نهاية الرتبة في طلب الحسبة لابن بسام

ابن بسام المحتسب

[مقدمة]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. قال محمد بن بسام المحتسب: أحمد من الحمد له، والنعمة منه، والهداية به، والفضل من عنده، والصلاة على خير خلقه وبه نستعين، قال الله تعالى: {الذين مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} [الحج: 41]، فأمر بذلك مع القدرة عليه، والتمكن منه، ومن الأمر بالمعروف أيضًا، تصفح أحوال السوقة في معاملاتهم، واعتبار موازينهم، وغشهم، ومراعاة ما تجري عليه أمورهم. وقال تبارك وتعالى: {ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون} [المطففين: 1 - 3]، وقال عز من قائل حكاية عن نبيه شعيب، عليه السلام: {ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين} [هود: 85]. وقد رأيت المؤلفين من المتقدمين سبقوا إلى ذكر كثير مما يحتاج إليه وينتفع به، ولم أجد أحدًا منهم ذكر ما ينبغي ذكره من الغبن، والفحش، والغش، والخيانة بين الناس في المعاملات والمبايعات، والتنبيه على ذلك، والتحذير منه، حتى لا يكون ولا شيء منه بعون الله تعالى، فأحببت أن أؤلف عليه كتابًا فيه على ما تيسر من أنواع ذلك، رجاء لثواب الله، وجعلته أبوابًا، أذكر في كل باب منها ما يقربه ويشاكله، وبالله التوفيق. * * *

فصول الأبواب قال الشيخ الإمام الأوحد عبد الرحمن بن نصر بن عبد الله الشيزري: أحمد الله على ما أنعم، وأستعينه فميا ألزم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعظم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي الأكرم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم، وبعد: فقد سألني من استند لمنصب الحسبة، وقلد النظر في مصالح الرعية، وكشف أحوال السوقة، وأمور المتعيشين، أن أجمع له مختصرًا كافيًا في سلوك منهج الحسبة على الوجه المشروع؛ ليكون عمادًا لسياسته، وقوامًا لرياسته، فأجبته إلى ملتمسه، ذاهبًا إلى الوجازة لا إلى الإطالة، وضمنته طرفًا من الأخبار، وطرزته بحكايات وآثار، نبهت فيه على غش المبيعات، وتدليس أرباب الصناعات، وكشف سرهم المدفون، وهتكت سرهم المصون، راجيًا بذلك الثواب المنعم ليوم الحساب، وذكرت فيه الحرف المشهورة دون غيرها؛ لمسيس الحاجة إليها، وجعلته أبوابًا يحتذي المحتسب على أمثالها، وينسج على منوالها، وسميته: «نهاية الرتبة في طلب الحسبة»، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب. الباب الأول: فيما يجب على المحتسب من شروط الحسبة ولزوم مستحباتها. الباب الثاني: في النظر في الأسواق والطرقات. الباب الثالث: في الخبازين. الباب الرابع: في السقائين وغشهم. الباب الخامس: في السوقة وغشهم. الباب السادس: في جزاري الضأن والمعز والإبل، والقصابين وغشهم. الباب السابع: في الشوائين.

الباب الثامن: في الهرائسيين. الباب التاسع: في الزلبانيين. الباب العاشر: في الرواسين وغشهم. الباب الحادي عشر: في الطباخين وغشهم. الباب الثاني عشر: في الحلوانيين وغشهم. الباب الثالث عشر: في هرايس التمر ومطبوخ العدس. الباب الرابع عشر: في الباقلانيين، أي الفوالين. الباب الخامس عشر: في السماكين والسمك. الباب السادس عشر: في باعة الصير والبوري والملح. الباب السابع عشر: في قلائي السمك وسمك الطاجن. الباب الثامن عشر: في صيادي الطيور والعصافير. الباب التاسع عشر: في الطحانين وغشهم. الباب العشرون: في الفرانين وصبيانهم. الباب الحادي والعشرون: في الحطب والحطابين. الباب الثاني والعشرون: في القصب والقصابين. الباب الثالث والعشرون: في الجبس والجباسين. الباب الرابع والعشرون: في الجير والجيارين. الباب الخامس والعشرون: في الحمامات، وذكر قوامها، ومنافعها، ومضارها، وما يلزم حراسها، والبلانين، والمزينيين، والوقادين، وباعة النورة. الباب السابع والعشرون: في الكتاتينيين. الباب الثامن والعشرون: في الحريريين.

الباب التاسع والعشرون: في القطانين والندافين. الباب الثلاثون: في القلانسيين وغشهم. الباب الحادي والثلاثون: في الخياطة والخياطين وغشهم. الباب الثاني والثلاثون: في سماسرة البز. الباب الثالث والثلاثون: في البز والبزازين. الباب الرابع والثلاثون: في الغسالين. الباب الخامس والثلاثون: في القصارة والقصارين. الباب السادس والثلاثون: في المطرزين. الباب السابع والثلاثون: في الرفائين وغشهم. الباب الثامن والثلاثون: في الصيادلة والعقاقير. الباب التاسع والثلاثون: في الأشربة والمعاجين وما يضاف إلى ذلك. الباب الأربعون: في العطر والعطارين. الباب الحادي والأربعون: في الصيارف. الباب الثاني والأربعون: في الصاغة والصياغة. الباب الثالث والأربعون: في الأطباء والفصادين. الباب الرابع والأربعون: في الكحالين والكحل. الباب الخامس والأربعون: في المجبرين. الباب السادس والأربعون: في الجرائحيين. الباب السابع والأربعين: في البياطرة. الباب الثامن والأربعون: في صباغي الحرير والغزل. الباب التاسع والأربعون: في الخزارين صناع الشراك. الباب الخمسون: في الأساكفة وصناع الأخفاف.

الباب الحادي والخمسون: في عمل الأسفاط. الباب الثاني والخمسون: في عمل البطط. الباب الثالث والخمسون: في الحناطين والعلافين. الباب الرابع والخمسون: في صنعة الشرابات. الباب الخامس والخمسون: في الحاكة والقزازين. الباب السادس والخمسون: في الزنهار وغشه. الباب السابع والخمسون: في الإبزار والإبزاريين. الباب الثامن والخمسون: في السماسم وبائعيه. الباب التاسع والخمسون: في الخشب وباعته. الباب الستون: في الزفاتين. الباب الحادي والستون: في الحدادين. الباب الثاني والستون: في المساميريين وغشهم. الباب الثالث والستون: في النحاسين وسباكي النحاس. الباب الرابع والستون: في النجارين، والبنائين، والفعلة، والنشارين. الباب الخامس والستون: في نجاري الضبب. الباب السادس والستون: في نجاري المراكب. الباب السابع والستون: في النخاسين باعة العبيد. الباب الثامن والستون: في النخاسين باعة الدواب. الباب التاسع والستون: في الطوابين وغشهم. الباب السبعون: في دلالين العقارات. الباب الحادي والسبعون: في تقديرات المراكب. الباب الثاني والسبعون: في باعة الفخار.

الباب الثالث والسبعون: في شعابي البرام. الباب الرابع والسبعون: في الزجاجين وغشهم. الباب الخامس والسبعون: في معلمي الصبيان، ومعلمات البنات. الباب السادس والسبعون: في الدهانين وغشهم. الباب السابع والسبعون: في المكارية. الباب الثامن والسبعون: في النحاتين، والمصولين في التراب. الباب التاسع والسبعون: في كساحي السماد وحمالته. الباب الثمانون: في الغرابيل ومناخل الشعر. الباب الحادي والثمانون: في حافري القبور. الباب الثاني والثمانون: في الوراقين والمبهرجين. الباب الثالث والثمانون: في من يكتب الرسائل على الطريق والرقاع والدروج. الباب الرابع والثمانون: في كتاب الشروط. الباب الخامس والثمانون: في الوكلاء بأبواب القضاة وتدليسهم. الباب السادس والثمانون: في الميازيب ومضرتها. الباب السابع والثمانون: في إصلاح الجوامع والمساجد. الباب الثامن والثمانون: فر قراء القرآن قدام الموتى. الباب التاسع والثمانون: في غسالي الموتى، نفع الله بهم. الباب التسعون: في المراصد والمراقب. الباب الحادي والتسعون: في طباخي الولائم. الباب الثاني والتسعون: في معرفة الموازين. الباب الثالث والتسعون: في معرفة المكاييل. الباب الرابع والتسعون: في معرفة مثاقيل الذهب وصنج الفضة.

الباب الخامس والتسعون: في معرفة الأرطال والقناطير. الباب السادس والتسعون: في معرفة الأقساط. الباب السابع والتسعون: في معاصير الزيت وغشهم. الباب الثامن والتسعون: في التبن والتبانين. الباب التاسع والتسعون: في القرط والقراطين. الباب المائة: في الأنماط وصناعتها. الباب الحادي والمائة: في صناع الأخمرة والحرير والوقايا. الباب الثاني والمائة: في الحصر العبداني. الباب الثالث والمائة: في الخيزرانيين. الباب الرابع والمائة: في اللبود واللبادين. الباب الخامس والمائة: في الأرجوان وصناعته. الباب السادس والمائة: في العصار. الباب السابع والمائة: في الأبارين. الباب الثامن والمائة: في الحلفاء وعدده ورسومه. الباب التاسع والمائة: في المحامل وصناعتها. الباب العاشر والمائة: في الروايا والقرب. الباب الحادي عشر والمائة: في الدباغين. الباب الثاني عشر والمائة: في دباغي الكيمخت. الباب الثالث عشر والمائة: في دباغ جلود البقر. الباب الرابع عشر والمائة: في أهل الذمة. الباب الخامس عشر والمائة: يشتمل على تفاصيل وجمل. الباب السادس عشر والمائة: في ترتيب التعزير.

الباب السابع عشر والمائة: في مجالس الحكام. الباب الثامن عشر والمائة: في مجالس الأمراء والولاة. * * *

1 - الباب الأول فيما يجب على المحتسب من شروط الحسبة ولزوم مستحباتها

الباب الأول فيما يجب على المحتسب من شروط الحسبة ولزوم مستحباتها اعلم وفقك الله لما كانت الحسبة أمراً بمعروف، ونهياً عن منكر، وإصلاحاً بين الناس، وجب أن يكون المحتسب فقيهاً، عارفاً بأحكام الشريعة؛ ليعلم ما يأمر به وينهى عنه، فإن الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع، ولا مدخل للعقول في معرفة المعروف والمنكر إلا بكتاب الله عز وجل، وسُنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ورُب جاهل يستحسن بعقله ما قبحه الشرع، فيرتكب المحظور وهو غير عالم به، ولهذا المعنى كان طلب العلم فريضة على كل مسلم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. فأول ما يجب على المحتسب أن يعمل بما يعلم، ولا يكون قوله مخالفاً لفعله، فقد قال الله عز وجل في ذم علماء بني إسرائيل: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} [البقرة: 44]، وروى أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت ليلة

أسرى بي رجالاً تقرض شفاهم بالمقاريض، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء أمتك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم"، وقال الله عز وجل مخبراً عن شعيب، عليه السلام، لما نهى قومه عن بخس الموازين ونقص المكاييل: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88]، ولا يكون المحتسب كما قال ابن همام السلولي: (إذا نُصبوا للقول قالوا فأحسنوا ... ولكن حسن القول خالفه الفعل) (وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها ... أفاويق حتى ما يدر لها ثعل) وقال الآخر: (لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم) ويجب على المحتسب أن يقصد بقوله وفعله وجه الله تعالى، وطلب مرضاته، خالصاً مخلص النية، لا يشوبه في طويته رياء ولا مراء، ويجتنب في رياسته منافسة الخلق، ومفاخرة أبناء الجنس، لينشر الله تعالى عليه رداء القبول، وعلم التوفيق، ويقذف له في القلوب مهابة وجلالة، ومبادرة إلى قبول قوله بالسمع والطاعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله شرهم، ومن أرضى الناس بسخط الله وكله الله إليهم، ومن أحسن فيما بينه وبين الله، أحسن الله فيما بينه وبين الناس، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه".

وذكروا أن طغتكين أتابك سلطان دمشق، طلب له محتسباً، فذكر له رجل من أهل العلم، فأمر بإحضاره، فلما بصر به، قال له: إني وليتك أمر الحسبة على الناس، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال: إن كان الأمر كذلك، فقم عن هذه الطراحة، وارفع هذا المسند الذي وراء ظهرك، فإنهما حرير، واخلع هذا الخاتم من إصبعك، فإنه ذهب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير: "إن هذين حرام على ذكور أمتي، حلٌ لإناثها"، قال: فنهض السلطان عن طراحته، وأمر برفع مسنده، وخلع الخاتم من أصبعه، وقال: قد ضممت إليك النظر في أمور الشرطة، قال: فما رأى الناس محتسباً أهيب منه. وينبغي للمحتسب أن يكون مواظباً على سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، وتقليم الأظفار، هذا مع القيام على الفرائض والواجبات، فإن ذلك أزيد في توقيره، وأنفى للطعن في دينه. وقد حكى أن رجلاً حضر عند السلطان محمود يطلب الحسبة، فرأى شاربه قد غطى فاه من طوله، وأذياله تسحب على الأرض، فقال له: يا شيخ، اذهب فاحتسب على نفسك، ثم عد واطلب الحسبة على الناس. وينبغي أن يكون شيمته الرفق في القول، وطلاقة الوجه، وسهولة الأخلاق عند أمره الناس ونهيه، فإن ذلك أبلغ في استمالة القلوب، وحصول المقصود، وقد قال الله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ} [آل عمران: 159]. وقد حكى أن رجلاً دخل على المأمون، فأمره بمعروف ونهاه عن منكر، وأغلظ على المأمون في القول، فقال له المأمون: يا هذا، إن الله تعالى أمر من هو خير منك أن يلين القول لمن هو شر مني، فقال لموسى وهارون: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ

يَخْشَى} [طه: 44]، ثم أعرض عنه، ولم يلتفت إليه، ولأن الرجل قد ينال بالرفق ما لا ينال بالتعنيف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب كل رفيق". وليكن أيضاً متأنياً، غير مبادر إلى العقوبة، ولا يؤاخذ أحداً بأول ذنب يصدر، ولا يعاقب بأول زلة تبدو؛ لأن العصمة من الناس مفقودة، فيما سوى الأنبياء. وإذا عثر بمن نقص المكيال، أو بخس الميزان، أو غش بضاعة، بما يأتي وصفه في أبوابه من أنواع الغشوش، استتابه عن معصيته، ووعظه وخوفه، وحذره العقوبة والتعزير، فإن عاد إلى فعله عزره على حسب ما يليق به من التعزير بقدر الجناية، ولا يبلغ به الحد. ويتخذ له سوطاً، ودرّة، وغلماناً، وأعواناً، فإن ذلك أرعب للقلوب، وأشد خوفاً ويلازم الأسواق والدروب في أوقات الغفلة عنه، ويتخذ له فيها عيوناً يوصلون إليه الأخبار وأحوال السوقة، فقد ذكر أن على بن عيسى الوزير ببغداد وقع إلى محتسب كان في وقت وزارته، ذكروه له بأنه يكثر الجلوس في داره، فكتب له يقول: الحسبة لا تحتمل الحجبة، فطف بالأسواق تدر لك الأرزاق، وإن لزمت دارك صار الأصر كله عليك، والسلام. فإذا فعل المحتسب كذلك، فقد أوفى ما يجب عليه، والذي يجب له أيضاً على سلطانه إدرار الرزق عليه بما يكفيه، وبسط يده، وترك معارضته، وترك الشفاعة عنده في الخاصة والعامة. ويكون متورعاً عن قبول الهداية من المتعيشين من أرباب الصناعات، فإن ذلك رشوة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الراشي والمرتشي"، والتعفف عن ذلك أصون، ويُلزم أيضاً غلمانه وأعوانه، فإن علم أن أحداً منهم قبل رشوة، أو أخذ هدية، صرفه عنه؛ لتنتفي عنه المطلوب، وتنجلي عنه الشبهات. ويجب عليه أن يجعل له نائباً على ساحل البحر مكان ترد إليه الغلة ليعلمه ما يرد إليه

2 - الباب الثاني في النظر في الأسواق والطرقات

في كل يوم، ويحتم على مخازن من غلته رسم عبور إلى وقت الحاجة؛ لأن ربما جرى بعد ذلك تفريط في أوجه، وهذا أمر جليل لا ينبغي الغفلة عنه، ولا التفريط فيه. ويلزم المحتسب بعد ذلك أن يفرق الغلة بالتعريف على مقدار ما في البلد، وينظر فيمن عنده من الناس، وذلك مأخوذ من الأحجار التي تطحن في البلد؛ لأن كل حجر فارسي يطحن في كل يوم وليلة ستة أرادب، فإذا جعلناها أقداحاً كانت خمسمائة قدح وستة وسبعين قدحاً، يقيت كل إنسان منها قدح، فهذه الأحجار يعرف بها عدد الناس في كل مدينة بالتقريب. * * * الباب الثاني في النظر في الأسواق والطرقات ينبغي أن تكون الأسواق في الارتفاع والاتساع على ما وضعته الروم قديماً، ولا يجوز لأحد من السوقة إخراج مصطبة دكانه عن سمت أركان السقائف إلى الممر الأصلي؛ لأنه عدوان وتضييق على المارة، فيجب على المحتسب إزالته والمنع من فعله، لما في ذلك من إلحاق الضرر بالناس، ويجعل لأهل كل صنعة سوقاً يختص بهم، تعرف صناعتهم، ومن كانت صناعته تحتاج إلى وقود نار، كالخباز، والجردقاني، فالمستحب أن يبعد حوانيتهم عن البرازين والعطارين، لعدم المجانسة بينهم وحصول الأضرار. وينبغي للمحتسب ويستحب له أن يجعل له على أهل كل صنعة عريفاً من صالح أهلها، خبيراً بصناعتهم، بصيراً بغشوشهم وتدليسهم، مشهوراً بالثقة والأمانة، يكون

مشرفاً على أحوالهم، ويطالعه بأخبارهم، وما جلب إلى سوقهم من المتاجر والبضائع، وما تستقر عليه من الأسعار، وغير ذلك من الأسباب التي يلزم المحتسب معرفتها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "استعينوا على كل صنعة بصالح من أهلها". ولا يجوز للمحتسب أن يسعر البضائع على أهلها، ولا أن يلزمهم بيعها بسعر معلوم، فقد غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: يا رسول الله، سعِّر لنا، فقال صلى الله عليه وسلم: "هو القابض والباسط والمسعّر، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد يطالبني بمظلمة في نفس ولا في مال". وإنما إذا رأى المحتسب أحداً قد احتكر الطعام من سائر الأقوات، وهو أن يشتري في وقت الغلاء، ويتربص به ليزداد في ثمنه أكثر منه، ألزمه بيعه إجباراً؛ لأن الاحتكار حرام، والمنع من فعل الحرام واجب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون". ولا يجوز تلقى الركبان، وهو أن تقدُم قافلة فيلتقيهم إنسان خارج البلد، فيخبرهم بكساد ما معهم ليبتاعه منهم رخيصاً، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ونهى عن بيع السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق، فإن عثر المحتسب بمن يقصد ذلك، عزره وردعه عن فعله. وينبغي أن يمنع أحمال الحطب، والحلفاء، وأحمال التبن، وروايا الماء، والرماد، وما أشبه ذلك، من الدخول إلى الأسواق، لما فيه من الضرر بلباس الناس، ويأمر أهل الأسواق بكنسها، وتنظيفها من الأوساخ، وغير ذلك مما يضر بالناس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

3 - الباب الثالث في الخبازين

"لا ضرر ولا إضرار". وأما الطرقات وأزقة الحارات، فلا يجوز لأحد إخراج جدار داره إلى الممر المعهود، وكذلك كل ما فيه أذية على السالكين، كمجاري الأوساخ الخارجة من الدور في زمن الصيف إلى وسط الطريق، فإنه يكلف بسده في الصيف، ويحفر له في داره حفرة يجمع فيها. ولا يجوز التطلع إلى الجيران من الأسطحة والنوافذ، ولا أن يجلس الرجال في طرقات النساء من غير حاجة، فمن فعل ذلك عزره المحتسب، سيما إذا رأى رجلاً أجنبياً مع امرأة أجنبية يتحدثان في موضع خلوة، فإنه أكثر للتهمة في حقها، وإذا تكررت خيانة رجل من أهل السوق أدبه، فقد روى أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أمر بضرب رجل وجب عليه الحد، فقال له وهو يضربه: قتلتني يا أمير المؤمنين، فقال له: الحق قتلك، قال: فارحمني، قال: لست أرحم بك ممن أوجب عليك الحد. فإن عاد إلى الخيانة أقامه من السوق. * * * الباب الثالث في الخبازين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة من أهل صناعتهم، ويأمره أن يكتب له جريدة بأسمائهم وعدتهم، ويطالبوا برسومهم في كل يوم، ولا يسامحوا منها بشيء، ومتى سومحوا منها بشيء، كان ذلك سبباً للاضطراب في الأسواق وفساد الأحوال. ويتفقد ما يغشون به الأخباز من دقيق الجلبان، والفول، فإنهما يسودانه، وكذلك

دقيق الحمص، فإنه يثقله ويفججه، وكذلك دقيق الشعير والسميذ ما يخفى نظرهما على وجهه، وأيضاً في كسره، وإذا لم ينضج الخبز أدب الخباز والفران جميعاً؛ لأن الخباز إذا أمر الفران ائتمر. ويطالبون بنظافة أوعية الماء وتغطيتها، ونظافة المعاجن، وما يغطى به الخبز، وما يفرش تحته، ولا يعجن عجان بقدميه، ولا بركبتيه، ولا بمرافقه؛ لئلا تنحدر أعراق أبدانهم في العجين، وفي ذلك أيضاً احقار بالطعام، ويكون العجان متلثماً؛ لئلا يبدر من بصاقه أو مخاطه شيء في العجين إذا تكلم أو عطس، ولا يعجن إلا وعليه ملعبة، أو ثوب مقطوع الأكمام، ويشد جبينه بعصابة بيضاء لتمنع عرقه أن يقطر، ويحلق شعر ذراعيه كل قليل، وإذا عجن في النهار، فليكن عنده من ينش عنه الذباب، هذا كله بعد نخل الدقيق بالمنخل الصفيق. وأما الجرذقانيون، فلا يضع أحد منهم في عجينه شيئاً من النطرون؛ لأنه يورث العطش، ويسهل البطن، ويورث البواسير. وينبغي أن يجعلوا عوضه الكمون الأبيض، وأن لا يحمي أحد منهم تنوره بساس الكتان، ولا بقرمة؛ لأنه يورث النسيان. وكذلك حوانيتهم التي توقد فيها التنانير، تكون سقوفها مرتفعة، وتفتح أبوابها، ويجعل في سقوفها منافس واسعة يخرج منها الدخان، وإذا فرغ من حموه مسحه بخرقة، ثم يسرع في الخبز، ويقرر بيع الخبز بلا غبن ولا حيف على الخباز ولا على الرعية. ويؤمرون أن يلا يخبزوا خبزاً إلى أن يختمر، فإن غير الخمير يثقل في الميزان، ويثقل في المعدة. وكذلك إذا كان قليل الملح، فإنهم يقصدون بذلك ثقله ووزانته. وينبغي أن يرشوا على وجهه الأبازير الطيبة مثل الكمون الأبيض والأسود، والشونيز، والقرطم، وما أشبه ذلك، وكذلك في العجين، والمصطكي، وعرق الكافور، والشيبة، ويعتبر سعر الأقات ونقصانه، ويفتش على لوح الخبازين أوزانها على أطرافها، وإذا عرض حركة على الخبز أمرهم بعمل وظائفهم كلها خبزاً.

4 - الباب الرابع في السقائين وغشهم

وبعد، فاعلم وفقك الله أن الحملة الدقيق الحواري ثلاثمائة رطل بالقلعى، وكذلك الخشكار، فإذا أردت معرفة مؤونة كل واحد منهم ووقوع خبزهم بالرطل القلعى أيضاً، فوجدت قمح الحملة الحواري مدخلها عشر ويبات ونصف قمحاً غلتا يصبح في سبعة ونصف، وطحينها ستة دراهم، ويلحقها في العجين والخبيز أربعة دراهم، ومن الخمير عشرون رطلاً، وخبزها ثلاثمائة وثمانون رطلاً بالقلعى، وعيار الحملة الخشكار من القمح نظير الحواري، وطحنها ثلاثة ونصف، ويلحقها أيضاً في العجين والخبيز أربعة دراهم، ومن الخمير عشرون رطلاً، ووقوع خبزها عليها في محاسبة الخبازين إذا احتيج إلى ذلك يوماً، وبالله التوفيق. * * * الباب الرابع في السقائين وغشهم ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً، ويعرفه أنه لما كانت الأمواج تجيب الأوساخ والأقذار إلى الشطوط، وجب أن يكون السقاؤون يدخلون في الماء إلى أن يبعدوا عن الأوساخ، وألا يستقوا من مكان يكون قريباً من سقاية، ولا مستحم، ولا مجراة حمام، ومن اتخذ منهم رواية جديدة، فلينقل بها الماء إلى الطين أياماً، فإن ماءها يكون متغير الطعم

5 - الباب الخامس في السوقة وغشهم

والرائحة من أثر الدباغ، فإذا زال التغير، أذن له المحتسب في بيع مائها. وينبغي أن يكون في أوساطهم التبانين؛ ليستروا عوراتهم. وسقاة الماء بالكيزان أصحاب القرب، يؤمرون بنظافة أزيارهم، وصيانتهم بالأغطية، وتغطية قربهم التي يسقون منها في الأسواق بالميازر، ويمنعهم أن يسقوا بكيزانهم المجذم، والأبرص، وأصحاب العاهات والأمراض الظاهرة، وجلاء الكيزان النحاس كل ليلة، وتطييب شبابيكها بشمع المسك واللادن الطيب العنبري، وافتقاد الخوابى بالبخور، والغسل كل ثلاثة أيام. * * * الباب الخامس في السوقة وغشهم ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة، ويأمر أحدهم أن لا يقدم فرشه خارجاً عن مصطبته بشيء، وأن يجعل فراش أكبرهم إلى داخل حانوته، وإذا أجلس البياع على ميزانه صبياً دون البلوغ، اشترط على معلمه أنه إذا بخس كانت العقوبة واقعة به دون صبيه، وبعد الشرط، فلا يمنع الصبي التعيش. ويعبر موازينهم، وصنجهم، وأقداحهم، ويمنعوا من أن يكون في حوانيتهم دستان من الصنج، والأرطال حديد لا يكون في شيء منها حلقة أصلاً، ويختم بالخواتم الرصاص، ويكتب عليها المحتسب، ويرسم الختم بخطه، ويفتقد كل قليل، وربما جلدوا على اللفت وزنوا به في جملة الأرطال، وينبغي إذا شرع في الوزن أن يسكن الميزان، ويضع فيها البضاعة، ولا يهمز حافة الكفة بإبهامه، فإن ذلك بخس وتدليس. ولا يكون في ميزانهم الفضة صنجة ثلاثة دراهم، ولا في ميزان الأرطال ثلث رطل؛ لأن الثلث يشابه النصف رطل، وكذلك صنجة الثلاثة تشابه الدرهمين، ويعتبر حبات القمح التي في موازينهم، فقد تنقع ويدس في أجسامها ما يزيد في ثقلها من أطراف الأبر وغيرها. وتكون كفات موازين الذهب والفضة خفافاً، ومساميرها فولاذاً. وتكون موازينهم الفضة من بين أيديهم حتى يشرف عليها من يزن أو يوذن له.

ويأمرهم أن يجعلوا ما يبيعون به من الدراهم في بطون موازينهم، ولا يتركوها في جملة ما في أيديهم من الصنج، بحيث ألا يكون فوق فراخ موازينهم إلا الصنج لا يغر. ولا ينقد أحد دراهم الناس وبين يديه جوز، أو لوز، ولا شيء من المكسرات، فربما يسقط فيها من دراهم الناس عند النقد، ويجمعها إذا انصرفوا. ويكون سائر ما يكتالون به مختوماً بالرصاص، ومنقوشاً في طرفها اسم الإمام؛ لئلا يبردوا رءوس المكاييل بعد العيار فتنقص. ويكون سائر ما يكال به سعة أسفله أو قريب منه، ويفتقدها بعد ذلك كل قليل؛ لئلا يصب فيها ما ينقصها مثل الجبس وغيره. وربما حشيت أواقي الزيت التي يطوفون بها البيعة، والمكاييل، بالقير في أسفلها، ويقلعها إذا خاف. ويلزمون أن تكون موازين الأرطال متعرضة في قوس الدكان ليشاهد الزبون ما يحمل له من الأرطال عند الوزن والمأكولات. ويمنعهم أن لا يجعلوا في كفة الميزان خيطاً من حلفاء، فإنه يمنعها النزول، ويجنبها بسرعة الرجحان. ولا يكون لشيء من الأوزان خطافاً، فإن الغرض منه أن يعلق في الكفة القدامية، فتكون الخيانة بمقدار وزنه، وتكون جميع موازينهم وأوعيتهم التي لأطعمة الناس نظيفة مصونة بالأغطية والشد عليها. ويمنعوا أن يسقوا الجبن السناري بالزيت الطيب، ولا بالشيرج؛ لأنه تدليس. وربما فجوه بأفواههم، فيكون ذلك ضرراً لمن يأكله. ولا يغسلوا الجبن الحيسى في مطاهر الحمامات. ويمنع من يرطب التمر بالماء، ومن يرش الماء الممزوج بعسل القصب على الرطب. وكذلك باعة الزيت يمنعون من فجه بالماء، وينهاهم عن بيع ما دون من البطيخ، والقثاء، والتين، والرطب، وما قد تناهى نضجه حتى يهرأ قشره من جميع ذلك. وتكون ملاعق بيع الصابون من خشب، فإن صدأ ملاعق الحديد يبقى في الصابون، فإن طبوعها محرقة لما يتعلق منه في الملابس. ويعتبر عليهم الزيوت في زمن نفاقها، فإن الزيوت تغش بزيت القرطم في زمنه، إلا أن له دخاناً عظيماً في النار، وهو يخلط أيضاً في الشيرج لوقته، وكذلك زيت الخس، وهو يعرف بخفته في الوزن، ورقته في الوعاء، وشمه إذا مسح به على ظهر اليد. وقد يخلط الشيرج بالزيت للإنفاق إذا غلا سعره، وجسم الشيرج أخف من جسم الزيت، فلا يمكنهم من ذلك، فإنه غش وتدليس. وإذا غشوا الخل بالماء، انحبس فيه خشيشة من الراس، فإنها تشرب الماء وتقبله دون

الخل، ومن معرفته أيضاً إذا صب الخل الحالص على الأرض نش، وإذا كان معيوباً لم ينش، ومن معرفته أيضاً خذ خوصة أطليها بدهن أو بزيت، ثم اغمسها في الخل، فإن خرجت وعليها الخل، ففيه الماء، وإن خرجت ملساء ليس عليها شيء، فليس فيه ماء. وكذلك اللبن الحليب إذا كان فيه الماء اغمس فيه شعرة، فإنه لم يطلع منه عليها شيء، وإذا كان خالياً من الماء طلع اللبن عليها مكللاً، وكذلك إذا غمست فيه الريش، فإنه يشرب الماء دون اللبن فتمصه، فيخرج في فيك، وإذا كان بلا ماء، فإنك تمصها ما يخرج منها شيء، ومن معرفته أيضاً إذا قطر منه على خرقة سال كالدهن وجرى، وإذا لم يكن فيه ماء وقف، وسبيله أن لا يبيعه إلا الغنامة من ضروع الغنم إلى المشترى، وبيعه اللبن الحامض يعتقون عندهم المش الحامض، ثم يخلطونه بالطري، وهو أحد السمائم، ثم يبيعونه حامضاً، فيمنعون من ذلك، ويحلفون عليه، وتفتش دكاكينهم، ويلزمون بأن يكون بيعهم وشراؤهم بالقسط الجروى، وهو أربعة أرطال ونصف. ويمنعون من عمل المريء المطبوخ وبيعه، فإن الفلاسفة يذكرون أنه يورث الجذام، ويعتبر عليهم غش المري الشعير الذي يعملون به من رُب الخروب، أو من عسل القصب، والملح، والكامون الأسود، والكاراويا، والشمار، ويبيعونه، فهو يبين في اليد من قلة ذكائه، وإنه يفسد ما يعمل به من الطعام، ويفسد طعمه ورائحته. ويمنعهم أن يدهنوا النبيدة البائتة بالزيت، وتباع في هيئة الطرية، فإن هذا تدليس. ويعتبر عليهم الكوامخ، والملوحات، والمخللات، فإنها كثيرة التغيير والاستحالة، فيخزنونها ويستحلون بيعها، فما وجد في شيء منها عتيق أو تغيير، رمى على المزابل. ويفتقد أوعيتهم التي عندهم من الأوساخ، والتهاون بتركها مكشوفة، ولا يمكنون من ذلك، والسبب في فساد الكوامخ وحموضها وكرخها والدود المتولد فيها، أن تكون في الأصل قليلة الملح، والعلف بالعطائر، فتحمض، وربما خلطوه بغيره ففسد الكل، ويتولد فيه الدود، فيراعى ذلك بالعطر والذوق. والبصل المخلل إذا طلع عليه الكرخ، وكان محبسه يابساً، يأمرهم بتنظيفه من قشره، ويلقى عليه الخل، فإنه ينصلح ويثبت، وإن كان جسمه ليناً، وفيه خمج، فينبغي أن يرمي. وإن تغير اللفت المخلل ولان جسمه، فيجب أن يرمي على المزابل. وكذلك

6 - الباب السادس في جزاري الضأن، والمعز، والإبل، والقصابين وغشهم

الكشك قد يعمل من القمح العتيق، ويسقى بماء الخمير، والمش، ويترك حتى يختمر ويحمض، فيعتبر هذا عليهم بالذوق والنظر والرائحة. والبقالون يلزمون بيع جميع ما يبيعون من البقول بشداته التي يشترونه بها، ولا يحلوا حزمة يعملونها اثنتين، ولا شرش كبير يفرقونه حزماً صغاراً، ويبيعوا جميع البقول مغسولة منقية من الحشيش والطاقات المصغرة. ويأمرهم بقطع سعد أصول الخس. والفجل لا يباع إلا مغسولاً. وإذا بات عندهم شيء في دكاكينهم من الخضروات، فلا يخلطوه من طري يومه، ويمنعون من ذلك، فإن ذلك غش وتدليس. وينهاهم أيضاً عن غسل البصل والثوم الطري الأخضر، فإنه يزيده نتونة وزفرة، ويتفقد عليهم أرطالهم وموازينهم، ومن خالف هذا أدب. * * * الباب السادس في جزاري الضأن، والمعز، والإبل، والقصابين وغشهم ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً، ثقة من أهل معيشتهم، ثم بعد ذلك يستحب أن يكون الجزار مسلماً، بالغاً، عاقلاً، يذكر اسم الله على كل ذبيحة، وأن يستقبل

القبلة، وأن ينحر الإبل معقولة من قيام، والبقر، والغنم مضجعة على الجانب الأيسر؛ لأن ذلك وردت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويأمرهم أيضاً أن لا يجروا الشاة برجلها جراً عنيفاً، وأن لا يذبحوا بسكين كالة، فإن في ذلك تعذيباً للحيوان، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تعذيب الحيوان. ويلزمه في الذبح أن يقطع الودجين، والمريء، والحلقوم، ولا يشرع في السلخ بعد الذبح حتى تبرد الشاة ويخرج منها الروح؛ لأن ع مر بن الخطاب، رضي الله عنه، أمر

منادياً ينادي في المدينة: لا تسلخ شاة مذبوحة حتى تبرد. وتجوز الذكاة بكل شيء، إلا السن والظفر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الذكاة بهما. ويمنعهم أيضاً ألا يذبحوا جملاً يكون مقرح الجسم إلى أن يبرأ جميع ما فيه من القروح، وقد كان لأمير المؤمنين الحاكم بأمر الله في سجل مجلد في ديوان الإنشاء، بأن لا يذبح من البقر المخلوج الورك، والأعور، والأعمى، والمقلوع السن، والمريش العنق، والمجنون، والجرب، وكل مشقوق الحافر، والمقطوع، والمكوي، وكل شيء كانت عيوبه ظاهرة، والصحيح الرقاد، والمعلوفة إذا كان بها شيء من هذه العيوب المذكورة، فينهاهم المحتسب عن ذلك جميعه. وينهاهم أن لا ينفخوا شاة بعد السلخ، فإن نكهة ابن آدم تغير اللحم وتزفره، ومنهم من يشق اللحم من الصفاقين، وينفخ فيه الماء، ولهم أيضاً أماكن يعرفونها في اللحم ينفخون فيها الماء، فيجب مراعاتها في ذلك، ومنهم من يشهر في الأسواق البقر السمان، ثم يذبح غيرها، وهذا تدليس. وأما القصابون، فيمنعهم من إخراج توالي اللحم عن حد مصاطبه، بل تكون متمكنة في الدخول عند المصطبة الركنين، فلا يلاصقهم ثياب الناس فيضرون بها، ويأمرهم أن يفردوا لحوم المعز من لحوم الضأن، وأن لا يخلطوا بعضها ببعض، وينقطوا لحوم المعز بالزعفران؛ ليتميز من غيره، وتكون أذناب المعز معلقة على لحومها إلى آخر البيع، ولحم المعز يعرف برقة لحمه وعظمه، وبياض شحمه. ويأمرهم بأن لا يلصقوا على سائر اللحوم شيئاً من القزدير، فإن الحكماء قد ذكروا بأنه يسممه، ولا يخلطوا اللحم السمين بالهزيل، بل يباع كل واحد منهما على حدته، ويمنعهم أيضاً أن لا يخلطوا شحم المعز بشحم الضأن، وعلامة شحم المعز صفو لونه وبياضه، وشحم الضأن تعلوه الصفرة، وكذلك بطون المعز لا تختلط ببطون الضأن، وكذلك الإليات تباع مفردة لا يخالطها جلد ولا لحم. وإذا فرغ من البيع وأراد الانصراف، أخذ ملحاً مسحوقاً ونثره على القرمة؛ لئلا

7 - الباب السابع في الشوائين

تلحسها الكلاب، أو يدب عليها شيء من الهوام، فإذا لم يجد ملحاً، وإلا الأشنان. والمصلحة أن لا يشارك بعضهم بعضاً؛ لئلا يتفقون على واحد. ويمنعهم أيضاً من بيع اللحم بالحيوان؛ وهو أن يشتري الشاة بأرطال لحم معلومة، ويدفع إليه كل يوم ما يتفقان عليه من اللحم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك. * * * الباب السابع في الشوائين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة، ويأمرهم أن لا يلطخوا الخروف والجدي بشيء من العسل ولا غيره من الحلاوات، فإنه ينفخ جسم البهيمة، كما يدخل النار من غير نضج. ومن علامة نضجه أن ينقص الربع، فينبغي أن يزن الشواء قل إنزاله إلى التنور، وبعد طلوعه منه، ومن علامة نضجه أيضاً أن يجذب كتفه، فإن جاء بسرعة، فهو المراد منه، وإلا ألزم بإعادته إلى النار، ومن علامته أيضاً أن يشق الورك، فإنه يوجد فيه عرق من الدم باقياً فيه. وتكون خرافهم مقطوعة الملحات من أصلها، وكذلك الأعضاء، وإلا قطعوها بعد الوزن، وإذا عرف أوزانها نقصه من الوزن بعد شيه، ويفتقد ما يبقى عندهم منه بلا بيع في ليالي الصيف، فإنه كثيراً ما يتغير، فيرضونه مع الليمون المالح ويبيعونه، فيخفى رائحته وطعمه على مشتريه. وربما كسدت الرءوس على الرواسين، فتبتاعها منهم الشوائون، ويبروا لحمها على قرمهم قليلاً بعد قليل، ويبيعونه في جملة الشواء بسعره، فيراعى ذلك عليهم أشد مراعاة. ويأمرهم أن لا يحموا تنانيرهم بساس الكتان أصلاً، ويفتش دكاكينهم كل وقت على الملاحي التي يسرقونها من ذبائح الناس، وكذلك شحوم الخراف وعصبانها، ويحتاط على جميع ذلك إلى أن ينزلوا الشواء إلى التنور، فإذا نزل طين عليه بطين كثيف نظيف، وكذلك رمانة الكتف التي تكون تحت الكتف، فإنهم يسرقونها، ويباشر أيضاً ما يسرقونه من السميذ، والأرز، واللبن.

8 - الباب الثامن في الهرائسيين

ويأمرهم أن لا يؤخروا أشوية الناس عنهم في أوقاتها، فما كان من الشوائين الذين يتعيشون يدفع إليهم شواءهم ضحوة نهار، وأكثر الناس الظهر، ولمن كان صائماً عند المغرب، وكذلك أرباب المآتم، ومن اختار التأخير إلى آخر النهار؛ وإن أخر عن الناس أطعمتهم في هذه الأوقات المحدودة، فقد أضر بهم، واستحق عند ذلك الأدب بعد الإعذار إليه. ويمنع الشوائين من بيع الجدابة التي يعملونها من الماء الذي يقطر من الخراف مع يسير من شحومها ودمائها؛ لأنه تدليس، فينهوا عن ذلك، فمن عاد أدب وأشهر. ويفتقد الطين الذين يطينوا به التنور، وربما عجنوه في أرض دكاكينهم، فإن الجيف تؤذي رائحته، وربما يسقط عنه عند فتح التنور، فيأمرهم بعجنه في قصرية نظيفة، ويفتقد إزياهم لتكون مصونة نظيفة. * * * الباب الثامن في الهرائسيين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة من أهل صناعتهم، بصيراً بها، ويطالبهم بنظافة قدورهم وجميع آلاتهم بالغسل بكرة كل يوم بالأشنان، والماء الحار، وعيار الهرايس لكل قدح من القمح رطل واحد بالجروى من لحم البقر الطيب السمين، ومن لحوم الضأن لكل قدح ثماني أواق بالجروى. ويراعى العريف نظافة اللحم كل يوم بنفسه من الغدد، والعروق، والجلود، وينتفع في الماء والملح وقتاً طويلاً حتى يحمر الماء، ويلقى في القدور بحضرة العريف، ويختم عليها، فقد يضاف إلى الهرايس من الحيوان الذي ما له قيمة ويلقى في القدور، فإذا كان آخر الليل يشيل منها إلى دار من يُعينُه على فساد أطعمة الناس، فيجب أن لا يفرط في الختم، ولا يفتحها إلا العريف بعد وقوفه على صحة الختم، ويقطر من دهنها على بلاطة نقطاً، أو يغمس فيه ريشة، فإن كان فيه زيت أو شيرج، فإنه لا يجمد، وإن كان شحماً نقياً خالصاً عرف بجموده. ولا يمكنهم من العمل بلحوم البقر المعدة عندهم للمصلوقة، فربما عازهم اللحم الطري، فيكون ذلك عندهم، فلا يمكنون من ذلك، ولا من العمل باللحوم البائتة التي تغيرت رائحتها، ولا بلحوم

9 - الباب التاسع في الزلبانيين

الوقايع التي تغيرت رائحتها، ويفتقد قدور الشحوم المسلية؛ لأنها ربما دارت، وكذلك قدور الزبد التي عند الباعة، فينبغي أن تراعى. * * * الباب التاسع في الزلبانيين ينبغي أن يطالبوا بنظافة آلاتهم كلها، وتغيير مقاليهم، فإنهم ربما أخذوا عظام البقر والجمال وغيرها يسلقونها، ويأخذون ما صفا من دهنها، وكذلك دهن الرءوس، ويخلطونه بالزيت، ويقلون به الزلابية، فإذا أردت معرفة ذلك، اغمس فيه ريشة، أو قطر منه شيئاً على بلاطة، أو على قليل من الماء، فإن كان فيه دهن جمد على الماء، وإن كان زيتاً خالصاً لم يجمد. [وربما بقي في قدورهم شيء من الهريسة، فيخلطونه فيما يعمل من الغد، فيعتبر عليهم ذلك، وربما باعوا ما يفضل منهم لمن يخلطه في الكشك السوقي، فيراعى ذلك بشق النقانق قبل قليها، فإنه لا يخفى]. وينبغي أن يكون مقلى الزلابية من النحاس الأحمر الطيب، ويأمرهم بغسله كل يوم قبل أن يقلوا فيه، وهو أن يحرق فيه النخالة، ثم يدلكه بورق الصلق إذا برد، ثم يعاد إلى النار، ويجعل فيه قليل عسل، ثم يوقد حتى يحترق العسل، ثم يجلى بعد ذلك بالخزف، ثم يغسل ويستعمل، فإنه ينقى من وسخه وزنجاره. ويكون ثلث دقيق الزلابية ناعماً وثلثه سميذاً؛ لأنه إذا أكثر فيه السميذ، زادت الزلابية بياضاً وخفة في الوزن ونضجاً، غير أن السميذ يشرب الزيت أكثر من الناعم، فلهذا يكرهونه. وأجود ما قليت به الشيرج، فإن لم يكن، فالزيت الصافي، ولا يشرع في قليها حتى يختمر عجينها، وعلامة اختمارها أن تطفوا على وجه الزيت، والفطير منها يركد أيضاً في أسفل المقلى، والخمير أيضاً يبقى مجوفاً مثل الأنابيب، والفطير تكون مرصوصة وليس فيها تجويف، ولا يجعل في عجينها ملح؛ لأنها تؤكل بالحلاوة، فتقيء النفس إذا كانت بالملح.

10 - الباب العاشر في الرواسين وغشهم

وأما سواد الزلابية، فقد يكون من وسخ المقلاة، أو تكون مقلوة بالزيت المعاد، وهو الذي يقلى به، أو تكون فطيراً، وربما جازت عليها الناس لسوء الصناعة، فيعتبر المحتسب عليهم جميع ذلك، وينبغي أن تُصنع سلالاماً صغاراً لطافاً، ومتى حمض عجينها جعله خميراً. * * * الباب العاشر في الرواسين وغشهم ينبغي أن يعرف عليهم ثقة عارفاً بمعيشتهم، فيأمرهم أنهم إذا سلقوا الرءوس والأكارع يسمطونها بعد ذلك، حتى لا يبقى عليها شيء من الشعر، ويدقوا الرءوس على مقادمها؛ ليقع ما فيها من سائر الأوساخ والدود المتولد فيها، وتسوك تسويكاً نظيفاً، ويجعل في أفواهها شيئاً من الدارصيني والكرفس، ولا يخلطوا رؤوس الضأن برؤوس المعز، وعلامة رؤوس الضأن تحت كل عين ثقب يسمونه ماقا، وليس تحت عيون المعز. وربما كسدت عندهم، فيخلطونها بما يبعيونه من غد، وعلامة ذلك أن تُسل العظم الرقيق الذي في أصل المبلغ، وهو المسمى بالشوكة، وتشمه، فإن كان متغيراً، تعلم أنه بائت. ويجب أن تكون أوعيتهم نظافاً مغطاة. ومنهم من يشتري دهن الأبدان القاطر من الشواء، ويخلطه بدهن الأكارع، ويسقى به الثريد، فيعتبر المحتسب عليهم ذلك، وأن لا يخرجوا الرءوس من الغمة إلى أن ينتهي نضجها، ويكون عنده الملح والدارصيني مسحوقاً ينثره عليها بعد البيع. * * * الباب الحادي عشر في الطباخين وغشهم ينبغي أن يعرف عليهم ثقة بصيراً عارفاً بمعيشتهم، ويطالبهم بنظافة آلاتهم كلها، وغسلها كل يوم بالماء الحار والأشنان، وأن لا يطبخوا بلحوم المعز، ولا بلحوم الجمال؛ لئلا يأكل من العليل فيزيد في علته، أو ناقه من مرض، فتكون سبباً لنكسته. وينهوا عن حشو النقانق بكبود الجمال وكبود البقر، ولا بلحوم المعز، ولا بكبودها،

12 - الباب الثاني عشر في الحلوانيين وغشهم

وإنهم أيضاً يجعلون من كل خمسة أرطال من البقر، رطلين من بياض البصل، ورطل دهن، ورطلين ماء، بعد دقها، فينبغي أن يعتبر عليهم ذلك بالشق عنها قبل أن تقلى، فإنه إذا قلاه نخسه في المقلى بالسفود ليفجره حتى يستر عيوبه ويسيل ما فيها من الغش، وكذلك غش السنبوسك يبين قبل قليله وبعد قليله، فإنه يغش بالباقلاء المقشر المنبت، وبيان البصل، فإذا فتحته رأيته عديم اللحم، وهو ما ذكرناه، فاعلم أنه مغشوش، وقد يعمل فيه من لحوم الأسماك المشوية والتوابل. وإن طبخوا المعز، فعلامته في القدور سواده، وزهومته، ورقة سائر عظامه. ويمنعون من غش المضيرة بالدقيق لتعقد ويزيد في وزنها، وقد تعقد أيضاً بدقيق الأرز. ويتفقد عليهم كثرة الأدهان في قدورهم. ويغشوا أيضاً البهطة بالقلقاس، وقد يغشون به الهريسة أيضاً، وقد يغشون أيضاً الهرايس بالكروش المسلوقة المبشورة، ويسترون عيوبها بالشحوم. ويعتبر عليهم أيضاً العصبان، فإنهم يبيعونها الجزارون. وينبغي أن يعتبر غسلهم بالشق، ويمنعوا أن تنقع في الماء قبل بيعها، ويؤمروا بنظافته، وحشوه بلحوم الخواصر، وقناقه بالنعنع، واليسير من السداب، ويحلفوا بالله العظيم أنهم إذا عملوا عصباناً من بطون المعز وباعوه، أن يعلموا الزبون بذلك، ويراعيه العريف أيضاً. وقد وجدت في الرسالة التي تعرف بكيمياء الطبيخ، التي ألفها يعقوب بن إسحاق الكندي إلى المعتضد ألواناً تطبخ من غير لحم، وقلايا كبود من غير كبود، ومخ من غير مخ، ونقانق من غير لحم، وعجة من غير بيض، وجوذاب من غير جبن ولا أرز، وحلاوة من غير عسل ولا سكر، وألواناً كثيرة من غير عناصرها يطول شرحها، وليس يهتدي إلى دقة صناعتها، وخشيت من تدليس المتعيشين في الأسواق، فأمسكت عن صفتها خوفاً من التنبيه على عملها، رجاءً لثواب الله تعالى. * * * الباب الثاني عشر في الحلوانيين وغشهم ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة؛ لأن غش هذه الصنعة كثير جداً، فمن ذلك أن العسل النحل إذا كان نافقاً غالياً، غشوه برب العنب، وهو يعرف إذا جعل على النار،

فإن رائحة الرب تظهر، وكذلك العسل القصب إذا غلا غشوة بالدبس، فإن النوى يوجد في أسفل الوعاء. والفالوذج يُحلف صانعه ألا يطرح لكل رطل عسل إلا أوقيتين من النشأ، أن يكثر فالوذه، وأن لا يحشيه. ومن الحلوى ما يغش بالدقيق، والنشا، ودقيق الأرز، ودقيق العدس، وبقشر السمسم، وربما عملواعوض العسل النحل القند، والسميذ مكان الخشخاش وغيره، ومنه ما يغش بالفتيت وبدقيق السندود، ومنه ما يمزج من النشا ليخفى سواده، والذي يغش منه بالدقيق، إذا ألقى في إناء زجاج وصب عليه الماء، ذات سكره، وصفا لونه، وركد دقيقه. ومما يغش به من دقيق اللوزنيج المعزول واليابس، والقاهرية يغش حشوها بالدقيق، ويعجن بالدقيق أيضاً، وفي حشو القطايف أيضاً يسقى خبزه بالماء الحار حتى لا يشرب الدهن، وكذلك القطايف والمقلى يغش حشوه بالدقيق، ويسقى بخل القند عوضاً عن العسل النحل، وكذلك ناطف الخشخاش يغش بالسميذ، وإنه لا يبين في الخشخاش، وهو يطفو أيضاً على الماء. والناطف الهياجي يغش أيضاً بالسميذ المقلى والبندق، والكشك الأبيض والأصفر يغشان بالفتيت، وهو يعود أيضاً على الماء، وكذلك البسندود يغش بالفتيت، وربما عمل بدقيق العدس، وكعب الغزال إذا كان أسمر اللون، فهو معمول من القند، وقد يدرج في النشا ليخفى أمره، وناطف المشاش أصفر وأبيض، وكذلك المزاج أصفر وأبيض، فما كان منه بقند عرفته بسواده، وما كان صافياً كان مزاجاً حسناً يباع كل منها بسعره، وما يساوي في الوقت. والخشكنان الذي يخبز في التنور إن غشوه يقع عليهم في التنور عند خبيزه، والخشكنان المقلى يغش حشوه أيضاً بالدقيق، والمشبكة أيضاً تغش بحل القند عوضاً عن العسل النحل، والخبائص الرطبة والناغمة، فغشها أن يكون نشأها خارجاً عن الحد؛

13 - الباب الثالث عشر في هرايس التمر ومطبوخ العدس

لأن منهم من يعمل لكل رطل حلاوة رطل نشأ، ومنهم من يعمل مع كل رطل نصف رطل نشأ، وهذا هو الخطأ، فمن فعل هذا استتيب أول مرة، فإن عاد أدب وشهر. ولا يمكنهم العريف أن يطرحوا لكل رطل حلاوة سوى أوقيتين نشأ لا غير، وهذه الخبايص الرطبة الكثيرة النشأ إن خفيت في منظرها وذوقها، فإنها إذا باتت حمضت، والفانيد الخزائني إذا عمل من الأجاجير كان صافياً حسناً شديد الحسن، وكذلك كعب الغزال إذا عمل من القند عرف بسمته، فيباع كل واحد منهما بما يساوي، وأجود ما عمل في السوق ما كان من السميذ، وما كان في العسل القصب، والماء ورد بالفستق لا غش فيه. * * * الباب الثالث عشر في هرايس التمر ومطبوخ العدس ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً بمعيشتهم، ويأمره أن يتقدم إليهم ويلزمهم بغسل جرارهم، وقدورهم، كل يوم بالماء الحار والأشنان، ويعتبر عليهم شغلهم، فمنهم من يعمل في الهرايس من التمر شيئاً يسيراً، ويلقى عليه من النوى المجموع من على المزابل والطرقات شيئاً كثيراً، ويطرح فيه خشباً يعرف بالقلم ليصبغه ويزيد في حمرته، ويطرح فيه شيء من النطرون، أو الكمون الأبيض لينون عنه، وهو أسلم من النطرون وأنفع منه، فينبغي أن يمنعوا من هذا ويحلفوا عليه. ثم يعتبر جرارهم بعد ذلك، فإذا رأى شيئاً مما ذكرناه بعد ذلك، كسر ورمي في أتونات الحمام، ويؤدبون ويشهرون، وكذلك باعة حشو العدس، يتقدم أيضاً لهم ويأمرهم بنظافة أوعيتهم، وتغطيتها، ونظافة مياهها، ونظافة العدس قبل طبخه، ويحلفوا أن لا يخلطوا فيه ماء الحمص المسلوق بعد طلوعه من التنور ليكثره؛ لأنهم يفعلون هذا في وقت تحريك السعر وقلة العدس. * * *

14 - الباب الرابع عشر في الباقلانيين، أي الفوالين

الباب الرابع عشر في الباقلانيين، أي الفوّالين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً بمعيشتهم، ويأمره أن يمنعهم من عمل الباقلاء المسوس، بل يكون جيداً طيباً، منقى من القديم، وهو يزيد في تنبته مثله، وكذلك الحمص السالم من التسوس قبل بله وقبل سلقه [ينظف] من الطين والحجارة، ولا يخلط ما بقي من أمسه مسلوقاً في حمص يومه، ويؤمرون أن ينشروا عليه الملح المطحون، والكمون الأبيض بعد بيعه؛ ليدفع مضاره، ويفتقد مكاييلهم فإنهم يأخذون قطعة خشب يحفرونها مكيالاً، فيكون مثاله طول شبر، والمحفور من داخلها أربعة أصابع فيغتر الناس بسعتها وطولها، ولا يعلمون ما المقدار المحفور منها، وهذا تدليس ظاهر لا يخفى. وكذلك الترمس المسلوق، لا يسلق إلا بعد إقامته في الماء ثلاثة أيام لتزول مرارته، ويجاد سلقه، ويذر أيضاً عليه بعد بيعه الكمون المدقوق بالملح، وكذلك الباقلاء؛ ليعين على هضمه لفرط ثقله. ويتعاهد موازينهم، وصنجهم، ومكاييلهم، فإن صنجهم قد تتكاثف عليها الأوساخ، ومكاييلهم قد يصبوا فيها الجبس في أسفلها، أو خبز الفجل حتى تنقص، فيعتبر عليهم ذلك في سائر الأوقات. وربما كان معهم أقداح صغار ليس لها عيار، يدعون أنهم يكتالون بها للصغار، وهي مما لا يقع عليها مقدار ولا تحديد، فيمنعون، من ذلك وتكسر، ومن شأنهم أن يكون عندهم ثلاثة أقداح، فلا يترك ذلك عندهم أصلاً، ولا ثلث درهم، ولا ثلث رطل أصلاً، جملة كافية. * * * الباب الخامس عشر في السماكين والسمك ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً عارفاً بمعيشتهم، ويأمره أن يعتبر عليهم، فقد يموت السمك في الماء لفرط البرد وشدته، فيقذفه الأمواج إلى الشطوط، فيأخذونه في جملة ما

16 - الباب السادس عشر في باعة الصير والبورى والملح

كان يصاد حياً، وهو ممنوع من أكله لانحراف مزاجه، وفساد طبعه قبل موته، فيمنعون من ذلك. وما بقي عند باعة السمك شيء وبات، جعل صيراً. وأرطال السماكين، فرسمها أن تكون زائدة على عيار غيرها أوقيتين، وتكون حديداً مختومة قطعة واحدة بلا حلقة، وإن كانت حجارة، فتكون مجلدة مختومة بالرصاص كما قدمنا ذكرها أولاً. ويأمر باعته بمواصلة غسل حصرهم، وموازينهم، وجميع آلاتهم، وقفاف الحمالين أيضاً، ويرشوا عليها الملح عند انصرافهم لتنقطع رائحتها، فمن خالف ذلك، وكانت قفته من الحمالين منتنة أدب وأشهر، ومن اشترى سمكاً لنفسه، فليكن حمله في زنبيل معه، لكي لا يعدم به ثياب الناس في الأسواق، ومن وجد حاملاً سمكاً في يده، وضع في حجره تأديباً لغيره. * * * الباب السادس عشر في باعة الصير والبورى والملح أما الملح، إذا كان جريشاً، ينهوا عن تهميشه، فإن ذلك تدليس، ومكاييل الملح الجريش في المراكب، ودكاكين الملاحين، كلها حروية، فمن اشترى بالحروى وباع بالليتى، فقد ظلم وجار. وأما البورى، فيعتبر عليهم الفائت منه، ويمنعهم من بيعه، وأن لا يخلطوا بعضها مع بعض، مثاله أن يكون ششف مع لاج، أو طوبار مع طرى، ولكن كل واحد منهما وحده. وينفض ما في خياشيمه من الملح قبل وزنه. ومن باع منه طرياً فأعطى فائتاً ألزم برده، وإعادة ما غرم عليه من حوائجه، وأن تكون أرطالهم كأرطال السماكين، زائدة من عين عيار غيرها أوقيتين، وأن يكون تحت يد كل واحد منهم قفة كبيرة لتقشير السمك، [وأخرى] لوضعه ولجمعه فيها، وإذا قشر السمك لصاحبه، فلا يشق بطنه إلا بإذن صاحبه، فإنهم يعملون تحت أيديهم الأوعية للمصران، ويأخذون بغير إذن صاحبه ويبيعونه، وهذا حرام، فيعتبر عليهم ذلك. وأما الصيّر، فيعتبر عليهم ما ريح منه، أو ما داد من قلة ملحه، أو أن يبيعوا جنسين

17 - الباب السابع عشر في قلائي السمك وسمك الطاجن

مخلوطين، مثاله أن يبيعوا راى وهو مخلوط بغيره، فهو تدليس، فإنه يظهر لونه، وتزيد حمرته في رأي العين، فيكون بطعمه وذوقه بخلاف ذلك، ويمنعهم أن يشيل أحدهم الملوحة من المطر إلى الميزان بمرته، فهذا تدليس. ويجتهد في تغطية أوعيته. ويؤخذ عليهم أن لا يعملوا مرى صيراً غيره. ويمنعهم أن لا يعملوا عليه الشرش من ماء الفول المسلوق، فيمنعوا من ذلك، وأن لا ينقلوا من وعاء إلى وعاء، فإن ذلك يغيره ويزيد زفرته، وأن لا يبيع ملوحة جديدة قبل استحقاق أكلها، ومتى ظهر عليهم شيء من ذلك، أدبوا وأشهروا، فيؤمر بأن يفرك عليها بعد بيعها الصعتر الشامي. * * * الباب السابع عشر في قلائي السمك وسمك الطاجن ينبغي أني عرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً بمعيشتهم، ويأمره أن يأمرهم أن لا يعملوا سمكاً بائتاً، ولا متغير الرائحة، وينظر إلى حمرة خيشومه، ويغسلوا آنيتهم كل وقت بالمار الحار والأشنان، وتدق حوائجه دقاً ناعماً، ويكون الدقاق متلثماً؛ لئلا يتكلم أو يعطس، فيقع بصاقه أو مخاطه في الحشو، ويكون عيار الحشو لكل طاجن إذا كان فيه سمك، ما قيمته عشرة أرطال، وتكون أبزاره معتبرة، ويكون فلفله ثمن أوقية، وكراويا ثمن قدح، وكزبرة ثمن قدح وثوم ثلث أوقية، وسماق ثمن قدح، وزيت طيب ثمن رطل، وطحينه نصف رطل، وماء ليمون نصف رطل، وخمس شدات بقدونس، وقليل صعتر نصف رطل شامي، وقلب بندق محمص مدقوق غير ناعم، فيعتبر عليهم ذلك، ويأمرهم بقلع عظمه وقت وزنه للمشتري، وأن لا يعملوا مع الحوائج شيئاً من الماء إلا ما يغسل به إناء الحوائج عند فراغه، ويكون ذلك بحضرة المحتسب أو نائبه. وكذلك القلاؤون للسمك من باعته المقيمين في البلد، والمسافرين به إلى البلدان والأسواق، يطالبون بطراوة ما يبتاعونه من السمك، وبنظافته وغسله، ومواضع خياشيمه، ونظافة مقاليه، وطيب وزنه، وغسل أوعيته، وأن يقلى السمك قلياً واحداً بليغاً، بشرط أن لا يعاد إلى الطاجن مرة أخرى، إلا أن يختار ذلك المشتري لتسخينه. وأن ينثر عليه بعد بيعه الأبزار المدقوقة بالملح، ولا يخلطوا البائت بالطري، وعلامة الطري حمرة خياشيمه، والبائت ليس كذلك، وينبغي أن يفتقد العريف الطاجن كل وقت عند غيبة المحتسب؛ لئلا يقلوه بدهن الشحم المستخرج من بطون السمك؛ لأنهم يخلطونه مع

18 - الباب الثامن عشر في صيادي الطيور والعصافير

الزيت عند قليه، ويمنعهم أيضاً أن لا يقلوا بالزيت المعاد إذا كان متغير الرائحة، ولا يفسح لهم في شيء من ذلك. * * * الباب الثامن عشر في صيادي الطيور والعصافير ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً بمعيشتهم، ويمنعهم من نفخهم الطيور، لما فيه من الضرر والوسخ، ولا سيما إذا نفخه فتكون نكهته متغيرة، ويعتبر الميت منه، فربما خلطوه بالذي كان حياً، ومعرفته أن يلقى الجميع في الماء، فإن الميت يعوم، فمن ظهر عليه شيء من هذا أدب وشهر لكي يعتبر به غيره، وكذلك العصافير المأخوذة من على الدبق، وعصافير الذبح، فهي كثيرة ممن يموت في الشباك، فيوجب مراعاتها أيضاً، فإن الميت منها يعوم على الماء كما ذكرنا أولاً. * * * الباب التاسع عشر في الطحانين وغشهم ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة، ويأمره أن يكون في كل طاحون ميزان من خشب نظير موازين الجبس، وأوزانه وكلابه كما شرطنا في موازين الجبس، يوزن به القمح إذا ورد، والدقيق إذا صدر، ويشد على أذن كل قفة لوح صغير، ويكتب فيه اسم صاحبها ووزنه، فإذا صح الوزن زالت التهمة وارتفع الشك، وتكون الحجارة التي يوزن بها القمح مجلدة معيرة مختومة بالرصاص، مكتوباً عليها بالحبر بخط المحتسب أوزانها، ويشترط على المتاجرين من الطحانين اعتدال موازين الحجارة؛ لأنها إذا رفعت خفت على الدواب وجرشت الدقيق، وإذا وضعت سحقت وأضرت بالدواب، وإنما يكون الميزان معتدلاً حتى لا يقع الضرر، ويصرح حال الدواب، ويطيب الدقيق من غير حيف على الجهتين. ويحلفون أن لا يخونوا أحداً في قمحه، ولا في دقيقه، ومنهم من إذا وزن عليه زنبيل قمح، أفرغه في القادوس، وبلَّ أسفل الزنبيل بالماء، وأخذ بمقدار بلله من ذلك الدقيق، يفعل هذا بقفاف كثيرة، ويستحلون ذلك، فيحفلون أن لا يفعلوا ذلك، ولا يأمروا من يفعل لهم ذلك.

20 - الباب العشرون في الفرانين وصبيانهم

ثم يوصى بعد ذلك أرباب دواب العمل أن يتقوا الله تعالى في ترفيهها في كل يوم وليلة بحاجتها إلى الراحة والسكون، وأن لا يخاف على العمالة الشرعية الجاري بها العادة، فإن في ذلك مثوبة، وبقاء للنعمة، وإذا حسنت لهم وفيهم، ومع ترك الخيانة. * * * الباب العشرون في الفرانين وصبيانهم ينبغي أن يكون للفران مطرحتان، واحدة للخبز، وأخرى للسمك، لا يطرح فيها خبزاً جملة كافية، ويلزم بتوريد سائر ما يخبزه للخبازين ولأهل البلد، ولا يقبل من ذلك الخباز إذا قال له: جر يدك ليخرج خبزه غير نضيج ائتمر. ويكون فرنه نظيفاً، لا يسود أسافل الخبز، ولا يقربه لشيء من الرماد، وأن لا يوقد بشيء من الأزبال التي تجمع من على الأكوام، ومتى فعل هذا أدب ولطخ منه وجهه وأشهر، ولا يغسل، ويجعل عوضها قصارياً جداداً فيها المآكل كل يوم، ويهراق في آخره. ويجددوا حشيش مكانسهم من غير حصر المساجد، ويكون على مصطبته التي يلقى عليها أخباز الناس حصيراً مصونة من التراث والأوساخ، وإذا شووا سمكاً أو لحماً، وشموا رائحته، أخذ منه قطعة بحضور صاحبه، ويجعلها تحت يده لمن يأتي إليه ويطالبه بالرائحة من النساء الحوامل، وإذا خبز طبقاً، وكان عليه مئزر أو خرقة، سلمها لصاحب الطبق، وإن كان صاحبه غائباً، جعلها تحت يده إلى أن يحضر، فإن لم يفعل كذلك، وعدم لأحد شيء، لوزمه غرامته. وكذلك أخباز الناس تعد بحضور أربابها، وإذا غاب صاحب طبق أعد على من يشهد له به من الحاضرين. وغلمانهم الذين ينقلون إليهم أخباز الناس، ويدخلون بها إلى بيوتهم، يكونون دون البلوغ، وإذا جاءهم صبي بالغ صرفوه لحال سبيله يحمل في السواحل، وإذا أتاهم من يطلب ناراً اعتبروه، فإن كان صغيراً يعلمون أنه لا يحسن تدبرها ولا يحملها، فلا يعطوه شيئاً، ويمنعونه من ذلك، ومتى فعلوا بخلاف ذلك واحترف طفل صغير أدبوا وشهروا، وكذلك المداخن التي لأفرانهم يرفعون بنيانها بالبرابخ وتعلّى، بحيث يخرج دخانها مرتفعاً عن دور مجاوريهم، ومنهم من يخبز بعد فراغه من أخباز الناس وغلق فرنه للمزارين، فينبغي للعريف مباشرتهم في مثل هذه الأوقات. * * *

21 - الباب الحادي والعشرون في الحطب والحطابين

الباب الحادي والعشرون في الحطب والحطابين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً عارفاً، يأمر الحطابين الذين يبتاعونه للخزين إذا قدمت به المراكب، أن يتوقفوا عن الشراء إلى أن يكتفى الخبازون وأهل البلد، وما فضل عنهم وكسد اشتروه، وما كان منه حزماً موفر الشد، باع على حاله، وشده بما أطعم الله ورزق من غير حيف على الناس، ولا علمهم بالعدد كما جرت به العادة، ويتقدم إليهم بالمنع من حطاب النزاع البائت عليها وحولها؛ لأن قطعه يخلخل أرضها، ويفسد نظامها، ويكون سبباً لهجوم الماء وقلة نباتها، فيضر ذلك، فمن فعل منهم شيئاً من ذلك بعد الإنذار أشهر. * * * الباب الثاني والعشرون في القصب والقصابين ينبغي أن يكون عليهم عريفاً ثقة، يتقدم إلى أرباب مراكب القصب بأن يوفروا حزمهم كلها، ولا يحيلوا على صبيان المراكب، ولا يقبل لهم عذر. وعيار الحزمة خمسون قبضة بالإبهام والإصبع الوسطاني. وينبغي للمحتسب أن يختم لهم حزمة بثلاث خواتيم تكون عياراً لهم، على ما ذكرنا، ليسقط الحلف، ويزول العذر، وتكون عند العريف يطالبهم بها أبداً. ومتى جرى من أحد منهم بخس، رفع إلى المحتسب ليؤدبه ويشهره. ولا يبيع لأحد من الخزانيين شيئاً من القصب إلى أن يكتفى سائر أصحاب الأشغال والعمارات، ومهما فضل عن هؤلاء ابتاعوا للتجارة وخزنوه. * * * الباب الثالث والعشرون في الجبس والجباسين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً بمعيشتهم، ويتقدم إليهم ويأمرهم بإنضاج الجبس في الوقيد حتى يصفو، وتظهر منه رائحته كرائحة الطفل، وعلامة نضجه أنه إذا خلط بالماء لم يشتد لوقته، فإذا كان نيئاً لصق، وكذلك إذا صب على الحائط فنشف لوقته، فهو نيء، وإن بقى رطباً ساعة، فهو نضيج. ويكون لهم موازين خشب نظير الطحانين، كما ذكرنا في أول الكتاب، وتكون أوزانها مسمرة من تحت العمود مواجهة الأرض، ولا تكون مسمرة في طرفي عمود

24 - الباب الرابع والعشرون في الجير والجيارين

الميزان في طوله، وإلا متى اختار إبرازها إلى خارج، فيلحق المشتري الضرر في الزيادة عليه في بخسه بمقدار ما أخرجها. وتكون قفة العيار خمسة أرطال بالجروى، معيرة، مختومة بخاتم السلطان الرصاص، ومن فوقه بخط المحتسب، حتى لا يوزن بغيرها، ولأنهم ربما وزنوا في قفف في قعرها إبراش مخيطة، فيدخل بينها جبس، فتكون السرقة في كل وزنة عدد القفف، فينبغي مراعاة ذلك وقلة التغفل عنه، ومتى تخطوا إلى ذلك، أو إلى شيء منه، أدبوا وأشهروا ليكونوا شعفة لغيرهم. وكذلك الوقاد إذا قصر في وقيد الجبس ونضجه أدب وأشهر، وكذلك الحجر الذي يعير به الجبس، يكون معيراً مختوماً، وقنطار الجبس جروى. * * * الباب الرابع والعشرون في الجير والجيارين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً بمعيشتهم، لا يمكنهم من ترك الحجارة، يعني ترابه الذي تفتت وقت كسره، حوالي المجيرة، ويكنسون حواليهم قبل إنزالها، ويستظهر عليهم ويباشرهم وكلما قل حمل الجير على المجيرة كان أجود للجير وشيّه، ويتقدم إليهم بإنضاجه، ليخف ويجود، وتقل حجارته وأذيته، وأن يكون لهم ميزان خشبة نظير موازين الجباسات، فإن دعت الحاجة إلى العيار، فيكون معيناً، وينقش وزن رمانته على صدره عند لسانه، وينقش أيضاً على الرمانة؛ لئلا تبدل برمانة أقل وزناً منها، وقنطار الجير ليتى، وإذا طلع في الجير حجارة أعيدت لصاحبه وأخذ وزنها. * * * الباب الخامس والعشرون في الحمامات، وقوامها، وذكر منافعها ومضارها، وما يلزم حراسها، والبلانين، والمزينين، والوقادين، وباعة النورة اعلم وفقك الله أنه قد ذكرنا في هذا الباب وفي اللذين قبله، أموراً ليست من قبيل الحسبة، وإنما ذكرها لعموم الانتفاع بها ومعرفتها، وهي لائقة بهذا الباب، ولعمري إن الحكمة ضالة كل حكيم، والفائدة حسنة حيث وجدت، قال بعض الحكماء: خير الحمام ما قدم بناؤه، واتسع هواؤه، وعذب ماؤه، وقدر الوقاد وقوده بقدر مزاج من أراد وروده. واعلم أن الفعل الطبيعي للحمام هو التسخين بهوائه، والترطيب بمائه، فالبيت الأول مبرد، والثاني مسخن مرتفع، والثالث مسخن مجفف.

والحكام يشتمل على منافع ومضار، فأما منافعها: فتوسع المسام، وتستفرغ الفضلات، وتحلل الرياح، وتحبس الطبع عن السهولة، وتنظف الوسخ والعرق، وتذهب الحكة، والجرب، والإعياء، وترطب الدماغ، وتجود الهضم، وتنضج النزلات والزكام، وتنفع من حمى يوم، ومن حمى الدق. وأما مضارها عند طول القيام فيها، فإنها تسقط شهوة الطعام، وتضعف الباه، وأعظم مضارها صب الماء الحار على الأعضاء الضعيفة، وقد تستعمل في الريق والخلو، فتجفف تجفيفاً شديداً، وتهزل، وتضعف. وقد تستعمل الحمام على قرب عهد بالشبع فتسمن البدن، إلا أنها تحدث سدداً، وأجود استعمال الحمام على الشبع بعد الهضم الأول، فإنه يرطب البدن ويسمنه، ويحسن بشرته، فينبغي للمحتسب أن يأمر ضامن الحمام بنظافتها، وكنسها، وغسلها بالماء الطاهر، غير ماء الغسالة، يفعلون ذلك كل يوم مرتين، ويدلكون البلاط بالأشياء الخشنة؛ لئلا يتعلق به السدر، والخطمى، والصابون، فتزلق عليها أرجل الناس، ويغسلون الخزانة من الأوساخ المجتمعة في مجاريها، والعكر الراكد في أسفلها كل شهر مرة؛ لأنها إن تركت أكثر من ذلك، تغير الماء فيها في الطعم والرائحة. ولا يسد الأنابيب بشعر المشاطة، بل يسدها بالليف والخرق الطاهرة. ويستحلفون بأن لا يخلوا في الأحواض ماء، ويخولها كل ليلة. وإذا استعملت مياه الأحواض، ولم ينضحوها، ولا يغسلوها، وأصبحوا ليسيبوا عليها الماء، وأراد المحتسب معرفة ذلك، جعل ماء الحوض وماء الميزاب في إنائين متساويين في السعة والوزن ويزنهما، فإن رجح ماء الحوض على ماء الميزاب فهو لابد، وقد يدركه أيضاً بشمه. ويبخر الحمام بالفحم واللبان في كل يوم مرتين، لا سيما إذا شرع في كنسها وغسلها، ومتى بردت الحمام، فينبغي أن يبخرها بالخزامى، فإنه يحمي هواءها، ويطيب رائحتها، وفي أيام الشتاء يزيد في بخورها الميعة اليابسة. ويجب عليه تقديم استعماله سحراً، لما يحتاج إليه ما يتطهر قبل الصلاة. وتسد المنافس التي يدخل منها الدخان الذي يسمى الزنبور، فإن ذلك مضرة لعيون الناس ورءوسهم، ويأمر ضامن الحمام أيضاً بأن يجعل عنده ميازر يكريها أو يعيرها لمن يحتاج، فإن الغرباء والفقراء قد

يحتاجون إلى ذلك، فإن كشف العورة حرام، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناظر والمنظور، وكذلك ما يقلب به الماء، إما اصطال نحاس، وإما قطع خشب. ويمنع من الدخول إليها الأجذم، والأبرص، وأصحاب العاهات الظاهرة، ولا يدع الأساكفة تغسل فيها الجلود، فإن الناس يتضررون برائحة الدباغ، وكذلك من كانت صنعته نقل السماد والجيف، وإلا أن يغتسل ويتنظف قبل أن يدخل إلى الحمام، وكذلك البوارين والسماكين. ويلزم القومة بنظافتها، وغسل أعقاب أبوابها، وأن لا يقطعوا إطلاق مياه الطهور من أحواضها، وأن تكون محاكهم معروضة على النار، أو تنقع في الماء والملح كل ليلتين، ويعتنوا بجلاء الأحواض قبل انصرافهم، وإذا أخذ الحارس أجرة على حفظ ملابس الناس وعدم شيء منه، لزمه غرمه. ولا يستقبل البلان الرأس ومنابت الشعر استقبالاً، ولا يأكل ما يغير نكهته، كالبصل والثوم، فإنه يضر الناس، ويلزمون في خلط الزرنيخ والجير أن يلقى على كل عشرة أوزان من الجير الأبيض وزناً واحداً من الزرنيخ الخالص، وإن قصّر عن ذلك أضرت النورة بالصفراوى، والعليل، وبالقلق لطول مكثها، فيعتبر النورة عليهم بريشة أو بصوفة تغمس فيها وتترك لحظة، فإن تلاشت، وإلا أدّب صاحبها بعد إنذاره وتحذيره، ويأمرهم أن لا يمكنوا الباعة من غسل الأجبان في مطاهر الحمامات. وسبيل المزينين أن يصلحوا لحية كل أحد على مقدار ما يليق بوجهه، وأن يكون حديدهم رطباً قاطعاً، ويأمرهم أن لا يحلقوا رأس صبي دون البلوغ إلا بإذن وليه، ولا يحلقوا ذقن مخنث، ولا يزينوا له صدغاً، ولا لغيره من المردان والأحداث، وأن لا يعمقوا شرط الحجامة؛ لئلا يقطعوا ما تحتها من الشريانات الرقاق، فيشترط ذلك عند مواضع المحاجم، وهذا موجود قوي، مما يصيب الناس، وهذا التعميق في الشرط الحجامة سببه، فينبغي أن يعتبر على المزينين هذا الأمر بورقه سلق، أو بورقة موز تلصق على قطعة طين لين، ويتقدم المزين بشرط الورقة، فإن نفذ مشراطه إلى الطين أدب، وإن خفف كان علامة حذقه، وإنه إذا شرط لم يؤمل، فيكون ذلك سبباً للسلامة. ويأمر المدلك أن يدلك يده بقشور الرمان؛ لتصير خشنة فيخرج الوسخ، ويستلذ بها الإنسان، ويمنع من دلوك الفول، والعدس، فإن ذلك طعام لا يجوز امتهانه، ويعتبر على

26 - الباب السادس والعشرون في الغزالين والغزل

باعة الدلوك ما يغشون به، فمن ذلك ما يغشون به السدر بالرمل، وبخبز الفجل، والحناء بالرمل، وقد يغشون خبز الفجل بزبل الدواب المطحون، والأشنان بالرمل. والوقادون في الحمامات يتقدم إليهم، ويأمرهم بأن لا يوقدوا بسماد، ولا بطعام، وأن يتفقدوا مجاريها، ويحسنوا تدبيرها، ولا يقطعوا ماء الطهور عنها، وإن قل، ولا تقطع إرسال ميازيب المسلخ؛ ليكون ذلك عوناً على نظافة الأسطوان، ولا يبيت الماء في أحواض الحرارة، ولا يمكن السوقيون أن يأخذوا من رماد الحمام؛ لأنهم يغشون به رمادهم إذا باعوه للزيادة في ثمنه، فيمنعون من ذلك. وقيل: إن أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله نهى عن الفقاع، فإنه ربما غشوه وعملوه من غبار الطواحين، فإذا أراد المحتسب امتحانه عليهم، أمر أن تغلى كيزانه في الماء الحار وهي مملوءة مسدودة، ثم يقلبها عند غليانها، فإن تعذر ولم ينزل من كيزانه، فهو غبار معمول، وإن كان من شعير انساب ونزل بلا كدر. ويؤمرون بتكثير أفاويه ومسكه، ويقللون من سدابه لعلة فساده للباه. والفقاع مكروه في الشرع والطب جميعاً. * * * الباب السادس والعشرون في الغزالين والغزل ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة، طاهراً، مأموناً، بصيراً بما يجري في السوق من الخطأ والتدليس، ويجعل كل جزء من السناء منفرداً غير مختلط. وقد يشتري بعض السماسرة الغزل الخريص ويعيده إلى السوق مع غيره إلى من يسأله شراء مثله، فيبيعه له بزيادة متفاوتة. وينبغي أيضاً أن يتأمل من يشتري الغزل، فإن كان مظنوناً به، أو مواصياً للمشتري أكثر ما يحتاج إليه، حل غزله وبل بالماء قبل دفعه إليه، ويستحلف سماسرته أتم يمين أن لا يدلسوا غزلاً، ولا يشاركوا في ذلك، ولا يوطئوا عليه أحداً، ومتى ما أطلعوا على هذا من غيرهم نمو عليه، ولم يسكتوا عنه، وأظهروا فعله ولم يستروه كائناً ما كان من المسلمين وغيرهم. ولا تبخس الموازين، ولا يظلمون أحداً من البائعين والبائعات، وأن ينقدوا لهم نقداً جيداً يغني عن المعاودة والمراجعة، ويعتبر موازينهم وصنجهم كل وقت، ولا يترك عند أحد منهم دستى صنج، ولا صنجة ثلث درهم، ولا ثلث أوقية. * * *

27 - الباب السابع والعشرون في الكتاتينيين

الباب السابع والعشرون في الكتاتينيين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة بصيراً، ويلزمهم أن يكون بينهم وبين من يشتري منهم من السناء حجب، ومقاطع من أقفاص وغيرها؛ ليكونوا بذلك غير متلامسين. واعلم أن أجود الكتان المورق، وأردؤه القصير الخشن الذي يتقصف تحت الصدفة، فيأمرهم أن لا يخلطوا جيده برديئه، ولا الكتان الصعيدي بالبحرى، ومنهم من يخلط ما يخرج بالسراقة بالكتان الناعم بعد مشطه، فجميع ذلك تدليس فيعتبر، وتعتبر بعد ذلك موازينهم، وصنجهم، وأرطالهم في كل وقت. * * * الباب الثامن والعشرون في الحريريين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة، ويعرف أن في صبغ الحرير غشوشاً خافية، فمن ذلك أنه إذا صُبغ قز غير مبيض أسود لهم المثل، وإذا كان مبيض زاد لهم الثلث، وكان أقوى وأنقى بعيد تغييره، وينبغي أن لا يباع الحرير المصبوغ بالبقم عوضاً من القرمز، فإنه يتغير في الماء، ويأمرهم أن لا يصبغوا القز بالفَوّة قبل اللك، فإنه غش وتدليس، وأن لا يبعوا حاكة الصنفين ما يتغير عليهم في المراس، وأن لا يكون عندهم دستاً صنج، ولا ثلث درهم، وكذلك يعتبر أيضاً ما ذكرناه من غش أصباغهم. * * * الباب التاسع والعشرون في القطانين والندافين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً، وتكون أرطالهم معيرة مختومة، وكذلك موازينهم، ويستحلفون يميناً لا كفارة لهم منها، أنهم لا يخلطون قطناً قديماً بجديد، لا في كفن ولا في غيره، بل يبيعون كل واحد على حدته، ويتقدم على الندافين منهم أن يتقصوا في إخراج الحب عند ندفه في ملابس الناس، فإن خالفوا ووجد الحب فيما عملوه، أدبوا على ذلك؛ ليكونوا شعفة لغيرهم. * * *

30 - الباب الثلاثون في القلانسيين وغشهم

الباب الثلاثون في القلانسيين وغشهم ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً عارفاً بمعيشتهم، يمنعهم من عمل القلانس من الخرق البالية التي يلقونها بالقراطيس والأشراس وغير ذلك، فما يلبث أن ينخرق ويهلك. ويتقدم إليهم أن لا يعملوا إلا جديداً، ويبيعون بما قسم الله لهم، ولا يخيطوا عتيقاً إلا أن يكون فتيقاً مقلوباً، ويكتب على بطانة الجديد: جديداً، والعتيق: عتيقاً، بخط المحتسب. ويمنعهم أن يسودوا القندس، ولا يخرموا على قطع، ولا يشقوا جاخاً أسود بسواد، ولا أحمر بحمرة، ويصقلوه ليخفى على شاريه، فإن ذلك تدليس. ولا يعملوا زيفاً عتيقاً على جديد، ولا يحشوا شيئاً جرت عادته أن يحشى بقطن بمشاق. ويحلفون بأن لا يخيطوا بطاق غير مفتول، ويحلفون أنهم إذا فصلوا لأحد شيئاً فضل عندهم منه شيء يردونه لأربابه. ومنهم من يُدفع له الحرير، فيأخذه ويخيط بدله بغزل، فيحلفون أيضاً على ذلك، ومن خالف منهم أدب. * * * الباب الحادي والثلاثون في الخياطة والخياطين وغشهم ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً، ويؤمرون بتضييق الأبدان، وسعة التخاريص، وأن تكون خياطتهم درزاً، ولا تكون شلاً، وأن لا تكون الخيوط طوالاً، فإنها تضعف من التكرار، وتكون الأذيال معتدلة، والأطواق لازمة، وإذا دفع إلى أحد منهم ثوباً مما له قيمة، قبضه بالميزان ورده موزوناً، وتراعى خياطته، فربما حشوه رملاً، أو بخ داخلها بماء وملح إذا كانت ممن لا يتبين بياضه، ويتقدم إليهم أيضاً بترك المطل للناس، وأن لا يأخذ أحد شغلاً وهو غير فارغ، إلا أن يشترط على صاحبه مدة فراغه، ومن خالف أدب. * * *

32 - الباب الثاني والثلاثون في سماسرة البز

الباب الثاني والثلاثون في سماسرة البز ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً بمعيشتهم، ويأمرهم أن لا يخلطوا أموال التجار إذا وردت إليهم، بل يشترون بما لكل إنسان على حدته، ويتقوا الله تعالى في ذلك، ولا يزيدوا ثمن غال على رخيص، ويحذروا الغلط، ويشتروا لكل واحد منهم بقسمة ورزقه، وينبغي أن يعتبر عليهم موازينهم، وصنجهم كل وقت، فإنهم كثيراً ما يزنون للحاكة ناقصاً. وأن لا يكون في ميزان أحد منهم دستاً صنج، ولا ثلث درهم. وتكون وزنات الحاكة مفردة، ولا ينقل أ؛ د منها على أحد، ولا على ما حدّه لهم السلطان من الجُعل، وهو على كل دينار درهم ورق، ولا يطرح أحد من السماسرة عنده شيئاً من أموال التجار، فيصله بدفعه إليه، وهو خيانة وتدليس. * * * الباب الثالث والثلاثون في البز والبزازين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً، وأن يحلّف البزازين فيما يباع بينهم؛ لأنهم ربما قوموا المتاع قيمة قد توافقوا عليها من الزيادة في رأس المال الذي قد ابتاعوه، ويتأولون فيه هذا التأويل عند بيعه وهم كاذبون؛ لأن الذي يجرى في هذا وأمثاله يجري مجرى الحيل والخديعة، فيحلفون على ذلك بحضرة عريفهم. ثم إنهم يراعون بعد ذلك، فإن عاد أحد منهم إلى مثله صُرف من السوق لقلة أمانته. وينبغي أن لا يكون بين أحد من الدلالين، وبين بزاز شركة؛ لئلا يصفق عليه المتاع بنقص. وينبغي أن يعمل ذراع من خشب طوله، بعرض الإبهام، أربعة وعشرون إصبعاً محزوزة، وينقض على طرفه الأول اسم الإمام، وعلى الطرف الثاني اسم المحتسب، يتعيشون به، ليرتفع الشك في طول أمتعة الناس وعرضها في الزيادة والنقصان. وإذا أشهر المنادي ثوباً، فلا يزيد إلا ما زاده المشتري، ويمنع من أن يزيد من نفسه شيئاً، ولا يأخذ جعالته إلا من البائع بحكم أن لا يبيع إلا مُسلّماً. ولا يتجاوزون في أشغالهم على كل دينار درهماً واحداً ورقاً، ويعتبر موازينهم كل وقت، ويأمرهم أن لا يبتاع بينهم قطعة قماش لأحد، كائن من كان، إلا أن يكتب اسمه واسم ضامنه في درجة، يفعل

34 - الباب الرابع والثلاثون في الغسالين

ذلك السمسار، ويكتب أيضاً البزار في دفتره اسم المنادي، ومن خالف كان دركه لازماً له. * * * الباب الرابع والثلاثون في الغسالين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة، ويحلفون أن لا يضربوا على الحجر أكثر من ثوب واحد، وأن لا يعصروا المتاع بشيء من الخشب، ومراعاة أمتعة الناس في الولائم والمآتم، ومن لبسها على كل الوجوه والأسباب، ويمنعون أيضاً من غسل أمتعة الناس بالماء المطبوخ فيه القلي والنطرون، فإن ذلك يضر الأعلام والطرز، ويبلى القماش سريعاً، ويولّد فيه القمل والصئبان، ولا يغسل ثوب الرجل على ثوب لغيره، ولا يستبدل شيئاً من أمتعة الناس. * * * الباب الخامس والثلاثون في القصارة والقصّارين ينبغي أن يعرف عليهم ثقة، ويستحلهم أن لا يجلبوا إزراً في ثوب لغيرهم، وكذلك لا يستخدموا شيئاً من سائر ما يخدمونه ويقصرونه، لا في أوساطهم، ولا يلتحفوا به، ولا يشيلوا فيه شيئاً من السوق، وأن لا يتركوا المتاع في النورة سوى ساعة؛ لئلا تُضر الطرز والأعلام ويؤمروا بنظافة المتاع، وسلاسته، وقلة جيره، وإزره، ويؤمروا أن لا يطووا المتاع رزماً بالعشايا وهو ندى، فإن ذلك يوجب عفنها وفسادها. ومن حسن النظر لسائر أمتعة الناس، أن يؤمروا أن لا يرزموا في شيء من أمتعة الناس، بل يستعدون لهم أكيسة يرزمون فيها، وتكون مناديلهم التي يلبسونها على رءوس فوطاً، أو ميازر، ولا يتعرضوا لشيء من أمتعة الناس على رءوسهم، ولا في أوساطهم، ولا يناموا في شيء منه في منازلهم، ولا أهاليهم، ومتى لحقت المتاع عاهة لزمهم الغرم. * * *

36 - الباب السادس والثلاثون في المطرزين

الباب السادس والثلاثون في المطرزين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً، ويستحلفهم أنهم لا يطرزون بقز ويدعون أنه حرير، وإذا عمل لأحد شغلاً بشيء من لا حرير يرده إليه، وأن لا يطرز أحد شيئاً حتى يزنه بالميزان، ويكتب وزنه على طرفه، وإذا أتاهم أحد بثوب يطرز، أو بشيء من سائر المتاع، لا يزيد فيه شيئاً من التطريز، ولا ينقلوا رقم ثوب على ثوب غيره، فإن من القصارين والغسالين من ليس بثقة، يفعلون هذا بثياب الناس، ويؤمرون أيضاً أن لا يعيدوا رقم ثوب قد انحتَّ من الرءوس، ويؤديه للمطرز يصلح له ما فسد من غير أن يعلم صاحبه، وهذا تدليس وخيانة، ومن ظهر عليه شيء مما ذكرنا أدب. * * * الباب السابع والثلاثون في الرفائين وغشهم ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً عارفاً بمعيشتهم، ويحلفوا بالله العظيم أن لا يرفوا لأحد من الغسالين والقصارين شيئاً من المتاع، إلا بحضور مالكه، وأمره له في ذلك، وينتقد عليهم أيضاً ما يرفونه من جودة الأوصال وحسنها، وكذلك الدفن، والقلع، وغيره من سائر ما يرفونه، ومتى فعلوا شيئاً بخلاف ما رسمنا، بعد الإنذار، أدبوا وأشهروا. * * * الباب الثامن والثلاثون في الصيادلة والعقاقير ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً بمعيشتهم؛ لأن العقاقير نحو ثلاثة آلاف عقار، ولها أشباه وأمثلة تقاربها وتدانيها في الصورة، وتنافيها وتبعد عنها في المزاج والمنفعة، فينبغي أن يعدل بما يشترى منها إلى من قد نصب لذلك قبل استعمالها، فإذا تبين ما هو ذهب الشك فيه وفي استعماله، فتكون النفس إليه قابلة، وإلى نحوه ساكنة. والذي

وجب على مؤلف هذا الكتاب ذكر ما يؤدي إليه من غش بعض هذه الأدوية، وهو يقسم بالله العظيم على من عرف شيئاً من غش الصيدلة، وغيرها من سائر الأشياء المغشوشة، ممن وقف على كتابنا هذا أن ينبه في آخر كتابنا هذا، وإن أمكنه التنبيه على معرفة استخراج غشه فليذكره، راجياً بذلك ثواب الله عز وجل. فينبغي للمحتسب أن يباشرهم، ويخوفهم، ويعظهم، وينهرهم بالعقوبة، والتعزير، ويعتبر عليهم عقاقيرهم في كل أسبوع، فمن غشوشهم المشهورة أنهم يغشون الأفيون المصري بشياف الماميتا، ويغشونه أيضاً بعصارة ورق الخس البري، ويغشونه أيضاً بالصمغ، وعلامة غشه أنه إذا أذيب بالماء ظهرت له رائحة كرائحة الزعفران، إن كان مغشوشاً بالماميتا، وإن كانت رائحته ضعيفة، فهو بالخس، والذي هو مر صافي اللون، ضعيف القوة، فهو مغشوش بالصمغ. وقد يغشون الراوند بنبتة يقال لها: راوند الدواب، تنبت بالشام، وعلامة غشه أن الراوند الذي لا رائحة له ويكون خفيفاً، هو الجيد، وأقواه الذي يسلم من السوس، وإذا نقع كان في لونه صفرة، وما خالف هذا اللون والصفة كان مغشوشاً بما ذكرناه، والجيد من الإثمد ما كان لفتاته بريق، وكان ذا صفاء صالح وهو نقي من الوسخ، سريع التفتيت. وقد يغشون الطباشير بالعظام المحروقة، ومعرفة غشها أنها إذا طرحت في الماء رسبت العظام وطفا الطباشير، وقد يغشون التمر هندي بلحم الأجاص، وقد يغشون الحضض بعكر الزيت ومرائر البقر، في وقت طبخه، ومعرفة غشه أنه إذا طرح منه شيء في النار، فإن الخالص يلتهب، ثم أنه إذا أطفيته بعد الالتهاب تصير له رغوة كلون الدم، وأيضاً فإن الجيد منه أسود، ويرى داخله ياقوتي اللون، وما لا يلتهب وما لا يرغى يكون مغشوشاً بما ذكرنا.

وقد يغشون القَسْط بأصول الراسن، ومعرفة غشه أن القسم له رائحة، وإذا وضع على اللسان يكون له طعم، والراسن بخلاف ذلك، وقد يغشون زغب السنبل السفيل بزغب القلقاس، ومعرفة غشه أنه إذا وضع في الفم يغثى ويحرق، والسنبل المسحوق يغش ليزيد في وزنه بالأثمد يرش عليه، وكذلك السِّك مسك المدقوق، وقد يغشون الأفربيون بالباقلاء اليابس المدقوق، وقد يغشون المصطكى بصمغ الأبهل. ومنهم من يغش المقل بالصمغ القوي، ومعرفة غشه أن الهندي تكون له رائحة ظاهرة إذا بُخر به، وليس فيه مرارة، والأفتيمون الأقريطشى يغشونه بالشامي، وقد يغشونه بزغب البسبايج، ومنهم من يغش المحمودة بلبن البيتوع المجمدي، ومعرفتها أنك تضعها على اللسان، فإن قرصك فهي مغشوشة، ومنهم من يغشها بنشارة القرون، ويأخذونه ويعجنونه بماء الصمغ، ويعملونه كهيئة المحمودة، ومنهم من يغشها بدقيق الباقلاء، ودقيق الحمص، ومعرفة ذلك أن الخالصة صافية اللون مثل الغِرى، والمغشوشة بخلاف ذلك. وقد يغشون المر بالصمغ المنقوع بالماء، وضفة غشه أن الخالص يكون خفيفاً، ولونه واحد، وإذا كسر ظهر فيه أشياء الأظافر ملساء، تشبه الحصى، وتكون له رائحة طيبة، وما كان منه ثقيلاً، لونه لون الزفت، فلا خير فيه، ومنهم من يغش قشور اللبان بقشور شجر الصنوبر، ومعرفة غشه أن يلقى في النار، فإن التهب وفاحت له رائحة طيبة فهو خالص، وإن كان بالضد فهو مغشوش، ومنهم من يغش المرزنجوش ببزر الحندقوق.

وقد يغشون الشمع بشحم المعز وبالقلفونية، وقد يذرون فيه عند سبكه دقيق الباقلاء، والرمل الناعم، والكحل الأسود المسحوق، ثم أنه يجعل ذلك بطانة للشمعة، ثم يغمسها بعد ذلك في الشمع الخالص، ومعرفة غشه أنك إذا أشعلت الشمعة ظهر فيها ذلك، وقد يغشون الزنجار بالقلقند والرخام، ومعرفة غشه أن تبل إبهامك وتغمسها فيه، ثم تدلك به السبابة، فإن نَعِم وصار كالزبد فهو خالص، وإن ابيض وتحبب فهو مغشوش، وأيضاً يترم منه بين الأسنان، فإن وجدته كالرمل فهو مغشوش بالرخام، وأيضاً تحمى صفيحة في النار، ثم تذره عليها، فإن احمر فهو مغشوش بالقلقند، وإن اسودَّ فهو خالص. وقد يختارون من الأهليلج الأسود إهليلجاً أصفر، ويبيعونه من الكابلى، وقد يغشون الماء على الخيار شنبر، ويلفونه في الأكيسه عند بيعه، فيزيد لهم كل رطل نصفاً، ومنهم من يأخذ اللك ويسليه على النار، ويخلط مع الآجر المسحوق، والمغرة، ثم يخلطه ويعقده، ويبسطه أقراصاً، ويكسره بعد جفافه، ويبيعه على أنه دم الأخوين، ومنهم من يدق العلك دقاً جريشاً، ويجعل فيه شيئاً من الجاوشير على النار في العسل النحل، ويلقي فيه شيئاً من الزعفران، فإذا إلى دارغر ألقى فيه العلك، وحركه إلى أن يشتد، ثم يعمله أقراصاً إذا برد، ويكسره ويخلط معه الجاوشير، فلا يظهر فيه. وأما جميع الأدهان الطيبة وغيرها، فإنهم يغشونها بدهن الخل، وهو الشيرج بعد أن يغلى، ويطرح فيه قلب الجوز، وقلب اللوز مرضوضاً؛ ليزيل رائحته وطعمه، ثم يمزجه بالأدهان، ومنهم من يأخذ نوى المشمش ليستخرج دهنه، ويخلطه بالشيرنج، ويبيعه على أنه دهن لوز، ومنهم من يغش دهن البلسان بدهن السوس، ومعرفة غشه أن يقطر منه شيء على خرقة صوف، ثم يغسل، فإن زال منها ولم يؤثر فيها فهو خالص، وإن أثر فهو مغشوش، وعلامة دهن البلسان الخالص أن نغمس فيه سنبلة وتشعلها، فإن اشتعلت فهو خالص، وإذا قطر على اللبن جمد للوقت، وأيضاً إن الخالص منه إذا قطر في الماء

39 - الباب التاسع والثلاثون في الأشربة والمعاجين وما يضاف إلى ذلك

الحار، فيصير في قوام اللبن، والمغشوش يطفو مثل الزيت، ويصير كواكباً على وجه الماء. وقد يخلطون دهن العراق بدهن الشام، أعني الورد والبنفسج، وهذا تدليس، وقد أعرضت عن أشياء كثيرة في هذا الباب لم أذكرها، ليخفى غشها مخافة من تعليمها، وإنما ذكرت ما قد اهر غشه بين الناس، ويتعاطاه كثير منهم، وقد أمسكت عن أشياء ليست بمشهورة قد ذكرها صاحب كتاب كيمياء العطر، كما أمسكن عن أشياء كثيرة قد ذكرها يعقوب بن إسحاق الكندي في رسالته المعروفة بكيمياء الطبايخ، فرحم الله من وقع في يده ذلك الكتاب فمزقه. * * * الباب التاسع والثلاثون في الأشربة والمعاجين وما يضاف إلى ذلك اعلم وفقك الله أنه لما كانت المعاجين، والأشربة، والأقراص، والسفوفات، والأدوية المركبة، إنما يقف على معرفتها، ويتيقن مصلحتها، من حضر عملها، وشاهد خلطها وعجنها، فيجب أن يكون ذلك قبل تركيبه بحضور من جعل عريفاً على مثلهم، حتى تزول الظِنة، وترتفع الشبهة، فإن لم يمكنه حضور جميع ذلك، عينت الحوائج، وحملها الشرابي إلى مجلس العريف في طبق، أو غيره ليشاهدها، ويعد عقاقيرها، وياقبلها بمن يعول عليه. أما شابور أو غيره، ويخلطها بعد المقابلة بيده، ويمضي بها صاحبها يركِّبها، ويتقي الله تعالى أن لا يركبها بعسل القصب، ولا بقطارة، فإنه 8 م يركبون المعاجين بأشياء من عسل القصب، يأخذونه منه عشرة أرطال، يغلونه، ويقلعون نيمه حتى يصفو سواده، ويرش عليه مقدار ثلاث أوراق لبن حليب، حتى يصفو، وتطيب رائحته، ثم أنه يسحق له وزن درهمين اسفيداج العرايس، في أوقية خل خمر حاد، ويقلبها في القدر وهي تغلي، ثم يصلح منه ما شاء من الأشربة والمعاجين. فينبغي أن يراعى ذلك منهم، ويستحلفون أن لا يفعلوه، ولا يأمروا واحداً يفعله لهم، وهو لابد له ما يرجع في الأشربة إلى السواد، ويلت في المعاجين، وتظهر رائحة الخل فيه، ويعتبر أيضاً بأن يؤخذ منه قليل، ويحل بالماء في وسط الراحة، فإن المعسل يبيض

40 - الباب الأربعون في العطر والعطارين

مثل الفانيد، ومتى تطاولت مدة الأشربة، فحمضت، أو غ لت، لم يكن لصاحبها أن يردها إلى الطبخ ثانياً، لفساد مزاجها وانحرافه. ولا يذكي أحد منهم حلاوته بغير ماء الورد، ولا يجعل فيه مسكاً ولا كافوراً. وسبيل شراب البنفسج أن يكون مكرراً، فإنه سريع التغيير، وشراب الورد مثله أيضاً أن يكون مكرراً؛ لأنه اتقى وأنفع للمعدة. والسكنجبين البزوري والتادج يكونان بخل خمر، وإذا رأيت السكنجبين إلى السواد لوانه، فهو كما ذكرناه من عسل القصب، أو معمول من القند، وكذلك المعاجين إذا أذيبت في البراني، فينبغي أن يراعى ذلك، ولا يعمل شيء من سائر الأشربة والسويقات وغيرها إلا على النسج من كتاب سابور، أو غيره، بالعسل النحل، والمعاجين والأشربة من السكر الأبيض، وكذلك السفوفات، وكذلك الأقراص، يُعنى بتركيبها على ما نصه الفلاسفة. وشراب العناب يقوي بكثرة العناب فيه؛ لأنه يراد لطفية الدم، ولا يعجن الورد بالمراسيق من السكر، وكذلك البنفسج المربى لا يعلق أيضاً بسكر، فإنه غش وتدليس، ويستحيل في المعدة أسفراً، ويجودون عقد جميع الأشربة، حتى يكون لها قوام، ولا يعجن التمر هندي، الذي قد عتق عندهم وجف بالخل، ولا يباع الحارسين المصري على أنه فارسي، ولا يلفونه في الخيش المبلولة ليزيد لهم في الوزن، ولا يغشون شيئاً من أدهان العراق بشيء من أدهان الشام، ولا بدهن الخل الشيرج، ويمنعون من عمل حشو الشعير في الأفراد؛ لأنهم يعيدون عليه ماءً ثانياً، وربما وردوه بيسير من المضرة، فيعتبر جميع ذلك، ويعتبر موزينهم وصنجهم في كل وقت، وتكون أواقيهم معيرة على الرطل البغدادي عشرة دراهم ونصف وثلث الأوقية. * * * الباب الأربعون في العطر والعطارين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة، فإن غشوش العطر أشياء كثيرة، مختلفة بحسب غشوشها، واختلاف أنواعها، فمن ذلك المسك، يعمل من اثنى عشر صنفاً مغشوشة

كلها، فمنه ما يعمل من زراوند، ورامك، ودم الأخوين، ويعجن بمثله مسك جيد، ويعمل منه أيضاً عنبر، ومنه ما يعمل من سنبل الطيب، ويولد بالعود، وقرنفل، وشادوران، وزعفران، ويعجن بماء ورد، ويخلط بمثله مسك جيد خالص، وقد عملت نوافج مسك من قشور الأملج والشيطرج الهندي، ومثله شادوران، ويعجن بماء صمغ الصنوبر، ويخلط مع كل أربعة مثاقيل من هذه العقاقير مثقال واحد مسك، ويحشى في النافجة، ويسد رأسها بماء صمغ، وتجفف على ر أس تنور، ويباع. ويعمل أيضاً نوافج من الأملج، والشادوران الذي قد نزع صمغة بالماء الحار، ومعهم الأنزورت، ويعجن بماء الصمغ، ويخدم، ويعمل مع كل ثلاثة مثاقيل منه مثقال مسك جيد صُغدى، أو تبتى، ويسحق الكل، ويحشى في النافجة، ويوضع على رأس تنوع، ويباع. ويعمل أيضاً من قشور البلوط المخدوم بالنار المجفف، ويخلط منه ثلاثة أجزاء بجزء مسك، ويلقى منه أيضاً كل مثقالين على مثقال مسك ويباع، ويحشى أيضاً في النوافج، وأبلغ ما يدل على النوافج وقوارير المسك أن تفتحها وتلثمها كالمستحسن لها، فإن طلع إلى فيك من المسك حدة كالنار، فمسك فحل لا غش فيه، وإن كان بخلاف ذلك فهو مغشوش. وقد يلقى على المسك الجيد التبتى دم الأخوين، أو دم الغزلان، أو دم الجداء، ليثقل، وقد يسحق المسك ويحشى في مصارينها، وتشد بخيوط صغار على قدر العنبر، ويجفف على الحبال في الظل، ويشق عنه، ويعبأ مع غيره في القوارير، ومنه ما يغش بالكبود المحرقة والمسحوقة، وقد يطرح في قوارير المسك حب رصاص على مقدار الخردل مصبوغة بالمداد، فلا تبين إلا عند السحق. وينبغي أن يعتبر أيضاً جميع ذلك الذي ذكرناه من غشوش المسك، وهو أن تطرح في فيك منه شيئاً، وتنقل على بعض الملابس البيض وتنفضه، فإن انتفض ولم يصبغ، فلا

غش فيه من سائر ما ذكرنا، وإن صبغ ولم ينتفض فهو مغشوش. وغشوش العنبر خمسة، فمنه ما يعمل منه زبد البحر، والصمغ الأسود، والشمع الأبيض، والسنروس، وسنبل الطيب، ويخدم ويعمل منه عنبر، ومنه ما يعمل من زبد البحر، والسندروس، والعود، والسنبل، وربما خلط معه بعر الضباء، ويخدم، ويدق ويدفن في زبل الخيل سبعة أيام، ويخلط معه مثله عنبر خالص، وربما عمل منه تماثيل، وصوراً، وقلائد، وغير ذلك، ومنه ما فعل من المسك الجيد، والصمغ، والعنبر، ويباع قلائد وتماثيل، وجماجم العنبر، قد تطلى بالسندروس، فيجب أن يحذف رءوسها متى يعلم سلامتها منه، ومن غيره، وربما حفرت وألقي فيها القطع الرصاص، وإذا حذف رأسها نظر إلى داخلها. والسندروس أيضاً إذا كان عليها منه شيء، فإن يغيب إذا جف، وإن كانت معيوبة بما ذكرنا أيضاً، نُظر ولم يخف. والكافور أيضاً يعمل منه سبعة أصناف مغشوشة، فمنه ما يعمل من الرخام، نحاتة الخراطين، بمثله كافور معجون بماء الصمغ الأبيض يجر على الغرابيل، ومنه ما يعمل أيضاً من قلار الجبس الغير مشوى عوضاً عن الرخام، ومنه ما يعمل من حجارة النشادر، تكسر صغاراً، وتخلط به، ومنه ما يعمل أيضاً من ذريرة غير مفتوتة، وجبس قلار غير مشوى، وصمغ أبيض، ومثل الجميع كافور. ويعمل أيضاً من خشب الخروع، ويعمل أيضاً من الأرز المدبر، فإن عمل تماثيل وقلائد، جعل في كل خمسة مثاقيل من الأرز، مثقال واحد كافور خالص للبيع، فمثقال بمثقال، ومنه ما يعمل أيضاً من نوى البلح المنحوت، يدق حتى يصير مثل الزبد، ويخلط بمثله كافور، ويعجن بماء الكافور، ويبسط رقيقاً مثل الكافور، وجميع غشه يبان في الماء والنار؛ لأنه إذا طرح في الماء فغرق كان مغشوشاً، وإذا عام فهو جيد لا غش فيه، وكذلك إذا ألقى قطعة من خزف، أو جام، على النار، وجعل عليها شيء من الكافور، وكان جيداً، طار ولم يمكث، وإن كان فيه مما ذكرناه احترق وصار رماداً. وكذلك الزعفران غير المطحون يغش بأشياء كثيرة، فمنها أن تبشر لحوم صدور الدجاج، وكذلك لحوم البقر بعد سلقها، وتنشر بالملح، وتقدد، فإذا قددت تصبغ بماء

الزعفران، وتخلط بالزعفران، ومعرفة غش ذلك أن تنقعه في الخل، فإنه يتقلص، ويبان غشه، وإذا وجد عند مذاقه حلواً، فهو قليل الصبغ، قد ثقل وغش بالقند، والمطحون منه إذا ألقى في إناء زجاج فيه ماء فرسى منه شيء، فهو مغشوش بدم الأخوين، فأخذ ما رسى، ويمزجه بخل ويحركه، فإنه يصبغ روحه ويحمر، وقد يغش بالنشأ المطحون، ومعرفته أن تبل منه قليلاً على النار، فإنه يتدبق ويتعقد. وغش العود، أن يؤخذ الصندق قشراً مطراً يبرد به العود، وينقع في مطبوخ الكرم العتيق شهراً، يغير عليه بعد كل ثلاثة أيام وينشف، ويخلط في العود، فلا يشك أنه عود، فيعتبر بالنار، وقد يغلو فيباع مطراً مدرجاً. وغش البان، فإنه يعمل من دهن حب القطن، ويعمل من دهن حب المشمش، ويعبق بشيء من المسك التبتى الجيد، والأفاويه، ويعمل من الزيت الانفاق، ويعبق، وتطرح فيه أطراف الآس الأخضر، فتجيء منه خضرة تقارب البان. وغش ماء الكافور يعمل من عقد الصنوبر، وشور الكُندُر ويُصعد، فلا يشك أنه خالص، ومعرفة غشه أنه إذا قطر في خرقة بيضاء وغسل منها فخرج، فهو غير مغشوش، وإن طبع فهو كما ذكرنا من عقد الخشب، والقشور. وغش المحلب المعجون المؤلف بالأدهان، يغشه العطارون باللوز المر المقشر من قشره أيضاً، ويغش أيضاً بنوى المشمش، ويغش بنوى الخوخ المقشر، ويخلط مثل نصفه محلب، ومنهم من يأخذ كسب السمسم فيجففه ويسمقه ويعجنه مع المحلب، ويبخره ويبيعه، وقد يخلطه قوم من العطارين بالنشأ ويبيعونه، فينبغي أن يعتبر عليهم ذلك، ويحلفوا بما لا كفارة لهم منه. وقد يغش الزعفران أيضاً بالأكشوت المصبوغ بالبقم بعد أن يقطع نظير شعر الزعفران، ويخلط معه نشأ مصبوغ، ويدر عليه سكر مسحوق في ليفه، ويلصق، ويخلط

عليه الزعفران، ويعبأ في السلال، ويعمل أيضاً سكراً من نبات الحلبة منقوعاً في خمر عنق قد أذيب فيه قليل كركم منخول وزعفران أياماً معلومة، ويثبيت في الظل، فلا يشك الذي يراه أنه زعفران، ويخلط في السلال ويباع، وهذا الزعفران الشعر وغيره بلون الشعر، فإذا أردت معرفته، خذ من وسط السلة، فإنه يبين لك الغش والعيب. ويطحن هذا الزعفران المغشوش بعينه، ربما خلط معه وزن جلنار ملتوت بشيرج، وقد يغش بالزجاج المطحون أيضاً، وقد يستحل قوم منهم أن يخلطه بأبي مليح النصف منه، والنصف زعفران، وبيعه على المسافرين. وقد يستعمل أقوام من باعة الزفران أيضاً أن يقيم قرطاساً في وسط البرنية يجعله، وعلى جانبها خلوقاً مغشوشاً، والجانب الآخر خلوقاً جيداً، ويدفع إلى كل إنسان منها على قدر معرفته ورايه فيه، ويغش العود أيضاً من قشور خشب يقال له: الأبليق، ويجيء شبه العود، إلا أنه يبرى كما يبر ى العود، وينقع في ماء مدبَّر بالمسك الجيد، والورد الصحيح، والكافور أياماً كثيرة، ويخرج منه، وينشف، ويدرج، ويباع. وغش الغوالى، فقد تعمل غالية أصلها قطران مصعّد مدبّر بالقرعة إلى أن يذهب نتنه ورائحته، ثم يجعل على كل مثقالين منه مثقال مسك جيد، ومثقال عود طيب، ومثقال مسك تبتى أو صغدى، ومثقال لادن مسلى على النار، ونصف مثقال عنبر، وثلاثة مثاقيل دهن بان مديني بارد، وربما عمل بغير عنبر فتجيء طيبة عجينة، وغالية من نحاتة الرخام الرخو، والشادوران مدبرة، ويحمل على جسد كل مثقال منها ما قد ذكرناه من الطيب فيما تقدم. وغالية يعمل جسدها من قلب الفستق، وتجيء عجينة أيضاً إذا حمل على جسدها الطيب كما ذكرنا، وغالية تعمل من السمسم الجديد المقشر، والقرطاس المحرّق، ويعمل على جسدها الطيب كما ذكرنا، وقد يغشون الغوالى أيضاً بدون هذا، فيعمل أصلها ن المرادشنج المدبر، وغالية أصلها جسمها الأفليجة، وغالية أصل جسمها من

41 - الباب الحادي والأربعون في الصيارف

المومياى، وغالية أصل جسمها من الموز القسطالي الصغار، وغالية أصل جسمها من صنع الشادوران وعيدانه، ويحمل على جسد هذه الغوالى لكل مثقالين منها وزن دانق مسك جيد، وحبة مسك. وأكثر من يعمل هذا الذين يجلسون على الطريق ممن لا دين له، وكذلك من لا دين له من العطارين، ولا يخافون من الاستخفاف بهم، فينبغي أن يراعى ذلك لمباشرة العريف حتى لا يكون شيء منه، وينذرهم، ويخوفهم، فمن تخطى إلى شيء مما ذكرناه، أدب وأشهر. وإذا أردت أن تسحق العنبر لتستعمله فيما شئت بلا نار، فخذ بلاطة رخام وضعها على الثلج، فإذا صارت باردة مثل الثلج، وتكون قد قرضت العنبر صفاراً، فضعه على البلاطة، فإنه يبرد ويجف، ثم اسحقه فإنه ينسحق كالكحل، واستعمله فيما شئت في الوقت، وإذا عاد إلى صفته إذا حمى، فإنه ذهبي، فلا يرجع بعدها على البلاطة، بل النار. * * * الباب الحادي والأربعون في الصيارف ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة، يتعاهد موازينهم، بحيث أن لا يكون عندهم دستاً صنج يزنون بما شاءوا منها، ويتفقد ذهبهم، ودراهمهم، حتى لا تكون فيها شبه، ولا بهرج، ولا يطلق للمنادين إلا في كل عشر دراهم من البيع دانقين، ومن الدينار نصف قيراط من البيع أيضاً، ولا يباع الذهب إلا بالورق، ولا الورق إلا بالذهب، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن لا يصرفوا لصبي دون البلوغ شيئاً، ولا لجارية، ولا عبد، ولا يشتروا منهم ذهباً، إلا بحضور الأولياء، ومن يضمن دركهم، وإذا قبضوهم المبلغ يشهد عليهم جيران حانوته من الجهتين، ويوقفهم على الوزن قبل تسليمه لهم، ولا يعطون الناس إلا فضة جيدة، بحيث لا يحوجهم إلى المراجعة إليهم. ومن البخس الخفي في ميزان الذهب، أن يرفعه بيده، تلقاء وجهه، ثم ينفخ على الكفة نفخة خفيفة فترجع، وذلك أن المشتري تكون عينه إلى الميزان، لا إلى فم صاحبه، ولهم أيضاً في مسك العلاقة صناعة يحصل بها البخس، فيلزم المحتسب مراعاة ذلك في

42 - الباب الثاني والأربعون في الصاغة والصياغة

كل وقت، ومن يخالف منهم ذلك أدب وأشهر. * * * الباب الثاني والأربعون في الصاغة والصياغة ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة بصيراً بخيانتهم، يمنعهم أن تكون أكوار السبك معلقة مرتفعة، بل تكون في قصارى مبنية على وجه الأرض، حتى لا يخفى فيها ما يسبك عن صاحبه من ذهب، أو فضة، ويحلف أن لا يسرق من البوتقة بالماسك، ويسمى بسيك النار، وأن يدلس فيها نحاس ولا غيره من أنواع السرقة والخيانة، ويجعل كل صانع شيئاً قليلاً من جسم ما سبكه عند فراغه مما يريد صياغته عند صاحبه، فمتى وقع شك أو تهمة، رجعوا إلى ذلك اليسير الذي مع صاحب الصياغة، فيعتبر عليه ويزول الشك والتهمة. وينبغي أن يكون بيد كل واحد من الصائغ والمصوغ له خط بشرح حال ما اتفقوا عليه، ووزنه؛ ليرجع إليه متى احتيج إليه، ولا يشترى أحد من الصيارفة، ولا الصاغة، علقاً مصغاً ويرده إلى النداء، ويزيد فيه ويلصقه على غيره بزيادة؛ لأن هذا تدليس وخيانة. ويتقدم إلى سباكي الفضة، ويحلّفون أنهم لا يبيعون الخبث الذي يخرج لهم من الفضة لسباكي النحاس؛ لأنهم إذا خلطوه بالنحاس عند سبكه صار النحاس مثل الزجاج، فينكسر إذا سقط من يد أ؛ د، وإن كان في هاون انخسف بسرعة. وكذلك باعة الخواتيم وغشهم، ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً، يحلفهم أن يصدقوا في أوزان أثمانها للزبون إذا اشترى منهم شيئاً، وأن لا يحرم ما اشتراه بالزيادة في إخبار المشترى، وكذلك يصدقون في أوزانها، وفضتها، فإنهم يعملونها باليسير من الفضة، ويحشونها بالرصاص، وبالزفت، ويكذبون عند بيعها، فإن اشتراها الناس منهم تهشمت بسرعة، وتقشرت فضتها، فيوجد مثل قشر البصل في رقته، ويشترط عليهم أن يصدقوا في نعت فصوصها، فإن أكثرها زجاج مصنوع، ومن مطبوخ دهان الزبادي. * * *

43 - الباب الثالث والأربعون في الأطباء والفصادين

الباب الثالث والأربعون في الأطباء والفصادين ينبغي أن يكون المقدم على الأطباء، والمرجوع إليهم منهم، من كثرت حرمته، وتبالغت تجربته، ويحالف بما لا له كفارة، أن يطالب سائر الأطباء بما شرحه يوحنا بن ماسويه المتطبب في كتابه المعروف بـ"محنة الطبيب"، فمن وجده قيماً بجميع ما حوته شروطه فصلاً فصلاً، أمره في معيشته، وأعلمه أنه قد أحسن إليه، وأنه إذا لم يطالبه بما شرط جالينوس في "محنة الطبيب"، فإنه لا يكاد أن يقوم بذلك كثير منهم، ومن كان بضد ذلك صرفه عن هذه المعيشة، ويمضي في الدروس، فيلزم قراءة الكتب قبل انتصابه لمداواة الناس؛ لما في ذلك من الضرر الواقع بالمرضى، فقد بلغني أن ملوك الأكاسرة جعلوا الأطباء الذين يختصون بهم، ويتيقنون فضيلتهم ولاة على سائر المتطببين، فكانوا يمتحنون من يريد الجلوس للناس، فمن وجدوه قيماً بما التمسه، طبائعياً، أباحوه ذلك، وكتبوا له رقعة إلى المحتسب بجلوسه، وإن كان بالضد صرفوه. وينبغي أيضاً أن يقرأ عليه ما شرطه بقراط على نفسه، وعلى سائر المتطببين، ويحلفهم عليه، وعلى أنهم لا يعطون لأحد دواءً قتالاً، ولا يشيرون به، ولا يعطون للنسوان العوسج، وهي الصوفة التي تسقط الأجنة، ولا المعجون المعروف بالمرهم، فإنه يقتل الأجنة، ولا للرجال ما يقطع النسل، وليغضوا أبصارهم عن المحارم عند دخولهم إلى المرضى، ولا يفشون الأسرار، ويهتكون الأستار، ويكون عنده آلات الطب مكملة، وهي كلبات الأضراس، وكلبات العلق، ومكاوى الطحال، وزراقات الذكر، وملزم البواسير، ومخرط المناخر، وقالب التشمير، ورصاص التثقيل، ومفتاح الرحم، وبوار النساء، وكدة الحشا، وقدح الشوصة، وجميع ما يحتاجه. وينبغي أن يرجع إلى رأي هذا المقدم الطبائعي، ويتشاورون إلا عرض مريض يشك فيه، ويختلف عليه، حتى يطابق على مداواته، ويتقدم إليهم بأن لا يأمروا بإخراج الدم في غير الفصول؛ لأن من المتطببين من غرضه أخذ العوض عن إخراج الدم، فينبغي أن

ينهوا عن ذلك؛ لأنه ربما أعقبت أمراضاً سوداوية وإعلالاً للرطوبة. وأما الفصادون، فينبغي أن لا يتصدى للفصد إلا من اشتهرت معرفته بتشريح الأعضاء والعروق، والمفاصل، والشرايين، وأحاط بمعرفة تركيبها، وكيفيتها؛ لئلا يقع المبضع في عرض غير مقصود، أو في عضلة، أو في شريان، فيؤدي إلى زمانة العضو، وهلاك المفصود، فكثير من هلك من ذلك، ومن أراد تعلم الفصد، فليدمن في ورق السلق، يعني يفصد في العروق التي في الورقة، حتى تستقيم يده. وينبغي أيضاً للفاسد أن يمنع نفسه من عمل صناعة مهينة تكسب أنامله منها صلابة، ويعتمد عشر خصال تلين العروق، وأن يراعى بصره بالأكحال المقوية له، والأيارجات إن كان ممن يحتاج إليها، وأن لا يفصد عبداً إلا بإذن مولاه ولا صبياً إلا بإذن وليه، ولا حاملاً ولا طامثاً، وأن لا يفصد إلا في مكان مضيء، وبآلة ماضية، ولا يفصد وهو منزعج. وبالجملة أن يكون المحتسب يأخذ عليهم العهد إلا يفصدوا في عشرة أمزجة، وليحذروا فيها إلا بعد مشاورة الأطباء، وهي: في السن القاصرة عن الرابع عشر، وفي سن الشيخوخة، وفي الأبدان الشديدة اليبس، وفي الأبدان المتخلخلة، وفي الأبدان البيض المرهلة، وفي الأبدان الصفر العديمة الدم، ولا في الأبدان التي طالت بها الأمراض، وفي الأمزجة الشديدة البرد، وعند الوجع الشديد، فهذه الأحوال التي يكشف عنها الفاسد في وجودها، وقد نهت الحكماء والأطباء عن الفصد في خمسة أحوال، ولكن مضرتها دون مضرة العشرة المقدم ذكرها، فالحالة الأولى الفصد عقيب الجماع، وبعد الاستحمام المحلل، وفي حالة الامتلاء من الطعام، وفي حالة امتلاء المعدة والمعى من الثقل، وفي حال شديد البرد والحر، فهذه الأحوال يتوقى الفصد فيها. واعلم أن الفصد له وقتان: وقت اختيار، ووقت اضطرار، فأما وقت الاختيار، فهو صحوة نهار بعد تمام الهضم والنقص، وأما وقت الاضطرار، فهو الوقت الموجب الذي لا يسع تأخيره، ولا يلتفت فيه إلى سبب مانع. وينبغي أيضاً للمفتصد أن لا يمتلئ من الطعام بعده، بل يتدرج في الغذاء ويلطفه،

ويميل إلى الاستلقاء، ويحذر النوم عقيب الفصد، فإنه يحدث انكساراً في الأعضاء، ومن افتصد وتورمت عليه اليد، فليفصد في اليد الأخرى بمقدار الاحتمال، وينبغي أن يكون مع الفاسد مباضع كثيرة في دقة الشعرة وغيرها، وأن يكون معه كبة من حرير، أو شيء من آلة القيء، من خشب، أو ريش، وأن يكون معه الأرنب، ودواء الصبر، والكندر، وصفته أن يؤخذ من الكندر، والصبر، والمر، ودم الأخوين، من كل واحد جزء يعمل كالمرهم، ويرفعه عنده لوقت الحاجة إليه، وأن يكون معه نافجة مسك، وأقراص المسك، ويعتمد جميع ما ذكرناه، حتى إذا عرض للمفصود غشى بادر بسرعة فألقم الموضع الكبة الحرير، وقيأه بآلة القيء، وشممه النافجة، وجرّعه من أقراص المسك شيئاً، فتنتعش قوته بذلك، وإن وجد فتوق دم، من عرق، أو شريان، حشاه من وبر الأرنب. ولا يضرب بمبضع كال، فإنه كثير المضرة؛ لأنه يخطئ ولا يلحق [العرق]، فيورم، ويوجع، ويمسح رأس مبضعه بالزيت؛ لأنه لا يوجع عند البضع، غير أنه بطيء الالتحام، وإذا أخذ المبضع، فليأخذه بالإبهام والوسطى، ويترك السبابة للجس، ويكون الأخذ منه على النصف، ولا يكون فوق ذلك، فيكون التمكن منه مضراً، ولا يدفع المبضع باليد غمزاً، بل يكون دفعها بالاختلاس، ليوصل طرف المبضع حشو العروق. ولم أر [أحداً] أحذق في صناعة الفصد من رجلين رأيتهما بمدينة حلب، افتخر كل واحد منهما على صاحبه، فأما أحدهما [فإنه] لبس غلالة، وشد يده من فوق الغلالة، وانغمس في بركة، ثم فصد يده [في قاع الماء من فوق الغلالة، وأما الآخر فمسك المبضع بإبهام رجله اليسرى، ثم فصد يده]. واعلم أنه ينبغي أن يوسع البضع في الشتاء؛ لئلا يجمد الدم، ويضيقه في الصيف؛ لئلا يسرع إلى الغشى، ومتى تغير لون الدم، أو حدث غشى وضعف في النبض، فيبادر إلى رده ومسكه. واعلم وفقك الله أن العروق المفصودة كثيرة، منها في الرأس، وعروق في اليدين،

وعروق في البدن، وعروق في الرجلين، وعروق في الشرايين، فيمتحنهم المحتسب بمعرفتها، وبما يجاورها ن العضل والشرايين، فأما عروق الرأس المفصودة، فعرض الجبهة، وهو المنتصب ما بين الحاجبين، وفصده ينفع من ثقل الرأس، وثقل العينين، والصداع الدائم، ومنها العراق الذي فوق الهامة، وفصده ينفع الشقيقة، وقروح الرأس، ومنها العرقان الملويان على الصدغين، وفصدهما ينفع الرمد، والدمعة، وجرب الأجفان وبثورها، ومنها عرقان خلف الأذنين، يفصدان لقطع النسل، فيحلفهم المحتسب أن لا يفصدوا أحداً فيهما؛ لأن ذلك يقطع النسل، وقطع النسل حرام، ومنها عروق الشفة، وفصدها ينفع من قروح الفم والقلاع، وأوجاع اللثة، وأورامها، ومنها العروق التي تحت اللسان، وفصدهما ينفع الخوانيق، وأورام الأراويل. وأما عروق اليدين، فستة: منها القيفال، والأكحل، والباسليق، وأسلم هذه العروق، القيفال، وينبغي أن يتجافى فصده [رأس العضلة]، وأما الأكحل، ففي فصده خطر عظيم؛ لأجل العضلة التي تحته، فربما وقعت بين عصبتين، وربما كان فوقها عصبة دقيقة مدورة كالوتر، فيجب أن يعرف ذلك ويجتنبه في حال الفصد، ويحترز أن تصيبه الضربة، فيحدث منها خذلان مزمن، وأما الباسليق، فعظيم الخطر أيضاً، لوقوع الشريان تحته، فيجب أن يحترز ذلك، فإن الشريان إذا بضع لم يرقأ دمه. وأما عروق الرجلين، فأربعة: منها عرق النسا، فيد عند الجانب الوحشي من الكعب، فإن خفي فليفصد الشعبة التي بين الخنصر والبنصر، ومنفعة ذلك عظيمة، سيما

في النقرس، والدوالي، وداء الفيل، ومنها عرق الصافن، وهو في الجانب الأيسر، وهو أظهر من عرق النسا، وفصده ينفع من البواسير، ويدر الطمث، وينفع الأعضاء التي تحت الكبد، ومنها عرق باطن الركبة، وهو مثل الصافن في النفع، ومنها العرق الذي خلف العرقوب، كأنه شعبة من [الصافن. وأما] المفصود من الشرايين في الغالب، ويجوز فصدها، فهي الصغار والبعيدة من القلب، فإن هذه هي التي يرقأ دمها إذا فصدت، وأما الشرايين الكبار القريبة الوضع من القلب، فإنه لا يرقأ دمها إذا فصدت، والتي يجوز فصدها على الأكثر، شريان الصدغين، والشريانان اللذان بين الإبهام والسبابة، وقد أمر جالينوس بفصدها في المنام، رآها رؤيا. والحجامة عظيمة المنفعة، وهي أقل خطراً من الفصادة، وينبغي أن يكون الحجام خفيفاً، رشيقاً، خبيراً بعملها، فيخف يده في الشروط ويستعجل، ثم يعلق المحجمة، وتكون التعليقة الأولى خفيفة سريعة القلع، ثم يتدرج إلى القلع بإبطاء وإمهال، ثم ينبغي للمحتسب أن يمتحن الحجام بورقة يلصقها على طوبة، ثم يأمره بشرطها، فإن نفذ الشرط كان ثقيل اليد سيء الصنعة، وعلامة حذاقة الحجام خفة يده، وأن لا يوجع المحجوم، وقد ذكرت الحكماء أن الحجامة تكره أول الشهر مخافة أن تكون الدماء هاجت، وفي آخر الشهر مخافة أن يكون قد نقص الدم، فلا تفيد الحجامة شيئاً، وإنما تستحب الحجامة في وسط الشهر إذا تكامل النور في جرم القمر؛ لأن الأخلاط تكون هائجة، والأدمعة تكون زائدة في الأجفان، وأفضل أوقات الحجامة الساعة الثانية والثالثة من النهار. وأما منافع الحجامة، على الفقر، أي فقر الظهر، خليفة فصد الأكحل، وتنفع من ثقل الحاجبين، وجرب العينين، والبخر في الفم، غير أنها تورث النسيان، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن مؤخر الدماغ موضع الحفظ، وتضعفه الحجامة". والحجامة على الأكحل خليفة فصد الباسليق، وتنفع من وجع المنكب والحلق، غير أنها تضعف فم المعدة، والحجامة في الأخدعين خليفة فصد القيفال، وتنفع الوجه، والأسنان، والضرس، والعينين، والأذنين، والأنف، والحلق، ورعشة الرأس، والحجامة تحت الذقن تنفع الوجه، والأسنان، والحلقوم، وتنقى الرأس، والحجامة على الهامة تنفع اختلاط العقل، غير أنها تضر الذهن،

44 - الباب الرابع والأربعون في الكحالين والكحل

وتورث بلهاً، والحجامة على الفخذين تنفع الأورام، والخراجات الخارجة في الإليتين، والحجامة في الساقين تقوم مقام الفصد، وتدر الطمث، وإخراج الدم في غير الفصول ربما أعقب أمراضاً سوداوية، وأعلالاً للرطوبة. * * * الباب الرابع والأربعون في الكحالين والكحل ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة، فيبتدئ بسؤال من نصب نفسه إلى هذه الصناعة عن كتاب حنين بن إسحاق، أعني العشر مقالات في العين، فإن كان عارفاً بتشريح عدد طبقات العين السبعة، وعدد طوياتها الثلاث، وعدد أمراضها الثلاث، وما يتفرع من هذه الأمراض، فإن كان قيماً بذلك، نهاضاً به، اعتبر عليه آلة صنعته مثل صنافير السبل، والظفرة، ومحك الجرب، ومباضع الفصد، ودرج المكاحل، فإن كمل ذلك استمرَّه المقدم عليهم في معيشته، وإن وجده بضد ذلك، رفع خبره إلى المحتسب ليعرفه، ويمنعه من التعرض إلى أعين الناس، فإن عاد أدب وأشهر ليكون شعفة لغيره. ويجب أن يأتوا إلى أكبرهم والحاكم عليهم بما عندهم من الأكحال والأشيافات، ليعتبرها ويباشرها، وأما كحالو الطرقات، فلا يوثق بأكثرهم، إذ لا دين لهم يصدهم عن التهجم على أعين الناس بالكحل بغير علم، فلا يركن إلى شيء من أكحالهم، وأشيافهم، فإن منهم من يعمل أشيافهم أصلها من النشأ والصمغ، ويصبغها ألواناً من الأحمر بالأسريقون، والأخضر بالكركم والنيل، والأسود وبالأقاقيا، والأصفر بالزعفران، ويعملون أشياف ماميتا من التربة المصرية، ويعجم بيسير من الصمغ، ويعملون كحلاً من نوى الإهليلج يخلط، ويربب في الهاون، ويعمل مصارين رقاق صغار، ويدعى أنها مرائر الطير وغيرها، فيعتبر عليهم جميع ذلك، ويؤدب فاعله ويشهر، بعد أن تؤخذ عليهم القسامة بالله العظيم أن يكونوا نصحاء في مداوتهم. * * * الباب الخامس والأربعون في المجبرين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً، ويسأل من نصب نفسه للجبر عن المعروفة بالمقالة

46 - الباب السادس والأربعون في الجرائحيين

السادسة من كتاب بولص في الجبر، ويسأل عن معرفة عدد عظام الإنسان، وهي مائتا عظم وثمانية وأربعون عظماً، وصورة كل واحد منها، وسكنه، ليرده إلى مكانه إذا انخلع، ويجبره إلا انكسر، فإن كان قيماً فيما ذكرناه، وإلا أقامه. * * * الباب السادس والأربعون في الجرائحيين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً، ببهرجتهم، وحيلهم، ودكهم؛ لأنها خطيرة، والذي يجب على الجرائحي اولاً أن يكون عالماً بكتاب جالينوس المعروف بقطاجانس، قيماً به، ويكون خبيراً، وإن كان طبائعياً كان أفضل، وإن لم يكن، فالأولى أن يحضر معه طبائعياً خبيراً، وكذلك المجبر أيضاً؛ لأنهم قد يبطّون ما لا يحتاج إلى بط، ويقطعون ما لا يحتاج إلى قطع، ويفتحون الشريانات، فيكون ذلك سبباً إلى تعطيل العضو عن فصله، فيجرون ذلك. ويكون معه دست المباضع، فيه مباضع مدورات الرأس، والموربّات، والحربات، وفأس الجبهة، ومنشار القطع، ومجرفة الأذن، وورد السلع، ومرهمدان المراهم، ودواء الكندر القاطع للدم، ومن جملة بهرجتهم أنهم أيضاً يدوسون العظام في الجرح، ويبهرجون بإخراجها الأدوية، وأن أدويتهم هي التي أخرجتها، فلهذا قلنا: إنه إذا كان طبائعياً حاضراً، كان أجود للعمل، ويستحل قوم منهم أن يصلحوا مراهم أصلها من الكلس المغسول بالزيت، ثم يصبغ ألواناً، أحمر بالأسريقون، وأخضر بالكركم، وأسود بالفحم، فيعتبر ذلك عليهم. * * * الباب السابع والأربعون في البياطرة اعلم أن البيطرة علم جليل سطرته الفلاسفة في كتبهم، ووضعوا فيها كتباً، على أنها أصعب علاجاً من أمراض الآدميين؛ لأن الدواب ليس لها نطق تعبر به عما تجد من

المرض والألم، وإنما يستدل على عللها بالجسّ والنظر، فيتقر البيطار إلى حس وبصيرة بعلل الدواب وعلاجها، فلا يتعاطى البيطرة إلا من له دين يصده عن الدواب بفصد، أو قطع، أو كي، وما أشبه ذلك بغير خبرة، فيؤدي إلى هلاك البهيمة وعطبها. وينبغي للبيطار أن ينظر إلى رسغ الدابة، ويعتبر حافرها قبل تقليمه، فإن كان أحنفاً، أو مائلاً، نسف من الجانب الآخر قدراً يحصل به الاعتدال، وإن كانت يد الدابة قائمة، جعل المسامير المؤخرة صغاراً والمقدمة كباراً، وإن كانت يدها بالضد من ذلك صغر المقدمة وكبر المؤخرة. ولا يبالغ في نسف الحافر فتغمز الدابة، ولا يرخي مسامير النعل فيتحرك، ويدخل تحته الرمل والحصى فترهص الدابة، ولا يشدها بقوة على الحافر فتزمن. واعلم أن النعال المطرقة ألزم للحافر، واللينة أثبت للمسامير الصلبة، والمسامير الرقيقة خير من الغليظة، وإذا احتاجت الدابة إلى تربيع أو إلى فتح عرق، أخذ المبضع بين إصبعيه، وجعل نصابه في راحته، وأخرج من رأسه مقدار نصف ظفر، ثم فتح العرق تعليقاً إلى فوق بخفة ورفق، ولا يضرب العرق حتى يجسه بإصبعه، لا سيما عروق الأوداج، فإنها خطرة لمجاورتها المرئ، فإن أراد أن يفتح شيء من عروق الأوداج، خنق الدابة خنقاً شديداً، حتى تبدو عروق الأوداج، فيتمكن حينئذ مما أراد. وينبغي أن يكون البيطار خبيراً بعلل الدواب، ومعرفة ما يحدث فيها من العيوب، فإن الناس ترجع إليه إذا اختلفوا في الدابة، وقد ذكر بعض الحكماء في كتاب البيطرة في علل الدواب ثلاثمائة وعشرون علة، فمنها: الحناق، والخنان الرطب، والخنان اليابس، والجنون، وفساد الدماغ، والصداع، والحمر، والنفخة، والورم، والمرة الهائجة، والدبيبة، والخشام، ووجع الكبد، والقلب، والدواد في البطن، والمغل، والقوالنج،

48 - الباب الثامن والأربعون في صباغي الحرير والغزل

وريح السوس، والقضاع، والصدام، والسعال من البرد ومن الحر ومن الغبار، وعسر البول، والنقرس، والذبحة، وانفجار الدم من الدبر والذكر، والبحل، ووجع المفاصل والرهصة، والدخس، والداحس، والنملة، والنكب، والخلد، والماء الحادث في العين، والماخونة، والبياض في العين، والزنبور، ورخاوة الأذنين والضرب، والخلع، والكسر، وغير ذلك مما يطور شرحه، فيفتقر البيطار إلى معرفة علاجه، وسبب حدوث هذه العلل، فمنها ما إذا حدث في الدابة صار عيباً دائماً، ومنها ما لم يصر عليباً دائماً، ولولا التطويل لشرحت من ذلك جملاً كثيرة، فلا يهمل المحتسب امتحان البيطار بما ذكرناه، ومراعاة فعله بدواب الناس. * * * الباب الثامن والأربعون في صباغي الحرير والغزل ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً بغش هذه الصنعة، ويمنعهم أن يطرحوا في حوانيتهم الحناء، فإن أكثر صباغي الحرير الأحمر يصبغونه بالحناء عوضاً عن الفوّة، فيخرج الصبغ حسناً مشرقاً، فإذا أصابته الشمس تغير لونه، وزال إشراقه، وكذلك صبغ الغزال إذا دكن بالعفص والزاج، وصبغ بعد ذلك، تغير وانتفض، ولم يثبت، وينبغي أن لا يصبغ الحرير والغزل، إذا كان أحمر، بغير الخل الجيد الخمر، وكذلك الياقوتي،

49 - الباب التاسع والأربعون في الخرازين صناع الشراك

والخلوقي، ويستحلفوا أن لا يتجاوزوا ذلك، ويعتبر موازينهم وصنجهم، وكذلك موازين الحرير، والغزل في كل وقت. * * * الباب التاسع والأربعون في الخرازين صناع الشراك ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً، ويأمره أن يمنعهم أن يعملوا في خصف النعال بجلود الميتة، وأن يقللوا من حشوها، وأن تكون عند بيعها غير مشدودة، لتبين اليسرى من اليمنى إلى المشتري، ويطبق الزوج على ظهره لتكون وجوهرها ظاهرة، ويؤمر الخرازون أن يجعلوا عوض شعر الخنزير ليفاً، فإنه يقوم مقامه، ويمنع من عمل الشرك المظفورة من البطاين، أو من جلود الضعيفة المصبوغة، وكذلك لا يوصل ما انقطع من شراك النعال بمثل هذا، ومن خالف أدب وأشهر. * * * الباب الخمسون في الأساكفة صناع الأخفاف ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً، ويأمره أن يمنعهم من عمل العتيق ويطرونه، ويبيعونه جديداً، وأن لا يكثروا حشو الخرق بين البشتيك والبطانة، ولا بين النعل والظهارة، وأن يشدوا حشو الأعقاب، ولا يشدوا نعلاً قد أحرقته الدباغة، ولا فطيراً لم ينضج، ولا أديماً فاسداً، ولا مسوساً، ولا معيوباً، وأن يحكموا إبرام الخيط ولا يطولوه أكثر من ذراع؛ لأنه إذا طال انسلخ وانتقض إبرامه وضعف من الجذب، ولا يخرزوا بشعر الخنزير، ويجعلوا عوضه ليفاً، أو شارب الثعلب، فإنه يقوم مقامه، ولا يمطلوا أحداً بمتاعه، إلا أن يشترطوا عليه أياماً معلمة، فإن الناس يتضررون من التردد غليهم، وأن لا يعملوا الورق في الأخفاف لكي تَصُرّ عند المشي، كما كانت تفعله نساء بغداد، فيمنع المحتسب من عمله. * * * الباب الحادي والخمسون في عمل الأسفاط ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً يحلفهم بالله العظيم أن لا يدبغوا الجلود إلا بالنخال، وأن لا يجلدوا بواطن الأسفاط إلا من الجلود التي يجلدون بها ظواهرها؛ لأنهم ينتهزون جلود الأسفاط من جلود لها قيمة، ويغشونها من دواخلها بما لا قيمة له، فإذا قوى عليها الشد والحزم تخرقت وتمزقت، وهذا غش، فينبغي أن يمنعوا منه. * * *

52 - الباب الثاني والخمسون في عمل البطط

الباب الثاني والخمسون في عمل البطط ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً يمنعهم أن يعملوا من جلود الجمال الميتة، ويحلفون بما لا كفارة لهم منه أنهم لا يعلمونها من الميتة، ويفتش دكاكينهم كل وقت، وبيان ذلك عليهم أنهم إذا عملوها من جلود الدباغ، كان لونها إلى الصفاء والصفرة، وإذا عملوها من الميتة كان لونها مائلاً إلى السواد. ويعتبر عليهم أيضاً بالرائحة وخشونة اللمس، وأيضاً أنه لابد أن يبقى عليه اليسير من الشعر؛ لأن الصانع لا يقدر على إنقاء الشعر من الميتة، وما عمل من جلود الميتة يملح عند جفافه، والصواب أن يمنعوا من عمل المصاصات؛ لأن كل من يمص بها لا بد أن ينزل شيء من بصاقه في أطعمة الناس من الزيوت، والعسل وغيرهما، وذلك ضرر ووسخ، لا سيما إن كان الفاعل أبخر، فالصوام أن يمنعوا من ذلك. * * * الباب الثالث والخمسون في الخياطين والعلافين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً يمنعهم احتكار الغلة، ولا يخلطون رديء الحنطة بجيدها، ولا عتيقها بجديدها، فإن ذلك تدليس على الناس، وأن لا يجعلوا القمح بجوار الشعير، وإذا دعت الحاجة إلى غسل قمح لأمر حدث، جففت بعد غسلها وبيعت منفردة. * * *

54 - الباب الرابع والخمسون في صنعة الشرابات

الباب الرابع والخمسون في صنعة الشرابات ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة، ويأمرهم أن يكون طول الشرابات كلها ثلاثة أشبار، وينقع ليفها في الماء قبل استعماله يوماً وليلة، لتزول الحمرة منه، ولا يخلطوا في الليف الجديد شيئاً من الليف القديم، ويكون حولها دائرة جلود التماسيح المذبوحة، فإن الميتة منها منتنة الجلود، فإن عدمت جلود التماسيح، فجلود البقر المذبوحة، وتقوى خرزها بخيوط الكتان الرقاق، ولا يغشوا ظهورها بالجلود المجموعة، ولا من الأنطاع المخلقة، بل تكون جلوداً جدداً مدبوغة، ومن خالف أدب. * * * الباب الخامس والخمسون في الحاكة والقزازين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة، ويأمرهم أن يطعوا لكل من عمل عندهم مسلاكاً من غزله، لتزول التهمة، ويرتفع الشك، فإذا جرى في ذلك دعوى من صاحب الغزل، أن غزله قد أبدل، رجع العريف وأهل الصنعة إلى ذلك المسلك، ونظر ما رسمناه للصناعة، ورسم نقض الغزل درهم واحد لكل ذراع، ويتقدم إليهم بأن يكروا عقد كل شيء يعملوه للناس وللبيع أيضاً، ويصفقوه، ولا يحلوا لأحد من سائر حركة الشرب، والصفيق، وغيرهم الخيانة جملة كافية، ومن خالف أدب. * * * الباب السادس والخمسون في الزنهار وغشه ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً عارفاً بغش صنعتهم، فقد يغش بالسبك بتربة تعرف بالشمعة، تكون إلى الحمرة مائلة، وبدقيق الرمل، حتى يثقل، وقد يغش الصفر بالتراب الأحمر، وهو يزيده المثل، أو قريباً منه، فينبغي أن يحلف من يبيعه، بما لا لهم منه كفارة، أنهم لا يخلطون فيه شيئاً مما ذكرناه، ولا يخلطون فيه دقيق الفول. وأيضاً قد تدق قشور

57 - الباب السابع والخمسون في الأبزار والأزارين

الرمان، ويغش به الكركم المسحون، ويغش أيضاً بالتربة المصرية، وقد تغش الحناء بالرمل، فيعتبر ذلك عليهم. * * * الباب السابع والخمسون في الأبزار والأزارين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة، فإن الأبزار كثيراً ما يخلطون بعضها في بعض، فللكراويا أبزار تعرف بعين الحية، وهي في هيئة الكراويا، إلا أنها أكبر من حب الكراويا قليلاً، وليس تفعل فعل الكراويا في ذكاء الطبيخ، ويمنعهم أن يخلطوا الكزبرة المصرية في الشامية، ويعتبر كاييلهم. * * * الباب الثامن والخمسون في السماسم وبائعيه ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة بصيراً بغشهم؛ لأن أغلافهم ظواهرها البارزة من خشب مثل الأبنوس والسماسم، وباطنها من غيره، فإذا دعت إلى ذلك ضرورة، فيبين ذلك للمشتري إذا باعوه، ولا يخفوه عنه، حتى تزول الشبهة والتدليس، وقد ينشرون من سيقان البقر والجمال ما يجعلونه عوضاً من العاج، وذلك غش، وينبغي لمن يسمسر في ذلك أن لا يأخذ الجعل من وجهين، فمن فعل ذلك أدب. * * * الباب التاسع والخمسون في الخشب وباعته ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ينهى أخبارهم إلى المحتسب، ويستحلفهم، بما لا كفارة له، أنهم لا يشتركون في البيعة الخشب، يوقفها أحدهم في دكانه، فإذا جاء المشتري أعان بعضهم بعضاً في توفير الثمن، وهو بينهم شركة، وهذا تدليس، وأن لا يؤخذ الجعل إلا من البائع، من الدينار نصف قيراط، ومن العشرة دانقين. * * *

60 - الباب الستون في الزفاتين

الباب الستون في الزفاتين ينبغي أن يعرف عليهم ثقة، ويحلفوا بالله العظيم أن لا يغشوا الزفت برماد القصب، ولا بنشارة الخشب، ولا بالرمل، وغشه يتبين لك بالنار، فيراعى ذلك، ويعتبر موازينهم. * * * الباب الحادي والستون في الحدادين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً، ويحلفوا بالله العظيم أن لا يبيعوا السكاكين، والمقاريض، والشفار، والمخاصف، وغير ذلك من الأرمهان، ويبيعوها فولاذاً، ولا يماطلوا الناس بأشغالهم، وكذلك سائر الصناع، ولا يأخذ صانع من سائر الصنع فوق طاقته إلا شيئاً يعلم أنه يفرغه في أسبوع، ومن خالف أدب. * * * الباب الثاني والستون في المسامريين وغشهم ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة، ويأمره أن يمنعهم أن يخالطوا المسامير الجديدة في العتيقة؛ لأن ذلك تدليس، وتكون أرطالهم دون أرطال جميع البيعة، فنحن أمرنا أن تكون أرطال جميع أصحاب المعاش حديداً، ما خلا هذه الطائفة تكون أرطالهم حجارة مجلدة مختومة بالرصاص مكتوباً عليهم بخط المحتسب؛ لأن الحديد يمكنهم فيه الزيادة والنقصان، والحجارة بضد ذلك، ويعتبر أيضاً موازينهم. * * *

63 - الباب الثالث والستون في النحاسين وسباكي النحاس

الباب الثالث والستون في النحاسين وسباكي النحاس ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً، ويأمرهم أن يبينوا للمشتري غشوش النحاس، فإنها كثيرة، فينبغي أن يبينوا عيوبها لمن يشتريها، ويجري الأمر في باعته ومناديه، على ما رسمنا. ولا يأخذ السمسار جعالته إلا من البائع، بحكم أن لا يكون البيع مسلماً، وإذا لحم المكسور يكتب على جنبه ملحوماً، ويكتب على الجديد جديداً، والعتيق عتيقاً، والسبّاكون قد يجعلون فيما يسبكونه من النحاس خبث الفضة والرصاص، فينكسر ما يعمل منه بسرعة، وينخسف الهواوين على الضعفاء والمساكين، ويمزجون النحاس المضروب بالمصبوب، فيمنعون من ذلك؛ لأنه غش. * * * الباب الرابع والستون في النجارين والبنائين والفعلة والنشارين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً له دين وبصيرة بصناعتهم، فقد يوافق أكثر الصناع على أجرة معلومة كل يوم، فيتأخرون عند الغدو، وينصرفون قبل المساء، فينبغي أن يشترط في ذلك بما يمتنع منه، ولا ينصرفوا إلا مساءً، ومن البنائين والنجارين من يقرب على أصحاب الأشغال من يعملونه لهم، ويهونونه عليهم، ويقللون مؤونته، حتى إذا نشطوا إليه، وشرعوا فيه، طالبوهم بزيادة المؤونة عما قرروه، فكان في ذلك خطر، وغش؛ لأنه ربما افتقر، وركبه دين بسببه، وربما ألجأته الضرورة فباع الموضع بسبب المطالبة قبل إتمامه، وفي هذا أذية عظيمة، فينبغي أن يتقدم المحتسب بالمنع من ذلك أتم المنع، بالأيمان المؤكدة، ومتى لم يستعمل من يبنى من الصناع ما لم يصح به من زوايا، وموازين، وخيوط، ثم جرى فيما عمله زيغ، أو ميل، أو انحراف عن الاستواء، لزمه عيب ذلك وفساده، إلى أن يعود صحيحاً مستقيماً، ومتى قطع البناؤون من أخشاب الناس المستأجرة للدعائم شيئاً، لزمهم أرشه، وعليه الأدب بعد الإنذار. ويلزم الفعلة بلباس التباين الملحم، فإن فيه سترة لعوراتهم عند تعريهم في أشغالهم، في طلوعهم ونزولهم، ولا ينصرفون إلا عند المغيب، وكذلك البناؤون والنشارون، فيلزمهم أن يعمل كل مقص ثلاث أنفس، أحدهم يحد المنشار، وإذا تعب واحد من الاثنين ناب عنه الآخر إلى أن يأخذ صاحبه راحة، ولا ينصرفوا إلى آخر النهار، ويمنعوا

65 - الباب الخامس والستون في نجاري الضبب

من اشتراك جميعهم على الناس، بل يكونوا مثل النجارين والبنائين ما يعملوا إلا بما قسم الله ورزق، وأن لا يحرقوا شيئاً مما ينشرونه فيتلفون الخشب، ويستحق من التجار، فمن فعل هذا بعد الإنذار أدب، ويحلف البناؤون بحضرة عريفهم أنهم لا يأخذون من الجبّاسين رشوة، ولا هدية، على سائر الوجوه كلها، ليكتموا منهم قلن نضج الجبس، فإنه لا يدخل، ويدخل في القصرية وقت خلطه بالماء بسرعة، فهذا الجيد النضيج، وإن دخل في القصرية، أو جف بسرعة على الحائط للوقت، فهو جبس قليل النضج، فيجب أن يُراعى ذلك، فإن فيه تحملاً على المشتري في الوزن، وفساداً فيما بيّنا به، وسوء عاقبة، فيجب الأدب على الجباس، والوقاد، والبناء إذا كتم ذلك، بعد الإعذار إليهم أجمعين. ويجب على البنائين أيضاً نصيحة أرباب العمل ممن يبنون له بالجير والأصطال في الصهاريج والقنوات، وما يشاكل ذلك، أن يكون الخلط الجيد الذي تحمد عاقبته، خمسة عيارات جير مصفى بالماء العذب، وعيار واحد منها أصطال مسحوق من الطوب العتيق والمتوسط، وأربعة رماد من رماد الأتاتين وما يشاكله، وما بين جير مصفى ودونه، خمسة رماد، واثنين جير، فجميع ما ذكرناه واجب على البنائين القيام به، وأن ينصحوا صاحب العمل، ومن خالف أدب وأشهر، بعد الإعذار إليه. ومن شأن البنائين القيم به أن يبيضوا موضع الإنسان، وأن يكثروا من أخلاط الجير في جبس البياض وقت عجنه، ليسهل عليهم بسطه على الحيطان، وقلة حفظه لها، وثباته عليها، فيمنعون من ذلك. ويجب على البنائين إذا بنوا الحيطان، أن لا يبنوها بالطوب القليل النضج اللين، فإنه يتفتت بعد مدة، فيسقط ما فوقه، ويخرب الحائط، فيأمرهم أن يجعلوه حشواً مع الطوب، وبالله التوفيق. * * * الباب الخامس والستون في نجاري الضبب ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً بمعيشتهم، بصيراً بهذه الصناعة، وينشر جواسيسها، وهو باب جليل يحتاج إلى ضبطه؛ لأن فيه حفظ أموال الناس، وصيانة حريمهم، فينبغي أن يراعى، ويحلفون بحضرة عريفهم، بما لا كفارة لهم منه، أن لا يعملوا لرجل ولا لامرأة، مفتاحاً على مفتاح، إلا أن يكونا شريكين مشهورين، ويؤمرون أن لا

66 - الباب السادس والستون في نجاري المراكب

يثقبوا رأس الأبيات لطرح الأسنان، بل ينقروا لها في رءوس الأبيات لحفظ الأسنان، وتكون الأسنان التي فيها مربعة الرءوس، مدورة الأسافل، مبرودة، مجلسة، وكذلك أسنان المفتاح مبردة، مجلسة، حتى لا يخرب ذكر الغلق، لا من فوقه ولا من تحته، ويؤمرون أن يضموا الأغلاق بالجواسيس المختلفة، حتى لا يعمل مفتاح على مفتاح ومن خالف ذلك أدب. * * * الباب السادس والستون في نجاري المراكب ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة، ثم إن هؤلاء النجارين والقلافطة يأخذون في الصناعة المعمورة بالعز الدائم من السلطان، أعزه الله تعالى، أوفر الأجرة إذا عملوا له عملاً، ثم يشتركوا على أرباب المراكب، ويأخذون عما شاءوا أجرته درهماً واحداً، خمسة دراهم، فإن امتنع عليهم أحد تركوه وانصرفوا عنه، وحلفوا أنهم لا يعملونه إلا بزيادة عما قرروه في الأول، فيرجع الناس إليهم للضرورة؛ لأنهم عصبة لا يخالف بعضهم بعضاً، فهم في هذا أول شيء خالفوه: خالفوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد حرم شركة الأبدان، وهم في ذلك يشيعون على السلطان بالكذب؛ لأنهم يذكرون للناس أنهم يعملون في الصناعة عملاً يساوي فوق أجرتهم أضعاف ما يأخذون، فينبغي أن لا يمكنوا من الشركة؛ لأنها حيف ومضرة على أرباب المراكب، فينبغي أن يحلفوا جميعاً على ترك هذه الشركة، ويشهر هذا الأمر بالجرس في كل السواحل، ويعملوا لسائر الناس كما يعمل نجارو الدور وغيرهم من الصناع، وكذلك القلافطة من غير أن يحيف على الجهتين، ومن خالف أدب. * * * الباب السابع والستون في النخاسين باعة العبيد ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً، بما لا كفارة لهم منه، أنهم لا يخفون عيباً قد ظهر وعملوه، من ذكر ولا أنثى، ويتفقدون عهدة المماليك المقدمة في أيدي

مواليهم، ليعلم منها ما قد شرط على المشتري من ذلك، لا سيما العبد الذي مع الغرباء، ويطالبون بضمناء من أهل البلد، ويكتب اسمه وصنعته في دفتره؛ لئلا يكون العبد مسروقاً، أو يكون له أهل، وإذا كان في العهدة ذكر لنفسه، فهي كناية عن المخبور. ولا يبيعون جارية إلا من دمها، أعني في أيام حيضها، وتنظره امرأة يوثق بدينها، وتتأمله؛ لئلا يكون دماً فاسداً. ولا يبيعون صبياً ولا صبية، من الجلب على أهل الذمة؛ لئلا يهودونه أو ينصرونه، بل إذا كانت جارية نصرانية فصيحة، ومعها أولادها دون البالغ، فإن أولادها لاحقين بها، ولا يقبل قول جلاب ولا دعواه، إذا ادعى على من قد جلبه من العجم الذين لا يفقهون، أنهم نصارى. ولا يفرق بين جارية وأولادها، ومن أراد شراء جارية، جاز له أن ينظر إلى وجهها، وكفيها، فإن طلب استعراضها في بيته، والخلوة بها، فلا يمكنه النخاس، إلا أن يكون عنده نساء في منزله، وإن أراد شراء غلام، فله أن ينظر منه ما فوق السرة، وما دون الركبة، هذا كله قبل عقد البيع، وأما بعده، فله أن ينظر إلى جميع بدن الجارية. ولا يفرق بين جارية وأولادها، إلا أن يكونوا بوالغ، وعن تراض بينهم. ويستحلف النخاسون أيضاً أنهم لا يشترون مملوكاً على أكياسهم للتجارة، ولا يدسوا من يشتريه لهم على سبيل الشركة ولا غيرها على سائر الوجوه والأسباب. وينبغي أن يتفقدوا لون المملوك والمملوكة، فإنه إذا كان خاملاً دل على علة كبده، أو الطحال، أو المعدة، أو بواسير ينزف منها دم، ثم يتفقد ظاهر البدن بنفسه في موضع نير مضيء، كيما لا يخفى أن كان به بهق رقيق، فإن البهق في ابتدائه يكون خفيفاً، وإنما يكون بياضاً رقيقاً، أو سواداً في الموضع، ثم يقوى، ويزيد بتزايد الأيام، وأما القوباء، فإن ابتداءها خشونة تحث في الموضع، ثم تقوى، وتزيد على مدى الأيام. وإن كان في موضع من بدنه تشبيه بشامة، أو لصقة، أو وشم، فليتفقد ذلك تفقداً كثيراً، فربما كان في ذلك الموضع برص فكوى، أو وشم فصبغ ليخفى، فإذا امتدت الأيام محى الصبغ، واتسع البرص عن موضع الكي أو الوشم، فإذا كانت شامة يشك فيها، فليدخل الحمام، ويغسل المكان المشكوك فيه بالماء، وإن كان كياً أو وشماً في موضع منكر سُئل عنه، ويتفقد ذكاء سمعه، وكمال كلامه، وعقله، ثم يتفقد شعر الرأس وجلدته، هل فيها حزازاً وشقيقة، ويتفقد حدقة العين، وحدقته هل هي صافية

68 - الباب الثامن والستون في النخاسين باعة الدواب

معتدلة في العظم، ومبلغ حدة نظره، وصفاء بياض العين، فإن كدورته وظلمته منذرة بالجذام، وغن كان فيها صفرة دل على زيادة الكبد، وإن كان فيها عروق حمر كثيرة ظاهرة، فإنه يسأل. ويتفقد أجفانه هل هي نقية، وكيف سهولة حركتها، فإن الغليظة جربة في الأكثر، أو مستعدلة، والعسيرة الحركة رديئة، ويتفقد أجفانه، وحواجبه، فإن كانت حواجبه رديئة مع رداءة جفونه، لا سيما إن كان به بحة في صوته، وحمرة في وجهه، ويتفقد جلاء نفسه من أنفه وفمه؛ لئلا يكونا ابخرين، وينظر إلى شكل الأنف، فإن غلظة، أو انحناءه، أو اعوجاجه يدل على أن في داخله بواسير، فينظر فيها في الشمس، وينظر إلى سهولة تنفسه، ويتفقد حال أسنانه في الاستواء، والنقاء، والقوة، وهل فيها شيء يتحرك، أو يتآكل، فإن الأسنان القوية طويلة البقاء، والرقيقة سريعة السقوط، ويعتبر مع ذلك البدن كله. ويتفقد رقبته واستواءها، ويغمز عليها ويجس، ويتفقد هل فيها بترة، أو أثر قوبة، فإنه ربما كان هناك غدد تتولد منها الخنازير، وينظر إلى الصدر هل هو عريض لحيم، فإن الرقيق النحيف مع الأكتاف البارزة يدل على السل، ويأمره بالمشي، ويتفقد قوة قبضه، فإن ضعف ذلك دليل على ضعف العصب، ويؤمر بالعدو، وينظر هل يعتريه في عنقه ربو، أو سعال، ويقدر يديه ورجليه بعضهما ببعض، فربما كانت إحداهما أقصر من الأخرى، ويتفقد حال مفاصلة في سلاستها للحركات، ويتفقد ساقه هل فيها عروق ثخان واسعة، فإن ذلك يؤدي إلى الدوالي، وداء الفيل، وسائر بقية أموره يستعان عليها بالذين يعرفون الأمزجة وطبائعها، فينبغي مراعاة جميع ذلك. * * * الباب الثامن والستون في النخاسين باعة الدواب ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً له دين وبصيرة بصناعة البيطرة، حتى يكون عارفاً بعيوب الدواب، ويأمرهم أن يحلفوا أنهم لا يخفون عن المشتري عيباً قد علموه، ويبحثون عن ذلك أتم البحث، ومن عيوب الدواب وعللها الكبار الخرخرة، وهي علة من

برد يعرض في رءوسها، ينحدر منها رطوبة، فإن كانت منتنة أعدت الدواب الذين يأكلون معها ويشربون، وتهلك هي من بعد، وإن كان المنحدر إلى الشمس، فهو نوعان: أحدهما الذي يعرض في ركبها وجع ويزول، والنوع الآخر يعرف بالخطر يتولد في ركبها ويزيد إلى أن يمنعها المشي فيهلكها، فيجب على النخاسين أن يعرفوا ابتداء العلل وما تؤول إليه. والعلة الداويدية: هو ورم يحصل في زندها، فإن صلب لم تفكر فيه إلا أنه عيب، وإن كان ليناً كان أضر عليها، والدخس وهو نظير الداحس، يحصل فوق حافرها، فإن دارت طرحت الحوافر وبطلت سنة إلى أن ينبت لها غيره. ويتفقد منها الطرش، وعلامتها أن تقيم آذانها إذا صاح بها صياحاً عظيماً بغير نهطة. ويتميز أيضاً أثر اللوقة إذا عرضت، وهو اعوجاج الشفة الفوقانية على السفلانية. وكذلك إذا كان بها ضيق نفس، وضيق عليها الحزام والمقود رمت بنفسها إلى الأرض، فيعلم أن بها ضيق نفس. ويجب أن يتفقد أضراسها، فإن كانت معلقة بلعت الشعير صحيحاً. وربمانبت للدابة أنياب رقاق زائدة الطول تمنعها من أكل العلف فيكسر لها، ولا يكسرها إلا الحاذق العارف بكسرها، إلا أنه عيب، فيجب أن يراعى ويتبرأ منه. والسلاف عيب؛ لأنه يبل المسدود بالزبال، ويكدم الضلف، ولا ينال منه إلا اليسير. والعنف القصير الخلقة عيب، والنكب عيب، وهو ينبت إلى طرف وقوف الدابة، فيعتبر ذلك بالمشي، فإن انطلقت، وإلا فهي علة في العصب، والدابة التي تمنع البيطار عيب، والأذان المطروحة عيب في خلقتها، والدابة التي لا تقبل اللجام عيب. ويجب اعتبار عين الدابة من العمى، والعور، والظفر، وهو لحم ينبت في الماقين، ويتفقد قطع اللسان الدابة من اللحام، وفي قصبة تأكلها فتجرى على لسانها فتقطعه، والشموص التي تضرب عيب من الدابة، والدابة التي تمنع الشكل عيب، وعللها كثيرة مثل أكل المقاود، وقلع الأوتاد، وقلة الطلوع إلى المعادن، وما أشبه ذلك، فيجب على النخاسين أن يتقوا الله عز وجل، ويخلصوا للفريقين بحسن النية، ويشرطوا للمشتري أنه بالخيار ثلاثة أيام، ولا يأخذوا الجعل إلا من البائع بغير حيف، وإن كان للسلطان على الدابة رسم أخذ من المشتري. * * *

69 - الباب التاسع والستون في الطوابين وغشهم

الباب التاسع والستون في الطوابين وغشهم ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة، ويحلفهم بالنصيحة في أشغالهم بخلط المعاجن وملء القالب، وأن لا يقطع طيناً سبخاً، ويأمرهم أيضاً أن لا يُعد للمشتري الطوب إلا اثنان، فإذا تبعا ناب عنهما اثنان غيرهما، وأن يتقوا الله، ولا يحيفوا على المشتري، ويحرصوا ويجتهدوا في تجريد الأثلاث، والأنصاف، والأرباع من الطوب، وأن لا يغشوا في طبخه، ونضجه، وأن لا يعدلوا في بيعه إلا لمن يلاطفهم، بل يعرضوه ويشهروه على كل من له عمارة، وإنشاء دار، ويعتبر عليهم المحتسب في بعض أوقات الغفلة ما أعدوه للناس بعدادين غيرهم. * * * الباب السبعون في دلالي العقارات ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً عارفاً، ويحلفوا أن لا يبيعوا ملكاً بقرية، ولا داراً، ولا جداراً، وقد خرج من ملك صاحبه بكتاب زور، ولا كتاب حيلة، ولا شبهة، ولا رهن، ولا يأخذوا الجعل إلا من البائع، ولا يعدل عما زاد في الثمن شيء من ذلك إلى من نقص منه لعلة من العلل، ومن خالف هذا أدب. * * * الباب الحادي والسبعون في تقديرات المراكب ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً جيداً، له دين، يراعي الضرر بالناس وبأموالهم ويلزمهم أن تكون قرايا المراكب غير زائدة على أطوالها، والرجل غير ناقصة، فإنهما متى كانا على هذه الحال كما ذكرنا، كانتا إلى الأمن والسلامة أقرب، وإذا كانت القرية زائدة على ذلك، والرجل ناقصة، لم يؤمن عند قوة الرياح والعواصف، من انقلابها واضطرابها، وينبغي أن تكون أوساق المراكب خفيفة، حتى تكون نواحيها على وجه الماء ظاهرة غير غائبة فيه، ويوافقوا على أن لا يضروا الناس، ولا بأموالهم، بالسير في أيام النيل، ومن خالف أدب. * * *

72 - الباب الثاني والسبعون في باعة الفخار

الباب الثاني والسبعون في باعة الفخار ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً، ويتقدم إليهم بأن لا يدلسوا على الناس بسد المثقوب، والمشقوق، ومن سائر ما يبيعونه، بالشحم والجير وماء البيض، ويبيعونه على أنه سالم، ومتى وجد عند أجدهم شيئاً بهذه الصفة كسر، وينهوا عن المعاودة، فإن عادوا إلى الغش والتدليس، أدبوا وأشهروا، ويتعلق منه شيء في حلقهم ليكونوا شعفة لغيرهم. * * * الباب الثالث والسبعون في شعّابين البرام ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً، فإن هؤلاء الشعابين يغشون بما لم يحله الله عز وجل؛ لأنهم يأخذون دم الذبائح، فيعجنونه بالدماء، ويلحمونها به، فينبغي أن يحلفوا أن يجعلوا عوضاً من الدم الذي يستعملونه، ويستعلمون أيضاً دم الحجامة إذا عازوا دم الذبائح، ويأخذون طحالاً من ذبائح الضأن، والمعز، والإبل، والبقر، فيشوونه، ويدقونه دقاً ناعماً، ويلحمون بها شقوق البرام. وكلك إذا عجنوا الدماء بشيء من حجارة البرام مدقوقاً، منخولاً، مجبولاً بماء البيض، ويلحمون بها الشقوق فإنها تلتحم، وإن عجن ما ذكرناه بزيت الفجل، وليط بها البرم، الصقها وضبطها، فيراعى ذلك منهم، فمن وجد منهم عقد تخطى إلى هذا المحضور، بعد الإنذار، أدب وأشهر. * * * الباب الرابع والسبعون في الزجاجيين وغشهم ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً، ويحلفوا أن لا يخرجوا الزجاج من الكور إلا فرغ حتى يمضي له يوم وليلة، فإذا تشرب دخانه أخرجه بعد ذلك وباعه، وإن عجل في إخراجه قبل أن يشرب دخانه يصدع ويهلك على سائر من اشتراه، ويأمر المحتسب العريف أن

75 - الباب الخامس والسبعون في معلمي الصبيان ومعلمات البنات

يختم على الكور، فإذا تشرب فتحه، وكذلك يصنع بصناع المثاقيل الزجاج، ويحملها عند فتحها إلى المحتسب يعيرها قبل بيعها؛ لأن فيها الزائد والناقص، فيتقي الله. * * * الباب الخامس والسبعون في معلمي الصبيان ومعلمات البنات ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة له دين، يمنعهم من التعلم في المساجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتنزيه المساجد من الصبيان والمجانين؛ لأنهم يسودون حيطانها، وينجسون أرضها، ويمشون على البول، وسائر النجاسات، بل يتخذون للتعليم حوانيت في أطراف الأسواق، أو على الشوارع، ولا يعلّمون في بيوتهم، ولا في دهاليزهم، وأول ما ينبغي للمؤدب أن يعلم الصبي السور القصار من القرآن، بعد حذقه بمعرفة الحروف، وضبطها بالشكل، ويدرجه بذلك، ثم يعرفه عقائد السنن، ثم أصول الحساب، وما يستحسن في المراسلات والأشعار، دون سخيفها، ومسترذلها. وفي الرواح يأمرهم بتجويد الخط، ويكلفهم عرض ما أملاه عليهم حفظاً غائباً، ومن كان عمره سبع سنين أمره بالصلاة في الجماعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "علموا أولادكم الصلاة لسبع، واضربوهم على تركها لعشر"، ويأمرهم ببر الوالدين والانقياد لأمرهما بالسمع والطاعة، والسلام عليهما، وتقبيل أياديهما عند الدخول عليهما، ويضربهم على إساءة الأدب، والفحش من الكلام، وغير ذلك من الأفعال الخارجية عن قانون الشريعة، مثل اللعب بالكعاب، والبيض، ونردشير، وجميع أنواع القمار. ولا يضرب صغيراً بعصى غليظة تكسر العظم، ولا رقيقة تؤلم الجسم، بل تكون وسطاً، ويتخذ مجلداً عريض السير، ويعتمد بضربه على اللوايا، والأفخاذ، وأسافر الرجلين؛ لأن هذه المواضع لا يخشى عليها مرض، ولا غائلة. ولا ينبغي للمؤدب أن يستخدم أحداً من الصبيان في حوائجه وأشغاله التي فيها عار على آبائهم، كنقل الزبل، وحمل الحجارة، وغير ذلك من نقل الماء إلى بيته، وما أشبه ذلك، ولا يرسله إلى داره وهي خالية، ولا يرسل صبياً مع امرأة لكتب كتاب، ولا مع رجل لكتب قصة، ولا رسالة، فإن جماعة من الفساق يحتالون على الصبيان بذلك.

76 - الباب السادس والسبعون في الدهانين وغشهم

ومتى جعل عليهم عريفاً، جعله يؤنس. رشده وعفافه، ويمنعه من ضربهم، والحيف عليهم، ويراعى طعامهم وقت جوعهم، ولا يعلم الخط لامرأة ولا لجارية؛ لأن في ذلك مما يزيد المرأة شراً، وقد قيل: إن المرأة التي تتعلم الخط كمثل حية تسقى سماً، وينبغي أن يمنع الصبيان من حفظ أشعار الحجاج والنظر فيه، ويضربهم على ذلك، وكذلك ديوان صريع الدلاء، فإنه لا خير فيه. ومعلمات البنات يمنعن بالغات البنات من الفواحش، ومن القصائد والأشعار والكلام الذي لا خير فيه، ويمنعن من زينتهن وبهرجتهن يوم عيدهن في البطالة، كذلك الصبيان يوم الجمعة ليخرجوا إلى صلاتهم، والبنات يوم الأحد. * * * الباب السادس والسبعون في الدهانين وغشهم ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً، يراعى أحوالهم، وينهى أخبارهم، ويحلفون بالله العظيم أنهم لا يدهنون ما يبيعونه من جميع أغلاقهم، وما يتعلق بصناعتهم، مما هو لهم خاصة ولسائر الناس، مما يستعملونه عندهم، وينقلونه منهم، إلا بثلاث دهنات، ثلاثة وجوه، ويشمسونه حتى يشبع قبل دفعه إلى أربابه؛ لأن كثيراً منهم يدهن دهنه واحدة أو دهنتين، فأول ما يصيبه الماء والنداوة تقشر وتلف على أربابه، فيمنعون من ذلك، ويعذر إليهم وقت حلفهم، ومن خالف عن هذا أدب وأشهر. * * * الباب السابع والسبعون في المكارية ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً، ويأمرهم أن يعلقوا في أعناق الدواب الأجراس، وصفاقات الحديد والنحاس، لتعلوا الجلبة للدابة إذا حضرت السوق، وكذلك يفعل بحمير حمالين الحطب، لتعلو أيضاً جلبتهم، فحينئذٍ ينذر الغافل، والمفكر، والضرير، ومن

78 - الباب الثامن والسبعون في النحاتين والمصولين في التراب

يشاكل ذلك بمجيء الدابة. وينبغي أيضاً أن تكون أحمالها وأوساقها بقدر طاقتها واستطاعتها، وأن لا يخاف عليها حيف يضر بها، ولا يسوقها سوقاً حثيثاً تحت الأحمال، ولا يضربوها ضرباً قوياً، ولا يوقفوها في العراص وهي بحمولها على تجهزها، ويراقبوا الله سبحانه على علفها، وتكون موفرة بحيث يحصل لها الشبع، ومن خالف ذلك أدب. * * * الباب الثامن والسبعون في النحاتين والمصولين في التراب ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً يمنعهم أن يغربلوا التراب في وسط الطرقات، ويأمرهم أن يعتزلوا بها إلى الأكوام والمزابل، ولا يتركوها في وسط الطريق بالجملة الكافية؛ لأن الدواب تنثره إذا مرت عليه، فيؤذي الناس، وكذلك الماشي إذا لم يجعل باله منه، وإلا ما يدرى إلا وقد غطست رجله فيه، وفي ذلك مضرة، والصواب المنع منها، والذي يغسل التراب ويصوله بالجفان ويغسله عند رءوس الأنهار والخلجان، وفي ذلك مضرة، فيمنعون منها. * * * الباب التاسع والسبعون في كساحي السماد وحمالته ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً، ويأمرهم بأنهم إذا نقلوا السماد إلى ظاهر البلد أن يحفروا له حفائر، فإذا نقل إليها يطم عليه، حتى تنقطع رائحته، فلا يتأذى منه أحد، ويمنعون من نقل ذلك إلى الماء وطرحه فيه أو حوله، ويمنعون أيضاً من سرقة الطوب والشقاق في قفف الرماد إذا جابوه، ويرمونه في البير، ويدقونه، ويقولون لصاحب البيت: هذه الأرض الجلدة قد بلغنا إليها، وهم كاذبون، وفي البير سماد كثير قد بقي، فيقف العريف على نظافة ذلك وعلى حقيقته، بالبحث والحفر، ويكون له نصيب من أجرتهم يستعين به على مراعاتهم، والطواف عليهم. ويمنعهم أيضاً من فتح آبار الناس قبل الشرط على الأجرة؛ لأنهم ربما فتحوا البئر وتغالوا في الأجرة، فإن ارتضى صاحب البيت بما يختارونه، وإلا تركوه مفتوحاً وانصرفوا عنه، فيؤدي إلى الضرر بصاحبه، لدخوله تحت ما يحبون، فيمنعون من ذلك، ومن فعل أدب. * * *

80 - الباب الثمانون في الغرابيل ومناخل الشعر

الباب الثمانون في الغرابيل ومناخل الشعر ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة، يأمرهم بغسل جميع الشعر غسلاً نظيفاً قبل استعماله؛ لئلا يكون فيه شيء من شعر الميتة، ويمنعون من عمل الليف المصبوغ أحمر وأسود مع الشعر في الغرابيل؛ لأنه غش، وإذا غسل الليف المصبوغ بأن صبغه، فيمنعون من ذلك، إلا اليهود، فإنهم لا يؤمرون بغيره. ويحلفون أيضاً أن لا يظهروا غرابيل من جلود الميتة، وأن يغسلوا الجلود، وينصِّعونها قبل تقويرها؛ لئلا تكون قليلة الإقامة فتتقطع سريعاً، وتضر بمشتريها، ومن خالف أدب. * * * الباب الحادي والثمانون في حافري القبور ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة يمنعهم أن يعتدوا على تربة، يحفروا فيها بغير أمر مالكها، ويستغنمون غيبة صاحبها، فيحفرون فيها لغيره، وعلى كل وجه وسبب، أو تكون التربة لامرأة غائبة في منزلها لا تدري بهم، فيعتدون عليها فيحفرون فيها. ويؤمرون أن تكون القبور عميقة قدر قامة وبسطة؛ لئلا تنبش الكلاب الناس؛ ولئلا تطلع رائحتهم، ويؤمرون بأن لا يحيفوا على الناس في الأجرة، ولا يطالبوا الضعفاء بما لا يقدرون عليه، وكلما ظهر لهم وقت حفرهم عظم من عظام الناس ستروه بالتراب، ولا يتركونه ظاهراً بين أيدي الناس، ويُعمل للقبر لحد، إلا أن تكون الأرض رخوة مجفورة، فتشق، ويدفن في شقها، ويُسل الميت من قبل رأسه، ويسجى بثوب عند إدخاله القبر، ويقول عند إدخاله: بسم الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويضجعه على الجنب الأيمن، وتوضع تحت رأسه لبنة، ويفضي بخده إلى الأرض، وينصب عليه اللبن، ويحثى عليه التراب، ويرفع القبر قيد شبر، ويرش عليه الماء، وتسطيحه أفضل. * * * الباب الثاني والثمانون في الوراقين والمبهرجين ينبغي أن يمنعوا، ولا يسامحوا بذلك، وأن يسترزقوا الله من وجوه غير هذه الوجوه؛

83 - الباب الثالث والثمانون في من يكتب الرسائل على الطريق، والرقاع، والدروج

لأنه كذب، ومحال، وحرام، فلا يمكن مجالسهم ومقاعدهم إلا على الطريق والشوارع، بحيث أن لا ينفرد واحد منهم بحرمة في منزله، ولا في دهليزه، ولا يستخبر منه المحال، ولا يكذب على النساء، ولا على جهال الرجال بحديث سحر، ولا كهانة، ولا بكتاب قبول، ولا بغض، ولا يتحيل عليهم ببذل تراب، ولا بقدح ماء، ولا بالمداد على الإبهام، ولا يُحيل الأشخاص على الصبيان الذين لا تمييز لهم، وجميع أشباه ذلك، ومن فعل بالناس شيئاً من ذلك، هذر عليهم بهذه المعاني، فقد وجب عليه الأدب؛ لأن هذا كذب وتدليس. * * * الباب الثالث والثمانون في من يكتب الرسائل على الطريق، والرقاع، والدروج ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً، ويأمره بأن يتقدم بأن يتقدم إليهم ويأمرهم بأن لا يكتبوا كتاباً في سب أحد، أو شتمه، أو قذفه، ولو وفرت له الأجرة، وعظمت له الغبطة، لا يفعل ذلك إلا ما يجري في مجرى المراسلات، والاستعطافات، والزيارات، وكذلك ما جرى مجرى السعايات، والإغراء، والنيميمات، إلى أولى الأمور، ويحلفون بالله العظيم أن لا يتجاوزوا ما جرت به العادة في المكاتبات من استعلام الأخبار، وذكر ما تجري عليه الأحداث، فمتى جرى الأمر هكذا، لم يكن على الكاتب طريق للذم، ولا عيب، ولا تعزير، ومن خالف أدب. * * * الباب الرابع والثمانون في كتاب الشروط ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً من أهل العلم، والفضل، والنحو، والفقه، واللغة، والبيان، وينبغي لكاتب الشروط أن يكون مقرئاً، فقيهاً، عارفاً بأكثر الاختلاف على مذهب الأئمة، رضوان الله عليهم أجمعين، ويكون حاسباً، فمتى عدم فناً من هذه الفنون التي ذكرتها، كان عجزه بمقدار نقصه من ذلك العلم، ومتى كان في كل فنٍ من هذه

85 - الباب الخامس والثمانون في الوكلاء بأبواب القضاة وتدليسهم

الفنون فاضلاً، صلح أن يكون كاتباً للشروط، مرجوعاً إليه، وإلى رأيه، وما يشير به، سيما إذا كان ديناً ظاهر الستر، والله أعلم. * * * الباب الخامس والثمانون في الوكلاء بأبواب القضاة وتدليسهم ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً، وأن يكون الوكلاء المناظرين بأبواب الحكام أمناء غير خونة، ولا فسقة، فقد يمسك أ؛ دهم عن إقامة الحجة لموكله من أجل الرشوة على ذلك، ولا يسمى الوكيل في فراق زوجين، ولا يُعَلِّم مقراً إنكاراً، فمن انكشف بذلك، أو بعضه، أدب وأشهر، وأصرف، وإن كان فيهم ساب حسن الصورة، فلا يرسله القاضي لإحضار النسوان، ويجب على جماعتهم، إذا شكوا في شيء، رجعوا إلى رأي من نصب إلى هذا الأمر. * * * الباب السادس والثمانون في الميازيب ومضرتها اعلم وفقك الله أنه قد يجعل بعض أرباب العقارات ميازيب يقلبون فيه ما يستعملونه من الماء في طول الزمان، ويحتفرون تحتها حفراً تجمع تلك المياه فيه، وليس لهم أن يفعلوا ذلك في طرقات المسلمين، إلا في وقت المطر، فإن الله تعالى قال: {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ} [النساء: 102]، فإذا لم يكن مطر، فليس لهم أذية للناس في طريقهم، فإن هذه الحفرة ربما سقط فيه الضرير، والغافل، والمعرض، والغريب إذا عبر في الليل، وفي ذلك إثم كبير ومضرة، وربما وقع من هذه المياه على ثياب الناس بشيء فينجسها، فينبغي أن يمنع من ذلك، حتى لا يكون منه سبب. * * * الباب السابع والثمانون في إصلاح الجوامع والمساجد يؤمر القَوَمة بنفض الجوامع والمساجد في كل يوم بالغدو وبالعشي، ورفع حصرها وكنسها، كل يوم جمعة، وغسل قناديلها كل شهر مرتين، وإشعالها في كل ليلة في صلاة المغرب، والعشاء، والصبح، ويعني بنظافة ساحاتها، وينبغي للمحتسب أن يباشر

وقودها، فإذا رأى نقصاً في وقودها، جعل من جهته مشرفاً على صب زيتها، ويتقدم إلى أئمة المساجد المتطوعة، والمؤذنين المتطوعة، ويسألهم الحضور في كل يوم جمعة للجامع الأعظم للأذن بصلاة الجمعة، فإن في كثرة الأصوات، واجتماع النيات، كثرة وقوة للدين، وضعفاً لقلوب المشركين. وتكون العناية والمراعاة لجميع المساجد كما ذكرنا في حال الجامع، ويأمرهم بغلق أبوابها عقيب كل صلاة، وصيانتها من الصبيان والمجانين، كما أمر سيد المرسلين، وكذلك من يأكل فيها الطعام، وينام، أو يعمل صناعة، أو يبيع سلعة، أو ينشد ضالة، أو يجلس فيها لحديث الناس، فقد ورد الشرع بتنزيه المساجد عن ذلك. ويتقدم إلى جيران كل مسجد بالمواظبة على صلاة الجماعة عند سماع الأذان، لإظهار معالم الدين، وإشهار شعائر المسلمين، لا سيما في هذا الزمان، لكثرة البدع، واختلاف الأهواء، وما قد صرحوا به من الأحوال الخارجية عن الأحكام، فيجب على كل مسلم إظهار شعائر الإسلام، وإشهار الشريعة في مقابلة ذلك، لتقوى عقائد العامة. ولا يؤذن في المنارة إلا عدل، ثقة، عارف بأوقات الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤذنون أمناء، والأئمة ضمناء، فرحم الله الأئمة، وغفر للمؤذنين". وينبغي للمحتسب أن يمتحنهم بمعرفة الأوقات، فمن لم يعرف ذلك منعه من الأذان حتىي عرفها؛ لأنه ربما أذن في غير الوقت، فسمعه العامة، فيصلون قبل الوقت، فلا تصح صلاتهم، فيكون هو السبب في إفساد صلاة الناس، فيجب عليه معرفة الوقت، ويقرأ باب الأذان والإقامة في الفقه، ويستحب أن يكون المؤذن صيتاً، حسن الصوت، وينهاه المحتسب عن التغني في الأذان، وهو التطريب، والتمطيط، ويأمره إذا صعد المنارة أن يغض بصره عن النظر إلى دور الناس، ويأخذ عليه العهد في ذلك. ولا يصعد إلا المنارة غير المؤذن في أوقات الصلاة، وينبغي للمؤذن تحرير أوقات الصلاة في النهار بالميزان، وإذا لم يكن له ميزان، مكن الوقت تمكيناً، لا يكون عليه درك بعده، وعليه أيضاً أن يكون عارفاً بمنازل القمر، وشكل الكواكب، ليعلم أوقات الصلاة، وأوقات الليل والنهار، وهي ثمان وعشرون منزلة، أسماؤها: الشرطان،

88 - الباب الثامن والثمانون في قراء القرآن قدام الموتى

والبطين، والثريا، والدابران، والهنعة، والذراع، والنثرة، والطرف، والجبهة، والخراتان، والصرفة، والعواء، والسماك، والغفر، والزبانان، والأكليل، والقلب، والشولة، والنعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الأخبية، والفرغ المقدم، والفرغ المؤخر، وبطون الحوت، فهذه جملة عدد منازل القمر. والفجر يدوم دلوعه في كل منزلة من هذه المنازل ثلاثة عشر يوماً، ثم ينتقل إلى المنزلة التي تليها، فشرحه طويل، فمن أراد معرفة ذلك، فعليه بكتاب الأنواء لابن قتيبة، ولا غنى للمؤذنين عن معرفته؛ ليحتاط على معرفة الفجر، ويجوز للمؤذن أخذ الأجرة على الأذان بالصلوات، إلا الإمامة، فإنهم يمنعون من أخذ ذلك، فإنه حرام، فإن دفع للإمام من غير شرط، جاز له أخذه على سبيل الهدية، والرهبة، والصلة، والبر، * * * الباب الثامن والثمانون في قراء القرآن قدام الموتى ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً، ويأمر أهل القرآن بقراءته مرتلاً، كما أمر الله سبحانه وتعالى، وينهاهم عن تلحين القرآن، وقراءته بالأصوات الملحنة، كما يلحن المغني بالأشعار، فقد نهى الشرع عن ذلك، ولا يأتون إلى جنازة من غير أن يستدعيهم ولّى الميت، فإن أعطوا شيئاً من غير شرط على سبيل الصدقة، جاز لهم أخذه، وأما اشتراطه فلا يجوز، فيعتبر المحتسب ذلك. * * * الباب التاسع والثمانون في غسالى الموتى اعلم يرحمك الله أنه لا ينبغي أن يغسل الموتى إلا ثقة أمين، قد قرأ كتاب الجنائز في الفقه، وعرف حدودها، فيسأله المحتسب عن ذلك، وصفته أن يستر الميت في الغسل عن العيون، ولا ينظر الغاسل إلا ما لابد منه، والأولى أن يغسل في قميص، وغير المسخن من الماء أولاً، إلا أن يحتاج إلى المسخن، ويتولى غسله، وينجيه، ولا يجوز أن يمس عورته، ويستحب أن لا يمس سائر جسده إلا بخرقة، ويوضئه وضوءه للصلاة،

90 - الباب التسعون في المراصد والمراقب

ويغسل رأسه بماء وسدر، ويسرح شعره، ويغسل شقه الأيمن، ثم الأيسر، ثم يفيض الماء على سائر جسده، يفعل ذلك ثلاثاً، يتعاهد في كل مرة إمرار اليد على البطن، فإن احتاج إلى الزيادة غسل، ويكون ذلك وتراً، ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً، ويقلم أضفاره، ويحف شاربه، ويحلق عانته، والغرض من ذلك النية والغسل، ثم يستر بثوب، وإن خرج بعد الغسل شيء أعيد غسله، وقيل: يوضأ، وقيل: يكفيه غسل المحل، ومن تعذر غسله ييمم، فمن كان قيماً بما ذكرنا تركه، ومن لم يعلم صرفه ليتعلم. * * * الباب التسعون في المراصد والمراقب ينبغي أن يتقدم إلى متولي المراقب على البحر المالح، ورصدة البحار، ويأمرهم بالتهليل، والتكبير، والتوقيد للنار في كل ليلة جمعة، ليعلم أنه متيقظ وعلى حذر، فإذا رأى خبراً أو لاح شيء تفقده، ولم يغفل عن مراعاته، نهاراً كان أو ليلاً، ويراعى ذلك منهم، ويتفقد مبيتهم في المراقب، فإن جرى من أحد نقص استبدل به غيره، والصواب أن يسأل قوم من المستورين، وكذلك من المؤقتين، ومن شاكلهم أن يذكروا الناس في الأسواق بتأذين، بالتهليل، والتكبير، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى الأئمة، وينهون الناس عما نهاهم الله عنه من البخس والظلم؛ لقوله عز وجل: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ... } [المطففين: 1 - 4]، فقد يوافق هذا التحذير بالإقلاع عن الأضرار، ويحثوا أيضاً على اشتهار أمر الأعلاّء والمرضى من في منازلهم من المسلمين ليعود بعضهم بعضاً، لما في ذلك من المثوبة الحسنة، فقد لحقت أنا شيوخاً مستورين كانوا يسألون الأطباء عن الأعلاء والمرضى، فيخبرونهم بأماكنهم، فيمضون غليهم، ويلاطفونهم، ويتعاهدونهم بالملاطفة، والهدايا، والأشربة، والفواكه، وغير ذلك. * * * الباب الحادي والتسعون في طباخي الولائم ينبغي أن يتقدم إليهم ويمنعهم من أن يدخل الرجال إلى الأماكن التي تجتمع فيها النساء، ولا يقدم الموائد إليهم، ولا يرفعها من بين أيديهم، إلا جواري أو نساء من الخدام، ولا تجتمع الرجال مع النساء، ولا ينظرون إلى وجوههن، ولا يمكنوا من ذلك، ويُحلَّف الطباخون أنهم لا يهونون على أحد قيمة ما يريد أن ينفقه في الوليمة التي

92 - الباب الثاني والتسعون في معرفة الموازين

يذكرها الصعاليك، فربما كان ذلك سبباً لإنكاره، وسقوط جاهه، فيمنعون من ذلك، ويراعى ذلك. * * * الباب الثاني والتسعون في معرفة الموازين اعلم وفقك الله أن معرفة الموازين وضعاً من استوى جانباه، واعتدلت كفتاه، وكان ثقب علاقته في وسط القصبة في ثلث سمكها، فيكون تحت مرود العلاقة الثلث، ومن فوق الثلثان، وهذا يعرف رجحانه بخروج اللسان من قلب العلاقة، وتهبط الكفة سريعاً بأدنى شيء، وأما الواهين الدمشقية، فيوضع ثقب علاقتها بخلاف ما ذكرناه، ويعرف رجحانها بدخول اللسان في قب العلاقة من غير هبوط الكفة، وقد يكون مرور العلاقة مربعاً ومثلثاً ومدوراً، وأجودها المثلث؛ لأنه أسرع رجحاناً من غيره. * * * الباب الثالث والتسعون في معرفة المكاييل اعلم وفقك الله أن المكايير الصحيحة ما استوى أعلاه وأسفله في الفتح والسعة، من غير أن يكون محصوراً أو أزور، وأن لا يكون بعضه داخلاً وبعضه خارجاً، وينبغي أن يكون مشدوداً بالمسامير؛ لئلا يصعد فيزيد، أو ينزل فينقص، وأجود ما عُبرت به المكاييل الحبوب الصغار التي يا تختلف في العادة في طول الزمان، مثل الكزبرة، والخردل، والزر قطونا، والبرسيم، والسمسم، وما أشبه ذلك، وصحة الويبة ستة عشر قدحاً على ما أوجبه الحق والحساب. * * * الباب الرابع والتسعون في معرفة مثاقيل الذهب وصنج الفضة اعلم وفقك الله أنه ليس بين الناس خُلف في أن المثقال درهم ودانقان ونصف، وهو

95 - الباب الخامس والتسعون في معرفة الأرطال والقناطير

أربعة وعشرون قيراطاً، وهو خمس وثمانون حبة، والدرهم ستون حبة، والمعول في أكثر الأوقات من ذلك على الصنج الواردة من الباب العزيز من الحضرة المطهرة، فيعتبر ويطلق للناس المعاملة بها، وأصح ما عيرت به الصنع الموازين الطيارات الصغار، ومن الكبار الطيارات أيضاً. * * * الباب الخامس والتسعون في معرفة الأرطال والقناطير اعلم وفقك الله أنه لما كانت هذه أصول المعاملات، وبها اعتبار المبيعات، لزم المحتسب معرفتها، وتحقيقها، لتقع المعاملة بها من غير غبن على الوجه الشرعي، وقد اصطلح أهل كل بلد وإقليم على أرطال تتفاضل في الزيادة والنقصان، وسأذكر ما لا يسع المحتسب جهله، ليعلم بلك تفاوت الأسعار. فأما القناطير التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، فقد قال معاذ بن جبل، رضي الله عنه: هو ألف ومائتا أوقية، وقد قال أبو سعيد الخدري، رضي الله عنه: هو ملء مسك ثور ذهباً. والقنطار المتعارف مائة رطل، والرطل مائة وأربعة وأربعون درهماً، وهو اثنا عشر أوقية، كل أوقية اثنا عشر درهماً، هذا رطل مصر الذي رسم بها، وأما رطل دمشق، فستمائة درهم، وأوقيتها خمسون درهماً، ورطل حمص سبعمائة درهم وأربعة وتسعون درهماً، وأوقيتها سبعة وستون درهماً وحبة وثلثا حبة.

ورطل حماة ستمائة وستون درهماً، وأوقيتها خمس وخمسون درهماً، ورطل المعرة مثل حمص، ورطل شيراز ستمائة وأربعة وثمانون درهماً، وأوقيتها سبع وخمسون درهماً، والرطل البغدادي مائة وثلاثون درهماً، وأوقيته أحد عشر درهماً إلا دانقاً، والمن مائتان وستون درهماً، وهو منسوب إليه، وقد وجدنا جميع العطارين والصيادلة يزنون بالعشرة دراهم عوضاً عن الأوقية، وهذا بخس وخيانة، فألزمانهم الأوقية عشرة دراهم ونصف وثلث، وجعلناها مخالفة لصنجة العشرة دراهم، وجعلناها مثالاً عند المعير، يعيرون بها، ويعملون نظيرها في أيام حسبتنا، وأما الرطل الليتى، فمائتا درهم، وأوقيته ستة عشر درهماً ونصف وثمن وحبة وثلثا حبة، وأما الرطل الجروى، فثلاثمائة درهم، وأوقيته خمسة وعشرون درهماً. وأما القناطير، فينبغي أن تضبط، فمنها ما يكون قد نقش وجهها بالعربية ليقرأها كل أ؛ د، ومنها ما يكون الوجه الواحد عربياً والآخر قبطياً، فينقش على قب القبابين، تحت لسنها، بالعربية، وينقش على الرمانة وزنها، ليكون أصلح وأبين؛ لأن كل رمانة تنقص عن حقها رطلاً، فيدخل على المشتري بها نقص عشرة أرطال، فينبغي للمحتسب أن يحتاط على هذا أتم حيطة. وينبغي أن يتفقد القبابين في كل وقت بالعيار؛ لأنها تعبب إلى النقص، لا سيما إذا ميّلها الوزان، ليطرح الوزنة عنها من غير حمالين يرفعون الثقل عنها، فإنها تعب للوقت، والقبان الرومي أصح من القبطي، وينبغي أن يكون المحتسب يمتحنهم بعد كل حين وتختبرهم، فإنها ربما تعوَّج من شيل الأثقال، فتفسد كما ذكرنا أولاً. * * *

96 - الباب السادس والتسعون في معرفة الأقساط

الباب السادس والتسعون في معرفة الأقساط اعلم وفقك الله أن عيار القسط الجروى المتعامل به أربعة أرطال ونصف، والسوقة يجعلونه ثمانية أكواز في مبايعاتهم، والكوز هو ثمن القسط، ومطر العسل الذي تعير به الأمطار وقتاً عند مقاولة الحمل، وعند تحصيل الثمن، خمسة أقساط، والقسط الليتى أيضاً يجب أن يكون ثلث الجروى، ونظير الرطل أيضاً، فيكون ثلاثة أرطال بالجروى، فمن جعل القسط من اللبانين وغيرهم ثلاثة أرطال إلى ثلث، فقد خان وبخس، فيتقدم المحتسب إليهم بأن لا يفعلوا هذا، ويعيِّر عليهم عياراً يحتاط عليه، ويعملون به، ومن خالف أدب وأشهر، ويجب أن تكون جميع الأقساط والأمطار معيرة مختومة بالخواتيم الرصاص، ويعير عليهم كل وقت. * * * الباب السابع والتسعون في معاصير الزيت وغشهم ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً عارفاً ثقة بمعيشتهم، ويمنعهم أن يعتصروا بزر الكتان إلا مقلياً، فإنه إذا قلى ظهرت رائحة زيته، وإذا اعتصروه بلا قلى خفيت رائحته، ويخلطوه في الزيت الحلو، ويدلسوا به، والزيت المعتصر من القرطم يضر النساء الحبالى إذا أكلوه، ويسقط شعورهن، وقد يخلطه من يستحل ذلك في الزيت الطيب، وفي الشيرج، فينبغي مباشرة ذلك، والاهتمام به، ويتقدم إلى الحمالين بأن لا يبيعوا الزيوت على الغرباء دون أن يملؤا الأسواق، ويظهروه ويشهروه دفعات قبل بيعه للغرباء، ولا يعترض الحمالون للسمسرة، وأن يكون الحمال غير السمسار. * * * الباب الثامن والتسعون في التبن والتبانين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً عارفاً بمعيشتهم، ويمنعهم أن يخلطوا مع تبن الحنطة تبن الفجل، ولا تبن العدس، ولا تبن البرسيم، ولا تبن المبلول الذي يكون في قعر الشباك،

99 - الباب التاسع والتسعون في القرط والقراطين

ولا تبن الجلبان، ولا البروينا، وهو أصول القمح الغليظة، ولا يتخطوا إليه، ولا يأمروا به، ولا من فِعله، ويعرف على حماليه عريفاً ثقة عارفاً عيبهم، يأمرهم أن يعيروا بمنهية ترياك رحمه الله، التي عيارها مائة رطل، فيكون الحمل مائتين وخمسين رطلاً بالقلعى. وأخبرني من أثق به أن عيار المنهية الترياكية ثلاثة أرادب بالقفيز المصري، ويكتب على عيار كل واحدة منها عيارها بعد أن تصح، ويكتب عليها اسم المحتسب الذي يعيرها، ويؤمرون بجودة الحشو، وإذا وجد من أحد بخس في كليه، أدب وأشهر بعد الإنذار. * * * الباب التاسع والتسعون في القرط والقراطين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة، ويأمرهم أن لا يحلوا شيئاً من القت، ويحشونه من الدقاق، ولا يخلطوا الطيب منه بالدون، وليكن بيع كل واحد منهما على حدته، ولا يخلطوا الحزم الكبار ويشدونها صغاراً، بل يبيعوا بشد الغيط بما أطعم الله ورزق، ويعتبر موازينهم، وصنجهم، ومن فعل شيئاً من هذا أدب. * * * الباب المائة في الأنماط وصناعتها ينبغي أن يعرف عليهم رجلاً منهم، ثقة، لا بصيرة وخبرة، ويأمره أن يتقدم إليهم، وأن لا يمكن رجلين من شراء سلعة مثمنة أو غير مثمنة، إلا أن يكونا شريكين في مال واحد وحانوت واحد؛ لأنهما إذا كانا متفرقين وأخذ أحدهما السلعة عنده، وجاء رجل مشتر بليل جد في طلب تلك السلعة ليأخذها له من شريكه بزيادة عن قيمتها، ويأخذ منه الجعل، وهذا تدليس وغش، وإن عرض شيء فيه رفو، عرض ونودي عليه البراءة من

101 - الباب الحادي والمائة في صناع الأخمرة والحرير والوقايا

سائر العيوب، ولا يمكن الرفاء، ولا الصقال، ولا الغسال، ولا النجار من التجارة في هذه الصنائع، بل يكون كل رجل لازماً لبضاعته. ولا يمكنون باعة الكلل من فتح رءوس الصفقات، ولا يخلط في الكلل الشرب التي من عمل تنيس، ولا شيئاً من عمل مصر بشيء من عمل تنيس، وإذا جلس عند رجل سمسار ليشتري له شيئاً من الجهاز، يأخذ الجعل منه، ولا يأخذ من البائع، ولا يأخذ أحد من المنادين من يُراد شيئاً من قماشه فيعيده إلى النداء أصلاً، ولا يزيد في قطعة قماش من نفسه، ولا يعمل لحافاً جديداً مقطوع الأركان إلا ويفتق بعضه ليتعين جديد هو أم عتيق، ولا يعمل الزبون إلا جديداً مبطناً، وربما اشترى التاجر الديباج والبربون والطنافس بنظرة إلى مدة بدينار معلوم، فإذا صار على كيسه استعمله وأكراه، فإذا جاءه الزبون أخبره برأس ماله، وهذا تدليس. ولا يخلط طرى قديم بجديد، وسبيل السماسرة أن يكتبوا على الطنافس اسم البائع والمشتري والمنادي وثمنها على أطرافها، ولا ينادي المنادي على شيء لنفسه، ولا يأخذ الجعل إلا من يد البائع بقيراط الدينار، وإذا صفق على تاجر قماش ورضيه لم ينقصه شيئاً من ثمنه إلا برضاه، أو بعيب يظهر، فيفسخ ذلك البيع، ويتوافقون، ومن خالف عوامل بما يستحق وأدب. * * * الباب الحادي والمائة في صناع الأخمرة والحرير والوقايا ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة من أهل صناعتهم، ويأمره أن يمنعهم أن لا يمدوا الأخمرة إلا كما جرت العادة، في الطول، والعرض، وعدد الخيوط، فمن ذلك الأخمرة تكون ستة أذرع بالمرفق في عرض سدادها، وسدادها. والعقل الصغار السود الملويّة طول ذراع ونصف، وعرض ثلاثة أشبار، وسداها ألف وستمائة خيط، ويؤمرون أن لا تباع إلا خاماً؛ لأنها إذا قصرت أنهرت من الدق والماء والغسل. وصفائها قد يعمل من قطن، ولا يمكنوا من ذلك، بل تكونا حريراً. وقد يعمل في أول خيط الطرحات، والخيط هو ثمانية طرح، فيعملون في أوله اثنين طول كل واحدة ذراعان والستة الباقية ذراع ونصف كل واحدة، فإذا جاء المشتري أروه أول الخيط، ثم يطوونه، وهذا تدليس فيمنعون من ذلك أتم منع، ويعتبر عليهم جميع أشغالهم، ويؤدب فاعله شفعة لغيره. * * *

102 - الباب الثاني والمائة في الحصر العبداني

الباب الثاني والمائة في الحصر العبداني ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً بصناعتهم، ويأمره أن يحلفهم بالله العظيم أنهم لا يصبغون السمار الأحمر إلا بالفوة، لا بالبقم، فإن البقم يتغير صبغه من الحر والشمس، وإذا وقع عليه شيء من الحموضة اصفر، ويطبع. والسمار الأسود يكون صبغة بالحديد، ويجفف مقامه، لئلا تضعف قوته. وتكون مياه الصباغ نظيفة طاهرة، ويكون جميع قيامه من غزل الكتان المعتدلة الخيط، ويعتبر ذلك. * * * الباب الثالث والمائة في الخيزرانيين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً بصناعتهم، ويأمره أن يمنعهم من عمل الخيزران الذي يشق من السلال التي يجيبون فيها الصيني إلى مصر، تعمل منه أطباقاً وتباع على الريافة بالحديد، ولا يعمل منه مكبات ولا أسفاط للعطارين ولا غيرها، لسرعة تقصف خيزرانها، بل يكون عملهم من الخيزران الصحيح، ومن خالف أدب. * * * الباب الرابع والمائة في اللبود واللبادين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً بصناعتهم، ويأمره أن يمنعهم أن يعملوا في اللبود شيئاً من شعر الميتة، ويمنعهم من عمل صوف الرءوس، ويستدل عليه بفرط خشونته، ويكون وزن اللبد الأحمر أربعة أرطال بالقلعى، واللبد الأزرق والمرشحة الحمراء رطل ونصف، ويسقى الصمغ بلا مشاق، ويمنعهم من عمل اللبد المشاقة الذي يعمل قوالب في داخل المسانيد، بل يكون من الصوف، ويكون وزن كل واحد منهما ثلاثة أرطال، ومن خالف أدب. * * *

105 - الباب الخامس والمائة في الأرجوان وصناعه

الباب الخامس والمائة في الأرجوان وصناعه ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً، ويأمره إذا خرجت لهم صبغة صافية، لقلة لُكِّها وقوة شبها، أن يعمد إلى الجير القلاد، فيذرَّ منه على مقدرا وزن الصبغة بالماء الحار، ثم بماء اللك الذي صبغ به أولاً، ويترك الأرجوان فيه ساعة، وينشل منه لئلا يسود، وهذا تدليس، وإنما ينبغي أن تكون الزيادة من اللك على مقدار الصبغ، والصبغة الصافية القليلة اللك أيضاً إذا خرجت بسوقها من الجير، فيكبوا لونها إلى السواد، فيسقيه البقم، وهذا تدليس، وإنما الواجب أنه كان يسقيه الشب ليقوى شبه ثاني مرة، ويسقيه اللك إلى أن يأخذ حده من الصبغ، فيراعى ذلك كله منهم، ويمنعون منه، ويستحلفون بالله العظيم على ذلك كله، والطفل الأسود قد يروق ماؤه وتزول صبغته، وكذلك الطين الرومي، وليس يضر الأرجوان، ومن خالف أدب. * * * الباب السادس والمائة في الغضار ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة من أهل معيشتهم، ويأمره أن يشترط عليهم أن لا يباع غضار الكوز إلا مفرداً من غضار التنور، ولا يخلط كوز بتنور إلا أن يكون متقارباً بمقدار الدينار الواحد، وعلى الغضارى إذا جاءه الزبون لشراء مائة جام كما اشترى، ووقعت المقاولة على هذا الشرط، دفع إليه غضار والثلثين دقا، ويعد له كما اشترى جاماً جاماً من كل شيء، إلا أن يؤثروا الزبون جنساً واحداً، ويشرط على الحمالين معاونة الزبون من الغرباء وغيرهم، وأن يستوفوا حقوقهم على الشرط الذي تقدم ذكره من الأصناف، والأصباغ، والعدد، وإزالة المعيب. * * * الباب السابع والمائة في الأبّارين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة، ويمنعهم من أن تخلط الأبر الأرمهان بالفولاذ؛ لأنها إذا سقيت خلطها من لا دين له في الفولاذ، بل يكون كل صنف منهم على حدته،

108 - الباب الثامن والمائة في الحلفاء وعدده ورسومه

ويستحلف الصناع على ذلك، ويتفقد حالهم كل وقت، ويعتبر عليهم بالنار؛ لأن الأبر الفولاذ إذا حميت وسقيت الماء تنقصف، والغير فولاذ إذا سقيت الماء لم تنقصف، فمن فعل ذلك أدب. * * * الباب الثامن والمائة في الحلفاء وعدده ورسومه ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة، ويأمره أن يأمرهم أن يكون عدد الحمل مائة وخمسين عقدة، كما جرت العادة، وأن تكون الأحمال مغطاة بالعبى؛ لئلا تخرق ثياب الناس في الطرق، ويكون مع كل ثلاثة حمير سواقاً، والأجراس النحاس المقرعة في أعناقها ليعملوا الجلبة، فينتبه الغافل، والمرأة، والأعمى بمجيء الدابة، وكذلك الحطابون، ومن خالف ذلك أدب. * * * الباب التاسع والمائة في المحامل وصناعتها ينبغي أن يعرف عليم عريفاً، ويأمره أن يمنعهم أن لا يعملوها من خشب السيسبان، ولا من خشب قد سوس ونخر، لا برم بخشب فيه علة ولا ضعف، ويكون القد مخبور الطهارة، ويمنعون من الشركة، ولا تباع إلا معراة في وسط السوق حتى يظهر ما فيها من العيوب، ولا تباع في المخازن بوجه ولا سبب، ولا تجلد قبل بيعها، ومن خالف أدب. * * * الباب العاشر والمائة في الروايا والقرب ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً، ويأمره أن يمنعهم أن يعملوا شيئاً من هذه الأوقات والآلات الحافظة للمياه التي فيها مادة الحياة، إلا من الجلود المدبوغة بالقرض اليماني التي قد استحكم دباغها، وطال مكثها في الدباغ، ولا تعمل من جلد بغل، ولا

111 - الباب الحادي عشر والمائة في الدباغين

مسوس، ولا درن، ولا نجس، ولا من نطع، ولا من سلفة، ولا من جلود الروايا المستعملة، ولا يعمل فم قربة إلا من أديم مصري، أو سلفة يماني؛ لأنها ربما عملت من البطاين والسلف المغربي، ويحلفوا على هذا كله، ويتفقد دكاكينهم كل وقتٍ. * * * الباب الحادي عشر والمائة في الدباغين ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً، ويأمره أن لا تدبغ جلود المعز إلا بالقرض اليماني، ويكون دباغها بوزنها من القرض لا على عدد الجلود، وحد كل دست منها أربعون جلداً، ويقيم في الحوض ثلاثة أيام، وينقل إلى حوض آخر، وعليها من القرض مقدار وزنها الأول، ويفعل بها كذلك أربع دفعات لتنقى من شحومها، ومن قصد الغش والتدليس دبغ الدست ثلاث دبغات، ويغش الثالث بالعفص، وهو مضر بالجلود يقيناً ومهلكها، وعلامة غش الدست أن جلودها تسود في الشمس، ودباغ الصيف أجود من دباغ الشتاء وأنجب، والعفص فيه عيب، وكذلك القرض المصري، ومن خالف أدب. * * * الباب الثاني عشر والمائة في دباغ الكيمخت ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة، فقد سالت عن جلوده، فعرفت أنها من جلود الخيل، والبغال، والحمير، وأن أكثرها ميتة، فسألت الفقهاء عمل يعمل من هذه الجلود، فذكروا أن استعماله جائز، إلا المقلي الذي يقلوه عليه، فإنه نجس، فينبغي أن يجتنب. * * * الباب الثالث عشر والمائة في دباغ جلود البقر ينبغي أن يعرف عليهم عريفاً ثقة عارفاً بمعيشتهم، ويأمره أن يمنعهم أن يخلطوا جلود البقر المذبوحة بجلود الميتة، ويأمرهم بدباغ كل عشرة منها بويبة دقيقة والماء العذب أياماً

114 - الباب الرابع عشر والمائة في أهل الذمة

إلى أن يزول شعرها، ثم يدبغها بويبة دقيقة وويبة ملح، تقيم فيه ثلاثة أسابيع، وما زاد على مقدار حر الزمان وبرده إلى العفص، فإن كانت الجلود كباراً، وكلها ثيران، دبغت كل جلد بأثنى عشر رطل عفص بالقلعى، وإن كانت بقراً متوسطة، كان لكل جلد منها ستة أرطال، والعجول بأربعة أرطال كل جلد، وما زاد على ذلك زائداً في جودة الجلد، ومن خالف أدب. * * * الباب الرابع عشر والمائة في أهل الذمة اعلم وفقك الله أنه ينبغي أن يشترط عليهم ما اشترطه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في كتاب الجزية الذي كتبه لأهل الذمة، ويؤخذون بلبس الغيار، فإن كان يهودياً عمل على كتفه خيطاً أحمر أو أصفر، وإن كان نصرانياً، عمل في وسطه زناراً، وعلق على عنقه صليباً، وإن كانت امرأة لبست خفين أحدهما أبيض والآخر أسود، وإذا عبر ذمي إلى الحمام، ينبغي أن يكون في عنقه صليب، أو طوق من حديد، أو نحاس، أو رصاص؛ ليختبر به عن غيره. ويمنعهم المحتسب من ركوب الخيل، وحمل السلاح، والتقلد بالسيوف، وإذا ركبوا البغال ركبوها لا بالسرج، ولا يرفعون بنيانهم على بنيان المسلمين، ولا يتصدرون في المجالس، ولا يزاحمون المسلمين في الطرقات، بل يلجأون إلى أضيق الطرق، ولا يُبدأون بالسلام، ولا يُرحب بهم، ويشترط عليهم ضيافة من مر بهم من المسلمين، وإنزالهم في بيوتهم وكنائسهم، ويمنعون من إظهار الخمر والخنزير، والجهر بالتوراة والإنجيل، ومن ضرب الناقوس، ومن إظهار أعيادهم، ورفع الصوت على موتاهم، فجميع ذلك اشترطه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فيراعى المحتسب جميع ذلك. ويأخذ منهم الجزية على قدر طبقاتهم، الفقير المقتدر دينار، والمتوسط دينارين، والغنى أربعة دنانير، عند رأس الحلول، وإذا جاءه المحتسب، أو العامل لآخذ الجزية، أقامه بين يديه، ثم يلطمه بيده على صفحة عنقه، ويقول له: "ادِّ الجزية يا كافر، ويُخرج الذمي يده من جيبه مطبوقة على الجزية، فيطعيها له بذلة وانكسار، ويشترط مع الجزية التزم أحكام الإسلام، فإن امتنع الذمي من لزوم الأحكام، أو قاتل المسلمين، أو زنا بمسلمة أو أصابها باسم نكاح، أو فتن مسلماً عن دينه، أو قطع الطريق على مسلم، أو

115 - الباب الخامس عشر والمائة يشتمل على تفاصيل وجمل

آوى المشركين، أو دلهم على عورات المسلمين، أو قتل مسلماً انتقضت ذمته، وقتل في الحال، وغُنم ماله في أصح القولين؛ لأن أهل الذمة قد شُرط عليهم الكف عن جميع ذلك، والله الموفق. * * * الباب الخامس عشر والمائة يشتمل على تفاصيل وجُمل اعلم وفقك الله أنه قد ذكرنا في هذا الكتاب من الحسبة على أرباب الصنائع المشهورة، من كشف غشوشهم وتدليسهم ما في كفاية كافية للمحتسب، وأصلاً يفسر ما عداه مما لم نذكره، وسأذكر في هذا الباب تفاصيل وجمل، وأذكر ما يلزم المحتسب فعله من أمور الحسبة في مصالح الرعية غير ما ذكرناه، فمن ذلك: السوط، والدرة، والطرطور. فأما السوط، فيتخذه وسطاً، لا بالغليظ الشديد، ولا بالرقيق اللين، بل يكون بين سوطين، حتى لا يؤلم الجسد، ولا يخشى منه غائلة. وأما الدرة، فتكون من جلد البقر، أو الجمل، محشوة بنوى التمر. وأما الطرطور، فيكون من اللبد منقوشاً بالخرق الملونة، مكللاً بألوان الخرز، والودع، والأجراس، وأذناب الثعالب والنسانيس، وتكون هذه الآلة معلقة على دكة المحتسب يشاهدها الناس، فيرعب بها قلوب المعتدين، ويزجر بها أهل التدليس. فإذا عثر بشارب خمر، جلده بالسوط أربعين جلدة، فإذا رأى المصلحة في جلده الثمانين جلده؛ لأن عمر، رضي الله عنه، جلد شارب الخمر ثمانين جلدة، فيجرد عن ثيابه، ثم يرفع عن يده بالسوط حتى يبين بياض أبطه، ويطرّف الضرب على كتفيه وإليتيه وفخذيه، فإذا كان زانياً، فيلكن جلده في ملأ من الناس، كما قال الله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2]، فإن كانت امرأة جلدها في إزارها وثيابها، وأما الزاني المحصن، فيجمع الناس خارج البلد، ويأمرهم برجمه، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كانت محصنة، حفر لها حفيرة في الأرض، وأمر الناس برجمها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغامدية، وإن لاط بغلام ألقاه من أعلى شاهق في البلد، هذا

116 - الباب السادس عشر والمائة في ترتيب التعزيز

كله بعد توبته عند الإمام، ثم يتولاه المحتسب. * * * الباب السادس عشر والمائة في ترتيب التعزيز اعلم وفقك الله أن التعزير على قدر أحوال الناس، وعلى قدر الجناية، فمن الناس من يكون تعزيره بالقول والتوبيخ، ومنهم من يضرب بالسوط ولا يبلغ به أدنى الحدود، ومنهم من يضرب بالدرة، ويلبّس الطرطور، ويركب على جمل أو حمار، وإذا رأى رجلاً حامل خمر، أو يلعب بملهاة، كالعود، والطنبور، والمزمار، وما أشبه ذلك، عزره على حساب ما يراه من المصلحة في حقه، بعد إراقه خمره، وكسر الملهاة، وكذلك إذا رأى رجلاً أجنبياً مع امرأة أجنبية، في خلوة أو طريق. ويلزم المحتسب مباشرة الأماكن التي يجتمع فيها النسوان مثل سوق الغزل، وسوق الكتان، وشطوط الأنهار، وأبواب حمامات النساء، وما أشبه ذلك، فإذا رأى شاباً معترضاً لامرأة يكلمها في غير معاملة في البيع والشراء، أو واقفاً ينظر إليها، عزره ومنعه من الوقوف هناك، فكثير من الشباب المفسدين يقفون في هذه المواضع، وليس لهم حاجة غير التلاعب على النسوان. ثم يتفقد مجالس المواعظ، ولا يدع الرجال يختلطون بالنساء، ويجعل بينهم ستارة، فإذا انفض المجلس، خرجت الرجال قبل النساء وذهبوا في طريق، وتخرج النساء بعدهم، ويذهبن في طريق أخرى، ومن وقف من الشباب في طريقهن بغير حاجة عزره. ثم يتفقد المقابر، فإذا سمع بنائحة، أو صارخة عزرها ومنعها من ذلك؛ لأن النواح حرام، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النائحة ومن حولها في النار"، ويأمر النساء بأن لا يخرجن لزيارة القبور، وإذا خرجن للقبور أمر النساء أن يتأخرن عن الرجال، ولا يختلطن بهم، ويمنعهن من كشف وجوههن ورءوسهن خلف الميت، ويأمر منادياً ينادي في البلد بالمنع من ذلك، والأولى منعهن من تشييع الجنائز، ومتى سمع بامرأة عاهر، أو مغنية، استتابها عن معصيتها، وإن عادت عزرها ونفاها من البلد. ويمنع المخنث من دخوله على

117 - الباب السابع عشر والمائة في مجالس الحكام

النسوان، وكذلك الأمرد النكريش، متى حلق لحيته ونتفها، كان ذلك دليلاً على فساده. * * * الباب السابع عشر والمائة في مجالس الحكام ينبغي للمحتسب أن يتردد إلى مجالس القضاة والحكام، ويمنعهم من الجلوس في الجوامع والمساجد للحكم بين الناس، فربما دخل الرجل الجنب، والمرأة الحائض، والصبي، والحافي، ومن لا يتحرز من النجاسة، فيؤذون بذلك الحصر، وأيضاً ترتفع الأصوات، ويكثر اللغط عند المحاكمة والمنازعة، وكل ذلك قد ورد الشرع بالنهي عنه. وقد وجدنا مكتوباً في كتاب أبي القاسم الصميري: إن المستظهر لله أمير المؤمنين، رحمة الله عليه، ولى رجلاً من أصحاب الشافعي، رضي الله عنه، الحسبة، فنزل إلى جامع المنصور، فوجد قاضي القضاة يحكم بين الناس فيه، فقال له: سلام عليك، قال الله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج: 41]، وقد مكن الله خليفته المستظهر لله في أرضه، وبسط يده بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد جعلني وإياك نائبين عنه في ذلك، قائمين في رعيته حدود الله، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، ونحن أولى بمن يعمل بحدود الله، ولزوم ما أمر الله به، واجتناب ما نهي عنه، ليقتدي بنا العامة، ونحن ملح البلد، نصلح ما فسد من الطعام، فإذا فسد الملح من يصلحه؟ ومجلسك هذا لا يصلح في الجامع، أما سمعت قول الله عز وجل: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ... }، إلى قوله: {وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [النور: 36، 37]، وليس في هذا الموضع شيء من ذلك، وإنه لتدخل إليك المرأة لتحتكم مع بعلها، ومعها الطفل فيبول على الحصر، وإن الرجل ليمشي على النجاسة والقذر، ويدوس الحصر بنعله، وإن الأصوات لترتفع باللغط، وربما دخل إليك الرجل الجنب، والمرأة الحائض، وجميع ذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتنابه، فاجلس في وسط البلد، بحيث لا يشق على أحد دخوله عليك، والسلام. فنهض القاضي ولم يعد بعدها يجلس في الجامع للقضاء.

118 - الباب الثامن عشر والمائة في مجالس الأمراء والولاة

ومن رأي المحتسب رجلاً يسفه في مجالس الحكم، أو يطعن على الحاكم في حكمه، عزره، وإذا رأى القاضي قد استشاط على رجل غيظاً، أو شتمه، أو احتد عليه في كلامه، ردعه عن ذلك، ووعظه، وخوفه الله عز وجل، فإن القاضي لا يجوز له أن يحكم وهو غضبان، ولا يقول هجراً، ولا يكون فظاً غليظاً. * * * الباب الثامن عشر والمائة في مجالس الأمراء والولاة ينبغي للمحتسب أن يتردد إلى مجلس الولاة، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويذكرهم، ويعظهم، ويأمرهم بالشفقة عليهم، والإحسان إليهم، ويذكر لهم ما ورد في ذلك من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليكن في وعظه، وردعه، وقوله بشوشاً غير جبار عبوس، وليكن شيمته الرفق، ولين القول، وطلاقة الوجه، وسهولة الأخلاق، عند أمره ونهيه، فإن ذلك أبلغ لاستمالة القلوب، وحصول المقصود، وقد قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]، وقد ذكرنا ذلك في أول الكتاب. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب كل رفيق، يعطي على الرفق ما لا يعطي على التعنيف"، وينهى الفقراء، وأهل الكدية عن قراءة القرآن في الأسواق، فقد نهت الشريعة عن ذلك. ولو شرعت في جميع ما يفعله المحتسب من أمور الحسبة، لضاقت به الأوراق، وطال فيه الشرح ولكني قد وضعت أصولاً وقواعد يستعين بها المحتسب على أموره، ولعملي أن الضابط في أمور الحسبة هو الشرع المطهر، فكل ما نهت عنه الشريعة وجب على المحتسب إزالته، والمنع منه، وما أباحته الشريعة أقره على ما هو عليه، ولهذا قلنا في أول الكتاب: يجب أن يكون المحتسب فقيهاً، عالماً بأحكام الشريعة، ومتى كان جاهلاً اختلفت عليه الأمور، ووقع في المحذور والمحظور.

فنسأل الله العون والصحة والتوفيق، إنه على ما يشاء قدير، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. * * *

§1/1