ونصر وعامرها الجادر لمملوك قنٍ أخي غية ... لغير أب ملحد كافر يهز بدانية أعظما ... بمكة قد ضمها قابر وخالها في ثرى طيبة ... نبي الهدى القمر الزاهر نفتني المجاهر من هاشم ... ومن يمن عمرو أو عامر وهرت جفوني كأس الكرى ... وسح بها دمعها الماطر لئن لم أجاهده لا جر لي ... قنا الخط في الصحف الخاطر أيا عبد عبدٍ ألا تستحي ... ولا لك دون النهي زاجر مواليك أخسرت من شأنهم ... ستعلم ويك من الخاسر فإن تنتج مني بنزع الشوى ... كما أبق الضبع الباسر فما في ضلوعك من نطفة ... وماء الكراض دمٌ مائر

هلا طمعت يا معمر، يا آكل الأشلاء لا يحفل ضوء القمر، في استدراك المقال، والافتكاك من هذا العقال. كلا لو تجلو معيارك، وتمحو طومارك، وتقلم أطفارك، وتنزع صلبانك وزنارك، وتعفي سبالك، وتنصب قذالك، وتقول ذا لك، وتجعل الخصل كله للعرب، والفضل للنبع، على الغرب. كفاك أن منهم آساد الله، وضراء الله وسيوف الله. ولهم بيت الله، وفيهم رسول الله وعترته أولياء الله، أئمة الهدى، وتتمة البأس والندى، وخير منت انتعل وارتدى المؤثرين على أنفسهم ابن عمنا صدقا، وهادينا ومرشدنا وسيدنا حقاً، سيد البشر، وخاتم الرسل في محكم الزبر، شفيع هذه الأمة، وحاديها إلى عليين في خير أمة، سفير يوم العرض، وإمام أهل السموات والأرض، منتهى لبنة الأحساب، في الأحساب، الناطق بكلامه داعي أهل الجنة ومنادجي الحساب، الحاشر العاقب، الشهاب الثاقب، السابق الغالب، المتخير من ذؤابة لؤي بن غالب، الذي به نسخنا ملتكم، وفسخنا خلتكم، وكسرنا صلبكم، وغورنا قلبكم وطهرنا بيعكم، واستظهرنا قلعتكم، واستوطأنا نضائدكم، واستبطنا ولائدكم: أعجلن عن شد البرى ولطالما ... غودرن أن يمشين غير عجال بهذا النبي الأمي، السيد العربي، نفاخر البشر، ونكاثر المطر، ونناظر الشمس والقمر، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصهاره، وصحبه وأنصاره، وحزبه، ومن مات على حبه، كفاءة العج والثج، والملبين بالحج، وسلام الله ورضوانه على سلالته الطاهرة، ووارث ملته المنصور، الإمام المهدي أبي عبد الله

محمد بن عبد الله القرشي العلوي، الفاطمي المحمدي، وخليفة أمره العلي، ومقامه القرشي، سيدنا الإمام الرضي العربي، المضري القيسي أبي محمد عبد المؤمن بن علي. والدعاء لحفظة سره النبوي، وخلافة أمره الديني والدنيوي وأمد الله حضرة مولانا أمير المؤمنين سيدنا الإمام أبي عبد الله الرضي، الشاب التقي، الناصر لدين الله العلي، بمواد النصر الخفي، والعمر القصي، وسائر العترة المهتدين، والسادة الأكرمين، والعصابة الموحدين، ورضي الله عنهم أجمعين، عدد الرذ والرش، والطل والبغش، والملائكة الحافين من حول العرش مارسا ثبير وعسا جمير، وسمر بنا سمير، وسلم تسليما: يا باحثاً بالظلف عن حتفه ... أذكرت أشياعك من ناسا لا تمر أخلاف الردى ضلة ... إن مع الإبساس إيناساً ومن قرار الحق من نوسه ... فليس من قر كمن ناسا أعداك جهل العجم عجباً بها ... فأوس يا عير ترى الناسا والسلام على من رضى الإسلام، ووحد السلا م، وأبدى الاستسلام، ورحمة الله وبركاته.

رسالة ثانية في الرد على ابن غرسية بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة ثانية في الرد على ابن غرسية بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً أية نار قدح القادح ... وأي سهم فوق الكاشح إحدى لياليك فهيسي هيسي لشد ما استهواك أيها الشعوبي شيطانك، والتفت على نزعك أشطانك، أدريت، حين زريت، أي أديم فريت، وأي ظهر للمكارم اعروريت، رميت بكل أفوق ناصل رمي، وأوضحت غير جلى، وراهنت على الجحاش كل سباق أعوجي، من الأدم، القدم، ليسوا بصهب خرس، ولا بمجوس فرس. أعد نظراً ففي الأمم العادية، والأجيال الجرهمية، والجبابرة الطسمية، والعماليق الغلب الإرمية، ما يروعك، ولا يفرخ له روعك. وفي مضر الحمراء واقيال عدنان، والتبابعة من يعرب بن قحطان، وأبرهة ذي المنار، وعمرو ذي الأذعار ما يوقظك من سنة هواك، ويحجرك عن باطل دعواك، أنوف شمخ، وجبال رسخ، ومجد تليد، وعز مشيد: رسا أصله تحت السما وسما به ... إلى النجم فرع لا ينال طويل

فحين سميتموهم الأساورة رموكم بسهم ما أخطأكم، وأخذتم من جذع ما أعطاكم، مجد، نجد،

اخسأ فلن تعدو الأصفرية أقدارها، ولن تعدم المجوس نارها. أرومتنا إسماعيلية نبوية، لا عيصوبة أصفرية، حرم أبوكم بين ذويه، دعوة إبراهيم أبيه سلخ لها من النبوة سلخ الأديم، وعدل بها عن الحنفية ملة إبراهيم، فما أنت والفخر بالقديم، إلا كدابغة وقد حلم الأديم. منا الحي اللقاح، أولو النجدة والسماح، لما عدت عليهم عوادي الزمن، تفرقوا عن سبيل اليمن، أيادي كما انتشر الليل، وانحدروا إلى أطوار الشام قدماً كما انحدر السيل، فحملوا، ريثما استقلوا: والليث حيث ألب من ... أرض فذاك له عرين فحين سميتموهم الأساورة رموكم بسهم ما أخطأكم، وأخذتم من جذع ما أعطاكم، مجد، نجد، إن نازعتم قيدنا الأقوى، [أ] وفاخرتم فالكرم التقوى، ما سسنا خنزيراً وعبدنا ناراً، ولا عقدنا على الذل زناراً، بلى ملكنا، نفوسنا ونقسنا، على الأملاك، الملوك، حتى أنفذ الله حكمه في الدعوة الإبراهيمية فأتمها، ولأم بها عباديد العرب ولمها، فحين نظمها من الدين ناظر ووضح لها من الإيمان معالم، وثوب بالفلاح مناديها، وتطاولت إلى هاديها هواديها، أقبلتكم الخيل دوائس، عقباناً تحت أسد عوابس، فثلت

عروش أنوشروانكم وقباذكم، وفلت غرب يزدجركم وشهرياركم. وسدوا مسالككم، وخلعوا خلع الخمائل ممالككم، وحطوا عن مفارقكم تيجانكم، ونسخوا فصحكم ومهرجانكم، وورثوا أرضكم ودياركم، وأطفئوا بنور الله ناركم. أصخ أيها الغمر، فقد آن لك أن توقد بصيرتك مدراج العمر، فتذكر قتلى باليرموك وجبت جنوبها، وأشلاء بالقادسية عصف عليها من المنون هبوبها، تهافتوا علينا أمثال الدبا، لم تغن عنهم الأسنة ولا الظبا، فتعلم أن البأس للعرب، وأن النبع ليس من الغرب ولم أر أمثال الرجال تهافتوا ... على المجد حتى عدّ ألف بواحد هم طردوكم عن أكناف الشام، ورستاق العراق، طرد غرائب النياق، وجذوكم عن تخوم بابل وخراسان، جذ العير الصليان: بضرب يزيل الهام عن مستقره ... وطعنٍ كإيزاغ المخاض الضوارب مكر، نكر، لم يتخذوا القصور وكورا، ولكن مذاكى ذكورا. بنيتم بالشيد وبنينا وأحدقتم، بالحيطان، وأحدقنا بعوالي المران، وألفتم الأبنية والأندية، وجبنا في طلب العز المهامة والأودية، وأذلتم الدبابيج والمرمر، وذللنا العنانيج الضمر. جررة عوال، وبذلة نوال:

فما دب إلا في بيوتهم الندى ... ولم ترب إلا في حجورهم الحرب دنتم بالراح، ودنا بدرات اللقاح، فشتان بين محظور ومباح، ماذا الإيغال، في أبي رغال، وقد غاله من الإله ما غال، حين دل على بيت الله أغربة الأحابش. كما دلت على أهلها براقش، فهلك وهلكوا، وحدا بهم حادي الردى أية سلكوا. وضح، صرح، لم تعرق فينا سحمة الحبشان، فجئنا، صفر الألوان، ذوي نطف أمشاج، بين الزنوج والأعلاج. أشهد أن الساسانية، العديمة الإنسانية، نكحت أمهاتها وبناتها، وتشبهت بالبهائم في شهواتها، ألا زجرهم عنه معقول، أو دين عن الأمم منقول، ذهبوا والله من العار بثمه ورمه، وفحل السوء يبدأ بأمه. أفخراً بالحنيذ، والنبيذ، هلا بقرى الضيوف والسنون غبر، وعزة الجار والأسنة حمر، وكرم الوفاء إذا استؤثر بالغدر، وكتم السر حين تجيش مراجل الصدر: دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي أيها الزاري علينا بشأن، أبي غبشان، وماذا على رجل تخوف فصرف على أربابها السدانة، فى فأدى إلى أهلها الأمانة، دون خدعة ولا خلال وجرى المذكيات غلاب، نجح، رجح، لا تطيش بهم الأحلام، ولا تساجلهم الأيام. فمه أيها المتعاطي لما لا يدرك، المتشبع بما لا يملك، المتبجح في دعواه، كالخصي يفخر بمتاع بمولاه. إن حظكم من الأسترلوميقي والأرتماطيقي،

والتعاليم المنطقية والموسيقى، والفنون الفلسفية والجومطريقي حظ الزمان من الهرم، والحمر من تأليف النغم، لكنها والله أقوى منكم لحيا، وأقوم هديا، وأثقب خواطر، وأصدق بصائر. تلك علوم يونان، ومبادئ كلذان، ونتائج هرمسية، ونسب فيثاغورية، لا ما أنتم بنو الاستاه منه متعاطون، وفي عشوائه خابطون، إن للعرب بأميتها لأدركت بحلومها، ما أدركته الأوائل بتعاليمها، أهل البيان وأربابه، لهم فتحت أبوابه، ورفعت باليفاع قبابه: نزل الفرقان بلسانها، فدل على إحسانها: فلو أن السماء دنت لمجدٍ ... ومكرمة دنت لهم السماء عُتُق صدق، جعل الله لها الكعبة البيت الحرام قياماً، والحنيفية السمحة قواما، وإ، بيتاً رفع منه إبراهيم القواعد وإسماعيل، ونطق بفضله التنزيل، وسفر بين ساحته جبريل، لمظنة خيرات، ومصب بركات، ومنجم آيات ومعجزات، مشاعر معظمة، ومناسك مكرمة، وملتقى آدم وحواء، ومهبط الوحي من السماء، ذلك بيت الله لا بيوت نيرانكم، وشعاره لا شعار صلبانكم، ومدارس الذكر لا مدارس البهتان، ومعارج الملك لا مدارج الشيطان، إن القرآن ليس بديوانكم، ولا الكعبة من زخاريف إيوانكم: إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتاً دعائمه أعز وأطول

بيت في كسره اعتلج محمد صلى الله عليه وسلم ودرج، وفيه دب وإلى السماء عرج، ثمرة دوحة زكت في مضر منابتها، ونما في النضر بن كنانة نابتها، ووشجت إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم أعراقها، وتولفت من هاشم أغصانها وأوراقها، سمت صعدا بين السنا والسناء، أصلها ثابت وفرعها في السماء، صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ما فاهت الأفواه، ووردت المياه، واستغفر الله كل منيب أواه، وعلى صحبه وعترته نجوم الهدى، ورجوم العدى، الركع السجود، القوام الهجود، أصحاب الغرر والتخجيل، وحملة التنزيل، والعلمة بالتأويل، (ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل) . إليك فقد بين الصبح لذي عينين، وطبق بين الخافقين. فلا تفغر أيها الأثيم الأفاك بقديم بعدها فاك، ولئن أوجعناك، فيما قدمت يداك. أجل صديق المرء عقله، وعدوه جهله، ولا يحزنك دم هراقه أهله: غمزت قناتي غمزة فوجدتها ... من العز يأبى عودها أن يكسرا فإن تغضبوا من قسمة الله بيننا ... فلله إذ لم يرضكم كان أبصرا كملت الرسالة والحمد لله رب العالمين

رسالة ثالثة في الرد على ابن غرسية أجابه بها الأديب أبو جعفر أحمد بن الدودين

رسالة ثالثة في الرد على ابن غرسية أجابه بها الأديب أبو جعفر أحمد بن الدودين اخسأ أيها الجهول المارق، والمرذول المنافق، أين أمك، ثكلتك أمك، أو ما علمت أنك سحبت من عقالك لعقالك، وقدمت أول قدمك، لسفك دمك، وبسطت مكفوف كفك، لسلطان حتفك، وقلمت شبا أقلامك، لاصطلامك، وحبرت بحبرك، لذهاب خبرك، ومشقت في قرطاسك، لشق رأسك، فما حقيقة جوابك، على خطل خطابك، إلا سلبك عن إهابك، وصلبك على بابك، ولو كان بالحضرة أقيال، وحضرك رجال؟! لكنك بين همج هامج، ورعاع مائج، مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. فاقسم للبارئ النسم، وناشر الأمم من رفات الرمم، لأصيرن عليك أيها السخيف، المضعوف، على نذالتك، وفسالتك، عرض البساط، أضيق من سم الخياط، ولأخلدنك سمراً غابراً، ومثلاً سائراً أو نشوه محياك، وتحلق [سبتاً لك] من قفاك، وتحتزم بزناك، وتلحق بأديارك. مالك، ومقراً لك، [و] أسرتك الأرذلين، وعترتك الأنزلين، الصهب السبال، من ولغ الدم وشرب

الأبوال، أكلة الجيف، وحللة الكنف، و"الوضح، الرجح" رجح الأكفال، وضح كذوات الأحجال، فلله أبوك لقد أجدت في قومك الوصف، وبسطت لنا منهم النصف، وأنا الآن أنصف، وفقارك أقصف. "علم، حلم" بالتداوي من القرم، ومنافع القلم، حلم عن كل مجاوز حلم. "جمح طمح" الآن صدقت، وغلطك استدركت، جمح في الإحجام، عن الإقدام، طلب الفرار، يوم الانتصار وإدراك الثأر، طمح إلى كل رموح طموح، يطول الشبر، ويطيل الشبر، معلف، مغلف، ذي خلق مرصوص، وهامةٍ كالفصوص، إياك ولعابك، أن يمحو كتابتك. "حماة السروح نماة الصروح"، النصفة، يا كشاجم لا الأنفة، غض قليلاً من طرفك، وأمسك عنان طرفك، ولنتحاكم في ذلك إلى ظرفك، هل يصير في التحصيل، أو يجوز قي العقول، أن يحمى قومك سروح شائهم، وقد أباحوا فروج نسائهم، أليس هذا عين المحال، ومغالطة الجهال. فهلاّ ترهمت يا فتى الجواب، قبل الخطاب، وأبصرت الورطة، قبل السقطة. وأما ما قعقعت به ووعوعت، من صواحب الرايات، فهن وأبيك بعض بنات ربة الإياة، إمائنا المسبيات االممتهنات، ملكتناهن ظبا البيض الهندية، وشبا السمر الردينية، فما عجنا بهن عما عودتموهن من البغاء، للاسترضاء،

فيكثر معشر العربان، من ولد سارتكم الإموان والعبدان، وفيك من ذلك أصح دليل وأوضح برهان. فهلا يا فتى ثقفت، ودون هذا الفصل وقفت. "بُصر صبر"، بصر بتركيب عصب أنابيب السرر، ومنافعها بزعمهم للجسم والبصر! صبر على إيغال الغراميل الطوال. "سرجٌ، وهجٌ" سرج المضاجع، لا يطفأ وهجان ذلك السعر، إلا بدافق ماء الكمر. (ملس الأدم، ماحا مواقط برودا، ولا لاكوا عرودا) . هذا وأبيك من التعريض الرقيق في مقالك، وآلك، وذلك أنك وصفتهم بإملاس الجلود، وقفيت بنفي لوك العرود، وإيجاب ذلك، لا يليق إلا ببالك. فهذا لعمرك من بديع التحقيق، فافخر فهاتان صفتان سلمتا لكم. وأما لوك العرود فإن ذلك أوضح من السراج الوهاج، في الليل الداج. قد تحدث أن ولدانكم عطلوا في وقت سوق نسائكم، فنمى ذلك إلى مليككم، فحكم أكرم به من حكم أن يبيح النسوان، من أنفسهن ما أباح الولدان، وامتثلن ذلك فاتسقت الحالان ونفقت السوقان، وما سمع في الأزمان، بأغرب من هذا الشان، فاشمخ بأنفك، وافخر بنصفك.

وأما حوككم البرود، فناهيك من الغفارة الإفرنجية إلى الديباجة الرومية، والنسبتان، بذلك تشهدان. وأما فخرك بربة الإياة فياليتها حين ولدتكم ثكلتكم، فلقد سر بلتموها عاراً مجدداً، وعصبتم بها شفاراً مخلداً، حين خمتم عن الكفاح، حذر الصوارم والرماح، فأسلمتم لعداتها، من بناتها، كل طفلة رداح، جائلة الوشاح، ذات ثغر كالأقاح، وغرة كالصباح، أعجلن عن لوث أزرهن، واعتجار خمرهن، فعوضن من الإدلال بالإذلال، ومن الحجال بالرجال: خلف العاظاريط لا يوقين فاحشة ... مستمسكات بأقتاب وأكوار وعيرت العرب بالاغتذاء بالحيات، لتعذيكم بالدماء والميتات، فيمتاز الضد، ويقع الحد، بين من تناهت جرأته، وماتت همته. على أن لا افتخار في مشرب ولا مطعم، لعرب ولا لعجم. وكذلك ما عيرتهم به من حرق الجلة والبعر، غروا بإضرام النيران، لإكرام الضيفان، وإطعام المقرور الجوعان، إلى أن عدموا الأرظي والغضى، وموجود السمر، وسائر أنواع الشجر، فلجؤوا إلى الجلة والبعر. وكذلك وصفك قومك بأن (ليسوا حفرة أكر، ولا حفزة عسكر) الله أجل الأكر أن يحفروها، والعكر أن يحفزوها، لكنهم حفزة جحشان وحفرة كهوف وغيران، اتخذوها مخبأ عن قبائل العربان، وملجأ من وقع

الصوارم والمران، فعل الخزان واليرابيع والجرذان. وأما فخرك بعلمهم الشرائع، فمن أبدع البدائع، "استنت الفصال حتى القرعى"، وجهلهم بذلك أوضح، من أن يشرح، وأبين، من أن يبين، لكن أنكت من ذلك نكتة، وأنبذ منه نبذة، تصفعهم صفعاً، [و] ترد صهب أدمهم سفعاً. وأن يكون ذلك، هبلت لآلك، ولم يأخذوه عن نبي، ولا نقلوه عن حواري، ولم يزالوا يتعاورون أصلهم الإنجيل بالزيادة والنقصان، إلى أن أصاروه في حيز الهذيان. وحسبك بهم جهلاً أنهم يعتقدون إلهاً نبيهم، يسمونه بالرب المعبود، وصيروه بعد مصلوب اليهود، فأعجب بجهل يجمع بين هذين، الطرفين، وأعجب من ذلك أنهم يجمعون أن عيسى ينزل إلى الأرض، لحساب الخلائق يوم العرض، فما ظنك يفعل باليهودية على ما قدموه على زعيمهم من صلبه، فهل يصح بهذه الآراء الضعيفة، والعقول السخيفة، دين، أو يثبت لهم معه يقين. ولولا أني أجل قلمي، وأنزه كلمي، عن سخافاتهم في ديانتهم، وبرسامهم، في أحكامهم، لأوردت من ذلك ما لا يستجيزه إلا مثل قومك العجم، عقول البوم والرخم. وأما علم الطبائع فسلم بعضها لهم، لما تقدم في أثناء الرسالة، من علمهم بخواتص تلك الآلة، والصدق أزين ما به نطق، وإليه سبق. وما ذكرته من أبي رغال، فذلك جد محتال، إنه غدا علماً منه باستئصالهم

عن اختيارهم إلى بوارهم، فعجل الله بأرواحهم إلى نارهم. وقضية أبي غبشان التي عظمت، ليس الأمر كما توهمت، لأن الكعبة بيت الله لا شريك له وضعه تعالى للعباد، وسوى بين العاكف فيه والباد، وأبو غبشان إنما باع خدمته في البيت. وهبها قضية سفينها الغوى، أين تقع في قضية إمامكم يهوذا الحواريّ، إذ باع نبيه روح القدس، من أعوانه بالأفلس، فكذّب الله ظنه، وأنجى نبيه، فدونك ضع قضية سفيهنا في كفة وفي أخرى قضية إمامك، ورجح بينهما بفض ختامك. وأما وصفك قومك أنهم "مجد، نجد، شمخ، بذخ، عرق، غرق"، فهيهات ذلك منهم، تلك صفات قومنا العرب ذوي الأنساب، والأحساب، والعلوم، والحلوم، أولى اللسن، والبيان واللحن، والإسهاب، في الصواب، والحكمة وفصل الخطاب، فرسان الإعراب، وأرباب القباب، ومعملي الصوارم والحراب، أنديتهم عراص المنية، وأرديتهم بيض المشرفية، ولبوسهم مضاعفة الماذية. سهكين من صدإ الحديد كأنهم ... تحت السنور جنة البقار مجالسهم السروج، وريحانهم الوشيج، وموسيقاهم رنات الردينيات،

وطوبيقاهم السريجيات، لم تكن قادتهم النساء، ولا رادتهم في آجالهم النساء. يستعذبون مناياهم كأنهم ... لا ييأسون من الدنيا إذا قتلوا عنوا بمد أطناب الأبنية، عزة وأنفة عن تشييد الأبنية، نحالفي الصحاصح والبيد، فعل الأساود والأسود، قصورهم المناهل، ومعاقلهم الذوابل، صبرٌ، وقرُ، إذا ثار الغبار، واسود النهار، وحسن الفرار، وذهلت الأذهان، وأبهم العيان، وتلجلج اللسان، وتلاطمت السيوف، وحميت الحتوف، وقلصت الشفاه، وعصب الريق [بالأفواه] ، وتعانق الشجعان، وتشاجر المران، وبرم الحمام، وفل الحسام، وحمي الوطيس، والتقت الأقدام والرؤوس، فلا ترى إلا حزّ الغلاصم، وشيم الصماصم في الجماجم، فهناك تلقاهم، لا دهمك لقاهم، أقيال الأقيال، شمرة الأذيال، أسود الأغيال، حماة الأشبال، لا ملس أدم ولا جررة الأذيال، وهكذا فليكن أقيال الرجال، يا مسلوب الحجال. كتب القتل والقتال علينا ... ةعلى الغانيات جر الذيول وما كان أغناك يا كشاجم، عن كشف عورات آلك الأعاجم، لكن ضعف نظرك، حداك إلى هذرك، وسوء أدبك، وافي بك على عطبك، نسأل الله ستراً يمتد، ووجهاً لا يسود.

رسالة رابعة

رسالة رابعة في الرد على ابن غرسية لأبي الطيب بن منّ الله القروي حديقة البلاغة، ودوحة البراعة، المروقة أفنانها، المثمرة أغصانها، بذكر المآثر العربية، ونشر المفاخر الإسلامية، والرد على ابن غرسية فيما ادعاه للأمم الأعجمية.

وممن ردّ أيضاً عليه، وأجاد ما أراد (أبو الطيب بن منِّ الله القروي) برسالة طويلة أثبت منها بعض الفصول، تخفيفاً للتثقيل، قال فيها، وافتتحها بهذه الأبيات: وذي خطل في القول يحسب أنه ... مصيبٌ فما يلمم به فهو قائله نهدت له حتى ثنيت عنانه ... عن الجهل واستولت عليه معاقله تعال فخبرني علام تشددت ... قوى العير حتى أحرزتك مجاهله أيها الفاخر بزعمه، بل الفاجر برغمه، ما هذه البسالة، في الفسالة، ما هذه الجسارة، على الخسارة، لقد تجرأت، ومن الملة تبرأت، أبا العرب تمرست، وفي مجدها تفرست، وعلى شرفها تمطيت، وعلى سوددها تخطيت. (وفي فصل) : فأخبرني عنك أما كانت للعرب يد تشكرها، أو منة تذكرها. أما جبرت نقيصتك، أما رفعت خسيستك، أما استنهضتك من وهدتك، أما أيقظتك من [غفلتك و] رقدتك، ألم تر بك فيها وليداً، ألم تتخذك لها تليداً. ألم تعن بتخريجك، وتدريجك، أما أنطقتك بعد العجمة،

أما أسلقتك بعد اللكنة، حتى إذا اشتد كاهلك، وعلم جاهلك، وقوى ساعدك، ورقي صاعدك، كفرت نعمتها لديك، ونثرت عصمتها من يديك، وأخذت تطاولها بأرسانها، وتقاولها بلسانها، وتفاضلها بسهامها، وتهاطلها برهامها أحين فكت أسرك من أقذورة الغلف، وأخذت بضبعك من أهوية التلف، وشدت ظهرك للمتان، واعتمدت طهرك بالختان، ناهضتها بحسامها، وجاهضتها بكلامها، ورميتها [بسهامها] ، عن قوس هي نبعتها، ومن هضبة هي قلعتها: أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني (وفي فصل) : وهات أرنا مفاخرك، نرك مساخرك. أنت صاحب الشهب، الصهب، والسنة شهباء، والحهام صهباء. كذلك أنتم لا خير ولا مير، ولا عمرو ولا عمير، ليس للسخاء بالرومية اسم، و [لا] للوفاء في العجمية رسم. أين أنت عن السمر، القمر، البيض غرراً وصفاحاً، السود طرراً وأوضاحاً، الدعج عيوناً ورماحاً، البلج وجوهاً وسماحاً، قمم في العمائم، وهمم في الغمائم، سعروا عليكم نار الحرب، بتلك الأينق الجرب، فكسروا كياسرتكم، وقصروا

قياصرتكم. وأخمدوا نار صولتكم، ومحوا آثار دولتكم، وطهروا الأرض المقدسة من أنجاسكم، والمسجد الأقصى من أرجاسكم، الذين ينجون ولا يستنجون، ويتجنبون ولا يتطيبون، رعاة الخنازير، وأكلة السنانير، أما رجالكم فقلف، غلف، وأما نساؤكم فقذر، بظر، لا يعرفون الخفاض ولا الختان، ولا يألفون السنان ولا العنان، ويحك بما آثرت، وبمن كاثرت، أما استحيت، مما نتحيت، هل كانت العرب إلا كنز عز، وذخر، فخر، وذخيرة ذخرها الله إلى الوقت الوحتوم، وأسكتها أرضاً يرغب عنها أولو البطنة، ويرغب فيها ذوو الفطنة، حفظ فيها أحسابها، وطهر بها أنسابها، واختارها ليختار منها صفيه، وميزها ليميز منها حفيه، ثم اختصها بالأحلام الزكية، والأفهام الذكية، والأنفس الأبية، إن جاورتهم نصروك، وإن حاورتهم قصروك، وإن فاضلتهم فضلوك، وإن ناضلتهم نضلوك، وإن طاولتهم طاولوك، وإن استنلتهم أنالوك، يمشي أحدهم إلى الموت ثابتة وطأته، فسيحة خطوته، شديدة سطوته، جرياً على الكماة جنانه، درياً بتصريف القناة بنانه، بصيراً بمهج الدارعين سنانه، وأنتم كما وصفت ملس، لمس، لا تغيرون ولا تغارون

ولا تمنعون ولا تمتنعون، قلوبكم قواء، وأفئدتكم هواء، وعقولكم سواء، قد لانت جلودكم، ونهدت نهودكم، واحمرت خدودكم، تحلقون اللحى والشوارب، وتتهادون القبل في المشارب. والعرب تذم بالدعة، وتهجو بالسعة، وتفخر، بالجلادة، وتتبجح بالصلادة، فإن فاخرتها فبغير الطعام والشراب، ولكن بالطعان والضراب، وما عليك من لوك العرود، أخفت إعجازها، وخشيت إعوازها، أبك حاجة إليها، ألك حرص عليها، لشد ما أدركتك الحمية فيها، وحركتك العصبية لها، هذه نادرة لم تقصد قصدها. ومن الآيات، ذكر صواحب الرايات، والمباضعة، عندكم كالمراضعة، ما في الشكر، عندكم نكر، تبيحون ولوج العلوج، على بدور الخدور، الزنا، عندكم سنا، والفجار، بينكم فخار، فكيف أنكرت، ما ذكرت، وأنت على سنن، تلك السنن، الحال قائمة والقصة دائمة، "وأول راض سيرة من يسيرها". ( [وفي] فصل) : فساروا معرقين، وعلوا مشرقين، لا تردهم رادة، ولا تصدهم صادة، حتى أهلكوا ساسان وكاسان، وملكوا خراسان وماسان، وسلكوا بالقهر، ما وراء النهر، فأدخلوكم الدروب، وألزموكم الكروب، بجريدة خيل، وطريدة ويل، وأمضوا فيكم العزائم. وأرضوا منكم الهزائم، حتى أجحروكم رومية الدفرا، والقسطنطينية البخرا، ونازلوكم منها على ذراعين، وصرعوكم بين المصراعين.

ألم تبلغك ضربة يزيد بعموده، وخبر خالد بن يزيد في أخدوده، والرارية المعلمة، والآية المحكمة، مسجد مسملة. ثم كم قائظة، غائظة، وصائفة، عليكم طائفة. ثم عطفوا مغربين، وللأرض مخربين، فما تركوا من الأعاجم عاجماً، ولا ناجماً، ولا بقوا من البرابر غابراً، ولا عابراً، وساروا قدماً يذبحون البر ذبحاً، ويسبحون البحر سبحاً، حتى طرقكم، طارقهم في هذا الطرف، ورشقكم راشقهم في هذا الهدف، واقتحموا عليكم هذه البلاد فأوطئوها، وكأنما رموها بالحجارة فما أخطؤوها، فملكوا أرضكم بساحتيها، وأحاطوا بها من ناحيتيها. وضموا جحناحيكم إلى القلب ضمة تموت الخوافي تحتها والقوادم فما تعرضك لقومٍ سلكوا بلادكم، واستعبدوا أولادكم. ثم إنهم حين قدروا غفروا، ووضعوا الإتاوة على جماجم الأعاجم، والمرسوم في براجم السلاجم، فلا يحضرون العشّار، إلا بالعثار، ولا يشهدون الأسواق، إلا بالأطواق، فإن

دخلتم في الدين قطعت استاهكم، وإن خرجتم منه أخذت التي فيها شفاهكم، وكنت أنت من رذايا تلك السبايا، ومن عبايا تلك الخبايا، ومن خطايا تلك العطايا، فلا تحرد حرد المقهور، ولا تضجر ضجر المبهور، ولا تحنق حنق الأسير [على القد] ، ولا تغضب غضب المستقي على العد، ولا بأس عليك فقبلك قصروا الأمم، وهصروا القمم، وهم أبكار الزمان، وأفكار الأوان، لهم العرب العاربة، ومنهم عاد الغالبة، ذات الأحلام السداد، والأجسام الشداد، وإرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد، ومنهم لقمان صاحب النسور، وباني القصور، ومنهم ثمود الذين جابوا الصخر بالواد، ونحتوا البيوت في الأطواد، والعمالقة والفراعنة أنتم لها أكَّارون، وحربة عكارون، والتبابعة، والمرابعة، وذو القرنين صاحب السد، وشمؤ مخرب سمرقند، قال الله تعالى: (أهم خير أم قوم تبع) ، فضربهم مثلاً في الجلالة. ولهم الملوك من حمير والمقاول [من كهلان] : كانوا سماء الورى قبل النبي وهم ... لما أتى الحق فيهم أنجم زهر سموا بملكهم قبل الهدى وسموا ... مع الهدى فهم آووا وهم نصروا

ولاة، علاة، سماة، [حماة] ، لهم العو والعلاء وفيهم العباهلة والأذواء. الأنف في وجه الزمان ومجدهم ... على صفحات الدهر ليس بجلمد وسدوا على يأجوج لما تتابعت ... على العين في قطر من العين مبعد ترى كل معطوف الوشاحين أخمص ... على كل مخطوف الجناحين أجرد فمن أمرد في السلم في حلم أشيب ... ومن أشيب في الحرب في جهل أمرد بأيديهم البيض الرقاق كأنها ... جداول ماء الموت قيل لها اجمدي فأين حصانك من جبالهم، أم أين سفاتك من نبالهم. (وفي فصل) ، وعلام جثثت أصلك من الأنباط، وأزحت فصلك الأقباط، ما كان ذنبهم إليك، وجنايتهم عليك، حتى أخرجتهم عن جملة الأعاجم، ونفيتهم عن جملة أصحاب التراجم، بسبب كريمتهم، ومن أجل شريفتهم، لنسب العرب بولادة من تعلق بك، وتشبث بنسبك. أما علمت أن أحمق أفعالك، وأخرق أقوالك، سبك عدّوك بولادة امرأة من أهلك، أما هذا من جهلك.

ولما قال ابن فضالة في ابن الزبير: ومالي حين أقطع ذات عرقٍ ... إلى ابن الكاهلية من معاد قال ابن الزبير: لو علم لي أما هي شرٌ من عمته لسبني بها ونسبني إليها! أفلا ترى كيف غلب عليه، وسقط شعره فيه؟! وحاشا لمن كنّا في ذكره بل لها الشرف الأرتع، والسناء الأمتع. هذا على اتصال نسبك برومان، فإن كنت من ولد كنعان، فما أبعد دارك، وأشحط مزارك، وأطمس آثارك. وأما الخيل فسامح العرب بركوبها ووثوبها، وخل بينهم وبين عيوبها، فلاحظ لك ولا لأصحابك فيها. عليكم بالبراذين المحذفة، والكوادن الموكفة، الخيل حرث العرب وحصادها، وعدتها وأرصادها، وإنك لتعلم أن خيلهم أشهر من ملوككم أسماء وألقاباً، وأظهر من نسولكم أنساباً وأعقاباً. قالوا: بنات أعوج، وآل الوجيه ولاحق، وبنات العسجدي، وآل ذي العقال، وداحس والغبراء، والجرادة والحنفاء، والنعامة والشماء، وحافل والشقراء، [والزعفران

والحرون، ومكنون والبطين والصريح وقرزل، والعصا] . وأسماؤها كثيرة وألقابها شهيرة، ولعلك أن تذكر لنا من خيل آبائك الأولين، وأفراس أفراقك الأقدمين، فرساً مشهوراً، وفارساً مذكوراً. ولو كنت فاخرت العرب بنصب الدواليب، وعطف الكلاليب، وغرس الأشجار، في الأحجار، وقطع ما عظم من العيدان، وعمل العلاة والسندان، رضينا، وسلمنا. فأما نحر الليل، بآذان الخيل، وطئ الفلاة، بأيدي اليعملات، وشن الغارات، وطلب الثارات، فلا عليك أن تخلي بينهم وبين شصائصهم، وألا تنازعهم في خصائصهم، فإنها إليهم أقرب، وهم بها أدرب، وهي بهم أليق وأعلق، [وهم إليها أسبق] يركبون إلى الحرب، في ثياب الشرب، ويعتنقون الفوارس، كما يعتنقون الأوانس. (وفي فصل) : وما عبت من قومٍ ينزلون البراح، ويشربون القراح، ويرفعون العماد، ويعظمون الرماد: الموقدون بنجدٍ نار بادية ... لا يحضرون وفقد العزّ في الحضر إذا همى القطر شبتها عبيدهم ... تحت الغمائم للسارين بالقطر

وما أدري من أين كان فَقْدُ الأحطاب لو فقدوها مثلبة [وليست معدودة في حسب ولا نسب] . ولقد اهتديت إلى طريفة، وانتهيت إلى لطيفة، فسبحان الله ما أصدق حسك، وأسبق حدسك، تدققت وترققت، حتى توثقت وتحققت، لا ولكنك تعمقت حتى تحثثت. فإن كان الأمر كما ذكرت، فأين غضى نجدٍ وقلامه، وأين زنده وبشامه، وأين غربه ونبعه، وأين سلمه وسلعه، وأين العنم والعلجان، وأين الساسم والبان، وأين الشيزي والأثاب، وأين الرنف والشوحط، وكيف عرفوا دوح الكنهبل، ومساويك الإسحل، وكتاب النبات يشهد عليك، بما فيه من الأيك. (وفي فصل) : وكيف استجوت على فضلك الباهر، وشرفك بزعمك الظاهر، أن تستعين على فخرك بخلاف الحق، وتلجأ في تهورك إلى غير الصدق، هل كان النعمان إلا ملك أملاك، وشمس أفلاك، أصله عريق، وفرعه وريق، نزل الحيرة، وأنتم له جيرة، ملك شهم، من لدن مالك بن فهم، له سقى الفرات يجبى خراجه، ويستعبد أعلاجه، فكفا كم العرب جمعاء من جلق إلى صنعاء، يذب عنكم بماله، واحتماله، بعد عقد موكد، وعهد منكم مؤبد، وأجارت العرب من أجار. وأغارت على من أغار، وحسنت حال الفرس بمكانه، وعزت بسلطانه، فلما شمخ على أعلاجكم، وامتنع من زواجكم،

وقال لباغي السواد، عليك ببقر السواد، استزرتموه، فكيف رأيتم غضب العرب لثارها، وطلبها لأوتارها، ألم تصدمكم بذي قار، صدمة ذي احتقار، فأدركت فيكم رضى الرحمن، وأخذت بثأر النعمان، وطحطحت بني ساسان وآل كاسان، ولم تقم للفرس بعدها قائمة، ولا رعت لها سائمة. ولم تزل في قواصف تتقاذف، وعواصف تترادف، حتى تمم الله آفتها، واستأصل الإسلام شأفتها. وأما آل غسان فالشرف الأقدم، والبناء الذي لا يهدم، سالت من بلادها حين سال سيل العرم جائلة، وساحت من أرضها جافلة، هاجرة لأعطانها، نافرة عن أوطانها، وجاورت الحجاز وهبطت الشَّام فوجدت بلاداً ريفاً، خريفاً، ورجالاً جوفاً، عجوفاً، لا يحمون، ولا يحتمون، فقالت: غنيمةٌ باردة، وبهيمة فاردة، فنزلت الزوراء، والغوطة الزهراء. وجالت على الجولان ثم تصيدت ... مناها بصيداء الذي عند حارب فألقت عصاها واستقرت بها النوى ... كما قرَّ عيناً بالإياب مسافر على رغم أنوفكم، وقطع شنوفكم، وولجوا خدوركم، على غيظ صدوركم. وما بقيا عليَّ تركتماني ... ولكن خفتما صرد النبال فقلتم قضية كريمة، ونعمة عميمة، وسور له باب، [باطنه] فيه الرحمة

وظاهره من قبله العذاب، لا يستكف الغرب، إلا بالغرب، ولا يقطع الحديد إلا بالحديد، ودفع الشر بالشر أحزم. فمتى أدوا إليكم الإتاوة، وحملوا لكم الإداوة، وهم يحكمونكم حمى القروم أشوالها، ويمنعونكم منع الأسود أشبالها. أم ترا كم تركتم لهم الشام رعياً لذمامهم، وصلة لأرحامهم!! (وفي فصل) : وفخرت بالرياضية والأرضية، صدقت ونبت عني في الجواب، هي كالرياض سريعة الذيول، كثيرة الجفول، زهر مشرق، ونور مطرق، لا ثمر، ولا كثر. وهل في الرياض لمستمتع ... سوى أن يرى حسن أزهارها وكالأرض الأريضة، ذات العرصة العريضة، لا بناء فيحل، ولا سماء فيظل، يدفن فيها الأموات، وتخمد فيها الأصوات. وأما الاسترلوميقي الهندسية فعلم عملي مبنى على التقاسيم، والتراسيم، وكله آلات، للحالات، وأدوات، للذوات، ومساحات، للساحات، وأمداد، للأعداد، وفي أفانين، القوانين، ليس فيها معنى من تحصيل دقائق الفصول، ولا تفصيل حقائق المحصول، فأهلها عمال ممتهنون، وبأشكالها مرتهنون، والعرب بعيدة من المهنة، نافرة من الخدمة. ومن قولكم أن قسم العلم أفضل من قسم العمل فهي إذن أرذل القسمين، وأسقط العلمين. والجومطريقي علم الهيئات، والطوالع وكورها، وجنسها ذو نوعين، وبابه على مصراعين، القضايا، وليست وصايا. أما الأولون فقسموها على

أن الطوالع مدبرة مقبلة، وهي أصول فاسدة، وسوق كاسدة. وقال آخرون: هي كالعيافة، والزجر والقيافة. وهذا باب مسلم للعرب لهم فيه اليد الطولى، والمنزلة الأولى، لهم السوانح والبوارح، والقواعد والنواطح، وعندهم الأيامن والأشائم، والأواقى والحواتم، وغير ذلك من التمائم والرتائم، وفيهم من لا يعتمده ولا يرتصده، وفي أشعارهم شواهد على ذلك. وأما الكهانة فكانت فيهم فاشية، ولهم غاشية، وقد سمعت بشق وسطيح، وزرقاء اليمامة وطليحة الأسدي، ومسيلمة الحنفي، والأسود العنسي، وزهير بن جناب الكلبي، وأفعى نجران، وحازى غطفان، فلما جاءت الديانة، بطلت الكهانة، ولما نزل القرآن، زجر الشيطان. وكذلك الدرجة الأخرى، فالعرب بها أحق وأحرى، وهي معرفة الشهور والأيام، وحساب الدهور والأعوام، والأفلاك وإدراكها، والأبراج وأدراجها، والنيرات وتعاورها، والدراري وتغاورها، عرفوا السماء ومعائشها، والأرض وحشائشها، ووصفوا الطوالع والغوارب، ورتبوا الثوابت وأنواءها، والنوائب وأدواءها، والأزمنة وأهواءها، فلا ينجم نجم إلا سمته، ولا ينبت نبت إلا وسمته، ولا عيش في سائر الأقطار، إلا بضامن الأمطار، كما لا ثبات للحيوان إلا بالنبات، فقد عرفوا إذن طريقي الحياة، ووصفوا فريقي النجاة، وما سوى ذلك فضلٌ، ليس فيه فضل.

وأما الطب فجمعته العرب في كلمتين معلومتين، ولفظتين محفوظتين، على رأيها في الاقتصار، ومذهبها في الاختصار، فقالت: "المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء"، وقال صلى الله عليه وسلم: "أصل كل داء البردة"، وقالوا: "كل وأنت تشتهي، ودع وأنت تشتهي"، فجمعوا الطب بأظافيره، والصلاح بحذافيره، وإذا فتشت أصول سقراط، وتبينت فصول بقراط، لم تجد مستزاداً مستجاداً، ولا مستراداً مستفاداً، وليست هذه الأمور مما ينفرد بها أفرادهم، ولا يخص بها آحادهم، بل ينطق بها صغارهم وكبارهم، ويعرفه نساؤهم، ويهتف به آماؤهم، وأشعارهم بذلك ناطقة، وأخبارهم عنه صادقة، ما تلوا فيه متلواً، ولا قروا به مقروا، لكنها الطباع الصافية، والقرائح الكافية، والغرائز السليمة، والنحائر الكريمة، تلتقط الحكم من مخاطبتهم، وتسير الأمثال من مجاوباتهم، على منهاج واحد من الفصاحة في المحاورة، والمشاورة، وعلى طريقة واحدة من البلاغة في المسالمة، والمراغمة، والموجزة، مع المناجزة، ولا يتعلمون ولا يتأملون، بل يرسلون الحكم إرسالاً، ويبعثون الفطن أرسالاً. والموسيقى علم اللحون [فما] بالعجم إليه حاجة مجحفة، وضرورة معجفة، لعجز طباعهم عن الأوزان، وقلة اتساعهم في الميدان، لأن لغاتهم قليلة، وقواهم كليلة، لا تستجيب إلا بوسائط، ولا تستقل إلا ببسائط، ليس عندهم شعر موزون، ولا كلام مرضون، ولغة العرب واسعة العبارات، ناصمة الإشارات، لها الشعر الموزون، والنظم المكنون، والكلام المنثور،

والسجع المأثور، والرجز المشطور، والمزدوج المبتور، ولعبيدها في ذلك كله اللحون الشجيات، المطربات والنفايل والمايل، والأهزاج والأرمال، وغير ذلك من الأعمال، كالركباني والأعرابي، والنصبي والمدني، والثقيل الثاني، وعمود المدني، والماخوري والسريجي، وخفيف المدني، وهي كثيرة، أثيرة، نسي معها الأرغن والسلمان والصنج والكنكلة والفندورة والقيثارة، فلا يعرفن ولا يؤلفن. وما أظن معبداً والغريض وأصحابهما قرءوا قط موسيقى، ولا سمعوا منطقياً.

فاعرض إن شئت ألحانهم المطبوعة، على أوزانكم المصنوعة، فاظهر غلطهم في التنغم، وخطأهم في الترنم. على أنه من العلم المذموم، روى في الحديث: "إن أول من غنّى وناح إبليس حين أكل آدم من الشجرة". قيل: وهو أول من عمل الطنبور، فلا مرحباً بعلم إبليس اللعين فيه الأستاذ. وقد كان منهم من إذا غنى ثنت الوحش أجيادها، وفارقت اعتيادها، وعطفت خدودها، وتركت شرودها، مصغية إليه، مقبلة عليه، فإذا قطع عاودت نفارها، وطلبت أوكارها. هذا فعل الأوابد، والوحوش الشوارد، فما ظنك بالقلوب الرقيقة، والفطن الرشيقة. ولقد ألف الإسلاميون في الأغاني، وما يتصل بها من المعاني، ما إن نظرت بميزٍ وحكمت بعدل، وقفت على الفضل، في هذا الفصل، ولم تحوجك العصبية، والنفس الغضبية، إلى شهادة الزور، والجور المأزور. وأما الأنوطيقي واللوطيقي فهناك جاءت الأحموقي، والأخروقي، وظهر عجز القوم وبان أنهم أغمار، ليس فيهم إلا حمار، وضل سعيهم في الحياة الدنيا لما وصلوا إلى حيث تنفرد العقول بنظرها، والبصائر بفكرها، فمنهم الدهرية أنكروا العقول، والعلم المنقول، والدليل والمدلول، وهم يبصرون تعاقب الأضداد وتعاور الكون والفساد، ومنهم الطبيعيون وهم أيدي سبا، وفرق شتى، قوم يقولون: العالم من أصلين: هوائي وأرضي، فجمعوا بين الراسب والطافي،

والكدر والصافي. ومنهم من قال إن العناصر أربعة هي بسائط للمركبات، فقضوا بائتلاف المتضادات، وتركيب المتحادات. فإن قيل: كيف صارت متظافرة، وهي متنافرة، [وغدت متجاورة، وهي متغاورة، وغذا كانت تتهارج، كيف تتمازج] ، أم كيف يمتزج الصاعد بالراكد، ويلتبس الحار بالبارد؟ قالوا: جمعها جامع، وقمعها قامع، بطبعه لا باختياره، وفعله لا باقتداره، وهذا غاية المحال، ونهاية الاختلال، لأنه لابد أن يكون الخامس مثلها أو مثل بعضها، أو مخالفاً لكلها. فإن كان مثلها أو مثل بعضها فلا حاجة بها إليه مع وجود مثله، وإن كان مخالفاً لسائرها فلا بد من سادس لتغايرها، ثم كذلك إلى غير غاية. قال صاحب الكتاب: وبين أبو الطيب بطلان كلامهم في احتجاج طويل، تركته تخفيفاً للتثقيل. ثم قال: وأما أصحاب الطوالع، وعباد المطالع، فاختلفوا في الهيئة أيضاً على جهات، ووصفوها بصفات، لا سيما المنجمين، وهم فنون، في الجنون، يقولون فلك الأفلاك، ودرك الأدراك، والفلك الأثير، وهذيان كثير، وعبدوا الشمس وسجدوا للنار والكواكب وهم يرون آثار النقص فيها، ودلائل الحدث تعتريها، من طلوع وأفول، ويزعمون أنها تتغاير وتتمانع، وتتكاسف

وتتخاسف، وكل بصاع هذا التخليط، من هذه الأغاليط، لا يعرفون رشداً، ولا يهتدون قصداً. هذا مقدار عقول حكمائك، ونهاية آراء علمائك، وهذا قليل من كثير هذيانهم، وأوار من عوار غليانهم، فإن قلت: فإن العرب أيضاً كانت تعبد الأصنام؟ فنحن ما أحمدنا لك دينها، ولا رضينا يقينها، بل نعلم أن من قال منها بالإشراك، فقد قصر في الإدراك، وهي على كل حال تذكر الله تعالى، كما قال عز وجل: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) وقالوا: (ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى) . وكثير من يقر بالبعث والجزاء. ويعترف بالحشر واللقاء. وكان منهم من رغب عن عبادة الأوثان. وتفرقوا في الأديان، فكانت حمير على دين موسى، وكان بنو الديان وأهل نجران وتغلب وغسان على دين عيسى، وكانت فيهم الملة الحنيفية الإسلامية، والشريعة الإبراهيمية، ومن أهلها كان قس بن ساعدة الإيادي، ورقة بن نوفل الأسدي، وزيد بن عمرو من بني عدي، وقتلته الروم لذلك. وقد قيل، في خالد بن سنان ما قيل. وكان أبو كرب الحميري أحد التبابعة قد آمن برسول الله عليه السلام، قبل مبعثه بسبع مائة عام، وقال:

شهدت على أحمد أنه ... رسول من الله باري النسم فلو مد عمري إلى عمره ... لكنت وزيراً له وابن عم وقد ذكر بعض أهل المقالات أن عبد المطلب بن هاشم كان من المهتدين في الدين، واستدل بأنه أجيب لما سأل، وسقي حين ابتهل، وذكر سيف ابن ذي يزن، وحزن على فوته أشد الحزن، وأكد له العهود، وحذره عليه اليهود. ولما دعوا دخلوا في الدين أفواجاً، وأتوه أزواجاً، إلا من أدركته النفاسة، وحب الرياسة، وسبقت عليه الشقوة، وورم أنفه من النخوة، كأبي جهل ابن هشام، وعامر بن الطفيل، وأمية بن أبي الصلت وغيرهم. وقال معاوية في كلام له مشهور: فما كان إلا كغرار العين حتى جاء نبي لم يسمع الأولون بمثله، ولا سمع الآخرون به، ولقد كنا نفخر بذكره على من نطرأ عليه [ويطرأ علينا] وإنا لنكذبه، ونتبجح بذكره وإنا لنحاربه. هذه لمعٌ من أمور الجاهلية، وطرف من مفاخر الأولية، إن أنصفت نفسك، أو صدقت حسك، عرفت أين يقع منها مفاخروها، وهل يشق غبارها مجاورها.

(وفي فصل) : وما تصنع إذا نشرت الكمائن، ونثرت الكنائن، وقرعتك القوارع، وفرعتك الفوارع، وماست رايات السيادة، وخفقت ألوية السعادة، وطلعت عليك طوالع النبوة في أبهة الجلال والجمال، وسماحة العز والكمال، وقيل لك: هذا سيد ولد آدم أولهم وآخرهم، خاتم الأنبياء، وقاتل الأغبياء أشهد أن الله لم يجعل محمداً هاشمياً إلا وهاشم خير قريش، ولا قرشياً إلا وهم خير مضر، ولا مضرياً إلا وهم خير العرب، ولا عربياً إلا وهم خير الأمم لهم كعبة الله، وولادة إسماعيل، ودعوة إبراهيم، وإليهم مهاجر هود وصالح وشعيب وأتباعهم من المؤمنين، واشياعهم من الموقنين فيهم كان حمامهم، وعندهم دفنت رمامهم، لا كثنائك الذي أسررت فيه حسواً في ارتغاء، ودفعاً في ابتغاء، وكشفت فيه ضبابك، عن ضبابك، وهتكت أستارك، عن ابتسارك، وظننت أن مخالطك، تخفي معالطك، وأن مدحك، يستر قدحك حين مدحت مدحاً بجلياً، وأثنيت ثناءً دخلياً، ولم يمدح من ذمت

قبائله، ولم يثبت من جذت حبائله. أجعلت ويلك تبره في الرغام، بل الرغام لأنفك، والرغام لوجهك، لقد أخللت بنفسك وزلت قدمك، وأحللت بعقدك، وقد حل دمك، ولو صح اعتقادك، لصح انتقادك، ولو خاص باطنك، لأقصر باطلك، ولو اصطلحت، ما ظلمت، ولو اخترمت، ما وفي بما اجترمت. سمع عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بعض كاتبيه، وعير بنصرانية أبيه، فضرب لنفسه مثلاً يجل عنه، ويرتفع عن قدره، فقال له عمر: أو قد قلتها، والله لا تشرب البارد بعدها وأمر به فضربت عنقه. فأما إذ أغفل ولاة الأمر تأديبك، وتأديب الكافة بك فأحلوا تأنيبك، وتأنيب السفهاء مثلك، فتب إلى الله توبة تهديك وتنجيك، وعلى أنك خلفٌ، من ذلك السلف، رأيك فيه رأي أهلك، وفرعك جارٍ على أصلك، إلا أن السيف قهرك، والدين قسرك، وأخذك حكم الدار، وخوف البدار، فأنت تشرق بريقك، وتغص برحيقك، ولابد للمصدور أن ينفث، وللمبهور أن يغوث: ولابد للماء في مرجل ... على النار موقدة أن يفورا كمل التقييد والحمد لله كثيراً.

رسالة جامعة لفنون نافعة في شرى الرقيق وتقليب العبيد تأليف الشيخ أبي الحسن المختار بن الحسن بن عبدون البغدادي المتطبب

رسالة جامعة لفنون نافعة في شرى الرقيق وتقليب العبيد تأليف الشيخ أبي الحسن المختار بن الحسن بن عبدون البغدادي المتطبب

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم يعلم منها الراغب في هذا الشأن الأعضاء السليمة من المؤوفة، والأخلاق الطاهرة من الردية، وأي الإماء يصلحن للخدمة، وأيهن للمتعة، وأي الأجناس عبيد طاعة وولاء، وأيهم ذوي أنفة وحمية، وأيهم لا يصلحه إلا الكد والعصا فيختار من كل جنس ما يوافق غرضه، وينال به أربه، فإنه يقال: من أراد الجارية للذة فليتخذها بربرية، ومن أرادها خازنة وحافظة فرومية، ومن أرادها للولد ففارسية، ومن أرادها للرضاع فزنجية، ومن أرادها للغناء فمكية. ومن أراد العبيد لحفظ النفوس والأموال فالهند والنوبة، ومن أرادهم للكد والخدمة فالزنج والأرمن، ومن أرادهم للحرب والشجاعة فالترك والصقالبة. هذا كلام جمعنا متشتته ونظمنا منثوره من رسائل معلم الإسكندر وغيره من العلماء والفلاسفة. ومقالتنا هذه تشتمل على فنون خمسة: الأول منها: في وصايا ينتفع بها في البيع والشرى. الثاني منها: فيما يعتقد من أعضاء الرقيق بحسب ما يراه الأطباء.

الثالث: في معرفة أخلاق العبيد بقياس الفراسة على مذهب الفلاسفة. الرابع: في معرفة صور كل جنس وما يحصلون له من الأعمال بحسب خواص بلادهم والمنشأ. الخامس: في كشف تلبيسات يدلس بها النخاسون الرقيق على المشتري، يجري مجرى الحسبة. ومن بعد تعديدنا لهذه النوب نعقد بها جملة يخصمها تفصيلها، ليسهل على القارئ مأخذها فيحيط علمه بها. والله ولي المعونة والعصمة للقوة البشرية، من كل خطل وزلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

مبلغ ما يحتاجه إلى معرفته من أحوال العبيد والإماء عند ابتياعهم وبيعهم، من وصايا ينتفع بها في البيع والشرى منتزعة من كلام الحكماء. ومن تفقد أجسامهم وصحة أعضائهم بحسب ما يراه الأطباء. ومن تعرف أخلاقهم بقياس الفراسة على مذهب الفلاسفة. ومن معرفة صور كل جنس وما يصلحون له من الأعمال، بحسب خواص بلادهم والمنشأ. ومن كشف تلبيسات يدلس بها النخاسون الرقيق على المشتري، يجري مجرى الحسبة على ما بين من أحوال ذلك. وهي عن خمسة أشياء ما: [1] منها الوصايا التي ينتفع بها في شرى الرقيق على ما قاله الحكماء والفلاسفة، عشر وصايا، من ذلك ما يعمم المماليك والإماء أربع وصايا: شرحها: (الوصية الأولى) ما أمروا أن يكون عليه المستعرض عند التقليب للشرى، وما نهوا عنه من القطع بأول نظرة، قالوا: إن المستعرض لأمر ما يجب ألا يكون ذا فاقة إليه، فإن الجائع يستجيد كل طعام يشبعه، والعريان يستوفق كل طمر يدفئه ويستره، وبحسب هذا قالوا: لا يستعرض

جارية شبق، فليس لمنغظ رأي، لأنه يقطع بأول نظرة، وأول نظرة سحر وللجديد وللغريب روعة، فإذا صادف منه حاجة داعية قطع بما تكذبه الحواس عند الاستغناء، ولهذا قيل: تاكرير اللحظ يخلق كل جدة، ومعاودة التقليب يظهر التصنع، ويبهرج التدليس. (الوصية الثانية) ما حذّر منه القدماء قبل الشرى، قالوا: كن على حذر من شرى الرقيق في المواسم، ففي مثل تلك الأسواق يتم للنخاسين الحيل، فكم من قضيفة بيعت بخصبة، وسمراء كمدة بيعت بصفراء مذهبة، وممسوح العجز بثقيل لروادف، وبطين بمجدول الحشا، وأبخر الفم بطيب النكهة، وكم صفروا البياض الحادث عن القروح في العين، والبرص والبهق في الجلد، وجعلولا العين الزرقاء كحلاء، وكم من مرة حمروا الخدود المصفرة، وسمنوا الوجوه المقعقعة، وكبروا الفقاح الهزيلة، وأعدما الخدود شعر اللحى، وأكسبوا الشعور الشقر حالك السواد، وجعدوا الشعور السبطة، وبيضوا الوجوه المسمرة، ودملجوا السيقان المعرقة، ورطلوا الشعور الممرطة، وأذهبوا آثار الجدري والوشم والنمش والحكة. ولكل من هذه أسباب يعرفها الأطباء قد أوردناها في مقالتنا في الحسبة، وسنورد منها في الفن الخامس شذرة بحسب الحاجة. وكم من مريض بيع بالصحيح، وغلام بجارية، هذا زائد على ما يوصون

به الجواري من دل ومجانة على مسافرين شباب قد أحل لهم لحم الميتة، سوى ما يفعلنه من زينتهن بالخضاب والحناء، والملابس المصبغة الناعمة. سمعنا بعض النخاسين يقول: (ربع درهم حناء يزيد في ثمن الجارية مائة درهم فضة) . والتحرز من هذا لا يكون في موقف واحد، ولهذا قيل: اتهم نظرك فيما استحسنه حتى يكون الاستحسان دائماً على صورة لا ينقصها تكرار النظر، وهذا لا يتم إلا في دفعات، وعلى صفات مختلفات. (الوصية الثالثة) ما نهي عنه من القطع بأول سمع من المماليك [و] الأماء. قالوا: لا تقطع بأول لفظ من غلام أو جارية، فربما جاءت بالإتفاق فوافقت منك قبولاً لا يكون وراءها أمثالها فيتدلس عليك بذلك مقابح مستورة ربما جرى الأمر على خلاف ذلك. لكن كن إلى الريبة أميل منك في هذا الشأن إلى الثقة، وخذ بسوء الظن تسلم. (الوصية الرابعة) ما حذر منه الرؤساء خاصة. قالوا: ليحذر الرؤساء ممن له عدو يخشى منه غيلة أو يخاف أن يطلع له على سر شرى خادم أو جارية خاصة إن كانت كاتبة خرجت من دار سلطان إلا بعد خبرته بها، ولا شرى جارية مولدة تاجر أو جلاب، فإن هذه حيبلة قد هلك بها جماعة من الملوك والرؤساء. ومن ذلك ما يختص بشرى المماليك خاصة، ثلاث وصايا، شرحها: (الأولى) ما حظر على المشتري من ابتياع مملوك قد مرن على الضرب

والخصومة. قالوا: لا نشتر مملوكاً كان مولاه يكثر ضربه، ولا تترك المسألة عن مالك المملوك، وعن سبب بيعه. واستعلم ذلك قبل ابتياعه، من المملوك وغيره، ففي هذا الفحص فوائد كثيرة، في ارتباطه، أو تسريحه وتركه. (الثانية) مأخوذة من جرأة المملوك على ذم مولاه، وتنقصه له، أو امتعاضه من ذمه وقلة احتفاله به، وهل سبب بيعه من جهته أو من جهة مالكه. (الثالثة) مات وصى به قبل استخدامه. قالوا: المملوك على ما يراه منك أول دخوله دارك، فإن أطعمته طمع، وإن هذبته انقمع، وإن خالطه مفسد من مماليك وغيرهم فسد. ومن ذلك ما يختص بشراء الإماء، وصيتان، شرحهما: (الأولى) فيما تعلم به براءة الجواري من الحبل قبل الشراء، قالوا: تحرز في استبراء الإماء من الحبل قبل التملك لهن، واحذر بهرجتهن بالسداد والدعاوى الكاذبة، فإن كثيراً ما يجعلن في فروجهن خرقاً بدماء غيرهن. وليكن من يستبرى ذلك منها امرأة تكره أن تلصق بك ولد غيرك، ومرها يتفقد ثدييها وجس حشاها. واعلم ذلك من شحوب لونها وشهوتها للطعام المالح، فإن ذلك دال على توحمها. واستبر ذلك بتقدير الحشا وبخورات تذكر أخيراً كما وعدنا. (الثانية) ما يراعي بعد الشرى من الغيلة في الحمل من غير إرادة المولى. قالوا: راعِ أمراً ذا ركنين:

وصية

إذا اشتريت جارية غير بالغة فربما بلغت في ملكك وأنت لا تعلم، وكتمت ذلك عنك رغبة في الولد. احذر الجواري اللواتي يوهمن أنهن عقم وهن كارهات للحبل، فربما خدعنك بذلك. ومن ذلك ما يختص بالبائع دون المشتري. وصية قالوا: لا تخرج جارية من ملكك إلى نخاس إلا في دم، فربما تم عليها في الحجر أن تحبل فادعت أنه منك. عليها أنا قد شاهدنا في زماننا من حاضت مدة زمان حملها، وهذا نادر.

[2]

[2] ومنها ما يتفقد من أجسام الرقيق بحسب كل واحد من الأعضاء على مذهب الأطباء، ثمانية وثلاثون فصلاً. من ذلك ما يعم جميع البدن، ثلاثة أشياء، تفصيلها: من اللون، وهو ألا يكون حائلاً إلى الصفرة الدال على ضعف الكبد وغلبة الصفراء، ولا إلى السواد الدال على السواد وضعف الطحال، لكن إن كان أبيض فليكن مشرباً حمرة، وإن كان أسمر فلتكن سمرته سمرة صافية. ومن البشرة بأن تكون لينة نقية خالية من بهق أو برص أو وشم أو قوباء أو كي أو صبغ أو ثآليل أو خيلان أو أثر قرحة، لا سيما إن كانت عن عضة كلبٍ كلبِ. ومن تناسب الأعضاء، بان تكون بعضها مناسبة لبعض في الطول والقصر والعظم والصغر، فإن طول الأعضاء مع غير مناسبة في العرض جيد في مباشرة الأعمال العظيمة، مع ضعف القوة. والقصر بالضد عن ذلك. ومن ذلك ما يختص كل واحد من الأعضاء، ثلاثون فصلاً. منها (ما يختص بالرأس) أربعة أشياء، وهي شكله بأن لا يكون مسفطاً

ولا مشوهاً، ولكن يكون ككرة شمع قد غمزت من جانبها فصار لها نتوءً من خلف وقدام. وشعره بأن لا يكون خفيفاً أو متفرقاً، ولا بد داء الثعلب والحية، ولا بعضه أبيض مجتمع كالبلق في البهائم. جلده بأن لا يكون قحلاً ولا فيه سعفة وبثور، أو أر جرحٍ غائر يدل على عظم. فضلاته البارزة منه بأن لا يكون كثير المخاط والبصاق، كثير النوم كدر العين والحواس، فإن ذلك من أسباب الصرع، ولا سيما إن ارتعشت بعض أعضائه. (ما يختص بالعين) خمسة أشياء وهي من حركتهما بأن لا تكونا مضطربتين فإنهما من علامات الوسواس لا سيما إن لم يكن الكلام منتظماً، وهذا يعتبره العارف بلغة المملوك. ومن لونها بأن لا يكون بهما زرقة في السواد لم تكن من قبل، لأنها من علامات الماء. ولا يكون بياضهما كدراً أو أصفر أو فيه عروق، فإنه من مقدمات السبل. ومن شكلها بأن لا يكون شكل العين مستديراً، لا سيما إن كان الوجه متعجراً فإن ذلك من علامات الجذام. ولا يكون نقبا الحدقة سوادهما [غير] متساويين، ولا أحدهما أكبر من الآخر وكأنه مشقوق بالطول. وهذا يعتبر بأن يغمض كل واحدة منهما ويرى

أشكالاً مختلفة. ومن المأق بأن لا يكون في المأق ظفرة ولا لحم زائد ولا ناصور. وعلامته أنك إذا عصرت المأق خرج منه مدة. ومن الأجفان بأن لا يكون شعرها منتثراً ولا منقلباً، ولا تكون الأجفان غليظة. (ما يختص بالشم والسمع) ، وهو شيء واحد: تنظرهما في الضوء لئلا يكون فيهما لحكم زائد، وتعرض عليه الكلام والروائح بعد سدّ أحد ثقبيها. (ما يختص باللسان) وهو شيء واحد، أن يستنطق لئلا تكون به لثغة، وهذا يكون من صغر اللسان وعظمه، أو سقوط جزء منه، أو لآفة في عصبه، أو لسقوط بعض الأسنان، أو لالتصاقه من الجبلة، أو لأثر قرحة به، فسل عن جميع ذلك. فإن لم يكن فتسيء ظنك به فربما كان قد عض لسانه لصرع به وبخره بقرن المعزى، وأطعمه كبد تيس مشوي فإنه يصرع إن كان مصروعاً. (ما يختص بالأسنان) شيئان: وهما: إن لم تكن موجودة بعد الثغر فإنها لا تعود، وإن وجدت تفقد ألوانها وصلابتها وسلامتها من الحفور، وبعدها من الضرس بصبرها على الحامض. واجتماعها أجود من تفرقها، وإن كان الشنب مذهباً محبوباً عند العرب. (ما يختص باللثة) شيء واحد، وهو أن لا تكون فيها قروح. واستنكهه لكيلا يكون به بخر. وهذا يكون من عفن اللثة، أو تآكل ضرس، أو بلغم عفن في المعدة.

(ما يختص باللهاة) شيء واحد، وهو أن لا تكون مسترخية، فإن ذلك سبب اتصال السعال، ولا نازلة إلى أسفل، فإنه يتبع ذلك الختان، فتتأمل ذلك في الضوء. (ما يختص بالنغائغ والأزبتين) شيء واحد وهو ألا يكون فيهما أثر خنازير. (ما يختص بالصدر) شيء واحد وهو ألا يكون ضيقاً أو معوجاً أو قليل اللحم، فإن ذلك [يكون] سبباً للرئة والسعال والنزلات، ولا سيما إن كانت الأكتاف مجنحة. (ما يختص باليدين) شيء واحد وهو ألا تكون قدرتهما وجدت إحداهما أقصر من الأخرى، أو هما قصيرتان، فإن ذلك رديء في الأعمال. (ما يختص بالسواعد) شيء واحد وهو أن يكون ثني المرفق سهلاً بلا التواء ولا ورم ولا تشنج من جرح أو عرق مدني، واسبره أن يقبض على يديك بقوة. (ما يختص بالحشا) جميعه خمسة أشياء: منها ما يعم الحشا جميعها، شيء واحد وهو ألا تكون غليظة جميعها أو بعضها. وهذا بأن تأمره أن يستلقي على ظهره وتجس حشاه من فم المعدة إلى العانة، فإن رأيت ثم غلظاً أو ألماً فاقض به، لا سيما إن وافق فساد لون وتهيج في المحاجر. ويحقق ذلك انقطاع نفسه عند إحضاره وصياحه.

ما يختص بواحد واحد من أعضائه، أربعة أشياء. تفصيل ذلك: (المعدة) بأن لا تكون جاسية، ولا بها سوء استمراء من سوء مزاج حار أو بارد، ولا بها خلط داعٍ إلى أكل الطين والفحم. (الكلى والمثانة) بأن لا يكون بها قرحة أو حصاة أو رخاوة، وهذا بأن يتبين في البول رملاً أو مدة، ويراعي في ليال كثيرة فلا يبول في الفراش. (الانثيين) بأن لا يكون فيهما دوالي، أو بأحدهما قيلة المعا. (القضيب) بأن لا يكون ثقب الكمرة معوجاً، وهذا يتأمل عند البول. ما يختص (بالرجلين) أربعة أشياء، منها ما يعم جميعها، شيء واحد، وهو بأن لا يكون بهما عوج أو تشنج أو عرق نسا أو خلع ورك. وهذا يتبين إذا أمرته بالإحضار وإذا قدرتهما فلم تنقص إحداهما عن الأخرى. ما يختص بواحد واحد من أجزائها، ثلاثة أشياء، تفصيل ذلك: الركبة بأن لا يكون فيها ورم صلب أو شوكة، الساقان بأن لا يكون بهما تقوس أو حنف أو فحج، ولا في باطنهما دوالي، القدم والكعب بأن لا يكون فيهما داء الفيل. (ما يختص بالرحم) شيئان وهما ما يختص بجرمه بأن لا يكون ما بين السرة والعانة غليظاً أو صلباً، فإن ذلك دليل السرطان. وما يختص بيHLأيامأيام

الحيض لئلا يعرض لهن الغشى الشبيه بالسكتة، فإن ذلك دليل احتراق الرحم، الذي يتبعه موت الفجاءة. ومن ذلك ما يتأمل من الأعضاء في زمان النوم خمسة أشياء، شرحها: بأن لا يكون ممن يتبرز في الفراش، أو يهذي في نومه أو يمشي على غير علم منه أو يصر أسنانه، أو ينام على وجهه، فإن هذه أشياء إذا علمها الأطباء انتفعوا بها عند التماسهم صحة المرضى.

[3]

[3] ومنها تعرف أخلاق العبيد والإماء بقياس الفراسة، أحد وتسعون فصلاً. فمن ذلك أصول نقدمها قبل الكلام في الفراسة عددها أربعة، شرحها: حد الخُلق، والخلق داعية للنفس للإنسان إلى أن يفعل أفعالاً بلا روية، فإن الجبان إذا فاجأه الصوت ارتاع بسرعة، والماجن يضحك من أيسر تعجب، والنذل يرغب في أدنى قيمة، والحر بالضد. ولهذه الأخلاق دليل من الفراسة. كيف تعلم القياس الصحيح في الفراسة، يجري بأن لا يتسرع الإنسان إلى الحكم في الفراسة من دليل واحد، ولكن يجمع منها ما أمكن ثم تكون قضيته بحسب ذلك. ومتى اجتمعت الدلائل المتضادة حكم بأفواها ورجّح أظهرها، بعد أن تعلم أن دلائل الوجه والعين خاصة أقوى الدلائل وأصحها في الحد الذي ينتهي إليه العلم بقياس الفراسة، ويجري هكذا من الإنصاف أن تعلم أن قياس الفراسة مقدماته مأخوذة من مشابهات موجودة بين أشخاص الناس، أو من مشابهات موجودة بين الحيوان والإنسان. وسنورد على ذلك مثالاً من الشجاعة تراه مأخوذاً من صفات الأسد. فالاستدلال في الفراسة على أفعال الصور من لازم الهيولى، فإذا عرف القياس ذلك..د.. قاس كالمطبوع. مثال من الشجاعة على قياس الفراسة، وهو أن يكون قوي الشعر خشنه،

شديد العظام والأطراف والأصابع، عظيم الصدر والأكتاف والرقبة، عريض القص، ضامر الورك، معرق الجبهة، قوس المفاصل، منتصب القامة، ممسوح الإليتين، بعيد ما بين المنكبين، ممدود الحاجبين، أزب الصدر والكتف. والجبان بالضد. ومن ذلك ما يختص بأخلاق الذكور والإناث والخصيان شيئان شرحها: الأنثى من كل جنس أموت نفساً، وأقل جلداً، وأسهل انخداعا، وأسرع غروراً وسكونا، وأشد مكراً، وأصغر رأسا، وألطف وجها، وأدق عنقا، واضيق أكتافا وصدرا، وأعظم بطنا ووركا، وألطف كفا وقدما، وأسوأ أخلاقا من الذكر في كل جنس. أخلاق الخصيان كالمشابهة لأخلاق النساء، ومن ولد بلا خصيتين أو كانتا فيه صغيرتين كان أشر. ومن ذلك دلائل الشعر سبعة أشياء: تفصيلها: اللين منه يدل على الحمق. الخشن دليل الشجاعة، كثرته على البطن دليل الشبق. كثرته على الصلب دليل الشجاعة أيضاً. كثرته على العنق والكتفين دليل حمق أيضاً. كثرته على الصدر دليل قلة الفطنة. قيام الشعر دليل جبن.

ومن ذلك دلائل اللون، أربع دلائل، تفصيلها: الأشقر والأحمر يدلان على كثرة الدم والحرارة. اللون الناري دليل تأن. والأحمر دليل حياء. اللون الذي بين البياض والحمرة يدلان على الاعتدال. والأخضر يدل على سوء الخلق. ومن ذلك دلائل العين سبع عشرة دلالة: عظمهما دليل كسل غورهما دهاء وحسد، جحوظهما دليل هذر وقحة، زرقة إحداهما يدل على بلادة. شدة سوادهما دليل جبن. شبههما بعيون الأعنز دليل جهل. سرعة حركتهما بحدة بصرهما دليل مكر وحيلة، بطء حركتهما دليل مكر. عظمهما وارتعادهما دليل كسل وشبق. حمرتهما دليل شر وإقدام. سوادهما دليل كسل وبلادة. الزرقة مع اصفرار دليل رداءة الأخلاق جداً. فإن مالت إلى الصفرة كان صاحبها سفاكاً للدماء. البقرية تدل على الحمق. النقط والشعب حوالي السواد يدل على هذر وحمق وحسد وشر. صغرهما وجحوظهما دليل على الميل إلى الشهوات، إذا برز السواد عن البياض دل على حمق. ومن ذلك دلائل الحاجب، ثلاث، شرحها: دقة طرفه دليل الهم. طوله إلى نحو الصدغ دليل التيه والصلف. طوله إلى نحو الأنف دليل على البله. ومن ذلك دلائل الأنف، أربعة دلائل، تفصيلها: دقة طرفه دليل محبة الخصومة، فإن كان مع ذلك طول دل على الحمق. غلظه دليل على قلة الفهم. الفطسة دليل الشبق. غلظ أرنبته دليل غضب. ومن ذلك دلائل الجبهة: منها: المستطيلة التي لا غضون فيها دليل شغب وخصومة. كثرة غضونها دليل صلف. كبرها دليل كسل. صغرها دليل جهل. ومن ذلك دلائل الفم والشفة واللسان والأسنان، أربعة، شرحها: سعة الفم دليل شجاعة، غلظ الشفة دليل حمق، ضعف الأسنان دليل ضعف البنية، طول الأنياب دليل شره وشر. ومن ذلك دلائل الوجه والصدر، ثمانية، تفصيلها: من كان كأنه سكران أو غضبان أو حي فحاله كذلك. قلة لحم الوجه دليل كسل وغلظ طبع، وضده بالضد، الوجه المستدير دليل الجهل. الصغير دليل جهل. الصغير دليل خفة وملل. العظيم دليل كسل. السمج الوجه رديء الخلق. طوله دليل القحة. والأوداج البارزة دليل غضب.

ومن ذلك دلائل الأذن واحدة: عظمها دليل جهل ودهاء وطول عمر، وبالضد. ومن ذلك دلائل الصوت والنفس والكلام أربعة، منها: العظيم الصوت دليل شجاعة. سرعة الكلام دليل عجلة وبله. حسن الصوت دليل رعونة. التنفس الطويل دليل رداءة الهمة. ومن ذلك دلائل اللحم اثنتان، وهما: اللحم الكثير الصلب دليل غلظ حس وفهم، اللين بالضد. ومن ذلك دلائل الضحك أربعة عشر شرحها:

كثرته دليل دماثة ومساعدة وقلة اهتمام بالأمور، وبالضد. علوه دليل قحة. ومن عرض له عند الضحك سعال وربو فهو وقاح. المبتسم مستحي. ومن ذلك دلائل الحركات دلالتان، وهما: السريعة دلالة على الطيش، البطيئة دلالة على البلادة. ومن ذلك دلائل العنق، ثلاثة، شرحها: صغرها دليل مكر، طولها دليل جبن، غلظها دليل شجاعة. ومن ذلك دلائل البطن دلالتان وهما: كبرها دليل على البلادة. صغرها بالضد. ومن ذلك دلائل الظهر، ثلاثة، تفصيلها: عرضه يدل على القوة والغضب. استواؤه علامة العقل. انحناؤه علامة رداءة الخلق. ومن ذلك دلائل الكتفين، ثلاثة، شرحها: العريض دليل جودة العقل. الدقيق ضده. شخوص رأسه دليل حمق. ومن ذلك دلائل الذراع، دلالتان، وهما: إذا بلغ منه الكف الركبة دل على نبل النفس وحب الرياسة. قصره ضده. ومن ذلك دلائل الكف دلالتان، وهما: اللينة اللطيفة دليل سرعة العلم والفهم وبالضد. الطويلة الدقيقة تدل على زعارة الخلق. ومن ذلك دلائل الحقو واللسان والساق والقدم، خمسة دلائل، تفصيلها: القدم واللحية الصلب دليل بلادة. الصغير الخشن دليل فجور ومرح غلظ

العقب دليل شدة، وبالضد [دليل] حب النساء. ومن ذلك دلائل الخطى، واحدة، وهي: الخطى الواسعة البطيئة دليل تأن، وبالضد. وتخص النساء فراسة تدل على أحوال من أخلاقهن وأعضائهن وشهواتهن. أضربنا عن ذكرها تصونا عن إثباتها، لقباحة مخارج ألفاظها وإن كانت علماً نافعاً.

[4]

[4] ومنها ذكر أجناس الرقيق بحسب بلادهم ومنشئهم، ونحن نذكر ما انتهى إلينا خبره واشتهر أمره وتلقطناه من الكتب، وسألنا السفرة عنه من أجناس الرقيق على اختلافها في الخلق والخلق، لنكفي الطالب لهذا الشأن مؤونة التجارب والامتحان، خمسة وعشرين فصلاً: من ذلك كشف ألفاظ يحتاج القاريء إلى معرفة دلائلها، فصل واحد: إذا سمعتني أقول (فارسية) فاعلم أنها مولدة فارس. فإن أتفق أن يكون أبواها فارسيين، وإلا فيكفي أن يكون أبوها حسب. فولد الزنجية إذا تكرر في النسل مع البيض ثلاث دفعات صار بعد السواد أبيض، وبعد الفطس أقنى، ولانت أطرافه، وتطبعت أخلاقه. ومثل ذلك أفهم في كل الأجناس. وإذا سمعتني أقول جارية "خماسية" فإني أريد بذلك أن طولها خمسة أشبار. وإذا قلت "شهوانية" فليس بجنسٍ من الأجناس، لكنها لفظة فارسية مشتقة من الشهوة الكاملة. وإذا قلت "منصورية" فأريد المنصورة التي فيما وراء النهر، وهي الملتان لا منصورة العرب.

ومن ذلك ما يتعلق بالجهات الأربعة، أربعة فصول، شرحها: الأول ما يختص بالبلاد الشرقية، وهذه ألوان أهلها بيض مشربة حمرة وأجسامهم خصبة، وأصواتهم صافية، وأمراضهم قليلة، وصورهم جميلة، وأخلاقهم كريمة، وأغنامهم كثيرة، وأشجارهم عظيمة، وما فيهم غضب ولا نجدة لاعتدال كيفياتهم، لكنهم أهل سكون ودعة، كل هذا لاعتدال كون الشمس في هذه الجهة، فأغذيتهم معتدلة، ومياههم صافية. الثاني ما يختص بالبلاد الغربية، وهؤلاء أحوالهم تكاد تضاد جميع ما ذكرنا في البلاد الشرقية، لأن الشمس لا تطلع عليهم بالغداءات. الثالث ما يختص بالبلاد الشمالية، وهي التي أهلها يسكنون تحت بنات نعش والجدي، كالصقالبة وهؤلاء عراض الصدور شجعان، وحشوُ الأخلاق لكمون الحار، دقاق السوق لهربه من الأطراف، طويلو الأعمار لجودة الهضم، نساؤهم عواقر لأنهن لا ينقين من دم الحيض. الرابع ما يختص بالبلاد الجنوبية، وهي التي أهلها سكان تحت القطب الجنوبي كالحبشة، وأحوالهم ضد أحوال البلاد الشمالية، وألوانهم سود، ومياههم مالحة كذدرة، ومعدهم باردة، وهضومهم ردية، وأخلاقهم هادية، وأعمارهم قصيرة، بطونهم لينة لسوء الهضم. ومن ذلك ما يختص بواحد واحد من البلاد، عشرون فصلاً، تفصيله: الهنديات أول الجنوب على سمت المشرق، لهم حسن القوام، وسمرة الألوان،

وحظ وافر من الجمال، مع صفرة وصفاء بشرة وطيب نكهة ولين ونعمة، لكن الشيخوخة تسرع إليهم، وفيهم وفاء عهد ومودة، وكثرة محافظة، وبعد غور، وسلاطة، ونفوس عزيزة، لا يصبرون على الذل ولا يتألمون للقتل، ركابون للعظائم متى أحوجوا وأغضبوا. نساؤهم يصلحن للولد، ورجالهم لحفظ النفوس والأموال وعمل الصنائع الدقيقة، غير أن النزلات تسرع إليهم. (النديات) بين المشرق والجنوب، وهم قريبو الشبه بالهند لمتاخمة بلادهم لبلادهم، غير أن نساءهم ينفردن بدقة الخصور وطول الشعر. (المدنيات) سمر الألوان معتدلات القوام، قد اجتمع فيهن حلاوة القول ونعمة الجسم، وملاحة ودلّ وحسن شكل وبشر، ونساؤهم لا غيرة فيهن على الرجال، قنوعات بالقليل، لا يغضبن ولا يصخبن، ويوجد فيهن الزنوج ويصلحن للقيان. (الطائفيات) سمر مذهبات مجدولات، أخف خلق الله أرواحاً، وأحسنهم فكاهة ومزاحا، لسن بأمهات أولاد، يكسلن في الحبل، ويهلكن عند الولادة، رجالهنّ أشد الناس تحبباً وأدومهم عشرةً وأحسنهم غناء. (البربريات) من جزيرة بربرة، وهي بين الغرب والجنوب، ألوانهم على الأكثر سود، ويوجد فيهن الصفر، وإذا وجدت منهن الكتامية الأم الصهاجية الأب المصمودية المنشأ، فإنك تصادفها مطبوعة على الطاعة والموافاة في كل

أمورهن، نشيطات للخدمة، ويصلحن للتوليد وللذة، لأنهن أحدب شيء على ولد. وأبو عثمان وهو من سماسرة هذا الشأن يقول: إذا اجتمع للبربرية مع جودة الجنس أن تجلب وهي بنت تسع حجيج ثم كانت بالمدينة ثلاث حجج وبمكة ثلاث حجج، ثم جاءت إلى العراق ابنة خمس عشرة فكانت بالعراق في الأدب، ثم ملكت بنت خمس وعشرين سنة فتلك التي جمعت إلى جودة الجنس شكل المدنيات وخنث المكيات وآداب العراقيات، واستحقت أن تخبأ في الجفون، وتوضع على العيون. (اليمانيات) في جنس المصريات، وخلق البربريات، وشكل المدنيات، وخنث المكيات، وهن أمهات أولاد حسان الوجوه أشبه شيء بالأعراب. (الزرنجيات) من بلد يقال له زرنج، ذكر ابن خرذابة أن من هذا البلد إلى مدينة الملتان مسيرة شهرين والملتان وسط الهند وخاصة هذا الجنس إذا بوشرن فعرقن بدا منهن عرق كالمسك، لكنهن لا يصلحن للولد. (الزنجيات) مساويهن كثيرة، وكلما زاد سوادهن قبحت صورهن وتحددت أسنانهن وقل الانتفاع بهن، وخيفت المضرة منهن. والغالب عليهن سوء الأخلاق وكثرة الهرب، وليس في خلقهن الغم، والرقص والإيقاع فطرةٌ لهن وطبع فيهن، ولعجومة ألفاظهن عدل بهن إلى الزمر والرقص. ويقال: لو وقع الزنجي من السماء إلى الأرض ما وقع إلا بالإيقاع. وهم أنقى الناس ثغوراً لكثرة الريق، وكثرة الريق لفساد الهضوم. وفيهن جلد على الكد، فالزنجي إذا شبع

صب العذاب عليه صباً، فإنه لا يتألم له. وليس فيهن متعة، لصنانهن وخشونة أجسامهن. (الحبشيات) الغالب عليهن نعمة الأجسام ولينها وضعفها، يتعاهدهن السلّ والدق، ولا يصلحن للغناء ولا للرقص، دقاق، لا يوافقهن غير البلاد التي نشأن فيها، وفيهن خيرية ومياسرة، وسلاسة انقياد، يصلحن للائتمان على النفوس يخصهن قوة النفوس وضعف الأجسام، كما يخص النوبة قوة الأجسام على دقتها وضعف النفوس، قصار الأعمار لسوء الهضم. (المكيات) خناث مؤنثات لينات الأرساغ، ألوانهن البباض المشرب بسمرة، قدودهن حسنة، وأجسامهن ملتفة، وثغورهن نقية باردة، وشعورهن جعدة، وعيونهن مراض فاترة. (الزغاويات) رديات الأخلاق ذوات دمدمة، يحملهن غلظ الأكباد وشر الطباع على عمل عظيم الأفعال، وهن شر من الزنج ومن جميع أجناس السودان، نساؤهن لا يصلحن لمتعة، والرجال لا يصلحون لخدمة. (البجاويات) بين الجنوب والغرب في الأرض التي فيما بين الحبشة والنوبة، مذهبات الألوان، حسنات الوجوه، ملس الأجسام ناعمات البشرة، جواري متعة إن جلبت صغيرة وقد سلمت من أن ينكل بها، فإنهن يقورن ويمسح بالموسى بأعلى فروجهن من اللحم كله حتى يبدو العظم فيصرن شهرة من الشهر، وتقطع أثداء الرجال وتسل الرضفة من ركبهن زعم القائل حتى

لا يعيا الساعي منهم. والشجاعة والسرقة فيهم طبع وغريزة، ولهذا لا يؤمنون على مال ولا يصلح أن يكونوا خزاناً. (النوبيات) من جملة أجناس السودان، ذوات ترف ولطف وقصف، وأبدانهن يابسة مع لين بشرة، قوية مع دقة وصلابة، وهواء مصر يوافقهن، لأن ماء النيل شربهن، وإذا انتقلن عن غير مصر تسلطت عليهن العلل الدموية والأمراض الحادة. ويسير الأذى يقدح في أجسامهن، وأخلاقهن طاهرة، وصورهن مقبولة، وفيهن دين وخيريةى وعفة وتصوّن، وإذعان للمولى، كأنهن فطرن على العبودية. (القندهاريات) في معنىالهنديات، ولهن فضيلة على كل النساء، فإن الثيب منهن تعود كالبكر. الصفراء المولدة تنسب إلى أبيها وأمها، وتمزج بينهما، بأخلاقها مركبة منهما. (التركيات) قد جمعن الحسن والبياض والنعمة، ووجوهن مائلة إلى الجهامة، وعيونهن مع صغرها ذات حلاوة، وقد يوجد فيهن السمراء الأسيلة، وقدودهن ما بين الربع والقصير، والطول فيهن قليل، ومليحتهن غاية، وقبيحتهن آية وهنّ كنوز الأولاد، ومعادن النسل، قل ما يتفق في أولادهن وحش ولا ردى التركيب ولا حان، وفيهن نظافة ولبانة، قدورهم معدهم، يعولون

عليها في الطبخ والنضج والهضم، لا يكاد يوجد فيهن نكهة متغيرة، ولا من له عجيزة عظيمة، وفيهم أخلاق سمجة وقلة وفاء. (الديلميات) حسان المنظر، جميلات المخبر، غير أنهن أسوأ الناس أخلاقاً، وأغلظهن أكباداً وفيهن صبر على الشدة، شبه الطبريات في كل حال. (اللانيات) ألوان بيض محمرة، ولحوم كثيرة، وأمزجة يغلب عليها البرد. وهن للخدمة أصلح منهن للمتعة، لأن فيهن خيرية طبع، وثقة واستقامة أخلاق، وحرصاً على المحافظة والموافقة، وهن بعيدات عن الشبق. (الروميات) بيض شقر، سباط الشعور، زرق العيون، عبيد طاعة وموافقة، وخدمة ومناصحة، ووفاء وأمانة ومحافظة، يصلحن للخزن، لضبطهن وقلة سماحتهن، لا يخلو أن يكون بأكفهن صنائع دقيقة. (الأرمنيات) الملاحة للأرمن لولا ما خصوا به من وحشة الأرجل، مع صحة بنية وشدة أسر وقوة، والعفة فيهن قليلة أو مفقودة، والسرقة فيهن فاشية، وقل ما يوجد فيهن بخل، وفيهن غلظ طبع ولفظ، وليست النظافة في لغتهن، وهن عبيد كد وخدمة، متى نهنهت العبد ساعة بغير شغل لم يدعه خاطره إلى

خير. لا يصلحون إلا على العصا والمخافة، وليس فيهم فضيلة غير تحمل العناء والأعمال الثقيلة، والواحد منهم إذا رأيته كسلاناً فذاك لعلة فيه ليس عن عجز قوة، فدونك والعصا، وكن مع ضربه وانقياده لما تريده منه على حذر، فإن هذا الجنس غير مأمون عند الرضا فضلاً عن الغضب، نساؤهم لا يصلحن لمتعة. وجملة الأمر أن الأرمن أشر البيضان، كما أن الزنج أشر السودان، وما أشبه بعضهم ببعض في قوة الأجساد، وكثرة الفساد، وغلظ الأكباد.

[5]

[5] ومنها التحرز من تدليسات النخاسين التي يدلسون بها في المواسم الرقيق على المشتري، يجري مجرى الحسبة، ثمانية وعشرون فصلاً. من ذلك ما يفعلونه في الألوان، فتغير البشرة بشيئين، وهما: أما السمراء فإنها تصير ذهبية إذا وضعت في أبزن فيه ماء الكراويا أربع ساعات من النهار. وأما الدرية اللون فتصير [بيضاء] إذا غمر وجهها بباقلي قد نقع في بطيخ سبعة أيام، ونقل إلى لبن حليب سبعة أيام، وغير اللبن كل ليلة. ومما يحمر الخدود المصفرة غسول صفته: دقيق الباقلي والكرسنة خمسة أجزاء، وعرق الزعفران وبورق، من كل واحد ربع جزء.

فأما السودان منهن فمسح أطرافهن ووجوههن بالدهن الطيب. سمعنا بعض ربات القصور تقول: كلكون السودان دهن البنفسج. ومن ذلك ما يتعلق بالشعر ثلاثة أشياء، شرحها: ما يكسب الشعور الشقر السواد الحالك: دهن الآس، ودهن قشور الجوز وغسله بالأملج، ودهنه بدهن الشقائق وأشياء توجد في (الزينة) لأفريطن يطول شرحها. ما يزيل الشعر من الوجه والأطراف: أخذه بالمنقاش، أو طلاؤه بالنورة ومن بعد ذلك ببيض النمل، أو بدهن طبخ فيه ضفادع خضر، أو عظاية بدم الأرنب، دفعات كثيرة، ويغسل بالشب والبورق والعفص. ما يجعد الشعور السبطة: غلفه بالسدر والأزادرخت والآس. ومن عادة النخاسين إذا أرادوا أن يطولوا الشعور أن يوصلوا في طرفه من جنسه، وإذا أرادوا الوضع من الإمناء أن يلصقوا في الأصداغ شعراً أبيض ليحث البيع على قبض الثمن. ومن ذلك فنون مختلفة ستة عشر فصلاً، شرحها:

ما يسمن الأعضاء الهزيلة: الدلك بالمناديل الخشنة والأدهان الحارة، والطلي بالعاقر قرحا، والخراطيم المحرقة. ما يفعم الأطراف الخشنة الدهن والشمع واللوز المر ولخلخه معمولة بماء الورد ودهن بنفسج، وترك مباشرة الأجسام الخشنة كالخشب والحجارة، وهجر المآ كل المولدة للمرة. وما يذهب آثار الجدري والنمش والوشم: غسول معمول من عروق القصب واللور المر والكرسنة والباقلي وحب البطيخ معجون بعسل. ما يغسل به الخضاب من البرص: خل وأشنان مغلي وماء الباقلي أو ناطف وماء حار. ما يزيل الكلف من البشرة: الشونيز وأصل قثاء الحمار وورق الخبازي وبزر الجرجير واصل الكرم، يعجن بعسل ويطلى. ما يزيل روائح الأنف: السعوط بدهن المرزنجزش والبنفسج والنيلوفر والنرجس والياسمين. ما يجلو الأسنان: السواك بالأشنان والسكر وسحيق الصيني، أو الفحم والملح المدقوق. ما يخضب البرص: القلقديس والعفص والزنجار من كل واحد جزء

يعجن بماء [و] لبن التين، ويغرز مواضعه بإبرة ويطليه أربعة أيام في الشمس يبقى أربعين يوماً، أو يطلى بمر وخل. ما يقتل القمل والصئبان من الشعر والبدن، بالبورق والميوبزج وماء السلق أو دردي الشراب والصابون. ما يزيل الشعث الذي يكون في أصول الأظفار: غسلها بالخل والعسل والمرتك، أو دهن الورد واللوز المر، ويعالج البرص منها بالزرنيخ والكبريت. ما يطيب الفم: مضغ العود الرطب والكسفرة والفوفل وقشور الأترج، والمضمضة بالخل والماورد والعود المنقوع في الشراب، وأكل البن بعد الطعام وقبل الصحناء. ما يطيب الجسد: الصندل والورد والمرتك المربّى بماء الورد، والبخورات بمثلثة المآخين وخلط الثياب بالعقبات المعمولة من الرياحين على التفاح والفواكه المبخرة بالكافور. ما يستعمل في الثيب لتصير كالبكر: قلوب الرمان الحامض وعهفص أخضر يعجن بمرارة البقر ويتحمل فرزجة.

ما يصبغ البياض الذي في سواد العين: لبن أتان حارّ. ما يغير زرقة العين لتصير كحلاء: يقطر فيها ماء قشر الرمان الحلو. ما يخفي الحمل: وصاة النخاس الجارية أن تعتمد الشدد وتظهر الدم الكاذب المصنوع من ماء الصمغ ودم الأخوين، هذا إذا لم يمكنها إعداد دم من حيوان. ومن ذلك ما يتعلق بالحمل: شيئان، وهما: تحقق الحمل ليعلم صحته. ومعرفة ذلك يتم بأن يوضع تحت المرأة بخور كالعنبر ونحوه ويمنع خروجه من أردانها أو فرج أثوابها فإن ظهرت الرائحة من فيها فليست حاملا، وبالضد. معرفة الحمل هو بذكر أو أنثى، وهذا يتبين في الذكر من سرعة الحمل وإشراق لونها، وأن يقدّر بخيط من وسط السرة إلى وسط الفقارة المحذاية لها من أحد الجوانب ويعلم المكان بمداد وتديره إلى الجانب الآخر، فإن نقص الخيط عن العلامة من الجانب الأيمن فهي حامل بذكر، وإن طال فبأنثى. ومن ذلك ما يوصي به النخاسون الجواري، ثلاثة أشياء، تفصيلها: من وصاياهم لهن أن يصرفن العناية كلها إلى النظافة والطيب، والتبرج للمشتري تارةً والاختفاء تارةً أخرى، فإن هذا الباب من التحبب مالك القلوب. ومن وصاياهم لهن أن يظهرن أجمل ما فيهن، ويخفين أقبح ما فيهن. ومن وصاياهم أن يدارين المشايخ والنافري الطباع ويستميلونهم، ويتجنون على الشباب ويمتنعون عليهم، ليتمكنوا من قلوبهم. ومن ذلك ما يأخذونهن به في زينتهن شيئان، وهما: ما يلزمونهن من تحمير

خدودهن بالنشاستج، وغسل سواريهن بالحصر، وخضاب حواجبهن بالرامك، وأطرافهن إن كانت الجارية بيضاء بالخضاب الأحمر، وإن كانت سوداء بالذهبي والأحمر، وإن كانت صفراء بالأسود. ما يفعلونه في ملابسهن، فإنهن يلبسن الأبدان البيض الخصبة الشفافة الثياب الخفيفة الكحالي والموردة، والسود الغلائل الحمر والصفر، ويجرون الصناعة مجرى الطبيعة في كشف الضد بالضد في ألوان الزهر.

وأضيف إلى ذلك ما يعتبر به أرباب الصنائع من العبيد والإماء، ثلاثة عشر فصلاً، ومن ذلك فصول ينتفع بها فيما نحن بسبيله وعددها ثلاثة فصول، شرحها: (الأول) : في فصل منبه على ما فضل فيه النساء على الرجال، ويجري هكذا: طبع الرجال على جميع الصنائع، واختص النساء بالغناء والغذاء، فهن أطيب طبيخاً منهم لثباتهن في العمل، وأحسن غناء لأنهن مطبوعات على النغم، لكن فيهم در ومشخلب، ولهذا يحتجن إلى جهابذة ينتقدونهن. (الثاني) : في الجيد من الغناء، ويجري هكذا: إذا اجتمع للغناء أن يكون مطبوعاً سليماً من الخروج والنفور، وكانت الجارية شحرورية الصوت، جيدة الصنعة والضرب، صحيحة التأدية للشعر، قد أخذت عن الحذاق وتزيدت من نفسها بجودة الطباع، فهي الغاية القصوى في هذا الشأن، فإن اتفق لها مستمع عارف بالطرا ئق والضرب واللحن ومجرى الأصابع، وقائل الشعر وما فيه من العروض والنحو، وما في الصوت من ردات وترجيحات وشذرات ونقرات وتشييعات، كان أوفر في اللذة وأنفق للصناعة.

(الثالث) : في الطيب من الطبيخ واللذيذ من الغناء. اختلف الناس في ذلك ثم اتفقوا على أن هذا أمر يقال بالقياس إلى السمع والذوق، وكلما كانت هاتان الحاستان سليمتين في جوهرهما، معتدلتين في مزاجهما ذكيتين في حسهما كان ما يدركانه لذيذاً في نفسه وعندهما. ومتى خرجت عن طباعها وهذا بلا نهاية عندنا كان اللذيذ بقياسنا لا في نفسه. ولهذا بعض الناس يستفره نقرة فيقول: الغناء ما أطرب. وآخر لاهٍ عن تلك النقرة، وواحد يشتهي لوناً، وآخر عنده ذلك اللون غير شهي. ومن ذلك اعتبارات الصنائع على اختلافها في العبيد والإماء، أربعة فصول، منها: الطباخات: عمدة الطبيخ على طيب المرق وجودة المزاج، فإن اتفق للطباخة مع هذا جودة الصنعة وسرعة العمل فذاك غاية الأمل. وقل ما يتفق أن تكون كاملة في البوارد والشواء والطبيخ والحلواء على أصنافها الثلاثة، فهذا مما يعجز عنه قدر النساء. والذي يمتحنون به الإسفيداج، والديكبراكة

أما الإسفيداج فلأن الأباريز مطيبة لها، وكثرتها يسوّد مرقها، وأتقنها بياضها فلهذا يتعذر سلامتها. وأما الديكبراكة فلأنها لون سهل يتبين في التلطف في منع سهوكتها. الخزّان: يختار لحفظ الأموال الروم، لأن السخاء ليس في لغتهم. واعتبارهن يكون بإحراجهن في مال معلوم الوزن وإهمال مراعاتهن والتصفح له من بعد بغتة. الحواضن والدايات: يختار لتربية الأطفال النوبة لأنهن من جنس فيه رحمة وحنين على الولد، وليس يلقن الطفل لغة بشعة، ويختار للرضاع الظئر الصحيحة الجسم، الحديثة السن المعتدلة المزاج، المائلة إلى البياض المشرب حمرة، الصحيحة الولد واللبن. واعتبار اللبن أن تقطر على ظفرك منه فإذا صار كالعدسة لا غليظاً مقبباً ولا مائعاً سيالاً، وكان طيباً في رائحته، أبيض في لونه، كان جيداً, وبعض الأطباء اختار الزنج للرضاع، لأن حرارتهن البارزة نحو الأثداء منضجة للبن، ولأنهن لغلظه أكثر غذاء. وقال قوم: إن قياسه قياس لبن الأتن في اللطافة، لغلظ أجسامهن. رجال الحرب والنجدة: يختار لذلك الترك والصقالبة، لحرارة قلوبهم, واعتبارهم يكون بإيراد الأشياء المفزعة بغتة، كإلقاء الحيات الخرق أو طرح الأشياء التي لها صوت عظيم من علو بين أيديهم.

ومن ذلك مل يتعلق بالقيان ستة فصول، شرحها: العوّادات: يعتبرن بالعشرة الأصوات المعين عليها من المائة المختارة، وخاصة بالثاني ثقيل، وعموده ثلاث عشرة نقرة. الرقاصات: يحتاج الرقاص أن يكون طرياً في طبعه، مجوداً في صنعته، معتدلاً في جسمه وقامته، عريض الصدر ليمد نفسه، مجدول الحشا لتخف حركته. وهذا يعرف من إحضاره وصياحه، ويكون قيما بالبابات جميعها لا سيما الشيرازية منها. الكراعات: يعتبرن بالأرمال والأهزاج والنصبى والكاكاني. الزوامر: يختار لهن الزنج لأنهن مطبوعات على الإيقاع، ولما يمنعهن عجومة ألفاظهن عن الغناء عدل بهن إلى الزمر والرقص. الطنبوريات: ذوات الطنبور البغدادي، يعتبرن بالزريقي والحجفي وخفيف رمل ابن طرخان. ومن آدابهن على الإجمال إصلاح آلاتهن قبل حضورهن

للغناء، واستصحابها إذا نهضن لا سيما إذا كن بارزات دون الستائر الدف بالزرفن. صورة ما ورد في ختام الأصل تمت الرسالة في شرى الرقيق وتقليب العبيد، تأليف الشيخ أبي الحسن المختار بن الحسن بن عبدون البغدادي المتطبب. والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

هداية المريد في تقليب العبيد

هداية المريد في تقليب العبيد صنيع عريق الذنوب، غريق بحر العيوب، راجي عفو مولاه، والدخول ساحة حماه، فقير ربه المتعالي، محمد الغزالي، لطف الله به.

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم وهو حسبي وكفى حمداً لك يا من أبدع نوع الإنسان في أحسن نظام، وركبه من أعصاب وشراسيف وأوردة ولحم وعظام، وجعل هيكله معرضاً للصحة والأسقام، وروحه مركزاً لكمال الإنعام، وصلاة وسلاماً على خلاصة العناصر، قطب دائرة الوجود محط المآثر، وعلى آله وصحبه ما استدل الآسى على اعتدال المزاج، واستعمل قانون التدبير في كيفية العلاج. وبعد فلما استولى على أرض الخلد، حليف التواضع موقع الاعتقاد والمدد، سقتها هامعة الغمام من لطافته، فاهتزت وربت من ظرافته، وأنبتت حبة المحبة فالتقطتها الأماثل، وتناولتها فضا الأفاضل، فعادت غذاء الأشباح، وحياة روح الأرواح. وكيف وهي حبة محبة من: دعا فأجابته المعاني مطيعة ... وقد كان منها منعة وإباء وشرفت الدنيا باوصافه التي ... تقاصر عن إدراكها القدماء وألقت له العليا زمام انقيادها ... فمنها له ما يبتغي ويشاء مولانا مالك زمام شريعة سيد المرسلين أحمد، أحمد بن محمد، أفندي الديار المصرية، صاحب الأخلاق المرضية، لا زال اقتران الاسمين عائداً بصلة السر الرباني عليه، مشيراً بسوق يعملات السعادة لديه، ولا برح ابن بوحه البزيع فائقاً لرتق أبكار المعاني، محرزاً لقصبات السبق في مضمار حل رموز المباني،

الفصل الأول

ما غردت بنات الأيك على غصون الأشجار، وفاحت مسكية عرف النسيم في غضون الأسحار، وكان الفقير الخمول ممن له ترداد على مجلس مولانا أفندي الموما إليه، لمزيد حبه للفقراء وحسن تودده إليهن، وشدة اعتقاده فيهم دعاني الخاطر أن أجمع رسالة في العلامات الدالة على صحة أبدان الأعبد، والعلامات الدالة على ضعفها، وذلك لأنه مما يحتاج إليه الإنسان عند شرائهم، وأن أرتبها على سبعة فصول وخاتمة، وأن أقدمها لمولانا المشار إليه. فاتهمت الخاطر أياماً فوجدته صحيحاً، لصحة علته الحاملة، فاجتمعت بمولانا في خلوة الأنس والمدام، فاستجزته واستأذنته فأجاز وأذان في الإقدام، استعطافاً لخاطر الفقير، وجبراً منه للقلب الكسير. وها أنا أشرع في الترجمة ثم في المقصود فأقول: الفصل الأول: في العلامات الدالة من جهة مزاج البدن ولونه وهيئة تركيبه وسطحه. الفصل الثاني: في العلامات الدالة من جهة الرأس والعنق. الفصل الثالث: في العلامات الدالة من جهة الصدر واليدين. الفصل الرابع: في العلامات الدالة من جهة الأحشاء والكليتين والمثانة والانثيين والقضيب والمقعدة. الفصل الخامس: في العلامات الدالة من جهة الرجلين وخصوص الركبة والساقين. الفصل السادس: في العلامات الدالة من جهة السمن والهزال، والطول والقصر. الفصل السابع: في العلامات الدالة من جهة ميفية مزاج مطلق البدن وطبعه. الخاتمة: فيما يناسب العبد إذا اشتراه من الرياضة والراحة والدعة.

الفصل الأول في العلامات الدالة من جهة مزاج البدن ولونه وهيئة تركيبه وسطحه أي بشرته ليعلم يا إنسان عين الزمان أنه من أراد شراء عبداً أبيض كان أو أسود، ذكراً كان أو أنثى، ينبغي له أن ينظر إلى لون بدنه، فإن وجده حائلاً كالأصفر دل ذلك على غلبة الصفراء، وعلى سوء مزاج حار مطلقاً، أو على سوء مزاج حار في خصوص الكبد. وإن وجده أبيض جصياً دل على سوء مزاج بارد، أو على برد الكبد ورطوبتها وغلبة البلغم. وإن وجده أسود كمداً يشبه لون الرصاص دل على سوء مزاج بارد يابس، وعلى برد مزاج الكبد ويبسها، وعلى غلبة السوداء وضعف الطحال. وإن وجده أبيض تعلوه حمرة قليلة أو أسمر سمرته صافية، أو أسود سواده حلك براق مع حمرة الشفتين دل على حسن المزاج وصحة البدن. وإن ننظر إلى هيئة بدنه، فإن وجد أعضاءه بعضها أكبر من بعض كأن وجد رأسه كبيراً، ورقبته دقيقة، وصدره ضيقاً، أو وجد رأسه صغيراً، ورقبته غليظة، وصدره مخالفاً لذلك، أو وجد رأسه صغيراً، وبدنه كبيراً ورجليه قصيرتين، دل على رداءة الطبع وقبح المنظر. وإن وجدها حسنة الشكل جيدة التركيب متناسبة متشابهة بعضها ببعض في العظم والصغر، والسمن والهزال. والطول والقصر، دل على جودة الهيئة وصحة التركيب. وأن ينظر إلى سطح بدنه، أي بشرته، فإن وجده قضيفاً جداً دل على

الفصل الثاني

شدة الحرارة واليبس، والاستعداد لحدوث بعض الأمراض. وإن وجده سميناً جداً دل على كثرة البرود والرطوبة والبلغم، ولا يأمن صاحبه من موت الفجاءة وحدوث المرض البطيء البرء كالسكتة والفالج، واللقوة والصرع، وما يجري هذا المجرى. وإن وجد في بدنه موضعاً مضيئاً فقد يكون برصاً أو قوباء أو بهقاً أبيض أو أسود، وإن وجد فيه كياً أو صبغاً فليتفقد ذلك تفقداً جيداً، لاحتمال أنه فعل ذلك بسبب برص، وإن وجد موضعاً مغايراً للون البدن، فلينظره نظراً شافياً، لاحتمال أنه برص صبغة بالشيطرج أو غيره، فيغسله المشتري بالأشنان والخل، ويدلكه بخرقة خشنة دلكاً جيداً، فإن كان برصا ظهر واتضح. وإن وجد في بدنه آثار قروح فليسأل بائعه هل عضه كلب؟ فإن قال نعم كان ذلك فلا يشتريه، فإنه لا يأمن من أن يكون ذلك الكلب كلباً فيؤول الأمر بصاحبه إلى الخوف من الماء ثم الموت. وإن وجد البدن خالياً من جميع ذلك سالماً منه دل على صحته. الفصل الثاني في العلامات الدالة من جهة الرأس والعنق وينبغي أيضاً أن ينظر إلى رأسه، فإن وجده خفيفاً ممرطاً، ونباته متفرقا متباعدا، دل على فساد جلد الرأس، ورداءة مزاج الدماغ. وإن وجده ليناً، دل على الجبن، وإن وجده منتقضاً متساقطاً بكثرة دل على يبس الدماغ. وإن وجد به داء الثعلب أو داء الحية دل على أخلاط ردية مفسدة للشعر. وإن وجده سالماً من ذلك وخشنا دل على جودة مزاج الدماغ والشجاعة.

وأن ينظر إلى جلدة الرأس فإن وجد بها حزازاً أو شطفة وبثراً، أو أثر قروح وجرح غائر، دل على عظم قد سقط من القحف. وهذا رديّ لا يؤمن أن يقع بهذا الموضع صدمة أخرى من شيء حاد فيبلغ الدماغ فيخرجه، أو من شيء ثقيل يرضّه فيتلفه. وأن ينظر إلى شكل القحف، فإن وجده مسفطاً جداً دل على الرداءة من جهتين: أحدهما: سرعة الصرع، وثانيهما قبح المنظر. قال صاحب لقط المنافع: أما صغر الرأس وكبره فسببه المادة النطفية، إن قلت قل، وإن كثرت عظم. وإذا كان الرأس صغيراً حسن الشكل، كان أقل رداءة من الصغير الرديء الشكل، على أنه لا يخلو من رداءة هيئة الدماغ، وضعف من قواه. ولهذا قال أصحاب الفراسة: يكون هذا الإنسان لجوجاً سريع الغضب متحيراً في الأمور. قال جالينوس: لا يخلو صغر الرأس البتة عن دلالة على رداءة هيئة. وكبر الرأس ليس دليلاً في كل وقت على جودة الدماغ ما لم يقترن به جودة الشكل وغلظ العنق وسعة الصدر، فإنها تابعة لعظم الصلب والأضلاع التابعين لعظم النخاع وقوته، التابعين لقوة الدماغ. وإذا كان الرأس مستديراً دل على بعده عن الخير إذا كانت الجبهة مستديرة، والوجه طويلاً والرقبة غليظة، وفي العين بلادة.

وأن ينظر إلى عينيه، فإن وجدها عظمت فهو قبيح كسلان، وإن وجدها غارت فبه داء خبيث، وإن جحظت فهو وقح مهذار، وإن وجدها ذاهبةً في طول بدنه فهو مكار خييث، وإن وجدها كأنها ناتئة وسائر العين لاطٍ فهو أحمق. وإن وجدها صغيرة غائرة فهو مكار حسود. وإن وجدها ناتئة صغيرة معين السرطان فهو جهول ميال إلى الشهوات. وإن وجدها كبيرة ترعد فهو شرير إن صغرت حدقتها. وإن وجدها عظيمة فهو قليل الشر عظيم الحمق. وإن وجد حدقتها شديدة السواد فهو جبان. وإن وجدها زرقاء صغيرة فهو كسلان بطال كثير المحبة للنساء. وإن وجدها زرقاء مشوبة بصفرة كالزعفران فهو رديء الأخلاق جداً. وإن وجدها زرقاء وهو أشقر اللون فهو رديء جداً. وإن وجدها زرقاء مشوبة بصفرة وخضرة كالفيروزج فهو أردأ الناس. وإن وجد فيها نقطاً حمراً أو بيضاً فهو شر الناس وأرداهم. وإن وجدها بيضاء بياضها كدر فهو غير جيد الحدقة. وإن وجدها مع ذلك مستديرة كعين السد، والوجه متعجر، فهو ممن حدث له الجذام، وإن وجدها شهلاء فهو جيد العين. وإذ لم يكن شهلها شديد البريق، ولا مشوباً بصفرة ولا حمرة فهو شديد جودة العين. وإن وجد في عينه عروقاً حمراء دل على حصول السبل له، وإن وجد حاجبها

كثير الشعر فهو كثير الهم والحزن غث الكلام، إن وجد مأقها الذي يلي الأنف تسيل منه رطوبة فليعصره فإن خرج منه زيادة رطوبة دل على مرض الناصور، وإن وجد في هذه المآقي زيادة لحمية ناتئة منبسطة نحو الحدقة فهي ظفرة، وإن وجد جفنها منتثرة، دل على مادة حادة تصل إلى أصول الأجفان فتمنعها من جودة البصر وتسقطها، وإن وجد الجفن ثقيلاً مسبلاً دل على غلظ أو جرب أو شعرة. وإن وجده منكسراً أو مكبوباً من غير علة فهو ماكر أحمق كذاب. وينبغي له أن يمتحن بصره قوة وضعفاً، بأن يريه أجساماً مختلفة الأشكال فإن كان لا ينظرها نظراً جيداً، أو كان ينظر إلى القريب منها نظراً جيداً دون البعيد أو بخلاف ذلك فبصره رديء، ودلت العلامة على آفة قد نالت الدماغ والروح الباصر. وأن ينظر إلى سمعه فإن وجده ثقيلاً بأن يكلمه فلا يجيبه، دل على أن بسمعه آفة، إما من شدة عارضة في ثقب الأذن، والشدة إما من لحم نابت أو ثألول، أو من قبل شيء عارض. فإن كانت من شيء عارض، كحصاة أو فولة أو شعيرة أو وسخ، فإنها تزول بالآلة التي يخرج بها ما يسقط في الأذن. وإن كانت من غير ذلك فبرؤه عسر. وإن وجده كبير الأذن جاهل بليد طويل العمر. وأن ينظر إلى أنفه، فإن وجد غلظاً [أو] جساً، دل على أن هناك لحماً

زائداً وقروحاً في المنخرين، فينبغي أن ينظر إليه في موضع مضيء مقابل الشمس ليظهر له ذلك. قال صاحب لقط المنافع: من كان طرف أنفه دقيقاً فإنه يحب الخصومة، ومن كان أنفه غليظاً ممتلئاً فهو قليل الفهم، ومن كان غليظ الشفة فهو أحمق غليظ الطبع، ومن كان قليل صبغ الشفة فهو ممراض، ومن كان كثير لحم الخدين فهو غليظ الطبع. وأن ينظر إلى لسانه فإن وجده ثقيلاً أو ألثغ أو ليس بيّن الكلام دل على صغر اللسان أو غلظه أو قصره، أو قطع جزء منه، أو آفة للعصب اللساني، أو غير ذلك من الآفات، أو من سن قد انقلعت. وإن وجد فيه آثار قروح قد اندملت، فليسأل صاحبه عن السبب، فإن قال سببه قرحة عرضت في لسانه، أو ورم انفجر واندمل، فلا يشتريه حتى يفحص عن ذلك فحصاً جيداً، لاحتمال أن انصرع فعض لسانه فتورم وتقرح، وأن يسمع صوته فإن وجده أبح حاداً دل على أن هناك جذاماً سيظهر. وقال بعض الأفاضل من العلماء: حسن الصوت دليل على الحمق وقلة الفطنة. وأن ينظر إلى أسنانه، فإن وجدها ساقطة، ولا سيما الثنايا والأنياب والأضراس، دل على القبح، والمنع من بيان الكلام والمنع من جودة المضغ، فإن وجد سقوطها من قبل أن يثغر فإنه إذا ثغرت عاجت أجود مما كانت، وإن وجد سقوطها من بعد إثغاره فإنها لا تعود، وأن ينظر إلى لون أسنانه، فإن وجده أبيض أو أسود فهو عيب قبيح إلا [أن] يكون قبل إثغاره فإن الإنسان إذا ثغر عادت أسنانه ولونها إلى أحسن ما كانا وأجود وأقوى.

قال أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله: وتفريق الأسنان وضعفها ورقتها دليل على ضعف الجسد وقصر العمر. واللحم الكثير الصلب دليل على غلظ الحس والفهم. ومن وقع عليه عند الضحك سعال أو ربو فإنه وقح سليط. وقال في موضع آخر: وأن يتفقد أسنانه، فإن القوية طويلة البقاء، والرفيعة سريعة السقوط، والضعيفة المتفرقة تدل على قصر العمر. وأن ينظر إلى لثاة أسنانه، فإن وجدها متشعبة أو مسترخية أو فيها قروح دل على الرداءة. وأن يشتم نكهته، فإن وجدها متغيرة، فتغيرها إما عن عفونة اللثاة أو من ضرس متآكل أو من بلغم عفن في المعدة. فإن كان من الأول فيزول بتقوية اللثة بالأدوية القابضة، واستعمال الأدوية الحارة. وإن كان من الثاني فيزول بقلع الضرس المتآكل، أو بتنقيته أو بكيه. وإن كان من الثالث فلا يسهل برؤه. وأن ينظر إلى لهاته، فإن وجدها نازلة إلى السفل كثيراً دل على الرداءة، من جهة أنه متى عرض لها ورم تبعه الخناق. وإن وجدها مسترخية دل على الرداءة من جهة أن صاحبه يعرض له السعال كثيراً. وأن ينظر إلى حلقه من خارج، ويمس الغدد التي هناك، فإن وجدها ظاهرة

الفصل الثالث

تحت الملمس مع صلابة كان ذلك دليلاً على الخنازير. وأن ينظر إلى لون وجهه، فإن وجده مثل لهب النار فهو عجول مجنون، وإن وجده أخضر أسود فهو سيء الخلق. وأن ينظر إلى استدارة وجهه، وإلى نحافته، وإلى صغره وطوله، فإن وجده شديد الاستدارة فهو جاهل، فإن وجد نحيفاً فهو مهتم بالأمور، فإن وجده صغيراً فهو دنيء خبيث ملاق. فإن وجده طويلاً فهو وقح. وأن ينظر إلى عنقه، فإن وجده قصيراً جداً فهو مكار خبيث، وإن وجده طويلاً دقيقاً فهو صياح أحمق جبان. فإن وجده كثير الشعر فهو أحمق شديد الحرارة. الفصل الثالث في العلامات الدالة من جهة الصدر والإبطين واليدين وينبغي له أيضاً أن ينظر إلى صدره، فإن وجده ضيقاً والكتفان مرتفعان كأن له جناحين والظهر منحنياً دل على مرض السل، لا سيما إن كان في سن الحداثة والشباب وكانت النزلات تعرض له كثيراً. وأن ينظر إلى باطنه، فإن وجد فيها غدداً دل على حدوث خنازير هناك. وأن ينظر إلى يديه بعد أن يجمعهما، ويقيس إحداهما بالأخرى، فإن وجدهما

الفصل الرابع

قصيرتين أو إحداهما قصيرة والأخرى طويلة دل على الرداءة والقبح، والمنع من جودة الأعمال. وأن ينظر إلى كفه، فإن وجده عسر الحركة عند قبضها أو بسطها فهي رديئة والدليل على قوة يده وضعفها أن يأمره المشتري أن يقبض على بعض أعضائه قبضاً شديداً، فيظهر بذلك قوة اليد وضعفها. الفصل الرابع في العلامات الدالة من جهة الأحشاء والكليتين والمثانة والانثيين والقضيب والمقعدة وينبغي له أيضاً أن يتفقد أحشاءه، فإن وجد في الناحية اليمنى أو اليسرى غلظاً أو جساً بعد أن يأمره أن يستلقي على ظهره، ويكون رأسه غير

مرتفع، ويبسط يديه نحو رجليه ويشيل ركبتيه إلى فوق، ويصف قدميه، ويلمس مراق بطنه، من موضع فم المعدة وما دون الشراسيف إلى أن ينتهي إلى العانة، ويمر بيده على ذلك مروراً شافياً دل ذلك الغلظ أو الجسا على أن الكبد أو الطحال ورماً رديئاً يؤدي إلى الاستسقاء، لا سيما إن رأى مع ذلك لون البدن رديئاً مائلاً إلى البياض، وأسفل الجفن الأسفل متهيجاً. وينبغي له إذا أراد شراء جارية أن يتفقدها، فربما يجد منها فيما بين السرة إلى العانة غلظا أو صلابة، فإن وجد ذلك دل على سركان في رحمها، وليتفقدها أيضاً إذا هي حاضت، لاحتمال أن يعرض لها الغشى الشبيه بالسكتة، فإن وجد بها ذلك، دل على أن بها اختناق الرحم، وهذا ربما أوجد موت الفجاءة. وأن يتفقد كليتيه ومثانته، فإن وجد فيهما أو في أحدهما الحصاة، دل على العيب الرديء، ويعرف ذلك من وجود رمل في بوله. قال بعض الحكماء: لطافة البطن تدل على جودة العقل، ودقة الأضلاع ورقتها تدل على ضعف القلب. وأن يتفقد أنثييه فإن وجد عروقهما أخذت في الاتساع، دل على حدوث العرق المسمى بالدالية، وهو لا يظهر في أول الأمر، بل يبدو شيئاً فشيئاً على طول المدة، ثم يعقبه آفة قوية شديدة. وأن يتفقد قضيبه، فإن وجد النقث الذي في جانب الكمرة الموجب لعدم استقامة البول مع جريانه إلى أسفل، دل

الفصل الخامس

على الرداءة في التوليد، لأن المنى يحتاج إلى الاستقامة عند مروره في الرحم كي يصل لأقصاه. وأن يتفقد مقعدته، فإن وجد بها بواسير أو توثا أو نواصير دل على الرداءة. الفصل الخامس في العلامات الدالة من جهة الرجلين مطلقا، وخصوص الركبة والساقين وينبغي له أيضاً أن ينظر إلى رجليه بعد أن يأمر المشتري أن يجمع رجليه، ويصف قدميه في موضع مستو، فإن وجد إحداهما أقصر من الأخرى فذاك عيب رديء، دل على تشنج أو عرج ناله من قبل عرق النسا ويأمره بالمشي فإن يكن في خطاه تقصير دل على قوة العصب، وسلامة المفاصل، وإن كان الأمر بخلاف ذلك دل على آفة قد نالت العصب أو مفصل الورك أو غيره من مفاصل الرجل. وأن ينظر إلى خصوص الركبة، فإن وجد بها ورماً صلباً، أو الورم المعروف بالشوكة، فإنه ربما لم يبرأ، ويؤدي بصاحبه إلى دقة الساقين والزمانة، وإن وجد فيها اعوجاجاً أو ميلا فهو داء قبيح. وأن ينظر إلى خصوص الساقين، فإن وجدهما متقوسين أو منقلبين إلى خارج، فهو عرض رديء يضر بالمشي مضرة قوية. فإن وجد عروق باطن الشاقين أخذت في الاتساع فهو سبب لحدوث العروق المسماة بالدالية. وإن وجد في الساقين غلظا وصلابة وامتلاء في موضع الكعبين إلى فوق فذلك يدل على حدوث العلة المسماة بداء الفيل.

الفصل السادس

الفصل السادس في العلامات الدالة من جهة السمن والهزال، والطول والقصر وينبغي له أيضاً أن ينظر إلى جسمه، فإن وجده سميناًُ فلا يشتريه، لأن السمنة رديئة جداً، لا سيما السمنة بالطبع، فإنها مستعدة لحدوث أمراض رديئة لأن الحرارة الغريزية تكون فيها ضعيفة لضيق عروقها، وضيق العروق فيها لشيئين: أحدهما برد المزاج، ثانيهما ضعف الأعضاء السمينة لها، فأصحابها لذلك أقل أعماراً لأن ضيق العروق يتبعه ضعف الحرارة الغريزية ونقصانها، وهذان يتبعان نقصان الروح، وهم معرضون للسكتة والفالج وعسر النفس. ومن أفرط سمنه وكان ممراضا، فهو على خطر. فإن وجده قضيفاً مهزولاً نحيفاً فلا يشتريه، لأن النحيف رديء لما يغلب على مزاجه من اليبس، فهو لا يقدر على الرياضة والأعمال الكثيرة، لأن ذلك مما يسخنه ويجففه فيزداد نحافة. وصاحب النحافة لا يقدر على الحر والبرد، لأنهما يصلان إلى أعضائه الباطنة بسرعة فيعريانها من اللحم، وإسهال النحيف خطير. فإن وجده معتدلاً ليس بالسمين ولا بالهزيل، فليشتريه فإنه من أحسن العبيد بدناً، وأدومهم صحة وأصبرهم على الأعمال وأبعدهم عن الأمراض، لأن الحرارة الغريزية متوفرة فيه، والهضم جيد، والأعضاء قوية لذلك.

الفصل السابع

قال الجاحظ: الغباوة والغفلة في الطوال أكثر، والخبث والخداع في القصار أبين، واللطف في النحاف والقضاف أظهر، والغلظة والجفاء في السمان أكثر، وما سوى ذلك نادر. قال صاحب لقط المنافع: قالوا: والطوال من الناس في الشبيبة أحسن، وفي الكبر أقبح، لسرعة الانحناء إليهم. والمعتدلون في الطول صالحوا الحال. قال الجاحظ: أجمع الناس على أن ليس في الدنيا أثقل من أعمى، ولا أبغض من أعور، ولا أخف روحاً من أحول، ولا أقود من أجدب. قال بعض الحكماء: لا تبتاعن مملوكا قوي الشهوة فإن له مولى غيرك، ولا قوي الرأي فيستعمل الحيلة عليك. لكن اطلب من العبيد من كان حسن الانقياد قوي الجسم شديد الحياء. واعلم أنه ما من شيء تنتفع به إلا وفيه مضرة، فإن الخادم الذكي الفطن الذي يريحك من كد الإفهام ويقنعه منك الإشارة في تبليغ الأغراض، لا تقدر أن تستر عنه شيئاً من أمرك فسرك معه شائع، وهو قادر لفطنته على الاحتيال عليك في كل ما تريد. وإن كان الخادم غبياً وقفت أمورك وانكسرت أغراضك ولا يفي كتمان سرك بوقوف أغراضك. فينبغي أن تستخدم الفطناء في الأمور الخارجة عن المنزل، وتستخدم البله في الأمور الداخلة. وكذلك الأصدقاء في معاملتهم والمعاملون. الفصل السابع في العلامات الدالة من جهة كيفية مزاج مطلق البدن وطبعه فعلامات بطوية مزاج بدنه كثرة الشحم، واعتدال اللحم، ولين الجسد، ورخاوة الجلد وضعف العصب واسترخاء المفاصل وعدم الشعر وكثرة النوم وعلامات يبس مزاجه، قضافة البدن، وصلابة الملمس، وقلة الشحم.

وعلامات حرارة مزاجه سخونة الملمس، وحمرة اللون، وسرعة نبات الشعر وكثرة خشونته وسواده، ويكون صاحبه ذكياً فطناً سريع الحركة والغضب، عجولاً مبادراً، غير متثبت، شجاعاً بطلاً مقداماً متهوراً قليل التهيب للأمور العظام، ويكون نبضه سريعاً متواتراً ويكون هو سريع النمو والنشو، قوي الشهوة، جيد الهضم كثير الباه، كثير اللحم، قليل الشحم، جهش الصوت. وعلامات حرارة ويبوسة مزاجه: كثرة الشعر وجعودته وسواده، لأن مادة الشعر هو البخار الحار اليابس الذي يخرج من مسام البدن، ويدفع بعضه بعضاً إلى خارج ولا ينقطع هروجه وقضافة البدن، وحرارة الملمس، وأدمة اللون، والذكاء والذهن والشجاعة وقوة الشهوة، وجودة هضم الأغذية الغليظة والحرص على الباه. وعلامات برودة ورطوبة مزاجه سبوطة الشعر وشقرته وبياض اللون،

الخاتمة

وسمن البدن من كثرة الشحم، ويكون صاحبه بليداً كثير النسيان، قليل الفهم، جباناً، ضعيف الشهوة، بطيء الهضم، قليل الباه. وعلامة برودة ويبوسة مزاجه بياض اللون الذي يضرب إلى الصفرة، مع قلته، وامتناع الباه. وعلامات مزاج البدن المعتدل: أن يكون متوسطاً في الهزال والسمن، وأن يكون لونه مختلطاً في بياض وحمرة، أشقر إلى الحمرة ما دام صبياً، فإذا صار إلى سن الشباب صار أسود الشعر، ويكون ملمسه معتدلاً في الحرارة والبرودة، والصلابة واللين، بمنزلة جلد بطن الراحة، ويكون فهماً فطناً عاقلاً، شجاعاً غير أهوج ولا جبان بين الرحيم والقاسي، عفيفاً متوسطاً في العلامات. الخاتمة فيما يناسب العبد إذا اشتراه، من الرياضة والراحة والدعة ليعلم يا مغناطيس الفؤاد، أم من اشترى عبداً ينبغي له أن يستعمله في الرياضة، وهي عند الأطباء عبارة عن الحركات البدنية، ولها وقت وفوائد وغاية تنتهي إليها. فوقتها قبل الغذاء، حين يكون البدن نقياً ويكون طعام أمس قد انحدر وانهضم، وحضر وقت طعام آخر. ولا تجوز الرياضة في وقت الجوع. واستعمالها قبل انحدار الطعام مولد للسدد في العروق التي بين الكبد والمعا. قال جالينوس: رياضة قبل الطعام خير عظيم، وسبب وكيد في حفظ الصحة

ومن فوائدها: تنبيه الحرارة الغريزية التي في البدن ليقوى بذلك على جذب الغذاء وسرعة هضمه وقبول الأعضاء له، وتنظيف فضول البدن وتحليلها، وتنقية المنافذ، وتوسيع المسام، وتصليب أعضاء البدن، وتنضيج الطعام غير النضيج. والرياضة بعد الغذاء خطأ، لأنها توجب انحدار الطعام وهو غير منهضم، فإن كان لزجاً وصادف مجاري ضيقة أحدث سدداً، وإى أوجب أمراضاً مختلفة. وغايتها أن يحس الإنسان بالعي والتعب. ومن أنواع الرياضة الركوب لمن اعتاده، والمشي السريع، والقراءة بصوت عال، والرمي بالنبال، والثقاف والصراع، واللعب بالأكرة، والصعود والقعود في المراجيح، والمباطشة، وشيل الأحجار والأعمدة، والتصفيق والشباك، وتحريك أوتار العيدان، وضرب الطبول، وتحريك الرجلين بسعة الخطى وغيرها، والانحناء والاستلقاء وبسط القامة، والدلك بالأيدي والمناديل. وأما الراحة والدعة، فهما ضد الرياضة، ويخشى منهما إذا داما أن تنطفيء البرودة والحرارة الغريزية، فإنهما يحدثان في البدن البرودة والرطوبة، وكثرة النعم والفضول، ويفسدان المزاج، وقد يحدثان حرارة لاحتقان البخار الحار. قال جالينوس: السكون الدائم يخاف منه أن يطفئ الحرارة الغريزية. فينبغي لمن أراد حفظ صحته أن يتجنب الدعة، إلا أن يكون البدن متخلخلا. وليتعهد صاحب الدعة نفسه كل قليل بالتنقية. نقي الله نفوسنا من درن الذنوب، وغفر لنا العيوب. بجاه ترجمان لسان الغيوب. آمين.

لأبي الحسين أحمد فارس 000- 395 هـ

كتاب النيروز لأبي الحسين أحمد فارس 000- 395 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ أبو الحسين أحمد بن فارس رحمه الله: سألت أعزك الله عن قول الناس يوم نيروز، وهل هذه الكلمة عربية، وبأي شيءٍ وزنها؟ وأعلم أن هذا الاسم معرب، ومعناه أنه اليوم الجديد، وهو قولهم "نوروز" إلا أن النيروز أشبه بأبنية العرب، لأنه على مثال فيعول. وكان الفراء يقول: يبنى الاسم الفارسي أيَّ بناء كان إذا لم يخرج على أبنية العرب. والذي جاء من الأسماء العربية على فيعول قليل. وأنا أذكر ما حضرني ذكره وأول ذلك (أيلول) وهو اسم شهر غير عربي، وفيه يقول القائل: مضى أيلول وارتفع الحرور وأذكت نارها الشعري العبور و (بيروت) : اسم بلد. ومنه (البيقور) لجماعة البقر، يقال بقرة وباقر وبيقور. قال الشاعر: أجاعلٌ أنت بيقوراً مسلّعةً ... ذريعة لك بين الله والمطرِ ومعنى هذا البيت ما خبرني به أحمد بن محمد مولى بني هاشم، عن محمد بن عباس، محمد بن حبيب، قال: أخبرني أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب، قال: كانت العرب إذا أمسكت السماء قطرها، واستمطروا، فعمدوا إلى شجرتين يقال لهما السَّلع والعشر، فعقدوهما في أذناب البقر فأضرموا فيها النار، وأصعدوها في جبل وعر وتبعوا آثارها، يدعون الله عز وجل ويستسقونه. قال ابن الكلبي: وإنما يضرمون النار تفاؤلا للبرق. ففي ذلك يقول أمية بن أبي الصلت:

سنةٌ أزمة تخيِّل بالنا ... س ترى للعضاهِ فيها صريرا لا على كوكبٍ ينوءُ ولا ري ... حِ جنوبٍ ولا ترى طخرورا يسوقون باقرَ السهل للطَّو ... د مهازيلَ خشيةً أن تبورا عاقدين النِّيران في ثكن الأذ ... ناب منها لكي تهيج البحورا سلع ما ومثله عشرٌ ما ... عائلٌ ما وعالت البيقورا فاشتوت كلُّها فهاجت عليهم ... ثم هاجت إلى صبير صبيرا فرآها إله توشم بالقط ... ر فأضحى جنابهم ممطورا فالبيقور جماعة بقر. وفي ذلك يقول الورل الطائي: لا درَّ درُّ رجالٍ خاب سعيهم ... يستمطرون لدى الأزمات بالعشر أجاعلٌ أنت بيقوراً مسلعةً ... ذريعةً لك بين الله والمطر وقال الشرقي بن القطامي: كانوا إذا فعلوا ذلك توجهوا نحو المغرب من بين الجهات كلها قصداً إلى العين، والعين: قبلة العراق. قال العجاج: سارٍ سرى من قبل العين فجرّْ ... غرَّ السحاب والمرابيعَ البكرُ ومن ذلك (التَّيهور) وهي الرملة المشرفة، ويقال إنها المفازة. و (التيقور) من الوقار.

ومنه (الحيزوم) ، وهو الصدر وما ضم عليه الحزام، وجمعه الحيازم، تقول: "اشدد حيازمك للأمر"، أي استعد له. قال ذو الرمة: تعتادني زفراتٌ حين أذكرها ... تكاد تنقدُّ منهن الحيازمُ و (حيزوم) يقولون: اسم فرس جبريل صلى الله عليه، وكان جاء عليم يوم بدر، فقال بعض من حضر القتال: كنت على جبل مشرف على الجبلين، فنشأت سحابة فسمعت قائلا يقول: أقدم حيزوم! فانخلع قلب صاحبي فمات. ومن ذلك (الخيشوم) ، وهو الأنف وما حوله. قال: كأنما خالطتْ فاها إذا وسنت ... بعدَ الرُّقاد فما ضم الخياشمُ مهطولةٌ من خزامى الخرج هيّجها ... من ضرب ساريةٍ لوثاءَ تهميم ومن ذلك (الدَّيبوب) ، وهو الذي لا يسعى ويدب بين الناس بالنمائم والفساد. وجاء في الحديث: "لا يدخل الجنَّةَ ديبوب ولا قلاع". فالديبوب: الذي ذكرناه. والقلاع: الذي يأتي إلى إنسان له عند آخر منزلة فيفسد حاله عنده حتى يقلعه من مكانه. و (الدَّيجور) : الظلام، وجمعه دياجير. و (الزَّيتون) فيما يقال جبل، ويقال مسجد. وذلكم قوله جل ثناؤه: (والتِّينِ والزَّيتون) . والزيتون هذا المأكول. قال أبو طالب:

بورك الميِّت الغريبُ كما بو ... رك نضحُ الرمان والزيتونُ و (الدَّيقوع) : الجوع الشديد. و (السَّيهوك) و (السيهوج) : اسمان للريح العاصف. و (الصيخود) الصخرة الملساء الصلبة، لا تحرك من مكانها ولا يعمل فيها الحديد. قال الراجز يصف ناقة: حمراء مثل الصخرة الصيخود وقال جرير: لا يستطيع أخو الصبابة أن يرى ... حجراً أصمَّ وصخرةً صيخودا وذكر ابن دريد (صيُّوب) : سهم صائب، ومطر صيوب بمعنى صيب. وذكر أيضاً رجل (فيُّول) الرأي، أي فائل الرأي. و (البيُّوت) : الماء بيت ليلة. و (البيُّوت) : الرأي المبيَّت. قال أمية بن أبي عائذ: وأجعل فقرتها عدّةً ... إذا خفتُ بيُّوتَ أمرٍ عضالِ

و (صيموت) بلد. و (الطَّيهوج) طائر، وما أراه عربياً. و (العيشوم) نبت. قال ذو الرمة: للجنِّ بالليل في أرجائها زجلٌ ... كما تناوح يوم الريح عيشومُ ويقال (العيثوم) الفيلة، يشبه الفحل به الأنثى. قال: وطئتْ عليك بخفها العيثوم و (عينون) : بلد. و (الغيذور) بالغين والذال معجمتين: الحمار. و (فيروز) اسم أعجمي معرب.

و (القيدود) : الفرس الطويلة، ولا يقال للذكر. وصف به الإناث أيضاً. قال ذو الرمة: على سراة مسحلٍ مزؤودِ ... ذي جدَّتين أيّدٍ شرودِ يبرى لقبَّاءِ الحشا قيدودِ و (القيدوم) من كل شيء: أوله. حكاه ابن دريد. و (كيعوم) : اسم. و (خيطوب) : موضع. و (جيحون) : فارسي. و (قيطون) فيما يقال بيت الحمار، ويقال هو بلد. قال ابن دري: و (كيعوم) : اسم. قال: احسبه مشتقاً من كعمت البعير، إذا شددت فاه. قال: بين الرَّجا والرجا من جنبِ واصيةٍ ... يهماء خابطها بالخوفِ مكعوم و (العيهوم) : الجمل الضخم، والجمع العياهيم. قال ذو الرمة:

هيهات خرقاءُ إلّا أن يقرِّئها ... ذو العرش والشَّعشعاناتُ العياهيمُ قال ابن دريد: وكذلك (العيهول) . قال: و (الغيطول) من الغيطل، وهو اختلاف الأصوات. و (الهينوم) ما يسمع من صوت ولا يفهم. قال ذو الرمة: هنَّا وهنَّا ومن هنَّا لهنَّ بها ... ذاتَ الشمائلِ والأيمانِ هينومُ وهو من الهينمة والهتملة. قال الكميت: ولا أشهد الهجر والقائليهِ ... إذا همْ بهيمنةٍ هتملوا ومن هذا الباب مما أوسطه مثقل (أيّوب) اسم. و (بيوت) وقد مضى ذكرها. و (حيُّول) اسم رجل. و (الصيّور) من قولهم لا عقل له ولا زبد ولا صيور! يريدون ما صار إليه من رأي أو حزم. ويقال ما بها (ديّور) ولا ديار، أي ما بها قطين دار. ومن ذلك (العيوق) ، وهو نجم وراء الكف الخضيب، وهو كوكب عظيم في المجرّة التي تلي الشمال. ويقال له عبُّق الثريا، وذلك أنهما يطلعان معاً، فإذا توسطا السماء تدانيا. قال الشاعر: وإنّ صديّاً والملامةَ ما مشى ... لكالنَّجم والعيُّوقِ ما طلعا معا يقول: لا يتخلف اللَّوم عن صدى، كما لا يتخلف واحد من الثريا والعيوق عن صاحبه. وقال آخر:

وعاذلةٍ هبّت بليلٍ تلومني ... وقد غار عيُّوق الثريّا فعرَّدا وقال بشر: وعاندتِ الثريّا بعد هدءِ ... معاندةً لها العيُّوقُ جارُ و (الفيُّوم) : بلد. و (القيُّوم) : القائم. والله عز وجل القيوم القائم بأمر خلقه، كقوله جل ثناؤه: (أفمنْ هوَ قائمٌ على كلِّ نفسٍ بما كسبتْ) . ويقال القيام أيضاً، كما يقال ديور وديار. و (الكيُّول) : مؤخر الصف في الحرب. قال الشاعر: إنِّي امرؤٌ عاهدني خليلي ... ولا أقوم الدهر في الكيول أضربْ بسيفِ الله والرسولِ وهذا ما حضرني من هذا الباب، والله أعلم. فإن حفظ قارئ كتابي هذا شيئاٍ غاب عن حفظي فليلحقه به إن شاء الله. تم الكتاب بحمد الله ومنه، وصلى الله على نبيه محمد وعترته وسلم تسليما

الرسالة النيروزية للشيخ الرئيس أبي علي الحسين بن عبد الله ابن سينا 370 428

الرسالة النيروزية للشيخ الرئيس أبي علي الحسين بن عبد الله ابن سينا 370 428 بسم الله الرحمن الرحيم الرسالة النوروزية، للشيخ الرئيس أبي علي الحسين بن عبد الله بن سينا. خدم بها خزانة السيد الأمير أبي بكر محمد بن عبد الله، وجعلها هدية في يوم النوروز، وقد وسمها بالنوروزية. كلٌّ تنزع به همته إلى خدمة سيدنا ومولانا الشيخ الأمير [السيد أبي بكر محمد بن عبد الله، أدام الله عزه] بتحفة تجود بها ذات يده. ولما رغبت في أن أكون واحد القوم ومتابعاً للسَّواد الأعظم في إقامة الرسوم النيروزية، وكانت حالي تقعد بي عن إهدائه تحفة دنياوية تشاكل خزانته الكريمة، ورأيت الحكمة أفضل مرغوب فيه، وأجل متحف به لاسيَّما

[الحكمة] الإلهية، وخصوصاً ما كان حكماً ملِّيّاً ثم كان يكشف سراً هو [من] أغمض أسرار الحكمة والملَّة، وهو الإنباء عن الغرض المضمن في الحروف الخاصة فواتح عدة من السور الفرقانية اتخذت فيه رسالة وجعلتها هديتي النيروزية إليه فإن أفضل الهدايا الهداية، وأشرف التحف الحكمة ووثقت بلطف موقعها من نفس مولاي الشيخ الأمير السيد [أدام الله عزه] . وألفت هذه الرسالة مقسومة إلى فصول ثلاثة: الأول: في ترتيب الموجودات والدلالة على خاصية كل مرتبة من مراتبها. الثاني: في الدلالة على كيفية دلالة الحروف عليها. الثالث: في الغرض. وبالله التوفيق.

الفصل الأول

الفصل الأول في ترتيب الموجودات والدلالة على خاصية كل مرتبة من مراتبها هو جل وعلا مبدع المبدعات، ومنشئ الكل وهو الذات لا يمكن أن يكون متكثراً، أو متغيراً، أو متحيزاً، أو متقوماً بسبب في ذاته، أو مباين لذاته. ولا يمكن أن يكون وجود في مرتبة وجوده، فضلا عن أن يكون فوقه. ولا وجود غيره ليس هو المفيد إياه وقوامه، فضلاً عن أن يكون مستفيداً عن وجود غيره وجوده، بل هو الحق المحض والوجود المحض، والخير المحض، والعلم المحض، والقدرة المحضة، والحياة المحضة، من غير أن يدل بكل واحد من هذه الألفاظ على معنى مفرد على حدة، بل المفهوم منها عند الحكماء معنى واحد وذات واحدة، ولا يمكن أن يكون في ذاته مادة أو يخالطه بالقوة، أو يتأخر عنه شيء من أوصاف جلالته ذاتياً أو فعلياً.

وأول ما يبدع عنه عالم العقل الأول، وهو جملة تشتمل على عشر من الموجودات قائمة بلا مواد خالية عن القوة والاستعداد، عقول طاهرة، وصور باهرة، ليس في طباعها أن تتغير، أو تتكثر، أو تتحيز، كلها مشتاق إلى الحق الأول والاقتداء به، والإظهار لأمره، واقف من قربه والالتذاذ بالقرب العقلي منه سرمد الدهر على نسبة واحدة. ثم العالم النفسي، وهو مشتمل على جملة كثيرة من ذوات معقولة ليست مفارقة لمادة المواد كل المفارقة، بل هي ملابستها نوعاً من الملابسة، وموادها مواد ثابتة سماوية، فلذلك هي أفضل الصور المادية، وهي مدبرات للأجرام الفلكية، وبواسطتها للعنصرية. ولها في طباعها نوع من التغير، ونوع من التكثُّر لا على الإطلاق، وكلها عشاق للعالم العقلي ولكل عدة مرتبطة في جملة منها ارتباط بواحد من العقول العشرة،

فهو عالم المثال الكلي المرتسم في ذات مبدئه المفارق، مستفاداً عن ذات الأول الحق. ثم عالم الطبيعة، وهو يشتمل على قوىً سارية في الأجسام، ملابسة للمادة على التمام، تفعل فيها الحركات والسكونات الذاتية، وترقى عليها الكمالات الجوهرية على سبيل التسخير. فهذه القوى كلها فعالة. وبعدها العالم الجسماني، وهو ينقسم إلى أثيري وعنصري. وخاصية الأثيري استدارة الشكل والحركة، واستغراق الصورة للمادة، وخلوّ الجوهر عن المادة المضادة. وخاصية العنصري التهيؤ للأشكال المختلفة، والأحوال المتغايرة، وانقسام المادة بين الصورتين المتضادتين، أيتهما كانت بالفعل كانت الأخرى بالقوة، وليس وجود إحداهما لها وجوداً سرمدياً، بل وجوداً زمانياً. ومبادئه الفعالة فيه من القوة السماوية بتوسط الحركات، وبسبق كماله الأخير أبداً بالقوة وبكون ما هو أول فيه بالطبع آخراً في الشرف والفضل، ولكل واحدٍ

من القوى المذكورة اعتبار بذاته، واعتبار بالإضافة إلى تاليه الكائن عنه. ونسبة الثواني كلها إلى الأول بحسب الشركة نسبة الإبداع. وأما على التفصيل فيخص العقل نسبة الإبداع، ثم إذا قام متوسطا بينه وبين الثوالث صار له نسبة الأمر واندرج فيه معه النفس، ثم كان بعده نسبة الخلق والأمور العنصرية، بما هي كائنة فاسدة، فنسبة التكوين والإبداع. والإبداع يختص بالعقل، والأمر يفيض منه إلى النفس، والخلق يختص بالموجودات الطبيعية، ويعم جميعها، والتكوين يختص بالكائنة الفاسدة منها. وإذا كانت الموجودات بالقسمة الكلية، إما روحانية وإما جسمانية، فالنسبة الكلية إلى المبدأ الحق إليها انه الذي له الخلق والأمر فالأمر متعلق بكل ذي إدراك، والخلق بكل ذي تسخير. وهذا هو غرضنا في هذا الفصل الأول.

الفصل الثاني في الدلالة على كيفية دلالة الحروف عليها

الفصل الثاني في الدلالة على كيفية دلالة الحروف عليها من الضرورة أنه إذا أريد الدلالة على هذه المراتب من الحروف أن يكون الأول منها في الترتيب القديم وهو ترتيب أبجد هوز دالا على الأول، وما يتلوه على ما يتلوه. وأن يكون الدال على هذه المعاني بما هو ذات من الحروف مقدما على الدال عليها من جهة ما هي مضافة. وأن يكون المعنى الذي يرتسم من إضافة بين اثنين منها مدلولا عليه بالحرف الذي يرتسم من ضرب الحرفين الأولين أحدهما في الآخر، أعني مما يكون من ضرب عددي الحرفين أحدهما في الآخر. وأن يكون ما يحصل من العدد الضربي مدلولا عليه بحرف واحد، مستعملاً في هذه الدلالة، مثل: (ي) الذي من ضرب (ب) في (هـ) . وما

يصير مدلولا عليه بحرفين، مثل: (يه) الذي هو من ضرب (ج) في (هـ) . مطَّرحاً لأنه مشكك يوهم دلالة كل من (ي) و (هـ) بنفسه. ويقع هذا الاشتباه في كل حرفين مجتمعين لكل واحد منهما خاص دلالة في حد نفسه. وأن يكون الحرف الدال على مرتبة من جهاتها بوساطة مرتبة قبلها، هو ما يكون من جمع حرفي المرتبتين. فإذا تقرر هذا فإنه ينبغي أن يدل بالألف على الباري جل وعلا، وبالباء على العقل، وبالجيم على النفس، وبالدال على الطبيعة. هذا إذا أخذت بما هي ذوات. ثم بالهاء على الباري تعالى، وبالواو على العقل، وبالزاء على النفس، وبالحاء على الطبيعة. هذا إذا أخذت بما هي مضافة إلى ما دونها. ويبقى الطاء للهيولي وعالمه، ليس له وجود بالإضافة إلى شيء تحته.

وينفد رتبة الآحاد. ويكون (الإبداع) وهو من إضافة الأول إلى العقل والعقل ذات لا يضاف بعد مدلولاً عليه بالياء، لأنه من ضرب (هـ) في (ب) ولا يصح لإضافة الباري إلى النفس، أو العقل إلى النفس عدد يدل عليه بحرف واحد، لأن (هـ) في (ج) (يه) و (و) في (ج) (يح) يكون (الأمر) وهو من إضافة الأول إلى العقل مضافاً مدلولاً عليه باللام لأنه من ضرب (هـ) في (و) . ويكون (الخلق) وهو من إضافة الأول إلى الطبيعة) لأن الحاء دلالة على الطبيعة مضافة. ويكون (التكوين) وهو من إضافة الباري إلى الطبيعة وهي ذات مدلولاً عليه بالكاف، لأنه من ضرب (هـ) في (د) . ويكون جميع نسبتي (الأمر والخلق) أعني ترتيب الخلق بواسطة الأمر أعني اللام والميم مدلولاً عليه بحرف (ع) .

وجميع نسبتي (الخلق والتكوين) كذلك أعني الميم والكاف مدلولا عليه بالسين. ويكون جميع نسبتي طرفي الوجود أعني اللام والكاف مدلولا عليه بالنون. ويكون جميع نسب الأمر والخلق والتكوين أعني: (ل، م، ك) مدلولا عليه ب (ص) . ويكون اشتمال الجملة في الإبداع أعني (ي) في نفسه (ق) . وهو أيضاً من جمع (ص) و (ي) . ويكون ردها إلى الأول الذي هو مبدأ الكل ومنتهاه على أنه أول وآخر أعني فاعل وغاية، كما بين في الإلهيات مدلولا عليه بالراء ضعف (ق) . وذلك غرضنا في هذا الفصل.

الفصل الثالث في الغرض

الفصل الثالث في الغرض فإذا تقرر ذلك فأقول: إن المدلول عليه ب (ألم) هو القسم بالأول ذي الأمر والخلق. وب (ألمر) القسم بالأول ذي الأمر والخلق الذي هو الأول والآخر والأمر والخلق والمبدأ الفاعلي والمبدأ الغائي جميعاً. وب (ألمص) القسم الأول ذي الأمر والخلق، ومنشئ الكل. وب (ص) القسم بالعناية الكلية. وب (ق) القسم بالإبداع المشتمل على الكل بوساطة الإبداع المتناول للعقل. وب (كهيعص) القسم بالنسبة التي للكاف أعني عالم التكوين إلى المبدأ الأول، فنسبه الإبداع الذي هو (ي) ، ثم الخلق

بوساطة الإبداع صائراً بوقوع الإضافة بسبب أمراً وهو (ع) ، ثم التكوين بوساطة الخلق والأمر وهو (ص) . فبين (ك) و (هـ) ضرورة نسبة الإبداع، ثم نسبة الخلق والأمر، ثم نسبة التكوين والخلق والأمر. و (يس) قسم بأول الفيض وهو الإبداع وآخره، وهو التكوين. و (حم) قسم بالعالم الطبيعي الواقع في الخلق. و (حم عسق) قسم بمدلول وساطة الخلق في وجود العالم الطبيعي بالخلق، بالجمع بينه وبين الأمر، بنسبة الخلق إلى الأمر، ونسبة الخلق إلى التكوين، بأن يأخذ من هذا ويؤدى إلى ذلك فيتم به الإبداع الكلي المشتمل على العوالم كلها، فإنها إذا أخذت على الإجمال لم يكن لها نسبة إلى الأول غير الإبداع الكلي الذي يدل عليه وب (ق) . و (طس) يمين بالعالم الهيولاني الواقع في التكوين. [وطسم

قسم بالعالم الهيولاني الواقع في الخلق المشتمل على التكوين، وبالأمر الواقع في الإبداع] . و (ن) قسم بعالم التكوين وعالم الأمر، أعني مجموع (ك، ل) . ولا يمكن أن يكون للحروف دلالة غير ألبته. ثم بعد هذا أسرار تحتاج إلى المشافهة. والله تعالى يمد في بقاء الشيخ الأمير السيد، ويبارك له في نعمه عنده، ويجعلني ممن يوفق لقضاء أياديه بمنه وسعة رحمته. والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، والتوفيق من الله سبحانه وتعالى. تمت الرسالة النيروزية، ولله الحمد والمنة.

رسالة فيها ذكر ما جاء في النيروز

رسالة فيها ذكر ما جاء في النيروز

ذكر ما جاء في النيروز وأحكامه مما فسره بطليموس الحكيم

ذكر ما جاء في النيروز وأحكامه مما فسره بطليموس الحكيم ووجده عن علم دانيال. قال: إذا صادف النوروز (يوم الأحد) للشمس، فإن النيل يكون متوسطاً في طلوعه، ويخرج زرعاً جيداً، ويرخص القمح أول توت، ويغلو الضأن والصوف إلى برمودة، وتكون سنة شتاؤها لين وفيها مرض شديد، ويكون مطرها كثيراً وصيها بدرياً، ويكثر ثمر النخل وبركة الزرع، ويظفر الملك بعدوه. وإن صادف النوروز (يوم الاثنين) القمر، فإن النيل يكون مقبلا مباركاً لطلوعه، ويحسن الزرع ويفسد النخل، ويرخص القمح بعض السنة ويغلو في كيهك إلى برمودة، ويغلو الزيت والكسوة مدة خمسة أشهر ويكون في العالم حرب وقتال، يكون الشتاء بيناً في بدوه، ويكثر المرض فيها والوباء والموت، ويغلو ثمر النخل والعسل، ويكون الحر شديداً، ويقع بين الملوك اختلاف كبير. وإن صادف النوروز (يوم الثلاثاء) للمريخ، فإن النيل يجري بلا توقف يكون وسطا ويزيد ثم ينقص في آخره، وتغتم الناس لذلك، ويكون البرد شديداً، ويقع الموت في الترك والصقالية، وتهرق الدماء، ويكثر الموت في النساء، وتقع فيها بين الملوك منازعة واختلاف، وتحدث زلزلة. وأن وافق النوروز (يوم الأربعاء) لعطارد، فإن النيل يكون متوسطا وينزل بسرعة، ويكثر السقم في الناس والموت، ويقع في الأطفال، تكثر

والله أعلم بالصواب

اللصوص، ويرخص القمح في توت ويغلو في بابة، ويطلع كوكب في تلك السنة لم يكن ظهر منذ سنين كثيرة، وتقل الحرب في تلك السنة، وتكثر فيها الحبوب وموت الرجال بالسيف، وتعلو مراتب الملوك الأعاجم من الفرس، وتقل الثمار في آخر السنة. وإن وافق النوروز (يوم الخميس) المشتري، فإن النيل يكون متوسطاً يزيد على سبعة عشر ذراعاً، وتربح التجار في القمح، ويقع في بعض الأراضي نار شديدة ويكون ذلك من قبل السلطان، ولا يسافر أحد إلا هلك، وترخص الأشياء من توت إلى كهيك، ويغلو ذلك فيه إلى برمهات، ثم يرخص فيها [و] في بشنس، ويقع في الشتاء موت كثير، وتكثر الفواكه وتفسد الحبوب، ويقع الوباء في النساء بعدواة زحل للزهرة، وذلك إذا هبطت في بيت شرفه، ويقه بين الملوك العرب والعجم شر. وإن وافق النوروز (يوم الجمعة) للزهرة، فإن النيل يكون مباركاً ولا يغلو شيء، ويكثر صيد البر والبحر، ويعدل السلطان، وينجب الزرع، ويقل الشر. وإن وافق النوروز (يوم السبت) لزحل، فإن النيل يكون غالباً يبلغ ثمانية عشر ذراعاً، ويغلو الزيت، ويقع الوباء في العلماء وأكابر الناس ومتوسطي العرب، ويكون آخر السنة خيراً. والله أعلم بالصواب

حكمة الإشراق إلى كتاب الآفاق جمع العبد الفقير إلى الله تعالى محمد مرتضى الحسيني عفى عنه بمنه آمين

حكمة الإشراق إلى كتاب الآفاق جمع العبد الفقير إلى الله تعالى محمد مرتضى الحسيني عفى عنه بمنه آمين

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان، وفضله على سائر الأجناس بالتمييز والتبيان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أرشد موجوداته وأسعد مخلوقاته سيد ولد عدنان، وعلى آله وصحبه وتابعيهم ما ترنمت البلابل بالألحان، وغردت سواجع الأطيار على فنن الأغصان. وبعد فإنه لما كانت صناعة الخط أنفع بضاعة للكتاب، وأوسع كفاية للطلاب في هذا الباب، وأشرف وسيلة للتقريب، وألطف وصيلة لتوسيع الرزق والترحيب، كما قال الشاعر: لا تعدُ عن حقِّ الكتابة إنَّها ... مغنى الغنى ومفاتحُ الأرزاق واخشَ اليراعةَ وارجها فهي التي ... عرفت بنفث السُّمِّ والدِّرياق وكان المتصف به جهينة الأخبار، وحقيبة الأسرار، وبحي العظماء، وكبير الندماء، وترجمان السلطان، وصندوق البيان، ألفت هذه لرسالة مشتملة على فضيلة الخط والقلم، وما جاء فيهما من الآثار، وما للحكماء فهما من الأسرار، وبيان من وضع الخط أولاً وألف الحروف وألبسها حلل التفصيل وأحلها في أحسن الظروف. ثم بيان الأجلة من الكتاب، والأعيان من أهل الفن بحسن النسق المستطاب. وقد جعلتها هدية إلى خزانة من نبغ فيه واشتهر كاشتهار الشمس في رابعة النهار، وهذب قواعده وأتقن مراتبه بحسن الضبط والاعتبار، جمال هذا الفن الذي فاق فيه وبرع، وجمع بين المتانة والحسن ما لم يسبق به فلله

ما جمع، فلو شاهد ابن هلال لأقر له بالإتقان، أو عاصره ياقوت لقال هذا إنسان عين الزمان، أو رآه الشيخ لافتخر به عصره، وأذعن أنه فريد مصره، المولي الكامل الماهر الكاتب، ذي الخط البديع المشرق كالكواكب، صاحب العرف الندي، الأمير حسن أفندي الملقب بالرشدي، جمل الله بجماله هذه الصناعة وأربابها، ويسر له الخيرات وفتح له أبوابها. فخذها جريدة مفيدة للمتدرب الكاتب، وخريدة منجية للمتعلم عن المتاعب، وسفينة جارية على مقاصد المتأملين فيها من كل باب، ودفينة رزينة لمن يتعرض في اقتناء الدر من مناهج الصواب، جريدة شحنت مسكاً زواياها، وحقة ملئت دراً خباياها، أمليتها من غرائب بنات الأفكار، ونوادر نتائج ثمرات الأخيار. وكلُّ سطرٍ من الياقوت زاد علاً ... فلا تقيسوه بالمنحوت من حجر وكسرتها على عشرة فصول وخاتمة، وسميتها "حكمة الإشراق، إلى كتاب الآفاق". وعلى الله توكلي وبه أستعين، في أمور الدنيا والدين.

فصل في ذكر من وضع الخط وأصله ووصله وفصله

فصل في ذكر من وضع الخط وأصله ووصله وفصَّله يقال: إن أول من وضع الخط والكتب كلها آدم عليه السلام قبل موته بثلاثمائة سنة، كتبها في طين وطبخه، فلما أضل القوم الفرق أصاب كل قوم كتابهم. وقيل: أول من وضعه أخنوخ، وهو إدريس عليه السلام. وقيل إن نفيس، ونصر، وتيما، ورومه، بنو إسماعيل، وضعوا كتاباً واحداً وجعلوه سطراً واحدا غير متفرق، موصول الحروف كلها، ثم فرقه نبت، وهميسع وقيذار، وفرقوا الحروف وجعلوا الأشباه. وأما الخط العربي فأول من وضعه وألف حروفه ستة أشخاص من طسم، كانوا نزولا عند عدنان بن أدد، وكانت أسماؤهم: أبجد هوز حطى كلمن سعفص قرشت، فوضعوا الكتابة والخط على أسمائهم، فلما وجدوا في الألفاظ حروفاً ليست في أسمائهم ألحقوها بها، وسموها الروادف، وهي ثخد ضظع. وقيل: أول من وضع الخط العربي مرامر بن مرة وقيل، عامر بن جدرة وقد ذكر كلاً نهما صاحب القاموس وقيل أسلم بن سدرة، وهم نفر من

فصل

بولان رسموه أحرفاً مقطعة، ثم قاسوه على هجاء السريانية، فوضع مرامر صوره، وعامر أعجمه، وأسلم وصل وفصل. وقال ابن خلكان: والصحيح عند أهل العلم أن أول من خط هو مرامر بن مرة من أهل الأنبار، وقيل إنه من بني مرة. ومن الأنبار انتشرت الكتابة في الناس. قال الأصمعي: ذكروا أن قريشاً سئلوا: من أين لكم الكتابة؟ فقالوا: من الأنبار. وقال هشام بن محمد بن السائب: تعلم بشر بن عبد الملك الكتابة من أهل الأنبار وخرج إلى مكة وتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية. تعلم منه حرب، ومنه ابنه سفيان، ومنه ابن أخيه سيدنا معاوية رضي الله عنه، ثم انتشر في قريش، وهو الخط الكوفي الذي استنبطت منه الأقلام التي هي الآن. وفيه ذكرنا كلامهم في الإعلام للسهيلي، والمزهر للسيوطي، والأوليات للعسكري، وقد ذكرنا كلامهم في كتابنا "تاج العروس لشرح جواهر القاموس". فمن أراد الزيادة على ذلك فليراجعه.

فصل في فضل الخط وما قيل فيه جاء في تفسير قوله تعالى: (يزيد في الخلقِ ما يشاء) : انه الخط الحسن. وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (أو أثارةٍ منْ علمٍ) قال: الخط. ويروى في الخبر المأثور: من كتب بسم الله الرحمن الرحيم فجوده غفر الله له. وفي الجامع الصغير من رواية سلمة: "الخطّ الحسنُ يزيد الحقَّ وضحا" وفيه أيضاً: "قيِّدوا العلم بالكتاب"، قال شارحه المناوي: العلم يعقل ثم يحفظ، والنسيان كامن في القلب، فلخوف ذهاب العلم قيد بالكتابة. وجاء في حديث آخر: "حق الوالد على ولدهِ أن يعلمه الكتابة والسِّباحة والرِّماية، وأن لا يرزقهُ إلا طيِّباً". وفي رواية أخرى: "حقُّ الوالدِ على

ولده أن يحسِّن اسمه، ويزوِّجه إذا أدرك، ويعلِّمه الكتاب". قال الشارح: يعني القرآن، ويحتمل إرادة الخط. وفي الحديث أيضاً، قال صلى الله عليه وسلم لزيد بن ثابت وهو أحد كتابه كما سيأتي: "إذا كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فبيِّن السِّين فيه". وذكر صاحب الشرعة أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية رضي الله عنه وهو يكتب بين يديه. "ألقِ الدَّواةَ، وحرِّف القلم، وانصب الباء، وفرِّق السين، ولا تعوِّرِ الميم، وحسِّن الله، ومدَّ الرَّحمن، وجوِّد الرحيم. وقالوا: لما كانت الكتابة شريفة كان حسن الخط فيها فضيلة. وقال المأمون: لو فاخرتنا الملوك الأعاجم بأمثالها لفخرناها بمالنا من أنواع. الخط يقرأ بكل مكان، ويترجم بكل لسان، ويوجد مع كل زمان. وقال النظام: الخط أصل في الروح يظهر بآلة جسدانية. وقال بعض الحكماء: الخط سمط الحكمة، بها يفصل شذوذها وينتظم منثورها. ويقال: قريش أهل الله، لأنهم كتبة حسنة. وكان يقال: حسن الخط أحد اللسانين، كما قيل العيال أحد اليسارين.

وقال بعض العلماء: الخط كالروح في الجسد، فإذا كان الإنسان جميلاً وسيماً حسن الهيئة كان في العيون أعظم، وفي النفوس أفخم، وبضد ذلك تسأمه النفوس. فكذلك الخط إذا كان حسن الوصف، مليح الرصف، مفتح العيون، أملس المتون، كثير الائتلاف، قليل الاختلاف، هشت إليه النفوس واشتهته الأرواح، حتى إن الإنسان ليقرؤه وإن كان فيه كلام دنيء، ومعنى رديء مستزيداً منه ولو كثر، من غير سأم يلحقه ولا ضجر. وإن كان الخط قبيحاً مجته الأفهام، ولفظته العيون والأفكار، وسئمه قارئه وإن كان فيه من الحكمة عجائبها، ومن الألفاظ غرائبها. وقيل: إن وزن الخط مثل وزن القراءة، فأجود الخط أبينه، كما أن أجود القراءة أبنيها. فحرفة أصول الخط وهندسته، وكيفيته وحقيقته، أشرف من عمله تقليداً من غير تحقيق. قيل ووصف أحمد بن إسماعيل خطاً فقال: لو كان نباتاً لكان زهراً، ولو كان معدناً لكان تبراً، ولو كان مذاقاً لكان حلواً، أو شراباً لكان صفواً. وقال عمرو بن مسعدة: الخطوط رياض العلوم، وهي صورة روحها البيان، وبدنها السرعة، وقدمها التسوية، وجوارحها معرفة الفصول، وتصنيفها كتصنيف النغم واللحون.

وقيل: إن أحمد الخطوط رسماً ما اعتدلت أقسامه، وانتصبت ألفه ولامه، واستقامت سطوره، وضاهى صعوده وحدوره، وتفتحت عيونه، ولم تشقبه راؤه ونونه، وقدرت أصوله، واندمجت وصوله، وتناسب دقيقه وجليله. ولا يجمع في سطر بين مدتين ولا ياءين مردودتين، ويراعى مواضع الفصول والوصول، ولا تقطع كلمة بحرف يفرد في غير سطره.

فصل

فصل في القلم، وما لهم فيه من الحكم قيل: هو أول ما خلقه الله تعالى، وبذكره بدأ في القرآن، فقال تعالى: (الذي علَّمَ بالقلمِ. علَّمَ الإنسانَ ما لم يعلم) . وقال تعالى: (ن. والقلم وما يسطرون) فأبان سبحانه وتعالى أن صناعة القلم أفضل الصنايع، وأجل البضايع. قيل: لا يسمى قلماً حتى يبرى، وإلا فهو قصبة. ولا يقال للرمح رمح إلا وعليه سنان، وإلا فهو قناة. ولا يقال مائدة إلا وعليها طعام، وإلا فهي خوان. ولا يقال كأس إلا إذا كان فيه شراب، وإلا فهو زجاجة. وقال بعض ملوك اليونان: أمر الدنيا والدين واقع تحت شيئين: سيف وقلم، والسيف تحت القلم. قال أبو الفتح البستي: إذا أقسمَ الأبطالُ يوماً بسيفهم ... وعدُّوه مما يكسبُ المجدَ والكرمْ كفى قلمَ الكتاب عزَّا ورفعةً ... مدى الدَّهرِ أنَّ اللهَ أقسمَ بالقلم وقال الإسكندر: ما أقرته الأقلام، ولم تطمع في دروسه الأيام. وقيل: القلم لسان البصر، ومطية الفكر.

وقال آخر: بالقلم تزف بنات العقول، إلى خدور الكتب. وقال العتابي: ببكاء الأقلام تضحك الصحف. وقال ابن المعتز: القلم يخدم الإرادة، ولا يمل الاستزادة، يسكت قائماً وينطق سائراً، في أرض بياضها مظلم، وسوادها مضيء. وقال أرسططاليس: الكاتب العلة الفاعلية، والقلم العلة الآلية، والمداد العلة الهيولانية، والخط العلة الصورية، والبلاغة العلة الغائية. وقال إبراهيم بن العباس الصولي لكاتب: أطل خرطوم قلمك. فقال: أله خرطوم؟ قال: نعم. وأنشد: كأنَّ أنوفَ الطَّير في عرصاتها ... خراطيم أقلامٍ تخطُّ وتعجمُ وأما قدره وإمساكه وحالاته فقال الأستاذ ابن مقلة: أحسن قدود القلم أن لا يتجاوز به الشبر بأكثر من جلفته. قال الشاعر: له ترجمانٌ أخرسُ اللَّفظ صامتٌ ... على قابِ شبرٍ بل يزيدُ على الشِّبر وقال الشيخ محمَّد بن العفيف رحمه الله تعالى: صنعة مسكه بالإبهام والوسطى، وتكون السبابة تمنعه من الميل والاضطراب، وتكون مبسوطة غير

مقبوضة، لأن ببسط الأصابع يتمكن الكاتب من إدارة القلم. ولا يتكئ على القلم الاتكاء الشديد المضعف له، ولا يمسك الإمساك الضعيف فيضعف اقتداره في الخط، لكن يجعل الكاتب اعتماده في ذلك معتدلاً. وقال إسحاق بن حماد: القلم للكاتب، كالسيف للشجاع. وقال الضحاك بن عجلان: يا من تعاطى الكتاب، اجمع قلبك عند ضربك القلم، فإنما هو عقلك تظهره. وأما حاله في الصلابة والرخاوة فإنه تابع لصحيفة، لأنها إذا كانت لينة احتاجت أن يكون في الأنبوب لين، وفي لحمه فضل، وفي قشره صلابة. وإن كانت صلبة احتاجت أن يكون في الأنبوب يبس وصلابة. قال: وعلة ذلك أن حاجته من المداد في الصحيفة الرخوة أكثر من حاجته إليه في الصحيفة الصلبة فرطوبته ولحمه يحفظان عليه غزارة الاستمداد، ويكون في الصحيفة الصلبة ما وصل إليها من القلم الصلب الخالي من المداد كافياً. وقال الشيخ هذه الصناعة عماد الدين الشيرازي: أحمد الأقلام ما توسطت حالاته في الطول والقصر، والغلظ والرقة، فإن الرقيق الضئيل تجتمع عليه الأنامل فيبقى مائلاً إلى ما بين الثلاث، والغليظ المفرط لا تحمله الأنامل. وقال بن الزيات: خير الأقلام ما استحكم نضجه وخف بزره، وبلغ أشده واستوى.

في الدواة وصفتها وآلاتها

فصل في الدواة وصفتها وآلاتها قال الحسن بن وهب: سبيل الدواة أن تكون متوسطة في قدرها، لا باللطيفة فتقصر أقلامها وتقبح، ولا بالكثيفة فيثقل محملها. قال الفضل: ينبغي أن يتخذ من أجود العيدان وأرفعها ثمناً كالآبنوس والساسم والصندل. وأما (الجونة) التي فيها حق المداد فينبغي أن يكون شكلاً مدور الرأس، تجتمع على زاويتين قائمتين، ولا يكون مربعاً على حال، لأنه إذا كان مربعاً يتكاثف المداد، فإذا كان مستيدراً كان أنقى للمداد وأسعد في الاستمداد. ويجتهد في تحسينها وتجويدها وتصوينها. وأنشد المدائني: جوِّدْ دواتك واجتهد في صونها ... إنَّ الدُّويَّ خزائن الآدابِ ومن آلاتها (الليقة) ويكون من الحرير والقطن والصوف. وسمت العرب كل ذلك كرسفا. وقال بعضهم: من لم يحسن الاستمداد وبري القلم والشق والقط

وإمساك الطومار، وقسمة حركة اليد حين الكتابة فليس هو من الكتابة في شيء. وقال ابن العفيف: من لم يدر وجه القلم وصدره وعرضه فليسهو من الكتابة في شيء. وقال آخر: على حسب تمكن الكاتب من إدارة قلمه وسرعة يده في الدوران يكون صفاء جوهر حروفه. وإذا مد الكاتب فليكن القلم من أصابعه على صورة إمساكه له في حين الكتابة ولا يديره للاستمداد، لأن أحسن المذاهب فيه أن يكون من يد الكاتب على وضعه في الكتاب. ويحرك رأس القلم من باطن يده إلى خارجها، فإنه يمكنه معه مقام القلم على نصبته في الأصابع. ومتى عدل عن هذا لحقته المشقة في نقل نصبه الأصابع في كل مدة. وهذا من أكبر ما يحتاج إليه الكاتب، لأن هذا هو الذي عليه مدار جودة الخط، وقلما يدريك علم هذا إلا رؤيته من العالم الحاذق بهندسة الخط، مع ما يكون معه من الأناة وحسن التأدية. قال بعض الكتاب: ويتعين على الكاتب أن يتفقد الليقة ويطيبها بأجود ما يكون، فإنها تتغير على طول المدى. وأنشد: متظرِّف شهدت عليه دواته ... إنَّ الفتى لا كان غيرَ ظريف

فصل

وكان بعض الكتاب دواته ببعض ما عنده من طيب نفسه، فسئل عن ذلك فقال: لأنا نكتب به اسم الله تعالى واسم نبيه صلى الله عليه وسلم. وقال آخر: يتعين على الكاتب تجديد الليقة في كل شهر، وأن يطبق المحبرة حين فراغه لئلا يقع فيها ما يفسد الخط. وقال آخر: ينبغي للكاتب أن لا يكثر الاستمداد، بل يمد مداً معتدلاً، ولا يحرك الليقة من مكانها، ولا ينثر بالقلم ولا يرد القلم إلى الليقة حتى يستوعب ما فيه من المداد، ولا يدخل منه الدواة كثيراً بل إلى حد شقيه لا يجاوز ذلك إلى آخر الفتحة. ومن آلاتها (السكين) وهي المدية. قالوا: لا يستعمل لغير بري القلم. ويستحب المبالغة في سقيها وحدها، ليتمكن من البري، فيصفو جوهر القلم ولا يتشظى قطته. وهي مسن الأقلام تشحذ بها إذا كلت، وتطلقها إذا وقفت وتلمها إذا تشعثت. وأحسنها ما عرض صدره، وأرهف حده، ولم يفصل عن القبضة نصابه، واستوى من غير اعوجاج. وكانوا يستحسنون العقابية، وهي التي صدرها أعرض من بطنها. ومن آلاتها (الملواق) لأنه بن تلاق الدواة. وأحسن ما يكون من الآبنوس، لئلا يغيره لون المداد، ويكون مستديراً مخروطاً، عريض الرأس نحيفه.

في المداد

فصل في المداد والحبر سمي مداداً لأنه يمد القلم، أي يعينه. وإنما يعينه. وإنما استعمل فيه السواد دون غيره لمضادته لون الصحيفة. وليس شيء من الألوان ضد لصاحبه إلا السواد والبياض. وقال آخر: صورة المداد في الأبصار سوداء، وفي البصائر بيضاء. والمداد ركن من أركان الكتابة وعليه معول الكتاب. وأنشدوا في ذلك: ربع الكتابةِ في سواد مدادها ... والرُّبع حسنُ صناعة الكتَّاب والرُّبع من قلمٍ سويٍّ بريهُ ... وعلى الكواغدِ رابع الأسباب ونظر جعفر بن محمد إلى فتى على ثيابه أثر المداد وهو يستره منه، فقال له: يا هذا، إن المداد على الثياب من المروة. وقال ابن العفيف: شيئان لا يتم المداد إلا بهما، وهما العسل والصبر. أما

العسل فإنه يحفظه على مرور الأيام ولا يكاد يتغير عن حالته، وأما الصبر فإنه يمنع الذباب من النزول عليه. وقال بعض الأدباء: عطروا دفاتر الآداب بسواد الحبر. وقال آخر: ببرق الحبر تهتدي العقول لخبايا الحكم، لأنه أبقى على الدهر، وأنمى للذكر، وأزيد للأجر.

في بري الأقلام

فصل في بري الأقلام حكى أن الضَّحاك كان إذا أراد أن يبرى قلماً توارى بحيث لا يراه أحد ويقول: الخط كله للقلم. وكان الأنصاري إذا أراد أن يبري فعل ذلك، وإذا أراد أن يقوم من الديوان قطع رؤوس الأقلام. وقالوا: تعليم البراية أكبر من تعليم الخط. وقال ابن العفيف: فساد البراية من بلادة السكين. وقال بعضهم: جودة البراية نصف الخط. وقيل: كان بعضهم إذا اخذ الأنبوبة ليبريها تفرس فيها ذلك، وإذا أراد أن يقط توقف، ثم تحرى فتوقف، ثم يقط على تثبت. وروى بخط ابن مقلة: ملاك الخط حسن البراية. ومن أحسنها سهل عليه الخط، ومن وعى قلبه كثرة أجناس قط الأقلام كان مقتدراً على الخط، ولا يتعلم ذلك إلا عاقل.

وقال ابن هلال: كل قلم تقصر جلفته فإن الخط يجيء به أو قص أي قصير العنق. وقال ابن البربري: إياك والخرق في البراية وترك التجويد لها، ومن فسدت آلته فسد عمله. وقال ابن العفيف إذا طالت البراية جاء الخط بها أخف وأضعف وأحلى، وإذا قصرت جاء الخط أصفى وأثقل وأقوى. وأما صفة شقه فقال ابن هلال: يكون في وسطه، وليكن غلظ السنين جميعاً سواء. قال: ويجوز أن يكون الأيمن أغلظ من الأيسر لا ويكون العكس على حال. وأما قطه فهو على صفات: منها المحرف، والمستوي، والقائم، والمصوب. وأجودها المحرفة المعتدلة التحريف، وأفسدها المستوي، لأن المستوي أقل من المحرف تصرفاً. قاله ابن العفيف. قال عبد الحميد الكاتب لرغبان، وكان يكتب بقلمٍ قصير البراية: أتريد أن يجود خطك؟ قال: نعم. قال: فأطل جلفة قلمك، وأسمنها، وحرف القطة وأيمنها. قال رغبان: ففعلت ذلك فجاد خطي. وقال ابن مقلة لأخيه: إذا قططت القلم فلا تقطه إلا على مقط أملس صلب،

غير مثلم ولا خشن، لئلا يتشظى القلم، واستحد السكين حدا، ولتكن ماضية جداً؛ فإنها إذا كانت كالةً جاء الخط رديئاً مضطربا. وتضجع السكين قليلاً إذا عزمت على القط ولا تنصبها نصبا. وقال ابن العفيف: يتعين أن يكون من عود صلب كالآبنوس والعاج، ويكون مسطح الوجه الذي يقطع عليه، ولا يكون مستديراً.

فصل

فصل في النقط هو الذي يستدل به على حروف المعجم، ويفصل به بينهما، فتعرف به الباء من التاء. ويقال: أول من نقط المصاحف ووضع العربية أبو الأسود الدبلي، من تلقين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال ابن أبي مقلة: وللنقط صورتان: أحدهما شكل مربع، والآخر شكل مستدير. وإذا كانت نقطتان على حرف فإن شئت جعلت واحدة فوق أخرى، أو جعلتهما في سطر معاً. وإذا كان بجوار ذلك الحرف حرف ينقط لم يجز أن تكون النقط إذا انشفعت إلا واحدة فوق أخرى. والعلة في ذلك أن النقط إذا كن في سطر وخرجن عن حروفهن وقع اللبس والإشكال، فإذا جعل بعضها على بعض كان على حرف قسطه من النقط، فزال الإشكال.

في الشكل

فصل في الشكل قال بعض أهل اللغة: شكل الحروف مأخوذ من شكل الدابة، لأن الحروف تضبط به وتقيد، فلا يلتبس إعرابها، كما تضبط الدابة بالشكال. وقال بعضهم: حلوا غرائب الكلم بالتقييد، وحصنوها عن شبه التصحيف والتحريف. وهو ثلاث حركات: رفع ونصب وخفض. وأما الجزم فصورته بخلاف صور الحركات دائرة كلها، كأنهم يريدون بها الميم من الجزم، وحذفوا عراقة الميم استخفافاً. وقال ابن العفيف: إذا كان الحرف مفتوحاً منوناً فعلامته خطتان من فوقه وتكون بينهما كقدر واحدة منهما، وإذا كان مضموماً منوناً فعلامته سين بغير عراقة، كأنك تريد أول "خفيف". هذا مذهب الأستاذ أبي الحسن، وعليه جملة أهل المشرق. وإذا كان مهموزاً فعلامته أن تثبت فوقه عيناً بلا عراقة وذلك لقرب مخرج الهمزة من العين. قال، ولا بد من تناسب الشكل والنقط وتناسب البياضات في ذلك

في ذكر حروف المعجم وسرها في تعيين العدد

فصل في ذكر حروف المعجم وسرها في تعيين العدد قال كراع: إنما سميت الحروف المقطعات حروف المعجم لأنها كانت مبهمة حتى بينت بالنقط. قال بعض المنجمين: عدد حروف العربية ثمانية وعشرون حرفاً، على عدد منازل القمر. وغاية ما تبلغ الكلمة منها مع الحروف الزوائد التي تلحقها سبعة أحرف، على عدد الدراري السبعة. قال: وصور حروف الزيادة اثني عشر على عدد البروج الاثني عشر. وحروف الزيادة عشرة أحرف، يجمعها "سألتمونيها". وقد تقدم أن جملة الحروف ثمانية وعشرون حرفاً، فالذي تندغم لام التعريف فيها من هذه الحروف أربعة عشر حرفاً كالتي تخفى تحت الأرض من منازل القمر، وباقيها يظهر معه التعريف، وهي أربعة عشر حرفاً كالمنازل الظاهرة. وقد تقدم الكلام على أن حروف المعجم ثمانية وعشرون حرفاً مفردة، ويتركب منها اللام ألف، فذلك تسعة وعشرون حرفاً. ولها ثماني عشر صورة، لأن ما اتفقت صورته فليس في ذكر شبهه فائدة، لأن ذكر أحد الصور ينوب عن جميعها، كالباء والتاء والثاء، والجيم والحاء والخاء، وتتناهى هذه الصور الثمانية عشر مفردة ومركبة، كما هو مبين في محله.

فصل في ذكر الكتبة الكرام

فصل في ذكر الكتبة الكرام من لدن زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا، على نسق الترتيب وحسن التهذيب. فمن كتب له صلى الله عليه وسلم وتشرف بخدمته بالكتابة الخلفاء الأربعة، وعامر بن فهيرة، وعبد الله بن الأرقم، وأبي بن كعب، وثابت بن قيس بن شماس، وخالد بن سعيد بن العاص، وحنظلة بن الربيع الأسدي، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وغير هؤلاء كما هو مسطور في المواهب وكتب السيرة، رضي الله عنهم أجمعين. وكان ألزمهم بذلك وأخصهم به زيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان. ثم انتهت جودة الخط وضرب جليله إلى الضحاك، وإسحاق بن حماد. فأخذ إبراهيم السجزي عن إسحاق ضرب الجليل، فاخترع منه أخف حركات وأحسن مزاوجات، فسماه قلم الثلثين. ثم اخترع من هذا القلم ما هو أخف منه وأجرى فسماه قلم الثلث. قال الشيخ عماد الدين محمد بن العفيف: بهذا القلم وقلم النسخ يعرف اقتدار الكاتب على صناعته. ثم أخذ عن إسحاق يوسف واخترع قلماً هزيلاً تاماً مفرط التمام مفتحاً، فأعجب ذا الرياستين الفضل بن سهل، فأمر بتحرير الكتب السلطانية به، وسمي القلم الرياسي.

وكان وجه النعجة مقدماً في قلم الجليل، وأبو زرجان مقدماً في قلم النصف. وكان أحمد بن حفص أحلى الكتاب خطاً في قلم الثلث. قال الوزير: معنى قول الكتاب قلم النصف والثلث والثلثين، إنما هو راجع إلى الأصل. وذلك أن للخط جنسين من الأربعة عشر طريقة التي هي الأصول، هي له كالحاشيتين أحدهما قلم الطومار، وهو قلم مبسوط كله، ليس فيه شيء مستدير، وكثيراً ما كتب به المصاحف المدنية القدم، وقلم آخر يسمى غبار الحلبة، وهو قلم مستدير كله ليس فيه شيءٌ مستقيم. فالأقلام كلها تؤخذ من المستقيمة والمستديرة سمي قلم النصف. فإن كان الذي فيه من الخطوط المستقيمة الثلث سمي قلم الثلث. وإن كان فيه من الخطوط المستقيمة الثلثان سمي قلم الثلثين. فعلى هذا تتركب هذه الأقلام. وقد برع فيه حيون بن عمرو أخو الأحول، وكان أخط من أخيه. ثم انتهت جودة الخط وحسنه وتحريره في رأس الثلاثمائة إلى الأستاذ في هذا الفن الوزير أبي علي محمد بن الحسن بن مقلة الكاتب، وفاته في سنة 328، ثم إلى التلميذ به محمد بن أسد الغافقي ومحمد السمساني، وعنهما أخذ الأستاذ الكبير أبو الحسن علي بن هلال البغدادي المعروف بابن البواب، وعنه أخذ محمد بن منصور

ابن عبد الملك، وعنه الشيخة الكاتبة المحدثة زينب ويقال أيضاً فاطمة وهي ابنة الشيخ أبي الفرج، وتعرف بشهدة بنت الأبري، وقد ترجمها الحافظ الذهبي في تاريخه. وممن جود عليها الشيخ أبو الدر أمين الدين ياقوت بن عبد الله الموصلي الكاتب ويعرف أيضاً بالنوري، وبالملكي، وبالشرفي، انتشر خطه في الآفاق، ولم يكن في آخر زمانه من يقاربه في حسن الخط ولا من يؤدي طريقة ابن البواب في النسخ مثله، مع فضل غزير. وكان مغرى بنقل صحاح الجوهري فكتب منها نسخاً كثيرة، كل واحدة في مجلد تباع كل نسخة بمائة دينار. وقد رأيت نسخةً منها بمصر. ووفاته سنة 618 بالموصل. وأما ياقوت الرومي ويعرف أيضاً بالحموي فإن وفاته سنة 626 بحلب عن اثنين وخمسين سنة. وممن كتب على ياقوت المذكور، أبو الحسن علي بن زنكي المعروف ب?"المولي العجمي". ووجدت في تاريخ الحافظ السخاوي أن الولي العجمي أخذ عن شهدة الكاتبة من غير واسطة ياقوت. ثم انتهت جودة الخط إلى الشيخ "عفيف الدين محمد الحلبي"، ويعرف أيضاً بالشيرازي. وعنه أخذ ولده "عماد الدين محمد"، وهو إمام النحاة والكتاب في زمانه. وممن كتب عليه الإمام العلامة شمس الدين "محمد بن علي أبي رقبة".

وعنه الإمام العلامة "أبو علي محمد بن أحمد بن الزفتاوي" المكتب، ولد سنة 750 وسمع الحديث علي خليل بن طرنطاي، وصنف في علم الخط "منهاج الإصابة" وانتفع به أهل مصر. وقد كتب عليه الحافظ ابن حجر، وكفى به شرفاً. مات سنة 806، وكان رفيقه في الكتابة على شيوخه الإمام شهاب الدين غازي. وعنه تلميذه الإمام نور الدين الوسيمي، وعليه كتب الإمام زين الدين عبد الرحمن بن يوسف القاهري، المعروف "بابن الصايغ" شيخ هذا الفن على الإطلاق، ولد بمصر سنة 769 ولازم شيخه المذكور في إتقان قلم النسخ حتى فاق عليه، وأحب طريقة ابن العفيف فسلكها واستفاد فيها من أبي علي الزفتاوي المصري، وصارت للزين طريقة منتزعة من طريقتي ابن العفيف وغازي، كما وقع لغازي شيخ شيخه، فإنه كتب أولاً على ابن رقبة شيخ الزفتاوي المذكور وتلميذ ابن العفيف ثم تحول غازي عن طريقة ابن العفيف شيخ شيخه إلى طريقة ولدها بينها وبين طريقة الولي العجمي. ففاق أهل زمانه في حسن الخط. وانتفع الناس بابن الصايغ طبقة بعد طبقة؛ ونسخ عدة مصاحف وغيرها من الكتب والعقائد، وصار شيخ الكتاب في زمانه، وشهد له الحافظ ابن حجر

بمهارته، وأثنى عليه في تاريخه. وقد سمع الحديث على الجمال الحلاوي. وفاته سنة 845. ثم انتهت جودة الخط وحسنه بعد ابن الصايغ وطبقته إلى قبلة الكتاب، وشيخ هذا الفن المستطاب، من سجدت لجلالته الأقلام واتفق على تفضيله الخاص والعام، الإمام الأوحد، والهمام المفرد، مولانا شيخ المشايخ الشيخ حمد الله ابن الشيخ مصطفى الأماسي، المعروف "بابن الشيخ" تغمده الله برحمته. ولد تقريباً في سنة 847 بعد وفاة ابن الصايغ بسنتين أو ثلاثة، وهو الذي استنبط هذه السموت المعروفة في زماننا من خطوط المتقدمين كما وقع لغيره ممن سبق ممن اخترع الطريقة بين الطريقتين، حتى برع كتاب زمانه، وفاق أهل عصره وأوانه. وكان والده رجلا صالحاً مجازاً في طريقة المشايخ السهر وردية، وقد حل نظره على ولده المذكور حتى فاق بالرتب العلية، وكفاه فخراً أنه ليس على الأرض الآن سند يعتمد عليه إلا من طريقه، ولا طريقة يرغب إليها بين أهل الفن إلا من تحقيقه وتدقيقه. وكان ممن عاصره رجلان من كبار الكتبة في زمانهما، وهما "يحيى الرومي" و"علي بن يحيى". وفاة الأخير في سنة 866. ويقال إن الشيخ كتب على "خير الدين المرعشي" ووفاته في سنة 896. وهو على "عبد الله الصيرفي"، وهو على "أحمد بن علي" المعروف بطيب شاه السهر وردي، وهو على "محمد البدشي العجمي"، وهو على "الولي العجمي". ويقال إن الشيخ رحمه الله تعالى كتب بيده الشريفة أربعة وأربعين مصحفاً ونسخة من كتاب المصابيح للبغوي، وكتاب المشارق للصغاني كلاهما في جلد

الغزال، وكلا من سورة الأنعام والكهف والأدعية والأوراد مقدار ألف نسخة وجملة من الأدراج والطومار، وكان قد عرضت له وهو في الثامن والثمانين من عمره حادثة الرعشة في رأسه. وأما يده وقت الكتابة فلم ترتعش قط، حتى كان خطه في آخر عمره يضاهي خطه في شبابه. وقد خدمته الملوك ومسكوا له الدواة بين يديه، وأعطي من القبول والشهرة ما لم يعط أحد من قبله ولا من بعده. وكراماته شهيرة. وتوفي تقريباً سنة 957 عن مائة وعشرة سنة. ودفن بإسكدار في صفة مقابلة للتكية المعروفة بقراجا أحمد، وذلك زمن السلطان أبي الفتح سليمان خان ابن سليم خان، رحمه الله تعالى. ثم انتهت جودة الخط وحسنه إلى تلامذته، وهم "محيي الدين جلال زاده" عاش مائة سنة وكتب سبعة وتسعين مصحفاً، و"جمال الدين الأماسي" وأخوه "عبد الله" عاش كل منهما ثمانين سنة. غير أن قواعد هؤلاء الثلاثة أكثر ميلاً إلى قواعد ياقوت المستعصمي. ومن خواص تلامذة الشيخ رحمه الله "حسام الدين خليفة" كان ماهراً في الأقلام الستة والنسخ السادة. قلد طريقة شيخه حتى غلط كثير من المميزين والمشخصين في التمييز بين خطيهما. عاش سبعة وستين سنة، وكتب تسعة وثمانين مصحفاً. ومنهم "شكر الله خليفة" كان ماهراً في الأقلام الستة والنسخ السادة وكتب عدة مصاحف وأوراد.

ومنهم "رجب خليفة" كان ماهراً في الأقلام الستة والنسخ السادة، وكتب ثلاثة وتسعين مصحفاً وجملة من سورة الأنعام والأوراد. وكان في آخر عصر السيخ من الماهرين في الخط رجل يسمى "أحمد أفندي قرا حصارى" يقال إنه أجازه الشيخ بالكتبة، ولكنه في آخره مال على طريقة ياقوت وجمع بين الطريقتين، وكتب جملة من المصاحف والأوراد. توفى سنة 963. ومن خواص تلامذته "حسين جلبي خليفة"، أحيا طريقة شيخه وكتب عدة من المصاحف. ثم جاء من بعده "دلي يوسف أفندي" فأجاد، لأنه جمع بين طريقة شيخه والطريقة الحمدية فصار مقبولا إلى الغاية، وكتب عدة مصاحف على هذه الطريقة. ثم جاء من بعده "قره علي أفندي" ثم من بعده "تكنه جي حسن جلبي"ولم يشتهر بعده في هذه السلسلة أحد. وكان من الممتازين في عصر هؤلاء ولد الشيخ لصلبه الإمام الماهر الضابط "مصطفى دده" المعروف كأبيه بابن الشيخ، سماه أبوه باسم والده تبركا. وكان قد برع في حياة والده في حسن الخط وشهد له الأفاضل، وقد أجازه والده بالكتبة وكان ماهراً في الأقلام الستة كأبيه، كتب عدة من المصاحف والأوراد والأدعية. مات عن أربعين سنة، ودفن عند والده بإسكدار. وممن كان في عصره من كبار تلامذة والده الإمام الماهر محمود أفندي الشهير ب"طنجانلي" كان مشهوراً بحسن التقليد للشيخ، كتب عدة من المصاحف الشريفة والأنعام والأذكار. وكان في عصره "عبد الكريم خليفة" المعروف بوقاية زاده، و"شكر الله

خليفة" و"أحمد جلبي". وممن اشتهر في زمانهم "عبد الله أفندي القريمي" كتب على طريقة الشيخ مسارقة من خطوطه، لأنه يقال: إنه طلب التعليم والإجازة من الشيخ فلم يرض، واجتهد حتى صار متقناً في الفن، وكتب عدة مصاحف وانتزع لنفسه طريقة منتزعة بين طريقة الشيخ وطريقة أحمد طيب شاه واخترع منهما نوعاً من الثلث، ولكن سقط مقامه بين الكتاب والبهاء، وصار من قبيل مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. وكان ممن أحيا طريقته من بعده رجل اسمه "أمر الله أفندي" فإنه قلده في طريقته المنتزعة مع ميله إلى الطريقة الحمدية كثيراً، بدقة طبعه ولطافة فكر، فحسن الثناء عليه والقبول. وكتب بذلك عدة من المصاحف والأنعام والأذكار. ثم انتهت جودة الخط بعد هؤلاء إلى الإمام الماهر "بير أفندي" وهو حفيد الشيخ، أجازه والده الدرويش محمد بالكتبة، وأحيا طريقة جدوده، مع ملازمة حدوده، وكتب عدة من المصاحف والأنعام. وكان ممن كتب عليه معاصرة الإمام الماهر "حسن أفندي" المعروف "بإسكداري حسن جلبي"، تولى مشيخة السراي بعد شيخه، وكتب عدة من المصاحف والأنعام والأذكار. وعنه أخذ الإمام المجود والضابط "خالد أفندي" المعروف بالعزيز. أجاز له بالسكتبة شيخه الإسكداري، وكتب عدة من المصاحف والأذكار، وسورة الأنعام. وكان في عصره من الماهرين "قره حسين أفندي" تولى مشيخة مكتب الآغا، وكتب من المصاحف والأذكار، وكان موصوفاً بالجمال المفرط، وشهد له بعض تلامذته بالكرامة.

ثم انتهت جودة الخط إلى الإمام الماهر الضابط المرحوم "درويش علي أفندي" الملقب بالشيخ الثاني، كتب أولاً على قره حسين أفندي المذكور، وبعد وفاته حصل التكميل والإجازة على يدي خالد العزيز. وكتب ثمانية وثمانين مصحفاً وجملة من سورة الأنعام والأوراد والأذكار. وخطه هو العمدة عليه في زماننا هذا. توفي سنة 1086 عن سبعة وثمانين سنة. ومن كراماته أنه رفع إصبعه السبابة بعد موته عند قول المغسل بالشهادتين، وغسل بماء أغلي ببراية أقلامه. وكان ممن عاصره من الخطاطين رمضان بن إسماعيل، يقال إنه كتب ثلاثمائة وستين مصحفاً، وجملة من سورة الأنعام والأذكار. وفاته في سنة 1097. ومن المعاصرين أيضاً علي أفندي نفسي زاده، وعمر بيك نصوح باشا زاده، ومحمد أفندي الإمام، وعلي أفندي قاشقجي زاده، وأحمد أفندي قزقابان زاده، ومحمد أفندي نقاش زاده، وخليل أفندي الملقب بالحافظ، ومحمد أفندي عرب زاده المتوفى سنة 1122، ومحمد أفندي خواجة زاده. ويقال إن هذين الأخيرين أجاز لهما الدرويش علي. ومنهم إسماعيل أفندي ترك، توفي غريقاً في البحر سنة 1085. ويوسف أفندي المتوفى في سنة 1119 وهذان الاثنان كانا بمصر. ثم انتهت جودة الخط إلى (تلامذة درويش علي) ، منهم مصطفى أفندي الأيوبي المعروف بسيولجي زاده، وفاته في سنة 1099.

ومنهم إسماعيل أفندي خليفة المعروف بابن علي، كتب أربعة وأربعين مصحفاً، وكمل مصحف شيخه الثامن والثمانين، وهو آخر المصاحف التي مات وخلاه إلى سورة الأنعام، فكمله بخطه. ومنهم أحمد أفندي قزانجي زاده كان مشهوراً بحسن التقليد لخط الشيخ، كتب تسعة عشر مصحفاً وعدة من سورة الأنعام والأذكار، توفي سنة 1116. ومنهم الإمام الماهر الضابط عثمان أفندي المعروف بالحافظ، الملقب بالشيخ الثالث، كتب جملة من المصاحف والأنعام والأوراد والأذكار، توفي سنة 1112. ومنهم أحمد أفندي المعروف بشيخ زاده، كتب سبعة عشر مصحفاً وجملة من سورة الأنعام والأذكار ودلائل الخيرات. ومنهم فضل الله أفندي، وفاته في سنة 1107، وكتب عدة من المصاحف والأوراد والأذكار. ومنهم عنبر مصطفى آغا، كان متين اليد إلى الغاية، كتب عدة من المصاحف والأنعام، توفي سنة 1117. ومنهم الإمام الماهر عمر أفندي كاتب السراي. ومنهم جابي زاده محمد أفندي، وهما من جملة خلفائه. ومن (معاصري هذه الطبقة) كوجك درويش علي أفندي، وكوجك عرب زاده محمد أفندي، وأحمد أفندي الدرويش، وعبد الله أفندي الوفائي، وإبراهيم أفندي ابن رمضان، وعلي أفندي إمام أمير آخور.

ومن خواص خلفاء الدرويش علي الإمام الماهر المجود الضابط، مجدد الرسوم الحمدية، في الديار المصرية، مولاه ومعتقه حسين أفندي الجزائري، لازم خدمة أستاذه حتى برع وفاق، كتب ربعة شريفة في ثلاثين جزءاً، ومصحفين شريفين أحدهما في الشام والثاني بمصر، وشرع في الثالث فبلغ إلى النصف منه ومات، فكمله فيما بعد المرحوم حسن الضيائي. وممن كتب على فضل الله أفندي محمد أفندي الشهري المعروف بالبستانجي. وممن كتب على عمر أفندي كاتب السراي صالح أفندي، المعروف بحمامجي زاده. وممن كتب على أحمد أفندي شيخ زاده ولده الماهر الضابط إبراهيم أفندي شيخ زاده. ثم انتهت جودة الخط إلى (تلامذة الجزائري) ، منهم الإمام الماهر الضابط المجود سليمان أفندي الملقب بالشاكري. ومنهم الإمام الماهر الضابط المجود السيد محمد بن إبراهيم المقدسي الملقب بالنوري. ومنهم مصطفى أفندي خليفة، وقاسم أفندي، وغير هؤلاء. وقد جود الشاكري أيضاً في مبادئ أمره على محمد خواجه زاده، ومحمد الشهري البستانجي، وحافظ عثمان فالبستانجي كتب على فضل الله أفندي وحافظ عثمان كلاهما على الدرويش علي. فمن كتب على الشاكري الإمام الضابط المعمر حسن بن حسن المعروف

بالضيائي، ولد سنة 1098، وكتب في مبدأ أمره على والده ثم على شيخه السيد علي، وعلي صالح أفندي المعروف بحمامجي زاده، وأدرك الجزائري أيضاً بعد وفاة والده باثني عشر سنة، وكتب عليه من غير واسطة، وقد أجازه بالكتبة الشاكري، وحمامجي زاده، الأخير عن عمر أفندي كاتب السراي عن الدرويش علي. كان رحمه الله كثير الإتقان شديد الاحتراز، على نهج السلف الصالح في التحري والضبط في سائر ما يكتبه، كما هو مشاهد في خطوطه. توفى سنة 1182 عن أربع وثمانين سنة. وممن كتب على الشاكري الأستاذ الفاضل الماهر الضابط المجود الشيخ شهاب الدين أحمد الأفقم المكنى بأبي الإرشاد، وقد برع في الفن واجتهد حتى نال الشهرة والقبول، وكتب عدة من نسخ الدلائل والأوراد والأذكار وغيرها. وفي الموجودين من تلامذته الآن مولانا السيد إبراهيم الرويدي الحسيني، المكنى بأبي الفتح الحمامي الوفائي، والشيخ أحمد المكنى بأبي العز، بارك الله في مدتهما، ونفع بهما المسلمين. وممن كتب على السيد محمد النوري رحمه الله تعالى خلق كثير على اختلاف الطبقات. وأجاز بالكتبة من لا يحصى. فمن أشهر تلامذته الماهر الضابط المرحوم عبد الله أفندي المولوي، الملقب بالأنيس رحمه الله تعالى، وقد جود أولاً على الشاكري وغيره، وكان تكميله وإجازته على يد السيد محمد النوري. ومنهم الجناب المكرم المير إسماعيل أفندي الملقب بالوهبي، والجناب

المكرم الأمير أحمد أفندي الملقب بالشكري، بارك الله في مدتهما ونفع بهما المسلمين. فمن كتب على الأنيس من طرزت هذا النبذة باسمه الشريف الضابط، الجناب المكرم، والملاذ المفخم، الأمير حسن أفندي تابع المرحوم الحاج علي آغا، وكيل دار السعادة، والملقب بالرشدي، أرشده الله لكل خير، وبارك في مدته وحياته، ودفع عنه كل ضير، فهو الذي أحيا هذه الطريقة، وجدد رسومها في الحقيقة، وأثنت عليه الألسن من كل جانب، وأعطى القبول والحب ونال أعلى المراتب، فالله تعالى يحرسه بعين عنايته، ويحمي فضله من عين الحسود ونكايته.

خاتمة نسأل الله حسن الخاتمة، وفيها فصلان

خاتمة نسأل الله حسن الخاتمة، وفيها فصلان الأول في بيان أدب التلميذ مع الشيخ فاعلم أن الطالب لهذا الفن والراغب إليه لا بد له من شيخ يريه دقائق الفن ويحقق له حقايقه، ويكشف له رموزه ويفتح له لغوزه ويقرب له رقائقه؛ فقد ورد في بعض الآثار، عن بعض الأخيار: "لولا المربي، ما عرفت ربي". فإذا يسر الله له الأستاذ فله معه شروط، منها حفظ مقامه في الغيبة والحضور على قدر الإمكان، فلا يرفع صوته على صوته، ولا يقول له من شيء قال: لم هذا؟ فإن أشكل عليه شيء سأل بيانه بالأدب. ومنها أن لا يضحك في حضرة أستاذه إلا تبسماً لمقتض. ومنها عدم مسابقة قوله، بل يسكت إلى أن ينتهي فيما يقوله. ومنها أن يجلس في حضرته كهيئة التشهد يسارق وجه أستاذه النظر. ومنها عدم مخاصمته لأحد من أتباع أستاذه ومن ينتسب إليه. ومنها حفظ متعلقاته عن الجرأة غليها، فلا يلبس ثوبه ولا نعله، ولا يركب دابته، ولا يجلس على سجادته، ولا يشرب من الإناء الذي أعد له إلا أن يأذن له في شيء من ذلك. ومنها أن يداوم على الإدمان والاجتهاد فيما يقول له ويأمره به الأستاذ. فهذه آداب التلميذ مع الأستاذ، من ابتلى باختلال شيء منها تساهلاً أو غفلة لا يفلح أبداً. الثاني نصيحة لسائر الخطاطين قال الله تعالى في كتابه العزيز: (وما الحياة الدُّنيا إلا متاعُ الغرور) . وقد ذكر العارفون بهذا الفن أن من أكبر موجبات التكميل للطالب في هذا

الفن ترك الغرور في نفسه، وترك الترفع على أبناء جنسه، فإنه ربما اجتهد في الكتابة كثيراً فيأتيه الشيطان فيوسوس له بالغرور، ويوقعه في الشرور، ومتى سلم من هذا يرجى له القبول، والرقي لمراتب الوصول. ومتى تساهل في أمر نفسه، وتكبر على أبناء جنسه، عوقب بالحرمان والوسواس، وسقط عن مرتبته التي كان فيها عند الله وعند الناس. نسأل الله العفو والرضا، والتجاوز عما مضى، إنه على كل شيء قدير، وبكل فضل جدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أملي هذه الحروف على الاستعجال وصنوف الاشتغال، العبد المقصر المعترف بذنبه، الفقير محمد مرتضى الحسيني سامحه الله بمنه وكرمه، وذلك في مجالس آخرها 12 من شهر ذي الحجة الحرام ختام سنة 1184. ختمت بخير وعلى خير. آمين

كتاب أسماء المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام وأسماء من قتل من الشعراء لأبي جعفر محمد بن حبيب

كتاب أسماء المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام وأسماء من قتل من الشعراء لأبي جعفر محمد بن حبيب

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم من المغتالين جذيمة الأبرش بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان الأزدي. وكان أفضل ملوك العرب رأياً، وأبعدهم مغاراً، وأشدهم نكاية. وهو أول من استجمع له الملك بأرض العراق. وكانت منازله ما بين الأنبار وبقة وهيت وعين التمر وأطراف البر والقطقطانة وخفية والحيرة. وكان يغير على الأمم الخالية من العرب العاربة الأول. وكان ملك العرب بأرض الجزيرة ومشارف الشام عمرو بن الظرب بن حسان بن أذينة بن السميدع بن هوبر العاملي، من عاملة العماليق. فجمع جذيمة جموعه من العرب وسار إليه، فالتقى هو وعمرو بن الظرب فقتل

جذيمة عمراً وفض جموعه. فملك من بعد عمرو ابنته الزباء، وكانت تخاف أن يغزوها ملوك العرب، فبنت لنفسها حصاناً على شاطئ الفرات، وسكرت الفرات على قلة الماء، وبنت في بطنه أزجاً من الآجر، وأجرت عليه الماء، فكانت إذا خافت عدواً دخلت النفق، فخرجت إلى مدينة أختها الزبيبة. فلما اجتمع لها أمرها، واستحكم ملكها، جمعت لتغزو جذيمة ثائرة بأبيها، فقالت لها أختها زبيبة، وكانت ذات رأي وحز: إنك إذا غزوت جذيمة فإنما هو يوم ما بعده، وإن ظفرت أصبت ثأرك، وإن قتلت هلك ملكك، والحرب سجال، وعثرتها لا تستقال، ولم يزل كعبك سامياً على من ناواك، ولا تدرين لمن تكون العاقبة، وعلى من تكون الدائرة. والرأي أمن تحتالي له وتخدعيه وتمكري به!. فكتبت الزباء إلى جذيمة تدعوه إلى نفسها وملكها، وأن تصل بلاده ببلادها، وأنها لم تجد ملك النساء إلا إلى قبح في السماع، وضعف في السلطان، وقلة في بسط المملكة، وأنها لم تجد لها كفواً غيرك، فأقبل إلي واجمع ملكي بملكك، وصل بلادي ببلادك، وتقلد أمري مع أمرك. فلما قدم عليه رسلها وكتابها استخفه ذلك، ورغب فيما أطعمته فيه، فجمع أهل الحجا من ثقات أصحابه وهو بالبقة، فاستشارهم، فأجمعوا على أن يسير

إليها ويستولي على ملكها، وخالفهم قصير بن سعد بن عمرو بن جذيمة بن قيس ابن هليل بن دمي بن نمارة لابن لخم، فقال: هذا رأي فاتر، هذا رأي فاتر، وغدر حاضر. فإن كانت صادقة فلتقبل إليك، وإلا فلا تمكنها من نفسك فتقع في حبالها، وقد وترتها وقتلت أباها! فلم يوافق جذيمة ما أشار به قصير وقال: أنت امرؤ رأيك في الكن لا في الضح. ومضى جذيمة في وجوه أصحابه فأخذ على شاطئ الفرات الغربي، فلما نزل الفرضة دعا قصيراً فقال: ما الرأي؟ فقال: "ببقة تركت الرأي". قال: فما ظنك بالزباء؟ قال: "القول رادف، والحزم عثراته لا تخاف". واستقبله رسلها بالهدايا والألطاف فقال: يا قصير، كيف ترى؟ قال: "خطر يسر في خطب كبير"، وستلقاك الخيول، فإن سارت أمامك فالمرأة صادقة، وإن أخذت [جنبيك وأحاطت بك] فالقوم غادرون بك. فلقيته الخيول فأحاطت به حتى دخل على الزباء، فلما رأته كشفت عن فرجها فإذا هي مضفورة الإسب، فقالت، يا جذيمة، أذات عروس ترى؟ قال: بلغ المدى، وجف الثرى، وأمر غدر أرى! فقالت: والله ما بنا من عدم مواس، ولا قلة أواس، ولكنها شيمة ما أناس. ثم أجلسته على نطع،

حسان بن تبع

وسقته الخمر، ثم أمرت بقطع رواهشه، فجعل دمه يسيل في طست من ذهب، فلما رأى دمه قال: "لا يحزنك دمٌ أهراقه أهله! ". ومنهم: حسان بن تبع وكان أعسر أحول، وإنه خرج من اليمن سائراً حتى وطئ أرض العجم، وقال: لأبلغن من البلاد ما لم يبلغه أحد من التبابعة! فأوغل بهم في أرض خراسان، ثم مضى إلى المغرب فبلغ رومة وخلف عليها ابن عم له، وأقبل إلى العراق حتى إذا صار إلى فرضة نعم بشاطئ الفرات قالت وجوه حمير: ما نفني أعماونا إلا مع هذا، يطوف في الأرض كلها، تغيب عن أولادنا وعيالنا وبلادنا وأموالنا؛ وما ندري ما يخلف عليهم بعدنا. فكلموا أخاه عمرا وقالوا: كلم أخاك في الرجوع إلى لبده وملكه. فقالوا: هو أعسر من ذاك وأنكد. فقالوا: فاقتله وتملك علينا فأنت أحق بالملك من أخيك، وأنت أعقل وأحسن نظراً لقومك! فقال: أخاف ألا تفعلوا، وأكون قد قتلت أخي وخرج الملك عن يدي. فواثقوه حتى ثلج إلى قولهم، واجتمع الرؤساء كلهم معه على قتل أخيه إلا ذي رعين. فإنه خالفهم وقال: ليس هذا برأي، يذهب الملك من حمير! فشجعه الباقون على قتل أخيه، فقال ذو رعين: إن قتلته باد ملكك. فلما رأى

ذو رعين ما اجتمع عليه القوم أتاه بصحيفة مختومة فقال: يا عمرو، إني مستودعك هذا الكتاب، فضعه عندك في مكان حريز. وكتب فيه: ألا من يشتري سهراً بنومٍ ... سعيدٌ من يبيت قريرَ عينِ فإن تك حميرٌ غدرت وخانت ... فمعذرة الإله لذي رعين وإن عمراً أتى حسان أخاه، وهو نائم على فراشه، فقتله واستولى على ملكه فلم يبارك له فيه، وسلط عليه السهر، وامتنع منه النوم، فسأل الكهان والعياف، فقال له كاهن منهم: إنه ما قتل رجل أخاه قط بغياناً عليه إلا امتنع نومه فقال: هذا عمل رؤساء حمير، هم حملوني على قتله ليرجعوا إلى بلادهم. لم ينظروا لي ولا لأخي. فجعل يقتل من أشار بقتله رجلاً رجلا، حتى خلص الأمر إلى ذي رعين، وأيقن الشر، فقال له ذو رعين: أما تعلم أني أعلمتك ما في قتله، ونهيتك؟ قال: ما أذكر هذا، ولئن كان ليس عندك إلا ما تدعي لقد طل دمك! قال: إن عندك لي براءة وشاهدا. قال: وما هو؟ قال: الكتاب الذي استودعتك. فدعا الكتاب فلم يجده، فقال ذو رعين: ذهب دمي على أخذي بالحزم فصرت كمن أشار بالخطاء، فقال الملك أن ينعم طلبه، فأتى به فقرأه، فإذا فيه البيتان اللذان كتبناهما، فلما قرأهما قال: لقد أخذت بالحزم. قال: إني حسبت ما رأيتك صنعت بأصحابي.

عمليق ملك طسم

وتشعث أمر حمير حين قتل أشرافها، واختلفوا عليه، حتى وثب على عمرو لخنيعة ينوف، ولم يكن من أهل المملكة، فقتله. ومنهم: عمليق ملك طسم بن ولاذ بن إرم بن سام بن نوح. وكان منازلهم "عذرة" في موضع اليمامة. وكان سبب قتله أنه تمادى في الظلم والغشم، والسيرة بغير الحق، وأن امرأة من جديس كان يقال لها هزيلة ولها زوج يقال له قديس، فطلقها وأراد أخذ ولدها منها، فخاصمته إلى عمليق، فقالت: أيها الملك، إني حملته تسعاً، ووضعته دفعاً، وأرضعته شفعاً، حتى إذا تمت أوصاله أراد أن يأخذه كرهاً، وأن يتركني بعده ورها. فقال لزوجها: ما حجتك؟ قال: حجتي أيها الملك أنها قد أعطيت المهر كاملاً، ولم أصب منها طائلا، إلا وليداً خاملاً، فافعل

ما كنت فاعلاً. فأمر بالغلام أن ينزع منهما جميعاً ويجعل في غلمانه، وقال لهزلة: أبغيه ولدا، ولا تنكحي أحداً، واجزيه صفدا. فقالت هزيلة: أما النكاح فإنما يكون بمهر، وأما السفاح فإنما يكون بلا مهر، ومالي فيهما من أمر! فلما سمع عمليق ذلك منهما أمر أن تباع وزوجها، فيعطي زوجها خمسها، وتعطي هزيلة عشر ثمن زوجها، ويسترقا. فأنشأت تقول: أتينا أخا طسمٍ ليحكمَ بيننا ... فأنفذَ حكماً في هزيلة ظالما لعمري لقد حكِّمتَ لا متورِّعا ... ولا كنتَ فيما تبرم الحكمَ عالما ندمتُ ولم أندمْ وأبتُ بعبرتي ... وأصبح بعلي في الحكومة نادما فلما سمع عمليق قولها أمر ألا تزوج بكر من جديس فتهدى إلى زوجها إلا يؤتى بها عمليق فيفترعها هو قبل زوجها. فلقوا من ذلك جهداً وذلا ولم يزل يفعل ذلك أربعين سنة فيهم، حتى زوجت الشموس عفيرة بنت عفار الجديسية، أخت الأسود الذي وقع إلى جبلي طيء وسكنوا الجبلين بعده، فلما أرادوا أن يهدوها إلى زوجها وانطلقوا بها إلى عمليق لينالها قبله، ومعها الوليدات يتغنين ويقلن: أبدي بعمليقٍ وقومي فاركبي ... وبادري الصُّبح بأمرٍ معجبِ فسوف تلقين الذي لم تطلبي ... وما لبكرٍ عنده من مهربِ فلما دخلت عليه افترعها، وخلى سبيلها، فخرجت إلى قومها في دمائها، شاقة درعها عن قبلها ودبرها، وهي تقول:

لا أحدٌ أذلَّ من جديس ... أهكذا يفعل بالعروس يرضى بهذا يالقومِ حرُّ ... أهدى وقد أعطى وسيقَ المهر لأخذةُ الموتِ كذا من نفسهِ ... خيرٌ منَ أنْ يفعلَ ذا بعرسه ثم قالت تحرض قومها فيما أتى عليها: أيصلح ما يؤتى إلى فتياتكم ... وانتمْ رجالٌ فيكم عدد النَّمل وتصبح تمشى في الدماء صبيحةٌ ... عشيّةَ زفَّت في النساء إلى بعل فإنْ أنتم لم تغضبوا بعد هذه ... فكونوا نساءً لا تغبُّ من الكحلِ ودونكمُ طيبَ العروس فإنَّما ... خلقتم لأثواب العروس وللغسلِ فلو أنَّنا كنا رجالاً وانتمُ ... نساءٌ لكنّا لا نقيم على الذلِّ فبعداً وسحقاً للذي ليس دافعاً=ويختال يمشي بيننا مشيةَ الفحلِ فموتوا كراماً أو أميتوا عدوَّكم ... ودبُّوا لنار الحرب بالحطب الجزل فلما سمع ذلك أخوها الأسود، وكان سيدا مطاعاً، قال لقومه: يا معشر جديس، إن هؤلاء القوم ليسوا بأعز منكم في داركم، إلا بما كان من ملك صاحبهم علينا وعليهم وانتم أذل من النيب، ولولا عجزنا لما كان له فضل علينا، ولو امتنعنا كان له منه النصف، فأطيعوني فيما آمر كم به؛ فإنه عز الدهر وذهاب ذل العمر، واقبلوا رأيي. وقد أحمس جديساً قولها، قالوا: نطيعك،

الأسود بن عفار

ولكن القوم أكثر منا عدداً وأقوى. قال: فإني أصنع للملك طعاماً، ثم أدعوهم إليه، فإذا جاءوا يرفلون في حللهم متفضلين مشينا إليهم بالسيوف فقتلناهم، فأنفرد أنا بالعمليق، وينفرد كل واحد بجليسه. فاجتمع رأيهم على ذلك. وإن الأسود اتخذ طعاماً كثيراً، وأمر القوم فاخترطوا سيوفهم، ودفنوها في الرمل تحتهم، ودعا القوم فجاءوا يرفلون في الحلل، حتى إذا أخذوا مجالسهم ومدوا أيديهم إلى الطعام أخذوا سيوفهم من تحت أقدامهم، فشد الأسود على عمليق وكل رجل على جليسه حتى أناموهم، فلما فرغوا من الأشراف شدوا على السفلة فأفنوهم، فلم يدعوا منهم شطراً، فقال الأسود: ذوقي ببغيك يا طسمٌ مجلَّلةً ... فقد أتيتِ لعمري أعجبَ العجبِ إَّنا أتينا فلم ننفكَّ نقتلهم ... والبغي هيَّجَ منَّا سورةَّ الغضب فلن يعودَ علينا بغيهم أبداً ... ولن يكونوا لدى أنفٍ ولا ذنب ولو رعيتم لنا قربى مؤكَّدةً ... كنَّا الأقاربَ في الأرحامِ والنَّسبِ ومنهم أيضاً: الأسود بن عفار هذا، وكان هرب من حسان بن تبع، حين استغاثه الطسمي، فغزا جديساً فقتلها، وأخرب جوا، فمضى الأسود فأقام بجبلي طيئ قبل نزول طيئ إياهما.

وكان سبب قتله أن طيئاً كانوا يسكنون الجوف من أرض اليمن، وهو اليوم محله مراد وهمدان، وكان مسكنهم وادياً يدعى ظريباً، وكان سيدهم يومئذ أسامة بن لؤي بن الغوث بن طيئ، وكان الوادي مسبعة وهم قليل عديدهم، وقد كان ينتابهم بعير في أزمان الخريف، فيضرب في إبلهم، فإذا انقطع الخريف لم يدر أين يذهب، ولم يروه إلى قابل. وكانت الأزد قد خرجت من اليمن أيام العرم فتفرقت، فاستوحشوا لذلك، وقالوا: قد ظعن إخوتنا فصاروا إلى الأرياف. فلما هموا بالظعن قالوا: يا قوم، إن هذا البعير الذي يأتينا، من بلد ريف وخصب، وإنا لنصيب في بعره النوى، ولو أنا تعهدناه عند انصرافه فشخصنا معه لعلنا نصيب مكاناً خيراً من مكاننا هذا. فأجمعوا أمرهم على ذلك. فلما كان الخريف جاء الجمل فضرب في إبلهم، فلما انصرف احتملوا فتبعوه، فجعلوا يسيرون بسيره، ويبيتون حيث يبيت، حتى هبط بهم على الجبلين، فقال أسامة بن لؤي: اجعلْ ظريباً كحبيبٍ ينسى ... لكلِّ قومٍ مصبحٌ وممسي فهجمت طيئ على النخل في الشعاب، ومواش كثيرة وحشية كانت لقوم من جديس، وإذا هم برجل في شعب من تلك الشعاب، وهو الأسود بن عفار،

عامر الضحيان

فهالهم ما رأوه من عظم خلقته وتخوفوه، فنزلوا ناحية من الأرض، [وسبروها هل يرون بها أحداً غيره؟ فلم يروا، فقال] أسامة بن لؤي لابن له يقال له الغوث: أي بني، إن قومك قد عرفوا فضلك عليهم في الجلد والبأس والرمي، فإن كفيتنا هذا الرجل سدت قومك آخر الدهر، وكنت أنت الذي أنزلتنا هذا البلد. فانطلق الغوث حتى أتى الرجل فكلمه وساءله، فعجب الأسود من صغر خلق الغوث، فقال له: من أين أقبلتم؟ قال: من اليمن. وأخبره خبر البعير، وأنا رهبنا ما رأينا من عظم خلقك. فشغلوه بالكلام، وختله الغوث فرماه بسهم فقتله، فأقامت طيئ بالجبلين. ومنهم: عامر الضحيان بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط، وكان صاحب مرباع ربيعة بن نزار، ومنزلها في نجعها، وحكمها في خصوماتها، وكانت ربيعة تغزو المغازي وهو في منزله، فتبعث له نصيبه ولنسائه حصة، إعظاماً له، فمكث بذلك حيناً، وفي ذلك قول بعضهم: تعجبني أسدٌ ضارياتٌ ... ويأكل مرباعهنَّ الضَّبع تمارس عنَّا بصمِّ القنا ... لشيخ أمامة أن يضطجع وكان أعرج. وأنه شرب الخمر فاشتهى لحما، فذكرت له نعجة غريبة

عبدة بن مرارة

لكعب بن الحارث بن عامر بن عبد القيس، كانت امرأته مرضت فخلفها ظئراً لابنه، فبعث إليها الضحيان فذبحها وكعب غائب، فرجع كعب فرأى ابنه يضغو جوعاً، فسأل عن النعجة فأخبروه أن الضحيان أكلها، فخرج بحربته حتى انتهى إلى منزله ليلاً فصرخ به فقالت له امرأته: الذي يدعوك يريد قتلك، فلا تخرج إليه! فقال: لو دعي عامر لطعنة أجاب! وخرج فبدره كعب فأوجره الحربة فقتله. ومنهم: عبدة بن مرارة بن سوار بن الحارثبن سعد بن مالك بن ثعلبة بن.............. وهلال بن أمية الخزاعي، فحبا الأسدي حباء كثيراً، ولم يحب هلالا شيئاً. فأقفلا حتى إذا كانا بواد يقال له وادي طفيل مالا إليه، فنزلا فغدا الخزاعي على عبدة بن مرارة وهو راقد فقتله، وأخذ ما حبي به. فلما قدم سئل عنه فقال: مات! فصدقوه، واشترى بما أخذ منه إبلاً وخيلا. فتغنى يوماً الخزاعي وقد أخذ فيه الشراب: أبلغْ بني أسدٍ بأنَّ أخاهم ... بلوى طفيلٍ عبدةَ بن مرارة

زهير بن عبد شمس

يؤتى فقيرهمُ ويمنعُ ضيمهمْ ... وريح بعد المعتمين عشارة فلما سمعت بذلك بنو أسد نهضوا إلى بني كنانة فقالوا. حليفكم هذا قتل أخانا، فإن تدوه دية الملوك نقبل، وإن تأبوا نقتل! فودوه دية الملوك ألف بعير. ومنهم: زهير بن عبد شمس من بني صيفي بن سبأ الأصغر، وقتلته بلقيس بنت [اليشرح بن ذي جدن بن يشرح بن الحارث بن قيس بن] صيفي. وكان سبب ذلك أنه كان ملكاً، فعلا في مملكته وتكبر، وجعل يعتذر النساء قبل أزواجهن، كما كان يفعل عمليق، حتى أدركت بلقيس فقالت لأبيها: إن هذا الرجل قد فضح نساءكم فائته فقل له: إن لي بنتاً قد أعصرت، وليس في قومها شبيه لها حسناً وجمالاً. فإن قال لك: فابعث بها إلي، فقل: إن مثلي في شرفي ونسبي لا تعتذر ابنته إلا في بيته! فأتاه فذكر ذلك له، فلما قال له: ابعث بها قال له ما علمته ابنته، فقال له: كيف بنزلي

ونزل من معي من أصحابي؟ فقال: ما أحملني لنزل الملك، وأشد سروري به، لأ [نها] مكرمة لي، وبد وضعها الملك عندي. فأجابه إلى إتيانه، ولم يجب إلى ذلك غيره. فأتي داره فزخرفها وزخرف أبياتاً ثلاثة بأحسن ما يكون من زينة ذلك الزمان، وحشد لنزله، ثم أتاه فأعلمه بالفراغ، فركب فأتاه وقد أدخلت بلقيس نفراً من أقاربها بأسلحتهم. ولما دخل البيت الأول أعجبه ما رأى من هيئته، ثم دخل البيت الثاني فكان أحسن، ثم دخل الثالث وفيه بلقيس في حليها وحللها مع جمالها، فلما استلقى على الفراش، وأخرج حرسه وأجناده، وأمر بالباب فأغلق دونه وكان معه المقاول قالت للنفر: اخرجوا. فخرجوا فقتلوه. ثم أرسلت إلى أبيها وقومها فخرجت إليهم وقالت: هذا الخبيث قد فضح نساءكم وجعلكم شهرة في الناس قد أراحكم الله منه، فدونكم ملكوا من شئتم. فقالوا بأجمعهم: ما أحد أولى بهذا منك! فملكوها عليهم فملكتهم، حتى كان من أمر الهدهد وسليمان عليه السلام ما كان.

الحارث بن كعب

ومنهم: الحارث بن كعب وقتله ضبة بن أد. وسبب ذلك أن ضبة تفرقت إبله تحت الليل، وكان له ابنان: سعد وسعيد، فخرجا يطلبانها، فتفرقا في طلبها، فجاء بها سعد ولم يرجع سعيد، فأتى على ذلك ما شاء الله تعالى أن يأتي، لا يرى سعيداً ولا يعلم له خبراً. ثم إن ضبة بعد ذلك بينا هو يسير والحارث بن كعب في الأشهر الحرم وهما يتحدثا، إذ مر على سرحة بمكان، فقال هل الحارث: أترى هذا المكان فإني لقيت به شاباً من هيئته كذا وكذا فوصف له صفة سعيد فقتلته وأخذت برداً كان عليه، من صفة البرد كذا وكذا! فوصف له صفة البرد وسيفاً كان عليه. فقال ضبة: فما صفة السيف؟ قال: هاهو ذا علي. قال ضبة: فأرني السيف. فأراه إياه، فعرفه فضربه حتى قتله. ولام الناس ضبة فقالوا قتل رجلاً في الأشهر الحرم! فقال ضبة: "سبق السَّيف العذل"! فصارت مثلا.

داود بن هبالة

ومنهم: داود بن هبالة بن عمرو بن [عوف بن ضجعم بن] سعد بن سليح بم حلوان ابن عمران بت الحاف بن قضاعة. وكان أول ملك الروم بالشام على عهده. وذلك أنه كان ملكاً فغلبه ملك الروم على ملكه، فصالحه داود على أن يقره في منازله ويدعه فيكون تحت يده، ففعل فكان يغير بمن معه، ثم تنصر وكره الدماء وبنى ديراً، فكان ينقل الطين على ظهره والماء، فسمي "اللثق"، فنسب الدير إليه، وأنزله الرهبان فلما تعبد اجترئ عليه فقال له ملك الروم: اغز ممن معك من العرب فلم يجد بداً من أن يفعل، فغزا فكان على حيلة جعفر بن صبح التنوخي، وكان معه في جيشه زهير بن جناب ابن هبل الكلبي، فغزا عبد القيس، فقتل زهير بن جناب هداج بن مالك بن عامر بن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى ابن عبد القيس، وأغار في وجهه على [بكر] بن وائل فقتل زهير أيضاً هداج بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة بن عكابة، فقال حذار بن ظالم بن ذهل بن عجل العبدي:

لعمري لقد أردت سيوفُ ابن ضجعمٍ ... غداةَ التقوا منَّا خطيباً وياسرا أهانَ الرِّجال بعده فكأنما ... يرى بالرِّجال الصَّالحين الأباعرا فلا تبعدن إمَّا لقيتَ ابنَ مالكِ ... سبيلَ التي فيها لقيت المعاذرا وقال زهير بن جناب: فجَّعتُ عبدَ القيس أمسِ بجدِّها ... وسقيتُ هدَّاجاً بكأسِ الأفرل ثم أقبل داود حتى إذا كان بناحية الرقم تذاكر رجال من قضاعة ما دخلهم من الذل لصنعه الذي صنعه بنفسه، فتواعد رجلان من قضاعة على قتل داود، أحدهما ثعلبة القايل بن......... زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب، والآخر معاوية بن حجيو بن حي بن وائل بن أمر مناة بن مشجعة بن التيم بن النمر بن وبرة، أخو كلب بن وبرة. فأقبل داود يسير ليلاً وأمامه شمعة وهو منصرف إلى الشام، حتى انتهى إلى موضع يقال له برقة حارب، فتقدما إلى الشمعة فأطفآها وشدا عليه فقتلاه، فقال عبد العاص بن ثعلبة التنوخي يرثيه: لعمري لنعم المرءُ من آل ضجعمٍ ... ثوى بين أحجار ببرقةِ حارب أصابتك ذؤبان الحليفين عامرٍ ... ومشجعةَ الأوباشِ رهطِ ابن قارب فتىً لم تلده بنت عمِّ قريبة ... فيضوى وقد يضوى وليدُ القرائب فتى ليسَ بالراضي بأدنى معيشةٍ ... وليس له ذو العجز يوماً بصاحب

وقال ثعلبة القاتل، قاتله: نحن الأولى أردتْ ظباتُ سيوفنا ... داودَ بين البرقتينِ فحاربِ خطرتْ عليه رماحنا فتركنه ... لمَّا شرعنَ له كأمسِ الذَّاهب وكذلك إنَّا لا تزالُ رماحنا ... تنفي العدى وتفيد رغب الراغبِ كانت لداود ابنتان يقال لهما أمرعة، وأشعرة، وكان خلفهما بالشام، فقدم عبد العاص التنوخي الشام، فيعث إليه أمرعة تسأله عن أبيها، فعرض لها فلم تفهم، فقال: حدِّث حديثين أمرعةْ ... فإن أبتْ فأربعة ثم أدعها يا فوزعه ... إلى الحديث والدَّعه ألا تراها مقنعة ... وخيلها مسلَّعةْ في كلِّ عامٍ شعشعه ... من عامرٍ ومشجعة ثم أرسلت إليه أشعرة فحكى لها فلم تفهم، فقال: حدِّث حديثين أشعرة ... فإن أبت فعشرة يا ربِّ خيلٍ مضمرة ... وغارةٍ محذفرة وحلَّةٍ محبَّرة ... بين لوى...... ففهمتا قوله فشقتا جيبيهما، وحلقتا رؤوسهما، فهما أول من فعل ذلك من العرب. فوزعة، الذي ذكر: فوزعة بن سلمة بن وثاق بن عمرو بن عوف

همام بن مرة

ابن ذهل بن حذي بن الدها بن غشم بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وكان رسولا لهما. ومنهم: همام بن مرة بن ذهل بن شيبان، قتله ناشرة بن أغواث. وكانت أم ناشرة هذا هند بنت معوية بن الحارث بن بكر بن حبيب، وكانت جارة لهمام، فأرادت أن تلد، فاجتمع إليها النساء، فسمعهن همام يقبلنها يقلن: قد جاء، قد جاء? يعنين الولد. فقالت أمه: دققن عنقه. فقال لها همام: ويحك لا تفعلي. قالت: وما يعيشه؟ قال همام: أمة تعيشه، ولقحة، وجمل ذلول. قالت: بلى فأعطاها إياها. فلما كان يوم واردات وهو من أيام حرب البسوس خرج همام يسقي النساء الماء واللبن، فأبصره ناشرة فختله فطعنه فقتله، وهرب فلحق بقومه، فقالت أم ناشرة: لقد عيَّلَ الأيتامَ طعنةُ ناشره ... أناشرُ لا والت يمينك آشره

جساس بن مرة

ومنهم: جساس بن مرة ابن ذهل بن شيبان، وهو قاتل كليب بن ربيعة. وكانت أخته تحت كليب، فقتل عنها وهي حامل، فرجعت إلى أهلها، ووقعت الحرب حرب البسوس فكان منها ما كان من القتل، ثم صاروا إلى الموادعة، بعد ما كادت تتفانى القبيلتان، فولدت أخت جساس غلاماً فسمته الهجرس، فرباه جساس فلم يعرف أباً غيره، وزوجه ابنته، فوقع بين الهجرس وبين رجل من بكر بن وائل كلام، فقال له البكري: ما أنت بمنته حتى نلحقك بأبيك. فانصرف الهجرس حتى دخل على امرأته بنت جساس مهموماً، فسألته عما به، فخبرها الخبر. فلما أوى إلى فراشه ووضع انفه بين ثدييها وتنفس الصعداء تنفسة تنفط منها ما بين ثدييها، فقامت الجارية فزعة قد أقلتها رعدة حتى دخلت على أبيها فحدثته الحديث، وقصت عليه قصة الهجرس، فقال جساس: ثائر ورب الكعبة! وبات على مثل الرضف حتى أصبح، فأرسل إلى الهجرس، فأتاه، فقال له: إنما أنت ولدي وختني، وبالمكان الذي قد علمت، وقد زوجتك ابنتي وأنت معي، وقد كانت الحرب في أبيك زماناً طويلا حتى كدنا نتفانى، وقد اصطلحنا وتحاجزنا، وقد رأيت أن تدخل فيما دخل فيه الناس من الصلح، وأن تنطق معي آخذ عليك مثل ما [أخذ] علينا وعلى قومك. فقال الهجرس: أنا فاعل، ولكن مثلي لا يأتي قومه إلا بلامته وفرسه! فحمله جساس على فرس، وأعطاه لأمة ورمحاً، فخرجا حتى أتيا جماعة من قومهما،

عمرو وإخوته، بنو الزبان الذهلي

فقص عليهم جساس ما كونوا فيه من البلاء، وما صاروا إليه من العافية، ثم قال: وهذا ابن أختي قد جاء ليدخل فيما دخلتم فيه، ويعقد ما عقدتم. فلما قربوا الدم وقاموا إلى العقد أخذ الهجرس بوسط رمحه ثم قال: وفرسي وأذنيه، ورمحي ونصليه، وسيقي وغربيه، لا يترك الرجل قاتل أبيه وهو ينظر إليه! ". ثم طعن جساسا فقتله ولحق بقومه ل، فكان آخر قتيل في بكر بن وائل. ومنهم: عمرو وإخوته، بنو الزبان الذهلي وكان سبب ذلك أن كثيف بن التغلبي انهزم في بعض أيام بكر وتغلب، فألظ به مالك بن كومه الشيباني، وكان مالك رجلاً نحيفاً، وكان كثيف رجلاً أيداً، فلما لحقه كومة اقتحم عن فرسه لينزل إليه مالك فيقهره بفضل قوته وبدنه، فأوجره مالك الرمح وقال: والله لتستأسرن أو لأنفذنك به! فاستأسر، ولحقه عمرو بن الزبان فقال: أسيري! وقال مالك: أسيري! فقالا لكثيف: لقد حكمناك في نفسك. فقال كثيف: لولا مالك لألفيت في أهلي! فغضب عمرو بن الزبان، فلطم خد كثيف، فقال مالك: لا تلطم خد أسيري يا كثيف؛ فإني قد جعلت فداءك لك بلطمة عمرو خدك. وأطلقه. فحرم كثيف النساء والخمر حتى يثأر من عمرو ولطمته، فوضع عليه العيون، فأتاه رجل من غفيلة بن قاسط، فقال: ألا أدلك على بني الزبان، فقد نتجوا ناقة حواراً واشتووه وهم يأكلون، وكانت ندت لهم إبل فخرجوا في طلبها فردوها. فقام كثيف

عمرو بن مسعود، وخالد بن نضلة، الأسديان

بضعف عدتهم، وقال: مروا بجانبهم فإذا دعيتم إلى الطعام فليكتنف كل رجل منهم رجلان منا. فمروا بالقوم وهم على طعامهم فدعوهم إلى الطعام فأقبلوا، ففعلوا ما أمروا به، فلما حسر كثيف العمامة عن وجهه قال له عمرو: يا كثيف، هذا خدي فالطمه ففيه وفاء من خدك، وما في بكر بن وائل أكرم منه. قال: لا، حتى أقتلك. قالا: فدع هؤلاء الفتية الذين لم يتلبسوا من الحروب بشيء. قال: فأبى، فقتلهم أجمعين، وبعث رءوسهم في غرارة، وعلقها في عنق "الدهيم" ناقة عمرو بن الزبان. ومنهم: عمرو بن مسعود، وخالد بن نضلة، الأسديان وكانا يفدان على المنذر الأكبر اللخمي في كل سنة، فيقيمان عنده وينادمانه. وكانت أسد وغطفان حلفاء لا يدينون للملوك، ويغيرون عليهم، فوفدا سنة من السنين ومعهما سبرة بن عمير الشاعر الفقعسي، وحبيب بن خالد، فنادم المنذر عمرو وخالد بن نضلة، فقال المنذر يوماً لخالد، وهم على الشراب: يا خالد، من ربك؟ فقال خالد: عمرو بن مسعود ربي ربك. فأمسك عليهما، ثم قال لهما بعد: ما يمنعكما من الدخول في طاعتي، وأن تذبوا عني كما ذبت تميم وربيعة؟ فقالا: أبيت اللعن، هذه البلاد لا تلائم مواشينا، ونحن مع هذا قريب منك، نحن بهذا الرمل، فإذا شئت أجبناك. فعلم أنهم لا يدينون له. وقد سمع من خالد الكلمة الأولى، فأومأ إلى الساقي فسقاهما سماً، فانصرف من عنده من

خالد بن جعفر بن كلاب

الشكر على خلاف ما كنا ينصرفان، فملا كانا في بعض الليل أحس حبيب ابن خالد بالأمر، لما رأى من شدة سكرهما، فنادى خالداً فلم يجبه، فقام إليه فحركه فسقط بعض جسده، وفعل بعمرو ومثل ذلك، وكان حاله كحال خالد، فأصبح المنذر نادماً على قتلهما، فغدا عليه حبيب بن خالد فقال: أبيت اللعن، أسعدك الأهل، نديماك وخليلاك تتابعا في ساعة واحدة. فقال له: يا حبيب أعلى الموت تستعدبني، وهل تراني إلا ميتاً وأخا ميت وأبا ميت؟ ثم أمر فحفر لهما قبران ودفنا فيهما، وبنى عليهما منارتين، وهما الغريان، وعقر على كل قبر خمسين فرساً وخمسين بعيراً، وغراهما بدمائهما، وجعل يوم نادمهما يوم ميم، ويوم دفنهما يوم بؤس. وقال الشاعر فيهما: ألا بكر النَّهي بخيريْ بني أسدْ ... بعمرو بن مسعودٍ وبالسيِّد الصمدْ يشقّ بصحراء الحبيل له الثَّرى ... وما كنت أخشى أن يزار به بلدْ ومنهم: خالد بن جعفر بن كلاب وكان وفد على الأسود بن المنذر الأكبر، ووفد الحارث بن ظالم المرى. وقد كان خالد قتل زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي، وكان سيد غطفان،

فقدم إليهما تمر على نطع، فجعلا يأكلان، فقال خالد للملك: أبيت اللعن، من هذا؟ قال له: هذا الحارث بن ظالم. فقال خالد للحارث: يا حارث، ما أحسبني إلا حسن البلاء عندك فكيف شكرك لي؟ فقال الحارث: وما بلاؤك عندي؟ قال: قتلت عمك فسدت قومك. قال: سأجزيك به. وجعل الحارث ينبث التمر بيده ولا يبصر، غضباً. فقال خالد: مالك تنبث التمر، أيتهن تريغ؟ فقال الحارث: على أيتهن تخافني؟ فأمر الملك برفع التمر، وقام الحارث فانصرف إلى رحله، فقال الأسود: لم تعرضت لهذا الكلب وأنت جاري؟ فقال خالد: أبيت اللعن، هذا أحد عبيدي. فلما كان الليل بعث الأسود بجارية له، معها عس ضخم مملواً خمراً إلى الحارث وقال له: يقول لك الملك: عزمت عليك لما شربت هذا يريد أن يسكره فينام فأخذه الحارث كأنه يشربه، فسفحه بين ثوبيه وجسده. فلما مضى هني من الليل قام إلى قبة خالد وقد أشرجت عليه، فهتك شرجها ودخل عليه فقتله واغترز في رحله ومضى.

الفطيون

الفطيون وهو عامر بن عامر بن ثعلبة بم حارثة، وكان يهودياً، وكان عزيزاً بيثرب ممتنعاً، وكان يعتذر النساء قبل أزواجهن، وكانت يثرب قد دانت له؛ فلم تزل تلك حاله حتى زوجت أخت مالك بن العجلان بن زيد الخزرجي ثم القوقلي، وهو يومئذ شاب، فلما كان يوم جلائها وأجلست على منصتها قامت على المنصة، فخرجت على نادي قومها كاشفة عن ساقها. فلما رآها مالك وثب فقال: أي عدوة الله، تخرجين على قومك كاشفة عن ساقيك، سوءة لك! فقالت: سوءة لك! فالذي يراد بي أقبح مما صنعت. إنه يذهب بي إلى غير زوجي فيصيبني! فارتاع مالك وقال: صدقت والله فهل فيك خير؟ قالت: ينبغي أن يكون الخير عندك. فلما ذهب بها لبس مالك لبسة النساء واشتمل على سيف صارم، ودخل مع النساء فانكمى في داخل البيت، فلما خرج النساء وخلا الفطيون مع المرأة خرج عليه مالك فضربه بالسيف حتى برد، وأخذ بيد أخته فخرج بها مع نسائها، وتصايحت يهود، وطلبوا مالكاً، فامتنع بقومه، ثم خرج هارباً ومعه عدة من الأوس والخزرج حتى قدموا على أبي جبيلة ملك غسان، فأعلموه غلبة يهود عليهم وفعلهم، فقدم أبو جبيلة بيثرب واتخذ

لخنيعة ينوف ذو شناتر الحميري

طعاماً ودعا إليه أشراف يهود والأوس والخزرج، فلما طعموا جعل يدفع إلى الرجل سيفاً فيضربان به، حتى قتل بهذا الفعل مائة من أشراف اليهود، فكان الرجل يقتل أخاه وابن عمه، ثم انصرف راجعاً إلى الشام، فقويت الأوس والخزرج عليهم. ومنهم: لخنيعة ينوف ذو شناتر الحميري وكان ملك اليمن، ولك يكن من أهل المملكة، وإنما كان ملكهم حين قتل موثبان أخاه، فاضرب أمرهم حتى ملكهم لخنيعة، وكان فاسقاً يعمل على قوم لوط، وكان يبعث إلى أبناء الملوك فيلوط بهم، وكانت حمير إذا ليط بالغلام لم تملكه ولا ترتفع به، وكانت له مشربة فيها كوة تشرف على حرسه، فإذا أتاه الغلام ينكحه قطعت مشافر ناقته وذنبها، ثم يطلع لخنيعة من الكوة وفي فيه مسواكه فهي علامة نكاحه إياه، فإذا نزل الغلام صاحوا به: أرطب أم يباس؟ فمكث كذلك زماناً حتى نشأ زرعة وهو ذو نواس، وكانت له ذؤابة فبها سمي ذو نواس، وهو الذي تهود وتسمى يوسف، وهو صاحب الأخدود بنجران، وكانوا نصارى فحرقهم وحرق الإنجيل، وهدم الكنائس على أن يهودوا، فبسببه غزت الحبشة اليمن، وذلك لأن الحبشة نصارى، فلما علت الحبشة على اليمن اعترض البحر فأقحمه فرسه فغرق. فلما نشأ زرعة هذا

قيل له: كأنك بالملك قد دعاك فيلعب بك كما لعب بغيرك! فاتخذ سكيناً رقيقاً فلما بعث إليه لخنيعة يدعوه عرف ما يريد، فجعل السكين بين أخمصه ونعله، وأتاه على ناقة له يقال لها سراب، فأناخها ثم صعد إليه، فلما صعد زرعة قام إليه كما كان يقوم لغيره، وذهب يعالجه، فانحنى زرعة وأخذ السكين فوجأ به بطنه ... بجرأتهم عليه، فأقبل الحيان شار ونهم إلى زيد بن مرت فقالوا: أنت سيدنا وأنت نديم الملك وجليسه، وقد آلى بما تعلم، ووالله لا يصل إلى إخواننا ومتا رجل حي، فسله فليصفح. فقال: إنه قد آلى، ولا يرجع عن آليته، فقالوا: فإن أبي فاقتله ونحن نملك علينا. قال: ى تعجلوا وأمهلوا حتى أرى لذلك موضعاً. فأمسكوا. قال: فبينا زيد جالس مع علقمة إذ جرى ذكر السيوف، فقال علقمة: عندي سيف كان لأجدادي إليه الميل. فقال له زيد: أبيت اللعن، ادع به لأنظر إليه. فدعا له، فنظر إليه علقمة ساعة ثم ناوله زيداً، فنظر إليه وإذا فيه مكتوب: "ضرس العير، سيف الجبر، باست امرئ وقع في يده لم

الصمة الأكبر

يغضب لقومه" فهزه ساعة ثم ضربه به فقتله، ووثبت همدان فألبسوه التاج وملكوه عليهم. وفي ذلك يقول شاعرهم: فيمَّم ضرسَ العير مفرق رأسه ... فخرَّ ولم يثبتْ لحقِّك باطله فلم أرَ يوماً كان أكثر باكياً ... غداة غدا ملْ بونِ تحدى رواحله وغادره يكبو لحرِّ جبينه ... وورِّث زيداً تاجه وحلائله ومنهم: الصمة الأكبر وهو مالك بن بكر بن علفة بن جداعة، أخو بني جشم بن معاوية بن بكر ابن هوزان، وكان غزا بني قيس بن حنظلة، من البراجم، فأسره الجعد بن الشماخ البرجمي وفض أصحابه، فمكث عنده عاماً لا يفدى، فلما طال ذلك عليه جعل يأتيه في كل رأس شهر بأفعى فيقول: والله لتفدين أو لأعضنها بك! فلما طال ذلك عليه قال: يا هذا إن قومي لا أراهم يفدونني، فجر ناصيتي على الثواب. ففعل وأطلقه. ثم إن الجعد أتاه يستثيبه، فقدمه فضرب عنقه، فأتى على ذلك ما شاء الله. ثم أن الصمة حضر الموسم، فاتفق الصمة وأبو مرحب ثعلبة بن حصبة بن أزنم بن ثعلبة بن يربوع، عند حرب بن أمية، فقدم إليهما سويقاً وتمراً، فجعل الصمة يأكل ويلقي النوى بين يدي ثعلبة، فقال: ويحك يا ثعلبة، أكلت التمر كله؛ أما ترى النوى بين يديك؟ فقال له ثعلبة: إني كنت ألقى النوى، وأنت تأكل التمر بنواه، فلذلك عظم بطنك. فقال الصمة: إنما عظم بطني

عدي بن زيد

دماء قومك ابن الجعد بن الشماخ. فقال أبو مرحب: ما فخرك برجل أسرك ومن عليك ثم أتاك مستثيباً فقتله؟ إن لله على أن لا أراك في غير هذا الموضع إلا قتلتك أو مت دونك! فافترقا. ثم إن الصمة غزا بني تميم فهزم أصحابه، وأسر هو وابنه معه وبعض أصحابه، أسره الحارث بن بيبة المجاشعي جد البعيت الشاعر. فقال الصمة للحارث بن بيبة: سر بي في بلادك حتى أفتدي أصحابي. وكانت الحجرة لبني رياح بن بربوع، إليها تجتمع بنو حنظلة في أمورها، فجاء الحارث مردفاً الصمة حتى إذا نزل رآه أبو مرحب، فدخل بيته واشتمل على السيف، ثم خرج والناس غافلون، فضرب به بطن الصمة فقتله، وصاح الحارث: يال دارم! قتل أسيري في يدي! فثارت يربوع ودارم، فكاد يقع القتال بينهم، فسفرت السفراء بينهم، وأرضي الحارث بن بيبة من الصمة فسكنوا. ومنهم: عدي بن زيد بن أيوب حمار العبادي الشاعر، أحد بني امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم، وكان كاتباً لكسرى على ما يجتني من الغور، وكان هو سبب ملك النعمان بن المنذر اللخمي. وكان لعدي بن زيد عدو من أهل الحيرة يقال له عدي بن مرينا. فلم يزل يلاطف النعمان حتى غلب على سمره ونزل منه أحسن منزلة، فجعل يبغي عدي بن زيد الغوائل، ويحمل النعمان عليه حتى وغر صدره، فكتب إلى

عروة الرحال بن عتبة

كسرى يستزيره متشوقاً إليه، فأذن كسرى لعدي في زيارته، فلما بلغ النعمان خروج عدي إليه أجلس له قوماً فأخذوه قبل أن يصل إليه، فمضوا به إلى الصنين فحبسه هناك، فقال عدي بن زيد شعره كله أو أكثره في الحبس. ثم إن أخاه كلم كسرى، فوجه رجلاً يخرجه من السجن. فلما أتاه الرجل بدأ بالسجن فدخله، ثم رجع إلى النعمان بكتاب كسرى في أمره، فوثب أعداؤه عليه حتى مات، وكتب إلى كسرى إنه مات قبل وصول كتاب الملك، وأوصى الرسول فستر أمر عدي، ووافق كتاب النعمان. ومنهم: عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب. وسبب قتله أن النعمان بن المنذر كان يوجه في كل موسم بعير تحمل التجارات تباع له في الموسم، فكان بلعاء بن قيس يعرض لها، فكان يجيرها له بعض أشراف العرب الأعزاء، فحضر عروة الرحال النعمان، وقد جهز عيره وجلس في فنائه وعنده وفود العرب، وحضر البراض الكتاني وكان خليعاً فاتكاً، فقال النعمان: من يجير هذه العير؟ فقال البراض: أنا أجيرها. فقال له عروة: أنت تجيرها على أهل الشيح والقيصوم؟ إنما أنت كالكلب

كعب بن عبد الله النمري

الخليع وكان البراض رث الهيئة ومعه سيف قد أكل غمده: أنت أضيق استاً من ذلك، ولكني أيها الملك أجيرها من الحيين. يريد قيساً وخندف. فقال البراض: أنت تجير على أهل تهامة؟ فلم يلتفت النعمان إلى قوله وازدراه ودفعها إلى عروة؛ فخرج بالعير، وخرج البراض في أثره حتى إذا كان ببعض الطريق أدركه البراض، فقدم أمام عيره وأخرج الأزلام يستقسم بها، فمر به عروة فقال: ما تصنع؟ فقال: أستخير في قتلك. فضحك ولم يره شيئاً. ثم سار عروة حتى انتهى إلى أهله دوين الجريب على ماء يقال له أوراة، فأنزل اللطيمة وسرحوا الظهر. وقد كان البراض يبتغي منه غرة فلم يقدر عليها حتى صادفه نصف النهار في ذلك اليوم، وهو نائم وحده من أدم، فدخل عليه فقتله ومضى. ومنهم: كعب بن عبد الله النمري وكان المنذر ذو القرنين بن ماء السماء دعا ذات يوم الناس فقال: من يهجو الحارث بن جبلة الغساني؟ فدعا حرملة بن عسلة الشيباني، فيمن دعا

وأم حرملة من غسان فقال: اهجه. فقال: لا ينطلق لساني بشمته. وأنشأ يقول: ألم ترَ أنِّي بلغت المشيبا ... وفي دار قوميَ عفّاً كسوبا وإن الإله تنصَّفته ... بأن لا أعقَّ وأن لا أحربا وأن لا أكافرَ ذا نعمةٍ ... وأن لا أخيِّبه مستثيبا

[كعب بن الأشرف]

ومنهم: [كعب بن الأشرف] الله صلى عليه وسلم بقريش يوم بدر خرج إلى مكة، فجعل يرى أهل القليب ويحرض قريشاً على الطلب بثأرهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لي بابن الأشرف؟ فقال محمد بن مسلمة، أخو بني عبد الأشهل: أنا لك به يا رسول الله، أنا أقتله إن شار الله تعالى. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فافعل إن قدرت على ذلك. فمكث أياما لا يأكل من الطعام إلا ما يعلق به نفسه. فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه فقال: لم تركت الطعام والشراب؟ فقال: يا رسول الله، قلت لك قولاً لا أدري أفي به أم لا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إنما عليك الجهد. قال: فإنه لا بد لنا أن نقول. فقال صلى الله عليه وسلم: قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل. فاجتمع على قتله محمد بن مسلمة، وسلكان بن سلامة بن وقش، وهو أبو نائلة، أحد بني عبد الأشهل، وكان أخاه من الرضاعة، وعباد بن بشر بن [وقش، والحرث بن أوس بن معاذ، وعبد الرحمن بن] جبر أخو بني حارثة، فاستأذنوا رسول الله صلى الله

عليه وسلم فأذن لهم، فمضوا حتى انتهوا إلى أطمة فتقدمهم أبو نائلة فهتف بكعب، وكان حديث عهد بعرس، فوثب في ملحفته، فأخذت امرأته بناحيتها وقالت: محارب، وإن صاحب الحرب لا ينزل في مثل هذه الساعة! فقال: إنه أوب نائلة، لو وجدني نائماً ما أيقظني. فقالت: والله إني لأعرف في صوته الشر! فقال كعب: لو يدعى الفتى لطعنة أجاب! فنزل فتحدث معه ساعة وقال له: هل لك يا ابن الأشرف في أن نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث بع بقية ليلتنا؟ فمشى وهو ينشد كلمته: ربَّ خالٍ ليَ لو أبصرته ... سبط المشيةِ أبَّاءٍ أنفْ وقد استخفى أصحابه بظل النخل، ثم قال له أبو نائلة: ويحك يا ابن الأشرف، إني جئتك لحاجة أذكرها لك، فاكتم علي، قال: أفعل. فقال: كان قدوم هذا لرجل علينا بلاء من البلاء، عادتنا العرب ورمونا عن قوس واحدة، وقطعت عنا السبل، حتى ذهب العيال، وجهدت الأنفس! فقال كعب: أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما كنت أقول لك! فقال سلكان: إني أردت أن تبيعنا طعاماً ونرهنك ونوثق لك ونحسن في ذلك. فقال: ترهنوني أبناءكم؟ فقال له سلكان: لقد أردت أن تفضحنا، إن معي أصحاباً لي على مثل رأي، وقد أردت بهم فتبيعهم وتحسن إليهم

أبو رافع سلام بن أبي الحقيق

في ذلك، ونرهنك من الحلقة مالك فيه وفاء. فقال كعب: إن في الحلقة لوفاء. ثم إن سلكان شام يده في فود رأسه ثم شم يده وقال: ما رأيت كالليلة طيب عطر قط! ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى إذا اطمأن عاد لمثلها، فأخذ بفودى رأسه ثم قال: اضربوا عدو الله، فاختلفت علي أسيافهم فلم تغن شيئاً. فأخذ محمد بن مسلمة مغولاً كان معه فوضعه في ثنته وتحتلم عليه حتى بلغ عانته. ومنهم: أبو رافع سلام بن أبي الحقيق وهو ممن حزب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما قتلت الأوس كعباً أرادت الخزرج أن تفعل مثل فعل الأوس، لأنهم كانوا يتبارون بأفعالهم في الجاهلية والإسلام، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم خمسة نفر لقتل أبي رافع، فخرج عبد الله بن عتيك، ومسعود بن سنان، وعبد الله ابن أنيس، وأبو قتادة الحارث بن ربعي، وخزاعي بن أسود حليف لهم من أسلم فخرجوا وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عتيك عليهم، ونهاهم أن يقتلوا وليداً أو امرأة. فخرجوا حتى أتوا دار أبي رافع ليلا، فلم يدعوا فيها

سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، وبشر بن البراء ابن معرور الأنصاري

بيتاً إلا أغلقوه على أهله، وكان في علية فصعدوا إليه حتى ناموا على بابه فاستأذنوا، فخرجت إليهم امرأته فقالت: من أنتم؟ قالوا: نفر من العرب نلتمس الميرة. قالت ذاك صاحبكم فادخلوا عليه. فلما دخلوا أغلقوا الباب عليها وعليهم؛ تخوفاً من أن يكون دونه مجاولة تحول بينهم وبينه، فصاحت امرأته فنوهت بهم، وابتدروه وهو على فراشه بأسيافهم، فما دلهم عليه في سواد البيت إلا بياضه، كأنه قبطية ملقاة، فضربوه بأسيافهم، وتحامل على عبد الله بن أنيس في بطنه بسيفه حتى أنفذه وهو قطني قطني! ثم رجعوا أدراجهم وقد قتلوه. ومنهم: سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، وبشر بن البراء ابن معرور الأنصاري وكانت زينب بنت الحارث اليهودية، امرأة يلام بن مشكم، أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر شاة مصلية، وقد سألت قبل ذلك: أي عضو في الشاة أحب إلى محمد؟ فقيل لها: الذراع. فأكثرت فيه من السم، ثم سمت سائر الشاة، ثم جاء بها حتى وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتناول عليه الصلاة والسلام الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء، وقد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلفظها،

رفاعة بن قيس الجشمي

ثم قال: إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم. ثم دعا بها فاعترفت، فقال: ما حملك على ذلك؟ فقالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقلت: إن كان ملكاً استرحت منه، وإن كان نبياً فسيخبر. فتجاوز عنها صلى الله عليه وسلم، ومات بشر من أكلته التي أكل. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي توفي فيه: "هذا أوان وجدت انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلتها مع أخيك". يقول ذلك لأم بشر أخت بشر بن البراء، ودخلت عليه تعوده. فإن كان المسلمون ليرون أن الله جمع لنبيه الشهادة، مع ما أكرمه به من النبوة، صلى الله عليه وسلم. ومنهم: رفاعة بن قيس الجشمي وكان يجمع قيساً لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجه عليه السلام إليه عبد الله بن أبي حدرد، ورجلين معه، فمكنوا له، ورماه ابن أبي حدرد فقتله وجاء برأسه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

أبو أزيهر بن أنيس بن الحبسي بن مالك بن سعد بن كعب ابن الحارث الأزدي

ومنهم: أبو أزيهر بن أنيس بن الحبسي بن مالك بن سعد بن كعب ابن الحارث الأزدي وكان أخواله من دوس فنسب إليهم، وكان حليفاً لأبي سفيان بن حرب وكان يقعد هو وأوب سفيان في أيامهما فيصلحان بين من حضر ذلك المكان الذي هما به، وكانت ابنته تحت أبي سفيان، ثم تزوج ابنة له أخرى الوليد بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وأخذ أبو أزيهر من الوليد المهر، فبلغه بعد أنه غليظ على النساء، فأمسكها ولم يرد المهر. وقال بعض: إنها أهديت إليه فقال الوليد لها ليلة أن دخل عليها: أنا أشرف أو أبوك؟ فقالت له: إن أبي سيد قومه، وفي قومك من يساويك ويفوقك. فغضب ولطمها على خدها فهربت ورجعت إلى أبيها، فأمسكها ولم يردها عليه. فلما حضرت الوليد الوفاة أوصى بنيه بأشياء قد كتبناه في "أخبار قريش"، منها دمه في خزاعة، وعقره عند أبي أزيهر. فلما مات الوليد وحضر الناس سوق ذي المجاز تغفل هشام بن الوليد أبا أزيهر فقتله، ويلغ أهل مكة فهاج المطيبون والأحلاف من قريش وكادوا يقتتلون. وبلغ ذلك أبا سفيان، وهو

المجذر بن ذياد البلوي

بذي المجاز، وكان داهياً يحب قومه، فقعد على فرسه حتى أتى مكة والناس متوافقون للحرب، ولواء المطيبين بيد يزيد بن أبي سفيان، فأخذ اللواء من يزيد فضرب به البيضة ضربة هده منها، وفرق الناس، وقال: إذا فرغنا من عدونا يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرنا في أمر أبي أزيهر ووديناه. فودوه مائتي ناقة. ومنهم: المجذر بن ذياد البلوي حليف بني عوف بن الخزرج وقيس بن زيد أخو بني ضبيعة بن زيد، اغتالهما الحارث بن [سويد، أخو] الجلاس

الأسود الكذاب بن كعب العنسي

الأنصاري، وكان منافقاً، وكان يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى منهما في الحرب غرة فقتلهما، ولحق بمكة كافراً. ومنهم: الأسود الكذاب بن كعب العنسي وهو ذو الحمار، وكان استنكح بصنعاء امرأة من الأبناء وهم أبناء الفرس الذين قدموا اليمن مع وهرز فقتلوا الحبشة وأن الأسود توعد الأبناء بأن يجليهم من اليمن أو يتركهم له بها خولا. فتحرز له فيروز بن الديلمي، وقيس بن هبيرة بن المكشوح المرادي، ودادويه رجل من الأبناء وكان فيروز يخبر أنه أتاهم رسول من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له يحنس ابن وبرة الأزدي، فأسلموا معه. وكانت المرأة التي استنكح العنسي قد أسلمت. قال فيروز: فجئتها فكلمتها في أمر الأسود وقلت لها: إنه قد أراد بقومك من الشر ما ترين: إما إجلاءهم عن بلادهم، وإما استعبادهم، فهل عندك إلى قتله حيلة أو سبيل؟ قالت: سأحتال له. فجاء الأسود، وفيروز عندها، فضربه ووجأ في عنقه وأخرجه. فبكت المرأة وقالت: أنتم يا معشر العرب تزعمون أنكم تحسنون إلى أصهاركم، وأنت تضرب أخي وتخرجه من بيتي. قال: وإنه لأخوك؟ قالت: نعم. قال: ما دريت، فابعثي له فليأتنا. فبعثت إليه: إنه قد

وسمع المسلمون أصواتاً بالليل فهالتهم، فقال [العلاء: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال عبد الله بن حذف] : أنا آتيكم بالخبر. ونزل من الحصن فأخذوه فسألوه، فانتسب لهم وجعل ينادي يا أبجراه! وكان في القوم، فجاء أبجر فعرفه فقال: ويلك، ما شأنك؟ أظنك بئس ابن أخت القوم الليلة لأخوالك! قال: فقد هلكت من الجوع. فأطعمه وسقاه وحمله على بعير وخلى سبيله، فرجع ابن حذف إلى أصحابه فأخبرهم أن القوم سكارى. فبيتهم العلاء فيمن معه من المسلمين من العرب والعجم، فقتلوهم قتلاً ذريعاً وانهزموا، وقام الحطم إلى فرسه ليركبه فلما وضع رجله في الركاب انقطع سير ركابه فقال: ألا أحد من قيس يعقلني؟ فمر به رجل من المسلمين وهو يستغيث فقال: أبو ضبيعة؟ قال: نعم. قال: أعطني رجلك أعقلك. فلما أعطاه رجله أخذها، ثم ضربه بالسيف حتى قتله. وقال قيس بن عاصم السعدي:

عمر بن الخطاب رضي الله عنه

لا توعدنَّا بمفروق وأسرته ... وإن تأتنا تلق منّا سنة الحطم ومنهم: عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان عمر رأى كأن ديكاً نقره أسفل من سرته نقرتين، فسأل عن رؤياه أسماء بنت عميس، فقالت: هذا رجل أعجمي يصيبك. فمضت أيام لذلك. ثم أن أبا لؤلؤة، وهو فيروز عبد المغيرة بن شعبة، لقيه وهو يمشي فقال: يا أمير المؤمنين، إن المغيرة قد جعل علي خراجاً كثيراً قال عمر: وكم هو؟ قال: درهمين في اليوم. قال: وما تعمل؟ قال: أجوف الأرحاء. قال: ما ذاك بكثير، ما في بلادنا أحد يعملها غيرك. فقال: المستعان بالله! ثم ولي وهو يهمهم. فقال عمر: ما يقول؟ قال: يزعم أنه يعمل لك رحى يتحدث بها العرب والعجم. قال عمر: ما يقول العبد، أتهدد، أم وعد، أم خوف؟ ثم مضى، فلم يلبث بعد ذلك إلا أياماَ حتى وثب على عمر وهو يسوي الصفوف لصلاة الفجر، وكان يتلفت يميناً وشمالا فإذا استوى الصف كبر، فطعنه بسكين له طرفان نصابه في وسطه، فوق العانة ودون السرة، طعنتين أو ثلاثاً. وكان على عمر ملاءة صفراء، فجمعها على بطنه وقال: حس! وكان أمر الله قدراًُ مقدوراً. وقدم عبد الرحمن بن عوف فصلى بالناس الفجر.

سالم بن دارة

وحكى عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: إني لأسير بين مكة والمدينة في سحر ليلة مقمرة، إذ سمعت قائلا يقول: ليبكِ على الإسلام من كان باكياً ... فقد أوشكوا هلكاً وما قدم العهد وقد ولَّت الدنيا وأدبر خيرها ... وقد ملَّها من كان يؤمن بالوعد وطلب الرجل فلم يوجد. فقلت: إني لخائفة أن يكون هذا لحدث! فلم يكن إلا أياماً حتى قتل عمر رضي الله عنه. ومنهم: سالم بن دارة أحد بني عبد الله بن غطفان، وكان هجا رجلاً من بني فزارة يقال له زميل بن وبير، وهو ابن أم دينار، فقال في قصيدة له طويلة: آلي ابنُ دارةَ جهداً لا يصالحكم ... حتى ينيكَ زميلٌ أمَّ دينارِ ثم إن ابن دارة لقي بعد ذلك زميلاً بالداءة فقال: يا زميل، ألا تفعل بأمك حتى أصالح قومي؟! فقال له زميل: معذرة إلى الله ثم إليك، إنه ليس معي ولا في رحلي إلا مخيط أشد به على وكائي. ثم لقيه مرة أخرى بشراف، فقال له

أيضاً مثل قولته الأولى: حتى أصالح عشيرتي. فقال له: معذرة إلى الله ثم إليك، إنه ليس معي إلا سكين أصلح به حذائي. ثم إن زميلاً قدم المدينة بعد ذلك بزمان فقضى حوائجه، حتى إذا صدر عن الشقرة سمع رجلاً يتغنى بقوله: ملكتُ بها الإدلاجَ حتَّى بدا لها ... مع الصُّبح من أشباع ركن يلملم وقد أوغلت في السَّير حتَّى كأنما ... يكسَّر قيض بينهنَّ وحنتم فعرف زميل صوت سالم، فأقبل إليه فضربه ضربتين، ثم عقر بعيره، فحمل سالم إلى عثمان بن عفان، فدفعه إلى طبيب نصراني حتى إذا برأ ووعت كلومه دخل النصراني، وإذا سالم يشامع امرأته، فاحتقنها عليه، فقال له النصراني: إني لأرى عظماً ناتئاً، فهل لك أن أجعل عليه دواء حتى يسقط؟ قال: نعم فافعل. فسمه فمات. ويقال إن أم البنين بنت عيينة بن حصن الفزاري، وكانت عند عثمان بن عفان رضي الله عنه، جعلت للطبيب جعلاً حتى سمه فمات. فذلك قول الكميت بن ثعلبة: فلا تكثروا فيها الضِّجاجَ فإنّه ... محا السيفُ ما قال ابن دارةَ أجمعا

الزبير بن العوام رضي الله عنه

ومنهم: الزبير بن العوام رضي الله عنه وسبب ذلك أنه لما انصرف عن حرب الجمل عندما ذكره علي بن أبي طالب رضي الله عنه، استجار النعر بن الزمام المجاشعي، فأتى آيٍ الأحنف بن قيس فقال: هذا الوبير قد مر آنفاً! قال الأحنف: ما أصنع به، جمع فئتين من المسلمين فقتل بعضهم بعضاً. ثم لحق بقومه. فنهض عمرو بن جرموز، وفضالة بن حابس، ونفيع بن كعب بن عمير، فلحقوه بوادي السباع، فكر عليهم الزبير حين رآهم، فانهزموا عنه، والحق الزبير ابن جرموز فلما رهقه قال: الله الله أبا عبد الله! فرجع عنه، ومضى الزبير وانصرف عنه فضالة ونفيع، ولزمه عمرو بن حرموز، فسايره في ليلة مقمرة، فعطف عليه الزبير فقال: أنشدك الله يا أبا عبد الله! فكف عنه وسايره، وأغفى الزبير على فرسه فطعنه فأذراه عنه، فقال الزبير: قاتله الله، يذكر بالله وينساه! ومات. فقالت عاتكة أخت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي: غدر ابنُ جرموزٍ بفارسِ بهمةٍ ... يومَ اللِّقاء وكان غيرَ معرِّدِ يا عمرو لو نبَّهته لوجدته ... لا طائشاً رعشَ الجنان ولا اليدِ هبلتكَ أمُّك إنْ قتلتَ لمسلماً ... حلَّت عليك عقوبةُ المتعمِّدِ

مالك بن الحارث الأشتر

وجاء ابن جرموز بسيف الزبير إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال: أخبروه أني قاتل الزبير. فقال علي: بشر قاتل ابن صفية بالنار! وأخذ السيف منه وقال: سيف طالما فرج الغمامة عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكان ابن جرموز يدعو لأمر الدنيا، فقيل له: لو دعوت لأمر آخرتك. فقال: قد يئست من الجنة منذ قتلت الزبير! ومنهم: مالك بن الحارث الأشتر وكان أتى علياً رضي الله عنه بن عباس البصرة، وعبيد الله اليمن، وقثم مكة، فقال له: وليت بني عمك فلم قتلنا الشيخ يعني عثمان رضي الله عنه إنما قتلناه حين آثر أهل بيته بالولاية! فتقاولا فأغلط كل واحد منهما لصاحبه، فدخل بينهما عبد الله بن جعفر، وكان علي له مكرما، فانصرف الأشتر مغاضباً، فترك إتيان علي رضي الله عنه حتى قتل أهل مصر محمد بن أبي بكر رضي الله عنه، وكان عامل علي عليها، فلما بلغه قتله قال لعبد الله بن جعفر: من ترى لمصر؟ فقال: الأشتر، هم قومه، وجهه، فإن هلك هلك، وإن ملك ملك. فبعث إلى الأشتر فولاه مصر، فأخذ على طريق الحجاز إليها، وبلغ ذلك معوية، فكتب إلى الجانسار، دهقان القلزم، يأمره باغتيال الأشتر وبضع عنه خراجه. فلما نزل به الأشتر أكرمه، وكان الأشتر يحب السمك فأمجده منه، وجعل الأشتر يأكل السمك أكل متق، وكان الغالب عليه البلغم. فقال له: أيها الرجل، لا تهب السمك؛ فإن

علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه

عندي دواءه، قال: وما هو؟ قال: العسل. فأكل ثم قال له: هات العسل. فجدح له فيه سماً فقتله. فلما بلغ معاوية قتله قام خطيباً فقال: يا أهل الشام، إن علياً كانت له يدان، إحداهما عمار بن ياسر، والأخرى الأشتر، فقطعهما الله تعالى. ومنهم: علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه كان سبب ذلك أن عبد الرحمن بن ملحم التجوبي وعداده في مراد، والبرك بن عبد الله التميمي وهو صاحب معاوية، وعمرو بن بكير التميمي، وهو صاحب عمرو بن العاص اجتمعوا جميعاً بمكة فتذاكروا أهل النهروان فترحموا عليهم وقالوا: والله ما نعبأ بالبقاء في الدنيا شيئاً بعد إخواننا الذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، وكانوا مصابيح الهدى. ثم ذكروا الناس فعابوا عليهم أفعالهم، وقالوا: [لو] أنا شرينا أنفسنا لله، والتسمنا غرة هؤلاء الأئمة الضلال فثأرنا بهم إخواننا، وأرحنا منهم العباد. فقال عبد الرحمن: أنا لكم لعلي، وقال البرك: أنا لكم لمعاوية، وقال عمرو بن بكير: أنا لكم لعمرو بن العاص. فتعاهدوا على ذلك وتواثقوا لا ينكص رجل منهم عن صاحبه الذي سماه حتى يقتله أو يموت دونه. فاتعدوا في شهر رمضان ليلة سبع ثم افترقوا على

ذلك، وتوجه كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه، وكان علي رضي الله عنه قد ضجر من أهل الكوفة، وكان كثيراً ما يدعو عليهم، وكان كثيراً ما ينشد إذا آذوه: خلُّوا سبيل العير يأتِ أهله ... سوفَ ترون فعلكم وفعله وكان كثيراً ما يقول: لا شيءَ إلاَّ الله فارفع ظنَّكا ... يكفيك ربُّ الناس ما أهمَّكما وكان يقول أيضاً: خلُّوا سبيل الجاهدِ المجاهدِ ... أبيتُ أنْ أعبدَ غيرَ الوحد وكان يقول: فأيَّ يوميَّ من الموتِ أفرّْ ... أيومَ لم يقدرَ أم يومَ قدرْ وكان يقول: ما يحبس أشقاها، أما والله لعهد إلى النبي الأمي صلى الله عليه وسلم أن هذه تخضب من هذه ينعي لحيته من هامته وكان يقول: اشدد حيازيمك للموت ... فإنَّ الموت آتيكا ولا تجزعْ من الموتِ ... إذا حلَّ بواديكا فلما كانت الليلة التي اتعدوا لها، وكانت ليلة الجمعة، بان ابن ملجم في مسجد الجامعة بجانب الأشعث بن قيس الكندي، وكان علي رضي الله عنه رأى في تلك الليلة رؤيا فخبر بها أبا عبد الرحمن السلمي وهو مجروح فذكر أبو عبد الرحمن وكامن مؤدب الحسن والحسين رضي الله عنهما، قال: دخلت عليه وهو مجروح فقال: ادن مني يا أبا عبد الرحمن والنساء يبكين فدنوت منه فقال لي: بت الليلة أوقظ أهلي، فملكتني عيني وأنا جالس، فسنح لي رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقلت: يا رسول الله، ما لقيت من أمتك من الأود واللدد؟! فقال: ادع عليه. فقلت: اللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم، وأبدلهم بي من هو شر مني! ودخل ابن التياح المؤذن على ذلك، فقال: الصلاة. فأخذت بيده، فمشى ابن التياح بين يدي وأنا خلفه. (ورجع الحديث) . قال: فقال الأشعث لابن ملجم: فضحك الصبح! فانطلق ابن ملجم، وشبيب بن بجرة الأشجعي وخرج علي من منازلته وهو يقول أيها الناس الصلاة، أيها الناس الصلاة! فضربه ابن ملجم ضربة من جبهته إلى قرنه، وأصاب السيف الحائط فثلم فيه، ثم ألقى السيف وأقبل الناس وجعل يقول: أيها الناس، إياكم والسيف فإنه مسموم!! فذكروا أنه سمه شهراً. فأدخل علي رضي الله عنه، وأدخل ابن ملجم عليه فقالت أم كلثوم بنت علي: أقتلت يا عدو الله أمير المؤمنين؟! قال: لم أقتل إلا أباك. فقالت والله إني لأرجو أن لا يكون علي أمير المؤمنين بائس. قال: فلما تبكين إذاً، والله لقد سمعته شهرا، فإن أخلفني فأبعده الله وأسحقه! ثم إن علياً رحمه الله قال: أطيبوا طعامه، وألينوا فراشه، فإن أعش فعفو أو قصاص، وإن أمت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين. وذكروا أن ابن ملجم خطب امرأة من الرباب، يقال لها"قطام" وكانت من أجمل الناس، وكانت خارجية، وكان علي قتل أهل بيتها بالنهروان، فقالت: لا أتزوجك إلا على ثلاثة آلاف، وقتل علي بن أبي طالب بعد ذلك تزوجها وبني بها، فلما فرغ منها قالت: يا هذا، إنك قد فرغت فاقرع! فخرج فضرب علياً.

خارجة بن حذافة العدوي

وقال بعض الشعراء: فلم أر مهراً ساقهُ ذو سماحةٍ ... كمهر قطامٍ من فصيحٍ وأعجمِ ثلاثةُ آلافٍ وعبدٌ وقينةٌ ... وضرب عليٍّ بالحسام المصمِّمِ قلا مهر أغلى من عليٍّ وإن غلا ... ولا قتلَ إلا دون قتلِ ابن ملجم وأما صاحب معوية فطعن معاوية وقد خرج لصلاة الفجر في تلك الليلة في أليته، فلم يولد لمعوية بعدها حتى مات. وبذلك السبب جعلت المقصورة في المسجد الجامع. ومنهم: خارجة بن حذافة العدوي وكان قاضي مصر، وكان له صلاح وصحبة، فخرج صاحب عمرو بن العاص فوجد خارجة في مجلس عمرو يعشي الناس، وقد كان عمرو شغل تلك الليلة، فدنا منه وهو يظنه عمراً، وهو على سرير عمرو جالساً، فضربه من ورائه بالسيف على عاتقه، فأخذ الرجل، وخرج عمرو، وحمل خارجة إلى منزله مثخناً، فأتاه عمرو فقال له خارجة: والله ما أراد غيرك فقال عمرو بن العاص: "ولكن الله أراد خارجة! ".

خالد بن المعمر السدوسي

ومنهم: خالد بن المعمر السدوسي وكان معاوية دس إليه بالعراق أن يدعو ربيعة إلى الوثوب بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأن ينقض عليه أمره، فإن هو فعل ولاه خراسان. ففعل ذلك خالد بن المعمر حتى آذت ربيعة علياً وشنعوا عليه. وبلغ ذلك معاوية، فلما قتل علي رضي الله عنه أحب معاوية الوفاء لخالد بن المعمر. وقال بعض شعراء بني سدوس: معاويَ أكرمْ خالدَ بن المعمَّرِ ... فإنَّك لولا خالدٌ لم تؤمَّرِ فكتب إليه معاوية بعهده على خراسان، ودس إليه رجلاً فسقاه شربة بظهر الكوفة بقصر بني مقاتل، فقتلته وقد أجمع الناس على معاوية. ومنهم: الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما ذكره يعقوب بن الدورقي. قال: أخبرنا أسعد بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: دخلت على الحسن بن علي رضي الله عنهما، أنا ورجل، فقال لصاحبي: أي فلان، سلني. قال: ما أنا بسائلك شيئاَ. ثم قام من عندنا فدخل كفيفاً له ثم خرج فقال: أي فلان، سلني قبل أن لا تسألني؛ فإني والله لقد لفظت طائفة

سعيد بن عثمان بن عفان

من كبدي، قبلتها بعود كان معي، وإني قد سقيت السم مراراً فلم أسق مثل هذا قط، فسلني! قال: ما أنا بسائلك شيئاً، يعافيك الله إن شاء الله! ثم خرجنا فأتيته الغد وهو يسوق، وجاء الحسين فقعد عند رأسه فقال: أي أخي، نبئني من سقاك؟ فقال: لم؟ لتقتله؟ قال: نعم. قال: ما أنا بمحدثك شيئاً. إن يكن صاحبي الذي أظن، فالله أشد نقمة، وإلا فوالله لا يقتل بي بريء! ومنهم: سعيد بن عثمان بن عفان وكان بلغ معاوية أن أهل المدينة يقولون، إماؤهم وعبيدهم، مقالة قد شاعت على أفواههم: والله لا ينالها يزيدُ ... حتى يعضُّ هامهُ الحديدُ إنّ الأمير بعدهُ سعيدُ وكانت أم سعيد أم عبد الله بنت الوليد بن الوليد بن المغيرة، وكانت قاتلت عن عثمان يوم قتل، وأصابتها جراحة؛ وأعانتها نائلة بنت الفرافصة على المدافعة عنه، فجرحتا جميعاً. فلما بلغ معاوية هذا القول عن سرعان أهل المدينة، كتب إلى سعيد بن عثمان فقدم عليه، فلما دخل عليه قال: ما شيء بلغني أن أهل المدينة يقولون:

والله لا ينالها يزيد وأنشده الأبيات الثلاثة فقال سعيد: وما تنكر هذا يا معوية؟ والله إن بي لخير من أبي يزيد، ولأنا خير من يزيد. ومع هذا أنا وليناك فما عزلناك، ورفعناك فما وضعناك، ثم صارت هذه الأشياء في يدك فحلأتنا عن جميع ذلك. قال معاوية: أما قولك يا ابن أخي: إن أبي خير من أبي يزيد، فقد صدقت رحم أمير المؤمنين عثمان، هو والله كان خيراً مني. وأما قولك: إن أمي خير من أم يزيد، فصدقت، لعمري لامرأة من قريش خير من امرأة من كلب، وبحسب امرأة أن تكون من صالحي نساء قومها. وأما قولك: إني خير من يزيد، فوالله يا ابن أخي ما يسرني أن حبلاً مد فيما بين العراق فنظم لي فيه أمثالك بيزيد! ولكن انطلق فقد وليتك خراسان. وكتب له إلى زياد: أن وله ثغرها، وأقم معه على الخراج رجلاً حازماً يحصنه ويحفظه على أمير المؤمنين. فضرب زياد البعث على أهل السجون والشطار وكل من يلوذ به من أهل المصر من داعر وما أشبهه، فصاروا أربعة آلاف؛ وولي أسلم بن زرعة الكلابي على الخراج، ومضى سعيد حتى

نزل مرو، وفوز منها يريد سمرقند، فلما انتهى إلى نهر بلخ دعا بالعامات ليعبر عليها. فلما تحملوا وجازوا كان أول ما سمعه من النداء نداء مناد من غلمان العسكر: يا ظفر! فتفاءل بالظفر. ثم نادى آخر: يا علوان! فقال: علا أمركم إن شاء الله. وبدر الناس رفيع أبو العالية الرياحي الفقيه، فصلى ركعتين، فكان أول من صلى ركعتين من وراء النهر. ونفذ الناس حتى انتهى إلى بخارى والملكة يومئذ ببخارى يقال لها "خنك خاتون" فصالحها معلوماً على أمن تخلي له لا طريق إلى سمرقند، وأخذ منها رهناً على الوفاء ثلاثين غلاماً من أبناء الملوك مرداً كأن وجوههم السيوف، وسهلت له الطريق، والتقى هو وخاتون فقرفهما أهل خراسان، وغنوا عليهما أغنية بالخراسانية، وهي: كور خمير آمذ خاتون دروغ كنده فمضى إلى سمرقند فظفر وقتل وسبى ثلاثين ألف رأس، ثم رجع فلما انتهى إلى بخارى قالت له الملكة "خنك خاتون": أردد عليَّ الرهون فقد سلمك الله. فقال: إني أخاف غدرك حتى أقطع النهر. فلما قطع النهر بعثت إليه أرددهم. قال: حتى أنزل مرو. فمضى بهم ولم يرددهم عليها. ومضى قافلاً إلى المدينة،

عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي

فجعل أولئك الرهن فلاحين في نخل له وحرث بالمدينة، فأتاهم يوماً يتعهد ماله فاغتالوه فقتلوه، وجؤوه بخناجرهم. وبلغ الخبر أهل المدينة فساروا إليهم فحصروهم في جبل هناك، ولم يقدموا على حربهم حتى ماتوا في ذلك الجبل عطشاً. فجعلت ابنة سعيد جارية لها يقال لها "مردانة" في رحالة فقالت: من يبكي أبي ببيتين شعرهما في نفسي فله هذه الجارية بما عليها. فقال في ذلك الشعراء فلم يصنعوا شيئاً، فقال خليد عينين العبدي: يا عينُ أذري دمعةً ... وأبكي الشَّهيدَ ابنَ الشَّهيد فلقد قتلتَ بغرّةٍ ... وجلبتَ حتفك من بعيدْ فلما قالهما قالت: إن هذان اللذان كانا في نفسي. وأعتطه الجارية برحالتها. ومنهم: عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي ذكر الكلبي عن خالد بن يزيد عن أبيه [أن] معاوية قال لأهل الشام لما أراد البيعة ليزيد: إن أمير المؤمنين قد كبرت سنه، ودنا من أجله، وقد أراد أن يولي الأمر رجلاً من بعده فماذا ترون؟ فقالوا: عليك بعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وكان فاضلاً فسكت معاوية وأضمرها في نفسه. ثم إن

شيبان بن عبد شمس بن شهاب

عبد الرحمن اشتكى، فدعا معاوية ابن أثال الطبيب، وكان من عظماء الروم، فقال: ائت عبد الرحمن فانعت له. فأتاه فسقاه شربة انحرف منها عبد الرحمن ومات. فقال معاوية حين بلغه موته: لا جد إلا ما أنفض عنك ما تكره. ثم إن كعب بن جعيل التغلبي وكان صديقاً لعبد الرحمن بن خالد دخل على معاوية فقال له: قد كنت صديقاً لعبد الرحمن بن خالد فما الذي قلت فيه؟ قال: قلت: ألا تبكي وما ظلمت قريشٌ ... بإعوال البكاء على فتاها ولو سئلتْ دمشقُ وأهلُ حمصٍ ... وبصرى من أتاح لكم قراها فسيفُ الله أدخلها المنايا ... وهدَّم حصنها وحمى حماها وأسكنها معاويةَ بن حربٍ ... وكانت أرضه أرضاً سواها ومنهم: شيبان بن عبد شمس بن شهاب أحد بني ربيعة بن كعب بن سعد، وكان صاحب شرطة عبيد الله بن زياد بن أبيه، وكان عبيد الله يكثر القتل في الخوارج، فأقبل شيبان منصرفاً إلى منزله معه ثمانية بنين له، فعرض له ناس من الخوارج فقالوا: لنا حاجة. فقال: أضع ثيابي وأخرج لكم. فدخل وألقى ثيابه وألقى بنوه سلاحهم، ثم خرج فناوله بعضهم كتاباً فجعل ينظر فيه، ووثبوا عليه فقتلوه، وخرج بنوه حسراً

عباد بن علقمة، المعروف بابن أخضر المازني

فقتلوهم، فخرج إليهم بشر بن عتبة أخو بني ربيعة بن كعب، فقتلهم جميعاً. فقال الفرزدق: لعمركَ ما ليثٌ بخفّانَ خادرٌ ... بأشجعَ من بشر بن عتبة مقدما أباءَ شبيانَ النُّؤورَ وقد رأى ... بني فاتكٍ هابوا الوشيجَ المقوَّما ومنهم: عباد بن علقمة، المعروف بابن أخضر المازني وهو الذي قتل أبا بلال مرداس بن أدية بالأهواز. فأقبل عباد من الجمعة، يريد منزله، حتى إذا كان في بني كليب خرج عليه أحد عشر رجلاً من السكة التي تنحر مسجدهم، فقام تسعة منهم في السكة ودنا منه رجلان فقالا: قف أيها الشيخ نكلمك. فوقف لهما فدنوا منه فقال أحدهما: إن هذا أخي قد ظلمني حقي وغصبني مالي فليس يدفعه إلي. فقال عباد: استعد عليه. فقال: إنه أوجه عند السلطان مني. فقال عباد: خذ حقك منه إن قدرت عليه. فقالا جميعاً: الله أكبر، قضيت على نفسك. ثم ابتدراه بسيفيهما، وخرج عليه التسعة الذين كانوا في السكة وأخذوا بلجامه فقتلوه وحكموا، وتنادى الناس، وبلغ الخبر بني مازن، فأقبل معبد أخوه، فلما انتهى إلى الخوارج وهم في السك وعليهم السلاح وعلى جميع من معه من بني مازن قال للشرطة: خلوا عنا ومن ثأرنا. وقال لأصحابه: انزلوا إليهم فاقتلوهم رجالة في مثل حالهم. فنزلوا فاقتتلوا، فقتلوا الخوارج إلا رجلا أفلت في الزحام. فقال الفرزدق:

مسعود بن عمرو العتكي الذي يقال له "قمر العراق"

لقد طلبت بالذَّحل غير ذميمة ... إذا ذمَّ طلّاب الذحول الأخاضرُ لقد جرَّدوا الأسيافَ يوم ابنِ أخضرٍ ... فنالوا التي لا فوقها نالَ ثائرُ أقادوا به أسداً لها في اقتحامها ... على الغمرات في الحروب بصائرُ ومنهم: مسعود بن عمرو العتكي الذي يقال له "قمر العراق" وكان سبب قتله أن عامل البصرة كان استشاره في نافع بن الأزرق، وعطية ابن الأسود، الخارجين، وكان بالبصرة، فأشار عليهما فحبسهما وكانا من رؤوس الأزارقة، فحقدت الأزارقة ذلك عليه فدسوا له من قتله، ولا يعرف قاتله. ويقال: إنه لما مات يزيد بن معاوية، وفتن أهل البصرة، وهرب عبيد الله ابن زياد، رأست اليمن وربيعة عليها مسعوداً، فأقبل مسعود وعليه فباء ديباج أصفر، مولع بسواد في الأزد وربيعة، ورأست تميم عليها عبساً أخا كهم السعدي، فأقبل مسعود قاصداً إلى المسجد الجامع، فصعد المنبر فجعل يأمر بالسنة وينهى عن الفتنة، وغفل الناس عن السجن وفيه الخوارج الذين حبسهم ابن زياد، فجاءهم أولياؤهم حتى أخرجوهم من السجن، وكان أكثرهم من بني تميم فدخلوا المسجد فاغتالوه وهو غافل، فقتلوه ومضوا من وجههم إلى الأهواز، فقال سوار بن حيان المنقري:

محمد بن عبد الله بن خازم السلمي

ألم يكنْ في قتلِ مسعودٍ غيرْ ... جاءَ يزيد أمره فما أمر نحن ضربنا مسعودٍ فخرّْ ... ولم يوسَّدْ خدُّه حيث انقعرْ فأصبح العبد المزونيُّ عثرْ ... حتى رأى الموت قريباً قد حضر فطمَّهم بحرُ تميم إذ زخرْ ... وقيسِ عيلان ببحرٍ فانفجر من حولهم فما دروا أين المفرّْ ... حتى علا السيلُ عليهم فغمرْ وقال نافع بن الأزرق: فتكنا بمسعودٍ بن عمرو لقيلهِ ... لبيبةَ لا تخرجْ من السجن نافعا ولا تخرجنْ منه عطيَّة وابنه ... فخضنا له شوباً من السّمِّ ناقعا وكانت له في الأزدِ حالٌ عظيمة ... وكان لما يهوى من الأمر مانعا فقالت تميمٌ نحن أصحاب ثأره ... ولن ينتهوا حتى يعضُّوا الأصابعا ويصلوا بجرب الأزد والأزدُ جمرةٌ ... متى يصلوها يصبح الأمر جاشعا فقل لتميمٍ ما أرتم بكذبة ... تكون لها الأوطان منكم بلاقعا ومنهم: محمد بن عبد الله بن خازم السلمي وكان عبد الله بن خازم ولي ابنه محمداً هراة، وجعل معه شماس بن زياد العطاردي على أمره وقفان حاله وقال لابنه: لا تقطع أمراً دون شماس.

عبد الله بن بشار بن أبي عقب الشاعر

وقد كان ابن عم لشماس قتل في الحرب الني كانت بين ابن خازم وبين بني تميم، فشرب يوماً شماس، فلما أخذت فيه الشراب ذكر ابن عمه ذلك فقال: لا أرى ابن السوداء قتل ابن عمي وهو حي يتنعم بيننا. فاغتال محمد بن عبد الله ابن خازم فقتله، ثم خرج من بني تميم، حتى انتهى إلى مرو، وبها عبد الله بن خازم. ومنهم: عبد الله بن بشار بن أبي عقب الشاعر وكان رضيع الحسين بن علي بن أبي طالب، وكان يجالس عبيد الله بن الحر الجعفي فيخبر بما خبره عن علي رضي الله عنه، وهو صاحب أشعار الملاحم. وكان يقول: إن الحسين رضي الله عنه قال لي: إنك تقتل، يقتلك عبيد الله ابن زياد بالجازر. وقال ابن الحر: إن ابن أبي عقب كان يخبرني عن الحسين رضي الله عنه أشياء يكذبها عليه، ويزعم أن ابن زياد يقتله. فأتاه عبيد الله بن الحر ليلاً مشتملاً على السيف، فناداه فخرج إليه، فقال: ابلغ معي إلى حاجة لي. فخرج معه ابن أبي عقب، فلما برز إلى السبخة ضربه بالسيف حتى مات.

مروان بن الحكم بن أبي العاص

ومنهم: مروان بن الحكم بن أبي العاص وكان خطب حية بنت هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وهي أم خالد بن يزيد بن معاوية فقال لها خالد: لا تزوجيه فإنه إنما يريد أن بضع منى. فأبت وتزوجته، فتكلم يوماً خالد ومروان حاضر، فقال هل مروان: اسكت يا ابن الرحيبة! فارتج عليه وخجل. وبلغ الخبر أم خالد، فلما انصرف إليها قالت: قد بلغني ما كلمك به الفاسق. قال خالد: قد قال لي شيئاً هو أعلم به مني. قالت: أما والله ليعلمن، فأحب أن لا يرى في وجهك غضباً. قال: مرفقة فألقتها على وجهه، ثم اضطجعت عليها، فلم تفارقه حتى لفظ عصبه. ومنهم: قبيصة بن القين الهاللي وكان سببه أن المغيرة بن شعبة أتى برجلين من الخوارج فحبسهما، وكتب إلى معاوية في أمرهما، وكان المغيرة يتقي الدماء، وكان أحد الرجلين من بني تميم والآخر من محارب، فكتب معاوية إلى المغيرة: إن شهدا أني أمير المؤمنين فخل سبيلهما، وإن أبيا ذلك فاقتلهما. فجاء بنو تميم فشهدوا على صاحبهم بالجنون فخلى سبيله. ثم دعا بالمحاربي، وكان يقال له معين وقبيصة بن القين جالس عند المغيرة فقال لمعين: أتشهد أن معاوية أمير المؤمنين؟ قال: أشهد أن بني تميم أكثر من محارب! فقام قبيصة بن القين فقال: أصلح الله الأمير،

أسقني دمه. قال: اضرب عنقه. فضرب قبيصة عنق معين الخارجي. فمضى المغيرة، وولي بعده زياد بن أبيه، وبعده عبيد الله بن زياد، ثم خالد ابن أسيد، ثم الضحاك بن قيس الفهري، ثم عبد الرحمن بن أم الحكم، ثم النعمان بن بشير إلى أن ولي بشر بن مروان بن الحكم، فأكرم هذا الحي من قيس وكانوا أخواله ثم بني عامر خاصة، وأكرم قبيصة بن القين الهلالي، فتقدم رجل من عمان يرى رأي الخوارج فدخل مسجد الكوفة، فأتى حلقة فيها قبيصة بن القين في صدر المجلس، فقال النعماني ليفهم: من هذا؟ فقال: قبيصة بن القين خال الأمير. قال: ما أعرفه. فقال الرجل المسئول: هذا قاتل معين الخارجي المحاربي! فأقبل على الذي يليه فسأله كما سأل الأول، فقال له مثل قول صاحبه، حتى سأل أربعة نفر، فاتفقوا على قول واحد، فلما اجتمعوا على منطق واحد انطلق إلى الصياقلة، وفي كمه نفيقة له، فطلب سيفاً صارماً، فأتى بسيف من البيض، فإذا هو شديد المتن فاشتراه وكانت الأمراء تعشي عند العصر فلا تفرغ إلا عند احمرار الشمس. فخرج قبيصة بن القين من عند بشر، فعرض له العماني فقال: أصلحك الله، إني رجل غريب ظلمني عاملي ولا أحد لي، وقد أخبرت بمكانك من الأمير. فقال: هي! وطولها وهو يسير رويداً، والعماني يتلفت يريد الخلوة من الطريق، وقبيصة يسير رويداً حتى انتهى إلى دار السمط بن مسلم، إلى زقاق يأخذ إلى بني دهن من بجيلة، فخلا له الطريق فطرح بته وقال: لا حكم إلا الله، يا ثارات معين! ثم ضربه

بجير بن الورقاء السعدي

ضربة أطن منها فخذه، ثم ولي العماني وأقبل الناس إليه، فنادى قبيصة: إنه لا بأس علي، أدركوا الرجل. فلما سمع العماني قوله: "لا بأس علي" رجع على الناس فصاح بهم: أفرجوا. ففرجوا له وضربه حتى قتله، ومضى العماني فطلب فلم يوجد. فذكروا أنه خرج بعد ذلك مع شبيب بن يزيد الشيباني، وكان بشر أخذ بالعماني يومئذ البريء والسقيم. فلما دخل شبيب الكوفة والحجاج أمير العراق جعل المعاني يصيح: يا أهل الكوفة، يا فسقة، تأخذون البريء بالسقيم، أنا قاتل قبيصة بن القين! ومنهم: بجير بن الورقاء السعدي وكان عبد الملك استعمل أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص على خراسان حيث اجتمع الناس عليه. فولى أمية بجير شرطه، وولى بكير ابن وشاح السعدي أيضاً ساقته، فغدر بكير بن وشاح بأمية بن عبد الله وقد عبر أمية بن نهر بلخ يريد سمرقند، فعمد بكير فحرق المعابر ورجع إلى مرو فغلب عليها وجعل يجبيها، فرجع أمية فلم يجد ما يعبر عليه، فمضى إلى الترمذ ليعبر من هناك، وحاصر بكيراً، ثم أعطاه الأمان، ففتح له مدينة مرو.

نجدة بن عامر الحنفي

ومنهم: نجدة بن عامر الحنفي وكان رئيس الخوارج، فوجدوا عليه بأنه ظفر ببنت عمرو بن عثمان بن عفان فردها إلى قريش. وفي أنه أمر لمالك بن مسمع، وكان هرب إليه من مصعب، بمائة ناقة. وأعطى عبيد الله بن زياد بن ظبيان، أحد بني تيم الله بن ثعلبة بن عكابة وكان هرب إليه أيضاً مثل ذلك. فرأسوا عليهم أبا فدبك، وخلعوا نجدة، فجلس في منزله وخلاهم. ثم إن أصحاب أبي فديك تذامروا بينهم قالوا: لا نأمن أصحاب نجدة أن يغاوروه لقد نجدة كان فيهم. فاغتالوه حتى قتلوه في منزله. ومنهم: أبو هاشم عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب وكان من رجال قريش، وأنه وفد إلى سليمان بن عبد الملك، ومعه عدة من الشيعة، وكان من أشد أهل زمانه عارضة وأبينهم بياناً، فلما كلمه سليمان عجب منه وقال: ما كلمت قرشياً قط يشبه هذا، ما أظنه إلا الذي كنا نحدث عنه! وأحسن جائزته وجوائز من معه، وقضى حوائجه وحوائجهم، ثم شخص يريد فلسطين، فبعث سليمان قوماً إلى بلاد لخم وجذام، فضربوا أبنية، بين كل بناءين ميل وأكثر من ميل، ومعهم اللبن المسموم، فلما مر بهم أبو هاشم وهو على بغلة له قالوا: يا أبا عبد الله، هل لك في الشراب؟ فقال: جزيتم خيراً.

عمرو بن عبد العزيز بن مروان رضي الله تعالى عنه

ثم مر بآخرين فعزموا عليه أيضاً، ففعل ذلك مراراً حتى مر بقوم أيضاً فعزموا عليه فقال: هلموا. فلما شرب واستقر في جوفه اللبن قال: يا هؤلاء، أنا والله ميت فانظروا هؤلاء القوم من هم. فنظروا فإذا القوم قد قوضوا أبنيتهم وذهبوا، فقال: ميلوا بي إلى ابن عمي محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وما أظنني مدركه. فأغذوا به السير حتى أتوا كداداً من الشراة وبها محمد بن علي بالحميمة، فنزل عنده ومات بها. ومنهم: عمرو بن عبد العزيز بن مروان رضي الله تعالى عنه وكان أراد أن يجعل الخلافة في بني هاشم، فكتب إلى الآفاق ليأتيه فقهاؤهم فيشاوروه، وجعل يرد المظالم وينصف من بني أمية، حتى أسرع ذلك في ضياعهم. وكان بنو مروان يعظمون أم البنين بنت الحكم بن أبي العاص ذكر محمد ابن الحسين قال: أخبرنا نوفل بن الفرات قال: كانت أم البنين إذا دخلت على خلفاء بني أمية نزلت على أبواب مجالسهم، فلما ولي عمر بن عبد العزيز دخلت عليه فتلقاها وأنزلها، فلما جلست جعل يكلمها ويقول: يا عمة، أما رأيت الحرس مازحاً أي إنه لا حرس لي. فلما رأى أنها لا تكلمه قال: يا عمة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض والناس على نهر مورود، فولي بعده رجل قبض ولم يستقض منه شيئاً، ثم ولي رجل آخر قبض ولم

يستقضِ منه شيئاً، ثم ولى رجل آخر كرى فيه ساقية، ثم كربت السَّواقي حتى جفَّ ماؤه وذهب، وإن قدرت لأعيدنّ ذلك النهر إلى مجراه. قال: فقلت: فلا يسبوا عندك أهل بيته. قال: زمن يسبهم؟ إنما هو الرجل يرفع المظلمة، فآمر بردها. ومن غير حديث ابن معين قال: فلما رأى ذلك بنو مروان دسُّوا حاضنه وأعطوه ألف دينار على أن يسمه. ففعل. فلما أحس عمر من نفسه دعا الخادم فسأله فأقر، فقال له: كم أعطيت؟ قال: ألف دينار. فأخذها عمر منه فطرحها في بيت المال وقال للخادم: أنج لا تقتل. فمضى الخادم، ومات عمر. وذكر ابن أبي شيخ، أن مجاهداً دخل على عمر في مرضه، فقال له: ما يقول الناس يا مجاهد؟ قال: يقولون إنك مسحور. فقال: لست مسحوراً ولكني مسموم، سمَّني غلامي هذا. ثم قال له: ما حملك على ما فعلت؟ قال: جعل لي عتقي وألف دينار. قال: هات الألف. فأخذها فجعلها في بيت المال، وقال اذهب فأنت حر.

عمر بن يزيد بن عمر الأسيدي

ومنهم: عمر بن يزيد بن عمر الأسيدي وكان يلي البصرة مرة، ويليها مالك بن المنذر بن الجارود مرة، وكان صديقاً لمالك، فدخل بينهما رجل من بني كريز فأفسد ذلك، فولى مالك بن المنذر فحبس الفرزدق وادعى عليه أنه هجا نهر المبارك، وكتب إلى خالد ابن عبد الله القسري وهو عامل العراق يحمله على عمر بن يزيد، فكتب إليه خالد يأمره بحبسه، فبعث إليه في داره: ثم دس إليه من لوى عنقه فقتله. فلما كان الغد حمل على دابة، وركب وراءه رجل يمسك ظهره، فجعل رأس عمر يتذبذب، فجاء الذي وراءه عنقه ويقول: أقم رأسك فإنك نجاث! وأدخل فلما أصبحوا من غد قالوا: مصَّ خاتمه وفيه سمٌّ ومات. وكان الفرزدق محبوساً في غير السجن الذي كان فيه عمر فاتى الفرزدق ابنه لبطه فقال: أنا علمت أن عمر بن يزيد مصَّ خاتمه فوجدوه ميتاً؟ فقال له

قتادة بن سابة بن ثابت بن معبد

الفرزدق: وأعلم أن ذلك معمول وأنه قتل، وأبوك، والله، إن لم يلحق واسط سيمصُّ خاتمه! ومنهم: قتادة بن سابة بن ثابت بن معبد أخو بني ى أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان، وكان أصاب دماً في بني شريك، فمشت السفراء حتى صلح الأمر، فمشوا بذلك ما شاء الله. ثم إن حريث بن أسود بن شريك ومولى له يقال له يقظان لقيا قتادة بالبصرة وقد أسلم خفين له إلى إسكاف، فجعلا للإسكاف جعلاً على أن يحبس خفيه إلى الليل، ففعل ذلك وقال لقتادة: ائتني صلاة للغرب حتى أعطيك خفَّيك: فلما جاء ليأخذها وقد كمنا له شداً عليه فقتلاه، وهاج بينهما الناس فصاحا: إنما نحن ثائران! فأحجم الناس عنهما فنجيا. وقال حريث في قتله: فقلت له صبراً حريثُ فإنَّنا ... كذلك نجزى قرضَكم آلَ مرثدِ قتادةُ يعلو رهطه وعلوتُه ... بأبيض من ماءِ الحديد مهنَّد

عمرو بن محمد الثقفي

ومنهم: عمرو بن محمد الثقفي وكان عاملاً على السند، فوجه إليه منصور بن جمهور الكلبيّ وكان منصور بن جمهور افتعل عهداً فولى العراق، وهو الذي يقول له الناس: "منصور ابن جمهور، أمير غير مأمور" وذلك في فتنة مروان بن محمد فوجه إلى عمرو بن محمد بن القاسم الثقفي، وكان عامل مروان، رجلاً من أهل الشام يقال [له] فلان ابن عمران يأخذ عمراً بالحساب، فحبسه ودسّ إليه من قتله فأصبح ميتاً وأشاع أنه قتل نفسه من خوف المحاسبة. ومنهم: منظور بن جمهور، أخو منصور وكان منصور ضم إلى أخيه منظور رجلاً من أهل الشام من الأهل اليمن يقال له رفاعة بن ثابت بن نعيم، فكان للغالب على أمر منظور، وكان يسامره وينادمه. فلما ضبط أبو مسلم خراسان وجه على السند رجلاً من بكر بن وائل، يقال له معلي، فبلغ ذلك رقاعة بن ثابت. وأن معلساً قد دنا من السند، فقعد هو ومنظور ووصيفٌ لمنظور يشربون، فلما أخذ فيهم الشراب نام منظور ووصيفه، وخرج رفاعة فأتى منزله وجاء بسيفه وبمولى له معه، وأخذ سكة فرسه، وأتى خائطاً يفضى إلى درجة الغرفة التي منظور ووصيفه فيها، فنقبه هو ومولاه حتى أفضيا

عبد الله بن عمر بن عبد العزيز

إلى الدرجة، فصعدا إلى السطح فإذا منظور ووصيفه نائمان، فقتل منظوراً وجاء على الوصيف ليقتله فانتبه الوصيف حين وجد مسَّ الحديد، فقال: يا منظور، تسامرني من أول الليل وتقتلني من آخره؟! وهو يظنه منظوراً، فأجهز عليه. وقال لوصيف لمنظور: افعل ما آمرك به وإلا قتلتك. فقال: مرني بما شئت. فقال: ادع لي صاحب الحرس على لسام مولاك وكان رجلاً من بني أسد فأشرف الغلام وقال: الأمير يدعوك فلما أطلع رأسه قام رفاعة ومولاه فقتلاه، وجعل يقتل الرجل من الوجوه هكذا، حتى ثمانية نفر. قال الشاعر: يا رفاعَ بن ثابت بن نعيمٍ ... ما جزيتَ الإحسانَ بالإحسان ولقد أتلفت يمينك خرقاً ... أريحيا وفارسَ الفرسانِ فأدال الملكُ منك فقد أصْ ... بحتَ في كف ثأر حرانِ وظفر منصور برفاعة فقتله: ومنهم: عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وكان عامل مروان على العراق قبل ابن هبيرة، فغلبت الخوارج على الكوفة ثم مضوا إلى واسط فحصروه بها، وكان رئيس الخوارج الضحاك بن قيس الشيباني، فلما طال حصاره بعث إليه عبد اله بن عمر: إني عاملك فامض إلى مروان فقاتله فإن ظفرت به أو قتلته فأنا عاملك وداعٍ لك. فمضى الضحاك فقتله مروان. وولى يزيد بن عمر بن هبيرة على العراق. فقتل الخوارج. وبعث إليه بعبد الله بن عمر فحبسه بحران. ثم دسَّ إليه قوماً فوضعوا على وجهه مرفقته فأصبح في السجن ميتاً.

الإمام إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس

ومنهم: الإمام إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وكان نصر بن سيار كتب إلى مروان يعلمه بخروج أب يسلم وكثرة تبعه وأنه يخاف أن يستولي على خراسان. وأن الدعوة لإبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله. فألقى الكتاب إلى مروان، وقد أتى إبراهيم رسول أبي سلم بكتاب. فسأل إبراهيم الرسول: ممن هو؟ قال: من العرل. فردوا جواب كتاب أبي سلم يبلغه فيه أن ترك المواثبة لجديع الكرماني ونصر بن سيار ويأمره فيه ألا يدع بخراسان عربياً إلا قتله. فانطلق الرجل إلى مروان بالكتاب فوضعه في يده، فكتب مروان إلى معاوية بن الوليد ب عبد الملك وهو عامله على دمشق أن اكتب إلى عامل البلقاء فليسر إلى كداد والحميمة، فليأخذ إبراهيم بن محمد فليشَّده وثاقاً وليبعث به إليه مع خيل كثيفة، ثم وجه به إلى أمير المؤمنين. قال: فأتى وهو جالس في مسجد القرية، فأخذ فلف رأسه وحمل فأدخل على مروان، فأنبه وشتمه، فاشتد لسان إبراهيم عليه وقال: يا أمير المؤمنين، ما أظن ما يروى الناس عليك إلا حقاًّ، في بعض بني هاشم، ومالي ومات تصف؟

أبو سلمة حفص بن سليمان

فقال له مروان: أدركك الله بأعمالك الخبيثة، فان الله لا يأخذ على أول ذنب؛ اذهبا به إلى السجن. فحبسه أياماً، ثم قوماً فدخلوا إلى السجن بعد ما مر صدرٌ من الليل، فغم إبراهيم في جراب نورة، وغمَّ عبد الله بن عمر بم عبد العزيز بمرفقةٍ، فأصبحا ميتين في غداة واحدة. رحمهما الله تعالى. ومنهم: أبو سلمة حفص بن سليمان مولى بني مسلية، وكان يقال له وزير آل محمد. وكان أبو سلمة لما استتب الأمر واستقامت خراسان والجبال وفارس وجه أبو سلمة للعمال في السهل والجبل، ثم أقام أبو سلمة نحواً من أربعين يوماً لا يظهر أمر أبي العباس، وأبو جعفر وعبد الله وإسماعيل وعيسى وداود بنو علىٍ قد قدموا من الشام، فأنزلهم أبو سلمة دار الوليد بن سعيد في بني أود. وكان القواد الذين قدموا من خراسان يقولون لأبي سلمة: أين الإمام؟ فيقول: لا تعجلوا. وكان أبو سلمة يدبرها لبني فاطمة رضي الله عنها، فجعل يريثهم ويقول: نعم اليوم، غداً! حتى خرج أبو حميد، وهو يريد الكناسة، فلقي مولّى لهم أسود قد كان يعرفه حيث كان يأتي إبراهيم بالشام. فلما رآه احتضنه وقال: ويلك، ما فعل الإمام ومواليك؟ قال: هم ها هنا والله مذْ أكثر من شهرين.

قال: وأين هم؟ قال: في دار الوليد بن سعيد في بني أود. قال: فانطلق فأرينهم. فخرج الأسود بين يديه وأبو حميد يتبعه في موكبه حتى دخل فقال: السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله. ثم أرسل عينيه بالبكاء وقال: ما لكم هاهنا؟ قالوا: أبو سلمة هاهنا منذ شهرين. فقال: يا أمير المؤمنين، منذ شهرين أركب. فحمله وأهل بيته ثم أقبل بهم إلى المسجد، وعلم أبو سلمة ما وقع فيه فقال: إنما أخرت أمر كم لإحكام ما أريد منه. ثم إن أبا العباس تنكر لأبي سلمة، فلما هموا به كرهوا الإقدام عليه دون مشاورة أبي مسلم، فكتب إليه يعلمه بغشه وما أراد من صرف الأمر إلى غيره وما يتخوف منه. فكتب أبو مسلم إلى أبي العباس: فليقتله أمير المؤمنين. فقال له داود بن علي: لا تفعل يا أمير المؤمنين فيحتج عليك أبو مسلم وأهل خراسان الذين معك، وحاله عندهم حاله، ولكن اكتب إلى أبي مسلم أن يبعث إليه من يقتله. فكتب إليه بذلك، فوجه أبو مسلم مرار بن أنس الضبي، فقدم على أبي العباس فأعلمه قدومه. وكان أبو سلمة يسمر عند ا [ي العباس، فجاء مرار الضبيُّ فجلس على باب أبي العباس، فلما خرج أبو سلمة وتنحى عن الباب شدَّ عليه فقتله. فما أصبح لمن على باب الخليفة، وذكروا فسقه وغشه وغدره، فقال سليمان ابن المهاجر البجلىّ: إنّ الوزير وزيرَ آل محمد ... أودى فمن يشناك كان وزيراً

عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب

ومنهم: عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وكان عبد الله خرج بالكوفة في ولاية عبد الله بن عمر بن عبد العزيز على العراق فقاتله فهزمه، فسار إلى المدائن فتبعه بها قومٌ فساروا إلى حلوان فأخذ الجبال ودعا لنفسه، ثم مضى إلى أصبهان فأقام بها، ثم سار إلى إصطخر فجبي كور فارس، وضرب دراهم عليها: "قلْ لا أسألكم عليه أجراً إلا المودةَ في القربى". فلما قدم يزيد بن عمر بن هبيرة عاملاً على العراق بعد عبد الله بن عمر وجه إليه ابن ضبارة فهزمه إلى سجستان، ثم صار إلى هراة وقد استتب أمر خراسان لأبي مسلم، وأخذوا أخويه الحسن ويزيد ابني معاوية، فاعتقل في الحبس ثم وجد ميتاً فيه. ومنهم: يزيد بن عمر بن هبيرة الفزارى أمير العراق لمروان بن محمد وكان أبو جعفر المنصور حاصره بواسط، ومعه حميد والحسن ابنا قحطبة، ومالك بن الهيثم الخزاعى، فطلب الأمان، فكتب إلى أبي العباس بذلك فأعطاه الأمان على نقسه وقراباته وحاشيته وفؤاده، مكث كتاب الأمان يقرأ على الفقهاء أكثر من أربعين يوماً حتى أكد، وأراد

أبو جعفر الوفاء به، وأن داود بن علي ولي الحجاز وصحب مقدمته أبو حماد فأخذ أبو جماد رجلاً فقال له: أين تريد؟ قال: العراق. قال: ممن أنت؟ قال: من موالي بني هاشم. ففتشه فلم يجد معه كتاباً، فقدمه ليضرب عنقه، فقال: لا تعجل وفتق قباءً محشواً، فأخرج منه حريرة فيها كتاب من محمد بن عبد الله بن الحسن، جواب كتاب ابن هبيرة، كتب إليه: "لا تعجل بالخروج، وما طلهم حتى يستتب أمرنا؛ فقد ذكرت أن قبلك من فرسان العرب ثلاثين ألفاً. فدافع القوم بتأكيد الأمان". فرفع الرجل والحريرة إلى داود، فقتل الرجل وبعث الحريرة إلى أبي العباس، فكتب أبو العباس إلى أبي جعفر بأمره بقتله، فراجعه أبو جعفر وأراد الوفاء له فكتب إليه: "إن أنت فعلت، وإلاَّ أمرتُ على عسكرك الحسنَ ابن قحطبة". وقد كان أبو جعفر أحرز الخزائن والأموال، وجعل ابن هبيرة يركب غباً إلى أبي جعفر في قواد أهل الشام، فلما همّ بذلك بعث خازم بن خزيمة النهلشي، والهيثم بن شعبة، والأغلب بن سالم، وكلٌّ من بني تميم، في جماعة أصحابهم، فدخلوا رحبة القصر وأرسلوا إلى أبى هبيرة: "إنا نريد أن ننظر إلى الخزائن ونحمل ما فيها" فأذن لهم فدخلوا وطافوا ساعة وجعلوا يخلفون عند باب جماعة من أصحابهم، ثم انصرفوا إليه فقالوا: أرسل معنا من يدلنا على المواضع التي فيها الخزائن وبيت الأموال، فقال: أول ليس قد ختمتم

علي وعثمان، ابنا جديع الكرماني الأزدي

عليها وأحرزتموها؟! يا أبا عثمان يريد كاتبه اذهب معهم فادللهم على الذي يريدون، أو أرسل معهم. فأرسل معهم، فطاف خازمٌ وأصحابه في القصر، ثم أقبل على ابن هبيرة وعليه قميص مصري، وملاءة مؤزرة، وهو مسند ظهره إني حائط المسجد، وبنيه صبح غلام صغير في حجره، فقتلوا داود ابنه وكاتبه وحاجبه وأربعة من مواليه، ثم مشوا نحوه فخر ساجداً وقال: نحُّوا عَّني هذا الصبي. فقتلوه وهو ساجدٌ. وبعث أبو جعفر إلى قواده وهم لا يعلمون بأمر ابن هبيرة، فلما أدخلوا الرواق كتفوا ودفعوا إلى القواد فقتلوهم في منازلهم. ومنهم: عليّ وعثمان، ابنا جديع الكرماني الأزديّ وكانا سارا إلى أبي مسلم بعد قتل نصر بن سيلر أباهما غيلة وغدراً، فناصحا أبا مسلم وأحسنا معونته، حتى إذا استقامت خراسان دعا أبو مسلم عليا فقال له: سم لي أصحابك فقد نصحت وأحسنت وقضيت ما عليم، وبقى ما علينا. فسماهم له، فولى عثمان أخاه طخارستان، ففرق عنه فرسانه ثم قال له: أحضر لي أصحابك لأجيزهم. فقال لهم عليّ: اغدوا على جوائز أبي مسلم. فغدوا وغدا، فأدخلوا داراً فأعطوا فيها الجوائز، ثم قيل: ادخلوا فتشكروا لأبي مسلم فلما خرجوا أدخلوا داراً أخرى قُمطوا وأخذت الجوائز منهم فقتلوا، وكتب إلى أبي داود الذُّهلى،

عبد الله بن علي عبد الله بن العباس

وهو خالد بن إبراهيم: "لا يغلبنك عثمان بن الكرماني". فاتخذ طعاماً، وبعث إليه فأتاه في قواده ووجوه فرسانه وكان أبو داود عاملاً على ماوراء النهر. فلما أتوه وحضر الطعام أخذوا فضربت أعناقهم، ثم ركب إلى عسكرهم فقتل فيه تسعمائة رجل، وتتبع من كان أبو مسلم ولاه منهم فقتله. ومنهم: عبد الله بن علي عبد الله بن العباس وكان عبد الله لما بلغه موت أبي العباس خلع أبا جعفر ودعا إلى نفسه وكان أبو جعفر حاجاً، وثار بن موسى بن محمد بن علي، فأحرز الخزائن وضبط الأمر حتى قدم أبو جعفر، فوجه أبا مسلم لحربه، فحاربه فهزمه، فلجأ إلى أخيه سليمان بن علي، وهو عامل على البصرة، فأخذ له الأمان المؤكد. ثم إن أبا جعفر دفعه عيسى بن موسى فكان محبوساً عنده، فجعل يرفه عنه ويشتري له الجارية بعد الجارية. ولما خرج محمد بن عبد الله بن الحين بالمدينة أمر عيسى بن موسى بالخروج إليه، وأن يدفعه إلى أبي الأزهر عبد الملك بن عبيثر المهرى، فجاء به حتى أدخله بيتاً في قصر أبي جعفر، وخرج أبو جعفر إلى أوانا، وسقط البيت على عبد الله ابن علي، رحمه الله.

أبو مسلم صاحب المدينة

ومنهم: أبو مسلم صاحب المدينة وكان أبو جعفر وجهه أبو العباس في ثلاثين من وجوه قريش والعرب إلى خراسان زائراً أبا مسلم، فرأى منهم استخفافاً احتقنها أبو جعفر عليه، وكان إذا كتب إليه بدأ بنفسه قبله. فكان أبو جعفر يقول لأبي العباس كثيراً: إنه لا ملك لك وأبو مسلم حيّ، فتغدَّه قبل أن يتعشى بك! وكان أبو العباس بأبي ذلك لقدره في أهل خراسان. فلما أفضى الأمر إلى أبي جعفر وكان أبو مسلم حاجا فقدم ووجهه أبو جعفر فحارب عبد الله بن علي واستباح عسكره، ثم وجه أبو جعفر إلى أبي مسلم يقطين ابن موسى لقبض ما صار في يد أبي مسلم من عسكر عبد الله، فغضب أبو مسلم وقال: لا يوثق بي في هذا القدر! وشتم شتماً قبيحاً. ومضى من الأنبار يريد خراسان مخالفاً، ومضى أبو جعفر إلى المدائن فنزل الرومية. وقد كان قيل لأبي مسلم: إنك تقتل بالروم. فوجه أبو جعفر إلى أبي مسلم جرير بن يزيد ابن درير بن عبد الله البجلي، وكان أرجل أهل زمانه. وكتب معه فلم يلتفت إلى كتابه فلم يزل جريرٌ يفتل أبا مسلم في الذروة والغارب حتى أقبل إلى أبي جعفر، فلما قدم أمر القواد والناس أن يتلقوه، ثم أذن له فدخل على دابته وعانقه وأكرمه وقال: كدت تخرج قبل أن أفضى إليك ما أريد قال:

يا أمير المؤمنين، قد أتيتك فمر بأمرك. قال: انصرف إلى منزلك فضع ثيابك، وادخل الحمام يذهب عنك كلال السفر. فجعل أبو جعفر ينتظر به الفرص، فمكث به أياماً يأتي أبا جعفر كلَّ يوم فيريه من الإكرام أكثر مما أراه قبل ذلك، ويتزيد في القرب واللطف، حتى إذا مضت له أيامٌ أقبل على التجني عليه، فأتى أبو مسلم عيسى بن موسى فقال: اركب معي يا أمير المؤمنين، فإني أريد عقابه بحضرتك. فقال له: تقدم حتى آتيك. فقال: إني أخافه. فقال له عيسى: أنت في ذمتي. وأقبل أبو مسلم فقيل له: ادخل. فدخل حتى إذا صار إلى الرواق قيل: أمير المؤمنين يتوضأ، فلو جلست؟ فجلس وأبطأ عيسى عليه، وقد هيأ أبو جعفر عثمان بن نهيك العكيّ وهو على حرسه في عدةٍ فيهم شبيب بن واج، وأبو حنيفة، وتقدم إلى عثمان فقال: إذا عاتبته فعلا صوتي فلا تحرَّكوا، فإذا صفقت بيدي فدونك يا عثمان! وقد صيَّر عثمان وأصحابه في رواقٍ خلف أبي جعفر، ثم قيل لأبي مسلم: قد جلس أمير المؤمنين فقم. فقام ليدخل فقيل له: انزع سلفك. فقال: ما كان يصنع هذا بي. قالوا: وما عليك؟ فنزع سيفه وعليه قباءٌ أسود على جبة خزٍ بنفسجية، فدخل فسلم وجلس على وسادةٍ ليس في المجلس غيرها، وخلف ظهره القوم، فقال: يا أمير المؤمنين صنع بي ما لم يصنع بأحد، نزع سيفي من عنقي قال: ومن فعل ذلك بك قبحه الله؟! ثم أقبل يعاتبه: فعلت وفعلتَ. فقال أبو مسلم: ليس يقال هذا لي بعد بلائي وما كان مني! فقال: يا ابن الخبيثة

معن بن زائدة الشيباني

لو كانت أمة مكانك لأجزأت ناحيتها. إنما ما عملت في دولتنا، ألست الكاتب إلىَّ تبدأ بنفسك، والكاتب غلىَّ تخطب أمينة بنت علي بن عبد الله بن العباس، وتزعم أنك ابن سليط بن عبد الله بن العباس؟ لقد ارتقيت لا أمَّ لك مرتقى صعباً وهو يفرك بيديه فلما رأى أبو مسلم عينيه قال: يا أمير المؤمنين لا تدخل على نفسك؛ فإن قدري أصغ من أن يبلغ هذا منك. ثم صفق بيديه، فيضربه به عثمان ضربة خفيفة، فأخذ برجل أبي جعفر وقال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين! فدفعه برجله وضربه شبيب بن واجٍ ضربةً على حب العاتق، فأسرعت فيه، فصاح: وا نفساه! ألا قوة، ألا مغيث؟! وخرج القوم فاعتوروه بأسيافهم، ولحق بأنِّه الهاوية. ومنهم: معن بن زائدة الشَّيباني وكان أبو جعفر ولاه اليمن، فلما صار إلى الكوفة بعث إلى محمد بن سهل، راوية شعر الكميت بن زيد، فأتهه فقال: أنشدني قصيدة الكميت التي يدعو فيها ربيعة إلى قطع حلفها مع اليمن. وهي: ألم تلممِ على الطَّلل المحيلِ فأنشده إياها حتى أتى عليها، وأمر بعمامةٍ فلويت ومدت بين رجلين، ثم قام معنٌ فضربها بالسيف فقطعها، وقال: أشهدوا أني قد قطعت حلف اليمن وربيعة كما قطعت هذه العمامة.

عقبة بن سالم الهنائي

ثم سار إلى اليمن فأوعث فيها، فلما ولى سجستان ابتنى بها داراً، فدخل عليه قومٌ متشبهة بالفعلة وهو معترٌ قد احتجم، فمالوا عليه فقتلوه. ومنهم: عقبة بن سالم الهنائي وكان أبو جعفر ولاه البحرين، فجعل يبارى معناً بالقتل حتى أثخن في ربيعة، فلما كان زمان المهدي تبعه رجل فاغتاله وهو راكب، فوجأه وجاة بخنجر مسموم فوقع في منطقته حتى وصل إلى جوفه، فأخذ فأتى به المهدي فسأله ممن هو؟ فلم يجبه من هو ولا من أي البلدان هو. فسأله: أين كان يأوي وأين كان يطعم؟ فقال: كنا آوى المساجد، وأطعم في سوق البقالين. فقتله المهدي. فيه تضرب العامة المثل: "أخسر من قاتل عقبة! ". ومنهم: الربيع بن يونس الحاجب وكان هو أهدى إلى موسى الهادي أمة العزيز، فوقعت منه بالموقع الذي لم يقع أحد عنده مثله، فبلغه أن الربيع يقول: ما خلوت بامرأةٍ أطيب خلوةً

إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب

أمة العزيز. فدعاه فتغذى معه وقال له: اشرب على غذائك أقداحاً. وأمر صاحب شرابه فجدح له في قدحه سما، فلما صار في جوفه انصرف فمات من تحت ليلته. ومنهم: إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وكان خرج على موسى الهادي [هو] والحسن والحسين ابنا عليّ بن الحسن بن الحسن، فقتلا بفخ، وانضم إدريس إلى أهل المغرب، فحملوه إلى بلادهم واشتملوا عليه وأعظموه وأمروه عليهم فلما ولي هارون الرشيد وولى هرثمة إفريقية دسَّ هرثمة رجلاً من أهل المدينة لإدريس، وجعل له بقتله مائة ألف درهم، فقدم المدني عليه فأنس به إدريس وجعل يسأله عن أهله فيخبره بمعرفة حتى غلب عليه ووثق به، وجعل يهتبل الفرصة ويضع الخيل في القرى فيما بينه وبين إفريقية. وإن إدريس اشتهى سمكاً طرياً فقال له المدني: أنا حسن العلاج فيه. فعالجه وسمه ثم خرج يريد حاجة، ودعا إدريس بالسمك، فلما أكله واستقر في جوفه ركب، فجعل يركب من قرية إلى قرية ويحلف ما تحته حتى وصل

الفضل بن سهل

إلى إفريقية، وكانت جاريته حاملاً فولدت غلاماً فسمي إدريس بن إدريس. ومنهم: الفضل بن سهل وزير عبد الله المأمون. وكان قد ضيق على المأمون، وحال بينه وبين كثير من لذاته، وكان أخذ عليه ألاَّ ينظر في قصة أحدٍ، حتى صار كالوصيِّ الحاجر عليه، فدسَّ المأمون غالباً الروميَّ مولاه فدخل عليه الحمام فقتله فيه ومضي، فأتى به المأمون فقتله. وقتل بسبب الفضل على بن أبي سعد، وعبد العزيز بن عمران الطائي، وخلف المصري، ومؤنس البصري. ومنهم: إسحاق بن موسى الهادي وقد كانت الحربية اشتملت عليه وأمرته، والمأمون بخراسان، حين خرج

حميد بن عبد الحميد الطوسي

إبراهيم بن المهدي، فاستولى على الأمر، فدس إليه المأمون ابنه وخادماً له فقتلاه، ثم أقاد به ابنه وقتل الخادم بالسياط. ومنهم: حميد بن عبد الحميد الطوسي وكان حميد كثيراً ما يقول: ما للمأمون عندي يدٌ، إنما الأيادي عندي لأبي محمد الحسن بن سهل! فيرفع إليه. وإنه دعاه المأمون يوماً فأتاه وعنده أحمد بن أبي خالد الحول. وكان الذي بين حميد وبين أحمد بن أبي خالد سيِّئاً. فلما قربت المائدة أجلس المأمون ابن أبي خالد معه على المائدة، فساء ذلك حميداً فقال له: يا أمير المؤمنين، لا أماتني الله حتى يريني الدنيا عليم سهلة حتى نرى أيُّنا أنفع لك. فقال له ابن أبي خالد: يا أمير المؤمنين، إنما يتمنى ملكك والفتنة. فقام المأمون عن المائدة ولم يتم غداءه واحتقنها عليه. وإنه لما أراد المأمون الخروج للبناء ببوران ابنة الحسن بن سهل قال لحميد: يا أبا غانم، قد أذنت لك في الحج. فانصرف حميد مسروراً، فدعا قهارمته فأمرهم بآلات السفر، ثم أتاه جبريل بن بختيشوع فقال: يا أبا غانم طرِّ بدنك فإني أرجو أن تأتي بكل جارية معك حاملاً. وكان حميد مغرماً بالنكاح، حللاً وغيره، فسقاه شربة، وكان عنده متطبِّب يقال له عبد الله الطَّيفوري، فلما رأى الشَّربة قال لجبريل: أبو غانم اليوم قد ضعف عن هذه. فقال له جبريل: قد نسيت اليوم! وعرف الطّيفوريُّ قصة الشَّربة فلم يكشف له أمرها، فلما شربها أخلفَتْه مائتي مرة، وجعل

عبد الله بن موسى الهادي

الطَّيفوريُّ يطفئها حتى تماثل قليلاً. ثم أقام بعد ذلك فشكا إليه ما أصابه من الشَّربة، فقال له: ادخل الساعة الحمام. فدخل من ساعته الحمام فانتقضت به. فمسكت مبطوناً شهر رمضان كله، ومات ليلة الفطر سنة عشر وكائتين. فجبرني ألو عصام وكان صديقاً أن الطَّيفوريَّ كان يطيف بقبر حميد ويقول: يا حميد، قد نهيتك عن البشرية فعصيتني! ومنهم: عبد الله بن موسى الهادي وكان قد عضَّل بالمأمون مما يعربد عليه إذا شرب معه، فأمر به فجعل حبسه في منزله، وأقعد على بابه حرساً. ثم إنه تذمم من ذلك فأظهر له الرضاء وصرف الحرس عن بابه، وما كان عبد الله مغرماً بالصيد، فدس إلى خادم من خدمه يقال له حسين فسقاه سماً في درَّاج وهو بموسى باد، فدعا عبد الله بالعشاء فأتاه حسين بذلك، فلما أحس به ركب في الليل وقال لأصحابه: هو آخر ما تروني: وقد أكل معه من الدُّرَّاج خادمان: فأما أحدهما فمات، وأما الآخر فضني حتى مات، ومات عبد الله بعد أيام.

أحمد بن علي بن هارون الرشيد

ومنهم: أحمد بن علي بن هارون الرشيد وكان له غلام يقال له نفيس وكان قد غلب عليه، وأن نفيساً وأربعة ن غلمانه أجمعوا على قتل احمد، وكان بين أحمد وبين عياله ثلاثة أبواب كلها تغلق دونهم، وأن أحمد أمر بإغلاق الأبواب عند القيلولة كما كان يفعل، فدخل عليه نفيس بمشملٍ وهو نائم. فضربه ضربتين إحداهما على رأسه والأخرى على فمه، وأن أحمد تناول المشمل من يد نفيس فخرطه نفيس من يده، فقطع أصابعه غير أنها لم تبن. ثم عاد نفيس فأجهز له بسكين، وأخذ خاتمه فبعث به أهله وقال لهم: هذا خاتم الأمير يأمركم أن تبعثوا إليه بصندوق المال ليعطي الحشم أرزاقهم. فدفعوا إليه الصندوق، فاقتسموا ما فيه من الدنانير ومضوا. ومنهم: علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن على بن الحسين بن علي وكان المأمون قد بايع له بالعهدة بعده، وضربت الدراهم باسمه، وجعل على شرطه العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث، وكان ابنه خليفته، وعلى حرسه سعيد بن صيلم، وعلى حجابته يحيى بن معاذ بن مسلم، وأنه سقط عند المأمون بكلام في الفضل بن سهل فأخبر به المأمون الفضل؛ للموثق الذي كان الفضل أخذه على المأمون.

العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس

وذكر روح بن السكن عن عبيد الله بن الحسن العلوي ثم العباسي، أن الفضل قال يوماً وعنده الناس: ما تقولون في بقرة جعلت لها قرنين من ذهب وكنت أول من نطحته بهما؟! فبم يمض بعد ذلك إلاَّ قليل حتى اعتل فمات. ومنهم: العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس وكان قدم على هارون الرقة فحباه حباء كثيراً، وعظمه أشد تعظيم، وأن العباس اعتل له شربة، فلما استودعه إياها أذن له في الانحدار إلى مدينة السلام، وكانت سبب موته. ومنهم: إسماعيل بن هبار بن الأسود بن المطَّلب بن أسد دخل الحمام بالمدينة وفيه مصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري وكان جميلاً بارعاً، فأمر يده على ظهره وعجيزته، وتكلم بكلام فيه بعض ما فيه، فضحك مصعب في وجهه ليؤنسه، حتى إذا كان الليل جمع مصعب رجالاً فيهم القتال الكلاببي، وبعث مولى له أسود، يكنى أبا عجوة، إلى ابن هبار، فدعاه فلما خرج إليه تنحى به إليهم، فوثب عليه القتال فضربه حتى قتله. وهو قول ابن قيس الرُّقيات:

فلن أجيب بليلٍ داعياً أبداً ... أخشى الغرور كما غرَّ ابن هبار باتوا يجرونه في الحشِّ منجدلاً ... بئس الهديةُ لابن العمِّ والجارِ وطلب القتال فهرب وقال: تركت ابن هبار يصدَّع رأسُه ... وأصبح دوني شبةٌ وأروم بسيفِ أمرىءٍ لن أخبر الدهر باسمه ... ولو حفزت نفسي إلىَّ همومُ القتال: عبادة بن محبب بن المضرحيّ، وعبد الرحمن بن صبحان المحاربي.

أسماء من قتل حميمة من الملوك عمرو بن تبع

أسماء من قتل حميمة من الملوك عمرو بن تبَّع قتل أخاه حسان بن تبَّع وسلمة بن الحارث الملك بن عمرو المقصور بن حج آكل المرار الكندي قتل أخاه "شرحبيل بن الحارث" وكان الحارث ملك ولده سلمة على حنظلة وتغلب، وشرحبيل على الرِّباب وبكر بن وائل، وحجراً على كنانة وأسد ابني خزيمة، ومعد يكرب على قيس عيلان. فوثبت بنو أسد فقتلوا حجراً، وسعى المفسدون بين سلمة وشرحبيل حتى احتربا، فقتل سلمة شرحبيل. ومنهم: عبد الله بن الزبير قتل أخاه "عمرو بن الزبير"، وكان عامل المدينة ووجهه لمحاربة أخيه ففضَّ جيشه وأسره، وكان عمروٌ بدن، فأقامه عبد الله للناس وقال: كان له عنده حقٌ فليقتص منه. فضرب حتى مات.

عبد الملك

ومنهم: عبد الملك قتل "عمرو بن سعيد بن العاص وأمه أمُّ البنين الحكم بن أبي العاص ابن أمية وكان نازع عبد الملك وحاربه حتى جرت بينهما السفراء على أن يجعل عمرٌ مع كل عامل لعبد الملك عاملاً له، ففعل، فلم يزل عبد الملك يلطف له حتى قتله. وله حديث طويل. ومنهم: يزيد بن الوليد بن عبد الملك ويزيد الناقص، وثب على ابن عمه "الوليد بن يزبد بن عبد الملك" فقتله واستولى على ملكه. ومنهم: أبو جعفر المنصور وهو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وثب عليه عمه عبد الله ابن علي، وخلعه ودعا إلى نفسه، فظفر به فحبسه في بيتٍ فسقط عليه البيت. ومنهم: هارون الرشيد حبس عمه "جعفر بن المنصور"، المعروف بابن الكردية، فذكروا أنه أصابه زحير فمات منه.

عبد الله المأمون

ومنهم: عبد الله المأمون قتل أخاه "محمداً الأمين"واستولى على عرشه. ومنهم: أبو إسحاق المعتصم كان بلغه أن "العباس بن المأمون" قد مالأ ملك الروم على أهل الإسلام عام فتح المعتصم عمورية، وأنه أراد الوثوب على المعتصم، فحبسه وأثقله بالحديد فمات في حديده.

زياد بن عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان الحارثي

وممن قتل غيلة زياد بن عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان الحارثي من بني الحارث بم كعب، وكان خال أبي العباس أمير المؤمنين، وإنه ولاّه مكة والمدينة فلم يزل عليهما حتى مات، فأقره أبو جعفر على عمله، ثم كتب إليه أن يقتل أبا محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية، وكان شيخ بني أمية، فقتله. فلما تغيب محمد وإبراهيم ابنا عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، كبت إليه أبو جعفر أن يوثق عبد الله بن الحسن حديداً، ويضيق عليهم فكان زيادٌ يرفه عن عبد الله ويحسن إليه في حبسه. ثم إن أبا جعفر كتب إليه يأمره بقتله، فلم يفعل، فعزله وأغرمه ثمانين ألف دينار، وكرد أن يكشف قتله، لموضعه كان من أبي العباس. فلما أخرج أبو جعفر ابنه المهدي إلى الرىِّ. قال لزياد: سر مع ابن أخيك. فسار ثلاث مراحل. وإن زياداً تغذى مع المهدي ثم انصرف إلى فسطاط، ثم أتى بقدحش فشربه ولم يعلم المهدي بذلك. فلما ترحل الناس قام المهدي على باب سرادقه فقال: ويلك يا غلام.

ل [مهلهل بن ربيعة] وإن فتياناً من بني قيس بن ثعلبة اتخذوا طعاماً وابتاعوا خمراً، ثم أتوا عوفاً فقالا: إنا نحب أن تأذن لمهلهل يأتينا فيتحدث معنا اليوم. ففعل عوفٌ ذلك، فأتاهم مهلهل، فلما أخذت فيه الخمر جعل ينشد ما قال في بكر بن وائل وما ذكرهم به، فبلغ ذلك عوفاً فغضب، فحلف لا يذوق عنده قطرة شراب ولا ماء حتى يرد "دنيب" وكان دنيب جملاً لعوف لا يرد إلاَّ خمساً وشد عليه القدود، ثم تركه، فمات مهلهل قبل أن يرد دنيب. وفي ذلك قال مهلهل: جللوني جِلد حوبٍ بازلٍ ... يرتقى النفس موهناً للتراقى عند عوفِ بن مالكٍ لست أرجو ... لذَّةَ العيش ما عصيت بساقي

عامر بن جوين بن عبد رضا بن قمران الطائي

إليكِ ابنةَ المجلل عنِّي ... لا يواتي العناقُ من في الوثاق ومنهم عامر بن جوين بن عبد رضا بن قمران الطائي أحد بني جرم بن عمرو بن الغوث، وكان سيداً شاعراً فارساً شريفاً، وهو الذي نزل به امرؤ القيس بن حجر. وكان سبب قتله أن كلباً غزت بني جرمٍ، فأسر بشر بن حارثة، وهبيرة بن صخر الكلبي عامر بن جوين، وهو شيخ كبير، فجعلوا يتدافعونه لكبره، فقال عامر بن جوين: لا يكن لعامر بن جوين الهوان! فقالوا له: وإنك لهو؟ قال: نعم فذبحوه ومضوا، وأقبل الأسود بن عامر، فلما رأى أباه قتيلاً بينهم أخذ منهم ثمانية نفر وكانوا قتلوا عامراً وقد هبَّت الصَّبا فكعمهم ووضع أيديهم في جفانٍ فيها ماء، وجعل كلما هبت الصَّبا ذبح واحداً

عنترة بن معاوية العبسي

حتى أتى عليهم. وكان الذي ولى قتل عامر مسعود بن شداد، فقالت أخته عمرة بنت شداد: يا عينُ بكىَّ لمسودِ بن شدادِ ... بكاءُ ذي عبراتٍ حزنهُ بادِ من لا يمارُ له لحم الجزورِ ولا ... يجفُو الضَّيوفَ إذا ما ضُنَّ بالزاد ولا يحلُّ إذا ما حلَّ منتبذاً ... خوفَ الرزيَّة بين الحضر والبادِ ألاَّ سقيتم بني جرمْ أسيركمُ ... نفسي فداُؤك من ذي كربةٍ صاد يا فارساً ما قتلتم، غيرَ جعثنةٍ ... ولا بخيلٍ على ذي الحاجة الجادى قد يطعن الطعنة النَّجْلاء يتبعها ... مضرّج بعدها تغلي بإزباد ويترك القرن مصفراً أناملهُ ... كانَّ أثوابه مجَّت بفرصادِ ومنهم: عنترة بن معاوية العبسي وكان أغار على بني نبهان فأطرد طريدة وهو شيخ كبير، فجعل يطردها ويقول: حظُّ بني نبهانَ منها الأثلبْ ... كأنَّما آثارها لا تحجبْ آثار ظلمانٍ بقاعٍ مجدبْ

عبيد بن الأبرص

وكان وزر بن جابر بن سدود بن أصمع النبهاني في منزه، فرماه وقال: خذها وأنا ابن سلمى فقطع مطاه، فتحامل بالرمية حتى أتى أهله فمات. فقال وهو مجروح: فإنَّ ابن سلمى عنده، فاطلبوا، دمي ... وهيهات لا يرجى ابن سلمى ولا دمي يظلُّ يمشي بين أجيال طيٍْ ... مكان الثريَّا ليس بالمتهضَّم ومنهم: عبيد بن الأبرص وكان المنذر بن امرىء القيس اللخمي، ابن ماء السماء، وهو الذي يسمى ذا القرنين، له يومٌ يخرج فيه فيقتل أول من يلقى في ذلك اليوم، فخرج فلقى عبيد ابن الأبرص. فأتى به، فلما رآه قال: ويلك ما أتاني؟ قال: "المنايا على الحوايل". فذهبت مثلاً. فقال أنشدني: أقفرَ من أهله ملحوبُ أقفر من أهله عبيدُ فقال: أنشدني: أقفر من أهله ملحوب فقال: "حال الجريضُ دون القريض". فذهب قوله مثلاً، قتله.

طرفة بن العبد

ومنهم: طرفة بن العبد أخو بني قيس بن ثعلبة. وكان عمرو بن هند مضرط الحجارة اللخمى جعل طرفة والمتلمس في صحابة قابوس أخيه، فكان قاموس يتصيد يوماً ويشرب يوماً. فكان إذا خرج إلى الصيد خرجا معه، فغصبا وركضا يومهما، فإذا كان يوم لهوه وقفا على بابه يومهما كله، فلما طال عليهما ذكره طرفة فقال: فليت لنا مكان الملك عمر ... رغوثاً حول قبتنا تخور يشاركنا لنا رخلانِ فيها ... وتعلوها الكباشُ فما تثورُ لعمرك إنَّ قابوس بن هندٍ ... ليجمع ملكهَ نوكٌ كثير قسمتَ العيشَ في زمنٍ رخىٍ ... كذاك الحكمُ يعدل أو يجورُ لنا يومٌ وللكروانِ يومٌ ... تطيرُ البائساتِ وما نطيرُ فأما يومهن فيومُ سوءِ ... يطاردهن بالحدب الصقور وأمَّا يومنا فنظلُّ ركباً ... وقوماً ما نحلُّ وما نسير وقد كان طرفة هجا ابن عمٍّ له صهراً يقال له عبد عمرو بن بشر بن عمرو بن مرئد، فقال: لا عيبَ فيه غير أن قيل واحدٌ ... ولأنَّ له كشحاً إذا قام أهضما

وكان عبد عمرو نديماً لعمرو بن هند وليساً وإنساً، فدخل معه الحمام، فلما تجرد نظر إليه عمرٌو فقال: كأن، ابن عمك كان يراك حين يقول: لا عيب فيه غير أن قيل واجدٌ ... وأنَّ له كشحا إذا قام أهضما حتى أتى على الشعر. فقال: ما قال فيك أيها الملك أشدُّ! قال: وما قال؟ قال: فأنشده: فليت بنا مكان الملك عمروٍ إلى آخرها. فقال: لا أصدقك عليه؛ لما بينك وبينه. واحتملها في قلبه على طرفة. فلما كان بعد ذلك بيسير قال لطرفة وللمتلمس: أظنكما قد اشتقتما أهلكما، فهل لكما في أن أكتب لكما إلى عامل البحرين بصلةٍ وجائزة؟ قالا: نعم. فكتب إليه بقتلهما، فأخذا كتابهما ومضيا، وأحسَّ المتلمسُ بالشر وخاف الداهية، فقال لطرفة: إنَّ حملنا هذين الكتابين ولا ندري ما فيهما عجز، فهل لك أن ننظر فيهما؟ فقال طرفة: لم يكن ليقدم على ولا على قومي، وما بينهما إلاَّ حير! فمرا بنهر الحيرة فإذا بغلمان يلعبون، فكَّ المتلمس صحيفته ودفعها إلى غلامٍ منهم فقرأها فإذا الشرُّ، فألقاها في الماء وقال لطرفة: اعلم أنَّ في كتابك ما في كتابي. فقال: لم يكن ليفعل ولا يجترىءَ على قومي. فقال المتلمس: قذفتُ بها من جنب كافرٍ ... كذلك أقنو كلَّ قطٍ مضللِ رضيت لها بالماء لما رأيتها ... يجول بها التيارُ في كلِّ جدول

بشر بن أبي خازم الأسدى

ومضى المتلمس إلى الشام، ومضى طرفة لكتابه إلى عامل البحرين، وهو عبد هند بن جرد بن جرى بن جروة بن عمير التغلبي، فلما قرأ الكتاب قال: أترى ما في كتابك؟ قال: لا. قال: فإن فيه قتلك، وأنت رجلٌ شريف، وبيني وبين أهلك إخاءٌ قديم فانج قبل أن يعلم بمكانك؛ فإني إن قرأ كتابك لم أجد بدَّا من قتلك! فخرج ولقيه شباب من عبد القيس، فجعلوا يسقونه ويقول الشعر، فلما علم بمكانه قدمه فضرب عنقه. وهو قول المتلمس: وطريفةُ بن العبدِ كان هديهم ... ضربوا صميم قذاله بمهندِ ومنهم: بشر بن أبي خازم الأسدى وكان أغار في مقنبٍ من قومه على الأبناء من بني صعصعة بن معاوية وكان بنو صعصعة إلاَّ عار بن صعصعة يدعون "الأبناء"، وهم وائلة، ومازن، وسلول فلما جالت الخيل بموضع يقال له الردة مرَّ بشر بغلام من بني وائلة، فقال له بشر: أعط بيدك. فقال له الوائلي: لتتنحين أو لأشعرنك سهماً من كنانتي! فأبى بشرٌ إلاَّ أسره، فرماه بسهم على

عدي بن زيد العبادي

ثغدوته، فاعتنق بشرٌ فرسه، وأخذ الغلام فأوثقه، فلما كان الليل أطلقه بشر من وثاقه وخلى سبيله، وقال: أعلم قومك أنك قد قتلت بشراً. وهو قوله: وإنَّ الوائليَّ أصابَ قلبي ... بسهمٍ لم يكن نكساً لغابا في شعر طويل. ومنهم: عديّ بن زيد العباديّ وقد مر حديثه في المغتالين. ومنهم: تأبط شراً الفهميّ وهو ثابت بن جابر بن سفيان، وكان من شعراء العرب وفتاكهم وإنه خرج غازياً في نفر من قومه إذ عرض لهم بيت من هذيل، بين صدى جبل فقال: اغنموا هذا البيت. فقالوا: والله مالنا فيه أرب، ولئن كانت فيه غنيمة فما نستطيع أن نسوقها، فقال: إني أتفاءل أن تكون غنيمة! ووقف وأتت له ضبعٌ عن يساره، فكرهها وعاف على غير الذي رأى، وقال: أبشرى أشبعك من القوم غدا. فقال له أصحابه: ويلك انطلق، والله ما نرى أن نقيم عليها! فقال:

والله لا أريمُ! وأتت له الضبع فقال لها: أبشرى أشبعك من القوم غداً! فقال أحد القوم: والله إني لأراها تأتي لك. فبات حتى إذا كان في وجه الصبح وقد عدهم على النار وأبصر سواده غلامٌ مع القوم دوين المحتلم، فذهب في الجبل، وعدوا على القوم فقتلوا شيخاً وعجوزاً، وحازوا جاريتين وإبلاً، ثم قال تأبط شراً: فأين الغلام الذي كان معكم؟ وأبصروا أثره، فاتبعه فقال له أصحابه: ويلك، دعه فإنك لا تريد إليه شيئاً. فاتبعه واستذرى الغلام بوقفة إلى صخرة، وأقبل تأبط شراً يقصه، وأوفق الغلام سهماً حين رأى ألاَّ ينجيه شيء، وأمهله حتى إذا دنا منه قفز قفزة فوثب على الصخرة وأرسل السهم، فلم يسمع تأبط شراً الحيصة، فرفع رأسه وانتظم السهم قلبه، وأقبل الغلام نحوه وهو يقول: لا بأس! فقال الغلام وهو يقول: أنا والله لقد وضعته حيث تكره وغشيه تأبط شراً بالسيف، وجعل الغلام يلوذ بالدرقة، ويضربها تأبط شراً بحشاشته فيحذ منها ما أصاب منها حتى خلص إليه فقتله، ونزل إلى أصحابه يجر برجله، فلما رأوه وثبوا فسألوه: ما أصابك؟ فلم ينطق ومات في أيديهم، فانطلقوا وتركوه، فجعل لا يأكل منه سبع ولا طائر إلا مات، فاحتمله هذيل فطرحوه في غار يقال له غار رخمان. فقالت أخته ريطة ترثيه:

صخر بن الشريد السلمى

نعمَ الفتى غادرتمُ برخمانْ ... ثابتُ بن جابرِ بن سفيانْ قد يقتل القرن ويروي الندمان ومنهم: صخر بن الشريد السلمىّ وكان غزا بني أسد بن خزيمة وأصاب غنائم وسبياً، وأن، أباثور بن ربيعة ابن ثعلبة بن رباب بن الأشتر الأسدس طعن صخراً وعليه الدرع، فدخلت حلقة من حلقات الدرع بطن صخر، فتحامل بالطعنة، وفات بني أسد، فجوى منها، وكان تمرض قريباً من سنة حتى مله أهله، فسمع امرأة وهي تسأل سلمى امرأته: كيف بعلك، قال: لا حيٌ فيرجى، ولا ميت فينعى، لقينا منه الأمرين! فلما سمع ذلك منها قال: أرى أمَّ صخر ما تملُّ عيادتي ... وملَّت سليمى مضجعي ومكاني فأيُّ امرئٍ ساوى بأمٍّ حليلةً ... فلا عاش إلاَّ في شقاً وهوان لعمري لقد نبهتُ من كان نائماً ... وأسمعتُ من كانت له أذنان أهمُّ بأمر الحزم لو أستطيعهُ ... وقد حيلَ بين العير والنروان فلما طال عليه البلاء والمرض وقد نتأت قطعة من جنبه مثل البد في موضع

طريف بن تميم العنبري

الطعنة، قالوا: لو قطعتها رجونا أن تبرأ منها، فقال: شأنكم! وأشفق عليه بعضهم فنهاه، فقال: الموت أهون على مما أنا فيه! فاحموا له شفرة فقطعوها، فيئس من نفسه. وسمع أخته الخنساء تسأل: كيف كان صبره؟ فقال: أجارتنا إنَّ الخطوب تريب ... علينا وكلًّ المخطئين تصيب فإن تسأليني كيف صبري فإنني ... صبورٌ على ريب الزمان أريب كأني وقد أدنوا لحزٍ شفارهم ... من الصبر دامي الصفحتين ركوب أجارتنا لست الغداةَ بظاعنٍ ... ولكنْ مقيمٌ ما أقام عسيب فمات فدفن هناك. ومنهم: طريف بن تميم العنبري وكان قتل يوم مبايض. وكان طريفٌ قتل شرحبيل أخا بني [أبي] ربيعة ابن ذهل بن شيبان. وكان الفرسان لا تشهد عكاظ إلا مبرقعة مخافة الثؤرة، وكان طريف لا يتبرقع كما يتبرقعون. فلما ورد عكاظ قال حمصيصة بن شراحيل

الشيباني: أروني طريفاً. فأروه إياه فجعل يتأمله، فقال له طريف: مالك؟ فقال: أنوسمك لأعرفك، فإن لقيتك في حرب فلله على أن أقتلك أو تقتلني! فقال طريف: أو كلما وردت عكاظ قبيلةٌ ... بعثوا إلىَّ عريفهم يتوسَّم فتوسمني إنني أنا ذاكم ... شاكي سلاحٍ في الحوادث معلم تحتي الأغرُّ وفوق جلدي نثرةٌ ... زغفٌ ترجُّ السيف وهو مثلمُ ولكلِّ بكريٍّ على عداوةٌ ... وأبو ربيعة شانئٌ ومحرم حولي أسيد والهجيم ومازن ... وإذا حللت فحول بيتي خضم فمضى لذلك ما شاء الله. ثم إن عائذة وهم حلفاء لبني أبي ربيعة بن ذهل أغار عليهم طريفٌ في بني العنبر، وفد كي بن أعبد في بني منقر، وأبو الجدعاء في بني طهية، فالتقوا بمبايض فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل أبو الجدعاء، وهرب فدكى ولم يكن لحمصيصة هم غي طرف، فلما عرفه رماه فقتله، فقال أبو مارد، أخو بني أبي ربيعة، في قتل حمصيصة طريفاً: خاضَ الغداةَ إلى طريفٍ في الوغى ... حمصيصةُ المغوار في الهيجاء

السليك بن السلكة

ومنهم: السليك بن السلكة وهي امه، وأبو [هُ عمير] السعدي. وكان غزا خثعم فسبى امرأة فأولدها. ثم إن المرأة قالت لسليكُ: أزرني قومي وإني لا أغدر بك، وما ولدي منك إلا كولدي من غيرك. فاحتملها وأتى بها أرض خثعم فقالت له: أقم بهذا الموضع لموضع أمرت به حتى آتيك بعد يومين أو ثلاثة، فلما أتت زوجها قالت له: هذا سليك بموضع كذا. فلم تر عند زوجها خيراً، فقالت لابن عمه أنس بن مدرك، فخرج أنس فقاتله، فوثب زوج المرأة على أنس حتى عقله، فقال أنس: غضبتُ للمرء إذ نيكت حليلتهُ ... وإذ يشدُّ على وجعائها الثغرُ أنَّى تناسى هامات فمحرورة ... لا يزدهيني سواد الليل والجهر أغشى الهياج وسر بالي مضاعفةٌ ... تغشى البنانَ وسيفي صارمٌ ذكرُ إني وقتلي سليسكاً ثم أعقله ... كالثورُ يضرب لما عافت البقرُ

عبد عمرو بن عمار الطائي

ومنهم: عبد عمرو بن عمار الطائي كان الحراث بن أبي شمر الغساني لما قتل المنذر بن ماء السماء بعث رجلاً من أهل بيته يقال له الأبرد، فنزل بين العراق والشام، وكان يسمى المليك أي ليس بملك تامٍ فأتاه عبد عمرو فامتدحه فوصله، فلم يرض صلته، فهجاه فقال: كأنَّ ثناياه إذا افترَّ ضاحكاً ... رؤوس جراد في رؤوس تحسحس فقال: ويلكم، ائتوني بجراد. فأتى بجراد فأمر به فوضع على النار، فرآهن يتحركن، فقال: ويلكم، إن ابن عمار لم يهجنى ولكن سلح علي! وكان مما هجاه به أرضاً قوله: قل للذي خيرهُ دون الصهاقيم ... ومنطنيى عندنا أحلا من الدبس لو كنت كلبَ قنيص كنت ذا جدد ... قبح ذا وجه أنفٍ ثمَّ منتكس

إذا المليك إذا............عثروا ... على تعرقبه بالله لم يكسُ تعلمنْ أنَّ شرًّ الناسِ كلهم ... الأفقم الأنف والأضراسُ كالعدس كان امرأً صالحاً فارتدَّ مومسةً ... حمرا يرهزُها رامي بني مرس يمشي بطيناً ولما يقضِ نهمته ... ماءُ الرجال على فخديه كالقرس ثم إن الأسود بن عامر بن جوى الطائي انطلق إلى الشام فنزل بالمليك فنسبه فانتسب له فعرفه، فقال: أي رجل ابن عمار فيكم؟ فأخبره أنه من أسرة قليلة ذليلة وأنه لا خير فيه. فقال: لا جرم لا تفارقني حتى لأوتي به. وكان ابن عمار قد لحأ إلى أوس بن حارثة بن لأم الطائي، فأعطى الأسود المليك رهينة من ولده، وأقبل حتى أخذ ابن عمار، فذهب أوسٌ يحول بينه وبينه؛ فقال: أتحول بيني وبين ابن عمي؟ فدونك؛ أتراني كنت مسلمة للقتل؟! فانطلق به إلى المليك فضرب عنقه، فقال خولي بن سهلة الطائي: لقد نهيت ابن عمارٍ وقلت له ... لا تأمننْ أحمر العينين والشعرهْ إن الملوك إذا حللت ساحتهم ... طارت بثوبك من نيرانهم شرره أو يقتلوك فلا نيكسٌ ولا روعٌ ... عند اللقاء ولا هو هاءةٌ همره يا غارة كانسجال السيل قد قتلوا ... ومنطقاً مثل وشي اليمنة الحبرة

سويد بن صامت الأوسى

لقد نصحتُ له والعيسُ باركةٌ ... بين الحديباء والمرماة والأمرَه لقد نهيتُك عمنَّ لا كفاءِ له ... عن الحفاظ وعن عوف وعن قطره ما قتلوه على ذنبٍ ألمَّ به ... إلاَّ تواصوا وقالوا قومهُ خسره وقال المليك للأسود بن عامر: قتلتَ ابن عمِّك من خشينا ... وفي أهله يقتلنَّ الخشِى ومنهم: سويد بن صامت الأوسى وكان يدعى الكامل، وقد كتبناه في أشراف المغتالين ومنهم: دريدُ بن الصمَّة الجشمي وقتل مشركاً يوم حنين. وكان مالك بن عوف النصري جمع لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعت إليه ثقيف كلها ونصر وجشم أبنا معاوية، وسعد بن بكر، وناس قليل من بني هلال بن عامر، ولم تحضر كعبٌ وكلاب، فخرج في بني جشم دريد شيخاً كبيراً في شجار، ليس عنده إلاَّ التيمُّن برأيه ومعرفته بالحرب، وكان شيخاً مجرباً، فعسكر مالك بن عوف بأوطاس، ومعهم نساؤهم وأبناؤهم وأموالهم، فأقبل دريد في شجار يقاد

به بعيره، فقال: أين نزلتم؟ قالوا: بأوطاس قال: نعم مجال الحيل، لا حزن شري، ولا سهل دهس فمالي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، وثغاء الشاء؟ قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم قال: أين مالك؟ قالوا: هذا مالك قد عنَّ له. فقال: يا مالك، إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام، مالي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، وثغاء الشاء؟ قال: سقت مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم. قال: ولم؟ قال: أردت أن أجعل خلف كلِّ رجل أهله وماله ليقاتل عنهم. فأنقض به دريد وقال: راعي ضأنٍ والله! وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك! ثم [قال] : ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا: لم يشهدك منهم أحد قال: غاب الجد والحد، لو كان يوم رفعة لم يغب عنه كعب وكلاب، وددت أنكم فعلتم مثل ما فعلوا. قال: فمن شهدها منكم؟ قالوا: عمرو بن

عامر، وعوف بن عامر: قال: ذانك الجذعان من عامر لا ينفعان ولا يضران. يا مالك، إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئاً؟ ارفعهم إلى ممتنع بلادهم وعليا قومهم، ثم ألق العدا على متون الخيل. فإن كانت لك لحق لك من وراءك، وإن كانت عليك ألقى ذلك وقد أحرزت مالك وأهلك. قال: والله لا أفعل، إنك قد كبرت وكبر علمك. وكره أن يكون لدريد فيها يد وذكر ورأى. فقال دريد: هذا يوم لم أشهده ولم أغلب عنه: يا ليتني فيها جذعْ ... أخبُّ فيها وأضعْ أقود وطفاءَ الزَّمعْ ... كأنها شاةٌ صدع فلما هزم المشركين أدرك دريداً ربيعة بن رفيع، من بني سماك بن عوف، من سليم وكان يقال له ابن لدغة، فأخذ بخطام جمله وهو يظنه امرأة، فأناخ به، فإذا شيخٌ كبير، وإذا هو دريد والغلام لا يعرفه، فقال له دريد: ماذا تريد بي؟ قال: أقتلك. قال: ومن أنت؟ قال: ربيعة بن رفيع السلمى فربه الفتى بسيفه فلم تغن شيئاً. قال: بئسما سلحتك أمك!

كعب بن الأشرف اليهودي الطائي

خذ سلفي من مؤخرة الرحل في القراب فاضرب وارفع عن العظام، واخفض عن الدماغ؛ فإني كنت أضرب الرجال! فإذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة، فرب والله يوم قد منعت فيه نساءك. وأخبر أمه فقالت: قد والله أعتق لك أوهات ثلاثاً. ومنهم: كعب بن الأشرف اليهودي الطائي وقد كتبناه في المغتالين ومنهم: السليك بن السلكة وكان خرج في تيم الرباب يتبع الأرياف حتى مر بفخة، فميما بين أرض بني عقيل وسعد تميم، فلقي رجلاً من خثعم يقال له مالك بن عمير بن أبي وداع بن جشم ين عوف، فأخذه ومعه امرأة له من خفاجة تدعى "نوار" فقال له الجثعميُّ: أنا أفدي نفسي منك. فقال له السُّليك: ذلك لك على أن لا تخيس بي ولا تطلع على أحداً من خثعم. فأعطاه ذلك، فرجع إلى قومه، وخلف السليك على امرأته فنكحها، وجعلت تقول له: احذر خثعم فإني أخافهم عليك! فأنشأ يقول: تحذرني أن أحذر العامَ خثعماً ... وقد علمت أنَّي امرؤٌ غير مسلم

وما خثعم إلا لئم إدقةٌ ... إلى الذل والإسخاف تنمى وتنمى فبلغ سبيل بن قلادة بن عمرو بن سعد فلم يعلم السليك حتى طرقاه، فأنشأ يقول: مَن مبلغٌ حرباً لأني مقتولْ ... يا ربَّ نهبٍ قد حويتُ عثكولْ وربَّ عانٍ قد فككت مكبول ... وربَّ زوجٍ وادٍ قد قطعتُ مشبولْ فقال أنس لشبيل: إن شئت كفيتك القوم وتمفيني الرجل. فشد أنس على السليك فقتله، وقتل شبيل وأصحابه من كان معه. فقال عوف وهو ابن عم مالك بن عمير والله لأقتلن أنساً في اختقاره ذمة ابن عمي: من مبلغ خثعماً عنَّي مغلغةً ... إنَّ السليكَ لجاري حين يدعوني في شعر طويل. ثم إن أنساً ودى السليك بعد أن كاد يتفاقم الأمر بينهم، فقال أنس ابن مدرك: كم من أخٍ لي كريم قد فجعت به ... ثم بقيتُ كأنَّي بعدَه حجرُ لا أستكين على ريب الزَّمان وى ... أغضي على الأمر يأتي دونه القدرُ

الحارث بن ظالم المري

مردى حروبٍ أجيلُ الأمر جائله ... إذ بعضهم لأمور تعتري حذرِ إنَّي وعقلي سليكاً بعد مقتله ... كالثَّور يضرب لمَّا عافت البقرُ غضبت للمرء إذْ نيكت حليلتُه ... ........................... (الأبيات التي تقدمت قبل) ومنهم: الحارث بن ظالم المرّيّ وكان الحارث قتل خال بن جعفر بن كلاب في جوار الأسود بن المنذر وهرب إلى مكة. ثم إن النعمان بن المنذر كتب للحارث كتاب أمان، وأشهد عليه شهوداً من مضر وربيعة، وكتب إلى الحارث يسأله القدوم عليه، وكفل له الشهود وأن لا يهيجه النعمان لما كان من قتل خالد أخيه وقتله ابنه، فقدم الحارث حتى أتى النعمان وهو بقصر بني مقاتل، فقال للحاجب: استأذن لي، وذلك حيى رأى الناس اجتمعوا عنده، فاستأذن له الحاجب فقال: ضع سيفك وادخل. فقال: ولم أضعه؟ قال: ضعه فإنه لا بأس عليك. فلما ألح عليه وضعه ومعه أمانة الذي كتب له، فدخل فقال: أنعم صباحاً أبيت اللعن فقال: لا أنعم الله صباحك. فقال الحارث: هذا ككتابك. وأخرجه. فقال: النعمان: والله ما أنكره، أنا كتبته لك، وقد غدرت وفتكت مراراً، فلا ضير إن غدرت بك مرة واحدة! ثم نادى: من يقتل هذا؟ فقام ابن الخمس التغلبي وكان الحارث فتك بأبيه فقال: أنا أقتله. فقال الحارث:

عبد الله بن رواجة الأنصاري ثم الخزرمي

أنت يا ابن [راعي] الإبل تقتلني! أما والله ما نفسي من أبيك ولا من أشباهه لؤمه. فقتله ابن الخمس. فقال قيس بن زهير يرثي الحارث بن ظالم: ما قصرت من حاصنٍ دونَ سترها ... أبرَّ وأوفى منكَ حارِ من ظالم أعزَّ وأوفى عند جارٍ وذمةٍ ... وأضربَ في كابٍ من النقع قاتم فقال رجل من بني ضري من جرهم، وممن كان يقوم على رأس النعمان حين رأى الحارث مقتولاً: يا حار حنياً ... لم تك ترعياً في البيت ضجعيّا ومنهم: عبد الله بن رواجة الأنصاري ثم الخزرمي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه جيشاً إلى مؤتة وأمر عليهم مولاه زيد بن حارثة الكلبي وقال: إن أصيب زيد فالأمير جعفر بن أبي طالب، وإن أصيب جعفر بن أبي طالب فالأمير عبد الله بن رواحة. فأصيبوا ثلاثتهم رحمهم الله وأخذ خالد بن الوليد الراية من غير تأمير من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل ابن راقلة وبلقين المشركين، وهزمهم الله تعالى به.

جزء بن الحارث الأزدي ثم الشعبي

ومنهم: جزء بن الحارث الأزدي ثم الشعبي وكان التقى ناسٌ من بني خنيس وناس من بني كنانة ليلاً ولا يعرف بعضهم بعضاً، فرمى رجلٌ من بني كنانة فأصاب جزءاً، فقال جزء: حس حسِّ! وصاح رجل من بني كنانة: يا آل واهب، ليراعوا من هم! وهم من خثعم. وقال رجل من بني خنيس: ارجعي يا ميدعان فإني أجد ريح القارة. فرجعوا عليهم فقتلوهم غير رجلين. ومات جزءٌ من السهم الذي أصابه. فقال عمرو بن أبي عمارة: دعوْا واهباً مسرعشيا وكلنا ... رأى واهباً رأى الخليل المواصل وأدعو فناعتْ من خنيس عصابةٌ ... إلى الضرب مشى المحنقات الروافل فليتك بالمعزاء حين تقسموا ... فتنظر بلعا من قتيل وقاتل وليتك حي حين سلك فرهم ... فغية حرب كالسهام النواصل فتعلم أنا لم ندعهم بعمرنا ... وأن لم يوُّبْ من آب منهم بطائل

الشنفري الأزدى

ومنهم: الشنفري الأزدى من الأواس بن الحجر بن الهفو بن الأزد وغيرها. وأنه قتل من بني سلامان بن مفرج تسعة وتسعين رجلاً في غاراته عليهم، وأن بني سلامان أقعدت له رجلاً من بني الرمد من غامد يرصدونه، فجاءهم للغارة فطلبوه فأفلتهم، فأرسلوا عليه كلباً لهم يقال له "حبيش" فقتله، وأنه مر برجلبين من بني سلامان فأعجله فراره عنهما، فأقعدوا له أسيد بن جابر السلاماني، وحازماً البقمى من البقوم من حوالة بن الهنو بن الأزد، بالناصف من أبيدة وهو واد فرصداه، فأقبل في الليل قد نزع إحدى نعليه فهو يضرب برجله. فقال حازم: هذا الضبع! فقال أُّسيد: بل هو الخبيث. فلما دنا توجس ثم رجع، فمكث قليلاً ثم عاد إلى الماء ليشرب فوثبوا عليه فأخذوه وربطوه وأصبحوا به في بني سلامان، فربطوه إلى شجرة فقالوا: قف أنشدنا.

فقال: "إنما التشيد على المسرّة"! فذهبت مثلا. وجاء غلام قد كان الشنفري قتل أباه فضرب يده بالشفرة فاضطربت فقال: لا تبعدي إما هلكت شامه ... فربَّ وادٍ قد قطعت هامه وربَّ حتى أهلكتْ سوامه ... وربَّ خرقٍ قطعت قتامه وربَّ خرقٍ فصلت عظامه ثم قالوا: أين نقيرك؟ فقال: لا تقبروني إن قبري محرم ... عليكم ولكن أبشري أمَّ عامرِ إذا احتملت رأسي وفي الرأس أكثرى ... وغودر عند الملتقى ثمَّ سائري هنالك لا |أرجو حياةً تسرني ... سمير الليالي مبسلاً بالجرائر وأن رجلاً من بني سلامان رماه بسهم في عينه فقتله، فقال جزء بن الحارث في قتله: لعمرك للساعي أُّسيد بن جابرٍ ... أحقٌ بها منكم بني عقب الكلب وكان السنفري حلف ليقتلن مائة من بني سلامان، فقتل نسعة وتسعين فبقي عليه تمام نذره، فمر رجل من بني سلامان بجمجمته فضربها فعقرت رجله فمات، فتم نذره بالرجل بعد موته:

خالد بن جعفر بن كلاب

ومنهم: خالد بن جعفر بن كلاب وقاله الحارث بن ظالم في جوار الأسود بن المنذر، وقد كتبت سبب قتله في المغتالين. ومنهم: حارثة بن قيس الكناني وكان مدح الحارث بن أبي شمر الغساني ووفد إليه فأحسن جائزته، فلما انصرف سرق ما معه، فظن أ، الحارث دسَّ من يسرقه، فقال يهجوه: أدّ الدنانير إن الغدر منقصةٌ ... وإنّ جدك لم يغدر ولم يطق فبلغ هجاؤه الحارث فحلف أن لا يمسَّ رأسه غسلق حتى يقتل حارثة بهجائه إياه، وأن الحارث بن أبي شمر جعل لابن عروة الكنانيّ جعلا على أ، يدله على عورة قومه، فدله فغزاهم، وندم ابن عروة فقال في الطريق وهو يسير مع الحارث: بلغ بني مدلجٍ عِّني مغلغلةً........................... ... النذر أنَّ الهمامَ الذي يخشون صولته ... بيني وبينكم يسري ويبتكر في مسبطرٍ تهاب الطيرُ صولته ... ولا يحيط به في السَّربخ البصرُ في كلِّ منزلةٍ منه ومعترك ... تلقى سلائل لم ينبتْ لها شعَر

عتيبة بن الحارث بن شهاب

فلم يبلغهم إنذاره، وأغار عليهم الحارث بمغبط الجحفة فقتل حارثة بن قيس، وأوقع بيني كنانة، فقالت ابنة حارثة ولبست السواد وحلفت لا تنزعه حتى تثأر بأبيها من ابن عمه الذي دل عليه، فقالت: جزى الله ابنَ عروةَ حيث أمسى ... عقوقاً والعقوق له أثام أتيتَ طليعةً للقوم تسري ... لا يجار ولا ينام فما علمتْ مساكننا بليٌّ ... ولا غسانُ تلك ولا جذامُ فإنَّ مدافع التوفيق منكم ... إلى حبنا وإن دفعت حرامُ ومنهم: عتيبة بن الحارث بن شهاب أخو بني جعفر بن ثعلبة بن يربوع. غزت بنو نصر بن قعين، فسمع عتيبة بمسيرهم فقال: خلوا بين بني نصر وبين النعم، لا فبلغ ذلك بني نصر، فعبوا للنعم خيلاً وللقتال خيلاً. فلما صبحوهم ذهبت الفرقة التي وكلوها بالنعم، وتأخرت الأخرى، فقاتلت بنو يربوع منهم نفراً، وكانت تحت عتيبة يومئذ فرس فيها مراح واعتراض، فأصاب غلامٌ

من بني أسد، يقال له ذؤاب بن ربيعة، أرنبة عتيبة فنزف حتى مات، فحمل ربيع بن عتيبة على ذؤاب فأخذه سلماً، وقتلوا ثمانية من بني نصر وبني غاضرة، واستنقذوا النعم، وساروا بذؤاب إلى منزلهم، فقال ربيعة أبو ذؤاب: إن يقتلوك فقد ثللتَ عروشَهم ... بعتيبةَ بن الحارث بن شهاب بأشدِّهم ضراً على أعدائهم ... وأعزِّهم فقداً على الأصحاب

المنخل البشكري

بسم الله الرحمن الرحيم [بقية كتاب أسماء المغتالين] ومنهم: المنخَّل البشكري وكانت امرأة النعمان بن المنذر قد شغفت به، فخرج يتصيد، فعمدت إلى قيد فجعلت رجلها في إحدى حلقتيه، ورجل المنخل في الأخرى شغفاً به، وجاء النعمان فألقاهما على حالهما، فأمر بالمنخل فقتل، فضربت به العرب المثل، فقال أوس بن حجر: فجئت ربيعي لا أزيده ... عليه بها حتى يؤوب المنخلُ

عمرو ذو الكلب

وقال ذو الرمة: تقاربُ حتَّى يطمع الناوى في الهوى ... وليست بأدتى من إياب المنخَّل ومنهم: عمروٌ ذو الكلب وكان من رجال هذيل، وكان قد علق امرأة من فهم يقال لها أم جليحة، فأحبها وأحبته، وقد كان أهلها وجدوا عليهما وطلبوا دمه إلى أن جاءها عاماً من ذلك، فنذروا به فخرجوا في إثره وخرج هارباً منهم وتبعوه وكان أهدى الناس بطرق فتبعوه يومهم ذلك حتى أمسوا، وهاجت علهم [ريح شديدة في] ليلةٍ ظلماء شديدة الظلمة، فبينما هو يسير وهو على الطريق إذ رأى ناراً عن يمينه فقال: أخطأت والله الطريق، وإن النار لعلى الطريق، وحار وشد فقصد للنار حتى أتاها وقد كاد يصبح، فإذا رجل قد أوقد ناراً وليس معه أ؛ د، فقال عمرو ذو الكلب: من أنت؟ قال: أنا رجل من عدوان. فقال: ما اسم هذا المكان؟ قال: السد. فعرف أن قد هلك وأخطأ والسج شيء لا يجاز فقال: ويحك، لمَ أوقدت؟ فو الله ما تشوى ولا تصطلى، ويلي، حين عمرو وأمر لأمر، هل عندك شيء تطعمني؟ قال: نعم. فأخرج له تمرات فألقاها في يده، فلما رآها قال: تمرات، تتبعها عبرات، من نسوة خفرات! ثم قال: اسقني، قال: ماذا؟ لبناً؟ قال: لا ولكن اسقني ماءً

قراحاً، فإني مقتول صباحاً. ثن انطلق فأسند في السد، ورأى القوم يطلبون أثره حيث أخطأ، فتبعوه حتى وجدوه قد دخل في غار السد فلما ظهروا السد علموا أنه في الغار، فنادوه فقالوا: يا عمرو. قال: ما تشاءون؟ قالوا: اخرج. فقال: فلم إذاً دخلت؟ قالوا: بلى فاخرج. قال: لا، لا أخرج! قالا: فأنشدنا قولك: ومقعدِ كربةٍ قد كنتُ فيها ... مكانَ الإصبعين من القبالِ فقال: هاهي هذه أنا فيها. ويعنُّ له رجل من القوم فيرميه عمرو فيقتله قالوا: قتلته يا عدو الله؟ قال: أجل، وبقيت معي أربعة أسهم كأنها أنياب أم جليحة. قالوا: يا أبا بجاد، ادخل عليه وأنت حر! فتهيأ أبو بجاد ليدخل فقال له عمرو: ويحك، ما ينفعك أن تكون حراً إذا قتلتك! فنكص عنه. فلما رأوا ذلك صعدوا فنقبوا عليه ثم رموه حتى قتلوه وأخذوا سلبه فرجعوا به، وإذا أم جليحة تتشوف، فلما رأوها قالوا: يا أم جليحة، ما رأيك في عمرو؟ قالت: رأيي والله أنكم طلبتموه سريعاً، ولقيتموه منيعاً، وصبتموه مريعاً. قالوا: والله قتلناه. قالت والله ما أراكم فعلتم، ولئن كنتم فعلتم لربَّ ثديٍ

منكم افترسه، وضبٍّ منكم احترشه. ونهب منهب منكم اخترشه. فطرحوا إليها ثيابه وقالوا لها: دونك، خذيها. فشمتها فقالت: ريح عطر، وثوب عمرو، أما والله ما وجدتم حجزته جافية، ولا عانته وافية، ولا ضالته كافية. فقالت أخته ريطة ترثيه: يا ليت عمراً، وليتٌ ضلةٌ جزعٌ ... لم يغزُ فهماً ولم يهبط بواديها وليلةٍ بصطلى بالفرث جازرها ... يختصُّ بالنَّقرى المثرين داعيها أطعمتَ فيها على جوعٍ ومسغبةٍ ... لحمَ الجزور إذا ما قام ناعيها وقالت أيضاً، ترثيه: كلُّ امرئٍ بمحال الدَّهر مكروبُ ... وكلُّ من غالب الأيامَ مغلوبُ وكلُّ حيٍّ وإن عزُّوا وإن سلموا ... يوماً طريقتهم في السوء دعبوب أبلغْ هذيلاً وأبلغ من يبلِّغها ... عنِّي رسولاً، وبعضُ النَّعي تكذيب

حمران بن مالك بن عبد ملك الخثعمي

بان، ذا الكلبِ عمراً خيرهم نسباً ... ببطن شريانَ يعوي حوله الذيب الطاعن الطعنةِ النَّجلاءَ يتبعها ... مثعنجرٌ من نجيع الجوف أسكوب والتارك القرنَ مصفراً أنامله ... كأنه من نجيع الجوف مخضوب نمشي النُّسور إليه وهي لاهيةٌ ... مشي العذارى عليهنَّ الجلابيب والمخرج العاتق العذراء مذعنةً ... في السَّبي ينفح من أردانها الطِّيب ومنهم: حمران بن مالك بن عبد ملك الخثعمي وكان فارساً شارعاً. وكان سبب قتله أن خثعم قتلت الصميل أخاذي الجوشن الكلابي، فغزا ذو الجوشن خثعماً، وسانده عينة بن حصن الفزاري: على أن الذي الجوشن الدماء، ولعيينة الغنائم، فغزوا خثعم جميعاً فلقوها بالفرز جبل فقتلا وأثخنا وغنما، وأن حمران توقل في الجبل فجعلوا يأمرونه أن يستأسر فأنشأ يقول وهو يقاتل:

مالك بن جمرة اليربوعي

أقسمت لا أقتلُ إلا حراً ... إني رأيتُ الموتَ شيءً مراً أكره أن أخدع أو أغرّا فقتل، فقالت أخته ترثيه: ويلَ حمرانَ أخا مضنَّه ... أوفى على الخير ولم يمنه والطاعن النجلاء مرثعنه ... عاندها مثلُ وكيف الشنَّه ومنهم: مالك بن جمرة اليربوعي وهو فارس ذي الخمار، وقتل في الردة. ذلك أن العرب لما ارتدت وجه أبو بكر خالد بن الوليد بن المغيرة، فسار في المهاجرين والأنصار حتى لقي أسداً وغطفان ببزاخة، واقتتلوا قتالاً شديداً ففض الله المرتدين، وأسر عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو الفرازي، فوجه به مجموعة يداه إلى عنقه إلى أبي بكر فاستحياه، وأسر قرة بن هبيرة القشيري فاستحياه أيضاً. ثم أن خالداً سار إلى البطاح نيران من بني تميم فلم يجد بها

أبو عزة

حمعاً، فبث السرايا في نواحيها، فأتى بمالك بن نويرة في نفر معه من بني حنظلة، فاختلف فيهم الناس، وكان في السرية التي أصابتهم أبو قتادة، فقال أبو قتادة: لا سبيل عليه ولا على أصحابه، لأنا قد أذنا فأذنوا، وأقمنا فأقاموا، وصلينا فصلوا. وقد كان من عهد أبي بكر إلى خالد: "أيما دارٍ غشيتموها فسمعتم أذان الصلاة فيها فأمسكوا عن أهلها حتى تسألهم ما نقموا وما يبتغون، وأيما دار لم تسمعوا فيها أذاناً فشنوا الغارة عليها، فاقتلوا وحرقوا". وقال بعض من كان في هذه السري: ما سمعناهم أذنوا ولا صلوا ولا كبروا فاختلف فيهم الناس، فأمر خالد بمالك وأصحابه فضربت أعناقهم، وتزوج أم تميم امرأة مالك، فلما سمع ذلك عمر بالمدينة تكلم في شأنهم له، فلم يزل عمر واجداً عليه حتى مات. ومنهم: أبو عزة وهو عمر بن عبد الله بن عمير بن وهب بن حذافة بن جمح، وأسره رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فشكا إليه بناته وسوء حاله، فرق له وأطلقه وأخذ عليه صلى الله عليه وسلم أن لا يهجوه ولا يكثر عليه، فأعطاه ذلك. ثم إن قريشاً ضمنت له القيام ببناته وكفايته المؤونة، فلم يزالوا له حتى خرج وأسر يوم أحد، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه نحواً مما شكا يوم بدر، فقال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن لا يلدغ من حجرٍ مرتين" وضرب صلى الله عليه وسلم عنقه.

عبد يغوث بن وقاص بن صلاءة الحارثي

ومنهم: عبد يغوث بن وقاص بن صلاءة الحارثي وكان مدح خالد بن نضلة بن الأشتر بن جحوان بن فقعس، فقال ناهيك فيها إهاب واحد، يا خالد بن نضلة فقط فرفع خالد يديه فقال: اللهم إن كان كاذباً فاقتله على يدي شر حيٍ من مضر. فلما كان يوم الكلاب الثاني قتلت بنو الحارث بن كعب النعمان بن جساس صاحب راية قيم الرباب، وأسرت بنو سعد بن زيد مناة بن تميم عبد يغوث، فأتت بني سعد فقالوا لهم: إنه لم يقتل لكم فارس، وقد قتل فارسنا ورئيسنا فادفعوا إلينا عبد يغوث لنقتله بصاحبنا. فدفعوه إليهم فقال لهم: يا معشر نيمي، اللبن اللبنز فقالوا: الدم أحب إلينا. وأوثقوا لسانه بتسعة مخافة أن يهجوهم فقال في شعر له طويل: أقول وقد شدُّوا لساني بنسعة ... أمعشر تميمٍ أطلقوا من لسانيا وتضحك مني شيخةٌ عبشميةٌ ... كأن لم يروا قبلي أسيراً يمانيا وظل نساء التَّيم حولي ركداً ... تحاول منَّي ما تريد نسائيا فقدموه فضربت عنقه.

يزيد بن الطثرية

ومنهم: يزيد بن الطثرية وهو يزيد بن الصمة القشيري، فنسب إلى أخواله. وأمه من بني طثر ثم من عنز بن وائل. وكان المنلث بن إدريس الحنفي في الفتنة، فأتى بني جعدة وبني قشير وبني عقيل مصدقاً لهم، فعاث فيهم، فأرسل عبد الله بن جعونة القشيري إلى بني عقيل وبني قشير فأتاه أبو لطيفة العقيلي في جماعة، وأتاه يزيد بن الطثرية في بني قشير، فقتلوا المندلث وهرب أصحابه وقتلوا فيهم وأسروا. وكان بنو قشير أرادت أن تنضم إلى بني عقيل وتسير مع أبي [لطيفة] فقال يزيد بن الطثرية: قُلْ للبوادر والأحلافِ مالكم ... أمرٌ إذا كان شورى أمركم شعباً لا تنشبوا في جناح القوم ريشكم ... فيجعلوكم ذنابى ينبت الزغبا لا عيبَ فيّ لكم إلاَّ معاتبتي ... إذا تعتبت من أخلاقكم عتبا والبوادر: بنو بادرة بنت حارثة بن عبس بن رفاعة من بني سليم، ولدها عبد الله، وعامر، وقرط، وجوز، ومعاوية، بنو سلمة بن قشير. والأحلاف سائر بني سلمة بن قشير، وهم لعلاَّت.

وكانت الرياسة لعبج الله بن جعونة والراية في دي يزيد ين الطثرية، فجاء القوم حوله حين لقوهم، وثبت يزيد بالراية وفر عنه أصحابه، وعليه جبة خزٍّ يسحبها، فنشبت في خشبة فعثر، فضربه به الحنفيون حتى قتلوه، فقال القحيف ابن عمير العقيلي يرثيه: إن تقتلوا منا شهيداً صابراً ... فقد قتلنا منكم مجازرا عشرين لما يدخلوا المقابرا ... قتلى أصيبت قعصاً نحائرا نفخاً يرى أرجلها شواغرا وقال أيضاً: يا عينُ بكَّى هملاً علة هملْ ... على يزيدَ ويزيدَ بن جملْ قتَّال أبطالٍ وحولهَ حِلَل ويزيد بن جمل أيضاً قشيري، قتل معه يومئذ.

الأقيشر

ومنهم: الأقيشر وهوالمغيرة بن.......................................... [قيس بن] محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، وكان أمي، فمدحه فأمر له بثلاثمائة درهم فقال: ادفهعا إلى قهرمانك، ومره فليعطني بكل يوم درهماً للحم، ودرهماً للبقل. فكان يشتري خمراً بدرهم، ولحماً بدانقين، ويكترى بغلاً بأربعة دوانيق، فيمضي إلى الحيرة فيشرب يومه ثم ينصرف ممسياً. فأتلف الدراهم ثم أتاه أيضاً فسأله فأعطاه مثلها فأتلفها. فقيل له: إنما يشتري بها خمراً يشربه! فلما أتاه قال له: يا هذا، إنه لا يحل لي أن أعطيك ما تشتري به الخمر! ولم يعطه شيئاً. فقال الأقيشر: ألم تر قيس الأكمه ابن محمد ... يقول فلا تلقاه بالقول يفعل رأيتكَ أعمى القلبِ والعينُ ممسكاً ... وما خير أعمى العينِ والقلبُ ينخل فلو صمَّ تمت لعنة الله كلها ... عليه وما فيه من الشر أفضلُ فقعد له مواليه حتى إذا انصرف سكراناً، فأنزلوه في الحمامات بظهر الكوفة وتركوا البغل فعاد إلى الكوفة ودخنوا عليه حتى مات، فوجدوه ميتاً هناك حين أصبحوا.

توبة بن الحمير

ويقال: كان الذي فعل بالأقيشر هذا موالي إسحاق بن طلحة بن عبيد الله، وكان الأقيشر مولعاً بهجائه. ومنهم: توبة بن الحميِّر أخو بني خفاجة بن عقيل وكان سبب قتله أ، هـ كان بينه وبين بني عوف بن عامر بن عقيل وهم رهط نصر بن شبثث لحاءٌ. ثم إن نوبة شهد بني خفاجة وبني عوف، وهم تختصمون عند همام بم مطرف العقيلي وكان مروان بن الحكم استعمله على صدقات بني عامر، فضرب ثور بن أبي سمعان بن كعب بن عامر بن عوف ابن عامر بن عقيل، توبة بن الحمير بجرز وعلة توبة الدرع والبيضة، فجرح أنفُ البيضة وجهه، وأمر همام بثور بن أبي سمعان فأقعد بين يدي توبة، فقال: خذ حقك يا توبة. فقال توبة: ما كان هذا الأمر إلا عن أمرك، وما كان ليجترىء علة عند غيرك يا همام! وذلك أن أمَّ همام من بني عوف بن عامر ابن عقيل. فانصرف توبة ولم يقتص، فمكثوا غير كثير. ثم إن توبة بلغه أن ثوراً خرج في نفر من أصحابه على ماء من مياه قومه يقال له هوى، يريد ماء لهم

يقال له حريز وهو موضع بتثليث، وبينهما فلاة من الأرض فتبعهم توبة في أناس من أصحابه حتى ذكروا له أنه عند رجل من بني عامر بن عقيل، يقال له سارية بن عويمر بن أبي عدي، وكان صديقاً لتوبة، فقال توبة: والله لا أطرقهم وهم عند سارية الليلة، حتى يخرجوا من عنده،. فأرسل توبة رجلين من أصحابه فقال: ارصدوا القوم حتى يخرجوا. وكان القوم أرادوا أن يخرجوا حين يصبحون، فقال سارية: ادرعوا الليل في الفلاة. وغفل صاحبا توبة، فلما ذهب الليل فزع توبة وقال: لقد اغتررت برجلين ما تصنعا شيئاً، وإني لأعلم أن لن يصبحوا بهذه البلدة! فاستضاء لآثارهم، فإذا هو بآثار القوم قد خرجوا، فبعث إلى صاحبيه فأتياه فقال: دونكما هذا الجمل فأوقراه من الماء ثم اتبعوا أثري؛ فإنه لا يخفى عليكما حتى تدركاني، وإني سأوقد لكما إن أمسيتما دوني. ثم خرج توبة في إثر القوم مسرعاً حتى انتصف النهار وجاوز علماً يقال له "أفيح" في الغائط، فقال لأصحابه: هل ترون ماءً بين سمراتٍ إلى جنب

قرون بقر فإن ذلك مقيل القوم ولن يجاوزوه، وليس وراءه ظلٍ. فنظر فقال قائل: نرى رجلاً يقود بعيراً كأنه يقوده لصيد. قال: ذلك ابن الحبترية، وذلك أرمى من رمى، فمن له أن يختلجه دون القوم فلا ينذرون بنا؟ فقال عبد الله بن الحمير: أنا له. قال: فاحذر أن يعقر بك، وإن استطعت أن تحول بينه وبين أصحابه فافعل فخلى طريق فرسه في غمض من الأرض ثم دنا منه فحمل عليه، فرماه ابن الحبترية فعقر فرس عبد الله، واختل السهم ساق عبد الله، وانحدر الرجل حتى أتى أصحابه فأنذرهم، فجمعوا الركاب وهي متفرقة، وغشيهم توبة ومن معه، فلما رأوا ذلك صفوا رحالهم، وجعلوا السمرات في نحورهم، ثم أخذوا سلاحهم وزحف إليهم توبة، فارتمى القوم لا يغنى أحدٌ منهم في أحد شيئاً. ثم إن توبة وكان يترِّس لأخيه عبد الله قال: يا أخي لا تتِّرس لي؛ فإني قد رأيت ثوراً يكثر رفع الرأس، عسبى أن أوافق عند رفعه أناة منه مرمى فأرميه. ففعل فرماه توبة فأصابه على

حلمة ثديه، وصرعه، وجال القوم وغشوهم فوضعوا فيهم السلاح حتى تركوهم صرعى، وهم تسعة نفر. ثم أن ثوراً قال: انزعوا هذا السهم عني. فقال توبة: ما وضعناه مكانه لننزعه! وقال أصحاب توبة لتوبة: انج فخذ آثارنا لتلقي راويتنا، فقد متنا عطشاً. فقال توبة: وكيف بأولى القوم الذين لا يمنعون ولا يمتنعون؟ قالوا: أبعدهم الله. قال: ما أنا بفاعل، وما هم إلا عشيرتكم، ولكن تأتي الرواية فأضع لهم ماء، وأغسل دماءهم وأخيل عليهم من السباع والطير لا تأكلهم حتى أوذن بهم من بعض قومهم. فأقام توبة حتى أتتهم الرواية قبل الليل، فسقاهم من الماء وغسل عنهم الدماء، وجعل في أساقيهم ماء، ثم خيل عليهم بالثياب على الشجر، ومضى حتى طرق من الليل سارية فقال: إنا قد تركنا رهطاً من قومكم بالسمرات من قرون بقر فأدركوهم، فمن كان حياً فداووه، ومن كان ميتاً فادفنوه. ثم انصرف ولحق بقومه. فصبح سارية القوم فاحتملهم، وقد مات ثورٌ ولم يمت غيره. ولم يزل توبة لهم خائفاً، فمان السليل بن ثور المقتول رامياً كثير الشر والبغى، فأخبر بغرة من توبة، وهو بقنة بهم من قنان السرو سرو لبن

يقال لها قنة ابن الحمير، فركب في نحو من ثلاثين فارساً حتى بطرقة فتوقل توبة ورجل من أصحابه في الجبل وأحاطوا بالبيوت، فناداهم توبة: هنا من تبتغون، فاجتنبوا البيوت. فقال بعضهم لبعض: إنكم لن تستطيعون في الجبل ولكن خذ1وا ما استطف لكم من ماله. فاخذوا أفراساً له ولإخوته، ثم انصرفوا. فغزاهم توبة حتى انتهى إلى مكان يقال له حجر الراشدة ظليل، أسفله كالعمود، وألاه منتشر، فاستظل فيه وأصحابه، حتى إذا كان بالهاجرة مرت به إبل هبيرة بن السمين، أخي بني عوف بن عامر بن عقيل، فأخذها وخلى طريق راعيها، فلما ورد العبد على مولاه أخبره، فنادى في بني عوف فقال حتى متى هذا؟ فتعاقد منهم نحو من ثلاثين فارساً فاتبعوه، ونهضت امرأة من خثعم كانت فيهم، وكانت تؤخذ، فقالت: أروني أثره، فخرجوا بها وأروها أثره، فأخذت من ترابه وقالت: اطلبوه فإنه محتبس عليكم. فطلبوه فسبقهم، وخرج توبة حتى إذا كان بالمضجع من أرض بني كلاب، جعل يداريه ويحبس أصحابه، حتى إذا كان بشعب من هضبة يقال بنت هيدة،

جعل ابن عم له يقال له قابض بن عبد الله على رأس الهضبة، وقال: انظر فإن شخص لك شيء فأعلمناه. فقال عبد الله أخو توبة له: يا توب إنك حائن أذكرك الله إلا نجوت، فوالله ما رأيت يوماً أشبه بسمرات بني عوف يوم أدركناهم وساعتهم التي أتيناهم فيها منه، فانج إن كانت بك نجاة! ثم إن القوم لحقوهم فحمل أولهم حتى غشوا تربة، وفزع توبة وأخوه فقام إلى فرسه فغلبه أن يلحقها، فخلى طريقها، وغشيه الرجل فاعتنقه، فصرعه توبة وهو مدهوش قد لبس الدرع على السيف، فانتزعه ثم أهوى به ليزيد بن رويبة فاتقاه بيديه فقطع منها، وجعل يزيد يناشده الرحم، وغشى القوم توبة من ورائه فضربوه حتى قتلوه، وعلقهم عبد الله بن الحمير يطعنهم بالرمح حتى انكسر. فلما فرغوا من توبة مالوا على عبد الله أخيه فقطعوا رجله فجعل يقول: هلمَّ. وم يشعر القوم أنهم قطعوا رجله، وانصرف القوم.

زيادة بن زيد بن مالك

ومنهم: زيادة بن زيد بن مالك وهدبة بن خشرم بم كرز بن جحش العذريان وكن سبب قتلهما أنهما أقبلا من الشام في ناس من قومهما، فقالوا: من يسوق بنا؟ فقال زيادة: أنا أسوق بكم. فنزل فساق بهم ساعة، ثم ارتجز فقال وعرض بأخت هدبة: عُوجى علينا واربعي فاطما ... مادون أ، يرى البعير قائماً فعوجتْ مطرداً عراهما ... رسلاً يبذُّ القلصَ الرواسما في شعر طويل فغضب هدبة ونزل وساق بهم، وعرض بأخت زيادة، فقال في رجز له طويل: بالله لا يشفي الفؤادَ الهائما ... تمساككَ اللبَّاتِ والمآكما

ولا اللَّمامُ دونَ أن تفاغما ... ولا الفغام دون أن تفاقما وتعلو القوائمُ القوائما فغضب زيادة فارتجز بأخت هدبة فقال: أنعت آياتٍ لكيما تعلمي ... بالخال بالكشح اللطيف الأهضَم والشاميةِ السوداءِ بالمخدَّم ... أتذكرين ليلةً بإضمِ وليلةً أخرى بخبتِ العلمَ لما سمع هدبة هذه الأبيات أنى أخته فشهر عليها السيف وقال: أين علم هذه العلامات التي وصفك بها؟ فقالت: ويحك، إن النساء أخبرنه عني! فكفَّ عنها. وقال هدبة يرجز بأخت زيادة: عوجى علينا واربعى يا طارفاً ... ما دون أن يرى البعيرُ واقفاً ما اهتجتُ حتى هتكوا لخوالفا ... غدوا وردوا جلةً مقاذفا ألا ترين الأعينَ الذوارفا ... حذارَ دارٍ منكِ أن تساعفا فغضب زيادة، وكان بين القوم سباب وشبي بالقتال، فحجز بينهم حتى إذا

رجعوا إلى أهليهم تهاجيا وتفاخروا بأشعار كثيرة، وإن هدبة قال: ناطوا إلى قمر السماء أنوفهم ... وعن التراب خدودهم لا ترفَع ولدت أميمة أعبُداً فغذت بهم ... ثجلا إذا مشت القوئم تظلع ابني أميمة إن طالع لؤمكم=لونٌ إذا وضح المراسن أسفع قال: فغضب زيادة وأصحابه، فجاءوا إلى منزل هدبة ليلاً فأخذوه وأباه، فشجوا أباه عشراً، ووقفوا هدبة، فقال زيادة: شججنا خشرماً في الرأس عشراً ... ووقفنا هديبة إذ هجانا فقال هدبة: إن الدهر مؤتنفٌ طويل ... وشرُّ الخيل أقصرها عنانا وشرُّ القومِ كلُّ فتىً إذا ما ... مرنه الحربُ بعد العصب لانا فمكث هدبة ما شاء الله، حتى إذا برىء جمع لهم، فخرج إليهم بأصحابه فوجدوا زيادة ورفيعا وأدرع، ولم يجدوا من رجال الحي غيرهم، فهرب رفيع وأدرع لما رأيا ما جمع القوم، وأخذوا زيادة فجدعوه بسيوفهم حتى إذا ظنوا أ، هم قد قتلوه انصرفوا.

وقد كان زيادة ذبَّ عن نفسه بالسيف فأصاب هدبة فجدع أنفه، فلما خلفوا الحي وأشرفوا على الثنية وجد هدبة شغيف الريح في أنفه، فذهب ينظر فإذا أنفه قد جدع، فقال لأصحابه: انتظروا حتى آتيكم، فوالله لا أعيش أبداً ورجلٌ قد جدع أنفي! فرجع إلى زيادة وهو يقول: أحوسُ في الحيِّ وبالرمحِ خطلْ ... ما أحسن الموتَ إذا الموتُ نزلْ فقد علمتْ أني إلى الهيجا عجل ... إني امروءٌ لا أقرب الضيَّم بغل فقتله وأدرك أصحابه. ثم إن هدبة أخذ أهله فجعل يوامر نفسه: إما يأتي القوم فيضع يده في أيديهم أو في بد السلطان. فأقبل حتى وضع يده في يد سعيد بن العاص وهو عامل معاوية على المدينة فأطلق من كان سجنه بسببه وسجنه هو، فقال في السجن أشعاراً كثيرة. ثم عزل سعيد وولى مروان بن الحكم مكانه. وإن بني عمه قالوا: لو زوجناه لعل الله أن يبقى منه خلفاً! فزوجوه وأدخلوا عليه امرأته في السجن، فلما رأت ما هو فيه هالها، فراودها فأبت عليه. ثم رد سعيد إلى المدينة فبلغه أن امرأة هدبة أبت عليه، فأمرها أن تطيعه فوقع عليها فحملت فولدت غىماً سمته هدبة. ثم إن أصحاب هدبة أعطوا به عشر ديات، وأعطاهم سعيد بن العاص وكان يومئذ على المدينة مائة ألف درهم، فأبوا وكان سعيد لا يألو ماردهم، وأنه سألهم: هل لزيادة وليٌّ سوى

أخته؟ فقيل: له ابن صغير لم يدرك. قال: فليس لنا أن نقتله حتى يدرك الغلام. فحبس هدبة حتى أدرك الغلام، فلما أدرك جاءت به أمه تطلب قتل هدبة، فدفع إليها وأعطى الغلام ديات كثيرة فطمع، فقالت له أمه: والله لئن فعلت لأتزوجن رجلاً أهب له نصيبي من الديات ثم يقاسمكها، فجسر على قتل هدبة، فأخرج من السجن فأدخل على سعيد، وهو في جنبذة له مشرفة، ودخل معه الأخزر عبد الرحمن [بن] زيد أخو زيادة، فقال له سعيد: يا أخزر، قد أعطاك أمير المؤمنين معاوية مائة ألف، وعبد الله بن جعفر مائة ألف، والحسن والحسين مائة ألف، وأنا أعطيك مائة ناقة سود الحدق ليس فيها جداء، ولا خداء، ولا ذات داء. فقال عبد الرحمن: أصلح الله الأمير، والله لو وهبت لي جنبذتك هذه ثم سكبت فيه الذهب حتى يخرج من ثقبها ما كنت لأختاره على هذا الخلسى الأسود عبدك، فقال له هدبة: ياأخزر أو بالموت تخوفني؟ والله لا أبالي أسقط على أم سقطت عليه، فاصنع ما أنت صانع! ثم رد إلى السجن. وخرج عبد الرحمن فأتى بكتاب معاوية: "أن يدفع هدبة إلى أولياء زيادة". فقال سعيد: يوم الجمعة أدفعه إليكم. فلما كان يوم الجمعة بعث إليه سعيد

بلوزينه وخبزة. فلما انصرف من الصلاة دفعه إليهم، فخرجوا به يسوقونه فمر بقوم جلوس تحت حائط فقال: يا هؤلاء قوموا فإن هذا الحائط واقع عليكم فقالوا: ما رأينا مثل هذا يساق إلى الموت ويحذر الحائط. فلم يكن إلا قليلاً حتى سقط الحائط. ومر على بناء يبنى حائطاً فقال: ويحك عوجت حائطك! وكان أبواه وامرأته يمشيان على أثره، فنادته امرأته: يا هدبة يا هدبة! فالتفت، فقطعت قرناً من قرون شعرها، ثم نادته ثانية فالتفت فقطعت قرناً. فناشدوه الله أن لا يلتفت إليها. ثم التفت إلى أبويه وهما يبكيان فقال: أبلياني اليوم صبراً منكا ... إن حزناً منكما عاجلُ ضرّ لا أرى ذا المتَ إلا هيناً ... أنَّ بعد الموت دارَ المستقرّّ اصبرا اليومَ فإني صابرٌ ... كلُّ حيٍّ لفناءٍ وقدرْ ثم قال لامرأته: أقلِّي علىَّ اللمَ يا أمَّ بوزعا ... ولا تجزعي مما أصابَ فأوجعا وعيشي حبيساً ا، تفتَّىْ بماجدٍ ... إذا القومُ هشوا للسماح تبرعا ولا تنكحي إن فرق الدهرُ بيننا ... أغمَّ القفا والوجهِ ليسَ بأنزعا كيلاً سوى ما كان من حدِّ ضرسهِ ... على الزاد مبطانَ الضُّحى غير أروَعا فلما قدم ليقتل قال:

إن تقتلوني في الحديد فإني ... قتلت أخاكم مطلقاً لم يقيدِ فخلوا قيوده، فقال: دعوني أصلي ركعتين، فصلى ثم التفت إلى عبد الرحمن أخي زيادة فقال: قم يا أخزر إلى جزورك فانحرها. فقال عبد الرحمن: بل يقوم إليك من قتلت أباه ظالماً متعدياً عليه [إن] قبل ذلك منك. قم يا مسور. فقام إله غلام حين احتلم، وأمسك بعضهم بيده فضربه، فتعلق رأسه بجلدة من حلقه، فقال له عمه: يا ابن أخي أجهز عليه، إياك [أنْ] تدع لهم فضلة! وإن امرأة هدبة أتت جزاراً فأخذت مدية فجدعت أنفها وجاءته مجدوعة ليعلم أنها لا أربَ لها في الرجال بعد الجدع. وذكروا أن هدبة قال: علامة ما بيني وبينكم إن جزعت فإني إذا قطعت رأسي مددت رجلي وقبضتها. وإن أنا بقيت ممدود الرجلين فإني لم أجزع. فلما سقط رأسه بقى باسطاً رجليه.

سالم بن دارة

ومنهم: سالم بن دارة أخو بني عبد الله بن غطفان. وقد مر حديثه في المغتالين. ومنهم: عقيبة بن هبيرة الأسدي أخو بني نصر بن قعين. وكان له بنت أو ربيبة، وكان له ابن عم يقال له تميم بن الخثم، وكانت له بنية، فلعبت هي وبنت عقيبة، فكسرت بنت تميم بنت عقيبة، فذهب تميم فجمع أشراف بني أسد، فأتى عقيبة لما يعلم من فتكه، فقال له: يا ابن عمِّ، قد كان ما ترى، فدونك ابنتي فاكسر ثنيتها، وإن شئت فالعفو؛ وهي جارية بعد لم تثغر، وهي تنبت. فقال القوم: أنصفك الرجل. فقال: والله لأقتلنه. فأعادوا عليه، فأعاد عليهم مثل ذلك، فقالوا لتميم: [قم] . وظنوا أن عقيبة يلعب، وعرف تميم أ، هـ يفعل؛ لفتكه. فمكث تميم سنة يتحرز منه، وأمسى ذات يوم وهو صائم فصلى في مسجد قومه ثم دخل داره وغفل أ، يغلق الباب، فدخل عليه عقيبة بالسيف فضربه حتى قتله، وتصايح النساء، وأخذ عقيبة فرفع إلى مصعب بن الزبير، فسأله فلم يجحد قتله ولتميم ابن يقال له عنبسة، فتى شاب، فأعطى فيه منصور دية،

وأعطى محمد بن عمير دية، وأعطى قومه دية، فقالت ابنة لتميم: أعقيب لا ظفرتْ يداك ألم يكن ... دركٌ بحقك غير قتلِ تميم أعقيب لو نبهَّته لوجدتَه ... كالسيف أهونُ وقعِه التصميمُ فلتتبعنَّكَ في العشيرة سبّةٌ ... ولتقتلنّ به وأنت ذميمُ وقال عقيبة حين قتله: خرَّ صريعاً فاغراً تمصلُ أستُه ... بحيث التقينا كالحوار المخزِّق وأعطى أبو سماك مائة ألف درهم، فطمع عنبسة في أخذ الدية، فخرجت ابنة لتميم حاسراً، وهي تقول: إنْ يقتل عقيبة يالقومٍ ... نسرَّ معاشراَ ونسلَّ داءً وإن يسَلم عقيبةُ يالقومٍ ... نكن خدماً لعقبةَ أو إماءَ لحى الله الذي يجتابُ منَّا ... وعقبةُ سالمٌ أبداً رداءَ فلما سمع القوم مقالها وقد كانوا ركنوا إلى الصلح أحفظهم قولها، ورجعوا عن الصلح، فدفعه إليهم وجلس مصعب يومئذ في المسجد واجتمع الناس، فقال عقيبة لابنة تميم حين أيقن بالقتل: أما والله لقد ضربت أباك ضربةً نظرت إلى الثريا في سلحه! فقالت: وأنا والله لتضربن ضربة أنظر إلى بنات نعشٍ

أعشى همدان

في سلحك! ثم التفت عقيبة إلى الناس فقال: يا معشر الناس. فجلس القائم وأسرع الماشي، فلما اجتمعوا قال: اسكنوا، فوالله ما قتلت ابن عمي حين قتلته ألاَّ يكون قد أعطاني النصف وزادني، ولكن نظرت إلى أمير المؤمنين علىَّ، رضوان الله عليه، في هذا المكان الذي فيه الأمير وعن له تميم من ناحية المسجد ونظر إليه علىٌّ فقال: من سره أن ينظر إلى جذل من أجذل جهنم فلينظر إلى هذا وأشار فرحم الله قاتله! فقتلته. فقال الناس: رحمك الله! وقُتل. ومنهم: أعشى همدان وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن الحراث بن نظام وكان خرج مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس، وكان له كداحاً وقد كان قال في بعض ما يمدحه به: بين الأشجِّ وبين قيس باذخٌ ... بَخْ بَخْ لوالده وللمولود

وقال يهجو الحجاج: شطَّت نوَى مَن دارُه بالإيوانْ ... إيوانِ كسرى ذِي القُوَى والرَّيحانْ مَن عاش أَمسَى بزابُلستان ... والبَنْدَنيجَيْنِ إلى طَبَرْستان إنَّ ثقيفاً منهم الكَذّابان ... كذّابُها الماضي وكذّابٌ ثانٍ إنَّا سَمونْا للكَفُور الفَتَّان ... حين طغَى في الكُفْر بعد الإيمان بالسِّيدِ الغطريف عبد الرحمن ... سار بجمعٍ كالدَّبا من قحطان ومن معدً قد أتى ابنِ عدنانْ ... بجحفلٍ جمعٍ شديد الأركان فقُلْ لحجاجٍ والىِّ الشَّيطان ... يثبت لجمعِ مذحجٍ وهمدانْ فَهُم مسافوه بكأس الذَّيفانْ ... أو مُلحقوه بقرى ابن مروان فأسره الحجاج، وقد كان مدحه فأنشده مديحه إياه، فقال: ألست القائل لعدو الرحمن: بين الأشجِّ وبين قيس باذخٌ ... بَخْ بَخْ لوالده وللمولود لا والله لا تبخبخ بعدها أبداً! وضربت عنقه. وقد كان مما يمدح به الحجاج فأنشده إياه قوله: سيُغلَب قومٌ غالبُوا اللهَ جهرةً ... وإن كايدَوه كان أقوى وأكيدا كذاك يضلُّ اللهُ من كان قلبُه ... مريضاً ومن والى النفِّاقَ وألحدا

فقد تركوا الأهلين والمالَ خلفهم ... وبيضاً عليهنّ الجربيب خرّداً ينادينَهم مستعيراتٍ إليهم ... وقد دفْن دمعاً ف يالخدود وإثمدا فإلاَّ تداركهنَّ منك برحمةٍ ... يكنَّ سبايا والبعولةُ أعبدا أنكثاً وعصياناً وجنباً وذلةً ... أهان إلهي مَن أهان وأبعدا لقد شَأمَ المِصرين فرخُ محمدٍ ... بحقً وما لاقى من الطَّير أسعَدا كما شأًم اللهُ النُّجير وأهله ... بجدً له قد كان أشقى وأنكدا ولما زحفنا لابن يوسفَ غدوةً ... وأبرقَ منَّا العارضانِ وأرعدا فكافحنا الحجَّاجُ دونَ صفوفنا ... كِفاحاً ولم يضربْ لذلك موعدا فما لبثَ الحجاجُ أن سلْ سيفه ... علينا فولىَّ جمعنا وتبدَّدا وما زحفَ الحجَّاجُ إلاَّ رأيته ... معافى مُلقًّى للحُتوف معودّا إذا قال شدُّوا شدَّةً حملوا معاً ... فأنهل خرصانَ الرِّماح وأوردا فلم ينفعه ذلك عنده حتى قتله.

عبيد الله بن الحر الجعفي

ومنهم: عبيد الله بن الحر الجعفي وكانت قيس........................................................... فأتى عبد الملك فضمن له العراق وقتل مصعب، فأمر له عبد املك بجائزة، وقال له: أوجه معك جيشاً كثيفاً. فقال: أصحابي يكفوني. وقد كان هجا قيساً فقال: ألم تر قيساً عيلان برقَعتْ ... لحَاها وباعت نبْلها بالمغازلِ ولا قوا رجالاً يكسُد النَّبل عِندهم ... إذا خطرتْ أيمانهم بالمناصِل فلم يدعه عبد الملك حتى بعث معه جيشاً من أهل الشام، فجعل بعضهم يتخلف عن بعض في كل مرتحل حتى رق من معه، فعرض له عبيد الله بن العباس السلمى ثم الرعلى فقاتله، ففر فتبعه حتى ركب كعبرة بالفرات، فنادى عبيد الله فعانقه ابن الحر وكان الملاح شديد البطش فغرقا جميعاً. فاستخرجت قيس عبيد الله بن الحر، فنصبوه وجعلوا يرمونه ويقولون: أمغازلاً تجدها؟! حتى قتلوه.

عبد الله بن بشار بن أبي عقب

ومنهم: عبد الله بن بشار بن أبي عقب وقد كتبنا حديثه في المغتالين، وقتله عبيد الله الخثعمي مزام بن عمرو السولي، وابن الدمينة الخثعمي] وكان رجل من بني سلول يقال له مزاحم بن عمرو يرمى امرأة ابن الدمينة....عا.....عليها، فقال مزاحم يذكر امرأة ابن الدمينة: يا ابن الدُّمينة والأخبارُ يرفعها ... وخذُ النَّجائب، والمحقور ينميها يا ابن الدُّمينة إن تغضبْ لما فعلتْ ... حمَّادُ بالخزْيِ أو تغضَبْ مواليها أو تبغضُوني فكم من طعنةٍ نفذ ... [يغذُو خلالَ اختلاج الجوف غاديها] جاهدتُ فيكم بها إنِّي لكم أبداً ... أبغى مخازيكم عمداً فآتيها لا برءَ عندي لكم حتَّى تغيِّني ... غبراءُ مظلمةٌ هرارٍ نواحيها أبغى نساءَ بني تميمٍ إذا هجعتْ ... عنِّي العيون ولا أبغى مقاريها

وكاعبٍ من بني تميمٍ قعدت لها ... أو عانسٍ حينَ ذاق النومَ حاميها كقعدةٍ الأعسر العُلفوق منتحياً ... بمينَه من متون الترك ينحيها أمارةٌ كيَّةٌ مما بين عانتها ... وبين سرتَّها لا شلَّ كاويها وشقةٌ عند حسَّ الماء تشهقُها ... وقولُ رُكبتها قضْ حينَ مثنيها ونعدل الأيرَ إن زالت قبيعتُه ... حتَّى تقيم برفقٍ صدر هُفيها فلما سمع ابن الدمينة قول مزاحم أتى امرأته فقال: إن مزاحماً قد قال فيك ما قال. قالت: والله ما رأى منِّي ذلك الموضع قط. قال: فما علمه بالعلامات التي وصف؟ قالت: النساء أخبرنه. فلم يصدقها وقال: ابعثي إلى مزاحم يأتيك ي موضع كذا وكذا. فأرسلن إلى مزاحم: أنك قد سمعت بي، وأنا أ؛ ب أن تأتيني وواعدته موضعاً فقعد ابن الدمينة وصاحب له، وأقبل مزاحم وهو يظن أنها في الموضع الذي واعدته. فخرج عليه ابن الدمينة وصاحبه، فأوثقاه وصرا صرة رملٍ فضرباه بها حتى مات، وأتى امرأته فقتلها، وقتل ابنة له منها، وطلبه السلوليون فلم يجدوه. فقالت أم مزاحم، وهي أم أبان، خثعمية، ترثي ابنها مزاحماً، وتحض مصعباً وجناحا أخويه: بأهلي ومالي ثم جلّض عشيرتي ... قتيلُ بني تيمٍ بغير سلاحِ فهلاَّ فقلتمْ بالسَّلاح ابنَ أختكم ... فيصبحَ فيه للشهود جراحُ فلا تطمعُوا في الصلح ما دمتُ حيَّةً ... وما دام حياً مصعب وجناحُ ألم تعلموا أنَّ الدَّوائر بيننا ... تدُور وأنَّ الطالبين شحاحُ

سديف بن ميمون

فخرج مصعب في طلب ابن الدمينة، فأتى العبلاء فإذا بنجيب واقفٍ برحله في السوق، وإذا قوم مجتمعون وابن الدمينة ينشدهم، فجاء إلى حانوت قصاب فوضع عنده رهناً وأخذ منه سكيناً، ثم أتاه، فلما رآه ابن الدمينة ولى، واتبعه فوجأه بها وجأتين، وأخذ مصعب وابن الدمينة وهو جريح فحبسا، وأقبل جناح بن عمرو في ناس من بني سلول إلى السجن، ولبث ابن الدمينة محبوساً، ونظر السلطان في أمره فلم يثبت للسلولى عليه حقٌ فأطلقه. فبينا ابن الدمينة بعد ذلك بسوق العبلاء رآه مصعب أخو مزاحم، فشد عليه فقتله. فهذا مقتل مزاحم بن عمرو السلولي، ومقتل ابن الدمينة الخثعمي. ومنهم: سديف بن ميمون مولى آل أبي لهب، وكان مداحاً لأبي العباس أمير المؤمنين وهو الذي حض على سليمان بن هشام بن عبد الملك وعلى ابنيه، أبا العباس السفاح حتى قتلهم. وإنه خرج مع محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن أبي طالب

عبد بنى الحساس

فمدح محمداً وهجا أبا جعفر، وقتل محمد بن عبد الله، وولى عبد الصمد بن عليٍّ مكة، فكان عبد الصمد الذي ولى قتله. ومنهم: عبد بنى الحساس واسمه سحيم، وكان صاحب تغزل، فاتهمه مولاه بابنته، فجلس له في مكان إذا رعى سحيم قال فيه، فلما اضطجعا تنفس الصعداء ثم قال: يا ذكرةً مالكَ في الحاضر ... تذْكُرُها وأنت في الصادر في كلِّ بيضاءَ لها كعثبٌ ... مثلُ سنام الرُّبع المأرِ فقال له سيده وظهر من موضعه الذي كمن فيه: مالك! فتلجلج في منطقه. فلما رجع أجمع أخيه على قتله، وخرجت إليه صاحبته فحدثته وأخبرته بما يراد به، فقام ينفض برده ويعفى أثره، فلما انطلق به ليقتل ضحكت امرأة كان بينها وبينه هوى، شمانةً، فقال: إن تضحكي منِّي فيارُبَّ ليلةٍ ... تركتكِ فيها كالقباء المفرج فلما قدم ليقتل قال: شُدُّوا وثاقَ العبدِ لا يفلتْكُم ... إن الحياة من المماتِ قريبُ

وضاح اليمن

فلقد تحدَّرَ من جبينِ فتاتكم ... عرقٌ على ظهرِ الفراشِ رطيبُ فقتل. ومنهم: وضاح اليمن وهو وضاح بن إسماعيل بن عبد كلال، أحد أبناء الفرس الذين قدموا مع وهرز الفارسي، فقتلوا الحبشة وأقاموا بصنعاء. وكان شاعراً ظريفاً غزلاً جميلاً، فعشقته أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان، وكانت تحت الوليد بن عبد الملك، ولها منه عبد العزيز بن الوليد وكان يكون عندها في صندوق مخبوءاً. وإن الوليد بعث إليها مع خادم له بجوهر، فأتاه وهي غافلة ووضاح عندها، فلما دخل الخادم وأحست به أدخلت وضاحاً في صندوق، فرآه الخادم وأخبر به الوليد، فأتاها فجلس على الصندوق الذي وصفه له الخادم فقال لها: يا أم البنين، لي إليك حاجة، قال: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: تهبين لي بعض صناديقك. قالت: كلها لك. قال: لا أريد إلا الصندوق الذي تحتي. فقالت: هو لك. فبعث إلى حفارين فحفرا بئراً ثم أدلوه فيها وقال: يا هذا، قد بلغنا عنك شيء، فإن كان حقاً أو باطلاً فسنقطع أثرك. وألقى ترابها وانصرف فلم تتبين في وجه الوليد إلى أن مات شيئاً يذكر.

قيس بن الخطيم

ومنهم: قيس بن الخطيم وكان سيداً شاعراً. فلم هدأت حرب الأنصار تذاكرت الخزرج قيس بن الخطيم ونكايته، فتذامروا وتواعدوا قتله، فخرج عشية في ملاءتين مورستين يريد مالاً له بالشواط، حتى مر بأطم بني حارثة، فرمى من الأطم بثلاثة أسهم فسقط أحدها في صدره فصاح صيحة أسمعها رهطه، فجاءوه فحملوه إلى منزله فلم يروا له كفواً إلا أبا صعصعة بن عوف بن مبذول النجارى، فاندس 'ليه رجل حتى اغتاله في منزله فضرب عنفه، واشتمل على رأسهن وأتى به قيساً وهو بآخر رمقٍ، فألقاه بين يديه وقال: يا قيس لقد أدركت ثأرك. فقال: عضضت بأير أبيك إ، كان غير أبي صعصعة! فقال: هو أبو صعصعة وأراه الرأس فلم يلبث قيس أن مات. ومنهم: غضوب إحدى بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وكانت شاعرة وكانت ناكحاً في بني طهية ثم في بني سبيع، فكانت مع زوجها زماناً ثم تزوج عليها امرأة منهم، فأولعت بهم تهجوهم، فقالت:

كتاب

بنو سبيعٍ زمَع الكلابِ ... ليسوا إلى سعدٍ ولا الرِّبابِ ولا إلى القبائل الرِّغابِ ... كم فيهم من طفلةٍ كعابِ وكْماءَ ذاتِ ركبٍ قبابِ ... خبيثة المُشعَر في الثيابِ تتبعُ كُلَّ عزبٍ وثاب فأوعدها رجال، منهم مربع، وبنو وقدان، وبنو سيار، وبنو مجمع، فقالت: يا مربعاً يا مربعَ الضَّلالِ ... يا فاخرٍ مستقبلِ الشمالِ على بعيرٍ غير ذي جلالِ ... يا مربعاً هل حان من إقبالِ في هجاء لها. فلما سمعوا ذلك مشوا إليها في كيف ربها مربع والفتنة الآخرون فقتلت. فقال مربع: شفيتُ الغليلَ من غضوبَ فأصبحت ... لها إرم في رأس علياء عاقلِ سأنقم منها جهاها وسفاهها ... وإيضاعها في كلِّ حقٍّ وباطلِ ألا لا تُراعوا إنما هي لصَّةٌ ... تسارعَ فيها فتيةٌ بمناصلِ [تم كتاب أسماء المغتالين]

كنى الشعراء أو من غلبت كنيته على اسمه لأبي جعفر محمد بن حبيب

كتاب كنى الشعراء أو من غلبت كنيته على اسمه لأبي جعفر محمد بن حبيب (أبو طالب) ، واسمه عبد مناف بن عبد المطلب. (أبو سفيان) ، وهو المغيرة بن الحارث. (أبو دهبل) ، وهو وهب بن ربيعة بن أسيد بن أحيحة بن خلف بن حذافة بن جمح. (أبو عزة) ، وهو عمرو بن عبد الله بن عمير بن أهيب بن حذافة ابن جمح. (أبو بكر) ابن الأسود بن عبد شمس بن مالك بن جعونة بن عويرة ابن شجع، الذي يقال له "ابن شعوب" بها يترف، وهي أمه، خزاعية وهو القائل: يخبِّنا الرسولُ بأنْ سنحيا ... وكيف حياةُ أصداءٍ وهامٍ (أبو الأسود) ، وهو ظالم ويقال عثمان بن عمرو بن سفيان بن

جندل بن يعمر بن حلس بن نفاثو بن عدي بن الديل بن بكر بن كنانة. (أبو مهوِّش) ، وهو ربيعة بن حوط بن رئاب بن الأشتر بن جحوان ابن فقعس. (أبو سماك) ، وهو سمعان بن هبيرة بن مساحق بن بجير بن أسامة بن نصر بن قعين. (أبو الصقر) ، وهو رفاعة بن قيس ين عاصم بن حكيم. (أبو حجرية) ، وهو قيس بن عاصم بن حكيم، فقعسمىّ. (أبو جهمة) ، وهو الأخثم بن طلق، أخو بني سعد بن ثعلبة. (أبو مكعت) ، وهو منقذ بن خنيس بن سلامة بن سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان. (أبو كبير) ، وهو عامر بن ثابت، بن عبد شمس بن خالد بن عمرو بن كعب بن مالك بن كعب بن كاهل الهذلي. (أبو ذؤيب) ، وهو خويلد بن خالد بن المحرث، أخو بني مازن بن معاوية، هذلىّ. (أبو خراش) ، وهو خويلد بن مرة، أخو بني قرد بن معاوية، هذلىّ

(أبو صخر) ، وهو عبيد الله بن سلمة، هذلىّ. (أبو العيال) ، و (أراكة) ، و (أبو جندب) ، و (أبو أثيلة) هذليون، وهي أسماؤهم. (أبو الهندىّ) ، وهو أزهر بن عبد العزيز بن شبث بن ربعىّ، أحد بني رياح بن يربوع. (أبو حزابة) ، وهو الوليد بن حنيفة، من بنى ربيعة بن حنظلة. (أبو نخيلة) السعدي، وهو اسمه وكنيته. (أبو الجند) بن حزن بن زائدة بن لقيط. (أبو الأخزر) ، وهو قتيبة، أحد بني حمان بن عبد العزَّى بن كعب ابن سعد. (أبو الشعر) ، وهو موسى بن سحيم الضبي. (أبو المختار) الكلابي، وهو قيس ين يزيد بن قيس ين يزيد بن عمرو ابن خويلد. (أبو دواد) الرواسي، وهو يزيد بن معاوية بن عمرو بن قيس بن عبيد ابن رؤاس.

(أبو حيَّة) النميري، وهو الهيثم بن الربيع بن زرارة. (أبو محجن) وهو عمرو بن حبيب بن عمرو بن عمير بن عوف ابن عقدة. (أبو الصلت) بن أبي ربيعة بن عوف بن عقدة. (أبو شجرة) ، وهو عمرو بن عبد العزى بن عبد الله بن رواحة، من سليم. (أبو وجزة) وهو يزيد بن أبي عبيدة ويقال بل ابن عبد الله ابن جابر، من بني سليم. وهو حليف بني سعد بن بكر. (أبو الربيس) وهو عباد بن عباس بن عوف بن عبد الله بن أسد بن ناشب، من بني ذبيان. (أبو خليل) بن شداد بن مالك بن زهير بن جذيمة بن رواحة العبسىّ. (أبو سمر) ابن إياس، وهو اسمه...................بن معاوية. (أبو أسماء) ، وهو أمية بن عوف بن عباد، من بني نصر. (أبو الشغب) ، وهو عكرشة بن أزيد بن سحل، عبسىّ. ومن ربيعة (أبو سلمة) ، وهو حريث بن حنظلة لن الحارث بن قيس الشيباني. و (أبو نعجة) ، وهو صالح بن شرحبيل بن رماحح النمري. و (أبو كاهل) و (أبو جلدة) اليشكريان. و (أبو القطاف) و (أبو كدراء) .

زر بن ظالم العجلى، و (أبو اللحام) التغلبي، و (أبو النجم) العجلى، وهو الفضل بن قدامة، (أبو الجويرية) العبدي، وهو عيسى بن أوس ابن عصية. ومن إياد (أبو دواد) ، وهو حارث بن حمران بن بحر بن عصام. ومن اليمن (أبو السائب) بن عبادة بن مالك بن عباد، أخو بني جحجبي، من الأوس. و (أبو قيس) وهو صيفي بن الأسلت وهو عامر بن جشم بن يزيد من الأوس. ومن الخزرج (أبو أنس) بن صرمة بن مالك بن عدي بن غانم بن غنم ابن عدي بن النجار. و (أبو رعية) وهو عامر بن كعب بن عمرو بن حديج.

ومن خزاعة (أبو الكنود) بن عبد العزى بن عمر بن ندا. و (أبو رمح) وهو عمير بن مالك بن حنطب، من دوس. (أبو عنبس) أخو بني مبذول بن لؤي بن عامر بن غانم بن دهمان. ومن كلب (أبو شهلة) بن عبد الله بن المتمني بن عبد الله بن الشجب. ومن بني القين (أبو الطمحان) وهو حنظلة بن الشقى. ومن كندة (أبو هنىّ) وهو مسررق بن معد يكرب بن ثمامة بن الأسود. ومن السَّكون (أبو الأغفل) أخو بني سوم بن أشرس ين شبيب بن السَّكون. ومن جعفىّ (أبو الشعثار) وهو عبد الله بن وبرة بن قيس بن مطر. ومن أود (أبو المغراء) وهو عمرو بن الحارث بن عبد الله بن كعب.

ومن مراد (أبو القصبة) وهو بكير بن عبد الله بن سلمة بن الأشل. ومن همدان (أبو الجرندق) وهو معقل بن عبد جبر بن محمد بن خولىّ. ومن طىء (أبو زبيد) وهو حرملة بن عبد المنذر بن معد مكرب بن حنظلة بن النعمان. ابن حية. و (أبو المقدام) هو الأخيل بن عبيد بن الأعسم بن قيس بن خضر بن عبد الله. و (أبو دلامة) زند بن الجون. و (أبو العباس) الأعمى الكناني، وهو السائب بن فروخ.

كنى الشعراء

كنى الشعراء امرؤ القيس بن حجر الكندي: (أبو الحارث) . زهير بن أبي سلمى: (أبو سلمى) . نابغة بني ذبيان: (أبو أمامة) و (أبو عقرب) . أوس بن حجر: (أبو شريح) . طرفة بن العبد: (أبو إسحاق) . لبيد بن ربيعة: (أبو عقيل) . عبيد بن الأبرص: (أبو زياد) . أعشى بن قيس بن ثعلبة: (أبو بصير) . الحطيئة: (أبو مليكة) . مهلهل بن ربيعة: (أبو ربيعة) . الأسود بن يعفر: (أبو نهشي) . عمرو بن معد يكرب: (أبو ثور) . عدي بن زيد العبادي: (أبو عمير) . بشر بن أبي خازم: (أبو عمرو) . سلامة بن جندل: (أبو مالك) . عمرو بن شأس: (أبو عرار) .

حاتم بن عبد الله الطائي: (أبو عدي) ، و (أبو سفانة) . تميم بن أبي مقبل: (أبو كعب) . عامر بن جوين الطائي: (أبو الأسود) . زيد الخيل بن مهلهل: (أبو مكنف) . كعب بن زهير: (أبو المضرب) . حسان بن ثابت: (أبو الوليد) . كعب بن مالك الأنصاري: (أبو عبد الله) . عبد الله بن رواحة الأنصاري: (أبو عمرو) . أرطأة بن سهية المري: (أبو الوليد) . مالك بن العجلان النهدي: (أبو سعيد) . عامر بن الطفيل: (أبو علي) . عباس بن مرداس السلمى: (أبو الهيثم) . قيس بن زهير العبسي: (أبو هند) . خالد بن جعفر بن كلاب: (أبو جزء) . أربد بن قيس: (أبو الحزاز) . عروة بن الورد العبسي: (أبو الصعاليك) . قيس بن الخطيم الأوسىّ: (أبو زيد) . أمية بن أبي الصت: (أبو عثمان) و (أبو القاسم) . صخر بن عمرو بن الشريد: (أبو حسان) .

دريد بن الصمة: (أبو قرة) . أنس بن مدرك الخثعمىّ: (أبو سفيان) . الشماخ بن ضرار: (أبو سعدة) . يزيد، وهو مزرد أخو الشماخ: (أبو ضرار) . عبد الله بن أوس الأسدي: (أبو منقذ) . يزيد بن مفرع الحميري: (أبو مفرغ) . أعشى هندان: (أبو المصبح) . الأخطل: (أبو مالك) . عبد الله بن همام السلولي: (أبو عبد الرحمن) . الكميت بن زيد الأسدي: (أبو المستهل) . الفرزدق بن غالب: (أبو فراس) . جرير بن عطية بن الخطفى: (أبو حزرة) . عتيبة بن الحارث بن شهاب: (أبو حزرة) . الطرماح بن حكيم: (أبو نفر) . كثير بن عبد الرحمن: (أبو صخر) . جميل بن معمر العذرى: (أبو عمرو) و (أبو معمر) . اللعين: (أبو أكيدر) . الأحوص بن محمد الأنصاري: (أبو عاصم) . نصيب الأسود: (أبو محجن) .

عبيد الله بن قيس الرقيات: (|أبو هاشم) . يزيد بن مخرم الحارثي: (أبو الحارث) . عدي بن الرقاع العاملي: (أبو داود) . زفر بن الحارث الكلابي: (أبو عبد الله) . عمران بن حطان السدوسي: (أبو شهاب) . عبيدة بن هلال اليشكري: (أبو مالك) . عبيد الله بن الحر الجعفى: (أبو الأشرس) . عبيد الراعى النميري: (أبو نوح) و (أبو جندل) . كعب الأشقرى: (أبو مالك) . زياد الأعجم: (أبو أسامة) . الأفيشر: (أبو معرض) . المخبل، وهو ربيعة بن مالك بن ربيعة بن قتال: (أبو زيد) . البعيث المجاشعىّ: (أبو زيد) . عمر بن أبي ربيعة: (أبو الخطَّاب) . عروة بن حزام: (أبو سعيد) . العجاج: (أبو الشعثاء) .

تأبط شراً: (أبو زهير) . ثابت قطنة: (أبو العلاء) . أوس بن مغراء السعدي: (ابو المغراء) . النجاشي الحارثي: (أبو الحارث) . رؤبة بن العجاج: (أبو الجحاف) . القطامى التغلبي: (أبو سعيد) . عقيبة بن هبيرة الأسدي: (أبو حسان) . سراقة بن عتاب البارقسي: (أبو عمرو) . ذو الرمة: (أبو الحارث) . يزيد بن الطثرية: (أبو المكشوح) . العجير السلولي: (أبو الفرزدق) و (أبو الفيل) . حميد بن ثور الهلالي: (أبو الأخضر) . ابو الدمينة: (أبو السرى) . أبو العطاء السندي: (أبو مرزوق) . طريح بن إسماعيل: (أبو إسماعيل) . إبراهيم بن هرمة: (إبو إسحاق) . غصين بن براق الأسدي: (أبو هلال) .

عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير: (أبو عقيل) . القلاخ بن حزن المنقري: (أبو خناثير) . جريبة بن أشيم: (أبو سعيد) . طفيل بن عوف الغنوىّ: (أبو قران) . الزبرقان بن بدر: (أبو عياش) ، و (أبو شذرة) . الزبير بن عبد المطلب: (أبو حجل) ، و (أبو الطاهر) . عمارة بن الوليد بن المغيرة: (أبو فائد) . الوليد بن عقبة بن أبي معيط: (أبو وهب) . عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص: (أبو مطرف) . مالك بن أسماء بن خارجة الفزارى: (أبو الحسن) . الأسعر بن أبي حمران الجعفىّ: (أبو زهير) . قيس بن مكشوحٍ المرادىّ: (أبو حسان) . عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب: (أبو سراقة) . شريح بن الأحوص بن جعفر: (أبو زيد) . الحارث بن ظالمٍ المرىّ: (أبو ليلى) . نابغة بنى جعدة: (أبو ليلى) . عمرو بن كلثوم التغلبي: (أبو الأسود) .

حمزة بن بيضٍ الحنفي: (أبو يزيد) . سلبق البربري: (أبو أمية) . أحيحة بن الجلاح الأوسي: (أبو عمرو) . العباس بن يزيد الكندي: (أبو الصلت) . يحيى بن نوفل الحميري: (أبو نوفل) . أعشى بني شيبان: (أبو المغيرة) . الحصين بن الحمام: (أبو معية) . يزيد بن الصعق: (أبو قيس) . مطيع بن إياس: (أبو سليمان) . مرداس بن أبي عامر السلمى: (أبو يزيد) . النَّمر بن تولبٍ العكلى: (أبو قيس) . عبد الله بن ربعىٍّ الجذامى: (أبو محمد) . مروان بن أبي حفصة: (أبو السِّمط) . متمم بن نويرة: (أبو تميم) . والعبلى، وهو عبد الله بن عمر بن عبد الله بن علي [بن عدى] بن عمرو ابن عبد العزى بن عبد شمس: (أبو عدىّ) .

أعشى باهلة: (أبو قحفان) . سحيم عبد بني الحسحاس: (أبو عبد الله) . ضرار بن الأزور الأسدي أخو بني مالك: (أبو جنوب) ، وهو القائل يوم السَّمات: إنْ تنكروني فأنا ابنُ الأزورِ ... أبو جنوبٍ فارسُ المحبَّرِ وضرار بن الأزور هو قاتل مالك بن نويرة يوم البعوضة في الردة. وعبد الله بن الحجاج أخو بني ثعلبة بن ذبيان: (أبو الأقيرح) . والقتال الكلابي بن مجيب: (أبو المسيب) ، و (أبو سليل) . وقال: ولمَّا أن رأيت بني حصين ... بهم جنف إلى الجاراتِ بادٍ خلعتُ عذارها ولهيتُ عنها ... كما خلع العذار عن الجواد أناديها بأسفلِ وارداتٍ ... هبِلتَ أبا المسيّب من تنادي

بلال بن جرير بن عطية بن الخطفى: (أبو زافر) . بشار بن برد االعقيلي: (أبو معاذ) . إسماعيل بن إبراهيم العنزىّ: (أبو العتاهية) . الحسن بن هانئ: (أبو نواس) .

كتاب ألقاب الشعراء ومن يعرف منهم بأمه

كتاب ألقاب الشعراء ومن يعرف منهم بأمه لأبي جعفر محمد بن حبيب (العبلىّ) نسبة إلى جدته عبلة بنت عبيد بن جاذل بن قيس بن حنظلة، من البراجم وهو عبد الله بن عمر بن عبد الله بن عدي. وعبلة: جدته من قبل أمه. و (أبو قطيفة) وهو عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط. وكان كثير شعر الوجه. ومنهم (أشعر بركا) ، هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط. و (العرجىّ) وهو عمر بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان. و (القسُّ) وهو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى. ومن بنى سهم (المبرق) وهو عبد الله بن الحارث بن قيس ين عدي، وهو القائل: فإن أنا لم أبرقْ فلا يسعنَّني ... من الأرض لا برٌ فضاءٌ ولا بحرُ ومنهم: (ابن قيس الرقيات) وهو عبيد الله بن قيس بن شريح بن مالك ابن زمعة بن أهيب بن ضباب، أخو بني عامر بن لؤىّ. وكان يشبب برقية

بنت عبد الواحد بن أبي سعد بن قيس بن وهب بن وهبان بن ضباب، وبابنة عم لها أيضاً، فلقب بهما "الرُّقيات". ومن هذيل (صخر الغىّ) بن سويد ين رباح بن كليب بن كعب بن كاهل. و (المتنخل) وهو مالك بن عوف بن غنم بن حبسى بن عادية. ومن بنى كنانة (بلعاء) ، وهو قيس بن حميصة بن ربية بن عبد الله بن يعمر. وأخوه (جثامة) وهو يزيد بن قيس، وأخوهما (المحجَّل) بن قيس، وهو حميصة. ومنهم (الأحمر) وهو عمرو بن الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وهو القائل: وإذا تكون كريهةٌ أدعى لها ... وإذا يحاس الحيسُ يدعى جندبُ ومن بني أسد (جعدل) ، وهو الهباج بن سليم بن قراد، من بنى فقعس. ومنهم (الحلندج) وهو الجعد بن حاجب بن حبيب.

ألقاب الشعراء من طانجة

ومنهم (الحنجر) ، وهو قيس بن صخر. ومنهم (الرفيع) ، وهو عمارة بن عبيد الوالبي. ومنهم (أشعر الرقبان) ، وهو عمرو بن حارثة بن ناشب بن سلامة ابن سعد. ومنهم (الأقيشر) وهو المغيرة بن عبد الله بن الأسود بن وهب بن ناعج. ومنهم مرة (ابن الرواع) يعرف بأمه، إحدى بني كعب بن حي ابن مالك. ألقاب الشعراء من طانجة منهم (النواح) ، وهو ربيعة أخو بن عبد عثمان بن مزينة بن أد. ومنهم (المضرب) وهو عقبة بن كعب بن زهير بن أبي سلمى، وكان شبب بامرأة بن بني عبس فضربوه حتى أقصوه ثم برأ. وممن ينسب إلى أمه (سويد بن كراع) ، أحد عكل، وهو عرف بن وائل بن قيس بن عرف بن عبد مناة بن أد. ومنهم (الأعشى) وهو كهمس بن قعنب بن وعلة بن عطية، من عكل. و (ذو الرمة) وهو غيلان بن عقبة بن نهيس، أحد بني ملكان بن عدي بن عبد مناة بن أد، سمي بذلك لقوله: أشعثَ باقي رمَّةِ التقليد

وممن يعرف بأمه من بني تميم: (ابن أم رمنة) وهو عبد الله بن سويد، أحد بني الحارث بن تميم بن مر بن أد. ومنهم (بليل) وهو قيل بن عمرو بن الهجيم بن عمرو بن تميم، سمي بليلا لقوله: وذي نسب ناءٍ بعيدٍ وصلتهُ ... وذي رحمٍ بللَّتها ببلاها ومنهم (محفر) وهو عبد شمس بن كعب بن العنبر بن عمرو بن تميم. ومنهم (أبو فشوة) وهو عيينة بن مرداس، أخو بني كعب بن عمرو بن تميم، وكان رجل من قومه يلقب بهذا، وكان عيينة، يكثر قولها له، فأورد يوماً غنمه فقال له عيينة ذلك، فقال له الرجل: لقد فحشت على غير مرة! فقال له عيينة: وما في هذا حتى يغضب منه؟ فقال الرجل: أفتشتريه بأحسن نعجة في غنمي؟ قال: نعم فأعطاه إياها، وقبل الاسم، فلك يصدر عن الماء حتى قيل لعيينة: يا ابن فشوة، وغب المر فلم يزدد إلا لزوماً، فقال أخو عيينة: حوَّاَ مولانا علينا اسمَ أمَّه ... إلا ربَّ مولَّى ناقصٍ غيرِ زائدِ ومنهم (مقرن) وهو مطر بن أوفي، أخو بني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، وهو قوله: تقول المالكيةُ أمُّ عمرو ... رأيتُ مقرَّناً دونَ المغيب ومنهم (حاجب الفيل) بن ذبيان بن سبع بن عبد الله المازني: ومنهم (السكب) وهو زهير بن عروة بن جلهمة بن حجر، سمي بذلك لقوله:

إني أرقتُ على المطلي وأشازني ... برقٌ يضئ خلال البيت أسكوبُ ومنهم (الكذاب) وهو عبد الله بن الأعور بن سفيان بن الغضبان، أخو بني الحرماز بن مالك بن عمرو بن تميم، وهو الذي شكا امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إليك أشكو ذريةً من الذَّرب ... خرجتُ أبغيها الطّعامَ في رجبْ فأخلفتني بزاعٍ وحربْ ... أخلفت العهدَ ولطَّتْ بالذنب وهنَّ شرُّ غالبٍ غلبْ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إنهن لكما ذكرت". ومنهم (الزفيان) وهو عطاء بن أسيد، أخو بني عوافة بن سعد بت زيد مناة بن تميم، زفاه قوله: والخيل تزفى النعَّم المعقورا ومنهم (العجاج) وهو عبد الله بن رؤبة.

ومنهم (الخنوت) وهو توبة بن مضرس بن عبيد بن حبي، أخو بن يسعد بن زيد مناة بن تميم. ومنهم (سؤر الذئب) غلب على اسمه فليس يعرف إلا به، وهو أخو بني مالك بن كعب بن سع. ومنهم (الزبرقان) وهو حصن بن بدر بن امرئ القيس بن خلف ابن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد، وكان جميلا، والزبرقان: القمر وكان يدعى "قمر أهل نجد". ومنهم (المخبل) ، وهو ربيعة بن عوف بن ربيعة بن قتال بن أنف الناقة، أخو بني قريع بن عوف بن كعب بن سعد. وممن ينسب منهم إلى أمه (الربيال) وهو سليك بن سلكة، وهي أمه. و (أبو يثربي) بن سنان بن عمير بن الحارثظ، وهو مقاعس بن عمرو ابن كعب سعد. ومنهم (المستوغر) وهو عمرو بن ربيعة بن كعب بن سعد، وعزه قوله: ينشُّ الماءُ في الرَّبلاتِ منها ... نشيشَ الرَّصف في اللَّبن الوغيرِ

ومن بني دارم بن مالك بن حنظلة

ومن بني دارم بن مالك بن حنظلة (الفرزدق) واسمه همام بن غالب بن صعصعه بن ناجية بن محمد بن عقال، وكان جهم الوجه، والفرزدق: الضخم. ومنهم (البعيث) وهو خداش بن بشر بن أبي خالد بن بيبة، بعثه قوله: تبعَّث منَّى ما تبعَّثَ بعدما ... أمرَّت قواي واستمرَّ عزيمي ومنهم (مسكين) وهو ربيعة بن عاملا، القائل: سمَّيت مسكيناً وكانت لجاجةً ... وإنَّي لمسكينٌ إلى الله راغبٌ ومنهم (القباعُ) وهو عمرو بن عوف بن القعقاع، وهو قوله: إن كنت لا تدري فأنّي أدري ... أنا القباع وابن أمَّ الغمرِ وممن يعرف بأمه (الأشهب بن رميلة) وهي أمه، وأبوه ثور بن أبي، ابن حارثة، أحد بني نهشل. ومنهم (شقة) ، وهو ضمرة بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل. ومنهم (ابن الغريرة) وهي جدته بها يعرف، وهي سبية من بني تغلب، وهو كثير بن عبد الله بن مالك بن هبيرة بن صخر بن نهشل.

ومن بني أبان بن دارم

ومن بني أبان بن دارم (ذو الخرق) بن شريح بن سيف بن أبان، سمى بذلك لقوله: لمَّا رأت إبلى جاءت حمولتها ... هزلى عجافاً عليها الريشُ والخرق قالت إلا تبتغى مالاً تعيش به ... مما تلاقى فشرُّ العيشةِ الرَّنق ومن بني يربوع (الأخوص) وهو زيد بن عمرو بن قيس بن عتاب بن هرمى ابن رياح بن يربوع. ومنهم (ابن الكلحبة) وهي أمه من جرم قضاعة، وهو هبيرة ابن عبيد الله بن عبد مناف بن عرين، بن ثعلبة بن يربوع، وكان كثير الشعر، وهو فارس العرادة وذي الخمار. ومنهم (الخطفى) وهو حذيفة بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب ابن يربوع، خطفه قوله: يرفعنَ باللَّيلِ إذا ما أسدفاَ ... أعناقَ جنَّانٍ وهاماً رجفَّا وعنقاً باقي الرَّسيم خيطفا

ومن ألقاب شعراء قيس

ومنهم (الأرقط) الراجز، وهو حميد، أخو بني كعيب، بن ربيعة اللبن مالك بن حنظلة. ومن بني طهية (ذو الخرق) وهو سمير بن عبد الله بن هلال بن قرط ابن سعيد. ومن ألقاب شعراء قيس منهم: (ذو الإصبع) وهو حرثان بن محرث بن الحارث بن شباة، أخو بني يشكر بن عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان، وكانت له إصبع زائدة، وممن يعرف بأنه منهم (ابن مزجة) وهي أمه بنت مسعود بن الأعزل، واسم ابن فرحة زهير بن الحارث بن جندب بن سلم بن غيرة، أخو عدوان. ومن فهم بن عمرو بن قيس (قأبط شرا) وهو ثابت بن جابر بن عدي بن كعب، أخو بني سعد بن فهم، وسمي قأبط شرا لأن أخوته يخرجون فيطرفون أمهم بما يصيبون، وكان لا يأتيها بشيء، فعيرته أمه بذلك، فأتى قارة ببلاده فأخذ منها أفاعي وحيات، فتأبطها في خريطة وألقاها بين بدي أمه، فقالت له: لقد تأبطت شراً!

وممن يعرف من ذبيان بأمه

وممن يعرف من ذبيان بأمه شبيب (بن البرصاء) وهي أمامة بنت الحارث بن عوف، وأبو شبيب يزيد بن حيوة بن عوف بن أبي حارثة. ومنهم (أرطاة بن سهية) وهي أمه بنت رامل بن مروان، وأبو أرطاة زفر بن حرى بن شداد بن ضمرة بن عسان بن أبي حارثة. ومنهم (النابغة) وهو زياد بن معاوية بن ضباب بن بربوه بن غيظ وإنما نبغ بعد أن أسن. وممن يعرف بأمه (ابن ميادة) وهو الرماح بن الأبرد بن مرداس ابن سراقة، أخو بني مرة بن عوف. ومنهم (المزعفر) وهو معن بن حذيفة بن الأشيم بن عبد الله بن صرمة ابن مرة. ومنهم (الشماخ) وهو معقل بن ضرار بن سنان بن أمية بن عمرو ابن جحاش. و (مزرد) بن ضرار، وهو يزيد، وإنما زرده قول الحادرة:

ومن بني فزارة بن ذبيان

فقلت تزرَّدها يزيدُ فإنَّني ... لدردِ الموالي في السَّنين مزرَّدُ ومنهم (الحادرة) وهو قطبة بن محصن بن جرول بن حبيب، أخو بني خزيمة بن رزام بن ناشب، وإنما حدره قول مزرد له: كأنَّك حاردةُ المنكي ... نِ رصعاءُ تنقضُ في حائرِ ومن بني فزارة بن ذبيان (عويف القوافي) بن معاوية بن حصن بن حذيفة، وهو القائل: سأكذب من قد كان يزعمُ أنَّني ... إذا قلت قولاً لا أجيد القوافيا ومنهم (نعامة) وهو بيهس، أخو بني غراب بن ظالم بن فزارة، بقوله: ولأطرقنْ قوماً وهم نيامٌ ... ولأبرُ كنَّ بركةَ الغَّمامة قابضَ رجلٍ وباسطَ أخرى ... والسَّيف أقدمه أمامه وممن يعرف بأمه (ابن أم دينار) ، وأبوه وبير أخو بني مازن بن فزارة. ومنهم (ابن طرعة) وهي أمه، وهو نصر بن عاصم بن عقبة بن حصن ابن حذيفة. ومنهم (ابن عنقاء) وهو عبد قيس بن نجوة، أخو بني مازن بن فزارة.

ومن بني عبد الله بن غطفان

ومن بني عبد الله بن غطفان (قعنب بن أم صاحب) وأبوه ضمرة، أخو بني سحيم بن عمرو بن خديح ابن عوف بن ثعلبة بن بهثة. ومن بني عبس (الكامل) وهو الربيع بن زياد بن سفيان بن عبد الله بن ناشب بن هدم. و (عنترة الفلحاء) بن شداد بن معاوية، وكاتن مشقق الشقة السفلى. و (الحطيئة) وهو جرول بن أوس بن مالك بن جؤية بن مخزوم. و (عروة الصعاليك) بن الورد بن عمرو بن عبد الله بن ناشب. ومن أشجع بن دريد بن غطفان (جبيهاء) وهو يزيد بن عبيد بن عقيلة. ومن باهلة (الأعشى) وهو عامر بن الحارث. ومن غنى بن يعصر (المحبر) وهو طفيل الخيل بن عوف بن خلف بن ضبيس.

ومن بني سليم بن منصور

ومن بني سليم بن منصور ممن يعرف بأمه (خفاف بن ندبة) وهي أمه ابنة الشيطان بن قنان، وأبو خفاف عمير بن الحارث بن الشريد، وهو عمرو بن رياح. ومنهم (ابن قرقرة) وهو زرعة بن السليب بن قيس بن مطرود بن مالك، وكان قتل أباه وهرب إلى بني تغلب، فنسبوه فقال: أنا ابن قرقرة، يريد الأرض. ومن بني ثقيف (ابن الذئبة) وهو ربيعة بن عبد ياليل ومنهم (الحبش) وهو مرداس بن سهم بن عمر بن عبد الله بن الفجو ابن أبان. ومنهم (الأحرد) وهو مسلم بن عبد الله بن سفيان بن عبد الله بن معتب. ومنهم (يزيد بن ضبة) وهي أمه، وأبوه مقسم. ومن بني سلول (العطار) وهو عبد اله بن همام بن بيشة بن رياح، لقب بذلك الحسن شعره. ومن بني نصر بن معاوية (الأحبن) وهو أبو سمر بن أساس أخو بني شعب بن دهمان. و (أبو الضريبة) وهو أبو أسماء بن عوف بن عباد بن يربوع بن وائلة ابن دهمان.

ومن بني جعدة

ومن بني جعدة (النابغة) وهو قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن جعدة و (المجنون) وهو مهدي بن الملوح. ومنهم (الأقرع) وهو الأشيم بن معاذ بن سنان بن حزن، أخو بني قشير، قرعة قوله لمعاوية: معاويَ من يرقيكمُ إن أصابكم ... شبا حيَّةٍ مما إذا القفُّ أقرعُ ومنهم (أبو الحيا) وهي أمه، وهو سوار بن أوفى بن سيرة بن سلمة ابن قشير. و (القعقاع بن ربعية) وهي أمه غلبت على نسبه. ومنهم (ابن الطثرية) وهي أمه من عنز بن وائل، وهو يزيد بن الصمة أخو بني قشير. ومن بني كلاب (الأعور) وهو نفاثة بن مر بن عبد الله بن حارثة، أخو بني الصموت. ومن بني أبي بكر بن كلاب (القتال) وهو عبد بن مجيب بن المضرحي بن حبيب. ومنهم (مرخية) وهو شداد بن مالك بن شداد، أرخاه قوله:

فحطّوا بالرَّوايا من نحيط ... ورخّوا المحضَ بالفُّطف العذابِ ومن بني كلاب (الجرار) ، وهو عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب. ومنهم (مريرة) وهو شريح بن الأحوص بن كلاب. ومنهم (معود الكحماء) وهو معاوية بن مالك بن جعفر، عوده قوله: أعوَّد مثلها الحكماء بعدي ... إذا مال الحقُّ في الأشياع نابا وله يقول قيس بن مقلد الكليبي: أتيت بن سعد بن زيدٍ بحيَّها ... كتائب يهديها الرئيس معوَّدُ ومنهم (الهدار) وهو عياض بن الحارث بن عتبة بن مالك بن جعفر. و (ابن عقاب) وهي أمه، وهي سوداء، وهو جعفر بن عبد الله بن قبيصة. وهو القائل: وضمَّتني العقاب إلى حشاها ... وخير الطير قد علموا العقابُ فتاةٌ من بني حامِ بن نوح ... سبتها الخيل غصباً والركابُ ومنهم (ابن عيساء) وهي أمه، أبوه شريح بن الأحوص بن جعفر. ومنهم (المقطع) وهو الهيثم بن هبيرة بن عبد الله بن عامر بن حندج بن البكاء، قطعه قوله: قد كنتُ أدعى هيثماً فأصابني ... قوارعُ منها قد نسبت المقطعا

ومن بني نمير بن عامر

ومن بني نمير بن عامر (الراعي) وهو عبيد بن الحصين بن معاوية بن جندل، سمي راعياً لقوله أبياتاً يصف فيها راعياً. ومنهم (جران العود) غلب لقبه على اسمه لقوله: عمدت لعودٍ فالتحيتُ جرانه ... وللكيسُ أمضى في الأمور وأنجح خذا حذراً يا حبَّتىّ فإنَّني ... رأيتُ جران العود قد كاد يصلح ومنهم (خنزر) وهو إمام بن أقرم، أخو بني بدر بن ربيعة بن عبد الله بن الحارث. ومن بني هلال بن عامر (حميد الجمالات) ابن ثور، وكان لا يذكر ناقة في شعره إلا ذكر معها جملا.

ألقاب شعراء ربيعة بن نزار

ألقاب شعراء ربيعة بن نزار منهم (المسيب) واسمه زهير بن علس بن عمرو بن عدي بن مالك بن جشم، أخو بني ضبيعة بن ربيعة، وإنما سيبه أن بني عامر بن ذهل أوعدوه، فقال له قومه: قد سيبناك والقوم. ومنهم (المتلمس) ، وهو جرير بن عبد المسيح، لمسه قوله: وذاك أوان العرضِ حيَّ ذبابهُ ... زنابيرهُ والأزرقُ المتلمَّسُ ومنهم (يزيد الغواني) وهو يزيد بن سويد بن حطان، أخو بني ضبيعة ابن ربيعة، وهو القائل: لا تدعونَّي بعدها إن دعوتني ... يزيد الغواني وادعني للفوارس ومنه عميرة (الأقشر) وهو عقبة بن لقيط، القائل: إني أنا الأقشر ذاكم نزبى ... أنا الذي يعرف قومي حسبي في عصبة كريمة المركَّبِ

ومن عبد القيس

ومن عبد القيس (الأعور) وهو حميم بن الحارث، من بني صبرة بن عمرو بن الديل بن شن. ومنهم (الممزق) وهو شأس بن نهار بن أسود بن جزيل وهو القائل: فإن كنتُ مأكولا فكن خير آكل ... وإلاَّ فأدركني ولمَّا أمزَّق ومنهم (المفضل) وهو عامر بن معشر بن أسحم بن عدي، فضل بقصيدته المنصفة لقوله: فأبكينا نساءكم وأبكوا ... نساءً ما يسوغُ لهنَّ ريقُ ومنهم (المثقب) وهو عائذ بن محصن بن ثعلبة، ثقبه قوله: رددنَ تحيّةً وكننَّ أخرى ... وثقَّبنَ الوصاوصَ للعيونِ

ومن بني تغلب

ومن بني تغلب (الأعشى) ، وهو يعمر بن نجوان. ومنهم (أفنون) وهو صريم بن معشر بن ذهل بن غنم، فننه قوله: منَّيتنا الودَّ يا مضنونُ مضنونا ... أيّامنا إنَّ للشُّبان أفنونا ومنهم (ابن شلوة) وهو بشر بن سوادة، أخو بني مالك بن بكر ابن حبيب. ومنهم (الأخطل) ، وهو غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة. ومنهم (مهلهل) وهو امرؤ القيس بن ربيعة بن مرة بن الحارث ابن زهير بن جثم، هلهله قوله لزهير بن جناب الكلبي:

ومن بني بكر بن وائل من بني عجل

لمَّا توعَّر في الكراع هجينهم ... هلهلتُ أثار جابرا أو صنبلا ومن بني بكر بن وائل من بني عجل (المفرض) وهو زهدم بن معبد بن الحارث بن هلال، فرضه قوله: وأنا المفرَّض في جنو ... بِ الغادرين بكلّ جار تفريضَ زندةِ قادح ... في كلَّها يوري بنار ومنهم (الدهاب) وهو سلمة بن مجمع بن عذبة بن أسامة. ومنهم (الغريب) ، وهو نعيم، وهو القائل: أنا نعيم وأنا الغرَّيب ... اسماً كرامٍ لهما أحبَّب ومنهم (كبد الحصاة) وهو عمرو بن قيس، أحد بني جندب بن ربيعة بن ضبيعة بن عجل. ومن بني تيم اللات بن ثعلبة بن عكاية (المكواة) وهو عبد الله بن خالد بن حجبة بن عمرو بن عبد الله بن عابد، وهو القائل:

ومثلكَ قد عللتُ بكأسِ غيظٍ ... وأصيدَ قد كوبتُ على الجبينِ وقال أيضاً: وإنَّي لأكوى ذا النَّسا من ظلاعه ... وذا الغلق المعيي وأكوى النوَّاظر وقال أيضاً: لجيم وتيمُ الله عزَّى وناصري ... وقيسٌ بها أكوى النَّواظر والصَّدا ومنهم (الحثاث) ، وهو بشير بن دريج بن الحارث بن غنم بن عائذ حثه قوله: ومشهد أبطالِ شهدتُ كأنَّما ... أحثُّهم بالمشرفيَّ المهنّدِ ومنهم (الهجف) ، وهو كعب بن كرام بن عمر بن ثعلبة، حجفه قوله: يرجَّى ابن ردَّها وانتحالها ... هجفٌّ جفت عنه الموالي فأصعدا ومنهم (المجنون) وهو موالة بن عامر بن مالك بن الحارث بن ثعلبة.

ومن بني قيس بن ثعلبة

وممن يعرف منهم بأمه (ابن زيابة) ليس يعرف إلا بها، وهو سلمة بن مالك بن ذهل بن تميم الله، وهي زيابة بنت شيبان بن ذهل بن ثعلبة. ومن بني قيس بن ثعلبة (جهنام) وهو عمرو بن قطن بن المنذر بن عبدان بن حبيب. ومنهم (العشى) وهو ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضبيعة. ومنهم (المرقش الأكبر) وهو عمرو بن سعد بن مالك بن ضبيعة رقشه قوله: الدار قفرٌ والرُّسومُ كما ... رقَّش في ظهرِ الأديمِ قلمْ ومنهم (طرفة) ، وهو عبيد بن العبد، بن سفيان بن سعد بن مالك.

ومن بني شيبان

طرفه قوله: لا تعجلا بالبكاء اليومَ مطَّرفا ... ولا أميرَ كما بالدَّار إذ وقفا ومنهم (الضائع) وهو عمرو بن قميئة بن سعد بن مالك، وهو الذي يقول له امرؤ القيس وكان خرج معه إلى قيصر: بكىَ صاحبي لمَّا رأى الدَّربَ دوننا ... وأيقنَ أنَّا لاحقانِ بقيصرا ومنهم (المرقش الأصغر) وهو عمرو بن حرملة بن سعد بن مالك. ومن بني شيبان (النابغة) وهو عبد الله بن المخارق بن سليم بن خضير. ومنهم (الأعشى) وهو عبد الله بن خارجة بن حبيب بن عمرو بن العائذي، من عائذة قريش.

ومن قضاعة ثم من كلب

ومن قضاعة ثم من كلب (الأصم) وهو مالك بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر. سمي لقوله: أصمُّ عن الخفا إن قيل يوماً ... وفي غير الخنا ألفي سميعا ومنهم (ابن الطوامة) وهو جبار بن حارثة بن حوط، والطرامة أمة حضنته فغلبت عليه. ومن سعد هذيم (جواس) وهو عبد الله بن قطبة بن ثعلبة بن الهوذاء بن عمرو بن الأحب. ومن بني نهد (ابن سخلة) وهي أمه، وهو قيس بن عبد الله بن غنم بن صبح. ومنهم (ابن المنتنة) وهو يسار بن عامر بن كوز بن هلال بن نصر ابن زمان. ومنهم (المقعب) وهو خيثم بن عمرو بن سعد بن صريم. ومن الأنصار (الحسام) وهو (ابن الفريعة) وهو حسان بن ثابت بن المندر

ومن خزاعة

ابن حرام. ومنهم (ابن الإطنابة) بها يعرف، وهي أمه بنت شهاب بن بقان من بلقين، واسم ابن الإطنابة عمرو بن عامر بن زيد مناة بن مالك الأغر. ومنهم (الزمق) وهو عبيد بن سالم بن مالك بن عوف بن الخزرج. ومن خزاعة (ابن الحدادية) وهي من محارب بن خصفة، واسم ابن الحدادية قيس بن منقذ بن عمرو بن أصرم بن طاطر بن حبشية. ومن بارق (المعقر) ، وهو سفيان بن أوس بن حمار، عقره قوله: لها ناهضٌ في الوكر قد مهدتْ له ... كما مهدت للبعل حسناءُ عاقرُ

ومن الأزد

ومن الأزد (ثابت قطنة) بن كعب، وله يقول حاجب الفيل: ما يعرفُ الناس منه غير قطنته ... وما سواهُ من الآباء مجهولُ وكان يحشو عينه بقطنة. ومن همدان (الأعشى) وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث بن نظام. ومنهم (المذنوب) وهو كثير بن أبي حية. ومنهم (الوارع) وهو حشيش بن عبد الله بن مر بن سلمان بن معمر.

ومن جعفى

ومن جعفى (الشويعر) ، وهو محمد بن حمران بن أبي حمران. ومنهم (الخلج) وهو عبد الله بن الحارث بن عمرو بن وهب بن الحارث ابن سعد: خلجة قوله: كأنَّ تخالج الأشطانِ فيها ... شآبيبٌ تجود من الغوادي ومن بني أود (الأفوه) وهو صلاءة بن عمرو بن عوف بن منبه بن أود. ومن مراد (المكشوح) وهو هبيرة بن عبد بغوث بن غويل بن سلمة بن ندا، وكان كشح جنبه بالنار.

ومن كندة

ومن كندة (الذائد) وهو امرؤ القيس بن بكر بت امرئ القيس بن الحارث ابن معاوية سمى ذائداً لقوله: أذودُ القوافيَ عنَّي ذيادا ... ذيادَ غلامٍ غوىًّ جرادا ومنهم (المقنع) وهو محمد بن عميرة بن أبي شمر بن فرعان بن قيس، وكان مقنعاً الدهر كله. ومن السكون (ابن الغزالة) وهو ربيعة بن عبد الله بن ربيعة بن سلمة بن الحارث ابن سوم.

وفي خثعم

وفي خثعم (ذو اليدين) وهو نفيل بن حبيب، دليل أبرهة على الكعبة. ومن مرة قضاعة (مدرج الريح) وهو عامر بن المجنون، درجه قوله: أعرفت رسماً من أمامة بالَّلوى ... درجت عليه الريحُ بعدكَ فاستوى ومن طيئ (عارق) وهو قيس بن جروة بن الأحيصن، عرفه قوله: لئن لم تغيَّر بعضَ ما قد فعلتمُ ... لأنتحين للعظم ذو أنا عارقه

و (أبو المهند) بن معاوية بن حرملة بن رسم بن لوران بن عدى ابن فزارة. "تم الكتاب بحمد الله وعونه بعد تعب شديد في كتبه إذا كان أصله مكتوباً بالكوفى بخط محرف، على يد الفقير إلى رحمة الله تعالى يوسف بن محمد الشهير بابن الوكيل الملوى، غفر الله له ولوالديه ولمشايخه ولأقاربه، ليلة الثلاثاء المسفر صباحها عن ثامن عشر جمادى الولى من شهور سنة 1114 ألف ومائة وأربعة عشر هجرية".

كتاب العققة والبررة

كتاب العققة والبررة لأبي عبيدة معمر بن المثنى 110 - 210 رواية أبي غسان رفيع بن سلمة العبدي رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما أنا أبو غسان رفيع بن مسلم العبدي وقرئ عليه، قال أبو عبيدة: كان قوم عقوا آباءهم فعاتبهم آباؤهم على عقوقهم بقوم بروا آباءهم، فذكر ذلك منهم، وقوم هاجروا إلى الأنصار وتركوا آباءهم في البوادي، فاشتاقوا إلى أولادهم فقالوا في ذلك. 1 فممن عق أباه عيسى بن يحيى بن سعيد أبي عمران الأعمى موالى آل طلحة ابن عبيد الله، كان يعيب شعره ويماريه في رأيه، ويثب على عثراته يعيب أباه بسوء خلقه: أليس اغترابٌ من عمايةَ في الرَّدى ... بحيث الوعولُ العاقلاتُ توقَّلُ لذي الحلم خيراً من محلّ يرى به ... علىَّ له الفضلَ اللئيمُ المحوَّلُ

قطوباً فما تلقاه إلاَّ كأنَّما ... زوى وجهه، أن لاكه فوه، حنظلُ فحسبك إن صاحبتَ ذا من بليةٍ ... وجانبكَ البسَّامةُ المتهللُ فقال أبوه يحيى بن سعيد يعاتبه ومن خبرى أنَّي منيتُ بصاحبٍ ... يلومُ وإن لم أجنِ ذنباً ويعذلُ إذا قلتُ قولاً عابهَ بجهالةِ ... وفي ما يقولُ العيبُ لو كانَ يعقلُ تراهُ معدّاً للخلاف كأنَّه ... بردَّ على أهل الصَّوابِ وكلُ يراقبُ منّى غفلةً كي ينالها ... كما لحلاةٍ نفَّضَ الريش أجدلُ وهيهات منّي تلك حينَ يردُّني ... إليها من العمر الذي هو أرذلُ فذاكَ عسى أو لا فلست بمضغةٍ ... لمنتشلٍ، والوقت لم يأنِ، تؤكلُ أبي ليَ إقراراً على الخسف أنَّني ... منوع لما لم يمنعُ المتذَّلل وإن خفتُ ضيماً في محلَّ تركتهُ ... إلى.. فيه عن الضَّيم مزحل وإنَّك إذ ترجو لحاقي موائما ... برأيك رأياً بالمنى لمقلَّلُ وما خطرة الحقَّ الضَّئيلِ وصولهُ ... إذا خطرت يوماً قساورُ بزَّلُ

من الشَّدقيمات اللواتي إذا.. ... لجلجت جون الذباب المجلجلُ وما كاذنى والحمدُ لله كائدٌ ... فيرجعَ إلاَّ نابهُ المتفلَّلُ وقد رامها منّى سواكَ معاشرٌ ... بغاة فلم يفلل صفانيَ معول وكنتُ إذا أبصرتُ للقول موضعاً ... يعرَّبه عضبٌ بما شئتَ مقولُ وأصممتُ في النادي لغير جهالةٍ ... بما نطقوا حتَّى يقالُ مغفَّلُ وما بيَ من عيَّ ولا أنطق الخنا ... إذا جمع الأقوامَ للخطبِ محفلُ ولكنّني للقومِ عند اشتجارهم ... رضى، غير مردودِ الحكومة، مفصلُ فقلت له يوماً لأسمعَ قوله ... ويعلمَ بالتعليم من كان أجهلُ غذوتك مولوداً وعلتكَ يافعاً ... تعلُّ بما أجنى إليك وتنهلُ إذا ليلةٌ آبتك بالشَّكو لم أبت ... لشكوك إلاَّ خائفاً أتململ كأني أنا المطروق دونك بالذي ... طرقتَ به دوني وعيني تهملُ تخافُ الرَّدى نفسي عليكَ وإنَّها ... لتعلمُ أنَّ الموت وقتٌ مؤجَّلُ وأن ليسَ عن ورد المنايا مؤخّر ... لعزًّ ولا عنها لذلًّ معجّلُ فلمَّا بلغتَ السَّنَّ في الغابةِ التي ... إليها مدى ما كنتُ فيك أؤَّملُ جعلت جزائي منكَ حبها وغلظةً ... كأنك أنت المنعمُ للتطوَّلُ

2

وسَّميتني باسم المفتَّد رأيهُ ... ولم نمض لي في السَّنَّ ستون كملُ فليتك إذ لم توعَ حقَّ أبوَّتي ... كما يفعل الجارُ المجاور نفعل وإن كنتَ شيئاً فالتمس لك والداً ... أباً لكَ تدعوه أباً حين تسألُ فإني أرى فيمن رأيتُ معاشراً ... بآبائهم آباء سوء تبدَّلُ كما رضيتْ للحين كلبٌ بحميرٍ ... أباً من معدً ضلَّةً ما تقوَّلُ إلى أيً عزًّ أو إلى أيَّ ثروةٍ ... عن ابن رسول الله كانت تحوَّلُ أأكرم نفساً أو أباً أو محلةً ... إليهم من إسماعيل كانت تحوَّلُ فما استوحشَ الحيُّ المقيمُ لرحلة ال ... خليط ولا عزَّ الذين تحمَّلوا كتاركِ يوماً مشيةٍ من سجيَّةٍ ... لأخرى ففاتته وأصبحَ يحجلُ 2 وممن عق أباه السر ندى بن حنظلة بن عوادة الربيعي، ترك أباه في المفازة وفارقه، فقال حنظلة بن عرادة في ذلك: ما للسَّر ندى أطال الله أيمتهُ ... ألقى أباهُ بغيرِ البيد وأدَّلجا مجعٌ سباتٌ يعاف الكلبِ طعمته ... إذا رأى غفلةً من جارهِ ولجا

3

ربيتهُ وهو مثلُ الفرخ أعظمه ... والكلب يلحس من تحت أسته لرَّدجا 3 وممن عق أباه لبطة بن الفرزدق، وكان يطيع امرأته وكانت تحرشه عليه، فقال الفرزدق: أأن أرعشتْ كفَّا أبيكَ وأصبحت ... يداك بدي ليثٍ فإنك حاربهُ إذا غلبَ ابنٌ بالشَّبابِ أباً له ... كبيراً فإن الله لا بدَّ غالبهُ رأيتُ تباشيرَ العقوق هي التي ... من ابن امرئ إلاَّ يزال بغالبهُ ولمَّا رآني قد كبرتُ وأنَّه ... أخو الحيّ واستغني عن المشح شاربهُ أصاخَ لعريان النجىّ وإنَّه ... لأزورُ عن بعض المقالةِ جانبه أنكر أبو غسان "أخو الحن" وإنما هو "الحي" قال: كان يقال له: يا بني، فصار اليوم يقال له: يا أخي.

ومنهم بنو عقيل بن علفة، كان علفة بن عقيل بن علفة هوى امرأة من قومه من بني مالك بن مرة وهويته، فأراد أن يتزوجها فخطبها أبوهم عقيل فزوجته، فأقامت عنده حيناً، ثم إن قومها أدعوا عليه أنه طلقها، فهرب بها إلى الشام وقال في ذلك: لعمري لقد أضحتْ سلامة بدَّلت ... من الرَّملة القفراء قفلا تزاولهُ وبرجاً يعنَّيها دوئُّ حمامهِ ... إذا هي أضحتْ، بزله وجواز له وقال في امرأته: وما كان قبل المالكية لي هوى ... ولا بعدها إلاّ هوى أبا غالبه وما كادَ حبُّ المالكية ينقضي ... ومن مالك عظمٌ صحيحٌ أعاتبهُ فلولا هواىَ المالكيةَ أوردتْ ... بنو مالكٍ بحراً تناهي غواربهُ فخرج عقيل بامرأته إلى الشام ومعه ولده علقة، وعملس، وجثلمة وابنته الجرباء، فلما كانوا بدومة الجندل تغنى علفة بن عقيل فقال: قفي يا ابنةَ المرَّىَّ نسألك ما الذي ... تقولين فيما كنتِ منَّيتنا قهلُ تخبَّركِ إن لم تنجزى الوأىَ أنَّنا ... ذوا خلَّةٍ لم يبقَ بينهما وصل

فإن شئت كان الصَّرمُ ما هبَّت الصَّبا ... وإن شئيِ الجنيبُ ولا حبل فغدا عليه عقيل أبوه بالسيف وقال: يا عدو الله من هذه المرية؟ واتهمه بامرأته وقال: أتشبب بأمك؟! فكلمه أخوه فيه فحمل عليهما، ويرميه عملس بسهم في فخذه فصرعه، فثم حين يقول عقيل: إنْ بنيَّ رمَلوني بالدَّم ... من يلقَ أبطال الرَّجال يكلم شنشنةٌ أعرفها من أخزم ... ومن يكن ذا أودٍ يقوَّم وقال عقيل: لعمركَ إنيَّ يومَ أغذو عملَّساً ... لكالمتربَّى حتفه وهو لا يدري وإنَّي لأسقيهِ غبوقي وإنَّني ... لغرثانُ منهوك البآديل والنحرِ

وقال علمس لعقيل أبيه: ألا أبلغا عنى عقيلاً رسالةً ... فإنكَ من حربٍ علىَّ كريم ألا تذكرُ الأيامُ إذ أنت واحدٌ ... وإذ كلُّ ذي قربي إليكَ مليم وإذ لا يقيكَ الناسُ شيئاً كرهته ... بأنفسهم إلاَّ الذين تضيمُ وأنتَ إذا آنستَ خيراً وغبطةً ... فإنَّكَ أحياناً ألدُّ ظلوم وأنت إذا ما الدَّعر عضَّك عضَّةً ... فإنك معطوفٌ عليك رحيمُ وتفرق عنه ولده، فبيناهم بفنائه وقد ملأ حياضه ولم ترد إبله بعد، إذ جاء بجيل بن خبيب بن ورد بن حذيفة بن بدر، لعقيل: دعني أسقى إبلى من حياضك وأملؤها لك فأبى ذلك عقيل، فوثب بنون لبجيل على عقيل فقطعوا أطنابه، وسقوا إبلهم من حياضه، فبلغ الخبر علفة بن عقيل ويقال إنها لعملس بن عقيل، ويقال بل قالها أرطاة بن سهية يعيره ببجيل: أكلتَ بنيكَ أكلَ الضَّبَّ حتَّى ... وجدت مرارةَ الكلأ الوبيلِ

5

فلو كانوا قريباً حين تدعو ... منعت فناءَ بيتكَ من بجيلِ 5 ومنهم منازل بن فرغان وقال آخر: فرغان بن أصبح بن الأعرف، أحد بني مرة بن عبيد ثم أحد بني نزال بن مرة، وكان تزوج على أمه امرأة شابة، فغضب لأمه، فأستاق ماله واعتزل مع أمه فقال ذلك فرغان بن الأعرف: جزت رحمٌ بينى وبين منازلٍ ... جزاءَ كما يستنجز الدَّينَ طالبهُ وما كنتُ أخشى أن يكون منازلٌ ... عدوَّى وأدنى شأني أنا راهبهُ حملتُ على ظهري وفدَّيت صاحبي ... صغيراً إلى أن أمكن الطَّرَّ شاربهُ وأطعمتهُ حتّى إذا آضَ حشرباً ... طوالاً يساوي غاربَ الفحلِ غاربهُ

فلمَّا رآني أحسب الشخص أشخصاً ... بعيداً وذو الرأي البعيد يقاربهُ تظلَّمني مالي كذا ولوى يدي ... لوي يده الذي لا يغالبه وولَّى وولاَّني عشوزنَ ركنهِ ... ووجهّ عدوَّ يقطع الطَّرفَ حاربه وولّضى بها وهماً وجوناً كأنَّها ... فسيلُ الكثادى لم تقطَّع جوانبهُ ولا للفظّ يرجو أن أذيخ منازلٌ ... كما عذّب العودَ المجفَّر راكبه وما ذاك إلاَّ في فتاةٍ أصبتها ... إلا ليتَ أنَّ الشيخَ جبّت ذباذبه وما كنتُ لهم كالسَّمنِ لم يشكرونني ... تعلَّلَ للسَّمنِ المفرع جادبه وكان له عندي إذا جاع أو بكى ... من الزَّاد يوماً حلوهُ وأطايبه أيظلمني مالي ويحنثَ ألوتى ... فسوف يلاقى ربَّه فيحاسبه

فرد عليه منازل ابنه: كنتَ كمن ولى أمر كتيبهِ ... ففرَّ بها فأرفضَّ عنه كتائبهُ وما ذاكَ من جرَّى عقوقٍ تعدُّه ... ولا حلقٍ منى بدا أنت عائبهُ وقال فرغان: ووجهٍ حرام قد لطمتَ ولحيةٍ ... نتفتَ بياضَ شيمهاَ بشمالكما وقال فرغان وبلغه أن قومه يقولون إنه رجل سوء فلذلك عقه بنوه: يقول رجالٌ إنَّ فرغان ظالمٌ ... ولا الله أعطاني بنيَّ وماليا فسلط على منزل بن فرغان ابنه خليج بن منازل فعقه كما عق أباه فقال منازل لابنه خليج: تظلَّمني مالي خليجٌ وعقَّني ... على حينَ كانت كالحنَّى عظامي وكيف أرحىَّ العطف منه وأمُّه ... حراميَّة، ما غرَّني بحرام! تخيَّرتها وأزددتها ليزيدني ... وما بعضُ ما يزداد غيرَ غرام وجاء بغولٍ من حرامٍ كأنَّما ... يسعَّر في بيتي حريقُ ضرام لعمري لقد ربيتهُ فرحاً به ... فلا يفرحن بعدي أبٌ بغلام أمه من بني حرام، وتزوج هو أيضاً من بني حرام.

7

ومنهم مرة بن الخطاب بن عبد الله بن حمزة، من بني قريع بن عوف، وكان يهزأ من أبيه ويؤنبه في بعض أخلاقه: ربذَيته وهو مثل الفرخ أعظمهُ ... أمُّ الطَّعام على أعطافه الزَّغبُ حتّى إذا آض مثل الجذع شذَّبه ... أباره وأنبرى من متنهِ الشَّذبُ أنشا يزوَّر أخلاقي يؤدبني ... قد كنت قبلكَ معروفاً لي الأدبُ وجاذبتني القراني فاستمرَّ بهم ... مني أمينُ القوى صلبٌ إذا جذبوا فما تحنُّ جمالي حين أصرفها ... عند الشَّياع ولا يقتادني الجنبُ ولا فحومٌ إذا ما الرَّيق غصَّ به ... ولا صخوبٌ إذا ينفع الصخب فأتِ الذي أنت آتٍ غير موعدنا ... فقد ترى سبلَ إخوانٍ لنا ذهبوا شظَّى عصاهم فأضحوا لا جميعَ لهم ... كرَّ المنايا ودهرٌ مرَّةً عقبُ 7 وكان منهم ابن أم ثواب الهزانية، وكانت امرأته تغربه بها في السر، وتسمعها في العلان: مهلاً عن أمنا فإن لنا فيها حاجةً! فقالت أم ثواب:

8

ربيَّته مثلَ فرخ السَّوء أعظمه ... أمٌ الطَّعام ترى في جلده زغبا حتّى إذا عادَ كالفحَّال شذَّبه ... أبَّاره ونفي عن متنه الشَّذبا أمسى يمزَّق أثوابي ويضربني ... أبعد شيبي عندي تبتغي الأدبا أنَّي لأبصر في ترجيل لمَّته ... وخطَّ لحيته في خدَّه عجبا قالت له عرسه يوماً لتسمعني ... مهلاً فإنَّ لنا في أمَّنا أربا ولو رأتني في نارٍ مسعَّرةٍ ... ثم استطاعت لزادت فوقه حطبا 8 ومنهم معبد بن قرط العبدي، هجا أمه فقال: يا ليت ما أمنّا شالت نعامتها ... إمّا إلى جنّةٍ أو ما إلى نار

9

قلتهم الوسق مشدوداً أشظّتهُ ... كأنَّما وجهها قد سفعَ بالنارِ ليست بشبعي ولو أنزلتها هجراً ... ولا بريَّا ولو حلَّتْ بذي قار خرقاء بالخير لا تهتدي لوجهته ... وهي صناعُ الأذى في الأهل والجار 9 ومنهم ابنا القلاخ بن حزن، عقاه فقاتلاه فقال: فإنْ تغلباني ابني صفيةَ اعترفْ ... لألأمِ منْ يحذى على قدمٍ نعلا وإلاّ فإني لا إخالُ كريهتي ... على السَّنّ إلاّ سوف بحتذم الحبلا ويا ضيعةَ الماء الذي لم أجدله ... قراراً ولم أنجب له حسباً جزلا ثعالبَ غبساً لم تكن أمَّهاتها ... كأمّي ولا آباؤهم كأبي فحلا أتحسبني ذ كوانَ، يا آكل الخصى ... وأيتامه إذ لا تدبُّ لهم ختلا وأشبهتَ بإذنَ الذي كان عامراً ... وعزرة كأنالي على مكبري خبلا وذا الفاسق الزَّاني الذي لو غسلته ... بدجلةَ ما أنقيتهَ أبداً غسلا

10

رجوتُ فراساً صعَّد الله روحه ... فلم أكتسبْ منه على عاجز فضلا كان أمثل أخوالها، فرجا أن يشبهاه فلم يفضلا على رجل عاجز. 10 لحاكَ الله ثمَّ براك ربَّي ... أباً وبراكَ من عمًّ وخالِ فبئس الشيخ أنت لدي التَّنادي ... وبئس الشيخُ أنت لدي المعالي حويتَ اللؤمَ لا حيَّاكَ ربَّي ... وأبوابَ المخازي والضَّلالِ 11 ومنهم الخنافر بن موسى بن جابر بن شريح بن أرقم بن عبيد، وعق أباه فقال موسى فيه: ويرفعُ أقوامٌ أباهم وبعضهم ... إلى أسفل الوادي وما ضاقَ حادرُ فذلك من لا يستحى من خزايةٍ ... وبعل الإماءِ وابنهنَّ الخنافرُ 12 ومنهم أبو الطحماء الطائي، هجا أمه فقال: يا أمَّ لا رقأت عينٌ بكيتِ بها ... ولا جرتْ لكم الطَّيرُ الميامينُ

13

لما أتيتُ بها الأعرابَ أدفنها ... أهونْ علىَّ بشخصٍ ثمَّ مدفونِ جاءت برايبةٍ صفراءَ حامضةٍ ... وجودقٍ من حصاد المعجون فكلْ بنيَّ فإن الخمرَ غاليةٌ ... وليس يشربها غيرُ المجانين يا أم إني أكلت النُّون بعدكم ... فهل لنا من شرابٍ هاضم النُّونِ 13 ومنهم الحطيئة، هجا أمه، كانت آثرت أخاه عليه فقال: جزاكِ الله شرَّاً مكن عجوزٍ ... ولقَّاك العقوقً منن البنينا تنحَّىْ فاقعدي عنَّا بعيداً ... أراحَ الله منكِ العالمينا حياتكِ ما علمتُ حياةُ سوءٍ ... وموتك قد يسرُّ الصالحيفا وغربالٌ إذا استودعتِ سرَّا ... وكانونٌ على المتحدَّثينا

15

ومنهم عتاب بن أبي هريرة بن عامر بن مالك عق أباه. 15 قال أبو عبيدة: ومنهم آخر لقوه بظهر الكوفة وهو يحمل كالكارة على ظهره، فقيل: ماذا يحمل؟ فقال: أنا لها مطيَّةٌ لا أنكرُ ... إذا المطايا نفرت لا تنفرُ ما أرضعتني وحملتني أكثرُ

16

16 قال أبو عبيدة: وكأن لأعشى سليم ابن بار به فغاب في بعض حوائجه فأنشأ الأعشى يقول: نفسي فداؤك من غائب ... إذا ما البيوتُ لبسنَ الجليدا كفيتَ الذي كنتَ ترحى له ... فصرت أباً [لي] وصرت الوليدا 17 ومنهم بنو الضباب بن سدوس الطهري، بروه، وكان قد أسن فقال في ذلك: لعمري لقد برَّ الضَّبابَ بنوه ... وبعضُ البنين حمَّةٌ وسعالُ تم كتاب أبي عبيدة معمر بن المثنى

قال أبو غسان (عن غير أبي عبيدة) : قال رجلٌ في ابن له كان باراً به، يشكر بره: جرى ابني الله خير جزاء برًّ ... فقد فرع الهموم برحبِ صدرِ كفى ما كنت آمله صغيراً ... له من نائبٍ وملمَّ دهرِ والحمد الله حق حمده [ ... ] على محمد نبيه نقلته من كتاب نقل من كتاب الخشنى بخطه المقروء على أبي غسان في النصف من رمضان سنة سبع وثلاثين ومائتين

كتاب أسماء جبال تهامة وسكانها

كتاب أسماء جبال تهامة وسكانها وما فيها من القرى وما ينبت عليها من الأشجار وما فيها من المياه رواية السيرافي بإسناده إلى عرام بن الإصبغ السلمى تأليف عرام بن الأصبغ السلمى

مخطوطة

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر بخير آمين قال أبو سعيد السحن بن عبد الله السيرافي: أخبرنا أبو محمد عبيد الله ابن عبد الرحمن السكري قراءة عليه حدثنا عبد الله بن عمرو بن عبد الرحمن الوراق المعروف بابن أبي سعد، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك أبو الأشعث قال: أملي على عرام بن الأصبغ السلمى قال:

أسماء جبال تهامة وسكانها وما فيها من القرى، وما ينبت عليها من الأشجار، وما فيها من المياه أولها (رضوى) من ينبع على يوم، ومن المدينة على سبع مراحل ميامنة طريق المدينة، ومياسره طريق البريراء لمن كان مصعداً إلى مكة، وعلى يلتين من البحر وبحذائها (عزور) وبينه وبين رضوى طريق المعرفة تختصره العرب إلى الشام، وإلى مكة وإلى المدينة، بين الجبلين قدر شوط فرس، وهما جبلان شاهقان منيعان لا يرومهما أحد، نباتهما الشوحط والقرظ والرنف، وهو شجر يشبه الضهياء. والضهياء: شجر يشبه العناب تأكله الإبل والغنم، لأثمر له، وللضهياء ثمر يشبه العفص لا يؤكل، وليس له طعم ولا ريح.

وفي الجبلين جميعاً مياه أوشال، والوشل: ماء يخرج من شاهقه لا يطورها أحد ولا يعرف منفجرها، وليس شيء من تلك الأوشال يجاوز الشقة وأنشد في الرنف يصف جبلا: مرانعه رنفٌ فملقى سيالهِ ... مدفعُ أوشالٍ بدبُّ معينها ويسكن ذراهما وأحوازهما نهد وجهينة في الوبر خاصة دون المدر، ولهم هناك يسار ظاهر، ويصب الجبلان في وادي (غيقة) ، وغيقة يتصب في البحر ولها مسك وهي مواضع تمسك الماء، واحدها مساك. ومن عن يمين رضوى لمن كان منحدراً من المدينة إلى البحر، على ليلة من رضوى (ينبع) ، وبها منبر وهي قربة غناء، سكانها الأنصار وجهينة

وليث أيضاً، وفيها عيون عذاب غزيرة، وواديها (يليل) يصب في غيقة (والصفراء) قربة كثيرة النخل والمزارع، وماؤها عيون كلها، و [هي] فوق ينبع مما يلي المدينة، وماؤها يجري إلى ينبع، وهي لجهينة والأنصار ولبني فهر ونهد، ورضوى منها من ناحية مغيب الشمس، وحواليها قنان، واحدها قنة، وضعاضع صغار، واحدها ضعضاع، والقنان والضعاضع جبال صغار لا تسمى، وفي بليل هذه عين كبيرة تخرج من جوف رمل من أعذب ما يكون من العيون وأكثرها ماء، تجري في رمل تمكن الزراعين عليها إلا في مواضع يسيرة من إخفاء الرمل، فيها نخيل وتتخذ البقول والبطيخ، وتسمى هذه العين (البحير) . و (الجار) على شاطئ البحر، ترفأ إليه السفن من أرض الحبشة ومصر، ومن البحرين والصين، وبها مغبر، وهي قرية آهلة، شرب أهلها من البحير، وبالجار قصور كثيرة، ونصف الجار في جزيرة من البحر، [ونصفها على الساحل، وبحذاء الجار جزيرة في البحر] تكون ميلاً في ميل، لا يعبر إليها

إلا في سفن، وهي مرفأ الحبشة خاصة، [يقال لها] (غراف) ، وسكانها تجار كنحو أهل الجار، يؤتون بالماء من على فرسخين، ووادي يليل يصب في البحر ثم من عدوة غيقة اليسرى مما يلي المدينة عن يمين المصعد إلى مكة من المدينة، وعن يسار المصعد من الشام إلى مكة جبلان يقال لهما (ثافل الأكبر) و (ثافل الأصغر) وهما لضمرة خاصة وهم أصحاب حلال ورعية ويسار، وبينهما ثنية لا تكون رمية سهم، وبينهما وبين رضوى وعزور ليلتان، نبتهما المرعر، والقرظ، والظيان، والأيدع، والبشام، وللظيان ساق غليظة، وهو شاك، أي غليظ الشوك، ويحتطب، وله سنفة كسنفة المشرق والسنفة: ما تدلى عن الثمر وخرج عن أغصانه، والمشرق: ورق يشبه الحندقوقا منتنة الريح.

والإيدع: شجر يشبه الدلب، إلا أن أعصابه أشد تقاربا من أغصان الدلب لها وردة حمراء ليست تجد طيب الريح وليس لها ثمر، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسر شيء من أغصانها وعن السدر والتنضب والشبهان لأن هؤلاء جميعاً ذوات ظلال يسكن الناس فيها من البرد والحر وللتنضب ثمر يقال له الهمقع، يشبه المشمش يؤكل طيباً وللسرح ثمر يقال له الآء يشبه الموز وأطيب منه، كثير الحمل جداً.

وفي ثافل الأكبر عدة آبار في بطن واد يقال له (يرئد) يقال للأبار (الدباب) ، وهو ماء عذب كثير غير منزوف، أناشيط قدر قامة قامة. وفي ثافل الأصغر ماء في دوار في جوفة يقال له (القاحة) وهما بئران عذبتان غزيرتان، وهما جبلان كبيران شامخان وكل جبال نهامة تنبت الغضور وبينها وبين رضوى وعزور سبع مراحل، وبين هذه الجبال جبال صغار وقرادد وينسب إلى كل جبل ما يليه. ولمن صدر من المدينة مصعداً أول جبل يلقاه من عن يساره (ورقان) وهو جبل أسود عظيم كأعظم ما يكون من الجبال، بنقاد من سيالة إلى المتعشى بين العرج والرويثة، ويقال للمتعشى: الحيّ. وفي ورقان أنواع الشجر المثمر كله [وغير المثمري، وفيه القرظ

والسماق والرمان والخزم، وأهل الحجاز يسمون السماق "الضمخ" وأهل نجد يسمونه "العرتن" واحدته عرتنة والخزم: شجر يشبه ورقه ودق البدى، وله ساق كساق الفخلة يتخذ منه الأرشية الجياد. وفيه أوشال عيون وقلات، سكانه أوس من مزينة، وأهل عمود ويسار وهم قوم صدق. وبسفحه من عن يمين (سيالة) ثم (الروحاء) ثم (الرويثة) ثم (الجي) ويعلو بينه وبين قدس الأبيض ثنية بل عقبة يقال لها (ركوية)

و (قدس) هذا جبل شامخ ينقاد إلى التمشي بين العرج والسقياء ثم يقطع بينه وبين قدس الأسود عقبة يقال لها (حمت) ونبات القدسين جميعاً العرعر والقرظ، والشوحط، والشقب: شجر له أساريع كأنها الشطب التي في السيف، يتخذ منها القسى، والقدسان جميعاً لمزينة، وأموالهم ماشية من الشاة والبعير، أهل عمود، وفيها أوشال كثيرة. ويقابلهما من غير الطريق المصعد جبلان يقال لهما (نهبان) : نهب الأسفل، ونهب الأعلى، وهما لمزينة، ولبني ليث فيهما شقص، ونباتهما العرعر واٌثرار، وقد يتخذ من الإبرار القطران كما يتخذ من العرعر، وفيهما القرظ، وهما مرتفعان شاهقان كبيران، وفي نهب الأعلى ماء في دوار من الأرض، بئر واحدة كبيرة غزيرة الماء، عليها مباطخ وبقول ونحيلات يقال لها (ذو خيمي) وفيه أوشال.

وفي نهب الأسفل أوشان، ويفرق بينهما وبين قدس وورقان الطريق، وفيه (العرج) ووادي العرج يقال له (مسيحة) نباته المرج والأراك والمام، ومن عن يسار الطريق مقابلا قدسا الأسود جبل من أشمخ ما يكون، يقال له (آرة) وهو جبل أحمر تخر، من جوانبه عيون، على كل عين قربة، فمنها قرية غناء كبيرة يقال لها (الفرع) وهي لقريش والنصار ومزينة ومنها (أم العيال) قرية صدقة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليها قرية يقال لها (المضيق) ومنها قرية يقال لها (المحضة) ومنها قرية يقال لها (الوبرة) ومنها قرية يقال لها (خضرة) ومنها قرية

يقال لها (الغفوة) تكتنف آرة من جميع جوانبه، وفي كل هذه القرى نحيل وزروع، وهي من السقيا على ثلاث مراحل من عن يسارها مطلع المشس، ووداديها يصب في (الأبواء) ، ثم في (ودان) وهي قربة من أمهات القرى لضمرة وكنانة وغفار وفهر قريش، ثم في (الطريفة) ، والطريقة قرية ليست بالكبيرة على شاطئ البحر، واسم وادي آرة (حقل) وقرية يقال لها (وبعان) و (خلص آرة) واد به قرى وأجزاع ونخل، وقد قال فيه الشاعر:

فإن بخلص فالبرُ يراء فالحشا ... فوكدٍ إلى النَّقعاءِ من ويعانِ

جواريَ من حيَّ عداء كأنَّها ... مها الرَّمل ذي الأزواج غير عوانِ جننَّ جنوناً من بعولٍ كأنَّها ... قرودٌ، تباري في رياطِ يمانِ ثم يتصل [بخلص آرة] (ذره) ، وهي جبال كثيرة متصلة ضعاضع ليست بشوامخ، في ذراها المزارع والقرى، وهي بني الحارث ابن بهثة بن سليم، وزورعها أعذاء، ويسمون الأعذاء العثرى: وهو الذي لا يسقى وفيها مدر وأكثرها عمود، ولهم عيون [ماء] في صخور لا يمكنهم أن يجروها إلى حيث ينتفعون به. ولهم من الشجر العفار، والقرظ، والطلح، والسدر بها كثير، والنشم، والتألب.

وقد يعمل من النشم القسئ والسهام،، وهو خيطان لا ورق له والإثرار له ورق يشبه ورق الصعتر وشوك نحو شوك الرمان، ويقدح ناره إذا كان يابساً فيقتدح سريعاً، والعفار ورده بيض طيبة الريح كأنها السوسن. ويطيف بذرة قربة من القرى يقال لها (جبلة) في غربيه، و (السقارة) قرية تتصل بجبلة، وواديهما واحد يقال له (لحف) وبه عيون ويزعمون أن جبلة أول قرية اتخذت بتهامة، وبجبلة حصون منكرة مبنية بالصخر لا يرومها أحد، ومن شرقي ذرة قرية يقال لها (القعر) وقرية يقال لها (الشرع) وهما شرقيتان، في كل واحدة من هذه القرى مزارع وبخيل على عيون، وهما على واد يقال له (رخيم) ، وبأسله قرية يقال لها (ضرعاء) بها قصور ومنبر وحصون،

يشرك بني الحارث فيها هذيل وغاضرة بن صعصعة. ثم يتصل [بها] (شمنصير) ، وهو جبل ململم لم يله أحد قط ولأدري ما على ذروته، بأعلاه القرود، ويقال: إن أكثر نباته النبع والشوحط والمياه حواليه ينابيع عليها النخيل والحماط وفي كل جبال تهامة الشقاح نبت في حردها وأسافلها، والحرود: الجنوب، والحماط: التين والشقاح: الريباس، ويطيف بشمنصير من القرى قرية كبيرة يقال لها (رهاط) وهي بواد سمي (غران) وانشد:

فإن غراناً بطنُ وادٍ أحبُّه ... لساكنهِ عهدٌ عليّ وثيق وبغربيه قرية يقال لها (الحديبية) ليست بالكبيرة، وببحذائها جبيل يقال له (ضعلضع) وعنده حبس كبير يجتمع عنده الماء، والحبس: حجارة مجتمعة يوضع بعضها على بعض، قال الشاعر: إنَّ التفاني نحو حبس (ضعاضع) ... وإقبالَ عيني في الظُّبا لطويلُ فهؤلاء القريات لسعد وبني مسروح، وهم الذين نشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم، ولهذيل فيها شيء، ولفهم أيضاً، ومياههم بثور، وهي أحساء وعيون ليست بآبار. ومن الحديبية إلى المدينة تسع مراحل، وإلى مكة مرحلة وميل أو ميلان، ومن عن يمين آرة الطريق لمصعد (الحشا) وهو جبل (الأبواء) وهو بواد يقال له (البعق) واد بكنفته اليسرى [واد] يقال له (شسّ) وهو بلد مهيمة موبأة، لا تكون بها ابل، يأخذها الهيام عن نقوع بها

ساكرة لا تجرى، والهيام: حمى الإبل، وهو جبل مرتفع شامخ ليس به شيء من نبات الأرض غير الحزم والبشام، وهو الخزاعة وضمرة، وقال الشاعر في البعق: كأنَّكّ مردوعٌ بشسًّ مطرَّدٌ ... يقارفهُ من عقدة البعقِ هيمها و (الأبواء) منه على نصف ميل. ثم (هرشى) وهو في أرض مستوية، وهي هضبة ململمة لا تنبت شيئاً، أسفل منها (ودان) على ميلين مما يلي مغيب الشمس، يقطعها المصعدون من حجاج المدينة وينصبون منها بينها وبين البحر خبت، والخبت: الرمل الذي لا ينبت غير الأرطي، وهو حطب، وقد يدبغ [به] أسقية اللبن خاصة، وفيها متوسطاً للخبت جبيل أسود شديد السواد يقال له (طفيل) ثم ينقطع عنك الجبال من عن يمنة ويسرة. وعلى الطريق من ثنية هرشي بينها وبين الحجفة ثلاثة أودية مسميات:

منها (غزال) وهو واد يأتيك من ناحية شمنصير وذرة، وفيها آبار، وهو لخزانة خاصة، وهم سكانه أهل عمود، و (دوران) وهو واد يأتيك أيضاً من شمنصير وذرة، [وبه] بئران معلومتان يقال لإحداهما (رحبة) والأخرى (سكوبة) وهو لخزاعة أيضاً، والثالث (كلية) وهو واد يأتيك أيضاً من شمنصير وذرة وكل هذه الأودية تنبت الأرك والمرخ والدوم، وهو المقل، والنخل، وليس هناك جبال، وبكليلة على ظهر الطريق ماء آبار، يقال للآبار كلية، وبهن يسمى الوادي، وبأعلى كلية هذا أجبال ثلاثة صغار منفردات من الجبال يقال لهن (شنائك) ، وهي لخزاعة.

ودون الجحفة على ميل (غدير ختم) ، وواديه يصب في البحر، لا ينبت غير المرخ والثمام والأراك والعشر، وغدير ختم هذا من نحو مطلع الشمس لا يفارقه ماء أبداً من ماء المطر، وبه أناس من خزاعة وكنانة غير كثير. ثم (الشراة) وهو جبل مرتفع شامخ في السماء تأويه القرود، وينبت النبع والشوحط والقرظ، وهو لبني ليث الخاصة، ولبني ظفر من بني سليم وهو من دون عشفان من عن يسارها، وفيه عقبة تذهب إلى ناحية الحجاز لمن سلك عسفان، يقال لها (الخريطة) مصعدة مرتفعة جداً، والخريطة التي تلي الشراة جبل جلد [صلد] لا ينبت شيئاً، ثم يطلع من الشراة على (سآبة) وهو واد بين حاميتين وهما حرتان سوداوان، وبه قرى كثيرة مستماة، وطرق كثيرة من نواح كثيرة. فأعلاها قرية يقال لها (الفارع) بها نحل كثير، وسكانها من كل أفناء الناس، ومياهها عيون تجري تحت الأرض، فقر كلها، والفقر والقنا واحد، وواحد الفقر فقير.

ثم أسفل منها (مهايع) ، وهي قرية كبيرة غناء، بها ناس كثير، وبها منبر، ووالي ساية من قبل صاحب المدينة، وفيها نخل ومزارع وموز ورمان وعنب، وأصلها لولد على بن أبي طالب رضي الله عنه، وفيها من أفناء الناس، وتجار من كل بلد. ثم خيف يقال له (خيف سلام) والخيف: ما كان مجنباً عن طريق الماء يميناً وشمالاً متسعاً، وفيه منبر وناس كثير من خزاعة، ومياها فقر أيضاً، وباديتها قليلة، وهي جشم وخزاعة وهذيل، وسلام هذا رجل من أغنياء هذا البلد من الأنصار. وأسفل من ذلك (خيف ذي القبر) ، وليس به منبر وإن كان آهلا، وبه نخل كثير وموز ورمان، وسكانه بنو مسروح وسعد وكنانة، وتجار ألفاق، وماؤه فقر وعيون تهرج من صفتي الوادي كلتيهما، وبقبر احمد بن الرضا سمي

(خفيف ذي القبر) وهو مشهور به وأسفل منه (خفيف النعم) به منبر، وأهله غاضرة وخزاعة وتجار بعد ذلك وناس، وبه بخيل ومزارع، وهو إلى والي عسفان، ومياهه عيون خرارة كثيرة. ثم (عسفان) ، وهو على ظهر الطريق لخزاعة خاصة، بها منبر ونخيل ومزارع كثيرة. ثم [إن فصلت من عسفان لقيت] البحر، وتذهب عنك الجبال والقرى، إلا أودية مسماة بينك وبين مر الظهران، يقال لواد منها مسيحة وواد يقال له (مدركة) وهما واديان كبيران بهما مياه كثيرة ونخيل، منها ماء يقال له (الحديبية) بأسفله، يصبان من رؤوس الحرة مستطيلين إلى البحر، ثم (مر الظهران) ومر هي القرية، والظهران الوادي، وفيه عيون كثيرة ونخيل وجميز، وهي لأسلم وهذيل وغاضرة. ثم تخرج منه في (بحرين) ، ثم تؤم مكة منحدراً من ثنية يقال لها

(الجفيف) وينجد في حد مكة وادٍ يقال له (وادي تربة) ينصب إلى (بستان ابن عامر) واسفل تربة لبني هلال، وحواليه من الجبال (الشراة) و (بسوم) و (قرقد) و (معدن البرام) وجبلان يقال لهما (شوانان)

واحدهما شوان، وههذ الجبال كلها لغامد، ولجثعم ولسلول، ولسواءة بن عامر، ولعنزة، وكل هذه الجبال تنبت القرظ، وهي جبال متقاودة بينها فتوق، وقال الشاعر يصف غيثاً: أنجدَ غوريٌّ ... وحنَّ متهمهُ واستنَّ بينَ ... ريقَّيهِ حنتمه وقلت أطراف ... السَّراة مطعمهُ وفي جبال السراة الأعناب، وقصب السكر، والقرظ، والإسحل وف يكل هذه الجبال نبات وشجر من الغرب والبشام، إلا يسوم وقرقد، فإنهما لا ينبتان غير النبع والشحط، ولا يكاد أحد يرتقيهما إلا بعد جهد، وإليهما تأوى القرود، وإفسادها على أصحاب قصب السكر، كثير وفي هذه الجبال أوشال عذاب وعيون، غير قرقد ويسوم فليس فيها إلا ما يجتمع في القلات من مياه الأمطار، بحيث لا ينال ولا يعرف مكانه. وقال الشاعر في يسوم وقرقد: سمعتُ وأصحابي تحثُّ ركابهم ... بنا بين ركنٍ من يسومَ وقرقد فقلت لأصحابي قفوا لا أبالكم ... صدورَ المطايا إنَّ ذا صوتُ معبدِ والطريق من بستان ابن عامر إلى مكة على (قفل) وقفل: الثنية التي

تطلعك على (قرن المنازل) حيال الطائف، تلزك من عن يسارك وأنت يؤم مكة، متقاودة، وهي جبال حمر شوامخ، أكثر نباتها القرظ. ومن جبال مكة (أبو قبيس) ومنها (الصفا) و (الجبل الأحمر) وجبل أسود مرتفع يقال له (الهيلاء) يقطع منه الحجارة للبناء والأرحاء، و (المروة) جبل إلى الحمرة ما هو و (ثبير) جبل شامخ يقابله (حراء) وهو جبل شامخ أرفع من ثبير، في أعلاه قلة شاهقة زلوج، وذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتقى ذروته ومعه نفر من الصحابة فتحرك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسكن حراء فما عليك إلا نبيٌ أو صديق أو شهيد"، [وليس بهما نبات ولا في جميع جبال مكة إلا شيء يسير من

الضهياء يكون في الجيل الشامخ] ، وليس في شيء منها ماء، ثم جبال (عرفات) تتصل بها جبال الطائف، وفيها مياه كثيرة أوشال، وكظائم فقر، منها (المشاش) وهو الذي يخرج بعرفات ويتصل إلى مكة، [ومن قعيقعان إلى مكةي اثنا عشر ميلا على طريق الحرف إلى اليمن، و (قعيقعان) : قرية فيها مياه وزروع ونخيل وفواكه، وهي اليمانية، وبين مكة والطائف، قرية يقال [لها] (راسب) لجثعم، و (الجونة) : قربة للنصار والمعدن (معدن البرم) ، وهي كثيرة النخيل والزرع، والمياه مياه آبار،

يسقون زروعهم بالزرانيق. و (الطائف) ذات مزارع ونخيل وموز وأعناب وسائر الفواكه، وبها مياه جارية وأودية تنصب منها إلى تبالة، وجل أهل الطائف ثقيف وحمير، وقومٌ من قريش، وغوث من اليمن، وهي من أمهات القرى، و (مطار) : قرية من قراها كثيرة والموز، و (تبالة) اكبر منها،

بينهما ليلتان، وبالطائف منبر، وبتبالة منبر، وأهلها سلول، وعقيل، وغامد، وعامر بن ربيعة، وقيس كبة. وفي حد تبالة قرية يقال لها (رنية) ، وقرية يقال لها (بيشة) ، و (تثليث) و (بيمبم) و (العقيق، عقيق تمرة) وكلها لعقيل، مياهها بثور، والبثر يشبه الأحساء يجري تحت الحصى على مقدار ذراع وذراعين ودون الذراع، وربما أثارته الدواب بحوافرها.

حد الحجاز

حد الحجاز قال عرام: حد الحجاز من (معدن النقرة) إلى المدينة، فنصف المدينة حجازي ونصفها تهامي، ومن القرى الحجازية (بطن نخل) ، وبحذاء بطن نخل جبل يقال له (الأسود) نصفه نجدي ونصفه حجازي، وهو جبل شامخ، ولا ينبت غير الكلا، نحو الصليان، والغضور، والغرز. ثم (الطرف) لمن أم المدينة، يكنفه ثلاثة جبال: أحدها (ظلم) وهو جبل أسود شامخ لا ينبت شيئاً، و (حزم بني عوال) وهما جميعاً لغطفان، وفي عوال آبار منها (بئر آلية) ، اسم آلية الشاة، و (بئر هرمة)

و (بئر عمير) ، و (بئر السدرة) وليس بهؤلاء ماء ينتفع به، و (السد) ماء سماء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسده، ومنها (القرقرة) ماء سماء، لا تنقطع هذه المياه لكثرة ما يجتمع فيها، ومن السد قناة إلى (قبا) . ويحيط بالمدينة من الجيال (عير) : جبلان أحمران من عن يمينك وأنت ببطن العقيق تريد مكة: ومن عن يسارك (شوران) ، وهو جبل يطل على السد، كبير مرتفع. وفي قبلى المدينة جبل يقال [له] (الصاري) واحد ليس على هذه

نبت ولا ماء غير شوران، فإن فيه مياه سماء كثيرة يقال لها البحيرات، و"كرم" و"عين" وأمعاوهم ما يكون السن وفي كلها سمك أسود مقدار الذراع وما دون ذلك، أطيب سمك يكون. وجبل حذاء شوران هذا يقال له (ميطان) به ماء بئر يقال لها (ضفة) وليس به شيء من النبات، وهو لسليم ومزينة وبحذائه جبل يقال له (سن) وجبال شواهق كبار يقال لها (الحلاء) ، واحدها حلاءة

لا تنبت شيئاً ولا ينتفع بها، إلا ما يقطع للأرحاء والبناء، ينقل إلى المدينة وما حواليها. ثم إلى (الرحضية) قرية للنصار وبني سليم، من نجد، وبها آبار عليها زروع كثيرة ونخيل، وحذاءها قرية أو أرض يقال لها (الحجر) ، وبها مياه عيون وآبار لبني سليم، وحذاءها جبيل ليس بالشامخ، يقال له (قنة الحجر) . وهناك واد عال يقال له (ذو رولان) لبني سليم، به قرى كثيرة تنبت النخيل، منها (قلهي) وهي قرية كبيرة، و (تقتد) قرية أيضاً، وبينهما جبل يقال له (أديمة) وبأعلى هذا الوادي رياض تسمى (الفلاج) جامعة للناس أيام الربيع، وفيها مسك كثيرة يكتفون به صيفهم وربيعهم إذا

أمطروا، وليس بها آبار ولا عيون، ومنها غدير يقال له (المختبي) لأنه بين عضاه وسدر وسلم وخلاف، وإنما يؤتى من طرفيه دون جنبيه، لأن له حرفاً لا يقدر عليه أحد، ومنها قلت يقال له (ذات القرنين) لنه بين جبلين صغيرين، وغنما ينزع الماء منه نزعاً بالدلاء إذا انخفضت قليلاً، ومنها غدير يقال له (غدير السدرة) من أنقاها ماء، وليس حواليه شجر، ثم تمضي مصعداً نحو مكة فتميل إلى واد يقال له (عريفطان معن) ليس به ماء ولا رعى، وحذاءه جبال يقال لها (أبلى) ، وحذاءه قنة يقال لها (السودة) لبني خفاف من بني سليم، وماؤهم

(العصبية) وهي آبار ينزع عليها، وهو ماء عذب وأرض واسعة، وكانت بها عين يقال لها (النازية) بين بني خفاف وبين الأنصار، فتضاربوا فسدوها، وهي عين ماؤها عذب كثير، وقد قتل ناس بذلك السبب كثير، وطلبها سلطان البلد مراراً بالثمن الكثير فأبوا ذلك. وفي أبلى مياه منها (بئر معونة) و (ذو ساعدة) و (جماجم) أو (حماحم) شك و (الوسباء) وهذه لبني سليم، وهي قنان متصلة بعضها إلى بعض، قال فيها الشاعر: أليت شعري هل تغيّرَ بعدنا ... أروم فآرامٌ فشابةُ والحضرُ وهل تركتن أبليَ سوادَ جبالها ... [وهل زالَ بعدي عن قنينتهِ الحجر]

[وحذاء أبلى جبل يقال له (ذو الموقعة) من شرقيها، وهو جبل] معدن بني سليم، يسكون فيه الأورى كثيراً، وفي أسفل من شرقيه بئر يقال [لها] (الشقيقة) وحذاءه من عن يمينه من قبل القبلة جبل يقال له (برئم) وجبل يقال له (تعار) ، وهما جبلان عاليان لا ينبتان، فيها النمران كثيرة، وزفي أصل برئم ماء يقال له (ذنبان العيص) ، وليس قرب تعار ماء، و [الخرب [: جبل بينه وبين القبلة، لا ينبت شيئاً ثابتاً، قال الشاعر: بليتُ ولا تبلي تعارُ ولا أرى ... يرمرمَ إلاّ ثابتاً يتجدد ولا الخرب الداني كأنَّ قلاله ... بخاتٍ عليهنَّ الأجلّة هجَّدُ

ويجاوز عين (النازية) فيرد مياها يقال لها (الهدبية) وهي ثلاثة آبار ليس عليهم مزارع ولا نخل ولا شجر، وهي بقاع كبير يكون ثلاثة فراسخ في طول ما شاء الله، وهي لبني خفاف بين حرتين سوداوين وليس ماؤهن بالعذب، وأكثر ما عندها من النبات الحمض. ثم ينتهي إلى (السوراقية) على ثلاثة أميال منها، قرية غناء كثيرة الأهل، فيها منبر ومسجد جماعة وسوق كبيرة تأتيها التجار من الأقطار، لبني سليم خاصة، ولكل [من] بني سليم منها شيء، وفي مائها بعض ملوحة، ويستعذبون من آبار في واد يقال له (سوراق) ، وواد يقال له (الأبطن) ماء خفيفاً عذباً، ولهم مزارع ونخيل كثيرة وفولكه، من موز وتين، ورمان، وعنب، وسفرجل، وخوخ، ويقال له الفرسك، ولهم

خيل وإبل وشاء كثير، وهم بادية إلا من ولد بها فإنهم تانون فيها والآخرون بادون حواليها، ويميرون طريق الحجاز ونجد في طريقي الحاج. والحد (ضرية) وإليها ينتهي حدهم على سبع مراحل، ولهم قرى من حواليهم، منها قرية يقال لها (القيا) مؤها مأج ملح نحو ماء السوراقية، وبينهما ثلاثة فراسخ، وبها سكن كثير ونخيل ومزارع وشجر وقال الشاعر: ما أطيبَ المذق بماء القيَّا ... وقد أكلتُ بعده برنيَّا وقرية يقال لها (الملحاء) وهي ببطن واد ويقال له (قوران) يصب من الحرة، فيه مياه وآبار كثير عذاب طيبة، ونخل وشجر، وحواليها هضبات (ذي مجر) ، قال فيهن الشاعر: بذي مجرٍ أسقيت صوبَ الغوادي

وذو مجر: غدير كبير في بطن وادي قوران هذا، وبأعلاه ماء يقال له (لقف) ماء آبار كثير، عذب، ليس عليها مزارع ولا نخل، لغلط موضعها وخشونته، وفوق ذلك ماء يقال له (شس) ماء آبار عذاب، وفوق ذلك بئر يقال لها (ذات الغار) عذبة كثيرة الماء تسقي بواديهم، قال الشاعر وهو عذيرة بن قطاب السلمى: لقد رعتموني يوم ذي الغار روعة ... بأخبار سوءِ ذونهنَّ مشيبي نعيتم فتى قيس بن عيلان غدوةَ ... وفارسها تنعونه لحبيب وحذاءها جبل يقال له (أقراح) شامخ مرتفع أجرد لا ينبت شيئاً كثير النمور والأراوى. ثم تمضي من الملحاء فتنتهي إلى جبل يقال له (مغار) في جوفة

أحساء، منها حشى يقال له (الهدار) يفور بماء كثير وهو في سبخ بحذائه حاميتان سوداوان في جوف إحداهما ماءة ملحة يقال لها (الرفدة) ، وواديها يسمى (عريفطان) ، وعليها نخيلات وآجام يستظل فيهن المار، وواحدها أجم، وهي شبيهة بالقصور، وحواليها حموض وهي لبني سليم، وهي على طريق (زبيدة) يدعوه بنو سليم (منفا زبيدة) ، وحذاءها جبل يقال له (شواحط) كثير النمور كثير الأراوى، وفيه الأوشال تنبت الغضور والثغام. وبحذائه واد يقال له (برك) كثير النبات من السلم والعرفط وأصناف الشجر، وبه ماء يقال له (البريرة) وهي عذبة طيبة من (بئر شك) وهي

الغيقة الشجوة لكنها لا تنزف، وهنالك (يرثم) وهو جبل شامخ كثير النمور والأوروى، قليل النبات إلا ما كان من ثغام وغضور وما أشبهه. وحذاءه واد يقال له (بيضان) به مياه آبار كثيرة، وأشجار كثيرة، يزرع على هذه الآبار الحنطة والشعير والقت. وحذاءه واد يقال له (الصحن) ، قال فيه الشاعر: جلبنا من جنوب الصَّحنِ جرداً ... عتاقاً شزَّباً نسلٌ لنسلِ فوافينا بها يومي حنينٍ ... نبيَّ الله حدَّا غير هزلِ به ماء يقال له (الهباءة) وهي أفواه كثيرة مخرقة الأسافل، يفرغ بعضها في بعض من موضع الماء عذبة طيبة، يزرع عليها الحنطة والشعير وما أشبهه، وماء آخر، بئر واحدة، يقال لها (الرساس) كثيرة الماء لا يزرع عليها لضيق موضعها.

وبأسفل بيضان هذا موضع يقال له (العيص) به ماء، يقال له (ذبيان العيص) والعيص: ما كثرت أشجاره من السلم والضال، يقال له عيص وخيس. وحذاءه جبل يقال له (الحراس) أسود ليس به نبات حسن، وفي أصله أضاة، يقال لها الحواق تمسك من السماء كثيراً، وهو كله لبني سليم، وحذاءه ذلك قرية يقال لها (صفينة) بها مزارع ونخل كثير، كل ذلك على الآبار، ولها جبل يقال له (الستار) وهي على طريق (زبيدة) يعدل إليها الحاج إذا عطشوا. وحذاءها مياه أخرى يقال لها (النجير) ، [وبحذائها ماء يقال لها (النجارة) بئر واحدة] ، وكلاهما فيه ملوحة وليس بالشديد.

وأسفل منها بصحراء مستوية عمودان طويلان لا يرقاهما أحد إلا أن يكون طائراً، يقال لحدهما (عمود البان) ، و (البان) : موضع، والآخر (عمود السفح) ، وهو من عن يمين الطريق المصعد من الكوفة على ميل من (أفيعية) و (أفاعية) هضبة كبيرة شامخة، وظغنما اسم القرية (ذو النخل) ، وهي مرحلة من مراحل الطريق، وبها ملح، ويستعذب لها من النجارة والنجير هاتين، ومن ماء يقال له (ذو محبلة) وعن يسارها ماءة يقال لها (الصبحية) وهي بئر واحدة ليس عليها مزارع،

ويستعذب منها لأهل أفاعية، وحذاءها هضبة كبيرة يقال لها (خطمة) ولابة وهي حرشفة حرة سوداء لا تنبت شيئاً يقال لها (منيحة) ، وهي لجسر وبني سليم. وقرية يقال لها (مران) قرية غناء كبيرة، كثيرة العيون والآبار والنخيل والمزارع، وهي على طريق البصرة لبني هلال وجسر، ولبني ماعز وبها حصن ومنبر، وبها ناس كثير، وفيها يقول الشاعر: أبعدَ الطَّوالِ الشمَّ من آل ماعزٍ ... يرجَّى بمرَّانَ ابنُ سبيلِ

مررنا على مرَّان ليلاً فلم نعج ... على أهل آجامٍ به ونخيلِ ومن خلفه قرية يقال لها (قباء) كبيرة عامرة لجسر ومحارب وعامر ابن ربيعة من هوزان، بها مزارع كثيرة على آبار، ونخيل ليس بكثير، وبحذائها جبل يقال له (هكران) وجبل يقال [له] (عن) ، قال الشاعر: أعيان هكرانَ الخداريَّات وهو قليل النبات، في أصله ماء يقال له (الصنو) وعن هذا في جوفه مياه وأوشال، قال فيه الشاعر: فقالوا هلاليُّونَ جئنا منَ أرضنا ... إلى حاجةٍ جبَّنا لها اللَّيلَ مدرعا وقالوا خرجنا ملْ قفا وجنوبهِ ... وعنَّ فهمَّ القلبُ أن يتصدَّعا و (القفا) : جبل لبني هلال حذاء عن هذا، وحذاءه جبل آخر

يقال لها (بس) ، وفي أصله ماء يقال له (بقعاء) لبني هلال بئر كثيرة الماء، ليس عليها زرع، وحذاءها أخرى يقال لها (الخدود) وعكاظ منها على دعوة. و (عكاظ) صحراء مستوية ليس لها جبل ولا علم إلا ما كان من الأنصاب التي كانت في الجاهلية، وبها الدماء من دماء البدن كالأرحاء العظام. وحذاءها عيت يقال لها (خليص) للعمريين، وخليص هذا رجل

وهو ببلاد تسمى (ركبة) قال الشاعر: أقول لركبٍ ذاتَ يومٍ [لقيتهم] ... يزجَّون أنضاءً حوافيَ ظلَّعا من أتمُ فإنّا قد هوينا مجيئكم ... وأن تّخبرونا حالَ ركبة أجمعا تم كتاب أسماء جبال مكة والمدينة وما يتصل بها، بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، وصلى الله على سيدنا محمد كلما ذكره الذاكرون، وسها عن ذكره الغافلون.

§1/1