نظرة في مفهوم الإرهاب والموقف منه في الإسلام

عبد الرحمن المطرودي

تقديم

[تقديم] تقديم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. . . أما بعد: فإن ما حدث ويحدث في العالم من ظواهر وتغيرات اجتماعية، ومستجدات وأحداث، تحتاج من المجتمع البشري إلى دراسة وتمحيص لتمييز الغث من السمين. وهذه الدراسة يجب أن تكون علمية تعتمد على الأسس والأساليب والمعايير العلمية لتحقيق ذلك المستوى من التمييز، فلا يكون النظر إليها نظرا مجددا يدفعه الحماسة أو المدافعة عن وجهة النظر، وهذا بلا شك يحتاج إلى روية وتجرد وعدل في جانب الباحث، وإلى تحديد وتحرير وتعريف علمي دقيق لموضوع الدرس والمناقشة. وفي هذا الإطار، فإن الإرهاب - بمفهوم الإفساد في الأرض، ونشر الرعب والخوف السلبي بشتى صوره وأشكاله - من الأحداث التي رزء بها إنسان هذا الكون، وهو بهذا المفهوم قديم، نجد الإشارة إليه في الحوار الرباني مع الملائكة: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30] . فأشارت الملائكة إلى الفساد في الأرض وسفك الدماء وهما من الإرهاب في مفهومه السلبي، ولكن العليم الخبير قال: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30] . فالإرهاب بذلك المفهوم ليس له وطن ولا دين، وليس حديث النشأة، ومعاناة الإنسان منه ليست للتو، إنما هي سلسلة وتاريخ طويل من الأحداث. لذا جاءت معالجة هذا الأمر في الديانات السماوية وخاتمتها ديننا الإسلامي الذي أوفى هذا الموضوع حقه في المعالجة الوقائية والعلاجية.

إلا أنه عندما حصلت النكسة الفكرية في الفكر الإنساني في بعض المجتمعات البشرية - وذلك بفصل الدين عن الدولة - تأثرت بذلك سلبا كثير من الأحكام والموجهات والضوابط والمعايير المرتبطة بالدين وخاصة تلك التي تضبط سلوك الإنسان وتصرفاته. ونظرا إلى اختلاف المصادر الفكرية والبيئات الاجتماعية والموروثات الأدبية، فقد اختلفت نظرة المجتمعات البشرية إلى تلك الأحكام والمسائل، ومنها الإرهاب الذي عانى منه الإنسان قديما، وازداد عناؤه منه حديثا، فكان تكثيف التوجه والاهتمام بمعالجته ومناقشته في المؤسسات الحكومية والهيئات والمنظمات الدولية، وفي المؤسسات العلمية والجامعات ومراكز البحث العلمي. وفي هذا السياق تلقيت دعوة للمشاركة في المؤتمر الذي نظمه كرسي الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية في كلية الدراسات الشرقية في جامعة لندن خلال المدة 20- 21 شعبان 1424 هـ الموافق له 16-17 أكتوبر 2003 م. فأعددت هذا البحث وعنوانه (وجهة نظر في مفهوم الإرهاب والموقف منه في الإسلام) وقسمته أربعة فصول. وبعد استكمال البحث رأيت أن أسمه ب (نظرة في مفهوم الإرهاب والموقف منه في الإسلام) ليتفق مع مضمون مادة البحث. ولما لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية التابع لمؤسسة الملك فيصل الخيرية من جهود مباركة في مجال البحث والنشر العلمي، فقد تولى هذا البحث واعتنى بنشره. مؤملا أن يجد فيه القارئ ما يفيد، وراجيا أن أتلقى ما يسهم في تطويره. نسأل الله أن يحفظنا جميعا بحفظه، وأن يحفظ ولاة أمرنا وعلماءنا، وأن يديم على بلادنا الأمن والاستقرار، وأن يرد كيد الكائدين ومكر الماكرين في نحورهم. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل. عبد الرحمن بن سليمان المطرودي

الفصل الأول مفهوم الإرهاب وتعريفه

[الفصل الأول مفهوم الإرهاب وتعريفه] [توطئة] الفصل الأول مفهوم الإرهاب وتعريفه توطئة: المنهج العلمي يقتضي عند تعريف أي لفظ عام يستخدم في الدلالة على عمل أو فعل معين، أن يكون ذلك التعريف معبرا عن حقيقة ذلك الفعل، يتمثل فيه تحديده ووصفه، فلا يخرج منه ما يجب أن يكون فيه، ولا يدخل فيه ما ليس منه، بحيث لو أسقط ذلك المصطلح أو اللفظ المستخدم على ذلك الفعل، لأمكن تحديده بشكل مقيس قياسا علميا يطابق الواقع ويدل عليه، وهذا مما يمكن من التعامل معه وفقا لأحكامه وقوانينه، وتحديد أطره وأبعاده ودراستها والتعامل معها بما يناسبها. وحيث إن هذا البحث يتحدث عن موضوع شائك معقد وهو الإرهاب، فلا بد من تحديده وتعريفه بشكل دقيق حتى لا تحمل المصطلحات معاني لا تدخل ضمن نطاقها. وتحقيقا لهذا، فقد حاول هذا البحث - من خلال قراءات متعددة في موضوعه - تحديد بعض الألفاظ والتعريفات المتعلقة بها مع الربط بين الواقع وتلك المعاني والتعريفات المتعلقة بموضوع الإرهاب، وقد تبين وجود مفارقات بين واقع الأعمال التي توصف بالإرهاب، والمعاني التي تعنيها كلمة إرهاب. وقد تجلت المفارقات في الآيات القرآنية التي وردت فيها كلمة إرهاب؛ حيث جاء تفسيرها الدال عليه مضمون تلك الآيات لا يلتقي مع استخدام كلمة إرهاب في المصطلحات الحديثة. وترجع تلك المفارقات إلى اعتبارات كثيرة، منها: 1 - إن وصف العمل نسبي، فما يراه مجتمع، أو تجيزه ثقافة، قد لا يكون كذلك في عرف مجتمع آخر، والعكس صحيح، ولهذا فإن المصالح العامة للمجتمعات والدول تتأثر بهذا سلبا وإيجابا، فما تراه دولة حقا مشروعا وسائغا عمله تحقيقا لمصالحها قد لا تراه كذلك دولة أو مجتمع آخر. 2 - إن المقاييس المادية للخير والشر تختلف في ثقافات الأمم وحساباتها بقدر ما ينالها

من نفع أو ضرر، أو بقدر ما يؤثر في حياتها من أمور وحوادث سلبا أو إيجابا. والموقف من أفعال الناس من المنظور المادي يتأثر بما يطرأ على العناصر المادية من سلب أو إيجاب. أما في المنظور المعنوي، فهذا متعلق بالحكم الشرعي. 3 - إن الخلط بين المفاهيم والمقاصد النفعية قاد بعض الباحثين إلى ربط بعض المصطلحات بالمفهوم العام للإرهاب، فلا يكون حديث عن الإرهاب إلا ويأتي الحديث عن التطرف، والغلو، والأصولية، والعنف، إما جهلا بحقيقة تلك المصطلحات والفروق بينها، أو بقصد الربط في المقاصد أو في المعتقدات مع عدم وجوده، بل إن البعض يجعل بعض تلك المصطلحات مترادفة، وهذا بلا شك ربط غير وجيه لاختلاف المفاهيم والدلالات والمقاصد لكل منها. وهذا الخلط شوه المفهوم الحقيقي لكل واحد منها، وعتم على علاقته بالآخر، فاختلطت المعاني وتداخلت، فلا يعلم أيهما السابق أو اللاحق، ولا يعلم أيهما السبب وأيهما النتيجة، بل إن البعض من الناس قد يدافع عن بعض تلك المصطلحات؛ لأن دلالتها في لغته وثقافته أو مفهومه أو في رأيه سليمة، ونظرا إلى عدم وضوح الصورة والتداخل في المفاهيم والاستعمالات جاءت مواقف بعض المجتمعات غير واضحة وغير ثابتة، وخاصة عند عامة الناس وعند وسائل الإعلام، فاتهمت مجتمعات بالأصولية وأخرى بالتطرف، واتهمت دول بإيواء الأصوليين ودعم الأصولية، وهي في ثقافة ذلك المجتمع وعرفه لا علاقة لها بالمفهوم السلبي عند الآخرين. ولهذا ضاعت الحقائق في خضم الاختلاف في المفاهيم والمقاصد لعدم تحديد المصطلحات وقصر استخدامها على مرادها. 4 - إن استخدام مصطلح الإرهاب بموجب مادة هذه الكلمة اللغوية للدلالة على عمل إجرامي فيه تقليل من الجريمة وأبعادها، إذ إن معنى الإرهاب في قواميس اللغة لا يمثل الوصف الحقيقي لحجم الجرم ومستوى الجريمة، فهو يقتصر على معنى الخوف والتخويف وما اشتق منه، وهذا فيه عدم مطابقة للواقع من جانبه المادي والقانوني؛ إذ قد يكون المفهوم اللغوي للإرهاب نتيجة لذلك الفعل فقط، ولكنه لا يمثله من حيث

تعريف الإرهاب

وصف الجرم والدلالة عليه. 5 - جاءت بعض التعريفات الاصطلاحية متأثرة بالمعاني اللغوية، والبعض الآخر جاء ليمثل ما يراه المؤلف أو الكاتب دون التفات إلى دلالة اللفظ، ومما تجدر الإشارة إليه أن كل مؤلف أو كاتب سيتأثر بثقافته وموروثة الحضاري، ولهذا قد يظهر على بعض تلك التعريفات المنحى الشخصي أو الموروث الثقافي. وفي الجملة، فإن جوهر مشكلة الخلط في مفهوم الإرهاب يؤثر في الرؤى حول ما يعد نشاطا يستوجب الإدانة، وما يعد كفاحا يستحق الدعم والتشجيع، فأصبحت كلمة الإرهاب من هذه الزاوية محملة بكم هائل من الخلط والتشويش وعدم الوضوح. وقد نتج عن ذلك الخلط والتشويش التداخل وعدم الفصل بين "الأداة" و"الوظيفة" وبين "الوسيلة " و" الهدف ". ولهذا نجد كما هائلا من التعريفات والكتابات والتحليلات التي حاولت تعريف مفهوم الإرهاب وتحديده، ولكن نجد بعضها يركز على الوسيلة، وأخرى على الأداة، وتارة على الهدف أو الوظيفة. [تعريف الإرهاب] [التعريف اللغوي] تعريف الإرهاب: التعريف اللغوي: تبين لنا في التقديم السابق أن الاختلافات تدور حول التعريف الاصطلاحي للإرهاب- كما سيأتي تفصيل ذلك- أما التعريف اللغوي، فمن المعروف أنه يرتبط بميكنة تركيب الكلمة وبنائها وحروفها، ولهذا فإن التعريف اللغوي للإرهاب يكاد يكون واحدا، وإن توسعت بعض اللغات في المترادفات أو المشتقات أو الاستعمال للمعنى العام تارة، أو للمفهوم الخاص تارة أخرى، ولا شك أن الاختلاف والتضييق أو التوسع في التعريف اللغوي يلقي بظلاله على المعنى الاصطلاحي. فالإرهاب في اللغة العربية: رهب: كعلم، رهبة ورهبا، بالضم وبالفتح وبالتحريك، ورهبانا، بالضم ويحرك: خاف. وأرهبه واسترهبه: أخافه (¬1) . والراهب: واحد رهبان في الديانة المسيحية. وهو اسم فاعل من رهب: إذا خاف، ¬

(¬1) مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، القاموس المحيط، ط5، (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1416 هـ/ 1996م) ، ص 118.

أي: الخوف من الله سبحانه وتعالى. وعليه؛ فالإرهاب في اللغة هو الإفزاع والإخافة، يقال: أرهبه، ورهبه أي أخافه (¬1) . قال عنترة: لولا الذي ترهب الأملاك قدرته ... جعلت من جوادي قبة الفلك ويقول الأعشى: وبلدة يرهب الجواب دلجتها ... حتى تراه عليها يبتغي الشيعا قال أبو القاسم الجنيد، الخوف: توقع العقوبة، وقيل: الخوف: اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف، وقيل: الخوف: هروب القلب من حلول المكروه عند استشعاره. وبالنظر فيما سبق من معاني مادة "رهب " وبعض ما تفرع عنها يتضح أنها تعني: الخوف، وهو ما يعني الإمعان في الهرب من المكروه، وقد يكون هذا الهرب بالكف عن فعل ما ينتج عنه مكروه أو ببذل الأسباب التي تمنع حدوثه، ومنه إمعان الإنسان في العبادة والزهد في الدنيا خوفا من الله وطمعا في رضاه. وأما أرهب، فتعني: قصد التخويف والإفزاع والترويع، من قوة تفوق قوة ذات المخوف أو المروع، فهو حالة من تسليط عناصر خارجية تتسبب في ضعف داخلي يعتري الإنسان، فيجبره على التخلي عن شيء من اختصاصه، أو عن شيء يحبه. ولقد أقر مجمع اللغة العربية في القاهرة استخدام كلمة الإرهاب بوصفه مصطلحا حديثا في اللغة العربية أساسه (رهب) بمعنى خاف، وأوضح المجمع: (أن الإرهابيين وصف يطلق على الذين يسلكون سبيل العنف لتحقيق أهدافهم السياسية) (¬2) . ومعنى الإرهاب في اللغات الأخرى لا يبعد عن معناه في اللغة العربية؛ ففي اللغة الإنجليزية مثلا كلمة Terrorism التي تعني الإرهاب، وهي مشتقة من كلمة Terror أي تخويف أو Terrorize وكلها تعني الخوف ومشتقاته. ¬

(¬1) أبو الفضل ابن منظور، لسان العرب (بيروت: دار بيروت للطباعة، 1955 م) ، ج 1، ص 436؛ وإسماعيل بن حماد الجوهري، الصحاح. (¬2) مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط (القاهرة: مجمع اللغة العربية) ، ص 390.

التعريف الاصطلاحي

وعرف قاموس أكسفورد الإرهاب بأنه: (استخدام العنف والتخويف بصفة خاصة لتحقيق أهداف سياسية) . وعرفه قاموس روبير الفرنسي بأنه: (الاستعمال المنظم لوسائل استثنائية للعنف من أجل تحقيق هدف سياسي؛ مثل الاستيلاء، أو المحافظة على السلطة، أو ممارسة السلطة. . .) . وبهذا يتبين أن الإرهاب يعني: خلق حالة من الخوف عند الإنسان، سواء كان الفعل موجها إليه مباشرة أو موجها إلى غيره، ولكنه يتأثر به. [التعريف الاصطلاحي] التعريف الاصطلاحي: التعريف الاصطلاحي للإرهاب هو محل الاختلاف وتباين الآراء ووجهات النظر، وذلك للاعتبارات التي سبق ذكرها، ولاعتبارات تاريخية، ولاختلاف الأهداف والتوجهات وسياسات الدول ومصالحها، تلك التي أدت إلى الاختلاف والتباين على أرض الواقع، فكثرت وتنوعت التعريفات إلى الدرجة التي وجد معها الباحثون في مجال الإرهاب أن عدد التعريفات الاصطلاحية التي ظهرت في المؤلفات التي اهتمت بظاهرة الإرهاب تزيد عن مائة تعريف، وفيها تفاوت وتباين وزيادة واتفاق. " فالبعض يركز في تعريف الإرهاب على " الأسلوب " أو "الطريقة" فيرون أن الإرهاب ليس فلسفة ولا حركة، وإنما أسلوب أو طريقة لغرض تحقيق طموح سياسي لجماعة منعزلة ومحبطة، تدرك أن لا أمل لها في الوصول إلى ما تريده إلا عن طريق تخويف الأغلبية ومؤسساتها عن طريق إشاعة الرعب والتضليل " (¬1) بينما يركز آخرون على الأهداف أو الوسائل أو الأسباب. وهكذا كل يركز على ما يدخل في نطاق اهتمامه. ورغم الصعوبة القائمة في التعريف الاصطلاحي للإرهاب، فإن الباحثين ما زالوا يتلمسون طريقهم للوصول إلى تعريف يتفق عليه، ويكون وسيلة لمعالجة جماعية. وفيما يلي سأذكر بعض التعريفات الاصطلاحية للإرهاب، أملا في أن يسدد بعضها بعضا، فما ينقص في تعريف تكملة التعريفات الأخرى. فضلا عن أن تعدد تلك ¬

(¬1) محمد مؤنس محيي الدين، الإرهاب في القانون الجنائي، دراسة قانونية مقارنة على المستويين الوطني والدولي (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1981 م) ، ص 390.

التعريفات يدل على الاهتمام الذي وجه إلى هذه الظاهرة في العصر الحديث، حيث ابتليت بها كثير من المجتمعات الإنسانية، وفيما يأتي أبرز تلك التعريفات: - عرفه عبد الستار الطويلة: "محاولة فرد أو مجموعة من الأفراد أو الجماعات، فرض رأي أو فكر أو مذهب أو دين أو موقف معين من قضية من القضايا، بالقوة والأساليب العنيفة، على أناس أو شعوب أو دول، بدلا من اللجوء إلى الحوار والوسائل المشروعة الحضارية، وهذه الجماعات أو الأفراد تحاول فرض هذه الأفكار بالقوة لأنها تعتبر نفسها على صواب والأغلبية مهما كانت نسبتها على ضلال، وتعطي نفسها وضع الوصاية عليها تحت أي مبرر" (¬1) . - وعرفت الموسوعة السياسية الإرهاب بأنه: "استخدام العنف- غير القانوني- أو التهديد به أو بأشكاله المختلفة؛ كالاغتيال والتشويه والتعذيب والتخريب والنسف وغيره بغية تحقيق هدف سياسي معين. . . وبشكل عام استخدام الإكراه لإخضاع طرف مناوئ لمشيئة الجهة الإرهابية" (¬2) . - وعرفه حسين الشريف: "منهج أو نظام، تحاول من خلاله مجموعة منظمة، أو طرف معين، جذب الانتباه إلى أهدافها، أو تجبر الطرف الآخر بتقديم تنازلات وفاء بأهدافها، بواسطة الاستخدام المنظم والمقصود للعنف " (¬3) . (والإرهابي النمطي هو الشخص المدرب من أجل تنفيذ أعمال العنف المقررة بواسطة المنظمة أو الجماعة أو الجهة التي يتبعها، بحيث إنه في حال القبض على هذا النوع من الإرهابيين النمطيين، فإنهم يتحدثون أثناء محاكمتهم ليس من أجل تبرئة أنفسهم، بل لمحاولة نشر الأفكار السياسية لمنظمتهم، ويعدون ذلك هدفا من أهداف إرهابهم) . - وعرف المقنن المصري الإرهاب كما يأتي: ¬

(¬1) عبد الستار الطويلة، أمراء الإرهاب، كتاب اليوم، العدد 342 (القاهرة: دار أخبار اليوم، 1993 م) ، ص 25. (¬2) عبد الوهاب الكيالي وآخرون، موسوعة السياسة، الجزء الأول (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1985 م) . (¬3) حسين شريف، الإرهاب الدولي وانعكاساته على الشرق الأوسط خلال أربعين قرنا (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997 م) ، ج1، ص 27.

نصت المادة (86ع) المضافة إلى القانون 97 لسنة 1992 م على ما يأتي: "يقصد بالإرهاب في تطبيق أحكام هذا القانون كل استخدام للقوة أو العنف أو الترويع، يلجأ إليه الجاني تنفيذا لمشروع إجرامي، فردي أو جماعي، بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم، أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بالاتصالات أو المواصلات أو بالأموال أو بالمباني، أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها، أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو اللوائح " (¬1) . - وجاء تعريف الإرهاب في نظام مجلس الشعب المصري كما يأتي: " أي فعل يصدر من فرد أو مجموعة أفراد ضد فرد أو مجموعة أو ضد المجتمع لأغراض سياسية، أو بصورة أكثر تحديدا، هو استعمال العنف بأشكاله المادية وغير المادية للتأثير على الأفراد أو المجموعات أو الحكومات، وخلق مناخ من الاضطرابات وعدم الأمن بغية تحقيق هدف معين، لكنه وبصفة عامة يتضمن تأثيرا على المعتقدات أو القيم أو الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية السائدة التي تم التوافق عليها في الدولة، والتي تمثل مصلحة قومية عليا" (¬2) . - وعرفه صالح أكرم في بحث قدمه إلى مؤتمر وزراء الداخلية العرب الذي عقد في تونس عام 1986 م وعنوانه " تحديد أفضل الوسائل والأساليب لمكافحة الإرهاب " بأنه "عبارة عن العمليات المادية أو المعنوية التي تحوي نوعا من القهر للآخرين، بغية تحقيق غاية معينة" (¬3) . - وعرفه تركي ظاهر بأنه: "الرعب الذي يلجأ إليه مجموعة أو فرد، كالقتل والتخريب" (¬4) . - وعرفه أحمد طه خلف الله بأنه: " تجاوز مرحلة التطرف إلى مرحلة أخرى تنطوي على فرض الرأي أو المعتقدات بالقوة، أو بمعنى آخر فإنه إذا كان التطرف يقوم على العنف الفكري فإن الإرهاب ¬

(¬1) محمود صالح العادلي، الإرهاب والعقاب (القاهرة: دار النهضة العربية، 1993 م) ، ص 29. (¬2) حسين شريف، مرجع سابق، ص 33. (¬3) صالح أكرم، " تحديد أفضل الوسائل والأسباب لمكافحة الإرهاب "، بحث مقدم إلى مؤتمر وزراء الداخلية العرب الذي عقد في تونس عام 1986 م. (¬4) تركي ظاهر، الإرهاب العالمي (بيروت: دار حسام، 1991 م) ، ص 10، 11.

يعتمد على العنف المادي، ومن وجهة نظر جماعات الإرهاب فإن كل شيء في المجتمع باطل ويجب تغييره، وأنه لا سبيل لهذا التغيير إلا بقوة السلاح وممارسة الإرهاب في المجتمع " (¬1) . - وعرفه المجمع الفقهي الإسلامي بأنه: "العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيا على الإنسان: دينه ودمه وعقله وماله وعرضه "، كما أكد العلماء أن تعريف الإرهاب "يشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد". . . ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر (¬2) . - وعرفه أحمد جلال عز الدين بأنه: "عنف منظم ومتصل بقصد تحقيق أهداف سياسية" (¬3) . - أما محمد الحفناوي، فيرى أنه "إجبار الآخرين من خلال الترويع والتهديد بالتعنيف الجسدي أو القهر الفكري لاتخاذ موقف إيجابي يجافي الحق الإنساني ويلغيه أمام فكر الآخرين ومعتقداتهم، وأسلوبه المغالاة الشديدة وإلغاء إرادة الآخرين ومصادرة حقوقهم " (¬4) . - ونقل عادل القيار أن الكاتب الفرنسي (جان بيار ديرينيك) عرفه بقوله: إن الإرهاب يرتكز على الاستعمال المطلق للعنف، ببث الرعب باعتباره وسيلة عمل عشوائية وعاجزة وبالتالي عقيمة، نظرا إلى أنها تهدف إلى القضاء العشوائي على الآخرين الذين لا يملكون عندئذ استعمال نفس السلاح، أي العنف المضاد، وبالتالي الإرهاب المعاكس، ثم الوصول إلى العقم بأبسط وأوضح معانيه (¬5) . - وأما الكاتب (جان سرفيه) Jean servier فقد عرف الإرهاب: بكونه سلوكا يجمع في طياته أعمال العنف المرتكبة من قبل فرد أو مجموعة من الأفراد، ضد ضحايا يتم اختيارهم عشوائيا بهدف تأكيد قوة معينة وإرادة خفية ببثها التخويف والرعب الذي ما يلبث أن ينتشر بسرعة وتصيب عدواه كافة أصناف المجتمعات (¬6) . وفي هذا التعريف والذي سبقه إشارة إلى أن الإرهاب يولد إرهابا مماثلا، مما يجعله ¬

(¬1) أحمد طه خلف الله، الإرهاب: أسبابه، وأخطاره، وعلاجه (القاهرة: مطبعة السلام، 1995 م) ، ص 14. (¬2) زكي علي أبو غضة، الإرهاب في اليهودية والمسيحية والإسلام (المنصورة، مصر: دار الوفاء للطباعة والنشر، 2002 م) ، ص 37. (¬3) أحمد جلال عز الدين، الإرهاب والعنف السياسي (القاهرة: دار الحرية، 1989 م) ، ص 49. (¬4) محمد حسن الحفناوي، الإرهاب والشباب، " سلسلة الإرهاب والتطرف في فكر المثقفين " مقال رقم 91، الأهرام، قضايا وآراء 19/ 11 م، ص 8. (¬5) عادل القيار، " دراسة عن الإرهاب مفهومه وأسبابه " جريدة البيان، 13/ 4/ 1998 م. (¬6) عادل القيار، المرجع السابق.

سهل الانتشار، فتتغلغل عدواه وتتفشى جراثيمه في كافة المجتمعات، أي إن هذا التعريف تحدث عن الربط بين الإرهاب والأسباب التي تدفع إليه. - وفي قاموس أكسفور نجد كلمة إرهاب Terrorism تعني سياسة أو أسلوب يعد لإرهاب المناوئين أو المعارضين لحكومة ما وإفزاعهم. فالإرهابي Terrorist هو الشخص الذي يحاول أن يدعم آراءه بالإكراه أو التهديد أو الترويع (¬1) . - وفي معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية يعني الإرهاب: "بث الرعب الذي يثير الجسم أو العقل، أي الطريقة التي تحاول بها جماعة منظمة أو حزب أن يحقق أهدافه عن طريق استخدام العنف. وتوجه الأعمال الإرهابية ضد الأشخاص، سواء كانوا أفرادا أو ممثلين للسلطة، ممن يعارضون أهداف هذه الجماعة" (¬2) . - وعرفه (جونز برج) Ginsburg بأنه "الاستعمال العمدي للوسائل القادرة على إحداث خطر عام يهدد الحياة أو السلامة الجسدية أو الصحية أو الأموال العامة" (¬3) . - كما عرفه (سوتيل) بأنه "العمل الإجرامي المقترف عن طريق الرعب أو العنف، أو الفزع الشديد من أجل تحقيق هدف محدد" (¬4) . - ونظر (نومي جال ارو) "Noemi Gal-or" إلى الإرهاب على أنه " طريقة عنيفة أو أسلوب عنيف للمعارضة السياسية، وهو يتكون من العنف والتهديد، وقد يمارس الإرهاب ضد أبرياء أو ضد أهداف لها ارتباط مباشر بالقضية التي يعمل من أجلها الإرهابي " (¬5) . - ويرى إريك موريس Erik Morris أن الإرهاب استخدام أو تهديد باستخدام عنف غير عادي أو غير مألوف لتحقيق غايات سياسية، وأفعال الإرهاب عادة ما تكون رمزية لتحقيق تأثير نفسي أكثر منه تأثير مادي. - أما (جنكيز) Jenkins فيعرف الإرهاب بأنه "التهديد بالعنف أو الأعمال الفردية للعنف والذي يهدف أولا إلى إشاعة الخوف والرعب " (¬6) . ¬

(¬1) William little etal, The Shorter Oxford English Dictionary (london: Oxford University press, 1967) p. 2155. (¬2) أحمد زكي، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية (بيروت: مكتبة لبنان، 1977 م) ، ص 423. (¬3) عبد العزيز مخيمر عبد الهادي، الإرهاب الدولي (القاهرة: دار النهضة العربية، 1986 م) ، ص 24. (¬4) محمد تاج الدين الحسيني، مساهمة في فهم ظاهرة الإرهاب الدولي، القاهرة 1990 م، ص 23. (¬5) (Noemi Gal – or, International Cooperation to Suppress Terrorism (New York: st. Martin`n press, 1985) P. 2. (¬6) Brian Jenkins, International Terrorism: A new mode of Conflict (los Anglos: Crescen Publication, 1975) P. 1.

التعريف الأمريكي للإرهاب

- أما توماس ثورنتون فيرى بأنه "فعل رمزي يتم لإحداث تأثير سياسي غير معتاد، مستلزما استعمال العنف أو التهديد به " (¬1) . - أما الإرهاب عند الأمم المتحدة، فيقصد به: أعمال العنف الخطيرة التي تصدر من فرد أو جماعة بقصد تهديد الأشخاص أو التسبب في إصابتهم أو موتهم، سواء كان يعمل بمفرده أو بالاشتراك مع أفراد آخرين، ويوجه ضد الأشخاص أو المنظمات أو المواقع السكنية أو الحكومية أو الدبلوماسية أو وسائل النقل والمواصلات، وضد أفراد الجمهور العام دون تمييز، أو الممتلكات، أو تدمير وسائل النقل والمواصلات بهدف إفساد علاقات الود والصداقة بين الدول، أو بين مواطني الدول المختلفة، أو ابتزاز أو تنازلات معينة من الدول في أي صورة كانت. لذلك فإن التآمر على ارتكاب أو محاولة ارتكاب أو الاشتراك في الارتكاب أو التحريض على ارتكاب الجرائم يشكل جريمة الإرهاب الدولي " (¬2) . [التعريف الأمريكي للإرهاب] - التعريف الأمريكي للإرهاب: ورد في التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في أكتوبر سنة 2001 م أن الإرهاب يعني: "العنف المتعمد ذو الدوافع السياسية، والذي يرتكب ضد غير المقاتلين، وعادة بغية التأثير على الجمهور، حيث إن غير المقاتلين هم المدنيون، إلى جانب العسكريين غير المسلحين، أو الذين هم في غير مهماتهم وقت تعرضهم للحادثة الإرهابية، أو في الأوقات التي لا توجد فيها حالة حرب أو عداء. أما الإرهاب الدولي، فهو الذي يشترك فيه مواطنون، أو يتم على أرض أكثر من دول واحدة" (¬3) (كما أوضح هذا التقرير أنه ليس ثمة تعريف واضح للإرهاب حظي بموافقة عالمية) . وباستعراض التعريفات السابقة للإرهاب يتبين أن القاسم المشترك بينها هو استخدام العنف والقوة والغدر؛ حيث إن الجميع يتفق على أن الإرهاب هو الاستعمال المطلق للعنف والقوة تجاه المدنيين أو الأهداف المدنية، أو العسكريين أو الأهداف العسكرية في غير حال الحرب المعلنة بين طرفين بهدف بث الرعب دون إنذار سابق، وفي أغلب ¬

(¬1) Thomas Perry Thornton, "Terror as a Weapon of political Agita – tion" Internal War: problems and Approaches, ed Hary Eckstein (New York: Free Press of Glencoe, 1970) P. 73. (¬2) نبيل لوقا بباوي، الإرهاب صناعة غير إسلامية (القاهرة: دار البباوي للنشر، 2001 م) ، ص 58. (¬3) طه عبد العليم طه، "خطيئة التعريف الأمريكي للإرهاب"، جريدة الأهرام، 28/ 2/ 2002 م (محلق الجمعة) ، ص 36.

الحالات نجد أن هذا العنف وسيلة عقيمة وعشوائية وعاجزة عن تحقيق أهدافها، كما أن تلك التعريفات تبين أن الإرهاب يقوم على فكر وتنظير إرهابي يجيز للمنفذين ما يفعلون؛ بل قد يحبذهم فيه ويدفعهم إليه. ولاستكمال صورة تعريف الإرهاب وما يسببه، فإن هناك ثلاثة عناصر من المهم معرفتها؛ وهي: فكر الإرهاب، وإرهاب الفكر، والأعمال الإرهابية، ذلك أن هناك من يخلط بين تلك المفاهيم خلطا أثر في التشخيص ووصف العلاج ونوعه وطريقته. فكر الإرهاب: هو ذلك الفكر المعتل في تصوراته وتفسيراته ومنهاج تحليله وعمله، ويبيح لمن يتبناه استخدم كل وسيلة لتحقيق مقاصده ومآربه. إرهاب الفكر: وهو حالة من فرض الفكر الإرهابي إما بالاستدراج والخداع، وأحيانا بالقوة أو بأي أسلوب آخر من أساليب تطويع الأفكار وتغييرها، وسواء تم هذا التغيير بطريقة تدريجية، أم تم بطريقة سريعة، وذلك في بعض الحالات التي لا تحتمل التأجيل والانتظار. وهذا هو الجانب التنفيذي للفكر الإرهابي في نشره، وحشد الأتباع الذين يمكن استخدامهم في أعمال إرهابية. أعمال الإرهاب: ويقصد بها مجموعة المظاهر والوسائل والأدوات التي تستخدم في أعمال العنف التي يبيحها ويتبناها الفكر الإرهابي لتحقيق مقاصده العدوانية. ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام حرص الحركات الإرهابية على الفصل بين المنفذين وجهات التخطيط، ومنظري الفكر الإرهابي في تلك الحركات؛ حتى تضمن تلك الحركات استمرار السرية في أعمالها، فلا يكشف شيء منها عندما يقع أحد منفذي العمليات الإرهابية في يد الجهات الأمنية، فلا يكون لديه معلومات يستطيع الإدلاء بها عن المجموعات الأخرى، أو حتى عن الخطط المستقبلة لهذه الحركات. أما تعريف الإرهاب وفق مادته الواردة في القرآن الكريم، فسيأتي بيانه عند الحديث عن موقف الإسلام من الإرهاب.

الفصل الثاني الإرهاب في المجتمع البشري جذوره ونشأته

[الفصل الثاني الإرهاب في المجتمع البشري جذوره ونشأته] [نشأة الإرهاب] الفصل الثاني الإرهاب في المجتمع البشري، جذوره ونشأته نشأة الإرهاب: يرى كثير من الباحثين والمؤرخين أن الإرهاب ظاهرة قديمة قدم العلاقات الإنسانية على وجه الأرض، فهي ترتبط بوجود علاقات اجتماعية بين بني البشر، وترتبط بوجود الصراع بين الحق والباطل وبن الخير والشر، وتزداد وتنقص حسب اتساع دائرة العلاقات الإنسانية أو تقلصها، وحسب احتدام الصراع بين الخير والشر والحق والباطل، فكلما اتسعت دائرة العلاقات الإنسانية، وازداد الصراع بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، كلما ازدادت هذه الظاهرة وانتشرت في المجتمعات البشرية، كما أن هذه الظاهرة ترتبط بمدى التمسك بمنظومة القيم والأخلاق والتعاليم النبيلة في علاقة عكسية تماما؛ فكلما ازداد تمسك أفراد المجتمع بمنظومة القيم والأخلاق والتعاليم النبيلة كلما قلت هذه الظاهرة في المجتمع، وكلما نقص تمسك أفراد المجتمع بتلك المنظومة كلما ازدادت هذه الظاهرة، "وذلك لأنها ظاهرة سلبية وشاذة وغير سوية"، لا تستقيم ولا تنتظم مع القيم والأخلاق والتعاليم النبيلة، ويعد الظلم وتسلط القوي على الضعيف من أهم ما ينشر الإرهاب ويسببه. وعلى هذا الاعتبار، فإن هذه الظاهرة ليست نشاطا بشريا طارئا أو ظاهرة مفاجئة، بل قديمة قدم الإنسان، فلم يخل زمن من الأزمان، أو عصر من العصور، من شذوذ في تصرفات الإنسان وسلوكه فردا كان أم جماعة، بل وجد من يتمرد على السلطة ويبغي على السلطان، من الناقمين على المجتمع الذي يعيشون فيه، وذلك بالخروج على نظمه وقوانينه، لأسباب شتى وأهداف متعددة، تسوغ لهم- من وجهة نظرهم- ما يقولون وما يفعلون، لذا نجد أن هذه الظاهرة عاشت في أقدم الحضارات في العالم وحتى الآن منذ أقدم حادثة إرهاب ظهرت على وجه الأرض بين ابني آدم قابيل وهابيل، وإلى وقتنا الحاضر، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، إذ وجدت هذه الظاهرة في أقدم العلاقات وأعرق الحضارات، وانتشرت في كل زمان ومكان، مع تفاوت في

الدرجة والنوع والهدف والطريقة والأسلوب، حسب طبيعة كل زمان ومكان ونوع العلاقات وتشابك المصالح بين البشر. وقد جاء في بعض آي القرآن الكريم وكتب السيرة والتاريخ ذكر بعض الحوادث التي يمكن احتسابها ضمن منظومة الإرهاب البشري. فأول عنف وعمل إرهابي ظهر على وجه الأرض ما حصل بين ابني آدم؛ إذ قتل قابيل أخيه هابيل بسبب الغيرة والحسد؛ قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ - لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ - إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ - فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ - فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة: 27 - 31] [المائدة: 27- 31] ، فهذه أول حادثة يتمثل فيها أول عمل يحتسب من الإرهاب في مفهومه الواسع. كما أن نبي الرحمة والسلام محمد صلى الله عليه وسلم لم يسلم من إرهاب من لم يؤمن برسالته؛ فلم يسلم ومن آمن به واتبعه من الأذى، فتعرضوا لصنوف من العذاب والاضطهاد من قبل قومهم، مما اضطرهم ذلك إلى الهجرة مرتين إلى الحبشة ثم إلى يثرب "المدينة المنورة"، تاركين الأموال والأملاك والديار والأهل والعشيرة في سبيل نشر دعوة الله في الأرض، وبناء الدولة الإسلامية. وبالرغم من أن الإسلام لم يدع إلى قطيعة رحم أو حرب على الناس وسلب ممتلكاتهم، بل هو دين السلام والرحمة والمحبة والأمن والأمان والتعاون بين بني البشر، وعدم البغي والظلم، وعدم الإكراه، حتى في أمر الدين، ومع هذا لم يسلم هذا الدين من ظهور فئات تخالف تلك التعاليم السمحة من تلك الفئات الخارجة عن الدين، والبعد عن رحمته وعدله وأمنه وأمانه ووسطيته. ومن تلك الفئات: - حركة الخوارج التي ظهرت عقب موقعة صفين عام 37 هـ بسبب موقفهم من

أسباب الإرهاب

التحكيم الذي تم بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، إذ كانوا لا يرون التحكيم، فاعتقدوا كفر كل من خالف رأيهم وعذبوهم. - حركة القرامطة، وهم أتباع " قرمط " الذي خالف تعاليم الإسلام، فكان له رأيه الخاص حتى في العبادات، وقد كانت هذه الفرقة من أعنف الفرق، حيث حملت السلاح لحمل الناس على اتباع مذهبهم. هذه بعض الأمثلة التي ظهرت في عصر صدر الإسلام، واستمر بعضها إلى يومنا هذا، ولم يكن هذا في المجتمع الإسلامي فحسب، بل نقل بعض الذين كتبوا عن الديانتين اليهودية والنصرانية أمثلة مما ورد من قصص الإرهاب في الإنجيل والتوراة، سواء ما كان منها بين الديانتين أم بين أهل الديانة الواحدة. تلك كانت إلماحة سريعة عن جذور الإرهاب ونشأته التاريخية. أما في العصر الحديث؛ فقد تنوع الإرهاب في أشكاله وصوره، فتكونت عصابات وحركات منظمة ومسلحة ذات أهداف ومعتقدات ومناهج وأفكار تعلنها للمجتمع الدولي، وترتكب أفظع الجرائم وأشدها، وبالطريقة التي تراها في سبيل تحقيق أهدافها، أو نشر أفكارها في العالم، وتفاوتت وجهات النظر نحوها بين التأييد لها أو رفضها، وبن شجبها أو السكوت عنها، إلى آخر ما يرد من مصطلحات مطاطة وهلامية لا تسمن ولا تغني من جوع، بل إن بعضها كان للاستهلاك السياسي والإعلامي بين الدول، بحيث أصبحت شعارات جوفاء بلا مضمون ودون تأثير عملي مؤثر على أرض الواقع، مما كان سببا في ظهور أفكار ومذاهب تدعو إلى الإرهاب المضاد، فنما الفكر المتطرف المنحرف، وعشش في عقول من لم يكن لهم حظ وافر من العلم الشرعي والمعرفة، أو في عقول من استطاع المنحرفون اقتناصهم والتغرير بهم وغسل أدمغتهم، حتى غدوا أداة في يد أولئك الإرهابيين المنحرفين يوجهونهم كيفما شاءوا، وإلى حيثما شاءوا. [أسباب الإرهاب] أسباب الإرهاب: تعددت الاتجاهات والمدارس الفكرية التي تناولت دراسة أسباب ظاهرة الإرهاب،

المستوى الداخلي

ولكنها تتفق في القول بأن ظاهرة الإرهاب مركبة معقدة ولها أسباب كثيرة ومتداخلة، بعضها واضح وطاف فوق السطح، والبعض الآخر خفي غائص في الأعماق، وبعضها عام على المستوى الدولي، والبعض الآخر على المستوى المحلي في كل دولة، بل وتتنوع الاستنتاجات بحسب اختصاص الباحثين؛ إذ يركز البعض على بعض تلك الأسباب دون الآخر، فأهل التوجه الاقتصادي يركزون على الأسباب الاقتصادية، والاجتماعيون يركزون على الأسباب الاجتماعية، وهكذا السياسيون والمختصون في الشئون الأمنية، يردونها إلى أسباب أمنية، وهكذا. وهناك من يرفض عزو أسباب الإرهاب إلى الأسباب المادية الخارجية، ويجعلها أسبابا نفسية فقط متعلقة بتكوين شخصية المجرم، أي إنها استعداد نفسي عند من يقوم بالعمليات الإرهابية، وأن الأسباب الأخرى ما هي إلا مثيرات لذلك الاستعداد النفسي، ويستدلون على ذلك بأن هناك مجتمعات يعاني الفرد فيها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، ومع ذلك تخلو من الإرهاب بشتى أنماطه وصوره، ولكن متى ما وجد الاستعداد الذاتي، ووجد المثير والمحفز كان ارتكاب جريمة الإرهاب. ولكن الأكثر تعقيدا أولئك الذين يردون أسباب الإرهاب إلى أسباب دينية وثقافية فقط، أي إن الدين والثقافة هما محركا الإرهاب. وعلى الرغم من خطأ هؤلاء في توجههم وتصورهم، فقد تبنت بعض المنظمات هذا التوجه، وجعلت دين المتهمين بالإرهاب وثقافتهم عدوين لتلك الدولة أو ذلك المجتمع، وصنفوا معتنقي ذلك الدين من الأعداء والإرهابيين وهذا شيء غريب! ومع الأخذ في الحسبان كل ما ذكر، فإني سأجمل الأسباب التي ذكرها بعض الباحثين في هذا المجال، منطلقا في ذلك من بعدين رئيسين؛ هما: أ- البعد المحلي للدول، وهو المستوى الداخلي لكل دولة. ب- البعد العام، وهو المستوى الدولي. [المستوى الداخلي] أ- البعد المحلي: المستوى الداخلي: يعزو بعض الباحثين أسباب الإرهاب إلى البيئة التي يعيش فيها الإنسان، والمؤثرات

التي تتدخل في تكوين نمط حياته أو تؤثر فيها. وقد قسمت تلك الأسباب عناصر كثيرة، أجملها في الأسباب الرئيسة الآتية: - 1 - الأسباب التربوية والثقافية: التربية والتعليم هما أساس تثبيت التكوين الفطري عند الإنسان «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه» . فأي انحراف أو قصور في التربية يكون الشرارة الأولى التي ينطلق منها انحراف المسار عند الإنسان، والفهم الخاطئ للدين يؤدي إلى خلق صورة من الجهل المركب، ويجعل الفرد عرضة للانحراف الفكري والتطرف في السلوك، وتربة خصبة لزرع بذور الشر وقتل نوازع الخير، بل ومناخا ملائما لبث السموم الفكرية من الجهات المغرضة، لتحقيق أهداف إرهابية. ويقع عبء هذا الأمر ومسؤوليته على المؤسسات التي تتولى تربية الأفراد وتعليمهم وتثقيفهم في جوانب التكوين التربوي العام، أو التربوي الخاص كالتعليم الديني، سواء أكانت تلك المؤسسات ذات مسؤولية مباشرة- كمؤسسات التعليم العام والجامعي- أم ذات مسؤولية غير مباشرة كوسائل الإعلام بشتى أنواعها، وهذه المؤسسات مجتمعة هي المعنية بتنفيذ سياسات التعليم والتربية في مجتمعاتها، وإذا كان قصور تلك المؤسسات عن القيام بواجبها وأداء مهمتها في المجتمع يؤدي إلى قصور في التكوين التربوي الصحيح، فإن انحرافها يؤدي إلى أسوأ من تلك النتيجة؛ سواء أكان بالفعل أم برد الفعل، فحينما يتدنى مستوى الأداء في تلك المؤسسات، بدلا من ترقيته للذوق العام، وترسيخ القيم والمبادئ النبيلة بين الأفراد، وتنمية الوعي في تعظيم حرمة الدين والأموال والأنفس والأعراض والعقول، وتنمية مداركهم في السماحة والتخاطب والعمل على جمع الكلمة، فإن ذلك يوغر صدور المعتدلين، ويدفعهم إلى تبني مواقف متشددة وآراء متطرفة، فتسهم تلك المؤسسات بطريقة غير مباشرة في إذكاء نار الفتنة، وتهيئة جو التهييج نحو ظهور إرهاب فكري، وسخط وإثارة ضد مؤسسات الدولة وضد المجتمع، وهذا في حد ذاته دعوة إلى التطرف، واحتضان الانحراف الذي يقود إلى الإرهاب.

2 - الأسباب الاجتماعية: المجتمع هو المحضن الذي ينمو فيه الإنسان، وتنمو فيه مداركه الحسية والمعنوية، ويتنفس هواءه، ويرشف من رحيقه، فهو المناخ الذي تنمو فيه عوامل التوازن المادي والمعنوي لدى الإنسان. وأي خلل في تلك العوامل، فإنه يؤدي إلى خلل في توازن الإنسان في تفكيره ومنهج تعامله، فالإنسان ينظر إلى مجتمعه على أن فيه العدل وفيه كرامته الإنسانية، وحينما لا يجد ذلك كما يتصور فإنه يحاول التعبير عن رفضه لتلك الحالة بالطريقة التي يعتقد أنها تنقل رسالته. فعلى سبيل المثال: حينما لا تتكافأ الفرص بين المواطنين، ولا يكون التفاضل قائما على أسس ومعايير سليمة، أو عندما لا يكون العدل مقياسا للجمع بين المتساويين والتفريق بين المتفرقين، أو حينما يتسلط القوي على الضعيف، وغير ذلك من الأخطاء الاجتماعية، فإن ذلك يشكل إحباطا لفئات من المجتمع، فتحاول التعبير عن رفضها لتلك الممارسات بطريقة خاطئة غير رشيدة؛ لأن رد الفعل العكسي هو الذي يسوق ذلك الإنسان إلى كراهية المجتمع، ومحاولة الانتقام بالطريقة التي يراها مناسبة لرد ما يتصور أنه سلب منه. فانتشار المشكلات الاجتماعية ومعاناة المواطنين دوافع إلى انحراف سلوكهم، وتطرف آرائهم وغلوهم في أفكارهم، بل ويجعل المجتمع أرضا خصبة لنمو الظواهر الخارجة على نواميس الطبيعة البشرية المتعارف عليها في ذلك المجتمع. 3 - الأسباب الاقتصادية: الاقتصاد من العوامل الرئيسة في خلق الاستقرار النفسي لدى الإنسان؛ فكلما كان دخل الفرد يفي بمتطلباته ومتطلبات أسرته، كلما كان رضاه واستقراره الاجتماعي ثابتا، وكلما كان دخل الفرد قليلا لا يسد حاجته وحاجات أسرته الضرورية، كلما كان مضطربا غير راض عن مجتمعه، بل قد يتحول عدم الرضا إلى كراهية تقود إلى نقمة على المجتمع، خاصة إن كان يرى التفاوت بينه وبين أعضاء آخرين في المجتمع مع عدم وجود أسباب وجيهة لتلك الفروق، إضافة إلى التدني في مستوى المعيشة والسكن والتعليم والصحة، وغيرها من الخدمات الضرورية التي يرى الفرد أن سبب حدوثها

هو إخفاق الدولة في توفيرها له بسبب فشو الفساد الإداري، وعدم العدل بين أفراد المجتمع. هذه الحالة من الإحباط والشعور السلبي تجاه المجتمع يولد عند الإنسان حالة من التخلي عن الانتماء الوطني، ونبذ الشعور بالمسئولية الوطنية، وعدم احترام ذلك الوطن والمواطن الذين يرى أنهما لم ينصفاه ولم يعطياه حقه، وأن الوطن لم يقم بالواجب نحو ذلك المواطن في سد معاناته ومعالجة فقره وعوزه، ولهذا يتكون لديه شعور بالانتقام، وقد يستثمر هذا الشعور بعض المغرضين، فيحسنون لذلك المحبط قدرتهم على تحسين وضعه الاقتصادي، دون أن ينظر في عبر التاريخ، وإلى ما حوله من المجتمعات، وما حل بها من جراء تلك الفئات التي تحمل فكرا غير سوي. 4 - الأسباب السياسية: وضوح المنهج السياسي واستقراره، والعمل وفق معايير وأطر محددة يخلق الثقة، ويوجد القناعة، ويبني قواعد الاستقرار الحسي والمعنوي لدى المواطن، والعكس صحيح تماما، فإن الغموض في المنهج والتخبط في العمل، وعدم الاستقرار في المسير يزعزع الثقة، ويقوض البناء السياسي للمجتمع، ويخلق حالة من الصدام بين المواطنين والقيادة السياسية، وتتكون ولاءات متنوعة، وتقوم جماعات وأحزاب، فتدغدغ مشاعر المواطن بدعوى تحقيق ما يصبو إليه من أهداف سياسية، وما ينشده من استقرار سياسي ومكانة دولية قوية. وهذا وجه من وجوه انتشار الإرهاب بسبب المنهج السياسي. أما الوجه الآخر، فهو البحث عن المكاسب السياسية من خلال خلق الضغوط، مثل إقدام بعض الدول على احتضان بعض الجماعات أو الأفراد الخارجين على قوانين بلادهم، وتشجيعهم ومساعدتهم ماديا ومعنويا، وذلك تحقيقا لمكاسب سياسية، واستخدامهم- كما يقال- ورقة ضغط تلوح بها الدولة الحاضنة في وجه الدولة الأخرى متى ما أرادت، لتحصل من خلالها الدولة الحاضنة على تنازلات سياسية أو مكاسب اقتصادية من الدولة الأخرى، بل يصل الأمر ببعض الدول في بعض الحالات إلى

تدريب عصابات التخريب والإرهاب تحقيقا لأغراضها، ثم ما تلبث تلك الدولة أن تتفق مع الدولة الأخرى، فتعمل على إخراج تلك الجماعات من أراضيها، أو تحجيم نشاطها، أو منعها من العمل ضد تلك الدولة لينقلب السحر على الساحر، ويحصد الشر زارعه، والأمثلة على هذا النوع في التاريخ المعاصر، بل في الوقت الحاضر، كثيرة وواضحة. وقد يسمح لتلك العصابات والمخربين بالانتقال إلى دولة أو مجتمع آخر يعملون من خلاله. 5 - الأسباب النفسية والشخصية: تتفاوت الغرائز الدافعة للسلوك البشري، فبعضها يدفع إلى الخير وأخرى تدفع إلى غير ذلك، ولهذا يوجد أشخاص لديهم ميول إجرامية تجعلهم يستحسنون ارتكاب الجرائم بصفة عامة، والجرائم الإرهابية بصفة خاصة، بل قد يتعطشون لذلك، وهؤلاء يميلون إلى العنف في مسلكهم مع الغير، بل مع أقرب الناس إليهم في محيط أسرهم، نتيجة لعوامل نفسية كامنة في داخلهم تدفعهم أحيانا إلى التجرد من الرحمة والشفقة، بل والإنسانية، وتخلق منهم أفرادا يتلذذون بارتكاب تلك الأعمال الإرهابية. وهذه الأسباب النفسية قد ترجع إلى عيوب أو صفات خلقية أو خلقية، أو خلل في تكوينهم النفسي أو العقلي أو الوجداني، مكتسب أو وراثي. وقد يكتسب الفرد الصفات النفسية من البيئة المحيطة به سواء في محيط الأسرة أو في محيط المجتمع؛ فكل خلل في ذلك المحيط ينعكس على سلوك ذلك الفرد وتصرفاته، حتى تصبح جزءا من تكوينه وتركيبه النفسي، ويعد الإخفاق في الحياة الأسرية من أهم الأسباب المؤدية إلى جنوح الأفراد واكتسابهم بعض الصفات السيئة، بل وفشلهم في التعليم الذي يعد صمام الأمان في الضبط الاجتماعي، ومحاربة الجنوح الفكري والأخلاقي لدى الفرد، والإخفاق في الحياة يكون لدى الإنسان شعورا بالنقص وعدم تقبل المجتمع له. وقد يكون هذا الإحساس دافعا للإنسان لإثبات وجوده من خلال مواقع أخرى، فإن لم يتحقق له ذلك، فإنه يلجأ إلى التطرف؛ لأنه وسيلة سهلة لإثبات الذات حتى لو أدى به ذلك إلى ارتكاب جرائم إرهابية؛ لأن المهم

المستوى الدولي

عنده إثبات الذات. ولهذا فإننا كثيرا ما نجد أن أغلب الملتحقين بالحركات الإرهابية من المخفقين دراسيا، أو من أصحاب المهن المتدنية في المجتمع، وغيرهم ممن لديهم الشعور بالدونية، ويسعون لإثبات ذاتهم، أو أشخاص لهم طموح شخصي، أو ممن تعرضوا لمواقف اجتماعية معينة. هذه الأسباب عامة يمكن أن تكون صالحة في عموم دول العالم؛ إذ إنها- في غالبها- تعي حاجة مواطنيها وتسعى إلى تحقيقها. أما حينما تكون قيادة ذلك المجتمع سببا رئيسا من أسباب نشوء حركات نضال، أو مطالبة بحقوق، أو غير ذلك من ألوان التخبط في إدارة البلاد وتسييرها، كالتمييز العنصري، أو فرض مناهج سياسية وأيديولوجيات فكرية تصادم ما يؤمن به أفراد ذلك المجتمع، وما استقرت عليه حياتهم، أو حينما يكون هناك لون من ألوان التعسف الأمني ضد بعض فئات المجتمع، أقول حينما تكون القيادة لبلد من البلاد في العالم سبب التذمر وخلق جو التوتر والمهاترات، فإن الواجب على عقلاء العالم أن يبادروا إلى نصح تلك القيادة لإصلاح شأنها، فإن لم تستجب اتخذت بعض الإجراءات على المستوى الدولي من خلال هيئة الأمم المتحدة، إذ ليس من الإصلاح تدريب عصابات التخريب، أو استخدام الإرهاب لمعالجة أخطاء يمكن معالجتها بغير ذلك، فلا يعالج المنكر بما هو أنكر منه، أو بما يقود إلى مفسدة أعم، وهذا هو منهج الإسلام. [المستوى الدولي] ب- البعد العام: المستوى الدولي: تنوعت وجهات النظر حول البعد العام وتعددت، حيث يرجعه البعض إلى أزمة ضمير وأخلاقيات حادة يعيشها النظام السياسي الدولي، تلك الأزمة التي يبرز معها التناقض الواضح بين ما تفرضه مواثيق النظام الدولي، وما تحض عليه مواثيق قيم الإنسانية من نظم وقواعد في التعامل، وبين ما يحدث على أرض الواقع من تنكر لكل تلك المواثيق والقيم والمبادئ، من هنا يرى البعض أن الإرهاب الدولي يظهر صرخة احتجاج على هذا التناقض.

بينما يرى آخرون أن شيوع الإرهاب الدولي يرجع إلى افتقار النظام السياسي الدولي إلى الحزم والقوة في الرد على الانتهاكات والمخالفات التي تتعرض لها مواثيقه ومبادئه، من خلال عقوبات رادعة لكل مظاهر الإرهاب الدولي. وبالجملة فإن أبرز تلك الأسباب على المستوى الدولي تتلخص فيما يأتي: 1 - عدم الاتفاق الدولي على تعريف محدد للإرهاب يحدد مظاهره وصوره وأسبابه، هذه الضبابية وعدم الوضوح أفسحت المجال لبعض الحكومات لاحتضان ما ترى أنه ليس من الإرهاب في مفهومها، سواء أكان ذلك الاحتضان بشكل مباشر أم غير مباشر، بينما قد تشن دول أخرى حربا على ما تسميه إرهابا في مفهومها، وهو ليس كذلك عند الأخرى "وقلما يكون ذلك " هذا الوضع المتناقض مكن بعض المنظمات التي تمارس الإرهاب من الحركة والتنقل والانطلاق تحت غطاء شرعية وجودها في دولة من دول العالم. 2 - ظهور منظمات وهيئات كثيرة في العالم تسجل رسميا في دولة من دول العالم لأهداف وأغراض إنسانية أو تعليمية محددة، وتتقدم بتسجيلها إلى دول أو هيئات ومنظمات أخرى طلبا للمساعدة المادية، وربما تحصل على شيء من ذلك بسبب ذلك السجل وتلك الأهداف والبرامج التي تقدمها، خاصة أنها تقدم حساباتها المالية السنوية موثقة من محاسبين قانونيين معتبرين في دولة المقر، مع عدم إمكانية قيام الدولة أو المنظمة أو الهيئة التي تطلب منها المساعدة بالتثبت من تلك الحسابات، وتعقب إنفاق ما تقدمه من تبرعات في وجهته الصحيحة؛ لأن حسابات تلك المنظمات لدى بنوك في دولة المقر، مما يعد معه متابعة الدولة أو المنظمة مقدمة التبرع تدخلا في الشئون الداخلية للدولة الأخرى- دولة المقر- وتشكيك في مصداقية مؤسساتها، وهذا الوضع قد يوجد إمكانية لبعض أفراد تلك المنظمات في سوء استخدام تلك التبرعات، أو عدم صرفها فيما خصصت له، وفي هذه الحال يعد المجتمع أو الدولة المتبرعة خارج نطاق المسؤولية؛ إذ تقع كامل المسئولية على دولة المقر. 3 - التقدم العلمي والتقني في مجال شبكات الاتصال، الذي مكن أعضاء تلك

الخلايا والشبكات الإرهابية من الحصول على معدات وأجهزة فنية متطورة جدا تيسر لهم الاتصال، وتساعدهم على تنفيذ مهماتهم بدرجة كبيرة من الدقة والإتقان. وتذكر بعض التقارير والدراسات الدولية المنشورة حول نشاط الإرهاب الدولي إمكانية حصول بعض المنظمات الإرهابية على قدرات واسعة في مجال تقنية المعلومات، بل وتصنيع الأسلحة الفتاكة، بمساعدة بعض دول العالم. 4 - تغطية وسائل الإعلام من إذاعة وتليفزيون وقنوات فضائية وشبكات الاتصالات العالمية (الإنترنت) للأعمال الإرهابية، يعطي فرصا واسعة أمام الإرهابيين الذين يسعون وراء الدعاية لأهدافهم ونشر فكرهم، بل وتسويغ أعمالهم. ويميل بعض المحللين إلى اعتبار هذه التغطية دعاية مكثفة لمناشط الإرهاب الدولي وعملياته، أو تلك الأصوات التي تنقل وسائل الإعلام تسويغها لأعمال أولئك الإرهابيين، أو حتى تحليلاتها الشاذة في المفهوم والإدراك، من بين الأسباب المهمة التي تحفز الإرهابيين باتجاه التوسع في أعمالهم؛ لأنها تحقق لهم أحد أهم أهدافهم المتمثلة في الحصول على حضور إعلامي أمام الرأي العام العالمي دون أن يتكلفوا شيئا في سبيل الإنفاق على تلك الدعاية. وهذا الاعتبار الدعائي بالذات كان دافعا لأعضاء اللجنة الخاصة بموضوع الإرهاب الدولي التابعة للأم المتحدة لأن تقترح على الدول أن تقصر تغطيتها الإعلامية للأفعال الإرهابية في أضيق نطاق، لحرمان الإرهابيين من هدفهم الذي يسعون دائما إليه، وهو الحصول على أوسع دعاية دولية ممكنة لعملياتهم الإرهابية. 5 - التناقضات في مواقف بعض دول العالم تجاه ظاهرة الإرهاب، وعدم مشاركتها الجادة في مكافحته وتضييق الخناق عليه، تلك المواقف قامت بعمل رئيس في اتساع نطاق ظاهرة الإرهاب وتفاقم أخطارها. وتتمثل تلك التناقضات في عدة صور؛ منها ضعف التشريعات القانونية الداخلية في بعض الدول التي تعاقب على ارتكاب أفعال الإرهاب، وبذلك تفقد أثرها الرادع، وتفتح الطريق لمن تسول لهم أنفسهم القيام بأعمال إرهابية. ومنها ما سبق ذكره من احتضان بعض دول العالم لبعض الإرهابيين

المباشرين أو المنظرين للفكر الإرهابي والتطرف الفكري، مما مكنهم من السعي لإذكاء نار الفتن، والتحريض على الدول والحكومات الأخرى، وذلك من وجوه كثيرة؛ منها: مساعدتهم المادية أو المعنوية، بغض الطرف عن أنشطتهم التي تحتضنها دولهم وتنطلق منها ضد دول أخرى، وبعض تلك الدول ترفض إبرام اتفاقيات مع الدول الجادة في مكافحة الإرهاب بحجج كثيرة، كالحرية والديموقراطية وغيرها من الأعذار التي ثبت علميا أن تلك الدول لا تعتبرها عندما يكون الإرهاب موجها إليها. 6 - قدرة الحركات الإرهابية على الحصول على معلومات دقيقة وحساسة بطرق كثيرة واضحة أو ملتوية، وهذا يساعدها في تنفيذ برامجها الإرهابية، إما داخل تلك الدول أو خارجها. 7 - تفشي الفقر والبطالة في كثير من دول العالم، مع وجود دول أخرى أصبحت تعد كثيرا من مظاهر الترف المعيشي من أسس حياة شعوبها، وهذه الظاهرة يستغلها أصحاب الفكر الإرهابي في إيغار صدور ضحاياهم، وخاصة من الشباب الذين لم تنضج عقولهم وتصقل مداركهم. 8 - وجود ما يسمى بحركات المقاومة للفكر السائد في بعض الدول أو للنظام الحاكم فيها، ومساعدة بعض دول العالم لتلك الحركات، سواء أكانت مساعدة مادية أم معنوية، وذلك بحجج مثل عدم توفر الحرية أو الديمقراطية لها في بلادها. 9 - ظهور ظاهرة الكيل بمكيالين في سياسة بعض الدول ضد دول أو شعوب أخرى، مما دفع بعض المنظمات إلى استغلال هذه الظاهرة في نشر الفكر المضاد لذلك الظلم السياسي في المواقف والانتصار للحقوق. تلك كانت نماذج من الأسباب العامة لظهور ظاهرة الإرهاب على المستوى الدولي. ومما يحسن توكيده: التنويه بضرورة الشمولية في معالجة الإرهاب وعدم الانتقائية في المعالجة، فتلك تتيح له فرص النماء والانتشار، بل لا بد من جهد دولي في تحديد الأسباب وكشفها ومعالجتها، ومعالجة كل مظاهر الإرهاب أو ما يدفع إليه، لأن الجهود الفردية للدول لا يمكن أن تخرج خارج نطاقها، ولا تستطيع أن تعالج أسبابا خارجة عن

خصائص الإرهاب

حدودها، فإذا لم تعالج أسباب الإرهاب وتجفف مصادر تغذيته بجهد دولي مشترك فإن الأمر يزداد سوءا يوما بعد يوم نتيجة للتكاثر الكثيف للجماعات الإرهابية وتوالدها من بعضها نتيجة الانشقاقات التي تحدث فيها لتصبح بعد ذلك أكثر عنفا وضراوة. [خصائص الإرهاب] خصائص الإرهاب: خصائص الإرهاب: ويقصد بها المظاهر والملامح والعلامات المادية التي يعرف بها الإرهاب، وتميز الأعمال التي يتصف بها الإرهابيون. ومن أهم تلك الخصائص ما يأتي: - 1 - قصد أشخاص معينين أو منشأة معينة بعمل إرهابي يخلق حالة شديدة من الرعب والفزع العام، بقصد شل حركة الأشخاص المستهدفين، وإرباكهم بطريقة تخلخل تصرفاتهم، والقصد من ذلك توجيه رسالة إلى المجتمع المقصود بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وقد يكون موجها إلى جزء من السكان أو طبقة، أو فئة اجتماعية معينة، أو إلى حزب سياسي. وعلى أي حال، فالمقصود من الإرهاب بلوغ أهداف ترومها الحركة الإرهابية. 2 - استخدام الوسائل التي تؤدي بطبيعتها إلى إحداث حال من الدمار الشامل أو القتل البشع حتى يتغلغل الرعب في نفوس المقصودين. ومن أمثلة صور الإرهاب في العصر الحديث المذابح الجماعية، وخطف الطائرات والأشخاص، واحتجاز الرهائن، بل واللجوء إلى الأعمال الانتحارية وغيرها من الوسائل العنيفة التي يعد استخدامها عند الإرهابيين غاية ووسيلة في الوقت نفسه، فمن غير المتصور لديهم إحداث الأثر النفسي الذي يقود إلى الوصول إلى هدف الإرهاب دون اللجوء إلى وسائل عنيفة. 3 - لا يعد العنف في النشاط الإرهابي عاملا رئيسا في إحداث التأثير إلا إذا اقترن بالاستمرار والتنظيم من خلال عمليات إرهابية تؤدي إلى خلق حالة الرعب، وإلا فإن العديد من الجرائم تحمل قدرا من البشاعة قد يفوق العديد من الأعمال الإرهابية، ومع ذلك فإنها لا تخلق حالة الرعب والخوف التي تحدثها العمليات الإرهابية، وكذلك فإن بعض الجرائم الجنائية الفردية قد تكون أشد فظاعة، ولكنها لا تشكل التهديد نفسه

الذي تشكله العمليات الإرهابية؛ لأنها فردية أو ذات هدف شخصي قريب، ولا تتمثل فيها خاصية الاستمرار. 4 - استهداف المصالح والمرافق العامة التي يمكن أن يتعدى أثرها وينتشر على أكبر رقعة مكانية أو بشرية ممكنة. 5 - ومن خصائص الإرهاب أيضا: الخروج على إجماع المجتمع، "وهو ما يعبر عنه بالأغلبية"، وبخاصة في المجتمعات العربية والإسلامية، حيث تجنح الجماعات الإرهابية إلى مخالفة ما عليه إجماع عموم الناس من أهل الحل والعقد وغيرهم من العلماء وأهل المكانة؛ مثل بعض حالات الغلو والتشدد والتطرف في الرأي، الذي قد يجبر صاحبه على تكفير أعضاء المجتمع أو قيادته استنادا إلى أدلة مغلوطة وتأويلات خاطئة، أو تفسيرات مغرضة ليس لها في الدين الصحيح أي دليل أو سند، وليس لها من وسطية الإسلام وتشريعاته السمحة القويمة من القرآن والسنة أي حظ أو نصيب، وربما تجرأ بعضهم على الفتيا بجواز القتل لأعضاء الدولة ورجال الأمن والقيادات الاجتماعية. 6 - تركيز الفكر الإرهابي على النيل من الحكام والولاة والعلماء والوزراء وأهل الحل والعقد، وغمطهم حقهم بإغفال محاسنهم وتجلية ما يقع منهم من خطأ وتضخيمه، بل واستهدافهم في المخالفة؛ "لأن مخالفة المجتمع لا تكسبهم الظفر بتعاطف أعضائه ". وهذه الخاصية أكثر ما تظهر في الحركات الإرهابية في المجتمعات التي تسمى بالنامية أو العالم الثالث، وفي بعض الدول الإسلامية، مع أن الإسلام حذر تحذيرا شديدا من الوقوع في هذا المزلق الخطير، الذي فيه مفسدة كبيرة للمجتمع المسلم. وقد أمر الله سبحانه وتعالى بطاعته وطاعة رسوله وأولي أمر المسلمين، فقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46] [الأنفال: 46] ، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] [النساء: 59] . وقد أمرنا الله ورسوله بالحرص على تماسك المجتمع ووحدة صف

المسلمين، وعدم الخروج على ما يتفق عليه أهل الحل والعقد في المجتمع بحال من الأحوال، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103] [آل عمران: 103] ، وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36] [الأحزاب: 36] ، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة» [صحيح البخاري] وقال صلى الله عليه وسلم: «يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار» [سنن الترمذي] وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» [مستدرك الحاكم] . وذلك لما يترتب على الخروج من فساد عظيم، ولو كان هناك فساد، فيتحمل الفساد الأدنى لدفع الفساد الأعظم، تطبيقا للقاعدة الشرعية التي مؤداها: إذا تعارضت مفسدتان، روعي أعظمها ضررا بارتكاب أخفهما (¬1) . لذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك: "ولعله لا يكاد يعرف طائفة، خرجت على ذي سلطان، إلا وكان في خروجها من الفساد أعظم من الذي أزالته " (¬2) وهذا كله مع افتراض أسوأ الأحوال. ¬

(¬1) زين الدين بن إبراهيم بن محمد بن نجيم، الأشباه والنظائر (بيروت: دار الكتب العلمية، 1993 م) ، ص 88. (¬2) ابن تيمية، منهاج السنة النبوية (القاهرة: المطبعة الأميرية) ، ج 2، ص 87.

الفصل الثالث الإرهاب في المنظور الإسلامي

[الفصل الثالث الإرهاب في المنظور الإسلامي] الفصل الثالث الإرهاب في المنظور الإسلامي يتعرض الإسلام والمسلمون للاتهام بالإرهاب والعنف والتطرف، بل إن بعض وسائل الإعلام اليوم أصبحت تبرز الإرهاب وكأنه صفة ملازمة لهذا الدين ولمعتنقيه، حتى أصبح الظهور بمظهر الانتماء إلى هذا الدين يشكل مشكلة في بعض البلاد والأوساط الاجتماعية. وقد نسبت بعض وسائل الإعلام وبعض الكتاب الإرهاب إلى الإسلام زعما أن تعاليم الإسلام وأحكامه وبعض آيات القران الكريم تدعو إلى الإرهاب، وتوجه المسلمين إلى سلوك طريقه، ويزعمون اشتمال آيات القرآن والأحاديث النبوية ودلالتها على ذلك؛ إما بالنص أو بالمعنى، وهذا يخالف الحقيقة تماما. وحتى يكون نفي ذلك عن الإسلام قائما على أساس علمي، ولكي تكون نسبة الأشياء متمشية مع القواعد العلمية في الحكم على صحة النسبة، فإني سأوضح ذلك من منطلقين. أولهما: الدلالة اللفظية في الآيات القرآنية التي ورد فيها ذكر كلمة إرهاب. وثانيهما: التوجيه الإسلامي في مكافحة الإرهاب ومعالجة أسبابه، من خلال الاتجاه الوقائي والعلاجي، لما قد يحصل من الإنسان من أخطاء تكون سببا في ارتكاب أي نوع من أنواع الاعتداء والعنف. [الدلالات اللفظية في الآيات القرآنية] الأول: الدلالة اللفظية في الآيات القرآنية: وردت كلمة رهب وما اشتق منها من تصريف في اثني عشر موضعا في القرآن الكريم؛ هي قوله تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40] [البقرة: 40] . {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة: 82] [المائدة: 82] .

{قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 116] [الأعراف: 116] . {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154] [الأعراف: 154] . {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60] [الأنفال: 60] . {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] [التوبة: 31] . {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] [التوبة: 34] . {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل: 51] [النحل: 51] . {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90] [الأنبياء: 90] . {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [القصص: 32] [القصص: 32] . {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 27] [الحديد: 27] . {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [الحشر: 13] [الحشر: 13] . وقد اتفق المفسرون لتلك الآيات على أمرين؛ هما: أن الدلالة اللفظية في كل تلك المواضع تعني الخوف أو الخشية وما اشتق منهما؛ وكذا ليس من دلالة تلك الآيات ما يفيد إباحة القيام بالقتل والتخريب والإفساد والاعتداء على الآخرين، فالمقصود الخوف

توجيهات الإسلام في مكافحة أسباب الإرهاب

بمعناه الإيجابي الذي يقود إلى طاعة الله سبحانه وتعالى، والتبتل إليه خشية وخوفا من عقابه وأملا في رضاه، تفعيلا لمبدأ الوقاية التي تعني البناء الإيجابي بالإقلاع عن الذنب والارتداع عن فعل الجريمة هذا من وجه، ومن وجه آخر فإن معنى الإرهاب الوارد في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60] [الأنفال: 60] يعني دفع الاعتداء والوقاية منه. ولهذا جاء التوجيه القرآني بطلب الإعداد الذي يكون من نتيجته خوف العدو مما لديك، فلا يهاجمك. فالمقصود أن وجود القوة المادية عامل مهم في حفظ التوازن وعدم الاعتداء، فمتى ما علم العدو بوجود قوة تستطيع مقابلته وردعه بها، فإنه سيرتدع عن الاعتداء، وبهذا تقي نفسك ونفسه مما يكون سببا في هلاكهما، وعليه يكون المعنى المقصود بكلمة "ترهبون" الواردة في الآية السابقة المعنى الإيجابي؛ أي: سد باب الاعتداء والقتل والخراب والفساد، الذي يلحق بالمجتمع ضررا كبيرا، فهو إرهاب وقاية ودفع للشر، لا إرهاب اعتداء وقتل وخيانة وتخريب وخروج عن الصواب. والأمثلة من الواقع المشاهد كثيرة في هذا المجال، فهي تبين حكمة التشريع من توجيه المسلمين إلى هذا الإعداد والاستعداد الذي يكون وسيلة لاستتباب الأمن وترسيخ قواعد البناء، ومن ينظر إلى حال العالم قبل سقوط قوة الاتحاد السوفييتي، وينظر إلى حاله اليوم يدرك حكمة الإسلام في التوجيه إلى الإعداد والاستعداد بالقوة. [توجيهات الإسلام في مكافحة أسباب الإرهاب] الثاني: توجيهات الإسلام في مكافحة أسباب الإرهاب والاعتداء ومعالجتها: نهج الإسلام في معالجته للقضايا المرتبطة بالسلوك البشري وتحقيق الأمن للمجتمع منهجا متوازنا، يجمع بين التأصيل والبناء الذاتي لعوامل المحافظة على الأمن، وسن التشريعات والأنظمة التي تكفل حفظ الأمن ومعالجة ما قد يعتري السلوك البشري من اعتلال أو انحراف. لهذا نجد أن الشريعة الإسلامية تعاملت مع ظاهرة الإرهاب في اتجاهين متوازيين يسيران معا في آن واحد، هما:

الاتجاه الوقائي

الاتجاه الوقائي التربوي: ويقصد به بناء المناعة الذاتية المدافعة للعوامل المسببة لخروج السلوك البشري عن جادة الصواب. وقد يطلق على هذا الاتجاه اتجاه تجفيف المنابع التي تولد الإرهاب، ويتمثل ذلك في غرس الفضائل، وتربية النفس على الآداب الخيرة، والالتزام بالأحكام الشرعية، والتمسك بكل ما يصون محركات السلوك البشري ويمنعها من السير في طريق غير سليم. وأما الاتجاه الثاني، فهو اتجاه المعالجة، ويتمثل فيما شرعه الله من أحكام وتشريعات عقابية رادعة، وهذه الأحكام تتضمن بعدين أساسيين. بعد تطهير النفس البشرية وتخليصها من عقدة ارتكاب الذنب. أما البعد الآخر، فيتمثل في ردع من يرتكب جريمة من العودة إلى مثلها وزجر الآخرين من الوقوع في ذلك الخطأ، وهذا بعد وقائي؛ كما في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179] [البقرة: 179] ، أي إن في تطبيق حكم القصاص ما يمنع بعضكم من قتل بعض مخافة أن يقتص منه، فيحييا بذلك معا. لذا فإن موقف الإسلام من الإرهاب موقف أزلي يجمع بين الوقاية والمعالجة للمخالفات التي قد تكون سببا في مزيد من الإرهاب والعنف. [الاتجاه الوقائي] أ- الاتجاه الوقائي التربوي: فيما يأتي ذكر لبعض المعايير والتوجيهات الإسلامية في مجال الوقاية من جميع أنواع الإرهاب والعنف والاعتداء، وهي: - 1 - دعوة الإسلام إلى السلام: الإسلام هو دين السلام لجميع البشر، فلا يجتمع مع العنف والاعتداء؛ لأنهما ضدان متناقضان، والمسلمون مأمورون بالبداءة بالسلام لكل من يقابلهم، وهي كلمة أمان ورحمة واطمئنان، وإشاعة للأمن بين الناس جميعا، فلا يجتمع الضدان: السلام والعنف، بل إن المسلمين مأمورون بالبحث عن السلام والجنوح إليه إذا جنح العدو إليه ورغب فيه، وذلك في حال الحرب المعلنة، فكيف بغير ذلك قال تعالى:

{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ - وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 61 - 62] [الأنفال: 61، 62] . ومما امتن الله به على عباده نعمة الأمن، وهي من أجل النعم التي أنعم الله بها عليهم؛ قال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ - الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 3 - 4] [قريش: 3، 4] . 2 - إشاعة العدل في كل شيء العدل من العوامل الرئيسة، والآداب السامية، والأخلاق الرفيعة التي تؤدي إلى الوقاية من الظلم والطغيان، وبالتالي تقطع الطريق على التطرف والإرهاب؛ لأن عدم العدل بين الناس هو من أسس نشأة الإرهاب، لأن المظلوم أو المقهور إن لم يستطع نيل حقه بالطرق المشروعة، فقد يعلن عن غضبه بقيامه برد الظلم بمثله، ومن هنا ينشأ الإرهاب المضاد. ولذلك كان أمر الله سبحانه وتعالى بالعدل صريحا، حيث قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90] [النحل: 90] . ولمعنى العدل في الإسلام مفاهيم كثيرة، والمعنى في هذه الآية هو الحكم المنصف، أي: أداء كل شيء إلى من هو له على وجه الإنصاف، أو إيفاء الناس حقوقهم التي تجب (¬1) . ولم يفرق الإسلام بين الناس في مسألة العدل بسبب الجنس أو الديانة أو العرق، فحقوق الإنسان مكفولة في الإسلام باعتبار أن كل البشر عند الله بمكانة واحدة من حيث العدل بينهم، ولا تمييز بين الناس إلا في مسألة الطاعة لله سبحانه وتعالى والتقوى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13] [الحجرات: 13] . وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «كلكم لآدم، وآدم من تراب» . وانطلاقا من مبدأ إنسانية الإسلام وعالميته، فإن الله يأمر المسلمين بالعدل الشامل الكامل، حتى مع من يسيئون إليهم؛ لأن العدل حق لله، ولا ينبغي تجاوزه: ¬

(¬1) محمد عطا أحمد يوسف: العدل في القرآن الكريم (القاهرة، د. ت) ، ص 50، والتعريف للإمام الطبري.

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8] [المائدة: 8] . يقول الإمام الطبري: "يا أيها الذين آمنوا بالله وبرسوله محمد ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيام لله، شهداء بالعدل في أوليائكم وأعدائكم، ولا تجوروا في أحكامكم وأفعالكم، فتجاوزوا ما حددت لكم في أعدائكم لعداوتهم لكم، ولا تقصروا فيما حددت لكم من أحكامي وحدودي في أوليائكم لولاياتهم، ولكن انتهوا في جميعهم إلى حدي، واعملوا فيه بأمري، ولا يحملنكم عداوة قوم على ألا تعدلوا في حكمكم فيهم وسيرتكم بينهم، فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة، واعدلوا أيها المؤمنون على كل أحد من الناس وليا لكم كان أو عدوا، فاحملوهم على ما أمرتم أن تحملوهم عليه من أحكامي، ولا تجوروا بأحد منهم عنه " (¬1) . وهذا هو عدل الإسلام في أحكامه مع جميع الناس. 3 - دعوة الإسلام إلى التراحم بين الناس: الإسلام دين الرحمة، والرحمة ضد القسوة، فالرحمة من الصفات الفطرية في الخلق عامة، بل إنها من كمال فطرة البشر، وقد جعل المولى سبحانه وتعالى الرحمة غاية رئيسة في الإسلام بعد توحيد الله، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] [الأنبياء: 107] أي رحمة للبشرية كلها. وجاءت تعاليمه كلها رحمة وشفاء لما في الصدور، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57] [يونس: 57] . وخاطب المولى سبحانه رسوله الكريم بقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159] [آل عمران: 159] ، وهذه إبانة أن الشدة والغلظة والعنف سبب رئيس من أسباب التفرق والتشتت وعدم الاجتماع، وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس على هذا الخلق القويم، فقال عليه الصلاة والسلام: «من لا يرحم لا يرحم» [رواه البخاري] ، وقال: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» . [رواه أبو داود والترمذي] ، فالرحمة تكون لجنس من في الأرض جميعا دون تفريق بسبب من الأسباب. ¬

(¬1) الإمام الطبري، تفسير الطبري، 10/ 7.

4 - الحرية وتحمل المسئولية: الإسلام يحارب الإكراه بكل صوره وأشكاله؛ لأن الإكراه يؤدي إلى نقيض المطلوب، وإلى شيوع النفاق الذي هو قاعدة الغدر والخيانة والتربص؛ لأن الإكراه ضرب من ضروب الإرهاب، حتى في مسألة اعتناق الإسلام لم يشرع المولى سبحانه إكراه الناس على ذلك، فقال سبحانه: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256] [البقرة: 256] ؛ لأن الإيمان قناعة وقبول قلبي، والقلب لا سلطان عليه إلا لخالقه الذي يقول: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24] [الأنفال: 24] . والقناعة الذاتية وحرية الإنسان في الاختيار تجعله طبيعيا يتحمل المسئولية، ويكون إيمانه قويا، يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125] [النحل: 125] ، بل إن المكره لا يحاسب في الإسلام عما يفعل حال الإكراه المؤدي إلى ضرر يلحق به. 5 - خلق التعامل مع غير المسلمين في الإسلام: لقد سمت شريعة الإسلام في التعامل مع غير المسلمين سموا لم يرق إليه قانون من القوانين البشرية أو نظام من الأنظمة؛ إذ حفظ لهم الإسلام حقوقهم المالية والأخلاقية والاجتماعية، كما حفظ أموالهم وأرواحهم وأعراضهم، ولم يكرههم على ترك دينهم أو ما هو أدنى من ذلك، فخاطب القرآن الكريم أهل الكتاب خطابا راقيا بقوله سبحانه وتعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] [آل عمران: 64] ، فهذا تشريع الإسلام في الدعوة، ذلك التشريع القائم على مبدأ الحوار والإقناع بالحجة دون إكراه. وقال صلى الله عليه وسلم في حق أهل الكتاب: «لهم ما لنا وعليهم ما علينا» [مسند أحمد] وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين رأى يهوديا مسنا يسأل الناس ما معناه: " والله ما أنصفناه؛ أخذنا منه في شبيبته وننساه في شيبته، اضربوا له من بيت المال ". أي: اجعلوا له خراجا يعيش منه.

ووجه القرآن الكريم إلى حسن معاملتهم والتعامل معهم، بل برهم والقسط إليهم، يقول المولى سبحانه وتعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8] [الممتحنة: 8] ، وأعطى لهم المولى سبحانه وتعالى حق الاستجارة بالمسلمين، قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6] [التوبة: 6] ، ليس لأن تمن عليه أو تستغل ضعفه لأي شيء آخر، إنما لقصد سماعه كلام الله، وقال صلى الله عليه وسلم في ذلك: «ألا من ظلم معاهدا، أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة» [سنن أبي داود] ، وقال عليه الصلاة والسلام: «من آذى ذميا فأنا خصيمه، ومن كنت خصيمه خصمته يوم القيامة» . وحرم الله سبحانه وتعالى قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، فحرمة الأنفس على إطلاقها مكفولة في الشريعة الإسلامية، قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: 33] [الإسراء: 33] ، وقال صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما» . [صحيح البخاري] . 6 - الدعوة إلى الوسطية والاعتدال وعدم الغلو في الدين: الغلو في الدين هو الطريق إلى التطرف الفكري والاعتقادي. والفهم الخاطئ للدين قد يدفع الإنسان إلى محاولة فرض ما يعتقده ويؤمن به بالقوة، وهذا ما أثبته الواقع المشاهد. وقد نهت الشريعة الإسلامية عن الغلو في الدين، وحذرت المسلمين منه حتى لا ينجرفوا وينحرفوا، فجعل الله هذه الأمة وسطا؛ لأن دينهم كذلك، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] [البقرة: 143] ، ومثل هذا التوجيه جاء صريحا لأهل الكتاب؛ قال تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77] [المائدة: 77] . فالغلو خلاف الوسطية، فإذ كانت الوسطية تعني الاعتدال والتوازن في الأمور كلها، فإن الغلو يعني الشقة والتضييق على النفس باتباع طريق

واحد بعيدا عن الوسط، ووسطية الإسلام توازن بين الأحكام، فلا غلو وتشدد، ولا تفلت ولا تسيب، فلا إفراط ولا تفريط في الإسلام، وقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل العملي في ذلك مع بعض الصحابة الذين شددوا على أنفسهم بحثا عن المزيد من الطاعة، فقال أحدهم: أصوم الدهر كله ولا أفطر، وقال الآخر: أقوم الليل كله ولا أنام، وقال الثالث: لا أتزوج النساء. فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا درسا عميقا في الوسطية والاعتدال، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» [صحيح البخاري] ، حيث إن ذلك بعيد عن روح الإسلام ومبادئه التي بنيت على التيسير وعدم التنفير (¬1) وما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن فيه إثم أو قطيعة رحم، وقد قال سبحانه وتعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6] [المائدة: 6] ، وقال جل شأنه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] [الحج: 78] ، وقال سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] [البقرة: 185] . ووسطية الإسلام تحصين للمجتمع من الإفرازات التي يمكن أن توجد بسبب التضييق من المتطرفين الذي يعتمدون على نظرة ضيقة للكون وللحياة، وينطلقون منها إلى تخطئة كل رأي مخالف لهم باسم الدين، ويدينون كل فكر مخالف لفكرهم باسم الدين، الأمر الذي ينتهي بهم إلى تكفير الناس، بل والنيل من أعراض العلماء، ووصمهم بصفات غير لائقة، فالغلو في الدين باب إلى التطرف الذي يقود إلى العنف والسعي إلى إلزام المخالف رأيه بالقوة. 7 - علو مكانة النفس في الإسلام: إن الإسلام قد كرم ابن آدم وأنزله منزلة رفيعة بما حباه الله من طاقات عقلية ونفسية، وبما أعطاه من قوام جميل وصورة حسنة لا يماثله فيها أحد من خلق الله عز وجل على وجه الأرض. إن الإنسان هو الكائن المفضل الذي كتب الله له أن يتبوأ الصدارة والمكانة الرفيعة بين الخليقة والكائنات جميعا، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70] [الإسراء: 70] . ¬

(¬1) محمد بن علي بن محمد الشوكاني، نيل الأوطار (الرياض: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، 1402 هـ/ 1982 م) ، ج 6، ص 103.

يقول الفخر الرازي في تعليقه على الآية: "فالنفس الإنسانية أشرف النفوس الموجودة في العالم السفلي، وبدنه أشرف الأجسام الموجودة في العالم السفلي " (¬1) . 8 - تحريم قتل النفس: حرم الإسلام قتل النفس وسفك الدم المعصوم، وجعل ذلك من كبائر الذنوب؛ قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: 33] [الإسراء: 33] ، " والقتل ظلما أكبر الكبائر بعد الكفر، وموجب لاستحقاق العقوبة في الدنيا والآخرة " (¬2) . وقال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة: 32] [المائدة: 32] ، وقال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] [النساء: 93] ، وجعل من صفات المؤمن عدم القتل؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68] [الفرقان: 68] ، ويقول الإمام القرطبي - رحمه الله- في تفسير هذه الآية: "دلت هذه الآية على أنه ليس بعد الكفر أعظم من قتل النفس بغير الحق، ثم الزنا" (¬3) . ومن السنة ما رواه الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. . .» (¬4) . وروى الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما» ، وقال ابن عمر رضي الله عنه: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله " (¬5) ولو اشترك أهل السماء والأرض في قتل رجل واحد، لكان ذلك موجبا لدخولهم النار جميعا، روى الإمام الترمذي: «لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار» (¬6) . ¬

(¬1) فخر الدين الرازي، التفسير الكبير، 21/ 12، ومعنى قوله: "العالم السفلي" أي في الأرض. (¬2) محمد بن أحمد بن حمزة الرملي، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، مج 7، (القاهرة: المكتبة الإسلامية، 1358 هـ/ 1939 م) ، ص 233. (¬3) محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، المجلد 7، جـ 13، ص 76. (¬4) صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الحدود، 12/ 188، الحديث رقم (6857) ، وانظر أيضا: صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الإيمان، 2/ 444، رقم الحديث (145) . (¬5) صحيح البخاري مع فتح الباري، 12/ 188، كتاب الديات، حديث رقم (6862) . (¬6) رواه الإمام الترمذي في سننه، باب الحكم في الدماء، عن أبي سعيد الخدري (2/ 427، الحديث رقم (1419) وقال عنه: (هذا حديث غريب) والحديث صححه الشيخ الألباني، انظر: صحيح سنن الترمذي 2/ 57.

9 - تكوين روح التكافل بين أفراد المجتمع: من العوامل التي قد تدفع الإنسان إلى ارتكاب الجريمة: الفقر، وعدم وجود عدل في الأمور الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد، أو بين المجتمعات بعضها مع بعض، وقد جاء الربط بين الفقر وارتكاب جريمة القتل في قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151] [الأنعام: 151] ، وفي تفسيرها يقول الإمام الطبري: "ولا تئدوا أولادكم فتقتلوهم من خشية الفقر على أنفسكم بنفقاتهم، فإن الله هو رازقكم وإياهم، ليس عليكم رزقهم، فتخافون بحياتهم على أنفسكم العجز على أرزاقهم وأقواتهم ". وما استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من شيء أكثر من استعاذته من الفقر، الذي جاء في بعض الآثار ما يفيد أن الفقر من أسباب الكفر. ومعالجة لهذا العامل فقد جاء في التشريع الإسلامي كثير من التوجيهات والوصايا لمعالجة مشكلة الفقر، فشرعت الزكاة والوقف والصدقات والكفارات وغيرها من الواجبات في أموال الناس عامة وتصرف على الفقراء حسب أحكامها وشروطها. كما أوجب على الدولة السعي إلى رزق الفقراء والمحتاجين، وتنظيم معيشتهم، وتدبير سكنهم وتعليمهم وعلاجهم، وغير ذلك من الواجبات الاجتماعية على الدولة. 10 - صيانة الروابط الاجتماعية من عوامل البغضاء والشحناء: يحتل بناء الروابط الاجتماعية في الإسلام مكانة مهمة. ولهذا سعى إلى العمل على صيانتها ومعاجلة العوامل التي تهدد تماسكها وترابطها، وتقود إلى الشقاق والمنازعات والعداوة والبغضاء، مما يعرض الأمن العام للخطر. ومن أهم العوامل التي تؤثر سلبا في العلاقات الاجتماعية الإشاعة، وهي بث الأخبار بقصد الإفساد مباشرة، أو بشكل غير مباشر، ولهذا وضع الإسلام منهاجا خاصا لتلقي الأخبار، وذلك لأن الشائعات تزعزع الأمن والاستقرار، وتحدث الفوضى من الهرج والمرج في المجتمع، بل قد تكون سببا في حدوث كوارث ونكبات

الاتجاه العلاجي

في المجتمع بين أفراده وغيرهم. قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] [الحجرات: 6] . ومنها أيضا الغضب الذي قد يدفع الإنسان إلى ارتكاب جريمة الاعتداء. ولهذا وجه الإسلام إلى عدم الغضب والبعد عن أسبابه لما له من آثار سلبية على علاقة الناس بعضهم ببعض، ولما يسببه من شحناء وبغض ونفرة قد تكون سببا في حدوث اعتداء بين أفراد المجتمع، فقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] [الأعراف: 199] ، وقال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ - وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34 - 35] [فصلت: 34، 35] ، وقال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] [آل عمران: 134] ، وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37] [الشورى: 37] . وروى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «إن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني. قال: " لا تغضب "، فكرر السؤال مرارا، وفي كل مرة يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تغضب» (¬1) . 11 - تحريم ترويع الآمنين: حرم الإسلام ترويع الآمنين المباشر وغير المباشر، ووجه إلى سد كل المنافذ وأبواب الذرائع التي قد تكون وسيلة للترويع، أو تعكير الجو الآمن، وجاءت الأحكام الشرعية مانعة لبعض الأفعال التي قد تسبب ترويع الآمنين وإخافتهم مثل تحريم الإسلام للإشارة بالسلاح، إذ شدد الإسلام في النهي عن هذا الفعل. وجاء في الحديث عن المصطفى أن الإشارة بالسلاح من موجبات الاستحقاق لعذاب الله الأليم في جهنم، فقد روى الإمام النسائي عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أشار المسلم على أخيه المسلم بالسلاح، فهما على جرف جهنم، فإذا قتله خرا جميعا فيها» (¬2) . [الاتجاه العلاجي] ب: الاتجاه العلاجي: تقدمت الإشارة إلى أن منهج الإسلام في علاج الإرهاب قد سار في خطين متوازيين يسيران معا في آن واحد، الخط الأول: ما تقدم ذكره، وهو الاتجاه الوقائي، ¬

(¬1) فتح الباري، 10/ 535، كتاب الأدب، رقم الحديث (6116) . (¬2) سنن النسائي، 7/ 17، كتاب تحريم الدم، وصححه الشيخ الألباني.

أما الخط الثاني فهو ما شرع من العقوبات والأحكام التأديبية، وتهدف إلى ردع الحالات الخارجة عن السلوك السوي واجتثاثها، أي التي لم يجد معها الأسلوب الأول، فشذت عن السلوك الإسلامي القويم ومنهج الوسطية والاعتدال، فمارست الإرهاب، وتعدت على الآمنين. هنا تبرز أهمية وسائل الإسلام العلاجية الرادعة لكل من تسول له نفسه أن يخرج ويشذ عن تعاليم الإسلام ومبادئه، وأن يمارس الإرهاب من خلال السعي في الأرض فسادا، أومن خلال الإفزاع والترويع والقتل والتدمير. وتتمثل وسائل الإسلام العلاجية في الردع لكل هؤلاء من خلال تشريع الحدود والعقوبات، التي تساعد على اجتثاث الإرهاب من المجتمعات، وتردع كل من تسول له نفسه ارتكاب أي عمل يخل بالأمن، فضلا عن أن هذه العقوبات لها دلالة أخرى في كونها تؤكد رفض الإسلام للإرهاب بكل صوره وأشكاله، واجتثاثه ومعالجة أسبابه، من خلال النهي عن كل عناصره التي يتكون منها ولا يقوم إلا بها؛ من إفزاع وترويع وتدمير وقتل وإكراه وسعي في الأرض فسادا وغيرها، فقد حرم الإسلام كل ذلك، وجرم فاعله، ونهى عنه، وشرع العقوبات الرادعة لكل من يرتكبها، منها العقوبات الأخروية التي تردع من يخاف الله ويخشاه، ومنها العقوبات الدنيوية الجسدية التي تردع من يتجرأ على حدود الله وتزجر آخرين، ومن أبرز تلك العقوبات: 1 - حد الحرابة: الحرابة: مشتقة من الحرب والمحاربة وقد جاء تبيينها في قول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] [المائدة: 33] . وقد عرفت الحرابة بوصفين عامين؛ هما: محاربة الله ورسوله، والفساد في الأرض، وهذان الوصفان يقتضيان تحديد العمل الإجرامي بالخروج على أحكام الشرع؛ لأن محاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الواردة في الآية السابقة ليست على ظاهر النص، إنما يقصد بها العمل على ارتكاب الأعمال المخالفة لأحكام الله والخروج على منهاج رسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد قسم العلماء أحوال المحاربين أربعة أقسام: أخذ المال والقتل، والقتل فقط، وأخذ المال دون القتل، والإخافة دون قتل أو أخذ مال. وتجتمع في هذه الصور الأربع مظاهر هي: حمل السلاح، وإخافة الناس، والخروج على طاعة الحاكم ومخالفة أمره. وهذه فيها محاربة لله ورسوله؛ لأن فيها مخالفة لشرعه وتعديا على حدود الله. ولكل واحدة من هذه الحالات العقوبة الشرعية التي تناسبها، وتراوح بين ثلاثة أحكام: القتل مع الصلب، وقطع الأيدي والأرجل من خلاف، والنفي من الأرض. والحرابة تتفق مع ما اصطلح على تسميته بالإرهاب في العصر الحديث؛ ذلك أن في الإرهاب حملا للسلاح، وإخافة للناس، وخروجا على القانون. وهذا التقارب في الصفة الظاهرة يقتضي التشابه في كيفية العقاب بعد توافر الشروط اللازمة للحكم على مرتكب الجريمة، وتطبيق مثل هذه العقوبة هو الذي سيستأصل هذا المرض ويقطع دابره. 2 - حد القصاص: للنفس البشرية حرمتها ومكانتها في الإسلام، من أجل هذه المكانة ولكي يستتب الأمن عد الإسلام قتل واحد من الناس كقتل الجميع؛ لما يسببه قتل النفس من بث للخوف والرعب لدى عموم الناس، كما أن إحياءها كذلك إحياء لعموم الناس، لما في عدم التعرض لها من إحياء لها وعمل بالتشريع والأحكام التي تضمن تثبيت الأمن بين الناس، الذي هو وسيلة الحياة لكل الناس. قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة: 32] [المائدة: 32] ، وفي هذا توجيه إلى كل الناس لمحاربة ما فيه ضررهم وإيقاع القتل فيهم. فالواجب عليهم أن يقفوا صفا واحدا في وجه هذا الفعل الشنيع المخالف لما شرعه الله، وأن يطبقوا على فاعله أقسى عقوبة حتى يكون ذلك رادعا لمن تسول له نفسه الإقدام على هذه الجريمة النكراء، وهذا فيه حياة

لآخرين، كما جاء في آية القصاص أنه حياة للناس لما يحققه حكم القصاص من ردع وزجر من ارتكاب هذه الجريمة: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179] [البقرة: 179] ، يعني: "ولكم يا أولي العقول فيما فرضت عليكم وأوجبت لبعضكم على بعض من القصاص في النفوس والجراح والشجاج ما يمنع به بعضكم من قتل بعض، ودفع بعضكم عن بعض فحييتم بذلك، فكان لكم في حكمي بينكم بذلك حياة " (¬1) . 3 - حد البغي: البغي حالة من الخروج على إمام تمت بيعته شرعا؛ مما يعني الخروج على نظام الحكم بحمل السلاح، بتفسير أو رأي يسوغ للخارجين- حسب رأيهم- الخروج على من بيده سدة الحكم. وهذا الحال من إشهار السلاح والعصيان والتمرد على القيادة يوجب على ولي الأمر الوقوف في وجه هذه الفتنة، وقد حارب الإسلام هذا النوع من الفساد والتمرد على الولاية، وسن لذلك منهجا في المعالجة، كما جاء في قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9] [الحجرات: 9] ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يفرق في جماعتكم فاقتلوه» (¬2) . فالإسلام في تشريع قمع البغاة إنما قصد سد باب الذرائع التي قد يلوذ بها بعض أصحاب الهوى أو المخدوعون في القيام بأعمال إجرامية سعيا لنشر رأيهم وإجبار الناس على الأخذ به. هذه أمثلة لبعض الأحكام التي شرعها الإسلام صيانة وحفظا للمجتمعات وأفرادها، وحفظا لأموالهم وأنفسهم وأعراضهم ودينهم وعقولهم وأمنهم. وهناك أحكام لا يتسع المجال لذكرها جميعا، وهي موجهة إلى تحقيق الأمن، وكبح الإرهاب، وصيانة المجتمع من التصرفات الشاذة والدخيلة. مما سبق يتضح أن الإسلام يحارب كل أشكال إشاعة الفوضى، والانحراف الفكري والعملي، ويحارب كل عمل يقوض الأمن ويروع الآمنين، سواء أكان ذلك يسمى إرهابا أم حرابة أم بغيا، فجميعها صور تشيع الرعب والخوف في المجتمع، وترهب ¬

(¬1) تفسير الطبري. (¬2) رواه مسلم.

الآمنين فيه، وتحول بينهم وبين الحياة المطمئنة، التي هي وسيلة حسن خلافتهم في الأرض بعمارتها في جو من الأمن والأمان، والسلام والاطمئنان، والتعارف والتعاون بين الناس جميعا، وعبادة الله سبحانه وتعالى وفقا لما شرع. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الإرهاب الذي حاربه الإسلام؟ فأقول: بعد هذا الاستعراض السريع لموقف الإسلام من الإرهاب بشتى صوره وأشكاله، ومن خلال الاطلاع على أساليب المعالجة التي سنتها الشريعة الإسلامية لمكافحة كافة أشكال الإرهاب ومعالجتها، فيمكن أن نقول: إن مصطلح الإرهاب المستخدم حاليا هو: "كل فعل أو قول خارج عن شرع الله مخالف لما عليه العمل، ويلحق ضررا بالفرد أو بالجماعة أو بالمصالح العامة وبالممتلكات، ويشيع الخوف بين الناس ". وبهذا نعلم أن ما اصطلح على وصفه بالإرهاب في العصر الحديث ليس المقصود به ما يدل عليه المصطلح في مفهومه اللغوي، إنما اصطلاح على وصف تلك الأعمال وتسميتها بهذا المصطلح وفقا لما يقصد به، وليس استخداما للدلالة اللفظية لهذا المصطلح في مفهومها الذي ذكرناه سابقا.

الفصل الرابع الموقف الدولي من الإرهاب

[الفصل الرابع الموقف الدولي من الإرهاب] [القوانين والاتفاقات الدولية في مواجهة الإرهاب] الفصل الرابع الموقف الدولي من الإرهاب القوانين والاتفاقات الدولية في مواجهة الإرهاب: في ظل ما تقدمت الإشارة إليه من عدم اتفاق دولي على تحديد تعريف ومفهوم محدد للإرهاب، فإن من الصعب الحديث عن اتفاقية دولية واحدة ذات طابع عالمي تضع الإطار المناسب لمكافحة الإرهاب، وتكبح جماح مرتكبيه، وقد أدى ذلك إلى حال من الفوضى الدولية في مسألة تحديد مصطلح الإرهاب وتعريفه ومن الإرهابي. ولهذا فإن معظم مشروعات الاتفاقيات الدولية لمكافحة الإرهاب تواجه عقبات كثيرة لأسباب متعددة؛ منها: - أ- عدم تعاون بعض الحكومات أو ترددها في التعاون الدولي من أجل تعريف الإرهاب وتحديده، ووضع اتفاقية دولية لمواجهته، وذلك لمصالح مادية أو معنوية تكسبها، أو سياسية تتعلق بتأييدها لقضية معينة أو عدم تأييدها. بل ربما كان ذلك لأسباب أمنية حيث تخشى أن تصبح الدولة نفسها أو مصالحها هدفا للإرهاب. ب- اختلاف الدول في تحديد مفهوم الإرهاب وتعريفه منح البعض فرصة للتذرع بمسألة مراعاة حقوق الإنسان عند إيوائهم لبعض الإرهابيين، أو منح حق اللجوء السياسي لبعض أفراد الجماعات الإرهابية، أو تحقيقا لمبدأ الحرية الذي تدعيه تلك الدولة، أو انطلاقا من مبدأ الحرية القانونية والقضائية فيها، وقد تجعلها بعض هذه الدول ورقة تلوح بها في وجه دولة أخرى كما سبقت الإشارة إلى ذلك. وكم عانت كثير من دول العالم ويلات من حروب وتفجيرات وقتل واختطاف بسبب ما يجده الإرهابيون فكرا أو حسا من دعم من قبل دولة من دول العالم لهم، وقد تكون تلك الدولة الداعمة من الدول الكبرى؛ لأنها تناوئ تلك الحكومة، أو تريد وضعها ضمن منظومة الدول التي تدور في فلكها وتأتمر بأمرها، لتحقيق مكاسب مادية أو سياسية عن طريق الضغط عليها من خلال وجود تلك الخلايا الإرهابية أو منظريها على أرض

موقف العالم من الإرهاب

الدولة الأخرى. ولهذا جاءت معالجة العالم للإرهاب معالجة جزئية، تعالج أنواعا من الإرهاب، ولا تعالجه بصفة عامة، ورغم أن تلك الاتفاقيات سواء أكانت ثنائية أم دولية تعد معالجات جزئية لبعض الجرائم، فإنها تحمل بعض الإيجابيات التي يمكن أن تحسب لها؛ ومنها: أ- نبذ تلك الممارسات وتجريمها بصورة تتيح الملاحقة القانونية لمرتكبيها. ب- أن تجريم الممارسات الإرهابية في قوانين الدول إلزام لها بمحاكمة مرتكبيها وفقا للإجراءات القانونية. ج- الاعتراف بالمسئولية القانونية والأدبية تجاه محاسبة المجرمين وتسليمهم لجهات المحاسبة القانونية لتطبيق القانون بحقهم. د- أخلاقيات التعاون الدولي والالتزام الأدبي بين المؤسسات القانونية في العالم يفرض سن تشريعات إدارية وأمنية وقانونية لبناء أسس التعاون في مكافحة الجريمة. [موقف العالم من الإرهاب] موقف العالم من الإرهاب: جاءت ولادة هيئة الأمم المتحدة على خلفية وقوف الدول العظمى في العالم في وجه حركة تمرد على القانون الدولي تزعمها هتلر، أو بمعنى آخر حركة إرهابية على مستوى دولة ضد دول العالم. وقد كلف إخماد نار تلك الحركة العالم الكثير من الأرواح والممتلكات والعتاد والمال. وحتى لا يحصل للعالم مثلما حصل، فقد بادرت الدول التي خرجت من تلك الحرب إلى إنشاء هيئة دولية تعنى بوضع ميثاق دولي يكبح جماح من يريد الإضرار بالعالم أو بعض دوله، فأنشأت هيئة الأمم المتحدة، التي بادرت إلى تضمين قانون نشأتها وميثاق الانتساب إليها مواد لكيفية معالجة الإرهاب المتعارف عليه آنذاك، وجعلت ذلك مهمة من مهماتها، وعدته الأنموذج الأمثل لسد أي باب من أبواب الإرهاب والتمرد؛ لأن هدف هذه المنظمة المحافظة على الأمن والسلام الدوليين، من

جهود الدول في مكافحة الإرهاب

خلال مؤسساتها الرسمية، كالجمعية العامة، ومجلس الأمن الدولي. ولكن - ويا للأسف الشديد - لم تختف من نظام المنظمة الدولية، التي أنشئت للحفاظ على الأمن والسلام الدوليين، صورة تسلط القوي وهيمنته على الضعيف، وذلك بتشريع حق النقض (الفيتو) لأي من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وقد أثبت التاريخ أن هذه العصا كانت وراء كثير من مشكلات العالم، واستمرار المعاناة لكثير من دول العالم وشعوبه، والأدلة ماثلة أمام أعيننا ليل نهار، وقضية فلسطين مثال يتجدد كل يوم للتعبير عن فساد ذلك (الحق) وضرره، وهذا القانون المنتزع بالقوة سوغ لآخرين الخروج على القانون الدولي، تعبيرا عن عدم الموافقة على ما تتخذه بعض الدول ذات الأحقية- المنتزعة- بحق النقض من ممارسات أضرت بمصالح بعض شعوب العالم. [جهود الدول في مكافحة الإرهاب] جهود الدول في مكافحة الإرهاب: إن كل من ينظر في القوانين الداخلية للدول، يجد أنها لم تغفل عن معالجة قضايا الإرهاب داخل أراضيها بكافة أشكاله وصوره، سواء بشكل مجمل أم مفصل، ولكن الملحوظ على تلك القوانين ما يأتي: أ- النظرة المحلية، أو ما يسمى بالهاجس الأمني الداخلي؛ إذ سنت كثير من تلك القوانين لمعالجة قضايا داخلية في الدول. 2 - حداثة المواد والقوانين الخاصة بالإرهاب والتعديلات التي طرأت عليها. 3 - أن تلك الأنظمة التي سنتها بعض دول العالم إنما جاءت لمحاربة منظمات وحركات هي في منظور تلك الدول حركات إرهابية، ففي بريطانيا مثلا صدر قانون مكافحة الإرهاب عام 1976 م، وجرت عليه تعديلات بعد ذلك، والباعث على إصدار ذلك القانون كان لمواجهة منظمة الجيش الجمهوري الإيرلندي والخلايا الإيرلندية الأخرى التي تسعى إلى تحرير إيرلندا الشمالية وفصلها عن بريطانيا. وفي إيطاليا في عام 1980 م نظم في القانون مواد لمكافحة الإرهاب الذي يمارسه بعض الإرهابيين في اليمين واليسار المسيحيين المتطرفين، وكذا جماعة الألوية الحمراء. أما في ألمانيا فقد جاء

قانون مكافحة الإرهاب لمكافحة نشاط بعض الحركات الإرهابية النشطة في ألمانيا ضد حلف الناتو وبقايا الحركة النازية. وفي إسبانيا وفرنسا كذلك شرعت أنظمة وقوانين حديثة بسبب حوادث العنف والاعتداء التي وقعت فيها من بعض المنظمات المناوئة لها، أو التي تطالب بفصل جزء من تلك الدول تحت مسميات تراها حقا لها. أما في أمريكا، فإن أنظمة مكافحة الإرهاب في قوانينها ونظمها الداخلية تعتمد على أسس من أهمها: 1 - أن الإرهاب ظاهرة محلية تواجهها كل دولة بمفردها. 2 - وضع قواعد قانونية أمريكية لتصنيف من يرعى الإرهاب الدولي حسب المفهوم الأمريكي، وهو ما يضر بالمصالح الأمريكية أو يعرضها للخطر، وصنفت بعض دول العالم بالنظرة الأمريكية إلى دول ترعى الإرهاب وأخرى تسانده. 3 - أجاز القانون الأمريكي استخدام المعونات الاقتصادية سلاحا ضد الدول التي ترعى الإرهاب حسب التصنيف والمفهوم الأمريكي، وذلك بقطع المعونات الاقتصادية بأية طريقة من الطرق، خاصة للدول المحتاجة، أو بالمقاطعة الاقتصادية. 4 - يجوز للحكومة الأمريكية مساعدة أية جماعة أو حركة أو منظمة خارجة على دولتها إذا كانت المصلحة الأمريكية تقتضي ذلك. أما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 م، فقد تغيرت النظرة الدولية لظاهرة الجريمة المنظمة، أو ما اصطلح على تسميته بالإرهاب، وخاصة الحكومة الأمريكية، التي عدت نفسها المتضرر الوحيد من تلك الجريمة، وقد تلخصت التغييرات القانونية العملية في عدة نقاط من أهمها: 1 - العمل على تدويل ظاهرة الإرهاب، وتصنيفه ضمن الظواهر العالمية التي يجب على دول العالم التعاون لمواجهتها. 2 - استخدام هيئة الأمم المتحدة لسن تشريعات وإصدار قرارات تجيز لدولة أو أكثر من دول العالم شن حرب على بلد آخر بحجة ضلوع جماعات فيها في عمليات

موقف المملكة العربية السعودية من الإرهاب

إرهابية، واعتبار من يقف في وجه تلك الحرب مجرم حرب يعاقب بموجب قانون مجرمي الحرب، حتى وإن كان يدافع عن بلده وأرضه وحكومته حسبما يراه، ويتفق مع قانون بلده. 3 - العمل على إيجاد صيغة دولية لتجفيف مصادر التمويل التي يخشى أن يساء استخدامها في عمليات إرهابية. ومع وجاهة كل إجراء يتخذ في سبيل مكافحة الإرهاب، فإن مما يجب الإشارة إليه في هذا المجال ما يأتي: 1 - أن منهجية المكافحة الجماعية للإرهاب واحتواء كل سبله كانت وما زالت مطلبا ملحا لكثير من الدول التي عانت ولا تزال تعاني من بعض الجماعات والحركات الإرهابية فكرا أو خروجا على قانون تلك الدول. 2 - أن احتضان بعض دول العالم لأشخاص أو جماعات تدخل ضمن التصنيف القانوني للإرهاب، مما يمكنهم من بث أفكارهم وسمومهم الإرهابية التي تخلق خلايا إرهابية في الدول الأخرى، خطأ يجب معالجته. 3 - استخدام بعض الدول مبدأ حقوق الإنسان، أو الحرية الفردية، أو استغلال القانون والقضاء الداخلي فيها، لتسويغ عدم التعاون مع دول أخرى تسعى لمكافحة أي ظاهرة يمكن أن تقود إلى تطرف أو فكر يدفع بمعتنقيه إلى ممارسة أي نوع من أنواع الاعتداءات التي تدخل ضمن قائمة الممارسات الإرهابية، يعد إجهاضا لجهود الدول الجادة في مكافحة الإرهاب. هذه إلماحة عن الموقف الدولي بصفة عامة. وأما المواقف الخاصة بالدول، فقد تقدمت الإشارة إلى نماذج من المواقف التي تتخذها بعض الدول دون تسمية لها. [موقف المملكة العربية السعودية من الإرهاب] وبعد استعراض الموقف الدولي من الإرهاب، رأيت الحديث عن موقف المملكة العربية السعودية بصفة خاصة للحيثيات الآتية: 1 - أن الدول التي تم التنويه عن شيء من جهودها في مجال المكافحة القانونية

للإرهاب لا تعتمد في تأسيس قوانينها لمكافحة الإرهاب على المعتقد الديني، وإنما على الفكر والنظرة المدنية القانونية، ومن المهم استعراض الجهود القانونية لمكافحة الإرهاب لدولة تعتمد الدين منهج حياة وقانونا وتشريعا. 2 - أن النظام الإسلامي، الذي هو نظام المملكة العربية السعودية، وما حواه من منهجية وقائية وتنظيمات علاجية عقابية لمكافحة الإرهاب يعد أقدم نظام ديني يتضمن أنظمة وقوانين لمواجهة جميع أشكال الإرهاب والجرائم المنظمة. 3 - أن المملكة العربية السعودية تعد أنموذجا لشريحة كبيرة من العالم؛ حيث إنها تمثل العالم العربي والعالم الإسلامي، وهي الدولة التي ينظر إليها المسلمون على أنها الأنموذج الأمثل في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية. 4 - أن المملكة العربية السعودية تعد من الدول التي تضررت كثيرا من الممارسات الإرهابية المنظمة سواء أكانت على هيئة عمليات إجرامية أم بث أفكار متطرفة تتولد عنها ممارسات إرهابية متنوعة من قبل أشخاص تحتضنهم دول أخرى. 5 - ما توجهه بعض وسائل الإعلام الغربية من نقد مفترى لموقف المملكة العربية السعودية من الإرهاب والإرهابيين. موقف المملكة العربية السعودية من الإرهاب: موقف المملكة من الإرهاب موقف متميز؛ لأن قدرها أن تكون دولة عقيدة ودين ومبادئ وأسس، ولهذا تحكم مواقفها بتلك السمات التي تفخر بالقيام عليها والتمسك بها والدعوة إليها. والإرهاب في مفهومه الواسع للمملكة منه موقف واضح منذ الأزل وهذا الموقف يقوم على أسس واضحة المعالم، حددت مسار المملكة ونظرتها نحو مشكلة الإرهاب بكافة أشكاله وصوره، ومن هذه الأسس: - 1 - أن المملكة دولة مسلمة يقوم حكمها على القرآن الكريم وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم إيضاح موقف الإسلام من الإرهاب، وهو عين موقف المملكة منه، موقف شرعي أزلي، موقف ديني يقوم على أن عدم التطبيق يعد معصية دينية. ولهذا فمكافحة

المملكة للإرهاب ليست وليدة اليوم، أو بسبب ما يتعرض له العالم في العصر الحديث من مشكلات وعمليات إرهابية، بل إنها تعد مكافحة الإرهاب جزءا لا ينفك عن تطبيقها لبقية أحكام الإسلام. 2 - من يمحص النظر في تاريخ تأسيس المملكة على يد الملك عبد العزيز رحمه الله يدرك أنها قامت على أساس محاربة الإرهاب الحقيقي- الحرابة وقطع الطريق وغيرها من صور الإرهاب- الذي كان سائدا في الجزيرة العربية آنذاك، وكانت تعاني منه شعوبها، فهي دولة تأسست على محاربة الإرهاب بكافة أشكاله وصوره، ومكافحة الجريمة، ونشر الأمن، والمحافظة على الأنفس والأعراض والأموال والمنجزات والمكتسبات، حتى تحقق لها ذلك بفضل الله. ومن يدرك ذلك يعلم قدر ما عانته المملكة من صور الإرهاب، ومن صعوبات ومشكلات في بناء كيانها، فهذا الكيان لم يأت من فراغ. ولهذا فإن المحافظة عليه أمر لا يمكن المساومة عليه. وموقف المملكة من الإرهاب الذي تتعرض له المجتمعات الأخرى يقوم على مبدأ أن ما تجرعت مرارته لا يمكن أن ترضاه لغيرها، فهو موقف يجمع بين التأسيس على المبدأ الديني الشرعي القائم على ضرورة محاربة الإرهاب، والحاجة الفعلية إلى محاربة إرهاب الممارسة للقتل والنهب والسلب والإفساد في الأرض، وإرهاب الفكر والغلو الذي يدفع المؤمنين به إلى ارتكاب جرائم الإرهاب، أو العمل على دعمه أو تسويغه. 3 - المملكة العربية السعودية عضو في هيئة الأمم المتحدة، وفي الهيئات والمنظمات المنبثقة عنها، وبالتالي فهي دولة ملتزمة بقرارات الشرعية الدولية، والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، والعمل على تحجيمه ومعالجة أسبابه، وقد صادقت على معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي لعام 1999 م، وكذا على اتفاقية الأمم المتحدة ولائحتها التنفيذية (اتفاقية فينا لعام 1988 م) " كما صادقت على الاتفاقية العربية لعام 1998 م لمكافحة الإرهاب، وغيرها من المعاهدات والاتفاقات الدولية والثنائية.

4 - أن الهيئات الشرعية في المملكة العربية السعودية تعد من أول الهيئات العالمية التي أعلنت موقفا واضحا وحازما من شتى صور الإرهاب. وفيما يأتي بعض من البيانات والفتاوى الصادرة عن هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية: قرار هيئة كبار العلماء رقم 148 وتاريخ 12 / 1 / 1409 هـ. الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. وبعد: فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الثانية والثلاثين المنعقدة في مدينة الطائف ابتداء من 8 / 1 / 1409 إلى 12 / 1 / 1409هـ بناء على ما ثبت لديه من وقوع عدة حوادث تخريب ذهب ضحيتها الكثير من الناس الأبرياء وتلف بسببها كثير من الأموال والممتلكات والمنشآت العامة في كثير من البلاد الإسلامية وغيرها، قام بها بعض ضعاف الإيمان أو فاقديه من ذوي النفوس المريضة والحاقدة، ومن ذلك: نسف المساكن وإشعال الحرائق في الممتلكات العامة والخاصة، ونسف الجسور والأنفاق، وتفجير الطائرات أو خطفها. وحيث لوحظ كثرة وقوع مثل هذه الجرائم في عدد من البلدان القريبة والبعيدة، وبما أن المملكة العربية السعودية كغيرها من البلدان عرضة لوقوع مثل هذه الأعمال التخريبية. فقد رأى مجلس هيئة كبار العلماء ضرورة النظر في تقرير عقوبة رادعة لمن يرتكب عملا تخريبيا سواء كان موجها ضد المنشآت العامة والمصالح الحكومية، أو كان موجها لغيرها بقصد الإفساد والإخلال بالأمن. وقد اطلع المجلس على ما ذكره أهل العلم من أن الأحكام الشرعية التي تدور من حيث الجملة على وجوب حماية الضروريات الخمس، والعناية بأسباب بقائها مصونة سالمة؛ وهي: الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال. وقد تصور المجلس الأخطار العظيمة التي تنشأ عن جرائم الاعتداء على حرمات المسلمين في نفوسهم وأعراضهم وأموالهم، وما تسببه الأعمال التخريبية من الإخلال بالأمن العام في البلاد

ونشوء حالة من الفوضى والاضطراب، وإخافة المسلمين على أنفسهم وممتلكاتهم، والله سبحانه وتعالى قد حفظ للناس أديانهم وأبدانهم وأرواحهم وأعراضهم وعقولهم وأموالهم بما شرعه من الحدود والعقوبات التي تحقق الأمن العام والخاص. ومما يوضح ذلك قوله سبحانه وتعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] [المائدة: 32] ، وقوله سبحانه: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] [المائدة: 33] ، وتطبيق ذلك كفيل بإشاعة الأمن والاطمئنان، وردع من تسول له نفسه الإجرام والاعتداء على المسلمين في أنفسهم وممتلكاتهم. وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن حكم المحاربة في الأمصار وغيرها على السواء لقوله سبحانه: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: 33] [المائدة: 33] ، ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله في تفسيره. وقال أيضا: المحاربة هي المخالفة والمضادة، وهي صادقة على الكفر وعلى قطع الطريق وإخافة السبيل، وكذا الإفساد في الأرض يطلق على أنواع من الشر. ا. هـ والله تعالى يقول: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ - وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 204 - 205] [البقرة: 204، 205] ، وقال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56] [الأعراف: 56] ، قال ابن كثير رحمه الله تعالى: ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض وما أضره بعد الإصلاح، فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد ثم وقع الإفساد بعد ذلك، كان أضر ما يكون على العباد، فنهى تعالى عن ذلك. ا. هـ. وقال القرطبي: نهى سبحانه عن كل فساد قل أو كثر بعد صلاح قل أو كثر فهو على العموم على الصحيح من الأقوال ا. هـ. وبناء على ما تقدم، ولأن ما سبق أيضا حد يفوق أعمال المحاربين الذين لهم أهداف خاصة يطلبون حصولهم عليها من مال أو عرض، وهؤلاء هدفهم زعزعة الأمن وتقويض بناء الأمة، واجتثاث عقيدتها، وتحويلها عن المنهج الرباني، فإن المجلس يقرر

بالإجماع ما يلي: أولا: من ثبت شرعا أنه قام بعمل من أعمال التخريب والإفساد في الأرض، التي تزعزع الأمن بالاعتداء على الأنفس والممتلكات الخاصة أو العامة؛ كنسف المساكن أو المساجد أو المدارس أو المستشفيات والمصانع والجسور ومخازن الأسلحة والمياه والموارد العامة لبيت المال، كأنابيب البترول، ونسف الطائرات أو خطفها ونحو ذلك، فإن عقوبته القتل لدلالة الآيات المتقدمة على أن مثل هذا الإفساد في الأرض يقتضي إهدار دم المفسد، ولأن خطر هؤلاء الذين يقومون بالأعمال التخريبية وضررهم أشد من خطر وضرر الذي يقطع الطريق، فيعتدي على شخص فيقتله أو يأخذ ماله، وقد حكم الله عليه بما ذكر في آية الحرابة. ثانيا: أنه لا بد قبل إيقاع العقوبة المشار إليها في الفقرة السابقة من استكمال الإجراءات الثبوتية اللازمة من جهة المحاكم الشرعية وهيئات التمييز ومجلس القضاء الأعلى براءة للذمة واحتياطا للأنفس، وإشعارا بما عليه هذه البلاد من التقيد بكافة الإجراءات اللازمة شرعا لثبوت الجرائم وتقرير عقابها. ثالثا: يرى المجلس إعلان هذه العقوبة عن طريق وسائل الإعلام. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه، صدر عن مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية. قرار هيئة كبار العلماء عقب حادث العليا عام 1416 هـ: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وآله وصحبه، وبعد: فإن هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية علمت ما حدث من التفجير الذي وقع في حي العليا بمدينة الرياض قرب الشارع العام ضحوة يوم الاثنين 20 / 6 / 1416 هـ، وأنه قد ذهب ضحيته نفوس معصومة، وجرح بسببه آخرون، وروع آمنون، وأخيف عابرو السبيل. ولذا فإن الهيئة تقرر أن هذا اعتداء آثم وإجرام شنيع، وهو خيانة وغدر وهتك لحرمات الدين في الأنفس، والأموال، والأمن

والاستقرار، ولا يفعله إلا نفس فاجرة، مشبعة بالحقد، والخيانة، والحسد، والبغي والعدوان، وكراهية الحياة والخير، ولا يختلف المسلمون في تحريمه ولا في بشاعة جرمه وعظيم إثمه، والآيات والأحاديث في تحريم هذا الإجرام وأمثاله كثيرة معلومة. وإن الهيئة إذ تقرر تحريم هذا الإجرام، تحذر من نزعات السوء، ومسالك الجنوح الفكري، والفساد العقدي والتوجه المردي، وإن النفس الأمارة بالسوء إذا أرخى لها المرء العنان ذهبت به مذاهب الردى، ووجد الحاقدون فيها مدخلا لأغراضهم وأهوائهم التي يبثونها في قوالب التحسين، والواجب على كل من علم شيئا عن هؤلاء المخربين أن يبلغ عنهم الجهة المختصة. وقد حذر الله- سبحانه- في محكم التنزيل من دعاة السوء والمفسدين في الأرض، فقال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] [المائدة: 33] ، وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ - وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ - وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 204 - 206] [البقرة: 254- 206] ، نسأل الله- سبحانه- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يهتك ستر المعتدين على حرمات الآمنين، وأن يكف البأس عنا وعن جميع المسلمين، وأن يحمي هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، وأن يوفق ولاة أمرنا وجميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح العباد والبلاد، إنه خير مسئول. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. صدر عن مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية. قرار هيئة كبار العلماء في أعقاب تفجير الخبر عام 1417 هـ: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وآله وصحبه، أما بعد: فإن مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في جلسته الاستثنائية العاشرة المنعقدة في مدينة الطائف يوم السبت 13 / 2 / 1417 هـ استعرض حادث

التفجير الواقع في مدينة الخبر بالمنطقة الشرقية مساء الثلاثاء 9 / 2 / 1417 هـ وما حصل بسبب ذلك من قتل وتدمير وترويع، وإصابة لكثير من الناس من المسلمين وغيرهم. وإن المجلس بعد النظر والدراسة والتأمل قرر بالإجماع ما يلي: أولا: إن هذا التفجير عمل إجرامي محرم شرعا بإجماع المسلمين، وذلك للأسباب الآتية: 1 - في هذا التفجير هتك لحرمات الإسلام المعلومة منه بالضرورة: هتك لحرمة الأنفس المعصومة، وهتك لحرمات الأموال، وهتك لحرمات الأمن والاستقرار وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم، وغدوهم ورواحهم، وهتك للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها. وما أبشع وأعظم جريمة من تجرأ على حرمات الله وظلم عباده، وأخاف المسلمين والمقيمين بينهم، فويل له ثم ويل له من عذاب الله ونقمته، ومن دعوة تحيط به، نسأل الله أن يكشف ستره، وأن يفضح أمره. 2 - إن النفس المعصومة في حكم شريعة الإسلام هي كل مسلم، وكل من بينه وبين المسلمين أمان كما قال الله تعالى في حق الكافر الذي له ذمة في حكم قتل الخطأ: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] [النساء: 92] ، فإذا كان الكافر الذي له أمان إذا قتل خطأ فيه الدية والكفارة، فكيف إذا قتل عمدا، فإن الجريمة تكون أعظم والإثم يكون أكبر، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة» . فلا يجوز التعرض لمستأمن بأذى، فضلا عن قتله في مثل هذه الجريمة الكبيرة النكراء، وهذا وعيد شديد لمن قتل معاهدا، وأنه كبيرة من الكبائر المتوعد عليها بعدم دخول القاتل الجنة، نعوذ بالله من الخذلان. 3 - إن هذا العمل الإجرامي يتضمن أنواعا من المحرمات في الإسلام بالضرورة من غدر وخيانة وبغي وعدوان وإجرام آثم وترويع للمسلمين وغيرهم. وكل هذه قبائح منكرة يأباها ويبغضها الله ورسوله والمؤمنون. ثانيا: إن المجلس إذ يبين تحريم هذا العمل الإجرامي في الشرع المطهر، إنه يعلن للعالم أن الإسلام بريء منه، وإنما هو تصرف من صاحب فكر منحرف وعقيدة ضالة،

فهو يحمل أثمه وجرمه، فلا يحتسب عمله على الإسلام، ولا على المسلمين المهتدين بهدى الإسلام، المعتصمين بالكتاب والسنة، المستمسكين بحبل الله المتين، وإنما هو محض إفساد وإجرام تأباه الشريعة والفطرة، ولهذا جاءت نصوص الشريعة قاطعة بتحريمه، محذرة من مصاحبة أهله قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ - وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ - وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 204 - 206] [البقرة: 204- 206] ، وقال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] [المائدة: 33] . ونسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يكشف ستر هؤلاء الفعلة المعتدين، وأن يمكن منهم لينفذ فيهم حكم شرعه المطهر، وأن يكف البأس عن هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين، وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وحكومته وجميع ولاة أمور المسلمين إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد وقمع الفساد والمفسدين، وأن ينصر بهم دينه، ويعلي بهم كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. صدر عن هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية. قرار هيئة كبار العلماء حول تفجيرات الرياض عام 1424 هـ: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وآله وصحبه. أما بعد: فإن مجلس هيئة كبار العلماء في جلسته الاستثنائية المنعقدة في مدينة الرياض يوم الأربعاء 13 / 3 / 1424 هـ استعراض حوادث التفجيرات التي وقعت في مدينة الرياض مساء يوم الاثنين 11 / 3 / 1424 هـ وما حصل بسبب ذلك من قتل وتدمير وترويع وإصابات لكثير من الناس من المسلمين وغيرهم. ومن المعلوم أن شريعة الإسلام قد جاءت بحفظ الضروريات الخمس وحرمت

الاعتداء عليها وهي: الدين والنفس والمال والعرض والعقل. ولا يختلف المسلمون في تحريم الاعتداء على الأنفس المعصومة في دين الإسلام؛ إما أن تكون مسلمة، فلا يجوز بحال الاعتداء على النفس المسلمة وقتلها بغير حق، ومن فعل ذلك فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب العظام، يقول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] [النساء: 93] ، ويقول سبحانه: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] [المائدة: 32] ، قال مجاهد رحمه الله في الإثم: وهذا يدل على عظم قتل النفس بغير حق. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة» . متفق عليه، وهذا لفظ البخاري. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله» . متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وفي سنن النسائي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم» . ونظر ابن عمر رضي الله عنهما يوما إلى البيت أو إلى الكعبة، فقال: "ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك ". كل هذه الأدلة- وغيرها كثير- تدل على عظم حرمة دم المرء المسلم وتحريم قتله لأي سبب من الأسباب إلا ما دلت عليه النصوص الشرعية، فلا يحل لأحد أن يعتدي على مسلم بغير حق، يقول أسامة بن زيد رضي الله عنهما: «بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة، فصبحنا القوم، فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا

بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا أسامة، أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ " قلت: كان متعوذا. فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم» . متفق عليه، وهذا لفظ البخاري. وهذا يدل أعظم الدلالة على حرمة الدماء، فهذا رجل مشرك وهم مجاهدون في ساحة القتال، لما ظفر به وتمكنوا منه نطق بالتوحيد، فتأول أسامة رضي الله عنه قتله على أنه ما قالها إلا ليكفا عن قتله، ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم عذره وتأويله. وهذا من أعظم ما يدل على حرمة دماء المسلمين وعظيم جرم من يتعرض لها. كما أن دماء المسلمين محرمة، فإن أموالهم محرمة محترمة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا» ، أخرجه مسلم، وهذا الكلام قاله النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة يوم عرفة. وأخرج البخاري ومسلم نحوه في خطبة يوم النحر. ومما سبق يتبين تحريم قتل النفس المعصومة بغير حق. ومن الأنفس المعصومة في الإسلام أنفس المعاهدين وأهل الذمة والمستأمنين، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما» . أخرجه البخاري. ومن أدخله ولي الأمر المسلم بعقد أمان وعهد، فإن نفسه وماله معصومان لا يجوز التعرض له، ومن قتله، فإنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لم يرح رائحة الجنة» . وهذا وعيد شديد لمن تعرض للمعاهدين، ومعلوم أن أهل الإسلام ذمتهم واحدة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم» . ولما أجارت أم هانئ رضي الله عنها رجلا مشركا عام الفتح، وأراد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يقتله ذهبت للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: «قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ» أخرجه البخاري ومسلم. والمقصود أن من دخل بعقد أمان أو بعهد من ولي الأمر لمصلحة رآها، فلا يجوز التعرض له ولا الاعتداء لا على نفسه ولا ماله.

إذا تبين هذا، فإن ما وقع في مدينة الرياض من حوادث التفجير أمر محرم لا يقره دين الإسلام، وتحريمه جاء من وجوه: 1 - أن هذا العمل اعتداء على حرمة بلاد المسلمين وترويع للآمنين فيها. 2 - أن هذا من الإفساد في الأرض. 3 - أن فيه إتلافا للأموال المعصومة. وإن مجلس هيئة كبار العلماء إذ يبين حكم هذا الأمر، ليحذر المسلمين من الوقوع في المحرمات المهلكات، ويحذرهم من مكائد الشيطان، فإنه لا يزال بالعبد حتى يوقعه في المهالك؛ إما بالغلو بالدين، وإما بالجفاء عنه ومحاربته والعياذ بالله. والشيطان لا يبالي بأيهما ظفر من العبد؛ لأن كلا طريقي الغلو والجفاء من سبل الشيطان التي توقع صاحبها في غضب الرحمن وعذابه. وما قام به من نفذوا هذه العمليات من قتل أنفسهم بتفجيرها، فهو داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة» . أخرجه أبو عوانة في مستخرجه من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن شرب سما فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا» . وهو في البخاري بنحوه. ثم ليعلم الجميع أن الأمة الإسلامية اليوم تعاني من تسلط الأعداء عليها من كل جانب، وهم يفرحون بالذرائع التي تبرر لهم التسلط على أهل الإسلام وإذلالهم واستغلال خيراتهم. فمن أعانهم في مقصدهم، وفتح على المسلمين وبلاد الإسلام ثغرا لهم فقد أعان على انتقاص المسلمين والتسلط على بلادهم وهذا من أعظم الجرم. كما أنه يجب العناية بالعلم الشرعي المؤصل من الكتاب والسنة وفق فهم سلف الأمة، وذلك في المدارس والجامعات، وفي المساجد ووسائل الإعلام. كما أنه تجب

العناية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي على الحق؛ فإن الحاجة- بل الضرورة- داعية إليه الآن أكثر من أي وقت مضى، وعلى شباب المسلمين إحسان الظن بعلمائهم والتلقي عنهم، وليعلموا أن مما يسعى إليه أعداء الدين الوقيعة بين شباب الأمة وعلمائها، وبينهم وبين حكامهم حتى تضعف شوكتهم، وتسهل السيطرة عليهم، فالواجب التنبه لهذا. وقى الله الجميع كيد الأعداء. . وعلى المسلمين تقوى الله في السر والعلن والتوبة الصادقة الناصحة من جميع الذنوب، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة. نسأل الله أن يصلح حال المسلمين، ويجنب بلاد المسلمين كل سوء ومكروه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. قرار هيئة كبار العلماء حول الأحداث الأخيرة 1424 هـ. صدر عن هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية البيان التالي: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. . أما بعد: فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته التاسعة والخمسين التي انعقدت في مدينة الطائف ابتداء من تاريخ 11 / 6 / 1424 هـ قد استعرض ما جرى مؤخرا في المملكة العربية السعودية من تفجيرات استهدفت تخريبا وقتل أناس معصومين، وأحدثت فزعا وإزعاجا. كما استعرض ما اكتشف من مخازن للأسلحة ومتفجرات خطيرة معدة للقيام بأعمال تخريب ودمار في هذه البلاد التي هي حصن الإسلام وفيها حرم الله وقبلة المسلمين ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولأن مثل هذه الاستعدادات الخطيرة المهيأة لارتكاب الإجرام من أعمال التخريب والإفساد في الأرض مما يزعزع الأمن، ويحدث قتل الأنفس، وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة، ويعرض مصالح الأمة لأعظم الأخطار، ونظرا لما يجب على علماء البلاد من البيان تجاه هذه الأخطار من وجوب التعاون بين أفراد الأمة كافة لكشفها، ودفع شرها، والتحذير منها، وتحريم السكوت

عن الإبلاغ عن كل خطر يبيت ضد هذا الأمن، رأى المجلس وجوب البيان لأمور تدعو الضرورة إلى بيانها في هذا الوقت براءة للذمة، ونصحا للأمة، وإشفاقا على أبناء المسلمين من أن يكونوا أداة فساد وتخريب وأتباعا لدعاة الضلالة والفتنة والفرقة، وقد أخذ الله تعالى على أهل العلم الميثاق أن يبينوا للناس، قال الله سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: 187] [آل عمران: 187] . لذلك كله، وتذكيرا للناس، وتحذيرا من التهاون في أمر الحفاظ على سلامة البلاد من الأخطار فإن المجلس يرى بيان ما يلي: أولا: أن القيام بأعمال التخريب والإفساد من تفجير وقتل وتدمير للممتلكات عمل إجرامي خطير، وعدوان على الأنفس المعصومة، وإتلاف للأموال المحترمة؛ فهو مقتض للعقوبات الشرعية الزاجرة الرادعة عملا بنصوص الشريعة ومقتضيات حفظ سلطانها وتحريم الخروج على من تولى أمر الأمة فيها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتلك تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه» . أخرجه مسلم. ومن زعم أن هذه التخريبات وما يراد من تفجير وقتل من الجهاد، فذلك جاهل ضال، فليس من الجهاد في سبيل الله في شيء. ومما سبق، فإنه قد ظهر وعلم أن ما قام به أولئك ومن وراءهم إنما هو من الإفساد والتخريب والضلال المبين، وعليهم تقوى الله عز وجل، والرجوع إليه، والتوبة والتبصر في الأمور، وعدم الانسياق وراء عبارات وشعارات فاسدة ترفع لتفريق الأمة وحملها على الفساد، وليس في حقيقتها من الدين، وإنما هي من تلبيس الجاهلين والمغرضين، وقد تضمنت نصوص الشريعة عقوبة من يقوم بهذه الأعمال ووجوه ردعه والزجر عن ارتكاب مثل عمله، ومرد الحكم بذلك إلى القضاء.

ثانيا: وإذ تبين ما سبق، فإن مجلس هيئة كبار العلماء يؤيد ما تقوم به الدولة- أعزها الله بالإسلام- من تتبع لتلك الفئة والكشف عنهم لوقاية البلاد والعباد شرهم، ولدرء الفتنة عن ديار المسلمين وحماية بيضتهم، ويجب على الجميع أن يتعاونوا في القضاء على هذا الأمر الخطير؛ لأن ذلك من التعاون على البر والتقوى الذي أمرنا الله به في قوله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2] [المائدة: 2] . ويحذر المجلس من التستر على هؤلاء أو إيوائهم؛ فإن هذا من كبائر الذنوب، وهو داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من آوى محدثا» . متفق عليه. وقد فسر العلماء "المحدث " في هذا الحديث بأنه من يأتي بفساد في الأرض. فإذا كان هذا الوعيد الشديد فيمن آواهم، فكيف من أعانهم أو أيد فعلهم؟ ثالثا: يهيب المجلس بأهل العلم أن يقوموا بواجبهم، ويكثفوا إرشاد الناس في هذا الشأن الخطير ليتبين بذلك الحق. رابعا: يستنكر المجلس ما يصدر من فتاوى وآراء تسوغ هذا الإجرام أو تشجع عليه؛ لكونه من أخطر الأمور وأشنعها. وقد عظم الله شأن الفتوى بغير علم، وحذر عباده منها، وبين أنها من أمر الشيطان؛ قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 168] [البقرة: 168] ، ويقول سبحانه: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل: 116] [النحل: 116] ، ويقول جل وعلا: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36] [الإسراء: 36] . وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيء» . متفق عليه. ومن صدر منه مثل هذه الفتاوى أو الآراء التي تسوغ هذا الإجرام، فإن على ولي الأمر إحالته إلى القضاء ليجري نحوه ما يقتضيه الشرع نصحا للأمة وإبراء للذمة وحماية للدين، وعلى من آتاه الله العلم التحذير من الأقاويل الباطلة وبيان فسادها

وكشف زورها. ولا يخفى أن هذا من أهم الواجبات، وهو من النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. ويعظم خطر تلك الفتاوى إذا كان المقصود بها زعزعة الأمن وزرع الفتن والقلاقل، ومن القول في دين الله بالجهل والهوى؛ لأن ذلك استهداف للأغرار من الشباب ومن لا علم عنده بحقيقة هذه الفتاوى والتدليس عليهم بحججها الواهية، والتمويه على عقولهم بمقاصدها الباطلة، وكل هذا شنيع وعظيم في دين الإسلام، ولا يرتضيه أحد من المسلمين ممن عرف حدود الشريعة، وعقل أهدافها السامية ومقاصدها الكريمة، وعمل هؤلاء المتقولين على العلم من أعظم أسباب تفريق الأمة ونشر العداوات بينها. خامسا: على ولي الأمر منع الذين يتجرأون على الدين والعلماء، ويزينون للناس التساهل في أمور الدين والجرأة عليه وعلى أهله، ويربطون بين ما وقع وبين التدين والمؤسسات الدينية. وإن المجلس ليستنكر ما يتفوه به بعض الكتاب من ربط هذه الأعمال التخريبية بالمناهج التعليمية، كما يستنكر استغلال هذه الأحداث للنيل من ثوابت هذه الدولة المباركة القائمة على عقيدة السلف الصالح، والنيل من الدعوة الإصلاحية التي قام بها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. سادسا: إن دين الإسلام جاء بالأمر بالاجتماع، وأوجب الله ذلك في كتابه، وحرم التفرق والتحزب، يقول الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] [آل عمران: 103] ، ويقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159] [الأنعام: 159] ، فبرأ الله رسوله صلى الله عليه وسلم من الذين فرقوا دينهم وحزبوه، وكانوا شيعا. وهذا يدل على تحريم التفرق، وأنه من كبائر الذنوب. وقد علم من الدين بالضرورة وجوب لزوم الجماعة، وطاعة من تولى إمامة المسلمين في طاعة الله بقول الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] [النساء: 59] ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك. .» . أخرجه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني» متفق عليه. وقد سار على هذا سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم ومن جاء بعدهم في وجوب السمع والطاعة. لكل ما تقدم ذكره، فإن المجلس يحذر من دعاة الضلالة والفتنة والفرقة، الذين ظهروا في هذه الأزمان، قلبوا على المسلمين أمرهم، وحرضوهم على معصية ولاة أمرهم والخروج عليهم، وذلك من أعظم المحرمات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائنا من كان» . أخرجه مسلم. وفي هذا تحذير لدعاة الضلالة والفتنة والفرقة، وتحذير لمن سار في ركابهم عن التمادي في الغي المعرض لعذاب الدنيا والآخرة. والواجب التمسك بهذا الدين القويم، والسير فيه على الصراط المستقيم المبني على الكتاب والسنة وفق فهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان، ووجوب تربية النشء والشباب على هذا المنهاج القويم والصراط المستقيم، حتى يسلموا- بتوفيق من الله- من التيارات الفاسدة ومن تأثير دعاة الضلالة والفتنة والفرقة، وحتى ينفع الله بهم أمة الإسلام، ويكونوا حملة علم وورثة للأنبياء، وأهل خير وصلاح وهدى، ويكرر التأكيد على وجوب الالتفاف حول قيادة هذه البلاد وعلمائها، ويزداد الأمر تأكدا في مثل هذه الأوقات، أوقات الفتن، كما يحذر الجميع حكاما ومحكومين من المعاصي والتساهل في أمر الله، فشأن المعاصي خطير، وليحذروا من ذنوبهم، وليستقيموا على أمر الله، ويقيموا شعائر دينهم، ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر. وقى الله بلادنا وجميع بلاد المسلمين كل سوء، وجمع الله كلمة المسلمين على الحق والهدى، وكبت الله أعداءه أعداء الدين، ورد كيدهم في نحورهم، إنه سبحانه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

5 - وفي الوقت الذي كان لهيئة كبار العلماء هذا الموقف الشرعي الواضح، فإن لقيادة المملكة وكبار المسئولين فيها مواقف جلية واضحة، اعتمدت الموقف الشرعي الذي أعلنته هيئة كبار العلماء، وكذا الموقف الأزلي للمملكة، وهو الوقوف في وجه كل من تسول له نفسه العبث بأمن هذا الوطن ومقدراته ومكتسباته ومنجزاته خاصة والعالم عامة؛ لأن ذلك من الإفساد في الأرض والإخلال بالأمن والقتل للأنفس المعصومة والتضييع للمال. وقد كان لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود الموقف الواضح والصريح المعلن أن المملكة العربية السعودية تدين كل اعتداء يستهدف الإخلال بأمن المجتمع الدولي ويعرض سكان العالم وممتلكاتهم للخطر، وأن المملكة لن تتوانى في مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وصوره، وأنها تدعو العالم بأسره إلى الوقوف بحزم وقوة في معالجة أسباب الإرهاب الدولي، والعمل على استتباب الأمن والاستقرار الدولي، خاصة في ظل الاتفاق الدولي على أن الإرهاب لا دين له ولا وطن. ومما قاله في هذا الصدد: "إن شعبنا السعودي النبيل من منطلق إيمانه بثوابته الإسلامية وقيمه العربية يرفض الإرهاب بكافة صوره وأشكاله، ولن يسمح لفئة من الإرهابيين المنحرفين أن يمسوا الوطن وسلامة أبنائه والمقيمين فيه، ولن يسمح إن شاء الله بوجود فكر يشجع الإرهاب ويغذيه حتى عندما يحاول هذا الفكر الضال التظاهر بالتدين، والدين الحنيف من الإرهاب وفكر الإرهاب براء". أما الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، فقد أوضح أن المملكة العربية السعودية تقف صفا واحدا في مواجهة الإرهاب ومكافحته، فقال: " الشعب السعودي بأكمله- بشيوخه وأطفاله ونسائه ورجاله- يقف صفا واحدا متماسكا يدين هذا العمل الشائن، ويتبرأ من فاعليه، ويدافع بالنفس والنفيس عن هذا الوطن ". ثم يقول: "لا مكان للإرهاب، بل الردع الحاسم له، ولكل فكر يغذيه، ولكل رأي يتعاطف معه ". كما كان للأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء

ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام كلماته المعبرة عن موقف ثابت وصريح من الإرهاب، وأن بناء القوات المسلحة في المملكة العربية السعودية بكافة قطاعاتها إنما هو للوقوف بحزم في وجه الإرهاب أيا كان مصدره أو موطنه أو طريقته، وأنه لا مكان للإرهاب على تراب المملكة العربية السعودية، ولا تراجع عن المواقف الحازمة والصريحة من كل ما يلحق ضررا بالمصالح العامة والخاصة ويعرض البشرية للخطر. وأما الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود وزير الداخلية، فقد أبان في أكثر من مناسبة أن كل مواطن على أرض هذا الوطن يعد رجل أمن يذود عنه بدمه وماله، وأن الجميع يد واحدة في وجه الإرهاب ومواجهة الإرهابيين وكشف عوارهم، وأن هذا الموقف نابع من عقيدتنا الإسلامية السامية التي فيها كل الخير للبشرية. كما أكد أن المملكة ما كانت- ولن تكون إن شاء الله- يوما من الأيام متأخرة في مكافحة الإرهاب ونبذ فكر الانحراف والغلو والتطرف وتفنيده، والتحذير منه، انطلاقا من عقيدتها ودينها ومبادئها الثابتة. 6 - وأما في جانب التوجيه والتوعية، فإن المملكة العربية السعودية لا تتوانى في استخدام كل منبر متاح وكل مناسبة لإيضاح الموقف الإسلامي من الإرهاب وموقفها الأزلي منه، وهذه هي الرسالة التي حملها أئمة المساجد والخطباء والدعاة من خلال كلماتهم ودروسهم وخطبهم ومحاضراتهم. كما أسهمت وسائل الإعلام ورجاله بنصيب وافر من التوعية وفضح عوار الإرهاب والفكر الإرهابي، حتى يكون معلوما لعموم المواطنين والمقيمين وكذا نقل ذلك إلى المسلمين خارج المملكة العربية السعودية. وانطلاقا من تلك الأسس، فقد قامت المملكة بجهود كثيرة ومتنوعة بعضها معلن معروف للعامة، والكثير غير معلن، ومما قامت به المملكة حتى الآن من جهود معلنة لمكافحة الإرهاب بشتى صوره وأشكاله ما يأتي: - - إعلانها المستمر للانضمام إلى أي جهود دولية تحت مظلة الأمم المتحدة لتعريف ظاهرة الإرهاب بمختلف أشكاله دون تفريق بين أنواعه المختلفة. - الإعلان عن تجريم ظاهرة الإرهاب ومعاقبة مرتكبيها.

- قيام كثير من الأئمة والدعاة وخطباء المساجد والعلماء بتوعية الناس بالموقف الشرعي من الإرهاب، وقتل الأنفس المعصومة، والغلو والتطرف في المواقف، وعدم الوسطية والاعتدال في المنهج، وما يسببه ذلك للمسلمين من مشكلات، وما يجره عليهم من مصائب، فضلا عن مخالفته لأحكام الشرع المطهر. - بالإضافة إلى تدريس العلوم الشرعية التي تفند الإرهاب، وتحدد الأحكام الشرعية على مرتكبيه، فإن المملكة تدرس مادة خاصة بمكافحة الإرهاب في بعض المناهج العلمية في المؤسسات التعليمية. - إنشاء لجان متخصصة بمكافحة الإرهاب على المستوى الداخلي والدولي، والتعاون مع الدول والهيئات الدولية في مجال مكافحة الإرهاب. - تجاوبها مع اللجنة الخاصة بمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن، المنشأة بالقرار ذي الرقم 1376 لعام 2001 م حيث قدمت المملكة تقريرا إليها عما قامت به من جهود في مكافحة الإرهاب. - إنشاء وحدات مختصة بمتابعة الأموال التي يمكن أن يساء استخدامها لتمويل الإرهاب. وصدر في المملكة نظام مكافحة غسل الأموال واعتبارها جريمة يعاقب عليها وفق قانون الجنايات. - وضع تشريعات وتنظيمات للقطاع المصرفي للتأكد من سلامة الإجراءات وتحديث المعلومات. - اتخاذ إجراءات وتنظيمات في مجال ضبط وتنظيم العمل الخيري الذي تقوم به المؤسسات الخيرية الأهلية، وقد أغلقت بعض المكاتب التي وجد عليها ملحوظات، أو مخالفة لتلك الإجراءات والتعليمات. وهذه أمثلة فقط على جهود المملكة في مجال مكافحة الإرهاب، وحصر هذه الجهود يطول، بل يحتاج إلى بحث متخصص في هذا الموضوع.

الخاتمة

[الخاتمة] الخاتمة لعله، ومن خلال استعراض موضوع تعريف الإرهاب ومفهومه، وعرض شيء من أسبابه وخصائصه، وإلماحة سريعة إلى الموقف منه، يتبين أننا أمام موضوع يحتاج إلى مزيد من الدراسات والمناقشات من خلال تنظيم مؤتمرات أو ندوات عالمية متخصصة يتجلى من خلالها ما يجب أن يقوم به أفراد هذا العالم، رؤساء ومرؤوسين، من خلال الدول أو المنظمات والهيئات الدولية المتخصصة. وفي الختام، فإنه يمكن استخلاص النتائج والتوصيات التي يمكن أن ينظر من خلالها إلى مزيد مناقشة وبحث لما لم تستطع هذه المحاولة تناوله ومناقشته وبحثه، أو ما لم تتوصل فيه إلى تبني رأي معين. ولهذا فإن من المناسب التنويه عن الأمور الآتية: - 1 - إن رجال العلم والقانون والمؤسسات الرسمية مطالبون بوضع تعريف موحد ومحدد ومقيس للإرهاب، وذلك من خلال لقاءات وندوات ومؤتمرات دولية، حتى يمكن تحديد الإرهاب ومواجهته بكافة صوره وأشكاله. 2 - إن على المؤسسات الدينية في العالم، من خلال منابرها، مسئولية العمل على توجيه الناس وتوعيتهم بخطر الإرهاب، وضرورة الوقوف صفا واحدا في مواجهته. 3 - تقع على المؤسسات التعليمية في العالم، ورجال التعليم، مسئولية تعليم النشء وتربيتهم وتوعيتهم بمفاسد الانحراف الفكري، وما ينتج عنه من انحراف في السلوك والتصرفات التي تضر بالمصالح العامة للناس. 4 - مسئولية المؤسسات الإسلامية الرسمية والخيرية، والمراكز الإسلامية في العالم عن تبيين سماحة الإسلام ووسطيته وبعده عن الغلو والتطرف والاعتداء على الناس، وتنظيم ندوات ومحاضرات علمية ولقاءات عامة وخاصة لإلقاء مزيد من الضوء على سماحة الإسلام ويسره، ودعوة غير المسلمين إلى تلك المحاضرات واللقاءات. 5 - تنظيم المزيد من المحاضرات والندوات العلمية ذات الصلة بالتوعية بأخطار

الإرهاب على المستوين الداخلي لكل دولة والدولي، وذلك عن طريق الهيئات والمجامع والمراكز الثقافية المحلية والعالمية، مع ترجمة بعض الكتب العلمية، التي تصدر عن المؤسسات والمجامع العلمية، والعناية بسلامة الترجمة، لما تحدثه بعض الترجمات من فهم يخالف المراد. 6 - العمل على إنشاء مؤسسات وهيئات محلية- داخل كل دولة- وإقليمية تعنى بالتعاون فيما بينها على مكافحة الإرهاب من خلال التوعية الثقافية والميدانية. 7 - عناية وسائل الإعلام ورجاله بالتوعية الإعلامية، وتحري الدقة في النقل، واختيار الشخصيات المسئولة للنقل عنها، والعرض والتحليل لكل ما يتم عرضه مما له علاقة بأسباب الإرهاب وحركاته في العالم. 8 - بذل المزيد من الجهود الإعلامية والتوعوية، وعقد لقاءات فيما بين المؤسسات الإعلامية من أجل وضع استراتيجية إعلامية دولية لمعالجة الفكر المنحرف ومكافحة الإرهاب. 9 - المسئولية الأدبية والقانونية لدول العالم عن مكافحة الإرهاب ومعالجة أسبابه تستدعي عدم إيواء الأشخاص أو المنظمات أو الحركات ذات الفكر الذي يقود إلى الإرهاب أو تكوين خلايا إرهابية في دولها.

المؤلف الدكتور عبد الرحمن المطرودي. * تخرج في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. * حصل على الماجستير في علم الاجتماع من بريطانيا. * حصل على الدكتوراه في علم الاجتماع من بريطانيا. * عين أستاذا مساعدا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. * عمل وكيلا مساعدا للشؤون الإسلامية بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد. * يعمل وكيلا لشؤون الأوقاف. * البحوث والمشاركات: - المشاركة في بعض المقالات الصحفية. - إعداد بعض البحوث التي لم تنشر بعد، منها: - الشائعات وأثرها في حياة الناس. - خواطر حول مفهوم الإرهاب والموقف منه. - جهود المملكة العربية السعودية في مجال الأوقاف: في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله، وفي عهد خادم الحرمين الشريفين. - النشاط المدرسي غير الصيفي- وجهة نظر تربوية إسلامية- غير منشور. - الدعوة في منطقة الرياض (منشور ضمن بحوث الأمانة العامة للاحتفاء بمرور مائة عام على تأسيس المملكة) . - شارك في الإشراف على بعض الرسائل العلمية ومناقشة خططها.

§1/1