نصب الراية
الزيلعي ، جمال الدين
مقدمة
المجلد الأول مقدمة ... مقدمة "نصب الراية- لأحاديث الهداية" بسم الله الرحمن الرحيم سبحانك اللهم، لك الحمد، كما أنت أهله، وكما يليق بجلال وجهك، وعظيم سلطانك، صل على صفوة خلقك، رسول الرحمة محمد، وآله، أهل بيته وعترته وصحبه، صلاة ترضيك، وترضيه عنا، يا رب العالمين. وبعد: خطر بالبال أن يكون "نصب الراية - لأحاديث الهداية" مسبوقاً بمقدمة، تحوي أموراً، يجب علمها، وحقائق ثابتة، تجب معرفتها. ووقعت هذه الخطرة بالبال موقعاً. ولم تلبث حتى أصبحت فكرة، ولم تزل الفكرة، حتى دعت طلوعاً على هذه الصفحات. فرافقتني الخطرة، وأعجبتني الفكرة، فاحتفلت بها احتفالاً، ورحبت دعوتها ترحاباً. وحاولت أن أصدّرها بكلمة في تعريف "المجلس العلمي" - بالهند، فإنه أضحى سبباً لطبع الكتاب، وعلى إثرها لمعة من ترجمة - المؤلف - ورشحة من ترجمة صاحب "الهداية". ثم أعقبها بمقالة حافلة في أهم مواضيع الفقه، والحديث، ما يرتاح له قلب العالم، ويبتهج له عقل الفقيه، بقلم نظار محقق، وبحاثة متبحر، وأختمها بكلمة في تصحيح الكتاب، وما لاقينا فيه من كبد وعناء، والله سبحانه خير موفق ومعين.
المجلس العلمي
المجلس العلمي المجلس العلمي - إدارة تأليفية، فعلت في سن طفولتها، ما لو فعلته في عهد شبابها، لكفاها فخراً وشرفاً. رجل سعيد الحظ، ميمون الطلعة، طيب الأرومة، رحيب الصدر، من أهل سملك في - الكجرات - بالهند، أصبح إفريقياً منذ برهة من الدهر، من مشاهير تجار أفريقيا الجنوبية. التحق بدار العلوم في ديوبند - مركز الثقافة الدينية، والعلمية بالهند - وتخرج منها بعد سنوات، عالماً فاضلاً. في عهد تحصيله: ساعد طلبة العلم، أعان دار العلوم - مهد تربيته العلمية - بآلاف جنيه، وخدم أكبر شيوخه، إمام العصر المحدث، الشيخ محمد أنور الكشميري ثم الديوبندي، بما فيه أسوة لمن يأتي بعده. فارق مهده العلمي! فخلّف صيتاً حسناً، وذكراً جميلاً، على الألسنة، وقدراً في القلوب. بأعماله الخالدة، أصبحت مدرسة تعليم الدين في - دابهيل - "من الكجرات" - جامعة إسلامية - ينثال إليها طلبة العلم من كل صوب وناحية. يتبرع إليها بعطية، تربو على ألف جنيه كل عام. ثم فتح إدارة علمية لإحياء المآثر العلمية، غراماً بإبقاء آثار العلم الخالدة، تحت إشراف إمام العصر السالف ذكره، ومحقق العصر الشيخ شبير أحمد العثماني الديوبندي - طال بقاءه - فوفق لأن يقدم لأهل العلم ما يربو على عشرين كتاباً: في علوم الحديث. والقرآن. والحقائق وغيرها، قبل أن يبلغ المجلس إلى ثماني حجج، من عمره الميمون. وكذا الكريم إذا أقام ببلدة ... سال النضار بها وقام الماء وإليك ذكر شيء من مآثره:
فمن القرآن: - 1 - مشكلات القرآن - لإمام العصر، محمد أنور الكشميري رحمه الله. 2 - تحية الإسلام. في حياة عيسى عليه السلام - أيضاً له. 3 - خاتم النبيين - أيضاً له. ومن الحديث: - 1 - نصب الراية - لأحاديث الهداية تأليف الإمام الحافظ العلامة. جمال الدين الزيلعي، في - أربعة أجزاء كبيرة -. 2 - نيل الفرقدين، في مسألة رفع اليدين - لإمام العصر. 3 - كشف الستر. في مسألة الوتر - أيضاً له. ومن الحقائق: - 1 - البدور البازغة - للإمام الشاه، ولي الله الدهلوي، صاحب حجة الله البالغة 2 - الخير الكثير - أيضاً له. 3 - التفهيمات الإلهية في جزءين - أيضاً له. 4 - المعارف اللدنيّة - للإمام الرباني - المجدد للألف الثاني - الشيخ أحمد السرهندي. 5 - مرقاة الطارم - لحدوث العالم - لإمام العصر. فهذه وأمثالها مآثر ناصعة للمجلس العلمي ألا وإن بانيه المشار إليه، هو الحاج محمد ابن موسى السِّملكي، ثم الإفريقي. أسسه على عماد التقوى والإخلاص! نجاره شرف الخلق، وشعاره سيما العلم، ودثاره رحابة الصدر. بَيْدَ أني ألاقى منه متضايق الصدر عند التنويه بشأن من شؤونه، غياباً، أو شفاهاً!
اكتب هذه السطور، وأنا في القاهرة، وهو في إفريقيا الجنوبية، والقلب يستشعر بخوف الكدر على قلبه مني، مع صفاء. ولولا هذه الخطرة لبثثت طرفاً من مفاخره التي هو يطويها، ومناقبه التي هو يستنكف عن إفشائها، كأنها مثالب نقص، وصمات عار، وحاشاه عن ذلك. وأصدق ما يحكي حاله وحالي، ما قال أبو الطيب: - أنا بالوشاة إذا ذكرتك أشبه ... تأتي الندى، ويذاع عنك فتكره لكن أبى المسك إلا أن تتم به نفحاته. وأبت الشمس إلا أن تلمع في الأنحاء سطعاتها المتشعشعة الحمراء. أرجو عن سماحة شيمته، ورحابة صدره، أن لا يؤاخذني بهذه الكلمات، حيث جذبها القلم من جذر القلب. وحاشاها أن يشوبها نغص من الإطراء، وكدر من الرياء، وكأنها تناثرت من سنىّ القلم، من غير أن يتجشمها إرادة! ومن شيمة الكرماء حسن الظن، وقبول المعاذير. وقصارى القول: إن المجلس قام في طفولته بأعباء، لو قام بها في فتوّته لكفاه براعة، وصاحب المجلس انتهض لمهمة دينية في ريعان شبيبته، لو انتهض لها في أوان شيبته لكفاه فضلاً ونباهة في الدنيا، وذخراً في الآخرة، ووجاهة عند الله جل ذكره، وعظم برهانه، وأرجو له التوفيق من الله سبحانه بما تقرّ به عينه، وعيون آهل العلم في أنحاء الأرض، إنه سميع مجيب. ثم أرى لزاماً عليَّ أن أشكر حُسن قيام صديقنا الفاضل الأستاذ السيد أحمد رضا بن السيد شبير علي البجنوري، بأعباء خدمة هذا المجلس العلمي من كل جهة بحنكة، وبصيرة، وصدق وإخلاص، وهو الذي أصبح هذا المجلس بحسن شؤونه الإدارية، ودأب جهده البالغ في تنميته وترشيحه، يرتقي معارج كماله، بما تطمئن به القلوب، وتثلج به الصدور. أدعو الله سبحانه أن لا يزال موفقاً لما فيه سكينة لقلبه في الدارين، وراحة لقلوب أهل المجلس، وما ذلك على الله بعزيز.
[ترجمة الزيلعي]
[ترجمة الزيلعي] إلمامة "بترجمة الإمام الحافظ جمال الدين الزيلعي الحنفي" "صاحب نصب الراية - لتخريج أحاديث الهداية"، ولمعة من مزايا كتابه الجليل هو الإمام - الفاضل البارع، المحدث المفيد، الحافظ المتقن، جمال الدِّين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد بن أيوب بن موسى الحنفي الزيلعي رحمه الله. الزيلعي - نسبة إلى - زيلع - بلدة على ساحل الحبشة، قاله السيوطي في اللباب. وإليها نسبة شيخه فخر الدِّين الزيلعي، الفقيه، صاحب تبيين الحقائق - في شرح كنز الدقائق في ست مجلدات كبيرة، ونسب إليها عدة رجال من علماء زيلع الحنفيين، وترجم لبعضهم في كتاب قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر1 للشيخ أبي محمد محمد الطيب بن عبد الله من علماء القرن العاشر للهجرة. قال تقي الدين بن فهد الملكي في ذيل تذكرة الحفاظ - للذهبي: تفقه، وبرع، وأدام النظر والاشتغال، وطلب الحديث، واعتنى به، فانتقى، وخرَّج، وألف، وجمع، وسمع على جماعة من أصحاب النجيب الحراني، ومن بعدهم: كالشهاب أحمد بن محمد بن فتوح التجيبي مسند الإسكندرية. والشهاب أحمد بن محمد بن قيس الأنصاري فقيه القاهرة والإسكندرية. والشمس محمد بن أحمد بن عثمان بن عدلان شيخ الشافعية وجلال الدِّين أبي الفتوح علي بن عبد الوهاب بن حسن بن إسماعيل بن مظفر بن الفرات الجريري - بضم الجيم - وتقي الدين بن عبد الرزاق بن عبد العزيز بن موسى اللخمي الأسكندري، وتاج الدِّين محمد بن عثمان بن عمر بن كامل البلبيسي، الكارمي الأسكندري، وجمال الدِّين عبد الله بن أحمد بن هبة الله بن البوري، الأسكندري، اهـ.
وقال تقي الدين أبو بكر التميمي في الطبقات السنية:1 اشتغل وسمع من أصحاب النجيب، وأخذ عن الفخر الزيلعي - شارح الكنز - وعن القاضي علاء الدين التركماني، وغيرهما، ولازم مطالعة كتب الحديث، إلى أن خرَّج أحاديث الهداية، وأحاديث الكشاف، فاستوعب ذلك استيعاباً بالغاً. قال في الدرر يعني به الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة: ذكر لي - شيخنا العراقي - أنه كان يرافقه في مطالعة الكتب الحديثية، لتخريج الكتب التي كانا قد اعتنيا بتخريجها، فالعراقي لتخريج أحاديث الإحياء، والأحاديث التي يشير إليها الترمذي في الأبواب، والزيلعي لتخريج أحاديث الهداية، والكشاف، فكان كل منهما يعين الآخر، ومن كتاب الزيلعي في تخريج أحاديث الهداية استمد الزركشي في كثير مما كتبه من تخريج أحاديث الرافعي. وقال ابن العديم، ومن خطه نقلت: شاهدت بخط شيخ الإسلام حافظ الوقت، شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن حجر العسقلاني ما صورته - بعد أن ذكر غالب ما نقلناه هنا من الدرر منه -: جمع تخريج أحاديث الهداية، فاستوعب فيه ما ذكره صاحب الهداية من الأحاديث، والآثار في الأصل، وما أشار إليه إشارة، ثم اعتمد في كل باب أن يذكر أدلة المخالفين، ثم هو في ذلك كثير الإنصاف، يحكي ما وجده من غير اعتراض، ولا تعقب غالباً، فكثر إقبال الطوائف عليه، واستوعب أيضاً في تخريج أحاديث الكشاف2 ما فيه من الأحاديث المرفوعة خاصة، فأكثر من تبين طرقها، وتسمية مخرجيها على نمط ما في أحاديث الهداية، لكنه فاته كثير من الأحاديث المرفوعة التي يذكرها الزمخشري بطريق الإشارة، ولم يتعرض غالباً لشيء من الآثار الموقوفة، ورأيت بخطه كثيراً من الفوائد، مفرقاً رحمه الله، وعفا عنه بمنه وكرمه. اهـ انتهى ما حكاه التميمي في طبقاته.
وقال الشيخ جلال الدين السيوطي في ذيل تذكرة الحفاظ - الذهبي سمع من أصحاب النجيب، وأخذ عن الفخر الزيلعي، شارح الكنز، والقاضي علاء الدين بن التركماني، وابن عقيل، وغير واحد، ولازم مطالعة كتب الحديث إلى أن خرَّج أحاديث الهداية، - وأحاديث الكشاف، واستوعب ذلك استيعاباً بالغاً، اهـ، ومثله قال في حسن المحاضرة عند ذكر حفاظ الحديث، ونقاده بمصر ص 151 - ج 1. قال البحاثة الكبير الأستاذ المحقق الشيخ محمد زاهد الكوثري طال بقاؤه في حواشيه على ذيل ابن فهد: واستمد ابن حجر نفسه في تخاريجه كذلك، وقال الفاضل المحقق الشيخ عبد الحي اللكنوي في الفوائد البهية: به استمد من جاء بعده من شراح الهداية، بل به استمد كثيراً الحافظ ابن حجر في تخاريجه: كتخريج أحاديث شرح الوجيز - للرافعي. وغيره. اهـ. وقال الأستاذ الكوثري: والزيلعي أعلى طبقة من العراقي، وعمله هذا معه - أي مرافقته في التخاريج - يدل على ما كان عليه من الأخلاق الجميلة والتواضع، وتخاريجه شهود صدق على تبحره وسعة إطلاعه في علوم الحديث، من: معانيه، وأسماء رجاله، ومتونه، وطرقه، وقد رزقها الله الانتفاع بها، والتداول بأيدي أهل العلم بالحديث على مدى القرون، وكان بعيداً عن التعصب المذهبي، يحشد الروايات، وقد لا يتكلم فيما له كبير مجال، انتهى كلامه. قال الراقم: وكأن الأستاذ الكوثري يعّرض إلى كثير من الحفاظ الشافعية، ولا سيما حامل لواءهم في المتأخرين، الحافظ ابن جحر، فإنه بضد الحافظ الزيلعي، يبخس الحنفية حقهم في أمثال هذه المواضع، ويتكلم فيما لا يكون للكلام فيه مجال، ومن دأبه في كتبه - ولا سيما فتح الباري - أنه يغادر حديثاً في بابه مؤيداً للحنفية، مع علمه، ثم يذكره في غير مظانه، لئلا ينتفع به الحنفية. قال شيخنا إمام العصر، الشيخ محمد أنور الكشميري، ثم الديوبندي رحمه الله تعالى: كان الحافظ جمال الدين الزيلعي، من المشائخ الصوفية، الذين ارتاضت نفوسهم بالمجاهدات والخلوات، وتزكت قلوبهم عن الرذائل والشهوات، كما كان من أكابر المحدثين الحفاظ، بحور العلم والحديث، وترى من آثار تزكية نفسه أنه لا يتعصب لمذهبه شيئاً، بل يمشي مع الخصوم، ويسايرهم بغاية الإنصاف.
وبمثل هذه الميزة امتاز الشيخ الحافظ، تقي الدِّين بن دقيق العيد، رحمه الله، بين علماء عصره، وكان هو أيضاً من أكابر الصوفية، صاحب كرامات، لا يتعصب لأهل مذهبه، وربما يقصد في تحقيقه إفادة الحنفية وتأييدهم، وحاشاه أن يبخس حقهم، ومثله منا - في الجمع بين طريقة القوم، وبين علوم الشريعة، ثم النَّصَفة والعدل - الشيخ المحقق ابن الهمام، صاحب فتح القدير، وهذا بخلاف الحافظ ابن حجر، فيتطلب دائماً مواقع العلل، ويتوخى مواضع الوهن من الحنفية، ولا يأتي في أبحاثه ما يفيد الحنفية، ويقول شيئاً، وهو يعلم خلاف ذلك، ولا يليق بجلالة قدره ذلك الصنيع، وحاشاي أن أغض من قدر الحافظ ابن حجر الذي يستحقه، وإنما هي حقائق ناصعة، ووقائع ثابتة، يجب على الباحث الناقد أن يعرفها، عفا الله عنه، وبدل سيئاته حسنات. وسمعت منه رحمه الله: أن الشيخ ابن الهمام كل ما ذكره في فتحه من أدلة مذهبنا، مستفاد من تخريج الإمام الزيلعي، ولم يزد عليه دليلاً، إلا في ثلاثة مواضع: منها مسألة المهر، وقدر ما يجب. وأفادني الأستاذ الكوثري: أن من مؤلفات الإمام الزيلعي مختصر معاني الآثار للطحاوي، وهو من محفوظات مكتبة - رواق الأتراك - بالأزهر، والكوبريلي - بالآستانة - اهـ. أما وفاة هذا الإمام الجليل، فقد اتفقت كلمتهم، ممن ترجم له - كابن ابن حجر. وابن فهد. والسيوطي. والتميمي. والكفوي - على وفاته في المحرم سنة اثنتين، وستين، وسبعمائة - 726 - هجرية، وزاد ابن فهد تعيينه: بالحادي عشر من المحرم، ولم يتعرض أحد منهم، لذكر تاريخ ولادته، ولم أظفر بها، مع تتبع، ودفن بالقاهرة، واتفقت به كلمة من تعرض لوفاته، والعجب أنه لم يعين أحد قبره، ولا جهته، من أصحاب التراجم، ورجال الطبقات، والمؤلفين، في خطط القاهرة، وآثار مصر: كالمقريزي. وغيره، والمتصدين لذكر مزارات الأولياء، وقبور الصالحين بالقاهرة، كالسخاوي. وغيره، إلا أن علي باشا مبارك في الخطط التوفيقية ذكر عند ذكر، شارع باب الوزير، في: ص 103 - ج 2، عطفة الزيلعي، وقال: عرفت بضريح الشيخ الزيلعي المدفون بها، اهـ. ولم يعينه من هو، فوصلت إلى العطفة المذكورة الواقعة في - شارع المحجر - برفاقة صديقي المحترم، الشيخ عبد المجيد الدسوقي عطية، وبمساعدة الأستاذ الفاضل إبراهيم بن مختار الزيلعي، فألقينا في آخر العطفة بيتاً مغلقاً، واطلعنا إلى شباكه، فإذا هو مكتوب على غلاف المرقد الشريف:
خصائص هذا الكتاب الجليل
هذا مقام الإمام عبد الله الزيلعي، وكان خارج البيت فوق الباب، كتابة في حجر منحوتة، فقرأنا فيه كلمة: عبد الله، وكلمة الزيلعي، ولكن كان في القلب شيء، فاستظهرت بالأستاذ حسن قاسم عالم هذه الآثار فذهب وقرأ اللوح، بعد أن أتعب نفسه، فإذا هو أبو عبد الله، فاتضح أنه غيره، ثم الأستاذ حسن قاسم يجزم بأن ضريحه بقرافة القاهرة، بباب النصر، بَيْدَ أنه اندثرت المقبرة هنا، فلا يعرف اليوم قبر أحد، والله أعلم. خصائص هذا الكتاب الجليل قد سمعت أقوال علماء الأمة، وحفاظ الحديث في حق المؤلف، الإمام الحافظ الجهبذ، وأغنتنا كلماتهم الموجزة عن الإطناب في مدحه، بَيْدَ أني أحاول أن أشير إلى لمعة من خصائص مؤلفه هذا، نصب الراية - لتخريج أحاديث الهداية، ليكون من بدء الأمر، بصيرةً لأولي الأبصار، وبصراً لأرباب البصائر، فيقع الكتاب في جذر قلوبهم، بانبلاج وانشراح. فمن خصائص هذا الكتاب، أنه - كما أصبح ذخيرة نادرة للمذهب الحنفي - كذلك أصبح ذخيرة ثمينة لأرباب المذاهب الأخرى، من المالكي. والشافعي. والحنبلي، فكما أن الحنفية يفتقرون إليه في التمسك بعراها الوثيقة، كذلك أصحاب سائر المذاهب لا يستغنون عنه أبداً. ولا بدع لو قلت: إنه دائرة المعارف العامة، لأدلة فقهاء الأمصار، حيث أحاط بأدلتها، فلا يرى الباحث فيها بخساً ولا رهقاً. ومنها: - أن هذا الكتاب الفذّ، خدمة جليلة للأحاديث النبوية - على صاحبها الصلوات والتحيات - أكثر مما هو خدمة للمذهب الحنفي، فليكن أمام الباحث الحثيث، أنه كما يحتاج إليه الفقيه المتمسك بالمذهب، كذلك يحتاج إليه المحدث، فأصبح مقياساً ونبراساً للفقهاء، والمحدثين. ومنها - أنه نفع الأمة في الأحاديث، بتعقبها بجرح وتعديل، مع سرد الأسانيد، ثم ذكر فقه الحديث وفوائده، فالفقيه البارع، يفوز بأربه من فقه الحديث، والمحدث الجهبذ، يقضي وطره من أحوال الرواة، ولطائف الأخبار، والتحديث. ومنها - أنه وصل إلينا - بواسطة هذا العلق النفيس - نقول: من الكتب القيِّمة في
الحديث، التي أصبحت بعيدة شاسعة عن متناول أيدي أهل العلم، وأبحاث سامية فيما يتعلق بالرجال، من كتب أضاعتها يد الحدثان، ولا نرى لها عيناً، غير أثر في الكتب الأثرية، وكتب الطبقات والتراجم، من ذكر أسمائها: كصحيح - أبي عوانة. وصحيح - ابن خزيمة. وصحيح - ابن حيان. وصحيح - ابن السكن. ومصنف - ابن أبي شيبة. ومصنف - عبد الرزاق. وكثير من المسانيد. والسنن. والمعاجم، وككتاب الاستذكار، والتمهيد - لابن عبد البر، وكتاب المعرفة، والخلافيات - للبيهقي، وعدة كتب من تصانيف أبي بكر الخطيب البغدادي، وكتب ابن عدي، وكتب ابن أبي حاتم. وغيرهم. ومن كتب المتأخرين، ككتاب الإلمام، والإمام - للحافظ تقي الدين بن دقيق العيد، وكتب ابن الجوزي كجامع المسانيد، والعلل المتناهية، وكتاب التحقيق، وغيرها من كتب أعلام الأمة، ومعالم الإسلام. ومنها - أنه نرى فيه كلمات في موضوع الجرح والتعديل، من أئمة الفن، وجهابذة الحديث، ونقدة الرجال، ما لا نشاهده في الذخيرة التي بين أيدينا، من كتب أسماء الرجال المطبوعة المتداولة، بحيث لو أفردت منه جزء مجموع، لأصبح كتاباً ضخماً في الموضوع. فهذه خصائص عندي، كلها على حيالها، مزايا على حدة، واليك فائدة من فوائد كتابه، تمثيلاً لما قلته. فائدة: ومجرد الكلام في الرجل لا يسقط حديثه، ولو اعتبرنا ذلك لذهب معظم السنة، إذ لم يسلم من كلام الناس، إلا من عصمه الله، بل خرج في "الصحيح" لخلق ممن تكلم فيهم، ومنهم جعفر بن سليمان الضبعي. والحارث بن عبد الأيادي. وأيمن بن نابل الحبشي. وخالد بن مخلد القطواني. وسويد بن سعيد الحرثاني. ويونس بن أبي إسحاق السبيعي. وغيرهم، ولكن صاحبا الصحيح رحمهما الله إذا أخرجا لمن تكلم فيه، فإنهم ينتقون من حديثه ما توبع عليه، وظهرت شواهده، وعلم أن له أصلاً، ولا يروون ما تفرد به، سيما إذا خالفه الثقات، كما أخرج مسلم لأبي أويس حديث: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي: لأنه لم يتفرد به، بل رواه غيره من الأثبات، كمالك، وشعبة، وابن عيينة، فصار حديثه متابعة، وهذه العلة راحت على كثير ممن استدرك على
"الصحيحين" فتساهلوا في استدراكهم، ومن أكثرهم تساهلاً، الحاكم أبو عبد الله في كتابه المستدرك، فإنه يقول: هذا حديث على شرط الشيخين، أو أحدهما، وفيه هذه العلة، إذ لا يلزم من كون الراوي محتجاً به في الصحيح أنه إذا وجد فبي أي حديث، كان ذلك الحديث على شرطه لما بيناه، بل الحاكم كثيراً ما يجيء إلى حديث لم يخرج لغالب رواته في الصحيح، كحديث روي عن عكرمة عن ابن عباس، فيقول فيه: هذا حديث على شرط البخاري يعني لكون البخاري أخرج لعكرمة، وهذا أيضاً تساهل، وكثيراً ما يخرج حديثاً بعض رجاله للبخاري، وبعضهم لمسلم، فيقول: هذا على شرط الشيخين، وهذا أيضاً تساهل، وربما جاء إلى حديث فيه رجل قد أخرج له صاحبا الصحيح عن شيخ معين لضبطه حديثه وخصوصيته به، ولم يخرجا حديثه عن غيره لضعفه فيه، أو لعدم ضبطه حديثه، أو لكونه غير مشهور بالرواية عنه، أو لغير ذلك، فيخرجه هو عن غير ذلك الشيخ، ثم يقول: هذا على شرط الشيخين، أو البخاري. أو مسلم، وهذا أيضاً تساهل، لأن صاحبي الصحيح لم يحتجا به إلا في شيخ معين، لا في غيره، فلا يكون على شرطهما، وهذا كما أخرج البخاري. ومسلم حديث خالد بن مخلد القطواني عن سليمان بن بلال. وغيره، ولم يخرجا حديثه عن عبد الله بن المثنى، فإن خالداً غير معروف بالرواية عن ابن المثنى، فإذا قال قائل في حديث يرويه خالد بن مخلد عن ابن المثنى: هذا على شرط البخاري. ومسلم، كان متساهلاً، وكثيراً ما يجيء إلى حديث فيه رجل ضعيف، أو متهم بالكذب، وغالب رجاله رجال الصحيح، فيقول: هذا على شرط الشيخين. أو البخاري، أو مسلم، وهذا أيضاً تساهل فاحش، ومن تأمل كتابه المستدرك تبين له ما ذكرناه، قال ابن دحية في كتابه العلم المشهور: ويجب على أهل الحديث أن يتحفظوا من قول الحاكم أبي عبد الله، فإنه كثير الغلط، ظاهر السقط، وقد غفل عن ذلك كثير ممن جاء بعده، وقلده في ذلك. ثم ذلك إلماع إلى أمهات الخصائص، لا حاجة بنا إلى استيفاء الأطراف، بعد الإِيماض إلى اللباب، فقد أبدى الصريح عن الرغوة، وما يوم حليمة بسر، فنرجو الله سبحانه التوفيق، وإصابة الغرض، ونجاح العمل، والله الموفق.
تلخيص الكتاب، وتذييله
تلخيص الكتاب، وتذييله ثم ليُعْلم أن الحافظ ابن حجر قد لخص هذا الكتاب، وسماه الدراية - في تلخيص نصب الراية وسمعت من شيخنا إمام العصر مولانا محمد أنور رحمه الله: أن الحافظ ما أجاد في تلخيصه، كما كان يرجى من براعته في التنقيح والتحرير، وعلو كعبه في التلخيص، وغادر كثيرأ من غرر النقول التي ما كان يحرى تركها، وقد طبع هذا التلخيص مرتين - بالهند -، وسموه في طبعة نصب الراية. وطبع أيضاً على هوامش الهداية. هذا، وللشيخ المحدث قاسم بن قطلوبغا الحنفي، ذيل على هذا التخريج، سماه: منية الألمعي فيما فات من تخريج أحاديث الهداية - للزيلعي، والأسف أننا مع شدة الاستقراء، لم نظفر بوجوده في مكتبة، والا فكان المجلس العلمي يريد أن يستوفي فائدة الكتاب بهذا الذيل، ليكون درة التاج لهام التخريج، ولعل الله يحدث بعد ذلك امرا. رواية الكتاب يرويه غالب أصحاب الأثبات، بطريق أمين الدِّين الاقصرائي، عن الحافظ شمس الدَّين محمد بن الجزري المقرئ، عن المؤلف الزيلعي، راجع "الأمم لإِيقاظ الهمم".
نتفة من ترجمة صاحب الهداية
نتفة من ترجمة صاحب الهداية بعد أن ذكرت ترجمة صاحب تخريج الهداية سنح لي أن ألحق بها ترجمة صاحب الهداية، ليعرف منزلة هذا الإمام علماء غير المذهب الحنفي، فإن الكثرة الغامرة من علماء العصر بحظ ضئيل من معرفة رجال العلم، من غير مذهبهم، وأما أهل مذهبه، ولا سيما علماء الأفغان، والهند، فهو أشهر عندهم من نار على عَلَم. قال الحافظ بن عبد القادر القرشي في الجواهر المضيئة: علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني، شبخ الإسلام، برهان الدِّين المرغيناني، العلامة المحقق صاحب الهداية، اهـ. ولفظ الفاضل اللكنوي في الفوائد البهية: كان إماماً فقيهاً، حافظاً، محدثاً، مفسراً، جامعاً للعلوم، ضابطاً للفنون، متقناً، محققاً، نظاراً، مدققاً، زاهداً، ورعاً، فاضلاً، ماهراً، أصولياً، أديباً، شاعراً، لم تر العيون مثله، في العلم والأدب. وله اليد الباسطة في الخلاف، والباع الممتد في المذهب، اهـ. مرغينان - بفتح الميم - مدينة من بلاد - فرغانة -، فرغانة - بفتح الفاء -، وراء الشاش، وراء جيحون، وسيحون. وأيضاً، فهي قرية من قرى فارس. قاله اللقرشي. تفقه على أئمة عصره، كمفتي الثقلين، نجم الدين أبي حفص عمر النسفي. وابنه أبي الليث أحمد النسفي. والصدر الشهيد حسام الدين عمر. والصدر السعيد تاج الدين أحمد. وأبي عمرو عثمان البيكندي تلميذ، شمس الأئمة السرخسي. وغيرهم. وأقرّ له بالفضل، والتقدم، أهل عصره، كالإمام فخر الدِّين - قاضي خان - وصاحب المحيط، وصاحب الذخيرة. والشيخ زين الدِّين العتابي. وظهير الدِّين البخاري، صاحب الفتاوى الظهيرية، وغيرهم. فاق شيوخه، وأقرانه، وأذعنوا له كلهم، ولا سيما بعد تصنيفه لكتاب الهداية. وكفاية المنهى. ونشر المذهب. ومن مؤلفاته أيضاً كتاب المنتقى. والتجنيس والمزيد. ومناسك الحج. ومختارات النوازل. وكتاب في الفرائض. انتهى ملخصاً، وملتقطاً من الجواهر. والفوائد
طبقة المؤلف
طبقة المؤلف عده ابن كمال باشا، من أصحاب الترجيح، وبعضهم، من أصحاب التخريج، وقيل: هو من المجتهدين في المذهب، ومال إليه الفاضل اللكنوي، في تعليقاته على الفوائد البهية، توفي رحمه الله، سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة - 593 - هـ. الهداية صنف كتاباً، سماه بداية المبتدى جمع فيه كتابي: القدوري. والجامع الصغير، للإمام محمد بن الحسن الشيباني، وزاد عليهما مسائل عند الضرورة، ثم شرحه بكتاب سماه كفاية المنهى، في ثمانين مجلداً، ثم اختصره في كتاب، سماه الهداية. صنف الهداية في ثلاث عشرة سنة، وبقي صائماً في عهد تأليفه لهذا الكتاب، لم يطلع على صومه أحد. قال إمام العصر، المحدث، الشيخ محمد أنور الكشميري الديوبندي رحمه الله: ليس في أسفار المذاهب الأربعة كتاب بمثابة كتاب الهداية في تلخيص كلام القوم، وحسن تعبيره الرائق، والجمع للمهمات في تفقه نفس، بكلمات كلها درر وغرر. وقال: وقد صدق من قال من بعض أفاضل الشيعة: إن كتب الأدب العربي في المسلمين ثلاثة: التنزيل العزيز. وصحيح البخاري. وكتاب الهداية، اهـ. وقال: براعة الإنشاء، وفضل الأدب يظهر في إفصاح التعبير الأدبي في غوامض الأبحاث، ومشكلات المسائل، ليست المزية في فصاحة عبارات الحدائق والأزهار، وذكر النسائم، وخرير الأنهار، فإنه باب طَرَقه كل شاعر وكاتب. وقال: لا يدرك شأو صاحب الهداية في فقهه ألف فقيه، مثل صاحب الدر المختار، فإن صاحب الهداية فقيه النفس، علمه علم الصدر. وعلم صاحب الدر المختار علم الصحف والأسفار، وان البون بينهما لبعيد. وقال: سألني بعض الفضلاء، هل تقدر على أن تؤلف كتاباً، مثل - فتح القدير، وهو شرح الهادية - في الدقة والتحرير؟ قلت: نعم، قال: ومثل الهداية؟ قلت: كلا، ولو عدة أسطر. قال الراقم: وناهيك بهذه الكلمات، من هذا الأستاذ الإمام، إمام العصر. في منزلة هذا
شروح الهداية فقها وحديثا
الكتاب الجليل، وإنها ليست مجازفة وإطراء، بل خرجت من فكرة دقيقة صائبة، غاصت في دَرَك الكتاب بمكابدة العناء والتعب، فقدَّم درر تحقيقه للقوم التي أخرجها عن دَرَكه بعد برهة من الدهر. شروح الهداية فقهاً وحديثاً قد ذكر صاحب كشف الظنون من شروح الهداية، والتعليقات عليها، والتخاريج لأحاديثها، قدراً كبيراً يجاوز ستين شرحاً، ولو أخذنا في التحقيق وضم الحواشي والشروح إليه بعد عهد صاحب الكشف، وإلحاق شروحها في اللغة الفارسية، واللغة الأردية، لزدنا على القدر المذكور قدراً غير يسير. ولاستقصاء البحث موضع غير هذا. وأول شروحها النهاية - لحسام الدين الصغناتي، تلميذ صاحب الهداية، وقيل: غيرها، ومن شروحه الفوائد - لحميد الدين الضرير. ومعراج الدراية - لقوام الدِّين الكاكي. والكفاية في دراية الهداية لعمر بن صدر الشريعة. وغاية البيان، ونادرة الأفران - للإمام قوام الدين أمير كاتب الإتقاني، المتوفى سنة 758 - هـ، صاحب الشامل، شرح أصول البزودي. والبناية - للشيخ بدر الدين الحافظ العيني، شارح صحيح البخاري، المتوفى سنة 855 - هـ. والعناية - للشيخ أكمل الدين البابرتي. والغاية - لأبي العباس السروجي، الإمام المحدث، وتكملته عن الشيخ المحدث، سعد الدين الديري. وتصدى لتخريج أحاديثها، الحافظ عبد القادر القرشي، المتوفى سنة 775 - هـ، وسماه: العناية في تخريج أحاديث الهداية. والحافظ البارع، علاء الدِّين علي بن عثمان المارديني، المتوفى سنة 750 - هـ، صاحب الجوهر النقي في الرد على البيهقي، وهو شيخ الحافظ الزيلعي، وسماه الكفاية في معرفة أحاديث الهداية. والحافظ جمال الدين الزيلعي، سماه نصب الراية - لأحاديث الهداية، وقد فرغنا من ترجمته ومزاياه، وذَّيل تخريجه، الحافظ الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي، وسماه: منية الألمعي، وتقدم ذكره، وللشيخ مصلح الدين، مصطفى السروري تعليق على شرح ابن الشحنة في التنبيه على أحاديث الهداية، وللحافظ ابن حجر الدراية - في تلخيص نصب الراية، وقد تقدم في - ترجمة الزيلعي -. وطبع من شروحه فتح القدير - للشيخ ابن الهمام السيواسي بمصر، مع تكملته، وهو من أمتن الشروح، وأبرعها، وطبع بالهند أيضاً. والعناية - للشيخ البابرتي. والكفاية وهما من أحسن شروحها فقهاً، وطبعت هذه الثلاثة بمصر مجموعة. وطبع البناية - للعيني
في الهند، طبعاً سقيماً، وأصبح اليوم نادراً جداً، وهو من أنفع الشروح، حلاً لغوامض الكتاب، ثم جمعا بين أبحاث الفقه، وأبحاث الحديث، وهو يحتاج إلى إعادة الطبع، مع عناية بالتصحيح بالغة، ومما نحن في اشتياق وحاجة شديدة إلى طبعه من الشروح، فيما أرى - غاية البيان - للاتقاني. ومعراج الدراية - لقوام الدِّين الكاكي والغاية - للشيخ أبي العباس السروجي، حافظ الحديث. قال الراقم: لم يخدم كتاب في الفقه من المذاهب الاربعة، مثل كتاب الهداية، ولم يتفق على شرح كتاب في الفقه، من الفقهاء، والمحدثين، والحفاظ المتقنين، مثل ما اتفقوا عل كتاب الهداية، وناهيك بهذا الإقبال العظيم، وتلقي القوم إياه بالقبول، فمن شراحه من الفقهاء المحدثين، أعلام العصر، وأعيان القوم، مثل الحافظ العيني. وقوام الدِّين الاتقاني. وقوام الدِّين الكاكي، وابن الهمام السيواسي. ومن مخرجيه من جهابذة الحفاظ، مثل المارديني، والزيلعي، والقرشي، وابن حجر. والقاسم بن قطلوبغا الحنفي، فكفى لكتابه فضلاً وشرفاً، أمثال هولاء الأعيان في شارحيه، ومخرجيه، فهل هذه المزية تساجَل أو تجارَى؟!: وما كل مخضوب البنان بثينة ... ولا كل مصقول الحديد يمان وفي هذا القدر كفاية لأولي الألباب، والله الهادي إلى الصواب. وصلى الله تعالى على صاحب النفس القدسية، والأنفاس الزكية، صفوة البرية، محمد وآله، وصحبه، وبارك، وسلم. محمد يوسف بن السيد محمد زكريا بن السيد مزمل شاه البَنُوري، نزيل القاهرة، عفا الله عنه، وعافاه، وجعل آخرته خيراً مِن أولاه، عضو المجلس العلمي، والمدرس بالجامعة الإسلامية - دابهيل سورت - الهند يوم الاثنين 21، من الربيع الآخر، سنة 1357 هـ.
نصب الراية - والعناية بحاشيته والعناء في تصحيحه، وطبعه
نصب الراية - والعناية بحاشيته والعناء في تصحيحه، وطبعه إمام العصر المحدث الجليل البحاثة، الشيخ محمد أنور الكشميري، ثم الديوبندي، المتوفى سنة 1352هـ. رحمه الله تعالى، كان وجّه المجلس العلمي إلى إعادة طبع هذا الكتاب الجليل نصب الراية بعناية بالغة بالتصحيح، وكان الكتاب مطبوعاً في الهند، قبل خمسين عاماً، مشحوناً بالأغلاط في الأسانيد، وألحان فاحشة في متونها، مشوَّهاً بتصحيفات، وتحريفات، وسقط عبارات، بحيث اختل الغرض، وانخرم المقصود في كثير من المواضع، وقلما طبع كتاب بالهند مثله، محرّفاً مصحّفاً، وكان رحمه الله يودّ أن لو يتم الأمر في حياته، لكن الأسف والرزء - أن إمام العصر وافاه الأجل المحتوم قبل إنجاز هذه المنية، ولم يوفق المجلس إلى تكميل بغيته في حياته. بَيْدَ أنه على إثر ذلك، قام مدير المجلس العلمي صديقنا الفاضل المحترم السيد أحمد رضا البجنوري - زاد الله مآثره - مشمراً عن ساعد الجد، لتكميل أمنية إمام العصر، لطبع الكتاب، وأشار محقق العصر، الشيخ شبير أحمد العثماني الديوبندي، صاحب فتح الملهم على صحيح مسلم لاستيفاء الفائدة بتحشية الكتاب أيضاً. فانتخب لذلك العالم المحقق، والفاضل المحدث الشيخ عبد العزيز الديوبندي الفنجاني، صاحب أطراف البخاري، فاشتغل بتصحيح النسخة المطبوعة والحواشي المفيدة على الكتاب، ولم يظفر الشيخ بنسخة مخطوطة منه حتى يقابل بها، إلا بتلك النسخة المطبوعة، مصححة بالمقابلة بنسخة مخطوطة - بكلكتة - فاعتنى في التصحيح بالمراجعة إلى أصول الكتاب من الأمهات الست، وما تيسر له من المسانيد والمعاجم وغيرها، فراجع المخارج والمصادر، وأطال النّفَس في مراجعة الكتب، من الحديث. والرجال. والطبقات، ولم يمنعه من التحقيق سآمة، ولا كلال، فوُفّق إلى حد قلما يوفق أحد إليه، ولاقى في ذلك عناءً، غير أنا نأخذ عليه شيئاً: - كنا نود أن يطلع علماء القاهرة، وفضلاء البلاد الإسلامية العربية على نفائس تحقيقات بارعة، لإمام العصر السالف ذكره، المبعثرة في مؤلفاته، من فصل الخطاب في أم الكتاب - وخاتمة الخطاب في فاتحة الكتاب وكشف الستر في مسألة الوتر ونيل الفرقدين في مسألة رفع اليدين وبسط اليدين لنيل الفرقدين وفي أماليه وتقريراته على أبحاث الحديث، وما كتبه من الحواشي على جزء القراءة - للبيهقي، وكان حضرة المحشي استعارها من إمام العصر برهة، وما استفاد الشيخ المحشي شفاهاً منه، فإن مؤلفات إمام العصر، وأبحاثه الغامضة، وتحقيقاته البارعة، مما لا مناص للبحاثة المحقق عن الاطلاع عليها
ولكل من يحاول التوسع مع تحقيق وتدقيق، ولكن الشيخ المحشي على رغم أنوفنا، لم ينتبه لهذه الدقيقة، أو تواكل وتساهل فيه، فلم ينقل عنها شيئاً، إلا في مواضع قليلة جداً، وهذا مع أنه يدرك منزلة تحقيقات إمام العصر ويقدرها، وكل ذلك إن شاء الله نستدركه في الطبع الثاني، والله الموفق. ولما وصل إلى كتاب الحج، هجم على الشيخ مرض، عاقه عن التأليف، فانتظر المجلس لعود صحته وعافيته سنة كاملة، وبعد أن خاب الرجاء، انتخب لتكميل حاشيته وانتهاج مسلكه في التصحيح، صديقنا العالم الفاضل محمد يوسف الكاملفوري، فتلا تلوه، وحذا حذوه، وقدر وفقه الله فيما أرى لأن يدرك شأوه في التحشية والتصحيح، ثم اطلع المجلس على نسخة محفوظة في المكتبة السعيدية - بحيدر آباد دكن، فأمر الفاضل الكاملفوري بمقابلة الكتاب بها، فرحل إليها، وقام شهرين حتى انتهت المقابلة، ثم رأى المجلس نظراً إلى جلالة قدر الكتاب أن يطبع في القاهرة في ثوب قشيب حباً لظهوره في جمال وبهاء، وسعة لنشره بين إخوان القاهرة وسائر البلاد العربية، فأمر المجلس، الفاضل المحترم السيد أحمد رضا مدير المجلس، إلى أن يتمطي صهوة الرحيل إلى القاهرة، لإنجاز هذه المهمة العلمية والدينية، بمرآه كما يشاء، وأحب المجلس أن أكون زميلاً له، فافتتح هذا السفر المبارك بالسفر إلى الحرمين، زادهما الله شرفاً وكرامة1 وبقينا شهراً وبضعة أيام في مكة، زادها الله تعظيماً، وصادفنا هناك نسخة مخطوطة من الكتاب في مكتبة الحرم المكي، مكتوبة بيد الشيخ عبد الحق شيخ الدلائل، ونسخة أخرى، في مكتبة الشيخ عبد الوهاب الهندي، فاغتنمنا الفرصة، وقابلنا بهما عدة مواضع كانت لم تصحح، وإذ فرغنا من زيارة الحرمين، شددنا الرحل نحو القاهرة، فنزلناها منتصف الصفر من العام الجاري، وكنا على ثقة وطمأنينة من جهة التصحيح، وألفينا في - دار الكتب المصرية - عدة نسخ من الكتاب، منها نسخة في ستة مجلدات، على الأول. والسادس تصحيحات، وبعض حواش، بقلم الحافظ ابن حجر، ولم نحتفل بالمقابلة بها كثير احتفال لضيق الوقت، والاستعجال في الطبع، وظن الاستغناء عنها في أصل التصحيح. وشرعنا الطبع، فبدا لنا في أثنائه أنه بقيت أغلاط فاحشة في الأسانيد والمتون جميعاً، تساهل فيها المصححان والمحشيان، وآلمنا ذلك جداً، وضقنا به صدراً، لقلة الفرصة، وعدم اتساع الظروف للمقابلة، حيث كانت تصدر، ملزمة كبيرة في - ست عشرة صفحة - كل يوم، ومن العجيب أنا نجد في الحاشية تخريج للحديث، وتفصيل المخرج بذكر الباب، وتقييد الصفحة، ويكون في الإسناد
والمتن خطأ يذهل عنه المصححان، ونراجع المخرج، فنلقى الحديث هناك صحيحاً، لم يتوجه إليه المصححان في نسخة الكتاب، ومثل هذا كثير، ثم نجد أسماء مكررة في صفحة واحدة مثلاً: هزيل. وزريع وخيثم، مثلاً. فيكون تارة - هذيل بالذال وتارة بالزاي، و زريع - تارة بالزاي، وتارة بالذال، وخيثم - تارة بتقديم التحتانية على المثلثة، وأخرى بالعكس، ولا يتوجه المصححان إلى تصحيحها، وجعلها على نمط واحد، وظاهر أن الزاي في الأوليين هنا، وتقديم التحتانية في الثالث متعين، فاضطررنا إلى جمع الكتب من الأصول المتعلقة به، وألجئنا إلى المقابلة بنسخة دار الكتب، وزالت الثقة على التصحيح السابق، وخاب الرجاء، وقام بأعباء هذا التصحيح الأخير للكتاب، صديقنا الفاضل السيد أحمد رضا ولاقى فيه عناءً وعنتاً. ولا نغمض من منزلة تصحيح المصححين ما يستحقانه، وإن لهما الفضل في التصحيح، وصححا أكثر بكثير مما لم يصححا، ونعلم أن ذلك لكثرة الأغلاط، فوقع ما وقع، ولم يبق من الأغلاط إلا نحو ربع منها، غير أنا نحاول لفت النظر إلى عنايتنا بالتصحيح، وإفراغ مجهودنا في مثل هذه الظروف الضيقة. ثم إن الضغث على الإبالة، أن فضيلة المحشي صحح نسخته التي يملكها، وحشى على هوامشها، وترك نسخة المجلس التي فوضها إليه المجلس لهذا الغرض، ثم لم يسمح بنسخته بالإعارة، مع شدة الحاجة إليها، فألجئنا إلى نقل التصحيحات والتحشية، ثم بقيت في النقل أغلاط، وسقطات في العبارات، فزاد الأمر غمة، حتى اضطر المحشي إلى إرسال نسخته إلى القاهرة بالبريد، ثم إنا نرى في كثير من المواضع، الحواشي كالمذكرة غير مرتبة، وغير مهذبة، فافتقرنا في ترتيبها إلى زيادة كلمات ونقصها، وقصارى القول: إنه استعرضت أمثال هذه الأمور المتعبة في أثناء شغل الطبع، حتى عاقتنا عن كثير من المهمات العلمية التي حاولنا أن نقضيها في عهد الإقامة بالقاهرة، ولم ندرك المقابلة بالالتزام، مع نسخة دار الكتب إلا من الجزء الثاني، نعم أدركنا كثيراً من الأغلاط في الجزء الأول، حيث انتبهنا لها، ولا سيما الملزمة الأولى، فإنا أعدنا طبعها بسبب أغلاط فاحشة بقيت فيها على غرة منا بالتصحيح السابق، ومن المشكل أن نذكر نماذج تلك التصحيحات، ونكلف الناظرين على الثناء على كل لفظة لفظة، ومن أجل هذا لم ننبه على الخطأ في الهوامش في الطبع السابق، بل التزمنا التصحيح، وعند اختلاف النسخ سلكنا مسلك الترجيح، فإن لم يترجح جانب أشير الاختلاف في الهوامش، ولا حاجة هنا إلى بسط الأمثلة، ففي سبيل الله ما لاقينا من العنت البالغ، والكبد في التصحيح، وما بذلنا من المجهود البشري، وعلمنا أن من أصعب الأمور أمر التصحيح، ومع هذا لا ندعي أنا استوفينا حق التصحيح، ولا ندعي أنه لا يجد
النسخ التي أستعين بها في التصحيح
الناظر في الكتاب خطأ، وكيف! وربما يكبو النظر، ولكل جواد كبوة، وربما يطرأ في المطبع مع غاية الاعتناء بتصحيح البروفات، والفرخ، بَيْدَ أنا ندعي أنا أفرغنا المجهود، ووفقنا إلى خدمة خطيرة في مدة قصيرة، قلَّما يوفق إليها أحد في مثل هذه الفرص الضيقة، وكان غرضنا تقديم الكتاب إلى العلماء، وطلبة العلم بأحسن أسلوب وأبرع منهاج، وقد حصل، ولله الحمد، ولا علينا لو نتمثل بقول أبي الطيب: وما أنا بالباغي على الحب رشوة ... ضعيف هوى، يبغي عليه ثواب وهاك النسخ التي أُستعين بها في التصحيح: - 1 - نسخة - المكتبة السعيدية، المخطوطة - المنسوبة إلى الشيخ محمد سعيد المدراسي بالهند، ورمزها س. 2 - نسخة - مكتبة الشيخ عبد الوهاب الدهلوي - المكتوبة سنة 1134 هـ. 3 - نسخة - مكتبة الحرم المكي، ولعلها منقولة من نسخة الشيخ عبد الوهاب. 4 - نسخة - دار الكتب المصرية - في ستة مجلدات، الجزء الاول. والسادس بتصحيح الحافظ ابن حجر، ورمزها دار. 5 - أيضاً نسخة - دار الكتب المصرية - في ثلاث مجلدات، موقوفة الملك أبي النصر، برسباي، في: سنة 829 هـ. 6 - نسخة - كلكته ورمزها نك. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. البنوري عفا الله عنه.
كتاب الطهارات
كتاب الطهارات مدخل ... بسم الله الرحمن الرحيم وَبِهِ نَسْتَعِينُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الطَّهَارَاتِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِمًا وَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ وَخُفَّيْهِ، قُلْت: هَذَا حَدِيثٌ مُرَكَّبٌ مِنْ حَدِيثَيْنِ، رَوَاهُمَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، جَعَلَهُمَا الْمُصَنِّفُ حَدِيثًا وَاحِدًا، فَحَدِيثُ الْمَسْحِ عَلَى النَّاصِيَةِ وَالْخُفَّيْنِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ، وَعَلَى الْعِمَامَةِ، وَعَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْعِمَامَةَ، وَوَهِمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ التَّحْقِيقِ فَعَزَا هَذَا الْحَدِيثَ إلَى الصَّحِيحَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ2 وَتَعَقَّبَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد، فِي سُنَنِهِ3 مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَعْقِلٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَتَوَضَّأُ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قَطَرِيَّةٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ، فمسح مقدمة رَأْسِهِ، وَلَمْ يَنْقُضْ الْعِمَامَةَ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ4 وَسَكَتَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الْكِتَابِ، فَإِنَّ فِيهِ لَفْظَةً غَرِيبَةً، وَهِيَ: أَنَّهُ مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ، وَلَمْ يَنْقُضْ الْعِمَامَةَ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ السُّبَاطَةِ. وَالْبَوْلِ قَائِمًا، ً رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ5 حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا أَبُو دَاوُد ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أبي وائل بن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ6 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَةَ
قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا. قَالَ شُعْبَةُ: قَالَ عَاصِمٌ: يَوْمَئِذٍ، وَهَذَا الْأَعْمَشُ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ، وَمَا حَفِظَهُ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ مَنْصُورًا، فَحَدَّثَنِيهِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَةَ3 قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَجِئْتُهُ بِهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، زَادَ مُسْلِمٌ: وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، انْتَهَى. وَوَقَعَ لِشَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ عَلَاءِ الدِّينِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهْمٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بَعْدَ أَنْ حَكَاهُ بِلَفْظِ الْبُخَارِيِّ. وَزِيَادَةِ مُسْلِمٍ: أَخْرَجَاهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مُسْلِمًا انْفَرَدَ فِيهِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ فَقَالَ: لَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ فِيهِ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. الْوَهْمُ الثَّانِي،: أَنَّهُ جَعَلَ حَدِيثَ الْكِتَابِ مُرَكَّبًا مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ، أَنَّهُ عليه السلام مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَخُفَّيْهِ، وَمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، فِي السُّبَاطَةِ، وَالْبَوْلِ قَائِمًا وَهَذَا عَجَبٌ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَهُمَا مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حَدِيثَ السُّبَاطَةِ. وَالْبَوْلِ قَائِمًا أَيْضًا. رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، كَمَا أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ مَاجَهْ4 وَكَانَ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ يَذْكُرَهُمَا مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ لِيُطَابِقَ عَزْوَ الْمُصَنِّفِ، وَهَذَا الْوَهْمُ الثَّانِي لَمْ يَسْتَبِدَّ بِهِ الشَّيْخُ، وَإِنَّمَا قَلَّدَ فِيهِ غَيْرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسَنَّ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ". قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ5 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ، وَمَنْ اسْتَجْمَرَ، فَلْيُوتِرْ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي الْإِنَاءِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ6 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ7 مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: "إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ النَّوْمِ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، فَلَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ حَتَّى يَغْسِلَهَا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ باتت يده"، ولا على مَ8 وَضَعَهَا. انْتَهَى. وَوَقَعَ فِي لَفْظِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ مِنْ أصحابنا: فلا يغمسن بثوت نون التَّوْكِيدِ الْمُشَدَّدَةِ، وَلَمْ أَجِدْهَا
فِيهِ إلَّا عِنْدَ الْبَزَّارِ فِي مُسْنَدِهِ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسَنَّ يَدَهُ فِي طَهُورِهِ حَتَّى يُفْرِغَ عَلَيْهَا، الْحَدِيثَ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى" 1.قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ السَّاعِدِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَبْرَةَ. أَمَّا حَدِيثُ أبي هريرة، فرواه أبي دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ يَعْقُوبَ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وضوء لمن يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَدْ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِيَعْقُوبَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ، وَاسْمُ أَبِي سَلَمَةَ دِينَارٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي كِتَابِ الْإِمَامِ، نُقِلَ عَنْ الْحَاكِمِ أَنَّهُ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ3 عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَّهُ قَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَقَدْ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِيَعْقُوبَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَهَذَا إنْ صَحَّ عَنْهُ، فَهُوَ انْتِقَالٌ ذِهْنِيٌّ مِنْ يَعْقُوبَ بْنِ سَلَمَةَ، إلَى يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَيَعْقُوبُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَيَعْقُوبُ بْنُ سَلَمَةَ اللَّيْثِيُّ هَذَا لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، والدارقطني مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ لَمْ يَقُولَا: إلَّا يَعْقُوبَ بْنَ سَلَمَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا الْكَلَامُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ لَمْ يَرَ الْمُسْتَدْرَكَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْإِمَامِ - فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ رَآهُ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ مِنْهُ كَلَامًا طَوِيلًا: هَكَذَا رأيته في نسخته عَتِيقَةٍ4 مِنْ الْمُسْتَدْرَكِ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ فِيهِ حَدِيثًا فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ: فِيهِ. وَفِي الْبُرِّ صَدَقَةٌ، هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي أَصْلٍ مِنْ الْمُسْتَدْرَكِ بِضَمِّ الْبَاءِ5، وَقَدْ نَقَلْتُ كَلَامَهُ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ: لَا يُعْرَفُ لِسَلَمَةَ سَمَاعٌ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا لِيَعْقُوبَ مِنْ أَبِيهِ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ سَلَمَةَ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ6 مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ بْنِ النَّجَّارِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا تَوَضَّأَ مَنْ لَمْ
يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَمَا صَلَّى مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ"، انْتَهَى. وَأَيُّوبُ بْنُ النَّجَّارِ، وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ، لَكِنَّ الْبَيْهَقِيَّ1 رَوَاهُ، وَأَعَلَّهُ بِأَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا، قَالَ: كَانَ أَيُّوبُ بْنُ النَّجَّارِ يَقُولُ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ إلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا، وَهُوَ حَدِيثُ: الْتَقَى آدَم. وَمُوسَى، ذَكَرَ ذَلِكَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثِفَالٍ3 عَنْ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّتَهُ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ4 تُحَدِّثُ أَنَّهَا سَمِعْت أَبَاهَا سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ" بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا لَهُ إسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ5 أَيْضًا، وَصَحَّحَهُ. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ وَقَالَ: فِيهِ ثَلَاثَةٌ مَجَاهِيلُ الْأَحْوَالِ: جَدَّةُ رَبَاحٍ لَا يُعْرَفُ6 لَهَا اسْمٌ وَلَا حَالٌ، وَلَا تُعْرَفُ بِغَيْرِ هَذَا. وَرَبَاحٌ أَيْضًا مَجْهُولُ الْحَالِ. وَأَبُو ثِفَالٍ7 مَجْهُولُ الْحَالِ أَيْضًا، مَعَ أَنَّهُ أَشْهَرُهُمْ لِرِوَايَةِ جَمَاعَةٍ عَنْهُ: مِنْهُمْ الدَّرَاوَرْدِيُّ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ8 وَقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ عِنْدَنَا بِذَاكَ الصَّحِيحِ: أَبُو ثِفَالٍ مَجْهُولٌ، وَرَبَاحٌ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ اسْمِ أبي ثقال، فَلَمْ يَعْرِفْهُ، ثُمَّ سَأَلْت الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْخَلَّالَ، فَقَالَ: اسْمُهُ ثُمَامَةُ بْنُ حُصَيْنٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ9 مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ10 أَيْضًا، وَصَحَّحَهُ. وَأَسْنَدَ إلَى الْأَثْرَمِ11 أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ التَّسْمِيَةِ فِي الْوُضُوءِ، فَقَالَ: أَحْسَنُ مَا فِيهَا حَدِيثُ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهَا حَدِيثًا ثَابِتًا، وَأَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ الْوُضُوءُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ أَحْكُمُ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: رُبَيْحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ12 أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ بْنِ عَبَّاسِ
بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ". وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَبْرَةَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ سَلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَبْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ إلَّا بِوُضُوءٍ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ"، مُخْتَصَرٌ. حَدِيثٌ يُشْكِلُ عَلَى أَحَادِيثِ التَّسْمِيَةِ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1، وَالنَّسَائِيُّ2، وَابْنُ مَاجَهْ 21 عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ حُضَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ، قَالَ، أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: "إنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْك، إلَّا أَنِّي كُنْت عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِسَنَدِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3، وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ انْتَهَى. وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَعْلُولٌ. وَالْآخَرُ: أَنَّهُ مُعَارَضٌ، أَمَّا كَوْنُهُ مَعْلُولًا فَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ: سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، قَدْ اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ، فَيُرَاعَى فِيهِ سَمَاعُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ4، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيمًا، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ: إنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي إلَى آخِرِهِ، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ5 عَنْ حُمَيْدٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ الْمُهَاجِرِ مُنْقَطِعًا، فَصَارَ فِيهِ ثَلَاثُ عِلَلٍ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ6 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْعَبْدِيِّ ثنا نلفع، قَالَ: انْطَلَقْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي حَاجَةٍ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ، كَانَ مِنْ حَدِيثِهِ، قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِكَّةٍ مِنْ سِكَكِ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ غَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، إذْ سَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، ثُمَّ إنَّهُ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْحَائِطَ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ مَسْحًا، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً، فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ كَفَّهُ، وَقَالَ "إنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْك، إلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ" انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ7: مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْعَبْدِيُّ لَيْسَ
بِالْقَوِيِّ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ، وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ. وَغَيْرُهُ رَفْعَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالُوا: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَأَمَّا كَوْنُهُ مُعَارَضًا، فَرَوَى الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاضْطَجَعْت فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طُولِهَا، فَنَامَ عليه السلام حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ - أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ - اسْتَيْقَظَ فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الْخَوَاتِيمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ إلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ منه، فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ فصلى، الحديث هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَعَ الْحَدَثِ، وَلَكِنْ وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ1 أبي حنيفة ابخاريأ أَنَّهُ عليه السلام تَيَمَّمَ لِرَدِّ السَّلَامِ، أَخْرَجَاهُ عَنْ أَبِي الْجُهَيْمِ، قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، انْتَهَى. وَلَمْ يَصِلْ مُسْلِمٌ2 بِسَنَدِهِ بِهِ، وَلَكِنَّهُ رَوَى مِنْ حَدِيثِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ3: التَّيَمُّمَ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ4 مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ، رَجُلٌ مِنْ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَقَالَ: فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَقَالَ: "إنَّمَا رَدَدْت عَلَيْك خَشْيَةَ أَنْ تَقُولَ: سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَإِذَا رَأَيْتَنِي هَكَذَا، فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ، فَإِنِّي لَا أَرُدُّ عَلَيْك"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَبُو بَكْرٍ هَذَا فِيمَا أَعْلَمُ5 هُوَ ابْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ، لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنَّ حَدِيثَ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ أَصَحُّ، فَإِنَّ الضَّحَّاكَ أَوْثَقُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ هَذَا، وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَوْطِنَيْنِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّهُ هُوَ، وَلَمْ يُصَرِّحْ فِي الْحَدِيثِ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ؟، انْتَهَى. قُلْت: قَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا فِي مُسْنَدِ السَّرَّاجِ6 فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله أن رجلاً مرعلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ عليه فقال عليه السلام: "إذَا رَأَيْتَنِي عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ، فَإِنَّك إنْ فَعَلْت ذَلِكَ، لَمْ أَرُدَّ عَلَيْك"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَقَالَ فِيهِ: فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، وَيُنْظَرُ فِي التَّوْفِيقِ
بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، فَإِنَّهَا مُتَعَارِضَةٌ جِدًّا، وَتُرَاجَعُ الْأُصُولُ أَيْضًا، وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ1 عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ بِمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ - فِي الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ - قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قُمْت فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَك اللَّهُ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُمْ: "إنَّهَا لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُكَبِّرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَحْمَدَهُ، ثُمَّ يَقْرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَيَسَّرَ، ثُمَّ يُكَبِّرَ وَيَسْجُدَ، فَيُمَكِّنَ وَجْهَهُ" - أَوْ قَالَ: جَبْهَتَهُ – مِنْ الْأَرْضِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فيستوي قاعداً على معقده، فَيُقِيمَ صُلْبَهُ، فَوَصَفَ الصَّلَاةَ هَكَذَا: أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ حَتَّى فَرَغَ، لَا يَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَذَكَرَ ابْنُ الْقَطَّانِ أَنَّ يَحْيَى2 بْنَ عَلِيِّ بْنِ خَلَّادٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ، وَأَبُوهُ عَلِيٌّ ثِقَةٌ، وَجَدُّهُ يَحْيَى بْنُ خَلَّادٍ، أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي نَفْيِ وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ وَحَدِيثُ: الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أبي هريرة، وليس في هَذَا اللَّفْظُ، وَإِنَّمَا فِيهِ: إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ الْحَدِيثَ، قَالَ: وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ يَحْيَى بْنِ هَاشِمٍ السِّمْسَارِ، ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إذَا تَطَهَّرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يُطَهِّرُ جَسَدَهُ كُلَّهُ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى طَهُورِهِ لَمْ يُطَهِّرْ إلَّا مَا مَرَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ". قَالَ: وَهَذَا ضَعِيفٌ، لَا أَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ الْأَعْمَشِ غَيْرُ يَحْيَى بْنِ هَاشِمٍ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَرَمَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِالْوَضْعِ، ثُمَّ أَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَضَعَّفَهُمَا. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَرُبَّمَا قَالَ الْخَصْمُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: إنَّهُ حُجَّةٌ لَهُ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِطَهَارَةِ الْأَعْضَاءِ مَعَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ، قَالَ: وَجَوَابُهُ: أَنَّا نَقُولُ: الْبَدَنُ مُحْدِثٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يجوز مَسُّ الْمُصْحَفِ بِصَدْرِهِ، وَمَعَ بَقَاءِ الْحَدَثِ فِي بَعْضِ الْبَدَنِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ. وَقَالَ فِي الْإِمَامِ: وَاسْتُدِلَّ عَلَى وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ، بِمَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ، وَقَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: طَلَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضوءً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءٌ"؟ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ، وَقَالَ: "تَوَضَّئُوا بِاسْمِ اللَّهِ" قَالَ: فَرَأَيْت الْمَاءَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ، قَالَ: قُلْت لِأَنَسٍ: كَمْ تراهم؟ قال: نحو مِنْ سَبْعِينَ، انْتَهَى. رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَالنَّسَائِيُّ. والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ مَا فِي التَّسْمِيَةِ. وَأَصْلُ الْحَدِيثِ عَنْ أَنَسٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِرِوَايَةِ مَعْمَرٍ، هَذِهِ اللَّفْظَةُ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا التَّسْمِيَةَ، وَالْحَدِيثُ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، فَتَأَمَّلْهُ. وَالنَّسَائِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ بَوَّبَا عَلَيْهِ بَابَ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْوُضُوءِ وَمِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ مِنْ السُّنَّةِ
عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ قَبْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ. وَالنَّسَائِيُّ فِي الطَّهَارَةِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ، فَقُرِّبَ إلَيْهِ طَعَامٌ، فَقَالُوا: أَلَا نَأْتِيكَ بِوَضُوءٍ؟ قَالَ: "إنَّمَا أُمِرْت بِالْوُضُوءِ إذَا قُمْتُ إلَى الصَّلَاةِ"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ. وَالْحَدِيثُ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، لَكِنْ بِغَيْرِ لَفْظَةِ - إنَّمَا - الْمُفِيدَةُ لِلْمَطْلُوبِ مِنْ الْحَدِيثِ. وَبِهَا اسْتَدَلَّ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد بِلَفْظَةِ - إنَّمَا -. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى السِّوَاكِ. قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ مِنْ اليل يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ إذَا قَامَ لِيَتَهَجَّدَ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُرَيْحٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ أُمِّ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَسْتَيْقِظُ1 مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا تَسَوَّكَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، انْتَهَى. حديث آخر: أخرج النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَسْتَاكُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنِي جَدِّي أَبُو الْمَلِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَنَامُ إلَّا وَالسِّوَاكُ عِنْدَهُ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ حَتَّى يَسْتَاكَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: يَدُلُّ عَلَى مُحَافَظَتِهِ عليه السلام عَلَى السِّوَاكِ، وَهُوَ أَنَّهُ فعليه عليه السلام حَتَّى عِنْدَ وَفَاتِهِ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْمَغَازِي3 مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إلَى صَدْرِي، وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَأَبَدَّهُ4 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَرَهُ، فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ فَقَضَمْته5، وَطَيَّبْته، ثُمَّ دَفَعْته إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَاسْتَنَّ، فَمَا رأيته اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَفَعَ يَدَهُ، أَوْ إصْبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: "فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى ثَلَاثًا"، ثُمَّ قَضَى، وَكَانَتْ تَقُولُ: مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وذاقتني، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْأَمْرِ بِالسِّوَاكِ، رَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ". وَقَالَ مُسْلِمٌ: عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، انْتَهَى. وَعِنْدَ النَّسَائِيّ - فِي رِوَايَةٍ1 - عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهَا ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَصَحَّحَهَا الْحَاكِمُ، وَذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ2 تَعْلِيقًا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ مَرْفُوعًا: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَرَأَيْت زَيْدًا يَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنَّ السِّوَاكَ مِنْ أُذُنِهِ، مَوْضِعُ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ، وَكُلَّمَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اسْتَاك، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ أُسْنِدَ آخِرُ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ السِّوَاكُ مِنْ أُذُنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْضِعَ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَاهُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ سُفْيَانُ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ سُفْيَانَ إلَّا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ، وَيَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَهُمْ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ 3وَهِمَ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ إلَى هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَ فَقْدِ السِّوَاكِ يُعَالِجُ بِالْإِصْبَعِ4. قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرُوِيَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ5 فِي سُنَنِهِ: بَابٌ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الِاسْتِيَاكِ بِالْإِصْبَعِ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ6. ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عِيسَى بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الْحَكَمِ الْقَسْمَلِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يُجْزِئُ مِنْ السِّوَاكِ الْأَصَابِعُ"، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عِيسَى بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ ابْنِ الْمُثَنَّى عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ عِيسَى بِالْإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ، بَعْدَ أَنْ رَوَى الْأَوَّلَ: سَمِعْتُ ابْنَ حَمَّادٍ يَقُولُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ:
عَبْدُ الْحَكَمِ الْقَسْمَلِيُّ الْبَصْرِيُّ عَنْ أَنَسٍ. وَعَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن الْمُثَنَّى عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ "تَجْرِي الْأَصَابِعُ مَجْرَى السِّوَاكِ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: الْمَحْفُوظُ عَنْ ابْنِ الْمُثَنَّى، أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ بَيْتِي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك رَغَّبْتَنَا فِي السِّوَاكِ، فَهَلْ دُونَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: "إصْبَعُك سِوَاكٌ عِنْدَ وضوءك، تَمُرُّ بِهَا عَلَى أَسْنَانِك، إنَّهُ لَا عَمَلَ لِمَنْ لَا نِيَّةَ لَهُ، وَلَا أَجْرَ لِمَنْ لَا حِسْبَةَ لَهُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْحَمَّالُ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْإِصْبَعُ يُجْزِئُ مِنْ السِّوَاكِ" انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ فِي الْمَعْنَى: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يَذْهَبُ فُوهُ1 يَسْتَاكُ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: "يُدْخِلُ إصْبَعَهُ فِي فِيهِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى2. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَضْمَضَةِ. وَالِاسْتِنْشَاقِ – أَنَّهُ فَعَلَهُمَا عَلَى الْمُوَاظَبَةِ، قُلْت: الَّذِينَ رَوَوْا صِفَةَ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّحَابَةِ3 عِشْرُونَ نَفَرًا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ. وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وَالْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ. وَالرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ. وَأَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَأَبُو بَكْرَةَ. وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٌ. وَنُفَيْرٌ أَبُو جُبَيْرٍ الْكِنْدِيُّ. وَأَبُو أُمَامَةَ. وَعَائِشَةُ. وَأَنَسٌ. وَكَعْبُ بْنُ عمرو اليمامي. وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى. وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ. وَأَبُو كاهل، وكلهم حكوا في المضمضمة وَالِاسْتِنْشَاقَ. أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الله بن زيد، فراوه الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ من حديث مالك بن عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ4 عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَهِدْت عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ، سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، فَتَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَكْفَأَ عَلَى يَدِهِ مِنْ التَّوْرِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ، فَمَضْمَضَ. وَاسْتَنْشَقَ. وَاسْتَنْثَرَ، ثَلَاثًا، بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ
فِي التَّوْرِ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ1 فَمَسَحَ رَأْسَهُ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا، وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ، إلَّا سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ2 فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْهُ. وَقَالَ فِيهِ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، وَأَمَّا ابْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، فهو رواي حَدِيثِ الْأَذَانِ، وَوَهِمَ فِيهِ أَيْضًا وَهْمًا آخَرَ، فَقَالَ فِيهِ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّتَيْنِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَقُلْ فِيهِ: مَرَّتَيْنِ غَيْرُ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ، وَوُهَيْبٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، وَخَالِدُ الْوَاسِطِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. فَكُلُّهُمْ قَالُوا: فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، وَكَأَنَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - تَأَوَّلَ قَوْلَهُ: فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، فَجَعَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عثمان ين عَفَّانَ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ3. وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إنَائِهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا، ثم مسح برأيه، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ4 مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْهُ: أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، أَخَذَ غُرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَتَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ غُرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَجَعَلَ بِهَا - هَكَذَا - أَضَافَهَا إلَى يَدِهِ الْأُخْرَى، فَغَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ غُرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ أَخَذَ غُرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليسرى، ثم مسح رأسه، ثُمَّ أَخَذَ غُرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ غُرْفَةً أُخْرَى، فَغَسَلَ بِهَا يَعْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ5 - فِي بَابِ مَنْ لَبِسَ جُبَّةً ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ، وَفِيهِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ6 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، وَطَسْتٍ، فَأَفْرَغَ مِنْ الْإِنَاءِ عَلَى يَمِينِهِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى، ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ الشِّمَالِ، ثَلَاثًا، ثُمَّ جَعَلَ يَدَهُ في إناء فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، ثَلَاثًا وَرِجْلَهُ الشِّمَالَ، ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أن يعلم أن وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ هَذَا، انْتَهَى. أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَيْسَرَةَ عنه، قال: أُتي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ، ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَيْسَرَةَ مَجْهُولٌ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ حَرِيزٍ2 انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 أَيْضًا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينَا، فَحَدَّثَتْ، أَنَّهُ قَالَ لَهَا: "اُسْكُبِي لي وضوء"، فَذَكَرَتْ صِفَةَ وُضُوئِهِ، عليه السلام، قَالَتْ فِيهِ: فَغَسَلَ كفيه، ثلاثاً، ووضأ وجهه، ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، مَرَّةً، وَوَضَّأَ يَدَيْهِ، ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، مَرَّتَيْنِ، يَبْدَأُ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ، ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ، وَبِأُذُنَيْهِ كِلْتَيْهِمَا4، ظُهُورَهُمَا وَبُطُونَهُمَا، وَوَضَّأَ رِجْلَيْهِ، ثَلَاثًا ثَلَاثًا، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنِّفِهِ أَنْبَأَ مَعْمَرُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، وَاسْمُهُ حَارِثٌ، أَنَّهُ قَالَ: هَلُمُّوا أُصَلِّي لَكُمْ صَلَاةَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعا بحفنة5 مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثلاثاً، ومضمض واستشق، وَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثَلَاثًا، وَذِرَاعَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ6. وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مَسَانِيدِهِمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ7 فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى مِنْ حَدِيثِ سَالِمٍ يَعْنِي سَبَلَانَ عَنْ عَائِشَةَ8 أَنَّهَا أَرَتْهُ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، فَتَمَضْمَضَتْ وَاسْتَنْثَرَتْ، ثَلَاثًا، وَغَسَلَتْ وَجْهَهَا، ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَتْ يَدَهَا الْيُمْنَى، ثَلَاثًا، وَالْيُسْرَى ثَلَاثًا، وَوَضَعَتْ يَدَهَا فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهَا، ثُمَّ مَسَحَتْ رَأْسَهَا مَسْحَةً وَاحِدَةً، إلَى مُؤَخَّرِهِ، ثُمَّ مَرَّتْ بِيَدَيْهَا بِأُذُنَيْهَا، قَالَ سَالِمٌ: كُنْتُ آتِيهَا مَكَانَهَا9 فَأَجْلِسُ بَيْنَ يَدَيْهَا. فَتَتَحَدَّثُ مَعِي، حَتَّى جِئْتُهَا يَوْمًا فَقُلْتُ: يا أمَّ المؤمنين، ادعوا لِي10 بِالْبَرَكَةِ، قَالَتْ: وَمَا ذاك؟
قُلْتُ: أَعْتَقَنِي اللَّهُ، قَالَتْ: بَارَكَ اللَّهُ لَك، وَأَرْخَتْ الْحِجَابَ دُونِي، فَلَمْ أَرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَكَّارَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِيهِ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ، ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ، ثَلَاثًا. وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا. وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ. وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، مُخْتَصَرٌ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ صَالِحٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارَ ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ ثَنَا هَمَّامٌ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، فَمَضْمَضَ، ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ، ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ، وَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ. وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارَ ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثَلَاثًا. وَيَدَيْهِ، ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ نَضَحَ تَحْتَ ثَوْبِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا إسْبَاغُ الْوُضُوءِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلِ1 بْنِ حُجْرٌ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ2 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْهُ، قَالَ شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُتِيَ بِإِنَاءٍ، فَأَكْفَأَ عَلَى يَمِينِهِ، ثَلَاثًا، ثُمَّ غَمَسَ يَمِينَهُ فِي الْمَاءِ، فَغَسَلَ بِهَا ذِرَاعَهُ الْيُمْنَى، حَتَّى جَاوَزَ الْمِرْفَقَ، ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَسَارَهُ بِيَمِينِهِ، حَتَّى جَاوَزَ الْمِرْفَقَ، ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ، ثَلَاثًا، وَظَاهِرِ أُذُنَيْهِ، ثَلَاثًا، وَظَاهِرِ رَقَبَتِهِ، وَأَظُنُّهُ قَالَ: وَظَاهِرِ لِحْيَتِهِ، ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ بِيَمِينِهِ قَدَمَهُ الْيُمْنَى، وَفَصَلَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ - أَوْ قَالَ: خَلَّلَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ - وَرَفَعَ الْمَاءَ حَتَّى جَاوَزَ الْكَعْبَ، ثُمَّ رَفَعَهُ فِي السَّاقِ، ثُمَّ فَعَلَ بِالْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ، فَمَلَأَ بِهَا يَدَهُ، ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى رَأْسِهِ، حَتَّى انْحَدَرَ الْمَاءُ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَقَالَ: هَذَا تَمَامُ الْوُضُوءِ، وَلَمْ أَرَهُ تَنَشَّفَ بِثَوْبٍ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حُجْرٌ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ نُفَيْرٍ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَمَرَ لَهُ عليه السلام بِوَضُوءٍ، وَقَالَ: "تَوَضَّأْ يَا أَبَا جُبَيْرٍ"، فَبَدَأَ بِفِيهِ، فَقَالَ عليه السلام: "يَا أَبَا جُبَيْرٍ لَا تَبْدَأَ بِفِيك، فَإِنَّ الْكَافِرَ يَبْدَأُ بِفِيهِ"، ثُمَّ دَعَا عليه السلام بِوَضُوءٍ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إلَى الْمِرْفَقِ، ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى إلَى الْمِرْفَقِ، ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ،، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ1 فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: عَنْ نُفَيْرٍ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَقَالَ إنَّهُ سَقَطَ مِنْهُ - عَنْ جَدِّهِ نُفَيْرٍ - وَيُرَاجَعُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، فَرَوَاهُ أَحْمَدُ2 فِي مُسْنَدِهِ أَيْضًا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 عَنْ مُعَلَّى بْنِ أَسَدٍ ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ4، قَالَ: رَأَيْت الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيَّ دَعَا بِوَضُوءٍ، فَجِيءَ بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ، فَصَبَّ فِي تَوْرٍ، فَغَسَلَ يَدَهُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَمَضْمَضَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَاسْتَنْشَقَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَغَسَلَ يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَمَسَحَ رَأْسَهُ أذنيه، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ5: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ كعب بن عمرو اليمامي، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، وَالْمَاءُ يَسِيلُ مِنْ وَجْهِهِ، وَلِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ، فَرَأَيْتُهُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَلَفْظُهُ: فَمَضْمَضَ، ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ، ثَلَاثًا، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ وَاصِلِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي سُورَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ مِنْ تَحْتِ لِحْيَتِهِ فَخَلَّلَهَا، انْتَهَى. وَبَقِيَّةُ إسْنَادِ الطَّبَرَانِيِّ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ وَاصِلٍ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، فَرَوَاهُ أَبُو يعلى الموصلي فِي مُسْنَدِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ أَنَا أَبُو الْوَرْقَاءِ. فَائِدُ6 بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثَلَاثًا، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ، ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، وَغَسَلَ
رِجْلَيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ1 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مَيْمُونٍ الزَّعْفَرَانِيِّ فِي تَرْجَمَتِهِ عَنْ أَبِي الْوَرْقَاءِ بِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ: ثِقَةٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي مُسْنَدِهِ2 عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ لِبَنِيهِ: اجْتَمِعُوا، فَلَأُرِيكُمْ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، وَكَيْفَ كَانَ يُصَلِّي، فَإِنِّي لَا أَدْرِي مَا قَدْرُ صُحْبَتِي إيَّاكُمْ، فَجَمَعَ بَنِيهِ وَأَهْلَهُ، وَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ3 وَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى، ثَلَاثًا، ثُمَّ الْيُسْرَى، ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ، ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا، وَغَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، ثَلَاثًا، وَالْيُسْرَى، ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: هكذا ماألوْت أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، مُخْتَصَرٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي كَاهِلٍ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ الْهَيْثَمِ4 بْنِ حَمَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي كَاهِلٍ، وَاسْمُهُ قَيْسُ بْنُ عَائِدٍ قَالَ: مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "اُدْنُ مِنِّي، أريك كَيْفَ تَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ"، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانَا اللَّهُ بِكَ خَيْرًا كَثِيرًا، فَغَسَلَ يَدَهُ ثَلَاثًا، وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، ثَلَاثًا وَمَسَحَ رَأْسَهُ - وَلَمْ يُوَقِّتْ - وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ - وَلَمْ يُوَقِّتْ - ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا كَاهِلٍ، ضَعْ الطهور منك مواضعه، وابق فَضْلَ طَهُورِكَ لِأَهْلِكَ، وَلَا تَشُقَّنَّ عَلَى خَادِمِكَ"، انْتَهَى. ورواه ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِالْهَيْثَمِ، وَنَقَلَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرَ التَّسْمِيَةِ، وَلَكِنَّهَا فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ5 فِي سُنَنِهِ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ6 قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا مَسَّ طَهُورًا سَمَّى اللَّهَ، قَالَ أَبُو بَدْرٍ: كَانَ يَقُومُ إلَى الْوُضُوءِ فَيُسَمِّي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يُفْرِغُ الْمَاءَ عَلَى يَدَيْهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في معجمه الوسط حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الداري7 ثنا أبو كريب زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبَّادِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ الزُّرَقِيُّ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ، فَقَالَ: أَلَا أُرِيكُمْ كَيْفَ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ صَلَّى؟ قُلْنَا: بَلَى، فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثَلَاثًا،
وَذِرَاعَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا، وَمَسَّ أُذُنَيْهِ. وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى، انْتَهَى. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْأَمْرِ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ قَالَ فِي الْإِمَامِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَمَّا لَفْظُ الِاسْتِنْشَاقِ فَلَا يَكَادُ يُوجَدُ الْأَمْرُ بِهِ إلَّا فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخَرَيْهِ مِنْ الْمَاءِ، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَفِي حَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَسْبِغْ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا"، أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ فِي سُنَنِهِمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وابن حبان في صحيحهما. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْ لَقِيطٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ: إذَا توضأت فَمَضْمِضْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو الْبِشْرِ الدُّولَابِيُّ فِي جُزْءٍ جَمَعَهُ مِنْ أَحَادِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فَذَكَرَ فِيهِ الْمَضْمَضَةَ. وَالِاسْتِنْشَاقَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ إسْمَاعِيلَ بْنِ كَثِيرٍ بن عَاصِمِ بْنِ لَقِيطٍ عَنْ أَبِيهِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ مَرْفُوعًا: أَسْبِغْ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ الْوَهْمُ وَالْإِيهَامُ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ. وَابْنُ مَهْدِيٍّ أَحْفَظُ مِنْ وَكِيعٍ، فَإِنَّ وَكِيعًا2 رَوَاهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْمَضْمَضَةَ، انْتَهَى كلامه. وحديث آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، انْتَهَى. وَقَالَ: رَوَاهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَأَرْسَلَهُ، لَمْ يَقُلْ فِيهِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَظُنُّ هُدْبَةَ أَرْسَلَهُ مَرَّةً، وَوَصَلَهُ أُخْرَى، وَتَابَعَهُ دَاوُد بْنُ الْمُحَبَّرِ عن حماد فوصله. وخافهما - إبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْخَلَّالُ، شَيْخٌ لِيَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ - فَقَالَ: عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَمَّارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - بَدَلَ أَبِي هُرَيْرَةَ3 - وَلَمْ يَثْبُتْ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عِصَامِ بْنِ يُوسُفَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عن ابن جريح عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ مِنْ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ". وَفِي لَفْظٍ: "مِنْ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا يَتِمُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ"
ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ1 أَنَّهُ قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عِصَامٌ وَوَهِمَ فِيهِ، وَالصَّوَابُ عَنْ ابن جريح عَنْ سُلَيْمَانَ بْن مُوسَى مُرْسَلًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ كَذَلِكَ، قَالَ: وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ، هَكَذَا رَوَاهُ السفيانان وغيرهم2 انْتَهَى كَلَامُهُ3. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: حُكِيَ عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا أَخَذَ فِي كل مرة ماءاً جَدِيدًا، قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْكِنْدِيُّ ثَنَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ كعب بن عمرو اليمامي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَضْمَضَ4 ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، يأخذ لكل واحدة ماءاً جَدِيدًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، فَلَمَّا مَسَحَ رَأْسَهُ قَالَ: هَكَذَا، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى بَلَغَ بِهِمَا إلَى أَسْفَلِ عُنُقِهِ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد5 فِي سُنَنِهِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْمَقْصُودِ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ وَالْمَاءُ يَسِيلُ مِنْ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ، فَرَأَيْتُهُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، انْتَهَى. وَسَكَتَ6 عَنْهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا، قَالَ: هَكَذَا حَكَاهُ عَلِيٌّ، وَعُثْمَانُ مِنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي مُشْكِلَاتِ الْوَسِيطِ فَقَالَ: وَهَذَا لَا يُعْرَفُ عَنْ عَلِيٍّ وَلَا عُثْمَانَ، بَلْ عَنْ عَلِيٍّ خِلَافُهُ أَنَّهُ عليه السلام تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وإنما احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْفَصْلِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِحَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: قُلْت لِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ: طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَأَى جَدُّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ يَحْيَى: الْمُحَدِّثُونَ يَقُولُونَ: إنَّهُ رَآهُ7، وَأَهْلُ بَيْتِ طَلْحَةَ يَقُولُونَ: ليست لَهُ صُحْبَةٌ، وَقَالَ فِي الْمَعْرِفَةِ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ يَقُولُ: جَدُّهُ اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ كَعْبٍ، وَلَهُ صُحْبَةٌ، انْتَهَى. قُلْت: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ8 أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مِقْسَمٍ الْبَرِّيِّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَلْحَةَ بن مصرف الأيامي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ هَكَذَا وَوَصَفَ، فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَجَرَّ يَدَيْهِ إلَى قَفَاهُ، انْتَهَى بِحُرُوفِهِ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام: "الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ" قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ. وَابْنِ عباس. وَأَبِي مُوسَى. وَأَنَسٍ. وَابْنِ عُمَرَ. وَعَائِشَةَ. فَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ1 مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَقَالَ: "الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ" انْتَهَى. وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ" وَكَانَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ مَرَّةً وَكَانَ يَمْسَحُ الْمَاقَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد2. وَالتِّرْمِذِيُّ: قَالَ قُتَيْبَةُ: قَالَ حَمَّادُ: لَا أَدْرِي هَذَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ قَوْلِ أَبِي أُمَامَةَ يَعْنِي حَدِيثَ الْأُذُنَيْنِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حديث ليس إسناده بذاك الْقَائِمِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 وَقَالَ: رَفْعُهُ وَهْمٌ، وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَدْ وَقَفَهُ4 سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَهُوَ ثِقَةٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ بِهِ، وَفِيهِ: وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِالْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ أُذُنَيْهِ مَعَ الرَّأْسِ، وَقَالَ: "الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ"، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْكَلَامُ فِي شَهْرِ5 بْنِ حَوْشَبٍ. وَالثَّانِي: الشَّكُّ فِي رَفْعِهِ، وَلَكِنْ شَهْرٌ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ. وَيَحْيَى. وَالْعِجْلِيُّ. وَيَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ. وَسِنَانُ بْنُ رَبِيعَةَ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ قَدْ لُيِّنَ فَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، فَالْحَدِيثُ عِنْدَنَا حَسَنٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ: شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ ضَعَّفَهُ قَوْمٌ وَوَثَّقَهُ آخَرُونَ، وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ هُوَ بِدُونِ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَغَيْرُ هؤلاء يضعفه، قال: لا أَعْرِفُ لِمُضَعِّفِهِ حُجَّةً، وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ عَنْهُ مِنْ تَزَيِّيهِ بِزِيِّ الْجُنْدِ وَسَمَاعِهِ الْغِنَاءِ بِالْآلَاتِ وَأَخْذِهِ الْخَرِيطَةَ مِنْ الْمَغْنَمِ، فَهُوَ إمَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْهُ، وَإِمَّا أَنَّهُ خَارِجٌ عَلَى مَخْرَجٍ لَا يَضُرُّهُ، وَخَبَرُ الْخَرِيطَةِ إنَّمَا هُوَ لِقَوْلِ شَاعِرٍ كَذَبَ عَلَيْهِ، حُكِيَ6 أَنَّ شَهْرَ بْنَ حَوْشَبٍ كَانَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، فَأَخَذَ خَرِيطَةً فِيهَا دَرَاهِمُ، فقال فيه الشاعر: لقد بَاعَ شَهْرٌ دِينَهُ بِخَرِيطَةٍ ... فَمَنْ يَأْمَنُ الْقُرَّاءَ بَعْدَك يَا شَهْرُ
انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: وَقَدْ صَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ حَدِيثَ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفَّ عَلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَلِيٍّ وفاطمة كساءاً، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ: حَدِيثُ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ أَشْهَرُ إسْنَادٍ1 فِيهِ حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَكَانَ حَمَّادٌ يَشُكُّ فِي رَفْعِهِ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ قَوْلِ أَبِي أُمَامَةَ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ يَرْوِيهِ عَنْ حَمَّادٍ، وَيَقُولُ: هُوَ مِنْ قَوْلِ أَبِي أُمَامَةَ، انْتَهَى. قُلْت: قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى حَمَّادٍ، فَوَقَفَهُ ابْنُ حَرْبٍ عَنْهُ، وَرَفَعَهُ أَبُو الرَّبِيعِ، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا عَلَى مُسَدَّدٍ عَنْ حَمَّادٍ، فَرُوِيَ عَنْهُ الرَّفْعُ، وَرُوِيَ عَنْهُ الْوَقْفُ، وَإِذَا رَفَعَ ثِقَةٌ حَدِيثًا، وَوَقَفَهُ آخَرُ، أَوْ فَعَلَهُمَا شَخْصٌ وَاحِدٌ فِي وَقْتَيْنِ تَرَجَّحَ الرَّافِعُ، لِأَنَّهُ أَتَى بِزِيَادَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الرَّجُلُ حَدِيثًا، فَيُفْتِي بِهِ فِي وَقْتٍ وَيَرْفَعُهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَهَذَا أَوْلَى من تغليظ الرَّاوِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ2 فِي سُنَنِهِ عَنْ سُوَيْد بْنِ سَعِيدٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حبيب بن زيد بن عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ"، انْتَهَى، وَهَذَا أَمْثَلُ إسْنَادٍ فِي الْبَابِ لِاتِّصَالِهِ وَثِقَةِ رُوَاتِهِ، فَابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. وَشُعْبَةُ. وعباد احتج بهما الشَّيْخَانِ، وَحَبِيبٌ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ فِي أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ3 احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ ثَنَا غُنْدَرٌ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ لِاتِّصَالِهِ وَثِقَةِ رُوَاتِهِ، قَالَ: وَأَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِالِاضْطِرَابِ فِي إسْنَادِهِ، وَقَالَ: إنَّ إسْنَادَهُ وَهْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مُرْسَلٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابن جريح عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَتَبِعَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ، وقال: إن ابن جريح الَّذِي دَارَ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ يُرْوَى عَنْهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ يَقْدَحُ فِيهِ، وَمَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَدِيثَانِ: مُسْنَدٌ. وَمُرْسَلٌ، انْتَهَى. فَانْظُرْ كَيْفَ أَعْرَضَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ. وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَيْنِ، وَاشْتَغَلَ بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَزَعَمَ أَنَّ إسْنَادَهُ أَشْهَرُ إسْنَادٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَتَرَكَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، وَهُمَا أَمْثَلُ مِنْهُ؟! وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ تَحَامُلُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ5 فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا عَمْرُو
بْنُ الْحُصَيْنِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُلَاثَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ"، انْتَهَى، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 فِي سُنَنِهِ، ثُمَّ قَالَ: عَمْرُو بْنُ الْحُصَيْنِ. وَابْنُ عُلَاثَةَ ضَعِيفَانِ. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْبَخْتَرِيِّ بْنِ عبيدة عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَالْبَخْتَرِيُّ ضَعِيفٌ، وَأَبُوهُ مَجْهُولٌ. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَلِيِّ2 بْنِ هَاشِمٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أبي هريرة، وقال: وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ ضَعِيفٌ، انْتَهَى، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَأَعَلَّهُ بِعَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ، وَقَالَ: إنَّهُ كَانَ غَالِيًا فِي التَّشَيُّعِ مُنْكَرٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ مَعَ مَا يَقْلِبُ مِنْ الْأَسَانِيدِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 فِي سُنَنِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي مُوسَى، وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَأَعَلَّهُ بِأَشْعَثَ، وَقَالَ: ضَعِيفٌ، وَلَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَمَشَّاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا، وَلَكِنَّهُ يُخَالِفُ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِهِ، وَغَيْرُهُ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ مَوْقُوفًا. وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثَهُ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 مِنْ طُرُقٍ: أَحَدُهَا: عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابن عمر مرفوعاً، وقال: وَهَذَا وَهْمٌ، وَالصَّوَابُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ الْفِهْرِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ يَحْيَى بن يونس البزاز، ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عن نافع ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَالْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى هَذَا ضَعِيفٌ، وَصَوَابُهُ مَوْقُوفٌ. الثَّالِثَةُ: عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُبَيْدِ الله عن نافع ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَهَذَا وَهْمٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ: عُبَيْدُ اللَّهِ. وَالثَّانِي: رَفْعُهُ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ5 بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ. الرَّابِعَةُ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَمُحَمَّدُ6 بْنُ الْفَضْلِ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ7 عَنْ عَفَّانَ بْنِ سَيَّارٍ ثَنَا عَبْدُ الْحَكَمِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَعَبْدُ الْحَكَمِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، قَالَ: وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ يَعْنِي عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا تَقَدَّمَ، قُلْتُ: وَفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَزْهَرِ كَذَّبَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَلِأَصْحَابِنَا أَحَادِيثُ مِنْ فِعْلِهِ عليه السلام: فَأَمْثَلُهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ1 عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَرَفَ غَرْفَةً فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَةً فَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَةً فَغَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَةً فَغَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ بَاطِنِهِمَا بِالسِّبَاحَتَيْنِ2 وَظَاهِرِهِمَا بِإِبْهَامِهِ، ثُمَّ غَرَفَ غُرْفَةً فَغَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَةً فَغَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَلَفْظُهُمَا قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِوُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ: ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَةً فَمَسَحَ بِهَا رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَابْنُ مَنْدَهْ فِي صَحِيحَيْهِمَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي آخِرِ بَابِ مَسْحِ الرَّأْسِ، وَلَفْظُهُ فِيهِ قَالَ: ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ الْمَاءِ فَنَفَضَ يَدَهُ، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ. فَلِذَلِكَ بَوَّبَ عَلَيْهِ النَّسَائِيُّ بَابَ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ مَعَ الرَّأْسِ، وَمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كُلَّهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ فِيهِ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً، انْتَهَى. إلَّا أَنَّ عَبَّادَ بْنَ مَنْصُورٍ فِيهِ شَيْءٌ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4 أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا رَأَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، قَالَتْ: فَمَسَحَ رَأْسَهُ5 مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَمَا أَدْبَرَ وَصُدْغَيْهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَلَفْظُهُ فِيهِ: وَمَسَحَ أُذُنَيْهِ مَعَ مُؤَخِّرِ رَأْسِهِ، إلَّا أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ6 أَيْضًا فِيهِ شَيْءٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ اسْتَدَلَّ بِهِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ لِأَبِي حَنِيفَةَ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمَوْطَأِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فَمَضْمَضَ7 خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ" وَذَكَر الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: "فَإِذَا مَسَحَ رَأْسَهُ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ إلَى آخِرِهِ"، كَمَا قَالَ فِي الْوَجْهِ: "مِنْ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ" وَفِي الْيَدَيْنِ: "مِنْ تَحْتَ أَظْفَارِهِ". انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ8. وَابْنُ مَاجَهْ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: وَعَبْدُ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ: لَمْ يَلْقَ9 النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُسَيْلَةَ، انْتَهَى.
حَدِيثُ تَجْدِيدِ الْمَاءِ لِلْأُذُنَيْنِ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ1 فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ وَاسِعٍ أن أباه سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ يَذْكُرُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَأَخَذَ لأذنيه ماءاً خِلَافَ الْمَاءِ الَّذِي أَخَذَهُ لِرَأْسِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ2 عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: إسْنَادُهُ صحيح، انتهى. وذكره ابن الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِهِ عُلُومِ الْحَدِيثِ، هذا عَجْزٌ مِنْهُ وَتَقْصِيرٌ، فَقَدْ رَوَاهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِتَجْدِيدِ الْمَاءِ لِلْأُذُنَيْنِ مِنْ حَدِيثِ نِمْرَانَ بْنِ جَارِيَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ إسْنَادٌ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ، وَقَالَ: إنَّ هَذَا حَدِيثٌ لَا يُوجَدُ أَصْلًا لَا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَلَا بِصَحِيحٍ، قَالَ: وَهُوَ لَمْ يَعْزُهُ إلَى مَوْضِعٍ فَيُتَحَاكَمُ إلَيْهِ، قَالَ: وَكَأَنَّهُ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ نِمْرَانَ بْنِ جَارِيَةَ3 عَنْ أَبِيهِ جَارِيَةَ بْنِ ظَفَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خُذُوا لِلرَّأْسِ ماءاً جَدِيدًا" 4. وَأَمَّا الْأَمْرُ بِتَجْدِيدِ الْمَاءِ لِلْأُذُنَيْنِ فَلَا وُجُودَ لَهُ فِي عِلْمِي، انْتَهَى. وَحَدِيثُ نِمْرَانَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَطَّانِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ5 فِي مُعْجَمِهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ ثَنَا أَسَدُ بْنُ عَمْرِو عَنْ دَهْثَمٍ عَنْ نِمْرَانَ بْنِ جَارِيَةَ بْنِ ظَفَرَ الْحَنَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ6 مِنْ رواية يحيى بن نكير عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا تَوَضَّأَ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِإِصْبَعَيْهِ لِأُذُنَيْهِ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَلَفْظُهُ: كَانَ يُعِيدُ إصْبَعَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، انْتَهَى. وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَوْلَى لِكَثْرَةِ رُوَاتِهِ وَتَعَدُّدِ طُرُقِهِ، وَالتَّجْدِيدُ إنَّمَا وَقَعَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ. وَمِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنْ الْوَجْهِ حَدِيثُ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ: "وَجَّهْت وَجْهِي" إلَى آخِرِهِ. وَفِيهِ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ زَادَ الْحَاكِمُ7 فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَقَالَ: هَذِهِ8 الزِّيَادَةُ صَحِيحَةٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَبِهَذَا الْحَدِيثِ. وَحَدِيثِ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ عَمِلَ ابن سريج
وَكَانَ يَغْسِلُهُمَا مَعَ الْوَجْهِ وَيَمْسَحُهُمَا مَعَ الرَّأْسِ، فَيَجْعَلُ مَا أَقْبَلَ مِنْهُمَا مِنْ الْوَجْهِ وَمَا أَدْبَرَ مِنْ الرَّأْسِ. حَدِيثٌ فِي صِفَةِ مَسْحِهِمَا، رَوَى ابْنُ مَاجَهْ1 فِي سُنَنِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ أُذُنَيْهِ فَأَدْخَلَهُمَا السَّبَّابَتَيْنِ وَخَالَفَ إبْهَامَيْهِ إلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ فَمَسَحَ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ مَسَحَ برأسه وأذنيه باطنهما بالسباحتين2 وَظَاهِرِهِمَا بِإِبْهَامَيْهِ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: رُوِيَ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ أَنَّهُ عليه السلام أمره جبريل بِذَلِكَ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي بَابِ الْأَحَادِيثِ الْمُخَالِفَةِ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمَّاذٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَتَانِي جبرئيل فَقَالَ: "إذَا تَوَضَّأْت فَخَلِّلْ لِحْيَتَك" انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَلَفْظُهُ: قال: "جاءني جبرئيل فقال: يَا مُحَمَّدُ خَلِّلْ لِحْيَتَك بِالْمَاءِ عِنْدَ الطُّهُورِ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِالْهَيْثَمِ بْنِ جَمَّاذٍ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَابْنِ مَعِينٍ. وَالسَّعْدِيِّ، وَوَافَقَهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي كَاهِلٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 فِي سُنَنِهِ، عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ زَرْوَانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لحيته، وقال "بهذا أَمَرَنِي رَبِّي" انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَالْوَلِيدُ بْنُ زَرْوَانَ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَطَّانِ: إنَّهُ مَجْهُولٌ هُوَ عَلَى طَرِيقَتِهِ فِي طَلَبِ زِيَادَةِ التَّعْدِيلِ مَعَ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ عَنْ الرَّاوِي، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ رَوَى تَخْلِيلَ اللِّحْيَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَعَائِشَةُ. وَأَبُو أَيُّوبَ. وَابْنُ عُمَرَ. وَأَبُو أُمَامَةَ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى. وَأَبُو الدَّرْدَاءِ. وَكَعْبُ بْنُ عَمْرٍو. وَأَبُو بَكْرَةَ. وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَكُلُّهَا مَدْخُولَةٌ، وَأَمْثَلُهَا حَدِيثُ عُثْمَانَ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ4 وَابْنُ مَاجَهْ5 مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ الْأَسَدِيِّ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّهُ عليه السلام تَوَضَّأَ وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ:
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عُثْمَانَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَقَدْ احْتَجَّا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا بِجَمِيعِ رُوَاتِهِ غَيْرَ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ فِي عَامِرٍ طَعْنًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَأَنَسٍ، وَعَائِشَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَ أَحَادِيثَهُمْ الثَّلَاثَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَقَالَ: "بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي" وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّينِ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَالَ: إنَّ عَامِرَ بْنَ شَقِيقٍ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: عَامِرُ بْنُ شَقِيقٍ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، قَالَ: وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ حَدِيثَ عُثْمَانَ فِي الْوُضُوءِ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرُ التَّخْلِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: أَصَحُّ شَيْءٍ عندي في النخليل حَدِيثُ عُثْمَانَ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ حَسَّانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْت إسْحَاقَ بْنَ مَنْصُورٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ يَسْمَعْ عَبْدُ الْكَرِيمِ مِنْ حَسَّانَ بْنِ بِلَالٍ حَدِيثَ النخليل، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ حَسَّانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، فَذَكَرَهُ، وَيُنْظَرُ سَنَدُ الْحَاكِمِ3. وَالطَّبَرَانِيِّ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ4 فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ5 فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ حَاتِمٍ ثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ، وَلَفْظُهُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ، قَالَ: وَأَيُّوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بَصْرِيٌّ لَا نَعْلَمُ حَدَّثَ عَنْهُ إلَّا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ6 أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ وَاصِلِ بْنِ السَّائِبِ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَبِي سَوْرَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ، انْتَهَى. وَوَاصِلُ بْنُ السَّائِبِ، قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ1 أَيْضًا حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ حَبِيبٍ2 ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ قَيْسٍ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ عَرَكَ عَارِضَيْهِ بَعْضَ الْعَرْكِ، ثُمَّ شَبَّكَ لِحْيَتَهُ بِأَصَابِعِهِ مِنْ تَحْتِهَا، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْوَسَاوِسِيُّ الْبَصْرِيُّ ثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ثَنَا نَافِعٌ أَبُو هُرْمُزَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَكَذَا الطُّهُورُ؟ قَالَ: "هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي". انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ. وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ ثَنَا عَنْبَسَةُ3 بْنُ غَنَّامٍ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ثَنَا عُمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَاهِلِيُّ عَنْ ابْنِ غَالِبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْفَى، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيِّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي الْوَرْقَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ هَذَا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا ثَنَا أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ أَبِي نُعَيْمٍ الْمُلُوحِيُّ4 ثَنَا آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ ح ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ الْجَحْدَرِيُّ، قَالَا: ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ تَمَّامِ بن نجيح الدستوي5 عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ يَقْصِدُ وضوءه وزاد كامل،: وسح رَأْسَهُ يَقْصِدُ6 ذِرَاعَيْهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ7 بْنُ مُصَرِّفِ بْنِ عَمْرٍو الْيَامِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي مُصَرِّفُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرِيِّ8 بْنِ مُصَرِّفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ يَبْلُغُ بِهِ كَعْبَ بْنَ عَمْرٍو، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَسَحَ بَاطِنَ لِحْيَتَهُ وَقَفَاهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَكَّارَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِيهِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ مُخْتَصَرٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ أَصْرَمَ بْنِ غِيَاثٍ ثَنَا مُقَاتِلُ1 بْنُ حَيَّانَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: وَضَّأْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثٍ. فَرَأَيْته يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ بِأَصَابِعِهِ كَأَنَّهَا أَنْيَابُ مُشْطٍ، انْتَهَى. وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَصْرَمُ بْنُ غِيَاثٍ النيشابوري مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَعَنْ النَّسَائِيّ أَنَّهُ قَالَ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد بْنِ سُلَيْمَانَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ ثَنَا هِلَالُ بْنُ فَيَّاضٍ ثَنَا عمر بْنُ أَبِي وَهْبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ ثَرْوَانَ3 عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كُرَيْزٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ إلْيَاسَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ في ضعائفه، وَأَعَلَّهُ بِخَالِدِ بْنِ إلْيَاسَ الْعَدَوِيِّ، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: لَا يَثْبُتُ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ حَدِيثٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَلِّلُوا أَصَابِعَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَتَخَلَّلَهَا نَارُ جَهَنَّمَ" قُلْتُ: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَلِّلُوا أَصَابِعَكُمْ لَا يَتَخَلَّلُهَا4 اللَّهُ بِالنَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ5 وَفِي الْأَوَّلِ: يَحْيَى بْنُ مَيْمُونٍ التَّمَّارُ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: كَانَ يَحْيَى بْنُ مَيْمُونٍ كَذَّابًا حَدَّثَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ بِأَحَادِيثَ مَوْضُوعَةٍ، وَفِي الثَّانِي: عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ، وَلَقَبُهُ سَنْدَلٌ قَالَ فِيهِ أَحْمَدُ. وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ. وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: مَتْرُوكٌ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ لَمْ يُخَلِّلْ أَصَابِعَهُ بِالْمَاءِ خَلَّلَهَا اللَّهُ بِالنَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". انْتَهَى.
أَحَادِيثُ تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ أَمْثَلُهَا حَدِيثُ لَقِيطِ1 بْنِ صَبِرَةَ، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ2 مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ3 بْنِ لَقِيطٍ عَنْ أَبِيهِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا تَوَضَّأْتَ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ4. حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ5 وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، فَإِنَّهُمَا أَعْرَضَا عَنْ الصَّحَابِيِّ الَّذِي لَا يَرْوِي عَنْهُ غَيْرُ الْوَاحِدِ. حَدِيثٌ آخَرُ رَوَى التِّرْمِذِيُّ6 وَابْنُ مَاجَهْ7 مِنْ حَدِيثِ صالح مولى التوءَمة عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا تَوَضَّأْتَ فَخَلِّلْ أَصَابِعَ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. حَدِيثٌ آخَرُ رَوَى أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ دَلَكَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ8 فِي كِتَابِهِ بِزِيَادَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ. وَلَيْثِ بْنِ سَعْدٍ مَعَ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَابْنُ لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ إلَّا أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ، فَصَحَّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، ثُمَّ ذَكَرَهُ بِسَنَدِ الْبَيْهَقِيّ. الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ" وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ،: "هَذَا وُضُوءُ مَنْ يُضَاعَفُ لَهُ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ" وَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي فمن زاد عن هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ" قُلْت: غَرِيبٌ بِجَمِيعِ هَذَا اللَّفْظِ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّحَابَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ. وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ: فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ وَلَكِنَّهُ مَذْكُورٌ فِي حَدِيثٍ آخَرَ، سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ. أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَلَهُ طُرُقٌ، أَمْثَلُهَا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ9 مِنْ حَدِيثِ الْمُسَيِّبِ بْنِ وَاضِحٍ، ثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَرَّةً مَرَّةً، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً إلَّا بِهِ" ثُمَّ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ: " هَذَا وُضُوءُ مَنْ يُضَاعَفُ لَهُ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ" ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْمُرْسَلِينَ قَبْلِي"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ1 فِي سُنَنِهِ وَقَالَ هُوَ، والدارقطني2: تَفَرَّدَ بِهِ الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ فِي الْمَعْرِفَةِ: الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَوْجُهٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: هَذَا الطَّرِيقُ مِنْ أَحْسَنِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمُسَيِّبُ صَدُوقٌ لَكِنَّهُ يُخْطِئُ كَثِيرًا. طَرِيقٌ آخَرُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ3 فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَقَالَ: "هَذَا وضوء لا يقبل الله صَلَاةً إلَّا بِهِ". ثُمَّ تَوَضَّأَ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوءُ الْقَدْرِ مِنْ الْوُضُوءِ"، وَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ: "هَذَا أَسْبَغُ الْوُضُوءِ وُضُوئِي وَوُضُوءُ خَلِيلِ اللَّهِ إبْرَاهِيمَ"، مُخْتَصَرٌ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ4 فِي سُنَنِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَلَفْظُهُمَا قَالَا: دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ" ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوءُ مَنْ أُوتِيَ أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ" ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ زَيْدٍ الْعَمِّيُّ عَنْ أَبِيهِ، وَخَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا، وَلَيْسَا فِي الرِّوَايَةِ بِقَوِيَّيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ5 فِي عِلَلِهِ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ زَيْدٍ الْعَمِّيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْبَيْهَقِيّ، فَقَالَ أَبِي: عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ زَيْدٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَأَبُوهُ زَيْدٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبِي: وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي حَدِيثٌ وَاهٍ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قرة لم يلحق ابْنَ عُمَرَ، انْتَهَى. ثُمَّ وَجَدْته فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْوَسَطِ عَنْ مَرْحُومِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ زَيْدٍ، وَرَوَاهُ الْحِجِّيُّ. وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَالَ: فِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَاهُ بِسَنَدِ ابْنِ مَاجَهْ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ، وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ وَأَبِيهِ، وَضَعَّفَهُمَا، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَزَيْدٌ الْعَمِّيُّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ. وَأَبُو زُرْعَةَ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ: هُوَ ثِقَةٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ صَالِحٌ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْعَمِّيَّ لِأَنَّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ قَالَ: حَتَّى أَسْأَلَ عَمِّي، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ1 أَيْضًا فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ قَعْنَبٍ أَبُو بِشْرٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَرَادَةَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي الْحَوَارِيِّ2 عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَقَالَ: "هَذَا وَظِيفَةُ الوضوء"، وقال: "وُضُوءٌ مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْهُ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً" ثُمَّ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوءٌ مَنْ تَوَضَّأَهُ أَعْطَاهُ اللَّهُ كِفْلَيْنِ مِنْ الْأَجْرِ" ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْمُرْسَلِينَ قَبْلِي" انْتَهَى. وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِي زيد بن أبي الْحَوَارِيِّ: 3لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَاهِي الْحَدِيثِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَرَادَةَ قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ أَيْضًا: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الشَّامِيِّ ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَقَالَ: "هَذَا الَّذِي لايقبل اللَّهُ الْعَمَلَ إلَّا بِهِ" وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ: "هَذَا يُضَاعِفُ اللَّهُ بِهِ الْأَجْرَ مَرَّتَيْنِ". وَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ به عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، وَكَانَ ضَعِيفًا، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ أَوَّلًا: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ4 مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الطُّهُورُ؟ فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إنَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأَدْخَلَ5 إصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ وَمَسَحَ بإبهامه عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ وَبِالسِّبَاحَتَيْنِ بَاطِنِ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: "هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ، أَوْ ظَلَمَ وَأَسَاءَ". وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ مَاجَهْ: أَوْ تَعَدَّى6 وَظَلَمَ. وَلِلنَّسَائِيِّ: فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ عِنْدَ مَنْ يُصَحِّحُ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ لِصِحَّةِ الْإِسْنَادِ إلَى عَمْرٍو، انْتَهَى. قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: وَيَسْتَوْعِبُ رَأْسَهُ بِالْمَسْحِ هُوَ السُّنَّةُ يُشِيرُ إلَى حَدِيثٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ7. ومسلم
فِي صحيحهما من طريق مالك بن عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ: قَالَ: شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ يَعْنِي فِي التَّوْرِ فَمَسَحَ رَأْسَهُ. فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْمَسْحُ عَلَى النَّاصِيَةِ عِنْدَ مُسْلِمٍ1 فَظَهَرَ أَنَّ الِاسْتِيعَابَ سُنَّةٌ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى جَمَاعَةٌ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ إلَّا مَالِكُ2 بْنُ أَنَسٍ، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ3 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ، وَمَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ: وَأَنَّهُ أَخَذَ بِيَدَيْهِ ماءاً فَبَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِيَدَيْهِ إلَى مُؤَخَّرِ الرَّأْسِ. ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى مُقَدَّمِهِ، قَالَ: فَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا4 عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِيَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ5 فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَعَزَا شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ إلَى كِتَابِ الْإِمَامِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدين بن دقيق العبد أَنَّهُ قَالَ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِرِوَايَةِ رَاشِدٍ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ بِالزَّاوِيَةِ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ كَانَ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّك كُنْت تُوَضِّئُهُ. قَالَ: فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَأُتِيَ بِطَسْتٍ وَقَدَحٍ، فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَكْفَأَ عَلَى يَدِهِ مِنْ الْمَاءِ وَأَنْعَمَ غَسْلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ مَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَخْرَجَ يَدَهُ الْيُمْنَى فَغَسَلَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، غَيْرَ أَنَّهُ أَمَرَّهُمَا عَلَى أُذُنَيْهِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا، انْتَهَى. وَهَذَا لَمْ أَجِدْهُ لَا فِي الْإِمَامِ وَلَا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ6 الْوَسَطِ وَيُضَعِّفُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ7 فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا إسْحَاقُ الْأَزْرَقُ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ8 عن عبادة9 عَنْ أَنَسٍ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الرَّأْسِ ثَلَاثًا يَأْخُذُ لكل مسحة ماءاً جَدِيدًا.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ1 عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ أُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَطَسْتٍ، فَأَفْرَغَ مِنْ الْإِنَاءِ عَلَى يَمِينِهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثلاثاً، ثم مضمض وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا. ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ اليسرى ثَلَاثًا، ثُمَّ جَعَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، وَرِجْلَهُ الشِّمَالَ ثَلَاثًا،، ثُمَّ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ هَذَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ2 فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ3 عَنْ جَدَّتِهِ4 عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، إلَّا الْمَسْحَ فَإِنَّهُ مَرَّةً مَرَّةً، انْتَهَى. وَهَذَا أَصْرَحُ فِي الْمَقْصُودِ لِأَصْحَابِنَا، فَإِنَّهُ بِلَفْظِ كَانَ الْمُقْتَضِيَةِ لِلدَّوَامِ. إلَّا أَنَّ فِيهِ ضَعِيفًا5. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد6 عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كُلَّهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، قَالَ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، انْتَهَى. وَعَبَّادُ بْنُ7 مَنْصُورٍ فِيهِ مَقَالٌ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ8 فِي سُنَنِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ9 الْمَخْزُومِيِّ حَدَّثَنِي جَدِّي أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ10 خَرَجَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمَقَاعِدِ فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا وَتَمَضْمَضَ ثلاثاً واستنشق ثَلَاثًا وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، وَكُنْت عَلَى وُضُوءٍ، وَلَكِنْ أَحْبَبْت أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَاَلَّذِي يُرْوَى فِيهِ يَعْنِي مَسْحَ الرَّأْسِ مِنْ التَّثْلِيثِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ، قُلْت: فِي تَثْلِيثِ الْمَسْحِ أَحَادِيثُ: بَعْضُهَا صَرِيحَةٌ، وَبَعْضُهَا بِالْمَفْهُومِ، أَمَّا الصَّرِيحَةُ فَمِنْهَا: حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ شَقِيقِ11 بْنِ جَمْرَةَ بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: رَأَيْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَذَا، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ إسْرَائِيلَ، فَقَالَ: تَوَضَّأَ ثَلَاثًا فَقَطْ قَالَ12: وَأَحَادِيثُ عُثْمَانَ الصِّحَاحُ
كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ: فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا الْوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وقالوا: مسح رَأْسَهُ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَدَدًا، انْتَهَى. وَعَامِرُ بْنُ شَقِيقٍ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِالْمَقَاعِدِ، فَذَكَرَ فِيهِ التَّثْلِيثَ فِي الْمَسْحِ وَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: فِي كِتَابِهِ: صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَجْهُولُ الْحَالِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا أَبُو عَامِرٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَرْدَانَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حُمْرَانَ عَنْ عُثْمَانَ بِهِ قَالَ الْبَزَّارُ1: وَلَا نَعْلَمُ رَوَى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حُمْرَانَ إلَّا هَذَا الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد2 فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَرْدَانَ بِهِ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَرْدَانَ أَبُو بَكْرٍ الْغِفَارِيُّ قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: صَالِحٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. طَرِيقٌ رَابِعٌ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي - السُّنَنِ -3 عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أُتِيَ بِوَضُوءٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا حَتَّى قَفَاهُ وَأُذُنَيْهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَهُوَ مُنْقَطِعٌ فِيمَا بَيْنَ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعُثْمَانَ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ، فَلَهُ أَيْضًا طُرُقٌ: أَحَدُهَا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ4 عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه عَنْ خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَفِيهِ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَامِلًا فَلْيَنْظُرْ إلَى هَذَا، وَفِي رِوَايَةٍ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَذَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ بن عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَ فِيهِ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا، وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ الثِّقَاتِ، كَزَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ. وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَشُعْبَةَ. وَأَبِي عَوَانَةَ. وَشَرِيكٍ. وَأَبِي الْأَشْهَبِ جَعْفَرِ بْنِ الْحَارِثِ. وَهَارُونَ بْنِ سَعْدٍ. وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ. وَأَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ. وَعَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ. وَحَازِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ. وَحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ. وَجَعْفَرِ بْنِ الْأَحْمَرِ5، فَرَوَوْهُ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ، وَكُلُّهُمْ قَالُوا: وَمَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ فِيهِ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ سَلَّامٍ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي حَيَّةَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ رَأَى عَلِيًّا فِي الرَّحْبَةِ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ مَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: إنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ طُهُورُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، وَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِصِحَّةٍ وَلَا ضَعْفٍ. طَرِيقٌ آخَرُ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ النَّخَعِيّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: أَلَا أُرِيكُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْنَا: بَلَى، فَأَتَى بِطَسْتٍ مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ1 فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي أُرِيَ النِّدَاءَ قَالَ: رَأَيْتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ فغسل وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ وغسل رجليه مرتين وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 فِي سُنَنِهِ ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُ مَالِكٌ. وَوُهَيْبٌ. وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ. وَخَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ. وَغَيْرُهُمْ، فَرَوَوْهُ عَنْ عمر بْنِ يَحْيَى، فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَحَدٌ مَرَّتَيْنِ غَيْرُ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَوَهِمَ فِيهِ، وَأَظُنُّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - تَأَوَّلَ قَوْلَهُ: فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، فَجَعَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ. وَمَا ذَكَرَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَمِنْ رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ. وَمُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ. وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ كُلُّهُمْ ذَكَرُوا عَنْهُ هَذَا، وَأَمَّا الْحُمَيْدِيُّ فَإِنَّهُ3 مَيَّزَ ذَلِكَ فَلَمْ يَذْكُرْهُ، أَوْ حَفِظَ عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ، فَذَكَرَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، فَلَمْ يَصِفْ الْمَسْحَ، وَلَا قَالَ: مَرَّتَيْنِ. أَحَادِيثُ التَّثْلِيثِ الْوَارِدَةُ بِالْمَفْهُومِ4 لَا بِالْمَنْطُوقِ مِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زيد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ5 وَرَوَى مُسْلِمٌ6 مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَنَسٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ تَوَضَّأَ بِالْمَقَاعِدِ، وَقَالَ: أَلَا أُرِيكُمْ كَيْفَ وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ7: وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ فِي تَكْرَارِ الْمَسْحِ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ مُطْلَقَةٌ،
وَالرِّوَايَاتُ الثَّابِتَةُ الْمُفَسَّرَةُ عَنْ عُثْمَانَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّكْرَارَ وَقَعَ فِيمَا عَدَا الرَّأْسِ مِنْ الأعضاء، فإنه1 مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ غَرِيبَةٍ عَنْ عُثْمَانَ ذِكْرُ التَّكْرَارِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ، إلَّا أَنَّهَا - مَعَ خلاف الحفاظ الثقات - ليست بِحُجَّةٍ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ2 مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي حَيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ3، قَالَ أَصْحَابُنَا: لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ حُجَّةٌ عَلَى التَّثْلِيثِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: تَوَضَّأَ يَعُودُ إلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الْوَضَاءَةُ، وَهِيَ الْغَسْلُ بِدَلِيلِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَوَى حَدِيثَ عَلِيٍّ هَذَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي حَيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَذِرَاعَيْهِ ثلاثاُ ومسح برأسه مَرَّةً، ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَحْبَبْتُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ طُهُورُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا أَبْهَمَهُ الرَّاوِي الْأَوَّلُ فَسَّرَهُ الرَّاوِي الثَّانِي، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّثْلِيثَ فِي الْوُضُوءِ إنَّمَا يَرْجِعُ لِلْمَغْسُولِ دُونَ الْمَمْسُوحِ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَيْضًا حَدِيثُ عُثْمَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ فَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا، ثُمَّ قَالَ: وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا، وَأَجَابَ الْخَصْمُ: بِأَنَّ الْوُضُوءَ إذَا أُطْلِقَ عَمَّ الْغَسْلَ وَالْمَسْحَ. الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ" قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ حَدِيثِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي طُهُورِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَشَأْنِهِ كُلِّهِ انْتَهَى. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ4 وَمُسْلِمٌ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ فِي الطَّهَارَةِ وَأَبُو دَاوُد فِي اللِّبَاسِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ5 عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا تَوَضَّأْتُمْ فابدؤوا بِمَيَامِنِكُمْ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صحيحهما قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَهُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يُصَحَّحَ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ6، وَلَفْظُهُ إذَا لَبِسْتُمْ أو توضأتم فابدؤوا بِأَيَامِنِكُمْ.
أَحَادِيثُ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ، واستدل على عدم وجوب التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1 عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا أَمَا كَانَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ. أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا"، وَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ، أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُخَرَّجِ2 عَلَى الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُهُ: إنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ تَنْفُضَهَا، ثُمَّ تَمْسَحَ بِيَمِينِكَ عَلَى شِمَالِكَ وَشِمَالِكَ عَلَى يَمِينِكَ، ثُمَّ تَمْسَحَ عَلَى وَجْهِك وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 وَلَفْظُهُ: ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "إنَّمَا كَانَ يَكْفِيك أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا"، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْأَرْضِ فَنَفَضَهَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ، وَبِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ عَلَى الْكَفَّيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ5 قَالَ: أَتَى عُثْمَانُ الْمَقَاعِدَ فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا وَرِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثم مسح يرأسه، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ هَكَذَا، يَا هَؤُلَاءِ كَذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، لِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدِيثٌ آخَرُ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد6 عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ عليه السلام رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَفِي قَدَمِهِ لُمْعَةٌ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَبَقِيَّةُ مُدَلِّسٌ إلَّا أَنَّ الْحَاكِمَ رَوَاهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، فَقَالَ فِيهِ: حَدَّثَنَا بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ فَزَالَتْ التُّهْمَةُ، انْتَهَى. ومن طريق أبو دَاوُد، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ7 فِي السُّنَنِ، وَقَالَ: إنَّهُ مُرْسَلٌ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: عَدَمُ ذِكْرِ اسْمِ الصَّحَابِيِّ لَا يَجْعَلُ الْحَدِيثَ مُرْسَلًا، فَقَدْ قَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: إسْنَادُهُ
جَيِّدٌ، قُلْتُ لَهُ: إذَا قَالَ التَّابِعِيُّ1 حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُسَمِّهِ أَيَكُونُ الْحَدِيثُ صَحِيحًا؟ قَالَ: نَعَمْ انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ تَوَضَّأَ وَتَرَكَ عَلَى قَدَمِهِ مِثْلَ الظُّفْرِ، فَقَالَ عليه السلام: "ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَك"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ2: تَفَرَّدَ بِهِ جَرِيرٌ عَنْ قَتَادَةَ، وَهُوَ ثِقَةٌ، انْتَهَى. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، وَفِيهِ ارْجِعْ فَأَتِمَّ وُضُوءَك لَكِنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ الْوَازِعِ بْنِ نَافِعٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ. وَأَحْمَدُ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ. والدارقطني، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ والدارقطني فِي سُنَنِهِ عَنْ الْوَازِعِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ رَجُلٌ قَدْ تَوَضَّأَ، وَفِي قَدَمِهِ مَوْضِعٌ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اذْهَبْ فَأَتِمَّ وُضُوءَكَ"، فَفَعَلَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى رَجُلًا تَوَضَّأَ للصلاة، وترك مَوْضِعَ ظُفْرٍ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ، فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: "ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَك" فَرَجَعَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى، انْتَهَى. وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ بِحَدِيثِ هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ. وَقَالُوا: لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ رَتَّبَ وَوَالَى، وَلَا جَائِزٌ أَنَّهُ لَمْ يُرَتِّبْ وَلَمْ يُوَالِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ عَدَمُ صِحَّتِهَا مُرَتَّبَةً مُتَوَالِيَةً، فيثبت أن تَوَضَّأَ مُرَتِّبًا مُوَالِيًا، وَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يَصِحَّ إلَّا مُرَتَّبًا مُتَوَالِيًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْحَدِيثِ الْحَادِيَ عَشَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْمُوَالَاةِ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: رَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى ثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَهْلِي تغار عليَّ إذا وَطِئْتُ جِوَارِيَّ، قَالَ:
وَبِمَ يَعْلَمْنَ ذَلِكَ قُلْت: مِنْ قِبَلِ الْغُسْلِ، قَالَ: إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْك فَاغْسِلْ رَأْسَك عِنْدَ أَهْلِك، فَإِذَا حَضَرْت الصَّلَاةَ فَاغْسِلْ سَائِرَ بَدَنِك. انْتَهَى. قَالَ: وَإِسْمَاعِيلُ مَتْرُوكٌ عِنْدَهُمْ.
فصل في نواقض الوضوء
فَصْلٌ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا الْحَدَثُ؟ فَقَالَ: "مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ" قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرَائِبِ مَالِكٍ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ رَشِيقٍ. وَمُحَمَّدُ بْنُ مُظَفَّرٍ، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَيْرٍ الْبَزَّارُ - بِمِصْرَ - ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ اللَّجْلَاجِ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ أَبِي رَوْحٍ ثَنَا سَوَادَةُ ين عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إلَّا مَا خَرَجَ مِنْ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَحْمَدُ بْنُ اللَّجْلَاجِ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. لَيْسَ فِي هَذَا مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ: مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ عَلَى مَالِكٍ فِي تَخْصِيصِهِ بِالْمُعْتَادِ. الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَاءَ، فَلَمْ يَتَوَضَّأْ، قُلْتُ: غَرِيبٌ جِدًّا1. الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ". قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَمَّا حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 فِي سُنَنِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدَ الْعَزِيزِ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ تَمِيمٍ وَلَا رَآهُ، وَالْيَزِيدَانِ مَجْهُولَانِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ فِي تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْفَرَجِ، عَنْ بَقِيَّةَ ثَنَا شعبة عن عمر بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ" انْتَهَى، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ هَذَا، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَلَكِنَّهُ يُكْتَبُ، فَإِنَّ النَّاسَ مَعَ ضَعْفِهِ قَدْ احْتَمَلُوا حَدِيثَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ
كَتَبْنَا عَنْهُ، وَمَحَلُّهُ عِنْدَنَا الصِّدْقُ1 انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ قَاءَ، أَوْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ" قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ. فَحَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ، وَأَعَادَهُ فِي بَاب الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ2 فِي سُنَنِهِ فِي الصَّلَاةِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابن جريح عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلْسٌ، أَوْ مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ" 3 انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: "إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَوْ قَلَسَ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ4: الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ جُرَيْجٍ يَرْوُونَهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ فِي تَرْجَمَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عَيَّاشٍ مَرَّةً، وَمَرَّةً قَالَ: عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ، قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَيُحْتَجُّ بِهِ فِي حَدِيثِ الشَّامِيِّينَ فَقَطْ، وَأَمَّا حَدِيثُهُ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ فَلَا يَخْلُو مِنْ ضَعْفٍ: إمَّا مَوْقُوفٌ فَيَرْفَعُهُ، أَوْ مَقْطُوعٌ فَيُوَصِّلُهُ، أَوْ مُرْسَلٌ فَيُسْنِدُهُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ: وَإِنَّمَا وُثِّقَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ فِي الشَّامِيِّينَ5 دُونَ غَيْرِهِمْ، لِأَنَّهُ كَانَ شَامِيًّا، وَلِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ اصْطِلَاحٌ في كيفية الأخذ في التَّشَدُّدِ وَالتَّسَاهُلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالشَّخْصُ أَعْرَفُ بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ بَلَدِهِ، فَلِذَلِكَ6 يُوجَدُ فِي أَحَادِيثِهِ عَنْ الْغُرَبَاءِ مِنْ النَّكَارَةِ، فَمَا وَجَدُوهُ مِنْ الشَّامِيِّينَ احْتَجُّوا بِهِ، وَمَا كان من الحجاويين. وَالْكُوفِيِّينَ، وَغَيْرِهِمْ تَرَكُوهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَدِيٍّ، وَحَكَى كَلَامَهُ الْمَذْكُورَ، ثُمَّ أَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ ابْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ" الْحَدِيثُ، إنَّمَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ، وَلَمْ يُسْنِدْهُ لَيْسَ فِيهِ عَائِشَةُ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنِ عَيَّاشٍ، مَا رَوَاهُ عَنْ الشَّامِيِّينَ،
فَصَحِيحٌ، وَمَا رَوَاهُ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، انْتَهَى كَلَامُ أَحْمَدَ. ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ. وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ. وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ. وَغَيْرُهُمْ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ مَرَّةً هَكَذَا مُرْسَلًا، كَمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ، ثُمَّ أُسْنِدَ إلَى الشَّافِعِيِّ، قَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ ثَابِتَةً عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ صَحَّتْ فَيُحْمَلُ عَلَى غَسْلِ الدَّمِ لَا عَلَى وُضُوءِ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَمْلُ غَيْرُ صَحِيحٍ، إذْ لَوْ حُمِلَ الْوُضُوءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى غَسْلِ الدَّمِ فَقَطْ لَبَطَلَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا بِالِانْصِرَافِ، ثُمَّ بِالْغَسْلِ، وَلَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ، بَلْ يَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، فَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَزَادَ فِي الْإِسْنَادِ عَنْ عَائِشَةَ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَالْمُرْسَلُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا حُجَّةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الدَّاهِرِيِّ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ أَوْ رَعَفَ1 وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ أَحْدَثَ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ ليجيء فَلْيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى" انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِأَبِي بَكْرٍ الدَّاهِرِيِّ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ2: كَذَّابٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي حَجَّاجٍ هَذَا مَنْ هُوَ؟ فَإِنِّي رَأَيْت فِي حَاشِيَةٍ: أَنَّ حَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ الزُّهْرِيِّ وَلَمْ يَلْقَهُ. أَحَادِيثُ الْبَابِ احْتَجَّ ابْنُ الْجَوْزِيُّ فِي التَّحْقِيقِ لِأَصْحَابِنَا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: "لَا، إنَّمَا ذلك عرق، وليست بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ". قَالَ هِشَامٌ: قَالَ أَبِي: ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ، انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ3 الْخَصْمُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن الراوي علقه4 إذ لَوْ كَانَ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ لَقَالَ، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَلَمَّا قَالَ: تَوَضَّئِي شَاكَلَ مَا قَبْلَهُ
فِي اللَّفْظِ، وَأَيْضًا فَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، فَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ، وَلَفْظُهُ: وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ، وَصَحَّحَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَعِيشَ بْنِ الوليد المخزومي عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَعْدَانُ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ
أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَتَوَضَّأَ، فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: صَدَقَ، أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وُضُوءَهُ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ1: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَاب وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَأَعَلَّهُ الْخَصْمُ3 بِاضْطِرَابٍ وَقَعَ فِيهِ، فَإِنَّ مَعْمَرًا4 رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ عَنْ يَعِيشَ عَنْ خَالِد بْنِ مَعْدَانُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْأَوْزَاعِيَّ، وَأُجِيبَ: بِأَنَّ اضْطِرَابَ بَعْضِ الرُّوَاةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي ضَبْطِ غَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: قَدْ اضْطَرَبُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ: قَدْ جَوَّدَهُ حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، وَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ: هُوَ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ حَمَلَ الْوُضُوءَ فِيهِ عَلَى غَسْلِ الدَّمِ، قَالَ: وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، ثُمَّ أَسْنَدَ5 إلَى مطرف بن ماذن حَدَّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ عَنْ أَبِي الْحَكَمِ الدِّمَشْقِيِّ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كُنَّا نُسَمِّي غَسْلَ الْفَمِ وَالْيَدِ وُضُوءًا، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَمُطَرِّفُ بْنُ ماذن تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ6 ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ غَسَلَ يَدَيْهِ مِنْ طَعَامٍ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ، وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ7 عَنْ عَمْرٍو الْقُرَشِيِّ أَبِي خَالِدٍ الْوَاسِطِيِّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ زَاذَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ سَالَ مِنْ أَنْفِي دَمٌ، فَقَالَ: "أَحْدِثْ وُضُوءًا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: قَالَ إسْحَاقُ بْن رَاهْوَيْهِ: عَمْرُو8 بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: كَذَّابٌ، انْتَهَى. وَفِي التَّحْقِيقِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ. قَالَ وَكِيعٌ: كَانَ فِي جِوَارِنَا يَضَعُ الْحَدِيثَ، فَلَمَّا فُطِنَ لَهُ تَحَوَّلَ إلَى وَاسِطَ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ يَضَعُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي: كِتَابِ الضُّعَفَاءِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ بِهِ. وَأَعَلَّهُ بِالدَّالَانِيِّ، وَقَالَ: إنَّهُ كَثِيرُ الْخَطَأِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا وَافَقَ9 فَكَيْفَ إذَا انْفَرَدَ؟!. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَبَاحٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ تَوَضَّأَ، ثُمَّ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ الْخَصْمُ
بِعُمَرَ بْنِ رَبَاحٍ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عُمَرُ بْنُ رَبَاحٍ الْعَبْدِيُّ مَوْلَى ابْنِ طَاوُسٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ بِالْبَوَاطِيلِ لَا يُتَابِعُهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ، وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: دَجَّالٌ، وَفِي التَّحْقِيقِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ1: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ، لَا يَحِلُّ كَتْبُ حديث إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا رَعَفَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَغْسِلْ عَنْهُ الدَّمَ، ثُمَّ لِيُعِدْ وُضُوءَهُ وَيَسْتَقْبِلْ صَلَاتَهُ". انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ الْخَصْمُ3 بِسُلَيْمَانَ4 بْنِ أَرْقَمَ. الْآثَارُ فِي ذَلِكَ رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ5 ثَنَا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا رَعَفَ رَجَعَ فَتَوَضَّأَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، ثُمَّ رَجَعَ وَبَنَى عَلَى مَا قَدْ صَلَّى، انْتَهَى. وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ أَصَابَهُ رُعَافٌ، أَوْ مَذْيٌ أَوْ قَيْءٌ انْصَرَفَ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَجَعَ فَيَبْنِي، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ6 فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرْنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ رُزْءًا أَوْ رُعَافًا، أَوْ قَيْئًا فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، فَإِنْ تَكَلَّمَ اسْتَقْبَلَ، وَإِلَّا اعْتَدَّ بِمَا مَضَى، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ ظَبْيَانَ الْحَنَفِيِّ عَنْ حَكِيمِ بْنِ سَعْدٍ الْحَنَفِيِّ، قَالَ: قال سَلْمَانُ: إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ رُزْءًا مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ غَيْرُ متكلم، ثم ليعيد إلَى الْآيَةِ الَّتِي كَانَ يَقْرَأُ. وَأَخْبَرْنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا رَعَفَ الرَّجُل فِي الصَّلَاةِ أو زرعه الْقَيْءُ أَوْ وَجَدَ مَذْيًا فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُتِمُّ مَا بَقِيَ عَلَى مَا مَضَى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ، انْتَهَى. وَرَوَى مَالِكٌ7 فِي الْمُوَطَّأِ أَخْبَرَنَا يزيد عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ أَنَّهُ رَأَى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ رَعَفَ وَهُوَ يُصَلِّي فَأَتَى حُجْرَةَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَجَعَ وَبَنَى عَلَى مَا قَدْ صَلَّى، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: لَيْسَ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ وَعَدَمِ نَقْضِهِ بِالدَّمِ. وَالْقَيْءِ. وَالضَّحِكِ فِي الصَّلَاةِ، حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ رَوَى أَبُو دَاوُد8 فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ9 مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي صَدَقَةُ
بْنُ يَسَارٍ عَنْ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَأَصَابَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَحَلَفَ أَنْ لَا أَنْتَهِيَ حَتَّى أُهْرِيقَ دَمًا فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلًا، فَقَالَ: "هَلْ رَجُلٌ يَكْلَأُ" فَانْتُدِبَ رَجُلٌ1 مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ2 مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: "كَوُنَا بِفَمِ الشِّعْبِ" فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلَانِ إلَى فَمِ الشِّعْبِ اضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ، وَقَامَ الْأَنْصَارِيُّ فَصَلَّى، فَأَتَى الرَّجُلُ: فَلَمَّا رَأَى شَخْصَهُ عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَةُ الْقَوْمِ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ، فَنَزَعَهُ حَتَّى رَمَاهُ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمَّ انْتَبَهَ صَاحِبُهُ فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُمْ قَدْ نَذِرُوا بِهِ هَرَبَ، فَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالْأَنْصَارِيِّ مِنْ الدِّمَاءِ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! أَلَا أَنْبَهْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَى؟ قَالَ: كُنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَأَهَا، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْخَمْسِينَ مِنْ الْقِسَمِ الرَّابِعِ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 وَصَحَّحَهُ، وَعَلَّقَهُ، الْبُخَارِيُّ4 فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْوُضُوءِ فَقَالَ: وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَرَكَعَ وَسَجَدَ وَمَضَى فِي صَلَاتِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ5 فِي سُنَنِهِمَا إلَّا أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَوَاهُ فِي كِتَابِهِ دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ وَقَالَ فِيهِ: فَنَامَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَقَامَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ يُصَلِّي، وَقَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي بِسُورَةٍ وَهِيَ الْكَهْفُ فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ6 فِي سُنَنِهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ مُقَاتِلٍ ثَنَا أَبِي ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْقُرَشِيُّ ثَنَا حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى غَسْلِ مَحَاجِمِهِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ7 عَنْ صَالِحِ بْنِ مُقَاتِلٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَأَبُوهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد مَجْهُولٌ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ8 أَيْضًا عَنْ عُتْبَةَ بْنِ السَّكَنِ الْحِمْصِيِّ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عُبَادَةَ بْن نُسَيٍّ. وَهُبَيْرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَا: ثَنَا أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ ثَنَا ثَوْبَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَدَعَانِي بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه أَفَرِيضَةٌ الْوُضُوءُ مِنْ الْقَيْءِ؟ قَالَ: "لَوْ كَانَ فَرِيضَةً لَوَجَدْتَهُ فِي الْقُرْآنِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ غَيْرُ عُتْبَةَ بْنِ السَّكَنِ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْقَلْسُ حَدَثٌ". قُلْتُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ9 فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْقَلْسُ حَدَثٌ" انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ غَيْرُ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَيْسَ فِي الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ مِنْ الدَّمِ وُضُوءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَائِلًا"، قُلْتُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الرَّزَّازِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَيْمُونِ بْن مِهْرَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إلَى آخِرِهِ، سَوَاءً قَالَ: وَخَالَفَهُ حَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ، فَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. سَوَاءً قَالَ: وَحَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ ضَعِيفٌ. وَمُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ أَيْضًا ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: حِينَ عَدَّ الْأَحْدَاثَ أَوْ دَسْعَةً تَمْلَأُ الْفَمَ، قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُعَادُ الْوُضُوءُ مِنْ سَبْعٍ: مِنْ إقْطَارِ الْبَوْلِ. وَالدَّمِ السَّائِلِ. وَالْقَيْءِ. وَمِنْ دَسْعَةً تَمْلَأُ الفم. ونوم المضجع. وَقَهْقَهَةِ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ. وَخُرُوجِ الدَّمِ"، انْتَهَى. وَضُعِّفَ، فَإِنَّ فِيهِ سَهْلَ بْنَ عَفَّانَ. وَالْجَارُودَ بْنَ يَزِيدَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَاعِدًا. أَوْ رَاكِعًا. أَوْ سَاجِدًا. إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا، فَإِنَّهُ إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ" قُلْتُ: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد1 وَالتِّرْمِذِيُّ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي خالد الدَّالَانِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ وَهُوَ سَاجِدٌ حَتَّى غَطَّ أَوْ نَفَخَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك قَدْ نِمْتَ؟ قَالَ: "إنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا، فَإِنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ. وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ والدارقطني3 فِي سُنَنِهِ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ عَنْ قَتَادَةَ، وَلَا يَصِحُّ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ4 فِي سُنَنِهِ، وَلَفْظٌ فِيهِ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا أَوْ سَاجِدًا حَتَّى يَضَعَ جَنْبَيْهِ، فَإِنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ. وَقَالَ: تفرد بن يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّالَانِيُّ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ5: وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبَا الْعَالِيَةِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو دَاوُد6: وَقَوْلُهُ: إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا مُنْكَرٌ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا يَزِيدُ الدَّالَانِيُّ عَنْ قَتَادَةَ وَرَوَى أَوَّلَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَتَادَةَ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ7 فِي حَدِيثِ: لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ
مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى: إنَّ قَتَادَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي الْعَالِيَةِ إلَّا ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ1 آخَرَ: قَالَ شُعْبَةُ: إنَّمَا سَمِعَ قَتَادَةُ مِنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ2 حَدِيثُ يُونُسَ بْنِ مَتَّى. وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّلَاةِ. وَحَدِيثُ الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ، فَتَحَرَّرَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْحَدِيثَ مُنْقَطِعٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَزِيدُ الدالاتي كَثِيرَ الْخَطَأِ فَاحِشَ الْوَهْمِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إذَا وَافَقَ الثِّقَاتِ، فَكَيْفَ إذَا تَفَرَّدَ عَنْهُمْ بِالْمُعْضِلَاتِ؟! وَقَالَ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَعِينٍ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَا شَيْءَ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبَا الْعَالِيَةَ، وَلَا أَعْرِفُ لأبي خالد الدالاتي سَمَاعًا مِنْ قَتَادَةَ3 وَأَبُو خَالِدٍ صَدُوقٌ لَكِنَّهُ يَهِمُ فِي الشَّيْءِ، انْتَهَى. وَكَانَ هَذَا عَلَى مَذْهَبِهِ فِي اشْتِرَاطِهِ فِي الِاتِّصَالِ السَّمَاعَ، وَلَوْ مَرَّةً. وَقَالَ ابْنُ عدي: أبو خالد الدالاتي لَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَمَعَ لِينِهِ أَنَّهُ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ. وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى رِوَايَتِهِ مَهْدِيُّ بْنُ هِلَالٍ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ هِلَالٍ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا وُضُوءٌ حَتَّى يَضْطَجِعَ جَنْبُهُ إلَى الْأَرْضِ". وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ4 مِنْ جِهَتِهِ عَنْ بَحْرِ بْنِ كُنَيْزٍ5 السَّقَّا عَنْ مَيْمُونٍ الْخَيَّاطِ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، قَالَ: كُنْتُ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ جَالِسًا أَخْفِقُ فَاحْتَضَنِّي رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ وَجَبَ عَلِيَّ وُضُوءٌ؟ قَالَ: " لَا، حتى تضع جَنْبُك". قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ بَحْرُ بْنُ كُنَيْزٍ السَّقَّا: وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ، انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَلِيلَ النَّوْمِ وَكَثِيرَهُ نَاقِضٌ، وَعَلَى أَيِّ هَيْئَةٍ كَانَتْ بِأَحَادِيثَ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد6 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ مَحْفُوظِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذَةَ بِمُعْجَمَةٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "وِكَاءُ السَّهِ الْعَيْنَانِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ"، وَأُعِلَّ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ بَقِيَّةَ. وَالْوَضِينَ فِيهِمَا مَقَالٌ، قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ. وَنَازَعَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِيهِمَا قَالَ: وَبَقِيَّةُ قَدْ وَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ، وَسَأَلَ أَبُو زُرْعَةَ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مَا أَرَى بِأَحَادِيثِهِ بَأْسًا. وَالثَّانِي: الِانْقِطَاعُ، فَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ7 وَفِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ أن ابن عائذ عَنْ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ8
وَزَادَ فِي الْعِلَلِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ. وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَا: لَيْسَ بِقَوِيٍّ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ1. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ بَقِيَّةَ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "العين وكاء سه، فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنُ3 اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ"، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَزَادَ: فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ. وَأُعِلَّ أَيْضًا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْكَلَامُ فِي أَبِي بكرة بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ4 وَأَبُو زُرْعَةَ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَالثَّانِي: أَنَّ مَرْوَانَ بْنِ جَنَاحٍ رَوَاهُ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ مَوْقُوفًا، هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَقَالَ: مَرْوَانُ أَثْبَتُ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَجَبَ الْوُضُوءُ عَلَى كُلِّ نَائِمٍ إلَّا مَنْ خَفَقَ بِرَأْسِهِ خَفْقَةً أَوْ خَفْقَتَيْنِ" انْتَهَى. وَقَالَ: الصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ5 مِنْ قَوْلِهِ، انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ غَيْرُ نَاقِضٍ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ6. وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ {ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: نِمْتُ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّيْلِ إلَى أَنْ قَالَ: فَتَتَامَّتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشَرَةَ رَكْعَةً , ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ فَأَتَاهُ بِلَالٌ فَآذَنهُ بِالصَّلَاةِ , فَقَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ} . الْحَدِيثُ بِطُولِهِ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ7 فِي الدَّعَوَاتِ وَمُسْلِمٌ8 فِي التَّهَجُّدِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ هَذَا مَخْصُوصٌ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ مَحْفُوظًا، قُلْنَا: فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ9 عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُونَ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ: انْتَهَى. وَحُمِلَ هَذَا عَلَى نَوْمِ الْجَالِسِ. وَيُؤَيِّدُهُ لَفْظُ أَبِي دَاوُد10 وَفِيهِ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ حَتَّى تَخْفِقَ رؤوسهم ثُمَّ يُصَلُّونَ، وَلَا يَتَوَضَّئُونَ. قَالَ النَّوَوِيُّ11: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ12 عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: لَقَدْ رَأَيْت أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوقَظُونَ لِلصَّلَاةِ حَتَّى إنِّي لِأَسْمَع لِأَحَدِهِمَا غَطِيطًا، ثُمَّ
يَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يَعْنِي وَهُمْ جُلُوسٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ1 وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ، لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمَلٌ، وَالْحَاجَةُ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ هُنَا أَشَدُّ لِذِكْرِ الْغَطِيطِ، انْتَهَى. إذْ لَا يَخْفِقُ بِرَأْسِهِ إلَّا مَنْ نَامَ جَالِسًا. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ وَهَذَا يَرُدُّهُ مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ، فَيَضَعُونَ جَنُوبَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَنَامُ، ثُمَّ يَقُومُ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: وَهَذَا كَمَا تَرَى صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَةِ إمَامٍ عَنْ شُعْبَةَ. وَقَالَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ2: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ3 عَبْدِ السَّلَامِ الخشي ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَسَارٍ4 ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثَنَا شُعْبَةُ بِهِ، قَالَ: وَهَذَا كَمَا تَرَى صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَةِ إمَامٍ عَنْ شُعْبَةَ، وَاسْتُدِلَّ عَلَى أَنَّ النُّعَاسَ غَيْرُ نَاقِضٍ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ5 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذَكَرَ قِيَامَهُ، خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَفِيهِ قَالَ: فَجَعَلْتُ إذَا أَغْفَيْتُ يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ أُذُنِي الْحَدِيثَ. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا مَنْ ضَحِكَ مِنْكُمْ قَهْقَهَةً فَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ وَالْوُضُوءَ جَمِيعًا" قُلْتُ: فِيهِ أَحَادِيثُ مُسْنَدَةٌ، وَأَحَادِيثُ مُرْسَلَةٌ. أَمَّا الْمُسْنَدَةُ فَرُوِيَتْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ. وَأَبِي الْمَلِيحِ. أَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ6 فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ7 بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ ثَنَا هِشَامُ8 بْنُ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ إذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَتَرَدَّى فِي حفرة كانت فِي الْمَسْجِدِ، - وَكَانَ فِي بَصَرِهِ ضَرَرٌ - فَضَحِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْقَوْمِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ضَحِكَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَيُعِيدَ الصَّلَاةَ انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْن أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا قَهْقَهَ أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ"، انْتَهَى. قَالَ: وَعَبْدُ الْعَزِيزِ ضَعِيفٌ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ مَتْرُوكٌ مَعَ مَا يُقَالُ فِيهِ مِنْ الِانْقِطَاعِ بَيْنَ الْحَسَنِ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَالْبَلَاءُ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَعَبْدِ الْكَرِيمِ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ ثَنَا أَبِي ثَنَا عمرو بن قيس السكوني عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ قَهْقَهَةً فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ". قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَل الْمُتَنَاهِيَةِ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ بَقِيَّةَ مِنْ عَادَتِهِ التَّدْلِيسُ، وَكَأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ بَعْضِ الضُّعَفَاءِ، فَحَذَفَ اسْمَهُ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ بَقِيَّةَ صَرَّحَ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ، وَالْمُدَلِّسُ إذَا صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ - وَكَانَ صَدُوقًا - زَالَتْ تُهْمَةُ التَّدْلِيسِ، وَبَقِيَّةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِيهِ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمْرٌو انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فأخرجه الدارقطني2 عن دَاوُد بْنِ الْمُحَبَّرِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خُوطٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا، فَجَاءَ رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ يُمَثِّلُ الْأَوَّلَ، ثُمَّ قَالَ دَاوُد بْنُ الْمُحَبَّرِ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَأَيُّوبُ ضَعِيفٌ، وَالصَّوَابُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ رَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ مُرْسَلًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ ثَنَا سَلَّامٍ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ. وَأَبِي الْعَالِيَةِ أن أعمى تردى فذكره، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ سَلَّامٍ غَيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ يَضَعُ الْأَحَادِيثَ3، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ، وَقَالَ: وَسُفْيَانُ هَذَا سيء الْحَالِ، وَأَحْسَنُ حَالَاتِهِ أَنْ يَكُونَ وَهِمَ عَلَى ابْنِ وَهْبٍ إنْ لَمْ يَكُنْ تَعَمَّدَهُ4 أَعْنِي قَوْلَهُ فِيهِ: عَنْ أَنَسٍ فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ: مِنْهُمْ خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ. وَمُوهِبُ بْنُ يَزِيدَ. وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ. وَغَيْرُهُمْ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، بَلْ أَرْسَلُوهُ عَنْ الْحَسَنِ، ثُمَّ أَخْرَجَ أَحَادِيثَهُمْ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ الزُّهْرِيِّ5 أَنَّهُ قَالَ: لَا وُضُوءَ فِي الْقَهْقَهَةِ. قَالَ: فَلَوْ كَانَ هَذَا صحيحاً عند الوهري لَمَا أَفْتَى بِخِلَافِهِ. انْتَهَى. وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ فِي تَارِيخِ جُرْجَانَ فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ شِهَابِ بْنِ طَارِقٍ الْأَصْبَهَانِيُّ ثَنَا
أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ فُورَكٍ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْأَشْعَرِيُّ ثَنَا عَمَّارُ بْنُ يَزِيدَ الْبَصْرِيُّ ثَنَا مُوسَى بْنُ هِلَالٍ ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَهْقَهَ فِي الصَّلَاةِ قَهْقَهَةً شَدِيدَةً فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْن سِنَانٍ ثَنَا أَبِي2 ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ ضَحِكَ مِنْكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيُعِدْ الصَّلَاةَ"، انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ: يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ ضَعِيفٌ، وَيُكَنَّى بِأَبِي فرواه الرَّهَاوِيِّ، وَابْنُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَقَدْ وَهِمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي رَفْعِهِ إيَّاهُ. وَالْآخَرُ: فِي لَفْظِهِ، وَالصَّحِيحُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ: مَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ كَذَلِكَ رَوَاهُ عَنْ الْأَعْمَشِ جَمَاعَةٌ مِنْ الرِّفْعَةِ الثِّقَاتِ: مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَأَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ. وَوَكِيعٌ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد الْخُرَيْبِيُّ3 وَعُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ. وَغَيْرُهُمْ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شُعْبَةُ. وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ يَزِيدَ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ. ثُمَّ أَخْرَجَ أَحَادِيثَهُمْ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ وَزَادَ فِي لَفْظِ: إنَّمَا كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ حِينَ ضَحِكُوا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عمر5 بن قيس اللائي عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ قَرْقَرَةً فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ" قَالَ: وَعُمَرُ بْنُ قَيْسٍ الْمَكِّيُّ الْمَعْرُوفُ بِسَنْدَلٍ ضَعِيفٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ. وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ كَذَّابٌ. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ بِهِ، وَلِابْنِ عَدِيٍّ فِيهِ طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ: "أَعِدْ وُضُوءَك" انْتَهَى. قَالَ: وَمُحَمَّدٌ الْخُزَاعِيُّ مِنْ مَجْهُولِي مَشَايِخِ بَقِيَّةَ. قَالَ: وَيُرْوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الْحَسَنِ، وَابْنُ رَاشِدِ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ6 أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ نُصَلِّي خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ - بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ - قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ، مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ. وَابْنُ عُمَارَةَ
ضَعِيفَانِ، وَكِلَاهُمَا أَخْطَأَ فِي الْإِسْنَادِ1، وَإِنَّمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُنْقِرِيُّ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ مُرْسَلًا، وَكَانَ الْحَسَنُ كَثِيرًا مَا يَرْوِيهِ مُرْسَلًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ فَوَهْمٌ قَبِيحٌ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلًا، رَوَاهُ عَنْهُ كَذَلِكَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَهُشَيْمٌ. وَوَهْبٌ. وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. وَغَيْرُهُمْ، وَقَدْ اضْطَرَبَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ هَذَا الْحَدِيثَ2 عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمَرَّةٌ رَوَاهُ عَنْهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ، وَقَتَادَةُ إنَّمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ مُرْسَلًا كَذَلِكَ، رَوَاهُ عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ. وَمُسْلِمُ بن أبي الذيال. وَمَعْمَرٌ. وَأَبُو عَوَانَةَ. وَسَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ. وَغَيْرُهُمْ، ثُمَّ ذَكَر أَحَادِيثَهُمْ الْخَمْسَةَ، ثُمَّ قَالَ: فَهَؤُلَاءِ خَمْسَةٌ ثِقَاتٌ رَوَوْهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ مُرْسَلًا. وَأَيُّوبُ بْنُ خُوطٍ. وَدَاوُد بْنُ الْمُحَبَّرِ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ جَبَلَةَ. وَالْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، كُلُّهُمْ مَتْرُوكُونَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُخَالِفٌ، فَكَيْف! وَقَدْ خَالَفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسَةُ ثِقَاتُ مِنْ أَصْحَابِ قَتَادَةَ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْن إسْحَاقَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ: فَضَحِكَ نَاسٌ مِنْ خَلْفِهِ، وَقَالَ: الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. وَحَدِيثُهُ هَذَا بَعِيدٌ مِنْ الصَّوَابِ. وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَهُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا الْمَرَاسِيلُ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ: أَشْهُرُهَا مُرْسَلُ أَبِي الْعَالِيَةِ. وَالثَّانِي: مُرْسَلُ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ. وَالثَّالِثُ: مُرْسَلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ. وَالرَّابِعُ: مُرْسَلُ الْحَسَنِ. أَمَّا مُرْسَلُ أَبِي الْعَالِيَةِ، فَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: رِوَايَتُهُ عَنْ نَفْسِهِ مُرْسَلًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَاءَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ قَتَادَةَ. وَحَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ. وَأَبِي هَاشِمٍ الزِّمَّانِيِّ3 فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَمِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ. وَأَبِي عَوَانَةَ. وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ. وَسَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، فَحَدِيثُ مَعْمَرٍ رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ أَنَّ أَعْمَى تَرَدَّى فِي بِئْرٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ. فَضَحِكَ بَعْضُ مَنْ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ ضَحِكَ مِنْهُمْ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَيُعِيدَ الصَّلَاةَ. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِسَنَدِهِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، فَمَنْ فَوْقَهُ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ. وَبَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ عَنْ قَتَادَةَ أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا. وَأَمَّا حَدِيثُ حَفْصَةَ، فَمِنْ جِهَةِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ. وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ. وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ. وَمَطَرٍ الْوَرَّاقِ. وَحَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَخْرَجَهَا كُلَّهَا الدَّارَقُطْنِيُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هَاشِمٍ الزِّمَّانِيِّ، فَمِنْ جِهَةِ شَرِيكٍ. وَمَنْصُورٍ أَخْرَجَهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ من
جِهَةِ شريك فقط. وَأَبُو دَاوُد رَوَاهُ فِي مَرَاسِيلِهِ. الْوَجْهُ الثَّانِي رِوَايَتُهُ مُرْسَلًا عَنْ غَيْرِهِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ جِهَةِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي، فَمَرَّ رَجُلٌ فِي بَصَرِهِ سُوءٌ، فَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ، فَضَحِكَ طَوَائِفُ مِنْ الْقَوْمِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ ضَحِكَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَكَذَا رَوَاهُ خَالِدٌ، وَلَمْ يُسَمِّ الرَّجُلَ، وَلَا ذَكَرَ أَلَهُ صُحْبَةٌ أَمْ لَا؟ وَلَمْ يَصْنَعْ خَالِدٌ شَيْئًا. وَقَدْ خَالَفَهُ خَمْسَةٌ: اثْنَانِ ثِقَاتٌ حُفَّاظٌ، وَقَوْلُهُمْ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، انْتَهَى. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: زِيَادَةُ خَالِدٍ - هَذَا الرَّجُلَ الْأَنْصَارِيَّ - زِيَادَةُ عَدْلٍ لَا يُعَارِضُهَا نَقْضُ مَنْ نَقَضَهَا، ثُمَّ أَسْنَدَ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَا تَأْخُذُوا بِمَرَاسِيلِ الْحَسَنِ. وَلَا أَبِي الْعَالِيَةِ، وَمَا حدثتموني قفلا تُحَدِّثُونِي عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ. وَالْحَسَنِ. فَإِنَّهُمَا كَانَا لَا يُبَالِيَانِ عَمَّنْ أَخَذَا حَدِيثَهُمَا. وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: أَرْبَعَةٌ يُصَدِّقُونَ مَنْ حَدَّثَهُمْ، فَلَا يُبَالُونَ مِمَّنْ يَسْمَعُونَ: الْحَسَنُ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ. وَحُمَيْدَ بْنُ هِلَالٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّابِعَ. وَذَكَرَهُ2 غيره، سماه أَنَسَ بْنَ سِيرِينَ. وَأَمَّا مُرْسَلُ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ الْوَاسِطِيِّ عَنْ الْحَسَنِ عن معبد الحهني عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَا هُوَ فِي الصَّلَاةِ إذْ أَقْبَلَ أَعْمَى يُرِيدُ الصَّلَاةَ، فَوَقَعَ فِي زُبْيَةٍ، فَاسْتَضْحَكَ الْقَوْمُ حَتَّى قَهْقَهُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَهْقَهَ فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ". قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهِمَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِ عَلَى مَنْصُورٍ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ مَنْصُورٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ مَعْبَدٍ، وَمَعْبَدٌ3 هَذَا لَا صُحْبَةَ لَهُ. وَيُقَالُ: إنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقَدَرِ مِنْ التابعين حدث به مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ غَيْلَانُ بْنُ جَامِعٍ. وَهُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، وَهُمَا أَحْفَظُ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْإِسْنَادِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَمْ يَقُلْ فِي إسْنَادِهِ: عَنْ مَعْبَدٍ إلَّا أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَخْطَأَ فِيهِ، قَالَ لَنَا ابْنُ حَمَّادٍ وَكَانَ يَمِيلُ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ: هُوَ مَعْبَدُ بْنُ هَوْزَةَ، قَالَ: وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ، لِأَنَّ مَعْبَدَ بْنَ هَوْزَةَ4 أَنْصَارِيٌّ، وَهَذَا جُهَنِيٌّ، انْتَهَى. وَأَمَّا مُرْسَلُ النَّخَعِيّ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ، الْحَدِيثَ، ثُمَّ أَسْنَدَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ،
قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ إبْرَاهِيمُ مُرْسَلًا، فَقَالَ: حَدَّثَنِي شَرِيكٌ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ قَالَ: أَنَا حَدَّثْتُ بِهِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: فَرَجَعَ حَدِيثُ إبْرَاهِيمَ هَذَا الَّذِي أَرْسَلَهُ إلَى أَبِي الْعَالِيَةِ، لِأَنَّ أَبَا هَاشِمٍ ذكر أنه حدث بِهِ عَنْهُ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ بِحُرُوفِهِ، وَأَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ1 عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: مَرَاسِيلُ إبْرَاهِيمَ صَحِيحَةٌ إلَّا حَدِيثَ: تَاجِرِ البحرين. وحديث القهقه، انْتَهَى. قُلْتُ: أَمَّا حَدِيثُ الْقَهْقَهَةِ فَقَدْ عُرِفَ. وَأَمَّا حَدِيثُ تَاجِرِ الْبَحْرَيْنِ، فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَكِيعٌ ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ تَاجِرٌ أختلف إلى البحرين، فأمر أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يَعْنِي الْقَصْرَ، انْتَهَى. وَأَمَّا مُرْسَلُ الْحَسَنِ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْحَسَنِ فَذَكَرَهُ، وَعِلَتُهُ رِوَايَةُ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بن أبي أَرْقَمَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ، أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ يَعْنِي يَحْيَى بْنَ حَسَّانَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا لَا يُقْبَلُ، لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى تَوَسُّطِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ بَيْنَ ابْنِ شِهَابٍ. وَالْحَسَنِ. وَهُوَ عِنْدَهُمْ مَتْرُوكٌ تَعَلَّلَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ ثَنَا مَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، فَذَكَرَهُ. وَأَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ2 فِي الْكَامِلِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَكَانَ أَعْلَمَ الناس بحديث القهقة: إنَّهُ كُلَّهُ يَدُورُ عَلَى أَبِي الْعَالِيَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ الْحَسَنَ يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيد عن حفص بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَنَا حَدَّثْتُ بِهِ الْحَسَنَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قُلْتُ لَهُ: فَقَدْ رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، قَالَ: أَنَا حَدَّثْتُ بِهِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قُلْتُ لَهُ: فَقَدْ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَرَأْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الْحَسَنِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ3 فِي سُنَنِهِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَلَوْ كَانَ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ، أَوْ الْحَسَنِ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَمَا اسْتَجَازَ الْقَوْلَ بِخِلَافِهِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى مِنْ الضَّحِكِ فِي الصَّلَاةِ وُضُوءًا. وَعَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ. وَغَيْرِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ
قَالَ: مِنْ الضَّحِكِ فِي الصَّلَاةِ تُعَادُ الصَّلَاةُ وَلَا يُعَادُ الْوُضُوءُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَسَانِيدَ مَوْصُولَةٍ، إلَّا أَنَّهَا ضَعِيفَةٌ. وَقَدْ ثَبَتَ أَحَادِيثُهَا فِي الْخِلَافِيَّاتِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ. وَقَتَادَةُ. وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ. وَالزُّهْرِيُّ مُرْسَلًا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَوْصُولًا وَمُرْسَلًا، وَمَدَارُ الْكُلِّ يَرْجِعُ إلَى أَبِي الْعَالِيَةِ، وَالْحَدِيثُ لَهُ، وَبِهِ يُعْرَفُ، وَمِنْ أَجَلِهِ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهِ، وَلَكِنْ سَائِرُ أَحَادِيثِهِ مُسْتَقِيمَةٌ صَالِحَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَارُ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ رِيَاحٌ، قَالَ: وَهُوَ إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ حَدِيثَ الْقَهْقَهَةِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ1 يَرْوِيهِ مَرَّةً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. وَمَرَّةً عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ وَمَرَّةً يُرْسِلُهُ، فَيَقُولُ: عَنْ رَجُلٍ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ. وَاسْمُهُ رُفَيْعٌ مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ الْمُجْمَعِ عَلَى عَدَالَتِهِمْ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ: وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: أَخْبَارُ الرِّيَاحِيِّ رِيَاحٌ يُرِيدُ بِهِ مَا يُرْسِلُهُ، فَأَمَّا مَا يُوَصِّلُهُ فَهُوَ فِيهِ حُجَّةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ فِي تَرْجَمَةِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ: بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: كَذُوبٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَنَقَلَ عَنْ آخَرِينَ أَنَّهُمْ رَمَوْهُ بِحُبِّ الشَّبَابِ2، وَلَهُ حِكَايَاتٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ نَاظَرَ الْحَسَنَ بْنَ زِيَادٍ يَوْمًا، فَقَالَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَذَفَ مُحْصَنًا فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: تبطل صلاته، قال: فوضوؤه؟ قال: وضوؤه عَلَى حَالِهِ، قَالَ: فَلَوْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَوُضُوءُهُ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فَيَكُونُ الضَّحِكُ فِي الصَّلَاةِ أَسْوَأَ حَالًا مِنْ قذف محصناً، فَأَفْحَمَهُ، انْتَهَى. وَاسْتُدِلَّ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الْقَهْقَهَةِ مِنْ الْخَصَائِصِ، بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ شَرِيكٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَيْسَ عَلَى مَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ وُضُوءٌ، إنَّمَا كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ حِينَ ضَحِكُوا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَهَذَا لَا يَصِحُّ. قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: الْمُسَيِّبُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: تَرَكَ النَّاسُ حَدِيثَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْفَلَّاسُ. وَمِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الضَّحِكَ غَيْرُ نَاقِضٍ لِلْوُضُوءِ، حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الضَّحِكُ يَنْقُضُ الصَّلَاةَ وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ" انْتَهَى. وَأَبُو شَيْبَةَ اسْمُهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ أَحْمَدُ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَيَزِيدُ أَيْضًا قَالَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَى هَذَا أَبُو شَيْبَةَ، فَرَفَعَهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى. وَمَعَ ضَعْفِ هَذَا الْإِسْنَادِ اضْطَرَبَ فِي مَتْنِهِ، فَرُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ الْكَلَامُ يَنْقُضُ الصَّلَاةَ وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أيضاً.
وَمِمَّا استدل به عَلَى أَنَّ التَّبَسُّمَ غَيْرُ مُبْطِلٍ لِلصَّلَاةِ، حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ والدارقطني فِي سُنَنِهِ عَنْ الْوَازِعِ بْنِ نَافِعٍ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا جَابِرٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ الْعَصْرَ، فَتَبَسَّمَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَبَسَّمْتَ وَأَنْتَ تُصَلِّي؟ فَقَالَ: "إنَّهُ مَرَّ مِيكَائِيلُ وعى جَنَاحِهِ غُبَارٌ فَضَحِكَ إلَيَّ فَتَبَسَّمْتُ إلَيْهِ وَهُوَ رَاجِعٌ مِنْ طَلَبِ الْقَوْمِ"، انْتَهَى، وَسَكَتَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ، وَالْوَازِعُ بْنُ نَافِعٍ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَوَجَدْتُهُ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ - جبرئيل - عِوَضَ - مِيكَائِيلَ -. وَالسُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ، وَبَنَى كَلَامَهُ عَلَى أَنَّهُ مِيكَائِيلُ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَاب الضُّعَفَاءِ وَأَعَلَّهُ بِالْوَازِعِ، وَقَالَ: إنَّهُ كَثِيرُ الْوَهْمِ، فَيَبْطُلُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ عَنْ ثَابِتِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدِ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَشَرُ، وَلَكِنْ يَقْطَعُهَا الْقَهْقَهَةُ"، انْتَهَى، وَقَالَ: لَمْ يَرْفَعْهُ عَنْ سُفْيَانَ إلَّا ثَابِتٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِهِ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَلَفْظُهُ: وَلَكِنْ يَقْطَعُهَا الْقَرْقَرَةُ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا أَعْلَمُهُ إلَّا مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَلَعَلَّهُ كَانَ عِنْدَهُ عَنْ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، فَشُبِّهَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ1 مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: "إذَا ضَحِكَ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ، وَإِذَا تَبَسَّمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. أَحَادِيثُ مَسِّ الْفَرْجِ وَلِلْخُصُومِ الْقَائِلِينَ بِالنَّقْضِ أَحَادِيثُ: أَمْثَلُهَا بُسْرَةَ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، فَأَبُو دَاوُد2. وَالنَّسَائِيُّ3 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مَرْوَانَ، فَذَكَرَ مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوُضُوءُ، فَقَالَ مَرْوَانُ: أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ4 وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، وَأَبِي أَيُّوبَ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَرْوَى بِنْتِ أُنَيْسٌ. وَعَائِشَةَ. وَجَابِرٍ. وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ شَيْءٍ
فِي هَذَا الباب، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْ هِشَامٌ مِنْ أَبِيهِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَكَذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ1 فِي شَرْحِ الْآثَارِ: قَالَ: وَإِنَّمَا أَخَذَهُ هِشَامٌ بن أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ ين عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، قَالَ: فَرَجَعَ الْحَدِيثُ إلَى أَبِي بَكْرٍ، انْتَهَى. قُلْتُ: يُشْكِلُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ بُسْرَةَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ2 أَحْمَدُ3 فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ بُسْرَةَ بِنْتَ صَفْوَانَ أَخْبَرَتْهُ، وَقَالَ: الْبَيْهَقِيُّ4 فِي سُنَنِهِ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَصَرَّحَ فِيهِ بِسَمَاعِ هِشَامٍ مِنْ أَبِيهِ، انْتَهَى. وَجَمَعَ الدَّارَقُطْنِيُّ5 طُرُقَ هذا الحديث في اثني عشر ورقة كبار، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدِيثَ بُسْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بُسْرَةَ مَرْفُوعًا "مَنْ مَسَّ فرجه فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ"، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَمْ يَقُلْ فِيهِ: وَأُنْثَيَيْهِ عَنْ هِشَامٍ إلَّا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ بُسْرَةَ، وَبِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ في النوع الثاث وَالْعِشْرِينَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَحْتَجَّ بِمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِنَا، وَلَكِنَّ عُرْوَةَ لَمْ يَقْنَعْ بِسَمَاعِهِ مِنْ مَرْوَانَ حَتَّى بَعَثَ مَرْوَانُ شُرْطِيًّا لَهُ إلَى بُسْرَةَ فَسَأَلَهَا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا قَالَتْ بُسْرَةُ، ثُمَّ لَمْ يُقْنِعْهُ ذَلِكَ حَتَّى ذَهَبَ عُرْوَةُ إلَى بُسْرَةَ فَسَمِعَ مِنْهَا، فَالْخَبَرُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ بُسْرَةَ مُتَّصِلٌ لَيْسَ بِمُنْقَطِعٍ، وَصَارَ مَرْوَانُ. وَالشُّرْطِيُّ كَأَنَّهُمَا زَائِدَانِ فِي الْإِسْنَادِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ بُسْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عُرْوَةَ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ، وَفِي آخِرِهِ قَالَ عُرْوَةُ: فَذَهَبْتُ إلَى بُسْرَةَ فَسَأَلْتُهَا فَصَدَّقَتْهُ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْوُضُوءِ غَسْلُ الْيَدِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَرَبُ تُسَمِّي غَسْلَ الْيَدِ وُضُوءًا، بِدَلِيلِ مَا أُخْبِرْنَا. وَأُسْنِدَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ". وَأُسْنِدَ أَيْضًا عَنْ عُرْوَةَ عَنْ بُسْرَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ" قَالَ: وَالْإِعَادَةُ لَا تَكُونُ إلَّا لِوُضُوءِ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَاسْتَضْعَفَهُ الطَّحَاوِيُّ6 بِالْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ. وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ عَدَّ جَمَاعَةً لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ
الْحَدِيثَ. وَمَنْ رَأَيْنَاهُ يُحَدِّثُ عَنْهُمْ سَخِرْنَا مِنْهُ، فَذَكَرَ مِنْهُمْ عَبْدَ اللَّهِ1 بْنَ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عمرو بن حزم، قال: ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ2 أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: فَثَبَتَ انْقِطَاعُ هَذَا الْخَبَرِ وَضَعْفُهُ، انْتَهَى. وَبِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَعَنْهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ،3 ثُمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْر عَنْ مَالِكٍ، فَزَادَ فِيهِ: فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ رَوَيْنَا قَوْلَنَا عَنْ غَيْرِ بُسْرَةَ، وَاَلَّذِي يَعِيبُ عَلَيْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ بُسْرَةَ يَرْوِي عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ عَجْرَدٍ. وَأُمِّ حِرَاشٍ. وَعِدَّةِ نِسَاءٍ لَسْنَ بِمَعْرُوفَاتٍ، وَيَحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِنَّ، وَهُوَ يُضَعِّفُ بُسْرَةَ مَعَ قِدَمِ هِجْرَتِهَا وَصُحْبَتِهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ حَدَّثَتْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارُ4 مُتَوَافِرُونَ، وَلَمْ يَدْفَعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَلَمَّا سَمِعَهَا ابْنُ عُمَرَ لَمْ يَزَلْ يَتَوَضَّأُ مَنْ مَسِّ الذَّكَرِ حَتَّى مَاتَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَإِنَّمَا لَمْ يُخَرِّجَا فِي الصَّحِيحِ حَدِيثَ بُسْرَةَ لِاخْتِلَافٍ وَقَعَ فِي سَمَاعِ عُرْوَةَ مِنْ بُسْرَةَ، أَوْ هُوَ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ، وَلَكِنَّهُمَا احْتَجَّا بِسَائِرِ رُوَاتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ يَزِيدَ5 بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ. وَنَافِعِ6 بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ الْقَارِي عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلَا حَائِلٌ فَلْيَتَوَضَّأْ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ7 وَصَحَّحَهُ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَاحْتِجَاجُنَا فِيهِ بِنَافِعٍ لَا بِيَزِيدَ، فَإِنَّا قَدْ تَبَرَّأْنَا مِنْ عُهْدَةِ يَزِيدَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ8 فِي مَسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ9 فِي مُعْجَمِهِ والدارقطني10 فِي سُنَنِهِ وَكَذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ، وَلَفْظُهُ فِيهِ: مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ وُضُوءُ الصَّلَاةِ. قَالَ: وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ تَكَلَّمُوا فِيهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ، فَقَالَ: شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَالْبُخَارِيُّ أَخْرَجَهُ فِي تَارِيخِهِ مَوْقُوفًا هَكَذَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ حُمَيْدٍ ثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ
فَلْيَتَوَضَّأْ" انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ1 فِي كِتَابِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: لَمْ يَسْمَعْ مَكْحُولٌ مِنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. وَرَوَى مَكْحُولٌ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَنْبَسَةَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحًا، قَالَ2: وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَصَحُّ شَيْءٍ سَمِعْتُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، انْتَهَى. وَهَذَا مُنَاقِضٌ لِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ بُسْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ سَمِعَ أَحَدَهُمَا أَوَّلًا، فَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ في هذا الْبَابِ، ثُمَّ سَمِعَ الْآخَرَ فَوَجَدَهُ أَصَحَّ مِنْ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَسْنَدَ3 الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي مِسْهَرٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَسْمَعْ مكحول عن عَنْبَسَةَ شَيْئًا، قَالَ: وَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ أَبِي مُسْهِرٍ، فَرَجَعَ الْحَدِيثُ إلَى الِانْقِطَاعِ، وَهُمْ لَا يَحْتَجُّونَ بِالْمُنْقَطِعِ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ إسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ4 بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ"، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ إسْحَاقَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ مَتْرُوكٌ بِاتِّفَاقِهِمْ، وَقَدْ اتَّهَمَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَيْسَ هُوَ بِإِسْحَاقِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيِّ الَّذِي فِي حديثه ابْنِ عُمَرَ الْآتِي، ذَاكَ ثِقَةٌ، وَظَنَّهُمَا ابْنُ الْجَوْزِيُّ5 وَاحِدًا، فَضَعَّفَهُمَا، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ6 أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ" انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ7 فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ بِهِ، وَلَفْظُهُ فِيهِ: إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ فيتوضأ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَمِعْت جَمَاعَةً مِنْ الْحُفَّاظِ - غَيْرَ ابْنِ نَافِعٍ - يَرْوُونَهُ لَا يَذْكُرُونَ فِيهِ جَابِرًا، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْإِفْضَاءُ إنَّمَا يَكُونُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ، كَمَا يُقَالُ: أَفْضَى بِيَدِهِ مُبَايِعًا، وَأَفْضَى بِيَدِهِ إلَى رُكْبَتِهِ رَاكِعًا وَإِلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا، انْتَهَى. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ إنْ صَحَّ فَلَيْسَ الِاسْتِدْلَال فِيهِ عَلَى بَاطِنِ الْكَفِّ إلَّا بِالْمَفْهُومِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَفْهُومُ حُجَّةً إذَا سَلِمَ مِنْ الْمُعَارِضِ، كَيْف! وَأَحَادِيثُ الْمَسِّ مُطْلَقًا فِي مُسَمَّى الْمَسِّ أَعَمُّ وَأَصَحُّ، انْتَهَى.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ1، وَقَدْ رَوَى الْحُفَّاظُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، فَأَرْسَلُوهُ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ جَابِرًا، فَرَجَعَ الْحَدِيثُ إلَى الْإِرْسَالِ، وَهُمْ لَا يَحْتَجُّونَ بِالْمَرَاسِيلِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ2 وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيُّ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا رَجُلٍ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مَسَّتْ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ ثِقَةٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ بِسَنَدِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ نَحْوَهُ، قَالَ: وَخَالَفَهُمْ الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ فِي إسْنَادِهِ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي إحْدَانَا تَمَسُّ فَرْجَهَا، والرجل يمس فرجه بعد ما يَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: "يَتَوَضَّأُ يَا بُسْرَةُ" قَالَ عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ مَرْوَانَ أَرْسَلَ إلَيْهَا لِيَسْأَلهَا، فَقَالَتْ: دَعْنِي، سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ فُلَانٌ. وَفُلَانٌ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فأمرني بالوضوء، انتهى. وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إذَا كَانَ الرَّاوِي عَنْهُ ثِقَةٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّاوِي عَنْهُ مِثْلَ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ. أَوْ ابْنِ لَهِيعَةَ وَأَمْثَالِهِمَا، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً، أَمَّا حَدِيثُهُ3 عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ
مِنْ صَحِيفَةِ جَدِّهِ. قَالُوا: وَإِنَّمَا رَوَى أَحَادِيثَ يَسِيرَةً، وَأَخَذَ صَحِيفَةً كَانَتْ عِنْدَهُ فَرَوَاهَا. وَمِنْ فَوَائِدِ شَيْخِنَا الْحَافِظِ جَمَالِ الدِّينِ الْمِزِّيِّ، قَالَ: عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ يَأْتِي عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَهُوَ الْجَادَّةُ. وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَعَمْرٌو لَهُ ثَلَاثَةُ أَجْدَادٍ: مُحَمَّدٌ. وَعَبْدُ اللَّهِ. وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَمُحَمَّدٌ تَابِعِيٌّ، وَعَبْدُ اللَّهِ. وَعَمْرٌو صَحَابِيَّانِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِجَدِّهِ مُحَمَّدًا فَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ، لِأَنَّهُ تَابِعِيٌّ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادَ بِهِ عَمْرٌو، فَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّ شُعَيْبًا لَمْ يَدْرِك عمرواً، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ عَبْدَ اللَّهِ فَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ سَمَاعِ شُعَيْبٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الدَّارَقُطْنِيِّ1 وَغَيْرِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ سَمَاعُ عَمْرٍو مِنْ أَبِيهِ شُعَيْبٍ، وَسَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ إسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيِّ أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَإِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ هَذَا ثِقَةٌ أخرج له الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَلَيْسَ هُوَ بِإِسْحَاقِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ الْمُتَقَدِّمِ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ. وَوَهِمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ فَجَعَلَهُمَا وَاحِدًا، وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ وَلَهُ طَرِيقَانِ آخَرَانِ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ: أَحَدُهُمَا: عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَصَدَقَةُ هَذَا ضَعِيفٌ. الثَّانِي: عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَالْعَلَاءُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ1 عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ2، وَقَالَ: إنَّهُ غَلَطٌ3، لِأَنَّ عُرْوَةَ أَجَابَ مَرْوَانَ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ: بِأَنَّهُ لَا وُضُوءَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ فِيهِ الْوُضُوءَ، فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: مَا سَمِعْتُ هَذَا، حَتَّى أَرْسَلَ مَرْوَانُ إلَى بُسْرَةَ شُرْطِيًّا فَأَخْبَرَتْهُ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ بِمَا شَاءَ اللَّهُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُنْكِرَ عُرْوَةُ عَلَى بُسْرَةَ مَا حَدَّثَهُ بِهِ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ هَذَا بِمَا لَا يَسْتَقِيمُ وَلَا يَصِحُّ؟، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ5 بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْعُمَرِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَمَسُّونَ فُرُوجَهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ"، قَالَتْ عَائِشَةُ: بِأَبِي وَأُمِّي، هَذَا لِلرِّجَالِ، أَفَرَأَيْتَ النِّسَاءَ؟ قَالَ "إذَا مَسَّتْ إحْدَاكُنَّ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ لِلصَّلَاةِ". انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا، قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ كَذَّابًا. وَقَالَ النَّسَائِيُّ. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَأَبُو زُرْعَةَ: مَتْرُوكٌ. زَادَ أَبُو حَاتِمٍ: وَكَانَ يَكْذِبُ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ6، وَأَخْرَجَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ شُرَيْحٍ7 عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ8 مَرْفُوعًا "مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ". ثُمَّ قَالَ: وَعُمَرُ بْنُ شُرَيْحٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. وَقَدْ رَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدِيثًا يُعَارِضُ هَذَا، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَخْلَدٍ ثَنَا عُمَرُ بن يونس اليمامي ثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ ثَوَابٍ حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ أَوْزَعَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَيْفِ9 بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحِمْيَرِيِّ، قَالَ: دَخَلْت أَنَا وَرِجَالٌ مَعِي عَلَى عَائِشَةَ، فَسَأَلْنَاهَا عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ فَرْجَهُ، والمرأة تَمَسُّ فَرْجَهَا، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا أُبَالِي إيَّاهُ: مَسِسْتُ، أَوْ أَنْفِي" انْتَهَى. أَحَادِيثُ أَصْحَابِنَا وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ النَّقْضِ، حَدِيثُ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ، وَهُوَ أَمْثَلُهَا، وَلَهُ أَرْبَعُ طُرُقٍ: أَحَدُهَا: عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ10 إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "هَلْ هُوَ إلَّا
بَضْعَةٌ مِنْك"؟ انتهى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَحْسَنُ شَيْءٍ يُرْوَى فِي هَذَا الْبَابِ. وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ، وَأَيُّوبُ. وَمُحَمَّدٌ تَكَلَّمَ فِيهِمَا بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَحَدِيثُ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو أَصَحُّ وَأَحْسَنُ، انْتَهَى. الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ بِهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ: ضَعِيفٌ، قَالَ الْفَلَّاسُ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعِجْلِيّ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ بِهِ. وَهِيَ عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ: ضَعَّفَهُ الثَّوْرِيُّ، وَالْعِجْلِيُّ: ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ. الطَّرِيقُ الرَّابِعُ: عَنْ أيُّوب بن عتبة اليمامي عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ، وَهِيَ عِنْدَ أَحْمَدَ2 وَأَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ قل ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، وَبِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ3 فِي شَرْحِ الْآثَارِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مُسْتَقِيمُ الْإِسْنَادِ غَيْرُ مُضْطَرِبٍ فِي إسْنَادِهِ وَلَا مَتْنِهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عن علي بن مديني أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ4، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: وَهَذَا حَدِيثٌ أَوْهَمَ عَالَمًا مِنْ النَّاسِ أَنَّهُ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ بُسْرَةَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، فَإِنَّ طَلْقَ بْنَ عَلِيٍّ كَانَ قُدُومُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ سَنَةٍ مِنْ سِنِي الْهِجْرَةِ5 حَيْثُ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَبْنُونَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: بَنَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَكَانَ يَقُولُ: "قَدِّمُوا الْيَمَامِيَّ مِنْ الطِّينِ فَإِنَّهُ مِنْ أَحْسَنِكُمْ لَهُ مَسَّا"، انْتَهَى. قَالَ: وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ إيجَابَ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، ثُمَّ سَاقَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ: وَأَبُو هُرَيْرَةَ إسْلَامُهُ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، فَكَانَ خَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ خَبَرِ طَلْقٍ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَطَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ6 قَالَ: خَرَجْنَا وَفْدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سِتَّةَ نَفَرٍ: خَمْسَةً مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، وَرَجُلًا من بني ضيعة بْنِ رَبِيعَةَ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّ بِأَرْضِنَا بِيْعَةً لَنَا، وَاسْتَوْهَبْنَاهُ مِنْ فَضْلِ طَهُورِهِ، فَقَالَ: "اذْهَبُوا بِهَذَا الْمَاءِ، فَإِذَا قَدِمْتُمْ بَلَدَكُمْ فَاكْسِرُوا بِيعَتَكُمْ، ثُمَّ انْضَحُوا مَكَانَهَا مِنْ هَذَا الْمَاءِ وَاِتَّخِذُوا مَكَانَهَا مَسْجِدًا"، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْبَلَدُ بَعِيدٌ وَالْمَاءُ يَنْشُفُ، قَالَ: "فَأَمِدُّوهُ مِنْ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُهُ إلَّا طِيبًا" فَخَرَجْنَا، فَتَشَاحَنَّا7 عَلَى حَمْلِ
الْإِدَاوَةِ أَيُّنَا يَحْمِلُهَا، فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا يَوْمًا، فَخَرَجْنَا بِهَا حَتَّى قَدِمْنَا بَلَدَنَا فَعَمِلْنَا الَّذِي أَمَرَنَا. وَرَاهِبُ أُولَئِكَ الْقَوْمِ رجل من طيء، فَنَادَيْنَا بِالصَّلَاةِ، فَقَالَ الرَّاهِبُ: دعوه، ثُمَّ هَرَبَ فَلَمْ يُرَ بَعْدُ، انْتَهَى. قَالَ: فَهَذَا بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ طَلْقَ بْنَ عَلِيٍّ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ قَدْمَتِهِ تِلْكَ، ثُمَّ لَا يُعْلَمُ لَهُ رُجُوعٌ إلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فَلْيُثْبِتْهُ بِسُنَّةٍ مُصَرِّحَةٍ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ، انْتَهَى. وَذَكَرِ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ حَدِيثَ طَلْقٍ هَذَا، وَسَكَتَ عَنْهُ، فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ عَلَى عَادَتِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: إنَّمَا يَرْوِيهِ قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ. وَقَدْ حَكَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ2 أَنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ. وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ هَذَا الحديث، فقالا: قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ لَيْسَ مِمَّنْ يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَوَهَّنَاهُ3 وَلَمْ يُثْبِتَاهُ. قَالَ: والحديث مختلف فيه، فيبغي أَنْ يُقَالَ فِيهِ: حَسَنٌ، وَلَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدِيثَ طَلْقٍ مِنْ رِوَايَةِ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو، ثُمَّ قَالَ: وَمُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو فِيهِ نَظَرٌ، قال: وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ اليمامي. وَأَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ، قَالَ: وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ. قَالَ: وَرَوَاهُ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ قَيْسٍ أَنَّ طَلْقًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَهُ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ أَمْثَلُ مَنْ رَوَاهُ، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي تَعْدِيلِهِ، فَغَمَزَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ. وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ جِدًّا. وَقَيْسٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: سَأَلْنَا عَنْهُ فَلَمْ نَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهُ بِمَا يَكُونُ لَنَا قَبُولُ خَبَرِهِ. وَقَدْ عَارَضَهُ مَنْ عَرَفْنَا ثِقَتَهُ وَثَبْتَهُ فِي الْحَدِيثِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ. وَأَبِي حَاتِمٍ. وَأَبِي زُرْعَةَ قَالُوا: لَا نَحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ صَحَّ، فَنَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْهِجْرَةِ، وَسَمَاعُ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَغَيْرِهِ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّ طَلْقًا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبْنِي مَسْجِدَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبْنِي الْمَسْجِدَ، فَقَالَ لِي: "اخْلِطْ الطِّينَ، فَإِنَّك أَعْلَمُ بِخَلْطِهِ"، فَسَأَلْتُهُ أَرَأَيْتَ الرَّجُلُ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ مَسَّ ذَكَرَهُ؟ فَقَالَ: "إنَّمَا هُوَ مِنْك". انْتَهَى. قَالَ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهُ مَسَّهُ بِظَهْرِ كَفِّهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى طَلْقٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي إذْ ذَهَبْتُ أَحُكُّ فَخْذِي، فَأَصَابَتْ يَدِي ذَكَرِي، فَسَأَلْتُهُ عليه السلام، فَقَالَ: "إنَّمَا هُوَ مِنْك"، قَالَ: وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ مَنْ يَحُكُّ فَخْذَهُ إنَّمَا يُصِيبُهُ بِظُهْرِ كَفِّهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَسَوِيُّ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ"، انْتَهَى. فَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ حَمَّادَ بْنَ مُحَمَّدٍ. وَشَيْخَهُ أَيُّوبَ ضَعِيفَانِ، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ إلَّا حَمَّادُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ رَوَى الْحَدِيثَ الْآخَرَ حَمَّادُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَهُمَا عِنْدِي صَحِيحَانِ، وَيَشْتَبِهُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ مِنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ هَذَا، ثُمَّ سَمِعَ هَذَا بَعْدُ، فَوَافَقَ حَدِيثَ بُسْرَةَ، وَأُمِّ حَبِيبَةَ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ. وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمْرَ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، فَسَمِعَ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ انْتَهَى كَلَامُهُ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ بِحُرُوفِهِ. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ1 وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ آخِذًا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ. وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ. وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ. وَأَبِي الدَّرْدَاءِ2 وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ. وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَأَصْحَابِهِ. وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ. وَأَهْلِ الْكُوفَةِ، وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ، فَذَهَبُوا إلَى إيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْهُ آخذاً بحديث بسرة، روى ذَلِكَ3 عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ. وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ. وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو ابْنِ الْعَاصِ. وَجَابِرٍ. وَعَائِشَةَ. وَأُمِّ حَبِيبَةَ. وَبُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ. وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ. وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ. وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ. وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ. وَالزُّهْرِيِّ. وَمُصْعَبِ بْنِ مسعد. ويجيى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. وَالْأَوْزَاعِيِّ. وَأَكْثَرِ أَهْلِ الشَّامِّ. وَالشَّافِعِيِّ. وَأَحْمَدَ. وَإِسْحَاقَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَلَهُمْ فِي الْجَوَابِ عَنْ حَدِيثِ طَلْقٍ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: تَضْعِيفُهُ. وَالْآخِرُ: الْحُكْمُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، أَمَّا تَضْعِيفُهُ فَإِنَّ أَيُّوبَ بْنَ عُتْبَةَ4 وَمُحَمَّدَ بْنَ
جَابِرٍ1 ضَعِيفَانِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَاهُ مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ قَيْسٍ3 إلَّا أَنَّ صَاحِبَيْ الصَّحِيحِ لَمْ يَحْتَجَّا بِشَيْءٍ مِنْ رِوَايَتِهِمَا، وَتَكَلَّمَ النَّاسُ أَيْضًا فِي قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ4 فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: سَأَلْنَا عَنْ قَيْسٍ، فَلَمْ نَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهُ بِمَا يَكُونُ لَنَا قَبُولُ خَبَرِهِ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ، وَأَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَعَنْ ابْن أَبِي حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي. وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ لَيْسَ مِمَّنْ يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ وَوَهَّنَاهُ، وَلَمْ يُثَبِّتَاهُ، قَالُوا: وَحَدِيثُ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ كَمَا لَمْ يُخَرِّجْهُ صَاحِبَا الصَّحِيحِ، فَإِنَّهُمَا لَمْ يَحْتَجَّا بِشَيْءٍ مِنْ رِوَايَتِهِ،
وَحَدِيثُ بُسْرَةَ وَإِنْ لَمْ يُخَرِّجَاهُ لِاخْتِلَافٍ وَقَعَ فِي سَمَاعِ عُرْوَةَ مِنْ بُسْرَةَ، أَوْ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ، فَقَدْ احْتَجَّا بِسَائِرِ رُوَاةِ حَدِيثِهَا: مَرْوَانَ، فَمَنْ دُونَهُ، فَتَرَجَّحَ حَدِيثُ بُسْرَةَ، وَرَوَاهُ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَهُوَ أَقْوَى مَنْ رَوَاهُ عَنْ قَيْسٍ إلَّا أَنَّهُ رَوَاهُ مُنْقَطِعًا، وَأَمَّا حُكْمُ النَّسْخِ، فَإِنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَبْنُونَ الْمَسْجِدَ، فَذَكَرَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَ: وَمِمَّا يُؤَيِّدُ حكم النسخ أن طلق الَّذِي رَوَى حَدِيثَ الرُّخْصَةِ وَجَدْنَاهُ قَدْ رَوَى حَدِيثَ الِانْتِقَاضِ ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ
بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَتْنِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ". قَالَ: فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ النَّسْخِ، وَأَنَّ طَلْقًا قَدْ شَاهَدَ الْحَالَتَيْنِ، ثُمَّ اعْتَرَضَ لِلْقَائِلِينَ بِالرُّخْصَةِ: بِأَنَّ بُسْرَةَ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ، وَاخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي نَسَبِهَا يَدُلُّ عَلَى جَهَالَتِهَا، لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يقول: هي كناينة، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هِيَ أَسَدِيَةٌ، وَلَوْ سُلِّمَ عَدَمُ جَهَالَتِهَا فَلَيْسَتْ تُوَازِي طَلْقًا فِي شُهْرَتِهِ وَكَثْرَةِ رِوَايَتِهِ وَطُولِ صُحْبَتِهِ، وَاخْتِلَافُ الرُّوَاةِ أَيْضًا فِي حَدِيثِهَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِهَا. وَبِالْجُمْلَةِ فَحَدِيثُ النسار إلَى الضَّعْفِ مَا هُوَ، قال: وروى عن عمر بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ أَنَّهُ قَالَ:
حَدِيثُ طَلْقٍ عِنْدَنَا أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ، وَأَجَابَ: بِأَنَّ بُسْرَةَ مَشْهُورَةٌ لَا يُنْكِرُ شُهْرَتَهَا إلَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ أَحْوَالَ الرُّوَاةِ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ هِيَ جَدَّةُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَوْ أُمُّهُ فَاعْرِفُوهَا، وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدٍ مِنْ التَّابِعَاتِ، وَوَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ عَمُّهَا، وَلَيْسَ لِصَفْوَانَ بْنِ نَوْفَلٍ عَقِبٌ إلَّا مِنْ قِبَلِ بُسْرَةَ، وَهِيَ زَوْجَةُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: وَأَمَّا اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي حَدِيثِهَا فَقَدْ وُجِدَ فِي حَدِيثِ طَلْقٍ نَحْوُ ذَلِكَ، ثُمَّ إذَا صَحَّ لِلْحَدِيثِ طَرِيقٌ وَاحِدٌ وَسَلِمَ مِنْ شَوَائِبِ الطَّعْنِ تَعَيَّنَ المصير
إلَيْهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْبَاقِينَ، وَطَرِيقُ مَالِكٍ إلَيْهَا لَا يُخْتَلَفُ فِي صِحَّتِهِ وَعَدَالَةِ رُوَاتِهِ، قَالَ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرُ بُسْرَةَ نَحْوُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ حَبِيبَةَ، وَكَثْرَةُ الرُّوَاةِ مُؤَثِّرَةٌ فِي التَّرْجِيحِ، وَأَمَّا حَدِيثُ الرُّخْصَةِ فَإِنَّهُ لَا يُحْفَظُ مِنْ طَرِيقٍ تُوَازِي هَذِهِ الطُّرُقَ، أَوْ تُقَارِبُهَا إلَّا مَنْ حَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ الْيَمَامِيِّ وَهُوَ حَدِيثٌ فَرْدٌ فِي الْبَابِ، قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ كَثْرَةَ الرُّوَاةِ لَا أَثَرَ لَهَا فِي بَابِ التَّرْجِيحَاتِ، لِأَنَّ طَرِيقَ كل ولحد مِنْهُمَا غَلَبَةُ الظَّنِّ، فَصَارَ كَشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ مَعَ شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ، وَرَدُّهُ بِأَنَّ غَلَبَةَ الظن إنما يعتبر فِي بَابِ الرِّوَايَةِ دُونَ الشهادة،
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ خمسون امرأة بشهادةٍ لم تُقْبَلَ شَهَادَتُهُنَّ؟ وَلَوْ شَهِدَ بِهَا رَجُلَانِ قُبِلَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ شَهَادَةَ خَمْسِينَ امْرَأَةٍ أَقْوَى فِي الْيَقِينِ، وَكَذَلِكَ سَوَّى الشَّارِعُ بَيْنِ شَهَادَةِ إمَامَيْنِ عَالِمَيْنِ، وَشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ جَاهِلَيْنِ، وَأَمَّا فِي الرِّوَايَةِ فَتُرَجَّحُ رِوَايَةُ الْأَعْلَمِ الدَّيِّنِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ خلاف يغرف فِي ذَلِكَ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى حَدِيثِ بُسْرَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي مِنْ أَحَادِيثِ الْأَصْحَابِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلًا2، سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنِّي مَسِسْتُ ذَكَرِي وَأَنَا أُصَلِّي، فَقَالَ: "لَا بأس إنما هو جُزْءٌ مِنْك"، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ الْبُخَارِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ والدارقطني فِي جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: مَتْرُوكٌ. وَالْقَاسِمُ أَيْضًا: ضَعِيفٌ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ الْخِطْمِيَّ - وَكَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ - أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي احْتَكَكْت فِي الصَّلَاةِ، فَأَصَابَتْ يدي فرجي، انتهى. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَأَنَا أَفْعَلُ ذَلِكَ"، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: الْفَضْلُ بْنُ مُخْتَارٍ أَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ مَجْهُولٌ. وَأَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، يُحَدِّثُ بِالْأَبَاطِيلِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ4 فِي شَرْح الْآثَار: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ مَذْهَبِنَا، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ5 رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ:
مَا أُبَالِي مَسِسْتُ أَنْفِي أَوْ ذَكَرِي، وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَ ذَلِكَ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّهُ قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْك، وَأَنَّ لِكَفِّك مَوْضِعًا غَيْرُهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ حُذَيْفَةَ. وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ كَانَا لَا يَرَيَانِ فِي مَسِّ الذَّكَرِ وُضُوءًا، قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَفْتَى بِالْوُضُوءِ مِنْهُ غَيْرَ ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ، وَمَا رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: فِيهِ وضوء فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا أُبَالِي إيَّاهُ: مَسِسْتُ ذَكَرِي. أَوْ أَنْفِي، قَالَ: وَمَا رَوَوْهُ عَنْ الحكم بن مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: كُنْت أُمْسِكُ المصحف عَلَى أَبِي، فَمَسِسْتُ ذَكَرِي، فَأَمَرَنِي أَنْ أَتَوَضَّأَ، فَمَحْمُولٌ عَلَى غَسْلِ الْيَدَيْنِ بِمَا أُخْبِرْنَا، وَأَسْنَدَ إلَى الزُّبَيْرِ عن عدي بن مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ مِثْلَهُ، وَقَالَ فِيهِ: قُمْ فَاغْسِلْ يَدَك، انْتَهَى. وَحَكَى صَاحِبُ التَّنْقِيحِ قَالَ: اجْتَمَعَ1 سُفْيَانُ. وَابْنُ جُرَيْجٍ، فَتَذَاكَرَا مَسَّ الذَّكَرِ، فَقَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ، وَقَالَ سُفْيَانُ: لَا يَتَوَضَّأُ مِنْهُ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَمْسَكَ بِيَدِهِ مَنِيًّا مَا كَانَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ: يَغْسِلُ يَدَهُ، قَالَ: فَأَيُّهُمَا أَكْبَرُ، الْمَنِيُّ. أَوْ مَسُّ الذَّكَرِ؟ فَقَالَ: مَا أَلْقَاهَا عَلَى لِسَانِك إلَّا الشَّيْطَانُ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ مَسِّ الْمَرْأَةِ حَدِيثٌ لِلْخُصُومِ القائلين بنقض الوضوء منه، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا لَقِيَ امْرَأَةً وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مَعْرِفَةٌ، فَلَيْسَ يَأْتِي الرَّجُلُ إلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا إلَّا أَتَاهُ إلَيْهَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ {أَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ} الْآيَةُ. قَالَ: فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ. قَالَ مُعَاذٌ: فَقُلْتُ: يَا رسول الله أهي خَاصَّةً أَمْ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً.؟ قَالَ: "بَلْ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً" انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَقُتِلَ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى صَغِيرٌ ابْنُ سِتِّ سِنِينَ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ هُودٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا، وَأَلْفَاظُهُمْ الثَّلَاثَةُ فِيهِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَصَابَ مِنْ امْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ، فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا يُصِيبُهُ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ إلا أصابه منه غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَوَضَّأْ وُضُوءًا حَسَنًا، ثُمَّ صَلِّ" قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ، فَقَالَ مُعَاذٌ: أَهِيَ لَهُ خَاصَّةً أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ: "بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً"، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعَ ضَعْفِهِ وَانْقِطَاعِهِ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْوُضُوءِ لِلتَّبَرُّكِ وَإِزَالَةِ الْخَطِيئَةِ لَا لِلْحَدَثِ، وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ: "تَوَضَّأْ وُضُوءًا حَسَنًا" وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ عليه السلام أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
اُدْعُ اللَّهَ لِي أَنْ يُعَافِيَنِي مِنْ الْخَطَايَا، فَقَالَ لَهُ: "اُكْتُمْ الْخَطِيئَةَ وَتَوَضَّأْ وُضُوءًا حَسَنًا، ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ" ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ" فَذَكَرَ دعاءاً، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثُ خُرُوجِ الْخَطَايَا مِنْ كُلِّ عُضْوٍ يَغْسِلُهُ فِي الْوُضُوءِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَثَرًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَأَثَرًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَأَثَرًا عَنْ عُمَرَ أَنَّ اللَّمْسَ مَا دُونَ الْجِمَاعِ، فَمَنْ لَمَسَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ ثُمَّ قَالَ: وَخَالَفَهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: هِيَ الْجِمَاعُ وَلَمْ يَرَ فِي اللَّمْسِ وُضُوءًا، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: اللَّمْسُ. وَالْمُبَاشَرَةُ الْجِمَاعُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُكَنِّي مَا يَشَاءُ بما يشاء، انْتَهَى. أَمَّا أَثَرُ عُمَرَ فَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ1، وَقَالَ: هُوَ عِنْدَهُمْ خَطَأٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْ ابن عمر لا عُمَرَ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ أَصْحَابِنَا، وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ النَّقْضِ مِنْهُ، فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ اختلف طُرُقُهُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَأَمَّا أَلْفَاظُهُ فَإِنَّهَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَأَنَا أَذْكُرُ مَا تَيَسَّرَ لِي وُجُودُهُ مِنْ الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ. الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلِيَّ، فَإِذَا قَامَ بسطتهما، والبيوت يومئذ ليست فِيهَا مَصَابِيحُ، وَفِي لَفْظٍ: فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غمز رجلي فضممتها إلَى، ثُمَّ سَجَدَ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَقَدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَجَعَلْت أَطْلُبُهُ بِيَدَيَّ فَوَقَعَتْ يَدَيَّ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، يَقُولُ: أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لا أحصي ثناءاً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ، انْتَهَى. وَهَذَانِ الطَّرِيقَانِ رَوَاهُمَا النَّسَائِيُّ3 فِي سُنَنِهِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِمَا تَرْكُ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَالْخُصُومُ يَحْمِلُونَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمَسَّ وَقَعَ بِحَائِلٍ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَعَ شِدَّةِ بُعْدِهِ يَدْفَعُهُ بَعْضُ أَلْفَاظِهِ، كَمَا سَتَرَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. طَرِيقٌ آخَرُ رَوَى أَبُو دَاوُد4. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ5 مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، قَالَ عُرْوَةُ6: فَقُلْت لَهَا: مَنْ هِيَ، أَلَا أَنْتِ؟ فَضَحِكَتْ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَغْرَاءَ ثَنَا الْأَعْمَشُ ثَنَا أَصْحَابٌ لَنَا عَنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِيّ عَنْ عَائِشَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القطان: أحْك عني هذين الْحَدِيثَيْنِ يَعْنِي حَدِيثَ الْأَعْمَشِ هَذَا، وَحَدِيثَهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ - فِي الْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ - أَنَّهُمَا شِبْهُ لَا شَيْءِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرُوِيَ عَنْ الثَّوْرِيِّ أن قَالَ: مَا حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ إلَّا عَنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِيّ يَعْنِي لَمْ يُحَدِّثْهُمْ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بِشَيْءٍ قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقَدْ رَوَى حَمْزَةُ الزَّيَّاتِ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثًا صَحِيحًا، انْتَهَى. وَالتِّرْمِذِيُّ لَمْ يَنْسُبْ عُرْوَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَصْلًا، وَأَمَّا ابْنُ مَاجَهْ فَإِنَّهُ نَسَبَهُ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا وَكِيعٌ1 ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَرِجَالُ هَذَا السَّنَدِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَسَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَيَقُولُ: لَمْ يَسْمَعْ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ مِنْ عُرْوَةَ شَيْئًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ، انْتَهَى. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَضَعَّفَهُ، وَقَالَ: إنَّهُ يَرْجِعُ إلَى عُرْوَةَ الْمُزَنِيّ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. قُلْنَا: بَلْ هُوَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَأَمَّا سَنَدُ أَبِي دَاوُد الَّذِي قَالَ فِيهِ: عَنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِيّ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَغْرَاءَ عَنْ نَاسٍ مَجَاهِيلَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَغْرَاءَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، كَانَ يَرْوِي عَنْ الْأَعْمَشِ سِتَّمِائَةِ حَدِيثٍ تَرَكْنَاهُ، لَمْ يَكُنْ بِذَاكَ. قال ابن عدي: والذي قال ابْنُ الْمَدِينِيِّ هُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ الْأَعْمَشِ أَحَادِيثَ لَا يُتَابِعُهُ عَلَيْهَا الثِّقَاتُ، وَأَمَّا مَا حَكَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ إلَّا عَنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِيّ، فَهَذَا لَمْ يُسْنِدْهُ أَبُو دَاوُد، بَلْ قَالَ عَقِيبَهُ: وَقَدْ رَوَى حَمْزَةُ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثًا صَحِيحًا، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا دَاوُد لَمْ يَرْضَ بِمَا قَالَهُ الثَّوْرِيُّ، وَيُقَدَّمُ هَذَا لِأَنَّهُ مثبت، والثوري نافي، وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو دَاوُد هُوَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي جَسَدِي وَعَافِنِي فِي بَصَرِي" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ وَقَالَ: غَرِيبٌ2، وَسَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يَقُولُ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ شَيْئًا، انْتَهَى. وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ مَا قال الْبَيْهَقِيُّ: إنَّهُ عُرْوَةُ الْمُزَنِيّ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ حَبِيبًا سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَمِعَهُ مِنْ الْمُزَنِيّ أَيْضًا، كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ مَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إلَى تَصْحِيحِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: صَحَّحَهُ الْكُوفِيُّونَ، وَثَبَّتُوهُ لِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ لَهُ، وَحَبِيبٌ لَا يُنْكَرُ3 لِقَاؤُهُ عُرْوَةَ لِرِوَايَتِهِ عَمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ عُرْوَةَ وَأَقْدَمُ مَوْتًا. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا شَكَّ أَنَّهُ أَدْرَكَ عُرْوَةَ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ1 عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ أبي دوق عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقبِّل بعض نساءه ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ، قَالَ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ: وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ أبي دوق عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ حَفْصَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ، وَلَا مِنْ حَفْصَةَ، قَالَ: وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْ عَائِشَةَ إنَّمَا هُوَ فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ، فَحَمَلَهُ الضُّعَفَاءُ مِنْ الرُّوَاةِ عَلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْهَا، وَلَوْ صَحَّ إسْنَادُهُ لَقُلْنَا بِهِ، انْتَهَى. قُلْنَا: أَمَّا قَوْلُهُ: إبْرَاهِيمُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ، فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ عن أبي دوق عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، فَوَصَلَ سَنَدَهُ، وَمُعَاوِيَةُ هَذَا أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وأبو دوق: عطية بن الحرب، أَخْرَجَ لَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ أَحْمَدُ:3 لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: صَالِحٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ الْكُوفِيُّونَ: هُوَ ثِقَةٌ، لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ بِجَرْحٍ، وَمَرَاسِيلُ الثِّقَاتِ عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْ عَائِشَةَ فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ فَحَمَلَهُ الضُّعَفَاءُ مِنْ الرُّوَاةِ عَلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْهَا، فَهَذَا تَضْعِيفٌ مِنْهُ لِلرُّوَاةِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ ظَاهِرٍ، وَالْمَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ، فَلَا يُقَالُ: أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ. طَرِيقٌ آخَرُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ4 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ5 ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ زَيْنَبَ السَّهْمِيَّةِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يُقَبِّلُ وَيُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ، وَرُبَّمَا فَعَلَهُ بِي، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ جَيِّدٌ. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ6 عَنْ ابْنِ الْهَادِ، وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّي، وَإِنِّي لَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ اعْتِرَاضَ الْجِنَازَةِ حَتَّى إذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ مَسَّنِي بِرِجْلِهِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَابْنُ الْهَادِ، قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ. طَرِيقٌ آخَرُ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ7 أَخْبَرْنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ8 حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَهَا وَهُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ: "إنَّ الْقُبْلَةَ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ"، وَقَالَ: "يَا حُمَيْرَاءُ إنَّ فِي دِينِنَا لَسَعَةً"، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ رَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ1 حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ صُبَيْحٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنِ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ ثَنَا أَبِي عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ نسائه ثم يَتَوَضَّأُ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ: رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَخْرَجَ لَهُ الشَّيْخَانِ، وَغَيْرُهُمَا، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَغَيْرُهُمْ، وَمُوسَى بْنُ أَعْيَنَ مَشْهُورٌ، وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وأبوه2 مشهور، روى له البخاري، وإسماعيل: روى عَنْهُ النَّسَائِيُّ، وَوَثَّقَهُ. وَأَبُو عوانة الاسفرائني، وَأَخْرَجَ لَهُ ابْنُ خُزَيْمَةُ فِي صَحِيحِهِ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ: لَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً تُوجِبُ تَرْكَهُ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَعِينٍ: حَدِيثُ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عَطَاءٍ حَدِيثٌ رَدِيءٌ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَانْفِرَادُ الثِّقَةِ بِالْحَدِيثِ لَا يَضُرُّهُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ نُزُولِ الآية، ويكون الْمُلَامَسَةُ الْجِمَاعَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 مِنْ جِهَةِ ابْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْقُبْلَةِ وُضُوءٌ، قُلْنَا: الَّذِي رَفَعَهُ زَادَ، وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ، وَالْحُكْمُ لِلرَّافِعِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عطاءاً أَفْتَى بِهِ مَرَّةً، وَمَرَّةً أُخْرَى رَفَعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ4 مِنْ طُرُقٍ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُقَبِّلُنِي إذَا خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ وَلَا يَتَوَضَّأُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدٌ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. وَسَعِيدٌ هَذَا وَثَّقَهُ شُعْبَةُ، وَدُحَيْمٌ، كَذَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَأَخْرَجَ لَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا أَرَى بِمَا يَرْوِي بَأْسًا، وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ الصِّدْقُ، انْتَهَى. وَأَقَلُّ أَحْوَالِ مِثْلِ هَذَا أَنْ يُسْتَشْهَدَ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ الْقُبْلَةِ. كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ وَيُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ، انْتَهَى. وَلَمْ يُعِلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِشَيْءٍ، سِوَى أَنَّ منصور خَالَفَهُ، وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ أَنَّ أَكْثَرَ رُوَاتِهِ إلَى ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ مَجْهُولُونَ5 وَيَنْظُرُ فِيهِ.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ عَنْ حَاجِبِ2 بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ نِسَائِهِ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، ثُمَّ ضَحِكَتْ، وَالنَّيْسَابُورِيّ إمَامٌ مَشْهُورٌ، وَحَاجِبٌ لَا يُعْرَفُ فِيهِ مَطْعَنٌ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ النَّسَائِيُّ وَوَثَّقَهُ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَبَاقِي الْإِسْنَادِ لَا يُسْأَلُ عَنْهُ إلَّا أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ عَقِيبَهُ: تَفَرَّدَ بِهِ حَاجِبٌ عَنْ وَكِيعٍ، وَوَهِمَ فِيهِ، وَالصَّوَابُ عَنْ وَكِيعٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَحَاجِبٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ، وَإِنَّمَا كَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هُوَ تَفَرُّدُ ثِقَةٍ. وَتَحْدِيثُهُ مِنْ حِفْظِهِ إنْ كَانَ أَوْجَبَ كَثْرَةَ خطأه بِحَيْثُ يَجِبُ تَرْكُ حَدِيثِهِ، فَلَا يَكُونُ ثِقَةً، وَلَكِنَّ النَّسَائِيَّ وَثَّقَهُ، وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ خُرُوجَهُ عَنْ الثِّقَةِ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَهِمْ، وَكَانَ لِنِسْبَتِهِ إلَى الْوَهْمِ بِسَبَبِ مُخَالَفَةِ الْأَكْثَرِينَ لَهُ. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْوَرَّاقِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ بَلَغَهَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: فِي الْقُبْلَةِ الْوُضُوءُ، فَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ لَا يَتَوَضَّأُ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا أَعْلَمُ حَدَّثَ بِهِ عَنْ عَاصِمٍ هَكَذَا غَيْرُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَعَلِيٌّ هَذَا مُصَنِّفٌ مَشْهُورٌ، مُخَرَّجٌ عَنْهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَعَاصِمٌ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ. وَأَبُو أويس: استشهدبه مُسْلِمٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، فَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ رُكْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يُقَبِّلُ أَهْلَهُ وَيُلَاعِبُهَا أَيَنْقُضُ ذَلِكَ وُضُوءَهُ؟ قَالَ: لَا، انْتَهَى. وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَ رُكْنٍ هَذَا عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَرَوَاهُ ابن حبان فيكتاب الضُّعَفَاءِ وَأَعَلَّهُ بِرُكْنٍ، وَقَالَ: إنَّهُ رَوَى عَنْ مَكْحُولٍ سِتَّمِائَةِ حَدِيثٍ، مَا لِكَثِيرٍ مِنْهَا أَصْلٌ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ بِحَالٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ ثَنَا سَعْدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي ثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ3 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ، ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ وَلَا يُحْدِثُ وُضُوءًا، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ عَنْ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُقَيْلِيِّ
الْجَزَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِغَالِبٍ هَذَا، وَقَالَ: إنَّهُ كَانَ يَرْوِي الْمُعْضَلَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِخَبَرِهِ.
فصل في الغسل
فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ": وَذَكَر مِنْهَا الْمَضْمَضَةَ، وَالِاسْتِنْشَاقَ، قُلْتُ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا الْبُخَارِيَّ، فَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الطهارة والترمذي في الاستيدان وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الزِّينَةِ كُلُّهُمْ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عن عائشة قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ بِالْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ". قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيت الْعَاشِرَةَ إلَّا أن يكون الْمَضْمَضَةَ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمٌ أَخْرَجَهُ فِي صَحِيحِهِ فَفِيهِ عِلَّتَانِ، ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ وَعَزَاهُمَا لِابْنِ مَنْدَهْ: إحْدَاهُمَا: الْكَلَامُ فِي مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، قَالَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ2: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَلَا يَحْمَدُونَهُ. الثَّانِيَةُ: أَنَّ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ3 رَوَاهُ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ مُرْسَلًا، هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ مُرْسَلًا، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَحَدِيثُ التَّيْمِيِّ، وَأَبِي بِشْرٍ أَوْلَى، وَأَبُو مُصْعَبٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَلِأَجَلِ هَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ لَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ مُسْلِمٌ إلَيْهِمَا، لِأَنَّ مُصْعَبًا عِنْدَهُ ثِقَةٌ، وَالثِّقَةُ إذَا وَصَلَ حَدِيثًا يُقَدَّمُ وَصْلُهُ عَلَى الْإِرْسَالِ. حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مِنْ الْفِطْرَةِ الْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ، وَالسِّوَاكُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَالِانْتِضَاحُ بِالْمَاءِ، وَالِاخْتِتَانُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ4 وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ5 وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ فَيَكُونُ مُرْسَلًا، لِأَنَّ أَبَاهُ لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، وَأَمَّا جَدُّهُ عَمَّارٌ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يُعْرَفُ لَسَلَمَةَ مِنْ عَمَّارٍ سَمَاعٌ، وَهَذَا عَلَى شَرْطِهِ، وَغَيْرُهُ يَكْتَفِي بِالْمُعَاصَرَةِ، وَالْبَيْهَقِيُّ هُنَا سَكَتَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ النَّبِيذِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ فِي كَلَامٍ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ وَثَّقَهُ قَوْمٌ، وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ، وَجُمْلَةُ أَمْرِهِ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ الْكَثِيرَ مِمَّا يَقِفُهُ غَيْرُهُ، وَاخْتَلَطَ أَخِيرًا، وَلَا يُتَّهَمُ بِكَذِبٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِلشَّافِعِيِّ، وَهُوَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ1 قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي، فَقَالَ: "إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِي" وَفِي لَفْظٍ: "فَإِذَا أَنْتِ قَدْ طَهُرْتِ" وَهُوَ دَلِيلٌ جَيِّدٌ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ القاسم بن عصر2 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ، سُنَّةٌ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالْقَاسِمُ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ3 ضَعِيفَانِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِهِمَا فِي الطَّهَارَتَيْنِ وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ بِأَحَادِيثَ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ عِصَامِ بْنِ يُوسُفَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ مِنْ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عِصَامٌ، وَوَهِمَ فِيهِ، وَالصَّوَابُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى مُرْسَلًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ. قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ، هَكَذَا رواه السفيان، وَغَيْرُهُمْ5، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ كَذَلِكَ، وَنَقَلَ كَلَامَ الدَّارَقُطْنِيِّ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ6، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ7، عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ8: لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ حَمَّادٍ غَيْرُ هُدْبَةَ، وَغَيْرُهُ يُرْسِلهُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَاهُ هُدْبَةُ مَرَّةً أُخْرَى، فَأَرْسَلَهُ، لَمْ يَقُلْ فِيهِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَظُنُّ هُدْبَةَ أَرْسَلَهُ مَرَّةً وَوَصَلَهُ أُخْرَى، وَتَابَعَهُ دَاوُد بْنُ الْمُحَبَّرِ
عَنْ حَمَّادٍ فَوَصَلَهُ، وَخَالَفَهُمَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْخَلَّالُ شَيْخٌ لِيَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ، فَقَالَ: عَنْ حَمَّادٍ عن عمارعن ابْنِ عَبَّاسٍ بَدَلُ أَبِي هُرَيْرَةَ1. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، "الْمَضْمَضَةُ. وَالِاسْتِنْشَاقُ مِنْ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا" قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهُ، فَأَرْسَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ، وَسَكَتَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْهُ هُنَا، فَإِنَّهُ يَحْتَجُّ بِهِ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ الْحُجَّةُ لَهُ بِالْحَدِيثِ، وَيُضَعِّفُهُ فِي مَوْضِعٍ يَكُون الْحَدِيثُ حُجَّةً عَلَيْهِ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام فِي الْمَضْمَضَةِ. وَالِاسْتِنْشَاقِ: "إنَّهُمَا فَرْضَانِ فِي الْجَنَابَةِ، سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ"، قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ2، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا مِنْ حَدِيثِ بَرَكَةَ بْنِ مُحَمَّدِ الْحَلَبِيِّ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ3 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ لِلْجُنُبِ ثَلَاثًا فَرِيضَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمَدْخَلِ: بَرَكَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيُّ يَرْوِي عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطَ أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدِيثُ بَرَكَةَ هَذَا بَاطِلٌ لَمْ يُحَدِّث بِهِ غَيْرُهُ، وَهُوَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: هَذَا الْحَدِيثُ وَهْمٌ، وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِنْشَاقَ فِي الْجَنَابَةِ ثَلَاثًا، هَكَذَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ مُرْسَلًا، فَأَسْنَدَهُ بَرَكَةُ الْحَلَبِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيَّرَ لَفْظَهُ، ثُمَّ أَسْنَدَهُ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إلَى ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِنْشَاقَ فِي الْجَنَابَةِ ثَلَاثًا قَالَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، وَغَيْرُهُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ مَوْصُولًا غَيْرُ بَرَكَةَ الْحَلَبِيِّ، وَكَانَ يُحَدِّثُ، وَسَائِرُ مَا يَرْوِيهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ بَاطِلٌ لَا يَرْوِيهَا غَيْرُهُ، وَقَالَ لِي عَبْدَانُ الْأَهْوَازِيُّ: حَدِّثْنِي حَدِيثًا فَحَدَّثْتُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ لِي: هَاتِ حَدِيثَ الْمُسْلِمِينَ، أَنَا قَدْ رَأَيْتُ بَرَكَةَ هَذَا بِحَلَبٍ وَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ، لِأَنَّهُ كَانَ يَكْذِبُ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَاتَّهَمَ بَرَكَةَ، وَقَالَ: لَعَلَّهُ وَضَعَهُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مَوْصُولًا مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ بَرَكَةَ، قَالَ: أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبِ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ مِهْرَانَ السَّوَّاقُ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الرَّبِيعِ
النَّهْدِيُّ ثَنَا هَمَّامُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ ثَلَاثًا لِلْجُنُبِ فَرِيضَةٌ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَكَذَا حَدَّثَنِيهِ هَذَا الشَّيْخُ مِنْ أَصْلِهِ، وَهُوَ غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ هَمَّامٍ، انْتَهَى. قُلْتُ: وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ أَيْضًا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَاتَّهَمَ هَمَّامًا بوضعه، وَأَغْلَظَ فِيهِ الْقَوْلَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ. وَابْنِ حِبَّانَ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ فِي تَرْجَمَةِ هَمَّامٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ دَاوُد نا سُلَيْمَانُ بْنُ الرَّبِيعِ بِهِ. وَأَعَلَّهُ بِهَمَّامٍ، وَقَالَ: إنَّهُ كَانَ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ وَيُحَدِّثُ بِهِ، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ فِي رِوَايَتِهِ بَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَهَذَا لَا أَصْلَ لِرَفْعِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُرْسَلٌ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَرُبَّمَا اُسْتُدِلَّ لِهَذَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَبُلُّوا الشَّعْرَ1 وَأَنْقُوا الْبَشَرَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَبِحَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ زَاذَانَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ تَرَكَ شَعْرَةً مِنْ جَسَدِهِ لَمْ يَغْسِلْهَا فُعِلَ بِهِ كَذَا وَكَذَا مِنْ النَّارِ" قَالَ عَلِيٌّ: فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ شَعْرِي، وَكَانَ يَجُزُّهُ، انْتَهَى. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَبِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: "فَإِذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَك"، أَوْ قَالَ: بَشَرَتَك رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ اعْتَمَدَ بَعْضُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ عَلَى أَثَرٍ وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ2 مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيُّ3 بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ عَجْرَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ نَسِيَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ، قَالَ: لَا يُعِيدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جُنُبًا، قَالَ: وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا أَثَرٌ ثَابِتٌ، يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ، وَهُوَ يَعِيبُ عَلَيْنَا الْأَخْذَ بِحَدِيثِ بُسْرَةَ فِي مَسِّ الذَّكَرِ، وَعُثْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ، وَعَائِشَةُ بِنْتُ عَجْرَدٍ غَيْرُ مَعْرُوفَيْنِ بِبَلَدِهِمَا، فَكَيْفَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُثْبِتَ ضَعِيفًا مَجْهُولًا وَيُوهِنَ قَوِيًّا مَعْرُوفًا؟! انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: حَدِيثُ مَيْمُونَةَ فِي اغْتِسَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجَنَابَةِ، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ4 فِي كُتُبِهِمْ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي خَالَتِي مَيْمُونَةُ، قَالَتْ: أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غِسْلَهُ مِنْ الْجَنَابَةِ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ الْأَرْضَ فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حفنات ملأ كَفِّهِ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: غِسْلُهُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ مَا يُغَسَّلُ بِهِ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَكْفِيكِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أُصُولَ شَعْرِكِ"، قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا الْبُخَارِيَّ. مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ فَقَالَ: "لَا، إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تحثي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ"، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: "أَمَا أَنْقُضُهُ لِلْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ؟ 2 فَقَالَ: "لَا" الْحَدِيثَ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 عَنْ عبيد الله بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: بَلَغَ عَائِشَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كان يأمر الناس إذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رؤوسهن، فَقَالَتْ: يَا عَجَبًا لِابْنِ عَمْرٍو هَذَا يَأْمُرُ النِّسَاءَ إذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رؤوسهن! أَفَلَا يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رؤوسهن؟! لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ، وَمَا أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ إفْرَاغَاتٍ انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ضَمْضَمُ بْنُ زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: أَفْتَانِي جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ أَنَّ ثَوْبَانَ حَدَّثَهُمْ أَنَّهُمْ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "أَمَّا الرَّجُلُ فلينتشر4 رَأْسَهُ فَلْيَغْسِلْهُ حَتَّى يَبْلُغَ أُصُولَ الشَّعْرِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا عَلَيْهَا أَنْ لَا تَنْقُضَهُ لِتَغْرِفْ عَلَى رَأْسِهَا ثلاث غرفات يكفيها" انْتَهَى. وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَابْنُهُ فِيهِمَا مَقَالٌ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَنْقُضُ شَعْرَهَا فِي الْحَيْضِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ5 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَكُنْتُ مِمَّنْ تَمَتَّعَ وَلَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ وَلَمْ تَطْهُرْ حَتَّى دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ لَيْلَةُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّمَا كُنْتُ تَمَتَّعْتُ بِعُمْرَةٍ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اُنْقُضِي رَأْسَك وَامْتَشِطِي وَأَمْسِكِي عَنْ عُمْرَتِك" فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَضَيْتُ الْحَجَّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ فَأَعْمَرَنِي مِنْ التَّنْعِيمِ مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي نَسَكْتُ، انْتَهَى. قَالَ: وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْإِفْرَادِ ثُمَّ الْخَطِيبُ مِنْ جِهَتِهِ فِي تَلْخِيصِ الْمُتَشَابِهِ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا اغتسلت من الْمَرْأَةُ مِنْ حَيْضَتِهَا نَقَضَتْ شَعْرَهَا نَقْضًا وَغَسَلَتْهُ بِخَطْمِيٍّ وَأُشْنَانٍ، فَإِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ الْجَنَابَةِ صَبَّتْ عَلَى رَأْسِهَا الْمَاءَ وَعَصَرَتْهُ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ". قُلْتُ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: "إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ" وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي قِصَّةٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين إلى قبا، حَتَّى إذَا كُنَّا فِي بَنِي سَالِمٍ وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَابِ عِتْبَانَ فَصَرَخَ بِهِ، فَخَرَجَ يَجُرُّ إزَارَهُ، فَقَالَ عليه السلام: "أَعْجَلْنَا الرَّجُلَ" فَقَالَ عِتْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُعْجَلُ عَنْ امْرَأَتِهِ، وَلَمْ يُمْنِ مَاذَا عَلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ"، انْتَهَى. وَهَذَا السِّيَاقُ يَدْفَعُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قَوْلَهُ عليه السلام: "الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ" إنَّمَا كَانَ فِي الِاحْتِلَامِ، رواهما الترمذي في كتبه فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٌ نا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي الْجَحَّافِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ فِي الِاحْتِلَامِ، انْتَهَى. وَأَسْنَدَ عَنْ وَكِيعٍ، قَالَ: لَمْ نَجِد هَذَا الْحَدِيثَ إلَّا عِنْدَ شَرِيكٍ، وَاسْمُ أَبِي الْجَحَّافِ دَاوُد بْنُ أَبِي عَوْفٍ قَالَ الثَّوْرِيُّ: كَانَ مُرْجِئًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي الْجَحَّافِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ": فِي الِاحْتِلَامِ انْتَهَى. الْكَلَامُ عَلَى نَسْخِ هَذَا الْحَدِيثِ، اعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّ مَفْهُومَهُ عَدَمُ الْغُسْلِ مِنْ الْإِكْسَالِ، بَلْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ صَرِيحًا مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، أَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أَيُّوبَ عَنْهُ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يُصِيبُ مِنْ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ يَكْسُلُ، فَقَالَ: "يَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ذَكْوَانَ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ، فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يقطر ماءاً فَقَالَ: "لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ؟ " فَقَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: "إذَا عُجِّلْتَ أَوْ أقحطت2 فَلَا غُسْلَ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ الْوُضُوءُ" انْتَهَى. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَلِلنَّاسِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى نَسْخِهَا طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: بِالْأَحَادِيثِ. وَالثَّانِي: رُجُوعُ مَنْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُكْمِ الْأَوَّلَ. أَمَّا الْأَحَادِيثُ: فَمِنْهَا: مَا ذُكِرَ فِيهَا النَّسْخُ، وَمِنْهَا مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا، فَاَلَّتِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا النَّسْخُ، بَلْ فِيهَا الْغُسْلُ فَقَطْ، حَدِيثَانِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْآخِرُ: مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى،
فَحَدِيثُ أَبِي هريرة، رواه البخاري. مسلم مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا جَلَسَ الرَّجُلُ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ". زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ: "وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ - قَبْلَ ذِكْرِهِ - حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْسَخُ حَدِيثُهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَمَا يَنْسَخُ الْقُرْآنُ بَعْضُهُ بَعْضًا، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْهُ، قَالَ: اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ رَهْطٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّونَ: لَا يَجِبُ الغسل إلا من الدفق، أَوْ مِنْ الْمَاءِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: بَلْ إذَا خَالَطَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَنَا أَشْفِيكُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَقُمْتُ وَاسْتَأْذَنْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَأُذِنَ لِي، فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّاهُ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكِ عَنْ شَيْءٍ وَأَنِّي أَسْتَحْيِيكِ، فَقَالَتْ: لَا تَسْتَحِ أَنْ تَسْأَلَنِي عَمَّا كُنْتَ سَائِلًا عَنْهُ أُمَّكَ الَّتِي وَلَدَتْك، فَإِنَّمَا أَنَا أُمُّكَ، قُلْتُ: فَمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ؟ قَالَتْ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ"، انْتَهَى. وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي صُرِّحَ فِيهَا بِالنَّسْخِ، فهي ثلاثة: أحدهما: مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: إنَّمَا كَانَ الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُهِيَ عَنْهَا، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَأُعِلَّ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا بَيْنَ الزُّهْرِيِّ. وَسَهْلٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ ابْنِ مَاجَهْ، قَالَ: قَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ: فَلَمْ يذكر الإخبار، وعند أبو دَاوُد2، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ أَرْضَى: أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ سَهْلٍ، وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ، 3فَقَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَسْمَعْهُ الزُّهْرِيُّ مِنْ سَهْلٍ إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ سَهْلٍ، قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: وَهَذَا الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُسَمِّهِ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَبَا حَازِمِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ، لِأَنَّ مُبَشِّرَ بْنَ إسْمَاعِيلَ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَنْ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ4 قَالَ الشَّيْخُ: قُلْتُ: قَدْ رَوَاهُ
بِهَذَا السَّنَدِ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1 وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ2 عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْجَمَّالِ عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ. وَلَفْظُهُ: عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يُفْتُونَ: أَنَّ الْمَاءَ مِنْ الْمَاءِ كَانَتْ رُخْصَةً رَخَّصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ بَعْدُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ3 مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، وَقَالَ قَبْلَ إخْرَاجِهِ: وَقَدْ رَوَيْنَاهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ صَحِيحٍ مَوْصُولٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، ثُمَّ ذكره، وقال ابن حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ أَحَادِيثَ: الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ فَقَالَ: كُلُّهَا مَنْسُوخَةٌ بِحَدِيثٍ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ وَقَعَ لِي رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ مِنْ جِهَةِ أَبِي مُوسَى عَنْهُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَفِيهَا قَالَ: أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، فَعَلَيْك بِالْبَحْثِ عَنْهَا، فَإِنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ4 عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عِمْرَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَأَلْت عُرْوَةَ فِي الَّذِي يُجَامِعُ وَلَا يُنْزِلُ، قَالَ: عَلَى النَّاسِ أَنْ يَأْخُذُوا بِالْآخِرِ، فَالْآخِرُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا يَغْتَسِلُ، وَذَلِكَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، ثُمَّ اغْتَسَلَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالْغُسْلِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ5 مِنْ جِهَةِ ابْنِ حِبَّانَ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ قَدْ حَكَمَ ابْنُ حِبَّانَ بِصِحَّتِهِ، غَيْرَ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عِمْرَانَ كَثِيرًا مَا يَأْتِي عَنْ الزُّهْرِيِّ بِالْمَنَاكِيرِ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَعَلَى الْجُمْلَةِ، فَالْحَدِيثُ بِهَذَا السِّيَاقِ فِيهِ مَا فِيهِ، وَلَكِنَّهُ حَسَنٌ جَيِّدٌ فِي الِاسْتِشْهَادِ6 قَالَ الشَّيْخُ: الَّذِي وَجَدْته فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ - لِلْعُقَيْلِيِّ أَنَّهُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ، ثُمَّ أَعَلَّهُ بِالْحُسَيْنِ بْنِ عِمْرَانَ، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ، ولا يعلم هذا االفظ عَنْ عَائِشَةَ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَذَكَر الْعُقَيْلِيُّ عَنْ آدَمَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ: حُسَيْنُ بْنُ عِمْرَانَ الْجُهَنِيِّ لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ7 وَكَذَلِكَ ذَكَرَ أَبُو الْعَرَبِ الْقَرَوِيُّ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، قَالَ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا فِي حُسَيْنِ بْنِ عِمْرَانَ، وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ قَوْلِ الْحَازِمِيِّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، بَلْ لَوْ قِيلَ: لَيْسَ فِيهِ جَزْمٌ بِالتَّضْعِيفِ8 لَمْ يَبْعُدْ ذَلِكَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ9 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ الْغَافِقِيِّ عَنْ بَعْضِ وَلَدِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِي فَقُمْت، وَلَمْ أُنْزِلْ فَاغْتَسَلْتُ وَخَرَجْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا عَلَيْكَ،
إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ" قَالَ رَافِعٌ: ثُمَّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْغُسْلِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ1 وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ فِيهِ رِشْدِينَ بْنَ سَعْدٍ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى ضَعْفِهِ. وَبَعْضُ وَلَدِ رَافِعٍ مَجْهُولُ الْعَيْنِ وَالْحَالِ، وَحَدِيثٌ يَشْتَمِلُ سَنَدُهُ عَلَى ضَعِيفٍ وَمَجْهُولٍ كَيْفَ يَكُونُ حَسَنًا؟! قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَقَدْ وَقَعَ لِي تَسْمِيَةُ وَلَدِ رَافِعٍ فِي أَصْلِ سَمَاعِ الْحَافِظِ السَّلَفِيِّ، وَسَاقَ الشَّيْخُ سَنَدَهُ إلَى رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ سَهْلِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عن رفيع بْنِ خَدِيجٍ، فَذَكَرَهُ. الطَّرِيقُ الثَّانِي: فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى النَّسْخِ، وَهُوَ أَنَّ بَعْضَ مَنْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ أَفْتَى بِوُجُوبِ الْغُسْلِ، أَوْ رَجَعَ عَنْ الْأَوَّلِ، فَرَوَى مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ الرَّجُلِ يُصِيبُ أَهْلَهُ، ثُمَّ يَكْسُلُ وَلَا يُنْزِلُ، فَقَالَ زَيْدٌ: يَغْتَسِلُ، فَقَالَ لَهُ مَحْمُودٌ: إنَّ أُبَيِّ بْنَ كَعْبٍ كَانَ لَا يَرَى الْغُسْلَ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: إنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ نَزَعَ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ2: لَا أَحْسَبُهُ تَرَكَهُ، إلَّا أَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بعد مَا نَسَخَهُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَوْلُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ ثُمَّ نُزُوعُهُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ يدل عَلَى أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَعْدَهُ مَا نَسَخَهُ، وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وَغَيْرُهُمَا، وَرَوَى مَالِكٌ أَيْضًا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ. وَعَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَقُولُونَ: إذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَغَابَتْ الْحَشَفَةُ وَجَبَ الْغُسْلُ، أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ" قُلْتُ: رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ، مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ؟ فَقَالَ: "إذا التقت الْخِتَانَانِ وَغَابَتْ الْحَشَفَةُ وَجَبَ الْغُسْلُ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ وَهْبٍ، وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ، وَأَوْرَدَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ، كَمَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ. صَاحِبُ الْمُدَوَّنَةِ. مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي كِتَابِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَجَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ". زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ: "وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ". وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، وَفِيهِ
"وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ". وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ1 أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن بزيغ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيُوجِبُ الْمَاءَ إلَّا الْمَاءُ؟ فَقَالَ: "إذا التقى الختانان وغيب الْحَشَفَةُ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ سَنَّ الْغُسْلَ لِلْجُمُعَةِ. وَالْعِيدَيْنِ. وَعَرَفَةَ. وَالْإِحْرَامِ، قُلْتُ: أَمَّا الْجُمُعَةُ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ2 عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ"، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الْأَيْلِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ عَمَّيْهِ النَّضْرِ وَمُوسَى بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِمَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: "اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَوْ كَأْسًا بِدِينَارٍ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَ حَفْصًا هَذَا، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَدِيٍّ، وَلَفْظُهُ فِيهِ: وَلَوْ كَانَتْ بِدِينَارٍ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ. وَأَمَّا الْعِيدَانِ3 فَفِيهِمَا أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ الْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ4 ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْخِطْمِيَّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ الْفَاكِهِ عَنْ جَدِّهِ الْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ. وَيَوْمَ النَّحْرِ. وَيَوْمَ عَرَفَةَ، وَكَانَ الْفَاكِهُ بْنُ سَعْدٍ يَأْمُرُ أهله بالغسل هَذِهِ الْأَيَّامِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَزَادَ فِيهِ: وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَالَ: وَلَا نعرف لِلْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ، وَالْحَدِيثُ فِي مُسْنَدِ أحمد5 بلفظ البزار، لكنه لَيْسَ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ بِهِ، وَعِلَّةُ الْحَدِيثِ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السمّي، قَالَ فِي الْإِمَامِ: تَكَلَّمُوا فَأَفْظَعُوا فِيهِ. حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا أَخْبَرَنَا جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ. وَيَوْمَ الْأَضْحَى، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هَذَا حَدِيثٌ مَعْلُولٌ بِجَبَّارَةَ بْنِ الْمُغَلِّسِ، فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ
عَدِيٍّ قَدْ مَشَّاهُ، وَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا يُتَابَعُ عَلَى بَعْضِ حَدِيثِهِ، وَحَجَّاجٌ أَيْضًا، قَالَ فِيهِ ابْنُ عَدِيٍّ: أَحَادِيثُ حَجَّاجٍ عَنْ مَيْمُونٍ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مِنْدَلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ لِلْعِيدَيْنِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَعِلَّتُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَاهِيهِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَمِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ أَشْبَهُ1 حَالًا مِنْهُ، مَعَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا عَرَفَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهَا حَدِيثُ الْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَمَّا الْإِحْرَامُ، فَفِيهِ حَدِيثَانِ: أَحَدُهُمَا: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الْحَجِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: نَفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أبي بكرة بِالشَّجَرَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَأْمُرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ، انْتَهَى. الثَّانِي: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي الْحَجِّ2 عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ، وَاغْتَسَلَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الْحَدِيثُ الثَّلَاثُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ". قُلْتُ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من جاء الجمعة منكم فَلْيَغْتَسِلْ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا3 إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ: مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ، زَادَ الْبَيْهَقِيُّ: وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَسَنَدُهَا صَحِيحٌ. حَدِيثٌ آخَرُ دَالٌّ عَلَى الْوُجُوبِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ رَوَى الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "حَقٌّ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ" زَادَ الْبَزَّارُ. وَالطَّحَاوِيُّ4: وَذَلِكَ يَوْمُ
الْجُمُعَةِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ الْبَزَّارِ. وَالطَّحَاوِيُّ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: إسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذْ دَخَلَ رَجُلٌ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: إذْ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَعَرَّضَ بِهِ عُمَرُ، فَقَالَ: مَا بَال رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ بَعْدَ النِّدَاءِ؟! فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا هُوَ إلَّا أَنْ سَمِعْتُ النِّدَاءَ فَتَوَضَّأْتُ ثُمَّ أَقْبَلْتُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَالْوُضُوءُ أَيْضًا، أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى ابْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، انْتَهَى. رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالطَّحَاوِيُّ، وَلِلنَّاسِ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُحْمَلَ الْأَمْرُ فِيهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْغُسْلِ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ، وَالسَّبَبُ قَدْ زَالَ، فَيَزُولُ الْحُكْمُ بِزَوَالِ عِلَّتِهِ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّهُ سَأَلَ عَمْرَةَ عَنْ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ النَّاسُ مَهَنَةَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانُوا إذَا رَاحُوا إلَى الْجُمُعَةِ رَاحُوا فِي هَيْئَتِهِمْ، فَقِيلَ لَهُمْ: لَوْ اغْتَسَلْتُمْ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عروة عنهما1 قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَمِنْ الْعَوَالِي، فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ، وَيُصِيبُهُمْ الْغُبَارُ، فَيَخْرُجُ مِنْهُمْ الرِّيحُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْسَانٌ مِنْهُمْ - وَهُوَ عِنْدِي - فَقَالَ عليه السلام: "لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا"، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عِكْرِمَةَ2 أَنَّ أُنَاسًا من أهل العراق، جاؤوا، فَقَالُوا: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَتَرَى الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبًا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ أَطْهَرُ وَخَيْرٌ لِمَنْ اغْتَسَلَ، وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ بِوَاجِبٍ، وَسَأُخْبِرُكُمْ كَيْفَ بَدَأَ الْغُسْلُ: كَانَ النَّاسُ مجهودين يلبسن الصُّوفَ، وَيَعْمَلُونَ عَلَى ظُهُورِهِمْ، وَكَانَ مَسْجِدُهُمْ ضَيِّقًا مُقَارِبَ السَّقْفِ إنَّمَا هُوَ عَرِيشٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ، وَعَرِقَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الصُّوفِ، حَتَّى ثَارَتْ مِنْهُمْ رِيَاحٌ، آذَى بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمَّا وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الرِّيحَ، قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ إذَا كَانَ هَذَا الْيَوْمَ فَاغْتَسِلُوا وَلْيَمَسَّ أَحَدُكُمْ أَفْضَلَ مَا يَجِدُ مِنْ دُهْنِهِ وَطِيبِهِ" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثُمَّ جَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
بِالْخَيْرِ، وَلَبِسُوا غَيْرَ الصُّوفِ، وَكُفُوا الْعَمَلَ وَوُسِّعَ مَسْجِدُهُمْ، وَذَهَبَ بَعْضُ الَّذِي كَانَ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ الْعَرَقِ، انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمْ يُنْكِرْ عَلَى عُثْمَانَ حِينَ جَاءَ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْتَسِلَ، فإنه فال: مَا زِدْتُ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ، فَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ تَأَخُّرَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ، فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ1: مَعْنَاهُ قَوِيٌّ فِي الِاسْتِحْبَابِ، كَمَا تَقُولُ: حَقُّك عَلَيَّ وَاجِبٌ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَرَنَهُ بِمَا لَا يَجِبُ اتِّفَاقًا، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ: "غُسْلُ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَالسِّوَاكُ، وَأَنْ يَمَسَّ مِنْ الطِّيبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. يُحْمَلُ مُؤَخَّرُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ يَعْنِي حَدِيثَ: مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَعَلَى النَّسْخِ، انْتَهَى. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ نَاسِخٌ لِأَحَادِيثِ الْوُجُوبِ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ" فَلَمَّا كَانَ الشِّتَاءُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَرْتنَا بِالْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ، وَقَدْ جَاءَ الشِّتَاءُ، وَنَحْنُ نَجِدُ الْبَرْدَ؟ فَقَالَ: "مَنْ اغْتَسَلَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَا حَرَجَ"، انْتَهَى. إلَّا أَنَّ هَذَا سَنَدٌ ضَعِيفٌ يُسَدُّ بِغَيْرِهِ. الْجَوَابُ الثَّانِي: إنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مَنْسُوخَةٌ بِحَدِيثِ: مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ وَفِي هَذَا بُعْدٌ إذْ لَا تَارِيخَ مَعَهُمْ، وَأَيْضًا فَأَحَادِيثُ الْوُجُوبِ أَصَحُّ وَأَقْوَى، وَالضَّعِيفُ لَا يَنْسَخُ الْقَوِيَّ، انْتَهَى. وَإِلَى هَذَيْنِ الحوابين أَشَارَ صَاحِبُ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: وَبِهَذَا يَعْنِي حَدِيثَ: مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ". قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، فَأَبُو دَاوُد فِي الطَّهَارَةِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ فِي الصَّلَاةِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ" انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلًا، انْتَهَى. ورواه أحمد بن حنبل فِي مُسْنَدِهِ. وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَفِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ
سَمُرَةَ ثَلَاثَةُ مذاهب: أحدهما: أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ مُطْلَقًا، وهو قول ابْنُ الْمَدِينِيِّ، ذَكَرَهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَّلِ تَارِيخِهِ الْوَسَطِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إسْرَائِيلَ، قَالَ: سَمِعْت الْحَسَنَ يَقُولُ: وُلِدْت لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، قَالَ عَلِيٌّ: سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ فِي بَابِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: قَالَ عَلِيٌّ يَعْنِي ابْنَ الْمَدِينِيَّ: سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَلَمْ يُحْسِنْ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، فَقَالَ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ عِنْدِي صَحِيحٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا نَقَلَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ يَخْتَارُ هَذَا الْقَوْلَ، فَإِنَّهُ صَحَّحَ فِي كِتَابِهِ عِدَّةَ أَحَادِيثَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَاخْتَارَ الْحَاكِمُ هَذَا الْقَوْلَ، فقال في الْمُسْتَدْرَكِ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لَهُ سَكْتَتَانِ: سَكْتَةٌ إذَا كَبَّرَ. وَسَكْتَةٌ إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ، وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ، فَإِنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ فِي كِتَابِهِ عِدَّةَ أَحَادِيثَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَقَالَ فِي بَعْضِهَا: عَلَى شَرْطِ البخاري، وقال: فيكتاب الْبُيُوعِ بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الشَّاةِ بِاللَّحْمِ، وَقَدْ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِالْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، انْتَهَى. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لَهُ سَكْتَتَانِ، وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ شَيْئًا، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: الْحَسَنُ لَمْ يَلْقَ سَمُرَةَ، وَقَالَ شُعْبَةُ: الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ، وَقَالَ الْبَرْدِيجِيُّ: أَحَادِيثُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ كِتَابٌ، وَلَا يَثْبُتُ عَنْهُ حَدِيثٌ، قَالَ فِيهِ: سَمِعْت سَمُرَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أنع سَمِعَ مِنْهُ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ فَقَطْ، قَالَهُ النَّسَائِيّ1، وَإِلَيْهِ مَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 فَقَالَ فِي حَدِيثِ السَّكْتَتَيْنِ: وَالْحَسَنُ اُخْتُلِفَ فِي سَمَاعِهِ مِنْ سَمُرَةَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ إلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ، فِيمَا قَالَهُ قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ، انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ فَقَالَ عِنْدَ ذِكْرِهِ هَذَا الْحَدِيثَ: وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سمرة حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ، وَاخْتَارَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَالْحَسَنُ سَمِعَ مِنْ سَمُرَةَ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ، ثُمَّ رَغِبَ عَنْ السَّمَاعِ عَنْهُ، وَلَمَّا رجع إلى ولده أَخْرَجُوا لَهُ صَحِيفَةً سَمِعُوهَا مِنْ أَبِيهِمْ، فَكَانَ يَرْوِيهَا عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْبِرَ بِسَمَاعٍ،
لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهَا مِنْهُ، انْتَهَى. رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ قُرَيْشِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشهيد، قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: سُئِلَ الْحَسَنُ مِمَّنْ سَمِعَ حَدِيثَهُ فِي الْعَقِيقَةِ؟ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ سَمُرَةَ، وَعَنْ الْبُخَارِيِّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قُرَيْشٍ، وَقَالَ عَبْدُ الْغَنِيِّ: تَفَرَّدَ بِهِ قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، وَقَدْ رَدَّهُ آخَرُونَ، وَقَالُوا: لَا يَصِحُّ لَهُ سَمَاعٌ مِنْهُ، انْتَهَى. ذِكْرُ كَلَامِ الْبَزَّارِ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ الصَّحَابَةِ، قَالَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ فِي آخَرِ تَرْجَمَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: سَمِعَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَرَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ لَمْ يُدْرِكْهُمْ، وَكَانَ صَادِقًا مُتَأَوِّلًا فِي ذَلِكَ، فَيَقُولُ: حَدَّثَنَا. وَخَطَبَنَا.، وَيَعْنِي قَوْمَهُ الَّذِينَ حَدَّثُوا وَخَطَبُوا بِالْبَصْرَةِ، فَأَمَّا الَّذِينَ سَمِعَ مِنْهُمْ: فَهُوَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ. وَعَائِذُ بْنُ عَمْرٍو. وَأَبُو بَرْزَةَ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ. وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ1. وَأَبُو بَكْرَةَ، وَسَمِعَ مِنْ سَوَّارِ بْنِ عَمْرٍو. وَعَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ. وَسَعْدٍ. مَوْلَى أَبِي بَكْرَةَ، وَرَوَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَرَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً، وَلَا أُبْعِدُ سَمَاعَهُ مِنْهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ، فَقَدْ أُنْكِرُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ بِالْبَصْرَةِ أَيَّامَ الْجَمَلِ، وَقَدِمَ الْحَسَنُ أَيَّامَ صِفِّينَ، فَلَمْ يُدْرِكْهُ بِالْبَصْرَةِ، وَتَأَوَّلَ قَوْلَهُ: خَطَبَنَا أَيْ خَطَبَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ سَرِيعٍ، وَالْأَسْوَدُ قَدِمَ يَوْمَ الْجَمَلِ فَلَمْ يَرَهُ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ حَدَّثَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ: إنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ، وَإِنَّمَا حَدَّثَ مَنْ حَدَّثَهُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: ثَنِيّ، وَرَوَى عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَأَبُو مُوسَى إنَّمَا كَانَ بِالْبَصْرَةِ أَيَّامَ عُمَرَ، فَلَا أَحْسَبُهُ سَمِعَ مِنْهُ، وَقَدْ رَأَى جَمَاعَةً جُلَّةً: مِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ2 وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ أَسِيد بْنِ المشمس عَنْ أَبِي مُوسَى، وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، وَحَدَّثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَلَا أَعْلَمُهُ سَمِعَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَحَدَّثَ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ بِأَحَادِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَحَادِيثَ رَوَاهَا عَنْ جُنْدُبٍ عَنْ حُذَيْفَةَ، وَحَدَّثَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَلَا أَحْسَبُهُ سَمِعَ مِنْهُ، لِأَنَّ النُّعْمَانَ لَا نَعْلَمُهُ دَخَلَ الْبَصْرَةَ، وَإِنَّمَا كَانَ بِالْكُوفَةِ، وَقَدْ رَأَيْته يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، وَحَدَّثَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ بِشَكٍّ، فَقَالَ: عَنْ سَمُرَةَ. أَوْ عُقْبَةَ، وَقَالَ: يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُقْبَةَ، مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَلَا أَحْسَبُهُ سَمِعَ مِنْهُ، وَحَدَّثَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَبَيْنَهُمَا خَطَّابُ3
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَحَدَّثَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَبَيْنَهُمَا حَوْلُ بْنُ قَتَادَةَ. وَقَبِيصَةُ، وَحَدَّثَ عَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَحَدَّثَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ1 وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ الْبَصْرَةَ أَيَّام عُمَرَ بَعَثَهُ أَمِيرًا عليها، ثم انصرف عمها وَمَاتَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَعُتْبَةُ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا وَاحِدًا، وَرَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ غَيْرَ حَدِيثٍ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَبَيْنَهُمَا قَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ. وَابْنُ الْكَوَّاءِ رَوَى عَنْ أَنَسٍ مَرَاسِيلَ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُ مِنْهَا إلَّا مَا كَانَ فِيهِ بَيْنَهُمَا رَجُلٌ، كَأَبِي سُفْيَانَ. وَيَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ. وَغَيْرِهِمَا، وَرَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَحَادِيثَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ2 وَرَوَى عَنْ ثَوْبَانَ حَدِيثًا وَاحِدًا، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَرَوَى عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حَدِيثَيْنِ، وَلَمْ يَسْمَعُهُمَا مِنْهُ، وَرَوَى عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَحَادِيثَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَرَوَى عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَبَيْنَهُمَا الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَلَا حَدِيثًا وَاحِدًا، وَذَكَرَ الْحَسَنُ أَنَّهُ رَأَى طَلْحَةَ. وَالزُّبَيْرَ فِي بَعْضِ بَسَاتِينِ الْمَدِينَةِ، انْتَهَى كَلَامُ الْبَزَّارِ مُلَخَّصًا مُحَرَّرًا. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي أَبْوَابِ صِفَةِ جَهَنَّمَ، حَدِيثًا عَنْ الْحَسَنِ بن عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّ الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ لَتُلْقَى مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمِ فَتَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا مَا تُفْضِي إلَى قَرَارِهَا"، ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْرِفُ لِلْحَسَنِ سَمَاعًا مِنْ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ، وَإِنَّمَا قَدِمَ عُتْبَةُ الْبَصْرَةَ زَمَنَ عُمَرَ، وَوُلِدَ الْحَسَنُ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ قَالَ أَيُّوبُ السختياتي. وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ: الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ3 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ تُجْزِئُ عَنْهُ الْفَرِيضَةُ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ" انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ ضَعِيفٌ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ. وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ، وَهَذَا السَّنَدُ ضَعِيفٌ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ، فَالضَّحَّاكُ
بْنُ حَمْزَةَ، ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ عَدِيٍّ قَدْ مَشَّاهُ، وَقَالَ: أَحَادِيثُهُ حِسَانٌ غَرَائِبُ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ ضَعِيفٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ كَذَلِكَ، وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَنَسٍ، كَمَا قَالَ الْبَزَّارُ. طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَرْوَزِيِّ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ يحيى الفراساني ثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيَّ عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ1 وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَسِيد بْنِ زَيْدٍ الْجَمَّالِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عوف بن أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،2 فَذَكَرَهُ، قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ عَوْفٍ إلَّا شَرِيكٌ، وَلَا عَنْ شَرِيكٍ إلَّا أَسِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَأُسَيْدُ كُوفِيٌّ قَدْ اُحْتُمِلَ حَدِيثُهُ عَلَى شِيعِيَّةٍ شَدِيدَةٍ كَانَتْ فِيهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: أَسِيدُ بْنُ زَيْدٍ الْجَمَّالُ قَالَ الدُّورِيُّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ إنَّهُ كَذَّابٌ، وَقَالَ السَّاجِيَّ: لَهُ مَنَاكِيرُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمُنْكَرَاتِ، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ لَهُ، وَهُوَ مِمَّنْ عِيبَ عَلَيْهِمْ الْإِخْرَاجُ عَنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَعَلَّهُ بِأَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، وَاسْمُهُ سَلْمَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبَانَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، وَضَعَّفَ عُبَيْدَ بْنَ إسْحَاقَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ4 مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الرَّازِيُّ ثَنَا أَبُو حَرَّةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ5 عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضَّبِّيِّ ثَنَا أَبُو حَرَّةَ6 وَضَعَّفَ مُسْلِمَ بْنَ سُلَيْمَانَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ7
عَنْ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الزُّبَيْدِيُّ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ حَسَنٍ عَنْ أَنَسٍ، وَرَوَاهُ أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ شُعْبَةُ. وَهَمَّامٌ. وَأَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ1 أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ إسحاق الصفار أنبأ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ2 الْقَنَّادُ ثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ3 عَنْ السُّدِّيَّ4 عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ , وَإِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ , وَغَيْرِهِ انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْآثَارُ الضَّعِيفَةُ إذَا ضُمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ أَحْدَثَتْ قُوَّةً فِيمَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ مِنْ الْحُكْمِ انْتَهَى. قَوْلُهُ: عَنْ عَائِشَةَ فِي تَفْسِيرِ الْمَنِيِّ. وَالْمَذْيِ. وَالْوَدْيِ، قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَالْمَنِيُّ: خَاثِرٌ أَبْيَضُ يَنْكَسِرُ مِنْهُ الذَّكَرُ، وَالْمَذْيُ: رَقِيقٌ يَضْرِبُ إلَى الْبَيَاضِ، يَخْرُجُ عِنْدَ مُلَاعَبَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ، وَالْوَدْيُ: الْغَلِيظُ مِنْ الْبَوْلِ يَتَعَقَّبُ الرَّقِيقَ مِنْهُ خُرُوجًا، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا التَّفْسِيرُ مَأْثُورٌ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ قَتَادَةَ. وَعِكْرِمَةَ، قَالَا: هِيَ ثَلَاثَةٌ: الْمَنِيُّ. وَالْمَذْيُ. وَالْوَدْيُ، أُمًّا الْمَنِيُّ: فَهُوَ الْمَاءُ الدَّافِقُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الشَّهْوَةُ، وَمِنْهُ يَكُونُ الْوَلَدُ، فَفِيهِ الْغُسْلُ، وَأَمَّا الْمَذْيُ: فَهُوَ الَّذِي يَخْرُجُ إذَا لَاعِبْ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، فَفِيهِ غَسْلُ الْفَرْجِ وَالْوُضُوءُ، وَأَمَّا الْوَدْيُ: فَهُوَ الَّذِي يَكُونُ مَعَ الْبَوْلِ وَبَعْدَهُ، وفيه غَسْلُ الْفَرْجِ وَالْوُضُوءُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ فَحْلٍ يَمْذِي وَفِيهِ الْوُضُوءُ" قُلْتُ: يُوجَدُ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ. وَمَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ. وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ حِزَامِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَعَنْ الْمَاءِ يَكُونُ بَعْدَ الْمَاءِ، فَقَالَ: "ذَاكَ الْمَذْيُ، وَكُلُّ فَحْلٍ يَمْذِي، فَتَغْسِلُ مِنْ ذَلِكَ فَرْجَك وَأُنْثَيَيْك وَتَوَضَّأْ وُضُوءَك لِلصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ5 قَالَ عَبْدُ الحق في أحكامه: إسناده لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَحَدِيثُ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَلْقَى مِنْ الْمَنِيِّ شدة، فسدد رحلاً إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: "ذَلِكَ الْمَذْيُ وَكُلُّ فَحْلٍ يَمْذِي، اغْسِلْهُ
بِالْمَاءِ وَتَوَضَّأْ وَصَلِّ"، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ1 حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنْبَأَ هَاشِمٌ أَنْبَأَ الْأَعْمَشُ عَنْ مُنْذِرٍ أَبِي يَعْلَى الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةَ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْت أَجِدُ مَذْيًا، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنَّ كُلَّ فَحْلٍ يَمْذِي، فَإِذَا كَانَ الْمَنِيُّ فَفِيهِ الْغُسْلُ، وَإِذَا كَانَ الْمَذْيُ فَفِيهِ الْوُضُوءُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرْنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثَنَا الْأَشْعَثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَذْيِ، فَقَالَ "كُلُّ فَحْلٍ يَمْذِي فَيَغْسِلُ" ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ2 بِغَيْرِ هذا اللفظ، قال: استحيت أَنْ أَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَذْيِ مِنْ أَجْلِ فَاطِمَةَ، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: "مِنْهُ الْوُضُوءُ"، انْتَهَى.
باب الماء الذي يجوز به الطهارة
بَابُ الْمَاءِ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الطَّهَارَةُ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ4 لَا يُنَجِّسُهُ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ. وَطَعْمِهِ. وَلَوْنِهِ"، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ هُنَا عَلَى طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ فَقَطْ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِهِ قَرِيبًا عَلَى طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ حُجَّةً لِمَالِكٍ، مُشِيرًا إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، لِمَا رَوَيْنَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ رِشْدِينَ بْنَ سَعْدٍ جَرَحَهُ النَّسَائِيّ. وَابْنُ حِبَّانَ. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَمُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ5 والدارقطني فِي سُنَنِهِمَا وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ اللَّوْنَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. وَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ، فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ رُفِعَ مِنْ وَجْهَيْنِ، غَيْرِ طَرِيقِ رِشْدِينَ أَخْرَجَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ: أَحَدُهُمَا: عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ الْمَاءَ طَاهِرٌ إلَّا إنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ. أَوْ طَعْمُهُ. أَوْ لَوْنُهُ بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهَا"، انْتَهَى. الثَّانِي: عَنْ حَفْصِ بن عُمَرُ ثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا الْمَاءُ لَا يَنْجُسُ إلَّا مَا غُيِّرَ طَعْمُهُ. أَوْ رِيحُهُ انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْحَدِيثُ غَيْرُ قَوِيٍّ6 وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي
مُصَنَّفِهِ والدارقطني فِي سُنَنِهِ1 عَنْ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَالْأَحْوَصُ فِيهِ مَقَالٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ لِمَالِكٍ، أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَهَذَا مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ، وَكِلَاهُمَا مَخْصُوصٌ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ بِنَجَاسَةٍ يَنْجُسُ قَلِيلًا كَانَ الْمَاءُ أَوْ كَثِيرًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْمَاءُ طَهُورٌ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ. أَوْ طَعْمِهِ" انْتَهَى. وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ"، انْتَهَى. حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ2 أَخْرَجَاهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنا بأرض أهل كتاب أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ قَالَ: "إنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا"، وفي رواية أبو دَاوُد:3إنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ، وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمْ الْخِنْزِيرَ، وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمْ الْخَمْرَ، فَذَكَرَهُ، وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَخْرَجَاهُ4 أَيْضًا عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ مَزَادَتَيْ الْمَرْأَةِ الْمُشْرِكَةِ، وَأَوْكَأَ أَفْوَاهَهُمَا، وَأَطْلَقَ الْعَزَالِيَ وَنُودِيَ فِي النَّاسِ أن اسقوا واستسقوا، فسقى من شاؤوا سقي مَنْ شَاءَ، وَكَانَ آخِرُ ذَلِكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إنَاءً مِنْ مَاءٍ، قَالَ: "اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْك" انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَمِنْ غَرِيبِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ فِي الْأَمْرِ بِغَسْلِ أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ الْأَكْلِ فِيهَا، مَعَ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَزَادَةِ الْمُشْرِكَةِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ: يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ الْإِنَاءِ، وَالثَّانِي: عَلَى طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي الْمَاءِ مَا لَمْ تُغَيِّرْهُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَحْرِ: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،
وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَمِنْ حَدِيثِ الْفِرَاسِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ. أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الْعَبْدَرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ عليه السلام: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ2: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَسَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، وَالْحَاكِمُ فِي مستدركه3، وقال: رواه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ. وَمُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْبَحْرُ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" انْتَهَى. وَهُوَ لَفْظٌ غَرِيبٌ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يُعَلُّ بِأَرْبَعِ عِلَلٍ: أَحَدُهَا: جَهَالَةُ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ. وَالْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَقَالُوا: لَمْ يَرْوِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ إلَّا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَلَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، إلَّا صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: وَجَوَابُهُ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ سَلَمَةَ قَدْ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ صَفْوَانَ، وَهُوَ الْجُلَاحُ أَبُو كَثِيرٍ، وَرَوَاهُ عَنْ الْجُلَاحِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَمَّا رِوَايَةُ عَمْرٍو فَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، وَأَمَّا رِوَايَةُ يَزِيدَ4، فَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْهُ أَخْرَجَهَا كُلَّهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكَبِيرِ وَأَمَّا الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، فَقَدْ رَوَى عَنْهُ يَحْيَى بن سعيد، وَيَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ، إلَّا أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَرِوَايَةُ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ رَوَاهَا أَحْمَدُ5 بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ صَاحِبُ الْمُسْنَدِ، وَمِنْ جِهَتِهِ أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ رَوَى عَنْهُ ثَلَاثَةٌ: يحيى بن سعيد. وَيَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ. وَسَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَأَنَّ سَعِيدَ بْنَ سَلَمَةَ رَوَى عَنْهُ صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ. وَالْجُلَاحُ، وَبَطَلَتْ دَعْوَى مَنْ ادَّعَى انْفِرَادَ سَعِيدٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ، وانفرد صَفْوَانَ عَنْ سَعِيدٍ. الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي اسْمِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، فَقِيلَ: هَذَا، وَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، وَقِيلَ: سَلَمَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَصَحُّهُمَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، لِأَنَّهَا رِوَايَةُ مَالِكٍ مَعَ جَلَالَتِهِ، وَهَذَا مَعَ وِفَاقِ مَنْ وَافَقَهُ، وَالِاسْمَانِ الْآخَرَانِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ. الْعِلَّةُ الثَّالِثَةُ: الْإِرْسَالُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَكَرَ ابْنُ أَبِي عَمْرٍو الْحُمَيْدِيُّ. وَالْمَخْزُومِيُّ
عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ: أَنَّ نَاسًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ، قَالَ: وَهَذَا مُرْسَلٌ لَا يَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَحْفَظُ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، وَأَثْبَتُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَقْدِيمِ إرْسَالِ الْأَحْفَظِ عَلَى إسْنَادِ مَنْ دُونَهُ، وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي الْأُصُولِ. وَالْعِلَّةُ الرَّابِعَةُ: الِاضْطِرَابُ، فَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ1 عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَكَذَا هُوَ فِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ2 وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: سَلَمَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَقِيلَ عَنْهُ: عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذِهِ رِوَايَةُ أَبِي عُبَيْدِ الْقَاسِمِ3 بْنِ سَلَّامٍ عَنْ هُشَيْمِ عَنْ يَحْيَى، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ هُشَيْمِ، فَقَالَ فِيهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي بَرْزَةَ4 فَقَالَ: وَهَمَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ. وَهُشَيْمٌ رُبَّمَا وَهَمَ فِي الْإِسْنَادِ، وَهُوَ فِي الْمُقْطَعَاتِ أَحْفَظُ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا الْوَهْمُ إنَّمَا يَلْزَمُ هُشَيْمًا إذَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِيهِ، فَأَمَّا وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ هُشَيْمِ عَلَى الصَّوَابِ، فَالْوَهْمُ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ هُشَيْمِ، عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَقِيلَ فِيهِ: عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عَبْدٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بن المغيرة بن أبي بردة عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، وَقِيلَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ: هَذَا حَدِيثٌ أَوْدَعَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ كِتَابَ الْمُوَطَّأِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَأَصْحَابُ السُّنَنِ. وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِي كُتُبِهِمْ مُحْتَجِّينَ بِهِ، وَصَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا لِاخْتِلَافٍ وَقَعَ فِي اسْمِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ. وَالْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي إسْنَادِهِ مَنْ لَا أَعْرِفُهُ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ مَنْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَإِنَّ مَالِكًا قَدْ أَقَامَ إسْنَادَهُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ عَنْ الْجُلَاحِ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، ثُمَّ يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَارَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ صَحِيحًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرَةِ5 قَدْ تَابَعَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ. وَيَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ سَعِيدًا عَلَى رِوَايَتِهِ، إلَّا أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، وَقِيلَ: غَيْرُ هَذَا، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي اسْمِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، فَقِيلَ: كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَخْزُومِيُّ، وَقِيلَ: سَلَمَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ: فِي إسْنَادِهِ مَنْ لَا أَعْرِفُهُ أَوْ الْمُغِيرَةُ. أَوْ هُمَا، إلَّا أَنَّ الَّذِي أَقَامَ إسْنَادَهُ ثِقَةٌ، وَهُوَ مَالِكٌ رحمه الله، انْتَهَى. وَلَمَّا رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 هَذَا الْحَدِيثَ ذَكَرَ مَا فِيهِ مِنْ الْمُتَابَعَاتِ، ثُمَّ قَالَ: اسْمُ الجهالة مرفوع عنها بِهَذِهِ الْمُتَابَعَاتِ، وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: اتِّفَاقُ صَفْوَانَ. وَالْجُلَاحِ يُوجِبُ شُهْرَةَ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، وَاتِّفَاقُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. وَسَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ يُوجِبُ شُهْرَتَهُ، فَصَارَ الْإِسْنَادُ مَشْهُورًا، وَبِهَذَا يَرْتَفِعُ جَهَالَةُ عَيْنِهِمَا، انْتَهَى. وَفِي كِتَابِ الْمِزِّيِّ تَوْثِيقُهُمَا. فَزَالَتْ جَهَالَةُ الْحَالِ أَيْضًا، وَلِهَذَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَكَى عَنْ الْبُخَارِيِّ تَصْحِيحَهُ2، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا أَبُو القاسم بن أبي الزياد حَدَّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ. وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدِ ابْنِ مَاجَهْ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ والدارقطني فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَسَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ والدارقطني فِي سُنَنِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَبَانُ مَتْرُوكٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَسَكَتَ عَنْهُ4. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَسَكَتَ عَنْهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ، الْحَدِيثَ. وَفِي سَنَدِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عن عبد الله بن عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مَوْقُوفًا، قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ السَّرِيِّ بْنِ عَاصِمٍ الْهَمَذَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِهِ مَرْفُوعًا، وَأَعَلَّهُ بِالسَّرِيِّ، وَقَالَ: إنَّهُ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ وَيَرْفَعُ الْمَوْقُوفَ، لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَأَسْنَدَهُ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الْفِرَاسِيِّ، فَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْقَاسِمِ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الرَّازِيُّ ثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ الْقَطَّانُ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْر ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مَخْشِيٍّ أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ الْفِرَاسِيَّ، قَالَ: كُنْت أَصِيدُ فِي الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ عَلَى أَرْمَاثٍ، وَكُنْت أَحْمِلُ قربة فِيهَا مَاءٌ، فَإِذَا لَمْ أتوضأ من الرقربة رَفَقَ ذَلِكَ بِي وَبَقِيَتْ لِي، فَجِئْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَصْت ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ"، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: حَدِيثُ الْفِرَاسِيِّ هَذَا لَمْ يَرْوِهِ فِيمَا أَعْلَمُ إلَّا مُسْلِمُ بْنُ مَخْشِيٍّ، وَمُسْلِمُ بْنُ مَخْشِيٍّ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ - فِيمَا أَعْلَمُ - إلَّا بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَقَدْ خَفِيَ عَلَى عَبْدِ الْحَقِّ مَا فِيهِ مِنْ الِانْقِطَاعِ، فَإِنَّ ابْنَ مَخْشِيٍّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ الْفِرَاسِيِّ، وَإِنَّمَا يَرْوِيهِ عَنْ ابْنِ الْفِرَاسِيِّ عَنْ أَبِيهِ، وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ. فِي عِلَلِهِ قَالَ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ الْفِرَاسِيِّ فِي مَاءِ الْبَحْرِ، فَقَالَ: حَدِيثٌ مُرْسَلٌ لَمْ يُدْرِكْ ابْنُ الْفِرَاسِيِّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْفِرَاسِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: فَهَذَا كَمَا تَرَاهُ يُعْطِي أَنَّ الْحَدِيثَ يُرْوَى عَنْ ابْنِ الْفِرَاسِيِّ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُذْكَرُ فِيهِ الْفِرَاسِيُّ، فَمُسْلِمُ بْنُ مَخْشِيٍّ إنَّمَا يَرْوِي عَنْ الِابْنِ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ الْأَبِ مُرْسَلَةٌ، انْتَهَى. قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ الْفِرَاسِيِّ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ أَبِي سُهَيْلٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مَخْشِيٍّ عَنْ ابْنِ الْفِرَاسِيِّ، قَالَ: كُنْت أَصِيدُ، وَكَانَتْ لِي قِرْبَةٌ أَجْعَلُ فِيهَا ماءاً وَإِنِّي تَوَضَّأْت بِمَاءِ الْبَحْرِ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" انْتَهَى. مَا وَرَدَ فِي طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ1، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ2 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَا فَضَلَ فِي يَدَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ: بِبَلَلٍ فِي يَدَيْهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَابْنُ عَقِيلٍ هَذَا لَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَخْتَلِفُونَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ1 عَنْ الْبُخَارِيِّ، قَالَ: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَالْحُمَيْدِيُّ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِهِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَهُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمَاءَ كَانَ مُسْتَعْمَلًا2، لَكِنْ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ فِي كِتَابِهِ وَلَفْظُهُ أَنَّهُ عليه السلام مَسَحَ بِمَاءٍ بَقِيَ مِنْ ذِرَاعَيْهِ، قَالَ: وَهَذَا أَظْهَرُ فِي الْمَقْصُودِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ: وَقَدْ رُوِيَ يَعْنِي هَذَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَأَبِي الدَّرْدَاءِ. وَعَائِشَةَ. وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، ذَكَرْنَاهَا فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ لِضَعْفِ أَسَانِيدِهَا، أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْعَرْزَمِيُّ مَتْرُوكٌ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ جِهَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ النَّسَائِيُّ. والدارقطني فِي سُلَيْمَانَ: مَتْرُوكٌ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ جِهَةِ يَحْيَى بْنِ عَنْبَسَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَيَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ كَذَّبَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ، لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مِنْ جِهَةِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ ابن أبي ملكية عَنْ عَائِشَةَ، وَعَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ، قَالَ النَّسَائِيُّ. وَالرَّازِيِّ: مَتْرُوكٌ، وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ مِنْ جِهَةِ تَمَّامِ بْنِ نَجِيحٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَتَمَّامُ بْنُ نَجِيحٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ مِنْ جِهَةِ الْمُتَوَكِّلِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي ظِلَالٍ عَنْ أَنَسٍ، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ الْمُتَوَكِّلَ بْنَ فُضَيْلٍ بَصْرِيٌّ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 عَنْ الْمُسْلِمِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الرَّحَبِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ مِنْ جَنَابَةٍ، فَرَأَى لُمْعَةً لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَقَالَ: "بِجُمَّتِهِ، فَبَلَّهَا عَلَيْهِ"، قَالَ إسْحَاقُ فِي حَدِيثِهِ: فَعَصَرَ شَعْرَهُ عَلَيْهَا، انْتَهَى. وَأَبُو عَلِيٍّ الرَّحَبِيُّ حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ، يُلَقَّبُ بِحَنَشٍ قَالَ أَحْمَدُ. وَالنَّسَائِيُّ. والدارقطني: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ضَعِيفٌ. مَا وَرَدَ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ4 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: مَرِضْت مَرَضًا فَأَتَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي. وَأَبُو بَكْرٍ، وَهُمَا مَاشِيَانِ، فَوَجَدَانِي قَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ، فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ عَلَيَّ، فَأَفَقْت، فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي، كَيْفَ أَقْضِي فِي مَالِي؟ فَلَمْ يُجِبْنِي بِشَيْءٍ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ، انْتَهَى. فِي الْخُلَاصَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. حَدِيثٌ آخَرُ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ1 مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غنيم عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ مَسَحَ وَجْهَهُ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَرِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ يُضَعَّفَانِ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 وَقَالَ: إسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 أَيْضًا عَنْ أَبِي مُعَاذٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِرْقَةٌ ينشف فيها بَعْدَ الْوُضُوءِ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ لَيْسَ بِالْقَائِمِ، وَلَا يصح في هذا االباب شَيْءٌ، وَأَبُو مُعَاذٍ يَقُولُونَ: إنَّهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ مَحْفُوظِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، فَقَلَبَ جُبَّةَ صُوفٍ كَانَتْ عَلَيْهِ فَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ، انْتَهَى. وَالْوَضِينُ بْنُ عَطَاءٍ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ ابْنُ مُعِينٍ: لَا بَأْسَ بِهِ. مَا وَرَدَ فِي عَدَمِ طَهَارَتِهِ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ4 مِنْ حَدِيثِ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ"، فَقَالَ: كَيْفَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ5 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، قَالَ: سَمِعْت أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَأَنْ يُغْتَسَلَ فِيهِ مِنْ الجنابة، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ. وَأَبُوهُ أَخْرَجَ لَهُمَا مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِمَا الْبُخَارِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَا وَرَدَ فِي الْمَاءِ المشمس، ورود مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ.
أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَلَهُ خَمْسُ طُرُقٍ: أَحَدُهَا: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ1 ثُمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنِهِمَا عَنْ خَالِدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أسخنت ماءاً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّمْسِ لِيَغْتَسِلَ بِهِ، فَقَالَ لِي: "يَا حُمَيْرَاءُ لَا تَفْعَلِي، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: خَالِدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ2: يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى ثِقَاتِ الْمُسْلِمِينَ. الثَّانِيَةُ: عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ وَهْبِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ شَرٌّ مِنْ خَالِدٍ. الثَّالِثَةُ: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، قَالَ النَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ: الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ مَتْرُوكٌ، وَنَقَلَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ يَكْذِبُ. الرَّابِعَةُ: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ3 عَنْ عمرو بن محمد الأعشم عَنْ فُلَيْحِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ أَوْ يُغْتَسَلَ بِهِ، وَقَالَ: "إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عمرو بن محمد الأعشم مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ فُلَيْحِ غَيْرُهُ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَأَغْلَظَ ابْنُ حِبَّانَ فِي عَمْرِو بن محمد الأعشم الْقَوْلَ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ. الطَّرِيقُ الْخَامِسُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَمْرٍو الْكُوفِيِّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَلَفْظُهُ: قَالَتْ: سخنت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماءاً فِي الشَّمْسِ يَغْتَسِلُ بِهِ، فَقَالَ: "لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ" انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا بَاطِلٌ عَنْ مَالِكٍ، وَعَنْ ابْنِ وَهْبٍ، وَمَنْ دُونَ ابْنِ وَهْبٍ ضُعَفَاءُ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْمَخْزُومِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ عَنْ هِشَامٍ، انْتَهَى. وَإِلَى هَذِهِ الطَّرِيقِ أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ4 فَقَالَ: وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ آخرمنكر عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ، وَلَا يَصِحُّ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ السُّدِّيَّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ بِهِ، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ هِشَامٍ إلَّا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، وَلَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. وَوَهَمَ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ هِشَامٍ الْكُوفِيِّ ثَنَا سَوَادَةُ5 عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تَغْتَسِلُوا بِالْمَاءِ الَّذِي يُسَخَّنُ فِي الشَّمْسِ
فَإِنَّهُ يُعْدِي مِنْ الْبَرَصِ"، انْتَهَى. قال العجيلي: وَسَوَادَةُ عَنْ أَنَسٍ مَجْهُولٌ، وَحَدِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَلَا يَصِحُّ فِي الْمَاءِ الْمُشَمَّسِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُرْوَى مِنْ قَوْلِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيِّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَنَقَلَ كَلَامَهُ بِحُرُوفِهِ، وَأَمَّا مَوْقُوفُ عُمَرَ، فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيُّ، أَخْبَرَنِي صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ الِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ، وَقَالَ: إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ حَسَّانَ بْنِ أَزْهَرَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَا تَغْتَسِلُوا بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ، انْتَهَى. وَصَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو حِمْصِيٌّ، وَرِوَايَةُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الشَّامِيِّينَ صَحِيحَةٌ، وَقَدْ تَابَعَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ، فَرَوَاهُ عَنْ صَفْوَانَ بِهِ، ورواه ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ حَسَّانَ بْنِ أَزْهَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَنَدُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ الْأَسْلَمِيُّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَ قَدَرِيًّا، لَكِنَّهُ كَانَ ثِقَةً فِي الْحَدِيثِ، فَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْهُ، انْتَهَى. وَصَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ السَّمِينُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي بَابِ زَكَاةِ الْعَسَلِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَغَيْرُهُمَا، انْتَهَى. مَا وَرَدَ فِي الْمَاءِ الْمُسَخَّنِ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ1 وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى الْمُنْقِرِيُّ2 ثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ رَزِينٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْأَسْلَعِ بْنِ شَرِيكٍ، قَالَ: كُنْت أَرْحَلُ نَاقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ، وَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاحِلَةَ، فَكَرِهْت أَنْ أَرْحَلَ نَاقَتَهُ وَأَنَا جُنُبٌ، وَخَشِيت أَنْ أَغْتَسِلَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فَأَمُوتَ أَوْ أَمْرَضَ، فَأَمَرْت رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فرحلها، ووضع أحجاراً فأسخنت بها3 ماءاً فَاغْتَسَلْت، ثُمَّ لَحِقْت بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَقَالَ: "يَا أَسَلَعُ مَالِي أَرَى رَاحِلَتَك تَضْطَرِبُ؟ " فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرْحَلْهَا، وَلَكِنْ رَحَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَ: "وَلِمَ؟ " قُلْت: أَصَابَتْنِي جنابة فخشيت البرد4 عَلَى نَفْسِي، فَأَمَرْتُهُ أَنْ يَرْحَلَهَا، وَوَضَعْت أَحْجَارًا، فَأَسْخَنْت ماءاً فَاغْتَسَلْت بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} إلَى قوله تعالى: {عَفُوًّا غَفُورًا} انْتَهَى. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِ سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ: تَفَرَّدَ بِهِ الْعَلَاءُ بْنُ الْفَضْلِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ مَوْقُوفٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ5 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ
عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يسخن له ماءاً فِي قُمْقُمَةٍ ثُمَّ يَغْتَسِلُ بِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَفِيهِ رَجُلَانِ تَكَلَّمَ فِيهِمَا: أَحَدُهُمَا: عَلِيُّ بْنُ غُرَابٍ، فَمِمَّنْ وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ مَعِينٍ، وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد. وَغَيْرُهُ، وقال الخطيب: تكلكوا فِيهِ لِمَذْهَبِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ غالياً في التشييع. وَالْآخَرُ: هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، فَهُوَ وَإِنْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فَقَدْ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ، وَعَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ ذَكَرَهُ، فَلَمْ يَرْضَهُ، وَقَالَ: لَيْسَ بِمُحْكِمٍ لِلْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: فِي الْكِتَابِ: لِأَنَّ الْمَيِّتَ يُغَسَّلُ بِالْمَاءِ الَّذِي أُغْلِيَ فِيهِ السِّدْرُ، بِذَلِكَ وَرَدَتْ السُّنَّةُ1 قُلْت: غَرِيبٌ، وَلَمْ يُحْسِنْ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، إذ استشهد لهذا الحديث الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ، وَفِيهِ: فَقَالَ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاَلَّذِي قَلَّدَهُ الشَّيْخُ اعْتَذَرَ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ: ليس فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَاءَ أُغْلِيَ بِالسِّدْرِ، فَيُقَالُ لَهُ: فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي ذِكْرِهِ؟ قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ ما لم يتغير طعمه أَوْصَافُهُ، لِمَا رَوَيْنَا، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ. أَوْ طَعْمَهُ. أَوْ رِيحَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا2. وَمِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ مَالِكٌ، حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ، رَوَاهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَغْمِسَ يده في الإناء عندهم التَّوَهُّمِ، فَأَوْلَى عِنْدَ التَّحْقِيقِ، وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ فَقَالَ: كَيْفَ يَفْعَلُ؟ قَالَ: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا، رَوَاهُ مُسْلِمٌ3 هَكَذَا بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ4 بِسَنَدٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَأَنْ يُغْتَسَلَ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد5. وَابْنُ مَاجَهْ6 كَذَلِكَ، وَلَفْظُهُمَا: لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ، انْتَهَى7. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا"، قُلْت: رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ8 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ مِنْ الْأَرْضِ، وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ، قَالَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهُ، وَأَعَادَهُ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَلَفْظُهُ: لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ9 وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
الشَّيْخَيْنِ، ولم يخرجاه، وأظنه لا خلاف فِيهِ عَلَى أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، انْتَهَى. وَقَدْ أَجَادَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي كِتَابِ الْإِمَامِ جَمْعَ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ وَرِوَايَاتِهِ وَاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ إطَالَةً تَلَخَّصَ مِنْهَا تَضْعِيفُهُ لَهُ1 فَلِذَلِكَ أَضْرَبَ عَنْ ذِكْرِهِ فِي كِتَابِ الْإِلْمَامِ مَعَ شِدَّةِ احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ. وَأَنَا أَذْكُرُ مَا قَالَهُ مُلَخَّصًا مُحَرَّرًا، وَأُبَيِّنُ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ لَفْظًا وَمَعْنًى. أما اضْطِرَابُهُ فِي اللَّفْظِ، فَمِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ. وَالْمَتْنِ، أَمَّا إسْنَادُهُ، فَمِنْ ثَلَاثِ رِوَايَاتٍ: أحدهما رِوَايَةُ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، رَوَاهَا أَبُو دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ زبير بت عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أبيه سئل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَاءِ، وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ، فَقَالَ عليه السلام: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ"، وَرَوَاهُ هَكَذَا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جعفر عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ جَمَاعَةٌ: مِنْهُمْ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَأَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَكِيعِيُّ. وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَأَبُو عبيد بْنُ أَبِي السَّفَرِ. وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَادَةَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَحَاجِبُ بْنُ سُلَيْمَانَ. وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. وَالْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِيُّ الْحَافِظُ2: وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيِّ. وَمُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ الْأَزْرَقِ. وَيَعِيشَ بْنِ الْجَهْمِ. وَغَيْرِهِمْ3 وَتَابَعَهُمْ الشَّافِعِيُّ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، قاله الدارقطني، وذكر ابْنُ مَنْدَهْ أَنَّ أَبَا ثَوْرٍ رَوَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: وَرَوَاهُ مُوسَى بْنُ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ. وَغَيْرِهِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، فَدَلَّ رِوَايَتُهُ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن الْحَارِثِ، وَهُوَ مِنْ الْحِجَازِيِّينَ. وَمِنْ أَبِي أُسَامَةَ، - وَهُوَ كُوفِيٌّ - جَمِيعًا عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْحُفَّاظُ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ. وَمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى التَّرْجِيحِ، فَيُقَالُ: عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: هُوَ الصَّوَابُ4 وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ ثِقَةٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ ثِقَةٌ،
وَالْحَدِيثُ لِمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَشْبَهُ، وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: وَاخْتُلِفَ عَلَى أَبِي أُسَامَةَ، فَرَوَى عَنْهُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ محمد بْنِ جَعْفَرٍ، وَقَالَ: مَرَّةً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، لِأَنَّ عِيسَى بْنَ يُونُسَ، رَوَاهُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُئِلَ، فَذَكَرَهُ، وَأَمَّا الدَّارَقُطْنِيُّ فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، فَقَالَ: وَلَمَّا اُخْتُلِفَ عَلَى أَبِي أُسَامَةَ فِي إسْنَادِهِ أَحْبَبْنَا أَنْ نَعْلَمَ مَنْ أَتَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا شُعَيْبَ بْنَ أَيُّوبَ قَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَصَحَّ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، وَصَحَّ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ كَثِيرٍ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ جَمِيعًا، فَكَانَ أَبُو أُسَامَةَ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَرَّةً يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثُمَّ رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدَانَ الصَّيْدَلَانِيِّ1 عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ محمد بن جعفر بن الزبير، فذكره ثم رواه عن ابن سعدان عن شعيب بن أيوب2 عن أبي اسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْبَيْهَقِيُّ، فَأَخْرَجَ رِوَايَةً عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ قُتَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ. وعثمان ابنا أَبِي شَيْبَةَ بِذِكْرِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، إلى خِلَافِ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِذِكْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَذَكَرَ رِوَايَةً أُخْرَى مِنْ جِهَةِ أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ3 عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَارِثِيِّ، فِيهَا ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَلَى خِلَافِ رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَارِثِيِّ، وَفِيهَا ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَقَصَدَا بِذَلِكَ الدَّلَالَةَ عَلَى صِحَّةِ الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ علي الاسفرائني مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ وَأَنَا سَأَلْته حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُبَشِّرٍ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الماء بمثله، وههنا اخْتِلَافٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الصَّوَابَ فِي الرِّوَايَةِ عُبَيْدُ الله بن عبد اللَّهِ
بْنُ عُمَرَ لَا عَبْدُ اللَّهِ أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوَابٌ، فَكَأَنَّ إسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ، فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ يَقُولُ: غَلِطَ أَبُو أُسَامَةَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إنَّمَا هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا رَوَاهُ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، إلَّا أَنَّ عِيسَى بْنَ يُونُسَ أَرْسَلَهُ، وَرَأَيْت فِي كِتَابِ - إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ الْكِسَائِيّ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ مَوْصُولًا، وَرَوَاهُ عَبَّادُ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ الْوَلِيدِ، وَقَالَ: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ مَوْصُولًا، وَالْحَدِيثُ مُسْنَدٌ فِي الْأَصْلِ، فَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ أَعْنِي الْبَيْهَقِيَّ وَذَكَرَ ابْنُ مَنْدَهْ عَنْ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ مَوْصُولَةً، وَذَكَرَ أَنَّ رِوَايَةَ عِيسَى بْنِ يُونُسَ أَشْبَهُ، لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. وَغَيْرُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: فَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ. وَالْوَلِيدِ بْنِ كثير قال: روى هَذَا الْحَدِيثَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ1 فَهَذَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ وَافَقَ عِيسَى بْنَ يُونُسَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ فِي ذِكْرِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر، وروايتهما وافق رِوَايَةَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. وَغَيْرِهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ فِي ذِكْرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَالْكُوفَةِ. وَالْبَصْرَةِ عَلَى حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَبِاتِّفَاقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ. وَالْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ رِوَايَتِهِمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَعُبَيْدُ اللَّهِ. وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَقْبُولَانِ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي كُتُبِهِمْ، وَكَذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ. وَالْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ، وَعَاصِمُ بْنُ الْمُنْذِرِ يُعْتَبَرُ بِحَدِيثِهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ أَخْرَجَ عَنْهُ مُسْلِمٌ. وَأَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ، وَعَاصِمُ بْنُ الْمُنْذِرِ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ، وَقَالَ شُعْبَةُ: مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ ثِقَةٌ ثِقَةٌ ثِقَةٌ، انْتَهَى. قال الشيخ2: وكان أبا عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ مِنْ جِهَةِ الرُّوَاةِ، وَأَعْرَضَ عَنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ وكثرة الاختلاف فيه وَالِاضْطِرَابِ، وَلَعَلَّ مُسْلِمًا تَرَكَهُ لِذَلِكَ، وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ
عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ عَنْهُمَا جَمِيعًا أَعْنِي عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ كِلَاهُمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ من أهل الرواية، وهذا خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ أَبِي زُرْعَةَ فِيمَا حَكَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حاتم، قال: سألت أبي زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَقُلْت: إنَّهُ يَقُولُ: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ" قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ابْنُ إسْحَاقَ لَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ يُقْضَى لَهُ، قُلْت: مَا حَالُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ؟ فَقَالَ: صَدُوقٌ. الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ هَنَّادٍ1 وَأَبُو دَاوُد2 مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. وَيَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ. وَابْنُ مَاجَهْ3 مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ. وَابْنِ الْمُبَارَكِ كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ. وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ. وَزَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ4 بْنُ محمد عن عَائِشَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَة عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ بِسَنَدِهِ، وَقَالَ فِيهِ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ بِالْفَلَاةِ، وَتَرِدُهُ السِّبَاعُ. وَالْكِلَابُ، فَقَالَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ" رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: كَذَا قَالَ: السِّبَاعُ وَالْكِلَابُ، وَهُوَ غَرِيبٌ، وَكَذَلِكَ قَالَهُ مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ - الْكِلَابُ وَالدَّوَابُّ - إلَّا أَنَّ ابْنَ عَيَّاشٍ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي إسْنَادِهِ، انْتَهَى. وَهَذَا الِاخْتِلَافُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ ابْنِ عَيَّاشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبٍ السُّلَمِيُّ عَنْ ابْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْقَلِيبِ يُلْقَى فِيهِ الْجِيَفُ، وَيَشْرَبُ مِنْهُ الْكِلَابُ وَالدَّوَابُّ، قَالَ: "مَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ" رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَلَمَةَ اللَّبَقِيِّ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَرَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ سِقْلَابٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: رِوَايَةُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَاخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهَا وَمَتْنِهَا، أَمَّا الْإِسْنَادُ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يُنَجَّسُ"، وَخَالَفَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، فَرَوَاهُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْقُوفًا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا أَيْضًا. وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي اللَّفْظِ، فَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ رَوَاهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى يَزِيدَ، فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّبَّاحُ عَنْهُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: دَخَلْت مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بُسْتَانًا فِيهِ مِقْرَاةُ مَاءٍ1 فيه جلد بعبر مَيِّتٍ، فَتَوَضَّأَ فِيهِ، فَقُلْت لَهُ: أَتَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَفِيهِ جِلْدُ بَعِيرٍ مَيِّتٍ؟ فَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ" أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَرَوَاهُ أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِيُّ عَنْ يَزِيدَ، فَلَمْ يَقُلْ: أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ. وَهُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ. وَكَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالُوا فِيهِ: إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَرِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَجَّاجِ. وَهُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَمَّادٍ بِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي مُسْتَدْرَكِهِ2 قَالَ: إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَرَوَاهُ عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ. وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ حَمَّادٍ لَمْ يَقُولُوا فِيهِ: أَوْ ثَلَاثًا، انْتَهَى، قُلْت: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِسَنَدِهِ، وَقَالَ: إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3، ثُمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ، بَعْدَ تَخْرِيجِ مَا ذُكِرَ مِنْ الرِّوَايَاتِ: وَرَوَاهُ عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ. وَيَعْقُوبُ بْنُ إسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ. وَبِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ. وَالْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَكِّيُّ. وَمُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ. وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْعَيْشِيُّ4 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالُوا فِيهِ: إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجَّسْ، وَلَمْ يَقُولُوا: أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَخْرَجَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ طَرِيقَانِ آخَرَانِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ"، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ. وَالثَّانِي: رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيِّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَلَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ" أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْفَارِسِيِّ عَنْهُ، وَقَالَ: رَفَعَهُ هَذَا الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ زَائِدَةَ، وَرَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَائِدَةَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، ثُمَّ خَرَّجَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الِاضْطِرَابُ فِي مَتْنِهِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً فَإِنَّهُ لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَذَا رَوَاهُ الْقَاسِمُ الْعُمَرِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، وَوَهَمَ فِي إسْنَادِهِ، وَكَانَ ضَعِيفًا كَثِيرَ الْخَطَأِ، وَخَالَفَهُ رَوْحُ بْنُ القاسم. وسفيان الثوري. وعمر بْنُ رَاشِدٍ رَوَوْهُ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ1 مَوْقُوفًا، ورواه أيوب السخيتنايي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ مِنْ قَوْلِهِ: لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ، ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ جِهَةِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً لَمْ يُنَجَّسْ، ثُمَّ أَخْرَجَ رِوَايَةَ سُفْيَانَ مِنْ جِهَةِ وَكِيعٍ. وَأَبِي نُعَيْمٍ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَقَالَ: إذَا كَانَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ، وَأَخْرَجَ رِوَايَةَ مَعْمَرٍ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْهُ2 وَأَخْرَجَ رِوَايَةَ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: إذَا بلغ الماءء أَرْبَعِينَ قُلَّةً لَمْ يُنَجَّسْ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ بِشْرِ بْنِ السَّرِيِّ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عبد الرحمن عن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إذَا كَانَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَذَا قَالَ، وَخَالَفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، رَوَوْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالُوا: أَرْبَعِينَ غَرْبًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَرْبَعِينَ دَلْوًا، وَسُلَيْمَانُ بْنُ سِنَانٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ. وَأَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ. وَأَمَّا الِاضْطِرَابُ فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ: إنَّ الْقُلَّةَ - اسْمٌ مُشْتَرَكٌ - يُطْلَقُ عَلَى الْجَرَّةِ. وَعَلَى الْقِرْبَةِ. وَعَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ3 فِي تَفْسِيرِهَا حَدِيثًا، فَقَالَ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِإِسْنَادٍ لَا يَحْضُرُنِي ذِكْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا"، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: بِقِلَالِ هَجَرَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَدْ رَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ، فَالْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ، أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا، قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَجْعَلَ الْقُلَّةَ قِرْبَتَيْنِ وَنِصْفًا، فَإِذَا كَانَ الْمَاءُ خَمْسَ قِرَبٍ كِبَارٍ، كَقِرَبِ الْحِجَازِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا، إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِي الْمَاءِ رِيحٌ أَوْ طَعْمٌ أَوْ لَوْنٌ، انْتَهَى. وَهَذَا فِيهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ سَنَدَهُ مُنْقَطِعٌ، وَمَنْ لَا يَحْضُرُهُ مَجْهُولٌ فَلَا يَقُومُ بِهَذَا الْحُجَّةُ عِنْدَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: بِقِلَالِ هَجَرَ يُوهِمُ أَنَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ النَّيْسَابُورِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ ابْنِ جريح، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، فَذَكَرَهُ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى1: قُلْت لِيَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ: أَيُّ قِلَالٍ؟ قَالَ: قِلَالُ هَجَرَ، قَالَ مُحَمَّدٌ: فَرَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ، فَأَظُنُّ كُلَّ قُلَّةٍ تَسَعُ قِرَبًا2، قَالَ: وَإِسْنَادُ الْأَوَّلِ أَحْفَظُ3، فَهَذَانِ الْوَجْهَانِ لَيْسَ فيهما رفع هذا الْكَلِمَةِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ كَانَ مُرْسَلًا، فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ عُقَيْلٍ لَيْسَ بِصَحَابِيٍّ، ثُمَّ الطَّرِيقُ الَّتِي ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ إسْنَادَهَا أَحْفَظُ يَقُولُ فِيهَا: فَأَظُنُّ أَنَّ كُلَّ قُلَّةٍ تَحْمِلُ قِرْبَتَيْنِ، والقربة تسع عَشَرَ رِطْلًا، فَيَكُونُ مَجْمُوعُ الْقُلَّتَيْنِ أَرْبَعَةً وَسِتِّينَ رِطْلًا، وَهَذَا لَا يَقُولُ بِهِ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى - كُلَّ قُلَّةٍ قِرْبَتَيْنِ - يَقْتَضِي أَنَّ الْقُلَّتَيْنِ أَرْبَعُ قِرَبٍ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سِقْلَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ" وَالْقُلَّةُ: أَرْبَعُ آصُعٍ، قَالَ: وَالْمُغِيرَةُ تَرَكَ طَرِيقَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ: عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَكَانَ هَذَا أَسْهَلَ عَلَيْهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ يَرْوِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ" وَيُذْكَرُ أَنَّهُمَا فَرْقَانِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: قَوْلُهُ فِي مَتْنِهِ: مِنْ قِلَالِ هَجَرَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، لَا يُذْكَرُ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ مُغِيرَةَ هَذَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ، قَالَ: وَمُغِيرَةُ بْنُ سِقْلَابٍ يُكَنَّى أَبَا بِشْرٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى أَبِي جَعْفَرِ بْنِ نُفَيْلٍ، قَالَ: الْمُغِيرَةُ بْنُ سِقْلَابٍ لَمْ يَكُنْ مُؤْتَمَنًا عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَعَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، فَهَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَ فِيهِ قِلَالَ هَجَرَ، وَذَكَرَ أَنَّهُمَا فَرْقَانِ، وَهَذَا لَا يَقُولُ بِهِ مَنْ حَزَرَهُمَا4 بِخَمْسِمِائَةِ رِطْلٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ5 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَ: القلال: الجواني الْعِظَامُ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا6 مِنْ جِهَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ سمعت هشيماً، يَقُولُ: الْقُلَّتَانِ: هُمَا الْجَرَّتَانِ الْكَبِيرَتَانِ، وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ:
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ. وَأَصْحَابُهُ: الْقُلَّةُ مَا تقلد الْيَدُ أَيْ تَرْفَعُهُ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ1 مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ إسْحَاقَ عَنْ الْقُلَّتَيْنِ، فَقَالَ: هِيَ الْجِرَارُ الَّتِي يُسْتَقَى فِيهَا الْمَاءُ. وَالدَّوَارِيقُ، وَأَخْرَجَ عَنْ وَكِيعٍ، قَالَ: هِيَ الْجَرَّةُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ: وَقِلَالُ هَجَرَ كَانَتْ مَشْهُورَةً عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَلِشُهْرَتِهَا عِنْدَهُمْ شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَى لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مِنْ نَبْقِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى بِقِلَالِ هَجَرَ، فَقَالَ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ: رُفِعْت إلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ قَالَ: وَاعْتِذَارُ الطَّحَاوِيِّ2 فِي تَرْكِ الْحَدِيثِ أَصْلًا، بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ الْقُلَّتَيْنِ، لَا يَكُونُ عُذْرًا عِنْدَ مَنْ عَلِمَهُ، وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْقَوْلِ بِبَعْضِ الْحَدِيثِ بِالْإِجْمَاعِ لَا يُوجِبُ تَرْكَهُ فِيمَا لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهِ، وَتَوْقِيتُهُ بِالْقُلَّتَيْنِ لِمَنْعِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي عَلَى أَصْلِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ3. الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ، تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ، رَوَاهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْغَمْسِ فِي الْإِنَاءِ عِنْدَ التَّوَهُّمِ، فَأَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ عِنْدَ التَّحَقُّقِ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ"، قُلْت: رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَبُو دَاوُد4. وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ"، انْتَهَى. وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ5 مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ، وَفِي لَفْظٍ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ، وَفِي لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ: ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ، وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي السَّائِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا يَغْتَسِلَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي
لَا يَجْرِي1 وَهُوَ جُنُبٌ"، فَقَالَ: كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: "لَا يَبُولَنَّ2 أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ"، انْتَهَى. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَأَنْ يُغْتَسَلَ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ، انْتَهَى. وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ فِي عَزْوِهِ هَذَا الْحَدِيثَ لِمُسْلِمٍ عَنْ طَلْحَةَ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرُوِيَ بَعْضُهُ عَنْ جَابِرٍ، وَلَمْ يُخَرِّجْ مُسْلِمٌ لِطَلْحَةَ فِي كِتَابِهِ إلَّا خَمْسَةَ أَحَادِيثَ، لَيْسَ هَذَا مِنْهَا: فَأَوَّلُهَا حَدِيثُ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ أَخْرَجَهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَشَارَكَهُ فِيهِ الْبُخَارِيُّ، ثُمَّ حَدِيثُ الصَّلَاةُ إلَى مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ أَخْرَجَهُ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ حَدِيثُ أُهْدِيَ لَنَا طَيْرٌ وَنَحْنُ حُرُمٌ أَخْرَجَهُ فِي الْحَجِّ ثُمَّ حَدِيثُ لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ طَلْحَةَ وَسَعْدٍ وَحَدِيثُ3 مَرَرْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوم على رؤوس النَّخْلِ أَخْرَجَهُمَا فِي الْفَضَائِلِ فَالْمُقَلِّدُ ذَهِلَ، وَالْمُقَلَّدُ جَهِلَ. قَوْلُهُ: وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ، وَرَدَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ، وماءُها كَانَ جَارِيًا بَيْنَ الْبَسَاتِينِ، قُلْت: يُرِيدُ بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ حَدِيثَ الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَوُرُودُهُ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ تُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ. وَلُحُومُ الْكِلَابِ. وَالنَّتْنُ؟ فَقَالَ عليه السلام: "إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَضَعَّفَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: إنَّ فِي إسْنَادِهِ اخْتِلَافًا، فَقَوْمٌ يَقُولُونَ4: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، وَقَوْمٌ يَقُولُونَ5: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ6: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ7: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ: فَيَحْصُلُ فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ، وَكَيْفَمَا كَانَ فَهُوَ لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ، وَلَا عَيْنٌ، وَلَهُ إسْنَادٌ صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَةِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ8: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثَنَا أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ أَبِي سُكَيْنَةَ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك تَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَفِيهَا
مَا يُنَجِّي النَّاسُ. وَالْمَحَايِضُ. وَالْخَبَثُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ" قَالَ قَاسِمٌ: هَذَا أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ1 مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي بَابِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ لَا يُنَجَّسُ بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِ وَأَطَالَ فِيهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ2 عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ أُمِّهِ3 قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي نِسْوَةٍ، فَقَالَ: لَوْ أَنِّي أَسْقِيكُمْ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ لَكَرِهْتُمْ ذَلِكَ، وَقَدْ وَاَللَّهِ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِيِّ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ مَوْصُولٌ انْتَهَى. وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكِتَابِ: إنَّ مَاءَهَا كَانَ جَارِيًا بَيْنَ الْبَسَاتِينِ هَذَا، رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ الْوَاقِدِيِّ، فَقَالَ:: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الثَّلْجِيِّ عَنْ الْوَاقِدِيِّ، قَالَ: كَانَتْ بِئْرُ بُضَاعَةَ طَرِيقًا لِلْمَاءِ إلَى الْبَسَاتِينِ، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ ضَعِيفٌ. وَمُرْسَلٌ، وَمَدْلُولُهُ عَلَى جَرَيَانِهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ4 أَنَّ بِئْرَ بُضَاعَةَ كَانَ مَاؤُهَا جَارِيًا لَا يَسْتَقِرُّ، وَأَنَّهَا كَانَتْ طَرِيقًا إلَى الْبَسَاتِينِ، وَنَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْوَاقِدِيِّ، وَالْوَاقِدِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِمَا يُسْنِدُهُ، فَضْلًا عَمَّا يُرْسِلُهُ، وَحَالُ بِئْرِ بُضَاعَةَ مَشْهُورٌ بَيْنَ أَهْلِ الْحِجَازِ، بِخِلَافِ مَا حَكَاهُ، انْتَهَى. وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكِتَابِ: وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد، هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ أَبَا دَاوُد رَوَى حَدِيثَ الْقُلَّتَيْنِ وَسَكَتَ عَنْهُ، فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ عَلَى عَادَتِهِ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِكَلَامٍ دَلَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ لَهُ، وَتَضْعِيفِهِ لِمَذْهَبِ مُخَالِفِهِ، فَقَالَ: قَالَ قُتَيْبَةُ بن سعيد: سألت: - فيم بِئْرِ بُضَاعَةَ - عَنْ عُمْقِهَا؟ فَقَالَ: أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِيهَا الْمَاءُ إلَى الْعَانَةِ، فَإِذَا نَقَصَ كَانَ إلَى الْعَوْرَةِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: ومددت ردائي عليهما، ثُمَّ ذَرَعْته، فَإِذَا عَرْضُهَا سِتَّةُ أَذْرُعٍ، وَسَأَلْت الَّذِي فتح باب البساتين هَلْ غُيِّرَ بِنَاؤُهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: لَا، ورأيت فيها ماءاً مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ، انْتَهَى. وَجَهِلَ من عزى حَدِيثَ بِئْرِ بُضَاعَةَ لِابْنِ مَاجَهْ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هُوَ الْحَلَالُ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ"،
قُلْت: يَعْنِي فِيمَا وَقَعَ فِيهِ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فَمَاتَ فِيهِ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيُّ عَنْ بِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا سَلْمَانُ كُلُّ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَقَعَتْ فِيهِ دَابَّةٌ لَيْسَ لَهَا دَمٌ فَمَاتَتْ فِيهِ فَهُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَوُضُوءُهُ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ بَقِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ2، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَعَلَّهُ بِسَعِيدٍ هَذَا، وَقَالَ: هُوَ شَيْخٌ مَجْهُولٌ، وَحَدِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ3 مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شرب أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ، ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي إحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً" انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عليه السلام لَا يَأْمُرُ بِغَمْسِ مَا يُنَجِّسُ مَا مَاتَ فِيهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ عَمْدُ إفْسَادِهِ. انْتَهَى. وَزَادَ فِيهِ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: وَأَنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى النَّسَائِيّ. وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا4 مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ الْقَارِظِيِّ5 عَنْ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فِي إحْدَى جَنَاحَيْ الذُّبَابِ سُمٌّ وَالْآخَرِ شِفَاءٌ،، فَإِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ فَامْقُلُوهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ، وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَسَعِيدٌ هَذَا ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَدَنِيٌّ يُحْتَجُّ بِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ. حَدِيثُ "لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ" تَقَدَّمَ قَرِيبًا. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ" قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ6 فِي كِتَابِ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، فَسَّرَهُ النَّضْرُ بْن شُمَيْلٍ، وَقَالَ: إنَّمَا يُقَالُ: إهَابٌ لِجِلْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، انْتَهَى7. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ
وَعْلَةَ1 سَوَاءً وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالْمِائَةِ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ2. وَالشَّافِعِيُّ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ وَعْلَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكَمٍ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا رَوَيْنَاهُ كَذَلِكَ، لِئَلَّا يَقُولَ جَاهِلٌ: إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ عَزَوْا هَذَا الْحَدِيثَ فِي كُتُبِهِمْ إلَى مُسْلِمٍ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَمِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَإِنَّمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ: إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ، وَاعْتَذَرَ عَنْهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ3 فَقَالَ: وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَعَ لَهُ مِثْلٌ فِي كِتَابِهِ كَثِيرًا، وَيُرِيدُ بِهِ أَصْلَ الْحَدِيثِ لَا كُلَّ لَفْظَةٍ مِنْهُ، قَالَ: وَذَلِكَ عِنْدَنَا مَعِيبٌ جِدًّا إذَا قَصَدَ الِاحْتِجَاجَ بِلَفْظَةٍ مُعَيَّنَةٍ، لِأَنَّ فيه إيهام أَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مَعَ أَنَّ الْمُحَدِّثِينَ أَعْذَرُ فِي هَذَا مِنْ الفقهاء لأن مقصود الحدثين الْإِسْنَادُ وَمَعْرِفَةُ الْمُخَرِّجِ، وَعَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ أَلَّفُوا كُتُبَ الْأَطْرَافِ، فَأَمَّا الْفَقِيهُ الَّذِي يَخْتَلِفُ نَظَرُهُ بِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْتَجَّ بِأَحَدِ الْمُخَرِّجِينَ، إلَّا إذَا كَانَتْ اللَّفْظَةُ فِيهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الباب، روى الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تُصُدِّقَ عَلَى مَوْلَاةٍ لِمَيْمُونَةَ بِشَاةٍ فَمَاتَتْ، فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ؟ " فَقَالُوا: إنَّهَا مَيْتَةٌ، قَالَ: "إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4 فِي الذَّبَائِحِ وَمُسْلِمٌ فِي الطَّهَارَةِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَزَادَا: وَلَيْسَ فِي الْمَاءِ وَالْقَرْظِ مَا يُطَهِّرُهَا، وَفِي لَفْظٍ قَالَ: "إنَّمَا حَرُمَ عَلَيْكُمْ لَحْمُهَا، وَرُخِّصَ
لَكُمْ فِي مَسْكِهَا"، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: إنَّ دِبَاغَهُ طَهُورُهُ، أخرج هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْأَسَانِيدُ كُلُّهَا صِحَاحٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الْبُخَارِيُّ1 فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مِنْ حَدِيثِ سَوْدَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ فَدَبَغْنَا مَسْكَهَا، ثُمَّ مَا زِلْنَا نَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَ شَنًّا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْخَيْرِ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى ابْنِ وَعْلَةَ فَرْوًا فَمَسِسْتُهُ، فَقَالَ: مَا لَك تَمَسُّهُ؟ قَدْ سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقُلْت: إنَّا نَكُونُ بِالْمَغْرِبِ وَمَعَنَا الْبَرْبَرُ وَالْمَجُوسُ نُؤْتَى بِالْكَبْشِ قَدْ ذَبَحُوهُ، وَنَحْنُ لَا نَأْكُلُ ذبائحهم، ويؤتى بِالسِّقَاءِ يَجْعَلُونَ فِيهِ الْمَاءَ وَالْوَدَكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ سَأَلْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "دِبَاغُهُ طَهُورُهُ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ2 مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَخِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ سِقَاءٍ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ مَيْتَةٌ، فَقَالَ: "دِبَاغُهُ يُزِيلُ خَبَثَهُ". أَوْ نَجَسَهُ. أَوْ رِجْسَهُ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ3، وَقَالَ: هُوَ صَحِيحٌ. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ4 فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دِبَاغُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ طَهُورُهَا"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أخرج أَبُو دَاوُد5. وَالنَّسَائِيُّ6. وَابْنُ مَاجَهْ7. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أُمِّهِ8 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَأَعَلَّهُ الْأَثْرَمُ بِأَنَّ أُمَّ مُحَمَّدٍ9 غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ، وَلَا يُعْرَفُ لِمُحَمَّدٍ عَنْهَا غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: وَمَنْ هِيَ أُمُّهُ؟! كَأَنَّهُ أَنْكَرَهُ مِنْ أَجْلِ أُمِّهِ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَوْنِ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ سَلَمَةَ بن المحيق أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ دَعَا بِمَاءٍ مِنْ عِنْدِ امْرَأَةٍ، قَالَتْ: مَا عِنْدِي إلَّا فِي قِرْبَةٍ لِي مَيْتَةٍ، قَالَ: "أَلَيْسَ قَدْ دَبَغْتهَا؟ " قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: "فَإِنَّ دِبَاغَهَا طَهُورُهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَأَحْمَدُ
فِي مُسْنَدِهِ1 قَالَ: فِي الْإِمَامِ: وَأَعَلَّهُ الْأَثْرَمُ بِجَوْنٍ، وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَدْرِي مَنْ هُوَ الْجَوْنُ بْنُ قَتَادَةَ2، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ لِجَوْنِ بْنِ قَتَادَةَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا طَهُورُ كُلِّ أَدِيمٍ دِبَاغُهُ، انْتَهَى. وَقَالَا: إسْنَادٌ حَسَنٌ، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَمْتِعُوا بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا هِيَ دُبِغَتْ، تُرَابًا كَانَ أَوْ رَمَادًا أَوْ مِلْحًا أَوْ مَا كَانَ بَعْدَ أَنْ يَزِيدَ صَلَاحُهُ"، انْتَهَى. وَمَعْرُوفُ بْنُ حَسَّانَ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَجْهُولٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: إنَّمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَيْتَةِ لَحْمَهَا، فَأَمَّا الْجِلْدُ. وَالشَّعْرُ. وَالصُّوفُ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَبْدُ الْجَبَّارِ ضَعِيفٌ، قُلْت: ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ بِهَذَا الْحَدِيثِ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ5 عَنْ يُوسُفَ بْنِ السَّفَرِ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْت أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا بَأْسَ بِمَسْكِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ، وَلَا بَأْسَ بِصُوفِهَا وَشَعْرِهَا وَقُرُونِهَا إذَا غُسِلَ بِالْمَاءِ"، انْتَهَى. قَالَ: وَيُوسُفُ مَتْرُوكٌ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ غَيْرُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ6 أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ ثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال: سمعت رسل اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْمَيْتَةِ حَلَالٌ إلَّا مَا أُكِلَ مِنْهَا، فَأَمَّا الْجِلْدُ. وَالْقَرْنُ. وَالشَّعْرُ. وَالصُّوفُ. وَالسِّنُّ. وَالْعَظْمُ، فَكُلُّهُ حَلَالٌ لِأَنَّهُ لَا يُذَكَّى، انْتَهَى. قَالَ: وَأَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ مَتْرُوكٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى شَاةٍ، فَقَالَ: "مَا هَذِهِ؟ " قَالُوا: مَيْتَةٌ، قَالَ: "ادْبَغُوا إهَابَهَا، فَإِنَّ دِبَاغَهَا طَهُورُهُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: الْقَاسِمُ ضَعِيفٌ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: دباغ الجلود الْمَيْتَةِ طَهُورُهَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ2 وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَاتَتْ شَاةٌ لِمَيْمُونَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟ " فَإِنَّ دِبَاغَ الْأَدِيمِ طَهُورُهُ، انْتَهَى. وَيَعْقُوبُ هَذَا هُوَ ابْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِيهِ مَقَالٌ: قَالَ أَحْمَدُ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو زُرْعَةَ: ضَعِيفٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ. حَدِيثٌ آخَرُ 3 أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ فَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا كَانَتْ لَهَا شَاةٌ تَحْلُبُهَا فَفَقَدَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَا فَعَلَتْ الشَّاةُ؟ " قَالُوا: مَاتَتْ، قَالَ: "أَفَلَا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟ " فَقُلْنَا: إنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ عليه السلام: "إنَّ دِبَاغَهَا يُحِلُّ كَمَا يُحِلُّ خَلُّ الْخَمْرِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. حَدِيثٌ آخَرُ فِي الْعَظْمِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4. وَأَحْمَدُ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ الشَّامِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ الْمُنَبِّهِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "اشْتَرِ لِفَاطِمَةَ قِلَادَةً مِنْ عَصَبٍ وَسِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَحُمَيْدَ. وَسُلَيْمَانُ غَيْرُ مَعْرُوفَيْنِ، وَالْعَاجُ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: لَيْسَ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ، ذَاكَ مَيْتَةٌ، وَإِنَّمَا الْعَاجُ الذَّبْلُ، قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ وَحُمَيْدَ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَقَالَ: إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ غَيْرَهُ، وروي عن حميد بن أبي حُمَيْدٍ سَالِمٌ الْمُرَادِيُّ، وَصَالِحُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، وَغَيْلَانُ بْنُ جَامِعٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، وَأَمَّا سُلَيْمَانُ الْمُنَبِّهِيُّ، فَيُقَالُ: إنَّهُ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ5 عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَشِطُ بِمُشْطٍ مِنْ عَاجٍ، انْتَهَى. قَالَ: رِوَايَةُ بَقِيَّةَ شُيُوخِهِ الْمَجْهُولِينَ
ضَعِيفَةٌ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْعَاجُ الذَّبْلُ، وَهُوَ ظَهْرُ السُّلَحْفَاةِ الْبَحْرِيَّةِ، وَأَمَّا الْعَاجُ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ عَظْمُ أَنْيَابِ الْفِيَلَةِ، فَهُوَ مَيْتَةٌ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِيهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَوْهَمَ بِقَوْلِهِ، عَنْ شُيُوخِهِ الْمَجْهُولِينَ: إنَّ الْوَاسِطِيَّ مَجْهُولٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَوْهَمَ بِقَوْلِهِ: الَّذِي يَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، قال: ابن مندة فِي الْمُحْكَمِ: الْعَاجُ أَنْيَابُ الْفِيَلَةِ، وَلَا يُسَمَّى غَيْرُ النَّابِ عَاجًا، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: العاج عظم الفيل، الواحدة عَاجَةٌ. الْحَدِيثُ الْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ النَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ الِانْتِفَاعِ مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ، قُلْت: رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ: أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ، وَلَا عَصَبٍ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الذَّبَائِحِ، وَالْبَاقُونَ فِي اللِّبَاسِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُ، قَالَ: وَسَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ2 قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرَيْنِ، وَيَقُولُ: كَانَ هَذَا آخِرَ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ تَرَكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا الْحَدِيثَ لَمَّا اضْطَرَبُوا فِي إسْنَادِهِ، انْتَهَى. رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالْمِائَةِ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ بِأَرْضِ جُهَيْنَةَ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ، انْتَهَى. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ3 ثَنَا مَشْيَخَةٌ لَنَا مِنْ جُهَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَيْهِمْ أَنْ لَا تَسْتَمْتِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ، انْتَهَى. قَالَ: وَهَذَا رُبَّمَا أَوْهَمَ عَالِمًا، أَنَّ الْخَبَرَ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ4 وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الصَّحَابِيَّ قَدْ يَسْمَعُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ثُمَّ يَسْمَعُهُ مِنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ، فمرة يخبر به النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَرَّةً يَرْوِيهِ عَنْ الصَّحَابِيِّ، أَلَا يُرَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ شَهِدَ سُؤَالَ جبرئيل، - عَنْ الْإِيمَانِ - رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعَهُ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَمَرَّةً أَخْبَرَ بِمَا شَاهَدَ، وَمَرَّةً رَوَى عَنْ أَبِيهِ مَا سَمِعَ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ عُكَيْمٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي الْخَبَرِ انْقِطَاعٌ، قَالَ: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ أَيْ قَبْلَ الدِّبَاغِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي
مُسْنَدِهِ1 وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ2 وَعِنْدَ أَحْمَدَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ بشهرين، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَجَاءَ فِي لَفْظٍ آخَرَ: قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَجَاءَ عَنْ ابْنِ عُكَيْمٍ: ثَنَا مَشْيَخَةٌ لَنَا مِنْ جُهَيْنَةَ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ ثِقَاتِ النَّاسِ عَنْ ابْنِ عُكَيْمٍ: أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَيْهِمْ، يُرِيدُ تَعْلِيلَ الْحَدِيثِ بِذَلِكَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا قَبْلَ الدَّبْغِ بِدَلِيلِ مَا هو أوضح مِنْهُ، فَذَكَرَ حَدِيثَ شَاةِ مَيْمُونَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في معجمه الوسط وَلَفْظُهُ: قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي أَرْضِ جُهَيْنَةَ إنِّي كُنْت رَخَّصْت لَكُمْ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِجِلْدٍ وَلَا عَصَبٍ وَفِي سَنَدِهِ فَضَالَةُ بْنُ مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ الْمِصْرِيُّ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ3: لَمْ يَكُنْ بِأَهْلٍ أَنْ نَكْتُبَ عَنْهُ الْعِلْمَ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَاَلَّذِي يُعَلَّلُ بِهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ، الِاخْتِلَافُ، فَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي ليلى، وعن الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ جِهَةِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ4 أَنَّهُ انْطَلَقَ هُوَ وَنَاسٌ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ، قَالَ: فَدَخَلُوا وَقَعَدْت عَلَى الْبَابِ، فَخَرَجُوا إلَيَّ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ، الْحَدِيثَ، قَالَ: فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ النَّاسِ الدَّاخِلِينَ عَلَيْهِ، وَهُمْ مَجْهُولُونَ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: إنَّمَا يُسَمَّى إهَابًا مَا لَمْ يُدْبَغْ، فَإِذَا دُبِغَ سُمِّيَ شَنًّا وَقِرْبَةً، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَحَدِيثُ ابْنِ عُكَيْمٍ أُعِلَّ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا: الِاضْطِرَابُ فِي سَنَدِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَالثَّانِي: الِاضْطِرَابُ فِي مَتْنِهِ، فَرُوِيَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَرُوِيَ بِشَهْرَيْنِ، وَرُوِيَ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَالثَّالِثُ: الِاخْتِلَافُ فِي صُحْبَتِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ. وَغَيْرُهُ: لَا صُحْبَةَ لَهُ، فَهُوَ مُرْسَلٌ، انْتَهَى. قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ5: وَحَكَى الْخَلَّالُ فِي كِتَابِهِ: أَنَّ أَحْمَدَ تَوَقَّفَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ، لَمَّا رَأَى تَزَلْزُلَ الرُّوَاةِ فِيهِ، وَقِيلَ: إنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ، قَالَ: وَطَرِيقُ الْإِنْصَافِ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُكَيْمٍ ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ فِي النَّسْخِ6 وَلَكِنَّهُ كَثِيرُ الِاضْطِرَابِ، وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمَاعٌ وَحَدِيثَ ابْنِ عُكَيْمٍ كِتَابٌ وَالْكِتَابُ. وَالْوِجَادَةُ. وَالْمُنَاوَلَةُ كُلُّهَا مَرْجُوحَاتٌ
لِمَا فِيهَا مِنْ شَبَهِ الِانْقِطَاعِ بِعَدَمِ الْمُشَافَهَةِ. وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ لَا يُقَاوِمُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصِّحَّةِ، وَمِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ أَنْ يَكُون أَصَحَّ سَنَدًا، وَأَقْوَمَ قَاعِدَةً مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِ التَّرْجِيحِ، عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَغَيْرُ خَافٍ عَلَى مَنْ صِنَاعَتُهُ الْحَدِيثُ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُكَيْمٍ لَا يُوَازِي حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ جِهَاتِ التَّرْجِيحِ، فَضْلًا عَنْ جَمِيعِهَا، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَحَادِيثُ الْبَابِ، رَوَى أَبُو دَاوُد1. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ، زَادَ التِّرْمِذِيُّ: أَنْ تُفْتَرَشَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي مُسْنَدِهِ2 عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ"، انْتَهَى. وَزَمْعَةُ فِيهِ مَقَالٌ. حَدِيثٌ آخَرُ فِي الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ، رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابن عمر، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ادْفِنُوا الشَّعْرَ. وَالدَّمَ. وَالْأَظْفَارَ، فَإِنَّهَا مَيْتَةٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَالَ: لَهُ أَحَادِيثُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ3 وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ دَفْنِ الشَّعْرِ. وَالْأَظْفَارِ مِنْ أَوْجُهٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، انْتَهَى.
فصل في البئر
فَصْلٌ فِي الْبِئْرِ الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ الْأَمْرِ بِتَطْهِيرِ الْمَسَاجِدِ، قُلْتُ: فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ4، وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَأَحْمَدُ عَنْ عامر بن صالح
الزُّبَيْرِيِّ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدَةَ، وَوَكِيعٍ. وَسُفْيَانَ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - مُرْسَلًا - قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ الْأَوَّلِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ مَالِكِ بْنِ سُعَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ بِهِ مُسْنَدًا، وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْر عَنْ هِشَامٍ بِهِ مُسْنَدًا، وَعَنْ عَامِرِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَعَنْ زَائِدَةَ عَنْ هِشَامٍ بِهِ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُعْلَمُ أَسْنَدَهُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ، وَغَيْرُهُمْ يَرْوِيهِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا، انْتَهَى. قُلْتُ: فَإِنَّهُ حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ سُعَيْرٍ - كَمَا تَقَدَّمَ - عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، وَلَهُ عُذْرُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ حَبِيبِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ سَمُرَةَ أَنَّهُ كتب إذا بَنِيهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَصْنَعَ الْمَسَاجِدَ فِي دُورِنَا وَنُصْلِحَ صَنْعَتَهَا وَنُطَهِّرَهَا، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ. حَدِيثٌ فِي اقْتِنَاءِ الْحَمَامِ فِي الْمَسَاجِدِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ1 مِنْ حَدِيثِ عُوَيْنِ بْنِ عَمْرٍو الْقَيْسِيِّ، قَالَ: سمعت أبا مصعب القيسي، قَالَ: أَدْرَكْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ. وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ. وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فَسَمِعْتُهُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَمَرَ اللَّهُ شَجَرَةً لَيْلَةَ الْغَارِ فَنَبَتَتْ فِي وَجْهِي، وَأَمَرَ اللَّهُ الْعَنْكَبُوتَ فَنَسَجَتْ فَسَتَرَنِي، وَأَمَرَ اللَّهُ حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ فَوَقَفَتَا بِفَمِ الْغَارِ"، وَأَقْبَلَ فَتَيَانِ مِنْ قُرَيْشٍ بِعِصِيِّهِمْ وَهِرَاوَاتِهِمْ وَسُيُوفِهِمْ حَتَّى إذَا كَانُوا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْرَ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا تَعَجَّلَ بَعْضُهُمْ يَنْظُرُ فِي الْغَارِ، فَرَأَى حَمَامَتَيْنِ بِفَمِ الْغَارِ، فَرَجَعَ إلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا: مَا لَكَ لَمْ تَنْظُرْ فِي الْغَارِ؟ قَالَ: رَأَيْتُ بِفَمِهِ حَمَامَتَيْنِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ، فَعَرَفَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ دَرَأَ عَنْهُ بِهِمَا فَدَعَا لَهُمَا، وَسَمَّتَ عَلَيْهِنَّ، وَأُقْرِرْنَ فِي الْحَرَمِ، وَفَرَضَ جَزَاءَهُنَّ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا يُعْلَمُ رَوَاهُ إلَّا عُوَيْنُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُوَ بَصْرِيٌّ مَشْهُورٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي ضعفاءه فَأَعَلَّهُ بِعُوَيْنٍ، وَيُقَالُ: عَوْنٌ2، قَالَ: وَلَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَأَبُو مُصْعَبٍ مَجْهُولٌ انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ الْعُرَنِيِّينَ بِشُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا. قُلْتُ: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ اجْتَوُوا الْمَدِينَةَ، فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتُوا إبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَّرَ أَعْيُنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ
بِالْحَرَّةِ يَعَضُّونَ الْحِجَارَةَ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ فِي الصَّلَاةِ1 عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَعَجَبٌ مِنْ الشَّيْخِ زَكِيِّ الدِّينِ الْمُنْذِرِيِّ، كَيْفَ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، تَعْلِيقًا مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَالْبُخَارِيُّ رَوَاهُ مُتَّصِلًا، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْحُدُودِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الطَّهَارَةِ2 وَالنَّسَائِيُّ فِي تَحْرِيمِ الدَّمِ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيِّ. وَالنَّسَائِيُّ: وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْجَرْمِيِّ عَنْ أَنَسٍ، وَالْبُخَارِيُّ فِي الطَّهَارَةِ وَلَفْظُهُ: فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ، وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، وَمُسْلِمٌ فِي الْحُدُودِ، وَقَالَ فِيهِ: وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا. أَحَادِيثُ الْبَابِ - حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3. وَمُسْلِمٌ4 عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي حَدِيثِ أَبِي جَهْلٍ حِينَ وَضَعَ عَلَى ظَهْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَا جذور، وَهُوَ سَاجِدٌ، وَاسْتَمَرَّ سَاجِدًا حَتَّى جَاءَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ5 عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: خَرَجْنَا إلَى تَبُوكَ فِي قَيْظٍ شَدِيدٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا أَصَابَنَا فِيهِ عَطَشٌ شَدِيدٌ، حَتَّى أَنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَنْحَرَ بَعِيرَهُ فَيَعْصِرَ فَرْثَهُ فَيَشْرَبَهُ، وَيَجْعَلَ مَا بَقِيَ عَلَى كَبِدِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ عَوَّدَكَ فِي الدُّعَاءِ خَيْرًا، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، قَالَ: "أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، وَدَعَا، فَلَمْ يُرْجِعْهُمَا حَتَّى قَالَتْ السَّمَاءُ فَأَظَلَّتْ، ثُمَّ سَكَبَتْ فَمَلَئُوا مَا مَعَهُمْ، ثُمَّ ذَهَبْنَا نَنْظُرُ فَلَمْ نَجِدْهَا جَاوَزَتْ الْعَسْكَرَ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ6: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ: فَلَوْ كَانَ مَاءُ الْفَرْثِ نَجِسًا لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى كَبِدِهِ، فَيُنَجِّسُ يَدَيْهِ، وَهُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ لِمَاءٍ طَاهِرٍ يَغْسِلُهُ بِهِ، هَذَا لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَفْعَلَهُ، وَأَمَّا شُرْبُهُ فَأُبِيحَ اضْطِرَارًا لِإِحْيَاءِ النَّفْسِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ،
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحُصَيْنِ ثَنَا يَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَمْرُو بْنُ الْحُصَيْنِ مَتْرُوكٌ، وَيَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ فِيهِ أَحْمَدُ: كَذَّابٌ يَصْنَعُ الْحَدِيثَ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ الْبَرَاءِ2، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا بَأْسَ بِبَوْلِ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ أَحْمَدُ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَعِينٍ: سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ3: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَمَى بِالرَّوْثَةِ، وَقَالَ: "هَذَا رِجْسٌ أَوْ رِكْسٌ"،قُلْتُ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْغَائِطَ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ، وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: هَذَا رِكْسٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ فِيهِ: هَذَا رِجْسٌ بِالْجِيمِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فَزَادَ فِيهِ4: أَتَيْتَنِي بِحَجَرٍ مُحْتَجِّينَ بِذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا، وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ، تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ. الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ، رَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ5 عَنْ أُمِّ قَيْسٍ
بِنْتِ مِحْصَنٍ أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجْلَسَهُ عَلَيْهِ فِي حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ عَلَى بَوْلِهِ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ، انْتَهَى.1وَفِي لَفْظٍ لمسلم فرشّه2، ذَكَرَهُ فِي الطِّبِّ وَهُوَ لَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَزَادَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَمَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ لَا يُغْسَلَ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَأْكُلَ الطَّعَامَ، فَإِذَا أَكَلَ غُسِلَ، انْتَهَى. قال الطبراني فِي شَرْحِ الْآثَارِ: السُّنَّةُ قَدْ يُرَادُ بِهَا سُنَّةُ النبي صص، وقد يراد بها غَيْرِهِ3، قَالَ عليه السلام: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِي"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ4 وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ، فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ بَوْلَهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5. وَالتِّرْمِذِيُّ6. وَابْنُ مَاجَهْ7. عَنْ عَلِيِّ8 بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَوْلِ الرَّضِيعِ، قَالَ: "يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ9 وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَهُ شَاهِدَانِ صَحِيحَانِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ لُبَابَةَ. وَأَبِي السَّمْحِ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ10 عَنْ أَبِي السَّمْحِ، قَالَ: كُنْتُ أَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُتِيَ بِحَسَنٍ أَوْ حُسَيْنٍ، فَبَالَ عَلَى صَدْرِهِ، فَجِئْتُ أَغْسِلُهُ، فَقَالَ: "يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: إنَّهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أم الفضل لبانة بِنْتِ الْحَارِثِ، قَالَتْ: كَانَ الحسين على حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: الْبَسْ ثَوْبًا، وَأَعْطِنِي إزَارَكَ حَتَّى أَغْسِلَهُ، قَالَ: "إنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْأُنْثَى، وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا، وَقَالَ: إنَّهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يسار أنبأنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ ثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أُمِّ كُرْزٍ الْخُزَاعِيَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ وَبَوْلُ الْجَارِيَةِ يُغْسَلُ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مَعْقِلٍ ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ وَيُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ"، وَالْمَاءَيْنِ وَاحِدٌ، فَقَالَ: لِأَنَّ بَوْلَ الْغُلَامِ مِنْ الْمَاءِ وَالطِّينِ وَبَوْلَ الْجَارِيَةِ مِنْ اللَّحْمِ وَالدَّمِ، قَالَ لِي: فَهِمْتَ، أَوْ قَالَ لَقِنْتَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: إنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ خَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ضِلْعِهِ، فَصَارَ بَوْلُ الْغُلَامِ مِنْ الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَصَارَ بَوْلُ الْجَارِيَةِ مِنْ اللَّحْمِ وَالدَّمِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ لَيْثٍ1 عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ مَوْلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَائِمًا عِنْدَهَا، وَحُسَيْنٌ يَحْبُو فِي الْبَيْتِ فَغَفَلْتُ عَنْهُ، فَحَبَا حَتَّى صعد على صدر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَالَ، وَاسْتَيْقَظَ عليه السلام، فَقُمْتُ، فَأَخَذْتُهُ عَنْهُ، فَقَالَ: "دَعِي ابْنِي"، فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَخَذَ كُوزًا مِنْ مَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: "إنَّهُ يُصَبُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ، وَيُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ"، انْتَهَى. وَأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ2 عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَقَالَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالنَّضْحِ فِيهَا الصَّبُّ، قَالَ: وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ3 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة قال: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِيٍّ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "صُبُّوا عَلَيْهِ الْمَاءَ صَبًّا"، ثُمَّ أخرج عن طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ أُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَيْهِ، فَأَتْبَعَهُ الْمَاءَ، انتهى. قال: ورواه عن زَائِدَةُ عَنْ هِشَامٍ، فَقَالَ فِيهِ: فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النَّضْحَ عِنْدَهُمْ الصَّبُّ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْت عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِيءَ بِالْحَسَنِ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا فَرَغَ صَبَّ عَلَيْهِ4 الْمَاءَ ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ قَابُوسَ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ5 أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ الْحُسَيْنَ عَلَى صَدْرِهِ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي إزَارَكَ أَغْسِلْهُ، فَقَالَ: "إنَّمَا يُصَبُّ عَلَى بَوْلِ الْغُلَامِ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ"، قَالَ: فَهُوَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إنَّمَا يُنْضَحُ من بَوْلُ الْغُلَامِ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ فِيهِ بِالنَّضْحِ الصَّبُّ، لِيَتَّفِقَ الْأَثَرَانِ، فَثَبَتَ بِهَذِهِ
الْآثَارِ أَنَّ حُكْمَ بَوْلِ الْغُلَامِ الْغَسْلُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ الْغَسْلَ يُجْزِئُ مِنْهُ الصَّبُّ، وَأَنَّ حُكْمَ بَوْلِ الْجَارِيَةِ الْغَسْلُ أَيْضًا، إلَّا أَنَّ الصَّبَّ لَا يَكْفِي فِيهِ، لِأَنَّ بَوْلَ الْغُلَامِ يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لِضِيقِ مَخْرَجِهِ، وَبَوْلُ الْجَارِيَةِ يَتَفَرَّقُ لِسَعَةِ مَخْرَجِهِ، فَأَمَرَ فِي بَوْلِ الْغُلَامِ بِالنَّضْحِ يُرِيدُ صَبَّ الْمَاءِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَفِي بَوْلِ الْجَارِيَةِ بِالْغَسْلِ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ عليه السلام: "اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ، فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ فِيهِ"، قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ، فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: الْمَحْفُوظُ مُرْسَلٌ، انْتَهَى. وَأَبُو جَعْفَرٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: كَانَ يَخْلِطُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: يَهِمُ كَثِيرًا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَزْهَرَ بْنِ سَعْدٍ السَّمَّانِ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ، فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ الْبَوْلِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ والدارقطني2 ثم البيهقي في سننهما وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ3 وَسَكَتَ عَنْهُ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّاتِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ الْبَوْلِ فَتَنَزَّهُوا مِنْهُ"، انْتَهَى. قُلْتُ: قَالَ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ: أَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ ثِقَةٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَطَّانُ عَنْهُ، أَبُو يَحْيَى فِي الْكُوفِيِّينَ مِثْلُ ثَابِتٍ فِي الْبَصْرِيِّينَ، وَقَالَ عَبَّاسٌ عَنْهُ: فِي حَدِيثِهِ ضَعْفٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: رَوَى عَنْهُ إسْرَائِيلُ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مَنَاكِيرَ جِدًّا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيثَهُ عَلَى مَا فِيهِ، قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَأْرَةِ إذَا مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ وَأُخْرِجَتْ مِنْ سَاعَتِهَا: يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا، قَوْلُهُ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أنه فال فِي الدَّجَاجَةِ إذَا مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ:
يُنْزَحُ مِنْهَا أرعون دَلْوًا، قُلْتُ: قَالَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ: رَوَاهُمَا الطَّحَاوِيُّ مِنْ طُرُقٍ، وَهَذَانِ الْأَثَرَانِ لَمْ أَجِدْهُمَا فِي شَرْحِ الْآثَارِ - لِلطَّحَاوِيِّ، وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ عَنْ حَجَّاجٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَالَ فِي دَجَاجَةٍ وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ فَمَاتَتْ، قَالَ: ينزح منها قد أَرْبَعِينَ دَلْوًا أَوْ خَمْسِينَ، انْتَهَى. وَالشَّيْخُ لَمْ يُقَلِّدْ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ، قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما، أَفْتَيَا بِنَزْحِ الْبِئْرِ كُلِّهَا حِينَ مَاتَ زِنْجِيٌّ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ، قُلْتُ: هَذِهِ الْقِصَّةُ رَوَاهَا ابْنُ سِيرِينَ. وَعَطَاءٌ. وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ. وَقَتَادَةُ. وَأَبُو الطُّفَيْلِ، فَرِوَايَةُ ابْنِ سِيرِينَ أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ زِنْجِيًّا وَقَعَ فِي زَمْزَمَ يَعْنِي فَمَاتَ فَأَمَرَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَأُخْرِجَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُنْزَحَ، قَالَ: فَغَلَبَتْهُمْ عَيْنٌ جَاءَتْ مِنْ الرُّكْنِ، قَالَ: فَأَمَرَ بِهَا فَدُسَّتْ بالقباطي والمطارق حتى نزحزها، فَلَمَّا نَزَحُوهَا انْفَجَرَتْ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَابْنُ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: مُرْسَلٌ2 لَمْ يَلْقَهُ وَلَا سَمِعَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ بَلَاغٌ بَلَغَهُ، انْتَهَى. وَأَمَّا رِوَايَةُ عَطَاءٍ، فَرَوَاهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ3 وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ4 حَدَّثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ حَبَشِيًّا وَقَعَ فِي زَمْزَمَ فَمَاتَ، فَأَمَرَ ابْنُ الزبير فنزح ماءها فَجَعَلَ الْمَاءُ لَا يَنْقَطِعُ، فَنُظِرَ فَإِذَا عَيْنٌ تَجْرِي مِنْ قِبَلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: حَسْبُكُمْ، انْتَهَى. وَأَمَّا رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، فَأَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ زِنْجِيًّا وَقَعَ فِي زَمْزَمَ فَمَاتَ، فَأَمَرَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأُخْرِجَ وَسُدَّتْ عُيُونُهَا ثُمَّ نُزِحَتْ، انْتَهَى. قَالَ: وَابْنُ لَهِيعَةَ5 لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ قَتَادَةَ، فَرَوَاهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ في مصنفه ثنا عبد بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ زِنْجِيًّا وَقَعَ فِي زَمْزَمَ، فَمَاتَ، فَأَنْزَلَ إلَيْهِ رَجُلًا فَأَخْرَجَهُ، ثُمَّ قَالَ: انْزَحُوا مَا فِيهَا مِنْ مَاءٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِي الْمَعْرِفَةِ: وَقَتَادَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُرْسَلٌ لَمْ يَلْقَهُ وَلَا سَمِعَ مِنْهُ. وإنما هُوَ بَلَاغٌ بَلَغَهُ، انْتَهَى. وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي الطُّفَيْلِ، فَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَهُ، قَالَ: وَرَوَاهُ جَابِرٌ مَرَّةً أُخْرَى عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ نَفْسِهِ
أَنَّ غُلَامًا وَقَعَ فِي زَمْزَمَ، فَنُزِحَتْ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ1، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ2 وَاعْتَمَدَ الْبَيْهَقِيُّ فِي تَضْعِيفِ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِأَثَرٍ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الْفَقِيهِ عَنْ عَبْدِ بْنِ شَرْوَيْهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قُدَامَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: أن بِمَكَّةَ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً لَمْ أَرَ صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا يَعْرِفُ حَدِيثَ الزِّنْجِيِّ الَّذِي قَالُوا: إنَّهُ وَقَعَ فِي زَمْزَمَ، وَلَا سَمِعْت أَحَدًا يَقُولُ: نُزِحَتْ زَمْزَمُ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُعْرَفُ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَيْفَ يَرْوِي3 ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ" 4، وَيَتْرُكُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ فَلِنَجَاسَةٍ ظَهَرَتْ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، وَنَزْحُهَا لِلتَّنْظِيفِ لَا لِلنَّجَاسَةِ، فَإِنَّ زَمْزَمَ لِلشُّرْبِ، انْتَهَى. وَأَجَابَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: بِأَنَّ عدم علمها لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا، ثُمَّ إنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا ذَلِكَ الْوَقْتَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ قَرِيبٌ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَكَانَ إخْبَارُ مَنْ أَدْرَكَ الْوَاقِعَةَ وَأَثْبَتَهَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِمَا، وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ أَيْضًا: كَيْفَ يَصِلُ5 هَذَا الْخَبَرُ إلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَيَجْهَلُهُ أَهْلُ مَكَّةَ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ كَبِيرُ أَهْلِ مَكَّةَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِأَحْمَدَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِالْأَخْبَارِ الصِّحَاحِ منَّا، فإذا كان الخبر صَحِيحٌ فَأَعْلِمُونِي حَتَّى أَذْهَبَ إلَيْهِ كُوفِيًّا كَانَ أَوْ بَصْرِيًّا أَوْ شَامِيًّا، فَهَلَّا قَالَ: كَيْفَ يَصِلُ هَذَا إلَى أُولَئِكَ، وَيَجْهَلُهُ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ؟
فصل في الأسآر وغيرها
فَصْلٌ فِي الْأَسْآرِ وَغَيْرِهَا الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَلَاثًا". قُلْتُ: رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ
بْنِ الضَّحَّاكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَيَّاشٍ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ عَنْ ابْنِ عَيَّاشٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، فَاغْسِلُوهُ سَبْعًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ1 بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَأَهْرِقْهُ ثُمَّ اغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَخْرَجَهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ في الإناء أهراقه وَغَسَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى2. الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيِّ ثَنَا إسْحَاقُ الْأَزْرَقُ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ في إناء أحدكم فليرهقه وَلْيَغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ"، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شَيْبَةَ ثَنَا إسْحَاقُ الْأَزْرَقُ بِهِ مَوْقُوفًا، قَالَ: وَلَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ الْكَرَابِيسِيِّ، وَالْكَرَابِيسِيُّ لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا غَيْرَ هَذَا، وَإِنَّمَا حَمَلَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ بِالْقُرْآنِ، فَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ فَلَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ الْكَرَابِيسِيِّ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ: حَدِيثُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ عَطَاءٍ ثُمَّ عَطَاءٌ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْحُفَّاظُ الثِّقَاتُ مِنْ أَصْحَابِ عَطَاءٍ، وَأَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْوُونَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ فِيهِ الثِّقَاتِ، وَلِمُخَالَفَتِهِ أَهْلَ الْحِفْظِ وَالثِّقَةِ - فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ - تَرَكَهُ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيه عَنْهُ مَرْفُوعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيه عَنْهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيه عَنْهُ مِنْ فِعْلِهِ، قَالَ: وَقَدْ اعْتَمَدَ الطَّحَاوِيُّ عَلَى
الرِّوَايَةِ الْمَوْقُوفَةِ فِي نَسْخِ حَدِيثِ السَّبْعِ وَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَا يُخَالِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيه عَنْهُ، وَكَيْفَ يَجُوزُ تَرْكُ رِوَايَةِ الْحُفَّاظِ الْأَثْبَاتِ مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ لَا يَكُونُ مِثْلُهَا غَلَطًا بِرِوَايَةِ وَاحِدٍ قَدْ عُرِفَ بِمُخَالَفَةِ الْحُفَّاظِ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِهِ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الطَّحَاوِيِّ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْآثَارِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَى الْمَوْقُوفَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ، إلَخْ، ثُمَّ قَالَ: فَثَبَتَ بِذَلِكَ نَسْخُ السَّبْعِ لِأَنَّا نُحْسِنُ الظَّنَّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَتْرُكُ مَا سَمِعَهُ1 مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَّا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ، وَلَمْ يُقْبَلْ رِوَايَتُهُ، بَلْ كَانَ يَجِبُ عَلَى الْخَصْمِ الْمُخَالِفِ أَنْ يَعْمَلَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ يُغْسَلُ يسبعاً، وَيُعَفِّرُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ، لِأَنَّهُ قَدْ زَادَ عَلَى السَّبْعِ، وَالْأَخْذُ بِالزَّائِدِ أَوْجَبُ عَمَلًا بِالْحَدِيثَيْنِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ الْأَمْرِ الْوَارِدِ بِالسَّبْعِ، قُلْتُ: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "يُغْسَلُ الْإِنَاءُ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ. وَأَبِي دَاوُد طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، انْتَهَى. وَهُوَ أَوْلَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى نَجَاسَةِ سُؤْرِ الْكَلْبِ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِإِرَاقَتِهِ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ3 وَقَالَ فِيهِ: إذَا شَرِبَ، عِوَضَ: إذَا وَلَغَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَغَيْرُ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، كُلُّهُمْ يَقُولُونَ: إذَا وَلَغَ، وَهُوَ الَّذِي يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَقَالَ الْحَافِظُ: أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي صَحِيحِهِ مَا مَعْنَاهُ: أَنَّ مَالِكًا قَدْ انْفَرَدَ عَنْ الْكُلِّ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ: قَالَ: فَرَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. وَابْنُ عُيَيْنَةَ. وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ. وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَقَالُوا: إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ. وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، وَرَوَاهُ عُبَيْدُ بْنُ حُسَيْنٍ. وَثَابِتٌ الْأَعْرَجُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ. وَأَبُو يُونُسَ سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ. وَأَبُو صَالِحٍ. وأبو زرين، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاتَّفَقُوا عَلَى قَوْلِهِ: إذَا وَلَغَ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ من غير
رِوَايَةِ مَالِكٍ، ذَكَرَهَا الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ الْعَوَالِي فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي يَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ الْحَدِيثُ، وَكَذَلِكَ وَقَعَتْ فِي كِتَابِ الْحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ الْجَوْزَقِيِّ مِنْ رِوَايَةِ وَرْقَاءَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَاهُنَا شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي عُمَرَ. وَغَيْرُ مَالِكٍ مِنْ رُوَاةِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَقُولُ: إذَا وَلَغَ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي اتِّفَاقَ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِيمَا وَجَدْتُهُ مِنْ صَحِيحِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُمَرَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ بِإِسْنَادِهِ، سَوَاءٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ غُسِلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ" كَسَائِرِ الرُّوَاةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ1. الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصْغِي لِلْهِرَّةِ الْإِنَاءَ فَتَشْرَبُ مِنْهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِهِ، قُلْتُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ: أَحَدُهُمَا: عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمُرُّ بِهِ الْهِرَّةُ فَيُصْغِي لَهَا الْإِنَاءَ فَتَشْرَبُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا، انْتَهَى. قَالَ: وَيَعْقُوبُ هَذَا، هُوَ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي وَعَبْدُ رَبِّهِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. الطَّرِيقُ الثَّانِي: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصْغِي إلَى الْهِرَّةِ الْإِنَاءَ حَتَّى تَشْرَبَ مِنْهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا، انْتَهَى. وَالْوَاقِدِيُّ فِيهِ مَقَالٌ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَمْرٍو الْخُرَاسَانِيُّ ثَنَا صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ2 ثَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ دَاوُد بْنِ صَالِحٍ التَّمَّارِ عَنْ أُمِّهِ: أَنَّ مَوْلَاتَهَا أرسلتها بهريسة لى عَائِشَةَ فَوَجَدَتْهَا تُصَلِّي، فَأَشَارَتْ إلَى أَنْ ضَعِيهَا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَتْ أَكَلَتْ مِنْ حَيْثُ أَكَلَتْ الْهِرَّةُ، فَقَالَتْ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ" وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ3 عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ دَاوُد بْنِ صَالِحٍ عَنْ أُمِّهِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ. والدارقطني مِنْ حَدِيثِ حَارِثَةَ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَتَوَضَّأُ أَنَا
وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ قَدْ أَصَابَتْ مِنْهُ الْهِرَّةُ قَبْلَ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَحَارِثَةُ لَا بَأْسَ بِهِ1، انْتَهَى. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ، مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَسِيد الْأَصْبَهَانِيُّ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَنْبَسَةَ2 الْكُوفِيُّ ثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الْمَكِّيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَرْضٍ بِالْمَدِينَةِ، يُقَالُ لَهَا: بَطْحَانُ، فَقَالَ: "يَا أَنَسُ اُسْكُبْ لِي وَضُوءًا" فَسَكَبْتُ لَهُ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ أَقْبَلَ إلَى الْإِنَاءِ، وَقَدْ أَتَى هِرٌّ فَوَلَغَ فِي الْإِنَاءِ، فَوَقَفَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْفَةً حَتَّى شَرِبَ الْهِرُّ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَقَالَ: "يَا أَنَسُ إنَّ الْهِرَّ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ لَنْ يُقَذِّرَ شَيْئًا، وَلَنْ يُنَجِّسَهُ"، انْتَهَى3. حَدِيثٌ آخَرُ، وَهُوَ حَدِيثُ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ4 بْنِ مُسَافِعِ بْنِ شَيْبَةَ الْحَجَبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مَنْصُورَ بْنَ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، هِيَ كَبَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ يَعْنِي الْهِرَّةَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَلَفْظُهُ فِيهِ: هِيَ كَبَعْضِ مَتَاعِ الْبَيْتِ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَالْحَجَبِيُّ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ. وَجِيمٍ مَفْتُوحَتَيْنِ نِسْبَتُهُ إلَى حِجَابَةِ الْبَيْتِ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْهِرَّةُ سَبُعٌ". قُلْتُ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ5 فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ الْمُسَيِّبِ ثَنَا أَبُو زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "السِّنَّوْرُ سَبُعٌ" انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَعِيسَى هَذَا تَفَرَّدَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، إلَّا أَنَّهُ صَدُوقٌ، وَلَمْ يُجْرَحْ قَطُّ، انْتَهَى. وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ: ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد. وَأَبُو حَاتِمٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ: قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَمْ يَرْفَعْهُ أَبُو نُعَيْمٍ، وَهُوَ أَصَحُّ، وَعِيسَى لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بِقِصَّةٍ فِيهِ عَنْ أَبِي النَّصْرِ
عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي دَارَ قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَدُونَهُمْ دَارٌ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْتِي دَارَ فُلَانٍ وَلَا تَأْتِي دَارَنَا؟ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "لِأَنَّ فِي دَارِكُمْ كَلْبًا" قَالُوا: فَإِنَّ فِي دَارِهِمْ سِنَّوْرًا، فَقَالَ عليه السلام: "السِّنَّوْرُ سَبُعٌ"، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ مُخْتَصَرًا مِنْ جِهَةِ وَكِيعٍ. وَمُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "السِّنَّوْرُ سَبُعٌ" وَقَالَ وَكِيعٌ: الْهِرُّ سَبُعٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ. وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مَسَانِيدِهِمْ عَنْ وَكِيعٍ بِهِ، بِلَفْظِ: الْهِرُّ سَبُعٌ، وَأَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُسَيِّبِ بِهِ، وَضَعَّفَ عِيسَى عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَقَالَ: لَا يُتَابِعُهُ إلَّا مَنْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ، رَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ1 مِنْ حَدِيثِ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ الْهِرَّةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ" 2 انْتَهَى. قَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ3 ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، قَالَ: وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي رَفْعِهِ، لِأَنَّ قُرَّةَ أَضْبَطُ وَأَثْبَتُ،، وَأَيْضًا فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ يُحَدِّثُ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ إذَا حَدَّثَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقِيلَ لَهُ: أَهَذَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُ: كُلُّ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ مَوْقُوفًا مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ سُؤْرِ الْهِرَّةِ، كَمَا يُغْسَلُ مِنْ سُؤْرِ الْكَلْبِ، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا: قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَرْفُوعًا، وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ4 حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يُغْسَلُ الْإِنَاءُ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَإِذَا وَلَغَتْ الْهِرَّةُ غُسِلَ مَرَّةً"، انْتَهَى. وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فيه وُلُوغَ الْهِرِّ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ وَالسَّوَّارُ قَالَ فِيهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا وَهْمٌ فَاحِشٌ، فَإِنَّ سَوَّارًا هَذَا شَيْخُ التِّرْمِذِيِّ، هُوَ سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُدَامَةَ
مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وأربعين ومائتين، روى عَنْهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ. وَخَلْقٌ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: ثِقَةٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَسَوَّارٌ الَّذِي جَرَحَهُ سُفْيَانُ، هُوَ سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُدَامَةَ مُتَقَدِّمُ الطَّبَقَةِ، انْتَهَى. وَأَخَذَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ هَذَا الْكَلَامَ بِرُمَّتِهِ فَنَقَلَهُ فِي كِتَابِهِ مُتَعَقِّبًا عَلَى ابْنِ الْجَوْزِيِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْزُوَهُ لِقَائِلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَعِلَّةُ الْحَدِيثِ أَنَّ مُسَدَّدًا رَوَاهُ عَنْ مُعْتَمِرٍ، فَوَقَفَهُ، رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو دَاوُد قَالَ فِي الإمام: والذي تخلص أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي رَفْعِهِ، وَاعْتَمَدَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ عَلَى عَدَالَةِ الرِّجَالِ عِنْدَهُ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ لِوَقْفِ مَنْ وَقَفَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَحَادِيثُ طَهَارَةِ سُؤْرِ السِّبَاعِ وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لِلشَّافِعِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحِيَاضِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ الْكِلَابَ وَالسِّبَاعَ تَرِدُ عَلَيْهَا، فَقَالَ: "لَهَا مَا أَخَذَتْ فِي بُطُونِهَا وَلَنَا مَا بَقِيَ شَرَابٌ وَطَهُورٌ"، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ1 وَيَلْزَمُهُمْ الْقَوْلُ بِطَهَارَةِ سُؤْرِ الْكَلْبِ أَيْضًا. الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قِيلَ: يَا رَسُولَ الله أنتوضأ بما أَفَضَلَتْ الْحُمُرُ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَبِمَاءٍ أَفَضَلَتْ السِّبَاعُ"، وَدَاوُد بْنُ الْحُصَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَخْرَجَا لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَرَوَى عَنْهُ مَالِكٌ - فَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ حِبَّانَ2. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ الطَّوْفِ الْمُعَلَّلُ بِهِ طَهَارَةُ الْهِرِّ، قُلْتُ: رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ3 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ4 هَكَذَا فِي الْمُوَطَّأِ5 عَنْ خَالَتِهَا كَبْشَةَ ابْنَةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وكانت تحت أَبِي قَتَادَةَ - أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ تَشْرَبُ، فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ، قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إلَيْهِ، فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إنَّهَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ، أَوْ الطَّوَّافَاتِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي الْبَابِ، وَقَدْ جَوَّدَهُ مَالِكٌ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ أَحَدٌ أَتَمَّ مِنْهُ،
انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ، فِي الْمُوَطَّأِ كَمَا تَرَاهُ سَوَاءً، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ وَقَدْ صَحَّحَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ، وَاحْتَجَّ به مُوَطَّئِهِ وَقَدْ شَهِدَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ لِمَالِكٍ أَنَّهُ الْحَكَمُ فِي حَدِيثِ الْمَدَنِيِّينَ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ، فِي طَهَارَةِ الْهِرَّةِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ مَنْدَهْ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَلَكِنَّ ابْنَ مَنْدَهْ، قَالَ: وَحُمَيْدَةُ. وَخَالَتُهَا كَبْشَةُ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا رِوَايَةٌ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، ومحلها مَحَلُّ الْجَهَالَةِ، وَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، قَالَ الشَّيْخُ: وإذا لم لَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا رِوَايَةٌ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَعَلَّ طَرِيقَ مَنْ صَحَّحَهُ أَنْ يَكُونَ اعْتَمَدَ عَلَى إخْرَاجِ مَالِكٍ لِرِوَايَتِهِمَا مَعَ شهرته بالتثبيت، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَوْلُهُ: لَيْسَتْ بِنَجَسٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ كُلُّ مَا يُسْتَقْذَرُ، قَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} ، وَرُوِيَ: أَوْ الطَّوَّافَاتِ بِأَوْ وَرُوِيَ: بِالْوَاوِ، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَسَبَبُ الشَّكِّ تعارض الدلة فِي إبَاحَتِهِ وَحُرْمَتِهِ، وَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ، قُلْتُ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي سُؤْرِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى السُّؤْرِ فَتَكُونُ الْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ غَرِيبَةً، وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إلَى اللَّحْمِ، فَحُرْمَةُ لَحْمِ الْحِمَارِ فِي الصَّحِيحَيْنِ1 عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَإِبَاحَتُهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد2 مِنْ حَدِيثِ غَالِبِ بن أبحر، قَالَ: أَصَابَتْنَا سَنَةٌ، فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي شَيْءٌ أُطْعِمُ أَهْلِي إلَّا شَيْءٌ مِنْ حُمُرٍ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنَا السَّنَةُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي مَا أُطْعِمُ أَهْلِي إلَّا سِمَانُ حُمُرٍ، وَإِنَّكَ حَرَّمْتَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، فَقَالَ: "أَطْعِمْ أَهْلَك مِنْ سَمِينِ حُمُرِكَ، فَإِنَّمَا حَرَّمْتُهَا مِنْ أَجْلِ جَوَّالِ الْقَرْيَةِ"، انْتَهَى. وَفِي إسْنَادِهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ وَاضْطِرَابٌ، وَسَوْفَ يَأْتِي في الذبائح مستوفر إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ التوضي بِنَبِيذِ التَّمْرِ، قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ3 فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي فَزَارَةَ4 عَنْ أَبِي زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ لَيْلَةَ الْجِنِّ: "عِنْدَكَ طَهُورٌ؟ " قَالَ: لَا، إلَّا شَيْءٌ مِنْ نَبِيذٍ فِي إدَاوَةٍ، قَالَ: "تَمْرَةٌ
طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ"، انْتَهَى. زَادَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ مِنْهُ، قال الترمذي: وإنما رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو زَيْدٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَا يُعْرَفُ لَهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، فَعَزَاهُ لِلْأَرْبَعَةِ، وَالنَّسَائِيُّ لَمْ يَرْوِهِ أَصْلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَزَادَ فِي لَفْظِهِ: فَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَصَلَّى1، وَقَدْ ضَعَّفَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْحَدِيثَ بِثَلَاثِ عِلَلٍ: أحدهما: جَهَالَةُ أَبِي زَيْدٍ. وَالثَّانِي: التَّرَدُّدُ فِي أَبِي فَزَارَةَ، هَلْ هُوَ رَاشِدُ بْنُ كَيْسَانَ أَوْ غَيْرُهُ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ، لَمْ يَشْهَدْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ، أَمَّا الْأَوَّلُ: فَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَبُو زَيْدٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: أَبُو زَيْدٍ شَيْخٌ يَرْوِي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، لَيْسَ يُدْرَى مَنْ هُوَ، وَلَا يُعْرَفُ أَبُوهُ وَلَا بَلَدُهُ، وَمَنْ كَانَ - بِهَذَا النَّعْتِ - ثُمَّ لَمْ يَرْوِ إلَّا خَبَرًا وَاحِدًا خَالَفَ فِيهِ الْكِتَابَ. وَالسُّنَّةَ. وَالْإِجْمَاعَ. وَالْقِيَاسَ اسْتَحَقَّ مُجَانَبَةَ مَا رَوَاهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ الْعِلَلِ2 سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ: حَدِيثُ أَبِي فَزَارَةَ فِي الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَأَبُو زَيْدٍ مَجْهُولٌ، وَذَكَرَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ الْبُخَارِيِّ، قَالَ: أَبُو زَيْدٍ الَّذِي رَوَى حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ بِصُحْبَتِهِ عَبْدَ اللَّهِ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ خِلَافُ الْقُرْآنِ، انْتَهَى. الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ التَّرَدُّدُ فِي أَبِي فَزَارَةَ، فَقِيلَ: هُوَ رَاشِدُ بْنُ كَيْسَانَ، وَهُوَ ثِقَةٌ، أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَقِيلَ: هُمَا رَجُلَانِ، وَأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِرَاشِدِ بْنِ كَيْسَانَ، وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: أَبُو فَزَارَةَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَبَا فَزَارَةَ الْعَبْسِيَّ غَيْرَ مُسَمًّى، فَجَعَلَهُمَا اثْنَيْنِ، وَفِي كُلِّ هَذَا نَظَرٌ، فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي فَزَارَةَ جَمَاعَةٌ، فَرَوَاهُ عَنْهُ شَرِيكٌ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ عَنْهُ سُفْيَانُ3 وَالْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَرَوَاهُ عَنْهُ إسْرَائِيلُ4 كَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ وَرَوَاهُ عَنْهُ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ5 كَمَا أَخْرَجَهُمَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ6. وَالْجَهَالَةُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ تَزُولُ بِرِوَايَةِ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، فَأَيْنَ الْجَهَالَةُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ إلَّا أَنْ يُرَادَ جَهَالَةُ الْحَالِ. هَذَا، وَقَدْ صَرَّحَ7 ابْنُ عَدِيٍّ بِأَنَّهُ رَاشِدُ بْنُ كَيْسَانَ، فَقَالَ: مَدَارُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَبِي فَزَارَةَ
عَنْ أَبِي زَيْدٍ، وَأَبُو فَزَارَةَ اسْمُهُ: رَاشِدُ بْنُ كَيْسَانَ وَهُوَ مَشْهُورٌ، وَأَبُو زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ مَجْهُولٌ، وَحُكِيَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَبُو فَزَارَةَ - فِي حَدِيثِ النَّبِيذِ - اسْمُهُ رَاشِدُ بْنُ كَيْسَانَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ: أَبُو فَزَارَةَ الْعَبْسِيُّ رَاشِدُ بْنُ كَيْسَانَ ثِقَةٌ عِنْدَهُمْ، وَذَكَرَ مَنْ رَوَى عَنْهُ، وَمَنْ رَوَى هُوَ عَنْهُ، قَالَ: وَأَمَّا أَبُو زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ مَجْهُولٌ عِنْدَهُمْ لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِ رِوَايَةِ أَبِي فَزَارَةَ، وَحَدِيثُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ مُنْكَرٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَا رَوَاهُ مَنْ يُوثَقُ بِهِ، وَلَا يَثْبُتُ، انْتَهَى. الْعِلَّةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ إنْكَارُ كَوْنِ ابْنِ مَسْعُودٍ شَهِدَ لَيْلَةَ الْجِنِّ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ، فَمَا وَرَدَ أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ1 مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، هَلْ شَهِدَ مِنْكُمْ أَحَدٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَفَقَدْنَاهُ، فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ، فَقُلْنَا: اُسْتُطِيرَ أَوْ اُغْتِيلَ، قَالَ: فَبِتْنَا لَيْلَةً بِشَرِّ لَيْلَةٍ2 بَاتَ بِهَا قَوْمٌ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إذَا هُوَ جائي مِنْ قِبَلِ حِرَاءٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْنَاك، فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ نَجِدْكَ، فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ، فَقَالَ: "أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُمْ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ، وَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نيراهم"، وَسَأَلُوهُ الزَّادَ، فَقَالَ: "لَكُمْ كل عظم، لكم كُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفًا لِدَوَابِّكُمْ" ثُمَّ قَالَ: "لَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إخْوَانِكُمْ" انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُ قَالَ: لَمْ أَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ، وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَهُ، وَفِي لَفْظٍ: وَكَانُوا مِنْ جِنِّ الْجَزِيرَةِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُخْتَصَرًا3 لَمْ يَذْكُرْ الْقِصَّةَ، وَلَفْظُهُ: عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: مَا كَانَ مَعَهُ مِنَّا أَحَدٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِتَمَامِهِ في الجامع وفي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْقَافِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدْفَعُ تَأْوِيلَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ شَهِدَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ بِأَنَّهُ كَانَ معه أو أجلسه فِي الْحَلْقَةِ، وَعِنْدَ مُخَاطَبَتِهِ لِلْجِنِّ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَقَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَمْ يَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ، وَإِنَّمَا كَانَ مَعَهُ حِينَ انْطَلَقَ بِهِ وَبِغَيْرِهِ يُرِيهِمْ آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ لَيْلَتَهُ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ عَلَى إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ، لِيَقُمْ مَعِي رَجُلٌ منكم، ولا يقوم مَعِي رَجُلٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ كِبْرٍ"، قَالَ: فَقُمْتُ مَعَهُ، وَمَعِي إدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ حَتَّى إذَا بَرَزْنَا خَطَّ حَوْلِي خِطَّةً، ثُمَّ قَالَ: "لَا تَخْرُجَنَّ مِنْهَا،
فَإِنَّك إنْ خَرَجْتَ مِنْهَا لَمْ تَرَنِي وَلَمْ أَرَكَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، هَلْ مَعَكَ مِنْ وَضُوءٍ؟ " قُلْتُ: لَا، قَالَ: "فما في أدواتك؟ " قُلْتُ: نَبِيذٌ، قَالَ: "تَمْرَةٌ حُلْوَةٌ وَمَاءٌ طَيِّبٌ"، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَامَ إلَيْهِ رَجُلَانِ مِنْ الْجِنِّ فَسَأَلَاهُ الْمَتَاعَ، قَالَ: "أَلَمْ آمُرْ لكما آمر لَكُمَا وَلِقَوْمِكُمَا بِمَا يُصْلِحُكُمَا؟ " قَالَا: بَلَى، وَلَكِنَّا أَحْبَبْنَا أَنْ يَحْضُرَ بَعْضُنَا مَعَكَ. قَالَ: "مِمَّنْ أَنْتُمَا؟ " قَالَا: مِنْ أَهْلِ نَصِيبِينَ، قَالَ: "قَدْ أَفْلَحَ هَذَانِ وَقَوْمُهُمَا"، وَأَمَرَ لَهُمَا بِالطَّعَامِ وَالرَّجِيعِ، وَنَهَانَا أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثٍ، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ1 وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا يُخَالِفُ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ فَقْدِهِمْ إيَّاهُ، حَتَّى قِيلَ: اُغْتِيلَ. وَاسْتُطِيرَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ فَقَدَهُ غَيْرَ الَّذِي عَلِمَ بِخُرُوجِهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ2 إلَى مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ عَنْ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: اسْتَتْبَعَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنَّ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ، خَمْسَةَ عَشَرَ: بَنِي إخْوَةٍ. وَبَنِي عَمٍّ يَأْتُونِي اللَّيْلَةَ، فَأَقْرَأُ عَلَيْهِمْ القرآن"، فانطلقت معه إذا الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ، فَخَطَّ لِي خَطًّا وَأَجْلَسَنِي فِيهِ، وَقَالَ لِي: "لَا تَخْرُجْ مِنْ هَذَا"، فَبِتُّ فِيهِ حَتَّى أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ السَّحَرِ، وَفِي يَدِهِ عَظْمٌ حَائِلٌ. وَرَوْثَةٌ. وَحُمَمَةٌ، فَقَالَ لِي: "إذَا ذَهَبْتَ إلَى الْخَلَاءِ فَلَا تَسْتَنْجِ بِشَيْءٍ مِنْ هَؤُلَاءِ"، قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قُلْتُ: لَأُعَلِّمَنَّ عِلْمِي، حَيْثُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَذَهَبْتُ فَرَأَيْتُ مَبْرَكَ سِتِّينَ بَعِيرًا، انْتَهَى. ثُمَّ أَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَبْصَرَ زُطًّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَقَالَ: مَا هَؤُلَاءِ، فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ الزُّطُّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَبَهَهُمْ إلَّا الْجِنَّ لَيْلَةَ الْجِنِّ، وَكَانُوا مُسْتَفَزِّينَ يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، انْتَهَى. وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ شَهِدَ لَيْلَةَ الْجِنِّ تَعْلِيقًا، فَرَوَى فِي بَابِ كَرَامَةِ مَا يُسْتَنْجَى بِهِ مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَسْتَنْجُوا بِالرَّوْثِ وَلَا بِالْعِظَامِ، فَإِنَّهُ زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ. وَغَيْرُهُ عَنْ دَاوُد بْنِ
أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ، الْحَدِيثُ بِطُولِهِ، قَالَ: وَكَأَنَّ رِوَايَةَ إسْمَاعِيلَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، انْتَهَى. لَكِنَّهُ رَوَاهُ مُتَّصِلًا فِي أَبْوَابِ الْأَمْثَالِ1 عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَأَخَذَ بِيَدِ ابْنِ مَسْعُودٍ حَتَّى خَرَجَ بِهِ إلَى بَطْحَاءِ مَكَّةَ، فَأَجْلَسَهُ، ثُمَّ خَطَّ عَلَيْهِ خَطًّا، ثُمَّ قَالَ: "لا تبرحن مخطك، فَإِنَّهُ سَيَنْتَهِي إلَيْكَ رِجَالٌ لا تُكَلِّمْهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَا يُكَلِّمُونَكَ" قَالَ: فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أَرَادَ بَيْنَمَا أَنَا جالس في خطي إذ أَتَانِي رِجَالٌ كَأَنَّهُمْ الزُّطُّ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ2 حَدَّثَنَا عَارِمٌ. وَعَفَّانُ 3 قَالَا: ثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: قال أبي: حددثني أَبُو تَمِيمَةَ عَنْ عَمْرٍو الْبِكَالِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: اسْتَبْعَثَنِي4 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَخَطَّ لِي خِطَّةً، وَقَالَ لِي: "كُنْ بَيْنَ ظَهْرَيْ هَذِهِ، لَا تَخْرُجْ مِنْهَا، فَإِنَّكَ إنْ خَرَجْتَ هَلَكْتَ" ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا، وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى: بِالرَّدِّ عَلَى الْكَرَابِيسِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَالْبُكَالِيُّ هَذَا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَلَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ إلَّا أَبُو تَمِيمَةَ هَذَا وَلَيْسَ هُوَ بِالْهُجَيْمِيِّ، بَلْ هُوَ السُّلَمِيُّ بَصْرِيٌّ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ5 والدارقطني فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ لَيْلَةَ الْجِنِّ: "أَمَعَكَ مَاءٌ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "أَمَعَكَ نَبِيذٌ؟ " - أَحْسَبُهُ قَالَ: نَعَمْ - فَتَوَضَّأَ بِهِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ ضَعِيفٌ، وَأَبُو رَافِعٍ لَمْ يَثْبُتْ سَمَاعُهُ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا الطَّرِيقُ أَقْرَبُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي فَزَارَةَ، وَإِنْ كَانَ طَرِيقُ أَبِي فَزَارَةَ أَشْهَرَ، فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ زَيْدٍ - وَإِنْ ضُعِّفَ6 - فَقَدْ ذُكِرَ بِالصِّدْقِ، قَالَ: وَقَوْلُ الدَّارَقُطْنِيِّ: وَأَبُو رَافِعٍ لَمْ يَثْبُتْ
سَمَاعُهُ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إدْرَاكُهُ وَسَمَاعُهُ مِنْهُ، فَإِنَّ أَبَا رَافِعٍ الصَّائِغَ جَاهِلِيٌّ إسْلَامِيٌّ، قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ: هُوَ مَشْهُورٌ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ، وَقَالَ فِي الِاسْتِيعَابِ: لَمْ يَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، اسْمُهُ نُفَيْعٌ كَانَ أَصْلُهُ مِنْ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى الْبَصْرَةِ، رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَرَوَى عَنْهُ خِلَاسُ بْنُ عَمْرٍو الْهَجَرِيُّ. وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ. وَقَتَادَةُ. وَثَابِتٌ الْبُنَانِيَّ. وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَقَالَ فِي الِاسْتِيعَابِ: عِظَمُ رِوَايَتِهِ عَنْ عُمَرَ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَلَا يَمْتَنِعُ سَمَاعُهُ1 مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّارَقُطْنِيُّ يَشْتَرِطُ فِي الِاتِّصَالِ ثُبُوتَ السَّمَاعِ وَلَوْ مَرَّةً، وَقَدْ أَطْنَبَ مُسْلِمٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا المذاهب، انْتَهَى كَلَامُهُ. طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ حَيَّانَ2 عَنْ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ. وَأَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "خُذْ معك أدواة مِنْ مَاءٍ"، ثُمَّ انْطَلَقَ وَأَنَا مَعَهُ فَذَكَرَ حَدِيثَ لَيْلَةِ الْجِنِّ، ثُمَّ قَالَ: فَلَمَّا أَفْرَغْتُ عَلَيْهِ مِنْ الأدواة إذَا هُوَ نَبِيذٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْطَأْتُ بِالنَّبِيذِ، فَقَالَ: "تَمْرَةٌ حُلْوَةٌ وَمَاءٌ عَذْبٌ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ الْحَسَنُ بْنُ قُتَيْبَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ. وَالْحَسَنُ بْنُ قُتَيْبَةَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ضَعِيفَانِ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ أَخِيهِ زَيْدٍ عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَلَّامٍ عَنْ ابْنِ غَيْلَانَ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الجن بوضوء فجئته بأداوة، فإذا فيها نبيد، فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَابْنُ غَيْلَانَ هَذَا مَجْهُولٌ3 قِيلَ: اسْمُهُ عَمْرٌو،، وَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ غَيْلَانَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدِهِ إلَى مُعَاوِيَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ غَيْلَانَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيّ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَأَتَاهُمْ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ: "أَمَعَكَ مَاءٌ يَا ابْنَ مَسْعُودٍ؟ " قُلْتُ: لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا إدَاوَةٌ فِيهَا نَبِيذٌ، فَقَالَ عليه السلام: "تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ" فَتَوَضَّأَ بِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ:
وَالْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيّ1 يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى الثِّقَاتِ. طَرِيقٌ آخَرُ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ2 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ ثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ. وَمُوسَى بْنُ هَارُونَ الْبُرْدِيُّ، قَالَا: ثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ قَابُوسَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْبَرَازِ فَخَطَّ خَطًّا وَأَدْخَلَنِي فِيهِ، وَقَالَ لِي: "لَا تَبْرَحْ حَتَّى أَرْجِعَ إلَيْكَ"، ثُمَّ أَبْطَأَ فَمَا جَاءَ حَتَّى السَّحَرِ، وَجَعَلْتُ أَسْمَعُ الْأَصْوَاتَ، ثُمَّ جَاءَ، فَقُلْتُ: أَيْنَ كُنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: "أُرْسِلْتُ إلَى الْجِنِّ"، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الْأَصْوَاتُ الَّتِي سَمِعْتُ؟ قَالَ: "هِيَ أَصْوَاتُهُمْ حِينَ وَدَّعُونِي وَسَلَّمُوا عَلَيَّ"، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: مَا عِلْمنَا لِأَهْلِ الْكُوفَةِ حَدِيثًا يَثْبُتُ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ، مِمَّا يُقْبَلُ مِثْلُهُ إلَّا هَذَا، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشَّقَرِيِّ عَنْ شَرِيكٍ الْقَاضِي عَنْ أَبِي زَائِدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَعَكَ مَاءٌ؟ " قُلْتُ: لَا إلَّا نَبِيذٌ فِي إدَاوَةٍ، قَالَ: "تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ" فَتَوَضَّأَ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْإِسْنَادُ شَوَّشَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّقَرِيُّ3 عَنْ شَرِيكٍ، فَلَا أَدْرِي مِنْ قِبَلِهِ أَوْ مِنْ قِبَلِ شَرِيكٍ، فَإِنَّ جَمَاعَةً، كَالثَّوْرِيِّ. وَإِسْرَائِيلَ. وعمرو بن قَيْسٍ. وَغَيْرِهِمْ رَوَوْهُ عَنْ أَبِي فَزَارَةَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ، وَأَبُو زَيْدٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ بِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. فَقَدْ تَلَخَّصَ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ سَبْعَةُ طُرُقٍ: صَرَّحَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ، وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا4 بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ الْمُخَاطَبَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ بعيداً
مِنْهُ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، بِأَنَّ لَيْلَةَ الْجِنِّ كَانَتْ مَرَّتَيْنِ: فَفِي أَوَّلِ مَرَّةٍ خَرَجَ إلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَلَا غَيْرُهُ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ مُسْلِمٍ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ خَرَجَ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، كَمَا رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ في تفسيره من أَوَّلِ سُورَةِ الْجِنِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ: أَمَّا الْجِنُّ الَّذِينَ لَقُوهُ بِنَخْلَةٍ، فَمِنْ نِينَوَى، وَأَمَّا الْجِنُّ الَّذِينَ لَقُوهُ بمكة فمن نَصِيبِينَ، وَتَأَوَّلَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ مُسْلِمٍ، قَالَ: إنَّهُ يَقُولُ: فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ، عَلَى غَيْرِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِمَّنْ لَمْ يَعْلَمْ بِخُرُوجِهِ عليه السلام إلَى الْجِنِّ، قَالَ: وَهُوَ مُحْتَمِلٌ عَلَى بُعْدٍ، قَالَ: وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَتْبَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِدَاوَةٍ لِوُضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَأَدْرَكَهُ يَوْمًا، فَقَالَ: " مَنْ هَذَا؟ " قَالَ أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: "ائْتِنِي بِأَحْجَارٍ أَسْتَنْجِي بِهَا، وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثَةٍ"، فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ فِي ثَوْبِي فَوَضَعْتُهَا إلَى جَنْبِهِ، حَتَّى إذَا فَرَغَ وَقَامَ اتَّبَعْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْعَظْمِ وَالرَّوْثَةِ، قَالَ: "أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ فَسَأَلُونِي الزَّادَ فَدَعَوْتُ اللَّهَ لَهُمْ أَنْ لَا يَمُرُّوا بِرَوْثَةٍ وَلَا عَظْمٍ إلَّا وَجَدُوا طَعَامًا"، انْتَهَى. قَالَ: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ وَفَدُوا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وِفَادَتِهِمْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ مَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ2 ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد المصيصي ثنا أبو معاوية الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ ثَنَا معاوية
بْنُ سَلَّامٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ يَقُولُ: حدثني عمر بْنُ غَيْلَانَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقُلْتُ لَهُ: حُدِّثْتُ أَنَّكَ كُنْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ وَفْدِ الْجِنِّ؟ قَالَ: أَجَلْ، قُلْتُ: حَدِّثْنِي كَيْفَ كَانَ؟ قَالَ: إنَّ أَهْلَ الصُّفَّةِ أَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ رَجُلًا يُعَشِّيهِ، إلَّا أَنَا فَإِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْنِي أَحَدٌ، فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَنْ هَذَا؟ " فَقُلْتُ: أَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: "مَا أَخَذَكَ أحد يعيشك"، قُلْتُ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَانْطَلِقْ لَعَلِّي أَجِدُ لَكَ شَيْئًا، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى حُجْرَةَ أُمِّ سَلَمَةَ، فَتَرَكَنِي وَدَخَلَ إلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ خَرَجَتْ الْجَارِيَةُ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ مَسْعُودٍ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يجد لك عشاءاً، فَارْجِعْ إلَى مَضْجَعِكَ، فَرَجَعْتُ إلَى الْمَسْجِدِ، فَجَمَعْتُ حَصْبَاءَ الْمَسْجِدِ فَتَوَسَّدْتُهُ، وَالْتَفَفْتُ بِثَوْبِي، فَلَمْ أَلْبَثْ إلَّا قَلِيلًا حَتَّى جَاءَتْ الْجَارِيَةُ، فَقَالَتْ: أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاتَّبَعْتُهَا حَتَّى بَلَغْتُ مَقَامِي، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَدِهِ عَسِيبُ نَخْلٍ، فَعَرَضَ بِهِ عَلَى صَدْرِي، فَقَالَ: "انْطَلَقَ أَنْتَ مَعِي حَيْثُ انْطَلَقْتُ"، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا بقيع الغرقد، فجط بِعَصَاهُ خِطَّةً، ثُمَّ قَالَ: "اجْلِسْ فِيهَا وَلَا تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَك"، ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي، وَأَنَا أَنْظُرُ إلَيْهِ حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ حَيْثُ لَا أَرَاهُ ثَارَتْ مِثْلُ الْعَجَاجَةِ السَّوْدَاءِ، فَفَزِعْتُ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ هوزان مَكَرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقْتُلُوهُ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَسْعَى إلَى الْبُيُوتِ، فَأَسْتَغِيثَ النَّاسَ، فَذَكَرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَانِي أَنْ لَا أَبْرَحَ، وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَزِّعُهُمْ بِعَصَاهُ، وَيَقُولُ: "اجْلِسُوا"، فَجَلَسُوا حَتَّى كَادَ يَنْشَقُّ عَمُودُ الصُّبْحِ، ثُمَّ ثَارُوا وَذَهَبُوا، فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَنِمْتَ؟ " فَقُلْتُ: لَا وَاَللَّهِ، وَلَقَدْ فَزِعْتُ الْفَزْعَةَ الْأُولَى حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ آتِيَ الْبُيُوتَ فَأَسْتَغِيثَ النَّاسَ، حَتَّى سَمِعْتُكَ تُفَزِّعُهُمْ بِعَصَاكَ، فَقَالَ: "لَوْ أَنَّكَ خَرَجْتَ مِنْ هَذِهِ الْحَلْقَةِ لَمْ آمَنْ أَنْ تُخْطَفَ، فَهَلْ رَأَيْتَ شَيْئًا مِنْهُمْ؟ " قُلْتُ: رَأَيْتُ رِجَالًا سُودًا مُسْتَفَزِّينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، قَالَ: "أُولَئِكَ وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ، فَسَأَلُونِي الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَمَتَّعْتُهُمْ بِكُلِّ عَظْمٍ حَائِلٍ أَوْ رَوْثَةٍ أَوْ بَعْرَةٍ"، قُلْتُ: وَمَا يُغْنِي ذَلِكَ عَنْهُمْ؟ قَالَ: "إنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ عَظْمًا إلَّا وَجَدُوا عَلَيْهِ لَحْمَهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ أُكِلَ، وَلَا روثة إلا وجدوا فيه حَبَّهَا الَّذِي كَانَ فِيهَا يَوْمَ أُكِلَتْ، فَلَا يَسْتَنْقِي أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَظْمٍ وَلَا بَعْرَةٍ"، انْتَهَى. وَفِي سَنَدِهِ رَجُلٌ لَمْ يُسَمَّ1 ثُمَّ أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ حَدَّثَنِي نُمَيْرُ بْنُ يَزِيدَ2 الْقَيْنِيُّ ثَنَا أَبِي ثَنَا قُحَافَةُ بْنُ رَبِيعَةَ3 حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، قَالَ:
صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: "أَيُّكُمْ يَتْبَعُنِي إلَى وَفْدِ الْجِنِّ اللَّيْلَةَ؟ " فَأُسْكِتَ الْقَوْمُ ثَلَاثًا، فَمَرَّ بِي فَأَخَذَ بِيَدِي، فَجَعَلْت أَمْشِي مَعَهُ حَتَّى خَنَسَتْ عَنَّا جِبَالُ الْمَدِينَةِ كُلُّهَا، وَأَفْضَيْنَا إلَى أَرْضٍ بارز، فَإِذَا رِجَالٌ طِوَالٌ كَأَنَّهُمْ الرِّمَاحُ مُسْتَنْفَرِينَ، ثِيَابُهُمْ مِنْ بَيْنِ أَرْجُلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ غَشِيَتْنِي رَعْدَةٌ شَدِيدَةٌ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَضَعَّفَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ، بِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أُنْكِرَ شُهُودَهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ، وَأَنْكَرَهُ ابْنُهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَنْكَرَهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَهُ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَلْقَمَةَ، هَلْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ فَذَكَرَهُ إلَى آخِرِهِ بِلَفْظِ مُسْلِمٍ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ قَالَ: لَا، وَسَأَلْتُ إبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: لَيْتَ صَاحِبَنَا كَانَ ذَاكَ، انْتَهَى. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ فِي بَابِ مَنْ كَبُرَ بِالطَّائِفَتَيْنِ: أَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يُدْرِكْ أَبَاهُ، انْتَهَى. وَإِبْرَاهِيمُ أَيْضًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ صِفَةَ أَنْبِذَتِهِمْ الَّتِي كَانَتْ، فَسَاقَ بسنده إلى عائشة، قال: كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِقَاءٍ، نَنْبِذُهُ غُدْوَةً فيشربه عشاءاً، وننبذه عشاءاً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً، وَهَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ1، ثُمَّ أَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: تُرَى نَبِيذُكُمْ هَذَا الْخَبِيثُ إنَّمَا كَانَ مَا يُلْقَى فِيهِ تَمَرَاتٌ فَيَصِيرُ حُلْوًا؟، انْتَهَى. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ، أَنَّ مِثْلَ هَذَا النَّبِيذِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ التَّمْرَ وَنَحْوَهُ إذَا غَلَبَ وَصْفٌ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرُ عَلَى الْمَاءِ، فَأَزَالَ اسْمَهُ يَمْتَنِعُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا يُنْبَذُ مِنْ غُدْوَةٍ إلَى الْعِشَاءِ، وَصَارَ حُلْوًا صَارَ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ عليه السلام، قَالَ: "هَلْ مَعَك مَاءٌ؟ " قَالَ: لَا فَدَلَّ أَنَّ الْمَاءَ اسْتَحَالَ فِي التَّمْرِ حَتَّى سَلَبَ عَنْهُ اسْمَ الْمَاءِ، وَإِلَّا لَمَا صَحَّ نَفْيُهُ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَضَعَّفَ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَاخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْوُضُوءُ لَا فِي سَفَرٍ وَلَا فِي حَضَرٍ، وَقَالَ: إنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ رُوِيَ مِنْ طرق لا تقوم مثلها حُجَّةٌ، وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إنِّي لَمْ أَكُنْ لَيْلَةَ الْجِنِّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَهُ، وَسُئِلَ أَبُو عُبَيْدَةَ هَلْ كَانَ أَبُوكَ لَيْلَةَ الْجِنِّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: لَا، مَعَ أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا، لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، وَلَمْ نَعْتَبِرْ فِيهِ اتِّصَالًا وَلَا انْقِطَاعًا، وَلَكِنَّا احْتَجَجْنَا بِكَلَامِ أَبِي عُبَيْدَةَ، لِأَنَّ مِثْلَهُ فِي تَقَدُّمِهِ فِي الْعِلْمِ، وَمَكَانِهِ مِنْ أَمْرِهِ وَخِلْطَتِهِ بِخَاصَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا مِنْ أُمُورِهِ، فَجَعَلْنَا قَوْلَهُ حُجَّةً فِيهِ، قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، فَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ الْمَاءِ، وَالْمَرْوِيُّ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِهِ إنَّمَا هُوَ
- وَهُوَ عليه السلام - غَيْرُ مُسَافِرٍ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يُرِيدُهُمْ، فَهُوَ فِي حُكْمِ اسْتِعْمَالِهِ لَهُ بِمَكَّةَ، فَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ فِي حَالِ وُجُودِ الْمَاءِ، فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ثَبَتَ طَرْحُهُمْ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ النَّظَرُ عِنْدَنَا. انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ الْآثَارِ. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: إنَّ فِي الْحَدِيثِ اضْطِرَابًا، وَفِي التَّارِيخِ جَهَالَةً، وَلَيْلَةُ الْجِنِّ كَانَتْ غَيْرَ وَاحِدَةٍ، وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ عَمِلَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ لِأَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ، وَلَيْلَةُ الْجِنِّ كَانَتْ بِمَكَّةَ، انْتَهَى. أَمَّا الِاضْطِرَابُ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ شَهِدَ لَيْلَةَ الْجِنِّ، وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ، وَأَمَّا جَهَالَةُ التَّارِيخِ، فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَهْلَ السِّيَرِ ذَكَرُوا أَنَّ قُدُومَ وَفْدِ نَصِيبِينَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِنَحْوِ ثَلَاثِ سِنِينَ، قَالَ السُّرُوجِيُّ: وَقَوْلُهُ: لَيْلَةُ الْجِنِّ يُوهِمُ أَنَّهَا كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، وهذا فيه نظر تقرّرعند مُسْلِمٍ1 فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إذَا هُوَ جَاءٍ مِنْ قِبَلِ حِرَاءٍ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مَشْهُورًا، فَلَيْسَ يُرِيدُ الْمَشْهُورَ الِاصْطِلَاحِيَّ، وَأَمَّا عَمَلُ الصَّحَابَةِ فَفِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: النَّبِيذُ وَضُوءُ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ مَزِيدَةَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ ثَنَا قَيْسُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ لَيْلَةَ الْجِنِّ: "مَعَكَ مَاءٌ؟ " قَالَ: لَا، إلَّا نَبِيذٌ فِي سَطِيحَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ صُبَّ عَلَيَّ" فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ فَتَوَضَّأَ بِهِ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُسْنَدُ ابْنِ عَبَّاسٍ، لَكِنَّ الطَّبَرَانِيَّ فِي مُعْجَمِهِ4 جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَكَذَلِكَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَلَفْظُهُمَا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَضَّأَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ بِنَبِيذٍ، فَتَوَضَّأَ، وَقَالَ "مَاءٌ طَهُورٌ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ، لِأَنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ كَانَتْ كُتُبُهُ قَدْ احْتَرَقَتْ، وَبَقِيَ يَقْرَأُ مِنْ كُتُبِ غَيْرِهِ، فَصَارَ فِي أَحَادِيثِهِ مَنَاكِيرُ، وَهَذَا مِنْهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَيُنْظَرُ لَفْظُهُ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ، مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ مَجَاعَةَ عَنْ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا لَمْ يَجِدْ أحدكم ماءاً وَوَجَدَ النَّبِيذَ فَلْيَتَوَضَّأْ بِهِ"،
انْتَهَى.، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَبَانُ: هُوَ أَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ مَتْرُوكٌ، وَمَجَاعَةُ: ضَعِيفٌ: وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ عِكْرِمَةَ غَيْرُ مَرْفُوعٍ. طَرِيقٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ وَاضِحٍ ثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، سَوَاءً، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهَمَ فِيهِ الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ، وَالْمَحْفُوظُ مِنْ قَوْلِ عِكْرِمَةَ غَيْرُ مَرْفُوعٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ سَاقَهُ بِسَنَدِهِ إلَى عِكْرِمَةَ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَمَ فِيهِ الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي ذِكْرِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ. وَفِي ذِكْرِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَحْفُوظُ فِيهِ مِنْ قَوْلِ عِكْرِمَةَ، كَمَا رَوَاهُ هِقْلُ بْنُ زِيَادٍ. وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شَيْبَانُ النَّحْوِيُّ. وَعَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَكَانَ الْمُسَيِّبُ رحمه الله كَثِيرَ الْوَهْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
باب التيمم
بَابُ التَّيَمُّمِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ، وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ"، قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ. وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ2 عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ، وَلَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ"، انْتَهَى. وَطَوَّلَهُ أَبُو داود، قال الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ3 وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيِّ طَهُورُ الْمُسْلِمِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ بِهِ بِالطَّرِيقَيْنِ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ4 فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ إذْ لَمْ يَجِدَا لِعَمْرٍو رَاوِيًا غَيْرَ أَبِي قِلَابَةَ الْجَرْمِيِّ، انْتَهَى. وَبِالطَّرِيقَيْنِ أَيْضًا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، وَضَعَّفَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ،
هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِلَا شَكٍّ، إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ، وَعَمْرُو بْنُ بُجْدَانَ: لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ، وَإِنَّمَا رَوَى عَنْهُ أَبُو قِلَابَةَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ، فَقَالَ: خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى خَالِدٍ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا أَيُّوبُ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ:1عَنْهُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي قِلَابَةَ2 وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ رَجُلٍ فَقَطْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ، كَقَوْلِ خَالِدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ3: عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَجْعَلُ بَيْنَهُمَا أَحَدًا، فَيَجْعَلُهُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي قُشَيْرٍ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ. هَذَا كُلُّهُ اخْتِلَافٌ عَلَى أَيُّوبَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، وَجَمِيعُهُ فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَعَلَّلَهُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَمِنْ العجب كون الْقَطَّانِ لَمْ يَكْتَفِ بِتَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ فِي مَعْرِفَةِ حَالِ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ، مَعَ تَفَرُّدِهِ بِالْحَدِيثِ، وَهُوَ قَدْ تقل كَلَامَهُ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: هُوَ ثِقَةٌ، أَوْ يُصَحَّحَ لَهُ حَدِيثٌ انْفَرَدَ بِهِ؟ وَإِنْ كَانَ تَوَقَّفَ عَنْ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا أَبُو قِلَابَةَ، فَلَيْسَ هَذَا: بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ إلَى كَثْرَةِ الرُّوَاةِ فِي نَفْيِ جَهَالَةِ الْحَالِ، فَكَذَلِكَ لَا يُوجِبُ جَهَالَةَ الْحَالِ بِانْفِرَادِ رَاوٍ وَاحِدٍ عَنْهُ بَعْدَ وُجُودِ مَا يَقْتَضِي تَعْدِيلَهُ، وَهُوَ تَصْحِيحُ التِّرْمِذِيِّ، وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ كِتَابِ الدَّارَقُطْنِيِّ فَيَنْبَغِي عَلَى طَرِيقَتِهِ. وَطَرِيقَةُ الْفِقْهِ أَنْ يُنْظَرَ فِي ذَلِكَ، إذْ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ قَوْلِنَا: عَنْ رَجُلٍ، وَبَيْنَ قَوْلِنَا: عَنْ رَجُلٍ من بين عَامِرٍ، وَبَيْنَ قَوْلِنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ، وَأَمَّا مَنْ أَسْقَطَ ذِكْرَ هَذَا الرَّجُلِ فَيَأْخُذُ بِالزِّيَادَةِ، وَيَحْكُمُ به، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، فَإِنْ كَانَ كُنْيَةً لِعَمْرٍو فَلَا اخْتِلَافَ، وَإِلَّا فَهِيَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ مُخَالِفَةٌ احْتِمَالًا لَا يَقِينًا، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي قُشَيْرٍ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَهِيَ مُخَالِفَةٌ، فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ فِي إسْنَادِهَا عَلَى طَرِيقَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَمْ يُعَلِّلْ بِهَا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَطَاءِ بْنِ مُقَدَّمٍ ثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصَّعِيدُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيَتَّقِ الله وليمسه بشرته"، انتهى. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ نَسْمَعْهُ إلَّا مِنْ مُقَدَّمٍ، وَكَانَ ثِقَةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ ثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقَدَّمِيُّ بِهِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ فِي غَنِيمَةٍ بِالْمَدِينَةِ،
فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أبا ذر، فسكت"، فردها عَلَيْهِ، فَسَكَتَ، فَقَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ"، قَالَ: إنِّي جُنُبٌ، فَدَعَا لَهُ الْجَارِيَةَ بِمَاءٍ، فَجَاءَتْهُ بِهِ، فَاسْتَتَرَ بِرَاحِلَتِهِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُجْزِئُكَ الصَّعِيدُ، وَلَوْ لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ عِشْرِينَ سَنَةً، فَإِذَا وَجَدْتَهُ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ إلَّا هِشَامٌ، وَلَا عَنْ هِشَامٍ إلَّا الْقَاسِمُ، تَفَرَّدَ بِهِ مُقَدَّمٌ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَهُوَ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَهُ عِلَّةٌ، وَالْمَشْهُورُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الَّذِي صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَغَيْرُهُ، قَالَ: وَالْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَطَاءِ بْنِ مُقَدَّمٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْهِلَالُ الْوَاسِطِيُّ يَرْوِي عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خيثم، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ أَخِيهِ مُقَدَّمُ بْنُ يَحْيَى الْوَاسِطِيُّ. وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي - التَّفْسِيرِ -. وَالتَّوْحِيدِ. وَغَيْرِهِمَا - مِنْ صَحِيحِهِ معتمداً على مَا يَرْوِيه، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ"، قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ والدارقطني فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ ظَبْيَانِ عَنْ عبد اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ"، انْتَهَى. سَكَتَ عَنْهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ غَيْرَ عَلِيِّ بْنِ ظَبْيَانِ، وَهُوَ صَدُوقٌ، وَقَدْ وَقَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. وَهُشَيْمٌ. وَغَيْرُهُمَا. وَمَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَكَذَا رَفَعَهُ عَلِيُّ بْنُ ظَبْيَانِ، وَقَدْ وقفه يحيى الْقَطَّانِ. وَهُشَيْمٌ. وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ الصَّوَابُ، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا، وَقَدْ ضَعَّفَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ بِعَلِيِّ بْنِ ظَبْيَانِ، قَالَ فِي الْإِمَامِ قَالَ: ابْنُ نُمَيْرٍ يُخْطِئُ فِي حَدِيثِهِ كُلِّهِ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. أَوْ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ. وَأَبُو حَاتِمٍ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَاهِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَسْقُطُ الِاحْتِجَاجُ بِأَخْبَارِهِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَقَالَ: رَفَعَهُ عَلِيُّ بْنُ ظَبْيَانِ، وَالثِّقَاتُ، كَالثَّوْرِيِّ. وَيَحْيَى القطان وقفوه، وضعف عَلِيُّ بْن ظَبْيَانِ عَنْ النَّسَائِيّ. وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمَا عَلَيْهِ. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ. والدارقطني أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي دَاوُد الْحَرَّانِيِّ عَنْ سَالِمٍ. وَنَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، سَوَاءً. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ. والدارقطني أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ بِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ. وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي دَاوُد، ضَعِيفَانِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ. وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي دَاوُد لَيْسَا مِنْ شُرُوطِ هَذَا الْكِتَابِ، وَلَكِنْ ذَكَرْنَاهُمَا فِي الشَّوَاهِدِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 أَيْضًا. والدارقطني2 فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَنْمَاطِيِّ ثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةُ لِلذِّرَاعَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ3 وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ4 رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَعُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ5 مُتَكَلَّمٌ فِيهِ. وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ التنقيح تابعاً للشيخ قال الشيخ تَقِيِّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ وَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: إنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُد. وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ. وَغَيْرُهُمَا، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ جَرْحًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ. وَمُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَا: ثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عمارة ثنا الحريش الْخِرِّيتِ عَنْ ابْنِ أَبِي مليكة عن عائشة أن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ. وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْحُرَيْشُ6 رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَخُو الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَرِيشُ بْنُ الْخِرِّيتِ، فِيهِ نَظَرٌ، قَالَ7: وأنا لا أعرف حاله، فَإِنِّي لَمْ أَعْتَبِرْ حَدِيثَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَحَادِيثُ الْبَابِ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد8 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْعَبْدِيِّ ثَنَا نَافِعٌ قَالَ: انْطَلَقْتُ مع ابن عمرو فِي حَاجَةٍ إلَى ابْنِ عباس، فقضى ابن عمرو حَاجَتَهُ، وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ يَوْمَئِذٍ أَنْ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِكَّةٍ مِنْ سِكَكٍ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، حَتَّى إذ 1 كَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَوَارَى عَنْهُ، ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْحَائِطِ وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلَامَ، وَقَالَ: "إنه لم يمنعني من أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ السَّلَامَ إلَّا أَنِّي لَمْ
أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الإمام: ورُدَّت هذه الراوية1 بِالْكَلَامِ فِي مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَعَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالْمَتِينِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: خُولِفَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا فِي التَّيَمُّمِ وَخَالَفَهُ أَيُّوبُ. وَعُبَيْدُ اللَّهِ. وَغَيْرُهُمْ، فَقَالُوا: عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَعَلَهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ يَرْوِي عَنْ نَافِعٍ، لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ حَدِيثِهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، قَالَ: وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي تَقْوِيَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَشْيَاءَ ذَكَرَهَا، وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَهُ مُخَالِفُوهُ، مَعَ الِاسْتِعَاذَةِ بِاَللَّهِ مِنْ تَقْوِيَةِ الْبَاطِلِ أَوْ تَضْعِيفِ حَقٍّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ رَفْعَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ ثلبت العبدي، فققد رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ نَافِعٍ مِنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَاَلَّذِي رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ مِنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ إنَّمَا هُوَ التَّيَمُّمُ فَقَطْ، فَأَمَّا هَذِهِ الْقِصَّةُ فَهِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشْهُورَةٌ بِرِوَايَةِ أَبِي الْجَهْمِ، الْحَرْبِ بْنِ الصِّمَّةِ، وَغَيْرِهِ، قَالَ الشَّيْخُ2: وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَأَمَّلَ فِيمَا أَنْكَرَهُ هَذَا الْحَافِظُ، هَلْ هُوَ أَصْلُ الْقِصَّةِ أَوْ رِوَايَتُهَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، أَوْ رَفْعُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ لِلْمَسْحِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَفِي كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُنْكَرَ إنَّمَا هُوَ رَفْعُ مَسْحِ الْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، لَا أَصْلَ الْقِصَّةِ وَلَا رِوَايَتَهَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، لِأَنَّهُ قَالَ: وَاَلَّذِي رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ مِنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ إنَّمَا هُوَ التَّيَمُّمُ فَقَطْ، وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَتَأَتَّى رِوَايَةُ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَوْقُوفَةً عَلَى ابْنِ عُمَرَ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُنْكَرُ عِنْدَ مَنْ أَنْكَرَ هُوَ رَفْعَ الْمَسْحِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَأَنَّ التَّعْلِيلَ بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ مَوْقُوفَةً، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْمَشْهُورُ أَصْلَ الْقِصَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْجَهْمِ. وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْمِرْفَقَيْنِ، فَلَيْسَ يَنْفَعُ ذَلِكَ فِي تَقْوِيَةِ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ، بَلْ قَدْ عَدَّهُ خُصُومُهُ سَبَبًا لِلتَّضْعِيفِ، وَأَنَّ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ - فِي قِصَّةِ أَبِي جَهْمٍ: وَيَدَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ: وَذِرَاعَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
قُلْتُ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَقَدْ أَنْكَرَ الْبُخَارِيُّ رحمه الله، على الْحَدِيثِ، وَرَفْعُهُ غَيْرُ مُنْكَرٍ، فَقَدْ رَوَاهُ الضَّحَّاكُ بْنُ عثمان محمد بن ثابت رفع هذا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ التَّيَمُّمَ1 وَرَوَاهُ2 يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ بِتَمَامِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: مَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَاَلَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ الذِّرَاعَيْنِ، وَلَكِنَّ تَيَمُّمَ ابْنِ عُمَرَ عَلَى الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ، وَفَتْوَاهُ بِذَلِكَ يَشْهَدُ بِصِحَّةِ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ، لِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيه عَنْهُ، فَدَلَّ عَلَى أن حَفِظَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ ثَابِتٍ حَفِظَهُ مِنْ نَافِعٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، وَإِنِّي تَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ، فَقَالَ: اضْرِبْ - هَكَذَا - وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ، فَمَسَحَ بِهَا إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ. والدارقطني4 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ الْأَسْلَعِ، قَالَ: أَرَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ أَمْسَحُ، فَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ رَفَعَهُمَا لِوَجْهِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى، فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ بَاطِنَهُمَا وَظَاهِرَهُمَا حَتَّى مَسَّ بِيَدَيْهِ الْمِرْفَقَيْنِ، زَادَ الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ الرَّبِيعُ: فَأَرَانِي أَبِي التَّيَمُّمَ كَمَا أَرَاهُ أَبُوهُ عَنْ الْأَسْلَعِ: ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ. وَضَرْبَةً لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ ضَعِيفٌ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ، قال الشيخ تقي الدين فِي الْإِمَامِ: وَالرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُشْتَغَلُ بِهِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ. والدارقطني: مَتْرُوكٌ، وَقَوْلُ الْبَيْهَقِيّ: إنَّهُ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ، لَا يَكْفِي فِي الِاحْتِجَاجِ حَتَّى يُنْظَرَ مرتبته. ومرتبته مُشَارِكِهِ، فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يُوَافِقُ مَعَ غَيْرِهِ فِي الرِّوَايَةِ يَكُونُ مُوجِبًا لِلْقُوَّةِ وَالِاحْتِجَاجِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ1 مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي الْقَوْمِ حِينَ نَزَلَتْ الرُّخْصَةُ فِي الْمَسْحِ بِالتُّرَابِ إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ، فَأُمِرْنَا فَضَرَبْنَا وَاحِدَةً لِلْوَجْهِ، ثُمَّ ضَرْبَةً أُخْرَى لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ2 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَمَّارٍ، فَتَابَعُوا ابْنَ إسْحَاقَ، وَرَوَاهُ غَيْرُ واحد الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَمَّارٍ، وَلَمْ يَقُلْ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَمَّارٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عِصْمَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي جَهْمٍ، قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بِئْرِ جَمَلٍ إمَّا مِنْ غَائِطٍ. وَإِمَّا مِنْ بَوْلٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ وَضَرَبَ الْحَائِطَ بِيَدِهِ ضَرْبَةً فَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى فَمَسَحَ بِهَا ذِرَاعَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ رَدَّ السَّلَامَ، وَأَبُو عِصْمَةَ إنْ كَانَ هُوَ نُوحَ بْنَ أَبِي مَرْيَمَ، فَهُوَ مَتْرُوكٌ. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَكُونُ بِالرِّمَالِ الْأَشْهُرَ: الثَّلَاثَةَ. وَالْأَرْبَعَةَ، وَيَكُونُ فِينَا الْجُنُبُ. وَالنُّفَسَاءُ. وَالْحَائِضُ، وَلَسْنَا نَجِدُ الْمَاءَ، فَقَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالْأَرْضِ"، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْأَرْضِ لِوَجْهِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثم ضرب أُخْرَى فَمَسَحَ بِهَا يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ3، انْتَهَى. وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ ضَعِيفٌ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَحَادِيثُ الضَّرْبَةِ الْوَاحِدَةِ، رَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ4 فِي كُتُبِهِمْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ، فَقَالَ: إنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ، فَقَالَ: لَا تُصَلِّ، فَقَالَ عَمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إذْ أَنَا. وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ، فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ ماءاً فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ فَصَلَّيْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الْأَرْضَ، ثُمَّ تَنْفُخَ، ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَك وَكَفَّيْكَ،؟ " فَقَالَ عُمَرُ: نُوَلِّيكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّيْتَ، أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ5 مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا
مَعَ عَبْدِ اللَّهِ. وَأَبِي مُوسَى: فَقَالَ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا كَيْفَ يَصْنَعُ بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يَتَيَمَّمُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَكَيْفَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَأَوْشَكَ إذَا بَرَدَ عَلَيْهِمْ الْمَاءُ أن يتيمَّوا بِالصَّعِيدِ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللَّهِ: أَلَمْ تَسْمَعْ إلَى قَوْلِ عَمَّارٍ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ، كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ"، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَوَ لَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ؟، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ1 مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ التَّيَمُّمِ إلَى الْمَنَاكِبِ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ حَدَّثَهُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُمْ تَمَسَّحُوا - وَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّعِيدِ - لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمْ الصَّعِيدَ، ثُمَّ مَسَحُوا بِوُجُوهِهِمْ مَسْحَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ عَادُوا فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمْ الصَّعِيدَ مَرَّةً أُخْرَى، فَمَسَحُوا بِأَيْدِيهِمْ كُلِّهَا إلَى الْمَنَاكِبِ وَالْآبَاطِ مِنْ بُطُونِ أَيْدِيهِمْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ لَمْ يُدْرِكْ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ2. وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمَّارٍ مَوْصُولًا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَمَّارٍ أَتَمَّ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ، قَالَ في: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمَّارٍ، وَشَكَّ فِيهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ مَرَّةً: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ مَرَّةً: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ،، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي. وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ4 بْنُ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد الله عن بن عباس
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّيَمُّمِ فَقَالَا: هَذَا خَطَأٌ، رَوَاهُ مَالِكٌ. وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمَّارٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُمَا أَحْفَظُ، فَقُلْتُ: قَدْ رَوَاهُ يُونُسُ. وَعُقَيْلٌ. وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَمَّارٍ، وَهُمْ أَصْحَابُ الْكُتُبِ، فَقَالَا: مَالِكٌ صَاحِبُ كِتَابٍ، وَصَاحِبُ حِفْظٍ، وَقَالَ الْأَثْرَمُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: إنَّمَا حكى فِعْلُهُمْ دُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا حُكِيَ فِي الْآخَرِ: أَنَّهُ أَجْنَبَ، فَعَلَّمَهُ عليه السلام. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ قوماً جاؤوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: إنا كنا قَوْمٌ نَسْكُنُ الرِّمَالَ، وَلَا نَجِدُ الْمَاءَ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ، وَفِينَا الْجُنُبُ. وَالْحَائِضُ. وَالنُّفَسَاءُ، فَقَالَ عليه السلام: "عَلَيْكُمْ بِأَرْضِكُمْ"، قُلْتُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَكَذَلِكَ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إنَّا نَكُونُ بِالرِّمَالِ الْأَشْهُرَ الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ، وَيَكُونُ فِينَا الْجُنُبُ. وَالنُّفَسَاءُ. وَالْحَائِضُ، وَلَسْنَا نَجِدُ الْمَاءَ، فَقَالَ عليه السلام: "عَلَيْكُمْ بِالْأَرْضِ"، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْأَرْضِ لِوَجْهِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى، فَمَسَحَ بِهَا عَلَى يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: قَالَ أَحْمَدُ والرازي1: الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ لَا يُسَاوِي شَيْئًا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، وَابْنُ لَهِيعَةَ أَيْضًا: ضَعِيفٌ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزَّارُ الْأَصْبَهَانِيُّ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: لَا يُعْلَمُ لِسُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدٍ بِهِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ2. وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: "مَا مَنَعَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، وَلَا مَاءَ، فَقَالَ: "عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ"، انْتَهَى. أَخْرَجَاهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ،
وَأَنَا فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ إنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ، ثُمَّ أَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ1. وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَفِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ ذَكَرْنَاهُ فِي أَحَادِيثِ الْكَشَّافِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عمر احْتَلَمَ فَغَسَلَ مَغَابِنَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ صَلَّى بهذا الحديث، رواه الْحَاكِمُ2 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُمَا عَلَّلَاهُ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى يَعْنِي لِاخْتِلَافِهِمَا3 وَهِيَ قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَ: وَلَا تُعَلِّلُ رِوَايَةُ التَّيَمُّمِ رِوَايَةَ الْوُضُوءِ، فَإِنَّ أَهْلَ مِصْرَ أَعْرَفُ بِحَدِيثِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَعْنِي أَنَّ رِوَايَةَ الْوُضُوءِ يَرْوِيهَا مِصْرِيٌّ عَنْ مِصْرِيٍّ، وَالتَّيَمُّمِ بَصْرِيٌّ عَنْ مِصْرِيٍّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ التَّيَمُّمَ. وَالْوُضُوءَ وَقَعَا، فَغَسَلَ مَا أَمْكَنَهُ، وَتَوَضَّأَ. وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي، قال النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ، مُتَعَيِّنٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَدِيثَ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ التَّيَمُّمِ لِلْجِنَازَةِ رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ الْيَمَانِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ مُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إذَا فَجِئْتُكَ الْجِنَازَةُ وَأَنْتَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَتَيَمَّمْ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا مَرْفُوعًا غَيْرَ مَحْفُوظٍ، وَالْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ قَالَ أَحْمَدُ: مُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، حَدَّثَ بِأَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ، وَكُلُّ حَدِيثٍ رَفَعَهُ فَهُوَ مُنْكَرٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ4: الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ ضَعِيفٌ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ عَنْ عَطَاءٍ لَا يُسْنِدُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مَوْقُوفًا، وَقَدْ رَوَاهُ الْيَمَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ
وَكِيعٍ عَنْ مُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ عَنْ مُغِيرَةَ، فَارْتَقَى دَرَجَةً أُخْرَى، فَبَلَغَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْيَمَانُ بْنُ سَعِيدٍ: ضَعِيفٌ، وَرَفْعُهُ خَطَأٌ فَاحِشٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ1 الْمَوْصِلِيُّ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إذَا خِفْتَ أَنْ تَفُوتَكَ الْجِنَازَةُ وَأَنْتَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَتَيَمَّمْ وَصَلِّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ2 فِي شَرْحِ الْآثَارِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي كِتَابِ الْكُنَى عَنْ الْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ عَنْ مُغِيرَةَ بِهِ مَوْقُوفًا، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَة نَحْوَهُ عَنْ عِكْرِمَةَ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ. وَعَنْ الْحَسَنِ، وَأَخْرَجَ عَنْ الشَّعْبِيِّ فَصَلِّ عَلَيْهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ3 مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ. وَابْنُ أَبِي مَذْعُورٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى عَلَيْهَا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا لَا أَعْلَمُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ خَطَأً، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ فِي سَفَرٍ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ بِخِلَافِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَحَادِيثُ التَّيَمُّمِ بِأَجْزَاءِ الْأَرْضِ تَعَلَّقَ مَنْ أَجَازَهُ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ بِحَدِيثِ4: جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا أَوْ بِحَدِيثِ5 عَلَيْكُمْ بِأَرْضِكُمْ وَتَعَلَّقَ6 مَنْ اقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى التُّرَابِ بِمَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "فُضِّلْتُ عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ وَفِيهِ: وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ"، وَفِي لَفْظِ الدَّارَقُطْنِيِّ: "جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَتُرَابُهَا طَهُورًا"، وَكَذَلِكَ عند البيهقي ترابها روى أَحْمَدُ. وَالْبَيْهَقِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ عن
مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ"، فَقُلْنَا: مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ، وَجُعِلَ لِي التُّرَابُ طَهُورًا"، وَفِي الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ خِلَافٌ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَةِ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الصَّعِيدُ الْحَرْثُ، حَرْثُ الْأَرْضِ، وَرَوَاهُ مِنْ جِهَةِ جَرِيرٍ عَنْ قَابُوسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَطْيَبُ الصَّعِيدِ حَرْثُ الْأَرْضِ، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ. وَغَيْرِهِ: بِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي هِيَ: الرَّمْلُ. وَالْجِصُّ. وَالْكُحْلُ. وَالنُّورَةُ. وَغَيْرُهَا فِي الْأَرْضِ لَا مِنْ الْأَرْضِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالتُّرَابِ مِنْ أَرْضِكُمْ، وَيَكْشِفُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ نَفْسَهُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالتُّرَابِ، هَذَا مَعَ ضَعْفِهِ، فَإِنَّ فِيهِ الْمُثَنَّى بْنَ الصَّبَّاحِ، قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ: لَا يُسَاوِي شَيْئًا، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكٌ، وَلَهُمْ فِيهِ جَوَابٌ آخَرُ، قَالُوا: إنَّ رِمَالَهُمْ مَخْلُوطَةٌ بِالتُّرَابِ، وَإِلَّا لَمَا نَبَتَ فِيهَا زَرْعٌ وَلَا ثَمَرٌ، وَهُمْ يُجَوِّزُونَ التَّيَمُّمَ بِتُرَابِ الْمَخْلُوطِ. أَحَادِيثُ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ أَكْثَرُ مِنْ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ: مَتْرُوكٌ، وَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ فِي جُمْلَةِ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ هُشَيْمِ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ1 عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كَانَ يُحْدِثُ لِكُلِّ صَلَاةٍ تَيَمُّمًا، قَالَ مَعْمَرٌ: وَكَانَ قَتَادَةُ يَأْخُذُ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ هَذَا مُرْسَلٌ، وَلِأَصْحَابِنَا حَدِيثُ التَّيَمُّمُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ. أَحَادِيثُ مَنْ لَمْ يَجِدْ مُطَهِّرًا تَعَلَّقَ مَنْ قَالَ: يُصَلِّي بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، بِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ2 مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا، فَأَدْرَكَتْهُمْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَلَمَّا أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَوْا ذَلِكَ إلَيْهِ فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ أُسَيْد بْنُ حُضَيْرٍ: جَزَاكُمْ اللَّهُ خَيْرًا، مَا تُرِكَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا، وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً، وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ3
مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ"، وَبِهَذَا الْحَدِيثِ تَعَلَّقَ مِنْ الْعُلَمَاءِ1 فِيمَنْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا لَا يَكْفِيهِ لِيَسْتَعْمِلَهُ، وَتَعَلَّقَ مَنْ قَالَ: لَا يُصَلِّي عِنْدَ عَدَمِ الْمُطَهِّرِ، بِحَدِيثِ2 لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ وَبِحَدِيثِ3 لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى الطُّهُورِ. أَحَادِيثُ التَّيَمُّمِ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الْمَاءِ قَدْ يُسْتَدَلُّ لِذَلِكَ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ4 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَجُلَانِ فِي سَفَرٍ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، وليس معهما ماءاً فَتَيَمَّمَا صَعِيدًا طَيِّبًا فَصَلَّيَا، ثم وجد الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ، فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الصَّلَاةَ وَالْوُضُوءَ، وَلَمْ يُعِدْ الْآخَرُ، ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ: "أَصَبْتَ السُّنَّةَ، وَأَجْزَأَتْكَ صَلَاتُكَ"، وَقَالَ لِلَّذِي تَوَضَّأَ فَأَعَادَ: "لَك الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَغَيْرُ ابْنِ نَافِعٍ يَرْوِيهِ عَنْ اللَّيْثِ بن عَمِيرَةَ بْنِ أَبِي نَاجِيَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ مرسلاً، وذكر أبو سَعِيدٍ فِيهِ وَهْمٌ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ: فَاَلَّذِي أَسْنَدَهُ أَسْقَطَ مِنْ الْإِسْنَادِ رَجُلًا، وَهُوَ عَمِيرَةُ فَيَصِيرُ مُنْقَطِعًا، وَاَلَّذِي يُرْسِلُهُ فِيهِ مَعَ الْإِرْسَالِ عَمِيرَةُ، وَهُوَ مَجْهُولُ الْحَالِ، قَالَ: لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ. وَعَمِيرَةِ بْنِ أَبِي نَاجِيَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ خَرَجَا فِي سَفَرٍ، الْحَدِيثُ قَالَ: فَوَصَلَهُ مَا بَيْنَ اللَّيْثِ. وَبَكْرٍ بِعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَقَرَنَهُ بِعَمِيرَةَ، وَأَسْنَدَهُ بِذِكْرِ أَبِي سَعِيدٍ. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ الْمَوْصِلِيُّ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ ابْنِ هُبَيْرَةَ عَنْ حَنَشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ ثُمَّ تَيَمَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ الْمَاءَ مِنْكَ قَرِيبٌ، قَالَ: "فَلَعَلِّي لَا أَبْلُغُهُ"، انْتَهَى. فِي أَنَّ التَّيَمُّمَ رَافِعٌ أَوْ مُبِيحٌ. وَمِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ رَافِعٌ لِلْحَدَثِ، حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ5
"وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مسجداً أو طهوراً"، وَحَدِيثُ السُّنَنِ1 الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ، وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ وَتَكَلَّفَ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ، وَأَجَابَ عَنْ الْحَدِيثَيْنِ: بِأَنَّ مَعْنَاهُمَا أَنَّ التُّرَابَ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّهُورِ فِي إبَاحَةِ الصَّلَاةِ، قَالُوا: وَلَوْ كَانَ طَهُورًا حَقِيقَةً لَمَا احْتَاجَ الْجُنُبُ بَعْدَ التَّيَمُّمِ أَنْ يَغْتَسِلَ، ثُمَّ اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الحصين2 أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ، فَقَالَ: "مَا مَنَعَك أَنْ تُصَلِّيَ؟ " قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ، قَالَ: "عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ"، وَاشْتَكَى إلَيْهِ النَّاسُ الْعَطَشَ فَدَعَا عَلِيًّا. وَآخَرَ، فَقَالَ: "أَبْغِيَا الْمَاءَ"، فَذَهَبَا فَجَاءَا بِامْرَأَةٍ مَعَهَا مَزَادَتَانِ، فَأَفْرَغَ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ، فَسَقَى وَاسْتَسْقَى، وَكَانَ آخِرُ ذَلِكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الجنابة من إنَاءً مِنْ مَاءٍ، فَقَالَ: "اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ"، انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاجَلَهُ بِالْمَاءِ3 قَبْلَ أَنْ يَتَيَمَّمَ، إذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ تَيَمَّمَ، أَوْ يُقَالُ: إنَّهُ عليه السلام أَمَرَهُ بِالِاغْتِسَالِ اسْتِحْبَابًا لَا وُجُوبًا، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد4 مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ، وَأَنَا فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ إنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ، ثُمَّ أَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، فَلَوْ كَانَ الِاغْتِسَالُ بَعْدَ التَّيَمُّمِ وَاجِبًا لَأَمَرَهُ بِهِ. فَائِدَةٌ فِي ذِكْرِ وَهْمٍ، وَقَعَ لِعَبْدِ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ ذَكَرَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ، مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ صَالِحِ بْنِ بَيَانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَسْحُ التَّيَمُّمِ هَكَذَا"، وَوَصَفَ صَالِحُ مِنْ وَسَطِ رَأْسِهِ إلَى جَبْهَتِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هَذَا خَطَأٌ، وَتَصْحِيفٌ حَقَّقَهُ عَلَيْهِ إدْخَالُهُ إيَّاهُ فِي التَّيَمُّمِ إذْ لَمْ يُسْمَعْ فِي رِوَايَةٍ وَلَا فِي رَأْيٍ يُمْسَحُ الرَّأْسُ فِي التَّيَمُّمِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَسْحُ الْيَتِيمِ، وَلَوْ قَرَأَ آخِرَ الْحَدِيثِ لَتَبَيَّنَ لَهُ سُوءُ نَقْلِهِ، قَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْبَصْرَةِ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مَسْحُ الْيَتِيمِ هَكَذَا وَوَصَفَ صَالِحُ مِنْ وَسَطِ رَأْسِهِ إلَى جَبْهَتِهِ، وَمَنْ كَانَ لَهُ أَبٌ فَهَكَذَا، وَوَصَفَ صَالِحُ مِنْ جَبْهَتِهِ إلَى وَسَطِ
رَأْسِهِ، قَالَ: وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ لَيْسَ يُعْرَفُ بِالنَّقْلِ، وَحَدِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَهُ غَيْرُ الْعُقَيْلِيِّ كَذَلِكَ، وَمِنْهُمْ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَعَلَّ التَّصْحِيفَ مِنْ الْعُقَيْلِيِّ، فَإِنَّ الْعُقَيْلِيَّ إنَّمَا يُتَرْجِمُ بِأَسْمَاءِ الرِّجَالِ. وَعَبْدُ الْحَقِّ إنَّمَا تَحَقَّقَ وَهْمُهُ بِإِدْخَالِهِ إيَّاهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ بَيْنَ أَحَادِيثِ التَّيَمُّمِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَتِيمُ، فَقَالَ الْبَزَّارُ لَمَّا رَوَاهُ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَلِذَلِكَ كَتَبْنَاهُ إذْ لَمْ يُشَارِكْ مُحَمَّدَ بْنَ سُلَيْمَانَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَحَدٌ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْخَطِيبُ1 فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَقَالَ: لَا يُحْفَظُ لَهُ غَيْرُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ بِجَرْحٍ، وَلَا تَعْدِيلٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
باب المسح على الخفين
بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَوْلُهُ: الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ جَائِزٌ بِالسُّنَّةِ، وَالْأَخْبَارُ مُسْتَفِيضَةٌ، قُلْت: قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِذْكَارِ: رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ نَحْوُ أَرْبَعِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَفِي الْإِمَامِ: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: رُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. وَأَنَا أَذْكُرُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا تَيَسَّرَ لِي وُجُودُهُ، مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ، وَأَبْدَأ بِالْأَصَحِّ فَالْأَصَحِّ، فَأَقُولُ: مِنْهَا حَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ2 مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ جَرِيرٍ أَنَّهُ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَفْعَلُ هَذَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، قَالَ الْأَعْمَشُ: قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ، لِأَنَّ إسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ3 فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ جَرِيرًا كَانَ مِنْ آخِرِ مَنْ أَسْلَمَ، انْتَهَى. هَكَذَا أَخْرَجُوهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، إلَّا أَبَا دَاوُد، فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، أَنَّ جَرِيرًا، بَال ثُمَّ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَقَالَ: مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَمْسَحَ؟ وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ، قَالُوا: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ قَالَ: مَا أَسْلَمْت إلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ وَالْمَتْنِ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ، إنَّمَا أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ جَرِيرٍ، وَفِيهِ قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانَ يُعْجِبُهُمْ حَدِيثُ جَرِيرٍ، لِأَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ نُزُولِ
الْمَائِدَةِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَقَدْ وَرَدَ مُؤَرَّخًا بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نُوحِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ شَيْبَانُ بْنِ فَرُّوخَ1 عَنْ حَرْبِ بْنِ شُرَيْحٍ2 عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَذَهَبَ عليه السلام يَتَبَرَّزُ، فَرَجَعَ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَمِنْهَا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ3 أَيْضًا مِنْ حَدِيثِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ، فأتبعه المغيرة بن شعبة بأدواة فِيهَا مَاءٌ فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ، فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَزَادَ فِيهِ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ؟ قَالَ: "لَا بَلْ أَنْتَ نَسِيتَ، بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ"، انْتَهَى. وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ فَزَادَ فِيهِ التَّوْقِيتَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بن علي التسنوي عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بْنِ ذُرَيْحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا أَنْ نَمْسَحَ عَلَى خِفَافِنَا، لِلْمُسَافِرِ ثلاثة أيام وليالهن، وَالْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، مَا لَمْ نَخْلَعْ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ4 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَأَلَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: نَعَمْ، إذَا حَدَّثَكَ سَعْدٌ عَنْ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَسْأَلْ غَيْرَهُ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ5 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمسح عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ6 أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ: كُنْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْتَهَى إلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِمًا فَتَنَحَّيْت، فَقَالَ: "ادْنُهْ"، فَدَنَوْت حَتَّى قُمْت عِنْدَ عَقِبِهِ، فَتَوَضَّأَ ومسح على خفيه، رواه الْبُخَارِيُّ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي صَحِيحِهِ. وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ وَفِيهِ: فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ بِلَالٍ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ7 عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ
عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَالْخِمَارِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِقِصَّةٍ فِيهَا فَائِدَةُ حُسْنِهِ1. وَسَيَأْتِي قَرِيبًا، وَمِنْهَا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ2 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَقَدْ صَنَعْت الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ، فَقَالَ: "عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، عَلَى رَسْمِ الْجَمَاعَةِ، إلَّا الْبُخَارِيَّ فِي سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ دَلْهَمِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّجَّاشِيَّ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُفَّيْنِ أَسْوَدَيْنِ سَاذَجَيْنِ فَلَبِسَهُمَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا، انْتَهَى. وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ الْبَصْرَةِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حديث حسن إنما يعرفه مِنْ حَدِيثِ دَلْهَمٍ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ حُجَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ دَلْهَمِ بْنِ صَالِحٍ، وَذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ في مختصره: ورواه أَحْمَدُ عَنْ وَكِيعٍ، فَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، وَمِنْهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ3 مِنْ حَدِيثِ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: سَأَلْت عَائِشَةَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: ائْتِ عَلِيًّا، فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: "جَعَلَ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا"، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي بَسْطُهُ في الحديث الأول، ومنه حَدِيثُ صَفْوَانَ4 بْنِ عَسَّالٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ أَنَّهُ سَأَلَ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ. وَبَوْلٍ. وَنَوْمٍ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِمَا وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمِنْهَا حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، أخرجه أبو داود. وتر. وَابْنُ مَاجَهْ5 عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ
صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي، وَمِنْهَا حَدِيثُ ثَوْبَانَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَأَصَابَهُمْ الْبَرْدُ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ2. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ بِهِ، وَثَوْرٌ لَمْ يَرْوِ لَهُ مُسْلِمٌ، بَلْ انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَرَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رَاشِدٌ سَمِعَ مِنْ ثَوْبَانَ، لِأَنَّهُ مَاتَ قَدِيمًا، وَفِي هَذَا الْقَوْلِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ رَاشِدًا شَهِدَ مَعَ مُعَاوِيَةَ صِفِّينَ، وَثَوْبَانُ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، وَمَاتَ رَاشِدٌ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمِائَةٍ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَالْعِجْلِيُّ. وَيَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ. وَالنَّسَائِيُّ، وَخَالَفَهُمْ ابْنُ حَزْمٍ، فَضَعَّفَهُ، وَالْحَقُّ مَعَهُمْ، وَالْعَصَائِبُ: الْعَمَائِمُ، وَالتَّسَاخِينُ: الْخِفَافُ، وَلَفْظُ أَحْمَدَ فِيهِ4، قَالَ: رَأَيْت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح عَلَى خُفَّيْهِ. وَعَلَى الْخِمَارِ، وَالْعِمَامَةِ، انْتَهَى. وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، وَالْخِمَارُ: الْعِمَامَةُ، هَكَذَا وَجَدْته، وَمِنْهَا حَدِيثُ أُسَامَةَ5 بْنِ زَيْدٍ، عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبِلَالٌ الْأَسْوَافَ، فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ، قَالَ أُسَامَةُ: فَسَأَلْت بِلَالًا مَا صَنَعَ؟ فَقَالَ بِلَالٌ: ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، ثُمَّ صَلَّى، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، فَقَدْ احْتَجَّ بِدَاوُد بْنِ قَيْسٍ، انْتَهَى. وَعَنْ الْحَاكِمِ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ6 وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَقَالَ: الْأَسْوَافُ7 حَائِطٌ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: وَسَمِعْت يُونُسَ يَقُولُ: لَيْسَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرٌ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَرِ غَيْرَ هَذَا، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ وَقَعَ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ8 مِنْ حَدِيثِ بُكَيْر بْنِ عَامِرٍ الْبَجَلِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ، زَعَمَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ مَشَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ، فَأَتَى بَعْضَ تِلْكَ الْأَوْدِيَةِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ فَتَوَضَّأَ، وَخَلَعَ الْخُفَّيْنِ، فَلَمَّا لَبِسَ خُفَّيْهِ وَجَدَ بَعْدَ ذَلِكَ رِيحًا فَعَادَ، ثُمَّ خَرَجَ فَتَوَضَّأَ،
وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقُلْت: أَنْسَيْت يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "بَلْ أَنْتَ نَسِيت، بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي"، انْتَهَى. وَبُكَيْر بْنُ عَامِرٍ الْبَجَلِيِّ كُوفِيٌّ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: صَالِحُ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَيْسَ بِكَثِيرِ الرِّوَايَةِ، وَلَمْ أَجِدْ لَهُ مَتْنًا مُنْكَرًا، وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ - وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ - لَيْسَ بِقَوِيٍّ، انْتَهَى. وَأَيْضًا فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ1 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ بِالْمَدِينَةِ، فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ الْأَعْمَشِ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ رَجُلًا لَيْسَ فِيهِ: بِالْمَدِينَةِ، إلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمَنْ جعل الْحَدِيثَ دَلِيلًا عَلَى الْمَسْحِ فِي الْحَضَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ قَوْلُهُ: بِالْمَدِينَةِ - مِنْ حَيْثُ إنَّ السُّبَاطَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْحَضَرِ - لَمْ يُحْسِنْ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كون السباطة الْحَضَرِ أَنْ يَكُونَ الْقَائِمُ عَلَيْهَا فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَوَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ: إنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ سَعْدٌ لِعُمَرَ: أَفْتِ ابْنَ أَخِي فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ عُمَرُ: كُنَّا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَمْسَحُ عَلَى خِفَافِنَا لَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَإِنْ جَاءَ من الغائط؟ اقل: نَعَمْ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَعِمْرَانُ بْنُ مُوسَى بْنِ حِبَّانَ رَوَى عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ. وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ: هُوَ ثِقَةٌ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سوار مشهور، أخرج لَهُ الْبُخَارِيُّ، وَبَاقِي الْإِسْنَادِ أَشْهَرُ وَأَعْرَفُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ الْمَسْحِ، فَقَالَ عمر: سمع رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَأْمُرُنَا بِالْمَسْحِ عَلَى ظَهْرِ الْخُفِّ، لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. وَلِلْمُقِيمِ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِالْمَسْحِ عَلَى ظَاهِرِ الْخِفَافِ إذَا لَبِسَهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: هَذَا حَدِيثٌ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ التَّوْقِيتُ عَنْ عُمَرَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ جَمَاعَةٌ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ التَّوْقِيتَ، وَخَالِدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْعُمَرِيِّ: لَيِّنُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ2 وَقَالَ: زَادَ خَالِدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِيهِ التَّوْقِيتَ، وَزَادَ فِيهِ: عَلَى ظَهْرِ الْخُفِّ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِمَا غَيْرُهُ، وَخَالِدٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. قُلْت: ذَكَرَهُ ابْن
حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ أبيّ عُمَارَةَ1 أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟، قَالَ: "نعم"، قال: يوم؟ قَالَ: وَيَوْمَيْنِ، قَالَ: وَثَلَاثًا؟ حَتَّى بَلَغَ سَبْعًا، قَالَ لَهُ: "وَمَا بَدَا لَك"، انْتَهَى. وَأُبَيُّ بْنُ عُمَارَةَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 وَقَالَ: لَمْ يُنْسَبْ إلَى وَاحِدٍ مِنْ رِجَالِهِ جَرْحٌ، انْتَهَى. وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَأَمَرَنَا بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَعَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنِ عَبَّاسٍ: اسْتَضْعَفَهُ بَعْضُهُمْ، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيِّ بْنِ السَّكَنِ3 بِطَرِيقٍ أَجْوَدَ مِنْ هَذِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ. وَيَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ. وَالْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالُوا: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَبُولُ بَوْلَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ يَكَاد أَنْ يَسْبِقَهُ قَائِمًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقُلْت: أَلَا تَنْزِعُ هَذَا؟ فَقَالَ: لَا، رَأَيْت خَيْرًا مِنِّي وَمِنْك يَفْعَلُ هذا، رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله، وَقَالَ: هَذَا إسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ، فَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ. وَعَبْدُ الْعَزِيزِ. وَأَبُوهُ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ، وَشُيُوخُ ابْنِ السَّكَنِ هَؤُلَاءِ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا4 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ ثنا عُمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: "هَلْ مِنْ مَاءٍ؟ " فَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ لَحِقَ بِالْجَيْشِ فَأَمَّهُمْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ عَنْ أَنَسٍ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثنا عُمَرُ. وَأَبُو زُرْعَةَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ الْأَلْهَانِيُّ5: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْفُضَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الحنفي حدثني سليمان التميمي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: وَضَّأْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ، فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى مِنْ حَدِيثِ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ:
سَأَلْت عَائِشَةَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ يَمْسَحَ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ثنا عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مُنْذُ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْمَائِدَةِ حَتَّى لَحِقَ بِاَللَّهِ تَعَالَى، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ولياليهن للمسافر. وللمقيم، يوم وَلَيْلَةً. وَمِنْهَا حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ1. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَالْبَزَّارُ2. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ3 وَقَالَ: لَا يُرْوَى عَنْ عَوْفٍ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ تَفَرَّدَ بِهِ هُشَيْمِ فِي مَسَانِيدِهِمْ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: دَاوُد بْنُ عُمَرَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ ثِقَةٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: مُقَارِبُ الْحَدِيثِ فِي مَسَانِيدِهِمْ أَخْبَرَنَا هُشَيْمِ عَنْ دَاوُد بْنِ عُمَرَ، وَعَنْ بِشْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ عَائِذٍ الله عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ - ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ولياليهن للمسافر، ويوم وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا مِنْ أَجْوَدِ حَدِيثٍ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، لِأَنَّهُ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ - وَهِيَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ، رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ4 وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ5 عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: سَأَلْت مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ أَيُّ حَدِيثٍ أَصَحُّ عِنْدَك فِي التَّوْقِيتِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ فَقَالَ: حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ، وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ، حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ6 ثُمَّ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَشْعَثِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: بِئْسَ مَالِي إنْ كَانَ مَهْنَأَةً لكم، وماثمة عَلَيَّ؟ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَيَأْمُرُ بِهِ، وَلَكِنْ حُبِّبَ إلَيَّ الْوُضُوءُ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي
سُنَنِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ثنا أَبَانُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ حَدَّثَنِي مَوْلًى لِأَبِي هُرَيْرَةَ، زَادَ الْبَيْهَقِيُّ، وَأَظُنُّهُ قَالَ: أَنَا أَبُو وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَضِّئْنِي" فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوءٍ، فَاسْتَنْجَى، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التُّرَابِ فَمَسَحَهَا، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ رِجْلَيْك لَمْ تَغْسِلْهُمَا، قَالَ: "إنِّي أَدْخَلْتُهُمَا. وَهُمَا طَاهِرَتَانِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِمَا حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي خَثْعَمَ الثُّمَالِيُّ أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ كما يجب أَنْ يُؤْخَذَ بِفَرِيضَتِهِ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالطُّهُورُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: "لِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ"، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، فَذَكَرَهُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ ابْنِ مَاجَهْ،1 وَلَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي أَطْرَافِهِ ثُمَّ قَالَ: وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الثُّمَالِيُّ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَالَ: وَقَدْ ضَعَّفَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ كُلَّ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَسْحِ، انْتَهَى. وَعُمَرُ بْنُ أَبِي خَثْعَمَ2 قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَاهِي الْحَدِيثِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي بُرْدَةَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ3 عَنْ خَصِيفٍ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْهُ4 أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَلَفْظُهُ: مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: سَأَلْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ: السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي، وَسَكَتَ عَنْهُ. وَمِنْهَا حَدِيثُ سَلْمَانَ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ5 فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ: عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا تَوَضَّأَ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ
يَمْسَحَ عليهما، قال سَلْمَانُ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ، وَعَلَى خِمَارِهِ. انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ1 مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ هِنْدٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي ضُعَفَائِهِ وَأَعَلَّهُ بِالْوَاقِدِيِّ، وَمِنْهَا حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ، رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ2 حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ زَنْجَلَةَ ثنا الصَّبَّاحُ بْنُ مُحَارِبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي السَّفَرِ لَا نَنْزِعُ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، وَنَكُونُ مَعَهُ في الحضر نمسح عَلَى خِفَافِنَا يَوْمًا وَلَيْلَةً، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ3 عَنْ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ الْبَرَاءِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الخفين حَتَّى قُبِضَ، انْتَهَى. وَضُعِّفَ سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنْ الْبُخَارِيِّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، وَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ مُسْلِمٍ أَبِي عَوْسَجَةَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي مُعْجَمِهِ4 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَرَكَانِيُّ ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ قَرْمٍ عَنْ عَوْسَجَةَ5 بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ ثنا مَهْدِيُّ بْنُ حَفْصٍ ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ بِهِ6 عَنْ مُسْلِمٍ أَبِي عَوْسَجَةَ، قَالَ: سَافَرْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ:7أَخْطَأَ فِيهِ مَهْدِيٌّ، فَقَالَ: سَافَرْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا سَافَرَ مَعَ عَلِيٍّ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَرِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْوَرَكَانِيُّ الَّتِي أَخْرَجَهَا الطَّبَرَانِيُّ تُبْرِئُ مَهْدِيًّا مِنْ نِسْبَةِ
الْخَطَإِ إلَيْهِ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ1 مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي عَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ. وَمِنْهَا حَدِيثُ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ2 عن ابن ابن أَوْسٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرَرْنَا عَلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ الْأَعْرَابِ، قَالَ: فَقَامَ أبي أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ فَبَالَ وَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، قَالَ: فَقُلْت لَهُ: أَلَا تَخْلَعُهَا؟ قَالَ: لَا أَزِيدُك عَلَى مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ يَسَارٍ، أَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ قَيْسٍ الْعَنْسِيِّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ: "ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِالْهَيْثَمِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يُسَيْرٍ3، وَيُقَالُ: ابْنُ أُسَيْرٍ مَوْلَى إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا نَمْسَحُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَضَرِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَفِي السَّفَرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَفِي لَفْظٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4 قَالَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ: "لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ" وَضُعِّفَ سُلَيْمَانُ هَذَا، عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، ثُمَّ قَالَ هُوَ: وَهُوَ إلَى الضَّعْفِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الصِّدْقِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْد5 ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوَهُ، وَمِنْهَا حَدِيثُ أُمِّ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيَّةِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا فِي الْكَامِلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ أُمِّ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيَّةِ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ عَلَى مَنْ أَسَلَفَ مَالًا زَكَاةٌ"، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. وَضُعِّفَ مُحَمَّدُ بْنُ زَاذَانَ، وَأُسْنِدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَكَرِيَّا أَبِي عَمْرٍو الْمَدَائِنِيِّ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِي سَعْدٍ، فَذَكَرَهُ، وَمِنْهَا حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ، رَوَاهُ أَسْلَمُ6 بْنُ سَهْلٍ الواسطي المعروف بـ - بحشل7 - فِي كِتَابِهِ تَارِيخُ وَاسِطَ
فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنِ مُحَمَّدٍ ثنا أَبُو مَعْمَرً ثَنَا هُشَيْمِ ثنا أَبُو رَحْمَةَ مُصْعَبُ بْنُ زَاذَانَ بْنِ جُوَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَاهِلِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ: "للمسافر ثلاثة أيام وليالهن، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ"، انْتَهَى. وَخَالِدُ بْنُ عُرْفُطَةَ بْنِ أَبَرْهَةَ الْعُذْرِيُّ الْقُضَاعِيُّ لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وللنسائي حَدِيثُ مَنْ قَتَلَهُ بَطْنُهُ، وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ1 وَثَوْبَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ بعد ما بَالَ، ثنا أَبُو سَلَمَةَ الْكَشِّيُّ2 ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمَقْدِسِيَّ ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ ثنا مَرْوَانُ أَبُو سَلَمَةَ ثنا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ ثَلَاثًا فِي السَّفَرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً فِي الْحَضَرِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي مُعْجَمِهِ3 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَسَدٍ عَنْ عَبْثَرِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عُتْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَيُنْظَرُ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ عَنْ عُبَادَةَ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِلَالٍ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا، وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا، قُلْت: إنَّمَا هُوَ أَثَرُ حَدِيثِ الشَّرِيدِ ثنا خَيْرُ بْنِ عَرَفَةَ الْمِصْرِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَبِيعَةَ الصَّدَفِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَمِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ4 عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ. وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ مُنْقَطِعٌ5 وَمِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ حَسَنَةَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْأَحْرَمُ الْأَصْبَيَانِ6 ثنا أَحْمَدُ بْنُ يَزْدَادَ الْكُوفِيُّ ثنا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَسَدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ حَسَنَةَ، قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْأَزْدِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ7 ثَنَا عبد الحميد بن عمر أن عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الطُّفَيْلِ، قَالَ: رَأَيْت عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَيَقُولُ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ1 مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَيَقُولُ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ فِيهِ أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عبد الرحمن الرواسي عَنْ الْحَسَنِ الْعَصَّابِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ: "لِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: فِي الْإِمَامِ: وَالْعَصَّابُ مَعْرُوفٌ، ذَكَرَهُ الْأَسْوَدُ، وَقَالَ: حَدَّثَ عَنْ نَافِعٍ، رَوَى عَنْهُ الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى الشَّيْبَانِيُّ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ يَعْلَى بْنُ مُرَّةَ الثَّقَفِيُّ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا سَهْلُ بْنُ زَنْجَلَةَ الرَّازِيُّ ثَنَا الصَّبَّاحُ بْنُ مُحَارِبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ2 بْنِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَعَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الخفين: "للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة"، وَمِنْهَا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ سَعْدٍ، رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سعد الباردوي ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحُمْرِيُّ الْبَصْرِيُّ ثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ ثَنَا مُلَيْكَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْمَالِكِيَّةُ، مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي أُمِّي عَنْ جَدِّي مَالِكِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُول: - وَسُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ - فَقَالَ: "ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ"، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ مَنْ يُحْتَاجُ إلَى الْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: مَالِكُ بْنُ سَعْدٍ مَجْهُولٌ، عِدَادُهُ فِي أَعْرَابِ الْبَصْرَةِ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّلُولِيِّ أَبِي مَرْيَمَ، وَالِدِ بُرَيْدٍ، رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ مُكْرَمَةَ ثَنَا بُرَيْدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، وَقَالَ: "لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ السَّلُولِيُّ يُكْنَى أَبَا مَرْيَمَ وَالِدَ بُرَيْدٍ شَهِدَ الشَّجَرَةَ، سَكَنَ الْكُوفَةَ، لَهُ غَيْرُ حَدِيثٍ عِنْدَ ابْنِهِ بُرَيْدٍ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ3 قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يُرْوَ
عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إنْكَارُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، إلَّا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَائِشَةَ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم، فَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَدْ جَاءَ عنهما بالأسانيد الحسن خِلَافُ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ فِطْرٍ، قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: إنَّ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَبَقَ الْكِتَابُ - الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ - فَقَالَ عَطَاءٌ: كَذَبَ عِكْرِمَةُ، أَنَا رَأَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا، انْتَهَى. قَالَ: وَرَوَى أَبُو زُرْعَةَ. وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ، وَأَمَّا عَائِشَةُ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهَا أَحَالَتْ عِلْمَ ذَلِكَ عَلَى عَلِيٍّ، قَالَ الشَّيْخُ: وَالرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ الْبَغْدَادِيِّ بْنِ إسْمَاعِيلَ ابْنِ أُخْتِ مَالِكٍ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَأَنْ أَقْطَعَ رِجْلِي بِالْمُوسَى أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْسَح عَلَى الْخُفَّيْنِ، قَالَ: هَذَا بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ الْبَغْدَادِيُّ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، قُلْت: الَّذِي وَجَدْته فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَأَنْ يُقْطَعَ رِجْلِي بِالْمُوسَى أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْسَح عَلَى الْقَدَمَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: مَوْضُوعٌ وَضَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ عَلَى عَائِشَةَ، انْتَهَى. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ: إنَّمَا كَرِهَهُ حِينَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ مَسْحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ، فَلَمَّا ثَبَتَ لَهُ رَجَعَ إلَيْهِ، وَأَفْتَى بِهِ لِلْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ جَمِيعًا، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْت مُوسَى بْنَ سَلَمَةَ، قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ: لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، قَالَ: وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا" قُلْت: رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: أَتَيْت عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: عَلَيْك بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَاسْأَلْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ وَرَوَاهُ أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَرْفُوعًا الْمُسَافِرُ يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، وَالْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، انْتَهَى. رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْعُصْمِيُّ فِي الْجُزْءِ الَّذِي خَرَّجَهُ لَهُ أَبُو الْفَضْلِ الْجَارُودِيُّ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " التَّوْقِيتِ " أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا حَدِيثُ عَمْرٍو , رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ،
الْمُسَافِرُ إلَى آخِرِهِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا اللَّفْظُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: الْمَسْحُ أَفْضَلُ، قُلْت: وَالرُّخْصَةُ مَوْجُودَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا مِنْ الْأَحَادِيثِ، كَمَا هُوَ عِنْدَ البزار. وصفوان. وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ. أَحَادِيثُ عَدَمِ التَّوْقِيتِ، حَدِيثُ خُزَيْمَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، زَادَ أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَةٍ: وَلَوْ اسْتَزَدْنَاهُ لَزَادَنَا، وَابْنُ مَاجَهْ فِي رِوَايَةٍ1 وَلَوْ مَضَى السَّائِلُ عَلَى مَسْأَلَتِهِ لَجَعَلَهَا خَمْسًا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَى قوله: لو استزدناه أَيْ لَوْ سَأَلْنَاهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَأَجَابَ، وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ رِوَايَةَ ابْنِ مَاجَهْ، لَجَعَلَهَا خَمْسًا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَحَدِيثُ خُزَيْمَةَ فِيهِ ثَلَاثُ عِلَلٍ: الْأُولَى الِاخْتِلَافُ فِي إسْنَادِهِ، وَلَهُ ثَلَاثُ مَخَارِجَ: رِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ. وَرِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ. وَرِوَايَةُ الشِّيمِيِّ، ثُمَّ فِي بَعْضِهَا ذِكْرُ الزِّيَادَةِ أَعْنِي لَوْ اسْتَزَدْنَاهُ لَزَادَنَا وَبَعْضِهَا لَيْسَتْ فِيهِ، فَأَمَّا رِوَايَةُ النَّخَعِيّ فَإِنَّهَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ عَنْ خُزَيْمَةَ، وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الزِّيَادَةِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، أَعْنِي رِوَايَةَ النَّخَعِيّ، وَلَهَا طُرُقٌ: أَشْهَرُهَا عَنْ حَمَّادٍ عَنْهُ، وَلَهَا أَيْضًا عَنْ حَمَّادٍ طُرُقٌ: وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ، إلَّا أَنَّهَا عُلِّلَتْ بِأَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ، فَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْت مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَا يَصِحُّ عِنْدِي حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ فِي الْمَسْحِ، لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ سَمَاعٌ مِنْ خُزَيْمَةَ، وَكَانَ شُعْبَةُ يَقُولُ: لَمْ يَسْمَعْ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ حَدِيثَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ، بِرِوَايَةِ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ، قَالَ: سَمِعْت مَنْصُورًا يَقُولُ: كُنَّا فِي حُجْرَةِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَمَعَنَا إبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، فَذَكَرْنَا الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ إبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي عبد الله الْجَدَلِيِّ عَنْ خُزَيْمَةَ2 ثُمَّ هي على وجهين: أحها: مَا فِيهِ الزِّيَادَةُ. وَالثَّانِي: مَا لَا زِيَادَةَ فِيهِ، فَأَمَّا مَا فِيهِ الزِّيَادَةُ، فَهِيَ صَحِيحَةٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ، مَشْهُورَةٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَلَهُ طُرُقٌ عَنْ مَنْصُورٍ، وَفِيهَا الزِّيَادَةُ، خَرَّجَهَا الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ، وَمِنْ أَصَحِّهَا رِوَايَةً الَّتِي قَدَّمْنَاهَا، وَذَكَرْنَا أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ أَخْرَجَهَا بِالْقِصَّةِ، وَرَوَاهَا الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ بِالسَّنَدِ مِنْ غَيْرِ قِصَّةٍ وَلَا زِيَادَةٍ، وَكَذَلِكَ مِنْ صَحِيحِهَا رِوَايَةُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ، وَفِيهَا
الزِّيَادَةُ، وَأَمَّا مَا لَا زِيَادَةَ فِيهِ، فَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ بِالسَّنَدِ عَنْ خُزَيْمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الخفين، فقال: "للمسافر ثلاثاً: وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ"، لَمْ يَزِدْ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، فَهَذَا مَشْهُورٌ، وَخَالَفَ أَبُو الْأَحْوَصِ، فَرَوَاهُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، فَأَسْقَطَ مِنْ الْإِسْنَادِ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ، وَوَجْهٌ آخَرُ مِنْ الْمُخَالَفَةِ فِي حَدِيثِ التَّيْمِيِّ، رَوَاهُ شُعْبَةُ1 عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْد عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، لَيْسَ فِيهِ الزِّيَادَةُ ولا مَسْحَ الْمُقِيمِ، فَزَادَ فِي السَّنَدِ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْد التَّيْمِيِّ. وَعَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ، وَأَسْقَطَ الْجَدَلِيَّ، أَخْرَجَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ كَذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ. وَالْبَيْهَقِيُّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ: الِانْقِطَاعُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْت مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَا يَصِحُّ إلَى آخِرِ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا. الْعِلَّةُ الثَّالِثَةُ: ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ:2أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى رِوَايَتِهِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَأَقُولُ: ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بَعْدَ إخْرَاجِهِ حَدِيثَ خُزَيْمَةَ مِنْ جِهَةِ أَبِي عَوَانَةَ بِسَنَدِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَ: وَذُكِرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ3 أَنَّهُ صَحَّحَ حَدِيثَ خُزَيْمَةَ فِي الْمَسْحِ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيُّ اسْمُهُ: عَبْدُ بْنُ عَبْدٍ وَيُقَالُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدٍ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَهُ أَبُو عِيسَى فِي صَحِيحِهِ، وَلَكِنَّ الطَّرِيقَ فيه أن تعلل طرق إبْرَاهِيمَ بِالِانْقِطَاعِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَطَرِيقُ الشَّعْبِيِّ بِالضَّعْفِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَيُرْجَعُ إلَى طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، فَالرِّوَايَاتُ مُتَضَافِرَةٌ بِرِوَايَةِ التَّيْمِيِّ لَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ الْجَدَلِيِّ عَنْ خُزَيْمَةَ، وَأَمَّا إسْقَاطُ أَبِي الْأَحْوَصِ لِعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ مِنْ الْإِسْنَادِ، فَالْحُكْمُ لِمَنْ زَادَ، فَإِنَّهُ زِيَادَةُ عَدْلٍ، لَا سِيَّمَا، وَقَدْ انْضَمَّ إلَيْهِ الْكَثْرَةُ مِنْ الرُّوَاةِ، وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى هَذَا دُونَ أَبِي الْأَحْوَصِ، وَأَمَّا زِيَادَةُ سَلَمَةَ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْد، وَإِسْقَاطُ الْجَدَلِيِّ، فَيُقَالُ فِي إسْقَاطِ الْجَدَلِيِّ مَا قِيلَ فِي إسْقَاطِ أَبِي الْأَحْوَصِ لَهُ، وَأَمَّا زِيَادَةُ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْد فَمُقْتَضَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُحَدِّثِينَ، وَالْأَكْثَرُ أَنْ يُحْكَمَ بِهَا، وَيُجْعَلَ مُنْقَطِعًا فِيمَا بَيْنَ إبْرَاهِيمَ. وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَرْوِي حَدِيثًا عَنْ رَجُلٍ عَنْ ثَالِثٍ، وَقَدْ رَوَاهُ هُوَ عَنْ ذَلِكَ الثَّالِثِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى إسْقَاطِ الْوَاسِطَةِ، لَكِنْ إذَا عَارَضَ هَذَا الظَّاهِرَ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ عَمِلَ بِهِ، كَمَا فُعِلَ فِي أَحَادِيثَ حُكِمَ فِيهَا بِأَنَّ الرَّاوِيَ عَلَا وَنَزَلَ فِي الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ، فَرَوَاهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ ذَكَرْنَا زِيَادَةَ زَائِدَةَ، وَقِصَّةً فِي الْحِكَايَةِ،
وَأَنَّ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، فَصَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ، فَمُقْتَضَى هَذَا التَّصْرِيحِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَعَلَّ إبْرَاهِيمَ سَمِعَهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ. وَمِنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْد عَنْهُ، وَوَجْهٌ آخَرُ عَلَى طَرِيقَةِ الْفِقْهِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ مُتَّصِلًا فِيمَا بَيْنَ التَّيْمِيِّ. وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ فَذَاكَ، وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ الثِّقَاتِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ، مَا بِالْكُوفَةِ أَجْوَدُ إسْنَادًا مِنْهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مِثْلُ هَذَا يُسْأَلُ عَنْهُ لِجَلَالَتِهِ وَرِفْعَةِ مَنْزِلَتِهِ، وَأَخْرَجَ لَهُ الشَّيْخَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَبَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْبُخَارِيِّ: إنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ سَمَاعٌ مِنْ عُمَرَ، فَلَعَلَّ هذا بناءاً عَلَى مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الِاتِّصَالِ أَنْ يَثْبُتَ سَمَاعُ الرَّاوِي مِنْ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ، وَلَوْ مَرَّةً، هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ، وَقِيلَ: إنَّهُ مَذْهَبُ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ أَطْنَبَ مُسْلِمٌ فِي الرَّدِّ لِهَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَاكْتَفَى بِإِمْكَانِ اللِّقَاءِ، وَذَكَرَ لَهُ شَوَاهِدَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ: أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى رِوَايَتِهِ، فَلَمْ يَقْدَحْ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَلَا قَالَ فِيهِ مَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ، وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وهماهما وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ قَطَنٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ عُمَارَةَ رضي الله عنه، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: يَوْمًا: قَالَ: وَيَوْمَيْنِ، قَالَ: وَثَلَاثَةً؟ قَالَ: "نعم، ما شِئْت"، وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى بَلَغَ سَبْعًا فَقَالَ عليه السلام: "نَعَمْ وَمَا بَدَا لَك"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ2 ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ أُبَيٍّ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهِ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ قَطَنٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ أُبَيٍّ بِنَحْوِهِ، قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي الْأَطْرَافِ: وَرَوَاهُ يحيى بن إسحاق السالحيني عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، مِثْلَ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الرَّبِيعِ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، مِثْلَ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ الْعِرَابِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ وَهْبِ بْنِ قَطَنٍ عَنْ أُبَيٍّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: إسْنَادُهُ مِصْرِيٌّ، وَلَمْ يُنْسَبْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَى جَرْحٍ، وَأُبَيُّ بْنُ عُمَارَةَ: صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بِسَنَدِ أَبِي دَاوُد3، وَقَالَ: هَذَا إسْنَادٌ لَا يَثْبُتُ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى يَحْيَى
بْنِ أَيُّوبَ1 اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ. وَأَيُّوبُ بْنُ قَطَنٍ مَجْهُولُونَ، انْتَهَى كَلَامُهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ هُوَ ابْنُ أَبِي زِيَادٍ صَاحِبُ حَدِيثِ الصُّوَرِ، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: مَجْهُولٌ، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ مُخْتَلَفٌ به، وَهُوَ مِمَّنْ عِيبَ عَلَى مُسْلِمٍ إخْرَاجُ حَدِيثِهِ، قَالَ: وَالِاخْتِلَافُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو دَاوُد. والدارقطني هُوَ: أَنَّ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ2 رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ عُمَارَةَ، فَهَذَا قَوْلٌ ثَانٍ، وَيُرْوَى عَنْهُ3 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ قَطَنٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ عُمَارَةَ، فَهَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَيُرْوَى عَنْهُ كَذَلِكَ مُرْسَلًا لَا يُذْكَرُ فِيهِ أُبَيّ بْنُ عُمَارَةَ، فَهَذَا قَوْلٌ رَابِعٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ عُمَارَةَ لَيْسَ بِمَعْرُوفِ الْإِسْنَادِ فَقُلْت لَهُ: فَإِلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي الْمَسْحِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، وَيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؟ قَالَ: لَهُمْ فِيهِ أَثَرٌ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا الْأَثَرُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، الْأَقْرَبُ أَنَّهُ أَرَادَ الرِّوَايَةَ4 عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَقِّتُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَقْتًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ: مِنْهَا رواية حماد بن يزيد عَنْ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرٍ5 عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: سَافَرْنَا مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ وَكَانُوا يَمْسَحُونَ خِفَافَهُمْ بِغَيْرِ وَقْتٍ وَلَا عَدَدٍ، رَوَاهُ ابْنُ الْجَهْمِ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ حَزْمٍ6 فَقَالَ: وَكَثِيرُ بْنُ شِنْظِيرٍ: ضَعِيفٌ جِدًّا، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ اختلف الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، فَفِي رِوَايَةِ عَبَّاسٍ عَنْ يَحْيَى لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ: سَأَلْت يَحْيَى عَنْ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرٍ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، وَرَوَى ابْنُ الْجَهْمِ فِي كِتَابِهِ بِسَنَدِهِ إلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقُلْت لَهُ: تَمْسَحُ عَلَيْهِمَا وَقَدْ خَرَجْت مِنْ الْخَلَاءِ؟! قَالَ: نَعَمْ، إذَا أَدْخَلْت الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَامْسَحْ عَلَيْهِمَا وَلَا تَخْلَعْهُمَا إلَّا لِجَنَابَةٍ، وَرَوَى بِسَنَدِهِ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ: يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا وَلَا يَجْعَلُ لِذَلِكَ وَقْتًا إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، ويسنده إلَى عُرْوَةَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَقِّتُ فِي الْمَسْحِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ1 عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ دَاوُد الْحَرَّانِيِّ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. وَثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا، وَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا ثُمَّ لَا يَخْلَعْهُمَا إنْ شَاءَ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَرُوَاتُهُ عَنْ آخِرِهِمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِهِ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: إسْنَادُهُ قَوِيٌّ، وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى صَدُوقٌ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ. وَغَيْرُهُ. انْتَهَى. وَلَمْ يُعِلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا قَالَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مُدَّةِ الثَّلَاثِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ:2هَذَا مِمَّنْ انْفَرَدَ بِهِ أَسَدُ بْنُ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ، وَأَسَدُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا مَدْخُولٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَدَمُ تَفَرُّدِ أَسَدٍ بِهِ، كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ ثَنَا حَمَّادٌ. الثَّانِي: أَنَّ أَسَدًا ثِقَةٌ، وَلَمْ يُرَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الضُّعَفَاءِ لَهُ ذِكْرٌ، وَقَدْ شَرَطَ ابْنُ عَدِيٍّ أَنْ يَذْكُرَ فِي كِتَابِهِ كُلَّ مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَذَكَرَ فِيهِ جَمَاعَةً مِنْ الْأَكَابِرِ وَالْحُفَّاظِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَسَدًا، وَهَذَا يَقْتَضِي تَوْثِيقَهُ، وَنَقَلَ ابْنُ الْقَطَّانِ تَوْثِيقَهُ عَنْ الْبَزَّارِ، وَعَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكُوفِيِّ، وَلَعَلَّ ابْنَ حَزْمٍ وَقَفَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ يُونُسَ فِي تَارِيخِ الْغُرَبَاءِ أَسَدُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَ بِأَحَادِيثَ مُنْكَرَةٍ، وَكَانَ ثِقَةً، وَأَحْسَبُ الْآفَةَ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ أَخَذَ كَلَامَهُ مِنْ هَذَا فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، لِأَنَّ مَنْ يُقَالُ فِيهِ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ لَيْسَ كَمَنْ يُقَالُ فِيهِ: رَوَى أَحَادِيثَ مُنْكَرَةً، لِأَنَّ مُنْكَرَ الْحَدِيثِ وَصْفٌ فِي الرَّجُلِ يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّرْكَ لِحَدِيثِهِ، وَالْعِبَارَةُ الْأُخْرَى تَقْتَضِي أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ فِي حِينٍ لَا دَائِمًا، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ: يَرْوِي أَحَادِيثَ مُنْكَرَةً، وَقَدْ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ فِي حَدِيثِ: إنَّمَا الأعمال بالنيات، وكذلك فِي زَيْدِ بْنِ أَبِي أنيسة: في بعض أحاديثه إنكاره، وَهُوَ مِمَّنْ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ، وَهُمَا الْعُمْدَةُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ حَكَمَ ابْنُ يُونُسَ بِأَنَّهُ ثِقَةٌ، وَكَيْفَ يَكُونُ ثِقَةً وَهُوَ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ؟، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 أَيْضًا عَنْ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بِفَتْحِ دِمَشْقَ، قَالَ: وَعَلِيَّ خُفَّانِ، فَقَالَ لِي عُمَرُ: كَمْ لَك يَا عُقْبَةُ مُنْذُ لَمْ تَنْزِعْ خُفَّيْك؟، فذكرت منذ يوم الْجُمُعَةِ مُنْذُ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، فَقَالَ: أَحْسَنْت، وَأَصَبْت السُّنَّةَ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
فِي السُّنَنِ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَفِي الْإِمَامِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي أَطْرَافِ ابْنِ عَسَاكِرَ، ثُمَّ رَوَاهُ1 مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ فَذَكَرَهُ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ2.وَيَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ. وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ رَوَوْهُ عَنْ يَزِيدَ، فَقَالُوا فِيهِ: أَصَبْت وَلَمْ يَقُولُوا: السُّنَّةَ، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ، قَالَ: وَرَوَاهُ جَرِيرُ3 بْنُ حَازِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ عُقْبَةَ، وَأُسْقِطَ مِنْ الْإِسْنَادِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ الْبَلَوِيُّ، وَقَالَ فِيهِ: أَصَبْت السُّنَّةَ، كَمَا قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ. وَالْمُفَضَّلُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ جِهَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ4 ثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ ثَنَا عُمَرُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ أَخُو مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ قَالَ: قَرَأْت كِتَابًا لِعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، مَعَ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَأَلْت مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَسْحِ، فَقَالَتْ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلَّ سَاعَةٍ يَمْسَحُ الْإِنْسَانُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَا يَخْلَعُهُمَا؟ قَالَ: "نَعَمْ". انْتَهَى. وَلَمْ يُعِلَّهُ فِي الْإِمَامِ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رَوَى الْمُغِيرَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى خُفَّيْهِ وَمَدَّهُمَا مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى أَعْلَاهُمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ الْمَسْحِ عَلَى خُفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ قُلْت: غَرِيبٌ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ5 حَدَّثَنَا الْحَنَفِيُّ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ ثَنَا الْحَسَنُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ، ثُمَّ جَاءَ حَتَّى تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ مَسَحَ أَعْلَاهُمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً حَتَّى أَنْظُرَ إلَى أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ بِهِ، وَلَمْ يَعْزُهُ6. حَدِيثٌ آخَرُ يَقْرُب مِنْهُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ7 مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ حَدَّثَنِي مُنْذِرٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يَتَوَضَّأُ، وَيَغْسِلُ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: بِيَدِهِ كَأَنَّهُ دَفَعَهُ "إنَّمَا أَمَرْت بِالْمَسْحِ"، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ هَكَذَا مِنْ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إلَى أَصْلِ السَّاقِ وَخَطَّطَ بِالْأَصَابِعِ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَجَرِيرٌ
هَذَا لَيْسَ بِمَشْهُورٍ، ولم يرو عنه بَقِيَّةَ، وَمُنْذِرٌ هَذَا كَأَنَّهُ ابْنُ زِيَادٍ الطَّائِيُّ، وَقَدْ كَذَّبَهُ الْفَلَّاسُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَلَمْ يُخَرِّجْ ابْنُ مَاجَهْ لِجَرِيرٍ، وَمُنْذِرٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ عَلَى ابْنِ عَسَاكِرَ، إذْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي أَطْرَافِهِ وَكَأَنَّهُ لَيْسَ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ مَاجَهْ، وَأَنَا وَجَدْته فِي نُسْخَةٍ وَلَمْ أَجِدْهُ فِي أُخْرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يَتَوَضَّأُ، وَهُوَ يَغْسِلُ خُفَّيْهِ، فَنَخَسَهُ بِيَدِهِ، وَقَالَ "إنَّمَا أُمِرْنَا بِالْمَسْحِ هَكَذَا"، وَأَرَاهُ بِيَدِهِ مِنْ مُقَدَّمِ الْخُفَّيْنِ إلَى أَصْلِ السَّاقِ مَرَّةً، وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، انْتَهَى. قَالَ: لَا يُرْوَى عَنْ جَابِرٍ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ بَقِيَّةُ. حَدِيثٌ آخَرُ فِي الْبَابِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ عَنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى عَبْدِ خَيْرٍ، وَهُوَ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ صَاحِبَا الصَّحِيحِ. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أَمَرَ بِالْمَسْحِ عَلَى ظَهْرِ الْخُفَّيْنِ إذَا لَبِسَهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَأْمُرُ بِالْمَسْحِ عَلَى ظَهْرِ الْخُفِّ ثَلَاثَةَ أيام وليالهن، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، انْتَهَى. لَمْ يَذْكُرْ الطَّهَارَةَ، قَالَ في الإمام: ووراه الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ الْمَالِكِيُّ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: عَلَى الْخُفَّيْنِ، لَمْ يَذْكُرْ الطُّهْرَ،، قَالَ: وَخَالِدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ2 هَذَا هُوَ، ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ3 أَخْبَرَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ عَنْ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: وَضَّأْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فمسح أعلا الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ، انْتَهَى. فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ أَبُو دَاوُد: بَلَغَنِي أَنَّ ثَوْرًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ رَجَاءٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ مَعْلُولٌ لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ ثَوْرٍ غَيْرُ الْوَلِيدِ، وَسَأَلْت مُحَمَّدًا. وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَا: لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ رَوَاهُ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثْت، عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ4 عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ، لِأَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ رَوَاهُ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ وَهَذَا الَّذِي أَشَارُوا إلَيْهِ ذَكَرَهُ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَيَذْكُرُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، فَذَكَرَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ ثَوْرٍ، قَالَ: حَدَّثْت عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفْسَدَهُ مِنْ وَجْهِهِ حِينَ قَالَ: حَدَّثْت عَنْ رَجَاءٍ، وَحِينَ أَرْسَلَ، فَلَمْ يُسْنِدْهُ، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ فِيهِ: حَدَّثَنَا رَجَاءٌ1 فَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رَوَى صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا إلَّا عَنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ. أَوْ نَوْمٍ، قُلْت: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ صَفْوَانَ، وَهُوَ بِكَمَالِهِ يَتَضَمَّنُ قِصَّةَ الْمَسْحِ. وَالْعِلْمَ. وَالتَّوْبَةَ. وَالْهَوَى. أَمَّا التِّرْمِذِيُّ. فَرَوَاهُ2 فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ فِي بَابِ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ. وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: أَتَيْت صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ الْمُرَادِيَّ أَسْأَلُهُ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِك يَا زِرُّ؟ فَقُلْت: ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ، فَقَالَ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لطالب العلم رضاءاً بِمَا يَطْلُبُ، قُلْت: إنَّهُ حَكَّ فِي صَدْرِي الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَ الْغَائِطِ. والبول. وكنت امرءاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَجِئْتُك أَسْأَلُك، هَلْ سَمِعْته يَذْكُرُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَ يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفْرًا - أَوْ مُسَافِرِينَ - أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إلَّا عَنْ جَنَابَةٍ، لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ. وَبَوْلٍ. وَنَوْمٍ. قَالَ: فَقُلْت: هَلْ سَمِعْته يَذْكُرُ فِي الْهَوَى شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَنَادَاهُ رَجُلٌ: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ، فَقُلْنَا لَهُ: وَيْحَك اُغْضُضْ مِنْ صَوْتِك، فَإِنَّك عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجَابَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى نَحْوٍ مِنْ صَوْتِهِ: "هَاؤُمُ"، فَقَالَ: الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ" قَالَ: فَمَا بَرِحَ يُحَدِّثُنِي أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ بِالْمَغْرِبِ بَابًا عَرْضُهُ مَسِيرَةُ سَبْعِينَ عَامًا لِلتَّوْبَةِ لَا يُغْلَقُ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ مِنْ قِبَلِهِ، وَذَلِكَ قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا} الْآيَةَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ فِي الطَّهَارَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَاصِمٍ بِهِ بِقِصَّةِ الْمَسْحِ فَقَطْ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ الْغَائِطِ3 مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وسفيان بن عينة. وَمَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ. وَزُهَيْرٍ. وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ. وَشُعْبَةَ. كُلِّهِمْ عَنْ عَاصِمٍ بِهِ بِقِصَّةِ الْمَسْحِ فَقَطْ،
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي الطَّهَارَةِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ النَّوْمِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمٍ بِهِ بِقِصَّةِ الْمَسْحِ، وَفِي الْفِتَنِ1 عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ عَاصِمٍ بِهِ بِقِصَّةِ التَّوْبَةِ، وَفِي الْعِلْمِ، عَنْ مَعْمَرٍ2 عَنْ عَاصِمٍ بِهِ بِقِصَّةِ الْعِلْمِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْحَادِي وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمٍ بِهِ بِتَمَامِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِهِ بِقِصَّةِ الْمَسْحِ. وَالتَّوْبَةِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: ذُكِرَ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ عَاصِمٍ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِينَ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَهُوَ مَشْهُورٌ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمٍ، لَكِنَّ الطَّبَرَانِيَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْكَرِيمِ3 بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ زِرٍّ، وَهَذِهِ مُتَابَعَةٌ غَرِيبَةٌ لِعَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ إلَّا أَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ ضَعِيفٌ انْتَهَى. وَعَاصِمٌ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَوَثَّقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ. وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيّ. وَغَيْرُهُمْ، وَكَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ، وَقِرَاءَةٍ لِلْقُرْآنِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِي حِفْظِهِ، قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا سُوءُ الْحِفْظِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، وَلَمْ يَكُنْ بِذَاكَ الْحَافِظَ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ قُلْت: رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ شَهِدَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ سَأَلَ بِلَالًا عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَ يَخْرُجُ يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَأَتَيْتُهُ4 بِالْمَاءِ فَيَتَوَضَّأُ، وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَصَحَّحَهُ5، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: قِيلَ فِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ هَذَا: إنَّهُ مَوْلَى بَنِي تَيْمٍ، وَلَمْ يُسَمَّ، هُوَ وَلَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلَا رَأَيْت فِي الرُّوَاةِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا وَاحِدًا، وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي الْإِسْنَادِ هَذَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا أَبِي ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى ثَنَا شَيْبَانُ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: زَعَمَ بِلَالٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْمُوقَيْنِ. وَالْخِمَارِ. انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ بِلَالٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْمُوقَيْنِ، وَالْخِمَارِ. انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْمُوقَيْنِ. وَالْخِمَارِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ ثَنَا الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ ثَنَا مَخْلَدٍ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْمُوقَيْنِ. وَالْخِمَارِ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْمُوقِ فَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ الْمُوقُ ضَرْبٌ مِنْ الْخِفَافِ، وَالْجَمْعُ - أَمْوَاقٌ - عَرَبِيٌّ صَحِيحٌ، وَحَكَى الْأَزْهَرِيُّ عَنْ اللَّيْثِ الْمُوقُ ضَرْبٌ مِنْ الْخِفَافِ، وَيُجْمَعُ عَلَى - أَمْوَاقٍ - وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمُوقُ الَّذِي يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْمُوقُ الْخُفُّ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَجَمْعُهُ - أَمْوَاقٌ - وَكَذَلِكَ قَالَ الْهَرَوِيُّ: الْمُوقُ الْخُفُّ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَقَالَ كُرَاعٌ: الْمُوقُ الْخُفُّ، وَالْجَمْعُ - أَمْوَاقٌ - انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى. وَمِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ، فَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي قيس الأودي عن هذيل بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ. وَالنَّعْلَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ أَبَا قَيْسٍ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالصَّحِيحُ عَنْ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ عليه السلام مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ لَا يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عَنْ الْمُغِيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، قَالَ: وَرَوَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، وَلَيْسَ بِالْمُتَّصِلِ، وَلَا بِالْقَوِيِّ، قَالَ: وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَلِيُّ بن أبي طالب. وأبي مَسْعُودٍ. وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ. وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وَأَبُو أُمَامَةَ. وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ. وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ2 حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ هَذَا، وَقَالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، ضَعَّفَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَمُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، وَالْمَعْرُوفُ عَنْ الْمُغِيرَةِ حَدِيثُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَيُرْوَى عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ لَوْ انْفَرَدَ قُدِّمَ عَلَى التِّرْمِذِيِّ، مَعَ أَنَّ الْجَرْحَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيلِ، قَالَ: وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ
عَلَى تَضْعِيفِهِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ: إنَّهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: أَبُو قَيْسٍ الْأَوْدِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَرْوَانَ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنَ مَنْصُورٍ، قَالَ: رَأَيْت مُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ ضَعَّفَ هَذَا الْخَبَرَ، وَقَالَ: أَبُو قَيْسٍ الْأَوْدِيُّ. وهذيل بْنُ شُرَحْبِيلَ لَا يُحْتَمَلَانِ، وَخُصُوصًا مَعَ مُخَالَفَتِهِمَا الْأَجِلَّةَ الَّذِينَ رَوَوْا هَذَا الْخَبَرَ عَنْ الْمُغِيرَةِ، فَقَالُوا: مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَقَالَ: لَا نَتْرُكُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ بِمِثْلِ أبي قيس. وهذيل قَالَ: فَذَكَرْت هَذِهِ الْحِكَايَةَ عَنْ مُسْلِمٍ لِأَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيِّ، فَسَمِعْته يَقُولُ: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ شَيْبَانُ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا قُدَامَةَ السَّرَخْسِيَّ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: قُلْت لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: لَوْ حَدَّثْتَنِي بِحَدِيثِ أَبِي قَيْسٍ عن هذيل مَا قَبِلْته مِنْك، فَقَالَ سُفْيَانُ: الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ، ثُمَّ أَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: لَيْسَ يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ إلَّا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قَيْسٍ الْأَوْدِيِّ. وَأَبَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنْ يُحَدِّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ: هُوَ مُنْكَرٌ، وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي الْمَسْحِ رَوَاهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ. وَأَهْلُ الْكُوفَةِ، وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ، ورواه هذيل بْنُ شُرَحْبِيلَ عَنْ الْمُغِيرَةِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، فَخَالَفَ النَّاسَ، وَأَسْنَدَ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، قَالَ: النَّاسُ كُلُّهُمْ يَرْوُونَهُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، غَيْرَ أَبِي قَيْسٍ، قَالَ الشَّيْخُ: وَمَنْ يُصَحِّحُهُ يَعْتَمِدُ بَعْدَ تَعْدِيلِ أَبِي قَيْسٍ عَلَى كَوْنِهِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ مُخَالَفَةَ مُعَارِضَةٍ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا رَوَوْهُ، وَلَا يُعَارِضُهُ، وَلَا سِيَّمَا، وَهُوَ طريق مستقل برواية هذيل، عَنْ الْمُغِيرَةِ لَمْ يُشَارِكْ الْمَشْهُورَاتِ فِي سَنَدِهَا، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو دَاوُد، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ1 عَنْ عِيسَى بْنِ سِنَانٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ، انْتَهَى. وَلَمْ أجده في نسختي مِنْ ابْنِ مَاجَهْ2، وَلَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي الْأَطْرَافِ وَكَأَنَّهُ فِي بَعْضِ النَّسْخِ، فَقَدْ عَزَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِابْنِ مَاجَهْ، وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ وَقَالَ: وَقَوْلُ أَبِي دَاوُد فِي هَذَا الْحَدِيثِ: لَيْسَ بِالْمُتَّصِلِ وَلَا بِالْقَوِيِّ أَوْضَحَهُ الْبَيْهَقِيُّ، فَقَالَ الضَّحَّاكُ: ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمْ يَثْبُتْ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِي مُوسَى، وَعِيسَى بْنُ سِنَانٍ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ وَأَعَلَّهُ بِعِيسَى بْنِ سِنَانٍ وَضَعَّفَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ. وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ بِلَالٍ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ طريق بين أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ بِلَالٍ، قَالَ: كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْجَوْرَبَيْنِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ. وَابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عن بلال، قال: كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ. وَابْنُ أَبِي لَيْلَى مُسْتَضْعَفَانِ، مَعَ نِسْبَتِهِمَا إلَى الصِّدْقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْآثَارُ فِي ذَلِكَ، رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ1 أَخْبَرْنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ الزِّبْرِقَانِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: رَأَيْت عَلِيًّا بَالَ فَمَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ يَمْسَحُ عَلَى جَوْرَبَيْنِ لَهُ مِنْ شَعْرٍ وَنَعْلَيْهِ. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ نَحْوَهُ. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي حَيَّةَ عَنْ أَبِي الْخَلَّاسِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَمْسَحُ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ وَيَمْسَحُ عَلَى جَوْرَبَيْهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ، وَأَمَرَ عَلِيًّا بِذَلِكَ، قُلْت: هُمَا حَدِيثَانِ، فَحَدِيثُ مَسْحِهِ عليه السلام عَلَى الْجَبَائِرِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي عُمَارَةَ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْمَهْدِيِّ ثَنَا عَبْدُوسُ بْنُ مَالِكٍ الْعَطَّارُ ثَنَا شَبَانَةُ عَنْ وَرْقَاءَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَبَائِرِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَبُو عُمَارَةَ هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ دَاوُد الصَّوَّافُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَقِيلٍ ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، وَمَكْحُولٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ لَمَّا رَمَاهُ ابن قمة يَوْمَ أُحُدٍ رَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم إذَا تَوَضَّأَ حَلَّ عَنْ عِصَابَتِهِ وَمَسَحَ عَلَيْهَا بِالْوَضُوءِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ2 مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: انْكَسَرَتْ إحْدَى زَنْدَيَّ، فَسَأَلْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، فَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَعَمْرُو بْنُ خَالِدٍ: أَبُو خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ مَتْرُوكٌ،
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ تَابَعَ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ مُوسَى بْنَ وَجِيهٍ، فَرَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ مِثْلَهُ، وَابْنُ وَجِيهٍ مَتْرُوكٌ، مَنْسُوبٌ إلَى الْوَضْعِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ آبَائِهِ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَعَمْرُو بْنُ خَالِدٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: قَالَ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: هُوَ كَذَّابٌ غَيْرُ ثِقَةٍ وَلَا مَأْمُونٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي ضعفاءه وَأَعَلَّهُ بِعَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ وَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِهِ، وَنَقَلَ تَكْذِيبَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ. أَحَادِيثُ الْبَابِ، رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1 مِنْ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ بْنِ خُرَيْقٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رجلاً منا فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ قَالُوا: مَا نَجِدُ لَك رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ، قَالَ: فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ، أَلَا سَأَلُوا إذْ لَمْ يَعْلَمُوا؟! فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعَيِّ السُّؤَالُ، إنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ - شَكَّ مُوسَى - عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، مَعَ اخْتِلَافٍ فِي إسْنَادِهِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ السُّنَنِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود2 عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بن عباس، قلل: أَصَابَ رَجُلًا جُرْحٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، ثُمَّ احْتَلَمَ فَأُمِرَ بِالِاغْتِسَالِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم إلَى آخِرِهِ، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيُّ3 فَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ غَيْرُ الزُّبَيْرِ بْنِ خُرَيْقٍ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَخَالَفَهُ الْأَوْزَاعِيُّ، فَرَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاخْتُلِفَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، فَقِيلَ: عَنْ عَطَاءٍ، وَقِيلَ: بَلَغَنِي عَنْ عَطَاءٍ، وَأَرْسَلَهُ الْأَوْزَاعِيُّ بِآخِرِهِ، فَقَالَ: عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ4 عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ الْمَكِّيِّ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ثَنَا الحسن بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ الْجَبَائِرِ تَكُونُ عَلَى الْكَسْرِ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ صَاحِبُهَا، وَكَيْفَ يَغْتَسِلُ إذَا أَجْنَبَ؟ قَالَ: "يَمْسَحُ بِالْمَاءِ عَلَيْهَا فِي الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ"،
قُلْت: فَإِنْ كَانَ فِي بَرْدٍ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ إنْ اغْتَسَلَ؟ فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} يَتَيَمَّمُ إذَا خَافَ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَبُو الْوَلِيدِ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ:1هَذَا مُرْسَلٌ، وَأَبُو الْوَلِيدِ ضَعِيفٌ، وَلَا يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ مَسْحِ النَّعْلَيْنِ، فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ عُمَرَ، فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ2 مِنْ جِهَتِهِ عَنْ رَوَّادِ بْنِ الْجَرَّاحِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَكَذَا رَوَاهُ رَوَّادٌ، وَهُوَ يَنْفَرِدُ عَنْ الثَّوْرِيِّ بِمَنَاكِيرَ: هَذَا أَحَدُهَا، وَالثِّقَاتُ رَوَوْهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَّادٌ هَذَا لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. ثُمَّ سَاقَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ سُفْيَانَ هَكَذَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم مَسَحَ عَلَى النَّعْلَيْنِ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ، فَقَدْ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ. وَمُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، وَوَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بن كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فَحَكَوْا فِي الْحَدِيثِ غَسْلَهُ رِجْلَيْهِ، وَالْحَدِيثُ وَاحِدٌ، وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ الْعَدَدِ الْيَسِيرِ، مَعَ فَضْلِ مَنْ حَفِظَ فِيهِ الْغَسْلَ بَعْد الرَّشِّ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْهُ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ هَذَا مِنْ أَجْوَدِ مَا ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَابِ، وَزَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ذَكَرَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: أَحَادِيثُ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ الثَّوْرِيِّ مَقْلُوبَةٌ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهُوَ مِنْ أَثْبَاتِ مَشَايِخِ الْكُوفَةِ مِمَّنْ لَا يُشَكُّ فِي صِدْقِهِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ مَعِينٍ، إنَّ أَحَادِيثَهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ مَقْلُوبَةٌ إنَّمَا لَهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ أَحَادِيثُ تُسْتَغْرَبُ بِذَلِكَ الْإِسْنَادِ، وَالْبَعْضُ يَرْفَعُهُ، وَلَا يَرْفَعُهُ غَيْرُهُ، وَبَاقِي أَحَادِيثِهِ كُلِّهَا مُسْتَقِيمَةٌ، وَذَكَرَ ابْنُ عَدِيٍّ لِزَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ أَحَادِيثَ لَيْسَ فِيهَا هَذَا، وَإِذَا كَانَ زَيْدٌ ثِقَةً صَدُوقًا كَانَ الْحَدِيثُ مِمَّا يَنْفَرِدُ بِهِ الثِّقَةُ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَوَضَّأُ وَنَعْلَاهُ فِي رِجْلَيْهِ وَيَمْسَحُ عَلَيْهِمَا، وَيَقُولُ: كَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَفْعَلُ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ إلَّا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَلَا عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ إلَّا رَوْحٌ، وَإِنَّمَا كَانَ يَمْسَح عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُ تَوَضَّأَ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ، وَكَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ، فَهَذَا مَعْنَاهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. فَأَجَابَ النَّاسُ عَنْ أَحَادِيثِ الْمَسْحِ عَلَى النَّعْلَيْنِ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم
فِي الْوُضُوءِ الْمُتَطَوَّعِ بِهِ يُؤَيِّدُهُ مَا أخرجه عن ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَسْحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى النَّعْلَيْنِ كَانَ فِي وُضُوءِ تَطَوُّعٍ لَا من حدث سُفْيَانَ عَنْ السُّدِّيَّ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ دَعَا بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا، وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم لِلطَّاهِرِ مَا لَمْ يُحْدِثْ، قَالَ فِي الْإِمَامِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بِزِيَادَةِ لَفْظِ: وَفِيهِ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مَا لَمْ يُحْدِثْ، انْتَهَى. قُلْت: وهكذا فعل ابن ماجه فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، فَأَخْرَجَ عَنْ أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ1 أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى النَّعْلَيْنِ، وَقَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَهَذَا إنَّمَا كَانَ فِي وُضُوءِ النَّفْلِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ2 أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ بِرِجْلَيْهِ، وَقَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَعَلَ كَمَا فَعَلْت، وَهَذَا وُضُوءُ مَنْ لم يحدث، انتهى. وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلْبَزَّارِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُ ذَلِكَ. الْجَوَابُ الثَّانِي: قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ: إنَّ مَعْنَى مَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ أَيْ غَسَلَهُمَا فِي النَّعْلِ، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِي النِّعَالِ، وَأَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ زَادَ فِيهِ: وَيَمْسَحُ عَلَيْهَا، ثُمَّ سَاقَهُ بِسَنَدِهِ إلَى سُفْيَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بن جريح، قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: رَأَيْنَاك تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ نَرَ أَحَدًا يَفْعَلُهُ غَيْرُك، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: رَأَيْنَاك تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يلبسهما، ويتوضأ، ثُمَّ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَلْبَسُهُمَا3 وَكَأَنَّهُ أَخَذَ لَفْظَةَ: فِيهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، وَلَكِنْ يُحْتَاجُ إلَى أَنْ يَكُونَ لَفْظَةُ: يَتَوَضَّأُ لَا تُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْغَسْلِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْجَوَابُ الثَّالِثُ: قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِ شَرْحِ الْآثَارِ وَهُوَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى النَّعْلَيْنِ وَالْجَوْرَبَيْنِ، وَكَانَ مَسْحُهُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ هُوَ الَّذِي يَطْهُرُ بِهِ، وَمَسْحُهُ عَلَى النَّعْلَيْنِ فَضْلًا، وَاسْتَشْهَدَ بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ. وَبِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ نَحْوَهُ، رَوَى الْأَوَّلَ: ابْنُ مَاجَهْ4. وَالثَّانِيَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ5، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا فِي حَدِيثِ الْجَوْرَبَيْنِ.
أَحَادِيثُ اشْتِرَاطِ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ: مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ: دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، وَفِي غَيْرِ الصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ، وَلَيْسَ فِيهَا حُجَّةٌ، لِأَنَّا نَقُولُ بِعَدَمِ جَوَازِ الْمَسْحِ إلَّا بَعْدَ غَسْلِ الرِّجْلِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: إذَا أَحْدَثَ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ أَكْمَلَ وُضُوءَهُ. الثَّانِيَةُ: إذَا أَحْدَثَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، فَلَمَّا غَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ لَبِسَ عَلَيْهَا الْخُفَّ، ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى، ثُمَّ لَبِسَ عَلَيْهَا الْخُفَّ، فَإِنَّ الْمَسْحَ عِنْدَنَا جَائِزٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، خِلَافًا لَهُمْ. هَذَا تَحْرِيرُ مَذْهَبِنَا، وَهُمْ يُطْلِقُونَ النَّقْلَ عَنْ مَذْهَبِنَا، وَيَقُولُونَ: الْحَنَفِيَّةُ لَا يَشْتَرِطُونَ كَمَالَ الطَّهَارَةِ فِي الْمَسْحِ، وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَوْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَغْسِلْ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ، وَلَيْسَ كذلك عدنا بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، لِأَنَّ الْحَدَثَ بَاقٍ فِي الْقَدَمِ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَأَقْرَبُ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا، انْتَهَى. قَالُوا: وَوَجْهُ الْحُجَّةِ أَنَّ - الْفَاءَ - لِلتَّعْقِيبِ، وَالطَّهَارَةُ إذَا أُطْلِقَتْ إنَّمَا يُرَادُ بِهَا الطَّهَارَةُ الْكَامِلَةُ، وَجَوَابُنَا2 أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِي مُهَاجِرِ بْنِ مَخْلَدٍ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: لَيِّنُ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِذَلِكَ، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ رُوِيَ - بِالْوَاوِ - وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى طَهَارَةِ الرِّجْلَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا ابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ عِنْدَنَا: فَقِيلَ: مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ، وَقِيلَ: مِنْ وَقْتِ الْمَسْحِ، وَقِيلَ: مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ: أَمَّا مَنْ اعْتَبَرَهَا مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ، فَقَدْ اسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ - أَوْ سَفْرًا - أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَعَلَ الثَّلَاثَ مُدَّةَ اللُّبْسِ، وَأَمَّا مَنْ اعْتَبَرَهَا مِنْ وَقْتِ الْمَسْحِ فَبِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَفِيهِ أَلْفَاظٌ أَقْوَاهَا فِي مُرَادِهِمْ مَا عُلِّقَ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْمَسْحِ، كَالرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَفِيهَا فَأَمَرَنَا أَنْ يمسح عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا نَحْنُ أَدْخَلْنَاهُمَا عَلَى طُهْرٍ: ثَلَاثًا إذا سافرنا، ويوماً وَلَيْلَةً إذَا أَقَمْنَا، انْتَهَى.
قُلْت: وَهَذَا اللَّفْظُ أَيْضًا فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ1أَمَرَنَا أَنْ نَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا نَحْنُ أَدْخَلْنَاهُمَا عَلَى طُهْرٍ، ثَلَاثًا إذَا سَافَرْنَا، وَلَيْلَةً إذَا أَقَمْنَا، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: وَقَالَ: لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ إذَا أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ عَلَى طُهُورٍ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
باب الحيض
بَابُ الْحَيْضِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: "أَقَلُّ الْحَيْضِ لِلْجَارِيَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ. وَمِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ. وَمِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ. وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ والدارقطني فِي سُنَنِهِ2 مِنْ حَدِيثِ حَسَّانَ بن إبراهيم بن عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ:"أَقَلُّ الْحَيْضِ لِلْجَارِيَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، فَإِذَا زَادَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَبْدُ الْمَلِكِ مَجْهُولٌ، وَالْعَلَاءُ بْنُ كَثِيرٍ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَمَكْحُولٌ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَلَيَّنَ حَسَّانَ بْنَ إبْرَاهِيمَ3، وَقَالَ: إنَّهُ لا يعتمد الْكَذِبَ، وَلَكِنَّهُ يَهِمُ، وَهُوَ عِنْدِي لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ عُمَرَ. وَأَبِي دَاوُد النَّخَعِيّ عَنْ يَزِيدَ4 بْنِ جَابِرٍ عَنْ مَكْحُولٍ بِهِ، وَأَعَلَّهُ بِأَبِي دَاوُد النَّخَعِيّ، وَقَالَ: إنَّهُ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَأَعَلَّهُ بِالْعَلَاءِ بْنِ كَثِيرٍ أَيْضًا، وَقَالَ: إنَّهُ يَرْوِي الْمَوْضُوعَ عَنْ الْأَثْبَاتِ، لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إذَا وَافَقَ الثِّقَاتِ، فَكَيْفَ إذَا تَفَرَّدَ؟ قَالَ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَارِثِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَارِثِ حَضْرَمِيٌّ، وَهَذَا مِنْ مَوَالِي بَنِي أُمَيَّةَ، ذَاكَ صَدُوقٌ. وَهَذَا لَيْسَ بشيء. وأما حَدِيثُ وَاثِلَةَ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَنَسٍ الشَّامِيُّ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ الْمِنْهَالِ الْبَصْرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ
أَيَّامٍ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَمَّادُ بْنُ مِنْهَالٍ مَجْهُولٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَنَسٍ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ كَثُرَتْ الْمَنَاكِيرُ فِي رِوَايَتِهِ، فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الشَّامِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غنيم سَمِعْت مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَقُولُ: إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: "لَا حَيْضَ دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَلَا حَيْضَ فَوْقَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ إلَّا أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، وَلَا نِفَاسَ دُونَ أُسْبُوعَيْنِ، وَلَا نِفَاسَ فَوْقَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَإِنْ رَأَتْ النُّفَسَاءُ الطُّهْرَ دُونَ الْأَرْبَعِينَ صَامَتْ وَصَلَّتْ، وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا إلَّا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ هَذَا عَنْ الْبُخَارِيِّ. وَابْنِ مَعِينٍ. وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَقَالُوا: إنَّهُ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَهُ العقيلي في ضعفاءه عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّدَفِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ مُعَاذِ بن حنبل، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا حَيْضَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثٍ، وَلَا فَوْقَ عَشْرٍ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّدَفِيِّ، وَقَالَ: مَجْهُولٌ بِالنَّقْلِ، وَحَدِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد النَّخَعِيّ حَدَّثَنِي أَبُو طُوَالَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثٌ وَأَكْثَرُهُ عَشْرٌ، وَأَقَلُّ مَا بين الحيضتين خمسة عشرة يَوْمًا"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ سُلَيْمَانُ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَهُوَ أَبُو دَاوُد النَّخَعِيّ، وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ كَذَّابًا، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ، وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْحَيْضُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. وَأَرْبَعَةٌ. وَخَمْسَةٌ. وَسِتَّةٌ. وَسَبْعَةٌ. وَثَمَانِيَةٌ. وَتِسْعَةٌ. وَعَشَرَةٌ، فَإِذَا جَاوَزَتْ الْعَشْرَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِالْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، وَقَالَ: إنَّ جَمِيعَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الرِّجَالِ أَجْمَعَ عَلَى ضَعْفِهِ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ لَهُ1 حَدِيثًا جَاوَزَ الْحَدَّ فِي النَّكَارَةِ، وَهُوَ إلَى الضَّعْفِ أَقْرَبُ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْجَلْدِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَنَسٍ مَوْقُوفًا، وَقَدْ رَوَيْنَاهُ كَذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي حَرْفِ الْجِيمِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَلَمْ أَجِدْهُ مَوْصُولًا، وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ، وَفِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ: وَرَوَى حُسَيْنُ بْنُ عَلْوَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشْرٌ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ" قَالَ: وَحُسَيْنُ بْنُ عَلْوَانَ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ
لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ، كَذَّبَهُ أَحْمَدُ. وَيَحْيَى بن معين،، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ لَمْ يَصِلْ سَنَدَهُ بِهِ، وَقَالَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا. وَأَصْحَابُ مَالِكٍ. وَالشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، بِحَدِيثٍ رَوَوْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "تَمْكُثُ إحْدَاكُنَّ شَطْرَ عُمُرِهَا لَا تُصَلِّي" قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ، وَأَقَرَّهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ عَلَيْهِ، قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها جَعَلَتْ مَا سِوَى الْبَيَاضِ الْخَالِصِ حَيْضًا، قُلْت: رَوَى مَالِكٌ،1 وَعَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّأَيْهِمَا عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ بِالدَّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ يَسْأَلْنَهَا عن الصلاة، فيقول لهن: لا تعجلن حين تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرْنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ بِهِ، سَوَاءً، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ2 تَعْلِيقًا، وَلَفْظُهُ قَالَ: وَكُنَّ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ بِالْكُرْسُفِ فِيهِ الصُّفْرَةُ، فَتَقُولُ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، روى ابن شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: كُنَّا فِي حِجْرِهَا مَعَ بَنَاتِ ابْنِهَا، فَكَانَتْ إحْدَانَا تَطْهُرُ، ثُمَّ تُصَلِّي، ثُمَّ تَنْكَسِرُ بِالصُّفْرَةِ الْيَسِيرَةِ، فَتَسْأَلُهَا، فَتَقُولُ: اعْتَزَلْنَ الصَّلَاةَ مَا رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ حَتَّى لَا تَرَيْنَ إلَّا الْبَيَاضَ خَالِصًا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عن ربطة مَوْلَاةِ عَمْرَةَ عَنْ عَمْرَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ لِلنِّسَاءِ: إذَا أَدْخَلَتْ إحْدَاكُنَّ الْكُرْسُفَةَ فَخَرَجَتْ مُتَغَيِّرَةً، فَلَا تُصَلِّي حَتَّى لَا تَرَى شَيْئًا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَتْ إحْدَانَا عَلَى عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا تَقْضِي الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ، قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ3 مِنْ حَدِيثِ مُعَاذَةَ بِنْتِ عَبْدِ الله العدوية، قلت: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قُلْت: لَسْت بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ. قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِمْ: لَقَدْ كُنَّا نَحِيضُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرَّرَهُ فِي الصَّوْمِ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنِّي لَا أَحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ"،
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ أَفْلَتَ عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُجُوهُ بُيُوتِ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: "وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ"، ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَصْنَعْ الْقَوْمُ شَيْئًا رَجَاءَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِمْ رُخْصَةٌ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: "وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ، فَإِنِّي لَا أَحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ"، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ فِي حَدِيثِ جَسْرَةَ هَذَا: إنَّهُ لَا يَثْبُتُ مِنْ قِبَلِ إسْنَادِهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ ضَعْفَهُ، وَلَسْت أَقُولُ: إنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا أَقُولُ: إنَّهُ حَسَنٌ، فَإِنَّهُ يَرْوِيهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ثَنَا أَفْلَتُ بْنُ خَلِيفَةَ حَدَّثَتْنِي جَسْرَةُ بِنْتُ دَجَاجَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَبْدُ الْوَاحِدِ ثِقَةٌ لَمْ يُذْكَرْ بِقَادِحٍ، وَعَبْدُ الْحَقِّ احْتَجَّ بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، وَأَفْلَتُ، وَيُقَالُ: فُلَيْتُ بْنُ خَلِيفَةَ الْعَامِرِيُّ، قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ: مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: شَيْخٌ، وَأَمَّا جَسْرَةُ بِنْتُ دَجَاجَةَ، فَقَالَ فِيهَا الْكُوفِيُّ: تَابِعِيَّةٌ2 وَقَوْلُ الْبُخَارِيِّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ: عِنْدَهَا عَجَائِبُ. لَا يَكْفِي فِي إسْقَاطِ مَا رَوَتْ، رَوَى عَنْهَا أَفْلَتُ. وَقُدَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدَةَ الْعَامِرِيُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَذَكَرَ ابْنُ حِبَّانَ جَسْرَةَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ وَقَالَ: رَوَى عَنْهَا أَفْلَتُ أَبُو حَسَّانَ. وَقُدَامَةُ الْعَامِرِيُّ، انْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ ضَعَّفُوا هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالُوا: إنَّ أَفْلَتَ3 رَاوِيهِ مَجْهُولٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِحَدِيثِهِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وفيما قاله نظر، فإنه أَفْلَتَ بْنَ خَلِيفَةَ، وَيُقَالُ: فُلَيْتٌ الْعَامِرِيُّ، وَيُقَالُ: الذُّهْلِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو حَسَّانَ، حَدِيثُهُ فِي الْكُوفِيِّينَ، رَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، وَسُئِلَ عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، فَقَالَ: شَيْخٌ، وَحَكَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ، قَالَ: وَعِنْدَ جَسْرَةَ عَجَائِبُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: رَأَيْت فِي كِتَابِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ لِابْنِ الْقَطَّانِ الْمَقْرُوءِ عَلَيْهِ دَجَاجَةٌ بِكَسْرِ الدَّالِ وَعَلَيْهَا صَحَّ، وَكَتَبَ النَّاسِخُ فِي الْحَاشِيَةِ - بِكَسْرِ الدَّالِ - بِخِلَافِ وَاحِدَةِ الدَّجَاجِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سلمة، فرواه ابن حبان فِي سُنَنِهِ4 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَا: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا ابْنُ أَبِي غَنِيَّةَ عَنْ أببي الْخَطَّابِ الْهَجَرِيِّ عَنْ مَحْدُوجٍ5 الذُّهْلِيِّ عَنْ جَسْرَةَ، قَالَتْ: أَخْبَرَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرْحَةَ هَذَا الْمَسْجِدِ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: "إنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَحِلُّ لِجُنُبِ وَلَا لِحَائِضٍ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ قَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ: سَمِعْت أَبَا زُرْعَةَ يَذْكُرُ حَدِيثًا بِهِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي غَنِيَّةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ عَنْ مَحْدُوجٍ الذُّهْلِيِّ عَنْ جَسْرَةَ، قَالَتْ: أَخْبَرَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَهُ، فَقَالَ: يَقُولُونَ: عَنْ جَسْرَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَالصَّحِيحُ عَنْ جَسْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نافع، عن عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ2 وَقَالَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُ: إنَّمَا رَوَى هَذَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَلَا أَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثٍ غَيْرِهِ، وَإِسْمَاعِيلُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَأَهْلِ الْعِرَاقِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَعْرِفَةِ: هَذَا حديث ينفرد بن إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ ضَعِيفَةٌ لَا يُحْتَجُّ بِهَا، قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْحُفَّاظِ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ3 سَمِعْت أَبِي، وَذَكَرَ حَدِيثَ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ هَذَا، فَقَالَ: خَطَأٌ، إنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ: هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا السَّنَدِ لَا يَرْوِيهِ غَيْرُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. وَالْبُخَارِيُّ. وَغَيْرُهُمَا، وَصَوَّبَ أَبُو حَاتِمٍ وَقْفَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَلَهُ طَرِيقَانِ آخَرَانِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ4. أَحَدُهُمَا: عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِهِ. وَالثَّانِي: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْحَسَّانِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِهِ. وَهَذَا مَعَ أَنَّ فِيهِ رَجُلًا مَجْهُولًا، فَأَبُو مَعْشَرٍ رَجُلٌ مُسْتَضْعَفٌ إلَّا أَنَّهُ يُتَابَعُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ. فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، وَأَغْلَظَ فِي تَضْعِيفِهِ عَنْ الْبُخَارِيِّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَأَحْمَدَ. وابن معين، ووافقهم. انتهى. حَدِيثٌ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِهِ الطَّحَاوِيُّ فِي إبَاحَةِ مَا دُونَ الْآيَةِ لِلْجُنُبِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ5
حَدَّثَنَا عَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ السِّمْطِ عَنْ أبي العزيف الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ بِوَضُوءٍ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَيْهِ1 ثَلَاثًا، وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، ثُمَّ قَرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ قَالَ: "هَذَا لِمَنْ لَيْسَ بِجُنُبٍ، فَأَمَّا الْجُنُبُ فَلَا، وَلَا آيَةً"، انْتَهَى. وَلَكِنَّ الدَّارَقُطْنِيّ رَوَاهُ فِي سُنَنِهِ2 مَوْقُوفًا بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ، فَأَخْرَجَهُ عَنْ عَامِرِ بْنِ السِّمْطِ ثنا أبو العزيف الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي الرَّحْبَةِ، فَخَرَجَ إلَى أَقْصَى الرَّحْبَةِ، فَوَاَللَّهِ مَا أَدْرِي أَبَوْلًا أَحْدَثَ أَمْ غَائِطًا، ثُمَّ جَاءَ فَدَعَا بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ قَبَضَهُمَا إلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ صَدْرًا مِنْ القرآن، ثم قال: اقرؤوا الْقُرْآنَ مَا لَمْ يُصِبْ أَحَدَكُمْ جَنَابَةٌ، فَإِنَّ أَصَابَهُ فَلَا، وَلَا حَرْفًا وَاحِدًا، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ صَحِيحٌ عَنْ عَلِيٍّ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ فِي مَنْعِ الْقِرَاءَةِ لِلْجُنُبِ: رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ3 مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْجُبُهُ - أَوْ لَا يَحْجِزُهُ - عَنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ قَالَ: وَلَمْ يَحْتَجَّا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ، وَمَدَارُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَهْلُ الْحَدِيثِ لَا يُثْبِتُونَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لِأَنَّ مَدَارَهُ على علي بْنِ سَلَمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَكَانَ قَدْ كَبِرَ، وَأُنْكِرَ حَدِيثُهُ وَعَقْلُهُ، وَإِنَّمَا رَوَى هَذَا بَعْدَ كِبَرِهِ، قَالَهُ شُعْبَةُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَمِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ. أَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ4 فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ
وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرَقْمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أبيه عن جده فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ فِي السُّنَنِ. وَالْفَرَائِضِ. وَالدِّيَاتِ أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ، انْتَهَى. وَرَوَيَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ مُوسَى عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْخَوْلَانِيُّ حدثني الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِنَحْوِهِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَمَ فِيهِ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى يَعْنِي فِي قَوْلِهِ: سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد وَإِنَّمَا هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرَقْمَ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَرَقْمَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَبِالسَّنَدِ الثَّانِي رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَقَالَ: سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْخَوْلَانِيُّ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 وَقَالَ: هُوَ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ، وَإِسْنَادُهُ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْكِتَابِ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ بِطُولِهِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ والدارقطني2 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا. وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ رَاهْوَيْهِ. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَوْرٍ هَاشِمِ بْنِ نَاجِيَةَ عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو ثَوْرٍ عَنْ مُبَشِّرٍ عَنْ مَالِكٍ، فَأَسْنَدَهُ عَنْ جَدِّهِ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ إسْحَاقَ الطَّبَّاعِ، أَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ، قَالَ: وَهَذَا الصَّوَابُ عَنْ مَالِكٍ، لَيْسَ فِيهِ عَنْ جَدِّهِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَقَوْلُهُ فِيهِ: عَنْ جَدِّهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ جَدُّهُ الْأَدْنَى، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ جَدُّهُ الْأَعْلَى، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُتَّصِلًا إذَا أُرِيدَ الْأَعْلَى، لَكِنَّ قَوْلَهُ: كَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتَضِي أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ لِأَنَّهُ الَّذِي كَتَبَ لَهُ الْكِتَابَ. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ فِي عَهْدِهِ: وَلَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ، انْتَهَى. قُلْت: لَمْ أَجِدْهُ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، - وَفِي - تَفْسِيرِهِ إلَّا مُرْسَلًا، فَرَوَاهُ فِي مُصَنَّفِهِ فِي بَابِ الْحَيْضِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثُ، وَرَوَاهُ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. وَمُحَمَّدٍ ابْنَيْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا فِيهِ: وَلَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا هَكَذَا مُرْسَلًا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَمُحَمَّدٍ ابْنَيْ أَبِي بَكْرٍ يُخْبِرَانِهِ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ جَدِّهِمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَتَبَ هَذَا الْكِتَابَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ، وَأَبُو أُوَيْسٍ صَدُوقٌ، أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَقَدْ رُوِيَ هذا الحديث من طريق أُخْرَى مُرْسَلَةٍ، وَسَيَأْتِي فِي الزَّكَاةِ وَفِي الدِّيَاتِ بَعْضُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ2 حَدِيثُ: لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ مُرْسَلٌ لَا يَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَقَدْ أَسْنَدَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طُرُقٍ3 أَقْوَاهَا رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ والدارقطني4، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَتِهِ فِي سُنَنِهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت سَالِمًا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ"، انْتَهَى. وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الْأَشْدَقُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَوَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ، وَقَالَ النسائي: ليسس بِالْقَوِيِّ، وَأَمَّا حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ5 مِنْ حَدِيثِ سُوَيْد بْنِ أَبِي حَاتِمٍ ثَنَا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ عَنْ حَسَّانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: لَمَّا بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ، قَالَ: "لَا تَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا وَأَنْتَ طَاهِرٌ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ. والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا. وَأَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْخَلَّالُ الْمَكِّيُّ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ ثَنَا هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَان عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ فَلَمْ أَجِدْهُ مَوْصُولًا، وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ الْوَهْمُ وَالْإِيهَامُ: وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي مُنْتَخَبِهِ حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا مَسْعَدَةُ البصري عن خضيب بْنِ جَحْدَرٍ عَنْ النَّضْرِ بْنِ شُفَيٍّ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ، وَالْعُمْرَةُ هِيَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَإِسْنَادُهُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، أَمَّا النَّضْرُ بْنُ شَفِيَ، فَلَمْ أَجِدْ لَهُ ذِكْرًا فِي شَيْءٍ مِنْ مَظَانِّهِ، فَهُوَ مَجْهُولٌ جِدًّا، وأما الخضيب بْنُ جَحْدَرٍ، فَقَدْ رَمَاهُ ابْنُ مَعِينٍ بِالْكَذِبِ، وَأَمَّا مَسْعَدَةُ الْبَصْرِيُّ، فَهُوَ ابْنُ الْيَسَعَ تَرَكَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَخَرَقَ حَدِيثَهُ، وَوَصَفَهُ أَبُو حَاتِمٍ بِالْكَذِبِ، وَأَمَّا إسْحَاقُ بْنُ إسْمَاعِيلَ فَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى يَرْوِي عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ. وَجَرِيرٍ. وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ شَيْخٌ لِأَبِي دَاوُد، وَأَبُو دَاوُد إنَّمَا يَرْوِي عَنْ ثِقَةٍ عِنْدَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَفِي الْبَابِ أَثَرَانِ جَيِّدَانِ: أَحَدُهُمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ إسْحَاقَ الْأَزْرَقِ ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ مُتَقَلِّدًا بِالسَّيْفِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ خَتْنَك وَأُخْتَك قَدْ صَبَوْا، فَأَتَاهُمَا عُمَرُ، وَعِنْدَهُمَا رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، يُقَالُ له: خباب وكانوا يقرؤون طَهَ، فَقَالَ: أَعْطُونِي الَّذِي عِنْدَكُمْ، فَأَقْرَأهُ - وَكَانَ عُمَرُ يَقْرَأُ الْكُتُبَ - فَقَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ: إنَّك رِجْسٌ، وَلَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ، فَقُمْ واغتسل، أَوْ تَوَضَّأَ، فَقَامَ عُمَرُ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَخَذَ الْكِتَابَ فَقَرَأَ طَهَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مُطَوَّلًا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ الْقَاسِمُ بْنُ عُثْمَانَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَهُ أَحَادِيثُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا. الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كنا مع سليمان، فَخَرَجَ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ جَاءَ، فَقُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَوْ تَوَضَّأْت لَعَلَّنَا نَسْأَلُك عَنْ آيَاتٍ، قَالَ: إنِّي لَسْت أَمَسُّهُ، إنَّهُ لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ، فَقَرَأَ عَلَيْنَا مَا شئنا، انتهى. وصحح الدَّارَقُطْنِيُّ، قَوْله: رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ: أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا2. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَوَضَّئِي وَصَلِّي: وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فلا أطهر، فأدع الصَّلَاةَ؟ قَالَ: "لَا، إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، اجْتَنِبِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ مَحِيضِك، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ على الحصير"، انتهى. ووهم شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ فِي عَزْوِهِ هَذَا الْحَدِيثَ لِأَبِي دَاوُد مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ، وَأَبُو دَاوُد - وَإِنْ كَانَ أَخْرَجَهُ - لَكِنْ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ فَلَيْسَ هُوَ حَدِيثُ الْكِتَابِ، وَاَلَّذِي أَوْقَعَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ الْأَطْرَافِ عَزَوْهُ لِأَبِي دَاوُد. وَابْنِ مَاجَهْ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُنْكَرُ عَلَى أَصْحَابِ الْأَطْرَافِ وَلَا غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، لِأَنَّ وَظِيفَةَ الْمُحَدِّثِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ أَصْلِ الْحَدِيثِ، فَيَنْظُرَ مَنْ خَرَّجَهُ وَلَا يَضُرُّهُ تَغَيُّرُ بَعْضِ أَلْفَاظِهِ، وَلَا الزِّيَادَةُ فِيهِ أَوْ النَّقْصُ، وَأَمَّا الْفَقِيهُ فَلَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَقْصِدُ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَى حُكْمِ مَسْأَلَةٍ، وَلَا يَتِمُّ لَهُ هَذَا إلَّا بِمُطَابَقَةِ الْحَدِيثِ لِمَقْصُودِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا دَاوُد لَمْ يَنْسِبْ عُرْوَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، كَمَا نَسَبَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَأَصْحَابُ الْأَطْرَافِ لَمْ يَذْكُرُوهُ فِي تَرْجَمَةِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَإِنَّمَا ذَكَرُوهُ فِي تَرْجَمَةِ عُرْوَةَ الْمُزَنِيّ مُعْتَمَدِينَ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَدِينِيِّ1: إنَّ حَبِيبَ بْنَ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ وَلَمْ يَنْسِبُوا عُرْوَةَ، وَلَكِنَّ ابْنَ رَاهْوَيْهِ. وَالْبَزَّارَ أَخْرَجَاهُ فِي تَرْجَمَةِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تُصَلِّي الْمُسْتَحَاضَةُ، وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ: وَضَعَّفَ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: زَعَمَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَنَّ حَبِيبَ بْنَ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ3 أَنَّهُ ضَعَّفَهُ بِأَشْيَاءَ: مِنْهَا أَنَّ حَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ رَوَاهُ عَنْ الْأَعْمَشِ فَوَقَفَهُ عَلَى عَائِشَةَ، وَأَنْكَرَ4 أَنْ يَكُونَ5 مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ أَيْضًا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَلَى عَائِشَةَ وَبِأَنَّ الْأَعْمَشَ أَيْضًا رَوَاهُ مَرْفُوعًا أَوَّلُهُ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْوُضُوءُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَبِأَنَّ الزُّهْرِيَّ رَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَقَالَ فِيهِ: فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ جَامِعِهِ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي عُمْرَةِ رَجَبٍ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يَقُولُ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ فِي بَابِ تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ الْقُبْلَةِ: قال يحيى بن الْقَطَّانُ: رَوَى حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثَيْنِ، كِلَاهُمَا لَا شَيْءَ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ
بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ، وَالْآخَرُ: حَدِيثُ تُصَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْكَلَامُ بِحُرُوفِهِ نَقَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ: حَدِيثُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ هَذَا ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ. وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ. وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ شَيْئًا، وَرَوَاهُ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْأَعْمَشِ، فَوَقَفَهُ عَلَى عَائِشَةَ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ أَيْضًا أَسْبَاطُ عَنْ الْأَعْمَشِ، وَرَوَاهُ أَيُّوبُ أَبُو الْعَلَاءِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ، وَرَوَاهُ عَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ قَمِيرَ امْرَأَةِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا , قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ , وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ , وَاَلَّذِي عِنْدَ النَّاسِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مَوْقُوفٌ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ، مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ1 مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اعْتَكَفَتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ، فَكَانَتْ تَرَى الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، فَرُبَّمَا وَضَعَتْ الطَّسْتَ تَحْتَهَا، وَهِيَ تُصَلِّي، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا". قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَدِّ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ. وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ. ومن حديث سودة بن زَمْعَةَ أَمَّا الْأَوَّلُ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد2 وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ: "تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ تَفَرَّدَ بِهِ شَرِيكٌ عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ، قَالَ: وَسَأَلْت مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقُلْت لَهُ: عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، جَدُّ عَدِيٍّ مَا اسْمُهُ؟ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، وَذَكَرْت لَهُ قَوْلَ يحيى بن معين: إنه اسْمَهُ دِينَارٌ، فَلَمْ يَعْبَأْ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو داود: د عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ هَذَا ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ، وَرَوَاهُ أَبُو الْيَقْظَانِ عَنْ عَدِيِّ بن ثابت عن أبي عَنْ عَلِيٍّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي: الْمَعْرِفَةِ: قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: جَدُّ عَدِيٍّ اسْمُهُ دِينَارٌ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ جَدُّهُ أَبُو أُمِّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْخِطْمِيَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَلَا يَصِحُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ شَيْءٌ، انْتَهَى. وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مَا اسْمُهُ،
وَشَرِيكٌ: هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيّ قَاضِي الْكُوفَةِ، تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَأَبُو الْيَقْظَانِ هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَيْرٍ الْكُوفِيُّ، وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ أَنْبَأَ أَيُّوبُ أَبُو الْعَلَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ الْقَاضِي عَنْ قُمَيْرَ - امْرَأَةِ مَسْرُوقٍ - عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ: "تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ مَرَّةً، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ إلَى مِثْلِ أَيَّامِ أَقْرَائِهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَقَالَ: "تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ غُسْلًا وَاحِدًا، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ مُعَلَّى بْنِ أَسَدٍ ثَنَا وُهَيْبٍ ثَنَا أَيُّوبُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ اُسْتُحِيضَتْ، فَأَمَرَتْ أُمَّ سَلَمَةَ أَنْ تَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَسْتَذْفِرُ بِثَوْبٍ وَتُصَلِّي"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رواته كلهم ثقات، رواه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ امْرَأَتَهُ أَتَتْ أُمَّ سَلَمَةَ تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا عَنْ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَقَالَ عليه السلام: "تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تغتسل وتستثفر بِثَوْبٍ، وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي إلَى مِثْلِ ذَلِكَ"، انْتَهَى. وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ يُفَسِّرُهُ رِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ الْمَذْكُورَةُ. وَأَمَّا حَدِيثُ سَوْدَةَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ حَدَّثَنَا مُوَرِّعٌ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو ذُهْلٍ الْمِصِّيصِيِّ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى الْحَرْبِيُّ1 ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ2 عَنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا الَّتِي كَانَتْ تَجْلِسُ فِيهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ غُسْلًا وَاحِدًا، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ"، انْتَهَى. فَصْل الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ" قُلْتُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "المستحاضة تعد الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي"،
انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ: وَالْوُضُوءُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ: وَتَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ، وَلَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ: مِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ، زَادَ ابْنُ مَاجَهْ: ابْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ خَبَرَهَا، وَقَالَ: "ثُمَّ اغْتَسِلِي ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ وصلي"، بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ فِيهِ: "وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ"، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ، وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ. وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُسْتَحَاضُ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ، فَقَالَ: "لَيْسَ ذَاكَ بِحَيْضِ، وَلَكِنَّهُ عِرْقٌ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْحَيْضُ فَدَعِي الصَّلَاةَ عَدَدَ أَيَّامِكِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ"، انْتَهَى. وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ: وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ هِيَ مُعَلَّقَةٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ عُرْوَةَ فِي صَحِيحِهِ رَوَى فِي الطَّهَارَةِ فِي بَابِ غَسْلِ الدَّمِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي معاوية محمد بن حازم عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدْعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: "لَا، إنَّمَا ذلك عرق وليس بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، وَصَلِّي"، قَالَ1: وَقَالَ أَبِي2: "ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهَا التِّرْمِذِيُّ3 عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مُتَّصِلًا، فَإِنَّهُ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ. وَعَبْدَةَ. وَأَبِي مُعَاوِيَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَفِي آخِرِهِ، قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ فِي حَدِيثِهِ: وَقَالَ: تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. قَدْ جَعَلَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ مِثْلَ هَذَا تَعْلِيقًا4 فَقَالَ فِي بَابِ الاستسقاء: وقال الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى بِشْرِ5 بْنِ الْوَلِيدِ البيكندي6 وَأَنَا حَاضِرٌ، قِيلَ لَهُ: حَدَّثَكُمْ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ أَبِي أَيُّوبَ
الْأَفْرِيقِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْمُسْتَحَاضَةَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ؟ انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي ثِقَةٌ إذَا كَانَ يَرْوِي عَنْ ثِقَةٍ، إلَّا أَنَّ الْأَفْرِيقِيَّ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ صَاحِبَا الصَّحِيحِ، وَابْنُ عَقِيلٍ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ امْرَأَتَهُ أَتَتْ أُمَّ سملة تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَقَالَ عليه السلام: "تَدْعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثم تغتسل وتستثفر بِثَوْبٍ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَتُصَلِّي إلَى مِثْلِ ذَلِكَ"، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ. الْحَدِيثُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ لكل صَلَاةٍ" قُلْتُ: غَرِيبٌ جِدًّا1 قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ2: وَمَذْهَبُنَا قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ، وَذَلِكَ أَنَّا عَهِدْنَا الْإِحْدَاثَ، إمَّا خُرُوجُ خَارِجٍ. أَوْ خُرُوجُ وَقْتٍ، فخروج خارج مَعْرُوفٌ، وَخُرُوجُ الْوَقْتِ حَدَثٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَرَجَعْنَا فِي هَذَا الْحَدَثِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَجَعَلْنَاهُ كَالْحَدَثِ الَّذِي أُجْمِعَ عَلَيْهِ وَوُجِدَ لَهُ أَصْلٌ، وَلَمْ نَجْعَلْهُ كما يُجْمَعْ عَلَيْهِ، وَلَمْ نَجِدْ لَهُ أَصْلًا لِأَنَّا لَمْ نَعْهَدْ الْفَرَاغَ مِنْ الصَّلَاةِ حَدَثًا قَطُّ، انْتَهَى.
فصل في النفاس
فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِلنُّفَسَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، قُلْتُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد3. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ أَبِي سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي مُسَّةُ الْأَزْدِيَّةُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقْعُدُ فِي النِّفَاسِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَكُنَّا نَطْلِي وُجُوهَنَا بِالْوَرْسِ مِنْ الْكَلَفِ، انْتَهَى. زَادَ أَبُو دَاوُد فِي لَفْظِ: لَا يَأْمُرُهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَضَاءِ صَلَاةِ النِّفَاسِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: أَبُو سَهْلٍ ثِقَةٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ هَذَا الْحَدِيثُ إلَّا مِنْ حَدِيثِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ4 بِزِيَادَةِ أَبِي دَاوُد، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا،
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 أَيْضًا عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مُسَّةَ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى: مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَيْ كَانَتْ النُّفَسَاءُ تُؤْمَرُ أَنْ تَقْعُدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، قَالَ: إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَّفِقَ عَادَةُ نِسَاءِ عَصْرٍ فِي نِفَاسٍ وَلَا حَيْضٍ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: أَحَادِيثُ هَذَا الْبَابِ مَعْلُولَةٌ، وَأَحْسَنُهَا حَدِيثُ مُسَّةَ الْأَزْدِيَّةِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَحَدِيثُ مُسَّةَ أَيْضًا مَعْلُولٌ، فَإِنَّ مُسَّةَ الْمَذْكُورَةَ، وَتُكَنَّى أُمَّ بَسَّةَ2 لَا يُعْرَفُ حَالُهَا وَلَا عَيْنُهَا، وَلَا يُعْرَفُ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَيْضًا فَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُنَّ نُفَسَاءُ مَعَهُ إلَّا خَدِيجَةُ، وَنِكَاحُهَا كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهَا: قَدْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ إلَى آخِرِهِ، إلَّا أَنْ تُرِيدَ بِنِسَائِهِ غَيْرَ أَزْوَاجِهِ مِنْ بَنَاتٍ. وَقَرِيبَاتٍ. وَسُرِّيَّةٍ عَارِيَّةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَعَلَّهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ بِكَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ، وَقَالَ: إنَّهُ يَرْوِي الْأَشْيَاءَ الْمَقْلُوبَاتِ، فَاسْتَحَقَّ مُجَانَبَةَ مَا انْفَرَدَ بِهِ مِنْ الرِّوَايَاتِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ، رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ: ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ عَنْ سَلَّامٍ بْنِ سُلَيْمٍ الطَّوِيلِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِلنُّفَسَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ4 ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عن حُمَيْدٍ غَيْرُ سَلَّامٍ هَذَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: لَمْ يُخَرِّجْ ابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِهِ لِسَلَّامٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ5 مِنْ حَدِيثِ أَبِي بِلَالٍ الْأَشْعَرِيِّ ثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أبي العاص، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول "لِلنِّسَاءِ فِي نِفَاسِهِنَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: إنْ سَلِمَ هَذَا الْإِسْنَادُ مِنْ أَبِي بِلَالٍ فَإِنَّهُ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ: أَبُو بِلَالٍ الْأَشْعَرِيُّ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحُصَيْنِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُلَاثَةَ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَنْتَظِرُ النُّفَسَاءُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَإِنْ رَأَتْ الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَهِيَ طَاهِرٌ، وَإِنْ جَاوَزَتْ الْأَرْبَعِينَ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ تَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: وَعَمْرُو بْنُ الْحُصَيْنِ. وَمُحَمَّدِ بْنِ عُلَاثَةَ لَيْسَا مِنْ شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ شَاهِدًا، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: عَمْرُو بْنُ الْحُصَيْنِ. وَابْنُ عُلَاثَةَ مَتْرُوكَانِ ضَعِيفَانِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي بِلَالٍ الْأَشْعَرِيِّ ثَنَا حِبَّانُ عَنْ عَطَاءٍ1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِلنِّسَاءِ فِي نِفَاسِهِنَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ تَضْعِيفُهُ لِأَبِي بِلَالٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ عَلْوَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لِلنُّفَسَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ فَتَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ، وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا فِي الْأَرْبَعِينَ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، وَحُسَيْنُ بْنُ عَلْوَانَ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَعَطَاءُ هَذَا هُوَ عَطَاءُ بْنُ عَجْلَانَ هَكَذَا نَسَبَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي جَمْعِهِ أَحَادِيثَ مَنْ اسْمُهُ عَطَاءٌ وَهُوَ جُزْءٌ حَدِيثِيٌّ، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُعْلَمُ هَذَا الْحَدِيثُ يُرْوَى بِهَذَا الْإِسْنَادِ إلَّا مِنْ جِهَةِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ، وَهُوَ كُوفِيٌّ ضَعِيفٌ، تَفَرَّدَ فِي رِوَايَتِهِ بِأَشْيَاءَ، مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَحَدٌ غَيْرُهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خُلَيْدٍ ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ جَنَّادٍ2 ثَنَا سليمان بن حيان أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ الْأَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قال: وقت للنساء أَرْبَعِينَ يَوْمًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ كَثِيرٍ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي دَاوُد3 وَأَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَنْتَظِرُ النُّفَسَاءُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ، فإن بلغت أربيعن يَوْمًا وَلَمْ تَرَ الطُّهْرَ فَلْتَغْتَسِلْ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَ الْعَلَاءُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الْبُخَارِيِّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنِ الْمَدِينِيِّ. وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: وَقَدْ رَوَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إذَا مَضَى أَرْبَعُونَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي"، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا أَعْرِفُهُ، وَأَقَرَّهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ عَلَى ذَلِكَ وَسَكَتَ عَنْهُ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَتَقَدَّمَ نَحْوُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا، وَإِنْ جَاوَزَتْ الْأَرْبَعِينَ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ. والدارقطني. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
باب الأنجاس
بَابُ الْأَنْجَاسِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حُتِّيهِ، ثُمَّ اُقْرُصِيهِ، ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ"، قُلْتُ: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ1 فِي كُتُبِهِمْ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ جَدَّتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: "تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ"، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد: حُتِّيهِ، ثُمَّ اُقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ، ثُمَّ انْضَحِيهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: فَإِنْ رَأَتْ فِيهِ دَمًا فَلْتَقْرُصْهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، وَلْتَنْضَحْ مَا لَمْ تَرَ، وَتُصَلِّي فِيهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَفِيهِ قَالَ: "اُقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ وَاغْسِلِيهِ وَصَلِّي فِيهِ"، وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَارُودِ فِي كِتَابِ الْمُنْتَقَى حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ آدَمَ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ أَنْ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الثَّوْبِ يُصِيبُهُ نَجَاسَةٌ، فَقَالَ: "حُتِّيهِ وَاقْرُصِيهِ وَرُشِّيهِ بِالْمَاءِ"، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ مِنْ الثِّيَابِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَصْحَابِنَا فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَهُوَ مَفْهُومُ لَقَبٍ لَا يَقُولُ بِهِ إمَامُهُ، وَاسْتَدَلَّ لَنَا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَمَّارٍ إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ، وَسَيَأْتِي اكلام عَلَيْهِ قَرِيبًا. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَإِنْ كَانَ بهما أذى فليمسحها بِالْأَرْضِ، فَإِنَّ الْأَرْضَ لَهُمَا طَهُورٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ. وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد2 مِنْ طَرِيقِينَ: أَحَدُهُمَا: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ الْأَذَى بِخُفَّيْهِ فَطَهُورُهُمَا التُّرَابُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقٍ لَا يُظَنُّ بِهَا الصِّحَّةُ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ بِهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ1 الصَّنْعَانِيُّ الْأَصْلِ، الْمِصِّيصِيِّ الدَّارِ أَبُو يُوسُفَ ضَعِيفٌ، وَأَضْعَفُ مَا هُوَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: قَالَ أَبِي: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، يَرْوِي أَشْيَاءَ مُنْكَرَةً، وَقَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: قَالَ أَبِي: هُوَ عِنْدِي لَيْسَ ثِقَةً، انْتَهَى كَلَامُهُ. الطَّرِيقُ الثَّانِي2: عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، قال: أنبئت أن سعيد الْمَقْبُرِيَّ حَدَّثَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، قَالَ: "إذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْلِهِ الْأَذَى فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ"، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: الْأَوَّلُ: فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، وَفِيهِ مَقَالٌ لَمْ يَحْتَجَّا بِهِ. وَالثَّانِي: فِيهِ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاةِ3 عَنْ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي نَعَامَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ ذَلِكَ ألقوا نعاهم، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم صَلَاتَهُ، قَالَ: "مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إلْقَائِكُمْ نِعَالَكُمْ؟ " قَالُوا: رأينا أَلْقَيْت نَعْلَيْك، فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ جبرئيل أَتَانِي، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا"، وَقَالَ: "إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلِيَمْسَحْهُ، وَلِيُصَلِّ فِيهِمَا"، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: وَلِيُصَلِّ فِيهِمَا، وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فِي مَسَانِيدِهِمْ بِنَحْوِ أَبِي دَاوُد. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا4 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بِمَعْنَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ الْقُرَشِيِّ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم الرَّجُلُ يَطَأُ
بِنَعْلَيْهِ فِي الْأَذَى، قَالَ "التُّرَابُ لَهُمَا طَهُورٌ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَ عَبْدَ اللَّهِ هَذَا عَنْ الْبُخَارِيِّ. وَمَالِكٍ. وَأَحْمَدَ. وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، وَقَالَ: الضَّعْفُ عَلَى حَدِيثِهِ بَيِّنٌ وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ سَمْعَانَ بِهِ، وَقَالَ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَدَارُ الْحَدِيثِ عَلَى ابْنِ سَمْعَانَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ كَذَّابٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ فِي الْمَنِيِّ: "فَاغْسِلِيهِ إنْ كَانَ رَطْبًا وَافْرُكِيهِ إنْ كَانَ يَابِسًا". قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ2 ثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم إذَا كَانَ يَابِسًا وَأَغْسِلُهُ إذَا كَانَ رَطْبًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ في مسنده وقال: لَا يُعْلَمُ أَسْنَدَهُ عَنْ عَائِشَةَ إلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ3 هَذَا، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عَمْرَةَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْحَنَفِيَّةُ يَحْتَجُّونَ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ بِحَدِيثٍ رَوَوْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: "اغْسِلِيهِ إنْ كَانَ رَطْبًا وَافْرُكِيهِ إنْ كَانَ يَابِسًا"، قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ، وَإِنَّمَا رُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الدَّارَقُطْنِيِّ الْمَذْكُورَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ حَمَلَ فَرْكَ الثَّوْبِ عَلَى غَيْرِ الثَّوْبِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ، وهذا ينتقص بِمَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ4: كُنْت أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَيُصَلِّي فِيهِ، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد5 ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ، وَالْفَاءُ تَرْفَعُ احْتِمَالَ غَسْلِهِ بَعْدَ الْفَرْكِ، وَحَمَلَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الفرك بالماء، وهذا ينتقص بِمَا فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا لَقَدْ رَأَيْتنِي وَإِنِّي لَأَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِظُفْرِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ6 مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَيَخْرُجُ، فَيُصَلِّي وَأَنَا أَنْظُرُ إلَى بُقَعِ الْمَاءِ فِي ثَوْبِهِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهَا: كُنْت أَفْرُكُ مِنْ ثَوْبِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ، كَمَا لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ
غَسْلِهِ قَدَمَيْهِ وَمَسْحِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ1: لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ غَسْلَهُ كَانَ لِلِاسْتِقْذَارِ لَا لِلنَّجَاسَةِ. حَدِيثٌ آخَرُ، إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ: سَيَأْتِي قَرِيبًا. الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ جَعْفَرَ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عَزَّةَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: إنِّي احْتَلَمْتُ عَلَى طُنْفُسَةٍ، فَقَالَ: إنْ كَانَ رَطْبًا فَاغْسِلْهُ، وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَاحْكُكْهُ، وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْك فَارْشُشْهُ بِالْمَاءِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ، رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ أَنْبَأَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْلُتُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ بِعِرْقِ الْإِذْخِرِ، ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَحُتُّهُ يَابِسًا ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْرَقِ عَنْ شَرِيكٍ الْقَاضِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ2 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ، قَالَ: "إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطِ أَوْ الْبُزَاقِ"، وَقَالَ: "إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَمْسَحَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ بِإِذْخِرَةٍ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ إسْحَاقَ الْأَزْرَقِ عَنْ شَرِيكٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَإِسْحَاقُ إمَامٌ مُخَرَّجٌ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَرَفْعُهُ زِيَادَةٌ، وَهِيَ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ وَقَفَهُ لَمْ يَحْفَظْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ3 مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. وَابْنِ جُرَيْجٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شريك عن ابن لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ مَرْفُوعًا، وَلَا يَثْبُتُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ، وَذَكَرَ مِنْهَا الْمَنِيَّ"، قُلْت: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ4 مِنْ حَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَسْقِي رَاحِلَةً لِي في ركوة، إذا تَنَخَّمْتُ فَأَصَابَتْ نُخَامَتِي ثَوْبِي، فَأَقْبَلْت أَغْسِلُهَا، فَقَالَ: "يَا عَمَّارُ مَا نُخَامَتُك وَلَا دُمُوعُك إلَّا بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الَّذِي فِي رَكْوَتِك، إنَّمَا يُغْسَلُ
الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ: مِنْ الْبَوْلِ. وَالْغَائِطِ. وَالْمَنِيِّ. والدم. والقيء"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ ثَابِتِ بْنِ حَمَّادٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ غَيْرُ ثَابِتِ بْنِ حَمَّادٍ، وَلَهُ أَحَادِيثُ فِي أَسَانِيدِهَا الثِّقَاتُ يُخَالَفُ فِيهَا، وَهِيَ مَنَاكِيرُ وَمَقْلُوبَاتٌ، انْتَهَى. قُلْت: وَجَدَتْ لَهُ مُتَابِعًا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، رَوَاهُ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَبَقِيَّةُ الْإِسْنَادِ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعِجْلِيّ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِهِ. وَاعْلَمْ أَنِّي وَجَدْت الْحَدِيثَ فِي نُسْخَتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ مِنْ مُسْنَدِ الْبَزَّارِ: مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتِ بْنِ حَمَّادٍ، وَلَيْسَ فِيهِ الْمَنِيُّ، وَإِنَّمَا قَالَ: إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ الْغَائِطِ. وَالْبَوْلِ. وَالْقَيْءِ. وَالدَّمِ.، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: وَثَابِتُ بْنُ حَمَّادٍ كَانَ ثِقَةً، وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ رَوَى غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. نَقَلَ الْبَزَّارُ ذَلِكَ عَنْ شَيْخِ شَيْخِهِ إبْرَاهِيمَ بْنِ زَكَرِيَّا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى فِي بَابِ التَّطْهِيرِ بِالْمَاءِ دُونَ الْمَائِعَاتِ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "يَا عَمَّارُ مَا نُخَامَتُك" إلَى آخِرِهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، إنَّمَا رَوَاهُ ثَابِتُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ عَلِيِّ بن يزيد عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَمَّارٍ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، وَثَابِتُ بْنُ حَمَّادٍ مُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِ، انْتَهَى. وَكَأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رحمه الله تَوَهَّمَ أَنَّ تَشْبِيهَ النُّخَامَةِ فِي الْحَدِيثِ بِالْمَاءِ فِي الطَّهُورِيَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إنَّمَا التَّشْبِيهُ فِي الطَّهَارَةِ، أَيْ النُّخَامَةُ طَاهِرَةٌ لَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ كَذَا وَكَذَا، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَشِبِّيهِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ اسْتِوَاؤُهُمَا مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، فَصَحَّ أَنَّ مَا قَالَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونَا بِغَيْرِهِ، وَقَالَ الْعِجْلِيّ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ: يَكْتُبُ حَدِيثَهُ، وَرَوَى لَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَدُوقٌ1، وَثَابِتٌ هَذَا، قَالَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ: مَا رَأَيْت أَحَدًا بَعْدَ الْكَشْفِ التَّامِّ جَعَلَهُ مُتَّهَمًا بِالْوَضْعِ غَيْرَ الْبَيْهَقِيّ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَنْسِبْهُ إلَى الْوَضْعِ، وَإِنَّمَا حَكَى فِيهِ قَوْلَ الدَّارَقُطْنِيِّ. وَقَوْلَ ابْنِ عَدِيٍّ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "زَكَاةُ الْأَرْضِ يَبَسُهَا" 2. قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: زَكَاةُ الْأَرْضِ يَبَسُهَا، وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ3 وَأَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: إذَا جَفَّتْ الْأَرْضُ فَقَدْ زَكَتْ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي
مُصَنَّفِهِ أَخْبَرْنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: جُفُوفُ الْأَرْضِ طَهُورُهَا، انْتَهَى. وَقَدْ يَسْتَدِلُّ الْخَصْمُ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ عليه السلام: "لَا تَزْرِمُوهُ"، فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَال، ثُمَّ أَمَرَ رَجُلًا فَدَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ مُخْتَصَرٌ، وَوَرَدَ فِيهِ: الْحَفْرُ مِنْ طَرِيقَيْنِ مُسْنَدَيْنِ. وَطَرِيقَيْنِ مُرْسَلَيْنِ: فَالْمُسْنَدَانِ: أَحَدُهُمَا: عَنْ سَمْعَانَ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَال فِي الْمَسْجِدِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَانِهِ فَاحْتُفِرَ وَصَبَّ عَلَيْهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ، انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: إنَّهُ مُنْكَرٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ عليه السلام: "احْفِرُوا مَكَانَهُ، ثُمَّ صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهِمَ عَبْدُ الْجَبَّارِ عَلَى ابْنِ عُيَيْنَةَ، لِأَنَّ أَصْحَابَ ابْنِ عُيَيْنَةَ الْحُفَّاظَ رَوَوْهُ عَنْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِدُونِ الْحَفْرِ، وَإِنَّمَا رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ هَذَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "احْفِرُوا مَكَانَهُ"، مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَأَمَّا الْمُرْسَلَانِ: فَأَحَدُهُمَا: هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيُّ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ. وَالثَّانِي: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ: صَلَّى أَعْرَابِيٌّ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَفِي آخِرِهِ، فَقَالَ عليه السلام: "خُذُوا مَا بَال عَلَيْهِ مِنْ التُّرَابِ فَأَلْقُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى مكانه ماءاً"، قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا مُرْسَلٌ، فَإِنَّ ابْنَ مَعْقِلٍ لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدِيثٌ لِأَصْحَابِنَا فِي تَقْدِيرِ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ بِالدِّرْهَمِ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ4 عَنْ رَوْحِ بْنِ غُطَيْفٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْ الدَّمِ"، وَفِي لَفْظٍ إذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ مِنْ الدَّمِ غُسِلَ الثَّوْبُ وَأُعِيدَتْ الصَّلَاةُ، انْتَهَى. قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدِيثٌ بَاطِلٌ، وَرَوْحٌ هَذَا مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ لَا شَكَّ فِيهِ، لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ اخْتَرَعَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَكَانَ رَوْحُ بْنُ غُطَيْفٍ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ، وذكر ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَذَكَرَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ يَزِيدَ الْهَاشِمِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا
نَحْوَهُ، وَأَغْلَظَ فِي نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ. قَوْلَهُ: وَإِنَّمَا كَانَ يَعْنِي بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، مُخَفَّفًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَبِي يُوسُفَ، لمكان الاختلاف في نجاسة أَوْ لِتَعَارُضِ النَّصَّيْنِ، يُشِيرُ بِتَعَارُضِ النَّصَّيْنِ، إلَى حَدِيثِ اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ مَعَ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ، وَقَدْ مَرَّا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلُ الْفَرَسِ لَمْ يُفْسِدْهُ حَتَّى يَفْحُشَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَعَارُضِ الْآثَارِ، يُشِيرُ إلَيْهِمَا أَيْضًا.
فصل في الاستنجاء
فصل في الاستنجاء الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَاظَبَ عَلَيْهِ يَعْنِي الِاسْتِنْجَاءَ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الْخَلَاءَ، فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ نَحْوِي إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ. وَعَنَزَةً، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ، انْتَهَى. فِي لَفْظٍ آخَرَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَرَّزُ لِحَاجَتِهِ، فَآتِيهِ بِالْمَاءِ فَيَغْتَسِلُ بِهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ شَرِيكٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَتَى الْخَلَاءَ، أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فِي تَوْرٍ أَوْ رَكْوَةٍ فَاسْتَنْجَى، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِإِنَاءٍ آخَرَ، فَتَوَضَّأَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ غَائِطٍ قط إلا مس ماءاً، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْسِلُ مَقْعَدَتَهُ ثَلَاثًا، قَالَ ابْنُ عمر: فعلناه فوجدناه دواءاً وَطَهُورًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ4 عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مُرُوا5 أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَغْسِلُوا أَثَرَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعله وأنا أستحيهم، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ
سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدٍ بِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ أَبُو قِلَابَةَ. وَغَيْرُهُ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ، فَلَمْ يُسْنِدْهُ1 إلَى فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَتَادَةُ حَافِظٌ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّارٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ نِسْوَةً مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَخَلْنَ عَلَيْهَا، فَأَمَرَتْهُنَّ أَنْ يَسْتَنْجِينَ، وَقَالَتْ: مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ بِذَلِكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ، وَقَالَتْ: هُوَ شِفَاءٌ مِنْ الْبَاسُورِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هَذَا مُرْسَلٌ، أَبُو عَمَّارٍ شَدَّادٌ لَا أُرَاهُ أَدْرَكَ عَائِشَةَ، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله اسْتَدَلَّ بِمُوَاظَبَتِهِ عليه السلام عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ لِمَذْهَبِنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ عَلَى عَادَتِهِ فِي ذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ لَنَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ هُنَا. أَحَادِيثُ فِي وُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ، اسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِلْقَائِلَيْنِ بِوُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: "إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ: أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ، وَأَمَّا الْآخَرُ: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ2، وَبِحَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد3. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ لِحَاجَتِهِ فَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ" وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَلِيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ"، قُلْت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّمَا أَنَا لَكُمْ مثل الولد إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ، فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ، وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ" وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ، وَأَنْ يَسْتَنْجِيَ الرَّجُلُ بِيَمِينِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد4. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ كُلُّهُمْ بِلَفْظٍ: وَكَانَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَلِذَلِكَ عَزَوْنَاهُ لِلْبَيْهَقِيِّ، لِأَنَّهُ بِلَفْظِ الْكِتَابِ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ5 مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ، قِيلَ لَهُ: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ! فَقَالَ سَلْمَانُ: أَجَل، نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ، أَوْ عَظْمٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ بِلَفْظِ الْكِتَابِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ1 الْمُضَرِيُّ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ثَنَا زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَضَى أَحَدُكُمْ حَاجَتَهُ فَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَعْوَادٍ أَوْ ثَلَاثَةِ حَثَيَاتٍ مِنْ تُرَابٍ"، قَالَ زَمْعَةُ: فَحَدَّثْت بِهِ ابْنَ طَاوُسٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بِهَذَا سَوَاءً"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ الْمُضَرِيِّ، وَهُوَ كَذَّابٌ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيه عَنْ طَاوُسٍ مُرْسَلًا2 لَيْسَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ طَاوُسٍ قَوْلَهُ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيُّ، رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ وَذَكَرَ كَلَامَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ الْجَعْدِ ثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنِي خَلَّادٌ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ السَّائِبِ3 أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ فَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ" انْتَهَى. وَضُعِّفَ حَمَّادُ بْنُ الْجَعْدِ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ. وَالنَّسَائِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ، وَمَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثَهُ، انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو دَاوُد4. وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ قُرْطٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَلْيَسْتَطِبْ بِهَا، فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ"، انْتَهَى. ورواه الدارقطني بلفظ: "فلستطب بثلاثة أحجارفإنها تُجْزِئُ عَنْهُ"، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ الْهِقْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أبي أسورة عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ5، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا تَغَوَّطَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَمَسَّحْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَافِيهِ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَاسْتَدَلَّ مِنْ جَوَّزَ الِاسْتِنْجَاءَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ6 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا زُهَيْرُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ: لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ، وَلَكِنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ: أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: "هَذَا رِكْسٌ" وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ7 مِنْ حَدِيثِ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: الْأَوَّلُ: ادِّعَاءُ الِانْقِطَاعِ بَيْنَ أَبِي إسْحَاقَ،
وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَأَنَّ فِيهِ تَدْلِيسًا مِنْ أَبِي إسْحَاقَ، ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْ ابْنِ الشَّاذَكُونِيِّ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ بِتَدْلِيسٍ قَطُّ أَعْجَبَ مِنْ هَذَا وَلَا أَخْفَى، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَمْ يُحَدِّثْنِي، وَلَكِنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ فُلَانٍ عن فلان، ولم بقل: حَدَّثَنِي. فَجَازَ الْحَدِيثُ، وَسَارَ الِاعْتِرَاضُ. الثَّانِي: الِاخْتِلَافُ فِي إسْنَادِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْت أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ فِي حَدِيثِ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَنْجَى بِحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: اخْتَلَفُوا فِي إسْنَادِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَمِنْهُمْ مِنْ يَقُولُ: عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي حَدِيثُ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَكَذَلِكَ رَوَى إسرائيل عن أبي إسحاق عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ. وَإِسْرَائِيلُ أَحْفَظُهُمْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ1 أَيُّ الرِّوَايَاتِ فِي هَذَا، عَنْ أَبِي إسْحَاقَ أَصَحُّ؟ فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَكَأَنَّهُ رَأَى حَدِيثَ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَشْبَهَ، فَوَضَعَهُ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ، وَأَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا عِنْدِي حَدِيثُ إسْرَائِيلَ، لِأَنَّهُ أَثْبَتُ وَأَحْفَظُ لِحَدِيثِ أَبِي إسْحَاقَ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ. الِاعْتِرَاضُ الثَّالِثُ: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ2، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ، فَأَمَرَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنْ يَأْتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَأَتَاهُ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ، فَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: "إنَّهَا رِكْسٌ ائْتِنِي بِحَجَرٍ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَابَعَهُ3 أَبُو شَيْبَةَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ4 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ الشَّيْخُ: وَالْجَوَابُ: أَمَّا الْأَوَّلُ: وَهُوَ التَّدْلِيسُ، فَقَدْ نَبَّهَ الْبُخَارِيُّ عَلَى عَدَمِهِ بعد ما أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا، وَاعْتَرَضَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ بِأَنْ قَالَ: وَذِكْرُ إبْرَاهِيمَ5 بْنِ يُوسُفَ لِسَمَاعِ أَبِي إسْحَاقَ لَا يَجْعَلُهُ مُتَّصِلًا، ثُمَّ أَسْنَدَ مِنْ جِهَةِ عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، قَالَ: إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ، لَيْسَ بِشَيْءٍ، انْتَهَى. قَالَ: وَذِكْرُ الْبُخَارِيِّ لِرِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ - لعضد - رَفْعَ التَّدْلِيسِ مِمَّا يَقْتَضِي
أَنَّهُ عِنْدَهُ فِي حِيزَ مَنْ تَرَجَّحَ بِهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: سَمِعَتْ أَبِي يَقُولُ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ، وَوَجْهٌ آخَرُ فِي رَفْعِ التَّدْلِيسِ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي صَحِيحِهِ الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى الْبُخَارِيِّ، بَعْدَ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ لَا يَرْضَى أَنْ يَأْخُذَ عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ مَا لَيْسَ بِسَمَاعٍ لِأَبِي إسْحَاقَ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الِاخْتِلَافُ، وَمَا قِيلَ فِيهِ مِنْ التَّرْجِيحِ لِرِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي زُرْعَةَ. وَأَبِي عِيسَى، فَلَعَلَّ البخاري لم يرى ذَلِكَ مُتَعَارِضًا، وَجَعَلَهُمَا إسْنَادَيْنِ، أَوْ أَسَانِيدَ، وَمِمَّا يُعَارِضُ كَوْنَ الصَّحِيحِ أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، وَقَوْلُهُ: لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ، وَهَذَا نَفْيٌ لِرِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ صَرِيحًا، وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ زِيَادَةُ ائْتِنِي بِحَجَرٍ فَإِنَّ الدَّارَقُطْنِيّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا، لَمَّا رَوَاهَا، وَلَا الْبَيْهَقِيُّ، وَهِيَ مُنْقَطِعَةٌ، فَإِنَّ أَبَا إسْحَاقَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلْقَمَةَ شَيْئًا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْبَيْهَقِيُّ بِذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ سُنَنِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ هُنَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي بَابِ الدِّيَةُ أَخْمَاسٌ: إنَّ أَبَا إسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّهُ رَآهُ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ وَلَيْسَ فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ مُلَخَّصًا مُحَرَّرًا. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَحَدِيثُ الْبُخَارِيِّ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عليه السلام أَخَذَ حَجَرًا ثَالِثًا مَكَانَ الرَّوْثَةِ، وَبِالِاحْتِمَالِ لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، وَمَنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ"، قُلْتُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حُصَيْنٍ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ أَبِي سَعْدِ الْخَيْرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ" مُخْتَصَرٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ دُونَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ2 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ فَلْيَسْتَجْمِرْ وِتْرًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ أن رواه: هذا الْحَدِيثُ إنْ صَحَّ فَإِنَّمَا أَرَادَ وِتْرًا
بَعْدَ الثَّلَاثِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ1 مَرْفُوعًا إذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُوتِرْ، فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، أما ترى السماوات سَبْعًا، وَالْأَرَضِينَ سَبْعًا، وَالطَّوَافَ؟!! وَذَكَرَ أَشْيَاءَ، انْتَهَى. وَهَذَا فيه نظر، أما قَوْلُهُ إنْ صَحَّ، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ابْنَ حِبَّانَ رَوَاهُ فِي صَحِيحِهِ وَأَمَّا تَأْوِيلُهُ بِوِتْرٍ يَكُونُ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَدَعْوَى مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْوِتْرُ بَعْدَ الثَّلَاثِ مُسْتَحَبًّا، لِأَمْرِهِ عليه السلام بِهِ عَلَى مُقْتَضَى هَذَا التَّأْوِيلِ، وَعِنْدَهُمْ لَوْ حَصَلَ النَّقَاءُ بِالثَّلَاثِ فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا لَيْسَتْ مُسْتَحَبَّةً، بَلْ هِيَ بِدْعَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ النَّقَاءُ الثلاث، فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا وَاجِبَةٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا، ثُمَّ حَدِيثُ أما ترى السماوات سَبْعًا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوِتْرِ مَا يَكُونُ بَعْدَ الثَّلَاثِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ الْوِتْرِ، إذْ لَوْ أُرِيدَ بِذَلِكَ السَّبْعُ بِخُصُوصِهَا لَلَزِمَ بِذَلِكَ وُجُوبُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالسَّبْعِ، لِأَنَّهَا الْمَأْمُورُ بِهِ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: نَزَلَتْ فِي أَقْوَامٍ يُتْبِعُونَ الحجارة الماء يَعْنِي قوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} ، قُلْت: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن شيب ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ2 قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ - أَبِي عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} فَسَأَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: إنَّا نُتْبِعُ الْحِجَارَةَ الْمَاءَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ عبد العزيز، ولا يعلم أَحَدًا رَوَى عَنْهُ إلَّا ابْنَهُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيِّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَوَى عَنْ أَبِي زِنَادٍ. وَالزُّهْرِيِّ. وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. وَأَبِيهِ، وَرَوَى عَنْهُ بَكَّارَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ أَخِي هَمَّامٍ، وَسَهْلُ بْنُ بَكَّارَ. وَإِبْرَاهِيمُ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: هُمْ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُمْ ضُعَفَاءُ فِي الْحَدِيثِ، لَيْسَ لَهُمْ حد مُسْتَقِيمٌ، وَلَيْسَ لِمُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ. وَالزُّهْرِيِّ. وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَذَهِلَ الشَّيْخُ محي الدِّينِ النَّوَوِيُّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ الَّتِي لَهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ مَاجَهْ: وَأَمَّا مَا اُشْتُهِرَ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ. وَالْفِقْهِ مِنْ جَمْعِهِمْ بَيْنَ الْأَحْجَارِ وَالْمَاءِ فَبَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ أَخْرَجَهُ في سننه3 عن عتيبة بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ أَخْبَرَنِي أَبُو أَيُّوبَ. وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، لَمَّا نَزَلَتْ {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا مَعْشَرَ
الْأَنْصَارِ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ، فَمَا طُهُورُكُمْ؟ " قَالُوا: نَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَنَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَنَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ، قَالَ: "هُوَ ذَاكُمْ فَعَلَيْكُمُوهُ"، انْتَهَى. وسنده حسن، وعتيبة بْنُ أَبِي حَكِيمٍ فِيهِ مَقَالٌ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ عدي: أرجوا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ، وَعَنْ ابْنِ مَعِينٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 وَصَحَّحَهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ2 وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ الْجَمْعِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بَيْنَ الْمَسْحِ بِالْأَحْجَارِ وَالْغَسْلِ وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلتَّبْوِيبِ، وَفِي الْبَابِ أَثَرٌ جَيِّدٌ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَبْعَرُونَ بَعْرًا، وَأَنْتُمْ تَثْلِطُونَ ثَلْطًا، فَأَتْبِعُوا الْحِجَارَةَ الْمَاءَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهِ. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ وَالرَّوْثِ، قُلْتُ: فِيهِ أَحَادِيثُ، فَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ3 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا، وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَةٍ"، قُلْتُ: مَا بَالُ الْعِظَامِ وَالرَّوْثَةِ؟ قَالَ: "هُمَا مِنْ طَعَامِ الْجِنِّ" مُخْتَصَرٌ. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الْجَمَاعَةُ4 إلَّا الْبُخَارِيَّ مِنْ حَدِيثٍ سَلْمَانَ، قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ أَنْ نستنجي برجيع أو أعظم، وَفِي لَفْظٍ: وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالْعِظَامِ. حَدِيثٌ آخَرُ، روى مُسْلِمٌ5 مِنْ حَدِيثِ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثَ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، وَفِيهِ: وَسَأَلُوهُ الزَّادَ، فَقَالَ: "لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ وَلَكُمْ كُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ"، ثُمَّ قَالَ: "لَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إخْوَانِكُمْ" وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: "لَا تَسْتَنْجُوا بِالرَّوْثِ وَلَا بِالْعِظَامِ، فَإِنَّهُمَا زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ نَتَمَسَّحَ بِعَظْمٍ أَوْ بَعْرٍ، انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ عَلَى حَدِيثٍ عَزَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسْتَنْجَى بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثٍ، وَهَذَا ذُهُولٌ فَاحِشٌ، فَإِنَّهُ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، فَالْمُقَلَّدُ ذَهَلَ، وَالْمُقَلِّدُ جَهِلَ، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ - لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَا يَصِحُّ
بِالْعِظَامِ وَالرَّوْثِ، وَيُوجِبُ إعَادَةَ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْهُمَا بِأَحَادِيثِ النَّهْيِ، وَلَيْسَ فيه حُجَّةٌ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ النَّهْيِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَأَحْسَنُ مَا اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ كَاسِبٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْفُرَاتِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثٍ، وَقَالَ: "إنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ"، انْتَهَى. قَالَ الدارقطني: إسناده صحيح، رواه ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَعَلَّهُ بِسَلَمَةَ بْنِ رَجَاءٍ1 وَقَالَ: إنَّ أَحَادِيثَهُ أَفْرَادٌ وَغَرَائِبُ، وَتَحَدَّثَ عَنْ قَوْمٍ بِأَحَادِيثَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْجِلْدِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي إسْحَاقَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَسْتَطِيبَ أَحَدُكُمْ بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثَةٍ أَوْ جِلْدٍ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا يَصِحُّ ذِكْرُ الْجِلْدِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ وَعِلَّتُهُ الْجَهْلُ بِحَالِ مُوسَى بْنِ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ: وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَلَمْ يُعَرِّفْ مِنْ أَمْرِهِ بِشَيْءٍ، فَهُوَ عِنْدَهُ مَجْهُولٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيْضًا مَجْهُولٌ، قَالَ2: وَهُوَ أَيْضًا مُرْسَلٌ، لِأَنَّهُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّ مِمَّنْ يَذْكُرُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ رَأَى أَوْ سَمِعَ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لِأَحَدِهِمْ التَّابِعِيُّ الرَّاوِي عَنْهُ بِالصُّحْبَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ. قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ3 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا بَال أَحَدُكُمْ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا أَتَى الْخَلَاءَ فَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلَا يَشْرَبْ نَفَسًا وَاحِدًا"، انْتَهَى. أَخْرَجُوهُ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلْجَمَاعَةِ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ سَلْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ نَهْيٌ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ.
كتاب الصلاة
كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابُ الْمَوَاقِيتِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ فِي حَدِيثِ إمَامَةِ جَبْرَائِيلَ عليه السلام أَنَّهُ أَمَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ أَسْفَرَ جِدًّا وَكَادَتْ الشَّمْسُ تَطْلُعُ، ثُمَّ قَالَ فِي آخَرِ الْحَدِيثِ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ لَك وَلِأُمَّتِكَ، قُلْت: حَدِيثُ إمامة جبريل رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ: مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَابْنُ مسعود. وأبي هُرَيْرَةَ. وَعَمْرُو بْنُ حَزْمٍ. وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وَابْنُ عُمَرَ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "أمَّني جبرئيل عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ: فَصَلَّى الظُّهْرَ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا: حِينَ كَانَ الْفَيْءُ مِثْلَ الشِّرَاكِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مثله ظِلِّهِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتْ الشَّمْسُ، وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ بَرِقَ الْفَجْرُ، وَحُرِّمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ، وَصَلَّى الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ: الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتْ الْأَرْضُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إليِّ جبرئيل، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِك، وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حديث حسن صحيح، رواه ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الحارث تَكَلَّمَ فِيهِ أَحْمَدُ، وَقَالَ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، هَكَذَا حَكَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ وَلَيَّنَهُ النَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ سَعْدٍ. وَابْنُ حِبَّانَ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ النَّاسِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا بِكَلَامٍ لَا وَجْهَ لَهُ، وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ مَشْهُورُونَ بِالْعِلْمِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
عَنْ الثَّوْرِيِّ. وَابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بِإِسْنَادِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ الْعُمَرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، قَالَ الشَّيْخُ: وَكَأَنَّهُ اكْتَفَى بِشُهْرَةِ الْعَلَمِ مَعَ عَدَمِ الْجَرْحِ الثَّابِتِ، وَأَكَّدَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِمُتَابَعَةِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُتَابَعَةِ الْعُمَرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَهِيَ مُتَابَعَةٌ حَسَنَةٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ1 وَالنَّسَائِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جاء جبرئيل إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ زَالَتْ2 الشَّمْسُ، فَقَالَ: قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ الظُّهْرَ حِينَ مَالَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إذَا كَانَ فَيْءُ الرَّجُلِ مِثْلَهُ جَاءَهُ لِلْعَصْرِ، فَقَالَ: قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ الْعَصْرَ، ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ جَاءَهُ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الْمَغْرِبَ، فَقَامَ فَصَلَّاهَا حِينَ غَابَتْ الشَّمْسُ سَوَاءً، ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إذَا غَابَ الشَّفَقُ جَاءَهُ فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الْعِشَاءَ فَقَامَ فَصَلَّاهَا، ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ سَطَعَ الْفَجْرُ فِي الصُّبْحِ، فَقَالَ: قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ الصُّبْحَ، ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ الْغَدِ حِينَ كَانَ فَيْءُ الرجل مثله، فقال: يا محمد قم فَصَلِّ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ كَانَ فَيْءُ الرَّجُلِ مِثْلَيْهِ، فَقَالَ: قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ جَاءَهُ لِلْمَغْرِبِ حِينَ غَابَتْ الشَّمْسُ وَقْتًا وَاحِدًا لَمْ يَزُلْ عَنْهُ , فَقَالَ: قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ , فَصَلَّى الْمَغْرِبَ , ثُمَّ جَاءَهُ لِلْعِشَاءِ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ , فَقَالَ قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ , فَصَلَّى الْعِشَاءَ , ثُمَّ جَاءَهُ لِلصُّبْحِ حِينَ أَسْفَرَ جِدًّا فَقَالَ: قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ , فَصَلَّى الصُّبْحَ , ثُمَّ قَالَ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ كُلُّهُ انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: حَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْمَوَاقِيتِ، انْتَهَى. قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَبُرَيْدَةَ. وَأَبِي مُوسَى. وَأَبِي مَسْعُودٍ. وَأَبِي سَعِيدٍ. وَجَابِرٍ. وَعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. وَالْبَرَاءِ. وَأَنَسٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يخرجاه لعلة4 حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْأَصْغَرِ، انْتَهَى. حُسَيْنٌ الْأَصْغَرُ هو أخو أبو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ. وَابْنُ رَاهْوَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هَذَا الْحَدِيثُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا5 لِأَنَّ جَابِرًا لَمْ يَذْكُرْ مَنْ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ، وَجَابِرٌ لَمْ يُشَاهِدْ ذَلِكَ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ أَنْصَارِيٌّ إنَّمَا صَحِبَ بِالْمَدِينَةِ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُمَا رَوَيَا إمَامَةَ جبرئيل مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انْتَهَى.
قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا الْمُرْسَلُ1 غَيْرُ ضَارٍّ، فَمِنْ أَبْعَدِ الْبُعْدِ أَنْ يَكُونَ جَابِرٌ سمعه من تابعي صَحَابِيٍّ، وَقَدْ اُشْتُهِرَ أَنَّ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ مَقْبُولَةٌ وَجَهَالَةُ عَيْنِهِمْ غَيْرُ ضَارَّةٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ، فَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عَمْرٍو الزَّهْرَانِيُّ حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ بِلَالٍ2 ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ3 قَالَ: جَاءَ جَبْرَائِيلُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ - وَذَلِكَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ حِينَ مَالَتْ - فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَاهُ، حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ:، فَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ فَصَلِّ، فَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ فَصَلِّ، فَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ بَرِقَ الْفَجْرُ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ فَصَلِّ، فَقَامَ فَصَلَّى الصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ الْغَدِ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ فَصَلِّ، فَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الْعَصْرَ، فَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَاهُ لِلْوَقْتِ الْأَوَّلِ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الْمَغْرِبَ، فَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا، ثُمَّ أتاه بعد ما غَابَ الشَّفَقُ وَأَظْلَمَ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ فَصَلِّ، فَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ وَأَسْفَرَ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ فَصَلِّ الصُّبْحَ، فَقَامَ فَصَلَّى الصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قال جبرئيل: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتُ صَلَاةٍ، قَالَ يَحْيَى: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بن عمر أن جبرئيل قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ صَلَوَاتُك وَصَلَوَاتُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَك، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ4 مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ ثَنَا5 أَبُو بكر عن عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ ابْنِ أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَأَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ6 فِي كِتَابِ السُّنَنِ وَقَالَ: إنَّهُ مُنْقَطِعٌ لَمْ يَسْمَعْ أَبُو بكر من ابن مَسْعُودٍ إنَّمَا هُوَ بَلَاغٌ بلغه، انتهى. وقد وَصَلَهُ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَيُنْظَرُ إسْنَادُهُ، وَفِي الْإِمَامِ:
لَمْ يُسْنِدْهُ إلَّا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي مَسْعُودٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ1 إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُفَسَّرٍ، وَلَفْظُهُمَا عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "نَزَلَ جبرئيل فأمَّني فصليت مَعَهُ، وَيَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ صلاة"، ثُمَّ قَالَ: "بِهَذَا أُمِرْت"، انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عن بشير عن أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، فَزَادَ فِيهِ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَرُبَّمَا أَخَّرَهَا حِينَ يَشْتَدُّ الْحَرُّ، وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ، فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ مِنْ الصَّلَاةِ، فَيَأْتِي ذَا الْحُلَيْفَةِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ حِينَ تَسْقُطُ الشَّمْسُ، وَيُصَلِّي الْعِشَاءَ حِينَ يَسْوَدُّ الْأُفُقُ، وَصَلَّى الصُّبْحَ مَرَّةً بِغَلَسٍ، ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ، ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَلَسٍ حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ إلَى أَنْ يُسْفِرَ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ مَالِكٌ. وَمَعْمَرٌ. وَابْنُ عُيَيْنَةَ. وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. وَغَيْرُهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا الْوَقْتَ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، وَلَمْ يُفَسِّرُوهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صحيحه عن مسنده3 عَنْ أُسَامَةَ بِهِ، قَالَ: لَمْ يُسْفِرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَجْرِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ سَاقَهُ، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الْإِسْفَارِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ نَصْرٍ4 ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَسِيد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدثهم أن جبرئيل عليه السلام جَاءَهُ فَصَلَّى بِهِ الصَّلَاةَ وَقْتَيْنِ وَقْتَيْنِ، إلا المغرب، جاءني المغرب فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ كَانَ الْفَيْءُ مِثْلَ شِرَاكِ نَعْلِي، ثُمَّ جَاءَنِي فَصَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ كَانَ فَيْءٌ مِثْلِي، ثُمَّ جَاءَنِي الْمَغْرِبَ فَصَلَّى بِي سَاعَةَ غَابَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ جَاءَنِي الْعِشَاءَ فَصَلَّى بِي سَاعَةَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ جَاءَنِي الْفَجْرَ فَصَلَّى بِي سَاعَةَ بَرِقَ الْفَجْرُ، ثُمَّ جَاءَنِي مِنْ الْغَدِ فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ كَانَ الْفَيْءُ مِثْلِي، ثُمَّ جَاءَنِي الْعَصْرَ فَصَلَّى بِي حِينَ كَانَ الْفَيْءُ مِثْلَيْنِ، ثُمَّ جَاءَنِي الْمَغْرِبَ فَصَلَّى بِي سَاعَةَ غَابَتْ الشَّمْسُ لَمْ يُغَيِّرْهُ عَنْ وَقْتِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ جَاءَنِي الْعِشَاءَ فَصَلَّى بِي حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، ثُمَّ أَسْفَرَ بِي فِي الْفَجْرِ حَتَّى لَا أَرَى فِي السَّمَاءِ نَجْمًا، ثُمَّ قَالَ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ هَذَا لَا نَعْلَمُ
رَوَى عَنْهُ إلَّا مُحَمَّدُ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسِيد، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ1 أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ أَبُو عَمَّارٍ ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذَا جبريل عليه السلام جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ" فَصَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ رَأَى الظِّلَّ مِثْلَهُ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَحَلَّ فِطْرُ الصَّائِمِ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ ذَهَبَ شَفَقُ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَهُ الْغَدَ فَصَلَّى بِهِ الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَ قَلِيلًا، ثُمَّ صَلَّى بِهِ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ الظِّلُّ مِثْلَهُ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ الظِّلُّ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِوَقْتٍ وَاحِدٍ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَحَلَّ فِطْرُ الصَّائِمِ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَالَ: "الصَّلَاةُ مَا بَيْنَ صَلَاتِك أَمْسِ وَصَلَاتِك الْيَوْمَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ كَذَلِكَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قال: جاء جبرئيل فَصَلَّى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ الظُّهْرَ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ، كَأَنَّهُ يُرِيدُ ذَهَابَ الشَّفَقِ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ فَجَرَ الْفَجْرُ بِغَلَسٍ، ثُمَّ جَاءَ جبرئيل مِنْ الْغَدِ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّى النَّبِيُّ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ لِوَقْتٍ وَاحِدٍ، ثم صلى العشاء بعد ما ذَهَبَ هَوِيٌّ مِنْ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ بِهَا، انْتَهَى. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ3 حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ عِيسَى ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ4 ثَنَا بُكَيْر بْنُ الأشبح عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْد السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أمَّني جبرئيل" فَذَكَرَ الْحَدِيثَ: "أَنَّهُ صَلَّى بِهِ الصَّلَوَاتِ فِي يَوْمَيْنِ لِوَقْتَيْنِ، وَصَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَصَلَّى الْعِشَاءَ ثُلُثَ اللَّيْلِ"، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ5 مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عن أنس أن جبرئيل أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ حِينَ فرضت عليهم، فقام جبرئيل أَمَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَامَ النَّاسُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ
لَا يَجْهَرُ فِيهَا بِقِرَاءَةٍ يَأْتَمُّ النَّاسُ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتمُّ بجبرئيل، ثُمَّ أَمْهَلَ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، فَصَلَّى بِهِمْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، يَأْتَمُّ الْمُسْلِمُونَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَأْتَمُّ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجبرئيل، ثُمَّ أَمْهَلَ حَتَّى وَجَبَتْ الشَّمْسُ، فَصَلَّى بِهِمْ ثَلَاثَ ركعات يجهر في الأوليين بِالْقِرَاءَةِ، وَلَا يَجْهَرُ فِي الثَّالِثَةِ، ثُمَّ أَمْهَلَهُ حَتَّى إذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ صَلَّى بِهِمْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَجْهَرُ فِي الْأُولَيَيْنِ بِالْقِرَاءَةِ، وَلَا يَجْهَرُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِهَا، ثُمَّ أَمْهَلَ حَتَّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ: هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جِدَارٍ1 عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ هَذَا مَجْهُولٌ، وَالرَّاوِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ أَبُو حَمْزَةَ إدْرِيسُ بْنُ يُونُسَ بْنِ يَنَّاقٍ الْفَرَّاءُ، وَلَا يُعْرَفُ لِلْآخَرِ حَالٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ2 عَنْ الْحَسَنِ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ جبرئيل، وأن أَسَرَّ فِي الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ. وَالثَّالِثَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ، وَالْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَذَكَرَهُمَا عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ وَقَالَ: إنَّ مُرْسَلَ الْحَسَنِ أَصَحُّ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدٍ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ مَحْبُوبِ بْنِ الْجَهْمِ بْنِ وَاقِدٍ مَوْلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عن عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أتاني جبرئيل حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ"، وَذَكَر الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ: "ثُمَّ أَتَى حِينَ سَقَطَ الْقُرْصُ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ، فَصَلَّيْت الْمَغْرِبَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ أَتَانِي مِنْ الْغَدِ حِينَ سَقَطَ الْقُرْصُ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ، فَصَلَّيْت المغرب ثلاث ركعات"، رواه ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ وَأَعَلَّهُ بِمَحْبُوبِ بْنِ الْجَهْمِ، وَقَالَ: إنَّهُ يَرْوِي عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَلَا مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ، وَلَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ صَحِيحٌ بِغَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، انْتَهَى. وَيُنْظَرُ لَفْظُهُ، فَإِنَّ بَقِيَّةَ الْأَحَادِيثِ صَرِيحَةٌ فِي ابْتِدَائِهِ بِالظُّهْرِ، وَأَنَّهُ أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا عليه السلام، وَفِيهِ إشْكَالٌ مَعْرُوفٌ وَيَشْهَدُ لِلْأَكْثَرِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ مِنْ حَدِيثِ يس الزَّيَّاتِ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَبِي سَعِيدٍ، قَالَا: أَوَّلُ صَلَاةٍ فُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَلَاةُ الظُّهْرِ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أنس قبله أن جبرئيل أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ حِينَ فرضت عليهم، فقام جبرئيل إلى آخره. انتهى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ، وَإِنَّمَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ"، قُلْت: رَوَاهُ مُسْلِمٌ1 وَأَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ كُلُّهُمْ فِي الصَّوْمِ وَاللَّفْظُ لِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ سَوَادَةَ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يمنعكم مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ، وَلَكِنْ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِيهِ: "لَا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا بَيَاضُ الْأُفُقِ الْمُسْتَطِيلِ - هَكَذَا - حَتَّى يَسْتَطِيرَ هَكَذَا"، وَحَكَى حَمَّادٌ بِيَدَيْهِ، قَالَ: يَعْنِي مُعْتَرِضًا، انْتَهَى. وَبِلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ رَاهْوَيْهِ. وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: فِي حَدِيثِ إمامة جبرئيل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عباس أمَّني جبرئيل عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ: فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ - إلَى أَنْ قَالَ -: وَصَلَّى بِي الظُّهْرَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، الْحَدِيثَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي حديث: جاء جبرئيل إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَالَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ: قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَصَلِّ الظُّهْرَ، فَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ - إلَى أَنْ قَالَ: - ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ الْغَدِ حِينَ كَانَ فَيْءُ الرَّجُلِ مِثْلَهُ، فَقَالَ: قُمْ يا محمد فصل الظُّهْرَ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ حِبَّانَ. وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ أَيْضًا نَحْوُهُ، وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: جاء جبرئيل فَصَلَّى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّى النَّبِيُّ بِالنَّاسِ - حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ - الظُّهْرَ، الْحَدِيثُ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ وَفِي الْبَابِ لِمُسْلِمٍ2 حَدِيثُ بُرَيْدَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "اشْهَدْ مَعَنَا الصَّلَاةَ"، فَأَمَرَ بِلَالًا، فَأَذَّنَ بِغَلَسٍ فَصَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَجَبَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ حِينَ وَقَعَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ الْغَدَ فَنَوَّرَ بِالصُّبْحِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ فَأَبْرَدَ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ لَمْ يُخَالِطْهَا صُفْرَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ عِنْدَ ذَهَابِ ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ بَعْضِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ؟ مَا بَيْنَ مَا رَأَيْتَ وَقْتٌ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا، وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مَا لَمْ يَحْضُرْ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ.
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً إن الصلاة أَوَّلًا وَآخِرًا، وَإِنَّ أَوَّلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَآخِرُ وَقْتِهَا حِينَ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ، وَسَيَأْتِي فِي السَّابِعِ، وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ، وَسَيَأْتِي أَيْضًا. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ"، انْتَهَى. وَرَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ"، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ2 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ3. وَأَبِي مُوسَى. وَعَمْرِو بْنِ عَنْبَسَةَ. وَصَفْوَانَ. وَالْحَجَّاجِ الْبَاهِلِيِّ. وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ4 وَمُسْلِمٌ5 عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالظُّهْرِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَبْرِدْ أَبْرِدْ"، وَقَالَ: "إنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشتد الحر فأدبردوا عَنْ الصَّلَاةِ" قَالَ أَبُو ذر: حتى رأينا في التُّلُولِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَهَا". قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: إذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ6 عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ سَوَاءً، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالتِّسْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بَعْدَةِ أَلْفَاظٍ: فَمِنْهَا مَنْ صَلَّى مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ لَمْ تَفُتْهُ الصَّلَاةُ، وَمَنْ صَلَّى مِنْ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ لَمْ تَفُتْهُ الصَّلَاةُ، وَفِي لَفْظٍ: فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ كُلَّهَا، وَفِي لَفْظٍ: وَلْيُتِمَّ مَا بَقِيَ، وَفِي لَفْظٍ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا7، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ8 عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ حَدَّثَنِي
أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَلْيُصَلِّ إلَيْهَا أُخْرَى"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: سُئِلَ قَتَادَةُ1 عَنْ رَجُلٍ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَقَالَ: حَدَّثَنِي خِلَاسٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ2 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يُتِمُّ صَلَاتَهُ"، انْتَهَى. وَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا رَدٌّ عَلَى مَنْ يُفَسِّرُ3 حَدِيثَ الصَّحِيحَيْنِ بِالْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ، فَقَدْ أَدْرَكَ مِقْدَارَ رَكْعَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَسِّرُهُ بِالْمَأْمُومِ، وَيَشْهَدُ لَهُ رِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ، انْتَهَى. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَيْضًا مُشْكِلَةٌ عَنْ مَذْهَبِنَا فِي الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ الصلاة الصُّبْحِ إذَا طَلَعَتْ عَلَيْهَا الشَّمْسُ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أن جبرئيل عليه السلام أَمَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَغْرِبِ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي حَدِيثِ ابن مَسْعُودٍ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَفِي حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فِي إمامة جبرئيل إلَّا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّاهَا فِي وَقْتَيْنِ، فَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ4 عَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "اشْهَدْ مَعَنَا الصَّلَاةَ"، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ بِغَلَسٍ فَصَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَجَبَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ حِينَ وَقَعَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ مِنْ الْغَدِ فَنَوَّرَ بِالصُّبْحِ،
ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ فَأَبْرَدَ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ لم يخالطها الصفرة، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ قُبَيْلَ أَنْ يَقَعَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ عِنْدَ ذَهَابِ ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ بَعْضِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ؟ مَا بَيْنَ مَا رَأَيْتَ وَقْتٌ"، انْتَهَى. وَرَوَى نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَسَيَأْتِي، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ: وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ قِصَّةُ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الْمَوَاقِيتِ بِالْمَدِينَةِ، وَقِصَّةُ إمامة جبرئيل عليه السلام بِمَكَّةَ، وَالْوَقْتُ الْآخَرُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ زِيَادَةٌ مِنْهُ، وَرُخْصَةٌ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ الْكِتَابِ اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ الشافعي عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ قَدْرُ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَلَنَا عَنْ أَحَادِيثِ: إمَامَةِ جبرئيل - أَنَّهُ أَمَّ بِهِ عليه السلام الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمَيْنِ وَقْتًا وَاحِدًا - ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا أَنَّ أَحَادِيثَنَا أَنَّهُ صَلَّاهَا فِي وَقْتَيْنِ أَصَحُّ، وَأَكْثَرُ رُوَاةً الثَّانِي أَنَّ إمامة جبرئيل كَانَتْ بِمَكَّةَ، وَفِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ مِنْ أَمْرِهِ عليه السلام. وَالثَّالِثُ: أَنَّ فِعْلَهُ عليه السلام للمغرب وفي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا وَقْتَ لَهَا غَيْرُهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَصْرَ يَصِحُّ بَعْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، وَهُوَ وَقْتٌ لَهَا، مَعَ أَنَّهُ عليه السلام لم يصلها مع جبرئيل فِي الْوَقْتَيْنِ، إلَّا قَبْلَ الِاصْفِرَارِ، وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا وَقْتَ لَهَا غَيْرُهُ، وَمُبَادَرَتُهُ عليه السلام إلَى الْمَغْرِبِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي الْيَوْمَيْنِ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الْفَضِيلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "أَوَّلُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ، وَآخِرُهُ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَبِمَعْنَاهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ1 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَقْتِ الصَّلَوَاتِ، فَقَالَ: "وَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ مَا لَمْ يَطْلُعْ قَرْنُ الشَّمْسِ الْأَوَّلُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَيَسْقُطْ قَرْنُهَا الْأَوَّلُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مَا لَمْ يَسْقُطْ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةٍ: مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَإِنَّ أَوَّلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَآخِرُ وَقْتِهَا حِينَ يَدْخُلُ وقت العصر، وإن أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ حِينَ يدخل وقتها، وإن آخِرِ وَقْتِهَا حِينَ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَغِيبُ الْأُفُقُ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ حِينَ يَغِيبُ الْأُفُقُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَنْتَصِفُ
اللَّيْلُ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْفَجْرِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ هَذَا خَطَأٌ، أَخْطَأَ فِيهِ ابْنُ فُضَيْلٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1، وَقَالَ: إنَّهُ لَا يصح مسنداً، انتهى. وَهِمَ فِيهِ ابْنُ فُضَيْلٍ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيه عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا، وَهُوَ أَصَحُّ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَابْنُ فُضَيْلٍ ثِقَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَعْمَشُ سَمِعَهُ مِنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا، وَسَمِعَهُ مِنْ أَبِي صَالِحٍ مُسْنَدًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ هَذَا، فَقَالَ: وَهِمَ فِيهِ ابْنُ فُضَيْلٍ، إنَّمَا يَرْوِيه أَصْحَابُ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابٍ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْأَعْمَشِ فِي هَذَا طَرِيقَانِ: إحْدَاهُمَا: مُرْسَلَةٌ. وَالْأُخْرَى: مَرْفُوعَةٌ، وَاَلَّذِي رَفَعَهُ صَدُوقٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الشَّافِعِيِّ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2. وَمُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ جاء يوم الخندق بعد ما غربت، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا" فَنَزَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ وَتَوَضَّأْنَا، فصلى العصر بعد ما غربت، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا قدم العشاء فابدؤوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4 عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "أَقِمْ مَعَنَا"، فَأَمَرَ بِلَالًا، فَأَقَامَ فَصَلَّى حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ مُرْتَفِعَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَقَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ فَأَقَامَ فَصَلَّى حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ مِنْ الْغَدِ فَنَوَّرَ بِالْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ وَأَنْعَمَ أَنْ يُبْرِدَ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ، فَأَقَامَ وَالشَّمْسُ آخِرَ وَقْتِهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ إلَى قُبَيْلِ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ، فَأَقَامَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ
مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ؟ " قَالَ الرَّجُلُ: أَنَا، فَقَالَ: "مَوَاقِيتُ الصَّلَاةِ بَيْنَ هَذَيْنِ"، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ سَائِلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، قَالَ: فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ، وَالنَّاسُ لَا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدْ انْتَصَفَ النَّهَارُ، وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ وَقَعَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْفَجْرَ مِنْ الْغَدِ حَتَّى انْصَرَفَ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ ثُمَّ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ، ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدْ احْمَرَّتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ، ثُمَّ أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، ثُمَّ أَصْبَحَ فَدَعَا السَّائِلَ، فَقَالَ: "الْوَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ، مَا لَمْ يَحْضُرْ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ1 وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عن ابن أبي لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَوْفٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا جُمُعَةَ حَبِيبَ بْنَ سِبَاعٍ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْأَحْزَابِ صَلَّى الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: "هَلْ عَلِمَ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنِّي صَلَّيْت الْعَصْرَ؟ " قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَلَّيْتَهَا، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَعَادَ الْمَغْرِبَ، انْتَهَى. وَفِيهِ ضَعَّفَ ابْنَ لَهِيعَةَ بِمَا انْفَرَدَ بِهِ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ"، قُلْتُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 مِنْ حَدِيثِ عَتِيقِ بْنِ يَعْقُوبَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ كَذَلِكَ فِي كِتَابِهِ غَرَائِبِ مَالِكٍ غَيْرَ مَوْصُولِ الْإِسْنَادِ، فَقَالَ: قَرَأْتُ فِي أَصْلِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَابِرٍ الرَّمْلِيِّ بِخَطِّ يَدِهِ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ
عَبْدِ الصَّمَدِ الطَّيَالِسِيُّ ثَنَا هَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ الْمُسْتَمْلِي حَدَّثَنِي عَتِيقٌ بِهِ، وَيُنْظَرُ السُّنَنُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ فِي سُنَنِهِ1 مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ. وَعَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عُمَرَ. وَعَلِيٍّ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا يَصِحُّ2 عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْءٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدِّمَشْقِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِدُ بْنُ طَاهِرٍ3 عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْبَيْهَقِيّ أَنْبَأْنَا عَبْدُ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنْبَأْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْحَاقَ الْفَقِيهُ أَنْبَأْنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الطَّيَالِسِيُّ ثَنَا هَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ الْمُسْتَمْلِي حَدَّثَنِي عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ صِدِّيقٍ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ4: الصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ: رَوَاهُ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْعُمَرِيُّ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ جَنْدَلٍ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيُّ ثَنَا أَبُو حُذَافَةَ ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ" قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: تَفَرَّدَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ جَنْدَلٍ الْوَرَّاقُ عَنْ الْمَحَامِلِيِّ عَنْ أَبِي حُذَافَةَ أَحْمَدَ بْنِ إسْمَاعِيلَ السَّهْمِيِّ، وَقَدْ رَوَاهُ عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مَالِكٍ، وَكِلَاهُمَا غَرِيبٌ، وَحَدِيثُ عَتِيقٍ أَمْثَلُ إسْنَادًا، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: وَمَا رَوَاهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، انْتَهَى. وَاَلَّذِي وَجَدْتُهُ فِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، قَالَ مَالِكٌ: الشَّفَقُ هُوَ الْحُمْرَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي
الْمَغْرِبِ، فَإِذَا ذَهَبَتْ الْحُمْرَةُ فَقَدْ وَجَبَتْ صلاة العصر، وَخَرَجْتَ مِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ، انْتَهَى. وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ غَيْرَ ذَلِكَ لَا مَرْفُوعًا وَلَا مَوْقُوفًا، وَيُنْظَرُ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ يَحْيَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "آخِرُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إذَا اسْوَدَّ الْأُفُقُ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1 مِنْ حَدِيثِ بَشِيرِ بْنِ أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "نزل جبرئيل فَأَخْبَرَنِي بِوَقْتِ الصَّلَاةِ، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ،، يَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ"، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَرُبَّمَا أَخَّرَهَا حِينَ يَشْتَدُّ الْحَرُّ، وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَهَا الصُّفْرَةُ، فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ مِنْ الصَّلَاةِ، فَيَأْتِي ذَا الْحُلَيْفَةِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ حِينَ يَسْقُطُ الشَّمْسُ، وَيُصَلِّي الْعِشَاءَ حِينَ يَسْوَدُّ الْأُفُقُ، وَرُبَّمَا أَخَّرَهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ، وَصَلَّى الصُّبْحَ مَرَّةً بِغَلَسٍ، ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّغْلِيسَ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَعُدْ إلَى أَنْ يُسْفِرَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الْإِسْفَارِ، وَصَدْرُ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ إلَى قَوْلِهِ: يَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، وَكَذَلِكَ النَّسَائِيّ. وَابْنُ مَاجَهْ. وَوَهِمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ فِي عَزْوِهِ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ لِأَبِي دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ، وَالنَّسَائِيُّ لَمْ يُخَرِّجْ مِنْهُ إلَّا صَدْرَهُ، كَمَا بَيَّنَّاهُ. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "وَآخِرُ وَقْتِ الْعِشَاءِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ"، قُلْت: غَرِيبٌ أَيْضًا، وَتَكَلَّمَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الآثار2: ههنا كَلَامًا حَسَنًا، مُلَخَّصُهُ أَنَّهُ قَالَ: يَظْهَرُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْعِشَاءِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ. وأبا موسى. والخضرمي رَوَوْا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَهَا حتى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ. وَأَنَسٌ أَنَّهُ أَخَّرَهَا حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ، وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ أَخَّرَهَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، وَرَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّهُ أَعْتَمَ بِهَا حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ، وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي الصَّحِيحِ، قَالَ: فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ وَقْتٌ لَهَا، وَلَكِنَّهُ عَلَى أَوْقَاتٍ ثَلَاثَةٍ، فَأَمَّا مِنْ حِينِ يَدْخُلُ وَقْتُهَا إلَى أَنْ يَمْضِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، فَأَفْضَلُ وَقْتٍ صُلِّيَتْ فِيهِ، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَتِمَّ نِصْفُ اللَّيْلِ، فَفِي الْفَضْلِ دُونَ ذَلِكَ، وَأَمَّا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَدُونَهُ، ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى: وَصَلِّ الْعِشَاءَ أَيَّ اللَّيْلِ شِئْتَ، وَلَا تُغْفِلْهَا، وَلِمُسْلِمٍ فِي قِصَّةِ التَّعْرِيسِ3 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلَاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى"، فَدَلَّ عَلَى بَقَاءِ الْأُولَى إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى، وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ الثَّانِي، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوِتْرِ: "فَصَلَّوْهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ"، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ لَكُمْ خَيْرٌ مِنْ حُمُرِ النِّعَمِ، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَجَعَلَهَا لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي الْوِتْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَصْلٌ الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَمِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ حَوَّاءَ الْأَنْصَارِيَّةِ2. أَمَّا حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، فَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ3 مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ"، انْتَهَى. التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، وَالْبَاقُونَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد فِيهِ: "أَصْبِحُوا بِالْفَجْرِ"، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: طَرِيقُهُ طَرِيقٌ صَحِيحٌ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو زُرْعَةَ. وَغَيْرُهُمْ، وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا ضَعَّفَهُ، وَلَا ذَكَرَهُ فِي جُمْلَةِ الضُّعَفَاءِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: "أَسْفِرُوا بِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: "فَكُلَّمَا أَصْبَحْتُمْ بِالصُّبْحِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأُجُورِكُمْ"، وَفِي لَفْظٍ لِلطَّبَرَانِيِّ: "وَكُلَّمَا أَسْفَرْتُمْ بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ"، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَأَحْمَدُ. وَإِسْحَاقُ: مَعْنَى الْإِسْفَارِ أَنْ يَصِحَّ الْفَجْرُ، فَلَا يُشَكَّ فيه، ولم يروا أَنَّ مَعْنَى الْإِسْفَارِ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ محمود بن لبييد، فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ عِيسَى ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ رَافِعُ بْنُ
خَدِيجٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ1 فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ رَافِعٍ أَوَّلًا فَرَوَاهُ عَنْهُ، ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَوَاهُ عَنْهُ، إلَّا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِيهِ ضَعْفٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ بِلَالٍ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ ثنا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ ثنا أَيُّوبُ بْنُ سَيَّارٍ3 عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ بِلَالٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَأَيُّوبُ بْنُ سَيَّارٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَأَيُّوبُ بْنُ سَيَّارٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: الضَّعْفُ عَلَى حَدِيثِهِ بَيِّنٌ إلَّا أَنَّ أَحَادِيثَهُ لَيْسَتْ بِمُنْكَرَةٍ جِدًّا، وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْأَزْدِيُّ ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ4 عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك مرفوعاً نحوه، ولفطه: أَسْفِرُوا بِصَلَاةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي دَاوُد الْجَزَرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَرَوَاهُ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ مسلم عن ابن نجاد عَنْ جَدَّتِهِ حَوَّاءَ، وَلَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ إلَّا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ، وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ: اُخْتُلِفَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِيهِ بِسَنَدَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَنْ حَوَّاءَ الْأَنْصَارِيَّةِ، وَالْآخَرُ: عَنْ أَنَسٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ حَوَّاءَ، فَرَوَاهُ إسْحَاقُ الْحُنَيْنِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ بُجَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ جَدَّتِهِ حَوَّاءَ - وَكَانَتْ مِنْ الْمُبَايِعَاتِ - وَوَهَمَ فِيهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ النَّوْفَلِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَنَسٍ، وَوَهَمَ فِيهِ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ جِهَةِ آدَمَ بْنِ أَبِي إيَاسٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي دَاوُد الْجَزَرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مَرْفُوعًا، نَوِّرُوا بِالْفَجْرِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ. وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ ثنا عاصم بن عمر بْنِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، قَالَ الْبَزَّارُ5: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ فُلَيْحِ بْنَ سُلَيْمَانَ عَلَى رِوَايَتِهِ، وَإِنَّمَا يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْحَضْرَمِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَاسِطِيُّ ثنا الْمُعَلَّى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ1 ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وشعبة عن زبيدة عَنْ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ 2، فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَوْسٍ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَأَعَلَّهُ بِسَعِيدٍ، وَقَالَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِمَا انْفَرَدَ بِهِ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَلَا الِاعْتِبَارُ إلَّا بِمَا وَافَقَ الثِّقَاتِ فِي الْآثَارِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَوْنٍ. وَلَا ابْنِ سِيرِينَ، وَلَا أَبِي هُرَيْرَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَقَطْ، وَهَذَا بِمَا لَا يَسْأَلُهُ أَنَّهُ مَقْلُوبٌ أَوْ معمول، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ حَوَّاءَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُمَحِيُّ ثنا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ ثنا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ بُجَيْدٍ الْحَارِثِيِّ عَنْ جَدَّتِهِ حَوَّاءَ الْأَنْصَارِيَّةِ - وَكَانَتْ مِنْ الْمُبَايِعَاتِ - قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ"، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَإِسْحَاقُ الْحُنَيْنِيُّ بِضَمِّ الْحَاءِ، بَعْدَهَا نُونٌ، ثُمَّ يَاءٌ آخِرُ الْحُرُوفِ، ثُمَّ نُونٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ، وَذَكَرَ لَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَحَادِيثَ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مَعَ ضَعْفِهِ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: وَابْنُ بُجَيْدٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بُجَيْدٍ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَفَتْحِ الْجِيمِ بَعْدَهَا آخِرُ الْحُرُوفِ سَاكِنَةٌ ابْنُ قَيْظِيٍّ بِفَتْحِ الْقَافِ، بَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ بَعْدَهَا ظَاءٌ مُعْجَمَةٌ الْحَارِثِيُّ الْمَدَنِيُّ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ بِحَالِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ وَجَدَّتُهُ حَوَّاءُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ السَّكَنِ أُخْتُ أَسْمَاءَ بِنْتِ زَيْدِ بْنِ السَّكَنِ. الْآثَارُ فِي ذَلِكَ، أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ3 عَنْ دَاوُد بْنِ يَزِيدَ الْأَوْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يُصَلِّي بِنَا الْفَجْرَ وَنَحْنُ نَتَرَاءَى الشَّمْسَ مَخَافَةَ أَنْ تَكُونَ قَدْ طَلَعَتْ، انْتَهَى. وَعَنْ أَبِي إسْحَاقَ4 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَكَانَ يُسْفِرُ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ، انْتَهَى. وَعَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ5 عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَسْفِرُوا بِهَذِهِ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَعَنْ الْقَعْنَبِيِّ6 عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: مَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مَا اجْتَمَعُوا عَلَى التَّنْوِيرِ، انْتَهَى. وَتَأَوَّلَ الْخُصُومُ الْإِسْفَارَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِظُهُورِ الْفَجْرِ، وهذ بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْغَلَسَ الَّذِي يَقُولُونَ بِهِ، هُوَ اخْتِلَاطُ ظَلَامِ اللَّيْلِ بِنُورِ النَّهَارِ، كَمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَقَبْلَ ظُهُورِ الْفَجْرِ لَا يَصِحُّ صَلَاةُ الْفَجْرِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْفَارِ إنَّمَا هُوَ التَّنْوِيرُ، وَهُوَ التَّأْخِيرُ عَنْ الْغَلَسِ، وَزَوَالُ الظُّلْمَةِ، وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ، يَقْتَضِي حُصُولَ الْأَجْرِ فِي الصَّلَاةِ بِالْغَلَسِ، فَلَوْ كَانَ الْإِسْفَارُ هُوَ وُضُوحُ الْفَجْرِ وَظُهُورُهُ لَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِ الْغَلَسِ أَجْرٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْوَقْتِ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَفَسَّرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْإِسْفَارَ فِي الْحَدِيثِ بِبَيَانِ الْفَجْرِ وَطُلُوعِهِ، أَيْ لَا تُصَلُّوا إلَّا عَلَى تَبَيُّنٍ مِنْ طُلُوعِهِ، قَالَ: وَهَذَا يَرُدُّهُ بَعْضُ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ أَوْ يُبَعِّدُهُ، انْتَهَى. وَرَوَى النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ1 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٌ ثنا إسْمَاعِيلُ ثنا حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الْغَدَاةِ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَمَرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ فَصَلَّى، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَسْفَرَ، فَأَمَرَ، فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى، ثُمَّ قَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ؟ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ"، انْتَهَى. فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْفَارِ التَّنْوِيرُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدْفَعُ تَأْوِيلَهُمْ: مِنْهَا - عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ - فِي صَحِيحِهِ فَكُلَّمَا أَصْبَحْتُمْ بِالصُّبْحِ فَهُوَ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ، وَعِنْدَ النَّسَائِيّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، قَالَ: مَا أَسْفَرْتُمْ بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: فَكُلَّمَا أَسْفَرْتُمْ بِالْفَجْرِ. حَدِيثٌ آخَرُ يُبْطِلُ تَأْوِيلَهُمْ، رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ2 فِي مَسَانِيدِهِمْ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، قَالَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَدَنِيُّ، وَقَالَ الْبَاقُونَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَدَنِيُّ ثنا هُرَيْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ سَمِعْت جَدِّي رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ: "يَا بِلَالُ نَوِّرْ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى يُبْصِرَ الْقَوْمُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِمْ مِنْ الْإِسْفَارِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ3 فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي ثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي إسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ هُرَيْرٍ بِهِ، قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُجَمِّعٍ عَنْ هُرَيْرٍ بِهِ، هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ أَبِي: وَقَدْ سَمِعْنَا مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ كِتَابَ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ كُلَّهُ، فَلَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ ذِكْرٌ، وَقَدْ حَدَّثَنَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي إسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبِ، لَكِنِّي رَأَيْت لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مُتَابِعًا آخَرَ، إمَّا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى. أَوْ غَيْرُهُ، فَلَعَلَّ الْخَطَأَ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَبَا إسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبَ، فَغَلِطَ فِي نِسْبَتِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: قَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَكَذَلِكَ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ أَبِي إسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبِ، وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: أَبُو إسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبُ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَلَمْ أَجِدْ فِي تَضْعِيفِهِ غَيْرَ هَذَا، وَلَهُ أَحَادِيثُ غَرَائِبُ حِسَانٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ، وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثَهُ، أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي إسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبِ عن هرير. انتهى. حَدِيثٌ آخَرُ يُبْطِلُ تَأْوِيلَهُمْ، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ، السَّرَقُسْطِيُّ1 فِي كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ثنا الْمُعْتَمِرُ سَمِعْت بَيَانًا أَبَا سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْت أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصُّبْحَ حِينَ يَفْسَحُ الْبَصَرُ، انْتَهَى. قَالَ: فَقَالَ: فَسَحَ الْبَصَرُ. وَانْفَسَحَ: إذَا رَأَى الشَّيْءَ عَنْ بُعْدٍ يَعْنِي بِهِ إسْفَارَ الصُّبْحِ انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ يُؤَيِّدُ مَذْهَبَنَا، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً لِغَيْرِ وَقْتِهَا إلَّا بِجَمْعٍ، فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ المغرب والعشاء بجَمْع، ويصلي صَلَاةَ الصُّبْحِ مِنْ الْغَدِ قَبْلَ وَقْتِهَا، انْتَهَى. قَالَ الْعُلَمَاءُ: يَعْنِي وَقْتَهَا الْمُعْتَادَ فِي كُلِّ يَوْمٍ لَا أَنَّهُ صَلَّاهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، وَإِنَّمَا غَلَّسَ بِهَا جِدًّا، وَيُوَضِّحُهُ رِوَايَةٌ فِي الْبُخَارِيِّ3 وَالْفَجْرُ حِينَ بَزَغَ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُسْفِرُ بِالْفَجْرِ دَائِمًا، وَقَلَّمَا صَلَّاهَا بِغَلَسٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَبِهِ اسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ لِأَصْحَابِنَا، وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ4 بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: مَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مَا اجْتَمَعُوا عَلَى التَّنْوِيرِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ5: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْإِسْفَارِ وَالتَّغْلِيسِ، فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْإِسْفَارَ أَفْضَلُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَأَصْحَابُهُ. وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَأَهْلُ الْكُوفَةِ أَخْذًا بِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ، وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ التَّغْلِيسَ أَفْضَلُ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ. وَأَحْمَدُ أَخْذًا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ: كُنَّ نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ يُصَلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، ثُمَّ يَنْصَرِفْنَ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ6. وَمُسْلِمٌ، قَالَ: وَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ حَدِيثَ الْإِسْفَارِ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ التَّغْلِيسِ، وَأَنَّ حَدِيثَ التَّغْلِيسِ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْأَفْضَلِ بِخِلَافِ حَدِيثِ رَافِعٍ، أَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَدْخُلُونَ مُغَلِّسِينَ، وَيَخْرُجُونَ مُسْفِرِينَ، قَالَ: وَالْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ
الطَّحَاوِيُّ، لِأَنَّ حَدِيثَ التَّغْلِيسِ ثَابِتٌ، وَأَنَّهُ عليه السلام دَاوَمَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا، وَلَمْ يَكُنْ عليه السلام يُدَاوِمُ إلَّا عَلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ، ثُمَّ رَوَى حَدِيثَ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْغَلَسِ، حَتَّى مَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعُدْ إلَى أَنْ يُسْفِرَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، كِلَاهُمَا مِنْ حَدِيث أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ سَمِعْت بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا مَسْعُودٍ، فَذَكَرَهُ، وَهُوَ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثِ الْمَوَاقِيتِ، وَحَدِيثُ الْمَوَاقِيتِ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَيْسَ فِيهِ هَذَا، قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ: مَالِكٌ. وَمَعْمَرٌ. وَابْنُ عُيَيْنَةَ. وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. وَغَيْرُهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ هَذَا، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى نَسْخِ أَفْضَلِيَّةِ الْإِسْفَارِ، وَلَيْسَ فِيهِ: مَنْ مُسَّ، إلَّا أُسَامَةُ، فَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ تَرَكَهُ بِآخِرِهِ، انْتَهَى. وَفِي التنقيح واختلف الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَقَالَ: أَبُو حَاتِمٍ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ. والدارقطني: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ الْخَاصَّةُ بِالْفَجْرِ: - حَدِيثُ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إنْ كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليصلي بالصبح فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: وَمَا يُعْرَفْنَ مِنْ تَغْلِيسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي لَفْظٍ: وَلَا يَعْرِفْنَ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ2 عَنْ إسْحَاقَ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدِ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ نَحْوَهُ، سَوَاءٌ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَالدَّبَرِيُّ هَذَا بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ. وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إذَا وَجَبَتْ الشَّمْسُ، وَالْعِشَاءَ إذَا كَثُرَ النَّاسُ عَجَّلَ، وَإِذَا قَلُّوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ بِغَلَسٍ، أَخْرَجَاهُ أَيْضًا. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا الْأَوْزَاعِيُّ ثَنَا نَهِيكُ بْنُ يَرِيم الأوزاعي ثنا مغيب بْنُ سُمَيٌّ، قَالَ: صَلَّيْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَقْبَلْت عَلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقُلْت: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: هَذِهِ صَلَاتُنَا كَانَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، فَلَمَّا طُعِنَ عُمَرُ أَسْفَرَ بِهَا عُثْمَانُ، انْتَهَى. وَفِيهِ حَدِيثُ أُسَامَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ الْعَامَّةُ لِسَائِرِ الْأَوْقَاتِ، رَوَى أَبُو دَاوُد1 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ غَنَّامٍ عَنْ بَعْضِ أُمَّهَاتِهِ عَنْ أُمِّ فَرْوَةَ، قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ غَنَّامٍ عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ فَرْوَةَ، وَلَمْ يَقُلْ عَنْ بَعْضِ أُمَّهَاتِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يُرْوَى إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ اضْطَرَبُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَاضْطِرَابًا، ثُمَّ قَالَ: وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ جَدَّتِهِ الدُّنْيَا عَنْ أُمِّ فَرْوَةَ، انْتَهَى. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 عَنْ الْعُمَرِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ غَنَّامٍ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ الدُّنْيَا عَنْ أُمِّ فَرْوَةَ، فَذَكَرَهُ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَمَا فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ فِي إثْبَاتِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَ الْقَاسِمِ، وَأُمِّ فَرْوَةَ. وَإِسْقَاطُهَا يَعُودُ إلَى الْعُمَرِيِّ، وَقَدْ ضُعِّفَ، وَمَنْ أَثْبَتَ الْوَاسِطَةَ يَقْضِي عَلَى مَنْ أَسْقَطَهَا، وَتِلْكَ الْوَاسِطَةُ مَجْهُولَةٌ، وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مُصَغَّرًا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ غَنَّامٍ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ فَرْوَةَ، فَذَكَرَهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، عَنْ أَبِيهِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ ثنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ الْوَلِيدِ بن العيراز عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وقتها"، انتهى. ورواه أبي بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ. وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ قَالَهُ فِي الْإِمَامِ، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ الْحَدِيثَ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ: فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا تَفَرَّدَ بِهَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ شُعْبَةَ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ بِلَفْظِ: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، وَرَوَاهُ - كَالْأَوَّلِ - الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ كَذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ - لَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَخْرَجَاهُ3 مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سَابِقٍ4 عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ بِلَفْظِ: الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا، وَإِنَّمَا هَذِهِ زِيَادَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، وَهِيَ مَقْبُولَةٌ مِنْهُ، فَإِنَّ مَذْهَبَهُمَا قَبُولُ الزِّيَادَةِ مِنْ الثِّقَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ
أَيْضًا عَنْ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ ثنا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ الْمَدَائِنِيُّ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ جَمَاعَةٌ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ غَيْرُ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ، وَهُوَ حَافِظٌ ثِقَةٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَفْصٍ الْمَدَائِنِيِّ، وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ سَمِعْت بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "نَزَلَ جبرئيل فَأَخْبَرَنِي بِوَقْتِ الصَّلَاةِ فَصَلَّيْت مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْت مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْت مَعَهُ"، إلَى أَنْ قَالَ: وَصَلَّى الصُّبْحَ مَرَّةً بِغَلَسٍ، ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ، ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْغَلَسِ حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ لَمْ يُعِدْ إلَى أَنْ يُسْفِرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي الْحَدِيثِ التَّاسِعِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ: مَعْمَرٌ. وَمَالِكٌ. وَابْنُ عُيَيْنَةَ. وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ. وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا الْوَقْتَ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، وَلَمْ يُفَسِّرُوهُ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: تَرَكَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بِآخِرِهِ، وَقَالَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ: رَوَى عَنْ نَافِعٍ أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ، وَاخْتَلَفَ الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، فَقَالَ مَرَّةً: ثِقَةٌ صَالِحٌ، وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ مَرَّةً: ثِقَةٌ حُجَّةٌ، وَقَالَ مَرَّةً: تُرِكَ حَدِيثُهُ بِآخِرِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يَكْتُبُ حَدِيثَهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ. والدارقطني: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَيْسَ بِحَدِيثِهِ بَأْسٌ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَبِسَنَدِ أبو دَاوُد وَمَتْنِهِ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِهِ، فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ2 مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَدَنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوَقْتُ الْأَوَّلُ مِنْ الصَّلَاةِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَالْوَقْتُ الْأَخِيرُ عَفْوُ اللَّهِ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا يُؤَثِّرُ عَلَى رِضْوَانِ اللَّهِ شَيْءٌ، لِأَنَّ الْعَفْوَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَقْصِيرٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ بِلَفْظِ: خَيْرُ الْأَعْمَالِ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، قَالَ الْحَاكِمُ: وَيَعْقُوبُ بْنُ الْوَلِيدِ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْكِتَابِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَعْقُوبُ بْنُ الْوَلِيدِ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى الثِّقَاتِ لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ إلَّا عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ، وَمَا رَوَاهُ إلَّا هُوَ، انْتَهَى. وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ مِنْ الْكَذَّابِينَ الْكِبَارِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ4 حَدِيثُ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ
رِضْوَانُ اللَّهِ، إنَّمَا يُعْرَفُ بِيَعْقُوبَ بْنِ الْوَلِيدِ، وَقَدْ كَذَّبَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَسَائِرُ الْحُفَّاظِ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَسَانِيدَ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَإِنَّمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مِنْ قَوْله، انْتَهَى. وَأَنْكَرَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابٍ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْحَقِّ كَوْنَهُ أَعَلَّ الْحَدِيثَ بِالْعُمَرِيِّ، وَسَكَتَ عَنْ يَعْقُوبَ، قَالَ: وَيَعْقُوبُ هُوَ عِلَّةٌ، فَإِنَّ أَحْمَدَ، قَالَ فِيهِ: كَانَ مِنْ الْكَذَّابِينَ الْكِبَارِ، وَكَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ يَكْذِبُ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مَوْضُوعٌ، وَابْنُ عَدِيٍّ إنَّمَا أَعَلَّهُ بِهِ، وَفِي بَابِهِ ذَكَرَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ حُمَيْدٍ حَدَّثَنِي فَرَجُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُهَلَّبِيُّ ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ قَالَ مُطَيِّنٌ فِي الْحُسَيْنِ بْنِ حُمَيْدٍ: هُوَ كَذَّابٌ ابْنُ كَذَّابٍ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وهو مُتَّهَمٌ فِيمَا يَرْوِيهِ، وَسَمِعْت أحمد بن عبدة العافظ، يَقُولُ: سَمِعْت مُطَيِّنًا، يَقُولُ - وَقَدْ مَرَّ عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ بْنُ حُمَيْدٍ بْنِ الرَّبِيعِ -: هَذَا كَذَّابٌ ابْنُ كَذَّابٍ ابْنِ كَذَّابٍ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ زَكَرِيَّا ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي مَرْفُوعًا: أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَأَوْسَطُهُ رَحْمَةُ اللَّهِ، وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ زَكَرِيَّا، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ مَجْهُولٌ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُنْكَرٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَ عَنْ الثِّقَاتِ بِالْأَبَاطِيلِ، وَالضَّعْفُ عَلَى حَدِيثِهِ بَيِّنٌ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الضُّعَفَاءِ، قَالَ: وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ فَقَالَ: لَيْسَ بِثَابِتٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَرْوِيهَا بَقِيَّةُ عَنْ الْمَجْهُولِينَ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَوْلَى عُثْمَانَ. وَعَبْدَ الْعَزِيزِ لَا يُعْرَفَانِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: أَحَادِيثُ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا، وَأَحَادِيثُ أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ،
قَالَتْ: مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَقْتِهَا الْأَخِيرِ إلَّا مَرَّتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، انْتَهَى. وَقَالَ: غَرِيبٌ، وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ مُرْسَلٌ، إسْحَاقُ بْنُ عُمَرَ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: عَنْ أَبِيهِ إسْحَاقُ بْنُ عُمَرَ، رَوَى عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ، رَوَى عَنْهُ: سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: إنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَإِسْحَاقُ بْنُ عُمَرَ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ إلَّا لِلدَّارَقُطْنِيِّ فَقَطْ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ قَالَ: إسْحَاقُ بْنُ عُمَرَ أَحَدُ الْمَجَاهِيلِ، رَوَى عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عمرة عَائِشَةَ نَحْوَهُ، وَفِي سَنَدِهِ مُعَلَّى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عائشة نحوه، وفيه الوافدي، وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مُكَبَّرًا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ لِمِيقَاتِهَا الْأَوَّلِ"، وَأَخْرَجَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مُصَغَّرًا عَنْ نَافِعٍ بِهِ نَحْوَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ أَحَدَكُمْ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَقَدْ تَرَكَ مِنْ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ1 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "يَا عَلِيُّ! ثَلَاثَةٌ لَا تُؤَخِّرْهَا: الصَّلَاةُ إذَا أَتَتْ. وَالْجِنَازَةُ إذَا حَضَرَتْ. وَالْأَيِّمُ إذَا وَجَدْتَ لَهَا كُفْئًا"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَمَا أَرَى إسْنَادَهُ بِمُتَّصِلٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: رَوَى أَنَسٌ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ فِي الشِّتَاءِ بَكَّرَ بِالظُّهْرِ، وَإِذَا كَانَ فِي الصَّيْفِ أَبْرَدَ بِهَا، قُلْت: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ2 مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: صَلَّى بِنَا أَمِيرُنَا الْجُمُعَةَ، ثُمَّ قَالَ لِأَنَسٍ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ؟ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ خَبَّابُ بْنِ الْأَرَتِّ: شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ فِي الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يُشْكِنَا، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ، قَالَ زُهَيْرٌ:
قُلْت لِأَبِي إسْحَاقَ فِي تَعْجِيلِ الظُّهْرِ، قَالَ: نَعَمْ، انْتَهَى. فَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا، فَقِيلَ: لَمْ يَعْذُرْنَا، وَقِيلَ: لَمْ يُحْوِجْنَا إلَى الشَّكْوَى بَعْدُ، وَلَكِنْ رُوِيَتْ فِيهِ زِيَادَةٌ مُثْبَتَةٌ لِلْأَوَّلِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ ثنا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى ثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إسْحَاقَ ثنا سَعِيدُ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّمْضَاءَ فَمَا أَشْكَانَا، وَقَالَ: "إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَصَلُّوا"، انْتَهَى. وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: شَكَوْنَا حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا، قُلْت: وَيُؤَيِّدُ الثَّانِيَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ أَخْرَجَاهُ1 وَانْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ بِحَدِيثِ الْخُدْرِيِّ2 أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ. أَحَادِيثُ لِمَذْهَبِنَا فِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ، أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: دَخَلْت مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بِالْعَصْرِ، وَشَيْخٌ جَالِسٌ فَلَامَهُ، وَقَالَ: إنَّ أَبِي أَخْبَرَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِتَأْخِيرِ هَذِهِ الصَّلَاةِ، فَسَأَلْت عَنْهُ، فقلوا: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيمَا أَخْبَرَنَا عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْحَارِثِ: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ، وَالصَّحِيحُ عَنْ رَافِعٍ. وَغَيْرِهِ ضِدُّ هَذَا، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ غَيْرُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ رَافِعٍ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ نَافِعٍ يَرْوِي عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ الْمَقْلُوبَاتِ، وَعَنْ أَهْلِ الشَّامِ الْمَوْضُوعَاتِ، لَا يَحِلُّ ذِكْرُهُ فِي الْكُتُبِ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ فِيهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ الْعَيْنِ - فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ نَافِعٍ بِهِ، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَافِعٍ وَالصَّحِيحُ عَنْ رَافِعٍ غَيْرِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ رَافِعٍ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَاةَ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَنْحَرُ الْجَزُورَ، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ نَافِعٍ أَبُو الرَّمَّاحِ مَجْهُولُ الْحَالِ مُخْتَلَفٌ فِي حَدِيثِهِ، انْتَهَى. أَثَرٌ فِي ذَلِكَ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيّ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ، فَقَالَ: الصَّلَاةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: اجْلِسْ فَجَلَسَ، ثُمَّ عَادَ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذَا الْكَلْبُ يُعَلِّمُنَا السنة، فقام عليّ صلى بن الْعَصْرَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا فَرَجَعْنَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي كُنَّا فِيهِ جُلُوسًا فَجَثَوْنَا لِلرُّكَبِ، لنزول الشمس للغروب نتراآها، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ كَذَلِكَ عَنْ الْعَبَّاسِ
بْنِ ذريح عن زياد عن عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيّ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَزِيَادُ بْنُ عبد الله مَجْهُولٌ لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ غَيْرُ الْعَبَّاسِ بْنُ ذُرَيْحٍ، انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا الْأَثَرُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ، أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ، لِذِكْرِ السُّنَّةِ فِيهِ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ فِي أَفْضَلِيَّةِ التَّعْجِيلِ: مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إلَى رَحْلِهِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَذْهَبُ أَحَدُنَا إلَى الْعَوَالِي، وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالْعَوَالِي عَلَى مِيلَيْنِ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَثَلَاثَةٍ، وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَرْبَعَةٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا2 عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَنْحَرُ الْجَزُورَ، فَنَقْسِمُ عَشْرَ قِسَمٍ، ثُمَّ يُطْبَخُ فَيُؤْكَلُ لَحْمًا نَضِيجًا قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْمَغْرِبَ وَأَخَّرُوا الْعِشَاءَ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ3 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ"، أَوْ قَالَ: "عَلَى الْفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ إلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ"، مُخْتَصَرٌ، وَتَمَامُهُ: عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو أَيُّوبَ غَازِيًا، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ يَوْمَئِذٍ عَلَى مِصْرَ، فَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ، فَقَامَ إلَيْهِ أَبُو أَيُّوبَ، فَقَالَ لَهُ: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ يَا عُقْبَةُ؟ قَالَ: شُغْلِنَا، قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ" إلَى آخِرِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، قَالَ الشَّيْخُ تقي الدين فِي الْإِمَامِ: وَقَدْ خُولِفَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَرَوَاهُ حَيْوَةُ. وَابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ التُّجِيبِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "يا داود بَادِرُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ قَبْلَ طُلُوعِ النُّجُومِ"، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَحَدِيثُ حَيْوَةَ أَصَحُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ4 عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ عَنْ عُمَرَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عبد الطلب، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى الْفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ حَتَّى يَشْتَبِكَ النُّجُومُ"، انْتَهَى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا، وَأَنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد2 مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَلَفْظُهُ: ثُمَّ يَرْمِي، فَيَرَى أَحَدُنَا مَوْضِعَ نَبْلِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ3 عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ إذَا تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ، وَفِي لَفْظَةٍ: إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ، انْتَهَى. وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد فِيهِ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي المغرب ساعة يغرب الشمس إذ غَابَ حَاجِبُهَا. الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْت الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ4 وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْت الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، أَوْ نِصْفِهِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَسَارٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَلَأَخَّرْت الْعِشَاءَ الآخرة إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ"، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الطَّهَارَةِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الصَّوْمِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَلَأَخَّرْت العشاء الآخرة إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ"، فَكَانَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ يَشْهَدُ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَسْجِدِ، وَسِوَاكُهُ عَلَى أُذُنِهِ مَوْضِعَ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ، لَا يَقُومُ إلَى الصَّلَاةِ إلَّا اسْتَنَّ، ثُمَّ رَدَّهُ إلَى مَوْضِعِهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَذَهِلَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ فِي عَزْوِهِ هَذَا الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ، لِأَبِي دَاوُد، وَأَبُو دَاوُد لَمْ يُخَرِّجْ مِنْهُ إلَّا فَضْلَ السِّوَاكِ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ تَأْخِيرَ الْعِشَاءِ، وَعَجِبْت مِنْ أَصْحَابِ الْأَطْرَافِ إذْ لَمْ يُبَيِّنُوا ذَلِكَ: مَعَ أَنَّهُ مِنْ عَادَتِهِمْ، كَابْنِ عَسَاكِرَ، وَشَيْخِنَا الْحَافِظِ جَمَالِ الدِّينِ الْمِزِّيِّ، وَقَدْ أَحْسَنَ الْمُنْذِرِيُّ فِي
مُخْتَصَرِهِ إذْ بَيَّنَ ذَلِكَ لَمَّا ذَكَرَ لَفْظَ أَبِي دَاوُد، فَعَزَاهُ لِلتِّرْمِذِيِّ. وَالنَّسَائِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَحَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْفَضِيلَتَيْنِ: يَعْنِي فَضْلَ السِّوَاكِ. وَفَضْلَ الصَّلَاةِ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ مُقْتَصِرًا عَلَى فَضْلِ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ. وَعَزَاهُ لِأَبِي دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيِّ، ثُمَّ إنَّ أَصْحَابَ الْأَطْرَافِ عَزَوْهُ لِلنِّسَائِيِّ1 فِي الصَّوْمِ وَلَمْ أَجِدْهُ فِي الصُّغْرَى فَلْيُنْظَرْ الْكُبْرَى2. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 عَنْ الْحَكَمِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَكَثْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، فَخَرَجَ إلَيْنَا حِينَ ذَهَبَ اللَّيْلُ أَوْ بَعْضُهُ فَلَا نَدْرِي أَشَيْءٌ شَغَلَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَقَالَ حِينَ خَرَجَ: "إنَّكُمْ لَتَنْتَظِرُونَ صَلَاةً مَا يَنْتَظِرُهَا أَهْلُ دِينٍ غَيْرُكُمْ، وَلَوْلَا أَنْ يَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيْت بِهِمْ هَذِهِ السَّاعَةَ"، ثُمَّ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، وَصَلَّى، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْت أَبِي، وَذَكَرَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلَا أَنْ يَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْت صَلَاةَ الْعِشَاءِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ"، قَالَ أَبِي: إنَّمَا هُوَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال الشيخ تقي الدين فِي الْإِمَامِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ الْمُزَنِيّ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: رَوَى عَنْ أَبِيهِ، وَالْمَقْبُرِيِّ رَوَى عَنْهُ مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ، وَأَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، وَلَا أَرَى بِحَدِيثِهِ بَأْسًا، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ4 هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى بِهِمْ، وَقَالَ: "لَوْلَا الضَّعِيفُ وَالسَّقِيمُ لَأَحْبَبْتُ أَنْ أُؤَخِّرَ هَذِهِ الصَّلَاةَ إلَى شَطْرِ اللَّيْلِ"، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: حَدِيثُ السَّمَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَعْدَ الْعِشَاءِ، أَشَارَ إليه في الكتاب بقوله: وَلِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ السَّمَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَعْدَهَا، قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ5 مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا يَعْنِي الْعِشَاءَ وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا، انْتَهَى. رَوَوْهُ فِي الْمَوَاقِيتِ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: كَانَ لَا يُحِبُّ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَبِ6 أَيْضًا، وَلَفْظُهُ: كَانَ يَنْهَى عَنْ النَّوْمِ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثِ بَعْدَهَا، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ7 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْلَى الطَّائِفِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ، وَلَا سَمَرَ بَعْدَهَا، انْتَهَى. وفد أَجَازَ الْعُلَمَاءُ السَّمَرَ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي الْخَيْرِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 عَنْ سَالِمٍ بن ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ، فَقَالَ: "أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ"، انْتَهَى. وَبَوَّبَ عَلَيْهِ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ2 - بَابُ السَّمَرِ فِي الْعِلْمِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي الصَّلَاةِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ اللَّيْلَةَ فِي الْأَمْرِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَا مَعَهُ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ جُعْفِيٍّ، يُقَالُ لَهُ: قَيْسٌ، أَوْ ابْنُ قَيْسٍ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي أَطْرَافِهِ عَلْقَمَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: رَوَى أَوْسُ بْنُ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينَا بَعْدَ الْعِشَاءِ يُحَدِّثُنَا، وَكَانَ أَكْثَرُ حَدِيثِهِ تَشْكِيَةَ قُرَيْشٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ رَوَاهُ3. فَائِدَةٌ: اسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ عَلَى جَوَازِ تَسْمِيَةِ الْعِشَاءِ بِالْعَتَمَةِ بِحَدِيثِ رَوَاهُ مَالِكٌ في موطأه عَنْ سُمَيٌّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا، وَلَوْ حَبْوًا"، مُخْتَصَرٌ، وَيَنْبَغِي الْجَمْعُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ أَلَا إنَّهَا الْعِشَاءُ، وَهُمْ يعتمون الإبل، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4. الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ آخِرَهُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ5 عَنْ الأعمش عن أبي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ، فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ"، انْتَهَى.
فصل في الأوقات المكروهة
فَصْلٌ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: حَدِيثُ عُقْبَةَ رضي الله عنه، قَالَ: ثَلَاثُ أَوْقَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُصَلِّيَ فِيهَا، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهَا مَوْتَانَا: عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ. وَعِنْدَ زَوَالِهَا حَتَّى تَزُولَ. وَحِينَ تَضَيَّفُ لِلْغُرُوبِ، قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ. وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَرَوَاهُ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ، وَزَادَ فِيهِ، قُلْت لِعُقْبَةَ: أَيُدْفَنُ بِاللَّيْلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَدْ دُفِنَ أَبُو بَكْرٍ بِاللَّيْلِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَنَهْيُهُ عَنْ الْقَبْرِ فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ لَا يَتَنَاوَلُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَهُوَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهِيَةِ الدَّفْنِ فِي هذه السَّاعَاتِ، انْتَهَى. قُلْت: حَمَلَهُ أَبُو دَاوُد عَلَى الدَّفْنِ الْحَقِيقِيِّ2 فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْجَنَائِزِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابُ الدَّفْنِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا، وَحَمَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: مَا مَعْنَى أَنْ نَقْبُرَ فِيهَا مَوْتَانَا؟ يعني صلاة الجنائز انْتَهَى. وَقَدْ جَاءَ بِتَصْرِيحِ الصَّلَاةِ فِيهِ، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ شَاهِينَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ بِهِ، قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَى مَوْتَانَا عِنْدَ ثَلَاثٍ: عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، إلَى آخِرِهِ. أَحَادِيثُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ: مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْهَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ3 عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: إنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلَاةً لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا، وَلَقَدْ نَهَى عَنْهَا يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ4 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَتِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَخْبَرَنِي أَبُو إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حمزة عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ إلَّا الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ، انْتَهَى.
حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَنْبَسَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْهُ، وَفِيهِ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلَاةِ، قَالَ: "صَلِّ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ محضورة حين تَسْتَقْبِلَ الظِّلَّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ"، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. مَا وَرَدَ فِي إبَاحَتِهَا: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ2 عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: رَكْعَتَانِ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُهُمَا سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً: رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ. وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي فِي يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْهَا، قَالَتْ: وَهَمَ عُمَرُ، إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَحَرَّى طُلُوعَ الشَّمْسِ وَغُرُوبَهَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا فَتُصَلُّوا عِنْدَ ذَلِكَ"، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَيْمَنَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: وَاَلَّذِي ذَهَبَ بِهِ مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ، وَمَا لَقِيَ اللَّهَ حَتَّى ثَقُلَ عَنْ الصَّلَاةِ، وَكَانَ يُصَلِّيهِمَا، وَلَا يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ مَخَافَةَ أَنْ يُثْقِلَ عَلَى أُمَّتِهِ، وَكَانَ يُحِبُّ مَا خَفَّفَ عَنْهُمْ، انْتَهَى. مَا وَرَدَ فِي الْعُذْرِ مِنْهَا، أَخْرَجَ مُسْلِمٌ. وَالْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي3 عَنْ كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ. وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَرْسَلُوهُ إلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنَّا جَمِيعًا وَسَلْهَا عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَقُلْ لَهَا: بَلَغَنَا أَنَّك تُصَلِّيهِمَا، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُمَا، قَالَ كُرَيْبٌ: فَدَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ، فأخبرتها، فقالت: سألت أُمَّ سَلَمَةَ، فَرَجَعَتْ إلَيْهِمْ، فَأَخْبَرْتُهُمْ، فَرَدُّونِي إلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهُمَا، ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، قال: "إنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ، فَشَغَلُونِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَهُمَا هَاتَانِ" مُخْتَصَرٌ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ4 فَقَالَ: وَقَالَ كُرَيْبٌ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: "شَغَلَنِي
نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ"، انْتَهَى. وَيُنْظَرُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي فَكَأَنَّهُ وَصَلَهُ فِيهِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ إنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا أَوْ نَسِيَهُمَا، فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا. وَكَانَ إذَا صَلَّى صَلَاةً أَثْبَتَهَا يَعْنِي دَاوَمَ عَلَيْهَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد1 مِنْ جِهَةِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ، أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ وَيَنْهَى عَنْهُمَا وَيُوَاصِلُ، وَيَنْهَى عَنْ الْوِصَالِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَعَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ. فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ2 أَنَّهُ قَالَ: شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ - وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَعَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ3. وَمُسْلِمٌ4 عَنْهُ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَعَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ5 عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "صَلِّ الصُّبْحَ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ فَلَا تُصَلِّ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ"، مُخْتَصَرٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ دَاخِلَتَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَكَرِهَهَا أَصْحَابُنَا فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ،
وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ، فَأَجَازَهَا فِيهَا آخِذًا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ! لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ، وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ - فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: إنَّمَا لَمْ يُخْرِجَاهُ لِاخْتِلَافٍ وَقَعَ فِي إسْنَادِهِ، فَرَوَاهُ سُفْيَانُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَرَوَاهُ الْجَرَّاحُ بْنُ مِنْهَالٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ سَمِعَ أَبَاهُ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، وَرَوَاهُ مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: أَظُنُّهُ عَنْ جَابِرٍ، فَلَمْ يَجْزِمْ بِهِ، وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: أَقَامَ ابْنُ عُيَيْنَةَ إسْنَادَهُ، وَمَنْ خَالَفَهُ فِيهِ لَا يُقَاوِمُهُ، فَرِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مَحْفُوظَةً، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَابَاهُ، وَيُقَالُ: ابْنُ بَابَيْهِ، وَيُقَالُ: ابْنُ بَابِي، قَالَ النَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: هُوَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مَعْرُوفٌ، وَأَخْبَرَنِي الشَّيْخُ مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ الْعَلَّامَةِ عَلَاءِ الدِّينِ الْقُونَوِيِّ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ بَحَثَ هُنَا بَحْثًا فَقَالَ: إنَّ بَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَدِيثِ جُبَيْرٍ عُمُومًا وَخُصُوصًا، فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَكَانِ، خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَقْتِ، فَهَذَا الْحَدِيثُ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَكَانِ، عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ، قَالَ: فَلَيْسَ حَمْلُ عُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى خُصُوصِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أولى مِنْ حَمْلِ عُمُومِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمَكَانِ عَلَى خُصُوصِ هَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ، قُلْنَا: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرٍ، فَلَا يُقَاوِمُهُ إلَّا مَا يُسَاوِيهِ فِي الصِّحَّةِ، فَيُحْمَلُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَيْضًا فَقَدْ وَرَدَ مِنْ فَهْمِ الصَّحَابَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُعَارَضَةِ، رَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ2 أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ثنا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بن عبد الرحمن بن عَوْفٍ، قَالَ: سَمِعْت نَصْرَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ جَدِّهِ مُعَاذِ ابْنِ عَفْرَاءَ أَنَّهُ طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ بَعْدَ الصُّبْحِ وَلَمْ يُصَلِّ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنِ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الْعَدَنِيِّ عَنْ رَجَاءٍ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَوْ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيُصَلِّي، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ بعد الصبج حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ إلَّا عِنْدَ هَذَا الْبَيْتِ يَطُوفُونَ وَيُصَلُّونَ"، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وأبو الوليد العدلي لَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرًا فِي الْكُنَى - لِأَبِي أَحْمَدَ الْحَاكِمِ. وَأَمَّا رَجَاءُ بْنُ الْحَارِثِ أَبُو سَعِيدٍ الْمَكِّيُّ، فَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ فِي النَّافِلَةِ بِمَكَّةَ، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى جَوَازِ النَّافِلَةِ بِمَكَّةَ فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِدُونِ كراهية بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ مَرْفُوعًا: "يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ، وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ"، وَبِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ مَوْلَى عَفْرَاءَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَدِمَ أَبُو ذَرٍّ فَأَخَذَ بِعِضَادَتَيْ بَابِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ بَعْدَ الصُّبْحِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ إلَّا بِمَكَّةَ يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثًا"، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ أَحْمَدُ: أَحَادِيثُ ابْنِ الْمُؤَمَّلِ مَنَاكِيرُ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: هُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ3، وَقَالَ: هَذَا يُعَدُّ فِي أَفْرَادِ ابْنِ الْمُؤَمَّلِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ إلَّا أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ طَهْمَانَ قَدْ تَابَعَهُ فِي ذَلِكَ عَنْ حُمَيْدٍ، وَأَقَامَ إسْنَادَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ خَلَّادِ بْنِ يَحْيَى ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ ثَنَا حُمَيْدٍ مَوْلَى عَفْرَاءَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: جَاءَنَا أَبُو ذَرٍّ، فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ الْحَدِيثَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَحُمَيْدَ الْأَعْرَجُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَمُجَاهِدٌ لَا يَثْبُتُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ أَبِي ذَرٍّ، وَقَوْلُهُ: جَاءَنَا أَيْ جَاءَ بَلَدَنَا، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ بِسَنَدِهِ عَنْ الْيَسَعِ بْنِ طَلْحَةَ الْقُرَشِيِّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ: سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُولُ: بَلَغَنَا أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِحَلْقَتَيْ الْبَابِ يَقُولُ ثَلَاثًا: "لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَّا بِمَكَّةَ"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَاَلْيَسَعُ بْنُ طَلْحَةَ ضَعَّفُوهُ، وَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ، مُجَاهِدٌ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا ذَرٍّ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ هَذَا مَعْلُولٌ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: انْقِطَاعُ مَا بَيْنَ مُجَاهِدٍ. وَأَبِي ذَرٍّ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْبَيْهَقِيّ. وَالثَّانِي: اخْتِلَافٌ فِي إسْنَادِهِ، فَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ الْمُؤَمَّلِ عَنْ حُمَيْدٍ مَوْلَى عَفْرَاءَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ،
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّامِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُؤَمَّلِ عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ مُجَاهِدٍ. وَالثَّالِثُ: ضَعْفُ ابْنِ الْمُؤَمَّلِ، قَالَ النَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَحَادِيثُهُ مَنَاكِيرُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ حَدِيثِهِ الضعف عليه بيِّن. والرابع: ضَعْفُ حُمَيْدٍ مَوْلَى عَفْرَاءَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ خَاصٌّ بِرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَقَدْ وَرَدَ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ بِمَكَّةَ إنَّمَا هُوَ فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، فَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، مَنْ طَافَ فَلْيُصَلِّ أَيْ حِينَ طَافَ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَسَعِيدٌ هَذَا يُحَدِّثُ عَنْ عَطَاءٍ، وَغَيْرِهِ بِمَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتَنَفَّلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، قُلْت: رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ1، وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أُخْتِهِ حَفْصَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ إلَّا أَبَا دَاوُد: مِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ هَكَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَتَى بِهِ فِي جُمْلَةِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطَوُّعًا. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَلَفْظُهُ قَالَ: كَانَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ يَسَارٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا سَجْدَتَيْنِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ قُدَامَةَ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ وُهَيْبٍ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ أَيُّوبَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ عَبْدِ العزيز مُحَمَّدِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ قُدَامَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ، قَالَ: ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: كُلُّ مَنْ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ مَعْرُوفٌ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ الْحُصَيْنِ فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَمَجْهُولُ الْحَالِ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ. والدراوردي يَقُولَانِ: عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ أَيُّوبَ
بْنِ الْحُصَيْنِ، وَقَالَ عُثْمَانُ: بْنُ عُمَرَ أَنْبَأَ قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ، وَذَكَرَ هَذَا الِاخْتِلَافَ الْبُخَارِيُّ، وَلَمْ يُعْرَفْ هُوَ، وَلَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَالِهِ بِشَيْءٍ، فَهُوَ عِنْدَهُمَا مَجْهُولٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ قُدَامَةَ ثنا أَيُّوبُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ بِهِ، لَا صَلَاةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، إلَّا رَكْعَتَيْنِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَلَفْظُهُ عَنْ يَسَارٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَآنِي ابْنُ عُمَرَ أُصَلِّي بَعْدَ الْفَجْرِ فَحَصَبَنِي، وَقَالَ: يَا يَسَارُ! كَمْ صَلَّيْت؟ قُلْت: لَا أَدْرِي، قَالَ: أَلَا دَرَيْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لِيُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ أَنْ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا رَكْعَتَيْنِ؟! " انْتَهَى. وَقُدَامَةُ هَذَا مَعْرُوفٌ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُصَيْنِ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُصَيْنِ التَّمِيمِيُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَيُّوبُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَمُحَمَّدُ أَصَحُّ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ: هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ يَسَارٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَتَابَعَهُ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ. وَخَالَفَهُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَوُهَيْبٌ، فَرَوَيَاهُ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ يَسَارٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ. وَوُهَيْبٍ، لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ، انْتَهَى. فَقَدْ اخْتَلَفَ كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ. وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَحْيَى بْنِ بُكَيْر حَدَّثَنِي أَبِي ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ النَّبِيلِ الْفِهْرِيُّ عَنْ أبي عمر مرفوعاً حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمُّويَةَ الْجَوْهَرِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خِرَاشٍ عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خِرَاشٍ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. وَكُلُّ ذَلِكَ يُعَكِّرُ عَلَى التِّرْمِذِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ قُدَامَةَ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَمِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَمْنَعَنَّكُمْ آذَانُ بِلَالٍ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ حَتَّى يَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَيُوقِظَ نَائِمَكُمْ"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ1 قَالَ: فَلَوْ كان التنقل بَعْدَ الصُّبْحِ مُبَاحًا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: حَتَّى يَرْجِعَ قَائِمَكُمْ مَعْنًى، وَبِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ
مَرْفُوعًا أَيْضًا صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى، أَخْرَجَاهُ أَيْضًا1، قَالَ: فَلَوْ كَانَ أَيْضًا مُبَاحًا لَمَا كَانَ لِخَشْيَةِ الصُّبْحِ مَعْنًى، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَشِيَ الصُّبْحَ لِخَوْفِ فَوْتِ الْوِتْرِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَ التَّنَفُّلَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ؟. قَالَ: "جَوْفُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ، فَصَلِّ مَا شِئْت، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَقْبُولَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ"، وَفِي لَفْظٍ3: "فَصَلِّ مَا بَدَا لَك حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ"، الْحَدِيثُ بطوله.
باب الأذان
قَوْلُهُ الأذان قوله: الْأَذَانُ سُنَّةٌ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَالْجُمُعَةُ دُونَ مَا سِوَاهَا لِلنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ، قُلْت: هَذَا مَعْرُوفٌ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ4 عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَيْنِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، انْتَهَى. وَفِيهِ أَيْضًا5 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الشَّمْسَ خُسِفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ مُنَادِيًا: بِالصَّلَاةَ جَامِعَةً، انْتَهَى. وَالْجُمُعَةُ فِيهَا حَدِيثُ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، وَالصَّلَوَاتُ تَأْتِي أَحَادِيثُهَا. مَسْأَلَةٌ: فِي تَثْنِيَةِ التَّكْبِيرِ أَوَّلَ الْأَذَانِ، وَتَرْبِيعِهِ، أَمَّا التَّثْنِيَةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ6 حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ، مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ. وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، قَالَا: ثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ صَاحِبُ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَامِرٍ7 الْأَحْوَلِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الْأَذَانَ: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَى آخِرِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد8 عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ الْجُمَحِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ الْجُمَحِيِّ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ9 بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ
سَمِعْت جَدِّي عَبْدَ الْمَلِكِ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مَحْذُورَةَ يَقُولُ: دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَّمَهُ نَحْوَهُ، وَاسْتَدَلَّ لِلْقَائِلَيْنِ بِالتَّثْنِيَةِ أَيْضًا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْت أَبَا جَعْفَرٍ يُحَدِّثُ عَنْ مُسْلِمٍ أَبِي الْمُثَنَّى عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ، انْتَهَى. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَمَّا التَّرْبِيعُ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ هَمَّامٍ ثَنَا عَامِرٌ الْأَحْوَلُ بِسَنَدِ مُسْلِمٍ، وَفِيهِ تَرْبِيعُ التَّكْبِيرِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَامِرٍ، وَفِيهَا التَّرْبِيعُ، قَالَ: وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِهِ الْمُخَرَّجِ عَلَى كِتَابِ مُسْلِمٍ مِنْ جِهَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ. وَأَبِي مُوسَى. وَإِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، كُلُّهُمْ عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، وَفِيهِ التَّرْبِيعُ، قَالَ: وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ بِسَنَدِهِ، وَفِيهِ التَّرْبِيعُ، قَالَ: وَزَعَمَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ أَنَّ الصَّحِيحَ عَنْ عَامِرٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، إنَّمَا هُوَ التَّرْبِيعُ، هَكَذَا رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ: مِنْهُمْ عَفَّانَ. وَسَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ. وَحَجَّاجٌ، وَبِذَلِكَ يَصِحُّ كَوْنُ الْأَذَانِ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، كَمَا وَرَدَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام عَلَّمَهُ التَّأْذِينَ، وَفِيهِ التَّرْبِيعُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ السَّائِبِ أَخْبَرَنِي أَبِي. وَأُمُّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي مَحْذُورَةَ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، وَفِيهِ التَّرْبِيعُ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَهُوَ مَعْلُولٌ بِجَهَالَةِ حَالِ ابْنِ السَّائِبِ1 وَأَبِيهِ. وَأُمُّ عَبْدِ الْمَلِكِ، انْتَهَى. وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي قِصَّةِ الْمَنَامِ، وَفِيهِ التَّرْبِيعُ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَفِيهِ التربيع، وعله ابْنُ الْقَطَّانِ بِجَهَالَةِ حَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَضَعْفِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ: مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، إذْ عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ بِمَكَّةَ عَامَ حُنَيْنٍ، فَرُوِيَ عَنْهُ فِيهِ تَرْبِيعُ التَّكْبِيرِ فِي أَوَّلِهِ، وَرُوِيَ عَنْهُ فِيهِ بِتَثْنِيَةٍ، وَالتَّرْبِيعُ فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ، وَهِيَ زِيَادَةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا، وَالْعَمَلُ عِنْدَهُمْ بِمَكَّةَ فِي آلِ أَبِي مَحْذُورَةَ بِذَلِكَ إلَى زَمَانِنَا، وَهُوَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي قِصَّةِ الْمَنَامِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَأَحْمَدُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: حَدِيثُ أَذَانِ الْمَلَكِ النَّازِلِ مِنْ السَّمَاءِ، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1 مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ، طَافَ بِي - وَأَنَا نَائِمٌ - رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْت: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْت: نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّك عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْت: بَلَى، قَالَ: فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ قَالَ: تَقُولُ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْت أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْت، فَقَالَ: "إنَّهَا لِرُؤْيَا حَقٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ، فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْت، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك"، فَقُمْت مَعَ بِلَالٍ، فَجَعَلْت ألقيه لإليه، وَيُؤَذِّنُ بِهِ، قَالَ: فَسَمِعَ عُمَرُ ذَلِكَ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَجَعَلَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، وَيَقُولُ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ مَا رَأَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَلِلَّهِ الْحَمْدُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَلَا الْإِقَامَةِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ لَفْظَ الْإِقَامَةِ، وَزَادَ فِيهِ شِعْرًا، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالتِّسْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَذَكَرَهُ بِتَمَامِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: لَيْسَ فِي أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي فَضْلِ الْأَذَانِ أَصَحَّ مِنْ هَذَا، لِأَنَّ محمداً بن يحيى سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ يَقُولُ: لَيْسَ فِي أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ، إلَى آخِرِ لَفْظِ الْبَيْهَقِيّ، وَزَادَ: خَبَرُ ابْنِ إسْحَاقَ هَذَا ثَابِتٌ صَحِيحٌ، لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا دَلَّسَهُ ابْنُ إسْحَاقَ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ2 وَزَادَ فِي آخِرِهِ: ثُمَّ أَمَرَ بِالتَّأْذِينِ، وَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ بِذَلِكَ، وَيَدْعُو رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: فَجَاءَهُ ذَاتَ غَدَاةٍ فَدَعَاهُ إلَى الْفَجْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَائِمٌ، قَالَ: فَصَرَخَ بِلَالٌ بِأَعْلَى
صَوْتِهِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، قَالَ سَعِيدٌ: فَأُدْخِلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي التَّأْذِينِ إلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ، انْتَهَى. رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ بِنَحْوِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 - فِي فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ -: وَإِنَّمَا اشْتَهَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ بِحَدِيثِ الْأَذَانِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ لِاخْتِلَافِ النَّاقِلِينَ فِي أَسَانِيدِهِ، وَقَدْ تَدَاوَلَهُ فُقَهَاءُ الْإِسْلَامِ بِالْقَبُولِ، وَأَمْثَلُ الرِّوَايَاتِ فِيهِ رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا أَنَّ سَعِيدًا لَمْ يُلْحِقْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ فِي أَوَاخِرِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ. حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَشْهُورٌ، رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ. وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ. وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ. وَغَيْرُهُمْ، وَأَمَّا أَخْبَارُ الْكُوفِيِّينَ فِي هَذَا الْبَابِ فَمَدَارُهَا عَلَى حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَمَّا رِوَايَةُ وَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ آبَائِهِمْ عَنْهُ، فَغَيْرُ مُسْتَقِيمَةِ الْأَسَانِيدِ، وَقَدْ أَسْنَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هَذَا حَدِيثًا غَيْرَ هَذَا، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الَّذِي أُرِيَ الْأَذَانَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا حَائِطِي صَدَقَةٌ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَجَاءَ أَبَوَاهُ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ قِوَامَ عَيْشِنَا، فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمَا، ثُمَّ مَاتَا فَوَرِثَهُمَا ابْنُهُمَا بَعْدُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَهَذَا فِيهِ إرْسَالٌ انْتَهَى. وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُعْرَفُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ إلَّا حَدِيثُ الْأَذَانِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ فِي أَنَّ الْأَذَانَ كَانَ وَحْيًا لَا مَنَامًا، رَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَخْلَدٍ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُعَلِّمَ رسوله الأذان أتاه جبرئيل عليه السلام بِدَابَّةٍ يُقَالُ لَهَا: الْبُرَاقُ، فَذَهَبَ يَرْكَبُهَا فَاسْتَصْعَبَتْ، فَقَالَ لَهَا: "اُسْكُنِي، فَوَاَللَّهِ مَا رَكِبَك عَبْدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ مُحَمَّدٍ"، قَالَ: فَرَكِبَهَا حَتَّى انْتَهَى إلَى الْحِجَابِ الَّذِي يَلِي الرَّحْمَنَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فبينا هُوَ كَذَلِكَ إذْ خَرَجَ مَلَكٌ مِنْ الْحِجَابِ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا جبرئيل مَنْ هَذَا؟ " قَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنِّي لَأَقْرَبُ الْخَلْقِ مَكَانًا، وَأَنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا رَأَيْتَهُ مُنْذُ خُلِقْت قَبْلَ سَاعَتِي هَذِهِ، فَقَالَ الْمَلَكُ: اللَّهُ أَكْبَرُ.
اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: صَدَقَ عبدي، أَنَا أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ الْمَلَكُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: صَدَقَ عَبْدِي، أَنَا لَا إلَهَ إلَّا أَنَا، ثُمَّ قَالَ الْمَلَكُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَقِيلَ لَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: صَدَقَ عَبْدِي، أَنَا أَرْسَلْت مُحَمَّدًا، ثُمَّ قَالَ الْمَلَكُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، ثُمَّ قَالَ الْمَلَكُ: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقِيلَ لَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: صَدَقَ عَبْدِي، أَنَا أَكْبَرُ أَنَا أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قَالَ: فَقِيلَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: صَدَقَ عَبْدِي، أَنَا لَا إلَهَ إلَّا أَنَا، قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ الْمَلَكُ بِيَدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَّمَهُ، فَأَمَّ أَهْلَ السَّمَاءِ: فَمِنْهُمْ1 آدَم. وَنُوحٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ عَلِيٍّ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَزِيَادُ بْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ شِيعِيَّةٌ2 وَقَدْ رَوَى عَنْهُ مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ. وَغَيْرُهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُهُ فِي الْإِمَامِ إلَّا لِلْأَصْبَهَانِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَالْخَبَرُ الصَّحِيحُ أَنَّ بَدْءَ الْأَذَانِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ وَيَتَحَيَّنُونَ بِالصَّلَاةِ، وَلَيْسَ يُنَادِي لَهَا أَحَدٌ، فَتَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ، الْحَدِيثُ. فَائِدَةٌ أُخْرَى، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: قَدْ اُشْتُهِرَ فِي خَبَرِ الرُّؤْيَا فِي الْأَذَانِ كَلِمَةُ الشَّهَادَتَيْنِ، وَأَمْرُهُ عليه السلام لِبِلَالٍ بِهَا، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَوَّلُ مَا أُذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ عُمَرُ: قُلْ فِي إثْرِهَا: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "قُلْ كَمَا أَمَرَك عُمَرُ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ قَالَ فِيهِ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ. أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ - فِي الْفَضَائِلِ عَنْ نُوحِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ الْبَهِيِّ بن سُفْيَانَ بْنِ اللَّيْلِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ مَا كَانَ قَدِمْت عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، قَالَ: فَتَذَاكَرْنَا عِنْدَهُ الْأَذَانَ، فَقَالَ بَعْضُنَا: إنَّمَا كَانَ بَدْءُ الْأَذَانِ رُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: إنَّ شَأْنَ الْأَذَانِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، أذّن جبرئيل فِي السَّمَاءِ مَثْنَى مَثْنَى، وَعَلَّمَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقَامَ مَرَّةً مَرَّةً، فَعَلَّمَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَذَّنَ بِهِ الْحَسَنُ حَتَّى وَلَّى، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: نُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ كَذَّابٌ، انْتَهَى
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا النُّعْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَاهَانَ حَدَّثَنِي أَبِي ثَنَا طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ إلَى السَّمَاءِ أُوحِيَ إلَيْهِ بِالْأَذَانِ، فَنَزَلَ بِهِ، فعلمه جبرئيل، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَاهَانَ الْوَاسِطِيُّ , انْتَهَى. وَرَوَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَنِيفَةَ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا عَمِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَاهَانَ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا أَبِي بِهِ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ1، قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّهُ لَا تَرْجِيعَ فِيهِ فِي الْمَشَاهِيرِ قُلْت: فيه أحاديث: منها عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِأَلْفَاظِهِ وَطُرُقِهِ، ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ هُوَ أَصْلُ التَّأْذِينِ. وَلَيْسَ فِيهِ تَرْجِيعٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّرْجِيعَ غَيْرُ مَسْنُونٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد2. وَالنَّسَائِيُّ3 مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا جَعْفَرٍ مُؤَذِّنَ مَسْجِدِ الْعُرْبَانِ فِي مَسْجِدِ بَنِي هِلَالٍ - يُحَدِّثُ عَنْ مُسْلِمٍ أَبِي الْمُثَنَّى مُؤَذِّنِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً، غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، فَكُنَّا إذَا سَمِعْنَا الْإِقَامَةَ تَوَضَّأْنَا، ثُمَّ خَرَجْنَا إلَى الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ4 وَالْبَيْهَقِيِّ فِي سُنَنِهِمَا أَخْرَجَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الصَّيَّادِ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، سَعِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَغَيْرُهُ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَرْجِيعٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِمَامِ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أبي سَعِيدِ: بْنُ الْمُغِيرَةِ ثِقَةٌ، وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ: مَثْنَى مَثْنَى، وَالْإِقَامَةُ فُرَادَى، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيِّ ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، قَالَ: سَمِعْت جَدِّي عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي مَحْذُورَةَ يَقُولُ: إنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ أَبَا مَحْذُورَةَ يَقُولُ: أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ حَرْفًا حَرْفًا: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، إلَى آخِرِهِ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ تَرْجِيعًا، وَهَذَا مُعَارِضٌ لِلرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي عِنْدَ مُسْلِمٍ. وَغَيْرِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، فَذَكَرَهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَفِيهِ تَرْجِيعٌ.
الْحَدِيثُ الثاني: حدثنا أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُ عليه السلام أمر بِالتَّرْجِيعِ، قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا الْبُخَارِيَّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الْأَذَانَ: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. أَشْهَد أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ , أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ , أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ , أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ , حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، انْتَهَى. وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِمْ2: عَلَّمَهُ الأذان تسعة عشر كَلِمَةً، فَذَكَرَهَا، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد3: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي سُنَّةَ الْأَذَانِ، قَالَ: تَقُولُ: "اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ تَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، تَخْفِضُ بِهِمَا صَوْتَك، ثُمَّ تَرْفَعُ صَوْتَك بِهِمَا" 4 الْحَدِيثُ، وَهُوَ لَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَاخْتَصَرَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْعَدَهُ وَأَلْقَى عَلَيْهِ الْأَذَانَ حَرْفًا حَرْفًا، قَالَ بِشْرٌ: فَقُلْت لَهُ: أَعِدْ عَلَيَّ، فَوَصَفَ الْأَذَانَ بِالتَّرْجِيعِ، انْتَهَى. وَطَوَّلَهُ النَّسَائِيّ. وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَوَّلُهُ: خَرَجْت فِي نَفَرٍ، فَلَمَّا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي: ارْجِعْ فَامْدُدْ مِنْ صَوْتِك، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، الْحَدِيثُ، قَوْلُهُ: وَكَانَ مَا رَوَاهُ تَعْلِيمًا، فَظَنَّهُ تَرْجِيعًا، هَذَا فِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ5: يُحْتَمَلُ أَنَّ التَّرْجِيعَ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّ أبا محذورة لم يَمُدُّ بِذَلِكَ صَوْتَهُ، كَمَا أراده النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عليه السلام: "ارْجِعْ فَامْدُدْ مِنْ صَوْتِك"، وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا قَالَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: إنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ كَانَ كَافِرًا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ، فَلَمَّا أَسْلَمَ وَلَقَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ أَعَادَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ، وَكَرَّرَهَا لِتَثْبُتَ عِنْدَهُ وَيَحْفَظَهَا، وَيُكَرِّرَهَا عَلَى أَصْحَابِهِ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنْفِرُونَ مِنْهَا، خِلَافَ نُفُورِهِمْ مِنْ غَيْرِهَا، فَلَمَّا كَرَّرَهَا عَلَيْهِ ظَنَّهَا مِنْ الْأَذَانِ فَعَدَّهُ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَأَيْضًا فَأَذَانُ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَلَيْهِ أَهْلُ مَكَّةَ، وَمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْعَمَلُ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ مِنْ الْأُمُورِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مُتَقَارِبَةٌ فِي الْمَعْنَى، وَيَرُدُّهَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي سُنَّةَ الْأَذَانِ، وَفِيهِ: ثُمَّ تَقُولُ: " أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، تَخْفِضُ بِهَا صَوْتَك، ثُمَّ تَرْفَعُ صَوْتَك بِهَا" فَجَعَلَهُ مِنْ سُنَّةِ الْأَذَانِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي صَحِيحِ - ابْنِ حِبَّانَ،
وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ1 لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ تَرْجِيعٌ، وَسَيَأْتِي. حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخَصْمِ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدِ الْقَرَظِ عَنْ سَعْدِ الْقَرَظِ أَنَّهُ وَصَفَ أَذَانَ بِلَالٍ، وَفِيهِ التَّرْجِيعُ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: هَذَا لَا يَصِحُّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ بِلَالًا كَانَ لَا يرجع3 وعبد الله بن مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ سَعْدِ الْقَرَظِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِيهِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ4 انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا رضي الله عنه، قَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، حِينَ وَجَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاقِدًا، فَقَالَ عليه السلام: "مَا أَحْسَنَ هَذَا يَا بِلَالُ، اجْعَلْهُ فِي أَذَانِك". قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ الْمَكِّيُّ ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يونس بن زيد عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْذِنُهُ بِالصُّبْحِ فَوَجَدَهُ رَاقِدًا، فَقَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَا أَحْسَنَ هَذَا يَا بِلَالُ، اجْعَلْهُ فِي أَذَانِك"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ فِي بَابِ الْبَاءِ - فِي تَرْجَمَةِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ بِلَالٍ وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو الشَّيْخِ ابْنُ حَيَّانَ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ - لَهُ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ ثَنَا محمد بن موسى الجرشي ثَنَا خَلَفُ الْحَزَّانُ يَعْنِي البكتا قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: جَاءَ بِلَالٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَوَجَدَهُ قَدْ أَغَفَا، فَقَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، فَقَالَ: "اجْعَلْهُ فِي أَذَانِك إذَا أَذَّنْت لِلصُّبْحِ"، فَجَعَلَ بِلَالٌ يَقُولُهَا إذَا أَذَّنَ لِلصُّبْحِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ، رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ5 حَدَّثَنَا عمرو بْنُ رَافِعٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْذِنُهُ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، فَقِيلَ: هُوَ نَائِمٌ، فَقَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ. الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، فَأُقِرَّتْ فِي تَأْذِينِ الْفَجْرِ، فَثَبَتَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ والدارقطني6 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ7 فِي سُنَنِهِمَا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُ أَذَّنَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، فَكَانَ يَقُولُ فِي أَذَانِهِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. حَدِيثٌ آخَرُ، أخرجه الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ عَمْرِو بْنِ صَالِحٍ الثَّقَفِيِّ ثَنَا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَ بِلَالٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْذِنُهُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَهُ نَائِمًا، فَقَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، فَأُقِرَّتْ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ1 عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ إلَى الزُّهْرِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ الْمُؤَذِّنِ أَنَّ سَعْدًا كَانَ يُؤَذِّنُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ حَفْصٌ: فَحَدَّثَنِي أَهْلِي أَنَّ بِلَالًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، فَقَالُوا: إنَّهُ نَائِمٌ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، فَأُقِرَّتْ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، انْتَهَى. وَقَالَ: هَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ، وَالطَّرِيقُ لَهُ صَحِيحٌ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَأَهْلُ حَفْصٍ غَيْرُ مُسَمِّينَ، فَهُمْ مَجْهُولُونَ. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا أَبِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَشَارَ النَّاسَ لِمَا يُهِمُّهُمْ إلَى الصَّلَاةِ، فَذُكِرَ الْبُوقُ، فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ الْيَهُودِ، ثُمَّ ذَكَرُوا النَّاقُوسَ، فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ النَّصَارَى، فَأُرِيَ النِّدَاءَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ. وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَطَرَقَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ عليه السلام بِلَالًا فَأَذَّنَ بِهِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَزَادَ بِلَالٌ فِي نِدَاءِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّه قَدْ رَأَيْت مِثْلَ الَّذِي رَأَى، وَلَكِنَّهُ سَبَقَنِي، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَمُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ هَذَا تكلم فيه. انتهى. حَدِيثٌ آخَرُ، فِي حَدِيثِ أبي محذورة عند أَبِي دَاوُد، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي سُنَّةَ الْأَذَانِ، وَفِي آخِرِهِ: فَإِنْ كَانَ صَلَاةُ الصُّبْحِ، قُلْت: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ. الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ2 حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِ أَبِي دَاوُد، وَزَادَ
فِي آخِرِهِ: ثُمَّ أُمِرَ بِالتَّأْذِينِ، فَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ بِذَلِكَ، ويدعو رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصَّلَاةِ، قال: فجاء ذَاتَ غَدَاةٍ فَدَعَاهُ إلَى الْفَجْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَائِمٌ، فَصَرَخَ بِلَالٌ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، قَالَ سَعِيدٌ: فَأُدْخِلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي التَّأْذِينِ إلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَذَانِ الْمَلَكِ النَّازِلِ مِنْ السَّمَاءِ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ: أَمْثَلُ الرِّوَايَاتِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ، فَإِنَّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ مِنْ الزُّهْرِيِّ، فَبَقِيَ فِيهِ شُبْهَةُ التَّدْلِيسِ، قَالَهُ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ الْمَلَكَ النَّازِلَ مِنْ السَّمَاءِ أَقَامَ بِصِفَةِ الْأَذَانِ يَعْنِي مَثْنَى مَثْنَى وَزَادَ: بَعْدَ الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1 مِنْ حَدِيثِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: أُحِيلَتْ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، وَأُحِيلَ الصِّيَامُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، إلَى أَنْ قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَقَالَ فِيهِ: فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَعْنِي الْمَلَكَ، وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ أُمْهِلَ هُنَيَّة، ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ مِثْلُهَا، إلَّا أَنَّهُ زاد بعد ما قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقِّنْهَا بِلَالًا" فَأَذَّنَ بِهَا بِلَالٌ، مُخْتَصَرٌ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَقَدْ أَعْجَبَنِي أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدَةً، حَتَّى لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَبُثَّ رِجَالًا فِي الدُّورِ يُنَادُونَ النَّاسَ بِحِينِ الصَّلَاةِ، وَحَتَّى هَمَمْت أَنْ آمُرَ رِجَالًا يَقُومُونَ عَلَى الْآطَامِ يُنَادُونَ بِحِينِ الصَّلَاةِ، حَتَّى نَقَسُوا2 أَوْ كَادُوا أَنْ يَنْقُسُوا"، فَقَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: يا رسو ل اللَّهِ إنِّي لَمَّا رَجَعْت - لَمَّا رَأَيْت مِنْ اهْتِمَامِك - رَأَيْت رَجُلًا كَأَنَّ عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ أَخْضَرَيْنِ، فَقَامَ عَلَى الْمَسْجِدِ، فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ مِثْلَهَا، إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، وَلَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى، أَنْ يَقُولُوا، لَقُلْت: إنِّي كُنْت يَقْظَانَ غَيْرَ نَائِمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ أَرَاك اللَّهُ خَيْرًا، فَمُرْ بِلَالًا فَلْيُؤَذِّنْ"، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا إنِّي قَدْ رَأَيْت مِثْلَ الَّذِي رَأَى، وَلَكِنْ لَمَّا سُبِقْت استحيت، قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ إذَا جَاءَ يَسْأَلُ فَيُخْبِرُ بِمَا سَبَقَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَأَنَّهُمْ قَامُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ قَائِمٍ وَرَاكِعٍ وَقَاعِدٍ وَمُصَلٍّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَجَاءَ مُعَاذٌ، فَأَشَارُوا إلَيْهِ،
قَالَ: فَقَالَ مُعَاذٌ: لَا أَرَاهُ عَلَى حَالٍ إلَّا كُنْت عَلَيْهَا، قَالَ: فَقَالَ: إنَّ مُعَاذًا قَدْ سَنَّ لَكُمْ سُنَّةً كَذَلِكَ فَافْعَلُوا، مُخْتَصَرٌ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ نَحْوُهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ: حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زيد1 وروى عنه عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ، قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ، وَلَا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمَا وَلَا مِنْ بِلَالٍ، فَإِنَّ مُعَاذًا تُوُفِّيَ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ سَنَةَ ثَمَانَ عَشْرَةَ، وَبِلَالٌ تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ سَنَة عِشْرِينَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وُلِدَ لِسِتٍّ بَقَيْنَ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ. وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ، فَثَبَتَ انْقِطَاعُ حَدِيثِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا2 إنْ أَرَادَ الصَّحَابَةَ، فَهُوَ قَدْ سَمِعَ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُسْنَدًا، وَإِلَّا فَهُوَ مُرْسَلٌ، انْتَهَى. قُلْت: أَرَادَ بِهِ الصَّحَابَةَ، صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ3 فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْت فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَجُلًا قَامَ، وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ، فَقَامَ عَلَى حَائِطٍ، فَأَذَّنَ مَثْنَى مَثْنَى، وَأَقَامَ مَثْنَى مَثْنَى، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ وَكِيعٍ بِهِ، قَالَ فِي الْإِمَامِ4: وَهَذَا رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَهُوَ مُتَّصِلٌ عَلَى مَذْهَبِ الْجَمَاعَةِ فِي عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ، وَأَنَّ جَهَالَةَ أَسْمَاءَهُمْ لَا تَضُرُّ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ5 مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: كَانَ أَذَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفْعًا شَفْعًا فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا6 عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ أَنَّ مَكْحُولًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَيْرِيزٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ حَدَّثَهُ، قَالَ: عَلَّمَنِي رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ تسعة عشر كَلِمَةً، وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، فَذَكَرَ الْأَذَانَ مُفَسَّرًا بِتَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ أَوَّلَهُ، وَفِيهِ التَّرْجِيعُ، وَالْإِقَامَةُ مِثْلُهُ، وَزَادَ فِيهَا: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ1 وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا، لَمْ يَذْكُرَا فِيهِ لَفْظَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، إلَّا أَنَّ النَّسَائِيّ قَالَ: ثُمَّ عَدَّهَا أَبُو مَحْذُورَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَسَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ: فَعَلَّمَهُ الْأَذَانَ، وَالْإِقَامَةَ مَثْنَى مَثْنَى، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا السَّنَدُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَهَمَّامُ بْنُ يَحْيَى احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَاعْتَرَضَ الْبَيْهَقِيُّ2، وَقَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ، دُونَ ذِكْرِ الْإِقَامَةِ، كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَهَذَا الْخَبَرُ عِنْدِي غَيْرُ مَحْفُوظٍ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ مُسْلِمًا لَمْ يُخَرِّجْهُ، وَلَوْ كَانَ مَحْفُوظًا لَمَا تَرَكَهُ مُسْلِمٌ. الثَّانِي: أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ. الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَمْ يَدُمْ عَلَيْهِ أَبُو مَحْذُورَةَ، وَلَا أَوْلَادُهُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا حُكْمًا ثَابِتًا لَمَا فَعَلُوا بِخِلَافِهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، قَالَ: أَدْرَكْت أَبِي وَجَدِّي يُؤَذِّنُونَ هَذَا الْأَذَانَ وَيُقِيمُونَ هَذِهِ الْإِقَامَةَ، فَذَكَرَ الْأَذَانَ مُفَسَّرًا بِتَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ أَوَّلَهُ، وَتَثْنِيَةَ الشَّهَادَتَيْنِ، ثُمَّ يُرَجِّعُ بِهَا مَثْنَى مَثْنَى، وَتَثْنِيَةُ الْحَيْعَلَتَيْنِ. وَالتَّكْبِيرِ، وَيَخْتِمُ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَالْإِقَامَةُ فُرَادَى، وَتَثْنِيَةُ التَّكْبِيرِ، أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا، وَأَجَابَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ بِأَنَّ عَدَمَ تَخْرِيجِ مُسْلِمٍ لَهُ لَيْسَ بِمُقْتَضٍ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ إخْرَاجَ كُلِّ الصَّحِيحِ، وَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَاتِ وَلَدِ أَبِي مَحْذُورَةَ، فَلَمْ يَقَعْ لَهَا فِي الصَّحِيحِ ذِكْرٌ، ثُمَّ إنَّ لِحَدِيثِ هَمَّامٍ تَرْجِيحَاتٍ: أحددها: أَنَّ رِجَالَهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَأَنَّ أَوْلَادَ أَبِي مَحْذُورَةَ لَمْ يُخَرَّجْ لَهُمْ فِي الصَّحِيحِ. الثَّانِي: أَنَّ فِيهِ ذكر الكلمات تسع عشر. وسبع عشر، وَهَذَا يَنْفِي الْغَلَطَ فِي الْعَدَدِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الرِّوَايَاتِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِيهَا اخْتِلَافٌ وَإِسْقَاطٌ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ مُتَابَعَةً لهمام فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَامِرٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، قَالَ: عَلَّمَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ تسع عشر كَلِمَةً، وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَ كلمة، ثم إنه معارض بِتَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ لَهُ، وَقَوْلُهُ: إنَّ هَذَا لَمْ يَدُمْ عَلَيْهِ أَبُو مَحْذُورَةَ، فَهَذَا دَاخِلٌ فِي بَابِ التَّرْجِيحِ، لَا فِي بَابِ التَّضْعِيفِ، لِأَنَّ عُمْدَةَ التَّصْحِيحِ عَدَالَةُ الرَّاوِي، وَتَرْكُ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ لِوُجُودِ مَا هُوَ أَرْجَحُ مِنْهُ، لَا يَلْزَمُ مِنْهُ ضَعْفُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَنْسُوخَةَ يُحْكَمُ بِصِحَّتِهَا إذَا
كَانَتْ رُوَاتُهَا عُدُولًا، وَلَا يُعْمَلُ بِهَا لِوُجُودِ النَّاسِخِ، وَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى التَّرْجِيحِ فَقَدْ تَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ، فَالْبَيْهَقِيُّ صَدَّرَ كَلَامَهُ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحَدِيثَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَفِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ، كَلَامُهُ. وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي دَاوُد1، أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ السَّائِبِ أَخْبَرَنِي أَبِي، وَأُمُّ عَبْدِ الْمَلِكِ بن أَبِي مَحْذُورَةَ، وَفِيهِ: وَعَلَّمَنِي الْإِقَامَةَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَهَا مُفَسَّرَةً، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ2 أَخْرَجَهُ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا مَحْذُورَةَ يُؤَذِّنُ مَثْنَى مَثْنَى، وَيُقِيمُ مَثْنَى مَثْنَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ ثِقَةٌ، قَالَ: وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَاكِمِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا مَحْذُورَةَ3. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُثَنِّي الْأَذَانَ، وَيُثَنِّي الْإِقَامَةَ، وَكَانَ يَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ وَيَخْتِمُ بِالتَّكْبِيرِ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ4 وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْأَسْوَدُ لَمْ يُدْرِكْ بِلَالًا، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ لِلْأَسْوَدِ عَنْ بِلَالٍ حَدِيثًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ سَوَاءً مَثْنَى مَثْنَى، وَكَانَ يَجْعَلُ إصْبَعَهُ فِي أُذُنِهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيِّ ثَنَا إدْرِيسُ الْأَوْدِيُّ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثْنَى مَثْنَى، وَيُقِيمُ مَثْنَى مَثْنَى، انْتَهَى. وَزِيَادُ الْبَكَّائِيُّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَا أَرْوِي عَنْهُ، وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَدُوقٌ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ بِزِيَادٍ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ وَكِيعٌ: هُوَ أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ، انْتَهَى. وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَرَوَاهُ لَهُ الْبُخَارِيُّ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ. الْآثَارُ، رَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ
مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ1 عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ كَانَ يُثَنِّي الْإِقَامَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ ثَوْبَانُ يُؤَذِّنُ مَثْنَى، وَيُقِيمُ مَثْنَى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ فِي الْإِقَامَةِ: مَرَّةً مَرَّةً إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ أَحْدَثَهُ الْأُمَرَاءُ، وَإِنَّ الْأَصْلَ هُوَ التَّثْنِيَةُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ مَرْفُوعٌ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الرَّازِيُّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ، قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ أُرِيَ الْأَذَانَ مَثْنَى مَثْنَى، وَالْإِقَامَةَ مَثْنَى مَثْنَى، قَالَ: فَأَتَيْت النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "عَلِّمْهُنَّ بِلَالًا"، فَعَلَّمْتُهُنَّ بِلَالًا، قَالَ: فَتَقَدَّمْت، فَأَمَرَنِي أَنْ أُقِيمَ، فَأَقَمْت، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا فِي مَتْنِهِ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ أَبَا أُسَامَةَ أَتَى فِيهِ بِشَيْءٍ لَمْ يَرَوْهُ أَحَدٌ، وَهُوَ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ أَقَامَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ تَثْنِيَةَ الْإِقَامَةِ، وَعَبْدُ السَّلَامِ أَعْلَمُ الْكُوفِيِّينَ بِحَدِيثِ أَبِي الْعُمَيْسِ، وَأَكْثَرُهُمْ عَنْهُ رِوَايَةً، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَحَدِيثُ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَعَمَّا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَاكِمِ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الرَّاوِيَ إذَا كَانَ ثِقَةً يُقْبَلُ مَا يَتَفَرَّدُ بِهِ، وَأَبُو أُسَامَةَ لَا يُسْأَلُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ ثِقَةٌ عِنْدَهُمْ: وَمُخَرَّجٌ لَهُ فِي الصَّحِيحِ، وَالرَّاوِي عَنْهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الرَّازِيُّ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِيهِ: صَدُوقٌ، وَالرَّاوِي عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ، وَعَنْهُ الْحَاكِمُ، وَهَؤُلَاءِ أَعْلَامٌ مَشَاهِيرُ. الثَّانِي: أَنَّ أَبَا أُسَامَةَ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ، فَإِنَّ عَبْدَ السَّلَامِ بْنَ حَرْبٍ الَّذِي قَالَ الْحَاكِمُ: إنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْإِقَامَةَ، قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَفِيهِ إقَامَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ بَعْدَ أَذَانِ بِلَالٍ، هَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَرَوَاهُ أَبُو حَفْصِ بْنُ شَاهِينَ2 مِنْ جِهَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيِّ3 عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ عَبْدِ الله بن محمد عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ حِينَ أُرِيَ الْأَذَانَ أَمَرَ بِلَالًا، فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ فَأَقَامَ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ4 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَذَانِ أَشْيَاءَ يَصْنَعُ مِنْهَا شَيْئًا، قَالَ: فَأُرِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْأَذَانَ فِي الْمَنَامِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: "أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ" فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ، فَأَذَّنَ بِلَالٌ، فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ: أَنَا رَأَيْتُهُ، وَأَنَا كُنْت أُرِيدُهُ، قَالَ: فَأَقِمْ أَنْتَ، انْتَهَى. قَالَ الْحَازِمِيُّ1: هَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ، وَاسْتِشْهَادُهُ بِحَدِيثِ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ اسْتِدْلَالٌ بِالْمُعَارَضَةِ، وَلَيْسَتْ الْمُعَارَضَةُ بِمُوجِبَةٍ لِبُطْلَانِ الْمُعَارَضِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ، قَالَ: أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ2: وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْفُقَهَاءِ، وَالْأُصُولِيِّينَ أَنَّ قَوْلَ الرَّاوِي: أُمِرَ، أَوْ أُمِرْنَا مُلْحَقٌ بِالْمُسْنَدِ3. لَكِنَّهُ وَرَدَ بِصِيغَةِ الرَّفْعِ، كَمَا رَوَى قُتَيْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ، إلَّا أَنَّ ابْنَ أَبِي حَاتِمٍ4، ذَكَرَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، انْتَهَى. لَمْ يَذْكُرْ مَنْ خَرَّجَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ5. وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ التَّرْجِيعِ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَيُوتِرَ الإقامة، انتهى. أخرجه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ أَبَاهُ بِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ أَذَانَ بِلَالٍ كَانَ مَثْنَى مَثْنَى، وَإِقَامَتَهُ مُفْرَدَةٌ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بن أبي حيثمة عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا: ضَعِيفٌ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ مَعْمَرٍ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ حَدَّثَنِي أبي محمد عن أبي عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: رَأَيْت بِلَالًا يُؤَذِّنُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثْنَى مَثْنَى، وَيُقِيمُ وَاحِدَةً، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَمَعْمَرٌ هَذَا مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ يزيد بن أبي عبيد عن سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثْنَى مَثْنَى، وَالْإِقَامَةُ فُرَادَى، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثْنَى مَثْنَى، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً1، انْتَهَى. قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ2: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ الْإِقَامَةَ مِثْلُ الْأَذَانِ مَثْنَى مَثْنَى، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَهْلِ الْكُوفَةِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا أَخْبَرْنَا، وَأَسْنَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي. وَأُمُّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ خَرَجْت عَاشِرَ عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَطْلُبُهُمْ فَسَمِعْنَاهُمْ يُؤَذِّنُونَ بِالصَّلَاةِ، فَقُمْنَا نُؤَذِّنُ نَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ سَمِعْت فِي هَؤُلَاءِ تَأْذِينَ إنْسَانٍ حَسَنِ الصَّوْتِ" فَأَرْسَلَ إلَيْنَا فَجِئْنَا، فَأَذَّنَّا رَجُلًا رَجُلًا، وَكُنْت آخِرَهُمْ، فَقَالَ حِينَ أذنت: تعال فأجلسني ببين يَدَيْهِ وَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِي وَبَرَّكَ عَلَيَّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: "اذْهَبْ فَأَذِّنْ عِنْدَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ"، قُلْت: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَعَلَّمَنِي: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ. لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قَالَ: وَعَلَّمَنِي الْإِقَامَةَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ. لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ السَّائِبِ بِهَذَا الْخَبَرِ كُلِّهِ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ أُمِّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا ذَلِكَ مِنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، عَلَى شَرْطِ أَبِي دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيِّ. وَالنَّسَائِيُّ، وَجَعَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ نَاسِخًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ، قَالُوا: وَحَدِيثُ بِلَالٍ إنَّمَا كَانَ أَوَّلَ مَا شُرِعَ الْأَذَانُ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ، وَحَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ كَانَ عَامَ حُنَيْنٍ، وَبَيْنَهُمَا مُدَّةٌ مَدِيدَةٌ، وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مالك. والشافعي.
وَأَحْمَدُ، مُحْتَجِّينَ بِحَدِيثِ أَنَسٍ، قَالُوا: وَحَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لِهَذَا، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ أَصَحَّ سَنَدًا، وَأَقْوَى مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِ التَّرْجِيحِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَحَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ لَا يُوَازِي حَدِيثَ أَنَسٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، فَضْلًا عَنْ الْجِهَاتِ كُلِّهَا، مَعَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْحُفَّاظِ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي تَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، ثُمَّ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ1 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَخْبَرَنِي جَدِّي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مَحْذُورَةَ يَقُولُ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ أَدْرَكْت جَدِّي، وَأَبِي، وَأَهْلِي يُقِيمُونَ، فَيَقُولُونَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ. لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. وَحَكَى الشَّافِعِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ عَنْ وَلَدِ أَبِي مَحْذُورَةَ، وَفِي بَقَاءِ أَبِي مَحْذُورَةَ وَوَلَدِهِ عَلَى إفْرَادِ الْإِقَامَةِ،، دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى وَهْمٍ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ مِنْ تَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: الْحَدِيثُ إنَّمَا وَرَدَ فِي تَثْنِيَةِ كَلِمَةِ التَّكْبِيرِ، وَكَلِمَةِ الْإِقَامَةِ فَقَطْ، فَحَمَلَهَا بَعْضُ الرُّوَاةِ عَلَى جَمِيعِ كَلِمَاتِهَا، وَفِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ أُمِّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ كِلَيْهِمَا عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مَحْفُوظَةٌ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ ثَابِتٌ لَقُلْنَا بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، فَإِنَّ أَذَانَ بِلَالٍ هُوَ آخِرُ الْأَذَانَيْنِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَادَ مِنْ حُنَيْنٍ وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ أَقَرَّ بِلَالًا عَلَى أَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالِ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَنْبَأَ الْأَثْرَمُ، قَالَ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ: أَلَيْسَ حَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ بَعْدَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ؟ فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَى الْمَدِينَةِ فَأَقَرَّ بِلَالًا عَلَى أَذَانِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ؟ وَبِالْإِسْنَادِ، قَالَ الْخَلَّالُ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: نَاظَرْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فِي آذَانِ أَبِي مَحْذُورَةَ، فَقَالَ: نَعَمْ، قَدْ كَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ يُؤَذِّنُ، وَيُثْبِتُ تَثْنِيَةَ أَذَانِ أَبِي مَحْذُورَةَ، وَلَكِنَّ أَذَانَ بِلَالٍ هُوَ آخِرُ الْأَذَانِ، انْتَهَى كَلَامُ الْحَازِمِيِّ. وَاعْتَرَضَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: قَوْلَهُ: مِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ أَصَحَّ سَنَدًا وَأَقْوَى مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِ التَّرْجِيحِ، فَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ إنَّ مِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ مَا ذُكِرَ، بَلْ يَكْفِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا مُتَأَخِّرًا مُعَارِضًا غَيْرَ مُمْكِنٍ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَارِضِهِ، فَلَوْ فَرَضْنَاهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الصِّحَّةِ، وَوُجِدَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الشُّرُوطِ لَثَبَتَ النَّسْخُ، وَأَمَّا أَنَّهُ
يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ أَرْجَحَ مِنْ الْمُعَارِضِ فِي الصِّحَّةِ،، فَلَا نُسَلِّمُ، نَعَمْ لَوْ كَانَ دُونَهُ فِي الصِّحَّةِ، فَفِيهِ نَظَرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ تَثْنِيَةِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ، إلَّا الْإِقَامَةَ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: قَوْلُهُ: إلَّا الْإِقَامَةَ زِيَادَةٌ أَدْرَجَهَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ الْحَدِيثُ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ حَمَّادٍ، فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ2، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْنَدِهِ والدارقطني فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ بِلَالٌ يُثَنِّي الْأَذَانَ، وَيُوتِرُ الْإِقَامَةَ، إلَّا قَوْلَ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ مسلم أَبِي الْمُثَنَّى عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ. قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ. وَأَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَا أَعْرِفُهُ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَبُو الْمُثَنَّى مسلم بن المثنى، قيل: مِهْرَانُ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: كُوفِيٌّ ثِقَةٌ، انْتَهَى. مَا جَاءَ فِي إفْرَادِهَا أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ بلالاً أن يدخل إصبعه فِي أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: "إنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك"، وَأَنَّ أَذَانَ بِلَالٍ كَانَ مَثْنَى مَثْنَى، وَإِقَامَتَهُ مُفْرَدَةٌ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّةً وَاحِدَةً، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَدِيٍّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ هَذَا بِجَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ، فَهُوَ مَجْهُولٌ عِنْدَهُ، وَأَمَّا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فَذَكَرَ تَضْعِيفَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا. وَأَبُوهُ. وَجَدُّهُ كُلُّهُمْ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ حَالٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّ الْمَلَكَ النَّازِلَ مِنْ السَّمَاءِ أَذَّنَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قُلْت: تَقَدَّمَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ، وَقَالَ فِيهِ: فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَالَ:
اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، إلَى آخِرِهِ، وَرَوَى الْإِمَامُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيُّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَأَيْت رَجُلًا نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ، فَقَامَ عَلَى جَذْمِ حَائِطٍ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مَرَّتَيْنِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ عَنْ يَمِينِهِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ عَنْ يَسَارِهِ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً، ثُمَّ قَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، وَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَأَيْت مِثْلَ مَا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُ سَبَقَنِي، فَقَالَ: "عَلِّمْهَا بِلَالًا، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدِ الفرظ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ آبَائِهِ أَنَّ بِلَالًا كَانَ إذَا كَبَّرَ بِالْأَذَانِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي خثيمة، قَالَ: سُئِلَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ هَذَا، فَقَالَ: مَدَنِيٌّ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدِ الْقَرَظِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ سَعْدِ الْقَرَظِ، فَذَكَرَهُ، وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا. وَأَبُوهُ. وَجَدُّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ حَالٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَذَّنْت، فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْت، فَاحْدُرْ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ نُعَيْمٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِبِلَالٍ: "يَا بِلَالُ، إذَا أَذَّنْت، فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْت، فَاحْدُرْ، وَاجْعَلْ بَيْنَ آذَانِك وَإِقَامَتِك قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ، وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ، وَالْمُعْتَصِرُ إذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ، وَهُوَ إسْنَادٌ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَعَبْدُ الْمُنْعِمِ هَذَا ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ فَائِدٍ الْأُسْوَارِيِّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُسْلِمٍ بِهِ، سواءاً، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ فِي إسْنَادِهِ مَطْعُونٌ فِيهِ غَيْرُ عَمْرِو بْنِ فَائِدٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَعَمْرُو بْنُ فَائِدٍ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُسْلِمٍ بِهِ، وَقَالَ فِيهِ: فَاحْذِمْ - بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ -، وَأَسْنَدَ عَنْ يَحْيَى، قَالَ: يَحْيَى بْنُ مُسْلِمٍ بَصْرِيٌّ مَتْرُوكُ الحديث. انتهى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُرَتِّلَ الْأَذَانَ وَنَحْذِفَ الْإِقَامَةَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ مَرْحُومِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ - مُؤَذِّنِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ - قَالَ: جَاءَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: إذَا أَذَّنْت فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْت فَاحْذِمْ، انْتَهَى. وَعَبْدُ الْعَزِيزِ مَوْلَى آلِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْقُرَشِيِّ الْبَصْرِيِّ، ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ مَرْحُومٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ بِحَالِهِ، وَلَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ عَمْرِو بْنِ بَشِيرٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِلَالًا أَنْ يُرَتِّلَ الْأَذَانَ، وَيَحْدُرَ فِي الْإِقَامَةِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ السُّنَّةُ يَعْنِي تَحْوِيلَ الْوَجْهِ فِي الْأَذَانِ يَمِينًا وَشِمَالًا مَعَ ثَبَاتِ الْقَدَمَيْنِ، قُلْت: رَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ: الْبُخَارِيُّ فِي الْأَذَانِ1 وَمُسْلِمٌ فِي الصَّلَاةِ - فِي بَابِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ أَنَّهُ رَأَى بِلَالًا يُؤَذِّنُ، قَالَ: فَجَعَلْت أَتَتَبَّعُ فَاهُ ههنا وههنا بِالْأَذَانِ، يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّةً، وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ فِي الْأَذَانِ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: فَلَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَمْ يَسْتَدِرْ، ثُمَّ دَخَلَ، فَأَخْرَجَ الْعَنَزَةَ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَلَفْظُ الطَّبَرَانِيِّ فِيهِ: وَجَعَلَ يَقُولُ بِرَأْسِهِ. هَكَذَا. وَهَكَذَا، يَمِينًا وَشِمَالًا، حَتَّى فَرَغَ مِنْ أَذَانِهِ، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ2 فِيهِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ، قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْطَحِ، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ، فَخَرَجَ بِلَالٌ، فَأَذَّنَ فَاسْتَدَارَ فِي أَذَانِهِ، وَجَعَلَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ، وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: لَمْ يَذْكُرَا فِيهِ إدْخَالَ الْإِصْبَعَيْنِ فِي الْأُذُنَيْنِ، وَالِاسْتِدَارَةَ فِي الْأَذَانِ، وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا جَمِيعًا، انْتَهَى مَا وَجَدْته، كَمَا عَزَوَاهُ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ - فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ4 بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدِ الْقَرَظِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ سَعْدِ الْقَرَظِ، قَالَ: كَانَ بِلَالٌ إذَا كَبَّرَ بِالْأَذَانِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مَرَّتَيْنِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ، وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ يَنْحَرِفُ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ، فَيَقُولُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ
ثُمَّ يَنْحَرِفُ عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ، فَيَقُولُ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، فَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا الله، مختصر، وَسَكَتَ عَنْهُ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي أَفْرَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَشِيدٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن يزيغ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ عَنْ بِلَالٍ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَذَّنَّا أَوْ أَقَمْنَا أَنْ لَا نُزِيلَ أَقْدَامَنَا عَنْ مَوَاضِعِهَا، رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَرِّجٍ الجنديسابوري عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْهُ، وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ عَنْ بِلَالٍ، تَفَرَّدَ بِهِ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ عَنْهُ، وَتَفَرَّدَ بِهِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ طَلْحَةَ، وَتَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يزيغ عَنْ الْحَسَنِ، وَتَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَشِيدٍ عَنْهُ، انْتَهَى. مِنْ الْإِمَامِ. وأما الاستدارة، فَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ. وَالْحَاكِمِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَفِيهِ: فَاسْتَدَارَ فِي أَذَانِهِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ1 حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت بِلَالًا يُؤَذِّنُ، ويدور، ويتبع فاه ههنا وههنا، وَإِصْبَعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَاعْتَرَضَ الْبَيْهَقِيُّ2، فَقَالَ: الِاسْتِدَارَةُ فِي الْأَذَانِ لَيْسَتْ فِي الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَنَحْنُ نَتَوَهَّمُ أَنَّ سُفْيَانَ رَوَاهُ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَوْنٍ، وَالْحَجَّاجُ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وُهِمَ فِيهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ الِاسْتِدَارَةُ، وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عَوْنٍ، وَفِيهِ: وَلَمْ يَسْتَدِرْ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: أَمَّا كَوْنُهُ لَيْسَ مُخَرَّجًا فِي الصَّحِيحِ، فَغَيْرُ لَازِمٍ، وَقَدْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ، وَأَمَّا أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ وَهَمَ فِيهِ، فَقَدْ تَابَعَهُ مُؤَمَّلٌ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مُؤَمَّلٍ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ نَحْوُهُ، وَأَمَّا تَوَهُّمُهُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ فَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ، كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت بِلَالًا أَذَّنَ فَأَتْبَعَ فاه، ههنا وههنا، قَالَ يَحْيَى: قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ يَذْكُرُ عَنْ عَوْنٍ أَنَّهُ قَالَ: وَاسْتَدَارَ فِي أَذَانِهِ، فَلَمَّا لَقِينَا عَوْنًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: وَاسْتَدَارَ، وَأَيْضًا فَقَدْ جَاءَتْ الِاسْتِدَارَةُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْحَجَّاجِ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إدْرِيسَ الْأَوْدِيِّ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَقَامَ بِلَالٌ فَأَذَّنَ، وَجَعَلَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَجَعَلَ يَسْتَدِيرُ، وَذَكَرَ بَاقِيَهُ،
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ عَنْ حَمَّادٍ. وَهَيْثَمٍ جَمِيعًا عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَطْحَاءِ، فَوَضَعَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَجَعَلَ يَسْتَدِيرُ يَمِينًا وَشِمَالًا. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَجْعَلَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ حِينَ الْأَذَانِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ مُؤَذِّنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَجْعَلَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: "إنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ - فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ عَنْ عَبْدِ الله2 بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدِ الْقَرَظِ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَضَعَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: "إنه أرفع لصوتك"، مختصر، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: "إذَا أَذَّنْت فَاجْعَلْ إصْبَعَيْك فِي أُذُنَيْك، فَإِنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُدْخِلَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: "إنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك"، ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا، وَلَمْ يَذْكُرْهُ بِجَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ، فَهُوَ مَجْهُولٌ عِنْدَهُ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا: وَأَبُوهُ. وَجَدُّهُ كُلُّهُمْ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ حَالٌ، انْتَهَى. قَالَ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ السُّرُوجِيِّ فِي الْغَايَةِ رَوَى ابْنُ حَيَّانَ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَجْعَلَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَهَذَا لَيْسَ ابْنَ حِبَّانَ صَاحِبَ الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ حَيَّانَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ، رَوَاهُ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ وَهُوَ جُزْءٌ حَدِيثِيٌّ، وَأَبُو حَاتِمِ بْنِ حِبَّانَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ هُوَ صَاحِبُ الصَّحِيحِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا أَنَّ الْمَلَكَ حِينَ أَذَّنَ وَضَعَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: اهْتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْآذَانِ بِالصَّلَاةِ، وَكَانَ إذَا جَاءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ صَعِدَ رَجُلٌ يُشِيرُ بِيَدِهِ، فَمَنْ رَآهُ جَاءَ، وَمَنْ لَمْ يَرَهُ لَمْ يَعْلَمْ بِالصَّلَاةِ، فَاهْتَمَّ لِذَلِكَ هَمًّا شَدِيدًا، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمَرْت بِالنَّاقُوسِ؟ قَالَ: فِعْلُ النَّصَارَى، قَالُوا: فَالْبُوقُ؟ قَالَ: فِعْلُ الْيَهُودِ، قَالَ: فَرَجَعْت إلَى أَهْلِي، وَأَنَا مُغْتَمٌّ، لِمَا رَأَيْت مِنْ اغْتِمَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إذَا كَانَ قُبَيْلَ الْفَجْرِ رَأَيْت رَجُلًا عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، وَأَنَا بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقِظَانِ، فَقَامَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ،
فَجَعَلَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَنَادَى، الْحَدِيثُ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِيهِ انْقِطَاعٌ، قَوْلُهُ: وَالشَّافِعِيُّ رحمه الله يَفْصِلُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي الْمَغْرِبِ بِرَكْعَتَيْنِ، سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى أَحَادِيثِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ النَّوَافِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَلْيُؤَذِّنَّ لَكُمْ خِيَارُكُمْ"، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاةِ فِي بَابِ مَنْ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَذَانِ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ عِيسَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عباس، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِيُؤَذِّنْ لكم خياركم، ويؤمكم قرائكم"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عِيسَى تَفَرَّدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، وَحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ. وَأَبُو زُرْعَةَ الرّازيان، وَفِي الْإِمَامِ: وَرَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يُؤَذِّنْ لَكُمْ غُلَامٌ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ"، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُهُ، ثم قال: قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ: إبْرَاهِيمُ هَذَا وَثَّقَهُ الشَّافِعِيُّ خَاصَّةً، وَضَعَّفَهُ النَّاسُ، وَأَصْلَحُ مَا سَمِعْت فِيهِ مِنْ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ التَّثْوِيبِ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ عِنْدَنَا بِالْفَجْرِ، كَمَا ذكره فِي الْكِتَابِ، وَفِيهِ حَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ: أَحَدُهُمَا: لِلتِّرْمِذِيِّ. وَابْنِ مَاجَهْ1 عَنْ أَبِي إسْرَائِيلَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ بِلَالٍ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا أَثُوبَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي إسْرَائِيلَ الْمُلَائِيِّ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ الْحَكَمِ، إنَّمَا رَوَاهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ بِلَالٍ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا أَثُوبَ إلَّا فِي الْفَجْرِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ لَمْ يَلْقَ بلالاً، انتهى. ولكنت اخْتَلَفُوا فِي التَّثْوِيبِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ أَنْ يَقُولَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ الْبَاقُونَ: هُوَ قَوْلُهُ فِي الْأَذَانِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ. أَحَادِيثُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَذَّنَ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ مَالِكٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ. وَأَحْمَدُ: يُسْتَحَبُّ لَنَا: مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ أَبِي سَهْلٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ أُرِيَ الْأَذَانَ، قَالَ: فَجِئْت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ"، فَأَلْقَيْتُهُ عَلَيْهِ، فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا رَأَيْت، فَأُرِيدُ أَنْ أُقِيمَ، قَالَ: "فَأَقِمْ أَنْتَ"، فَأَقَامَ هُوَ وَأَذَّنَ بِلَالٌ، انْتَهَى. وَأَعَلُّوهُ بِأَبِي سَهْلٍ1 تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ. وَغَيْرُهُ، قَالُوا: وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فَإِنَّمَا أَرَادَ تَطَيُّبَ قَلْبِهِ، لِأَنَّهُ رَأَى الْمَنَامَ، أَمْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الصُّدَائِيِّ: "مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ2 وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ الْأَفْرِيقِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَفْرِيقِيِّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ سَعِيدٌ الْقَطَّانُ. وَغَيْرُهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا أَكْتُبُ حَدِيثَ الْأَفْرِيقِيِّ، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ3 عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ حِينَ أُرِيَ الْأَذَانَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا، فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ، فَأَقَامَ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ شَاهِينَ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، وَأَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ وَالْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ الْمَازِنِيِّ ثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَسِيرٍ لَهُ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَنَزَلَ الْقَوْمُ فَطَلَبُوا بِلَالًا فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَأَذَّنَ، ثُمَّ جَاءَ بِلَالٌ، فَذُكِرَ لَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يقيم، فقال عليه السلام: "مَهْلًا يَا بِلَالُ، فَإِنَّمَا يُقِيمُ مَنْ أَذَّنَ"، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ4: قَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَسَعِيدٌ هَذَا مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ5. قَالَ فِي الْإِمَامِ: هَكَذَا وَقَعَ فِي لَفْظِ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْوَاقِفِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ6 قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ الْأَوَّلِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَضَى الْفَجْرَ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ، بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَأَعَادَهُ فِي بَابِ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. وَعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ. وَذِي مِخْبَرٍ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَبِلَالٍ. فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا أَبَانُ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ يَعْنِي قِصَّةَ التَّعْرِيسِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تحولوا عَنْ مَكَانِكُمْ الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الْغَفْلَةُ"، قَالَ: فَأَمَرَ بِلَالًا، فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ، وَصَلَّى، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ مَالِكٌ. وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. وَالْأَوْزَاعِيُّ. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ. وَابْنِ إسْحَاقَ، لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْأَذَانَ، فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ هَذَا، وَلَمْ يُسْنِدْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا الْأَوْزَاعِيُّ. وَأَبَانُ الْعَطَّارُ عَنْ مَعْمَرٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ2 فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْأَذَانَ، أَخْرَجَهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، وَفِيهِ: ثُمَّ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِلَالًا، فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى بِهِمْ الصُّبْحَ، الْحَدِيثُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 أَيْضًا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَسِيرٍ لَهُ، فَنَامُوا عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَاسْتَيْقَظُوا بِحَرِّ الشَّمْسِ، فَارْتَفَعُوا قَلِيلًا حَتَّى اسْتَقَلَّتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَ مؤذن، فَأَذَّنَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْأَذَانِ وَلَا الْإِقَامَةِ، بَلْ وَلَا ذُكِرَ فِيهِ الْوُضُوءُ بِالْجُمْلَةِ4 وَلَفْظُهُ، فَقَالَ: "ارْتَحِلُوا"، فَسَارَ بِنَا حَتَّى إذَا ابْيَضَّتْ الشَّمْسُ، قَامَ، فَصَلَّى5 بِنَا الْغَدَاةَ، الْحَدِيثُ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ6، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ: فَقُلْنَا: يَا نبي الله ألا نقضيها7 لِوَقْتِهَا مِنْ الْغَدِ؟ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الرِّبَا،
وَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ؟ "، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ كَذَلِكَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 بِدُونِ الزِّيَادَةِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ صِحَّةِ سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَإِعَادَتُهُ عليه السلام الرَّكْعَتَيْنِ، لَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ: ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا2 مِنْ حَدِيثِ حَيْوَةَ بْنِ شريح عن عياش ين عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ أَنَّ كُلَيْبَ بْنَ صُبَيْحٍ حَدَّثَهُ أَنَّ الزِّبْرِقَانَ حَدَّثَهُ عَنْ عَمِّهِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَنَامَ عَنْ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "تَنَحَّوْا عَنْ هَذَا الْمَكَانِ"، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا، فَأَذَّنَ، ثُمَّ توضؤا، وَصَلَّوْا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا، فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الصُّبْحِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ذِي مِخْبَرٍ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أيضاً من حديث حزير بْنِ عُثْمَانَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ صُلَيْحٍ عَنْ ذِي مِخْبَرٍ الْحَبَشِيِّ - وَكَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُضُوءًا لَمْ يَلِنْ3 مِنْهُ التُّرَابُ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، غَيْرَ عَجِلٍ، ثُمَّ قَالَ لِبِلَالٍ: "أَقِمْ الصَّلَاةَ"، ثُمَّ صَلَّى، وَهُوَ غَيْرُ عَجِلٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سِرْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْنَا الْأَرْضَ فَنِمْنَا، رَعَتْ رَكَائِبُنَا، قَالَ: "فَمَنْ يَحْرُسُنَا؟ " قُلْت: أَنَا، قَالَ: فَغَلَبَتْنِي عَيْنَيْ، فَلَمْ تُوقِظْنِي إلَّا وَقَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَلَمْ يَسْتَيْقِظْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بِكَلَامِنَا، قَالَ: فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى بِنَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد4 غَيْرَ مُفَسَّرٍ، وَلَفْظُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يَكْلَؤُنَا؟ " فَقَالَ بِلَالٌ: أَنَا، فَنَامُوا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "افْعَلُوا كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ" قَالَ: فَفَعَلْنَا، قَالَ: "فَكَذَلِكَ فَافْعَلُوا لِمَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ بِلَالٍ 5، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ. وَالْفَضْلُ
بْنُ سُهَيْلٍ. قَالَا: ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ النُّعْمَانِ ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُمْ نَامُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَامُوا بِلَالًا، فَأَذَّنَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقَامَ بِلَالٌ فَصَلَّى بهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الفجر بعد ما طَلَعَتْ الشَّمْسُ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ عَبْدِ الصَّمَدِ، فَقَالَ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ شَيْخَنَا عَلَاءَ الدِّينِ اسْتَشْهَدَ لِحَدِيثِ الْكِتَابِ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنكم تسيرون يوكم وَلَيْلَتَكُمْ وَتَأْتُونَ الْمَاءَ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ" إلَى أَنْ قَالَ: "فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّرِيقِ فَوَضَعَ رأسه"، ثم قال: "احفظوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا" فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ، قَالَ: فَقُمْنَا فَزِعِينَ، ثُمَّ قَالَ: "ارْكَبُوا" فَرَكِبْنَا، فَسِرْنَا، حَتَّى إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ نَزَلَ، ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ قَالَ لِأَبِي قَتَادَةَ: "احْفَظْ عَلَيَّ مِيضَأَتَك، فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ"، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى عليه السلام رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ، الْحَدِيثُ. وَفِيهِ: "لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى"، وَفِيهِ أَيْضًا "إنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا"، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ، إقَامَةَ الْأَرْكَانِ، فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْمَقْصُودِ، وَقَدْ ذُكِرَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ 15 مُخْتَصَرًا، وَلَفْظُهُ: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: سِرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَوْ عَرَّسْت بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنْ الصَّلَاةِ" فَقَالَ بِلَالٌ: أَنَا أُوقِظُكُمْ، فَاضْطَجَعُوا، وَأَسْنَدَ بِلَالٌ ظَهْرَهُ إلَى رَاحِلَتِهِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَالَ: "يَا بِلَالُ أَيْنَ مَا قُلْت؟ "، قَالَ: مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ، يَا بِلَالُ قُمْ فَأَذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلَاةِ"، فَتَوَضَّأَ، فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ وابياضت، قَامَ فَصَلَّى، انْتَهَى. وَلَيْسَ كُلٌّ مِنْ اللَّفْظَيْنِ صَرِيحًا فِي الْمَسْأَلَةِ، بَلْ فِيهِ احْتِمَالٌ يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ: "لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَك الْفَجْرُ هَكَذَا": وَمَدَّ يَدَهُ عَرْضًا، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ شَدَّادٍ عَنْ بِلَالٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: " لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَك الْفَجْرُ، هَكَذَا": وَمَدَّ يَدَيْهِ عَرْضًا، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَعَلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ
بِالِانْقِطَاعِ، قَالَ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَشَدَّادٌ مَوْلَى عِيَاضٍ لَمْ يُدْرِكْ بِلَالًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَشَدَّادٌ أَيْضًا مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْهُ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ، أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَأَحْمَدُ1 عَنْ سَوَادَةَ بْنِ حَنْظَلَةَ الْقُشَيْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ يَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَغُرَّنَّكُمْ آذَانُ بِلَالِ، فَإِنَّ فِي بَصَرِهِ سُوءً"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ وَهَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ لَمْ يَقُولُوا: فِي بَصَرِهِ سُوءٌ، قُلْنَا: سَوَادَةُ بْنُ حَنْظَلَةَ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَزِيَادَةٌ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، سَوَاءٌ. حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَيَانٍ ثَنَا هَيْثَمٌ ثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ هِلَالٍ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ لَيْلَةً بِسَوَادٍ، فَأَمَرَهُ عليه السلام أَنْ يَرْجِعَ فَيُنَادِيَ: إنَّ الْعَبْدَ نَامَ، فَرَجَعَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ لَيْسَ فِي رِجَالِهِ مَطْعُونٌ فِيهِ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِالْفَجْرِ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَحَرَّمَ الطَّعَامَ، وَكَانَ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يُصْبِحَ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَاعْتَرَضَهُ الْأَثْرَمُ، فَقَالَ: وَحَدِيثُ حَفْصَةَ رَوَاهُ النَّاسُ عَنْ نَافِعٍ، فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ مَا ذَكَرَ عَبْدُ الْكَرِيمِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَعَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ. وَابْنُ الْمَدِينِيِّ: ثَبْتٌ ثِقَةٌ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: مَا رَأَيْت مِثْلَهُ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كان يَقُولُ: إلَّا حَدَّثَنَا. أَوْ سَمِعْت، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْأَذَانِ الثَّانِي. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ3 عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالْأَذَانِ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، قَالَ الْأَثْرَمُ:
سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ1 يُضَعِّفُ حَدِيثَ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: لَيْسَ هَذَا بِتَعْلِيلٍ جَيِّدٍ، فَإِنَّ الْأَوْزَاعِيَّ مِنْ أَئِمَّةِ المسليمن، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ وَكِيعٍ2 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْهَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ4 عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَ، فَيُنَادِيَ: أَلَا إنَّ الْعَبْدَ نَامَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَرَجَعَ فَنَادَى: أَلَا إنَّ الْعَبْدَ نَامَ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ الداوردي عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ لِعُمَرَ مُؤَذِّنٌ، يُقَالُ لَهُ مَسْعُودٌ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ مِنْ ذَاكَ، وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ5 لَفْظَ الْحَدِيثِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَلَعَلَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ أَرَادَ حَدِيثَ عُمَرَ، وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ"، الْحَدِيثُ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ6: وَقَدْ تَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ زَرْبِيٍّ عَنْ أَيُّوبَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، قَالَ: وَسَعِيدُ بْنُ زَرْبِيٍّ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَقَدْ تَابَعَ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ عَلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ زَرْبِيٍّ عَنْ أَيُّوبَ، وَكَانَ ضَعِيفًا، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: عِنْدَهُ عَجَائِبُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الْأَثْبَاتِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ7 أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْحَاقَ الْفَقِيهُ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ الْمُطَرِّزَ، يَقُولُ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى، يَقُولُ: حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، شَاذٌّ غَيْرُ وَاقِعٍ عَلَى الْقَلْبِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا رَوَاهُ النَّاسُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: قُلْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: إنَّ الصُّبْحَ يُنَادَى لَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا
وَاشْرَبُوا"، قُلْت: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانَ؟ قَالَ: لَا، لَمْ يَزَلْ الْأَذَانُ عِنْدَنَا بِلَيْلٍ، وَقَالَ ابْنُ بُكَيْر: قَالَ مَالِكٌ: لَمْ يَزَلْ الصُّبْحُ يُنَادَى بِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، فَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّا لَمْ نَرَ يُنَادَى لَهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يَحِلَّ وَقْتُهَا، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَوْ كَانَ حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ: إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَائِدَةٌ، وَكَيْفَ يَأْمُرُهُ أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانَ، وَهُوَ يَقُولُ: إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ؟ وَقَالَ الْأَثْرَمُ: وَأَمَّا حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَإِنَّهُ خَطَأٌ مِنْهُ، وَأَصْلُ الْحَدِيثِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ مُؤَذِّنًا يُقَالُ لَهُ: مَسْرُوحٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَسْعُودٌ أَذَّنَ بِلَيْلٍ، فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَرْجِعَ، فَيُنَادِيَ: إنَّ الْعَبْدَ نَامَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ بَعْدَ إخْرَاجِهِ حَدِيثَ حَمَّادٍ هَذَا: وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ أَحْمَدُ بن حنبل: أرأيت الرَّجُلَ يَغْمِزُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ فَاتَّهِمْهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا طَعَنَ فِي السِّنِّ سَاءَ حِفْظُهُ، فَلِذَلِكَ تَرَكَ الْبُخَارِيُّ الِاحْتِجَاجَ بِحَدِيثِهِ، وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ اجتهد في أمره، أخرج مِنْ أَحَادِيثِهِ عَنْ ثَابِتٍ مَا سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ، وَمَا سِوَى حَدِيثِهِ عَنْ ثَابِتٍ، فَلَا يَبْلُغُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ حديثاً، أخرجها الشَّوَاهِدِ دُونَ الِاحْتِجَاجِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يُحْتَجَّ بِمَا يُخَالِفُ فِيهِ الثِّقَاتِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جُمْلَتِهَا، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْإِمَامُ الْقَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ السَّرَقُسْطِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرِيبُ الْحَدِيثِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَنْبَأَ أَبُو سُفْيَانَ السَّعْدِيُّ1 عَنْ الْحَسَنِ2 أَنَّهُ سَمِعَ مُؤَذِّنًا أَذَّنَ بِلَيْلٍ، فَقَالَ: علوج تبارى3 الدُّيُوكَ، وَهَلْ كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بعد ما يَطْلُعُ الْفَجْرُ؟ وَلَقَدْ أَذَّنَ بِلَالٌ بِلَيْلٍ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعِدَ، فَنَادَى: إنَّ الْعَبْدَ قد نام، فوِجد بلال وَجْدًا شَدِيدًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ عَامِرِ بْنِ مُدْرِكٍ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ: إنَّ الْعَبْدَ نَامَ، فَوَجَدَ بِلَالٌ وَجْدًا شَدِيدًا، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهَمَ فِيهِ عَامِرُ بْنُ مُدْرِكٍ، وَالصَّوَابُ مَا رَوَاهُ شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ مُؤَذِّنٍ لِعُمَرَ، يقل له: مستروح أَذَّنَ قَبْلَ الصُّبْحِ، فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَرْجِعَ، فَيُنَادِيَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصْعَدَ، فَيُنَادِيَ: إنَّ الْعَبْدَ نَامَ، فَفَعَلَ، وَقَالَ: لَيْتَ بِلَالًا لَمْ تَلِدْهُ أُمُّهُ وَابْتَلَّ مِنْ نَضْحِ دَمِ جَبِينِهِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَة. وَغَيْرُهُ، يُرْسِلُهُ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ بِلَالًا، وَلَا يَذْكُرُ إسْنَادًا، وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ1، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ الْأَسَدِيِّ ثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَذَّنَ بِلَالٌ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ، فَرَقَى، وَهُوَ يَقُولُ: لَيْتَ بِلَالًا ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ وَابْتَلَّ مِنْ نَضْحِ دَمِ جَبِينِهِ، يُرَدِّدُهَا حَتَّى صَعِدَ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ الْعَبْدَ نَامَ، مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَذَّنَ حِينَ أَضَاءَ الْفَجْرُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَمُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ مَجْرُوحٌ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَحَادِيثُهُ مَوْضُوعَةٌ، لَيْسَ بِشَيْءٍ رَمَيْنَا حَدِيثَهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يَكْذِبُ، وَفِي إسْنَادِهِ أَيْضًا الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ، قَالَ عَفَّانَ: أَحَادِيثُهُ كُلُّهَا مَقْلُوبَةٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ رَجُلًا صَالِحًا لَيْسَ الْحَدِيثُ مِنْ صِنَاعَتِهِ، فَوَقَعَ فِي حَدِيثِهِ الْمَنَاكِيرُ. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا إسماعيل بن عباس عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ بِلَالٍ، قَالَ: كُنَّا لَا نُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى نَرَى الْفَجْرَ، وَكَانَ يَضَعُ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ2، انْتَهَى. وَبِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بِلَالٍ نَحْوُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، قَالَتْ: كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ بِلَالٌ يَأْتِي بِسَحَرٍ، فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ يَنْظُرُ إلَى الْفَجْرِ، فَإِذَا رَآهُ أَذَّنَ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَهَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِهِ، فَإِنَّ ابْنَ إسْحَاقَ عِنْدَهُ ثِقَةٌ، وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ الضَّعْفُ إلَّا مِنْ جِهَةِ مُعَارَضَةِ غَيْرِهِ لَهُ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَالتَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فِي سَائِرِ الْعَامِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، وَاَلَّذِي يُقَالُ فِي هَذَا الْخَبَرِ: إنَّهُ حَسَنٌ، انْتَهَى. والله أعلم.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلِ2، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ"، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا3 عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَعَائِشَةَ، قَالَا: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنَانِ: بِلَالٌ. وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يؤذن ابن أم مَكْتُومٍ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ4 عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ آذَانُ بِلَالٍ مِنْ سُحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ"، أَوْ قَالَ: "يُنَادِي بِلَيْلٍ: لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ، وَيَنْتَبِهَ نَائِمُكُمْ، وَلَيْسَ الْفَجْرُ5 أَنْ يَقُولَ: وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ فَرَفَعَهَا إلَى فَوْقَ، وَطَأْطَأَ إلَى أَسْفَلَ، حَتَّى يَقُولَ: هَكَذَا"، وَقَالَ زُهَيْرٌ: بِسَبَّابَتَيْهِ: إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى، ثُمَّ مَدَّهَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، انْتَهَى. وَقَدْ تَأَوَّلَ الطَّحَاوِيُّ أَحَادِيثَ: إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ خَطَأً، عَلَى ظَنِّ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ6 لَا يَغُرَّنَّكُمْ آذَانُ بِلَالٍ، فَإِنَّ فِي بَصَرِهِ سُوءًا وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَحَدِيثٌ أَخْرَجَهُ هُوَ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ: "إنَّك تُؤَذِّنُ إذَا كَانَ الْفَجْرُ سَاطِعًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ الصُّبْحَ إنَّمَا الصُّبْحُ هَكَذَا: مُعْتَرِضًا"، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فَأَخْبَرَ عليه السلام أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ بِطُلُوعِ مَا يَرَى أَنَّهُ الْفَجْرُ، وَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ بِفَجْرٍ، قَالَ: وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ: "إنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ: فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ"، قَالَتْ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا مِقْدَارُ مَا يَنْزِلُ هَذَا، وَيَصْعَدُ هَذَا، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَ آذَانِهِمَا مِنْ الْقُرْبِ مَا ذَكَرْنَا ثَبَتَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقْصِدَانِ وَقْتًا وَاحِدًا، وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ، لَكِنْ بِلَالٌ يُخْطِئُهُ، وَيُصِيبُهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ حَتَّى يَقُولَ لَهُ الْجَمَاعَةُ: أَصْبَحْت أَصْبَحْت. وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ لهذا التأويل بحديث الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ7 عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ8 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ خَالِدٍ النَّيْسَابُورِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ
بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي دَاوُد عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ؟ " قَالَ: اسْتَيْقَظْت وَأَنَا وَسْنَانٌ، فَظَنَنْت أَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنَادِيَ بِالْمَدِينَةِ ثَلَاثًا: إنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ1، ثُمَّ أَقْعَدَهُ إلَى جَنْبِهِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، انْتَهَى. وَبِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ عَنْ جَدِّهِ شَيْبَانُ، قَالَ: تَسَحَّرْتُ، ثُمَّ أَتَيْت الْمَسْجِدَ، فَاسْتَنَدَتْ إلَى حُجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُ يَتَسَحَّرُ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَبُو يَحْيَى؟ " قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: "هَلُمَّ إلَى الْغَدَاءِ"، قُلْت: إنِّي أُرِيدَ الصِّيَامَ، قَالَ: "وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ، وَلَكِنْ مُؤَذِّنُنَا هَذَا فِي بَصَرِهِ سُوءٌ"، - أَوْ قَالَ: شَيْءٌ، - "وَأَنَّهُ أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى2. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ،3 قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يمنعكم مِنْ سُحُورِكُمْ آذَانُ بِلَالٍ، وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ، وَلَكِنَّ الْفَجْرَ الْمُسْتَطِيرَ فِي الْأُفُقِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ4 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ الْأَفْرِيقِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ، قَالَ: لَمَّا كَانَ أَوَّلُ أَذَانِ الصُّبْحِ أَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَذَّنْت، فَجَعَلْت أَقُولُ: أُقِيمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إلَى نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ إلَى الْفَجْرِ، فَيَقُولُ: "لَا"، حَتَّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ نَزَلَ فَتَبَرَّزَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ، فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ، فَقَالَ لَهُ: "إنَّ أَخَا صُدَاءٍ أَذَّنَ، وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ"، انْتَهَى. وَزِيَادُ بْنُ نُعَيْمٍ، هُوَ زِيَادُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ نُعَيْمٍ، وَثَّقَهُ الْعِجْلِيّ. وَابْنُ حِبَّانَ، قَالُوا: فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ، قُلْنَا: قَدْ قَوَّى أَمْرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ: هُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ. وَغَيْرُهُ، وَرَأَيْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يُقَوِّي أَمْرَهُ، وَيَقُولُ: هُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، نَحْنُ لَا نَرْوِي عَنْهُ شَيْئًا، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ. فَائِدَةٌ: أَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ بِلَالٌ"، وَكَانَ بِلَالٌ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَرَى الْفَجْرَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ5. وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ6 عَنْ خُبَيْبِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمَّتِهِ أُنَيْسَةَ بِنْتِ خُبَيْبِ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَذَّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا. وَإِذَا أَذَّنَ بِلَالٌ، فَلَا تَأْكُلُوا وَلَا تَشْرَبُوا"، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ بِلَالٌ"، قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: وَهَذَا الْخَبَرُ لَا يُضَادُّ بِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عليه السلام جَعَلَ الْأَذَانَ بَيْنَ بِلَالٍ وابن مَكْتُومٍ نَوَائِبَ، فَأَمَرَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِيِ بِلَالًا أَنْ يُؤَذِّنَ بِلَيْلٍ، فَإِذَا نَزَلَ بِلَالٌ صَعِدَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَأَذَّنَ فِي الْوَقْتِ، فَإِذَا جَاءَتْ نَوْبَةُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ بَدَأَ فَأَذَّنَ بِلَيْلٍ، فَإِذَا نَزَلَ صَعِدَ بِلَالٌ، فَأَذَّنَ فِي الْوَقْتِ، فَكَانَتْ مَقَالَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّ بلال يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ" فِي وَقْتِ نَوْبَةِ بِلَالٍ، وَكَانَتْ مَقَالَتُهُ: إن ابن مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فِي وَقْتِ نَوْبَةِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ: "إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا، وَأَقِيمَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَا، وَصَاحِبٌ لِي، وَفِي رِوَايَةٍ: وَابْنُ عَمٍّ لِي، وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ: وَابْنُ عُمَرَ2 قَالَ: فَلَمَّا أَرَدْنَا الِانْصِرَافَ، قَالَ لَنَا: "إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ، وَمُسْلِمٌ فِي الْإِمَامَةِ، وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ فِي الْأَذَانِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فيه: لابني أبي ملكيكة غَلَطٌ، وَصَوَابُهُ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ، وَصَاحِبٌ لَهُ - أَوْ ابْنُ عَمٍّ لَهُ - أَوْ ابْنُ عُمَرَ، عَلَى الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ، وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ عَلَى الصَّوَابِ3 فَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى: لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ قَدْ يُرَادُ بِهِمَا الْوَاحِدُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} ، وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا، وَقَالَ عليه السلام لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ. وَابْنِ عُمَرَ: "إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا"، وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا، انْتَهَى لَفْظُهُ.
مَا جَاءَ فِي حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ. وَعَمَّارٌ. وَعُمَرُ ابْنَيْ أَبِي سَعْدِ2 بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ آبَائِهِمْ عَنْ أَجْدَادِهِمْ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ كَانَ يُنَادِي بِالصُّبْحِ، فَيَقُولُ: حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، وَتَرَكَ حَيَّ عَلَى خَيْرِ العمل، فقال الْبَيْهَقِيُّ: لَمْ يَثْبُتْ هَذَا اللَّفْظُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا عَلَّمَ بِلَالًا، وَأَبَا مَحْذُورَةَ. وحن نَكْرَهُ الزِّيَادَةَ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَرِجَالُهُ يُحْتَاجُ إلَى كَشْفِ أَحْوَالِهِمْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ أَحْيَانًا إذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ عَلَى إثْرِهَا: حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، نَحْوُهُ، قَالَ: وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ3 عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، رُبَّمَا زَادَ فِي أَذَانِهِ: حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: أَذَانُ - الْحَيِّ - يَكْفِينَا يَعْنِي حِينَ صَلَّى فِي دَارِهِ بِغَيْرِ آذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ. وَعَلْقَمَةَ. وَالْأَسْوَدَ صَلَّوْا بِغَيْرِ أَذَانٍ، وَلَا إقَامَةٍ، قَالَ سُفْيَانُ: كَفَتْهُمْ إقَامَةُ الْمِصْرِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ4 عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي دَارِهِ بِغَيْرِ إقَامَةٍ، وَقَالَ: إقَامَةُ الْمِصْرِ تَكْفِينَا، انْتَهَى. وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ5 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ الْأَسْوَدَ. وَعَلْقَمَةَ كَانَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فِي الدَّارِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: صَلَّى هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَصَلَّى بِهِمْ بِغَيْرِ آذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، وَقَامَ وَسَطَهُمْ، الْحَدِيثُ، وَسَيَأْتِي، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ - فِي الْأَذَانِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ. وَعَلْقَمَةَ، قَالَا: أَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ فِي دَارِهِ، فَقَالَ: أَصَلَّى هَؤُلَاءِ خَلْفَكُمْ.؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: قُومُوا فَصَلُّوا، وَلَمْ يَأْمُرْ بِآذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، انْتَهَى. ذِكْرُ الطَّهَارَةِ فِي الْأَذَانِ، أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ6 عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى
عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ"، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ أبي هُرَيْرَةَ: لَا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ إلَّا مُتَوَضِّئٌ، قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ الْأَوَّلِ، وَالزُّهْرِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ1 الْحَافِظُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هارون القروي2 حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! إنَّ الْأَذَانَ مُتَّصِلٌ بِالصَّلَاةِ، فَلَا يُؤَذِّنُ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ"، انْتَهَى. ذِكْرُ الْقِيَامِ فِي الْأَذَانِ، أُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام: "قُمْ يَا بِلَالُ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ"، وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ ثَنَا هِلَالُ بْنُ بِشْرٍ ثَنَا عُمَيْرُ بْنُ عِمْرَانَ الْعَلَّافُ3 ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَقٌّ وَسُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ أَنْ لَا يُؤَذِّنَ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ، وَلَا يُؤَذِّنُ إلَّا وَهُوَ رَاكِبٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ الْقِيَامَ فِي الْأَذَانِ مِنْ السُّنَّةِ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ الرُّكُوبُ، أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ، قَالَ: كُنْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَقَالَ لِي: "يَا أَخَا صُدَاءٍ! أَذِّنْ"، وَأَنَا عَلَى رَاحِلَتِي، فَأَذَّنْت، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ4 عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا فِي سَفَرٍ، فَأَذَّنَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، ثُمَّ نَزَلُوا فَصَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ، فَصَلَّى بِهِمْ الصُّبْحَ، وَقَالَ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ5: ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُؤَذِّنُ عَلَى الْبَعِيرِ، وَيَنْزِلُ، فَيُقِيمُ. ذِكْرُ الْأَذَانِ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ، أُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام: "لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ رِجَالًا فَيَقُومُونَ عَلَى الْآطَامِ يُنَادُونَ بِالصَّلَاةِ"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد6، وَكَذَا قَوْلُهُ: فَقَامَ عَلَى حَائِطٍ، وَقَوْلُهُ: فَقَامَ عَلَى الْمَسْجِدِ، وَقَوْلُهُ: فَقَامَ عَلَى جُدُرِ حَائِطٍ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد7 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ محمد بن حعفر بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، قَالَتْ: كَانَ بَيْتِي
مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَكَانَ بِلَالٌ يَأْتِي بِسَحَرٍ، فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ يَنْظُرُ إلَى الْفَجْرِ، فَإِذَا رَآهُ أَذَّنَ، وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ الْأَذَانُ فِي الْمَنَارَةِ، وَالْإِقَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ فَوْقَ الْبَيْتِ، انْتَهَى. مَا جَاءَ فِي اسْتِحْبَابِ الْإِقَامَةِ فِي غَيْرِ موضوع الْأَذَانِ، أُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا: "ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ"، وَتَقَدَّمَ: مِنْ السُّنَّةِ الْأَذَانُ فِي الْمَنَارَةِ، وَالْإِقَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ. مَا جَاءَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَكُونُ مُؤَذِّنًا، فِيهِ حَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ: أَحَدُهُمَا: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ سَلَّامٍ الطَّوِيلِ عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنًا" قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَالْبَلَاءُ فِيهِ مِنْ سَلَّامٍ. أو زَيْدٍ. أَوْ مِنْهُمَا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: سَلَّامٍ مَتْرُوكٌ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ عَنْ الْمُعَلَّى بْنِ هِلَالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ فِيهِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُؤَذِّنًا، انْتَهَى. قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَالْمُعَلَّى هَذَا، قَالَ فِيهِ يَحْيَى: هُوَ مِنْ الْمَعْرُوفِينَ بِالْكَذِبِ وَوَضْعِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَحَدِيثُهُ مَوْضُوعٌ، انْتَهَى. قال فيالإمام: لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ عن شعبة بن الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، سَمِعْت أَذَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ أَذَانُهُ وَإِقَامَتُهُ مَثْنَى مَثْنَى، وَأَخْرَجَهُ أَبُو حَفْصِ بْنِ شَاهِينَ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ شَيْبَةَ، وَكَذَلِكَ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ، لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي الِاتِّصَالِ بَيْنَ الشَّعْبِيِّ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ نَقْلًا عَنْ الْحَاكِمِ، أَوْ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ: الرِّوَايَاتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي هَذَا الْبَابِ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ، لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فِيمَا بَلَغَنَا، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنَ حَمْزَةَ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: دَخَلَتْ ابْنَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا ابْنَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: سَلِي مَا شِئْت، فَسَأَلَتْ، فَأَعْطَاهَا مَا سَأَلَتْ، قَالَ الْحَاكِمُ: فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ تُصَرِّحُ بِأَنَّ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ صَاحِبَ الرُّؤْيَا، وَلَا أَدْرَكَ أَيَّامَهُ، فَتَصِيرُ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا مُرْسَلَةً، وَلِذَلِكَ تركها الشيخان في صحيحهما قَالَ الشَّيْخُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا إرْسَالًا، فَإِنَّ أَبَا عُثْمَانَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَيْسَ فِي طَبَقَةِ مَنْ يَرْوِي عَنْ
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مُشَافَهَةً وَلِقَاءَا، وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ1 بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، فَصَرَّحَ فِيهِ بِسَمَاعِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَبِيهِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ2، وَفِي عِلَلِ التِّرْمِذِيِّ الْكَبِيرِ سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ إسْحَاقَ، وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ. وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي قِصَّةِ الْأَذَانِ أَصَحُّ مِنْ هَذَا، لِأَنَّ مُحَمَّدًا سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ فِي صَحِيحِهِ: إنَّ مُحَمَّدًا سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ، وَأَيْضًا فَالْبَيْهَقِيُّ قَدْ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْوَاقِدِيَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ أَبِي بِالْمَدِينَةِ3 سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. وَحَدِيثُ الْأَسْوَدِ 4 أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُثَنِّي الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ، أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ نَحْوَهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ بِلَالٍ، وَقَالَ مِثْلُهُ، لَمْ يُسَقْ لَفْظُهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَإِبْرَاهِيمُ عَنْ بِلَالٍ مُرْسَلٌ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ لَمْ يُدْرِكْ أَذَانَ بِلَالٍ، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ، وَعَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُثَنِّي الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ5 بِلَفْظِ: سَمِعْت بِلَالًا يُؤَذِّنُ مَثْنَى وَيُقِيمُ مَثْنَى، وَاعْتَرَضَ الْحَاكِمُ بِأَنَّ الْأَسْوَدَ بن يزيد. وسويد بنغفلة لَمْ يُدْرِكَا بِلَالًا وَأَذَانُهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَكَوْنُ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ لَمْ يُدْرِكْ أَذَانَ بِلَالٍ فِي عَهْدِهِ عليه السلام صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ أَنَّهُ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ، وَأَدَّى الزَّكَاةَ لِمُصَدِّقِهِ عليه السلام، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ خُرُوجَ بِلَالٍ إلَى الشَّامِ كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ، كَمَا رَوَاهُ حَفْصُ6 بْنُ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ الْقَرَظِ، قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِلَالٌ إلَى أَبِي بكر، فقال: يا خليقة رَسُولِ اللَّهِ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إنَّ أَفْضَلَ عَمَلِ الْمُؤْمِنِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَرْبِطَ نَفْسِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ
حَتَّى أَمُوتَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَنْشُدُك اللَّهَ، وَحَقِّي وَحُرْمَتِي، فَقَدْ كَبُرَ سِنِّي وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، فَقَامَ بِلَالٌ مَعَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى هَلَكَ، فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو بَكْرٍ أَتَى عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ: مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْشُدُك اللَّهَ، وَحَقِّي، وَحُبِّي أَبَا بَكْرٍ، وَحُبِّهِ إيَّايَ، فَقَالَ بِلَالٌ: ما أنا بغافل، فَقَالَ: إلَى مَنْ يُدْفَعُ الْأَذَانُ؟ فَقَالَ: إلَى سَعْدٍ، قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ شَيْخٍ يُقَالُ لَهُ: الْحَفْصُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَذَّنَ بِلَالٌ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَذَّنَ لِأَبِي بَكْرٍ حَيَاتَهُ، وَلَمْ يُؤَذِّنْ فِي زَمَانِ عُمَرَ، فَهَذَانِ الْخَبَرَانِ يَقْتَضِيَانِ اسْتِمْرَارَ أَذَانِ بِلَالٍ حَيَاةَ أَبِي بَكْرٍ، مَعَ أَنَّ أَبَا دَاوُد رَوَى فِي سُنَنِهِ مَا يُخَالِفُ هَذَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ عليه السلام أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الشَّامِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَكُونُ عِنْدِي، فَقَالَ: إنْ كُنْت أَعْتَقْتنِي لِنَفْسِك فَاحْتَبِسْنِي، وَإِنْ كُنْت أَعْتَقْتنِي لِلَّهِ فَذَرْنِي أَذْهَبْ إلَى اللَّهِ، فَقَالَ: اذْهَبْ، فَذَهَبَ إلَى الشَّامِ فَكَانَ بِهَا حَتَّى مَاتَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ رِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ، وَفِيهَا التَّصْرِيحُ بِالسَّمَاعِ، وَشَرِيكٌ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُتَابَعَةِ، وَصَحَّحَ لَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَعِمْرَانُ بْنُ مُسْلِمٍ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ فِي الْإِمَامِ مُلَخَّصًا.
باب شروط الصلاة
بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "لَا صَلَاةَ لِحَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ" قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الصَّلَاةِ. وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْحَيْضِ1 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صلاة الحائض إلَّا بِخِمَارٍ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَعَنْهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَلَفْظُهُمَا: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ امْرَأَةٍ قَدْ حَاضَتْ إلَّا بِخِمَارٍ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي أَوَّلِ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَأَظُنُّهُ لِخِلَافٍ فِيهِ عَلَى قَتَادَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا صَلَاةَ لِحَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ"، انْتَهَى. وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ، فَقَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ. وَإِسْحَاقُ
بْنُ رهوايه، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: حَدِيثُ: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ يَرْوِيهِ قَتَادَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ الْحَارِثِ عن محمد عَائِشَةَ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَتَادَةَ، فَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ هَكَذَا، مُسْنَدًا مَرْفُوعًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَالَفَهُ شُعْبَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ بُسْرٍ، فَرَوَيَاهُ عَنْ قَتَادَةَ موقوفاً، ورواه أيوب السخيتاني. وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ مُرْسَلًا عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ الْحَارِثِ حَدَّثَتْهُمَا بِذَلِكَ، وَرَفَعَا الْحَدِيثَ، وَقَوْلُ أَيُّوبَ. وَهِشَامٍ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ. وَالصَّغِيرِ1 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَرْمَلَةَ الْقَلْزَمِيُّ - بِمَدِينَةِ قَلْزَمَ - ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى الْأَيْلِيُّ ثنا عمرو بن هشام السَّرُوتِيُّ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ امْرَأَةٍ صَلَاةً حَتَّى تُوَارِيَ زِينَتَهَا، وَلَا مِنْ جَارِيَةٍ بَلَغَتْ الْمَحِيضَ حَتَّى تَخْتَمِرَ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ إلَّا عَمْرُو بن هشام، تَفَرَّدَ بِهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ إسْحَاقَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "عَوْرَةُ الرجل ما بيت سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ"، وَيُرْوَى: مَا دُونَ سُرَّتِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ رُكْبَتَهُ. قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ سَوَّارِ بْنِ دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا فِي عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ، وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ أَمَتَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ، فَلَا يَنْظُرُ إلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ، فَإِنَّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ مِنْ الْعَوْرَةِ"، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ2، لَمْ يَقُلْ فِيهِ: فَإِنَّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ مِنْ الْعَوْرَةِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ3، وَلَفْظُهُ: فَإِنَّ مَا أَسْفَلَ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ عَوْرَتِهِ، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ في ضعفاءه، وَلَيَّنَ سَوَّارَ بْنَ دَاوُد، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَسَوَّارُ بْنُ دَاوُد أَبُو حَمْزَةَ الْبَصْرِيُّ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: شَيْخٌ بَصْرِيٌّ لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ أَخْرَجَهُ عَنْ الْخَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، وَلَيَّنَ الْخَلِيلَ بْنَ مُرَّةَ، وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: فِيهِ نَظَرٌ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهُوَ مِمَّنْ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُنْكَرِ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ4 - فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ
أَحْمَدَ بْنِ الْمِقْدَامِ ثَنَا أَصْرَمُ بْنُ حَوْشَبٍ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ وَاصِلٍ الضَّبِّيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: قُلْنَا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: حَدِّثْنَا بِمَا سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا تُحَدِّثْنَا عَنْ غَيْرِك، وَإِنْ كَانَ ثِقَةً، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا بَيْنَ السرة والركبة عَوْرَةٌ"، مُخْتَصَرٌ، وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: أَظُنُّهُ مَوْضُوعًا، فَإِنَّ إسْحَاقَ بْنَ وَاصِلٍ مَتْرُوكٌ، وَأَصْرَمَ بْنَ حَوْشَبٍ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ، انتهى. حديث آخر، أخرجه الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا فَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ مِنْ الْعَوْرَةِ، وَمَا أَسْفَلَ السُّرَّةِ مِنْ الْعَوْرَةِ"، انتهى. وقوله: يروى: مَا دُونَ سُرَّتِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ رُكْبَتَيْهِ، غَرِيبٌ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: وَقَالَ عليه السلام: "الركبة من العورة"،ى قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ النَّضْرِ بْنِ منصور الْفَزَارِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ سَمِعْت عَلِيًّا يَقُولُ: قَالَ عليه السلام: "الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ، قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِهِ: النَّضْرُ بْنُ مَنْصُورٍ وَاهٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ هَذَا ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وأبو حاتم الرازي، وأعاد الْمُصَنِّفُ فِي الْكَرَاهِيَةِ2 عَنْ أبي هريرة، ولم نجده عَنْهُ، وَفِي الْإِمَامِ: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: عُقْبَةُ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَالنَّضْرُ بْنُ مَنْصُورٍ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. قَالَ: وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ مِنْ جِهَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْحَاقَ الْقَاضِي عَنْ قَبِيصَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "السُّرَّةُ مِنْ الْعَوْرَةِ"، قَالَ: وَهَذَا مُعْضِلٌ مُرْسَلٌ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: إنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3. وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا غَزَا خَيْبَرَ، قَالَ: فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ، وَرَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَنَا رَدِيفُهُ، فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، ثُمَّ حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إنِّي لَأَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ فَخِذِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ، قَالَ: "اللَّهُ أكير، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ" قَالَهَا ثَلَاثًا، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةٍ4: فَانْحَسَرَ الْإِزَارُ عَنْ فَخِذِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِهِ كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَوَّى ثِيَابَهُ، قَالَ: فَدَخَلَ، فَتَحَدَّثَ فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْت وَسَوَّيْت عَلَيْك ثِيَابَك، فَقَالَ: "أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ"، انْتَهَى. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عليه السلام غَطَّى فَخِذَهُ بِسُرْعَةٍ لَمَّا انْكَشَفَ. وَالثَّانِي: لَمْ يَجْزِمْ الرَّاوِي بِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ، اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ أَخَذَ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ" 3، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا4، قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: ثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ. وَعَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ، سَمِعْنَا أَبَا عُثْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى بِنَحْوِهِ، وَزَادَ فِيهِ عَاصِمٌ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَاعِدًا فِي مَكَان قَدْ انْكَشَفَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ، فَدَخَلَ عُثْمَانُ فَغَطَّاهَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5 عَنْ سَوَّارِ بْنِ دَاوُد الصَّيْرَفِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَفِيهِ: وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ، فَلَا يَنْظُرْ إلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ". قَالَ الشَّيْخُ: وَسَوَّارُ بْنُ دَاوُد رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: ثِقَةٌ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا فَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ مِنْ الْعَوْرَةِ، وَمَا أَسْفَلَ السُّرَّةِ مِنْ الْعَوْرَةِ"، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ: وَسَعِيدٌ. وَعَبَّادٌ قِيلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا: مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ الرَّضَاعِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُوَرِّقٍ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ
السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِسَنَدِهِ إلَى مُوَرِّقٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ بِهِ، وَزَادَ: وَأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَقْرَبَ مِنْهَا فِي قَعْرِ بَيْتِهَا، انْتَهَى. وَبِالسَّنَدَيْنِ أَيْضًا رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَلَفْظُ: مَسْتُورَةٌ لَمْ أَجِدْهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ - في كِتَابُ اللِّبَاسِ1 عَنْ خَالِدِ بْنِ دُرَيْكٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: "يَا أَسْمَاءُ إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ لم يَصْلُحُ أَنْ يُرَى مِنْهَا إلَّا هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إلَى وَجْهِهِ وَكَفِّهِ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا مُرْسَلٌ، خَالِدُ بْنُ دُرَيْكٍ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَمَعَ هَذَا فَخَالِدٌ مَجْهُولُ الْحَالِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَفِيهِ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ دِمَشْقَ مَوْلَى بَنِي نَضْرٍ، تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ: هَذَا حَدِيثٌ لَا أَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ غَيْرُ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، وَقَالَ فِيهِ مَرَّةً: عَنْ خَالِدِ بْنِ دُرَيْكٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، بَدَلَ: عَائِشَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ الْجَارِيَةَ إذَا حَاضَتْ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إلَّا وَجْهُهَا وَيَدَاهَا إلَى الْمِفْصَلِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ عُقْبَةَ الْأَصَمِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، قَالَتْ: مَا ظَهَرَ مِنْهَا: الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَعُقْبَةُ الْأَصَمُّ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ لَيْسَ لَهُ عَوْرَةٌ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ3 قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ يُفَرِّجُ مَا بَيْنَ فَخِذَيْ الْحَسَنِ وَقَبَّلَ زَبِيبَتَهُ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ. حَدِيثٌ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ جَعَلَ قَدَمَيْ الْمَرْأَةِ عَوْرَةً، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ محمد بن زيد عن مُهَاجِرٍ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ لَيْسَ لَهَا إزَارٌ، قَالَ: "إذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظهور قدميها"، انتهى. ورواه الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ5 وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ6، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ:
وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ مَقَالٌ، وَهُوَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ضَعَّفَهُ يَحْيَى، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَلِطَ فِي رَفْعِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّ أَبَا دَاوُد أَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قُنْفُذٍ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ، قَالَ أَبُو دَاوُد: هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ. وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ. وَبَكْرُ بْنُ مُضَرَ. وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ قَوْلِهَا: لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي رَفْعِهِ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَابَعَهُ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، وَخَالَفَهُ ابْنُ وَهْبٍ1، فَرَوَاهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ مَوْقُوفًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ. وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ. وَابْنُ لَهِيعَةَ. وأبو عسال2 مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ. وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. والدراوردي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَوَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ، لَكِنَّهُ غَلِطَ فِي رَفْعِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: أَلْقِي عَنْك الخمار يا دفار، أتشبهين بِالْحَرَائِرِ؟!، قُلْت: غَرِيبٌ، وَبِمَعْنَاهُ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه ضَرَبَ أَمَةً لِآلِ أَنَسٍ رآها مقنعة، فَقَالَ: اكْشِفِي رَأْسَك لَا تَشَبَّهِي بِالْحَرَائِرِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْهَى الْإِمَاءَ عَنْ الْجَلَابِيبِ أَنْ يَتَشَبَّهْنَ بِالْحَرَائِرِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: ضَرَبَ عَقِيلَةَ أَمَةَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ في الجلباب، أن تتجلب، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ حَدَّثَتْهُ، قَالَتْ: خَرَجَتْ امْرَأَةٌ مُخْتَمِرَةٌ مُتَجَلْبِبَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ: مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ؟ فَقِيلَ لَهُ: جَارِيَةٌ لِفُلَانٍ، رَجُلٌ مِنْ بَيْتِهِ، فَأَرْسَلَ إلَى حَفْصَةَ فَقَالَ: مَا حَمَلَك عَلَى أَنْ تُخَمِّرِي هَذِهِ الْأَمَةَ وَتُجَلْبِبِيهَا حَتَّى هَمَمْت أَنْ أَقَعَ بِهَا، لَا أَحْسِبُهَا إلَّا مِنْ الْمُحْصَنَاتِ؟! لَا تُشْبِهُوا الْإِمَاءَ بِالْمُحْصَنَاتِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: الْآثَارُ بِذَلِكَ عَنْ عُمَرَ صَحِيحَةٌ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ المختار بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: دَخَلَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمَةٌ قَدْ كَانَ يَعْرِفُهَا لِبَعْضِ الْمُهَاجِرِينَ، أَوْ الْأَنْصَارِ، وَعَلَيْهَا جِلْبَابٌ مُتَقَنِّعَةٌ بِهِ، فَسَأَلَهَا، عَتَقْتِ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ فَمَا بَالُ الْجِلْبَابِ؟! ضَعِيهِ عَلَى رَأْسِك، إنَّمَا الْجِلْبَابُ عَلَى الْحَرَائِرِ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَلَكَّأَتْ فَقَامَ إلَيْهَا بِذَلِكَ بِالدُّرَّةِ، فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَهَا
حَتَّى أَلْقَتْهُ، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَضْرِبُ الْإِمَاءَ أَنْ يَتَقَنَّعْنَ، وَيَقُولُ: لَا تَتَشَبَّهْنَ بِالْحَرَائِرِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رَوَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ الْبَحْرِ عُرَاةً، صَلَّوْا قُعُودًا بِإِيمَاءٍ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ1، قَالَ: الَّذِي يُصَلِّي فِي السَّفِينَةِ. وَاَلَّذِي يُصَلِّي عُرْيَانًا يُصَلِّي جَالِسًا، انتهى. أخبرنا إبراهيم عن محمد بن إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ صَلَاةِ الْعُرْيَانِ، فَقَالَ: إنْ كَانَ حَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ صَلَّى جَالِسًا، وَإِنْ كَانَ حَيْثُ لَا يَرَاهُ النَّاسُ صَلَّى قَائِمًا، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: إذَا خَرَجَ نَاسٌ مِنْ الْبَحْرِ عُرَاةً فَأَمَّهُمْ أَحَدُهُمْ صَلَّوْا قُعُودًا، وَكَانَ إمَامُهُمْ مَعَهُمْ فِي الصَّفِّ يُومِئُونَ إيماءاً. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ". قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ: فِي أَوَّلِهِ - وَفِي آخِرِ الْأَيْمَانِ - وَفِي أَوَّلِ الْعِتْقِ - وَفِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ - وَفِي أَوَّلِ النِّكَاحِ - وَفِي أَوَاخِرِ الْأَيْمَانِ - وَفِي أَوَّلِ الْحِيَلِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ2. وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْجِهَادِ. وَأَبُو دَاوُد فِي الطَّلَاقِ. وَالنَّسَائِيُّ فِي الطَّهَارَةِ - وَفِي الْإِيمَانِ - وَفِي الطَّلَاقِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الزُّهْدِ كُلُّهُمْ بِلَفْظِ إنَّمَا، مُسْلِمٌ ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْجِهَادِ، وَمُطَابَقَتُهُ لِلْجِهَادِ أَنَّهُ أَخْرَجَ بَعْدَهُ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ: "مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ"، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ مَاتَ، وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ النِّفَاقِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: نَرَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. انْفَرَدَ بِهِمَا مُسْلِمٌ دُونَ الْبُخَارِيِّ، وَرَوَاهُ بِلَفْظِ الْكِتَابِ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْهُ: فِي النَّوْعِ الْحَادِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، ثُمَّ فِي النوع الرابع والعشرون مِنْهُ.
ثُمَّ فِي أَوَّلِ النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ مِنْهُ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إنَّمَا فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بدون إنما، وعزاه البخاري. وَمُسْلِمٍ، وَهَذَا مِنْهُ تَسَاهُلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَأَيْت فِي كِتَابِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ كُتُبِ النَّاسِ، لِلتَّذْكِرَةِ، وَالْمُسْتَطْرَفِ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ لِلْمَعْرِفَةِ - لِلْحَافِظِ ابْنِ مَنْدَهْ قَالَ فِيهِ: وَمَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ1 وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَابْنِ عُمَرَ. وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَنَسِ بن مالك. وأبو هُرَيْرَةَ. وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. وَعُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ السُّلَمِيُّ. وَهِلَالِ بْنِ سُوَيْد. وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَعُقْبَةَ بن عامر. وأبو ذَرٍّ. وَعُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: وَرَوَاهُ عَنْ عُمَرَ غَيْرُ عَلْقَمَةَ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ. وَذُو الْكَلَاعِ. وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ. وَوَاصِلُ بْنُ عُمَرَ الْجُذَامِيُّ، وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ. وَبَاشِرَةُ بْنُ سُمَيْرٍ2. وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: وَرَوَاهُ عَنْ عَلْقَمَةَ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ. وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَتَابَعَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَلَى رِوَايَتِهِ عَنْ التَّيْمِيِّ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلْقَمَةَ. وَمُحَمَّدَ بْنَ إسْحَاقَ، وَذَكَرَ ثَلَثَمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ رَجُلًا، كُلَّهُمْ رَوَوْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، يَطُولُ ذِكْرُهُمْ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إلَّا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُسْنَدِ الْخُدْرِيِّ: حَدِيثٌ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ" أَخْطَأَ فِيهِ نُوحُ بْنُ حَبِيبٍ، وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ كَذَلِكَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ - فِي تَرْجَمَةِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُعَاوِيَةَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَاوَرْدِيُّ ثَنَا نوح بن حبيب القوسي ثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي راود عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى"، إلَى آخِرِهِ، ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ عَبْدُ الْمَجِيدِ، وَصَحَّحَهُ، وَمَشْهُورُهُ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي راود عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،
وَلَمْ يُتَابَعْ عليه، وإنما رواه الحفاظ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ عُمَرَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: سُئِلَ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ نُوحُ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ عَبْدِ العزيز بن أبي راود عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" قَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، إنَّمَا هُوَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: ثُمَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَفَرْضُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا، وَمَنْ كَانَ غَائِبًا فَفَرْضُهُ إصَابَةُ جِهَتِهَا، قُلْت: اسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ إصَابَةُ الْعَيْنِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ، حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي قِبَلِ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ قَالَ: "هَذِهِ الْقِبْلَةُ" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ إصَابَةُ الْجِهَةِ، بِحَدِيثِ: مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ، وَهَذَا رَوَاهُ مِنْ الصَّحَابَةِ أَبُو هُرَيْرَةَ. وَابْنُ عُمَرَ، فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأخنس عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ أَحْمَدُ، وَقَوَّاهُ الْبُخَارِيُّ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَيُّوبَ ثَنَا عَبْدُ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَشُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ ثِقَةٌ، وَقَدْ أَسْنَدَهُ، وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُجَبَّرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، قَالَ: وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُجَبَّرٍ ثِقَةٌ4، وَقَدْ وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ
لَهُ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ، وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْقِبْلَةُ مُتَوَسِّطَةً بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ1، قَالَ: إذَا جَعَلْت الْمَشْرِقَ عَنْ يَسَارِك وَالْمَغْرِبَ عَنْ يَمِينِك، فَمَا بَيْنَهُمَا قِبْلَةٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رَوَى الصَّحَابَةُ تَحَرَّوْا وَصَلَّوْا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ. وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، فَحَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَعِيدٍ السَّمَّانِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، زَادَ التِّرْمِذِيُّ: فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، قَالَ: فَتَغَيَّمَتْ السَّمَاءُ وَأَشْكَلَتْ عَلَيْنَا الْقِبْلَةُ، فَصَلَّيْنَا، وَأَعْلَمْنَا، فَلَمَّا طَلَعَتْ الشَّمْسُ إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} الْآيَةَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ، وَلَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ السَّمَّانِ، وَهُوَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَزَادَ فِيهِ، فَقَالَ: قَدْ مَضَتْ صَلَاتُكُمْ وَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: الْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِأَشْعَثَ. وَعَاصِمٍ، فَأَشْعَثُ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ. وَأَشْعَثُ السَّمَّانُ سيء الْحِفْظِ، يَرْوِي الْمُنْكَرَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ، وَقَالَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: مَتْرُوكٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَلَهُ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ: أَحَدُهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ، فَأَظَلَّ لَنَا غَيْمٌ، فَتَحَيَّرْنَا فَاخْتَلَفْنَا فِي الْقِبْلَةِ، فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا عَلَى حِدَةٍ، فَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَعْلَمَ مَكَانَهُ، فَذَكَرْنَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَأْمُرْنَا بِالْإِعَادَةِ، وَقَالَ لَنَا: "قَدْ أَجْزَأَتْ صَلَاتُكُمْ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِرُوَاتِهِ كُلِّهِمْ غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ، فَإِنِّي لَا أَعْرِفُهُ بِعَدَالَةٍ وَلَا جَرْحٍ، وَقَدْ تَأَمَّلْت كِتَابَيْ الشَّيْخَيْنِ فَلَمْ يُخَرِّجَا فِي هَذَا الباب شيئاً، قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ يُكَنَّى أَبَا سُهَيْلٍ، وَهُوَ وَاهٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا، وَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ، قَالَ: وَجَدْت فِي كِتَابِ أَبِي ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ الْعَرْزَمِيُّ1 عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً كُنْت فِيهَا، فَأَصَابَتْنَا ظُلْمَةٌ، فَلَمْ نَعْرِفْ الْقِبْلَةَ، فَصَلَّوْا، وَخَطُّوا خُطُوطًا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا، وَطَلَعَتْ الشَّمْسُ أَصْبَحَتْ تِلْكَ الْخُطُوطُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَلَمَّا قَفَلْنَا مِنْ سَفَرِنَا سَأَلْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَسَكَتَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} الْآيَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إنَّهَا نَزَلَتْ فِي التَّطَوُّعِ خَاصَّةً: حَيْثُ تَوَجَّهَ بِك بَعِيرُك، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَعِلَّةُ هَذَا الِانْقِطَاعُ فِيمَا بَيْنَ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَبِيهِ، وَالْجَهْلُ بِحَالِ أَحْمَدَ الْمَذْكُورِ، وَمَا مَسَّ بِهِ أَيْضًا عُبَيْدَ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيَّ مِنْ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ أبي خثيمة. وَغَيْرُهُ، انْتَهَى. الطَّرِيقُ الثَّالِثُ 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ نَحْوُهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْحَدِيثِ إسْنَادًا صَحِيحًا، وذلك لأن عاصم عن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيَّ. وَمُحَمَّدَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيَّ. وَمُحَمَّدَ بْنَ سَالِمٍ كُلَّهُمْ ضُعَفَاءُ، وَالطَّرِيقُ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ الْعَرْزَمِيِّ غَيْرُ وَاضِحٍ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْوِجَادَةِ وَغَيْرِهَا، انْتَهَى. وقال ابن الفطان فِي كِتَابِهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ. وَمُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ ضَعِيفَانِ، وَهُمَا حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ يَرْوِيهِمَا جَابِرٌ: أَحَدُهُمَا: كَانَ فِي غَزْوَةٍ كَانَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْآخَرُ: سَرِيَّةٌ بَعَثَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِلَّةُ أَحَدِهِمَا غَيْرُ عِلَّةِ الْآخَرِ، قَالَ: وَأَخْطَأَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ حَيْثُ جَعَلَهُمَا حَدِيثًا وَاحِدًا، قَالَ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ لَوْ صَحَّتَا، بِأَنَّ السَّرِيَّةَ كَانَتْ جَرِيدَةً جَرَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَسْكَرِ، فَمَرَّ فِيهَا جَابِرٌ، وَاعْتَرَاهُمْ مَا ذُكِرَ، وَلَمَّا قَفَلُوا مِنْهَا إلَى عَسْكَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ، أَوْ تَكُونُ الْجَرِيدَةُ لَمْ تَجْتَمِعْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا فِي الْمَدِينَةِ، حَتَّى يَكُونَ قَوْلُهُ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلُهُ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً صَادِقِينَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يُرْوَى مِنْ وَجْهٍ يثبت، انتهى. الحديث السابع: رُوِيَ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ لَمَّا سَمِعُوا بِتَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ اسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ، وَاسْتَحْسَنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ3 عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءَ إذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، فَاسْتَقْبَلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا4 أَيْضًا عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا حَتَّى نَزَلَتْ {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} فنزلت بعد ما صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَمَرَّ بِنَاسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَهُمْ يُصَلُّونَ، فَحَدَّثَهُمْ بِالْحَدِيثِ، فَوَلَّوْا وُجُوهَهُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: سِتَّة عَشَرَ شَهْرًا، وَسَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ1 عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَنَزَلَتْ {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً، فَنَادَى: أَلَّا إنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ، فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، انْتَهَى. انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ2 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ عليه السلام يُعْجِبُهُ أَنْ يَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رُكُوعٌ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ، قِبَلَ الْبَيْتِ، مُخْتَصَرٌ، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ3 فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، انْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ - فِي بَابِ الْإِيمَانِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ - هُوَ الْوَاقِدِيُّ - ثَنَا عُمَرُ بْنُ صَالِحٍ عن صالح مولى التوءَمة، قَالَ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: صَلَّيْت الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصُرِفَتْ الْقِبْلَةُ إلى بالبيت، وَنَحْنُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، فَاسْتَدَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَدَرْنَا مَعَهُ، انْتَهَى.
باب صفة الصلاة
بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ: " إذَا قُلْت هَذَا، أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ4 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ ثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، قَالَ: أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدِي، فَحَدَّثَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ فَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ
فِي الصَّلَاةِ، فَذَكَرَ مِثْلَ دُعَاءِ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ: إذَا قُلْت هَذَا1، أَوْ قَضَيْت هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ، إنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَدَلَّ بِهِ هُنَا عَلَى فَرْضِيَّةِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ هُنَاكَ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ السَّلَامِ، هَلْ هُوَ فَرْضٌ أَوْ لا، قل مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ2 حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بن دكين اللائي3. وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَا: ثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ بِهِ، فَذَكَرَ التَّشَهُّدَ بِحُرُوفِهِ، وَفِي آخِرِهِ، فَإِذَا قُلْت هَذَا، فَقَدْ قَضَيْت مَا عَلَيْك، إنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تحرمها التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ. وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ. وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4. وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ صَدُوقٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْض أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، وَسَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يَقُولُ: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَإِسْحَاقُ. وَالْحُمَيْدِيُّ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِهِ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهُوَ مُقَارَبُ الْحَدِيثِ، وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ. وَأَبِي سَعِيدٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ. وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَةِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ"، الْحَدِيثَ، قَالَ: وَهَذَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُرْسَلٌ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ1 مِنْ حَدِيثِ طَرِيفِ بْنِ شِهَابٍ أَبِي سُفْيَانَ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ: حَدِيثُ عَلِيٍّ أَجْوَدُ إسناد، أَوْ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي الْوُضُوءِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ أَشْهَرُ إسْنَادًا، لَكِنَّ الشَّيْخَيْنِ أَعْرَضَا عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَقِيلٍ أَصْلًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ وَأَعَلَّهُ بِأَبِي سُفْيَانَ، ثُمَّ قَالَ: وَحَدِيثُ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ أَصَحُّ مِنْ هَذَا، عَلَى أَنَّ فِي الْآخَرِ لِينًا، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، سَوَاءٌ، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُرْوَى هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ الْوَاقِدِيُّ4. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ مِسْكِينٍ قَاضِي الْمَدِينَةِ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ بِهِ، وَأَعَلَّهُ بِابْنِ مِسْكِينٍ، وَقَالَ: إنَّهُ يَسْرِقُ، وَيَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الْأَثْبَاتِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ5 حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا نَافِعٌ مَوْلَى يُوسُفَ السُّلَمِيُّ6 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، سَوَاءٌ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَى رَفْعِ يَدَيْهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، قُلْت: هَذَا مَعْرُوفٌ فِي أَحَادِيثِ صِفَةِ صَلَاتِهِ عليه السلام: مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ7 عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أن يركع، وبعد ما يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَا يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا بِتَمَامِهِ، أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ، إلَّا مُسْلِمًا. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ1 مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يرفع يديه إذا افتح الصَّلَاةَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ فِي الْجَهْرِ بِالتَّكْبِيرِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ ثَنَا فُلَيْحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: اشْتَكَى، أَبُو هُرَيْرَةَ، أَوْ غَابَ، فَصَلَّى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ افْتَتَحَ، وَحِينَ رَكَعَ، وَبَعْدَ أَنْ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَحِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، وَحِينَ سَجَدَ، وَحِينَ رَفَعَ، وَحِينَ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قِيلَ لَهُ: قَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ عَلَى صَلَاتِك، فَقَالَ: مَا أُبَالِي، إنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا يُصَلِّي، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: لَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْبَيْهَقِيُّ إخْرَاجَ الْحَدِيثِ فِي الْجُمْلَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَلَفْظُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: صَلَّى لَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، وَحِين سَجَدَ، وَحِينَ رَفَعَ، وَحِينَ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: أَنَّهُ جَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ افْتَتَحَ، وَحِينَ رَكَعَ، وَبَعْدَ أَنْ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابٌ يُكَبِّرُ، وَهُوَ يَنْهَضُ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ، قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ3 إلَّا مُسْلِمًا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا حُمَيْدٍ
السَّاعِدِيَّ، فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ، قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: ولم؟! فو الله مَا كُنْت بِأَكْثَرِنَا لَهُ تَبَعَةً، وَلَا أَقْدَمِنَا لَهُ صُحْبَةً، قَالَ: بَلَى، قَالُوا: فَاعْرِضْ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كبر حَتَّى يَقِرَّ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا، ثُمَّ يَقْرَأُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَضَعُ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَعْتَدِلُ، فَلَا يَصُبُّ رَأْسَهُ وَلَا يُقْنِعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ مُعْتَدِلًا، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَهْوِي إلَى الْأَرْضِ، فَيُجَافِي يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، وَيُثْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى، فَيَقْعُدَ عَلَيْهَا وَيَفْتَحُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ إذَا سَجَدَ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَيَرْفَعُ، وَيُثْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى، فَيَقْعُدَ عَلَيْهَا حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ إلَى مَوْضِعِهِ، ثُمَّ يَصْنَعُ فِي الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ إذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، كَمَا كَبَّرَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ، حَتَّى إذَا كَانَتْ السَّجْدَةُ الَّتِي فِيهَا التَّسْلِيمُ أَخَّرَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَقَعَدَ مُتَوَرِّكًا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ، قَالُوا: صَدَقْت، هَكَذَا كَانَ يُصَلِّي، انْتَهَى. أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا، وَضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ1 بِمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ، وَفِي الْجُلُوسِ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ2 عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يركع، وبعد ما يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَا يَرْفَعُ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ3: إنَّمَا كَانَ رَفْعُهُمْ الْأَيْدِي إلَى الْمَنَاكِبِ لِعِلَّةِ الْبَرْدِ، بِدَلِيلِ أَنَّ وَائِلَ بْنَ حُجْرٌ لَمَّا رَوَى الرَّفْعَ إلَى الْأُذُنَيْنِ، قَالَ فِي حَدِيثِهِ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَعَلَيْهِمْ الْأَكْسِيَةُ وَالْبَرَانِسُ، فَكَانُوا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إلَى الْمَنَاكِبِ، قَالَ: فَتُحْمَلُ أَحَادِيثُ الْمَنَاكِبِ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ، وَتَتَّفِقُ الْآثَارُ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رَوَى وَائِلُ، وَالْبَرَاءُ، وَأَنَسٌ، رضي الله عنهم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِذَا أُذُنَيْهِ، قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ4 عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ. وَمَوْلًى لَهُمْ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ أَبِيهِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يديه حتى دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ، وَصَفَّهُمَا حِيَالَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى
عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ الثَّوْبِ، ثُمَّ رَفَعَهُمَا، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ، فَلَمَّا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا سَجَدَ، بَيَّنَ كَفَّيْهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ، فَرَوَاهُ أَحْمَدُ1. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا. والدارقطني فِي سُنَنِهِ، وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى تَكُونَ إبْهَامَاهُ حِذَا أُذُنَيْهِ، انْتَهَى. زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ: ثُمَّ لَمْ يَعُدْ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ. والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا2 مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْعَطَّارِ ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فَحَاذَى بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ رَكَعَ حَتَّى اسْتَقَرَّ كُلُّ مِفْصَلٍ مِنْهُ، وَانْحَطَّ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى سَبَقَتْ رُكْبَتَاهُ يَدَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ الْعَلَاءُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَفْصٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ3 ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك. إلَى آخِرِهَا، وَقَالَ: إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا، قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِقَوْلِهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ يَعْنِي تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ لِأَنَّهُ هُوَ المعقول، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، انْتَهَى. وَطُولَهُ فِي بَابِ وَصْفِ الصَّلَاةِ4، فَرَوَاهُ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَرَكَعَ، ثُمَّ اعْتَدَلَ، فَلَمْ يُصَوِّبْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُقْنِعْ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَاعْتَدَلَ حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا،
ثُمَّ يَهْوِي إلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ إبْطَيْهِ، وَفَتَحَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَقَعَدَ عَلَيْهَا، ثُمَّ اعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا، ثُمَّ هَوَى سَاجِدًا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ وَقَعَدَ، وَاعْتَدَلَ حَتَّى يرجع كُلُّ عُضْوٍ فِي مَوْضِعِهِ، ثُمَّ نَهَضَ فَصَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى إذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، كَمَا صَنَعَ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ صَنَعَ كَذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَقْعُدُ مُتَوَرِّكًا، ثُمَّ يُسَلِّمُ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَيُنْظَرُ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ عَزَاهُ فِي التَّحْقِيقِ إلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ1. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ2 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا حَجَّاجٌ ثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، فَأَخَفَّ صَلَاتَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: "وَعَلَيْك السَّلَامُ ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا، فَعَلَّمَنِي، فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّهُ لَا يَتِمُّ صَلَاةٌ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، فَيَضَعَ الْوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ بِمَا شَاءَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ، ثُمَّ يَرْكَعُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ، ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ، وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ، ثُمَّ يُكَبِّرُ، ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَيُكَبِّرُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ"، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ3 لَكِنْ بِلَفْظِ: ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ اللَّهَ، فِي الْأَوَّلِ، وَقَالُوا فِي الْبَاقِي: ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَهَذَا عَكْسُ لَفْظِ الطَّبَرَانِيِّ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا في معجمه حدثنا حمد بْنُ إدْرِيسَ الْمِصِّيصِيِّ. وَالْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، قَالَا: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ النُّعْمَانِ الْفَرَّاءُ الْمِصِّيصِيِّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْأَسْلَمِيُّ4 عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ الشمالي5 رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا
إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، وَلَا تُخَالِفْ آذَانَكُمْ، ثُمَّ قُولُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ، سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك، وَإِنْ لَمْ تَزِيدُوا عَلَى التَّكْبِيرِ أَجَزَاكُمْ انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْقُرَشِيُّ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ ثَنَا أَبِي عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، {وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ} ، إلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَصَحَّحَ الْبَزَّارُ إسْنَادَهُ1، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَتَعْيِينُ لَفْظِ: اللَّهُ أَكْبَرُ فِي الِافْتِتَاحِ شَيْءٌ عَزِيزٌ فِي الْحَدِيثِ لَا يَكَادُ يُوجَدُ حَتَّى إنَّ ابْنَ حَزْمٍ أَنْكَرَهُ، وَقَالَ: إنَّهُ مَا عُرِفَ قَطُّ2 قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الْبَزَّارِ الْمَذْكُورَ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا نَحْوَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ. وَالطَّبَرَانِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ3 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَالَ الْإِمَامُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقُولُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ". حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاعْدِلُوا صُفُوفَكُمْ، وَأَقِيمُوهَا، وَسُدُّوا الْفُرَجَ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي، فَإِذَا قَالَ إمَامُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقُولُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، وَإِنَّ خَيْرَ صُفُوفِ الرِّجَالِ الْمُقَدَّمُ، وَشَرَّهَا الْمُؤَخَّرُ، وَخَيْرَ صُفُوفِ النِّسَاءِ الْمُؤَخَّرُ، وَشَرَّهَا الْمُقَدَّمُ" مُخْتَصَرٌ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ مِنْ السُّنَّةِ وَضْعَ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ تَحْتَ السُّرَّةِ"، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ4 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ الْوَاسِطِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ زَيْدٍ السُّوَائِيِّ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: السُّنَّةُ وَضْعُ الْكَفِّ عَلَى الْكَفِّ تَحْتَ السُّرَّةِ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يُوجَدُ فِي غَالِبِ نسخ أبي داود، وإنما وَجَدْنَاهُ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ
رِوَايَةِ ابْنِ دَاسَةَ1. وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْزُهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي الْأَطْرَافِ إلَيْهِ، وَلَا ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَلَمْ يَعْزُهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى2 إلَّا لِمُسْنَدِ أَحْمَدَ فَقَطْ. وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَمْ يَعْزُهُ إلَّا لِلدَّارَقُطْنِيِّ. وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَلَمْ أَرَ مَنْ عَزَاهُ لِأَبِي دَاوُد إلَّا عَبْدَ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ مِنْ جِهَةِ الْعَزْوِ عَلَى عَادَتِهِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَعَقَّبَهُ مِنْ جِهَةِ التَّضْعِيفِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بْنُ إسْحَاقَ هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ أَبُو شَيْبَةَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ فِيهِ ابْنُ حَنْبَلٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَزِيَادُ بْنُ زَيْدٍ هَذَا لَا يُعْرَفُ، وَلَيْسَ بِالْأَعْسَمِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ3، والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَتِهِ فِي سُنَنِهِمَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: لَا يَثْبُتُ إسْنَادُهُ، تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إسْحَاقَ الْوَاسِطِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ - وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هُوَ حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى تَضْعِيفِهِ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ إسْحَاقَ ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ4، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَةَ السُّنَّةِ يَدْخُلُ فِي الْمَرْفُوعِ عِنْدَهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّقَصِّي: وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحَابِيَّ إذَا أَطْلَقَ اسْمَ السُّنَّةِ، فَالْمُرَادُ بِهِ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ إذَا أَطْلَقَهَا غَيْرُهُ مَا لَمْ يُضِفْ إلَى صَاحِبِهَا، كَقَوْلِهِمْ: سُنَّةُ الْعُمَرَيْنِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ، رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ5 مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حجر، قال: صليت
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى صَدْرِهِ، انْتَهَى. لَمْ يَذْكُرْ النَّوَوِيُّ فِي الْبَابِ
غَيْرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ.
أَحَادِيثُ وَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ، أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَأْمُرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا أَعْلَمُهُ إلَّا يُنْمَى ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَصَفَّهُمَا حِيَالَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، مُخْتَصَرٌ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَبِي زَيْنَبَ سَمِعْت أَبَا عُثْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى3 فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، انْتَهَى. وَفِي إسْنَادِهِ حَجَّاجُ بْنُ أَبِي زَيْنَبَ فِيهِ لِينٌ، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ4: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ5 عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنا معشر الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُمْسِكَ بِأَيْمَانِنَا عَلَى شَمَائِلِنَا فِي الصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَطَلْحَةُ هَذَا، قَالَ فِيهِ أَحْمَدُ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ. وَأَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَأَبُو زُرْعَةَ. وَابْنُ حِبَّانَ. والدارقطني. وَابْنُ عَدِيٍّ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ النَّضْرِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ ابن أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالنَّضْرُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ. وَأَبُو زُرْعَةَ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى أَيْضًا ضَعِيفٌ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ6 عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّنَا فَيَأْخُذُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ بَيْنَ قَوْلِهِ: " سُبْحَانَك اللَّهُمَّ، وَبِحَمْدِك"، إلَى آخِرِهِ، وَقَوْلِهِ: {وَجَّهْت وَجْهِي} ، إلَى آخِرِهِ.
قُلْت: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. أَمَّا حديث ابن عمر، فأخرج الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ فُلَيْحِ الْمَكِّيُّ ثَنَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: {وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} ، سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك {إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ1، نَقَلَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِهِ تَضْعِيفَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: كَانَ يُقَلِّبُ الْأَسَانِيدَ وَالْمُتُونَ، وَيَرْفَعُ الْمَرَاسِيلَ وَالْمَوْقُوفَاتِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ2، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدَانَ أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ ثَنَا ابْنُ نَاجِيَةَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحِمْصِيُّ ثَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ، قَالَ: "سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك، وَجَّهْت وَجْهِي"، إلَى آخِرِهَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَقَدْ رُوِيَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، مَرَّةً عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَمَرَّةً عَنْ جَابِرٍ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. وَوَجَدْت فِي كِتَابِ الْعِلَلِ - لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ3 قَالَ: سَأَلَ أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ أُبَيًّا عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجَامِعِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ بَيْنَ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَبَيْنَ وَجَّهْت وَجْهِي، إلَى آخِرِهِمَا، قَالَ إسْحَاقُ: وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَحَبُّ إلَيَّ، فَقَالَ أُبَيٍّ: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ لَا أَصْلَ لَهُ، أَرَى أَنَّ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْقَاسِمِ الْمَدَائِنِيِّ، وَقَدْ كَانَ خَرَجَ إلَى مِصْرَ، فَسَمِعَ مِنْ اللَّيْثِ، فَرَجَعَ إلَى الْمَدَائِنِ، فَسَمِعَ مِنْهُ النَّاسُ، وَكَانَ يُوصَلُ الْمَرَاسِيلَ، وَيَضَعُ لها أسانيد، فخرح رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَى مِصْرَ فَكَتَبَ كُتُبَ اللَّيْثِ هُنَاكَ، ثُمَّ قَدِمَ بِهَا بَغْدَادَ، فَعَارَضُوا بِتِلْكَ الْأَحَادِيثِ، فَبَانَ لَهُمْ أَنَّ أَحَادِيثَ خَالِدٍ مُفْتَعَلَةٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ حَدِيثَ عَلِيٍّ مُنْفَرِدًا بِقَوْلِهِ: وَجَّهْت وَجْهِي فَقَطْ، أَخْرَجَهُ فِي التَّهَجُّدِ4 مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: {وَجَّهْت وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} {قُلْ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} ، " اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ، لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ"، الْحَدِيثَ. وَهُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِيهِ: كَانَ إذَا ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، قَالَ: {وَجَّهْت وَجْهِي} إلَى آخِرِهِ، وَجَهِلَ بَعْضُ النَّاسِ، فَفَهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَضُمُّ إلَيْهِ قَوْلَهُ: {وَجَّهْت وَجْهِي} إلَى آخِرِهِ لِرِوَايَةِ عَلِيٍّ: أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ، انْتَهَى. أَنَّهُ أَرَادَ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ: {وَجَّهْت وَجْهِي} فَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ عَلِيٍّ، وَهَذَا فَهْمٌ فَاسِدٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ الْجَمْعَ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ أَعْنِي قَوْلَهُ: {وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي} إلَى آخِرِهِ، وَسُبْحَانَك اللَّهُمَّ، إلَى آخِرِهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ اللَّفْظِ، مَعَ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ1 لَمْ يَسْتَدِلَّ لِلْقَائِلِينَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ إلَّا بِحَدِيثِ عَلِيٍّ، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَبِحَدِيثِ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، مِنْ رِوَايَةِ الْخُدْرِيِّ. وَغَيْرِهِ قَالَ: فَلَمَّا جَاءَتْ الرِّوَايَةُ بِهَذَا اسْتَحْسَنَ أَبُو يُوسُفَ أَنْ يَقُولَهُمَا الْمُصَلِّي جَمِيعًا، انْتَهَى. وَكَأَنَّ الطَّحَاوِيَّ لَمْ يَقَعْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا فِي الْجَمْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ، وَقَرَأَ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، إلَى آخِرِهِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا، قُلْت: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْأَسْوَدِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: " سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ بن الْأَسْوَدُ، قَالَ الْمَرْوَزِيِّ: سُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَسْرِقُ الْحَدِيثَ، وَأَحَادِيثُهُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: ضَعِيفٌ جِدًّا يَتَكَلَّمُونَ فِي حَدِيثِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ: رُبَّمَا أَخْطَأَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ3 سَمِعْت أَبِي، وَذَكَرَ حَدِيثًا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ حُمَيْدٍ بن أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَأَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَى حَذْوِ أُذُنَيْهِ، فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ كَذِبٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ لَا بَأْسَ بِهِ،
كَتَبْت عَنْهُ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ - فِي الدُّعَاءِ1، وَهُوَ مُجَلَّدٌ لَطِيفٌ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ أَنَسُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ ثَنَا أَبُو الْإِصْبَعِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى ثَنَا مَخْلَدٍ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَائِذِ بْنِ شُرَيْحٍ2 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ يُكَبِّرُ، ثُمَّ يَقُولُ: "سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك"، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخر، روى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ حَدَّثَنَا مَحْمُودُ3 بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى رَحْمَوَيْهِ4 ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى الشَّيْبَانِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ5 قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ، قَالَ: "سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك"، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ6 مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ الرِّفَاعِيِّ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ كَبَّرَ، ثُمَّ يَقُولُ: "سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك"، ثُمَّ يَقُولُ: "لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ثَلَاثًا"، ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ثَلَاثًا، أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ"، ثُمَّ يَقْرَأُ، انْتَهَى. بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيِّ. وَلَفْظُ النَّسَائِيّ. وَابْنِ مَاجَهْ، قَالَ: كَانَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ يَقُولُ: " سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك"، انْتَهَى. لَمْ يَقُولَا فِيهِ: ثُمَّ يَقُولُ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الْحَدِيثُ يَقُولُونَ: هُوَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا، الْوَهْمُ مِنْ جَعْفَرٍ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي إسْنَادِهِ، كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَتَكَلَّمُ فِي عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: عَلِيُّ بْنُ عَلِيٍّ هَذَا هُوَ ابْنُ نِجَادِ بْنِ رِفَاعَةَ الْبَصْرِيُّ، كُنْيَتُهُ أَبُو إسْمَاعِيلَ، وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد7 عَنْ طَلْقِ بْنِ غَنَّامٍ ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ بُدَيْلُ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، قَالَ: "سُبْحَانَك
اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك"، قَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ، لَمْ يَرْوِهِ إلَّا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، وَقَدْ رَوَى قِصَّةَ الصَّلَاةِ جَمَاعَةٌ عَنْ بُدَيْلُ، لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ شَيْئًا مِنْ هَذَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنَحْوِهِ، سَوَاءٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَحَارِثَةُ قَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ، مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، انْتَهَى. وَبِالْإِسْنَادَيْنِ أَعْنِي سَنَدَ أَبِي دَاوُد. وَسَنَدَ التِّرْمِذِيِّ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَا أَحْفَظُ فِي قَوْلِهِ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك فِي الصَّلَاةِ أَصَحَّ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ3 أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: وَقَدْ أَسْنَدَهُ بَعْضُهُمْ4 عَنْ عُمَرَ، وَلَا يَصِحُّ، انْتَهَى. وَالْعَجَبُ مِنْ شَيْخِنَا عَلَاءِ الدِّينِ كَيْفَ عَزَا هَذَا الْحَدِيثَ لِلْحَاكِمِ. وَالْبَيْهَقِيِّ فَقَطْ، وَهُوَ فِي السُّنَنِ، كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَكَمْ يُقَلِّدُ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَبُو الْجَوْزَاءِ هَذَا بِجِيمٍ، وَزَايٍ أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّبَعِيُّ، يَرْوِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَائِشَةَ، وَهُوَ يَشْتَبِهُ بِأَبِي الحوراء بمهملتين ربيع بْنِ شَيْبَانُ، يَرْوِي عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. حَدِيثٌ آخَرُ مَوْقُوفٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ5 عَنْ عَبْدَةَ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي لُبَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَجْهَرُ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ يَقُولُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَه غَيْرُك، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَعَبْدَةُ لَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ عُمَرَ، وَإِنَّمَا سَمِعَ مِنْ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَيُقَالُ: إنَّهُ رَأَى عُمَرَ رُؤْيَةً، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ مَعَ غَيْرِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْعِلَلِ: وَقَدْ رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حُمَيْدٍ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ6 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَالَفَهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ، فَرَوَاهُ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ، قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ ثَنَا فِرْدَوْسُ الْأَشْعَرِيُّ ثَنَا مَسْعُودُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْت الْحَكَمَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ، قَالَ: "سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك"، إلَى آخِرِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، روى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الْمِصِّيصِيِّ. وَالْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، قَالَا: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ النُّعْمَانِ الْفَرَّاءُ الْمِصِّيصِيِّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْأَسْلَمِيُّ1 عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا: إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، وَلَا تُخَالِفْ آذَانَكُمْ، ثُمَّ قُولُوا: "اللَّهُ أَكْبَرُ، سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك، وَإِنْ لَمْ تَزِيدُوا عَلَى التَّكْبِيرِ أَجْزَاكُمْ"، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ التَّكْبِيرِ. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ نَحْوَهُ، سَوَاءٌ، وَأَمَّا الِاسْتِعَاذَةُ، فَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: يُسْتَحَبُّ التَّعَوُّذُ عِنْدَنَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} ، وَفِيهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمُ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. وَالتِّرْمِذِيُّ، انْتَهَى. قُلْت: وَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصلاة بالتكبير، والقراءة - بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ -، انْتَهَى. الْحَدِيثُ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ2، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا نَهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَفْتَحَ القراءة - بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ -، وَلَمْ يَسْكُت، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ3 أَيْضًا، وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَيْضًا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4 وَمُسْلِمٌ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ - بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ -، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: نُقِلَ فِي الْمَشَاهِيرِ: قِرَاءَةُ بسم الله الرحمن الرحيم، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَرَأَ بسم الله الرحمن الرحيم، ثُمَّ قَرَأَ: بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا سَلَّمَ، قَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ5 صَلَاةً برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انتهى.
وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِمَا. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَسَيَأْتِي. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ2 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ ببسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ، وَأَبُو خَالِدٍ، قِيلَ: هُوَ الْوَالِبِي الْكُوفِيُّ، وَاسْمُهُ هُرْمُزُ، وَيُقَالُ: هَرِمٌ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْكُنَى أَبُو خَالِدٍ رَوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَى عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، سَمِعْت أَبِي يَقُولُ ذَلِكَ، وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الَّذِي رَوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثَ الْبَسْمَلَةِ، رَوَى عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي مَنْ هُوَ، لَا أَعْرِفُهُ، كَذَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْكُنَى تَرْجَمَةَ أَبِي خَالِدٍ هَذَا، وَذَكَرَ فِي الْأَسْمَاءِ تَرْجَمَةَ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ، وَسَمَّاهُ هُرْمُزَ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي إسْمَاعِيلَ: حَدِيثُهُ ضَعِيفٌ، وَيَحْكِيهِ عَنْ مَجْهُولٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ: بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ النَّضْرِ الْقُرَشِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ ثنا بن عربي ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ: بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَرْوِيه غَيْرُ مُعْتَمِرٍ، وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَأَبُو خَالِدٍ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ: بسم الله الرحمن الرحيم
فِي صَلَاتِهِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادٌ عَلَوِيٌّ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ: هَذَا إسْنَادٌ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَسُلَيْمَانُ هَذَا لَا أَعْرِفُهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ: بسم الله الرحمن الرحيم فِي الْفَاتِحَةِ - فِي الصَّلَاةِ وَعَدَّهَا آيَةً، انْتَهَى. ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 عَنْ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَهُ، وَسَيَأْتِي فِي أَحَادِيثِ الْجَهْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ يَبْدَأُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَأَبُوهُ ضَعِيفَانِ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا3 عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَالِحٍ الْأَحْمَرِ عَنْ يَزِيدَ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا أَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى أُخْبِرَك بِآيَةٍ، أَوْ بِسُورَةٍ لَمْ تَنْزِلْ عَلَى نَبِيٍّ بَعْدَ سُلَيْمَانَ غَيْرِي"، فَمَشَى، وَتَبِعْتُهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَأَخْرَجَ رِجْلَهُ وَبَقِيَتْ الْأُخْرَى، فَقُلْت: أَنَسِيَ؟ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: "بِأَيِّ شَيْءٍ يُفْتَتَحُ الْقُرْآنُ إذَا افْتَتَحَتْ الصَّلَاةَ؟ " قُلْت: بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ "هِيَ هِيَ"، ثُمَّ خَرَجَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَمَّا سَلَمَةُ. وَعَبْدُ الْكَرِيمِ، فَقَالَ أَحْمَدُ. وَيَحْيَى: لَيْسَا بِشَيْءٍ، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَيَزِيدُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ: فَذَكَرَ مِنْهَا: التَّعَوُّذَ. وَالتَّسْمِيَةَ. وَآمِينَ. وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَبِمَعْنَاهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ ثَنَا أَبُو وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُخْفِي بسم الله الرحمن الرحيم، وَالِاسْتِعَاذَةَ، وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كتاب الآثار حدثنا أبو حنيفة حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ: التَّعَوُّذَ. وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَسُبْحَانَك اللَّهُمَّ، وَبِحَمْدِك. وَآمِينَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنِّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ حَمَّادٍ بِهِ بِذِكْرِهِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ عِوَضَ قَوْلِهِ: سُبْحَانَك
اللَّهُمَّ. وَاَللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: خَمْسٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ، فَذَكَرهَا، وَزَادَ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَرَ فِي صَلَاتِهِ بِالتَّسْمِيَةِ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1. والدارقطني فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سليمان من الصلاة مالا أُحْصِيهَا: الصُّبْحَ. وَالْمَغْرِبَ، فَكَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَبْلَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَبَعْدَهَا، وَقَالَ الْمُعْتَمِرُ: مَا آلُو أَنْ أَقْتَدِي بِصَلَاةِ أَبِي. قَالَ أَبِي: مَا آلُو أَنْ أَقْتَدِي بِصَلَاةِ أَنَسٍ، وَقَالَ أَنَسٌ: مَا آلُو أَنْ أَقْتَدِي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا2 عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ فِي الْمَكْتُوبَاتِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، فَكَانُوا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ فِي الصَّلَاةِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا3 عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَمَّ النَّاسَ جَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَبَيَانُ عِلَلِهَا، وَجَمِيعِ طُرُقِهَا، مُسْتَوْفًى، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَجْهَرُ بِالتَّسْمِيَةِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4. وَمُسْلِمٌ فِي صحيحيهما عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يقرأ بسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا يَذْكُرُونَ بسم الله الرحمن الرحيم فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ5. وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَابْنُ حِبَّانَ
فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ. والدارقطني فِي سُنَنِهِ، وَقَالُوا فِيهِ: فَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ: وَيَجْهَرُونَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ1. وَابْنِ حِبَّانَ أَيْضًا: فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فِي مُسْنَدِهِ: فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ فِيمَا يُجْهَرُ بِهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَفِي لَفْظٍ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمِهِ. وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ. وَابْنِ خُزَيْمَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُخْتَصَرِ2: وَكَانُوا يُسِرُّونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَرِجَالُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، مُخَرَّجٌ لَهُمْ فِي الصَّحِيحِ جَمْعٌ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي الْبَسْمَلَةِ، وَالْمَذَاهِبُ فِي كَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةٌ: طَرَفَانِ. وَوَسَطٌ، فَالطَّرَفُ الْأَوَّلُ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ، إلَّا فِي سُورَةِ النَّمْلِ، كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ. وَطَائِفَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ مُدَّعِيًا أَنَّهُ مَذْهَبُهُ، أَوْ نَاقِلًا لِذَلِكَ رِوَايَةً عَنْهُ. وَالطَّرَفُ الثَّانِي الْمُقَابِلُ لَهُ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ، أَوْ بَعْضُ آيَةٍ، كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ. ومن وافقه، فد نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَوَائِلِ السُّوَرِ غَيْرُ الْفَاتِحَةِ، وَإِنَّمَا يُسْتَفْتَحُ به السُّوَرِ تَبَرُّكًا بِهَا، وَالْقَوْلُ الْوَسَطُ: إنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ حَيْثُ كُتِبَتْ، وَإِنَّهَا مَعَ ذَلِكَ لَيْسَتْ مِنْ السُّوَرِ، بَلْ كُتِبَتْ آيَةً فِي كُلِّ سُورَةٍ، وَكَذَلِكَ تُتْلَى آيَةً مُفْرَدَةً فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ، كَمَا تَلَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: {إنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَرَ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ3 مِنْ حَدِيثِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسٍ أنه عليه السلام أغفا إغْفَاءَةً، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: "نَزَلَتْ عَلَيَّ سُورَةٌ آنِفًا، ثُمَّ قَرَأَ: {بسم الله الرحمن الرحيم، إنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَرَ} إلَى آخِرِهَا، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ4: "إنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ، هِيَ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهِيَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} "، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ. وَدَاوُد. وأباعه، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ أَنَّهُ مُقْتَضَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنَّ فِي هَذَا الْقَوْلِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَكِتَابَتُهَا سَطْرًا مُفَصَّلًا عَنْ السُّورَةِ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ {بسم الله الرحمن الرحيم} وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يَعْرِفُ انْقِضَاءَ السُّورَةِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ثُمَّ لِأَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ في الفاتحة قولان، وهما رِوَايَتَانِ
عَنْ أَحْمَدَ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ دُونَ غَيْرِهَا، تَجِبُ قِرَاءَتُهَا حَيْثُ تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ. وَالثَّانِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ قِرَاءَتَهَا فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ كَقِرَاءَتِهَا فِي أَوَّلِ السُّوَرِ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تُوَافِقُ هَذَا الْقَوْلَ، وَحِينَئِذٍ الْأَقْوَالُ فِي قِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا ثَلَاثَةٌ: أحدها: أنه وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْفَاتِحَةِ، كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الحديث، بناءاً عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ. والثاني: أنه مَكْرُوهَةٌ سِرًّا وَجَهْرًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا جَائِزَةٌ بَلْ مُسْتَحَبَّةٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، ثُمَّ مَعَ قِرَاءَتِهَا هَلْ يُسَنُّ الْجَهْرُ بِهَا أَوْ لَا؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: يُسَنُّ الْجَهْرُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَمَنْ وَافَقَهُ. وَالثَّانِي: لَا يُسَنُّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَالرَّأْيِ. وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ. وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَابْنِ حَزْمٍ، وَكَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ بِالْجَهْرِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، قَالَ: وَيَسُوغُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتْرُكَ الْأَفْضَلَ لِأَجْلِ تَأْلِيفِ الْقُلُوبِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ، خَوْفًا مِنْ التَّنْفِيرِ، كَمَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَاءَ الْبَيْتِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ لِكَوْنِ قُرَيْشٍ كانوا حدثي عَهْدِ بِالْجَاهِلِيَّةِ، وَخَشِيَ تَنْفِيرَهُمْ بِذَلِكَ، وَرَأَى تَقْدِيمَ مَصْلَحَةِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمَّا أَنْكَرَ الرَّبِيعُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ إكْمَالَهُ الصَّلَاةَ خَلْفَ عُثْمَان، قَالَ: الْخِلَافُ شَرٌّ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ. وَغَيْرُهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَسْمَلَةِ، وَفِي وَصْلِ الْوِتْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا فِيهِ الْعُدُولُ عَنْ الْأَفْضَلِ إلَى الْجَائِزِ الْمَفْضُولِ مُرَاعَاةً لِائْتِلَافِ الْمَأْمُومِينَ أَوْ لِتَعْرِيفِهِمْ السُّنَّةَ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي سَدِّ الذَّرَائِعِ. هَذَا تَحْرِيرُ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ اعْتَمَدَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُصَنَّفِينَ عَلَى وُجُوبِ قرائتها، وَكَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ بِكِتَابَةِ الصَّحَابَةِ لَهَا فِي الْمُصْحَفِ بِعِلْمِ الْقُرْآنِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَهَذَا أَقْوَى الْأَدِلَّةِ فِيهِ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ جَرَّدُوا الْقُرْآنَ عَمَّا لَيْسَ مِنْهُ، وَاَلَّذِينَ نَازَعُوهُمْ دَفَعُوا هَذِهِ الْحُجَّةَ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَقَالُوا: إنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَاطِعٍ، وَلَوْ كَانَ هَذَا قَاطِعًا لَكَفَرَ مُخَالِفُهُ، وَقَدْ سَلَكَ أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، وَغَيْرُهُ هَذَا الْمَسْلَكَ، وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ يَقْطَعُونَ بِخَطَإِ الشَّافِعِيِّ فِي جَعْلِهِ الْبَسْمَلَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، مُعْتَمِدِينَ عَلَى هَذِهِ الْحُجَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الْقُرْآنِ إلَّا بِالتَّوَاتُرِ، ولا تواتر ههنا، فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِنَفْيِ كَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذِهِ حُجَّةٌ مُقَابَلَةٌ بِمِثْلِهَا، فَيُقَالُ لَهُمْ: بَلْ يُقْطَعُ بِكَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ حَيْثُ كُتِبَتْ، كَمَا قَطَعْتُمْ بِنَفْيِ كَوْنِهَا مِنْهُ، وَمِثْلُ هَذَا النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ عَنْ الصَّحَابَةِ بِأَنَّ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ قُرْآنٌ، فَإِنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ آيَةِ وَآيَةٍ يَرْفَعُ الثِّقَةَ بِكَوْنِ الْقُرْآنِ الْمَكْتُوبِ بَيْنَ لَوْحَيْ الْمُصْحَفِ كَلَامَ اللَّهِ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ كَتَبُوا
الْمَصَاحِفَ نقلوا إلينا مَا كَتَبُوهُ بَيْنَ لَوْحَيْ الْمُصْحَفِ كَلَامَ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكْتُبُوا فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ، فَإِنْ قَالَ الْمُنَازِعُ: إنْ قَطَعْتُمْ بِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنْ الْقُرْآنِ حَيْثُ كُتِبَتْ فَكَفِّرُوا النَّافِيَ، قِيلَ لَهُمْ: هَذَا مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ، إذَا قَطَعْتُمْ بِنَفْيِ كَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَكَفِّرُوا مُنَازِعَكُمْ، وَقَدْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى نَفْيِ التَّكْفِيرِ فِي هَذَا الْبَابِ، مَعَ دَعْوَى كثير من الطائفيين الْقَطْعَ بِمَذْهَبِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ قَطْعِيًّا عِنْدَ شَخْصٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا عِنْدَ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا ادَّعَتْ طَائِفَةٌ أَنَّهُ قَطْعِيٌّ عِنْدَهَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قطعياً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلْ قي يَقَعُ الْغَلَطُ فِي دَعْوَى الْمُدَّعِي الْقَطْعَ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الْقَطْعِ، كَمَا يَغْلَطُ فِي سَمِعَهُ. وَفَهْمِهِ. وَنَقْلِهِ. وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِهِ، بَلْ كَمَا يَغْلَطُ الْحِسُّ الظَّاهِرُ فِي مَوَاضِعَ، وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ: الْأَقْوَالُ فِي كَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةٌ: طَرَفَانِ. وَوَسَطٌ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَلَّذِي اجتمع على الْأَدِلَّةُ هُوَ الْقَوْلُ الْوَسَطُ، وَهُوَ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ حَيْثُ كُتِبَتْ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ السُّوَرِ، بَلْ تُكْتَبُ قَبْلَ السُّورَةِ، وَتُقْرَأُ كَمَا قَرَأَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ بَدْءِ الْوَحْيِ، فِي قَوْلِهِ: فَجَاءَهُ الْمَلَكُ، فَقَالَ لَهُ: اقْرَأْ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الَّذِي خَلَقَ} : اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ آيَةً فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ لِكَوْنِهَا لَمْ تُذْكَرْ هُنَا، قَالَ: وَأُجِيبُ عَنْهُ: أَنَّ الْبَسْمَلَةَ أُنْزِلَتْ فِي وَقْتٍ آخَرَ، كَمَا نَزَلَ بَاقِي السور فِي وَقْتٍ آخَرَ، انْتَهَى. وحجة الخصوم المانععين مِنْ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ أَحَادِيثُ: أَقْوَاهَا حَدِيثُ أَنَسٍ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ في صحيحهما مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، سَمِعْت قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بسم الله الرحمن الرحيم، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَا يَذْكُرُونَ بسم الله الرحمن الرحيم فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ1. وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. والدارقطني فِي سُنَنِهِ، وَقَالُوا فِيهِ: وَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ: وَيَجْهَرُونَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ حِبَّانَ. وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فِي مُسْنَدِهِ: فَكَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ فِيمَا يُجْهَرُ بِهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَفِي لَفْظٍ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمَةِ. وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ. وَابْنِ خُزَيْمَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُخْتَصَرِ. وَالطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ: فَكَانُوا يُسِرُّونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَرِجَالُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، مُخَرَّجٌ لَهُمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ طُرُقٌ أُخْرَى دُونَ ذَلِكَ فِي الصِّحَّةِ، وَفِيهَا مَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ، وَكُلُّ أَلْفَاظِهِ تَرْجِعُ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ يصدق بعضها بعضً، وَهِيَ سَبْعَةُ أَلْفَاظٍ: - فَالْأَوَّلُ: 1كَانُوا لَا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَالثَّانِي:2فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُ أَوْ يَقْرَأُ: بسم الله الرحمن الرحيم. وَالثَّالِثُ3: فلم يكونوا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم: وَالرَّابِعُ4: فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَالْخَامِسُ5: فَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَالسَّادِسُ6: فَكَانُوا يُسِرُّونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَالسَّابِعُ7: فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقُرْآنَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهَذَا اللَّفْظُ هُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْخَطِيبُ، وَضَعَّفَ مَا سِوَاهُ لِرِوَايَةِ الْحُفَّاظِ لَهُ عَنْ قَتَادَةَ، وَلِمُتَابَعَةِ غَيْرِ قَتَادَةَ لَهُ عَنْ أَنَسٍ فِيهِ، وَجَعَلَهُ اللَّفْظَ الْمُحْكَمَ عَنْ أَنَسٍ، وَجَعَلَ غَيْرَهُ مُتَشَابِهًا، وَحَمَلَهُ عَلَى الِافْتِتَاحِ بِالسُّورَةِ لَا بِالْآيَةِ، وَهُوَ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلْأَلْفَاظِ الْمُنَافِيَةِ بِوَجْهٍ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ مُنَاقِضًا لَهَا؟، فَإِنَّ حَقِيقَةَ هَذَا اللَّفْظِ الِافْتِتَاحُ بِالْآيَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ التَّسْمِيَةِ جَهْرًا أَوْ سِرًّا، فَكَيْفَ يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ؟!، وَيُؤَكِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: "لَا يَذْكُرُونَ بسم الله الرحمن الرحيم. فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا" لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْجَهْرِ، لِأَنَّ أَنَسًا إنَّمَا يَنْفِي مَا يُمْكِنُهُ الْعِلْمُ بِانْتِفَائِهِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَسْمَعْ مَعَ الْقُرْبِ عُلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْهَرُوا، وَأَمَّا كَوْنُ الْإِمَامِ لَمْ يَقْرَأْهَا فَهَذَا لَا يُمْكِنُ إدْرَاكُهُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ سُكُوتٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ سِرًّا، وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا عَلَى عَدَمِ قِرَاءَتِهَا مَنْ لَمْ يَرَ هُنَا سُكُوتًا كَمَالِكٍ. وَغَيْرِهِ، لَكِنْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ8 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْت سُكُوتَك بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ
مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، إلَى آخِرِهِ، وَفِي السُّنَنِ1 عَنْ سَمُرَةَ. وَأُبَيُّ. وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ كَانَ يَسْكُتُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَسْتَعِيذُ، وَإِذَا كَانَ لَهُ سُكُوتٌ لَمْ يُمْكِنْ أَنَسًا أَنْ يَنْفِيَ قِرَاءَتَهَا فِي ذَلِكَ السُّكُوتِ، فَيَكُونُ نَفْيُهُ لِلذِّكْرِ. وَالِاسْتِفْتَاحِ. وَالسَّمَاعِ، مُرَادًا بِهِ الْجَهْرَ بِذَلِكَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ، وَقَوْلُهُ: فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ، وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِلْقِرَاءَةِ سِرًّا، وَلَا عَلَى نَفْيِهَا، إذْ لَا عِلْمَ لِأَنَسٍ بِهَا حَتَّى يُثْبِتَهَا أَوْ يَنْفِيَهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ2: إنَّك لَتَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ مَا أَحْفَظُهُ3، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالْقِرَاءَةِ السَّرِيَّةِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِإِخْبَارٍ أَوْ سَمَاعٍ عَنْ قُرْبٍ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ شَيْءٌ مِنْهُمَا، وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى: فَكَانُوا يُسِرُّونَ4 كَأَنَّهَا مَرْوِيَّةٌ بِالْمَعْنَى مِنْ لَفْظِ لَا يَجْهَرُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَيْضًا فَحَمْلُ الِافْتِتَاحِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى السُّورَةِ لَا الْآيَةِ مِمَّا تَسْتَبْعِدُهُ الْقَرِيحَةُ وَتَمُجُّهُ الْأَفْهَامُ الصَّحِيحَةُ، لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْعِلْمِ الظَّاهِرِ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْعَامُّ وَالْخَاصُّ، كَمَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْفَجْرَ رَكْعَتَانِ. وَأَنَّ الظُّهْرَ أَرْبَعٌ. وَأَنَّ الرُّكُوعَ قَبْلَ السُّجُودِ. وَالتَّشَهُّدَ بَعْدَ الْجُلُوسِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَيْسَ فِي نَقْلِ مِثْلِ هَذَا فَائِدَةٌ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ أَنَسًا قَصَدَ تَعْرِيفَهُمْ بِهَذَا، وَأَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا مِثْلُ هَذَا مِثْلُ مَنْ يَقُولُ: فَكَانُوا يَرْكَعُونَ قَبْلَ السُّجُودِ، أَوْ فَكَانُوا يَجْهَرُونَ فِي الْعِشَاءَيْنِ وَالْفَجْرِ، وَيُخَافِتُونَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَيْضًا فَلَوْ أُرِيدَ الِافْتِتَاحُ بِسُورَةِ الْحَمْدِ لَقِيلَ: كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ. أَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، أَوْ بِسُورَةِ الْحَمْدِ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي تَسْمِيَتِهَا عِنْدَهُمْ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَا عَنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ. وَلَا عَنْ أَحَدٍ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا بِالْحَمْدِ فَقَطْ فَعُرِفَ متأخر، يقولن: فُلَانٌ قَرَأَ الْحَمْدَ، وَأَيْنَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟!، فَإِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ السُّورَةَ، إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ، وَأَنَّى لِلْمُخَالِفِ ذَلِكَ؟!، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ5 عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ الِاسْتِفْتَاحَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ السُّورَةِ، قُلْنَا: هَذَا مَرْوِيٌّ بِالْمَعْنَى، وَالصَّحِيحُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ، فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا يَذْكُرُونَ بسم الله الرحمن الرحيم فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، أَخْبَرَنِي إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَذْكُرُ ذَلِكَ، هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَاطِفًا لَهُ عَلَى حَدِيثِ قَتَادَةَ، وَهَذَا اللَّفْظُ الْمُخَرَّجُ فِي الصَّحِيحِ هُوَ الثَّابِتُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّفْظُ الْآخَرُ: إنْ كَانَ مَحْفُوظًا، فَهُوَ مَرْوِيٌّ بِالْمَعْنَى، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الِافْتِتَاحِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ كَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ1. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَعَامَةَ الْحَنَفِيِّ، وَاسْمُهُ قَيْسُ بْنُ عَبَايَةَ ثَنَا ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقُولُ: بسم الله الرحمن الرحيم، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ! إيَّاكَ وَالْحَدَثَ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَبْغَضَ إلَيْهِ الْحَدَثُ فِي الْإِسْلَامِ يَعْنِي مِنْهُ، قَالَ: وَصَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ. وَمَعَ عُمَرَ. وَمَعَ عُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُهَا، فَلَا تَقُلْهَا أَنْتَ، إذَا صَلَّيْت فَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ. وَعَلِيٌّ. وَغَيْرُهُمْ. وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ. وَإِسْحَاقُ لَا يَرَوْنَ الْجَهْرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الصَّلَاةِ، وَيَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَقَدْ ضَعَّفَ الْحُفَّاظُ هَذَا الْحَدِيثَ، وأنكروا عَلَى التِّرْمِذِيِّ تَحْسِينَهُ، كَابْنِ خُزَيْمَةَ. وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ. وَالْخَطِيبِ، وَقَالُوا: إنَّ مَدَارَهُ عَلَى ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَعَامَةَ عَنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالُوا: كَانَ أَبُونَا إذَا سَمِعَ أَحَدًا مِنَّا يَقُولُ: بسم الله الرحمن الرحيم يَقُولُ: أَيْ بُنَيَّ! صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُ: بسم الله الرحمن الرحيم، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ أَبِيهِ مِثْلَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ طَرِيفِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ إمَامٍ، فَجَهَرَ بسم الله الرحمن الرحيم، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، قُلْت: مَا هَذَا؟! غُيِّبَ عَنَّا هَذِهِ الَّتِي أَرَاك تَجْهَرُ بِهَا؟! فَإِنِّي قَدْ صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، فَلَمْ يَجْهَرُوا بِهَا، انْتَهَى. فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ أَبِيهِ، وَهُمْ: أَبُو نَعَامَةَ الْحَنَفِيُّ، قَيْسُ بْنُ عَبَايَةَ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ، وَقَالَ الْخَطِيبُ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَمَاهُ بِبِدْعَةٍ فِي دِينِهِ وَلَا كَذِبٍ فِي رِوَايَتِهِ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، وَهُوَ أشهر من أن
يُثْنَى عَلَيْهِ. وَأَبُو سُفْيَانَ السَّعْدِيُّ، وَهُوَ إنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ يُعْتَبَرُ بِهِ، مَا تَابَعَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الثِّقَاتِ، وَهُوَ الَّذِي سَمَّى1 ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ يَزِيدَ، كَمَا هُوَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَقَطْ، فَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ بِرِوَايَةِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ عَنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي نَعَامَةَ عَنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَبَنُوهُ الَّذِي يُرْوَى عَنْهُمْ: يَزِيدُ. وَزِيَادٌ. وَمُحَمَّدٌ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ حِبَّانَ، وَغَيْرُهُمَا يَحْتَجُّونَ بِمِثْلِ هَؤُلَاءِ، مَعَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مَشْهُورِينَ بِالرِّوَايَةِ، وَلَمْ يَرْوِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَدِيثًا مُنْكَرًا لَيْسَ لَهُ شَاهِدٌ وَلَا مُتَابِعٌ حَتَّى يُجَرَّحَ بِسَبَبِهِ، وَإِنَّمَا رَوَوْا مَا رَوَاهُ غَيْرُهُمْ مِنْ الثِّقَاتِ، فَأَمَّا يَزِيدُ فَهُوَ الَّذِي سُمِّيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَمَّا مُحَمَّدٌ، فَرَوَى لَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ إمَامٍ يَبِيتُ غَاشًّا لِرَعِيَّتِهِ إلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ"، وَزِيَادٌ أَيْضًا رَوَى لَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: "لَا تَحْذِفُوا، فَإِنَّهُ لَا يُصَادُ له صَيْدٌ، وَلَا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ، وَلَكِنَّهُ يَكْسِرُ السِّنَّ وَيَفْقَأُ الْعَيْنَ"، انْتَهَى. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا حَدِيثٌ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْجَهْرِ بِالتَّسْمِيَةِ، وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَقْسَامِ الصَّحِيحِ، فَلَا يَنْزِلُ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ، وَقَدْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْحَدِيثُ الْحَسَنُ يُحْتَجُّ بِهِ، لَا سِيَّمَا إذَا تَعَدَّدَتْ شَوَاهِدُهُ وَكَثُرَتْ مُتَابَعَاتُهُ، وَاَلَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِيهِ وَتَرَكُوا الِاحْتِجَاجَ بِهِ لِجَهَالَةِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَدْ احْتَجُّوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ، بَلْ احْتَجَّ الْخَطِيبُ بِمَا يَعْلَمُ هُوَ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ، وَلَمْ يُحْسِنْ الْبَيْهَقِيُّ فِي تَضْعِيفِ هَذَا الْحَدِيثِ، إذْ قَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَعَامَةَ بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَتْنِ السُّنَنِ: هَذَا حَدِيثٌ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو نَعَامَةَ قَيْسُ بْنُ عَبَايَةَ، وَأَبُو نَعَامَةَ. وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ، فَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِمَا صَاحِبَا الصَّحِيحِ، فَقَوْلُهُ: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو نَعَامَةَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ. وَأَبُو سُفْيَانَ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَوْلُهُ: وَأَبُو نَعَامَةَ. وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِمَا صَاحِبَا الصَّحِيحِ، لَيْسَ هَذَا لَازِمًا فِي صِحَّةِ الْإِسْنَادِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا، فَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ حَسَنٌ، وَالْحَسَنُ يُحْتَجُّ بِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْجَهْرِ عِنْدَهُمْ كَانَ مِيرَاثًا عَنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَارَثُهُ خَلَفُهُمْ عَنْ سَلَفِهِمْ، وَهَذَا وَحْدَهُ كَافٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ الْجَهْرِيَّةَ دَائِمَةٌ صباحاً ومساءاً، فَلَوْ كَانَ عليه السلام يُجْهَرُ بِهَا دَائِمًا لَمَا وَقَعَ فِيهِ اخْتِلَافٌ وَلَا اشْتِبَاهٌ، وَلَكَانَ مَعْلُومًا بِالِاضْطِرَارِ، وَلَمَا قَالَ أَنَسٌ: لَمْ يَجْهَرْ بِهَا عليه السلام وَلَا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ، وَلَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ ذَلِكَ أَيْضًا، وَسَمَّاهُ حَدَثًا، وَلَمَا اسْتَمَرَّ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي مِحْرَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَقَامِهِ عَلَى تَرْكِ الجهر، يتوارثه آخِرُهُمْ عَنْ أَوَّلِهِمْ، وَذَلِكَ جَارٍ عِنْدَهُمْ مَجْرَى الصَّاعِ وَالْمُدِّ، بَلْ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ،
لِاشْتِرَاكِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَكَمْ مِنْ إنْسَانٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى صَاعٍ وَلَا مُدٍّ، وَمَنْ يَحْتَاجُهُ يَمْكُثُ مُدَّةً لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَا يَظُنُّ عَاقِلٌ أَنَّ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ. وَأَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَانُوا يُوَاظِبُونَ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صحيحه1 عن بدليل بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، انْتَهَى. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَتَأْوِيلُهُ عَلَى إرَادَةِ اسْمِ السُّورَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ السُّورَةَ كَانَتْ تُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ، فَلَا يُعْدَلُ عَنْ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ وَظَاهِرِهِ إلَى مَجَازِهِ، إلَّا بِدَلِيلٍ، وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَبَا الْجَوْزَاءِ لَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ عَائِشَةَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَجْهَرُ، قُلْنَا: يَكْفِينَا أَنَّهُ حَدِيثٌ أَوْدَعَهُ مُسْلِمٌ صَحِيحَهُ، وَأَبُو الْجَوْزَاءِ اسْمُهُ أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّبَعِيُّ ثِقَةٌ كَبِيرٌ لَا يُنْكَرُ سَمَاعُهُ مِنْ عَائِشَةَ، وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ الْجَمَاعَةُ، وَبُدَيْلُ بْنُ مَيْسَرَةَ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ، مُجْمَعٌ عَلَى عَدَالَتِهِ وَثِقَتِهِ، وَقَدْ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ الْأَئِمَّةُ الْكِبَارُ، وَتَلَقَّاهُ الْعُلَمَاءُ بِالْقَبُولِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ الْجَهْرِ فَكَذِبَ بِلَا شَكٍّ، فِيهِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، وَهُوَ كَذَّابٌ دَجَّالٌ، لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَمِنْ الْعَجَبِ الْقَدَحُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَالِاحْتِجَاجُ بِالْبَاطِلِ. حَدِيثٌ آخَرُ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ آيَةً مِنْ السُّورَةِ فَلَا يُجْهَرُ بِهَا، مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قَالَ: كُنْت أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت أُصَلِّي، فَقَالَ: "أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ} "، ثُمَّ قَالَ: "لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً فِي الْقُرْآنِ"، قُلْت: مَا هِيَ؟ قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ"، فَأَخْبَرَ أَنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَلَوْ كَانَتْ الْبَسْمَلَةُ آيَةً مِنْهَا لَكَانَتْ ثَمَانِيًا، لِأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ بِدُونِ الْبَسْمَلَةِ، وَمَنْ جَعَلَ الْبَسْمَلَةَ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَقُولَ: هِيَ بَعْضُ آيَةٍ، أَوْ يَجْعَلَ قَوْلَهُ: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ} إلَى آخِرِهَا، آيَةً وَاحِدَةً. حَدِيثٌ آخَرُ، وَمِمَّا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ مِنْ السُّورَةِ مَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ3 عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبَّاسٍ الْجُشَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهِيَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} "، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ:
حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ في مسدركه وَصَحَّحَهُ، وَعَبَّاسٌ الْجُشَمِيُّ، يُقَالُ: إنَّهُ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْنَا، وَوَجْهُ الْحُجَّةِ مِنْهُ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ ثَلَاثُونَ آيَةً بِدُونِ الْبَسْمَلَةِ، بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْعَادِّينَ، وَأَيْضًا فَافْتِتَاحُهُ بِقَوْلِهِ: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ مِنْهَا. حَدِيثٌ آخَرُ، قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ1: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ ثَنَا الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: مَا جَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَلَا أَبُو بَكْرٍ. وَلَا عُمَرُ، انْتَهَى. وَهَذَا حَدِيثٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، لَكِنَّهُ شَاهِدٌ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَابِرٍ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، فَهُوَ ضَعِيفٌ وَمُنْقَطِعٌ، وَالْحَضْرَمِيُّ: هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ الْمَعْرُوفُ بِمُطَيِّنٍ، وَشَيْخُهُ ابْنُ الْعَلَاءِ: هُوَ أَبُو كُرَيْبٌ الْحَافِظُ، رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ مُسْتَدْرِكًا عَلَى الْخَطِيبِ، قَالَ: وَقَدْ أَفْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِالتَّصْنِيفِ جَمَاعَةٌ: مِنْهُمْ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَابْنُ حِبَّانَ. والدارقطني. وَالْبَيْهَقِيُّ. وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَآخَرُونَ، وَلِلْقَائِلِينَ بِالْجَهْرِ أَحَادِيثُ: أَجْوَدُهَا حَدِيثُ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، قَالَ: صَلَّيْت وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَرَأَ بسم الله الرحمن الرحيم، ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، حَتَّى قَالَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، قَالَ: آمِينَ، وَفِي آخِرِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ، قَالَ: إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ2، فَقَالَ: بَابُ الْجَهْرِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكِيمِ ثَنَا شُعَيْبٌ ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، والدارقطني فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَلَهُ شَوَاهِدُ، وَقَالَ فِي الْخِلَافِيَّاتِ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، مُجْمَعٌ عَلَى عَدَالَتِهِمْ، مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ، انْتَهَى. وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ
وُجُوهِ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ، فَإِنَّ ذِكْرَ الْبَسْمَلَةِ فِيهِ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ نُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُمْ ثَمَانُمِائَةٍ مَا بَيْنَ صَاحِبٍ وَتَابِعٍ، وَلَا يَثْبُتُ عَنْ ثِقَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ الْبَسْمَلَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ صَاحِبَا الصَّحِيحِ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا، فَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الْجُلُوسِ فِي الِاثْنَتَيْنِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَنْصَرِفُ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنْ كَانَتْ هَذِهِ لَصَلَاتَهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، وَرَوَاهُ مُسْلِمُ2 بِنَحْوِ ذَلِكَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الثَّابِتُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكَأَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ فِي رَفْعِهِ وَخَفْضِهِ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ3 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَمْعَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثٌ كَانَ يَفْعَلُهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَهُنَّ النَّاسُ، كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا، وَكَانَ يَقِفُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ هُنَيْهَةً، وَكَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ كَذَلِكَ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَسَعِيدُ بْنُ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيُّ صَدُوقٌ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ. وَابْنُ حِبَّانَ، وَلَا الْتِفَاتَ إلَى قَوْلِ أَبِي الْفَتْحِ الْأَزْدِيِّ فِيهِ: ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الْأَزْدِيَّ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَالنَّسَائِيُّ أَعْلَمُ مِنْهُ، وَلَيْسَ لِلتَّسْمِيَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَلَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ذِكْرٌ، وَهَذَا مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ وَهْمٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَاهَا نُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، قُلْنَا: لَيْسَ ذَلِكَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، بَلْ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقْبَلُ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْبَلُهَا، وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّهَا تُقْبَلُ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ، فَتُقْبَلُ إذَا كَانَ الرَّاوِي الَّذِي رَوَاهَا ثِقَةً حَافِظًا ثَبْتًا، وَاَلَّذِي لَمْ يَذْكُرْهَا مِثْلُهُ، أَوْ دُونَهُ فِي الثِّقَةِ، كَمَا قَبِلَ النَّاسُ زِيَادَةَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَوْلَهُ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَاحْتَجَّ بِهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَتُقْبَلُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لِقَرَائِنَ تَخُصُّهَا، وَمِنْ حَكَمَ فِي ذَلِكَ حُكْمًا عَامًّا فَقَدْ غَلِطَ، بَلْ كُلُّ زِيَادَةٍ لَهَا حُكْمٌ يَخُصُّهَا، فَفِي مَوْضِعٍ
يُجْزَمُ بِصِحَّتِهَا، كَزِيَادَةِ مَالِكٍ، وَفِي مَوْضِعٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّتُهَا، كَزِيَادَةِ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ فِي حَدِيثِ: جُعِلَتْ الْأَرْضُ مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا، وَكَزِيَادَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، وَفِي مَوْضِعٍ يجزم بخطأ الزيادة، كَزِيَادَةِ مَعْمَرَ، وَمَنْ وَافَقَهُ، قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ، وَكَزِيَادَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ - ذَكَرَ الْبَسْمَلَةَ - فِي حَدِيثِ قَسَّمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعْمَرُ ثِقَةً. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ ضَعِيفًا، فَإِنَّ الثِّقَةَ قَدْ يَغْلَطُ، وَفِي مَوْضِعٍ يغلب على الظن خطأها، كَزِيَادَةِ مَعْمَرٍ فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَسُئِلَ هَلْ رَوَاهَا غَيْرُ مَعْمَرٍ؟ فَقَالَ: لَا، وَقَدْ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَقَالَ فِيهِ: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى مَعْمَرٍ فِي ذَلِكَ، وَالرَّاوِي عَنْ مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ قَالَ: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، وَفِي مَوْضِعٍ يَتَوَقَّفُ فِي الزِّيَادَةِ، كَمَا فِي أَحَادِيثَ كثيرة، وزياد نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ التَّسْمِيَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا يُتَوَقَّفُ فِيهِ، بَلْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ ضَعْفُهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَنْ قَالَ بِالْجَهْرِ، لِأَنَّهُ قَالَ: فَقَرَأَ، أَوْ فَقَالَ: بسم الله الرحمن الرحيم، وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ قِرَاءَتهَا سِرًّا أَوْ جَهْرًا، وَإِنَّمَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَا يَرَى قِرَاءَتَهَا، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَسَرَّ بِالْبَسْمَلَةِ، ثُمَّ جَهَرَ بِالْفَاتِحَةِ لَمْ يُعَبَّرْ عن ذلك نعيم بعبارة واحدة متناولة الفاتحة وَالْبَسْمَلَةِ تَنَاوُلًا وَاحِدًا، وَلَقَالَ: فَأَسَرَّ بِالْبَسْمَلَةِ، ثُمَّ جَهَرَ بِالْفَاتِحَةِ، وَالصَّلَاةُ كَانَتْ جَهْرِيَّةً بِدَلِيلِ تَأْمِينِهِ، وَتَأْمِينِ الْمَأْمُومِينَ، قُلْنَا: لَيْسَ لِلْجَهْرِ فِيهِ تَصْرِيحٌ وَلَا ظَاهِرٌ يُوجِبُ الْحُجَّةَ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَدَّمُ عَلَى النَّصِّ الصَّرِيحِ الْمُقْتَضِي لِلْإِسْرَارِ، وَلَوْ أُخِذَ الْجَهْرُ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ لَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ قَالَ: فَقَرَأَ بسم الله الرحمن الرحيم، ثُمَّ قَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: فَقَرَأَ، أَوْ قَالَ، لَيْسَ بِصَرِيحٍ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَخْبَرَ نُعَيْمًا بِأَنَّهُ قَرَأَهَا سِرًّا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهَا مِنْهُ فِي مُخَافَتَةٍ لِقُرْبِهِ منه، كما ورى عَنْهُ مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِفْتَاحِ، وَأَلْفَاظِ الذِّكْرِ فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ وَرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، فَلِمُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقُولُ إذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ: "وَجَّهْت وَجْهِي"، إلَى آخِرِهَا، وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت وَبِك آمَنْت وَلَك أَسْلَمْت"، وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَإِذَا تَشَهَّدَ، قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ"، إلَى آخِرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ سَمَاعُ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ مِنْهُ دَلِيلًا عَلَى الْجَهْرِ، وَكَانَ يُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَأَيْضًا فَلَوْ سَاغَ التَّمَسُّكُ عَلَى الْجَهْرِ
بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ: فَقَرَأَ، لَسَاغَ لِمَنْ لَا يَرَى قِرَاءَتَهَا بِالْكُلِّيَّةِ، الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَفْتَحَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَمْ يَسْكُتْ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بسم الله الرحمن الرحيم لَيْسَتْ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ لَقَرَأَهَا فِي الثَّانِيَةِ كَمَا قَرَأَ فاتحة الكتاب، والذي اسْتَحَبُّوا الْجَهْرَ بِهَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، اسْتَحَبُّوا ذَلِكَ أَيْضًا فِي الثَّانِيَةِ، فَلَمَّا انْتَفَى بِهَذَا أَنْ يَكُونَ قَرَأَهَا فِي الثَّانِيَةِ انْتَفَى أَنْ يَكُونَ قَرَأَهَا فِي الْأُولَى، وَعَارَضَ هَذَا حَدِيثَ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى لِاسْتِقَامَةِ طَرِيقِهِ، وَفَضْلِ صِحَّتِهِ عَلَى حَدِيثِ نُعَيْمٍ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا أَرَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ الِاسْتِفْتَاحَ بالسورة لا الآية، قُلْنَا: هَذَا فِيهِ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَظَاهِرِهِ، وَذَلِكَ لَا يَسُوغُ إلَّا لِمُوجِبٍ، وَأَيْضًا فَلَوْ أَرَادَ اسْمَ السُّورَةِ لَقَالَ: بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. أَوْ بِسُورَةِ الْحَمْدِ، أَوْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي تَسْمِيَتِهَا عِنْدَهُمْ، كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ2 مَرْفُوعًا: أُمُّ الْقُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ3 مَرْفُوعًا: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ"، وَفِي رِوَايَةٍ: بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا بِجُمْلَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ اسْتِفْتَاحَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ دُونَ الْبَسْمَلَةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ إسْنَادُهُ أَصْرَحُ دَلَالَةً مِنْ حَدِيثِ نُعَيْمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَصْلَ الصَّلَاةِ وَمَقَادِيرَهَا وَهَيْئَتَهَا، وَتَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ يَكْفِي فِي غَالِبِ الْأَفْعَالِ، وَذَلِكَ مُتَحَقِّقٌ فِي التَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِ، دُونَ الْبَسْمَلَةِ، فَإِنَّ التَّكْبِيرَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ ثَابِتٌ صَحِيحٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَانَ مَقْصُودُهُ الرَّدَّ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ، وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ، فَفِي صِحَّتِهَا عَنْهُ نَظَرٌ، فَلْيَنْصَرِفْ إلَى الصَّحِيحِ الثَّابِتِ دُونَ غَيْرِهِ، وَمِمَّا يَلْزَمُهُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّشْبِيهِ عَنْ كُلِّ وَجْهٍ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ4، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: إنِّي لَا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَكَانَ أَنَسٌ يَصْنَعُ شَيْئًا لَا أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَهُ، كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ انْتَصَبَ قَائِمًا حَتَّى يَقُولَ القائل: فد نَسِيَ، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ السُّجُودِ مَكَثَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ، فَهَذَا أَنَسٌ قَدْ أَخْبَرَ بِشَبَهِ صَلَاتِهِ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يُطِيلُ رَكْعَتَيْ الِاعْتِدَالِ
وَالْفَصْلِ إلَى غَايَةٍ يُظَنُّ بِهِ النِّسْيَانُ، وَمَعَ ذَلِكَ، فَالشَّافِعِيَّةُ يَكْرَهُونَ إطَالَتَهُمَا، وَعِنْدَهُمْ وَجْهَانِ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهَا، فَهَلَّا كَانَ حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ إطَالَتِهِمَا مَعَ صِحَّتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، كَمَا كَانَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ وَالْجَهْرِ بِهَا، مَعَ عِلَّةِ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَأَيْضًا، فَيَلْزَمُهُمْ1 أَنْ يَقُولُوا بِالْجَهْرِ بِالتَّعَوُّذِ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَوَى: أَخْبَرَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ عن صالح بن أَبِي صَالِحٍ2، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَهُوَ يَؤُمُّ النَّاسَ رَافِعًا صَوْتَهُ فِي الْمَكْتُوبَةِ إذَا فَرَغَ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ: رَبّنَا إنَّا نَعُوذُ بِك مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَهَلَّا أَخَذُوا بِهَذَا، كَمَا أَخَذُوا بِجَهْرِ الْبَسْمَلَةِ مُسْتَدِلِّينَ بِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ3، فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ، وَإِنْ لَمْ تُزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ، وَكَيْفَ يُظَنُّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُرِيدُ التَّشْبِيهَ فِي الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4، قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: "قَسَّمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ: فَنِصْفُهَا لِي. وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ اللَّهُ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ اللَّهُ: هَذَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الْعَلَاءِ بن عبد الرحمن عن أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فذكره، وعن مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي السَّائِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَإِلَّا لَابْتَدَأَ بِهَا، لِأَنَّ هَذَا مَحِلُّ بَيَانٍ وَاسْتِقْصَاءٍ لِآيَاتِ السُّورَةِ، حَتَّى إنَّهُ لَمْ يُخِلَّ مِنْهُمَا بِحَرْفٍ، وَالْحَاجَةُ إلَى قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ أَمَسُّ لِيَرْتَفِعَ الْإِشْكَالُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدِيثُ الْعَلَاءِ هَذَا قَاطِعُ تَعَلُّقِ الْمُتَنَازِعِينَ، وَهُوَ نَصٌّ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَلَا أَعْلَمُ حَدِيثًا فِي سُقُوطِ الْبَسْمَلَةِ أَبْيَنَ مِنْهُ، وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بأمرين: أَحَدُهُمَا: قَالَ: لَا يُعْبَأُ بِكَوْنِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ، فَإِنَّ الْعَلَاءَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ، فَقَالَ: النَّاسُ يَتَّقُونَ حَدِيثَهُ، لَيْسَ حَدِيثُهُ بِحُجَّةٍ، مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، لَيْسَ بِذَاكَ، هُوَ ضَعِيفٌ، رُوِيَ عَنْهُ جَمِيعُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَدْ انْفَرَدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ،
الثَّانِي: قَالَ: وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فقد جاء إلى بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ ذِكْرُ التَّسْمِيَةِ، كَمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا أُمَّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَامٍّ"، فَقُلْت: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إنِّي رُبَّمَا كُنْت مَعَ الْإِمَامِ، قَالَ: فَغَمَزَ ذِرَاعِي، فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ: "قَسَّمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ: فَنِصْفُهَا لي. ونصفها لَهُ، يَقُولُ عَبْدِي إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ: {بسم الله الرحمن الرحيم} فَيَذْكُرُنِي عَبْدِي، ثُمَّ يَقُولُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فَأَقُولُ: "حَمِدَنِي عَبْدِي" إلَى آخِرِهِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا ضَعْفٌ، وَلَكِنَّهَا مُفَسِّرَةٌ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ أَرَادَ السُّورَةَ لَا الْآيَةَ، وَهَذَا الْقَائِلُ حَمَلَهُ الْجَهْلُ، وَفَرْطُ التَّعَصُّبِ عَلَى أَنْ تَرَكَ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ وَضَعَّفَهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُوَافِقٍ لِمَذْهَبِهِ، وَقَالَ: لَا يُعْبَأُ بِكَوْنِهِ فِي مُسْلِمٍ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ عَنْ الْعَلَاءِ الْأَئِمَّةُ الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ، كَمَالِكٍ. وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. وَابْنِ جُرَيْجٍ. وَشُعْبَةَ. وَعَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ. وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. وَمُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ. وَالْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ. وَغَيْرِهِمْ. وَالْعَلَاءُ نَفْسُهُ ثِقَةٌ صَدُوقٌ، كَمَا سَيَأْتِي ثَنَاءُ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ انْفَرَدَ بِهَا عَنْهُ ابْنُ سَمْعَانَ، وَهُوَ كَذَّابٌ، وَلَمْ يُخَرِّجْهَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلَا فِي الْمُصَنَّفَاتِ الْمَشْهُورَةِ. وَلَا الْمَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ الَّتِي يَرْوِي فِيهَا غَرَائِبَ الْحَدِيثِ، وَقَالَ عَقِيبَةُ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ فِي عِلَلِهِ وَأَطَالَ فِيهِ الْكَلَامَ، وَمُلَخَّصُهُ: أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ الْعَلَاءِ جَمَاعَةٌ أَثْبَاتٌ يَزِيدُونَ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِيهِ الْبَسْمَلَةَ، وَزَادَهَا ابْنُ سَمْعَانَ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَحَسْبُك بِالْأَوَّلِ قَدْ أَوْدَعَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَالِاخْتِلَافُ الَّذِي فِيهِ لَيْسَ بِعِلَّةٍ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي السَّائِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنَّ الْعَلَاءَ سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ، وَمِنْ أبي السائب، ولهذا يَجْمَعُهُمَا تَارَةً، وَيُفْرِدُ أَبَاهُ تَارَةً، وَيُفْرِدُ أَبَا السَّائِبِ تَارَةً، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَزِيَادَةُ الْبَسْمَلَةِ فِي حَدِيثِ الْعَلَاءِ بَاطِلَةٌ قَطْعًا، زَادَهَا ابْنُ سَمْعَانَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، فَإِنَّهُ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ، مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ كَذَّابًا، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْر: قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ فِيهِ: لَقَدْ كَذَبَ عَلَيَّ، وَحَدَّثَ عَنِّي بِأَحَادِيثَ لَمْ أُحَدِّثْهُ بِهَا، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَسُئِلَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ كَذَّابًا، وَقِيلَ لِابْنِ إسْحَاقَ: إنَّ ابْنَ سَمْعَانَ يَقُولُ: سَمِعْت مُجَاهِدًا، فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَنَا وَاَللَّهِ أَكْبَرُ مِنْهُ مَا رَأَيْت مُجَاهِدًا، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَرْوِي عَمَّنْ لَمْ يَرَهُ، وَيُحَدِّثُ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، كَانَ مِنْ الْكَذَّابِينَ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: سَكَتُوا عَنْهُ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَا شَيْءَ، وَأَيْضًا، انتهى. فَلَا رَيْبَ
أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ، وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ كَانُوا أَعْلَمَ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشَدَّ تَحَرِّيًا لَهَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ. وَعَلِيٌّ. وَابْنُ مَسْعُودٍ. وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ اصحابة لَا يَرَوْنَ الْجَهْرَ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: فِي جَامِعِهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ تَرْكَ الْجَهْرِ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ: مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ. وَعَلِيٌّ. وَغَيْرُهُمْ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ، وَكَيْفَ يُعَلَّلُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ؟! وَهَلَّا جَعَلُوا الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ عِلَّةً لِلضَّعِيفِ، وَمُخَالَفَةَ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ لِنُعَيْمٍ مُوجِبًا لِرَدِّهِ؟، إذْ مُقْتَضَى الْعِلْمِ أَنْ يُعَلَّلَ الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، كَمَا فَعَلْنَا نَحْنُ. الْأَحَادِيثُ الَّتِي استدل به الْخَطِيبُ: فَمِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي أُوَيْسٍ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُوَيْسٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَمَّ النَّاسَ جَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1. وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ فَقَالَا فِيهِ: قَرَأَ2، عِوَضَ: جَهَرَ، وَكَأَنَّهُ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى، وَلَوْ ثَبَتَ هَذَا عَنْ أَبِي أُوَيْسٍ، فَهُوَ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، لِأَنَّ أَبَا أُوَيْسٍ لَا يُحْتَجُّ بِمَا انْفَرَدَ بِهِ، فَكَيْفَ إذَا انْفَرَدَ بِشَيْءٍ، وَخَالَفَهُ فِيهِ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ، مَعَ أَنَّهُ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، فَوَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ، وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ، وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَأَبُو زُرْعَةَ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَمُجَرَّدُ الْكَلَامِ فِي الرَّجُلِ لَا يُسْقِطُ حَدِيثَهُ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَا ذَلِكَ لَذَهَبَ مُعْظَمُ السُّنَّةِ، إذْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ، بَلْ خُرِّجَ فِي الصَّحِيحِ لِخَلْقٍ مِمَّنْ تُكُلِّمَ فِيهِمْ، وَمِنْهُمْ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضبعي. والحارث بن عبد الْإِيَادِيُّ3. وَأَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ الْحَبَشِيُّ. وَخَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ. وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ الحرثاني. وَيُونُسُ بْنُ أَبِي إسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ. وَغَيْرُهُمْ، وَلَكِنْ صَاحِبَا الصَّحِيحِ رحمهما الله إذَا أَخْرَجَا لِمَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، فَإِنَّهُمْ يَنْتَقُونَ مِنْ حَدِيثِهِ4 مَا تُوبِعَ عَلَيْهِ، وَظَهَرَتْ شَوَاهِدُهُ، وَعُلِمَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا، وَلَا يَرْوُونَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ، سِيَّمَا إذَا خَالَفَهُ الثِّقَاتُ، كَمَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ لِأَبِي أُوَيْسٍ حَدِيثَ: قَسَّمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ، بَلْ
رَوَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَثْبَاتِ، كَمَالِكٍ. وَشُعْبَةَ. وَابْنِ عُيَيْنَةَ، فَصَارَ حَدِيثُهُ مُتَابَعَةً، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ رَاجَتْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ اسْتَدْرَكَ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ فَتَسَاهَلُوا فِي اسْتِدْرَاكِهِمْ، وَمِنْ أَكْثَرِهِمْ تَسَاهُلًا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَدْرَكِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: هَذَا حَدِيثٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا، وَفِيهِ هَذِهِ الْعِلَّةُ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الرَّاوِي مُحْتَجًّا بِهِ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ فِي أَيِّ حَدِيثٍ، كَانَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِهِ، لِمَا بَيَّنَّاهُ، بَلْ الْحَاكِمُ كَثِيرًا مَا يَجِيءُ إلَى حَدِيثٍ لَمْ يُخَرَّجْ لِغَالِبِ رواية فِي الصَّحِيحِ، كَحَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَيَقُولُ فِيهِ: هَذَا حديث على شرط الْبُخَارِيِّ يَعْنِي لِكَوْنِ الْبُخَارِيِّ أَخْرَجَ لِعِكْرِمَةَ، وَهَذَا أَيْضًا تَسَاهُلٌ، وَكَثِيرًا مَا يُخَرِّجُ حَدِيثًا بَعْضُ رِجَالِهِ لِلْبُخَارِيِّ، وَبَعْضُهُمْ لِمُسْلِمٍ، فَيَقُولُ: هَذَا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَهَذَا أَيْضًا تَسَاهُلٌ، وَرُبَّمَا جَاءَ إلَى حَدِيثٍ فِيهِ رَجُلٌ قَدْ أَخْرَجَ لَهُ صَاحِبَا الصَّحِيحِ عَنْ شَيْخٍ مُعَيَّنٍ لِضَبْطِهِ حَدِيثَهُ وَخُصُوصِيَّتِهِ بِهِ، وَلَمْ يُخَرِّجَا حَدِيثَهُ عَنْ غَيْرِهِ لِضَعْفِهِ فِيهِ، أَوْ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ حَدِيثَهُ، أَوْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَشْهُورٍ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَيُخَرِّجُهُ هُوَ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ الشَّيْخِ، ثُمَّ يَقُولُ: هَذَا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، أَوْ الْبُخَارِيِّ. أَوْ مُسْلِمٍ، وَهَذَا أَيْضًا تَسَاهُلٌ، لِأَنَّ صَاحِبَيْ الصَّحِيحِ لَمْ يَحْتَجَّا بِهِ إلَّا فِي شَيْخٍ مُعَيَّنٍ، لَا فِي غَيْرِهِ، فَلَا يَكُونُ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَهَذَا كَمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ حَدِيثَ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ. وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يُخَرِّجَا حَدِيثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى، فَإِنَّ خَالِدًا غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِالرِّوَايَةِ عَنْ ابْنِ الْمُثَنَّى، فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ فِي حَدِيثٍ يَرْوِيهِ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ ابْنِ الْمُثَنَّى: هَذَا عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ كَانَ مُتَسَاهِلًا، وَكَثِيرًا مَا يَجِيءُ إلَى حَدِيثٍ فِيهِ رَجُلٌ ضَعِيفٌ أَوْ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ، وَغَالِبُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ، فَيَقُولُ: هَذَا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. أَوْ الْبُخَارِيِّ. أَوْ مُسْلِمٍ، وَهَذَا أَيْضًا تَسَاهُلٌ فَاحِشٌ، وَمَنْ تَأَمَّلَ كِتَابَهُ الْمُسْتَدْرَكَ تَبَيَّنَ لَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ، قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ فِي كِتَابِهِ الْعِلْمُ الْمَشْهُورُ: وَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنْ يَتَحَفَّظُوا مِنْ قَوْلِ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْغَلَطِ ظَاهِرُ السَّقْطِ، وَقَدْ غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُ، وَقَلَّدَهُ فِي ذَلِكَ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي أُوَيْسٍ هَذَا لَمْ يُتْرَكْ لِكَلَامِ النَّاسِ فِيهِ، بَلْ لِتَفَرُّدِهِ به، ومخافة الثِّقَاتِ لَهُ، وَعَدَمِ إخْرَاجِ أَصْحَابِ الْمَسَانِيدِ. وَالْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ. وَالسُّنَنِ الْمَعْرُوفَةِ، وَرِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْبَسْمَلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ خَالِدِ1 بْنِ إلْيَاسَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "علمني جبرئيل الصَّلَاةَ، فَقَامَ فَكَبَّرَ لَنَا، ثُمَّ قَرَأَ:
بسم الله الرحمن الرحيم فِيمَا يَجْهَرُ بِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ"، انْتَهَى. وَهَذَا إسْنَادٌ سَاقِطٌ، فَإِنَّ خَالِدَ بْنَ إلْيَاسَ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: رَوَى عَنْ الْمَقْبُرِيِّ. وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ. وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةٍ، وَتَكَلَّمَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَصَوَّبَ وَقْفَهُ. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا1 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُكْرَمٍ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي نُوحُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَرَأْتُمْ الْحَمْدَ، فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم إنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ. وَأُمُّ الكتاب. والسبع المثاني، وبسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَحَدُ آيَاتِهَا"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ: ثُمَّ لَقِيت نُوحًا فَحَدَّثَنِي عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمِثْلِهِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ الْكُبْرَى: رَفَعَ هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ الحميد بن جعفر، هو ثِقَةٌ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ. وَابْنُ مَعِينٍ، وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يُضَعِّفُهُ، وَيَحْمِلُ عَلَيْهِ، وَنُوحٌ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ، انْتَهَى. وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْجَهْرِ، وَلَئِنْ سَلِمَ فَالصَّوَابُ فِيهِ الْوَقْفُ، كَمَا هُوَ فِي مَتْنِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ: هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ نُوحُ بْنُ أَبِي بِلَالٍ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْهُ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ، فَرَوَاهُ الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ نُوحِ بْنِ أَبِي بِلَالٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أبي هريرة مرفوعاً، رواه أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ. وَأَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ عَنْ نُوحِ بن أبي بلال عن المقبري عن أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ هَذَا مَوْقُوفٌ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ، إذْ لَا يَقُولُ الصَّحَابِيُّ: إنَّ الْبَسْمَلَةَ - أَحَدُ آيَاتِ الْفَاتِحَةِ - إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، أَوْ دَلِيلٍ قَوِيٍّ ظَهَرَ لَهُ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهَا حُكْمُ سَائِرِ آيَاتِ الْفَاتِحَةِ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ، قُلْت: لَعَلَّ أَبَا هُرَيْرَةَ سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأها فظنها من الفاتحة، قال: "إنَّهَا إحْدَى آيَاتِهَا"، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَكِنَّ النِّزَاعَ وَقَعَ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ الْفَاتِحَةِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ لَهَا حُكْمَ سَائِرِ آيَاتِ الْفَاتِحَةِ جَهْرًا وَسِرًّا، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهَا آيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ قَبْلَ السُّورَةِ، وَلَيْسَتْ مِنْهَا، جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ لَمْ يُخْبِرْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "هِيَ إحْدَى آيَاتِهَا"، وَقِرَاءَتُهَا قَبْلَ الْفَاتِحَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى مَحِلِّ النِّزَاعِ، فَلَا يُعَارَضُ بِهِ أَدِلَّتُنَا الصَّحِيحَةُ الثَّابِتَةُ. وَأَيْضًا
فَالْمَحْفُوظُ الثابت عن سعيد المقري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَدَمُ ذِكْرِ الْبَسْمَلَةِ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ1 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ هِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ، وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ"، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، هَذَا، مَعَ أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ جَعْفَرٍ مِمَّنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَلَكِنْ وَثَّقَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَلَيْسَ تَضْعِيفُ مَنْ ضَعَّفَهُ مِمَّا يُوجِبُ رَدَّ حَدِيثِهِ، وَلَكِنَّ الثِّقَةَ قَدْ يغلط، والظاهر أن غلط هَذَا الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ الْخَطِيبُ: وَقَوْلُ الْخَصْمِ: إنَّ الْجَهْرَ بِالْبَسْمَلَةِ انْفَرَدَ بِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو هُرَيْرَةَ، غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ رَوَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ. حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَلَهُ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ2 عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ الْخَرَّازِ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعِيدٍ الْمُؤَذِّنُ ثَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ. وَعَمَّارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ فِي الْمَكْتُوبَاتِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، ولا أَعْلَمُ فِي رُوَاتِهِ مَنْسُوبًا إلَى الْجَرْحِ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، فَقَالَ: هَذَا خَبَرٌ وَاهٍ، كَأَنَّهُ مَوْضُوعٌ، لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ صَاحِبُ مَنَاكِيرَ، ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَسَعِيدٌ إنْ كَانَ الْكُرَيْزِيَّ3 فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِلَّا فَهُوَ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، إلَّا أَنَّهُ أَمْثَلُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، قُلْت: وَفِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، قَالَ السَّعْدِيُّ: غَيْرُ ثِقَةٍ، رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ. وَالْأَرْبَعَةُ، وَتَصْحِيحُ الْحَاكِمِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، سِيَّمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَدْ عُرِفَ تَسَاهُلُهُ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ، وَلَعَلَّهُ أُدْخِلَ عَلَيْهِ. الطَّرِيقُ الثَّانِي: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَسِيد بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ. وَعَمَّارٍ نَحْوَهُ، وَعَمْرُو بْنُ شِمْرٍ. وجابر الجعفيان، كِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، لَكِنْ عَمْرٌو أَضْعَفُ مِنْ جَابِرٍ، قَالَ الْحَاكِمُ: عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ كَثِيرُ الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ جَابِرٍ. وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ جَابِرٌ مَجْرُوحًا، فَلَيْسَ يَرْوِي تِلْكَ الْمَوْضُوعَاتِ الْفَاحِشَةَ عَنْهُ غَيْرُ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ فِيهَا عَلَيْهِ، وَقَالَ الْجُوزَجَانِيُّ: عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ زَائِغٌ كَذَّابٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ. والدارقطني. وَالْأَزْدِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ رَافِضِيًّا يَسُبُّ الصَّحَابَةَ، وَكَانَ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ، لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ إلَّا عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ، وَأَمَّا جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، فَقَالَ فِيهِ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ: مَا رَأَيْت أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ،
مَا أَتَيْتُهُ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيٍ إلَّا أَتَانِي فِيهِ بِأَثَرٍ، وَكَذَّبَهُ أَيْضًا أَيُّوبُ. وَزَائِدَةُ. وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ. وَالْجُوزَجَانِيُّ. وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ إلَى الضَّعْفِ أَقْرَبُ، وَقَدْ احْتَمَلَهُ النَّاسُ، وَرَوَوْا عَنْهُ عَامَّةُ مَا جَرَّحُوا بِهِ، أَنَّهُ كَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ، كَانَ يَقُولُ: إنَّ عَلِيًّا يَرْجِعُ إلَى الدُّنْيَا، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ، انْتَهَى. وَأُسَيْدُ بْنُ زَيْدٍ أَيْضًا كَذَّبَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَتَرَكَهُ النَّسَائِيّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ مَاكُولَا: ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمَنَاكِيرَ، وَيَسْرِقُ الْحَدِيثَ، وَيُحَدِّثُ بِهِ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ عليه السلام يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي السُّورَتَيْنِ جَمِيعًا: الْفَاتِحَةِ. وَاَلَّتِي بَعْدَهَا، وَعِيسَى هَذَا وَالِدُ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى الْمُتَّهَمِ بِوَضْعِ حَدِيثِ ابن عمر، وهو وَضَّاعٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ رَوَى عَنْ آبَائِهِ أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً لَا يَحِلُّ الاحتجاج بها. حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَهُ ثَلَاثُ طُرُقٍ: أَحَدُهَا: عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَسَّانَ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ لَهُ عِلَّةٌ1، وَقَدْ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ لِسَالِمٍ هَذَا، وَهُوَ ابْنُ عَجْلَانَ الْأَفْطَسُ، وَاحْتَجَّ مُسْلِمٌ بِشَرِيكٍ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ صَرِيحٍ. وَلَا صَحِيحٍ، فَأَمَّا كَوْنُهُ غَيْرَ صَرِيحٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ: فِي الصَّلَاةِ، وَأَمَّا غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَسَّانَ الْوَاقِعِيَّ2 كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، قَالَهُ إمَامُ الصَّنْعَةِ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، كَانَ يَكْذِبُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَحَادِيثُهُ مَقْلُوبَاتٌ، وفي الْحَاكِمِ: احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِشَرِيكٍ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ إنَّمَا رَوَى لَهُ فِي الْمُتَابَعَاتِ لَا فِي الْأُصُولِ. الطَّرِيقُ الثَّانِي: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي الصَّلْتِ الْهَرَوِيِّ، وَاسْمُهُ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ فِي الصَّلَاةِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَهَذَا أَضْعَفُ مِنْ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ أَبَا الصَّلْتِ مَتْرُوكٌ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ عِنْدِي بِصَدُوقٍ، وَلَمْ يُحَدِّثْنِي عَنْهُ، وَأَمَّا أَبُو زُرْعَةَ فَإِنَّهُ ضَرَبَ عَلَى حَدِيثِهِ، وَقَالَ: لَا أُحَدِّثُ عَنْهُ، وَلَا أَرْضَاهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَافِضِيٌّ خَبِيثٌ، اُتُّهِمَ بِوَضْعِ الْإِيمَانُ إقْرَارٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ، انْتَهَى. وَكَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مِمَّا سَرَقَهُ أَبُو الصَّلْتِ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَلْزَقَهُ بِعَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ،
وَزَادَ فِيهِ: إنَّ الْجَهْرَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ غَيْرَ أَبِي الصَّلْتِ رَوَاهُ عَنْ عَبَّادٍ، فَأَرْسَلَهُ، وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِمَكَّةَ، وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَدْعُونَ مُسَيْلِمَةَ - الرَّحْمَنَ - فَقَالُوا: إنَّ مُحَمَّدًا يَدْعُو إلَى إلَهِ الْيَمَامَةِ، فَأُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْفَاهَا، فَمَا جَهَرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ، انْتَهَى. وَقَالَ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ: أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ أَنْبَأَ شَرِيكٌ عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ، وكان المشركون يهزؤون، مُكاءاً وَتَصْدِيَةً، وَيَقُولُونَ: يَذْكُرُ إلَهَ الْيَمَامَةِ يَعْنُونَ مُسَيْلِمَةَ، وَيُسَمُّونَهُ - الرَّحْمَنَ -، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك} الْآيَةَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَزَادَ فِيهِ غَيْرُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، قَالَ: فَخَفَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَقَدْ أَسْنَدَ هَذَا الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحُسَيْنِ الصَّابُونِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ طلحة اليروبع ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَرَأَ: بسم الله الرحمن الرحيم هَزَأَ مِنْهُ الْمُشْرِكُونَ، وَيَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ يَذْكُرُ إلَهَ الْيَمَامَةِ، إلَى آخِرِهِ، مَعَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ جَهْرًا لَا فِي الْبَسْمَلَةِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْتَفٍ بِمَكَّة، كَانَ إذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَإِنْ سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ. وَمَنْ أَنْزَلَهُ. وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك} أَيْ بقراءتك، فيسب الْمُشْرِكُونَ، فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِك {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} وَوَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا2 عَنْ زَائِدَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ، انْتَهَى. وَلَهُ طَرِيقٌ رَابِعٌ عِنْدَ الْبَزَّارِ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ ثَنَا إسْمَاعِيلُ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: وَإِسْمَاعِيلُ لَمْ يَكُنْ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، وَأَبُو خَالِدٍ أَحْسَبُهُ الْوَالِبِيَّ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ. وَالتِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ3 بِهَذَا السَّنَدِ، والدارقطني فِي سُنَنِهِ، وَكُلُّهُمْ قَالُوا فِيهِ: كَانَ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ وَأَعَلَّهُ بِإِسْمَاعِيلَ
هَذَا، وَقَالَ: حَدِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَيَرْوِيه عَنْ مَجْهُولٍ، وَلَا يَصِحُّ فِي الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَأَبُو خَالِدٍ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَأَبُو خَالِدٍ هَذَا سُئِلَ عَنْهُ أَبُو زُرْعَةَ، فَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ، وَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ، وَقِيلَ: هُوَ الْوَالِبِيُّ، وَاسْمُهُ هُرْمُزُ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ1 مِنْ طَرِيقِ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْت إسْمَاعِيلَ بْنَ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ: بسم الله الرحمن الرحيم فِي الصَّلَاةِ يَعْنِي يَجْهَرُ بِهَا، انتهى. هكذا رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّمَا هُوَ قَوْلُ غَيْرِهِ مِنْ الرُّوَاةِ، وَكُلُّ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ الْجَهْرِ، فَإِنَّمَا رَوَاهُ بِالْمَعْنَى، مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَهُ طَرِيقٌ خَامِسٌ: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عن عمرو بْنِ حَفْصٍ الْمَكِّيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يَجْهَرُ فِي السُّورَتَيْنِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَتَّى قُبِضَ، انْتَهَى. وَهَذَا لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ حَفْصٍ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ حَدِيثِهِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ لَهُ حَدِيثًا2 عَنْهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْبَيْتُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ، وَالْمَسْجِدُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْحَرَمِ، وَالْحَرَمُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ" ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الْمَكِّيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَيْهِ، انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ الْخَطِيبُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ طُرُقًا أُخْرَى، لَيْسَتْ صَحِيحَةً. وَلَا صَرِيحَةً، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي: الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَتَوَجَّهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الطَّعْنُ فِي صِحَّتِهِ فَإِنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْأَسَانِيدِ لَا يَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ، لَوْ سَلِمَتْ مِنْ الْمُعَارِضِ، فَكَيْفَ وَقَدْ عَارَضَهَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ؟. وَصِحَّةُ الْإِسْنَادِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثِقَةِ الرِّجَالِ، وَلَوْ فُرِضَ ثِقَةُ الرِّجَالِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ صِحَّةُ الْحَدِيثِ، حَتَّى يَنْتَفِيَ مِنْهُ الشُّذُوذُ وَالْعِلَّةُ. الثَّانِي: أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي مَتْنِهِ لَفْظُ الِاسْتِفْتَاحِ لَا لَفْظُ الْجَهْرِ، الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: جَهَرَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ مَرَّةً، لَأَنْ كَانَ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الْفِعْلِ، وَأَمَّا اسْتِمْرَارُهُ فَيَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ، وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَجْهَرُ بِهَا فَبَاطِلٌ، كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الرَّابِعُ: أنه روي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُعَارِضُ ذَلِكَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَشِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْجَهْرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قِرَاءَةُ الْأَعْرَابِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ3 وَيُقَوِّي هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا رَوَاهُ الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادٍ ثَابِتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ تِلْمِيذِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَعْرَابِيٌّ إنْ جَهَرْتُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. طَرِيقٌ سَادِسٌ: لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ثَنَا أَحْمَدُ بن رشد بن خيثم عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَيْثَمٍ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ فِي السُّورَتَيْنِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِهَا فِيهِمَا، انْتَهَى. وَهَذَا أَيْضًا لَا يصح، وسعيد بن خيثم تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ عَدِيٍّ. وَغَيْرُهُ، وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ أَحْمَدَ بْنِ رشد بن خيثم، فَإِنَّهُ مُتَّهَمٌ، وَلَهُ أَحَادِيثُ أَبَاطِيلُ، ذَكَرَهَا الطَّبَرَانِيُّ. وَغَيْرُهُ، وَرَوَى لَهُ الْخَطِيبُ فِي أَوَّلِ تَارِيخِهِ حَدِيثًا مَوْضُوعًا، هُوَ الَّذِي صَنَعَهُ بِسَنَدِهِ إلَى الْعَبَّاسِ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ لَهُ: "أَنْتَ عَمِّي، وَصِنْوُ أَبِي، وَابْنُك هَذَا أَبُو الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِي: مِنْهُمْ السَّفَّاحُ. وَمِنْهُمْ الْمَنْصُورُ. وَمِنْهُمْ الْمَهْدِيُّ"، مُخْتَصَرٌ، وَالرَّاوِي عَنْهُ هُوَ ابْنُ عُقْدَةَ الْحَافِظُ، وَهُوَ كَثِيرُ الْغَرَائِبِ وَالْمَنَاكِيرِ، رَوَى فِي الْجَهْرِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً عَنْ ضُعَفَاءَ. وَكَذَّابِينَ. وَمَجَاهِيلَ، وَالْحَمْلُ فِيهِمَا عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْهِ. حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّيْبَانِيُّ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ ثَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى ثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بكر. وعمر، فكانوا يجرون بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، انْتَهَى. وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ قَطُّ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبُو طَاهِرٍ الْهَاشِمِيُّ، وَقَدْ كَذَّبَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ مَنْ رَوَى مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مِثْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ الثِّقَةِ الْمَشْهُورِ الْمُخَرَّجِ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ كَاذِبًا فِي رِوَايَتِهِ، وَعُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ شَيْخُ الدَّارَقُطْنِيِّ تَكَلَّمَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا، وَقَالَ: هُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْخَطِيبُ: سَأَلْت الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْخَلَّالَ عَنْهُ، فَقَالَ: ضَعِيفٌ، وَأَمَّا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَلَيْسَ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا، وَقَالَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ الرامهرمزي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمُحَدِّثِ الْفَاصِلِ حَدِيثًا مَوْضُوعًا لِأَحْمَدَ بْنِ عِيسَى، هُوَ الْمُتَّهَمُ بِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ الْوَادِعِيُّ ثَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى الْعَلَوِيُّ ثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ ثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ ارْحَمْ خُلَفَائِي"، قُلْنَا: مَنْ خُلَفَاؤُك؟ قَالَ: "الَّذِينَ يَرْوُونَ أَحَادِيثِي وَيُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ"، انْتَهَى. وَأَبُو عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَضَّاعٌ أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الْخَطِيبِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ زياد الأسدي عن يُونُسَ
بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ حِبَّانَ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ ابْنِ عُمَرَ فَجَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي السُّورَتَيْنِ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُبِضَ. وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ. وَخَلْفَ عُمَرَ حَتَّى قُبِضَ، فَكَانُوا يَجْهَرُونَ بِهَا فِي السُّورَتَيْنِ، فَلَا أدع الجهر حَتَّى أَمُوتَ، انْتَهَى. وَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ، وَعُبَادَةُ بْنُ زِيَادٍ الْأَسَدِيُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ مِنْ رُؤَسَاءِ الشِّيعَةِ، وَقَالَ الْحَافِظُ مُحَمَّدٌ النَّيْسَابُورِيُّ: هُوَ مُجْمَعٌ عَلَى كَذِبِهِ، وَشَيْخُهُ يُونُسُ بْنُ أَبِي يَعْفُورٍ الْعَبْدِيُّ فِيهِ مَقَالٌ، فَوَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ. وَابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ مَا لَا يُشْبِهُ حَدِيثَ الْأَثْبَاتِ، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ عِنْدِي بِمَا انْفَرَدَ بِهِ، وَمُسْلِمُ بْنُ حِبَّانَ فَغَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَالصَّوَابُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَغَيْرُهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ الْبَسْمَلَةَ لِلْفَاتِحَةِ وَلِلسُّورَةِ، وَقَدْ يَجْهَرُ بِهَا أَحْيَانَا، أَوْ لِتَعْلِيمِ الْمَأْمُومِينَ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ النُّعْمَانِ بن بشير أخرجه الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ زِيَادٍ الضَّبِّيِّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَمَّادٍ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أمّني جبرئيل عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَجَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، انْتَهَى. وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، بَلْ مَوْضُوعٌ، وَيَعْقُوبُ بْنُ يُوسُفَ الضَّبِّيُّ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ، وَقَدْ فَتَّشْت عَلَيْهِ فِي عِدَّةِ كُتُبٍ مِنْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، فَلَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرًا أَصْلًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا عَمِلَتْهُ يَدَاهُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَمَّادٍ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَسُكُوتُ الدَّارَقُطْنِيِّ. وَالْخَطِيبِ. وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ رِوَايَتِهِمْ لَهُ قَبِيحٌ جداً، ولم يعلق ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا عَلَى فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ، وَهُوَ تَقْصِيرٌ منه، وإذ لَوْ نُسِبَ إلَيْهِ لَكَانَ حَدِيثًا حَسَنًا، وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِ السَّعْدِيِّ فِيهِ: هُوَ زَائِغٌ غَيْرُ ثِقَةٍ، ليس هَذَا بِطَائِلٍ، فَإِنَّ فِطْرَ بْنَ خَلِيفَةَ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَيَحْيَى بن الْقَطَّانُ. وَابْنُ مَعِينٍ. حَدِيثٌ آخر عن االحكم بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ الْكُوفِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ إسْحَاقَ الْحَمَّارُ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَبِيبٍ ثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ - وَكَانَ بَدْرِيًّا - قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ. وَصَلَاةِ الْغَدَاةِ. وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، انْتَهَى. وَهَذَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْغَرِيبَةِ الْمُنْكَرَةِ، بَلْ هُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ: أحدهما: أَنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُمَيْرٍ لَيْسَ بَدْرِيًّا، وَلَا فِي الْبَدْرِيِّينَ أَحَدٌ اسْمُهُ الْحَكَمُ بْنُ عُمَيْرٍ، بَلْ لَا يُعْرَفُ لَهُ صُحْبَةٌ، فَإِنَّ مُوسَى بْنَ حَبِيبٍ الرَّاوِي عَنْهُ لَمْ يَلْقَ صَحَابِيَّا، بَلْ هُوَ مَجْهُولٌ
لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ: الْحَكَمُ بْنُ عُمَيْرٍ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ مُنْكَرَةً لَا تُذْكَرُ سماعاً ولا لقاءاً، روى ابْنُ أَخِيهِ مُوسَى بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، سَمِعْت أَبِي يَذْكُرُ ذَلِكَ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مُوسَى بْنُ أَبِي حَبِيبٍ شَيْخٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ ذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ الْحَكَمَ بْنَ عُمَيْرٍ، وَقَالَ فِي نِسْبَتِهِ: الثُّمَالِيُّ، ثُمَّ رَوَى لَهُ بِضْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا مُنْكَرًا، وَكُلُّهَا مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْهُ، وَرَوَى لَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ حَدِيثًا، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا هَذَا الْحَدِيثَ، وَالرَّاوِي عَنْ مُوسَى هُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْحَاقَ الصِّينِيُّ الْكُوفِيُّ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ صُنْعَهُ، فَإِنَّ الَّذِينَ رَوَوْا نُسْخَةَ مُوسَى عَنْ الْحَكَمِ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا الْحَدِيثَ فِيهَا، كَبَقِيَ بْنِ مَخْلَدٍ. وَابْنِ عَدِيٍّ. وَالطَّبَرَانِيِّ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ - فِيمَا عَلِمْنَا - الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْخَطِيبُ، وَوَهَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَقَالَ: إبْرَاهِيمُ بْنُ حَبِيبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْحَاقَ، وَتَبِعَهُ الْخَطِيبُ، وَزَادَ وَهْمًا ثَانِيًا، فَقَالَ: الضَّبِّيُّ بِالضَّادِ والباء، وإنما الصِّينِيُّ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ. حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 عَنْ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الصلاة بسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَعَدَّهَا آيَةً2 الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ آيَتَيْنِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثَلَاثَ آيَاتٍ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَعُمَرُ بْنُ هَارُونَ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا أَخْرَجْته شَاهِدًا، انْتَهَى. وَهَذَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْجَهْرِ، وَيُمْكِنُ أَنَّهَا سَمِعَتْهُ سِرًّا فِي بَيْتِهَا لقربها منه. والثاني: أَنَّ مَقْصُودَهَا الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ كَانَ يُرَتِّلُ قِرَاءَتَهُ حَرْفًا حَرْفًا، وَلَا يَسْرُدُهَا، وَقَدْ رَوَاهُ هُوَ أَعْنِي الْحَاكِمَ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَصَفَتْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَرْفًا حَرْفًا، قِرَاءَةً بَطِيئَةً، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد3. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هِيَ تَنْعَتُ قِرَاءَةً مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَحْفُوظَ فِيهِ وَالْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصلاة، وإما قَوْلُهُ: فِي الصَّلَاةِ زِيَادَةٌ مِنْ
عُمَرَ بْنِ هَارُونَ، وَهُوَ مَجْرُوحٌ، تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا أَرْوِي عَنْهُ شَيْئًا، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَكَذَّبَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَقَالَ: قَدِمَ عُمَرُ بْنُ هَارُونَ مَكَّةَ بَعْدَ مَوْتِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَزَعَمَ أَنَّهُ رَآهُ وَحَدَّثَ عَنْهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ صَالِحٌ: جَزَرَةُ، كَانَ كَذَّابًا. وَسُئِلَ عَنْهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، فَضَعَّفَهُ جِدًّا، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمُعْضِلَاتِ، وَيَدَّعِي شُيُوخًا لَمْ يَرَهُمْ، وَقَدْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ1 مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ، بمثل حديث عمرو بْنِ هَارُونَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عن ابن مُلَيْكَةَ بِهِ بِلَفْظِ السُّنَنِ، ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ اخْتَلَفَ الَّذِينَ رَوَوْهُ فِي لَفْظِهِ، فَانْتَفَى أَنْ يَكُونَ حُجَّةً، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِمُتَابَعَةِ غِيَاثٍ لِعُمَرَ بْنِ هَارُونَ، لِشِدَّةِ ضَعْفِ ابْنِ هَارُونَ. الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام جَهَرَ بِهَا مَرَّةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ إمَامٍ يَجْهَرُ بِهَا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ دَائِمًا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ، وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ شَكٌّ، وَلَمْ يَحْتَجْ أَحَدٌ إلَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ، وَلَكَانَ مِنْ جِنْسِ جَهْرِهِ عليه السلام بِغَيْرِهَا، وَلَمَا أَنْكَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ، وَعَدَّهُ حَدَثًا، وَلَكَانَ الرِّجَالُ أَعْلَمَ بِهِ مِنْ النِّسَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ2 والدارقطني فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ مِنْ الصَّلَوَاتِ مَا لَا أُحْصِيهَا: الصُّبْحَ. وَالْمَغْرِبَ، فَكَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَبْلَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَبَعْدَهَا، وَقَالَ الْمُعْتَمِرُ: مَا آلُو أَنْ أَقْتَدِيَ بِصَلَاةِ أَبِي، وَقَالَ أَبِي: مَا آلُو أَنْ أَقْتَدِيَ بِصَلَاةِ أَنَسٍ، وَقَالَ أَنَسٌ: مَا آلُو أَنْ أَقْتَدِيَ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسِرُّ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فِي الصَّلَاةِ. وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، انْتَهَى. وَفِي الصَّلَاةِ زَادَهَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَيْضًا أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ثَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ. وَعَلِيٍّ، فَكُلُّهُمْ كانوا يجهرون ببسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ بِهِ شَاهِدًا، قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: أَمَا اسْتَحَى الْحَاكِمُ يُورِدُ فِي كِتَابِهِ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ، فَأَنَا أَشْهَدُ بِاَللَّهِ، وَاَللَّهِ إنَّهُ لَكَذِبٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي: سَقَطَ مِنْهُ لَا، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: لَيِّنُ الْحَدِيثِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَقِيلَ
عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ عَنْهُ: عَنْ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسِرُّ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ، هَكَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَقِيلَ عَنْهُ: بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَفِيهِ الْجَهْرُ، كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَتَوْثِيقُ الْحَاكِمِ لَا يُعَارِضُ مَا يَثْبُتُ فِي الصَّحِيحِ خِلَافُهُ، لِمَا عُرِفَ مِنْ تَسَاهُلِهِ، حَتَّى قِيلَ: إنَّ تَصْحِيحَهُ دُونَ تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ. والدارقطني، بَلْ تَصْحِيحُهُ كَتَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ، وَأَحْيَانًا يَكُونُ دُونَهُ، وَأَمَّا ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَابْنُ حِبَّانَ فَتَصْحِيحُهُمَا أَرْجَحُ مِنْ تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ بِلَا نِزَاعٍ، فَكَيْفَ تَصْحِيحُ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ، كَيْفَ! وَأَصْحَابُ أَنَسٍ الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ يَرْوُونَ عَنْهُ خِلَافَ ذَلِكَ، حَتَّى إنَّ شُعْبَةَ سَأَلَ قَتَادَةَ عَنْ هَذَا، فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْت أَنَسًا يَذْكُرُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَأَخْبَرَهُ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ الْمُنَافِي لِلْجَهْرِ، وَنَقَلَ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ: مَا سَمِعَهُ مِنْ أَنَسٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَأَرْفَعِ دَرَجَاتِ الصَّحِيحِ عِنْدَ أَهْلِهِ، فَإِنَّ قَتَادَةَ أَحْفَظُ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَإِتْقَانُ شُعْبَةَ وَضَبْطُهُ هُوَ الْغَايَةُ عِنْدَهُمْ، وَهَذَا مِمَّا يُرَدُّ بِهِ قَوْلُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ رَوَى حَدِيثَ أَنَسٍ بِالْمَعْنَى الَّذِي فَهِمَهُ مِنْ قَوْلِهِ: كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَفَهِمَ مِنْ هَذَا نَفْيَ قِرَاءَتِهَا، فَرَوَاهُ مِنْ عِنْدَهُ، فَإِنَّ هَذَا قَوْلُ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ النَّاسِ عِلْمًا بِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَلْفَاظِهِمْ الصَّرِيحَةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ. وَبِأَنَّهُمْ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالضَّبْطِ مِنْ الْغَايَةِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْمُجَازَفَةَ، أَوْ أَنَّهُ مُكَابِرٌ صَاحِبُ هَوًى، فَيَتْبَعُ هَوَاهُ، وَيَدَعُ مُوجِبَ الدَّلِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الْخَطِيبِ عَنْ ابْنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ عن عمه الْعُمَرِيِّ. وَمَالِكٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الْفَرِيضَةِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي: سَقَطَ مِنْهُ لَا كَمَا رَوَاهُ الْبَاغَنْدِيُّ1. وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَأَمَّا الْجَهْرُ فَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ ابْنُ وَهْبٍ قَطُّ، وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ مَالِكًا رَوَاهُ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قُمْت وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ، فَكُلُّهُمْ لَا يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إذَا افْتَتَحُوا الصَّلَاةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّقَصِّي: هَكَذَا رَوَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَابْنُ عُيَيْنَةَ. وَالْعُمَرِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا فَقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ لم يكونوا يقرؤون، قَالَ: وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ فِي رَفْعِهِ ذَلِكَ عَنْ عَمِّهِ عَنْ مَالِكٍ، فَصَارَ هَذَا الَّذِي رَوَاهُ الْخَطِيبُ خَطَأً عَلَى خَطَأٍ، وَالصَّوَابُ فِيهِ عَدَمُ الرَّفْعِ. وَعَدَمُ الْجَهْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَذَكَرَ الْخَطِيبُ، وَغَيْرُهُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ طُرُقًا أُخْرَى: فِيهَا الْجَهْرُ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا قَوْلُهُ: فِي الصَّلَاةِ، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ أَنَسٍ،
كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1 عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَتْ مَدًّا، ثُمَّ قَرَأَ بسم الله الرحمن الرحيم بِمَدِّ بِسْمِ اللَّهِ وبمد الرحمن ويمد الرَّحِيمِ، وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْهُ2 أَيْضًا، قَالَ: " نَزَلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ، فَقَرَأَ: {بسم الله الرحمن الرحيم، إنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَرَ} " إلَى آخِرِهَا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِرَاءَةَ الْبَسْمَلَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الصَّلَاةِ أَصْلًا، وَنَظِيرُهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ3 أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقْرَأُ: {بسم الله الرحمن الرحيم، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يُقَطِّعُهُمَا حَرْفًا حَرْفًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِمَكَّةَ، وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَدْعُونَ مُسَيْلِمَةَ - الرَّحْمَنَ - فَقَالُوا: إنَّ مُحَمَّدًا يَدْعُو إلَهَ الْيَمَامَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْفَائِهَا، فَمَا جَهَرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ وَالْمُرْسَلُ إذَا وُجِدَ لَهُ مَا يُوَافِقُهُ، فَهُوَ حُجَّةٌ بِاتِّفَاقٍ. حَدِيثٌ آخَرُ، مَوْقُوفٌ، وَلَكِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ4 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمِ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: صَلَّى مُعَاوِيَةُ بِالْمَدِينَةِ صَلَاةً فَجَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، فَبَدَأَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَقْرَأْ بِهَا لِلسُّورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، حَتَّى قَضَى تِلْكَ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يُكَبِّرْ حِينَ يَهْوِي، حَتَّى قَضَى تِلْكَ الصَّلَاةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ نَادَاهُ مَنْ سَمِعَ ذَاكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ. وَالْأَنْصَارِ، وَمَنْ كَانَ عَلَى مَكَانِهِ: يَا مُعَاوِيَةُ، أَسَرَقْت الصَّلَاةَ، أَمْ نَسِيتَ؟! أَيْنَ بسم الله الرحمن الرحيم، وَأَيْنَ التَّكْبِيرُ إذَا خَفَضْت، وَإِذَا رَفَعْتَ؟! فَلَمَّا صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ قَرَأَ: بسم الله الرحمن الرحيم لِلسُّورَةِ الَّتِي بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَكَبَّرَ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَقَدْ اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ هَذَا فِي إثْبَاتِ الْجَهْرِ، وَقَالَ الْخَطِيبُ: هُوَ أَجْوَدُ مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ مَدَارَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بن خيثم، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ لَكِنَّهُ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، أَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ إلَى ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: أَحَادِيثُهُ غَيْرُ قَوِيَّةٍ وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيِّنُ الْحَدِيثِ، لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِيهِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ لَيَّنُوهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَلَا يُقْبَلُ مَا تَفَرَّدَ بِهِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ اضْطَرَبَ فِي إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ أَسْبَابِ الضَّعْفِ، أَمَّا فِي إسْنَادِهِ فغن ابن خيثم تَارَةً يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَنَسٍ،
وَتَارَةً يَرْوِيه عَنْ إسماعيل ين عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ1، وَقَدْ رَجَّحَ الْأُولَى الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ لِجَلَالَةِ رَاوِيهَا، وَهُوَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَالَ الشَّافِعِيُّ إلَى تَرْجِيحِ الثَّانِيَةِ، وَرَوَاهُ ابْنُ خيثم أَيْضًا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَزَادَ ذِكْرَ الْجَدِّ كَذَلِكَ، رَوَاهُ عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَهِيَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَالْأُولَى عِنْده، وَعِنْدَ الْحَاكِمِ، وَالثَّانِيَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا الِاضْطِرَابُ فِي مَتْنِهِ فَتَارَةً يَقُولُ: صَلَّى، فَبَدَأَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَقْرَأْ بِهَا لِلسُّورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَتَارَةً يَقُولُ: فَلَمْ يَقْرَأْ بسم الله الرحمن الرحيم حِينَ افْتَتَحَ الْقُرْآنَ، وَقَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ، كَمَا هُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، وَتَارَةً يَقُولُ: فَلَمْ يَقْرَأْ بسم الله الرحمن الرحيم لِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلَا لِلسُّورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، كَمَا هُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَمِثْلُ هَذَا الِاضْطِرَابِ فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ مِمَّا يُوجِبُ ضَعْفَ الْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ مُشْعِرٌ بِعَدَمِ ضَبْطِهِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ شَرْطَ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ أَنْ لَا يَكُونَ شَاذًّا. وَلَا مُعَلَّلًا، وَهَذَا شَاذٌّ مُعَلَّلٌ، فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ عَنْ أَنَسٍ، وكيف يروي أن سمع حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ هَذَا مُحْتَجًّا بِهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ أَنَسٍ الْمَعْرُوفِينَ بِصُحْبَتِهِ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِمَّا يَرُدُّ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ هَذَا أَنَّ أَنَسًا كَانَ مُقِيمًا بِالْبَصْرَةِ، وَمُعَاوِيَةُ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ أَنَّ أَنَسًا كَانَ مَعَهُ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا تَرْكُ الْجَهْرِ بِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَى قِرَاءَتَهَا أَصْلًا، قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ: أَدْرَكْت الْأَئِمَّةَ وَمَا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ إلَّا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ: مَا سَمِعْت الْقَاسِمَ يَقْرَأُ بِهَا، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ: أَدْرَكْت الْأَئِمَّةَ وَمَا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ إلَّا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِإِسْنَادٍ صحيح أنه كان يَجْهَرُ بِهَا إلَّا شَيْءٌ يَسِيرٌ، وَلَهُ مَحْمَلٌ، وَهَذَا عَمَلُهُمْ يَتَوَارَثُهُ آخِرُهُمْ عَنْ أَوَّلِهِمْ، فَكَيْفَ يُنْكِرُونَ عَلَى مُعَاوِيَةَ مَا هُوَ شَبَهُهُمْ؟! هَذَا بَاطِلٌ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَوْ رَجَعَ إلَى الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، كَمَا نَقَلُوهُ، لَكَانَ هَذَا مَعْرُوفًا مِنْ أَمْرِهِ عِنْدَ أَهْلِ الشَّامِ الَّذِينَ صَحِبُوهُ، وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْهُمْ، بَلْ الشَّامِيُّونَ كُلُّهُمْ خُلَفَاءَهُمْ وَعُلَمَاءَهُمْ، كَانَ مَذْهَبُهُمْ تَرْكَ الْجَهْرِ بِهَا، وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ الْجَهْرِ بِهَا فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ. وَالْأَوْزَاعِيُّ إمَامُ الشَّامِ، وَمَذْهَبُهُ فِي ذَلِكَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، لَا يقرأها سِرًّا وَلَا جَهْرًا، وَمِنْ الْمُسْتَبْعَدِ أَنْ يَكُونَ هَذَا حَالَ مُعَاوِيَةَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَدْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَوْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ لَمَا تَرَكَهَا حَتَّى يُنْكِرَ عَلَيْهِ رَعِيَّتُهُ أَنَّهُ
لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ مَنْ تَدَبَّرَهَا عَلِمَ أَنَّ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ هَذَا بَاطِلٌ، أَوْ مُغَيَّرٌ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَدْ يُتَمَحَّلُ فِيهِ، وَيُقَالُ: إنْ كَانَ هَذَا الْإِنْكَارُ عَلَى مُعَاوِيَةَ مَحْفُوظًا، فَإِنَّمَا هُوَ إنْكَارٌ لِتَرْكِ إتْمَامِ التَّكْبِيرِ، لَا لِتَرْكِ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَرْكَ إتْمَامِ التَّكْبِيرِ كَانَ مَذْهَبَ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَأُمَرَائِهِمْ عَلَى الْبِلَادِ، حَتَّى إنَّهُ كَانَ مَذْهَبَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ عَدَمُ التَّكْبِيرِ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَحِينَ يَسْجُدُ بَعْدَ الْقُعُودِ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهِمْ عَلَيْهِ تَرْكَ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ. وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَيْضًا. وَبِالْجُمْلَةِ، فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا لَيْسَ فِيهَا صَرِيحٌ صَحِيحٌ، بَلْ فِيهَا عَدَمُهُمَا، أَوْ عَدَمُ أَحَدِهِمَا، وَكَيْفَ تَكُونُ صَحِيحَةً، وَلَيْسَتْ مُخَرَّجَةً فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّحِيحِ، وَلَا الْمَسَانِيدِ، وَلَا السُّنَنِ، الْمَشْهُورَةِ؟! وَفِي رِوَايَتِهَا الْكَذَّابُونَ. وَالضُّعَفَاءُ. وَالْمَجَاهِيلُ الَّذِينَ لَا يُوجَدُونَ فِي التَّوَارِيخِ، وَلَا فِي كُتُبِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، كَعَمْرِو بْنِ شِمْرٍ. وَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ. وَحُصَيْنِ بْنِ مُخَارِقٍ. وَعَمْرِو بْنِ حَفْصٍ الْمَكِّيِّ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَسَّانَ. وَأَبِي الصَّلْتِ الْهَرَوِيِّ. وَعَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ. وَابْنِ أَبِي عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيِّ، الْمُلَقَّبِ بِجِرَابِ الكذب. وعمرو بْنِ هَارُونَ الْبَلْخِيّ. وَعِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ الْمَدَنِيِّ. وَآخَرُونَ أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهِمْ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُعَارَضَ بِرِوَايَةِ هَؤُلَاءِ، مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَثْبَاتِ: وَمِنْهُمْ قَتَادَةُ الَّذِي كَانَ أَحْفَظَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَيَرْوِيهِ عَنْهُ شُعْبَةُ الْمُلَقَّبُ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ، وَتَلَقَّاهُ الْأَئِمَّةُ بِالْقَبُولِ، وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَحَدٌ بِحُجَّةٍ إلَّا مَنْ رَكِبَ هَوَاهُ، وَحَمَلَهُ فَرْطُ التَّعَصُّبِ عَلَى أَنْ عَلَّلَهُ، وَرَدَّ بِاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ، مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُخْتَلِفَةً، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، كَمَا بَيَّنَّا، وَعَارَضَهُ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَوْضُوعِ، أَوْ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ الضَّعِيفِ، وَمَتَى وَصَلَ الْأَمْرُ إلَى مِثْلِ هَذَا، فَجُعِلَ الصَّحِيحُ ضَعِيفًا، وَالضَّعِيفُ صَحِيحًا، وَالْمُعَلَّلُ سَالِمًا مِنْ التَّعْلِيلِ، وَالسَّالِمُ مِنْ التَّعْلِيلِ مُعَلَّلًا سَقَطَ الْكَلَامُ، وَهَذَا لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَاَللَّهُ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ، وَمَا تَحَلَّى طَالِبُ الْعِلْمِ بِأَحْسَنَ مِنْ الْإِنْصَافِ وَتَرْكِ التَّعَصُّبِ، وَيَكْفِينَا فِي تَضْعِيفِ أَحَادِيثِ الْجَهْرِ إعْرَاضُ أَصْحَابِ الْجَوَامِعِ الصَّحِيحَةِ، وَالسُّنَنِ الْمَعْرُوفَةِ، وَالْمَسَانِيدِ الْمَشْهُورَةِ الْمُعْتَمَدِ عَلَيْهَا فِي حُجَجِ الْعِلْمِ، وَمَسَائِلِ الدِّينِ، فَالْبُخَارِيُّ رحمه الله مَعَ شِدَّةِ تَعَصُّبِهِ وفرط تحمله عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ يُودِعْ صَحِيحَهُ مِنْهَا حَدِيثًا وَاحِدًا، وَلَا كَذَلِكَ مُسْلِمٌ رحمه الله، فَإِنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا فِي هَذَا الْبَابِ إلَّا حَدِيثَ أَنَسٍ الدَّالِّ عَلَى الْإِخْفَاءِ، وَلَا يُقَالُ فِي دَفْعِ ذَلِكَ: إنَّهُمَا لَمْ يَلْتَزِمَا أَنْ يُودِعَا فِي صَحِيحَيْهِمَا كُلَّ حَدِيثٍ صَحِيحٍ، يَعْنِي فَيَكُونَانِ قَدْ تَرَكَا أَحَادِيثَ الْجَهْرِ فِي جُمْلَةِ مَا تَرَكَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ إلَّا سَخِيفٌ أَوْ مُكَابِرٌ، فَإِنَّ مَسْأَلَةَ
الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ مِنْ أَعْلَامِ الْمَسَائِلِ وَمُعْضِلَاتِ الْفِقْهِ، وَمِنْ أَكْثَرِهَا دَوَرَانًا فِي الْمُنَاظَرَةِ وَجَوَلَانًا فِي الْمُصَنَّفَاتِ، وَالْبُخَارِيُّ كَثِيرُ التَّتَبُّعِ لِمَا يَرُدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ السُّنَّةِ، فَيَذْكُرُ الْحَدِيثَ، ثُمَّ يُعَرِّضُ بِذِكْرِهِ، فَيَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: كَذَا وَكَذَا، يُشِيرُ بِبَعْضِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَيُشَنِّعُ لِمُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ يُخْلِي كِتَابَهُ مِنْ أَحَادِيثِ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَهُوَ يَقُولُ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ: بَابُ الصَّلَاةِ مِنْ الْإِيمَانِ، ثُمَّ يَسُوقُ أَحَادِيثَ الْبَابِ، وَيَقْصِدُ الرَّدَّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ؟ قَوْلَهُ: إنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنْ الْإِيمَانِ، مَعَ غُمُوضِ ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَمَسْأَلَةُ الْجَهْرِ يَعْرِفُهَا عَوَامُّ النَّاسِ وَرُعَاعُهُمْ، هَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ، بَلْ يَسْتَحِيلُ، وَأَنَا أَحْلِفُ بِاَللَّهِ، وَبِاَللَّهِ لَوْ اطَّلَعَ الْبُخَارِيُّ عَلَى حَدِيثٍ مِنْهَا مُوَافِقٍ بِشَرْطِهِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ شَرْطِهِ لَمْ يُخْلِ مِنْهُ كِتَابَهُ، وَلَا كَذَلِكَ مُسْلِمٌ رحمه الله، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَهَذَا أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ. مَعَ اشْتِمَالِ كُتُبِهِمْ عَلَى الْأَحَادِيثِ السَّقِيمَةِ، وَالْأَسَانِيدِ الضَّعِيفَةِ لَمْ يُخَرِّجُوا مِنْهَا شَيْئًا، فَلَوْلَا أَنَّهَا عِنْدَهُمْ وَاهِيَةٌ بِالْكُلِّيَّةِ لَمَا تَرَكُوهَا، وَقَدْ تَفَرَّدَ النَّسَائِيّ مِنْهَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ أَقْوَى مَا فِيهَا عِنْدَهُمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَهُ، وَالْجَوَابَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْهَا: حَدِيثَ عَلِيٍّ, وَمُعَاوِيَةَ، وَقَدْ عُرِفَ تَسَاهُلُهُ، وَبَاقِيهَا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي سُنَنِهِ التي مَجْمَعُ الْأَحَادِيثِ الْمَعْلُولَةِ، وَمَنْبَعُ الأحاديث الغريبة، وقد بَيَّنَّاهَا حَدِيثًا حَدِيثًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْآثَارُ فِي ذَلِكَ: - فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ. وَالطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ عُمَرَ رضي الله عنه، فَجَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَكَانَ أَبِي1 يَجْهَرُ بِهَا، انْتَهَى. وَهَذَا الْأَثَرُ مُخَالِفٌ لِلصَّحِيحِ الثَّابِتِ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْهَرُ، كَمَا رَوَاهُ أَنَسٌ، وَقَدْ رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَيْضًا عَدَمَ الْجَهْرِ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ2 بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ. وَعَلِيٌّ لَا يَجْهَرَانِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا عَنْ عمر، فيحمل أي أَنَّهُ فَعَلَهُ مَرَّةً، أَوْ بَعْضَ أَحْيَانٍ، لِأَحَدِ الْأَسْبَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ. وَعَلِيًّا كَانُوا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. انْتَهَى. وَهَذَا بَاطِلٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ الْوَقَّاصِيُّ، أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: كَذَّابٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْأَشْيَاءَ الْمَوْضُوعَاتِ لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ أَيْضًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَهَذَا أَيْضًا لَا يَثْبُتُ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ لَمْ يَلْحَقْ عَلِيًّا، وَلَا صَلَّى خَلْفَهُ قَطُّ، وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَى ابْنِهِ يَعْقُوبَ، فَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ. وَابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ، وَمَشَّاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَأَمَّا شَيْخُ الْخَطِيبِ فِيهِ، فَهُوَ أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ الْأَهْوَازِيُّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ أَبِي عَلِيٍّ، فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ يُرَكِّبُ الْأَسَانِيدَ، وَنَقَلَ الْخَطِيبُ1 عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْجَصَّاصِ، قَالَ: كُنَّا نُسَمِّي ابْنَ أَبِي عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيِّ جِرَابَ الْكَذِبِ. وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ صَالِحِ بْنِ نَبْهَانَ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَابْنِ عباس. وأبي قتادة. وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَكَانُوا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَهَذَا أَيْضًا لَا يَثْبُتُ، وَالْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ هُوَ الْعَرَبِيُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهُوَ شِيعِيٌّ ضَعِيفٌ، أَوْ هُوَ حُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَشْقَرُ، وَانْقَلَبَ اسْمُهُ، وَهُوَ أَيْضًا شِيعِيٌّ ضَعِيفٌ، أَوْ هُوَ مَجْهُولٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى فَقَدْ رُمِيَ بِالرَّفْضِ وَالْكَذِبِ، وَصَالِحُ بْنُ نبهان مولى التوءَمة، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ مَالِكٌ. وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَفِي إدْرَاكِهِ لِلصَّلَاةِ خَلْفَ أَبِي قَتَادَةَ نَظَرٌ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَإِنَّمَا كَثُرَ الْكَذِبُ فِي أَحَادِيثِ الْجَهْرِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَصْحَابِهِ، لِأَنَّ الشِّيعَةَ تَرَى الْجَهْرَ، وَهُمْ أَكْذَبُ الطَّوَائِفِ، فَوَضَعُوا فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ، وَكَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَحَدُ أَعْيَانِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَرَى تَرْكَ الْجَهْرِ بِهَا، وَيَقُولُ: الْجَهْرُ بِهَا صَارَ مِنْ شِعَارِ الرَّوَافِضِ، وَغَالِبُ أَحَادِيثِ الْجَهْرِ نَجِدُ فِي رِوَايَتِهَا مَنْ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى التَّشَيُّعِ. وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَكَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَقَالَ: مَا يَمْنَعُ أُمَرَاءَكُمْ أَنْ يَجْهَرُوا بِهَا إلَّا الْكِبْرُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْإِعْلَامِ بِأَنَّ قِرَاءَتَهَا سُنَّةٌ، فَإِنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ كَانُوا يُسِرُّونَ بِهَا، فَظَنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ قِرَاءَتَهَا بِدْعَةٌ، فَجَهَرَ بِهَا مَنْ جَهَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ لِيُعْلِمُوا النَّاسَ أَنَّ قِرَاءَتَهَا سُنَّةٌ، لَا أَنَّهُ فِعْلُهُ دَائِمًا، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ تَرْكَ الْجَهْرِ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا أَقْوَالُ التَّابِعِينَ فِي ذلك فلست بِحُجَّةٍ،
مَعَ أَنَّهَا قَدْ اخْتَلَفَتْ، فَرُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْجَهْرُ، وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَرْكُهُ، وَفِي بَعْضِ الْأَسَانِيدِ إلَيْهِمْ الضَّعْفَةُ وَالِاضْطِرَابُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ جَهْرِ مَنْ جَهَرَ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْوَاجِبُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الرُّجُوعُ إلَى الدَّلِيلِ، لَا إلَى الْأَقْوَالِ، وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ مَنْ جَمَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْجَهْرَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَالتَّابِعِينَ. وَغَيْرِهِمْ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُمْ غَيْرُهُ كَمَا نَقَلَ الْخَطِيبُ الْجَهْرَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْأَرْبَعَةِ، وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عُمَرَ. وَعَلَى الْمَشْهُورِ عَنْهُمْ تَرْكُهُ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَرْكِ الْجَهْرِ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ: مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ. وَعَلِيٌّ. وَغَيْرُهُمْ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَابْنُ الْمُبَارَكِ. وَأَحْمَدُ. وَإِسْحَاقُ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُخْتَلَفْ فِي الْجَهْرِ بِهَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ إنْ اُخْتُلِفَ فِي الْجَهْرِ بِهَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ. وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَدْ ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَالْخَطِيبُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عدم الجهر، كذلك رَوَى الطَّحَاوِيُّ. وَالْخَطِيبُ. وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَدَمَ الْجَهْرِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَدَمَ الْجَهْرِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَالْخَطِيبُ عَنْ عِكْرِمَةَ الْجَهْرَ، وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ عَنْهُ عَدَمَهُ، وَذَكَرَ الْخَطِيبُ. وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ. وَإِسْحَاقَ الْجَهْرَ، وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُمَا تَرْكَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَدْرَكْت أَحَدًا يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَالْجَهْرُ بِهَا بِدْعَةٌ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: أَدْرَكْت الْأَئِمَّةَ وَمَا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ إلَّا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَالَ وَكِيعٌ: كَانَ الْأَعْمَشُ. وَابْنُ أَبِي خَالِدٍ. وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَسُفْيَانُ. وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ. وَعَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ. وَمَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ مَشْيَخَتِنَا لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانُوا يُسِرُّونَ الْبَسْمَلَةَ وَالتَّعَوُّذَ فِي الصَّلَاةِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرٍ أَنَّ الْحَسَنَ سُئِلَ عَنْ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ فَقَالَ: إنَّمَا بفعل ذَلِكَ الْأَعْرَابُ، حَدَّثَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ ثَنَا خَصِيفٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: إذَا صَلَّيْت فَلَا تَجْهَرْ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَاجْهَرْ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ. مُلَخَّصُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، ذَكَرَ الْأَحَادِيثَ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الشافعية، ثم قال: هذه الْأَحَادِيثُ فِي الْجُمْلَةِ لَا تُحَسَّنُ بِمَنْ لَهُ عِلْمٌ بِالنَّقْلِ أَنْ يُعَارِضَ بِهَا الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ، وَلَوْلَا أَنْ يعرض للمتفقه شُبْهَةٌ عِنْدَ سَمَاعِهَا فَيَظُنَّهَا صَحِيحَةً لَكَانَ الْإِضْرَابُ عَنْ ذِكْرِهَا أَوْلَى، وَيَكْفِي فِي ضَعْفِهَا إعْرَاضُ الْمُصَنِّفِينَ لِلْمَسَانِيدِ، وَالسُّنَنِ عَنْ جُمْهُورِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْهَا طَرَفًا فِي سُنَنِهِ فَبَيَّنَ
ضَعْفَ بَعْضِهَا وَسَكَتَ عَنْ بَعْضِهَا، وَقَدْ حَكَى لَنَا مَشَايِخُنَا أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ 721 لَمَّا وَرَدَ مِصْرَ سَأَلَهُ بَعْضُ أَهْلِهَا تَصْنِيفَ شَيْءٍ فِي الْجَهْرِ، فَصَنَّفَ فِيهِ جُزْءًا، فَأَتَاهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، فَأَقْسَمَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: كُلُّ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَهْرِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَأَمَّا عَنْ الصَّحَابَةِ: فَمِنْهُ صَحِيحٌ. وَضَعِيفٌ، ثُمَّ تَجَرَّدَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ لِجَمْعِ أَحَادِيثِ الْجَهْرِ، فَأَزْرَى عَلَى عِلْمِهِ بِتَغْطِيَةِ مَا ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَنْكَشِفُ، وَقَدْ بَيَّنَّا عِلَلَهَا وَخَلَلَهَا، ثُمَّ إنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَحْمِلُ أَحَادِيثَهُمْ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ جَهَرَ بِهَا لِلتَّعْلِيمِ، أَوْ جَهَرَ بِهَا جَهْرًا يَسِيرًا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ، وَالْمَأْمُومُ إذا قرب منه الْإِمَامَ أَوْ حَاذَاهُ سَمِعَ مَا يُخَافِتُهُ، وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ جَهْرًا، كَمَا وَرَدَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ الظُّهْرَ فَيُسْمِعُهُمْ الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَحْيَانَا. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِتَرْكِ الْجَهْرِ، فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَكَانَ مُسَيْلِمَةُ يُدْعَى - رَحْمَنَ الْيَمَامَةِ -، فَقَالَ أَهْلُ مَكَّةَ: إنَّمَا يَدْعُو إلَهَ الْيَمَامَةِ، فَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِإِخْفَائِهَا، فَمَا جَهَرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ الْجَهْرِ، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ فِي ذَلِكَ مَسْلَكَ الْبَحْثِ وَالتَّأْوِيلِ، فَقَالَ: إنَّ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ تُقَدَّمُ عَلَى أَحَادِيثِ الْإِخْفَاءِ بِأَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ، فَإِنَّ أَحَادِيثَ الْإِخْفَاءِ رَوَاهَا اثْنَانِ مِنْ الصَّحَابَةِ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ المغفل، وَأَحَادِيثُ الْجَهْرِ رَوَاهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا. وَالثَّانِي: أَنَّ أَحَادِيثَ الْإِخْفَاءِ شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ، وَأَحَادِيثَ الْجَهْرِ شَهَادَةٌ عَلَى إثْبَاتٍ، وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ، كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُ بِلَالٍ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْتِ عَلَى قَوْلِ أُسَامَةَ. وَغَيْرِهِ: إنَّهُ لَمْ يُصَلِّ، قَالُوا: وَبِأَنَّ أَنَسًا قَدْ رُوِيَ عَنْهُ إنْكَارُ ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ، فَرَوَى أَحْمَدُ2 والدارقطني مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ أَبِي مَسْلَمَةً، قَالَ: سَأَلْت أَنَسًا أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ بسم الله الرحمن، أَوْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: إنَّك لَتَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ مَا أَحْفَظُهُ، أَوْ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَك، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، قُلْنَا: أَمَّا اعْتِرَاضُهُمْ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ، فَالِاعْتِمَادُ عَلَى كَثْرَةِ الرُّوَاةِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ صِحَّةِ الدَّلِيلَيْنِ، وأحاديث الجهر ليس فيه صَحِيحٌ صَرِيحٌ، بِخِلَافِهِ حَدِيثُ الْإِخْفَاءِ، فَإِنَّهُ صَحِيحٌ صَرِيحٌ ثَابِتٌ مُخَرَّجٌ فِي الصِّحَاحِ. وَالْمَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ. وَالسُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ، مَعَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَرَوْنَ التَّرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ، وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ، لِبُعْدِ احْتِمَالِ الْغَلَطِ عَلَى الْعَدَدِ الْأَكْثَرِ، وَلِهَذَا جُعِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الزِّنَا أَرْبَعَةً، لِأَنَّهُ أَكْبَرُ الْحُدُودِ، وَأَحَادِيثُ الْجَهْرِ، وَإِنْ كَثُرَتْ رُوَاتُهَا لَكِنَّهَا كُلَّهَا ضَعِيفَةٌ، وَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ كَثُرَتْ رُوَاتُهُ وَتَعَدَّدَتْ
طُرُقُهُ، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ؟ كَحَدِيثِ: الطَّيْرِ1. وَحَدِيثِ الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ2 وَحَدِيثِ: مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ، فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ3، بَلْ قَدْ لَا يُزِيدُ الْحَدِيثَ كَثْرَةُ الطُّرُقِ إلَّا ضَعْفًا، وَإِنَّمَا تُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ إذَا كَانَتْ الرُّوَاةُ مُحْتَجًّا بِهِمْ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، كَتَرْجِيحِ الْأَئِمَّةِ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدِيث: الْمُجَامِعِ4 وَذِكْرِهِمْ التَّرْتِيبَ، وَتَعْلِيقِ الْحُكْمِ عَلَى الْجِمَاعِ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ التَّخْيِيرَ، وَتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى مُجَرَّدِ الْفِطْرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْجِمَاعِ، وَأَحَادِيثُ الْجَهْرِ لَيْسَتْ مُخَرَّجَةً فِي الصِّحَاحِ. وَلَا الْمَسَانِيدِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَمْ يَرْوِهَا إلَّا الْحَاكِمُ. والدارقطني، فَالْحَاكِمُ عُرِفَ تَسَاهُلُهُ وَتَصْحِيحُهُ لِلْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ، بَلْ الْمَوْضُوعَةِ، والدارقطني فَقَدْ مَلَأ كِتَابَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْغَرِيبَةِ. وَالشَّاذَّةِ. وَالْمُعَلَّلَةِ، وَكَمْ فِيهِ مِنْ حَدِيثٍ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ! وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ فَهِيَ وَإِنْ ظَهَرَتْ فِي صُورَةِ النَّفْيِ، فَمَعْنَاهَا الْإِثْبَاتُ، بِخِلَافِ حَدِيثِ بِلَالٍ، مَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى تَقْدِيمِ الْإِثْبَاتِ، قَالُوا: لِأَنَّ الْمُثْبِتَ مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ، وَأَيْضًا فَالنَّفْيُ يُفِيدُ التَّأْكِيدَ لِدَلِيلِ الْأَصْلِ، وَالْإِثْبَاتُ يُفِيدُ التَّأْسِيسَ، وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى. الثَّانِي: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، قَالُوا: لِأَنَّ النَّافِيَ مُوَافِقٌ لِلْأَصْلِ، وَأَيْضًا، فَالظَّاهِرُ تَأْخِيرُ النَّافِي عَنْ الْمُثْبِتِ، إذْ لَوْ قُدِّرَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ لَكَانَتْ فَائِدَتُهُ التَّأْكِيدَ، لِدَلِيلِ الْأَصْلِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَأْخِيرِهِ يَكُونُ تَأْسِيسًا، فَالْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ النَّافِيَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُثْبِتِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْآمِدِيُّ. وَغَيْرُهُ، وَقَدْ قَدَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُذَّاقِ: مِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ النَّفْيَ عَلَى الْإِثْبَاتِ فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ، وَأَنَّهُ عليه السلام صَلَّى عَلَيْهِ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ5 مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ6. وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، وَقَالُوا فِيهِ: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا جَمْعُهُمْ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّهُ لَمْ
يَسْمَعْهُ لِبُعْدِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ صَبِيًّا يَوْمئِذٍ، فَمَرْدُودٌ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلِأَنَسٍ يَوْمئِذٍ عَشْرُ سِنِينَ، وَمَاتَ، وَلَهُ عِشْرُونَ سَنَةً، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَهُ عَشْرَ سِنِينَ، فَلَا يَسْمَعُهُ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ يَجْهَرُ؟ هَذَا بَعِيدٌ، بَلْ مُسْتَحِيلٌ، ثُمَّ قَدْ رُوِيَ هَذَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَيْفَ! وَهُوَ رَجُلٌ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، وَكَهْلٌ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ، مَعَ تَقَدُّمِهِ فِي زَمَانِهِمْ، وَرِوَايَتِهِ لِلْحَدِيثِ؟!، وَقَدْ رَوَى أَنَسٌ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يَلِيَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ لِيَأْخُذُوا عَنْهُ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ1، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: إسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ البخاري. مسلم، وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ إنْكَارِ أَنَسٍ، فَلَا يُقَاوِمُ مَا يَثْبُتُ عَنْهُ خِلَافُهُ فِي الصَّحِيحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَنَسٌ نَسِيَ فِي تِلْكَ الْحَالِ، لِكِبَرِهِ، وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرًا، كَمَا سُئِلَ يَوْمًا عَنْ مسألة، قال: عَلَيْكُمْ بِالْحَسَنِ فَاسْأَلُوهُ، فَإِنَّهُ حَفِظَ، وَنَسِينَا، وَكَمْ مِمَّنْ حَدَّثَ وَنَسِيَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ ذِكْرِهَا فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا، لَا عَنْ الْجَهْرِ بِهَا وَإِخْفَائِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مُلَخَّصُ مَا قَالَهُ الْحَازِمِيُّ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ2: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْبَسْمَلَةِ، هَلْ يُجْهَرُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ. أَوْ لَا؟ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى الْجَهْرِ بِهَا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ. وَعُمَرَ. وَابْنِ عُمَرَ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَعَطَاءٍ. وَطَاوُسٍ. وَمُجَاهِدٍ. وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ. وَأَصْحَابُهُ، وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالُوا: يُسَرُّ بِهَا وَلَا يُجْهَرُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ. وعمر - في 'حدى الرِّوَايَتَيْنِ - وَعُثْمَانَ. وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. وَالْحَكَمِ. وَحَمَّادٍ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. وَإِسْحَاقُ. وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ، وَقَالَتْ طائفة: لا يقرأها سِرًّا وَلَا جَهْرًا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَالْأَوْزَاعِيُّ، اسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْإِخْفَاءِ بِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ، وَأَكْثَرُهَا نُصُوصٌ لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ، وَهِيَ وَإِنْ عَارَضَهَا أَحَادِيثُ أُخْرَى، فَأَحَادِيثُ الْإِسْرَارِ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ، لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: ثُبُوتُهَا، وَصِحَّةُ سَنَدِهَا، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ لَا تُوَازِيهَا فِي الصِّحَّةِ وَالثُّبُوتِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا وَإِنْ صَحَّتْ فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ، بِمَا أَخْبَرْنَا، وَسَاقَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِمَكَّةَ، قَالَ: وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَدْعُونَ مُسَيْلِمَةَ - الرَّحْمَنَ - فَقَالُوا: إن محمداً يدعو إلَهِ الْيَمَامَةِ، فَأُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْفَاهَا، فَمَا جَهَرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ، انْتَهَى. وَهَذَا مُرْسَلٌ يَتَقَوَّى بِفِعْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَعْرَفَ بِأَوَاخِرِ الْأُمُورِ، وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى الْجَهْرِ، فَقَالَ: لَا سَبِيلَ إلَى إنْكَارِ وُرُودِ الْأَحَادِيثِ فِي الْجَانِبَيْنِ، وَكُتُبُ السُّنَنِ. وَالْمَسَانِيدُ نَاطِقَةٌ بِذَلِكَ، ثُمَّ يَشْهَدُ بِصِحَّةِ الْجَهْرِ آثَارُ الصَّحَابَةِ. وَمَنْ
بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ، وَهَلُمَّ جَرًّا، إلَى عَصْرِ الْأُمَّةِ، وَحَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مُرْسَلًا لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، ثُمَّ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا أَخْبَرَنَا، وَسَاقَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْبَزَّارُ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَنْبَسَةَ بْنِ عَمْرٍو الْكُوفِيُّ ثَنَا عُمَرُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَكِّيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يَجْهَرُ فِي السُّورَتَيْنِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَتَّى قُبِضَ، انْتَهَى. قَالَ: وَطَرِيقُ الْإِنْصَافِ أَنْ يُقَالَ: أَمَّا ادِّعَاءُ النَّسْخِ فِي كل الْمَذْهَبَيْنِ فَمُتَعَذِّرٌ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى الْمَنْسُوخِ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ وَالصِّحَّةُ، وقد فقدناها ههنا، فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَأَمَّا أَحَادِيثُ الْإِخْفَاءِ فَهِيَ أَمْتَنُ، غَيْرَ أَنَّ هُنَا شَيْئًا، وَذَلِكَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ، وَإِنْ كَانَتْ مَأْثُورَةً عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، غَيْرَ أَنَّ أَكْثَرَهَا لَمْ يَسْلَمْ مِنْ شَوَائِبِ الْجَرْحِ، كَمَا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَالِاعْتِمَادُ فِي الْبَابِ عَلَى رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، لِأَنَّهَا أَصَحُّ وَأَشْهَرُ، ثُمَّ الرِّوَايَةُ قَدْ اخْتَلَفَتْ عَنْ أَنَسٍ مِنْ وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ، وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ: الْأَوَّلُ: رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَنَسٍ، رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ. وَالْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ. وَيَحْيَى بْنُ السَّكَنِ أبو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ. وَعَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ. وَغَيْرُهُمْ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَامَّةُ أَصْحَابِ قَتَادَةَ عَنْ قَتَادَةَ: مِنْهُمْ هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ. وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ. وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ العطار. وحماد بن مسلمة. وَحُمَيْدَ. وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ. وَالْأَوْزَاعِيُّ. وَسَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ. وَغَيْرُهُمْ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْمَرٌ. وَهَمَّامٌ. وَاخْتُلِفَ عَنْهُمَا فِي لَفْظِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ قَتَادَةَ. وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسٍ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ عَلَى إخْرَاجِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِسَلَامَتِهَا مِنْ الِاضْطِرَابِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كانوا يبدؤون بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ قَبْلَ السُّورَةِ، لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا لا يقرؤون بسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. الثَّانِي: رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ. فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، رَوَاهُ كَذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. وَمُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ. وَحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ. وَبِشْرُ بْنُ عُمَرَ. وَقُرَادُ أَبُو نُوحٍ. وَآدَمُ بْنُ أَبِي إيَاسٍ. وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ موسى. وأبو النصر هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ. وَخَالِدُ بْنُ زيد المرزحي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَأَكْثَرُهُمْ اضْطَرَبُوا فِيهِ، فَلِذَلِكَ امْتَنَعَ الْبُخَارِيُّ مِنْ إخْرَاجِهِ، وَهُوَ مِنْ مَفَارِيدِ مُسْلِمٍ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: مَا رَوَاهُ هَمَّامٌ. وَجُوَيْرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَتْ مَدًّا، ثُمَّ قَالَ: بسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَمُدُّ بِسْمِ اللَّهِ وَيَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ، وَقَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ عِلَّةٌ، أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ1. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: رُوِيَ عَنْهُ مَا أَخْبَرَنَا، وَسَاقَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْبَزَّارُ ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ يَزِيدَ ثَنَا غَسَّانُ بْنُ مُضَرَ ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ سَأَلْت أَنَسَ بن مالك أكان رسل اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رب العاليمن، أَوْ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟، فَقَالَ: إنَّك لَتَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ مَا أَحْفَظُهُ، وَمَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَك، قُلْت: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي النَّعْلَيْنِ؟، قَالَ: نَعَمْ. انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ مُخَرَّجَةٌ فِي كُتُبِ الْأَئِمَّةِ، وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ، كَمَا تَرَى، وَغَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ وُقُوعُ الِاخْتِلَافِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَكَمْ مِنْ شَخْصٍ يَتَغَافَلُ عَنْ أَمْرٍ هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ، حَتَّى لَا يُلْقِي إلَيْهِ بَالًا ألبتة، وينتبه لِأَمْرٍ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِهِ وَيُلْقِي إلَيْهِ بَالَهُ بِكُلِّيَّتِهِ، وَمِنْ أَعْجَبْ مَا اتَّفَقَ لِي أَنِّي دَخَلْت جَامِعًا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ، لِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْحَدِيثِ، فَحَضَرَ إلَيَّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُمْ مِنْ الْمُوَاظِبِينَ عَلَى الْجَمَاعَةِ فِي الْجَامِعِ، وَكَانَ إمَامُهُمْ صَيِّتًا يَمْلَأُ الْجَامِعَ صَوْتُهُ، فَسَأَلْتهمْ عَنْهُ، هَلْ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَوْ يُخْفِيهَا؟ فَاخْتَلَفُوا عَلَيَّ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجْهَرُ بِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُخْفِيهَا، وَتَوَقَّفَ آخَرُونَ، وَالْحَقُّ أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَيِّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فَهُوَ مُتَمَسِّكٌ بِالسُّنَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ مَعَهَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ2 بِمَعْنَاهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ طَرِيفٍ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ، وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِالْحَمْدِ، وَسُورَةٍ، فِي فَرِيضَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا"، انْتَهَى. بِلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْهُ عَلَى قَوْلِهِ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِالْحَمْدِ إلَى آخِرِهِ، ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ وَتَحْلِيلِهَا، وَابْنُ مَاجَهْ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَسَكَتَ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِأَبِي سُفْيَانَ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَجْلَهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَضَعَّفَ أَبَا سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَقَالَ عَنْهُ النَّسَائِيّ: إنَّهُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَلَفْظُهُ: لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَالسُّورَةِ، وَفِي لَفْظٍ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَمَا تَيَسَّرَ. وَفِي لَفْظٍ: لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ إلَّا بِفَاتِحَةِ الكتاب، ومعها غيرها، في لَفْظٍ: وَسُورَةٍ فِي فَرِيضَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا، وَلَيَّنَ هُوَ أَبَا سُفْيَانَ، وَقَالَ: وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الثِّقَاتُ، وَإِنَّمَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي فِي الْمُتُونِ بِأَشْيَاءَ لَا يَأْتِي بِهَا غَيْرُهُ، وَأَسَانِيدُهُ مُسْتَقِيمَةٌ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ بِهِ: لَا صَلَاةَ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَمَعَهَا غَيْرُهَا. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1 عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: أُمِرْنَا أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا تَيَسَّرَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَلَفْظُهُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَمَا تَيَسَّرَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ. وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ: هَذَا يَرْوِيه قَتَادَةُ. وَأَبُو سُفْيَانَ السَّعْدِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ أَبُو مَسْلَمَةً عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُ شُعْبَةَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ زَنْبَعَةُ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ عُمَرَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةً مَرْفُوعًا، وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ عَنْ شُعْبَةَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ2 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ثَنَا محمد بن الخليل الخشي ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الخشي ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَآيَتَيْنِ مِنْ الْقُرْآنِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى قَرِيبًا مِنْهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعِدْ صَلَاتَك فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، فرجع فصلى كنحو مَا صَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعِدْ صَلَاتَك، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي، قَالَ: "إذَا اسْتَقْبَلْت الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا شِئْت، فَإِذَا رَكَعْت فَاجْعَلْ رَاحَتَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك، وَامْدُدْ ظَهْرَك، وَمَكِّنْ لِرُكُوعِك، فَإِذَا رَفَعْت رَأْسَك، فَأَقِمْ صُلْبَك حَتَّى تَرْجِعَ الْعِظَامُ إلَى مَفَاصِلِهَا، فَإِذَا سَجَدْت فَمَكِّنْ لِسُجُودِك، فَإِذَا رَفَعْت رَأْسَك فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِك الْيُسْرَى، ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ، فِي كُلِّ ركع وَسَجْدَةٍ"،انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرَوَيْهِ، قَالَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ: إذَا قُمْت فَتَوَجَّهْت إلَى الْقِبْلَةِ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ رَبِيعِ بن بدر، ويعرف بقليله عَنْ سَعِيدٍ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ أَخِيهِ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَآيَتَيْنِ فَصَاعِدًا"، انْتَهَى. وَضَعَّفَ الرَّبِيعَ بْنَ بَدْرٍ عَنْ الْبُخَارِيِّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنِ مَعِينٍ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ الْمَدَائِنِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُجْزِئُ الْمَكْتُوبَةُ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَثَلَاثِ آيَاتٍ فَصَاعِدًا"، انْتَهَى. وَضَعَّفَ عُمَرُ بْنُ يَزِيدَ، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ - فِي تَرْجَمَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ الْفِرْسَانِيِّ1 عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَشَيْءٍ معها"، وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَالِكٍ عَلَى رُكْنِيَّةِ السُّورَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ، وَاسْتَدَلَّ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا بِحَدِيثٍ عَزَاهُ لِلْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ2 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: فِي كُلِّ صَلَاةٍ يُقْرَأُ، فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ، وَإِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ، وَإِنْ زِدْت فَهُوَ خَيْرٌ، انْتَهَى. وَهَذَا مَوْقُوفٌ. الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ"، قُلْت: رَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ3 مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ"، انتهى. ورواه الدارقطني أيضاً بِلَفْظِ: لَا يُجْزِئُ صَلَاةٌ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ أَيْضًا، وَقَالَ: زِيَادٌ أَحَدُ الثِّقَاتِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: انْفَرَدَ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ بِكَوْنِهِ بِلَفْظِ لَا يُجْزِئُ، وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ: وَكَأَنَّ زِيَادًا رَوَاهُ بِالْمَعْنَى، انْتَهَى. وَلَمَّا عَزَا بَعْضُ الْجَاهِلِينَ حَدِيثَ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ إلَى الصَّحِيحَيْنِ أَخَذَ يَتَعَجَّبُ مِنْ سُوءِ فَهْمِهِ، فَقَالَ: وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ كَيْفَ عَزَاهُ فِي أَحْكَامِهِ
لِلدَّارَقُطْنِيِّ فَقَطْ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَاَلَّذِي عَزَاهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ إنَّمَا هُوَ: لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ بِهَذَا اللَّفْظِ، بِغَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يجزئ صلاة لَا يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ"، قُلْت: وَإِنْ كُنْت خَلْفَ الْإِمَامِ؟ قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدَيَّ، وَقَالَ: "اقْرَأْ فِي نَفْسِك"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَمْ يَقُلْ فِي خَبَرِ الْعَلَاءِ هَذَا: لَا يُجْزِئُ صَلَاةٌ، إلَّا شُعْبَةُ، وَلَا عَنْهُ إلَّا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، كَمَا تَرَاهُ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ. وَمِنْ أَحَادِيثِ أَصْحَابِنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1، وَمُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ فَرَدَّ عليه السلام، وَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا، فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: "إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا"، انْتَهَى. وَالْخَصْمُ يَحْمِلُ قَوْلَهُ: ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ أَيْ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَهَذَا فِيهِ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ قَالَ: "ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا"، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِوُجُوبِ السُّورَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ، وَكَيْفَ لَا يَذْكُرُ لَهُ عليه السلام الْفَاتِحَةَ، وَهُوَ فِي مَقَامِ التَّعْلِيمِ لَهُ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ؟! لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ2 حَدِيثَ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو3 عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ4 عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ: "إذَا قُمْت فَتَوَجَّهْت إلَى الْقِبْلَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ، وَإِذَا رَكَعْت فَضَعْ رَاحَتَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك، وَامْدُدْ ظَهْرَك، وَإِذَا سَجَدْت فَمَكِّنْ بِسُجُودِك، وَإِذَا رَفَعْت فَاقْعُدْ عَلَى فَخِذِك الْيُسْرَى"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ عَنْ إسْحَاقَ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بِهِ، أَنَّهُ عليه السلام قَالَ: "إنَّهُ لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَيَضَعَ الْوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَحْمَدَ اللَّهَ وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ، وَيَقْرَأَ بِمَا شَاءَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يَقُولَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَيَرْكَعَ"، الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بِهِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ: إذَا أَنْتَ قُمْت فِي صَلَاتِك، فَكَبِّرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ عَلَيْك مِنْ الْقُرْآنِ، الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بِهِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ فِيهِ: "فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَك اللَّهُ، ثُمَّ أَقِمْ وَكَبِّرْ، فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ بِهِ، وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ، وَكَبِّرْهُ، وَهَلِّلْهُ"، وَقَالَ فِيهِ: "وَإِنْ انْتَقَصْت مِنْهُ شَيْئًا انْتَقَصْت مِنْ صَلَاتِك"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ1 مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ أُنَادِيَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ: أَنْ لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ، وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ إلَّا ابْنُ طَهْمَانَ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَارِثِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيِّ الْمَعْرُوفِ بِاللَّجْلَاجِ ثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ثَنَا أبي حَنِيفَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ، وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ اللَّجْلَاجِ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْجَرَّاحِ الْكُوفِيُّ ثَنَا أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: "لَا صَلَاةَ إلَّا بقراءة، ولو بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَوْ غَيْرِهَا"، انْتَهَى. وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ بِاللَّجْلَاجِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَ بِمَنَاكِيرَ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَهِيَ أَبَاطِيلُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَضَعَّفَهُمَا، وَذَكَرَ أَثَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ2، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَلَمْ يَقْرَأْ، فَقِيلَ لَهُ، قَالَ: كَيْفَ كَانَ الرُّكُوعُ والسجود؟ قال: حَسَنًا، قَالَ: فَلَا بَأْسَ، انْتَهَى. قَالَ: وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا عُمَرَ، قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ مَوْصُولَةٍ أَنَّ عُمَرَ أَعَادَ الصَّلَاةَ. الثَّانِي: عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلًا، قَالَ لَهُ: صَلَّيْت وَلَمْ أَقْرَأْ، فَقَالَ لَهُ: أَتْمَمْت الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: تَمَّتْ صَلَاتُك، انْتَهَى. قَالَ: وَالْحَارِثُ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ كَذَّابًا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ2: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "آمِينَ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ النَّسَائِيّ. وَابْنُ مَاجَهْ3 فِيهِ: إذَا أَمَّنَ الْقَارِئُ، وَزَادَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الدعوات4: فإن الملائكة تومِّن، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ، الْحَدِيثَ، وهو عن ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ: آمِينَ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا أَمَّنَ كَتَأْمِينِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ غَيْرِ إعْجَابٍ وَلَا سُمْعَةٍ وَلَا رِيَاءٍ، خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُغْفَرُ لَهُ، انْتَهَى. قُلْت: هَذَا التَّفْسِيرُ يَنْدَفِعُ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مالك عن أبي الزياد عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِينَ، وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ، فَوَافَقَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، انْتَهَى. وَزَادَ فِيهِ مُسْلِمٌ: إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَقُلْهَا الْبُخَارِيُّ. وَغَيْرُهُ5، وَهِيَ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ، نَبَّهَ عَلَيْهَا عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ، وَفِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَائِدَةٌ أُخْرَى. وَهِيَ: انْدِرَاجُ الْمُنْفَرِدِ فِيهِ، وَغَيْرُ هَذَا اللَّفْظِ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِمَامِ، أَوْ فِي الْمَأْمُومِ، أَوْ فِيهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "إذَا قَالَ الْإِمَامُ {وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ وَفِي آخِرِهِ: فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا"،قُلْت: رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَالَ الْإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ: آمِينَ، وَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ: آمِينَ6، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَيْسَ فِيهِ: فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ: آمِينَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَالَ الْإِمَامُ: {وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ"، انْتَهَى. بِلَفْظِ الْبُخَارِيِّ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ1، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا، يَقُولُ: "لَا تُبَادِرُوا الْإِمَامَ، إذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَالَ: {وَلَا الضَّالِّينَ} ، فَقُولُوا: آمِينَ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 أَيْضًا عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي مُوسَى. أَنَّهُ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا، وَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا، فَقَالَ: "إذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَالَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، فَقُولُوا: آمين يحبكم اللَّهُ"، الْحَدِيثَ. قَوْلُهُ: لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَعْنِي قَوْلَهُ: أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ وَذَكَرَ مِنْهَا آمِينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ. وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ. والدارقطني فِي سُنَنِهِ3. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرٌ أَبِي الْعَنْبَسِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى، فَلَمَّا بَلَغَ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، قَالَ آمِينَ، وَأَخْفَى بِهَا صَوْتَهُ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ4 فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ، وَلَفْظُهُ: وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَكَذَا قَالَ شُعْبَةُ، وَأَخْفَى بِهَا صَوْتَهُ، وَيُقَالُ: إنَّهُ وَهِمَ فِيهِ، لِأَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ. وَمُحَمَّدَ بْنَ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ. وَغَيْرَهُمَا رَوَوْهُ عَنْ سَلَمَةَ، فَقَالُوا: وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَطَعَنَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ هَذَا بِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ، كَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، سَمِعْت حُجْرًا أَبَا عَنْبَسٍ يُحَدِّثُ عَنْ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَالَ: {وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: آمِينَ، رَافِعًا بِهَا صَوْتَهُ، قَالَ: فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُوَافِقُ رِوَايَةَ سُفْيَانَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: إسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ صَحِيحٌ، وَكَانَ شُعْبَةُ يَقُولُ: سُفْيَانُ أَحْفَظُ، وَقَالَ يَحْيَى القطان. ويحيى بن ميعن: إذَا خَالَفَ شُعْبَةُ سُفْيَانَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ سُفْيَانَ، قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَ الْحُفَّاظُ: الْبُخَارِيُّ. وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ شُعْبَةَ أَخْطَأَ، فَقَدْ رُوِيَ مِنْ أوجه: فجهر بها، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ: أَحَدُهَا: اخْتِلَافُ سُفْيَانَ. وَشُعْبَةَ، فَشُعْبَةُ يَقُولُ: خَفَضَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ: رَفَعَ. الثَّانِي: اخْتِلَافُهُمَا فِي حُجْرٌ، فَشُعْبَةُ يَقُولُ: حُجْرٌ أَبُو الْعَنْبَسِ، وَالثَّوْرِيُّ يَقُولُ: حُجْرٌ بْنُ عَنْبَسٍ، وَصَوَّبَ الْبُخَارِيُّ. وَأَبُو زُرْعَةَ قَوْلَ الثَّوْرِيِّ، وَلَا أَدْرِي لِمَ لَمْ يُصَوِّبَا قَوْلَهُمَا جَمِيعًا حَتَّى يَكُونَ
حُجْرٌ بْنُ عَنْبَسٍ أَبَا الْعَنْبَسِ؟! اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبُخَارِيُّ. وَأَبُو زُرْعَةَ قَدْ عَلِمَا لَهُ كُنْيَةً أُخْرَى. الثَّالِثُ: أَنَّ حُجْرًا لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، فَإِنَّ الْمَسْتُورَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ، أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ مُخْتَلَفٍ فِي قَبُولِ حَدِيثِهِ، لِلِاخْتِلَافِ فِي ابْتِغَاءِ مَزِيدِ الْعَدَالَةِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. وَالرَّابِعُ: اخْتِلَافُهُمَا1 أَيْضًا، فَجَعَلَهُ الثَّوْرِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حُجْرٌ عَنْ وَائِلٍ، وَجَعَلَهُ شُعْبَةُ مِنْ رِوَايَةِ حُجْرٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، وَصَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ رِوَايَةَ الثَّوْرِيِّ، وَكَأَنَّهُ عَرَفَ مِنْ حَالِ حُجْرٌ الثِّقَةَ، وَلَمْ يَرَهُ مُنْقَطِعًا، بِزِيَادَةِ شُعْبَةَ - عَلْقَمَةَ بْنَ وَائِلٍ - فِي الْوَسَطِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَمَلَ التِّرْمِذِيَّ عَلَى أَنْ حَسَّنَهُ، وَالْحَدِيثُ إلَى الضَّعْفِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْحَسَنِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا الَّذِي قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ تَفَقُّهًا، قَالَهُ ابْنُ حِبَّانَ صَرِيحًا2 فَقَالَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ: حُجْرٌ بْنُ عَنْبَسٍ أَبُو الْعَنْبَسِ الْكُوفِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: حُجْرٌ أَبُو الْعَنْبَسِ، يَرْوِي عَنْ عَلِيٍّ. وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٌ، رَوَى عَنْهُ مَسْلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ عِلَّةً أُخْرَى ذَكَرَهَا التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ، فَقَالَ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ، هَلْ سَمِعَ عَلْقَمَةُ مِنْ أَبِيهِ؟ فَقَالَ: إنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرٌ بْنِ عَنْبَسٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حجر، واللفظة لِأَبِي دَاوُد، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَرَأَ: {وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: "آمِينَ"، وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ، انْتَهَى. وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرٌ أَبِي الْعَنْبَسِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ فِيهِ: وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ، قَالَ: وَسَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ: حَدِيثُ سُفْيَانَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَأَخْطَأَ فِيهِ شُعْبَةُ فِي مَوَاضِعَ: فَقَالَ: عَنْ حُجْرٌ أَبِي الْعَنْبَسِ، وَإِنَّمَا هُوَ حُجْرٌ بْنُ الْعَنْبَسِ، وَيُكَنَّى أَبَا السَّكَنِ، وَزَادَ فِيهِ: عَنْ عَلْقَمَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ عَلْقَمَةُ، وَإِنَّمَا هُوَ حُجْرٌ بْنُ عَنْبَسٍ عَنْ وَائِلٍ، وَقَالَ:
وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ: وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ، وَسَأَلْت أَبَا زُرْعَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدِيثُ سُفْيَانَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، انْتَهَى كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، وَيُقَالُ: الْعَلَاءُ بْنُ صَالِحٍ الْأَسَدِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرٌ بْنِ عَنْبَسٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى فَجَهَرَ بِآمِينَ، وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، انْتَهَى. وَسَكَتَا عَنْهُ. طَرِيقٌ آخَرُ رَوَاهُ النَّسَائِيّ1: أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ2 بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَيَا أُذُنَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا، قَالَ: آمِينَ، يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ بِشْرِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَلَا: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: آمِينَ، حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ يَلِيهِ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، انْتَهَى. زَادَ ابْنُ مَاجَهْ: فَيَرْتَجُّ بِهَا الْمَسْجِدُ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَلَفْظُهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ، رَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ، وَقَالَ: آمِينَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَيُنْظَرُ أَسَانِيدُهُمْ الثَّلَاثَةُ، وَبِشْرُ بْنُ رَافِعٍ الْحَارِثِيُّ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَأَحْمَدُ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: بِشْرُ بْنُ رَافِعٍ أَبُو الْأَسْبَاطِ الْحَارِثِيُّ ضَعِيفٌ، وَهُوَ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ هَذَا لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ، وَلَا رَوَى عَنْهُ غَيْرُ بِشْرٍ، وَالْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ مِنْ أَجْلِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ثَنَا هَارُونُ4 الْأَعْوَرُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ5 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ ابْنِ أُمِّ الْحُصَيْنِ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا صَلَّتْ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَالَ: {وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: آمِينَ، فَسَمِعَتْهُ وَهِيَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، قُلْت: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ1. وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ. وَالْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ، وَأَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ. وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَالدَّارِمِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَمَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ2 عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ، وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ، انْتَهَى. زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي لَفْظِ: إنْ كَانَتْ هَذِهِ لَصَلَاتُهُ عليه السلام حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا أَيْضًا3 عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ، فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الصلاة كلما ورفع وَوَضَعَ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا هَذَا التَّكْبِيرُ؟ فَقَالَ: إنَّهَا لَصَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَفِي الْمُوَطَّأِ4 - لِمَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الصَّلَاةِ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ صَلَاتُهُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِأَنَسٍ: "إذَا رَكَعْت فَضَعْ يَدَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك وَفَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِك"، قُلْت: رواه الطبراني في معجمه الصَّغِيرِ - وَالْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن صالح بن الوليد الترسي ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ حَاتِمٍ الْأَنْصَارِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، فَذَهَبَتْ بِي أُمِّي إلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ رِجَالَ الْأَنْصَارِ ونسائهم قَدْ أَتْحَفُوك، وَلَمْ أَجِدْ مَا أُتْحِفُك إلَّا ابْنِي هَذَا، فَاقْبَلْهُ مِنِّي يَخْدُمُك مَا شِئْت، قَالَ: فَخَدَمْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَلَمْ يَضْرِبْنِي ضَرْبَةً قَطُّ، وَلَمْ يَسُبَّنِي، وَلَمْ يَعْبِسْ
فِي وَجْهِي، فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا بُنَيَّ! إذَا رَكَعْت فَضَعْ كَفَّيْك عَلَى رُكْبَتَيْك، وَأَفْرِجْ بَيْنَ أَصَابِعِك، وَارْفَعْ يَدَيْك عَنْ جَنْبَيْك"، مُخْتَصَرٌ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الصُّدَائِيُّ ثَنَا عَبَّادُ الْمُنْقِرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ بِهِ. طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالْعُقَيْلِيُّ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِهِ الضُّعَفَاءُ مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أبي هشام الآملي1، قَالَ: سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا بُنَيَّ! إذَا تَقَدَّمْت إلَى الصَّلَاةِ فَاسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَارْفَعْ يَدَيْك عَنْ جَنْبَيْك، وَكَبِّرْ، وَاقْرَأْ بِمَا بَدَا لَك، وَإِذَا رَكَعْت فَضَعْ يَدَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك، وَأَفْرِجْ بَيْنَ أَصَابِعِك، وَسَبِّحْ، وَإِذَا رَفَعْت رَأْسَك، فَأَقِمْ صُلْبَك، وَإِذَا سَجَدْت فَضَعْ عَقِبَيْك تَحْتَ أَلْيَتَيْك، وَأَقِمْ صُلْبَك، حَتَّى تَضَعَ كُلَّ عُضْوٍ مِنْك مَكَانَهُ، وَلَا تَنْقُرْ نَقْرَ الدِّيكِ، وَلَا تُقْعِ إقْعَاءَ الْكَلْبِ، وَلَا تَبْسُطْ ذِرَاعَيْك بَسْطَ الثَّعْلَبِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلَى مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ بِكَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَسْنَدَا عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَسٍ، قَالَ: وَيُقَالُ لَهُ: كَثِيرُ بْنُ سُلَيْمٍ، لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ أَبُو الْوَلِيدِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِهِ تَارِيخُ مَكَّةَ: حَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ ثَنَا عَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَجَاءَهُ رَجُلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْصَارِيٌّ. وَالْآخَرُ: ثَقَفِيٌّ، فَتَقَدَّمَ إلَيْهِ الثَّقَفِيُّ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "يَا أَخَا ثَقِيفٍ. سَلْ عَنْ حَاجَتِك، وَإِنْ شِئْت أَخْبَرْتُك عَنْهَا"، قَالَ: فَذَاكَ أَعْجَبُ إلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "جِئْت تَسْأَلُ عَنْ صَلَاتِك"، قَالَ: إي! وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ، قَالَ: "فَصَلِّ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَآخِرَهُ، وَنَمْ وَسَطَهُ، فَإِذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَرَكَعْت، فَضَعْ يَدَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك، وَفَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِك، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَك حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عُضْوٍ إلَى مَفْصِلِهِ، وَإِذَا سَجَدْت فَأَمْكِنْ جَبْهَتَك مِنْ الْأَرْضِ، وَلَا تَنْقُرْ، وَصُمْ اللَّيَالِيَ الْبِيضَ: ثَلَاثَ عَشَرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشَرَةَ، وَخَمْسَ عَشَرَةَ"، إلَى آخِرِهِ، وَرَوَى نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلَانِ، فَذَكَرَهُ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَكَذَا الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ. أَحَادِيثُ الْبَابِ، فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي صِفَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ رَكَعَ،
فَوَضَعَ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، وَفِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ فِي حَدِيثِ: الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، وَإِذَا رَكَعْت فَضَعْ رَاحَتَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَالِمٍ الْبَرَّادِ، قَالَ: أَتَيْنَا عُقْبَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ أَبَا مَسْعُودٍ، فَقُلْنَا لَهُ: حَدِّثْنَا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ بَيْنَ أَيْدِينَا فِي الْمَسْجِدِ، فَكَبَّرَ، فَلَمَّا رَكَعَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، مُخْتَصَرٌ، وَوَهِمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ فِي عَزْوِ هَذَا الْحَدِيثِ لِلتِّرْمِذِيِّ، مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ طَبَّقَ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَأَدْخَلَهُمَا بَيْنَ فَخْذَيْهِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ2، فَمَنْسُوخٌ بِمَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ3 عَنْ مَصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: صَلَّيْت إلَى جَنْبِ أَبِي، فَطَبَّقْت بَيْنَ كَفَّيَّ، ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخْذَيَّ، فَنَهَانِي أَبِي، وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِينَا عَنْهُ، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ أَيْضًا. حَدِيثٌ آخَرُ، دَالٌّ عَلَى النَّسْخِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ4 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: قَالَ لَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنَّ الرُّكَبَ سُنَّةٌ لَكُمْ، فَخُذُوا بِالرُّكَبِ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ. وَأَنَسٍ. وَأَبِي حُمَيْدٍ. وَأَبِي أَسِيد. وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ. وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً. وَأَبِي مَسْعُودٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رَكَعَ بَسَطَ ظَهْرَهُ، قُلْت: وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ5 أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ محمد بن يوسف الفرياني عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ رَاشِدٍ، قَالَ: سَمِعْت وَابِصَةَ بْنَ مَعْبَدٍ، يَقُولُ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَكَانَ إذَا رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ حَتَّى لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَاسْتَقَرَّ، انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ السَّرَّاجُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَكَعَ بَسَطَ ظَهْرَهُ، وَإِذَا سَجَدَ وَجَّهَ أَصَابِعَهُ قِبَلَ الْقِبْلَةِ، انْتَهَى. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ6 حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ
الزَّهْرَانِيُّ ثَنَا سَلَّامٍ الطَّوِيلُ عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِ حَدِيثِ وَابِصَةَ سَوَاءٌ، وَرُوِيَ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ1، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا صَالِحُ بْنُ زِيَادٍ السُّوسِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عن سعيد بن جهمان عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ وَابِصَةَ. الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إذَا رَكَعَ لا يصوب رأسه، ولايقنعه، قُلْت: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: سَمِعْته، وَهُوَ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحدهم: أبو قاادة بْنُ رِبْعِيٍّ، يَقُولُ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَرَكَعَ، ثُمَّ اعْتَدَلَ، فَلَمْ يُصَوِّبْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يَقْنَعْ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، الْحَدِيثَ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ بِهِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ3 عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، وَفِيهِ: وَكَانَ إذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ4 فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ، ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَضَعُ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَعْتَدِلُ، فَلَا يَصُبُّ رَأْسَهُ، وَلَا يُقْنِعُ. الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلْ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، ثَلَاثًا، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5 وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَإِذَا سَجَدَ، فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ"، انْتَهَى. بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد. وَابْنِ مَاجَهْ، وَلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ: قَالَ: "إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ، فَقَالَ
فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَإِذَا سَجَدَ، فَقَالَ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا مُرْسَلٌ، عَوْنٌ لَمْ يُدْرِكْ عَبْدَ اللَّهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ، عون لم يلقى عَبْدَ اللَّهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا: إنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَذَلِكَ أَدْنَاهُ أَيْ أَدْنَى الْكَمَالِ، انْتَهَى. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَمِّهِ إيَاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّك الْعَظِيمِ} قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ"، فَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، قَالَ: وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةٍ غَيْرِ إيَاسِ بْنِ عَامِرٍ، وَهُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ عَنْ عُقْبَةَ بِنَحْوِهِ، وَزَادَ فِيهِ: قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَكَعَ، قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَبِحَمْدِهِ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - وَإِذَا سَجَدَ، قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، وَبِحَمْدِهِ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ نَخَافُ أَنْ لَا تَكُونَ مَحْفُوظَةً، انْتَهَى. وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ رَوَاهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَيُرَاجَعُ الْمُعْجَمُ. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ يَعْنِي سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ. قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2. وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ، وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي حَدِيثٍ: كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ3 أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، قَالَ: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ4 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ
رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَفِيهِ: وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ"، مُخْتَصَرٌ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أفى، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاءِ والأرض، ومل مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ2 عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا كبر استفتتح، ثُمَّ قَالَ: {وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} ، {إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} ، لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُك، ظَلَمْت نَفْسِي، وَاعْتَرَفْت بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْك، وَكَانَ إذَا رَكَعَ، قَالَ: اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت، وَبِك آمَنْت، ولك أسلمت، خَشَعَ لَك سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعِظَامِي وَعَصَبِي، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ، قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ ملءَ السماوات وَالْأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، وَإِذَا سَجَدَ، قَالَ: اللَّهُمَّ لَك سَجَدْت، وَبِك آمنت، ولك أسملمت، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلْقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ3 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ الزهري عن أنس، فال: سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنِ، فَدَخَلْنَا، نَعُودُهُ، فَحَضَرْت الصَّلَاةَ، فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا وَقَعَدْنَا، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، قَالَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ4 أَيْضًا إلَّا ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عن سمى
عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلَهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 وَأَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ. وَأَحْمَدُ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، يَسْمَعُ اللَّهُ لَكُمْ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذَا قَالَ الْإِمَامُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقُولُوا اللَّهُ أَكْبَرُ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَأَعْرَابِيٍّ أَخَفَّ الصَّلَاةَ: "قُمْ صَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، وَفِي آخِرِهِ: "وَمَا نَقَصْت مِنْ هَذِهِ شَيْئًا، فَقَدْ نَقَصْت مِنْ صَلَاتِك"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ فِي كُتُبِهِمْ، قَالَ أَبُو دَاوُد3: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ ثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ عليه السلام، وَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا، فَعَلِّمْنِي، قَالَ: "إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا"، قَالَ الْقَعْنَبِيُّ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: "فَإِذَا فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك، وَمَا انْتَقَصْت مِنْ هَذَا، فَإِنَّمَا انْتَقَصْتَهُ مِنْ صَلَاتِك"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْخُتَّلِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَّقِيَّ عَنْ أَبِيهِ عن جده رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَصَّ هَذَا الْحَدِيثَ، قَالَ فِيهِ: "فَتَوَضَّأَ كَمَا أَمَرَك اللَّهُ، ثُمَّ تَشَهَّدْ فَأَقِمْ، ثُمَّ كَبِّرْ، فَإِنْ كَانَ مَعَك قُرْآنٌ فَاقْرَأْ بِهِ، وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ"، وَقَالَ فِيهِ: "وَإِنْ انْتَقَصْت مِنْهُ شَيْئًا انْتَقَصْت مِنْ صَلَاتِك"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ1 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٌ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادِ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمًا، قَالَ رِفَاعَةُ: وَنَحْنُ مَعَهُ، إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ كَالْبَدْوِيِّ، وَصَلَّى، فَأَخَفَّ صَلَاتَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: "وَعَلَيْك، ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، فَرَجَعَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "وَعَلَيْك، ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ الرَّجُلُ فِي آخِرِ ذَلِكَ: فَأَرِنِي وَعَلِّمْنِي، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُصِيبُ وَأُخْطِئُ، فَقَالَ: "أَجَلْ، إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَك اللَّهُ بِهِ، ثُمَّ تَشَهَّدْ، فَأَقِمْ أَيْضًا، فَإِنْ كَانَ مَعَك قُرْآنٌ فَاقْرَأْ، وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ، ثُمَّ ارْكَعْ فَاطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ اعْتَدِلْ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ فَاعْتَدِلْ سَاجِدًا، ثُمَّ اجْلِسْ فَاطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ قُمْ، فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك، وَإِنْ انْتَقَصْت مِنْهُ شَيْئًا انْتَقَصْت مِنْ صَلَاتِك"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وقد وروى عَنْ رِفَاعَةَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيّ2: أَخْبَرَنَا سُوَيْد بْنُ نَصْرٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنُ خَلَّادِ بْنِ رَافِعِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَمٍّ لَهُ بَدْرِيٌّ، قَالَ: كُنْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كان عليه السلام [ينظر إليه] فِي صَلَاتِهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَام، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، فَرَجَعَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَام، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، حَتَّى كَانَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ، أَوْ الرَّابِعَةِ، فَقَالَ: وَاَلَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَابَ لَقَدْ جَهَدْت، فَأَرِنِي، وَعَلِّمْنِي، قَالَ: "إذَا أَرَدْت أَنْ تُصَلِّيَ، فَتَوَضَّأَ، فَأَحْسِنْ وُضُوءَك، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ، ثُمَّ ارْكَعْ، حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ، حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ، حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ، حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَاعِدًا، ثُمَّ اُسْجُدْ، حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ، فَإِذَا أَتْمَمْت صَلَاتَك عَلَى هَذَا، فَقَدْ تَمَّتْ، وَمَا انْتَقَصْت مِنْ هَذَا فَإِنَّمَا تَنْقُصُهُ مِنْ صَلَاتِك"، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ الطُّمَأْنِينَةِ، لِأَنَّهُ سَمَّاهَا صَلَاةً، وَالْبَاطِلَةُ لَيْسَتْ صَلَاةً، وَأَوْلَى مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ وَصَفَهَا بِالنَّقْصِ، وَالْبَاطِلَةُ إنَّمَا تُوصَفُ بالزوال.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ1 عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد فِي الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، وَلَيْسَ فِيهِ: وَمَا انْتَقَصَتْ مِنْ هَذَا، فَإِنَّمَا تَنْقُصُهُ مِنْ صَلَاتِك، قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ: وَسَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاسْمُ أَبِيهِ كَيْسَانُ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ2 عن أبي معمر الأردي، هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يجزئ صلاة من لايقيم الرَّجُلُ فِيهَا ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حديث حسن صحيح، انتهى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَلِيٍّ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ عَلِيَّ بْنَ شَيْبَانُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ خَرَجَ وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَصَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَحَ بِمُؤَخِّرِ عَيْنِهِ إلَى رَجُلٍ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ! إنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو زُرْعَةَ. وَالْعِجْلِيُّ. وَابْنُ حِبَّانَ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4 عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعًا وَلَا سُجُودًا، فَلَمَّا انصرف من صلاته دَعَاهُ حُذَيْفَةُ، فَقَالَ لَهُ: مُنْذُ كَمْ صَلَّيْت هَذِهِ الصَّلَاةَ، قَالَ: صَلَّيْتهَا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْت لِلَّهِ صَلَاةً، وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَلَوْ مِتّ مِتّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ وَائِلَ بْنَ حُجْرٌ وَصَفَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَجَدَ، وَادَّعَمَ عَلَى رَاحَتَيْهِ، وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ، قُلْت: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ: وَصَفَ لَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ السُّجُودَ، فَسَجَدَ، فَادَّعَمَ عَلَى كَفَّيْهِ، وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ،
وَقَالَ: هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ: أَنَّهُ وَصَفَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ، وَاعْتَمَدَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ، وَقَالَ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ، انْتَهَى. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي تَوْبَةَ عَنْ شَرِيكٍ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٌ عَنْ شَرِيكٍ بِهِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَالْبَيْهَقِيُّ2 وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَجَدَ، وَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ، قُلْت: لَمْ أَجِدْهُ إلَّا مُفَرَّقًا، فَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ3 صَدْرَهُ الْأَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ، مُخْتَصَرٌ. وَرَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ بَاقِيَهُ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ، قَالَ: رَمَقْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ4 وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ بِهِ، وَلَفْظُهُ: كَانَتْ يَدَاهُ حَذْوَ أُذُنَيْهِ، وَيُعَكِّرُ عَلَى هَذَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ5 فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا سَجَدَ وَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، أَخْرَجَهُ عَنْ فُلَيْحِ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُمَا: كَانَ إذَا سَجَدَ مَكَّنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِهِ: وَفُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَدَنِيُّ، وَإِنْ أَخْرَجَ لَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ، فَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ فَضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَأَبُو دَاوُد. وَيَحْيَى الْقَطَّانُ. وَالسَّاجِيُّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَابْنُ عَدِيٍّ: لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. وَيُكْتَبُ كَلَامُ الذَّهَبِيِّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا، وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ يُرْشِدُ إلَى مَذْهَبِنَا، قَالَ: مَنْ وَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ، كَانَتْ يَدَاهُ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ، وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ6 عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ: سَأَلْت الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، أَيْنَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ جَبْهَتَهُ إذَا صَلَّى؟ قَالَ: بَيْنَ كَفَّيْهِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ7 مَنْ ذَهَبَ فِي رَفْعِ
الْيَدَيْنِ إلَى أَنَّهُمَا يَكُونَانِ حِيَالَ الْمَنْكِبَيْنِ، يَقُولُ بِهِ فِي حَالَةِ السُّجُودِ، وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُمَا يَكُونَانِ حِيَالَ الْأُذُنَيْنِ، يَقُولُ بِهِ أَيْضًا فِي السُّجُودِ، وَلَمْ يُجِبْ الطَّحَاوِيُّ عَنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ بِشَيْءٍ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَاظَبَ عَلَى السُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ، قُلْت: رَوَى الْبُخَارِيُّ1 فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ فُلَيْحِ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، قَالَ: ثُمَّ سَجَدَ، فَأَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، مُخْتَصَرٌ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ2. وَالنَّسَائِيُّ، وَلَفْظُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَجَدَ مَكَّنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ من حديث الحجاج بن عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ3 قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ أَنْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ مَعَ جَبْهَتِهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ أَبِي قُتَيْبَةَ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُصِيبُ أَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ مَا يُصِيبُ الجبين"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَالَ لَنَا أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ سُفْيَانَ. وَشُعْبَةَ إلَّا أَبُو قُتَيْبَةَ، وَالصَّوَابُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ في التحقيق: وأبو قُتَيْبَةَ ثِقَةٌ، أَخْرَجَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ، وَالرَّفْعُ زِيَادَةٌ، وَهِيَ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ الضحاك بن حمزة عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ عَاصِمٍ الْبَجَلِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ لَمْ يَلْصَقْ أَنْفَهُ مَعَ جَبْهَتِهِ بِالْأَرْضِ إذَا سَجَدَ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ"، وَأَعَلَّهُ بالضحاك بن جمرة، أَسْنَدَ إلَى النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ نَاشِبِ بْنِ عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ ثَنَا مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِهِ تُصَلِّي، وَلَا تَضَعُ أَنْفَهَا بِالْأَرْضِ، فَقَالَ: "يَا هَذِهِ! ضَعِي أَنْفَك بِالْأَرْضِ، فَإِنَّهُ لَا صلاة لمن لم يَضَعُ أَنْفَهُ بِالْأَرْضِ مَعَ جَبْهَتِهِ فِي الصَّلَاةِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَنَاشِبٌ ضَعِيفٌ، وَلَا يَصِحُّ مُقَاتِلٌ عَنْ عُرْوَةَ، انْتَهَى. لَيْسَ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ إلَّا الْأَوَّلُ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: وَعَدَّ مِنْهَا الْجَبْهَةَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ. وَالْيَدَيْنِ. وَالرُّكْبَتَيْنِ. وَأَطْرَافِ القدمين"، انتهى. وفل لَفْظٍ لَهُمْ: أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسْجَدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ، فَذَكَرَهَا، قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَالْمَذْكُورُ فِيمَا رُوِيَ الْوَجْهُ فِي الْمَشْهُورِ، قُلْت: رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ2 مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ: وَجْهُهُ. وَكَفَّاهُ. وَرُكْبَتَاهُ. وَقَدَمَاهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ: أُمِرَ الْعَبْدُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سَعْدٌ. وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَغَيْرُهُمْ، لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: آرَابٌ، إلَّا الْعَبَّاسُ، انْتَهَى. قُلْت: قَالَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْهُ مَرْفُوعًا: " أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ، وَرُبَّمَا قَالَ: أُمِرَ نَبِيُّكُمْ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ"، انْتَهَى. وَقَالَهَا سَعْدٌ أَيْضًا، كَمَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ4 وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أُمِرَ الْعَبْدُ أَنْ يَسْجُدَ على سبعة آراب" أيضاً، فَذَكَرَهَا بِلَفْظِ السُّنَنِ، وَزَادَ: أَيُّهَا لَمْ يَضَعْهُ فَقَدْ انْتَقَصَ، انْتَهَى. وَأَخْطَأَ الْمُنْذِرِيُّ إذا عَزَا فِي مُخْتَصَرِهِ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ، إذْ لَيْسَ فِيهِمَا لَفْظَةُ: الْآرَابِ أَصْلًا. وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ الْعَبَّاسِ: إذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ عَزَاهُ جَمَاعَةٌ إلَى مُسْلِمٍ: مِنْهُمْ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ. وَالْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ. وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ1. وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي جَامِعِ الْمَسَانِيدِ - وَفِي التَّحْقِيقِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَفْظَةَ الْآرَابِ فِي مَشَارِقِ الْأَنْوَارِ الَّذِي وَضَعَهُ عَلَى أَلْفَاظِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ. وَالْمُوَطَّأِ، فَأَنْكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَقَالَ: قَالَ الْمَازِرِيُّ: قَوْلُهُ عليه السلام: "سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ"، قَالَ الْهَرَوِيُّ: الْآرَابُ الْأَعْضَاءُ، وَاحِدُهَا: أَرَبٌ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ لَمْ تفقع عِنْدَ شُيُوخِنَا فِي مُسْلِمٍ، وَلَا هِيَ فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْنَا، وَاَلَّتِي فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ سَبْعَةُ أَعْظُمٍ، انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ أَحَدَهُمْ سَبَقَ بِالْوَهْمِ، فَتَبِعَهُ الْبَاقُونَ، وَهُوَ مَحَلُّ اشْتِبَاهٍ، فَإِنَّ الْعَبَّاسَ يَشْتَبِهُ بِابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَبْعَةُ آرَابٍ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعَةِ أَعْظُمٍ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ2 بن محرّر. أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ، قال ابن محرر: وَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ: قَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ محرر ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ3 - فِي تَرْجَمَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيُّ، ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْحَافِظُ الصُّوفِيُّ الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا لَاحِقُ بْنُ الْهَيْثَمِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فَيْرُوزَ الْمِصْرِيُّ ثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ عَنْ أبيه آدم بْنِ مَنْصُورٍ الْعِجْلِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمَوَيْةَ الْجَوْهَرِيُّ الْأَهْوَازِيُّ ثَنَا مَعْمَرُ بْنُ سُهَيْلٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَنْبَسَةَ1 عَنْ فَائِدٍ أَبِي الْوَرْقَاءِ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ مَعْمَرٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ3 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ، انْتَهَى. وَضُعِّفَ عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ الْجُعْفِيُّ، مِنْ الْبُخَارِيِّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ الْعِلَلُ4 حَدَّثَنَا أَبِي ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ بكير بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ سِيَاهٍ ثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيَّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ5 أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ فِي فَوَائِدِهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْحُصَيْنِ الطَّرَسُوسِيُّ ثَنَا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدِ ثَنَا سُوَيْد6 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَأَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ، فَلَا يَثْبُتُ مِنْهُ شَيْءٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ7 عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُونَ وَأَيْدِيهِمْ فِي ثِيَابِهِمْ، وَيَسْجُدُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ عَلَى عِمَامَتِهِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا، فَقَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ، وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ، انْتَهَى. وَلِلْخَصْمِ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ. وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عن صالح بن حيوان السَّبَائِيِّ8 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسْجُدُ إلَى
جَنْبِهِ، وَقَدْ اعْتَمَّ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جَبْهَتِهِ، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الحق: صالح بن حيوان لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَهُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، مَنْ قَالَ بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ فَقَدْ أَخْطَأَ، ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمُرْسَلِ حُجَّةٌ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدَهَا، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدَهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَضَعَّفَهُ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، فَإِنِّي لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا قَدْ جَاوَزَ الْمِقْدَارَ، قَالَ: وَهُوَ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ، مَدِينِيٌّ، يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، انْتَهَى. وَبِمَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنْ الْأَرْضِ بَسَطَ ثوبه، فسجد عليه، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ2 فِيهِ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّلَاثُونَ: قال عليه السلام: "وابدأ ضَبْعَيْك"، قُلْت: قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَيُرْوَى وَأُبِدَّ مِنْ الإِبداء، وَهُوَ الْمَدُّ، وَالْأَوَّلُ مِنْ الإِبداء، الْإِظْهَارُ، انْتَهَى. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَهُوَ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ الْبَكْرِيِّ، قَالَ: رَآنِي ابْنُ عُمَرَ، وَأَنَا أُصَلِّي لَا أَتَجَافَى عَنْ الْأَرْضِ بِذِرَاعِي، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي لَا تَبْسُطْ بَسْطَ السَّبُعِ. وَادَّعِمْ عَلَى رَاحَتَيْك، وَأُبْدِ ضَبْعَيْك، فَإِنَّك إذَا فَعَلْت ذَلِكَ سَجَدَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْك، انْتَهَى. وَرَفَعَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، بِلَفْظِ: وَجَافِ عَنْ ضَبْعَيْك، وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3، وَصَحَّحَهُ كِلَاهُمَا بِتَمَامِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "لَا تَبْسُطْ بَسْطَ السَّبُعِ"، إلَى آخِرِهِ. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى، حَتَّى أَنَّ بَهْمَةً لَوْ
أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى، حَتَّى لَوْ شَاءَتْ بَهْمَةٌ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ، انْتَهَى. وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ أَنْ تَمُرَّ تَحْتَ يَدَيْهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَقَالَا فِيهِ: بَهِيمَةٌ بِالْيَاءِ، وَرَأَيْت عَلَى الْبَاءِ ضَمَّةً بِخَطِّ بَعْضِ الْحُفَّاظِ، تَصْغِيرُ بَهْمَةٍ، وهو الصواب، وفتح الْبَاءِ فِيهِ خَطَأٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ2 عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ فِي آخِرِهِ، وَقَالَ فِيهِ: بَهِيمَةٌ يَعْنِي أَنَّ الْحَاكِمَ رَوَاهُ بِلَفْظِ بَهِيمَةٍ وَسَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَالْبَهْمُ: بِفَتْحِ الْبَاءِ صِغَارُ أَوْلَادِ الضَّأْنِ. وَالْمَعْزِ، وَاقْتَصَرَ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى أَوْلَادِ الضَّأْنِ، وَخَصَّهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَوْلَادِ الْمَعْزِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْبَهْمَةُ تَقَعُ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَفِي قَوْلِهِ عليه السلام لِلرَّاعِي: "مَا وَلَدَتْ؟ " قَالَ: بَهْمَةٌ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا اسْمٌ لِلْأُنْثَى، وَإِلَّا فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهَا وَلَدَتْ أَحَدَهُمَا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي بَابِ الِاسْتِنْثَارِ، مِنْ حَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ، وَفِيهِ قصة، في الصَّحِيحَيْنِ3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُو بَيَاضُ إبْطَيْهِ، انْتَهَى. وَلِأَبِي دَاوُد4 عَنْ أَحْمَرَ بْنِ جَزْءٍ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، حَتَّى نَأْوِيَ لَهُ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: "إذَا سَجَدَ الْمُؤْمِنُ سَجَدَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ، فَلِيُوَجِّهْ مِنْ أَعْضَائِهِ الْقِبْلَةَ مَا اسْتَطَاعَ"، قُلْت: غَرِيبٌ، اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَوْجِيهِ أَصَابِعِ الرَّجُلِ إلَى الْقِبْلَةِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ: أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ الْقَاسِمِ بن محمد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الله بن عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ5 أَنْ يَنْصِبَ الْقَدَمَ
الْيُمْنَى وَاسْتِقْبَالَهُ بِأَصَابِعِهَا الْقِبْلَةَ، وَالْجُلُوسَ عَلَى الْيُسْرَى، انْتَهَى. وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابُ الِاسْتِقْبَالِ بِأَطْرَافِ الْقَدَمِ الْقِبْلَةَ عِنْدَ الْقُعُودِ لِلتَّشَهُّدِ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ كُنْت أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَيْتُهُ إذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ، وَلَا قَابِضَهُمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ الْيُمْنَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلْ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى" تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَخْتِمُ بِالْوِتْرِ يَعْنِي فِي تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا2، قَوْلُهُ: ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيُكَبِّرُ، لِمَا رَوَيْنَا، يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: كَانَ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ: "ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَك حَتَّى تَسْتَوِيَ جَالِسًا"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَفْظُهُمْ فِيهِ: ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَعِنْدَ النَّسَائِيّ: ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَك حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَاعِدًا، وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ: حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا. الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: حَدِيثُ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا4 عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ إلَى مَسْجِدِنَا، فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنِّي لِأُصَلِّيَ، وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ، وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، قَالَ: فَقَعَدَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْآخِرَةِ، قَالَ أَيُّوبُ: فَقُلْت لِأَبِي قِلَابَةَ: كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي؟ قَالَ: مِثْلُ شَيْخِنَا هَذَا، وَكَانَ الشَّيْخُ يَجْلِسُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ
فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، انْتَهَى. زَادَ أَبُو دَاوُد1 فِيهِ: وَالشَّيْخُ هُوَ إمَامُهُمْ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ خَالِدِ بْنِ إيَاسٍ عن صالح مولى التوءَمة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَخَالِدُ بْنِ إيَاسٍ. وَيُقَالُ: ابْنُ إلْيَاسَ، ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِخَالِدٍ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَأَحْمَدَ. وَابْنِ مَعِينٍ، قَالَ: وَهُوَ مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَالْأَمْرُ الَّذِي أُعِلَّ بِهِ خَالِدٌ هُوَ مَوْجُودٌ فِي صَالِحٍ، وَهُوَ الِاخْتِلَاطُ، قَالَ: فَإِذَنْ لَا مَعْنَى لِتَضْعِيفِ الْحَدِيثِ بِخَالِدٍ، وَتَرْكِ صَالِحٍ، قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ اخْتِلَاطَ صَالِحٍ، وَاعْتِبَارَ قَدِيمِ حَدِيثِهِ مِنْ حَدِيثِهِ، وَخَالِدٌ لَا يَعْرِفُ مَتَى أَخَذَ عَنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِي التَّحْقِيقِ - لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، قَالَ أَحْمَدُ: خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. الْآثَارُ فِي ذَلِكَ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَلَمْ يَجْلِسْ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ عَلِيٍّ، وَكَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَكَذَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَذَا عَنْ عُمَرَ، وَأَخْرَجَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ. وَعَلِيٌّ. وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَضُونَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ أَقْدَامِهِمْ. وَأَخْرَجَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عباس، قَالَ: أَدْرَكْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ إذَا رَفَعَ أَحَدُهُمْ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى. وَالثَّالِثَةِ نَهَضَ كَمَا هُوَ، وَلَمْ يَجْلِسْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ ابْنِ عباس، عن ابن عمر، وأخرجه الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُومُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يَجْلِسُ إذَا صَلَّى فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ حَتَّى يَقْضِيَ السُّجُودَ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ. وَابْنَ عَبَّاسٍ. وَابْنَ الزُّبَيْرِ. وَأَبَا سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ يَقُومُونَ عَلَى صُدُورِ أَقْدَامِهِمْ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَقَالَ: هُوَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ صَحِيحٌ، وَعَطِيَّةُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ
مَوَاطِنَ: تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ. وَتَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ. وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ، وَذَكَرَ الْأَرْبَعَ فِي الْحَجِّ"، قُلْتُ: غَرِيبٌ بهذا الفظ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِنَقْصٍ وَتَغْيِيرٍ. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ1: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "لا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ. وَحِينَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَيَنْظُرُ إلَى الْبَيْتِ. وَحِينَ يَقُومُ عَلَى الصَّفَا. وَحِينَ يَقُومُ عَلَى الْمَرْوَةِ. وَحِينَ يَقِفُ مَعَ النَّاسِ عشية عرفة. ويجمع. وَالْمَقَامَيْنِ حِينَ2 يَرْمِي الْجَمْرَةَ"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ3 أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيّ ثَنَا عَمْرُو بْنُ يَزِيدَ أَبُو يَزِيدَ الْجَرْمِيِّ ثَنَا سَيْفُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَنَا وَرْقَاءُ4 عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "السُّجُودُ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ: الْيَدَيْنِ. وَالْقَدَمَيْنِ. وَالرُّكْبَتَيْنِ. وَالْجَبْهَةِ. وَرَفْعُ الْأَيْدِي إذَا رَأَيْت الْبَيْتَ. وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَبِعَرَفَةَ. وَعِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ. وَإِذَا قُمْتَ لِلصَّلَاةِ"، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ الْأَوَّلَ مُعَلَّقًا فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ5، فَقَالَ: وَقَالَ وَكِيعٌ6: عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ. وَفِي اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ. وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَبِعَرَفَاتٍ. وَبِجَمْعٍ. وَفِي الْمَقَامَيْنِ. وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ"، ثُمَّ قَالَ: قَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعْ الْحَكَمُ مِنْ مِقْسَمٍ إلَّا أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ، لَيْسَ هَذَا مِنْهَا، فَهُوَ مُرْسَلٌ، وَغَيْرُ مَحْفُوظٍ، لِأَنَّ أَصْحَابَ نَافِعٍ خَالَفُوا، وَأَيْضًا فَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَعْتَمِدُوا عَلَيْهِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ، وَتَكْبِيرِ الْقُنُوتِ، وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ: تُرْفَعُ الْأَيْدِي، لَا يَمْنَعُ رَفْعَهُ فِيمَا سِوَى هَذِهِ السَّبْعَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ. وَاسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ. وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَالْمَوْقِفَيْنِ. وَعِنْدَ الْحَجَرِ"،
انْتَهَى. قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مَوْقُوفًا، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ، وَإِنَّمَا قَالَ: تُرْفَعُ الْأَيْدِي، وَلَمْ يَقُلْ: لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْتُ: رَوَاهُ مَوْقُوفًا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ. وَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ. وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَفِي جَمْعٍ. وَفِي عَرَفَاتٍ. وَعِنْدَ الْجِمَارِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا يُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ. وَإِذَا جِئْتَ مِنْ بَلَدٍ. وَإِذَا رَأَيْتَ الْبَيْتَ. وَإِذَا قُمْتَ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَبِعَرَفَاتٍ. وَبِجَمْعٍ. وَعِنْدَ الْجِمَارِ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: عِنْدَ افتتاح الصلاة. واستقبال القبلة. وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَالْمَوْقِفَيْنِ. وَالْجَمْرَتَيْنِ"، وَبِإِسْنَادِهِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَا: تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ. وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ. وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَبِعَرَفَاتٍ. وَبِجَمْعٍ. وَفِي الْمَقَامَيْنِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: تَفَرُّدُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَتَرْكُ الاحتجاج به. وثانيهما: رِوَايَةُ وَكِيعٍ عَنْهُ بِالْوَقْفِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ عُمَرَ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَوَكِيعٌ أَثْبَتُ مِنْ كُلِّ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَثَالِثُهَا: رِوَايَةُ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَرْفَعَانِ أَيْدِيَهُمَا عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَبَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَقَدْ أَسْنَدَاهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ شُعْبَةَ، قَالَ: لَمْ يَسْمَعْ الْحَكَمُ مِنْ مِقْسَمٍ إلَّا أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ، وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْهَا. وَخَامِسُهَا: عَنْ الْحَكَمِ، قَالَ: إنَّ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا: لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِيهَا، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ: لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ صَحِيحًا، وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَارُ بِالرَّفْعِ فِي غَيْرِهَا كَثِيرًا: مِنْهَا الِاسْتِسْقَاءُ. وَدُعَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَفْعُهُ عليه السلام يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ فِي الصَّلَوَاتِ، وَأَمْرُهُ بِهِ، وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْوِتْرِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ مِقْسَمٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "رَفْعُ الْأَيْدِي فِي الصَّلَاةِ. وَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ. وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَعَشِيَّةَ عَرَفَةَ. وَبِجَمْعٍ. وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ. وَعَلَى الْمَيِّتِ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، مَرَّةً مَوْقُوفًا عَلَيْهِمَا، وَمَرَّةً مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دُونَ ذِكْرِ الْمَيِّتِ، قَالَ: وَابْنُ أَبِي لَيْلَى1 هَذَا غَيْرُ قَوِيٍّ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ2 أَنَّهُ حَمَلَ مَا رُوِيَ مِنْ الرَّفْعِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَلَفْظُهُ فِي الْكِتَابِ: والذي يروى عن الرَّفْعِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، كَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه. قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ، فَقَالَ: وَزَعَمَتْ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ أَحَادِيثَ الرَّفْعِ مَنْسُوخَةٌ بِحَدِيثَيْنِ: رَوَوْا أَحَدَهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ كُلَّمَا رَكَعَ، وَكُلَّمَا رَفَعَ، ثُمَّ صَارَ إلَى افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَتَرَكَ مَا سِوَى ذَلِكَ، وَالثَّانِي: رَوَوْهُ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَرْفَعُ يَدَيْهِ مِنْ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: مَهْ فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ تَرَكَهُ، قَالَ: وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ لا يرفعان أَصْلًا، وَإِنَّمَا الْمَحْفُوظُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ الزُّبَيْرِ خِلَافُ ذَلِكَ، فَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد3 عَنْ مَيْمُونٍ الْمَكِّيِّ أنه رأى الزُّبَيْرِ - وَصَلَّى بِهِمْ - يُشِيرُ بِكَفَّيْهِ حِينَ يَقُومُ. وَحِينَ يَرْكَعُ. وَحِينَ يَسْجُدُ، قَالَ: فَذَهَبْتُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: إنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَنْظُرَ إلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْتَدِ بِصَلَاةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَى النَّسْخِ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْ الْمَنْسُوخِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ - لِلشَّافِعِيِّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ4 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ لِلصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا يَفْعَلُهُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، انْتَهَى. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ ابْنَ عُمَرَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: إنَّمَا هُوَ تَوَهُّمٌ لَا أَصْلَ لَهُ، أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّهْوِ، كَبَعْضِ مَا يَسْهُو الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ابْنُ عُمَرَ يَدَعُ مَا رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَا رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ طَاوُسٍ. وَسَالِمٍ. وَنَافِعٍ. وَمُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ. وَأَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، فَلَوْ صَحَّتْ رِوَايَةُ مُجَاهِدٍ لَكَانَتْ رِوَايَةُ هَؤُلَاءِ أَوْلَى، ثُمَّ أَخْرَجَ رِوَايَاتِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
أَحَادِيثُ أَصْحَابِنَا: مِنْهَا حَدِيثُ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ، كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟! اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ"، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 وَاعْتَرَضَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي وَضَعَهُ2 فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: وَأَمَّا احْتِجَاجُ بَعْضِ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِحَدِيثِ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ نَرْفَعُ أَيْدِيَنَا فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ، كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟! اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ"، وَهَذَا إنَّمَا كَانَ فِي التَّشَهُّدِ لَا فِي الْقِيَامِ، فَفَسَّرَهُ رِوَايَةُ عَبْدُ اللَّهُ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ، قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، يَقُولُ: كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى الْجَانِبَيْنِ، فَقَالَ: "مَا بال هؤلاء يؤمنون بأيديهم، كأنه أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟!، إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَمِنْ عَنْ شِمَالِهِ"، انْتَهَى. وَهَذَا قَوْلٌ مَعْرُوفٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ لَكَانَ الرَّفْعُ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ أَيْضًا مَنْهِيًّا عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ رَفْعًا دُونَ رَفْعٍ، بَلْ أَطْلَقَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ هَذِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، وَفِي لَفْظِ النَّسَائِيّ3، قَالَ: "مَا بَالُ هَؤُلَاءِ يُسَلِّمُونَ بِأَيْدِيهِمْ، كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟! "، الْحَدِيثَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُمَا حَدِيثَانِ4 لَا يُفَسَّرُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، كَمَا جَاءَ
فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا النَّاسُ رَافِعِي أَيْدِيهِمْ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أيديكم، كأنه أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟! اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ"، وَاَلَّذِي يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَالَ التَّسْلِيمِ لَا يُقَالُ لَهُ: اُسْكُنْ فِي الصَّلَاةِ، إنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ لمن يرفع يديه أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ حَالَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَالرَّاوِي رَوَى هَذَا فِي وَقْتٍ، كَمَا شَاهَدَهُ، وَرَوَى الْآخَرَ فِي وَقْتٍ آخَرَ، كَمَا شَاهَدَهُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ بُعْدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَلَا أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَصَلَّى، فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: فَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ لَا يَعُودُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَعَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ أَيْضًا أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَعَلْقَمَةُ، فَلَا يُسْأَلُ عَنْهُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ، انْتَهَى. وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِأُمُورٍ: - مِنْهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ2، قَالَ: لَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ،
وَثَبَتَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَفَعَ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا وَذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْمُبَارَكِ: لَمْ يَسْمَعْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ عَلْقَمَةَ، انْتَهَى. وَمِنْهَا تَضْعِيفُ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ قَالَ: عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ لم يخرج حديثه الصَّحِيحَ، وَكَانَ يَخْتَصِرُ الْأَخْبَارَ فَيُؤَدِّيهَا بِالْمَعْنَى، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ، ثُمَّ لَا يَعُودُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ فِي الْخَبَرِ، انْتَهَى. وَالْجَوَابُ: أَمَّا الْأَوَّلُ: فَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَعَدَمُ ثُبُوتِ الْخَبَرِ عِنْدَ ابْنِ الْمُبَارَكِ لَا يَمْنَعُ مِنْ النَّظَرِ فِيهِ، وَهُوَ يَدُورُ عَلَى عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ، قَالَ: وَقَوْلُ شَيْخِنَا أَبِي مُحَمَّدٍ الْمُنْذِرِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمْ يَسْمَعْ عبد الرحمن من عَلْقَمَةَ، فَغَيْرُ قَادِحٍ أَيْضًا، فَإِنَّهُ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ، وَقَدْ تَتَبَّعْت هَذَا الْقَائِلَ فَلَمْ أَجِدْهُ، وَلَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي مَرَاسِيلِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، فَقَالَ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، وَهُوَ صَغِيرٌ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا، وَرَوَى عَنْ أَبِيهِ. وَعَلْقَمَةَ، وَلَمْ يَقُلْ: إنَّهُ مُرْسَلٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ، وَقَالَ: إنَّهُ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ، وَكَانَ سِنُّهُ سِنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، فَإِذَا كَانَ سِنُّهُ سِنَّ النَّخَعِيّ، فَمَا الْمَانِعُ مِنْ سَمَاعِهِ عَنْ عَلْقَمَةَ، مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى سَمَاعِ النَّخَعِيّ مِنْهُ؟! وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ، فَقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ الْمُتَّفِقِ وَالْمُفْتَرِقِ - فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَن هَذَا، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ. وَعَلْقَمَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ: ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ وَكِيعٍ لَا يَصِحُّ، وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا النُّكْرُ فِيهِ عَلَى وَكِيعٍ زِيَادَةُ: ثُمَّ لَا يَعُودُ، وَقَالُوا: إنَّهُ كَانَ يَقُولُهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَتَارَةً لَمْ يَقُلْهَا، وَتَارَةً أَتْبَعَهَا الْحَدِيثَ، كَأَنَّهَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، إلَّا هَذِهِ اللَّفْظَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَغَيْرُهُ، وَقَدْ اعْتَنَى الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ بِتَضْعِيفِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْتُ: قَدْ تَابَعَ وَكِيعًا عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ، وَأَيْضًا، فَغَيْرُ ابْنِ الْقَطَّانِ يَنْسُبُ الْوَهْمَ فِيهَا لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ لَا لِوَكِيعٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ: وَيُرْوَى عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، فَذَكَرَهُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ: نَظَرْتُ فِي كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ: ثُمَّ لَمْ يَعُدْ، قَالَ الْبُخَارِيُّ:
وَهَذَا أَصَحُّ، لِأَنَّ الْكِتَابَ أَثْبَتُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، انْتَهَى. فَجَعَلَ الْوَهْمَ فِيهِ مِنْ سُفْيَانَ، لِأَنَّ ابْنَ إدْرِيسَ خَالَفَهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ1: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَكَبَّرَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ، فَقَالَ أَبِي: هَذَا خَطَأٌ، يُقَالُ: وَهَمَ فِيهِ الثَّوْرِيُّ، فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَقَالُوا كُلُّهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ رَكَعَ، فَطَبَّقَ، وَجَعَلَهُمَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ أحمد مَا رَوَى الثَّوْرِيُّ، انْتَهَى. فَالْبُخَارِيُّ. وَأَبُو حَاتِمٍ جَعَلَا الْوَهْمَ فِيهِ مِنْ سُفْيَانَ. وَابْنُ الْقَطَّانِ، وَغَيْرُهُ يَجْعَلُونَ الْوَهْمَ فِيهِ مِنْ وَكِيعٍ، وَهَذَا اخْتِلَافٌ يُؤَدِّي إلَى طَرْحِ الْقَوْلَيْنِ، وَالرُّجُوعِ إلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ لِوُرُودِهِ عَنْ الثِّقَاتِ، وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ تَضْعِيفُ عَاصِمٍ2، فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ، وَأَنَّ ابْنَ مَعِينٍ، قَالَ فِيهِ: ثِقَةٌ، كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَوْلُ الْحَاكِمِ: إنَّ حَدِيثَهُ لَمْ يُخَرَّجْ فِي الصَّحِيحِ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ، فَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ حَدِيثَهُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْهَدْيِ، وَحَدِيثُهُ عَنْهُ عَنْ عَلِيٍّ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ أَجْعَلَ خَاتَمِي فِي هَذِهِ. وَاَلَّتِي يَلِيهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الصَّحِيحِ التَّخْرِيجُ عَنْ كُلِّ عَدْلٍ، وَقَدْ أَخْرَجَ هُوَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ جَمَاعَةٍ لَمْ يُخَرَّجْ لَهُمْ فِي الصَّحِيحِ، وَقَالَ: هُوَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: لَمْ يُخَرَّجْ حَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحِ، أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعِلَّةٍ، وَإِلَّا لَفَسَدَ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ كُلُّهُ مِنْ كِتَابِهِ الْمُسْتَدْرِكِ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ لِلْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا. وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، فَلَمْ يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إلَّا عِنْدَ اسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، وَكَانَ ضَعِيفًا عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَغَيْرُ حَمَّادٍ يَرْوِيهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ مُرْسَلًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ فِعْلِهِ غَيْرَ مَرْفُوعٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سلمة عن أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مُرْسَلًا، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ بِسَنَدِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ لَمْ يَرْفَعْ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ4، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يَرَ
ابْنَ مَسْعُودٍ، وَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ تَكَلَّمَ فِيهِ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ يَسْرِقُ الحديث من كلم مَنْ يُذَاكِرُهُ، حَتَّى كَثُرَتْ الْمَنَاكِيرُ وَالْمَوْضُوعَاتُ فِي حَدِيثِهِ، قَالَ الشَّيْخُ: أَمَّا قَوْلُهُ: إنَّهُ كَانَ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ مِنْ كُلِّ مَنْ يُذَاكِرُهُ، فَالْعِلْمُ بِهَذِهِ الْكُلِّيَّةِ مُتَعَذِّرٌ، وَأَمَّا إنَّ ذَلِكَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ، فَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ عَدِيٍّ: كَانَ إسْحَاقُ بْنُ أَبِي إسْرَائِيلَ يُفَضِّلُ مُحَمَّدَ بْنَ جَابِرٍ عَلَى جَمَاعَةِ شُيُوخٍ هُمْ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَأَوْثَقُ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ مِنْ الْكِبَارِ: أَيُّوبُ. وَابْنُ عَوْنٍ. وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ. وَالثَّوْرِيُّ. وشعبة. ابن عُيَيْنَةَ. وَغَيْرُهُمْ، وَلَوْلَا أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُوَ دُونَهُمْ، وَقَدْ خُولِفَ فِي أَحَادِيثَ، وَمَعَ مَا تَكَلَّمَ فِيهِ فَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَمِمَّنْ تُكُلِّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ، قَالَ فِيهِ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ ميعن: ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَمِنْ النَّاسِ الْقَائِلِينَ بِالرَّفْعِ مَنْ سَلَكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا مَسْلَكَ الْبَحْثِ وَالْمُنَاظَرَةِ، فَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ مَسْعُودٍ نَسِيَ الرَّفْعَ فِي غَيْرِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، كَمَا نَسِيَ فِي التَّطْبِيقِ. وَغَيْرِهِ، وَاسْتَبْعَدَ أَصْحَابُنَا هَذَا مِثْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فَحَدَّثَهُ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: صَلَّيْنَا فِي مَسْجِدِ الْحَضْرَمِيِّينَ، فَحَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ يَفْتَتِحُ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا سَجَدَ، فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: مَا أَرَى أَبَاهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَّا ذَلِكَ الْيَوْمَ الْوَاحِدَ، فَحَفِظَ عَنْهُ ذَلِكَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لم يحفظه، إنما رَفَعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَلَفْظُهُ: أَحَفِظَ وَائِلٌ، وَنَسِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ؟! وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ، وَزَادَ فِيهِ: فَإِنْ كَانَ رَآهُ مَرَّةً يَرْفَعُ، فَقَدْ رَآهُ خَمْسِينَ مَرَّةً لَا يَرْفَعُ، انْتَهَى. ذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ كُلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ2: قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْحَاقَ، هَذِهِ عِلَّةٌ لَا يُسَاوَى سَمَاعُهَا، لِأَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ عَنْ الخلفاء الراشدين، ثم الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَيْسَ فِي نِسْيَانِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِذَلِكَ مَا يُسْتَغْرَبُ3
قَدْ نَسِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ الْقُرْآنِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ بَعْدُ، وَهِيَ الْمُعَوِّذَتَانِ.
وَنَسِيَ مَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى نَسْخِهِ، كَالتَّطْبِيقِ، وَنَسِيَ كَيْفَ قِيَامُ الِاثْنَيْنِ خَلْفَ الْإِمَامِ.
وَنَسِيَ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَ النَّحْرِ فِي وَقْتِهَا، وَنَسِيَ كَيْفِيَّةَ جَمْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ.
وَنَسِيَ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِيهِ مِنْ وَضْعِ الْمِرْفَقِ وَالسَّاعِدِ عَلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ، وَنَسِيَ كَيْفَ كَانَ يَقْرَأُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} ، وَإِذَا جَازَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ أَنْ يَنْسَى مِثْلَ هَذَا
فِي الصَّلَاةِ، كَيْفَ لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ: كَلَامُ إبْرَاهِيمَ هَذَا ظَنٌّ مِنْهُ، لَا يَرْفَعُ بِهِ رِوَايَةَ وَائِلٍ، بَلْ أَخْبَرَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، وَكَذَلِكَ رَأَى أَصْحَابَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ، كَمَا بَيَّنَهُ زَائِدَةُ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ ثَنَا أَبِي عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ، وَفِي الرَّفْعِ مِنْهُ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتهمْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَرَأَيْتُ النَّاسَ فِي زَمَانِ بَرْدٍ، عَلَيْهِمْ جُلُّ الثِّيَابِ، تُحَرَّكُ أَيْدِيهِمْ مِنْ تَحْتِ الثِّيَابِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِقَوْلِ وَائِلٍ، لِأَنَّهُ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ، فَكَيْفَ يُرَدُّ حَدِيثُهُ بِقَوْلِ رَجُلٍ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ، وَخُصُوصًا، وَقَدْ رَوَاهُ مَعَهُ عَدَدٌ كَثِيرٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ شَرِيكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى قَرِيبٍ مِنْ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ هُشَيْمِ. وَخَالِدٌ. وَابْنُ إدْرِيسَ عَنْ يَزِيدَ، لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ: ثُمَّ لَا يَعُودُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأُمُورٍ: أَحَدُهَا: إنْكَارُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى شَرِيكٍ، وَزَعَمُوا أَنَّ جَمَاعَةً رَوَوْهُ عَنْ يَزِيدَ، فَلَمْ يَذْكُرُوهَا، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ تُوبِعَ شَرِيكٌ عَلَيْهَا، كَمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّا ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ بِهِ، نَحْوُهُ وَأَنَّهُ كَانَ تَغَيَّرَ بِآخِرِهِ، وَصَارَ يَتَلَقَّنُ، وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ أَنْكَرَ الزِّيَادَةَ، كَمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى سَاوَى بِهِمَا أُذُنَيْهِ، فَقُلْتُ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّكَ قُلْتَ: ثُمَّ لَمْ يَعُدْ، قَالَ: لَا أَحْفَظُ هَذَا، ثُمَّ عَاوَدْتُهُ، فَقَالَ: لَا أَحْفَظُهُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: سَمِعْتُ الْحَاكِمَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ كَانَ يُذْكَرُ بِالْحِفْظِ، فَلَمَّا كَبِرَ سَاءَ حِفْظُهُ، فَكَانَ يُقَلِّبُ الْأَسَانِيدَ، وَيَزِيدُ فِي الْمُتُونِ، وَلَا يُمَيِّزُ، وَقَالَ الْحَاكِمُ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ، بسند عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ وَاهٍ قَدْ كَانَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ يُحَدِّثُ بِهِ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ، فَلَا يَذْكُرُ فِيهِ: ثُمَّ لَا يَعُودُ، فَلَمَّا لُقِّنَ أَخَذَهُ، فَكَانَ يَذْكُرُهُ فِيهِ قَالَ الشَّيْخُ: وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ مَعْدُودٌ فِي أَهْلِ الصِّدْقِ، كُوفِيٌّ، يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، ذَكَرَ أَبُو الْحَارِثِ الْقَرَوِيُّ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، جَيِّدُ الْحَدِيثِ، وَذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ صِنْفًا، فَقَالَ فِيهِمْ: إنَّ السِّتْرَ وَالصِّدْقَ وَتَعَاطِيَ الْعِلْمِ يشملهم، كَعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ. وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ. وَلَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ. الْأَمْرُ الثَّانِي: الْمُعَارَضَةُ بِرِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ
بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُفْيَانَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ - بِمَكَّةَ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، قَالَ سُفْيَانُ: فَلَمَّا قَدِمْتُ الْكُوفَةَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَا يَعُودُ، فَظَنَنْتهمْ لَقَّنُوهُ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ1. قَالَ الْحَاكِمُ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا سَاقَ هَذَا الْمَتْنَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ غَيْرَ إبْرَاهِيمَ بْنِ بَشَّارٍ الرَّمَادِيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ، مِنْ الطَّبَقَةِ الْأُولَى، مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، جَالَسَ ابْنَ عُيَيْنَةَ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ2 حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ بِمِثْلِ لَفْظِ الْحَاكِمِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحُفَّاظُ مِمَّنْ سَمِعَ يَزِيدُ قَدِيمًا: مِنْهُمْ شُعْبَةُ. وَالثَّوْرِيُّ. وَزُهَيْرٌ، وَلَيْسَ فِيهِ: ثُمَّ لَمْ يَعُدْ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ كَانَ صَدُوقًا، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَبِرَ تَغَيَّرَ، فَكَانَ يُلَقَّنُ، فَيَتَلَقَّنُ، فَسَمَاعُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ دُخُولِهِ الْكُوفَةَ فِي أَوَّلِ عُمْرِهِ سَمَاعٌ صَحِيحٌ، وَسَمَاعُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ فِي آخِرِ قُدُومِهِ الْكُوفَةَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ وَكِيعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَخِيهِ عِيسَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَمْ يَرْفَعْهُمَا حَتَّى انْصَرَفَ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَكَأَنَّهُ ضَعَّفَهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ مُعَلَّقًا، لَمْ يَصِلْ سَنَدَهُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا رَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى، هَذَا مِنْ حِفْظِهِ، فَأَمَّا مَنْ رَوَى عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ كِتَابِهِ، فَإِنَّمَا حَدَّثَ عَنْهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، فَرَجَعَ الْحَدِيثُ إلَى تَلْقِينِ يَزِيدَ، وَالْمَحْفُوظُ مَا رَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ. وَشُعْبَةُ. وَابْنُ عُيَيْنَةَ، قديماً، ليس قيه: ثُمَّ لَمْ يَرْفَعْ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ الناسخ والنسوخ: الْوَجْهُ التَّاسِعَ عَشَرَ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ لَمْ يَضْطَرِبْ لَفْظُهُ، فَتَرَجَّحَ خَبَرُهُ عَلَى خَبَرِ مَنْ اضْطَرَبَ لَفْظُهُ، لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ضَبْطِهِ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا كَبَّرَ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ، فَإِنَّهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِيهِ، فَهُوَ أَوْلَى بِالْمَصِيرِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَا يَعُودُ، لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِيَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَهُوَ قَدْ اضْطَرَبَ فِيهِ، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَا يَقُولُ فِيهِ: ثُمَّ لَا يَعُودُ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْكُوفَةَ فَرَأَيْتُهُ يَرْوِيهِ
وَقَدْ زَادَ فِيهِ: ثُمَّ لَا يَعُودُ، لَقَّنُوهُ، فَتَلَقَّنَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَلَقَّنَهَا، أَنَّ أَصْحَابَهُ الْقُدَمَاءَ لَمْ يُؤْثِرُوهَا عَنْهُ، مِثْلَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَشُعْبَةَ. وَهُشَيْمٍ. وَزُهَيْرٍ. وَغَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا أَتَى بِهَا عَنْهُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ بِآخِرِهِ، وَكَانَ قَدْ تَغَيَّرَ وَاخْتَلَطَ، وَابْنُ أَبِي زِيَادٍ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَخِيهِ عِيسَى عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْبَرَاءِ. وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي لَيْلَى أَضْعَفُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ ابْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي إسْنَادِهِ، فَقِيلَ: هَكَذَا، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ ابن لَيْلَى، فَعَادَ الْحَدِيثُ إلَى يَزِيدَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: كَانَ أَبِي يُنْكِرُ حَدِيثَ الْحَكَمِ، وَعِيسَى، وَيَقُولُ: إنَّمَا هُوَ حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَابْنُ أَبِي ليلى سيء الْحِفْظِ. وَابْنُ أَبِي زِيَادٍ لَيْسَ بِالْحَافِظِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ الْخَرَّازِ ثَنَا مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَا يَعُودُ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ، فَقَدْ رَوَيْنَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ عَنْ مَالِكٍ بِخِلَافِ هَذَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا فِي غَرَائِبِ حَدِيثِ مَالِكٍ قَالَ الشَّيْخُ: وَالْخَرَّازُ هَذَا بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ، بَعْدَهَا رَاءٌ مُهْمَلَةٌ، آخِرَهُ زَايٌ مُعْجَمَةٌ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ أَيْضًا، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى1 عَنْ عَبَّادِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ لَمْ يَرْفَعْهَا فِي شَيْءٍ حَتَّى يَفْرُغَ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَعَبَّادُ هَذَا تَابِعِي، فَهُوَ مُرْسَلٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، حَدِيثُ: لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. حَدِيثٌ آخَرُ، ذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ2 إلَى مَعْرِفَةِ الْإِكْلِيلِ فِي ذِكْرِ الْمَجْرُوحِينَ تَحْتَ تَرْجَمَةِ جَمَاعَةٍ وَضَعُوا الْحَدِيثَ فِي الْوَقْتِ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ، قَالَ: وَقِيلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ عُكَاشَةَ الْكَرْمَانِيِّ: إنَّ قَوْمًا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الرُّكُوعِ، وَبَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بن زيد عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: فَكُلُّ مَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ
فَهْمًا فِي نَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ، وَتَأَمَّلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلِمَ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِإِسْنَادِهِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُكَاشَةَ بِهِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عُكَاشَةَ هَذَا كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْمَأْمُونِ بْنِ أَحْمَدَ السُّلَمِيُّ ثَنَا الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ فِي كِتَابِ التَّحْقِيقِ، وَنَقَلَ فِي الْكِتَابَيْنِ عَنْ ابْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ قَالَ: مَأْمُونٌ هَذَا كَانَ دَجَّالًا مِنْ الدَّجَاجِلَةِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَمَا أَبْلَهَ مَنْ وَضَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْبَاطِلَةَ لِتُقَاوِمَ بِهَا الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ، فَقَدْ رَوَى الرَّفْعَ مِنْ الصَّحَابَةِ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ، وَسَمَّى سِتَّةً وَعِشْرِينَ رَجُلًا، قَالَ: وَمَنْ لَمْ يَكُنْ الْحَدِيثُ صِنَاعَتَهُ لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ الِاحْتِجَاجُ بِالْأَبَاطِيلِ، انْتَهَى. الْآثَارُ فِي ذَلِكَ: رَوَى الطَّحَاوِيُّ1، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الحسن بن عياش عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ، ثُمَّ لَا يَعُودُ، قَالَ: وَرَأَيْتُ إبْرَاهِيمَ. وَالشَّعْبِيَّ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فَهَذَا عُمَرُ لَمْ يَكُنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَيْضًا إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، فَإِنَّ مَدَارَهُ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَيَّاشٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ حُجَّةٌ، ذكر ذَلِكَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْهُ، انْتَهَى. وَاعْتَرَضَهُ الْحَاكِمُ: بِأَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ لَا يَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ، وَلَا تُعَارَضُ بِهَا الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ عَنْ طَاوُسٍ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ2 أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ بِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: لَمْ يَعُدْ، ثُمَّ رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَعَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ أَنَّ عُمَرَ3 كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: وَمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فَهُوَ مِنْ بَابِ تَرْجِيحِ رِوَايَةٍ لَا مِنْ بَابِ التَّضْعِيفِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ سُفْيَانَ لَمْ يَذْكُرْ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ فِيهِ: لَمْ يَعُدْ، فَضَعِيفٌ جِدًّا، لِأَنَّ الَّذِي رَوَاهُ سُفْيَانُ فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ، وَاَلَّذِي رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَيَّاشٍ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ لَمْ تُعَارَضْ رِوَايَةُ
مَنْ زَادَ بِرِوَايَةِ مَنْ تَرَكَ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَيَّاشٍ أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ أَخُو أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ، هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْهُ، وَقَالَ عُثْمَانُ بن سعيد الدرامي: الْحَسَنُ. وَأَخُوهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ كِلَاهُمَا مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: كِلَاهُمَا عِنْدِي ثِقَةٌ. أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ1 عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ ثَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ يَرْفَعُ، انْتَهَى. وَهُوَ أَثَرٌ صَحِيحٌ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ: وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ التَّكْبِيرَةِ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ، وَحَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ أَصَحُّ، انْتَهَى. فَجَعَلَهُ دُونَ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ فِي الصِّحَّةِ، وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَغَيْرُهُ، وَسَيَأْتِي فِي أَحَادِيثِ الْخُصُومِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ: وَاخْتُلِفَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ فِيهِ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْهُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَهَمَ فِي رَفْعِهِ، وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الثِّقَاتِ: مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. وَمُوسَى بْنُ دَاوُد. وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. وَغَيْرُهُمْ، فَرَوَوْهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عَاصِمٍ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. فَجَعَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَوْقُوفًا صَوَابًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَابْنَ عُمَرَ كَانَا يَرْفَعَانِ أَيْدِيَهُمَا أَوَّلَ مَا يُكَبِّرَانِ، ثُمَّ لَا يَعُودَانِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الْحَاكِمُ: وَعَطِيَّةُ سيء الْحَالِ، وَسَوَّارٌ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ، وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَعَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ. أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ2 عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ، إلَّا فِي الِافْتِتَاحِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فَإِنْ قَالُوا: إنَّ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ غَيْرُ مُتَّصِلٍ، قِيلَ لَهُمْ: كَانَ إبْرَاهِيمُ لَا يُرْسِلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ إلَّا مَا صَحَّ عِنْدَهُ وَتَوَاتَرَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، كَمَا أَخْبَرَنَا، وَأَسْنَدَ عَنْ الْأَعْمَشِ3 أَنَّهُ قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ: إذَا حَدَّثْتَنِي عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ، فَأَسْنِدْ، قَالَ: إذَا قُلْتُ لَك: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَاعْلَمْ أَنِّي لَمْ أَقُلْهُ حَتَّى حَدَّثَنِيهِ جَمَاعَةٌ عَنْهُ، وَإِذَا قُلْتُ لَك: حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَهُوَ الذي حدثي وَحْدَهُ عَنْهُ، قَالَ: وَمَذْهَبُنَا أَيْضًا قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ، فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى مَعَهَا رَفْعٌ، وَأَنَّ التَّكْبِيرَةَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لَا رَفْعَ بَيْنَهُمَا، وَاخْتَلَفُوا فِي تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ. وَتَكْبِيرَةِ الرَّفْعِ مِنْهُ، فَأَلْحَقَهُمَا قَوْمٌ بِالتَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، وَأَلْحَقَهُمَا قَوْمٌ بِتَكْبِيرَةِ السَّجْدَتَيْنِ، ثُمَّ إنَّا رَأَيْنَا تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ مِنْ صُلْبِ الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا الصَّلَاةُ، وَالتَّكْبِيرَةُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لَيْسَتْ بِذَلِكَ، وَرَأَيْنَا تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ وَالنُّهُوضِ لَيْسَتَا مِنْ صُلْبِ الصَّلَاةِ، فَأَلْحَقْنَاهُمَا بِتَكْبِيرَةِ السَّجْدَتَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ، وَحِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ، انْتَهَى. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ لِلصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا يَفْعَلُهُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِيهِ: ثُمَّ كَبَّرَ، لَيْسَتْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: هَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي رَفَعَهَا سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَفَهَا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: فَمِنْهَا مَا جَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ. وَمِنْهَا مَا جَعَلَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ، وَالْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ سَالِمٍ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ النَّاسُ فِيهَا إلَى نَافِعٍ، فَهَذَا أَحَدُهَا. وَالثَّانِي: حَدِيثُ "مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ" وَالثَّالِثُ: حَدِيثُ: "النَّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ" وَالرَّابِعُ: حَدِيثُ "فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ الْعُشْرُ"،
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ، وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا مِنْ جِهَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَمِنْ جِهَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ السخيتاني عَنْ نَافِعٍ بِهِ مَرْفُوعًا أَيْضًا، رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1 عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ فِيهِ: وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي كِتَابِهِ: هَكَذَا يَقُولُهُ عَبْدُ الْأَعْلَى، وَأَوْمَأَ إلَى أَنَّهُ أخطأ، قالوا: خَالَفَهُ ابْنُ إدْرِيسَ. وَعَبْدُ الْوَهَّابِ. وَالْمُعْتَمِرُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، فَذَكَرَهُ مِنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو دَاوُد2 بَعْد تَخْرِيجِ رِوَايَةِ عَبْدِ الْأَعْلَى هَذِهِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَيْسَ بِمَرْفُوعٍ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَيْضًا، فَوَقَفَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَعَنْ هَذَا جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: الرُّجُوعُ إلَى الطَّرِيقَةِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْأُصُولِيَّةِ فِي قَبُولِ زِيَادَةِ الْعَدْلِ الثِّقَةِ إذَا تَفَرَّدَ بِهَا، وَعَبْدُ الْأَعْلَى مِنْ الثِّقَاتِ الْمُتَّفَقِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِمْ فِي الصحيح. الثاني: أن غبد الْأَعْلَى لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا، فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ لَمَّا ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ، قَالَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى هَكَذَا، وَتَابَعَهُ مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ رِوَايَةَ مُعْتَمِرٍ، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ رِوَايَةَ مُعْتَمِرٍ فِي سُنَنِهِ نَحْوَ الْبَيْهَقِيّ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ: إذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ لَمْ يَذْكُرْهُ عَامَّةُ الرُّوَاةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ، وَلَعَلَّ الْخَطَأَ مِنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ هَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ3 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ، انْتَهَى. لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الرَّفْعَ فِي الرُّكُوعِ، هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ: مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ بُكَيْر. وَالْقَعْنَبِيُّ. وَأَبُو مُصْعَبٍ. وَابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. وَسَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ. وَابْنُ الْقَاسِمِ. وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى. وَابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ، فَذَكَرُوا فِيهِ الرَّفْعَ فِي الرُّكُوعِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ الصَّوَابُ، ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ التَّقَصِّي، وَقَالَ فِي التَّمْهِيدِ: وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْوَهْمَ فِي إسْقَاطِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ إنَّمَا وَقَعَ مِنْ جِهَةِ مَالِكٍ، فَإِنَّ جَمَاعَةً حُفَّاظًا رَوَوْا عَنْهُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ: إنَّ مَالِكًا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُوَطَّأِ الرَّفْعَ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَذَكَرَهُ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ، حَدَّثَ بِهِ عِشْرُونَ نَفَرًا مِنْ الثِّقَاتِ
الْحُفَّاظِ: مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ. وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. وَابْنُ وَهْبٍ. وَغَيْرُهُمْ، ثُمَّ أَخْرَجَ أَحَادِيثَهُمْ عَنْ عِشْرِينَ رَجُلًا، قَالَ: وَخَالَفَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ، فَرَوَوْهُ عَنْ مَالِكٍ، وَلَيْسَ فِيهِ الرَّفْعُ فِي الرُّكُوعِ: مِنْهُمْ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ. وَالْقَعْنَبِيُّ. وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى. وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْر. وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى. وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ. وَإِسْحَاقُ الْحُنَيْنِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَاعْتَرَضَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ1 حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ هَذَا، فَقَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ خِلَافُ هَذَا، ثُمَّ أُسْنَدَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ ابْنِ عُمَرَ فَلَمْ يَكُنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مِنْ الصَّلَاةِ، قَالَ: فَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ نَسْخُ مَا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى طَاوُسٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ خِلَافَ مَا رَوَاهُ مُجَاهِدٌ، قُلْنَا: كَانَ هَذَا قَبْلَ ظُهُورِ النَّاسِخِ، انْتَهَى. وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ، فَقَالَ: وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ هَذَا أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، فَذَكَرَهُ بِسَنَدِهِ، ثُمَّ أُسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ الرَّبِيعُ. وَلَيْثٌ. وَطَاوُسٌ. وَسَالِمٌ. وَنَافِعٌ. وَأَبُو الزُّبَيْرِ. وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ. وَغَيْرُهُمْ، قَالُوا: رَأَيْنَا ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا كَبَّرَ. وَإِذَا رَفَعَ، وَكَانَ يَرْوِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ قَدِيمًا عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مُرْسَلًا مَوْقُوفًا: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَا يَرْفَعُهُمَا بَعْدُ، وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، وَالْأَوَّلُ خَطَأٌ فَاحِشٌ لِمُخَالَفَتِهِ الثِّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ الْحَاكِمُ: كَانَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ، ثُمَّ اخْتَلَطَ حِينَ نَسِيَ حِفْظَهُ، فَرَوَى مَا خُولِفَ فِيهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ دَعْوَى نَسْخِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ؟! أَوْ نَقُولُ: إنَّهُ تَرَكَ مَرَّةً لِلْجَوَازِ، إذْ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِهِ، فَفِعْلُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَتَرْكُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ وَيُزِيلُ هَذَا التَّوَهُّمَ يَعْنِي دَعْوَى النَّسْخِ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ2 من جهة بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدَانَ الرَّقِّيِّ ثَنَا عِصْمَةُ3 بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ ثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ
ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ صَلَاتُهُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى، انْتَهَى. رَوَاهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ1 بْنِ قُرَيْشِ بْنِ خُزَيْمَةَ الْهَرَوِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الدَّمْجِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذى بهما أذنيه، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 عَنْ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ، قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، فَإِذَا رَكَعَ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، فَإِذَا رَفَعَ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ يُحَاذِي بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، وَفِيهِ: ثُمَّ إذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ: فَقَالُوا جَمِيعًا: صَدَقْت، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، وَاعْتَرَضَهُ الطحاوي في شرح لآثار 36 فَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَسْمَعْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ3
وَلَا مِنْ أَحَدٍ ذُكِرَ مَعَ أَبِي حُمَيْدٍ، وَبَيْنَهُمَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ حَضَرَ أَبَا قَتَادَةَ، وَسِنُّهُ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، فَإِنَّ أَبَا قَتَادَةَ قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، لِأَنَّهُ قُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عَلِيٌّ، وَقَدْ رَوَاهُ عَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، فَجَعَلَ بَيْنَهُمَا رَجُلًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ يَحْيَى. وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ثَنَا عَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّهُ وَجَدَ عَشْرَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسُوا، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي عَاصِمٍ، سَوَاءٌ، قَالَ: فَإِنْ ذَكَرُوا ضَعْفَ عَطَّافٍ، قِيلَ لَهُمْ: وَأَنْتُمْ أَيْضًا تُضَعِّفُونَ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ جَعْفَرٍ أَكْثَر مِنْ تَضْعِيفِكُمْ لِعَطَّافٍ، مَعَ أَنَّكُمْ لَا تَطْرَحُونَ حَدِيثَ عَطَّافٍ كُلَّهُ، وَإِنَّمَا تُصَحِّحُونَ قَدِيمَهُ وَتَتْرُكُونَ حَدِيثَهُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَعِينٍ فِي كِتَابِهِ. وَابْنُ أَبِي مَرْيَمَ سَمَاعُهُ مِنْ عَطَّافٍ قَدِيمٌ جِدًّا. وَلَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ هَذَا الْحَدِيثَ سَمَاعًا لِمُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ أَبِي حُمَيْدٍ، إلَّا عَبْدَ الْحَمِيدِ، وَهُوَ عِنْدَكُمْ أَضْعَفُ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ1 بْنِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، أَحَدُ بَنِي مَالِكٍ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سُهَيْلٍ السَّاعِدِيِّ، وَكَانَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَبُو سهيل بن سعيد السَّاعِدِيُّ. وَأَبُو حُمَيْدٍ. وَأَبُو هريرة. وأبو أسيد، فتذكروا الصَّلَاةَ، فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَدِيثَ، وَلَيْسَ فِيهِ2: فَقَالُوا: صَدَقْتَ، قَالَ: وَقَوْلُهُ فِيهِ: فَقَالُوا جَمِيعًا: صَدَقْتَ، لَيْسَ أَحَدٌ يَقُولُهَا إلَّا أَبُو عَاصِمٍ، انْتَهَى. وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ، فَقَالَ: أَمَّا تَضْعِيفُهُ لِعَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ فَمَرْدُودٌ، بِأَنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ وَثَّقَهُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ انْقِطَاعِهِ، فَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ حَكَمَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ بِأَنَّهُ سَمِعَ أَبَا حُمَيْدٍ. وَأَبَا قَتَادَةَ. وَابْنَ عَبَّاسٍ3، وَقَوْلُهُ: إنَّ أَبَا قَتَادَةَ قُتِلَ4 مَعَ عَلِيٍّ، رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ، رَوَاهَا الشَّعْبِيُّ، وَالصَّحِيحُ
الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ التَّارِيخِ أَنَّهُ بَقِيَ إلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، وَنَقَلَهُ عَنْ التِّرْمِذِيِّ. وَالْوَاقِدِيِّ. وَاللَّيْثِ. وَابْنِ مَنْدَهْ في الصحابة، أطال فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ بِرِوَايَةِ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، وَمَنْ سَمَّاهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَأَكَّدَهُ بِرِوَايَةِ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْهُمْ، فَالْإِعْرَاضُ عَنْ هَذَا وَالِاشْتِغَالُ بِغَيْرِهِ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ مَنْ يُرِيدُ مُتَابَعَةَ السُّنَّةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ1. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، وَحِينَ رَكَعَ، وَحِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، أَخْرَجَهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا2، قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ: وَحَدِيثُ وَائِلٍ هَذَا مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ. وَابْنُ مَسْعُودٍ أَقْدَمُ صُحْبَةً، وَأَفْهَمُ بِأَفْعَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَائِلٍ، ثُمَّ أُسْنَدَ عَنْ أَنَسٍ3، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يَلِيَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ لِيَحْفَظُوا عَنْهُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ كَانَ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا يَقْرُبُونَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِيَعْلَمُوا أَفْعَالَهُ كَيْفَ هِيَ؟ , فَهُوَ أَوْلَى مما جاءه مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ4، وَالْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ إذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ، وَأَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَيَصْنَعُهُ إذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ، وَهُوَ قَاعِدٌ، وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَرَأَيْت عَنْ عِلَلِ الْخَلَّالِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إسْحَاقَ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا، فَقَالَ: صَحِيحٌ، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَوْلُهُ فِيهِ: وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ، انْتَهَى.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَقَعَ فِي لَفْظِ أَبِي دَاوُد: السَّجْدَتَيْنِ، وَفِي لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ: الرَّكْعَتَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالسَّجْدَتَيْنِ الرَّكْعَتَانِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، وَغَلِطَ الْخَطَّابِيُّ فِي قَوْلِهِ: الْمُرَادُ السَّجْدَتَانِ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَقِفْ عَلَى طُرُقِ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ1: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ خِلَافُ هَذَا، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ ثَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ لَا يَرْفَعُ بَعْدَهُ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فَلَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ لِيَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ، ثُمَّ يَتْرُكُهُ، إلَّا وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ نَسْخُهُ، قال: وتضعف هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَيْضًا أَنَّهُ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَلَيْسَ فِيهِ الرَّفْعُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ2 بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ الْأَعْرَجِ بِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: الرَّفْعَ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: قَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ وَاهِيَةٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ، قَالَ: وَهَذَا ضَعِيفٌ، إذْ لَا يُظَنُّ بِعَلِيٍّ أَنَّهُ يَخْتَارُ فِعْلَهُ عَلَى فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَدْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ، قَالَ الشَّيْخُ: وَمَا قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُ جَعَلَ رِوَايَةَ الرَّفْعِ - مَعَ حُسْنِ الظَّنِّ بِعَلِيٍّ - فِي تَرْكِ الْمُخَالَفَةِ، دَلِيلًا عَلَى ضَعْفِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَخَصْمُهُ يَعْكِسُ الْأَمْرَ، وَيَجْعَلُ فِعْلَ عَلِيٍّ بَعْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلِيلًا عَلَى نَسْخِ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ عَنْ مَيْمُونٍ الْمَكِّيِّ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ - وَصَلَّى بِهِمْ - يُشِيرُ بِكَفَّيْهِ حِينَ يَقُومُ، وَحِينَ يَرْفَعُ، وَحِينَ يَسْجُدُ، وَحِينَ يَنْهَضُ لِلْقِيَامِ، فَيَقُومُ، فَيُشِيرُ بِيَدَيْهِ، فَانْطَلَقْتُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ: إنِّي رَأَيْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يُصَلِّي صَلَاةً لَمْ أَرَ أَحَدًا يُصَلِّيهَا، وَوَصَفْتُ لَهُ هَذِهِ الْإِشَارَةَ، فَقَالَ: إنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَنْظُرَ إلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْتَدِ بِصَلَاةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، انْتَهَى. وَابْنُ لَهِيعَةَ مَعْرُوفٌ. حَدِيثٌ آخَرُ. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ4 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يسار ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ ثَنَا حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، وإذا ركع، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَيَّاضٍ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ بِهِ، وَزَادَ فِيهِ: وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ
بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ1: وَهُمْ يُضَعِّفُونَ هَذَا، وَيَقُولُونَ: تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَالْحُفَّاظُ يُوقِفُونَهُ عَلَى أَنَسٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا2 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ، وَحِينَ يَرْكَعُ، وَحِينَ يَسْجُدُ، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ3: وَهَذَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ غَيْرِ الشَّامِيِّينَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4 عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَقَدْ تَابَعَ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ عَلَى هَذَا الْمَتْنِ عُثْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ الْجُذَامِيَّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ، وَكَذَلِكَ تَابَعَهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عِلَلِهِ أَيْضًا، لَكِنْ ضَعَّفَ الدَّارَقُطْنِيُّ الْأَوَّلَ، وَأَبُو حَاتِمٍ الثَّانِيَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَقَدْ خَالَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، فَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ دُونَ الرَّفْعِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ5: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: صَلَّى بِنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا سَجَدَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: إنِّي أَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبِي: هَذَا خَطَأٌ، إنَّمَا هُوَ كَانَ يُكَبِّرُ فَقَطْ، لَيْسَ فِيهِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ، انْتَهَى. وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْعِلَلِ أَخْرَجَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ عَنْ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَيَقُولُ: أَنَا أَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يُتَابَعْ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ عَلَى ذَلِكَ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ، وَلَيْسَ فِيهِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا6 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّ الْأَثْرَمَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ بِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي الزبير به، وفيه: إذ رَكَعَ، قَالَ: هَكَذَا، رَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ، وَتَابَعَهُ زِيَادُ بْنُ سُوقَةَ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رُوَاتُهُ عَنْ آخِرِهِمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ الْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: هَلْ أُرِيكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَكَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ لِلرُّكُوعِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا فَاصْنَعُوا، وَلَا تَرْفَعْ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ حَمَّادٍ بِهِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: فَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ مَرْفُوعَتَانِ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، فَوَقَفَهُ عَنْ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: هَلُمُّوا أُرِيكُمْ، فَكَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا فَاصْنَعُوا، وَلَمْ يَرْفَعْ فِي السُّجُودِ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ عَنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إيَاسٍ ثَنَا شُعْبَةُ ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ طَاوُسًا كَبَّرَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ، وَعِنْدَ رُكُوعِهِ، وَعِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ، فَسَأَلْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: إنَّهُ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الْحَاكِمُ: الْحَدِيثَانِ مَحْفُوظَانِ أَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّفْعِ. وَحَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ، فَفِي عِلَلِ الْخَلَّالِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَثْرَمَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ أَنَّ طَاوُسًا، يَقُولُ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ يَقُولُ هَذَا عَنْ شُعْبَةَ؟ قُلْتُ: آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، إنَّمَا هُوَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَكَذَا رَوَاهُ آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ. وَعَمَّارُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ شُعْبَةَ، وَهُمَا وَهَمَا فِيهِ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الشَّيْخُ: وَأَيْضًا فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَرْجِعُ إلَى مَجْهُولٍ، وَهُوَ الَّذِي حَدَّثَ الْحَكَمَ مِنْ أَصْحَابِ طَاوُسٍ، فَإِنْ كَانَ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُتَّصِلًا عَنْ عُمَرَ، وَإِلَّا فَالْمَجْهُولُ لَا يَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ أَبِي عِيسَى سُلَيْمَانَ بْنِ كَيْسَانَ الْمَدَنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ يُصَلُّونَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: أَقْبِلُوا عَلَيَّ بوجهكم، أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي وَيَأْمُرُ بِهَا، فَقَامَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، حَتَّى حَاذَى بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ رَكَعَ، وَكَذَلِكَ حِينَ رَفَعَ، فَقَالَ لِلْقَوْمِ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا، انْتَهَى1. قَالَ الشَّيْخُ: وَرِجَالُ إسْنَادِهِ مَعْرُوفُونَ، فَسُلَيْمَانُ بْنُ كَيْسَانَ أَبُو عِيسَى التَّمِيمِيُّ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَسَمَّى جَمَاعَةً رَوَى عَنْهُمْ، وَجَمَاعَةً رَوَوْا عَنْهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ مِنْ حَالِهِ بِشَيْءٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْقَاسِمِ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، ذَكَرَهُ أَيْضًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ رَوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ مِنْ حَالِهِ أَيْضًا بِشَيْءٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ: وَكَذَلِكَ يُرْوَى حَدِيثُ الرَّفْعِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ: مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ. وَأَبُو أَسِيد السَّاعِدِيُّ. وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةً الْبَدْرِيُّ. وسهيل بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ. وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٌ. وَمَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ. وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ. وَأَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّهُمْ رَوَوْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ حَدِيثِ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ الْبَلْخِيّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا كَبَّرَ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَكَذَا قَالَ: عَنْ عُمَرَ، وَلَمْ يُتَابِعْ عَلَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَكَانَ مُرَادُهُ لَمْ يُتَابِعْ عَلَيْهِ عَنْ مَالِكٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. الْآثَارُ فِي ذَلِكَ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ: حَدَّثَنِي مُسَدَّدٌ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِإِسْنَادِهِ إلَى الْأَثْرَمِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثنا محمد بْنُ مُعَاذٍ. وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. وَغُنْدَرٌ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الصَّلَاةِ إذَا رَكَعُوا، وَإِذَا رَفَعُوا، كَأَنَّهَا الْمَرَاوِحُ، انْتَهَى. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْحَسَنُ أَحَدًا، وَلَا ثَبَتَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ، رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْر عَنْ مَالِكٍ، وَفِيهِ: وَإِذَا رَكَعَ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ3 عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ: مَا رَأَيْت أَحْسَنَ صَلَاةٍ مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ،
رَأَيْته يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَأَخَذَ ابْنُ جُرَيْجٍ، صَلَاتَهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَأَخَذَ عَطَاءٌ صَلَاتَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَخَذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ صَلَاتَهُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ نَحْوَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَقَالَ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ. أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ جريج عن الحسين بْنِ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ طَاوُسًا عَنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ. وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ. وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إذَا افْتَتَحُوا الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَكَعُوا، وَإِذَا رَفَعُوا مِنْ الرُّكُوعِ. أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَفِيهِ مَنْ يُسْتَضْعَفُ. أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ. وَابْنَ عُمَرَ. وَأَبَا سَعِيدٍ. وَابْنَ عَبَّاسٍ. وَابْنَ الزُّبَيْرِ. وَأَبَا هُرَيْرَةَ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إذَا افْتَتَحُوا الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَكَعُوا، وَإِذَا رَفَعُوا مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَيْثٌ مُسْتَضْعَفٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ الزُّبَيْرِ. وَأَبِي سَعِيدٍ. وَجَابِرٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ، قَالَ: وَرَوَيْنَاهُ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَفُقَهَاءِ مَكَّةَ. وَالْمَدِينَةِ. وَأَهْلِ الْعِرَاقِ. وَالشَّامِ. وَالْبَصْرَةِ. وَالْيَمَنِ، وَعِدَّةٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ: مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَعَطَاءُ بْنُ أبي رباح. وجاهد. وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ. وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَالنُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ. وَالْحَسَنُ. وَابْنُ سِيرِينَ. وَطَاوُسٌ. وَمَكْحُولٌ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ. وَنَافِعٌ. وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. وَالْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ. وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ أَنَّهَا كَانَتْ تَرْفَعُ يَدَيْهَا، وَكَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ فِيمَا يُعْرَفُ، وَلَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: صَلَّيْتُ يَوْمًا إلَى جَنْبِ النُّعْمَانِ فَرَفَعْتُ يَدَيَّ، فَقَالَ لِي: أَمَا خَشِيتُ أَنْ تَطِيرَ؟، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إنْ لَمْ أَطِرْ فِي الْأُولَى، لَمْ أَطِرْ فِي الثَّانِيَةِ، قَالَ وَكِيعٌ: رَحِمَ اللَّهُ ابْنَ الْمُبَارَكِ، كَانَ حَاضِرَ الْجَوَابِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَيْنَا الرَّفْعَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَابْنِ عُمَرَ. وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ. وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٌ. وَأَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ. وأبي هُرَيْرَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةً. وأبو أسد. وسهيل بْنُ سَعْدٍ، وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، يُحْتَجُّ بِهَا، قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظَ، يَقُولُ: لا تعلم سُنَّةً اتَّفَقَ عَلَى رِوَايَتِهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، ثُمَّ الْعَشَرَةُ،
فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ عَلَى تَفَرُّقِهِمْ فِي الْبِلَادِ الشَّاسِعَةِ، غَيْرَ هَذِهِ السُّنَّةِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَجَزْمُ الْحَاكِمِ بِرِوَايَةِ الْعَشَرَةِ لَيْسَ عِنْدِي بِجَيِّدٍ، فَإِنَّ الْجَزْمَ إنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ يَثْبُتُ الْحَدِيثُ وَيَصِحُّ، وَلَعَلَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ جُمْلَةِ الْعَشَرَةِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، فَقَدْ رَوَى هَذِهِ السُّنَّةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَعُثْمَانَ. وَعَلِيٍّ. وَطَلْحَةَ. وَالزُّبَيْرِ. وَسَعْدٍ. وَسَعِيدٍ. وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ. وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ. وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ. وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَأَبِي مُوسَى. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ. وَزِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ. وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ. وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَأَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ. وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. وَبُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَرَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ أَسْمَاءً أَتَوَقَّفُ فِي حِكَايَتِهَا إلَى الْكَشْفِ مِنْ نُسْخَةٍ أُخْرَى: مِنْهُمْ أَبُو أُمَامَةَ. وَعُمَيْرُ بْنُ قَتَادَةَ اللَّيْثِيُّ. وَأَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَمِنْ النِّسَاءِ: عَائِشَةُ، وَرُوِيَ عَنْ أَعْرَابِيٍّ آخَرَ صَحَابِيٍّ، كُلُّهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ وَصَفَتْ قُعُودَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، فَجَلَسَ عَلَيْهَا، وَنَصَبَ الْيُمْنَى نَصْبًا، وَوَجَّهَ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، قُلْتُ: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَفِي مُسْلِمٍ1 بَعْضُهُ، أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ. وَالْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَكَانَ إذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ، وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا، وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ: التَّحِيَّةُ، إلَى أَنْ قَالَ2: وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عَقَبَةِ الشَّيْطَانِ، وَيَنْهَى أَنْ يَفْرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبْعِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ3 أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَنْصِبَ الْقَدَمَ الْيُمْنَى، وَاسْتِقْبَالُهُ بِأَصَابِعِهَا الْقِبْلَةَ، وَالْجُلُوسُ عَلَى الْيُسْرَى، انْتَهَى. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ4 بِلَفْظِ: إنَّمَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَك الْيُمْنَى، وَتُثْنِيَ الْيُسْرَى،
لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِالْأَصَابِعِ، وَفِيهِ قِصَّةٌ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1 عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، قُلْتُ: لَأَنْظُرَنَّ إلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا جَلَسَ يَعْنِي لِلتَّشَهُّدِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ يَعْنِي فِي التَّشَهُّدِ وَبَسَطَ أَصَابِعَهُ، وَتَشَهَّدَ، يُرْوَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ وَائِلٍ، قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَفِي مُسْلِمٍ2 وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الْفَخِذَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، إلَّا أَنَّ فِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يَقْبِضُ أَصَابِعَهُ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ، وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي، وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ، كَمَا كَانَ يُعَلِّمُنِي سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ، وَقَالَ: "قُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ. وَالصَّلَوَاتُ. وَالطَّيِّبَاتُ. السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، إلَى آخِرِهِ"، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْهُ3، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ، قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ، كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: "إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ. وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ - فَإِذَا قَالَهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ - أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"، انْتَهَى. زَادُوا فِي رِوَايَةٍ - إلَّا التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ -: "ثُمَّ لِيَتَخَيَّرَ أَحَدُكُمْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ، فَيَدْعُو بِهِ"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَصَحُّ حَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، انْتَهَى4.، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ خَصِيفٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي التَّشَهُّدِ، فَقَالَ: "عَلَيْك بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ"، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ فِي التَّشَهُّدِ أَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ عَلَّمَهُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَوَافَقَ ابْنَ مَسْعُودٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا التَّشَهُّدَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ: فَمِنْهُمْ مُعَاوِيَةُ1، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمِهِ، أَخْرَجَهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عياش عن جرير عن عُثْمَانَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ. وَالصَّلَوَاتُ. وَالطَّيِّبَاتُ، إلَى آخِرِهِ، سَوَاءٌ، وَمِنْهُمْ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الْبَزَّارِ فِي مُسْنَدِهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ2 أَيْضًا أَخْرَجَاهُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ الْأَزْدِيِّ عَنْ أَبِي رَاشِدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ عَنْ التَّشَهُّدِ، فَقَالَ: أُعَلِّمُكُمْ كَمَا عَلَّمَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ. وَالصَّلَوَاتُ. وَالطَّيِّبَاتُ إلَى آخِرِهِ، سَوَاءٌ، وَمِنْهُمْ عَائِشَةُ، وَحَدِيثُهَا عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْهَا، قَالَتْ: هَذَا تَشَهُّدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى آخِرِهِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الخلاصة: سنده جيد، وفيه فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ، وَهِيَ: أَنَّ تشهده عليه السلام، تَشَهُّدِنَا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ3 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَطَاوُسٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، فَكَانَ يَقُولُ: "التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ - الصَّلَوَاتُ - الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ"، انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَالْأَخْذُ بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْلَى، لِأَنَّ فِيهِ الْأَمْرَ، وَأَقَلُّهُ الِاسْتِحْبَابُ، وَالْأَلِفُ. وَاللَّامُ وَهُمَا لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَزِيَادَةُ الْوَاوِ وَهِيَ لِتَجْرِيدِ الْكَلَامِ، كَمَا فِي الْقَسَمِ، وَتَأْكِيدِ التَّعْلِيمِ، انْتَهَى. فَنَقُولُ: أَمَّا الْأَمْرُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَقُلْ فَلَيْسَ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَلْفَاظِهِمْ الْجَمِيعِ، وَهِيَ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَفِي لَفْظِ النَّسَائِيّ: إذَا قَعَدْتُمْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَقُولُوا، وَفِي لَفْظٍ لَهُ، قُولُوا فِي كُلِّ جِلْسَةٍ، وَأَمَّا الْأَلِفُ. وَاللَّامُ فَإِنَّ مُسْلِمًا. وَأَبَا دَاوُد. وَابْنَ مَاجَهْ لَمْ يَذْكُرُوا تَشَهُّدَ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَّا مُعَرَّفًا بِالْأَلِفِ. وَاللَّامِ وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ مُجَرَّدًا سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، سَلَامٌ عَلَيْنَا، الْحَدِيثَ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَمَدَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا الْوَاوُ فَلَيْسَتْ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَأَمَّا التَّعْلِيمُ فَهُوَ أَيْضًا فِي تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عِنْدَ الْجَمِيعِ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، هَكَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَفِي لَفْظِ الْبَاقِينَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ. وَبِالْجُمْلَةِ، فَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ، يَنْهَضُ لَهُ مِنْهَا اثْنَانِ: الْأَمْرُ. وَزِيَادَةُ الْوَاوِ، وَسَكَتَ عَنْ تَرَاجِيحَ أُخَرَ: مِنْهَا أَنَّ الْأَئِمَّةَ السِّتَّةَ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لَفْظًا، وَمَعْنًى، وَذَلِكَ نَادِرٌ، وَتَشَهُّدُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْدُودٌ فِي أَفْرَادِ مُسْلِمٍ، وَأَعْلَى دَرَجَةِ الصَّحِيحِ عِنْدَ الْحُفَّاظِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَلَوْ فِي أَصْلِهِ، فكيف إذا اتفقنا عَلَى لَفْظِهِ، وَمِنْهَا إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ، عَلَى أَنَّهُ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ، وَمِنْهَا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: عَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ، كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ، فَدَلَّ عَلَى مَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ، وَالِاهْتِمَامِ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْأَحَادِيثُ فِي التَّشَهُّدِ: مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1. وَأَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا، وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا، فَقَالَ: "إذَا صَلَّيْتُمْ، فَكَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ، فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمْ: التَّحِيَّاتُ. الطَّيِّبَاتُ. الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"، وَطَوَّلَهُ مُسْلِمٌ. وَمِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ2. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَيْمَنَ بْنِ نَابِلٍ ثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ بِسْمِ اللَّهِ، وَبِاَللَّهِ، التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ. وَالصَّلَوَاتُ. وَالطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَهُوَ مَرْدُودٌ، فَقَدْ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ، هُمْ أَجَلُّ مِنْ الْحَاكِمِ، وَأَتْقَنُ، وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَالْبَيْهَقِيُّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ خَطَأٌ، انْتَهَى. وَمِنْهَا حَدِيثُ عُمَرَ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ3 أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ، يقول: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ. الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ. الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ. الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ. السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ
وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، انْتَهَى. وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ. حَدِيثٌ فِي إخْفَاءِ التَّشَهُّدِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يُخْفِيَ التَّشَهُّدَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حديث حسن، رواه الحاكم في كتابه الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، وَآخِرِهَا، فَإِذَا كَانَ وَسَطُ الصَّلَاةِ نَهَضَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ، وَإِذَا كَانَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ دَعَا لِنَفْسِهِ بِمَا شَاءَ، قُلْتُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ2 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ، فَكَانَ يَقُولُ: إذَا جَلَسَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، وَفِي آخِرِهَا، عَلَى وَرِكِهِ الْيُسْرَى: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى قَوْلِهِ: عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: ثُمَّ إنْ كَانَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، نَهَضَ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ تَشَهُّدِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهَا دَعَا بَعْدَ تَشَهُّدِهِ بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ3 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ. وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ. وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ"، زَادَ النَّسَائِيّ4. وَالْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: إسْنَادُهُمَا صَحِيحٌ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: رَوَى أَبُو قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ5 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقْرَأُ في الركعتين الأوليين - مِنْ الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ - بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانَا، وَيُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطِيلُ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ، إلَّا التِّرْمِذِيُّ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا مِنْدَلٌ العتري ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ عَنْ عَمِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَسُورَةٍ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ1 حَدَّثَنَا النُّعْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الضَّحَّاكِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ. وَسُورَةٍ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي الْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا عَوْنُ بْنُ سَلَامٍ ثَنَا سِنَانُ بْنُ هَارُونَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْحَسَنِ. وَابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ وَائِلٍ. وَعَائِشَةَ فِي صِفَةِ الْجُلُوسِ، قُلْت: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى، وَأَخَذَ بَعْضُ الْجَاهِلِينَ يَعْتَرِضُ هُنَا عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَقَالَ: إنَّ هَذَا سَهْوٌ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، إلَّا عَنْ عَائِشَةَ، وَهَذَا إقْدَامٌ مِنْهُ عَلَى تَخْطِئَةِ الْعُلَمَاءِ بِجَهْلٍ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ هُنَاكَ ذَكَرَ فِي الْجُلُوسِ أَشْيَاءَ، وَعَزَا بَعْضَهَا عَنْ عَائِشَةَ، وَبَعْضَهَا عَنْ وَائِلٍ، وَجَمَعَهَا هُنَا بِقَوْلِهِ: وَجَلَسَ فِي الْأَخِيرَةِ، كَمَا جَلَسَ فِي الْأُولَى، لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ. وَعَائِشَةَ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ هَيْئَةَ الْجُلُوسِ، وَهُوَ: نَصْبُ الْيُمْنَى، وَافْتِرَاشُ الْيُسْرَى، وَهَذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَّا عَنْ عَائِشَةَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ: وَلِأَنَّهَا أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ مِنْ التَّوَرُّكِ، قُلْنَا: لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُرِيدَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: كَمَا جَلَسَ فِي الْأُولَى، عُمُومَ الْحَالَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا، ثُمَّ خَصَّصَ فِي التَّعْلِيلِ مِنْهَا هَيْئَةَ الْجُلُوسِ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَعَدَ مُتَوَرِّكًا، قُلْتُ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ2 إلَّا مُسْلِمًا فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَى أن قال: فإن جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ الْيُمْنَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ أَخَّرَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَقَعَدَ عَلَى شِقِّهِ مُتَوَرِّكًا، ثُمَّ سَلَّمَ، مُخْتَصَرٌ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ الْأُخْرَى، وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ. وَقَوْلُهُ: فِي الْكِتَابِ: وَالْحَدِيثُ ضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ،
قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ تَضْعِيفُ الطَّحَاوِيِّ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ، وَكَلَامُ الْبَيْهَقِيّ مَعَهُ، وَانْتِصَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ لِلطَّحَاوِيِّ مُسْتَوْفًى، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ1. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ والأربعين: حَدِيثُ: إذَا قُلْتَ هَذَا، أَوْ فَعَلْتَ هَذَا، قُلْتَ: احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى عَدَمِ فَرِيضَةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَأَنَّ أَبَا دَاوُد أَخْرَجَهُ فِي سُنَنِهِ2 قَالَ الْخَطَّابِيُّ3: وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ، هَلْ هِيَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُدْرِجَتْ فِي الْحَدِيثِ؟ فَإِنْ صَحَّ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ4: وَقَدْ بَيَّنَهُ شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَفَصَلَ كَلَامَ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ5 رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنُ ثَوْبَانَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ مُفَصَّلًا مُبَيَّنًا، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ - بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقَسَمِ الْأَوَّلِ، بِلَفْظِ السُّنَنِ -: وَقَدْ أَوْهَمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَنْ لَمْ يُحْكِمْ الصِّنَاعَةَ، أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: إذَا قُلْتُ6 هَذِهِ زِيَادَةٌ أَدْرَجَهَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي الْخَبَرِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ، ثم قال:
ذَكَرَ ابْنُ ثَوْبَانَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ زُهَيْرًا أَدْرَجَهُ فِي الْحَدِيثِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ ثَوْبَانَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَفِي آخِرِهِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ هَذَا، فَقَدْ فَرَغْتَ مِنْ صَلَاتِك، فَإِنْ شئت فثبت، وَإِنْ شِئْتَ فَانْصَرِفْ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحُرِّ بِهِ، وَفِي آخِرِهِ، قَالَ الْحَسَنُ: وَزَادَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. قَالَ: فَإِذَا قُلْتَ هَذَا، فَإِنْ شِئْتَ فَقُمْ، قَالَ: وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ ضَعِيفٌ، قَدْ تَبَرَّأْنَا مِنْ عُهْدَتِهِ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ - بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ هَكَذَا -: أَدْرَجَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ عَنْ زُهَيْرٍ، وَوَصَلَهُ بِكَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَصَلَهُ شَبَابَةُ عَنْ زُهَيْرٍ، فَجَعَلَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، فَإِنَّ ابْنَ ثَوْبَانَ رَوَاهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ كَذَلِكَ، وَجَعَلَ آخِرَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلِاتِّفَاقِ حُسَيْنٍ الْجُعْفِيِّ. وَابْنِ عَجْلَانَ. وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ فِي رِوَايَتِهِمْ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ عَلَى تَرْكِ ذِكْرِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ، مَعَ اتِّفَاقِ كُلِّ مَنْ رَوَى التَّشَهُّدَ عَنْ عَلْقَمَةَ. وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ سَاقَ جَمِيعَ ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ، وَفِي آخِرِهِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إذَا فَرَغْت مِنْ هَذَا، إلَى آخِرِهِ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد1. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِمْ عَنْ حَيْوَةَ
بْنِ شُرَيْحٍ الْمِصْرِيِّ عَنْ أَبِي هانئ حميد عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ الْجَنْبِيِّ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ، لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَجِّلْ هَذَا"، ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ. أَوْ لِغَيْرِهِ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدَ الثَّنَاءِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا. وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى وُجُوبِهِ أَيْضًا، أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا السَّلَامُ عَلَيْك، فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْك فِي صَلَاتِنَا؟ قَالَ: فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَحْبَبْنَا أَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ: "إذَا صَلَّيْتُمْ عَلَيَّ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ بِذِكْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ، انْتَهَى. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَقَوْلُهُ: إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْك فِي صَلَاتِنَا، زِيَادَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا ابْنُ إسْحَاقَ، وَهُوَ صَدُوقٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ، فَزَالَ مَا يُخَافُ مِنْ تَدْلِيسِهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ - فِي الطَّهَارَةِ عَنْ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُحِبَّ الْأَنْصَارَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ4، وَقَالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِمَا، فَإِنَّهُمَا لَمْ يُخَرِّجَا عَنْ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ5، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ6، وَقَالَ: عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ7، عَنْ أُبَيِّ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ، وسواء، وَحَدِيثُ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، مَعَ أَنَّ
جَمَاعَةً تَكَلَّمُوا فِي أُبَيِّ بْنِ عَبَّاسٍ: مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَالْعُقَيْلِيُّ. وَالدُّولَابِيُّ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فِيهَا وَلَا عَلَى أَهْلِ بَيْتِي لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَوَقَفَهُ تَارَةً، وَرَفَعَهُ أُخْرَى، وَقَالَ فِي الْعِلَلِ: وَقَدْ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، مِنْ قَوْلِهِ، قَالَ: وَالِاخْتِلَافُ مِنْ الْجُعْفِيِّ، وَلَيْسَ بِثِقَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي السُّنَنِ: جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَفَعَهُ مَرَّةً، وَوَقَفَهُ أُخْرَى، ثُمَّ أَخْرَجَهُ1 عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، مِنْ قَوْلِهِ: مَا صَلَّيْت صَلَاةً لَا أُصَلِّي فِيهَا عَلَى مُحَمَّدٍ، إلَّا ظَنَنْت أَنَّ صَلَاتِي لَمْ تَتِمَّ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ يَحْيَى بْنِ السَّبَّاقِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَارْحَمْ مُحَمَّدًا، وَآلَ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْت. وَبَارَكْت. وَتَرَحَّمْت عَلَى إبْرَاهِيمَ. وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ مُهْمَلٌ، انْتَهَى. وَهَذَا فِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَا4، وَقَدْ شَذَّ الشَّافِعِيُّ، فَقَالَ: مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ، وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَلَا سَلَفَ لَهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ، وَلَا سُنَّةَ يَتَّبِعُهَا، وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ جَمَاعَةٌ وَشَنَّعُوا عَلَيْهِ: مِنْهُمْ الطبري. والقيشري، وَخَالَفَهُ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ الْخَطَّابِيُّ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ لَهُ فِيهَا قُدْوَةً، وَقَدْ شَنَّعَ النَّاسُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ جِدًّا، فَهَذَا تَشَهُّدُ ابن مسعود الذي سمعه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُ، لَيْسَ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ مَنْ رَوَى التَّشَهُّدَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَجَابِرٍ. وَابْنِ عُمَرَ. وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَجَابِرٌ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، وَنَحْوِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، كَمَا يُعَلِّمُونَ الصِّبْيَانَ فِي الْكُتَّابِ، وَعَلَّمَهُ أَيْضًا عَلَى الْمِنْبَرِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَمَّا مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ"، فَحَدِيثٌ ضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: مَعْنَاهُ كَامِلَةً، أَوْ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ مَرَّةً فِي عُمْرِهِ، وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ
بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فِيهَا، وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِي لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ، انْتَهَى. وَرَأَيْت فِي بَعْضِ تَصَانِيفِ الْحَنَابِلَةِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا، وَقَالَ: بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ1: ابْنُ مَسْعُودٍ. وَأَبُو مَسْعُودٍ. وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ: أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ. وَالشَّعْبِيِّ. وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ. قَوْلُهُ: وَالْفَرْضُ الْمَرْوِيُّ فِي التَّشَهُّدِ، هُوَ التَّقْدِيرُ، قُلْت: رَوَى النَّسَائِيّ2 فِي بَابِ إيجَابِ التَّشَهُّدِ مِنْ سُنَنِهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ، وَمَنْصُورُ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقُولُوا هَكَذَا، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ السَّلَامُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ بِلَفْظِ: يُفْرَضُ، إلَّا النَّسَائِيّ، فَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ3، قَالَ: كُنَّا إذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ، قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ4 قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: كُنَّا إذَا جَلَسْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ، وَرِوَايَةٌ لِلنِّسَائِيِّ5: كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، الْحَدِيثَ. وَبِلَفْظِ النَّسَائِيّ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سننهما، وقالا: إسنادهما صَحِيحٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ احْتَجَّ به أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ فَرْضٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَدَعَا بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ، لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثُمَّ اخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَطْيَبَهُ وَأَعْجَبَهُ إلَيْك"، قُلْت: كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ6 عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَآخِرِهَا، فَإِذَا كَانَ وَسَطَ الصَّلَاةِ، نَهَضَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ، وَإِذَا كَانَ آخِرَ الصَّلَاةِ دَعَا لِنَفْسِهِ بِمَا شَاءَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ:
ثُمَّ لِيَخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ، فَيَدْعُو بِهِ1، وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ دَلِيلٌ لِلْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَخُصُوصًا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ2، ثُمَّ لِيَتَخَيَّرَ بَعْدُ مِنْ الْكَلَامِ مَا شَاءَ، ذَكَرَهُ فِي الدعوات، وفي الاستيذان، ثُمَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ، وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثُمَّ اخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ، إلَى آخِرِهِ"، إنْ كَانَ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَيَكُونُ أَرَادَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِنْ كَانَ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا مَقْطُوعًا عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَيَكُونُ أَرَادَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَوْلَهُ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، إلَى آخِرِهِ، وَأَرَادَ بِالْآخَرِ حَدِيثَ التَّشَهُّدِ، وَهَذَا يَتَرَجَّحُ بِأَنَّهُمَا حَدِيثَانِ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ، بَلْ الْحَدِيثَانِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَةِ الدُّعَاءِ بِكَلَامِ النَّاسِ، نَحْوَ: اللَّهُمَّ زَوِّجْنِي امْرَأَةً حَسْنَاءَ. وَأَعْطِنِي بُسْتَانًا أَنِيقًا، وَلَكِنْ الْمَانِعُونَ يَحْمِلُونَ ذَلِكَ عَلَى الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْكِتَابِ بِحَدِيثِ: إنَّ صَلَاتَنَا لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، لَكَانَ أَصْوَبَ، وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ النُّسَخِ3، قِيلَ: قَوْلُهُ: لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَصِحُّ الدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ مَا يَصِحُّ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَبِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا اسْتَدَلَّ النَّوَوِيُّ لِمَذْهَبِهِ، وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ4 فِي الصَّلَاةِ عَنْهُ، قَالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتَارَةَ، وَهُوَ مَعْصُوبُ الرَّأْسِ، فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ، أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي قَدْ نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ، فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ، فَاجْتَهِدُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ"، انْتَهَى. وَبِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، وَمَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا، فَسَأَلَ، وَلَا مَرَّ بِآيَةِ عَذَابٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا، فَتَعَوَّذَ، انْتَهَى. وَعَزَاهُ لِمُسْلِمٍ5، وَيُنْظَرُ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ6 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ
مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ1 نَسْخَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّك الْعَظِيمِ} قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ"، وَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} قَالَ: "اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ"، وَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: وَهَذَا كَلَامٌ بَارِدٌ، فَإِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّمَا صَدَرَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ2، وَنُزُولُ {سَبِّحْ} قَبْلَ ذَلِكَ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الطَّوِيلُ فِي الْهِجْرَةِ3، وَفِيهِ: فَمَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى حَفِظْت {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} فِي سُوَرٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ، وَحَدِيثُ مُعَاذٍ4 فِي قِصَّةِ مَنْ خَرَجَ مِنْ صَلَاتِهِ حِينَ افْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى - وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، وَحَدِيثُ النُّعْمَانِ5 بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ، وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ بِـ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} - وَ {هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ، وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ6 نَحْوُهُ، وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ فِي مَسْأَلَةِ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَطَوِّعِ، حَمَلَهُ7 عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ، فَجَعَلَ نُزُولَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} هُنَاكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَهُنَا جَعَلَهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ عليه السلام، فَقَدْ ادَّعَى نَسْخَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَا نَزَلَ قَبْلَهُ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، هَذَا شَأْنُ مَنْ يُسَوِّي الْأَحَادِيثَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَالْمَشْهُورُ بَيْنَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ سُورَةَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَسُورَةَ: الْوَاقِعَةِ - وَالْحَاقَّةِ اللَّتَيْنِ فِيهِمَا {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّك الْعَظِيمِ} نَزَلْنَ بِمَكَّةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الْخَمْسُونَ: رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ
خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَعَنْ يَسَارِهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ. قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ1 وَاللَّفْظُ لِلنَّسَائِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَأَبِي الْأَحْوَصِ، قَالُوا ثَلَاثَتُهُمْ: ثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَعَنْ يَسَارِهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهَذَا اللَّفْظُ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ المصنف، ولفظ أبو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ فِيهِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَهُوَ لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ، إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ: حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ2 مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمْ أَنْسَ تَسْلِيمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ خَدَّيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ3 بِلَفْظٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، أَنَّ أَمِيرًا كَانَ بِمَكَّةَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَنَّى عَلِقَهَا4؟! إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ5 عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: كُنْت أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ، حَتَّى أَرَى بَيَاضَ خَدِّهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ الْفَضْلِ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَإِذَا سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ، يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ، وَكَانَ تَسْلِيمُهُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، انْتَهَى. وَفَضَالَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ6 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ بِهِ، وَمَا وَجَدْت ابْنَ عَسَاكِرَ ذَكَرَهُ فِي الْأَطْرَافِ، لَكِنْ ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ، وَوَجَدْت صَاحِبَ التَّنْقِيحِ عَزَاهُ لِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، عِوَضٌ:
حُذَيْفَةُ، عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَهُوَ وَهْمٌ، انْتَهَى. وَهَذَا الدَّارَقُطْنِيُّ ذَكَرَهُ عَنْ عَمَّارٍ. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ1. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو حدثني هودة بْنُ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يساره، حتى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَبَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ، حَتَّى يُرَى خَدَّاهُ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ التَّسْلِيمَتَيْنِ: فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ2، قَالَ: كُنَّا نَقُولُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا سَلَّمْنَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، يُشِيرُ أَحَدُنَا بِيَدِهِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا بال الذي يومئون بأيدهم فِي الصَّلَاةِ، كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟! إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمَ عَنْ يَمِينِهِ، وَشِمَالِهِ"، انْتَهَى. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ، قَالَ: صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ زُرَارَةَ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: صَلَّى بِنَا عَلِيٌّ يَوْمَ الْجَمَلِ صَلَاةً ذَكَّرَتْنَا صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَسِينَاهَا، وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ تَرَكْنَاهَا، فَسَلَّمَ عَلَى يَمِينِهِ وعى شِمَالِهِ، انْتَهَى. وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ في سننه4 عَنْ حُرَيْثِ بْنِ أَبِي مَطَرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ
عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ، انْتَهَى. وَحُرَيْثٌ تَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَالْفَلَّاسُ. وَابْنُ مَعِينٍ، وَتَرَكَهُ النَّسَائِيّ. وَالْأَزْدِيُّ. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ1 مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ. وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ2. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَزُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ، لَكِنَّ لَهُ مَنَاكِيرَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْهَا: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ: وَزُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَ ثِقَةً، لَكِنَّ عَمْرَو بْنَ أبي سلمة يضعفه، قال ابْنُ مَعِينٍ، وَالْحَدِيثُ أَصْلُهُ الْوَقْفُ عَلَى عَائِشَةَ، هَكَذَا رَوَاهُ الْحُفَّاظُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: لَمْ يَرْفَعْهُ إلَّا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ، كَثِيرُ الْخَطَأِ، لَا يُحْتَجُّ به، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَلَا يَقْبَلُ تَصْحِيحَ الْحَاكِمِ لَهُ، وَلَيْسَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى تسليمة واحدة شي ثَابِتٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ3 عَنْ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ هَذَا لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: بَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ4 أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَلَّى فَسَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً، انْتَهَى. وَيَحْيَى بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ليس بشي، وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيفٌ. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ5 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا عَلِيُّ
بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى الْعَنْبَرِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الوهاب الجمحي ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ1 عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ حَدَّثَنِي أَبِي. وَحَفْصٌ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً قِبَلَ وَجْهِهِ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: وَعَطَاءٌ ضَعِيفٌ قَدَرِيٌّ، وَفِيهِ الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ. قَوْلُهُ: وَلَا يَنْوِي الْمَلَائِكَةِ عَدَدًا مَحْصُورًا، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي عَدَدِهِمْ قَدْ اخْتَلَفَتْ، فَأَشْبَهَ الْإِيمَانَ بِالْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، قُلْت: رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ2 مِنْ حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الجن، وقرينه من الملائك"، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: "وَإِيَّايَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ، فَأَسْلَمَ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ منظر عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيَّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ عَمَلَهُ، فَإِذَا مَاتَ، قَالَ الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ وُكِّلَا بِهِ: قَدْ مَاتَ، أَفَتَأْذَنُ أَنْ نَصْعَدَ إلَى السَّمَاءِ؟، فَيَقُولُ اللَّهُ: سَمَائِي مَمْلُوءَةٌ بِهَا مَلَائِكَتِي، يُسَبِّحُونِي، فَيَقُولَانِ: أَفَنُقِيمُ فِي الْأَرْضِ؟ فَيَقُولُ: أَرْضِي مَمْلُوءَةٌ مِنْ خَلْقِي، يُسَبِّحُونِي، فَيَقُولَانِ: فَأَيْنَ؟ فَيَقُولُ: قُومَا عَلَى قَبْرِ عَبْدِي، فَاحْمَدَانِي وَسَبِّحَانِي وَكَبِّرَانِي وَهَلِّلَانِي، وَاكْتُبَا ذَلِكَ لِعَبْدِي، حَتَّى أَبْعَثَهُ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ - فِي بَابِ الْحَيَاءِ، وَهُوَ الْبَابُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ، عَنْ عُبَادَةَ الْبَصْرِيِّ عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَسْتَحْيِي أَحَدُكُمْ مِنْ مَلَكَيْهِ اللَّذَيْنِ مَعَهُ، كَمَا يَسْتَحْيِي مِنْ رَجُلَيْنِ مِنْ صَالِحِي جيرانه، وخما مَعَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَلَهُ شَاهِدٌ ضَعِيفٌ، ثُمَّ أُخْرِجَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَمْ أَنْهَكُمْ عَنْ التَّعَرِّي؟ إنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ فِي نَوْمٍ وَلَا يَقِظَةٍ، إلَّا حِينَ يَأْتِي أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، أَوْ حِينَ يَأْتِي خَلَاهُ، أَلَا فَاسْتَحْيُوهُمَا، أَلَا فَأَكْرِمُوهُمَا"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عُفَيْرِ بْنِ مَعْدَانُ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وُكِّلَ بِالْمُؤْمِنِ مِائَةٌ وَسِتُّونَ مَلَكًا، يَذُبُّونَ
عَنْهُ مَا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ: الْبَصَرُ عَلَيْهِ سَبْعَةُ أَمْلَاكٍ، يَذُبُّونَ عَنْهُ، كَمَا يَذُبُّ عَنْ قَصْعَةِ الْعَسَلِ الذُّبَابُ فِي الْيَوْمِ الصَّائِفِ، وَلَوْ وُكِّلَ الْعَبْدُ إلَى نَفْسِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ لَاخْتَطَفَتْهُ الشَّيَاطِينُ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} : حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ صَالِحٍ الْقُشَيْرِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ كِنَانَةَ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الْعَبْدِ، كَمْ مَعَهُ مَلَكٌ؟ فَقَالَ: "عَلَى يمينك ملك على حساتك، وَهُوَ أَمِينٌ عَلَى الْمَلَكِ الَّذِي عَلَى الشِّمَالِ، فَإِذَا عَمِلْت حَسَنَةً كُتِبَتْ عَشْرًا، وَإِذَا عَمِلْت سَيِّئَةً، قَالَ الَّذِي عَلَى الشِّمَالِ لِلَّذِي عَلَى الْيَمِينِ: أَكْتُبُ؟ فَيَقُولُ لَهُ: لَا، لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ، فَإِذَا قَالَ ثَلَاثًا، قَالَ: نَعَمْ، اُكْتُبْ أَرَاحَنَا اللَّهُ مِنْهُ، فَبِئْسَ الْقَرِينُ، مَا أَقَلَّ مُرَاقَبَتَهُ لله، وأقل استحياؤه مِنَّا، يَقُولُ اللَّهُ: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ، وَمَلَكَانِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْك وَمِنْ خَلْفِك! يَقُولُ اللَّهُ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} وَمَلَكٌ قَابِضٌ عَلَى نَاصِيَتِك، فَإِذَا تَوَاضَعْت لِلَّهِ رَفَعَك، وَإِذَا تَجَبَّرْت عَلَى اللَّهِ قَصَمَك، وَمَلَكَانِ عَلَى شَفَتَيْك، لَيْسَ يَحْفَظَانِ عَلَيْك إلَّا الصَّلَاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَمَلَكٌ قَائِمٌ عَلَى فِيك، لَا يَدَعُ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَّةُ فِي فِيك، وَمَلَكَانِ عَلَى عَيْنَيْك، فَهَؤُلَاءِ عَشْرَةُ أَمْلَاكٍ عَلَى كُلِّ ابْنِ آدَمَ يَتَبَدَّلُونَ، مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ عَلَى مَلَائِكَةِ النَّهَارِ، لِأَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ سِوَى مَلَائِكَةِ النَّهَارِ، فَهَؤُلَاءِ عِشْرُونَ مَلَكًا، عَلَى كُلِّ آدَمِيٍّ، وَإِبْلِيسُ بِالنَّهَارِ، وَوَلَدُهُ بِاللَّيْلِ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: حَدِيثُ: تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ، قُلْت: تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا اسْتَدَلَّ بِهِ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى فَرِيضَةِ السَّلَامِ، وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ كَانَ لَا يَصِحُّ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِالتَّكْبِيرِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ أَيْ لَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا بِهِ، وَأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ، فَقَالَ: إنَّ الدُّخُولَ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَأْمُورِ بِهَا لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ حَيْثُ أَمَرَ بِهِ، وَأَمَّا الْخُرُوجُ مِنْهَا، فَقَدْ يَصِحُّ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ بِهِ، كَمَا فِي النِّكَاحِ. وَالطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ لَمَّا نَهَى أَنْ يَعْقِدَ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَهِيَ فِي عِدَّةِ الْغَيْرِ، حَتَّى لَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا، وَأَمَرَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْهَا إلَّا بِطَلَاقٍ لَا إثْمَ فِيهِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ وَهِيَ حَائِضٌ صَحَّ، وَلَزِمَهُ، مَعَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ حَيْثُ نَهَى عَنْهُ، قَالَ: وَهَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الَّذِي رَوَى حَدِيثَ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ1 رُوِيَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّلَامَ غَيْرُ فَرْضٍ، ثُمَّ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ سَجْدَةٍ
فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، انْتَهَى. فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عِنْدَهُ، تَتِمُّ بِدُونِ التَّسْلِيمِ، قَالَ1: وَمِمَّا يَدُلُّ لِمَذْهَبِنَا أَنَّ التَّسْلِيمَ غَيْرُ فَرْضٍ، مَا أَخْبَرَنَا رَبِيعٌ الْجِيزِيُّ ثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، وَهْبُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ أَنْبَأَ حيرة عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ حَدَّثَهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ2 عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلَمْ يَدْرِ، أَثْلَاثًا صَلَّى. أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ، وَيَدَعْ الشَّكَّ، فَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ نَقَصَتْ فَقَدْ أَتَمَّهَا، وَالسَّجْدَتَانِ يُرْغِمَانِ الشَّيْطَانَ، وَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ تَامَّةً، كَانَ مَا زَادَ، وَالسَّجْدَتَانِ لَهُ نَافِلَةٌ"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِهِ نَحْوَهُ، قَالَ: فَقَدْ جَعَلَ الرَّكْعَةَ الزَّائِدَةَ مَعَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ تَطَوُّعًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةُ الطَّحَاوِيِّ. حَدِيثٌ آخَرُ، قَدْ يُسْتَأْنَسُ لِمَذْهَبِنَا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ عَنْهُ، قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ قَامَ، فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، وَفِي لَفْظٍ: فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ، وَانْتَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ، كَبَّرَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ، ثُمَّ سَلَّمَ، انْتَهَى. فَسَمَّاهُ قضاءاً وَتَمَامًا، قَبْلَ السَّلَامِ. حَدِيثٌ آخَرُ، حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ4: وَإِذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ5: إذَا قُلْت هَذَا، أَوْ فَعَلْت هَذَا، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك، تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ. تم بحمد الله وحسن توفيقه، الجزء الأول، ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثاني وأوله فصل في القراءة ومن الله التوفيق والهداية.
كتاب الصلاة
المجلد الثاني كتاب الصلاة فصل في القراءة ... بسم الله الرحمن الرحيم فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ قَوْلُهُ: وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ، وَالرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ إنْ كَانَ إمَامًا، وَيُخْفِي فِي الْأُخْرَيَيْنِ، هَذَا هو التوارث. قُلْت: فِيهِ حَدِيثَانِ مُرْسَلَانِ، أَخْرَجَهُمَا، أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ": أَحَدُهُمَا: عَنْ الْحَسَنِ. وَالْآخَرُ: عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلَيْهِمَا، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ. وَسُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، سِرًّا فِي نَفْسِهِ، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، سِرًّا فِي نَفْسِهِ، وَيَفْعَلُ فِي الْعَصْرِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ فِي الظُّهْرِ، وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ، وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ. وَسُورَةٍ، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، سِرًّا فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فِي نَفْسِهِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَيُنْصِتُ مَنْ وَرَاءَ الْإِمَامِ، وَيَسْتَمِعُ لِمَا جَهَرَ بِهِ الْإِمَامُ، لَا يَقْرَأُ مَعَهُ أَحَدٌ، وَالتَّشَهُّدُ فِي الصَّلَوَاتِ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَمُرْسَلُ الْحَسَنِ نَحْوُهُ، وَذَكَرَهُمَا عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد، وَقَالَ: إنَّ مُرْسَلَ الْحَسَنِ أَصَحُّ، وَتَقَدَّمَ فِي "مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ1 فِي إمَامَةِ جِبْرِيلَ" مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّهُ أَسَرَّ فِي الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ. وَالثَّالِثَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ. وَالْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ هُنَا. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ. وَأَبِي عُبَيْدَةَ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا عُبَيْدَةَ، يَقُولُ: صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ:
قَالَ مُجَاهِدٌ: صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": حَدِيثُ: "صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ" بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ1" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَخْبَرَةَ، قَالَ: قُلْنَا لِخَبَّابٍ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ؟، قَالَ: نَعَمْ، قُلْنَا: بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَلِكَ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: حَزَرْنَا قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ، فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ، عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ3 مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: تَعَالَوْا حَتَّى نَقِيسَ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا لَمْ يَجْهَرْ فِيهِ مِنْ الصَّلَاةِ، فَمَا اخْتَلَفَ مِنْهُمْ رَجُلَانِ، فَقَاسُوا قِرَاءَتَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الظُّهْرِ، بِقَدْرِ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَفِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى، قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، قَاسُوا ذَلِكَ فِي الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ النِّصْفِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَيَجْهَرُ فِي الْجُمُعَةِ. وَالْعِيدَيْنِ، لِوُرُودِ النَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ بِالْجَهْرِ، قُلْت: اسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى الْجَهْرِ فِي الْجُمُعَةِ. وَالْعِيدَيْنِ بِمَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ4 إلَّا الْبُخَارِيَّ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ. وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ "بـ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَ {هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ، انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ5 عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: سَأَلْت عُمَرَ، مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَضْحَى. وَالْفِطْرِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} {اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ} ، وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ، فَفِي "الصَّحِيحَيْنِ6 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ "بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ" يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، يُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَفِي النَّسَائِيّ7 كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ، فَيُسْمَعُ مِنْهُ الْآيَةُ، بَعْدَ الْآيَاتِ مِنْ "سُورَةِ لُقْمَانَ وَالذَّارِيَاتِ"، وَفِيهِ8 أَيْضًا
عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ النَّضْرِ، قال: كنا بالطف* عِنْدَ أَنَسٍ، فَصَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ: إنِّي صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الظُّهْرِ، فَقَرَأَ لَنَا بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ: {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَ {هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: الْجَهْرُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ مِنْ السُّنَّةِ، وَالْخُرُوجُ فِي الْعِيدَيْنِ إلَى الْجَبَّانَةِ مِنْ السُّنَّةِ، انْتَهَى. وَالْحَارِثُ رَوَى لَهُ الْأَرْبَعَةُ، كَذَّبَهُ الشَّعْبِيُّ. وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِهِ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى الْفَجْرَ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بِجَمَاعَةٍ، فَجَهَرَ فِيهَا، قُلْت: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِهِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟ "، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ شَابٌّ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْرُسُكُمْ، فَحَرَسَهُمْ، حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ الصُّبْحِ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَمَا اسْتَيْقَظُوا إلَّا بِحَرِّ الشَّمْسِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَوَضَّأَ، وَتَوَضَّأَ أَصْحَابُهُ، وَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَذَّنَ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى الْفَجْرَ بِأَصْحَابِهِ، وَجَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، كَمَا كَانَ يُصَلِّي بِهَا فِي وَقْتِهَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، وَلَكِنْ فِيهِ احْتِمَالٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ 2 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ وَلَيْلَتَكُمْ، وَتَأْتُونَ الْمَاءَ إنْ شَاءَ اللَّهُ غَدًا"، فَانْطَلَقَ النَّاسُ لَا يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، إلَى أَنْ قَالَ: فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّرِيقِ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: "احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا"، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ اسْتَيْقَظَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ، قَالَ: فَقُمْنَا فَزِعِينَ، ثُمَّ قَالَ: "ارْكَبُوا"، فركبنا، وَسِرْنَا، حَتَّى إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ نَزَلَ، ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ قَالَ لِأَبِي قَتَادَةَ: "احْفَظْ عَلَيْنَا مِيضَأَتَك، فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ"، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كل يوم، يختصر، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ: "فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صِفَةَ الْفَائِتَةِ تَكُونُ كَصِفَةِ أَدَائِهَا، فَيَقْنُتُ فِيهَا، وَيَجْهَرُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ: لَا يَجْهَرُ، وَحَمَلَ الصُّنْعَ فِيهِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْأَرْكَانِ. حَدِيثٌ آخَرُ نَحْوُهُ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ: فِي نَوْمِهِمْ. وَقِيَامِهِمْ. وَصَلَاتِهِمْ، ثُمَّ قَالَ عليه السلام: "يا أيها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا، وَلَوْ شَاءَ رَدَّهَا، فَإِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ نَسِيَهَا، ثُمَّ فَرَغَ إلَيْهَا، فَلْيُصَلِّهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا"، وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَلَمْ يعله
بِغَيْرِ الْإِرْسَالِ، فَيُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا أَيْضًا عَلَى الْجَهْرِ، وَيُمْكِنُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْأَرْكَانِ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرِهِ: "بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ"، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ1 فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي "الِاسْتِعَاذَةِ" مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: كُنْت أَقُودُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَتَهُ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ لِي: يَا عُقْبَةُ! أَلَا أُعَلِّمُك خَيْرَ سُورَتَيْنِ قُرِئَتَا؟ فَعَلَّمَنِي: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} قَالَ: فَلَمْ يَرَنِي سُرِرْت بِهِمَا جِدًّا، فَلَمَّا نَزَلَ لِصَلَاةِ الصبح صلى بهما صلاة الصُّبْحَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ الْتَفَتَ إلَيَّ، فَقَالَ: يَا عُقْبَةُ! كَيْفَ رَأَيْت؟، انْتَهَى. وَالْقَاسِمُ هَذَا، هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ، مَوْلَاهُمْ الشَّامِيُّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَغَيْرُهُ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ ابْنِهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّهُمْ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ 2" كَذَلِكَ، وَلَفْظُهُ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُعَوِّذَتَيْنِ، أَمِنَ الْقُرْآنِ هُمَا؟، فَأَمَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ بِهِمَا، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، أَخْرَجَهُ فِي "الصَّلَاةِ وَفِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ"، ثُمَّ أَخْرَجَهُ بِسَنَدِ السُّنَنِ وَمَتْنِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ3 ". وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". قَوْلُهُ: وَيَقْرَأُ فِي الْحَضَرِ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِينَ آيَةً، أَوْ خَمْسِينَ، سِوَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيُرْوَى مِنْ أَرْبَعِينَ، إلَى سِتِّينَ، إلَى مِائَةٍ، وَبِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ، قُلْت: رَوَى مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ 4" مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بـ "ق وَنَحْوِهَا"، وَأَخْرَجَا 5 عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ، إلَى الْمِائَةِ آيَةٍ، وَفِي لَفْظِ ابْنِ حِبَّانَ: كَانَ يَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ، إلَى الْمِائَةِ، وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَؤُمَّنَا فِي الْفَجْرِ "بِالصَّافَّاتِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ"بِالْوَاقِعَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ السُّوَرِ"، ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الْفَجْرِ. وَالظُّهْرِ: بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْعَصْرِ. وَالْعِشَاءِ: بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْمَغْرِبِ: بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ1 أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ الْحَسَنِ. وَغَيْرِهِ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى: أَنْ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ: بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْعِشَاءِ: بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الصُّبْحِ: بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ2" حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ أَقْرَأَنِي أَبُو مُوسَى كِتَابَ عُمَرَ: أَنْ اقْرَأْ بِالنَّاسِ فِي الْمَغْرِبِ: بِآخِرِ الْمُفَصَّلِ، انْتَهَى، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنْ اقْرَأْ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ: بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنْ الْمُفَصَّلِ، مُخْتَصَرٌ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ 3 فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ". وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى: أَنْ اقْرَأْ فِي الصُّبْحِ: بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى: أَنْ اقْرَأْ فِي الظُّهْرِ: بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى: أَنْ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ: بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، انْتَهَى. وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ4. وَابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِمَا" مِنْ حَدِيثِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَا صَلَّيْت وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فُلَانٍ، قَالَ سُلَيْمَانُ: كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ الْأُخْرَيَيْنِ، وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ: بقصار المفصل، وفي العشار: بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْغَدَاةِ: بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ 5" عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْفَتَى "يَعْنِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ"، قَالَ الضَّحَّاكُ: وَكُنْت أُصَلِّي خَلْفَهُ، فَكَانَ يُطِيلُ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ، إلَى آخِرِهِ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى
غَيْرِهَا فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، قُلْت: رَوَى الْبُخَارِيُّ1. وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا" مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: فِي الظُّهْرِ. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , قَالَ: {كُنَّا نَحْزِرُ قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ , فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ قَدْرَ {الم تَنْزِيلُ} السَّجْدَةُ. وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ , وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ قِيَامِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ , وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةٍ , بَدَلَ تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً , وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً , وَالْعَصْرُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ َفِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً , وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ} انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُوَقِّتَ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ، لِمَا فِيهِ مِنْ هَجْرِ الْبَاقِي، وَإِيهَامِ التَّفْضِيلِ، قُلْت: وَلِلْخُصُومِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ السُّنَّةَ فِي فَجْرِ الْجُمُعَةِ أَنْ يقرأ "بتنزيل السجدة وهل أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ" حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ {الم , تَنْزِيلُ} "السَّجْدَةُ" وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ} [الْإِنْسَانِ:1] ، انْتَهَى. وَهَذَا عَلَى طَرِيقِهِ إنْ كَانَ يَقْتَضِي الدَّوَامَ، وَلَكِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ كَانَ يُدِيمُ ذَلِكَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ4 "، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ يُوسُفَ الْأُمَوِيُّ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا دُحَيْمٌ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ {الم, تَنْزِيلُ} [السَّجْدَةُ:2] وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} [الإنسان:1] يُدِيمُ ذَلِكَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ،
وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَحَدِيثُ جَابِرٍ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ1" عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ" انْتَهَى. وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ مَجْرُوحٌ2، رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْت أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَلَكِنْ لَهُ طُرُقٌ أُخْرَى، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً، وَلَكِنْ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "مُوَطَّئِهِ3"، أَخْبَرْنَا الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ الله بن شداد بن جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ4"، وَأَخْرَجَهُ هُوَ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَقْرُونًا بِالْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، وَحْدَهُ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ5: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ غَيْرُ أبي حنيفة.
وَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ، وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَأَبُو الْأَحْوَصِ. وَشُعْبَةُ. وَإِسْرَائِيلُ.
وَشَرِيكٌ. وَأَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ. وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ. وَغَيْرُهُمْ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَقَدْ رَوَى السُّفْيَانَانِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَأَبُو عَوَانَةَ. وَشُعْبَةَ. وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، فَلَمْ يُسْنِدُوهُ عَنْ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مُرْسَلًا 1، وَقَدْ رَوَاهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَلَمْ يُتَابِعْهُمَا عَلَيْهِ إلَّا مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُمَا، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْت سَلَمَةَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهَ، يَقُولُ: سَأَلْت أَبَا مُوسَى الرَّازِيَّ الْحَافِظَ عَنْ حَدِيثِ: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ" فَقَالَ: لَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْءٌ، إنَّمَا اعْتَمَدَ مَشَايِخُنَا فِيهِ عَلَى الرِّوَايَاتِ عَنْ عَلِيٍّ. وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ: أَعْجَبَنِي هَذَا لَمَّا سَمِعْته، فَإِنَّ أَبَا مُوسَى أَحْفَظُ مَنْ رَأَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ عَلَى أَدِيمِ الْأَرْضِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ. والدارقطني2 عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَجَابِرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا مَعْرُوفٌ بِجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ 3، وَلَكِنَّ الْحَسَنَ بْنَ صَالِحٍ قَرَنَهُ بِاللَّيْثِ، وَاللَّيْثُ4 ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَالسَّعْدِيُّ، وَلَكِنَّهُ مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، فَإِنَّ الثِّقَاتِ رَوَوْا عَنْهُ، كَشُعْبَةَ. وَالثَّوْرِيِّ. وَغَيْرِهِمَا، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا5 عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي "تَرْجَمَتِهِ" بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّةً، وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى، وَرَجُلٌ خَلْفَهُ يَقْرَأُ،
فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ يَنْهَاهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ لَهُ: أَتَنْهَانِي عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ نَبِيِّ اللَّهِ؟!، فَتَنَازَعَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عليه السلام: "مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ زَادَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ: جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ رَوَاهُ جَرِيرٌ. وَالسُّفْيَانَانِ. وَأَبُو الْأَحْوَصِ. وَشُعْبَةُ. وَزَائِدَةُ. وَزُهَيْرٌ. وَأَبُو عَوَانَةَ. وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَقَيْسٌ. وَشَرِيكٌ. وَغَيْرُهُمْ، فَأَرْسَلُوهُ، وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَضْعَفُ. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 1". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه الوسط" عَنْ سَهْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ التِّرْمِذِيِّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ" انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا حَدِيث مُنْكَرٌ، وَسَهْلُ بْنِ الْعَبَّاسِ مَتْرُوكٌ، لَيْسَ بِثِقَةٍ 2، وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَمْ يَرْفَعْهُ أَحَدٌ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ إلَّا سَهْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "غَرَائِبِ مَالِكٍ" مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، سَوَاءٌ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ عَنْ مَالِكٍ. وَلَا عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، وَفِيهِ عاصم ابْنُ عِصَامٍ لَا يُعْرَفُ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ 3" عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، وَلَكِنْ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ مِنْ كَلَامِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي "تَفْسِيرِهِ 4 وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 5" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَتُهُ لَهُ قِرَاءَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ مَتْرُوكٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ 6 عَنْ خَارِجَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، ثُمَّ قَالَ: رَفْعُهُ وَهْمٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ: يَكْفِيكَ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ
انْتَهَى. قَالَ:: وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. قُلْت: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ 1" عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ، فَحَسْبُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ، وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ، فَلْيَقْرَأْ، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط 2" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَامِرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَمْرِو بْنِ نَجِيحٍ أَبِي إسْحَاقَ الْبَجَلِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ إسْمَاعِيلُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قُلْت: قَدْ تَابَعَهُ النَّضْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 3" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الرَّازِيُّ، ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، سَوَاءٌ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ سُهَيْلٍ، تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الرَّازِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 4" مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَدَنِيِّ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يَكْفِيك قِرَاءَةُ الْإِمَامِ، خَافَتَ. أَوْ جَهَرَ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَالَ أَبُو مُوسَى: قُلْت لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، فَقَالَ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، ثُمَّ أَعَادَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَرِيبٍ مِنْهُ، وَقَالَ: عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ 5 لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَرَفْعُهُ وَهْمٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسَ، فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" عَنْ غُنَيْمِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِغُنَيْمٍ 6، وَقَالَ: إنَّهُ يُخَالِفُ الثِّقَاتِ فِي الرِّوَايَاتِ، لَا يُعْجِبنِي الرِّوَايَةُ عَنْهُ، فَكَيْفَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ؟! رَوَى عَنْهُ الْمَجَاهِيلُ وَالضُّعَفَاءُ، وَلَا يُوجَدُ مِنْ رِوَايَةِ أَحَدٍ مِنْ الْأَثْبَاتِ، انْتَهَى. وَحَمَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ" أَحَادِيثَ: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ" عَلَى تَرْكِ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَعَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ دُونَ السُّورَةِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي
"سُنَنِهِ 1" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إمَامِكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، انتهى. قال البيهقي2: ورواه إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ، فَذَكَرَ فِيهِ سَمَاعَ ابْنِ إسْحَاقَ مِنْ مَكْحُولٍ، فَصَارَ الْحَدِيثُ مَوْصُولًا صَحِيحًا، قَالَ: فَهَذَا الْحَدِيثُ مُبَيِّنٌ لِتِلْكَ الْأَحَادِيثِ، وَدَالٌّ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ حَدِيثُ: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ مَعَ الفاتحة. انتهى. وقوله: وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، أَيْ عَلَى تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، قُلْت: رَوَى مُحَمَّدُ بن الحسن في "موطإِه 3" أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ، هَلْ يَقْرَأُ أَحَدٌ مَعَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ مَعَ الْإِمَامِ فَحَسْبُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ 4" حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرِو عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ. وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ. وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالُوا: لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ، رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أيضاً في "موطإِه 5" عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ. قَالَ: أَنْصِتْ، فَإِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا، وَيَكْفِيك الْإِمَامُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ 6 بْنِ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ لا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ، لَا فِيمَا يَجْهَرُ وَلَا فِيمَا يُخَافِتُ فِيهِ، وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ، قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَسُورَةٍ، وَلَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ سُورَةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، أَعْنِي الْأَوَّلَ، وَكَذَلِكَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَيُنْظَرَانِ.
أَثَرٌ آخَرُ، رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَيْضًا 1 عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ الْفَرَّاءِ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ وَلَدِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ سَعْدًا قَالَ: وَدِدْت أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي فِيهِ جَمْرَةٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: فِي فِيهِ حَجَرٌ، وَكَذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. أَثَرٌ آخَرُ، رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنِ الْحَسَنِ أَيْضًا عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَيْتَ فِي فَمِ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ حَجَرًا، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ 2" عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَقْرَأُ وَالْإِمَامُ بَيْنَ يَدَيَّ؟ فَقَالَ: لَا، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ، إنْ جَهَرَ، وَلَا إنْ خَافَتْ، انْتَهَى. وَيُنْظَرُ. أَثَرٌ آخَرُ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ3. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ، فَقَدْ أَخْطَأَ الْفِطْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 4" مِنْ طُرُقٍ، وَقَالَ: لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": هَذَا يَرْوِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَيَكْفِي فِي بُطْلَانِهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ، إنَّمَا اخْتَارُوا تَرْكَ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَطْ، لَا أَنَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوهُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى هَذَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ فَرْضٌ بِالنَّصِّ، قُلْت: يُرِيدُ بِهِ قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:204] ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ،
أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ 1، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ، فَسَمِعَ قِرَاءَةَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ، فَنَزَلَ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} ، وَأَخْرَجَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ 2، قَالَ: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ. أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَفْعِ الْأَصْوَاتِ، وَهُمْ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. قَالَ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي "تَفْسِيرِهِ 3" عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيِّ ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ: سَأَلْت بَعْضَ أَشْيَاخِنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الْمَسْرُوقِيُّ: أَحْسَبُهُ قَالَ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، قُلْت لَهُ: كُلُّ مَنْ سَمِعَ الْقُرْآنَ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ، قَالَ: إنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، إذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَاسْتَمِعْ لَهُ، وَأَنْصِتْ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ: قَالَ عليه السلام: "وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا" قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَحَدِيثُ أَبُو مُوسَى، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ 4"، فِي "بَابِ الْقِرَاءَةِ. وَالرُّكُوعِ. وَالسُّجُودِ. وَالتَّشَهُّدِ"، فَقَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو غسان 5 الْمِسْمَعِيُّ ثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ ثَنَا أَبِي ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلُهُ "يَعْنِي حَدِيثَ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، فَذَكَرَ حَدِيثَ: "إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ فَكَبِّرُوا"، وَفِيهِ قِصَّةٌ، قَالَ مُسْلِمٌ: وَفِي حَدِيثُ جَرِيرٍ مِنْ الزِّيَادَةِ: "وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا"، ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَبُو إسْحَاقَ "يَعْنِي صَاحِبَ مُسْلِمٍ": قَالَ أَبُو بَكْرٍ ابْنُ أُخْتِ أَبِي النَّضْرِ، فِي هَذَا الْحَدِيثِ "أَيْ طَعَنَ فِيهِ"؟ فَقَالَ مُسْلِمٌ: يَزِيدُ أَحْفَظُ مِنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: فَحَدِيثُ أَبِي هريرة
"يَعْنِي: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا"؟ فَقَالَ مُسْلِمٌ: هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ، فَقَالَ: لِمَ لَمْ تَضَعْهُ هَهنا؟ فَقَالَ: لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ عندي صحيح وضعته هَهنا، إنما وضعت هَهنا مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، انْتَهَى كَلَام مُسْلِمٍ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ فِي بَابِ التَّشَهُّدِ 1" عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي غَلَّابٍ عَنْ حِطَّانَ بن عبد الله الراقشي بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَزَادَ: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، لَيْسَ بِشَيْءٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" بِسَنَدِ أَبِي دَاوُد، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ ذِكْرِ أَحَدِكُمْ التَّشَهُّدُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" كَذَلِكَ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ فِيهِ: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، إلَّا سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ، إلَّا مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْقَطِيعِيُّ ثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حطان بن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ 2" عَنْ سَالِمِ بْنِ نُوحٍ الْعَطَّارِ
عَنْ عُمَرَ بْنِ عَامِرٍ. وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، وَلَمْ يُعِلَّهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ أَشْهَرُ مِنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ. وَابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد1. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ. مِنْ حَدِيثِ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد فِي "بَابِ الْإِمَامِ يُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ" وَقَالَ: وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ: "وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا"، لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ، وَالْوَهْمُ عِنْدَنَا مِنْ أَبِي خَالِدٍ، انْتَهَى. وَتَعَقَّبَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، فَقَالَ: وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ أَبَا خَالِدٍ الْأَحْمَرَ هَذَا هُوَ: سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ، وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الَّذِينَ احْتَجَّ بِهِمْ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، بَلْ تَابَعَهُ عَلَيْهَا 2 أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ الْأَشْهَلِيُّ الْمَدَنِيُّ، نَزِيلُ بَغْدَادَ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْ ابْنِ عَجْلَانَ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ قَتَادَةَ، وَضَعَّفَهَا أَبُو دَاوُد والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ. لِتَفَرُّدِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ بِهَا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ أَصْحَابُ قَتَادَةَ الْحُفَّاظُ عَنْهُ: مِنْهُمْ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ وَسَعِيدٌ وَشُعْبَةُ وَهَمَّامٌ وَأَبُو عَوَانَةَ وَأَبَانُ وَعَدِيُّ بْنُ أَبِي عُمَارَةَ، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: "وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا"، قَالَ: وَإِجْمَاعُهُمْ يَدُلُّ عَلَى وَهْمٍ، انْتَهَى. وَلَمْ يُؤَثِّرْ عِنْدَ مُسْلِمٍ تَفَرُّدُهُ بِهَا لِثِقَتِهِ وَحِفْظِهِ، وَصَحَّحَهَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمُتَابَعَةُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ لِسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ 3 الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْمُنْذِرِيُّ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنما الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ، يَقُولُ: مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، هَذَا ثِقَةٌ، انْتَهَى. وَلِسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ مُتَابِعَانِ آخَرَانِ، غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" حَدِيثَهُمَا وَضَعَّفَهُمَا: أَحَدُهُمَا: إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ الْغَنَوِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عَجْلَانَ بِهِ. وَالْآخَرُ: مُحَمَّدُ بْنُ مُيَسَّرٍ أبي سعد الصفاني ثَنَا ابْنُ عَجْلَانَ بِهِ، قَالَ: وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ مُيَسَّرٍ ضَعِيفَانِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ1" بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ2. وَأَبِي مُوسَى: وَقَدْ أَجْمَعَ الْحُفَّاظُ 3 عَلَى خَطَإِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْحَدِيثِ: أَبُو دَاوُد. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَالْحَاكِمُ. والدارقطني، وَقَالُوا: إنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ، أَوْ يُحْمَلُ الْإِنْصَاتُ فِيهِ عَلَى تَرْكِ الْجَهْرِ 4، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ سَكَتَ هُنَيَّةَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي سُكُوتِك بَيْنَ التَّكْبِيرِ. وَالْقِرَاءَةِ؟ فَقَالَ: أَقُولُ "اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ" الْحَدِيثَ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى النَّسَائِيَّ فِي "سُنَنِهِ" أَخْبَرَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، سَمِعَهُ يَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَفِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: وَجَبَتْ هَذِهِ؟ فَالْتَفَتَ إلَيَّ، وَكُنْت أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِنْهُ، فَقَالَ: "مَا أَرَى الْإِمَامَ إذَا أَمَّ الْقَوْمَ إلَّا قَدْ كَفَاهُمْ"، انْتَهَى.
قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَأٌ، إنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ "اكْتِفَاءُ الْمَأْمُومِ بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ". حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ 1" مُحْتَجًّا بِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: "أَتَقْرَءُونَ فِي صَلَاتِكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ؟ " فَسَكَتُوا، فَقَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالُوا: إنَّا لَنَفْعَلُ، قَالَ: "لَا تَفْعَلُوا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَزَادَ: وَلْيَقْرَأْ أَحَدُكُمْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي نَفْسِهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَرَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: "مِنْ ذَا الَّذِي يُخَالِجُنِي سُورَةَ كَذَا؟! " فَنَهَاهُمْ عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَقُلْ هَكَذَا غَيْرُ حَجَّاجٍ، وَخَالَفَهُ أَصْحَابُ قَتَادَةَ: مِنْهُمْ شُعْبَةُ. وَسَعِيدٌ. وَغَيْرُهُمَا، فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ: فَنَهَاهُمْ عَنْ الْقِرَاءَةِ، وَحَجَّاجٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ 3" مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الظُّهْرَ، فَقَالَ "أَيُّكُمْ قَرَأَ بسبح اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى"؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، فَقَالَ عليه السلام: "قَدْ عَرَفْت أَنَّ رَجُلًا خَالَجَنِيهَا"، قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْت لِقَتَادَةَ: كَأَنَّهُ كَرِهَهُ؟ فَقَالَ: لَوْ كَرِهَهُ لَنَهَى عَنْهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَفِي سُؤَالِ شُعْبَةَ، وَجَوَابِ قَتَادَةَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ تَكْذِيبُ مَنْ قَلَبَ الْحَدِيثَ، وَزَادَ فِيهِ: فَنَهَى عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 4" عَنْ يَحْيَى بْنِ سَلَّامٍ ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ثَنَا وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ ضَعِيفٌ، وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا 1 عَنْ غَسَّانَ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ أَنْصِتُ؟، قَالَ: بَلْ أَنْصِتْ، فَإِنَّهُ يَكْفِيك"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ غَسَّانُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَيْسٌ. وَمُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ ضَعِيفَانِ، قَالَ: وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ مِنْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا قِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ" مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي حَاتِمِ بْنِ حِبَّانَ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ علي بن سلمان البروردي 2 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا أَصْلَ لَهُ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَلْمَانَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَغَلَ بِحَدِيثِهِ، انْتَهَى. وَلَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ لِابْنِ حِبَّانَ"، وَلَا تَرْجَمَ فِيهِ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سَلْمَانَ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": مَأْمُونُ بْنُ أَحْمَدَ السُّلَمِيُّ مِنْ أَهْلِ هَرَاةَ، كَانَ دَجَّالًا مِنْ الدَّجَاجِلَةِ، رَوَى عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ مُلِئَ فُوهُ نَارًا،" انْتَهَى. مُلَخَّصُ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ فِي "الْجُزْءِ الَّذِي وَضَعَهُ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ"، قَالَ: وَاحْتَجَّ هَذَا الْقَائِلُ "يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ" بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مَنْقُوضٌ بالحدثناء، مَعَ أَنَّهُ تَطَوُّعٌ، وَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْإِنْصَاتَ بِتَرْكِ فَرْضٍ، وَلَمْ يُوجِبْهُ بِتَرْكِ سُنَّةٍ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْفَرْضُ عِنْدَهُ أَهْوَنُ حَالًا مِنْ التَّطَوُّعِ، وَاعْتَرَضَهُ أَيْضًا بِفَرْعٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَوْ جَاءَ وَالْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْفَجْرِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي عِنْدَهُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَيَتْرُكُ الِاسْتِمَاعَ. وَالْإِنْصَاتَ، مَعَ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ: "إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ"، قَالَ: وَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْت إذَا لَمْ يَجْهَرْ الْإِمَامُ، أَيُقْرَأُ خَلْفَهُ؟ فَإِنْ قَالَ: لا، فقد بطل دَعْوَاهُ، لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ إنَّمَا يَكُونُ لِمَا يَجْهَرُ بِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ غَيْرِ سَنَدٍ، فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا، قَالَ فِي الْخُطْبَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، فَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّمَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ عِنْدَ سُكُوتِهِ، وَقَدْ رَوَى سَمُرَةُ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكْتَتَانِ: سَكْتَةٌ حِينَ يُكَبِّرُ. وَسَكْتَةٌ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ قِرَاءَتِهِ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ. وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَغَيْرُهُمْ يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ سُكُوتِ
الْإِمَامِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ إلَّا بفاتحة الكتاب"، والإِنصات. وإذا قَرَأَ الْإِمَامُ عَمَلًا بِالْآيَةِ، قال: واحتج بِقَوْلِهِ عليه السلام: "مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَالْعِرَاقِ، لِإِرْسَالِهِ وَانْقِطَاعِهِ: أَمَّا إرْسَالُهُ، فَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا انْقِطَاعُهُ، فَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، وَلَا يُدْرَى أَسَمِعَ جَابِرٌ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَمْ لَا، قَالَ: وَلَوْ ثَبَتَ، فتكون الفتحة مُسْتَثْنَاةً مِنْهُ "أَيْ مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ، بَعْدَ الْفَاتِحَةِ"، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا"، وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: "إلَّا الْمَقْبَرَةَ"، مَعَ انْقِطَاعِهِ، قَالَ: وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ عليه السلام لِسُلَيْكٍ الْغَطَفَانِيِّ، حِينَ جَاءَ، وَهُوَ يَخْطُبُ: "قُمْ، فَارْكَعْ"، مَعَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ، فَقَالَ: "إذَا قُلْت لِصَاحِبِك: أَنْصِتْ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَدْ لَغَوْت"، وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ الصَّلَاةَ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ، قَالَ: وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِخَبَرٍ رُوِيَ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ ابْنِ نِجَادٍ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: وَدِدْت أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي فِيهِ جَمْرَةٌ، قَالَ: وَهَذَا مُرْسَلٌ، فَإِنَّ ابْنَ نِجَادٍ لَمْ يُعْرَفْ، وَلَا سُمِّيَ، قَالَ: وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِحَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو حُبَابٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كَهَيْلِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَدِدْت أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ مُلِئَ فُوهُ نَتِنًا، قَالَ: وَهَذَا مُرْسَلٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَخَالَفَهُ ابْنُ عَوَانٍ عَنْ إبْرَاهِيمِ عَنْ الْأَسْوَدِ، وَقَالَ: رَضْفًا، وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ، وَلَا بِالنَّارِ، وَلَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ"، فكيف يجوز لأحد يَقُولَ: فِي [فِي] الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ جَمْرَةٌ، وَالْجَمْرَةُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ؟!.الثاني: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَمَنَّى أَنْ تُمْلَأَ أَفْوَاهُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلِ: عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ. وَحُذَيْفَةَ. وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَائِشَةَ. وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَفِي جَمَاعَةٍ آخَرِينَ مِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُمْ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ رَضْفًا، وَلَا نَتِنًا، وَلَا تُرَابًا. ثُمَّ رَوَى أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ الْجُزْءِ الْمَذْكُورِ، قَالَ: وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِخَبَرٍ رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ مُوسَى بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، قَالَ: وَلَا يُعْرَفُ لِهَذَا الْإِسْنَادِ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، وَلَا يَصِحُّ مِثْلُهُ، قَالَ: وَرَوَى سُلَيْمَانُ التَّيْمِيِّ. وَعُمَرُ بْنِ عَامِرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حِطَّانَ عَنْ أَبِي مُوسَى فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ: "وَإِذَا قَرَأَ، فَأَنْصِتُوا"، وَلَمْ يَذْكُرْ سُلَيْمَانُ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ سَمَاعًا مِنْ قَتَادَةَ، وَلَا قَتَادَةَ مِنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، وَرَوَى هِشَامٌ. وَسَعِيدٌ. وَأَبُو عَوَانَةَ. وَهَمَّامٌ. وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ. وَغَيْرُهُمْ عَنْ قَتَادَةَ، فَلَمْ يَقُولُوا فِيهِ: "وَإِذَا قَرَأَ، فَأَنْصِتُوا"، وَلَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى مَا سِوَى الْفَاتِحَةِ، وَرَوَى أَبُو خَالِدٍ
الْأَحْمَرُ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ"، وَزَادَ فِيهِ: "وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا"، وَلَا يُعْرَفُ هَذَا مِنْ صَحِيحِ حَدِيثِ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ، قَالَ أَحْمَدُ: أَرَاهُ كَانَ يُدَلِّسُ، وَقَدْ رَوَاهُ اللَّيْثُ. وَبُكَيْر عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي زِيَادٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ اللَّيْثُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. وَالْقَعْقَاعُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَلَمْ يَقُولُوا فِيهِ: "وَإِذَا قَرَأَ، فَأَنْصِتُوا"، وَرَوَاهُ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُتَابَعْ أَبُو خَالِدٍ فِي زِيَادَتِهِ، قَالَ: وَيُقَالُ لِهَذَا الْقَائِلِ: قَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ. وَأَنْتَ، عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَحَمَّلُ عَنْ الْقَوْمِ فَرْضًا، ثُمَّ قُلْت: إنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُ عَنْ الْقَوْمِ هَذَا الْفَرْضُ، مَعَ أَنَّك قُلْت: إنَّهُ لَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُمْ شَيْئًا مِنْ السُّنَنِ 1 كَالثَّنَاءِ وَالتَّسْبِيحِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَتُثْبِتُ أَنَّ الْفَرْضَ عِنْدَك أَهْوَنُ حَالًا مِنْ التَّطَوُّعِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. مُلَخَّصًا مُحَرَّرًا. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: وَيُسْتَحْسَنُ "يَعْنِي الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ" فِيمَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ، وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ، قُلْت: هُوَ مَا رَوَاهُ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ 2 قَبْلُ، وَرِوَايَةٌ عَنْ سَعْدٍ: وَدِدْت أَنَّ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي فِيهِ جَمْرَةٌ، وَعَنْ عُمَرَ: لَيْتَ فِي فَمِ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ حَجَرًا.
باب الإمامة
باب الإِمامة الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْجَمَاعَةُ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ" قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ 1عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا، وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الصَّلَاةِ إلَّا مُنَافِقٌ، قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ، أَوْ مَرِيضٌ، إنْ كَانَ الْمَرِيضُ لِيَمْشِيَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلَاةَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى، وَأَنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْهُ، قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى
اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ، حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطَّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا، وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ"، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: فِي "الصَّحِيحَيْنِ"1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ بِالْمُؤَذِّنِ فَيُؤَذِّنَ،2 ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا، فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقُ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمُ الْحَطَبِ، إلَى قَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الصَّلَاةِ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ 3 عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ4: وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سَائِرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ عَبَّرَ بِالْجُمُعَةِ عَنْ الْجَمَاعَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": بَلْ هُمَا رِوَايَتَانِ: رِوَايَةُ فِي الْجُمُعَةِ. وَرِوَايَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 5 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلَى الْمَسْجِدِ، فَرَخَّصَ لَهُ عليه السلام أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: "هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَجِبْهُ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد 6 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ عَمْرِو 7 ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. قَالَ: جِئْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا ضَرِيرٌ شَاسِعُ الدَّارِ، وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي، فَهَلْ تَجِدْ لِي رُخْصَةً أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟ قَالَ: أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: مَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ الْمَدِينَةَ كَثِيرَةُ الْهَوَامِّ وَالسِّبَاعِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَحَيَّ هَلًا". انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي
"الْمُسْتَدْرَكِ" 1،وصححه، قال النَّسَائِيّ: وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مُرْسَلًا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَعْنَاهُ لَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً تُحَصِّلُ لَك فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِهَا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ إيجَابُ الْحُضُورِ عَلَى الْأَعْمَى، فَقَدْ رَخَّصَ لِعِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ أَبِي جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ عَنْ مَغْرَاءَ الْعَبْدِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ 3 فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ، قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟ قَالَ: خَوْفٌ، أَوْ مَرَضٌ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَالْحَاكِمُ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى تَضْعِيفِ الْكَلْبِيِّ، وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: هُوَ صَدُوقٌ، إلَّا أَنَّهُ يُدَلِّسُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ 4 عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، فَلَمْ يَأْتِهِ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ، إلَّا مِنْ عُذْرٍ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا، وَبِهِ أَخَذَ دَاوُد فِي أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ. وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 5 وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: "يَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ وَحْدَهُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً"، وَأَخْرَجَا 6 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا"، وَفِي لَفْظٍ: "تَفْضُلُ صَلَاةُ الْجَمِيعِ عَلَى صَلَاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً"، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ 7 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، نَحْوَهُ، وَقَالَ: "بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً"، وَزَادَ أَبُو دَاوُد فِيهِ: "فَإِنْ صَلَّاهَا فِي فَلَاةٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلَاةً"، وَإِسْنَادُهَا جَيِّدٌ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 8 وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَضْعُفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ، لَا تُخْرِجُهُ إلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ،
فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ. اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يزال العبد في صلاة مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ"، انْتَهَى. وفي رواية لهما1: "بخمسة وَعِشْرِينَ جُزْءًا"، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: "دَرَجَةً". حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ"، انْتَهَى. وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيِّ: "وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ. وَالصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ"، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 3 وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا زَادَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى"، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّ ابْنَ بَصِيرٍ سَكَتُوا عَنْهُ، وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ قَبَاثِ بْنِ أَشَيْمَ الصَّحَابِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ "بِفَتْحِ الْقَافِ، وَضَمِّهَا، بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ، وَآخِرُهُ ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ"، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ، لَا يُقَامُ فِيهِمَا الصَّلَاةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنْ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 4 وَالنَّسَائِيُّ، قَالَ النَّوَوِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، ذَكَرَهُ فِي "الْخُلَاصَةِ". الْحَدِيثُ السِّتُّونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَؤُمُّ القوم أقرأهم لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا سواءاً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 5 إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يؤم القوم أقرأهم لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا في القراءة سواءاً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا في السنة سواءاً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا في الهجرة سواءاً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا، وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يُقْعَدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ"، قَالَ الْأَشَجُّ فِي رِوَايَتِهِ: مَكَانُ: سِلْمًا، سِنًّا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، إلَّا أَنَّ الْحَاكِمَ قَالَ: عِوَضَ قَوْلِهِ: "فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ"، "فَأَفْقَهُهُمْ فِقْهًا، فَإِنْ كَانُوا فِي الفقه سواءاً، فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا"، انْتَهَى. قَالَ: وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ "أَفْقَهُهُمْ فِقْهًا"، وَهِيَ لَفْظَةٌ عَزِيزَةٌ غَرِيبَةٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ، وَسَنَدُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْر ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عن أوس بن صمعج عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، فَذَكَرَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ بِهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سواءاً، فَأَفْقَهُهُمْ فِي الدِّينِ، فَإِنْ كانوا في الفقه سواءاً، فأقرأهم لِلْقُرْآنِ، وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يُقْعَدُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَالْبَاقُونَ مِنْ الْأَئِمَّةِ يُخَالِفُونَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَيَقُولُونَ: إنَّ الْأَقْرَأَ لِكِتَابِ اللَّهِ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَالِمِ، كَمَا هُوَ لَفْظُ الْحَدِيثِ، حَتَّى إذَا اجْتَمَعَ مِنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ، وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ، وَفَقِيهٌ يَحْفَظُ يَسِيرًا مِنْ الْقُرْآنِ، قُدِّمَ حَافِظُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُمْ، وَنَحْنُ نَقُولُ: يُقَدَّمُ الْفَقِيهُ، وَأَجَابَ صَاحِبُ الْكِتَابِ: بِأَنَّ الْأَقْرَأَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانَ أَعْلَمُهُمْ، وَهَذَا يَرُدُّهُ لَفْظُ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ، وَيُؤَيِّدُ مَذْهَبَنَا لَفْظُهُ الثَّانِي، إلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ بِالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَيَشْهَدُ لِلْخَصْمِ أَيْضًا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ 1، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 2 عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا بِمَاءٍ، وَكَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا، فَنَسْأَلُهُمْ، مَا لِلنَّاسِ! مَا لِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُونَ: يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ، أَوْ أَوْحَى إلَيْهِ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمْ الْفَتْحَ، فَيَقُولُونَ: اُتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ، فَإِنَّهُ إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ، وَبَدَرَ أَبِي قَوْمَهُ بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ، قَالَ: جِئْتُكُمْ، وَاَللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ حَقًّا، فَقَالَ: صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا. وَصَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا، فَنَظَرُوا، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي، لِمَا كُنْت أَتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ 3 وَأَنَا ابن ست،
أَوْ سَبْعِ سِنِينَ، وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ إذَا سَجَدْت تَقَلَّصَتْ عَنِّي، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْحَيِّ: أَلَا تُغَطُّونَ عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ؟، فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا، فَمَا فَرِحْت بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيصِ، انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي الْبُخَارِيِّ لِعَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ شَيْئًا. الْحَدِيثُ الْحَادِي والستون: قال عليه السلام: "مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَالِمٍ تَقِيٍّ، فَكَأَنَّمَا صَلَّى خَلْفَ نَبِيٍّ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ 1" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا عَمِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى "ح" وَحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدِ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْأَزْدِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ الْوَرَّاقُ ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْأَسْلَمِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ 2" بْنِ مُوسَى عَنْ الْقَاسِمِ الشَّامِيِّ 3 عَنْ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنْ سَرَّكُمْ أَنْ تُقْبَلَ صَلَاتُكُمْ فَلْيَؤُمَّكُمْ عُلَمَاؤُكُمْ، فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ 4" عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: "فَلْيَؤُمَّكُمْ خِيَارُكُمْ"، وَسَكَتَ عَنْهُ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ5، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ6 فِي "سُنَنِهِمَا" مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ نَصْرٍ الْمُؤَدَّبِ عَنْ سَلَّامٍ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجْعَلُوا أَئِمَّتَكُمْ خِيَارَكُمْ، فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وحس ين بْنِ نَصْرٍ لَا يُعْرَفُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ: قال عليه السلام: "وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ 7 أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَا. وَصَاحِبٌ لِي، فَلَمَّا أَرَدْنَا الْإِقْفَالَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ لَنَا: "إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا"، انْتَهَى. "لِمُسْلِمٍ"، أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ عليه السلام: "صُلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 8" عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَصَلُّوا عَلَى كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَجَاهِدُوا مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَكْحُولٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَنْ دُونَهُ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ"، وَأَعَلَّهُ بِمُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الِانْقِطَاعِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي، وَقَالَ: إنَّهُ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ1 فِي كِتَابِ الْجِهَادِ"، وَضَعَّفَهُ بِأَنَّ مَكْحُولًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَفْظُهُ قَالَ: "الْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ، مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَالصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْكُمْ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ، وَالصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا بَيْنَ مَكْحُولٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخر عند الدَّارَقُطْنِيِّ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "سَيَلِيكُمْ مِنْ بَعْدِي وُلَاةٌ الْبَرُّ بِبِرِّهِ وَالْفَاجِرُ بِفُجُورِهِ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا فِيمَا وَافَقَ الْحَقَّ، وَصَلُّوا وَرَاءَهُمْ، فَإِنْ أَحْسَنُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ"، وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ اللَّهِ هَذَا، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ: "صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ"، فَقَالَ: مَا سَمِعْنَا بِهِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ3" عَنْ الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ يَقْظَانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الشَّامِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُكَفِّرُوا أَهْلَ مِلَّتِكُمْ، وَإِنْ عَمِلُوا الْكَبَائِرَ، وَصَلُّوا مَعَ كُلِّ إمَامٍ، وَجَاهِدُوا مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ، وَصَلُّوا عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ"، انْتَهَى. وَأَبُو سَعِيدٍ هَذَا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَجْهُولٌ، وَعُتْبَةُ، قَالَ ابْنُ الْجُنَيْدِ4: لَا يُسَاوِي شَيْئًا، وَالْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ، قَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَأَسْنَدَ إلَى ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الفضيل عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ مُجَاهِدٍ 5
عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَصَلُّوا وَرَاءَ مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِمُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: قَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُهُ يُشْبِهُ حَدِيثَ أَهْلِ الْكَذِبِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: كَانَ كَذَّابًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ" عَنْ سُوَيْد بْنِ عُمَرَ، وَعَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ" مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى وَاهِيَةٍ أَحَدُهَا: فِيهَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَنَسَبَهُ إلَى الْكَذِبِ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ. وَالْأُخْرَى: فِيهَا الْوَلِيدُ الْمَخْزُومِيُّ خَالِدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، وَنَسَبَهُ إلَى الْوَضْعِ عَنْ ابْنِ عَدِيٍّ. وَالْأُخْرَى: فِيهَا وَهْبُ بْنُ وَهْبٍ الْقَاضِي، وَنَسَبَهُ أَحْمَدُ إلى الوضع. والأخرى1: فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ الْعُثْمَانِيِّ، وَنُسِبَ إلَى الْوَضْعِ عَنْ ابْنِ عَدِيٍّ. وَابْنِ حِبَّانَ، وَحَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَحَدِيثُ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيِّ، كِلَاهُمَا فِي "سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ". حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ صبيح عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ. وَالْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "ثَلَاثٌ مِنْ السُّنَّةِ الصَّفُّ خَلْفَ كُلِّ إمَامٍ، لَك صَلَاتُك، وَعَلَيْهِ إثْمُهُ. وَالْجِهَادُ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ، لَك جِهَادُك، وَعَلَيْهِ شَرُّهُ. وَالصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ، وَإِنْ كَانَ قَاتِلَ نَفْسِهِ"، انْتَهَى. قَالَ: عُمَرُ بْنُ صَبِيحٍ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَفِي "تَحْقِيقِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ" قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ فُرَاتِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلْوَانَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ أَصْلِ الدِّينِ الصَّلَاةُ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَالْجِهَادُ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ، وَالصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ شَيْءٌ يَثْبُتُ، وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيُّ، رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ"، وَقَالَ: فُرَاتُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا، يَأْتِي بِمَا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ مَعْمُولٌ، لَكِنْ سَمَّاهُ فُرَاتُ بْنُ سُلَيْمٍ، وَالْحَارِثُ، فَقَالَ فِيهِ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: كَانَ كَذَّابًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ2" عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ الْفَضْلِ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْحَجَّاجِ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ مُكْرَمِ بْنِ حَكِيمٍ الْخَثْعَمِيِّ عَنْ سَيْفِ بْنِ مُنِيرٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُكَفِّرُوا أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَصَلُّوا خَلْفَ كُلِّ إمَامٍ، وَجَاهِدُوا مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ"، انْتَهَى. وَالْوَلِيدُ بْنُ الْفَضْلِ الْعَنَزِيُّ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ لَهُ": يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ الَّتِي لَا يُشَكُّ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَجْهُولٌ، وَمُكْرَمُ
بْنُ حَكِيمٍ، قَالَ الأزدي: ليس حديثه بِشَيْءٍ، وَسَيْفٌ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ أَمَّ قَوْمًا، فَلْيُصَلِّ بِهِمْ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ" 1، فَإِنَّ فِيهِمْ الْمَرِيضَ. وَالْكَبِيرَ. وَذَا الْحَاجَةِ"، قُلْت: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ. وَالسَّقِيمَ. وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ، فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "وَالْمَرِيضَ"، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "الصَّغِيرَ. وَالْكَبِيرَ. وَالضَّعِيفَ. وَالْمَرِيضَ. وَذَا الْحَاجَةِ 3". حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ 4 أَيْضًا عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَا أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلَانٌ، قَالَ: فَمَا رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ! إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ: الْكَبِيرَ. وَالضَّعِيفَ. وَذَا الْحَاجَةِ"، انْتَهَى. زَادَ فِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: "وَالْمَرِيضَ". حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 5 وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَا صَلَّيْت وَرَاءَ إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً، وَلَا أَتَمَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَفَّ النَّاسِ فِي تَمَامٍ، انْتَهَى. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: آخَرُ مَا عَهِدَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إذَا أَمَمْت قَوْمًا فَأَخِفَّ بِهِمْ الصَّلَاةَ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُ: أُمَّ قَوْمَك، "فَمَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الْكَبِيرَ، وَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ، وَإِنَّ فِيهِمْ الْمَرِيضَ، وَإِنَّ فِيهِمْ ذَا الْحَاجَةِ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: "حَدِيثُ مُعَاذٍ" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ6 وَمُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: صَلَّى مُعَاذٌ لِأَصْحَابِهِ الْعِشَاءَ، فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ، فَانْصَرَفَ رَجُلٌ مِنَّا، فَصَلَّى، فَأُخْبِرَ مُعَاذٌ عَنْهُ، فَقَالَ: إنَّهُ مُنَافِقٌ،
فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ فَتَّانًا يَا مُعَاذُ؟! إذَا أَمَمْت بِالنَّاسِ، فَاقْرَأْ "بِالشَّمْسِ وضحها. وَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك} . {وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى} " انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ1: أَنَّ مُعَاذًا افْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، الْحَدِيثَ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَانْحَرَفَ رَجُلٌ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ، وَانْصَرَفَ، الْحَدِيثَ، هَكَذَا رِوَايَاتُ الصَّحِيحَيْنِ إنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد 2أَنَّهَا كَانَتْ الْمَغْرِبَ أَخْرَجَهُ عَنْ حَزْمِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ أَتَى مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِقَوْمٍ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا مُعَاذُ! لَا تَكُنْ فَتَّانًا، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَك الْكَبِيرُ. وَالضَّعِيفُ. وَذُو الْحَاجَةِ. وَالْمُسَافِرُ" انْتَهَى. وَوَقَعَ فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ" أَنَّ السُّورَةَ كَانَتْ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر:1] ، وَالْمَشْهُورُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا" أَنَّهَا كَانَتْ "الْبَقَرَةُ"، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": فَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّهُمَا قِصَّتَانِ لِشَخْصَيْنِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي جَاءَ، قِيلَ فِيهِ: حَزْمٌ، وَقِيلَ فِيهِ: حَازِمٌ، وَقِيلَ: حزام، وقيل: سليم 3، فلعل ذَلِكَ كَانَ فِي وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ مُعَاذًا لَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ النَّهْيِ، وَيَبْعُدُ أَنْ يَنْسَاهُ، وَرَدَّ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةَ "الْمَغْرِبِ"، وَقَالَ: إنَّ رِوَايَاتِ "الْعِشَاءِ" أَصَحُّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، لَكِنَّ الْجَمْعَ أَوْلَى، وَلَعَلَّهُ قَرَأَ "الْبَقَرَةَ" فِي رَكْعَةٍ، فَانْصَرَفَ رَجُلٌ، ثُمَّ قَرَأَ {اقْتَرَبَتْ} فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى، فَانْصَرَفَ آخَرُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ مُسْلِمٍ: أَنَّهُ سَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ، فَأَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ 4 إلَى أَنَّهَا شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، هَلْ حُفِظَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَمْ لَا؟ لِكَثْرَةِ مَنْ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بِدُونِهَا، وَانْفَرَدَ بِهَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ، انْتَهَى. وَرَوَى النَّسَائِيّ فِي "التَّفْسِيرِ" حَدِيثَ معاذ، وسمى الرجل: حرام "أَعْنِي الْمُنْصَرِفَ". الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَمَّتْ نِسْوَةً فِي الْمَكْتُوبَةِ. فَقَامَتْ بَيْنَهُنَّ وَسَطًا، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ 5" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَذِّنُ وَتُقِيمُ، وَتَؤُمُّ النِّسَاءَ، فَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ، انتهى. وَسَكَتَ عَنْهُ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ1" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ حَبِيبٍ النَّهْدِيِّ عَنْ رَيْطَةَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ عَائِشَةَ أَمَّتْهُنَّ، وَقَامَتْ بَيْنَهُنَّ فِي صَلَاةِ مَكْتُوبَةٍ، انْتَهَى. وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، وَلَفْظُهُمَا: فَقَامَتْ بَيْنَهُنَّ وَسَطًا، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": سَنَدُهُ صَحِيحٌ. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ3" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَؤُمُّ النِّسَاءَ، تَقُومُ مَعَهُنَّ فِي الصَّفِّ انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِهِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَؤُمُّ النِّسَاءَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَتَقُومُ وَسَطًا، انْتَهَى. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا". وَالشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ4" قَالُوا ثَلَاثَتُهُمْ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عن عمار الذهبي عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ قَوْمِهِ، يُقَالُ لَهَا: حُجَيْرَةُ بِنْتُ حُصَيْنٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا أَمَّتْهُنَّ، فَقَامَتْ وَسَطًا، انْتَهَى. وَلَفْظُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَتْ: أَمَّتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ، فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، فَقَامَتْ بَيْنَنَا، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ النَّوَوِيُّ: سَنَدُهُ صَحِيحٌ. طَرِيقٌ آخَرُ "لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ 5": حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أُمِّ الْحَسَنِ6 أَنَّهَا رَأَتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَؤُمُّ النِّسَاءَ7، فَتَقُومُ مَعَهُنَّ فِي صَفِّهِنَّ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ لَيْلَى بِنْتِ مَالِكٍ. وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ نَوْفَلَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا غَزَا بَدْرًا، قَالَتْ: قُلْت لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِي الْغَزْوِ مَعَكَ، أُمَرِّضُ مَرَضَاكُمْ، لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُنِي شَهَادَةً، قَالَ: "قُومِي فِي بَيْتِك، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْزُقُك الشَّهَادَةَ"، قَالَ: فَكَانَتْ تُسَمَّى: الشَّهِيدَةَ، قَالَ: وَكَانَتْ قَدْ قَرَأَتْ الْقُرْآنَ، فَاسْتَأْذَنَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَتَّخِذَ فِي دَارِهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا، قَالَ: وَكَانَتْ دَبَّرَتْ غُلَامًا لَهَا. وَجَارِيَةً، فَقَامَا إلَيْهَا بِاللَّيْلِ، فَغَمَّاهَا بِقَطِيفَةٍ لَهَا حَتَّى مَاتَتْ، وَذَهَبَا، فَأَصْبَحَ عُمَرُ، فَقَامَ
فِي النَّاسِ، فَقَالَ: مَنْ عِنْدَهُ مِنْ هَذَيْنِ عِلْمٌ، أَوْ من رآهما، فليجيء بِهِمَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَصُلِبَا، فَكَانَا أَوَّلَ مَصْلُوبٍ بِالْمَدِينَةِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا فِي بَيْتِهَا، وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا، وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَّادٍ: فَأَنَا رَأَيْت مُؤَذِّنَهَا شَيْخًا كَبِيرًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ1"، وَلَفْظُهُ: وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا فِي الْفَرَائِضِ، وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ فِي الْبَابِ حَدِيثًا مُسْنَدًا غَيْرَ هَذَا، وَقَدْ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِالْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ، فِيهِ مَقَالٌ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ "الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَّادٍ، لَا يُعْرَفُ حَالُهُمَا، انْتَهَى. قُلْت: ذَكَرَهُمَا ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ". وَأَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي "كِتَابِ الْأَذَانِ" عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الْأَيْلِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ، وَلَا إقَامَةٌ، وَلَا جُمُعَةٌ، وَلَا اغْتِسَالٌ، وَلَا تَتَقَدَّمُهُنَّ امْرَأَةٌ، وَلَكِنْ تَقُومُ وَسَطَهُنَّ"، انْتَهَى. ثُمَّ أَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَلَا مَأْمُونٍ، وَعَنْ الْبُخَارِيِّ، قَالَ: تَرَكُوهُ، وَعَنْ النَّسَائِيّ، قَالَ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَكَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يُوهِنُهُ2، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَنْكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" فَقَالَ: وَحَكَى أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ، وَلَا إقَامَةٌ"، وَهَذَا لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَرَدَّهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ، رَوَاهُ عَبْدُ الرزاق في "مصنه 3" أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ، تَقُومُ فِي وَسَطِهِنَّ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَحَمَلَ فِعْلَهَا الْجَمَاعَةُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، قَالَ السُّرُوجِيُّ: وَهَكَذَا فِي "الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ"، وَفِيهِ: بُعْدٌ، لِأَنَّهُ عليه السلام أَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ4 وَمُسْلِمٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَ5 عَائِشَةَ بِالْمَدِينَةِ، وَبَنَى بِهَا، وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ، وَبَقِيَتْ عِنْدَهُ
عليه السلام تِسْعَ سِنِينَ، وَمَا تُصَلِّي إمَامًا، إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهَا، فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ حَمْلُهُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ؟!، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَفَعَلْنَ ذَلِكَ حِينَ كَانَ النِّسَاءُ يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَاتِ، ثُمَّ نُسِخَتْ جَمَاعَتُهُنَّ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ1" عَنْ كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّيْلِ، فَأَطْلَقَ الْقِرْبَةَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَوْكَأَ الْقِرْبَةَ، ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ، فَقُمْت فَتَوَضَّأْت، كَمَا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْت فَقُمْت عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَنِي بِيَمِينِهِ فَأَدَارَنِي مِنْ وَرَائِهِ، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّيْت مَعَهُ، انْتَهَى. أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَمَّ اثْنَيْنِ، فَتَوَسَّطَهُمَا، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ2" عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ. وَالْأَسْوَدِ أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: أَصَلَّى مَنْ خَلْفَكُمْ؟ قَالَا: نَعَمْ، فَقَامَ بَيْنَهُمَا، فَجَعَلَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ. وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ رَكَعْنَا، فَوَضَعْنَا أَيْدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا، ثُمَّ طَبَقَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ، فَلَمَّا صَلَّى، قَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ التَّطْبِيقَ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: اسْتَأْذَنَ عَلْقَمَةُ. وَالْأَسْوَدُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَأَذِنَ لَهُمَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ التَّوْقِيفُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ صَلَّى كَذَلِكَ بِعَلْقَمَةَ. وَالْأَسْوَدِ، قَالَ: وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أبو عمرو قَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَلَّمَ هَذِهِ الصَّلَاةَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَفِيهَا التَّطْبِيقُ، وَأَحْكَامٌ أُخْرَى، هِيَ الْآنَ مَتْرُوكَةٌ، وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ تَرَكَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": الثَّابِتُ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقُلْ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 مَرْفُوعًا بِسَنَدٍ فِيهِ هَارُونُ
بْنُ عَنْتَرَةَ، وَهُوَ وَإِنْ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ. وَابْنُ مَعِينٍ، فَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ مَتْرُوكٌ، كَانَ يَكْذِبُ، وَهَذَا جَرْحٌ مُفَسَّرٌ، فَيُقَدَّمُ عَلَى التَّعْدِيلِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ ابْنِ الْأَسْوَدِ بِهِ، وَابْنُ إسْحَاقَ مَشْهُورٌ بِالتَّدْلِيسِ، وَقَدْ عَنْعَنَ، وَالْمُدَلِّسُ إذَا عَنْعَنَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: كَأَنَّهُمَا ذَهِلَا، فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ مِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ، لَمْ يَرْفَعْهُ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَرَفَعَهُ فِي الثَّالِثَةِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ فِيهِ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ، قَالَ فِي "جَامِعِهِ": وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ، فَقَامَ بَيْنَهُمَا، قَالَ: وَرَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ1 وَأَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْت أَنَا. وَعَلْقَمَةُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بِالْهَاجِرَةِ، فَلَمَّا زَالَتْ الشَّمْسُ أَقَامَ الصَّلَاةَ، فَقُمْت أَنَا وَصَاحِبِي خَلْفَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ صَاحِبِي، فَجَعَلَنَا عَنْ يَمِينِهِ. وَيَسَارِهِ، وَقَامَ بَيْنَنَا2، وَقَالَ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ، إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً، انْتَهَى. وَضَعُفَ بِابْنِ إسْحَاقَ، وَقَدْ عَنْعَنَ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ الْآتِي ذِكْرُهُ عَقِيبَ هَذَا الْحَدِيثِ. الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ لِضِيقِ الْمَسْجِدِ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ 3" بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَرَى ابْنَ مَسْعُودٍ فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا لِضِيقِ الْمَسْجِدِ، أَوْ لِعُذْرٍ آخَرَ، لَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ، انْتَهَى. وَالثَّالِثُ: ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، قَالَ: وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَدْ قَالَ فِيهِ ابْنُ سِيرِينَ: إنَّهُ كَانَ لِضِيقِ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ4 رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي. وَأَبُو ذَرٍّ عَنْ يَمِينِهِ، كُلُّ وَاحِدٍ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ، فَقَامَ ابْنُ مَسْعُودٍ خَلْفَهُمَا، فَأَوْمَأَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ، فَظَنَّ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ الْمَوْقِفِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَؤُمُّهُمَا، وَعَلَّمَهُ أَبُو ذَرٍّ، حَتَّى قَالَ، فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ: يُصَلِّي كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا لِنَفْسِهِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى تَرْجِيحِ رِوَايَةِ غَيْرِهِ عَلَى رِوَايَتِهِ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ، وَالْقَائِلِينَ بِهِ، وَبِسَلَامَتِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَنْسُوخَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ5": وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَلَّمَ هَذِهِ الصَّلَاةَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَفِيهَا التَّطْبِيقُ، وَأَحْكَامٌ أُخْرَى هِيَ الْآنَ مَتْرُوكَةٌ، وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ تَرَكَهُ، بِدَلِيلِ مَا أَخْرَجَهُ مسلم6 عن عبادة الْوَلِيدِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سِرْت
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَقَامَ يُصَلِّي، قَالَ: فَجِئْت حَتَّى قُمْت عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَجَاءَ ابْنُ صَخْرٍ حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَنَا بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ، انْتَهَى. قَالَ: وَهَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ هُوَ الآخر، لأن جابراً إنَّمَا شَهِدَ الْمَشَاهِدَ الَّتِي كَانَتْ بَعْدَ بَدْرٍ، ثُمَّ فِي قِيَامِ ابْنِ صَخْرٍ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ كَانَ مَشْرُوعًا، وَأَنَّ ابْنَ صَخْرٍ كَانَ يَسْتَعْمِلُ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ حَتَّى مُنِعَ مِنْهُ، وَعَرَفَ الْحُكْمَ الثَّانِيَ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقَدَّمَ عَلَى أَنَسٍ، وَالْيَتِيمِ حِينَ صَلَّى بِهِمَا، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ1، إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَلْأُصَلِّ لَكُمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْت إلَى حَصِيرٍ لَنَا، قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِثَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَفَفْت أنا. واليتيم ورواءه، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، انْتَهَى. وَالْيَتِيمُ، هُوَ: ضُمَيْرَةُ بْنُ أَبِي ضُمَيْرَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَهُ، وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَوْلُهُ: جَدَّتُهُ مُلَيْكَةُ، مَالِكٌ يَقُولُهُ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى إسْحَاقَ، وَهِيَ جَدَّةُ إسْحَاقَ2 أُمِّ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَهِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ زَوْجُ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَهِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى أَنَسٍ، وَهُوَ الْقَائِلُ: إنَّ جَدَّتَهُ، وَهِيَ جَدَّةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أُمُّ أُمِّهِ، وَاسْمُهَا مُلَيْكَةُ بِنْتُ مَالِكٍ بْنِ عَدِيٍّ، وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: إنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَهَا، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَذَكَرَهُ، وَأُمُّ سُلَيْمٍ هِيَ أُمُّ أَنَسٍ، جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا فِي "الْبُخَارِيِّ"، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": الضَّمِيرُ فِي جَدَّتِهِ لِإِسْحَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ، وَجَدَّةُ إسْحَاقَ، وَقِيلَ: جَدَّةُ أَنَسٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَهِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ، صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ، وَالْيَتِيمُ، هُوَ: ضُمَيْرَةُ3 بْنُ سَعْدٍ الْحِمْيَرِيُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُمْت عَنْ يَسَارِهِ. فَأَخَذَ بِيَدِي، فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ، فَقَامَ عَنْ
يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا، فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ، مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي "آخَرِ مُسْلِمٍ1" وَهُوَ عَقِيبُ حَدِيثِ: أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وَهُوَ فِي "مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ" مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ الرِّجَالُ. وَالنِّسَاءُ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ يُصَلُّونَ جَمِيعًا، فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْبَسُ الْقَالِبَيْنِ. فَتَقُومُ عَلَيْهِمَا، فَتُوَاعِدُ خَلِيلَهَا، فَأُلْقِيَ عَلَيْهِنَّ الْحَيْضُ، فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ، قِيلَ: فَمَا الْقَالِبَانِ؟ قَالَ: أَرْجُلٌ مِنْ خَشَبٍ يَتَّخِذُهَا النِّسَاءُ، يَتَشَرَّفْنَ الرِّجَالَ فِي الْمَسَاجِدِ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، قَالَ السُّرُوجِيُّ فِي "الْغَايَةِ": كَانَ شَيْخُنَا الصَّدْرُ سُلَيْمَانُ يَرْوِيهِ: الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ، وَالنِّسَاءُ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ، وَأَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ، وَيَعْزُوهُ إلَى "مُسْنَدِ رَزِينٍ"، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْجَاهِلُ أَنَّهُ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ". وَقَدْ تَتَبَّعْته فَلَمْ أَجِدْهُ فِيهِ، لَا مَرْفُوعًا. وَلَا مَوْقُوفًا، وَاَلَّذِي فِيهِ مَرْفُوعًا: الْخَمْرُ جِمَاعُ الْإِثْمِ، وَالنِّسَاءُ حِبَالَةُ الشَّيْطَانِ، وَالشَّبَابُ شُعْبَةٌ مِنْ الْجُنُونِ، لَيْسَ فِيهِ: أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ أَصْلًا. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ2، إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ3" عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا: يَا مَعْشَرَ الْأَشْعَرِيِّينَ! اجْتَمِعُوا، وَاجْمَعُوا نِسَاءَكُمْ. وَأَبْنَاءَكُمْ، حَتَّى أُرِيكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاجْتَمَعُوا، وَجَمَعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَأَرَاهُمْ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ تَقَدَّمَ، فَصَفَّ الرِّجَالَ فِي أَدْنَى الصَّفِّ، وَصَفَّ الْوِلْدَانَ خَلْفَهُمْ، وَصَفَّ النِّسَاءَ خَلْفَ الصِّبْيَانِ، الْحَدِيثُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ لَيْثِ4 بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى، فَأَقَامَ الرِّجَالُ يَلُونَهُ، وَأَقَامَ الصِّبْيَانُ خَلْفَ ذَلِكَ، وَأَقَامَ النِّسَاءُ خَلْفَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ".
الْحَدِيثُ السَّبْعُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 وَأَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 وَأَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ" مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ3 قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينَا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَيَمْسَحُ عَوَاتِقَنَا، وَيَقُولُ: "أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، وَلِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى قَوْلِهِ: وَيَصُفُّ الرِّجَالَ، ثُمَّ الصِّبْيَانَ، ثُمَّ النِّسَاءَ، وَلَا يَنْهَضُ ذَلِكَ إلَّا عَلَى تَقْدِيمِ الرِّجَالِ فَقَطْ، أَوْ نَوْعٍ مِنْ الرِّجَالِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَرَوَى الحارث بن أُسَامَةَ فِي "مُسْنَدِهِ4" حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ5 عَنْ لَيْثٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُفُّهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَيَجْعَلُ الرِّجَالَ قُدَّامَ الْغِلْمَانِ، وَالْغِلْمَانَ خَلْفَهُمْ، وَالنِّسَاءَ خَلْفَ الْغِلْمَانِ، مُخْتَصَرٌ. قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا عُرِفَتْ مَفْسَدَةٌ بِالنَّصِّ6" يَعْنِي الْمَرْأَةَ"، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ، وَفِيهِ مَعَ ضَعْفِهِ بُعْدٌ.
أَحَادِيثُ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد1 وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ. فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا2 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، قَالَ: أَخَذَ زِيَادُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ بِيَدِي. وَنَحْنُ بِالرَّقَّةِ، فَقَامَ بِي عَلَى شَيْخٍ، يُقَالُ لَهُ: وَابِصَةُ، فَقَالَ زِيَادٌ: حَدَّثَنِي هَذَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخُ يَسْمَعُ: أَنَّ رَجُلًا صَلَّى، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، قَالَ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ3: حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ أَصَحُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَدِيثُ حُصَيْنٍ أَصَحُّ، وَهُوَ عِنْدِي أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو، لِأَنَّهُ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ هِلَالِ عَنْ زِيَادِ عَنْ وَابِصَةَ، انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ: أَخْبَرَنِي هَذَا الشَّيْخُ، فَكَأَنَّ هِلَالًا رَوَاهُ عَنْ وَابِصَةَ نَفْسِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" بِالْإِسْنَادَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَهِلَالُ بْنُ يَسَافٍ سَمِعَهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ. وَمِنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ وَابِصَةَ. فَالْخَبَرَانِ مَحْفُوظَانِ. وَلَيْسَ هَذَا الْخَبَرُ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ هِلَالُ بْنِ يَسَافٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ يَزِيدَ4 بْنِ زِيَادٍ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ عَمِّهِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِيهِ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ وَابِصَةَ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" بِالْأَسَانِيدِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ، فَإِنَّ عَمْرَو بْنَ رَاشِدٍ رَجُلٌ لَا يُعْلَمُ حَدَّثَ إلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ مَعْرُوفًا بِالْعَدَالَةِ، فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ حُصَيْنٍ، فَإِنَّ حُصَيْنًا لَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ، فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ فِي حُكْمٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، فَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا وَهُوَ يُضَعِّفُ أَخْبَارَهُ، فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ وَابِصَةَ، وَهِلَالٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ وَابِصَةَ، فَأَمْسَكْنَا عَنْ ذِكْرِهِ لِإِرْسَالِهِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَإِنَّمَا لَمْ يُخْرِجَاهُ صَاحِبَا الصَّحِيحِ، لِمَا وَقَعَ فِي إسْنَادِهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَسَانِيدَ الثَّلَاثَةَ5. حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخَصْمِ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ6 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْنَا وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ رَأَى رَجُلًا فَرْدًا يُصَلِّي خَلْفَ
الصَّفِّ، قَالَ: فَوَقَفَ عَلَيْهِ نَبِيُّ اللَّهِ حِينَ انْصَرَفَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "اسْتَقْبِلْ صَلَاتَك، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ"، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، إنَّمَا حَدَّثَ عَنْهُ مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو. وَمُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، فَأَمَّا مُلَازِمٌ، فَقَدْ اُحْتُمِلَ حَدِيثُهُ، وَإِنْ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ، وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، فَقَدْ سَكَتَ النَّاسُ عَنْ حَدِيثِهِ، وَعَلِيُّ بْنُ شَيْبَانُ لَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ إلَّا ابْنُهُ، وَابْنُهُ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَإِنَّمَا يرتفع جَهَالَةُ الْمَجْهُولِ إذَا رَوَى عَنْهُ ثِقَتَانِ مَشْهُورَانِ، فَأَمَّا إذَا رَوَى عَنْهُ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ حُجَّةً، وَلَا ارْتَفَعَتْ جَهَالَتُهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ شَيْبَانُ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَلَا يُعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ عِكْرِمَةَ إلَّا النَّضْرُ، وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَى أَحَادِيثَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ضَعِيفٌ جِدًّا، فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَقَدْ عَارَضَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَخْبَارٌ ثَابِتَةٌ دَلَّتْ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الَّذِي يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنْ جَاءَ رَجُلٌ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا، فَلْيَخْتَلِجْ إلَيْهِ رَجُلًا مِنْ الصَّفِّ، فَلْيَقُمْ مَعَهُ، فَمَا أَعْظَمُ أَجْرَ الْمُخْتَلِجِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ1. الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى الْجَوَازِ:أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ2" عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ دَبَّ حَتَّى انْتَهَى إلَى الصَّفِّ، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ: "إنِّي سَمِعْت نَفَسًا عَالِيًا، فَأَيُّكُمْ الَّذِي رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ مَشَى إلَى الصَّفِّ"؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، خَشِيتُ أَنْ تَفُوتَنِي الرَّكْعَةُ، فَرَكَعْتُ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ لَحِقْت الصَّفَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "زَادَك اللَّهُ حِرْصًا، وَلَا تَعُدْ"، انْتَهَى. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ عليه السلام بِالْإِعَادَةِ فِي حَدِيثِ وَابِصَةَ لَيْسَ عَلَى الْإِيجَابِ، وَلَكِنْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ: "وَلَا تَعُدْ" إنَّمَا هُوَ إرْشَادٌ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُجْزِئًا، لِأَمْرِهِ بِالْإِعَادَةِ، وَالنَّهْيُ إنَّمَا وَقَعَ عَنْ السُّرْعَةِ، وَالْعَجَلَةِ إلَى الصَّلَاةِ، كَأَنَّهُ أَحَبَّ لَهُ أَنْ
يَدْخُلَ فِي الصَّفِّ، وَلَوْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ، وَلَا يُعَجِّلُ بِالرُّكُوعِ دُونَ الصَّفِّ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِيهِ، وَفِي "كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ": "وَلَا تَعُدْ، صَلِّ مَا أَدْرَكْت وَاقْضِ مَا سُبِقْت"، انْتَهَى. فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ1 دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ، وَيُقَوِّيهَا حَدِيثُ: "فَأْتُوا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا"، وَقِيلَ: وَقَعَ عَلَى التَّأَخُّرِ عَنْ الصَّلَاةِ2 حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ، وَفِيهِ: فَصَفَفْت أَنَا. وَالْيَتِيمُ خَلْفَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا3 وَأَحْكَامُ الرِّجَالِ. وَالنِّسَاءِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": وَقَدْ وَهِمَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا4 أَنَّ الْعَجُوزَ لَمْ تَكُنْ وَحْدَهَا، وَإِنَّمَا كَانَ مَعَهَا أُخْرَى.
حَدِيثٌ أَخْبَرَنَا بِهِ الْحُسَيْنُ1 فَذَكَرَهُ بِسَنَدِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ2 قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بِسَاطٍ، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَقَامَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ. وَأُمُّ حَرَامٍ خَلْفَنَا، انْتَهَى. قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ فِي وقتين مختلفتين، فَتِلْكَ الصَّلَاةُ كَانَتْ عَلَى حَصِيرٍ3، وَقَامَ فِيهَا أَنَسٌ. وَالْيَتِيمُ مَعَهُ خَلْفَ الْمُصْطَفَى، وَالْعَجُوزُ وَحْدَهَا وَرَاءَهُمْ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ كَانَتْ عَلَى بِسَاطٍ، وَقَامَ فِيهَا أَنَسٌ عَنْ يَمِينِ الْمُصْطَفَى، وَأُمُّ سُلَيْمٍ، وَأُمُّ حَرَامٍ خَلْفَهُمَا، فَكَانَتَا صَلَاتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام: صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4 وَمُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْت لَهَا: أَلَا تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: بَلَى، لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَصَلَّى النَّاسُ"؟ قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَك لِلصَّلَاةِ، قَالَ: "ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ"، فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: "أَصَلَّى النَّاسُ". فَقُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: "ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ"، فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: "أَصَلَّى النَّاسُ"؟ فَقُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: "أَصَلَّى النَّاسُ"؟ فَقُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَتْ: وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا رَقِيقًا، فَقَالَ: يَا عُمَرُ صَلِّ أَنْتَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ، قَالَتْ: فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ، لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ، وَقَالَ لَهُمَا: أَجْلِسَانِي إلَى جَنْبِهِ، فَأَجْلَسَاهُ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ
فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي، وَهُوَ قَائِمٌ1 بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَعَرَضْت عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثَ عَائِشَةَ، فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَسَمَّتْ لَك الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ؟ قُلْت: لَا، قَالَ: هُوَ عَلِيٌّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، إلَى أَنْ قَالَ: فَكَانَ عليه السلام بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ يُصَلِّي قَاعِدًا، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ قَائِمًا، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّاسُ قِيَامٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ لَهُمْ: حَدِيثُ "إذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ، وَبَاقِي السِّتَّةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، إلَى أَنْ قَالَ: وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا،
فَصَلُّوا قُعُودًا"، وَأَخْرَجَا1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ"، الْحَدِيثَ، لَيْسَ فِيهِ قِصَّةُ الْفَرَسِ، وَأَخْرَجَا2 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعُودُونَهُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا، فَصَلُّوا بِصَلَاتِهِ قِيَامًا. فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا، فَجَلَسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ3 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ4" حَدِيثَ أَنَسٍ الْمَذْكُورَ، مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْهُ، مُخَالِفًا لِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ. وَلَفْظُهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَجُحِشَتْ سَاقُهُ، أَوْ كَتِفُهُ، وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَجَلَسَ فِي مَشْرَبَةٍ لَهُ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا، وَهُمْ قِيَامٌ، فَلَمَّا سَلَّمَ: قَالَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا"، وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّك آلَيْتَ شَهْرًا؟ فَقَالَ: "إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي السُّطُوحِ" مُنْفَرِدًا بِهِ، دُونَ الْبَاقِينَ، وَتَكَلَّفَ الْقُرْطُبِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ" الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، فَقَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ: صَلُّوا قِيَامًا. وَالْبَعْضُ صَلُّوا جُلُوسًا، فَأَخْبَرَ أَنَسُ بِالْحَالَتَيْنِ، وَهَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّعَسُّفِ، لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ مَا يُسَاعِدُهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ صَلُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا. فَلَمَّا شَعَرَ بِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِالْجُلُوسِ، فَجَلَسُوا، فَرَآهُمْ أَنَسٌ عَلَى الْحَالَتَيْنِ، فَأَخْبَرَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، مُخْتَصِرًا لِلْأُخْرَى، لَمْ يَذْكُرْ الْقِصَّةَ بِتَمَامِهَا، يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمَانِ. الثَّانِي: وَهُوَ الْأَظْهَرُ: أَنَّهُمَا كَانَا فِي وَقْتَيْنِ، وَإِنَّمَا أَقَرَّهُمْ عليه السلام فِي إحْدَى الْوَاقِعَتَيْنِ عَلَى قِيَامِهِمْ خَلْفَهُ، لِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ كَانَتْ تَطَوُّعًا، والتطوعات يحتمل فيها مالا يُحْتَمَلُ فِي الْفَرَائِضِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ5" عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا بِالْمَدِينَةِ، فَصَرَعَهُ عَلَى جِذْمِ نَخْلَةٍ، فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ، فَأَتَيْنَاهُ نَعُودُهُ، فَوَجَدْنَاهُ فِي مَشْرَبَةٍ لِعَائِشَةَ، يُسَبِّحُ جَالِسًا، قَالَ: فَقُمْنَا خَلْفَهُ، فَسَكَتَ عَنَّا، ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى نَعُودُهُ، فَصَلَّى الْمَكْتُوبَةَ جَالِسًا، فَقُمْنَا
خَلْفَهُ، فَأَشَارَ إلَيْنَا فَقَعَدْنَا، قَالَ: فَلَمَّا قضى الصلاة، قال: "وإذا صَلَّى الْإِمَامُ جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا، وَلَا تَفْعَلُوا، كَمَا تَفْعَلُ فَارِسُ بِعُظَمَائِهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا فِي حَدِيثِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ قَاعِدًا وَهُمْ قِيَامٌ، أَنَّهُ إنَّمَا كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ سُبْحَةً، فَلَمَّا حَضَرَتْ الْفَرِيضَةُ أَمَرَهُمْ بِالْجُلُوسِ، فَجَلَسُوا، فَكَانَ أَمْرَ فَرِيضَةٍ1 لَا فَضِيلَةٍ، انْتَهَى. قُلْت: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّطَوُّعَاتِ يُحْتَمَلُ فيها مالا يُحْتَمَلُ فِي الْفَرَائِضِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إيَّاكِ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كان لابد، فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَأَصْحَابُنَا يَجْعَلُونَ أَحَادِيثَ: " إذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا"، مَنْسُوخَةً بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمَ: أَنَّهُ صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ، وَبِحَدِيثِ: "لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا"، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ، لَكِنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَقَعَ فِيهِ اضْطِرَابٌ لَا يَقْدَحُ فِيهِ، فَاَلَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ إمَامًا. وَأَبُو بَكْرٍ مأموم، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ الْعَكْسُ، كَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 وَالنَّسَائِيُّ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ أَيْضًا4 عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْقَوْمِ، صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، انْتَهَى. وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَارِضُ مَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ، مَعَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ جَمَعُوا بَيْنَهُمَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَامًا هِيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ، يَوْمَ السَّبْتِ5 أَوْ الْأَحَدِ، وَاَلَّتِي كَانَ فِيهَا مَأْمُومًا هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ، مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ،
وَهِيَ آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا عليه السلام، حَتَّى خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا، قَالَ: وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا يَثْبُتُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ فِي صَلَاتِهِمْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَكَشْفِهِ عليه السلام السِّتْرَ، ثُمَّ إرْخَائِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، ثُمَّ إنَّهُ عليه السلام وَجَدَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ فَأَدْرَكَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي "الْمَغَازِي" عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ1 أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْلَعَ عَنْهُ الْوَعْكُ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ، فَغَدَا إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ مُتَوَكِّئًا عَلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ. وَغُلَامٍ لَهُ، وَقَدْ سَجَدَ النَّاسُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، حَتَّى قَامَ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبِهِ، فَقَدَّمَهُ فِي مُصَلَّاهُ فَصَفَّا2 جَمِيعًا، وَرَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ، وَأَبُو بَكْرٍ يَقْرَأُ، فَرَكَعَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قَضَى سُجُودَهُ، فَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَةَ الْأُخْرَى، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى جِذْعٍ مِنْ جُذُوعِ الْمَسْجِدِ، فَذَكَر الْقِصَّةَ فِي دُعَائِهِ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَعَهْدِهِ إلَيْهِ فِيمَا بَعَثَهُ فِيهِ، ثُمَّ فِي وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَالصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّاهَا أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ مَأْمُومٌ، هِيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ، وَهِيَ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا بَيْنَ الْعَبَّاسِ. وَعَلِيٍّ، وَاَلَّتِي كَانَ فِيهَا إمَامًا، هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ، وَهِيَ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا بَيْنَ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ. وَغُلَامٍ لَهُ، وَفِيهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ، انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ. قُلْت: وَحَدِيثُ كَشْفِ السِّتَارَةِ فِي "الصَّحِيحَيْنِ3"، وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، أَخْرَجَاهُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فِي وَجَعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ،
وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ، كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ، فَنَظَرَ إلَيْنَا، وَهُوَ قَائِمٌ، كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا، قَالَ: فَبُهِتْنَا، وَنَحْنُ فِي الصَّلَاةِ فَرَحًا بِرَسُولِ اللَّهِ، وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَارِجٌ لِلصَّلَاةِ، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ بِيَدِهِ، أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، ثُمَّ دَخَلَ، وَأَرْخَى السِّتْرَ، وَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ1": أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ2" بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ
عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ زَائِدَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ الصَّحِيحَيْنِ،
ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ1 عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ بِهِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّفِّ خَلْفَهُ، انْتَهَى. قَالَ: فَهَذَا شُعْبَةُ قَدْ خَالَفَ زَائِدَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَهُمَا ثَبْتَانِ حَافِظَانِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أُغْمِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: "أَصُلِّيَ بِالنَّاسِ"؟ قُلْنَا: لَا، الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ: فَخَرَجَ بَيْنَ ثُوَيْبَةَ. وَبَرِيرَةَ، فَأَجْلَسَتَاهُ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، وَهُوَ جَالِسٌ، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمٌ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ خَالَفَ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ، عَاصِمَ بْنَ أَبِي النَّجُودِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا، قَالَ وَعَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ. وَنُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ حَافِظَانِ ثِقَتَانِ. قَالَ: وَأَقُولُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: إنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ كُلَّهَا صَحِيحَةٌ، لَيْسَ فِيهَا تَعَارُضٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ صَلَاتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ2: فِي إحْدَاهُمَا: كَانَ إمَامًا، وَفِي الْأُخْرَى كَانَ مَأْمُومًا، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ فِي خَبَرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه السلام خَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ: الْعَبَّاسِ. وَعَلِيٍّ، وَفِي خَبَرِ مَسْرُوقٍ عَنْهُمَا: أَنَّهُ عليه السلام خَرَجَ بَيْنَ: بَرِيرَةَ.
وَثُوَيْبَةَ1 انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ الْبُخَارِيِّ2 مَا يَقْتَضِي الْمَيْلَ إلَى أَنَّ حَدِيثَ: إذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا، مَنْسُوخٌ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ عليه السلام آخِرُ مَا صَلَّى صَلَّى قَاعِدًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ، فَالْآخِرُ مِنْ فِعْلِهِ عليه السلام، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ لَمْ يَرَ بِالنَّسْخِ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ فِي "صَحِيحِهِ": وَفِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا صَلَّى قَاعِدًا، كَانَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُصَلُّوا قُعُودًا، وَأَفْتَى بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ3: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَأُسَيْدُ بْنُ حضير4. وقيس بن قهد، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ هَذَا، بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ. وَلَا مُنْقَطِعٍ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَالْإِجْمَاعُ عِنْدَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ أَفْتَى بِهِ مِنْ التَّابِعِينَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ التَّابِعِينَ خِلَافُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَلَا وَاهٍ. فَكَانَ إجْمَاعًا مِنْ التَّابِعِينَ أَيْضًا، وَأَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ ذَلِكَ فِي الْأُمَّةِ: الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ، وَأَخَذَ عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، ثُمَّ أَخَذَهُ عَنْ حَمَّادٍ أَبُو حَنِيفَةَ، ثُمَّ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَأَعْلَى حَدِيثٍ احْتَجُّوا بِهِ، حَدِيثٌ5 رَوَاهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ عليه السلام: "لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا"، وَهَذَا لَوْ صَحَّ إسْنَادُهُ لَكَانَ مُرْسَلًا، وَالْمُرْسَلُ عِنْدَنَا. وَمَا لَمْ يُرْوَ سِيَّانِ، لِأَنَّا لَوْ قَبِلْنَا إرْسَالَ تَابِعِيٍّ. وَإِنْ كَانَ ثِقَةً، للزمنا قَبُولُ مِثْلِهِ عَنْ أَتْبَاعِ التابعين، وإذا قلنا: لزمنا قَبُولُهُ مِنْ أَتْبَاعِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، وَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى أَنْ يُقْبَلَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، إذَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي هَذَا نَقْضُ الشَّرِيعَةِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ أبا حنيفة يجرح جابر الْجُعْفِيِّ وَيُكَذِّبُهُ، ثُمَّ لَمَّا أَخْطَرَهُ الْأَمْرُ جَعَلَ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَنَا بِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْقَطَّانُ بِالرَّقَّةِ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ6 سَمِعْت أَبَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ سَمِعْت أَبَا حَنِيفَةَ، يَقُولُ: مَا رَأَيْت فِيمَنْ لَقِيت أَفْضَلَ مِنْ عَطَاءٍ، وَلَا لَقِيت فِيمَنْ لَقِيت أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، مَا أَتَيْته بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِي قَطُّ إلَّا جَاءَنِي فِيهِ بِحَدِيثٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَرْجَمَةَ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ هَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ7، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا" عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ:
لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ غَيْرُ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": وَرَوَاهُ عَنْ الْجُعْفِيِّ مُجَالِدٌ، وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَفِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ فِي رِوَايَتِهِ مَذْمُومٌ فِي رَأْيِهِ، ثُمَّ قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْهُ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَرَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْهُ عَنْ الْحَكَمِ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ: لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ جَالِسًا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا مُرْسَلٌ مَوْقُوفٌ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ الشَّافِعِيِّ ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ صَلَّى، وَهُوَ مَرِيضٌ جَالِسًا، وَصَلَّى النَّاسُ خَلْفَهُ جُلُوسًا، وَأَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَسِيد بْنَ حُضَيْرٍ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا فَعَلَا مِثْلَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْلَمَا بِالنَّاسِخِ، وَكَذَلِكَ مَا حُكِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ1 أَنَّهُمْ أَمُّوا جَالِسِينَ، وَمَنْ خَلْفَهُمْ جُلُوسٌ، مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ النَّسْخُ، وَعِلْمُ الْخَاصَّةِ يُوجَدُ عِنْدَ بَعْضٍ، وَيَعْزُبُ عَنْ بَعْضٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ": اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي "الْإِمَامِ" يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا مِنْ مَرَضٍ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُصَلُّونَ قُعُودًا، اقْتِدَاءً بِهِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ. وَحَدِيثِ أَنَسٍ: وَإِذَا صَلَى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ، وَقَدْ فَعَلَهُ أَرْبَعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ. وقيس بن قهد، وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: يُصَلُّونَ قِيَامًا: وَلَا يُتَابِعُونَهُ فِي الْجُلُوسِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَالشَّافِعِيُّ، وَادَّعَوْا نَسْخَ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ بِأَحَادِيثَ أُخْرَى: مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى بِالنَّاسِ جَالِسًا، وَأَبُو بَكْرٍ خَلْفَهُ قَائِمٌ، يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ يَقْتَدُونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ إمَامًا حَقِيقَةً، لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ بِإِمَامَيْنِ وَلَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْإِمَامَ، وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ يُبَلِّغُ النَّاسَ، فَسُمِّيَ لِذَلِكَ إمَامًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَقْوَى الِاحْتِجَاجُ عَلَى أَحْمَدَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ: أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى جَالِسًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ، بَلْ وَلَا يَصْلُحُ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ صَلَاةُ الْقَائِمِ خَلْفَ مَنْ شَرَعَ فِي صَلَاتِهِ قَائِمًا، ثُمَّ قَعَدَ لِعُذْرٍ، وَيَجْعَلُونَ هَذَا مِنْهُ، سِيَّمَا، وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ". وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ
فِي "كِتَابِهِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ": وَهِيَ رِوَايَةٌ مُرْسَلَةٌ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا رَوَاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِذَلِكَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" بِسَنَدٍ فِيهِ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ مَثَالِبَ فِي دِينِهِ، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَثِيرًا مَا يُرْسِلُ1، ولا يذكر منه حَدَّثَهُ، حَتَّى قَالُوا: إنَّ جَمِيعَ مَسْمُوعَاتِهِ سَبْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا2، وَقِيلَ: أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، جَمَعَهَا الْحُمَيْدِيُّ. وَغَيْرُهُ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ، هُوَ أَنْ يُحْمَلَ أَحَادِيثُهُ كُلُّهَا عَلَى السَّمَاعِ الْمُتَّصِلِ، حَتَّى يَظْهَرَ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجٍ، أَنَّهُ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ بِوَاسِطَةٍ، فَيُقَالُ حِينَئِذٍ: إنَّهُ مُرْسَلٌ، وَذَلِكَ نَحْوُ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ الْعَبَّاسِ هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ، رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ 3" مِنْ حَدِيثِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ أَرَقْمَ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْعَبَّاسِ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَقَرَأَ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ لَا نَعْلَمُ هَذَا الْكَلَامَ يُرْوَى إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ 4
مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ قَيْسٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْأَرْقَمِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَن فَذَكَرَهُ، إلَى أَنْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ حَيْثُ كَانَ بَلَغَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ وَكِيعٌ: وَكَذَا السُّنَّةُ، مُخْتَصَرٌ. أَحَادِيثُ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ النَّافِلَةِ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى الْمَنْعِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ"، قَالُوا: وَاخْتِلَافُ النِّيَّةِ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَحَمَلَهُ الشافعي على الاختلاف من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: "فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا"، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ. وَأَحْمَدُ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشَاءَ الْآخِرَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ، هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ3، وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ: فَيُصَلِّي بِهِمْ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي "كِتَابِ الْأَدَبِ4"، وَلِأَصْحَابِنَا عَنْهُ أَجْوِبَةً5، اسْتَوْفَاهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "شَرْحِ الْعُمْدَةِ": أَحَدُهَا: أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْإِنْكَارِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرْطُ ذَلِكَ عِلْمُهُ بِالْوَاقِعَةِ، وَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ عَلِمَ بِهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ6" عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ سُلَيْمٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، أَنَّهُ
أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مُعَاذَ بْنَ جبل يأتينا بعد ما نَنَامُ، وَنَكُونُ فِي أَعْمَالِنَا بِالنَّهَارِ، فَيُنَادِي بِالصَّلَاةِ، فَنَخْرُجُ إلَيْهِ، فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "يَا مُعَاذُ! لَا تَكُنْ فَتَّانًا، إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِكَ"، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كان يفعل أحد الْأَمْرَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ يَجْمَعُهُمَا، لِأَنَّهُ قَالَ: "إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي" أَيْ، وَلَا تُصَلِّ بِقَوْمِك، "وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِك"، أَيْ، ولا تصل مَعِي. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النِّيَّةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ إلَّا بِإِخْبَارِ النَّاوِي، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ مُعَاذٌ كَانَ يَجْعَلُ صَلَاتَهُ مَعَهُ عليه السلام بِنِيَّةِ النَّفْلِ، لِيَتَعَلَّمَ سُنَّةَ الْقِرَاءَةِ مِنْهُ، وَأَفْعَالَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَأْتِيَ قَوْمَهُ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ الْفَرْضَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا حَدِيثُ أَحْمَدَ الْمَذْكُورَ، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي "الْمُنْتَقَى": وَقَوْلُهُ عليه السلام: "إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَنْ قَوْمِكَ" ظَاهِرٌ فِي مَنْعِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى صَلَّى مَعَهُ امْتَنَعَتْ إمَامَتُهُ، وَبِالْإِجْمَاعِ لَا تَمْتَنِعُ إمَامَتُهُ بِصَلَاةِ النَّفْلِ مَعَهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ صَلَاةَ الْفَرْضِ، وَأَنَّ الَّذِي كَانَ يُصَلِّيهِ مَعَهُ كَانَ يَنْوِيهِ نَفْلًا، وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْعُذْرِ، بوجهين، أحدهما: الاستبعاد عن مُعَاذٍ، أَنْ يَتْرُكَ فَضِيلَةَ الْفَرْضِ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَأْتِيَ بِهِ مَعَ قَوْمِهِ، قَالُوا: وَكَيْفَ يُظَنُّ بِمُعَاذٍ، بَعْدَ سَمَاعِهِ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ"، وَفِي لَفْظٍ لِلطَّبَرَانِيِّ: إلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ، أن تصلي النَّافِلَةَ مَعَ قِيَامِ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَعَلَّ صَلَاةً وَاحِدَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي عُمُرِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ، وَمِنْ طَرِيقِهِ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ: هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ، وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ، رَوَاهَا الشَّافِعِيُّ فِي "سُنَنِهِ وَمُسْنَدِهِ1" أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّيهَا بِهِمْ: هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ، وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَعْلَمُهُ يُرْوَى مِنْ طَرِيقٍ أَثْبَتَ مِنْ هَذَا، وَلَا أَوْثَقَ رِجَالًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَذَكَرَا فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَقَدْ رُوِيَتْ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، قُلْنَا: أَمَّا الِاسْتِبْعَادُ فَلَيْسَ بِقَدْحٍ، سِيَّمَا، وَفِي الْحَدِيثِ مَا يُؤَيِّدُ الْمُسْتَبْعَدَ، كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا هَذِهِ الزِّيَادَةُ، فَلَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا هي من الرواة،
هِيَ مِنْ الشَّافِعِيِّ1، فَإِنَّهَا دَائِرَةٌ عَلَيْهِ، وَلَا تُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَيَكُونُ مِنْهُ ظَنًّا وَاجْتِهَادًا، وَأَمَّا الْجَوَابُ2 عَنْ قَوْلِهِ عليه السلام: "إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ"، فَقَالَ الشَّيْخُ فِي "شَرْحِ الْعُمْدَةِ": يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: إنَّ مَفْهُومَهُ أَنْ لَا يُصَلِّي نَافِلَةً غَيْرَ الصَّلَاةِ الَّتِي تُقَامُ، لِأَنَّ الْمَحْذُورَ وُقُوعُ الْخِلَافِ عَلَى الْأَئِمَّةِ، وَهَذَا الْمَحْذُورُ مُنْتَفٍ، مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي الصَّلَاةِ الْمُقَامَةِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا اتِّفَاقُهُمْ عَلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ، وَلَوْ تَنَاوَلَهُ النَّهْيُ لَمَا جَازَ مُطْلَقًا، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ يُحْتَمَلُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقْتَ كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يُفْعَلُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ حَتَّى نُهِيَ عنه، ثم ذكرت حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: لَا تُصَلِّي صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَهَذَا مَدْخُولٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَثْبَتَ النَّسْخَ بِالِاحْتِمَالِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَاقِعًا، أَعْنِي صَلَاةَ الْفَرِيضَةِ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: وَلَكِنْ قَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى النَّسْخِ بِتَقْرِيرٍ حَسَنٍ، وَذَلِكَ أَنَّ إسْلَامَ مُعَاذٍ مُتَقَدِّمٌ، وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ سَنَتَيْنِ مِنْ الْهِجْرَةِ صَلَاةَ الْخَوْفِ غَيْرَ مَرَّةٍ، عَلَى وَجْهٍ وَقَعَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ بِالْأَفْعَالِ الْمُنَافِيَةِ لِلصَّلَاةِ، فَيُقَالُ: لَوْ جَازَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لَأَمْكَنَ إيقَاعَ الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِ الْمُنَافَاةُ، وَالْمُفْسِدَاتُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَحَيْثُ صُلِّيَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَعَ إمْكَانِ رَفْعِ الْمُفْسِدَاتِ عَلَى تَقْدِيرِ جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَبَعْدَ ثُبُوتِ هَذِهِ الْمُلَازَمَةِ يَبْقَى النَّظَرُ فِي التَّارِيخِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا التَّقْرِيرُ إنَّمَا يَمْشِي عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، يَعْنِي فَلَوْ جَازَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لَصَلَّى بِهِمْ الصَّلَاةَ مَرَّتَيْنِ، فَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى الصَّلَاةَ كَامِلَةً، عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِمَا شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُنَافِيَةِ لِلصَّلَاةِ "أَعْنِي فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ"، وَذَلِكَ مِثْلُ جُلُوسِهِمْ يَحْرُسُونَ الْعَدُوَّ، وَرُجُوعِهِمْ إلَى الصَّلَاةِ، وَإِعَادَتِهِمْ لِمَا فَاتَهُمْ، فَلَمَّا لَمْ يُصَلِّ بِهِمْ مَرَّتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِ ذَلِكَ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ كَانَتْ بَعْدَ حَدِيثِ مُعَاذٍ، فَهِيَ نَاسِخَةٌ لَهُ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ.
وَقَدْ فَهِمَ بَعْضُهُمْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَفَسَّرَهُ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، كَمَا سَيَأْتِي، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ حِينَ كَانَ الْفَرْضُ يُفْعَلُ مَرَّتَيْنِ فِي يَوْمٍ، فَقَدْ ادَّعَى مَا لَا يَعْرِفُهُ، إذْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى النَّسْخِ سَبَبٌ. وَلَا تَارِيخٌ1، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ2، مَوْلَى مَيْمُونَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ" لَا يُقَاوِمُ حَدِيثَ مُعَاذٍ، لِلِاخْتِلَافِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى رُوَاةِ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَقَدْ كَانَ عليه السلام يُرَغِّبُهُمْ فِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ، فَنُجَوِّزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ ذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى أَنَّ الْإِعَادَةَ وَاجِبَةٌ، فَقَالَ: "لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ"، أَيْ كِلْتَاهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: نَقَلَهُ الشَّيْخُ فِي "شَرْحِ الْعُمْدَةِ" عَنْ بَعْضِهِمْ، وَلَمْ يُسَمِّهِ، وَهُوَ أَنَّ الْحَاجَةَ دَعَتْ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ غِنًى عَنْ مُعَاذٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِمُعَاذٍ غِنًى عَنْ صَلَاتِهِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَائِلُهُ مَعْنَى النَّسْخِ، فَيَكُونُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِمَّا أُبِيحَ بِحَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ، فَيَرْتَفِعُ الْحُكْمُ بِزَوَالِهَا، وَلَا يَكُونُ نَسْخًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَهُوَ ضَعِيفٌ لِعَدَمِ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى تَعْيِينِ ذَلِكَ، عِلَّةً لِهَذَا الْفِعْلِ، وَلِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُجْزِئَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ بِقَلِيلٍ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُون سَبَبًا لِارْتِكَابِ مَمْنُوعٍ شَرْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَوْفٍ" الظُّهْرَ، فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ. وَبَعْضَهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَانْطَلَقَ
الَّذِينَ صَلُّوا مَعَهُ، فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ، فَصَلُّوا خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا، وَلِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. فَصَلَاتُهُ الثَّانِيَةُ وَقَعَتْ نَفْلًا لَهُ، وَفَرْضًا لِأَصْحَابِهِ، وَهُمْ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ، وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ1 مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ، وَلَيْسَ فِيهِ التَّسْلِيمُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا كنا بذات الرقاع، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: وكانت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا فِي "الْمَغَازِي فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ"، فَقَالَ: وَقَالَ أَبَانُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا، الْحَدِيثُ، وَرَوَاهُ أَيْضًا مُتَّصِلًا بِإِسْنَادِهِ، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قِصَّةَ الصَّلَاةِ، وَوَهِمَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ" فَذَكَرَهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، وَقَالَ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَعَزَا حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ، لِأَبِي دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيِّ، وَلَمْ يَرْوِهِ التِّرْمِذِيُّ أَصْلًا، وَلَكِنِّي لَمْ أَعْتَمِدْ عَلَى النُّسْخَةِ، فَلْيُرَاجَعْ، وَلَفْظُ "الصَّحِيحَيْنِ" هَذَا قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ، كَمَا فَهِمَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ"، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَيُفَسِّرُهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ، كَمَا فَهِمَهُ النَّوَوِيُّ، بَلْ قَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ: أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ2 أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ ابْنُ عُلَيَّةَ، أَوْ غَيْرُهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي "الْخَوْفِ" بِبَطْنِ نَخْلَةَ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُحَاصِرًا لِبَنِي مُحَارَبٍ، فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ،
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ مِنْ هَذَا، إلَّا أَنَّ فِيهِ شَائِبَةَ الِانْقِطَاعِ، فَإِنَّ شَيْخَ الشَّافِعِيِّ فِيهِ مَجْهُولٌ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَفِيهِ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ الْوَاسِطِيُّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، يَأْتِي بِالطَّامَّاتِ، وَقَالَ الْفَلَّاسُ: كَانَ مُخْتَلِطًا لَا يُرْوَى عَنْهُ، وَقَدْ رَوَى لَهُ أَبُو دَاوُد حَدِيثًا مَقْرُونًا بِحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، لِأَنَّ فَرْضَ الْمُسَافِرِ عِنْدَهُمْ رَكْعَتَانِ، وَالْقَصْرُ عَزِيمَةٌ، فَإِنْ صَلَّى الْمُسَافِرُ أَرْبَعًا، وَقَعَدَ فِي الْأُولَى صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَكَانَتْ الْأُخْرَيَانِ لَهُ نَافِلَةً، وَقَدْ ذَهِلَ عَنْ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ، وَمِنْهُمْ النَّوَوِيُّ، وَقَالُوا: لَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِمْ، إلَّا بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، أَوْ بِحَدِيثِ جَابِرٍ، عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ سَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَقَدْ أَجَابَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ هَذَا أَيْضًا بِالنَّسْخِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نِزَاعُهُمْ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الطَّحَاوِيَّ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقْتًا، كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يُفْعَلُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُهِيَ عَنْهُ1، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: نهى أن يصلى فَرِيضَةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: وَالنَّهْيُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِبَاحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَحَادِيثُ إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ مَرَّتَيْنِ فِي الْمَسَاجِدِ: مَنَعَهَا مَالِكٌ، وَأَجَازَهَا الْبَاقُونَ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ2" عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ رَجُلًا يُصَلِّي وَحْدَهُ، فَقَالَ: "أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّي مَعَهُ؟! "، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَابْنُ حِبَّانَ. وَالْحَاكِمُ فِي "صِحَاحِهِمْ"، قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يخرجه، وسليمان الأسود، هو ابْنُ سُخَيْمٍ، وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ. وَأَبِي مُوسَى. وَالْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ لَهُ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ، وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَيُّكُمْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا؟ " فَقَامَ رَجُلٌ فَصَلَّى مَعَهُ، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ3 أَنَّ الَّذِي قَامَ فَصَلَّى مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ4" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَسَدِيِّ عَنْ حَمَّادِ
بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ، وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ يُصَلِّي وَحْدَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّي مَعَهُ؟ "، انْتَهَى. وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا1 عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ الْخِطْمِيَّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى الظُّهْرَ، وَقَعَدَ فِي الْمَسْجِدِ إذْ دَخَلَ رَجُلٌ يُصَلِّي، فَقَالَ عليه السلام: "أَلَا رَجُلٌ يَقُومُ فَيَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّي مَعَهُ؟ "، انْتَهَى. وَهُوَ ضَعِيفٌ بِالْفَضْلِ بْنِ الْمُخْتَارِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: الْفَضْلُ بْنُ مُخْتَارٍ أَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ مَجْهُولٌ، وَأَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، يُحَدِّثُ بِالْأَبَاطِيلِ، قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ"، وَنَقَلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ إعَادَةُ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ2" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَشْرَسَ ثَنَا أَبُو جَابِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى، فَقَالَ: "أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّي مَعَهُ؟ "، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ أَمَّ قَوْمًا، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا، أَوْ جُنُبًا أَعَادَ صَلَاتَهُ، وَأَعَادُوا"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَفِيهِ أَثَرٌ عَنْ علي، رواه مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِهِ الْآثَارِ3" أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ جُنُبًا، قَالَ: يُعِيدُ، وَيُعِيدُونَ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ4. وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي جَابِرٍ الْبَيَاضِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالنَّاسِ، وَهُوَ جُنُبٌ، فَأَعَادَ، وَأَعَادُوا، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَالْبَيَاضِيُّ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَبُو جَابِرٍ الْبَيَاضِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، كَانَ مَالِكٌ لَا يَرْتَضِيهِ، وَكَانَ ابْنُ مَعِينٍ يَرْمِيهِ بِالْكَذِبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ رَوَى عَنْ الْبَيَاضِيُّ بَيَّضَ اللَّهُ عَيْنَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": لَا يُعْرَفُ إلَّا عَنْ الْبَيَاضِيُّ، وَاجْتَمَعُوا عَلَى ضَعْفِهِ، وَرَمَاهُ ابْنُ مَعِينٍ بِالْكَذِبِ. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَمِمَّا يحتج به للشافعي أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُعِيدُ، بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْإِمَامُ ضَامِنٌ"،
وَفِي سَنَدِهِمَا اضْطِرَابٌ، لَكِنْ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ1" حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَهَذَا سَنَدُ الصَّحِيحِ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": رَوَى مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ. وَأَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، وَعُدِّلَتْ الصُّفُوفُ قِيَامًا، فَخَرَجَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ، فَقَالَ لَنَا: مَكَانَكُمْ، ثُمَّ رَجَعَ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا، وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَكَبَّرَ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "الصَّلَاةِ" وَالْبَاقُونَ فِي "الطَّهَارَةِ"، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ "بَابُ إذَا ذَكَرَ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّهُ جُنُبٌ، يَخْرُجُ كَمَا هُوَ، وَلَا يَتَيَمَّمُ"، وَبَوَّبَ لَهُ مُسْلِمٌ "بَابُ خُرُوجِ الْإِمَامِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ لِلْغُسْلِ"، وَبَوَّبَ لَهُ أَبُو دَاوُد "بَابُ الْجُنُبِ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ، وَهُوَ نَاسٍ3"، وَبَوَّبَ لَهُ النَّسَائِيّ4، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذَكَّرَ الْجَنَابَةَ، قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ: فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ، قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، ذَكَرَ، فَانْصَرَفَ، الْحَدِيثَ، فَلَا يَصِيرُ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ، لَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ، أَنْ مَكَانَكُمْ، ثُمَّ جَاءَ، وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ: إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنِّي كُنْت جُنُبًا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ5" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصَّلَاةِ، وَكَبَّرَ، ثُمَّ أَشَارَ إلَيْهِمْ، فَمَكَثُوا، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَاغْتَسَلَ، وَكَانَ رَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: إنِّي خَرَجْتُ إلَيْكُمْ جُنُبًا، وَإِنِّي نَسِيتُ حَتَّى قُمْتُ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": يُحْمَلُ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي أَنَّهُ عليه السلام انْصَرَفَ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، أَوْ بَعْدَ أَنْ كَبَّرَ، عَلَى أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ، انْتَهَى. وَوَقَعَ لِلنَّوَوِيِّ هُنَا
وَهْمٌ1، فَإِنَّهُ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمَ، وَفِيهِ: حَتَّى إذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، ذَكَرَ، فَانْصَرَفَ، الْحَدِيثَ، إلَى آخِرِهِ، وَقَالَ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، لَيْسَتْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَإِنَّمَا انْفَرَدَ بِهَا مُسْلِمٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْآثَارُ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ صَلَّى بِالْقَوْمِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَأَعَادَ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ، فَأَعَادُوا، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، رَمَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِالْكَذِبِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ وَكِيعٌ: كَانَ كَذَّابًا، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَرْوِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ شَيْئًا قَطُّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أن علياً صَلَّى بِالنَّاسِ، وَهُوَ جُنُبٌ، أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَأَعَادَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا، أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مطرح عن أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: صَلَّى عُمَرُ بِالنَّاسِ، وَهُوَ جُنُبٌ، فَأَعَادَ، وَلَمْ يُعِدْ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: قَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ صَلَّى مَعَك أَنْ يُعِيدُوا، قَالَ: فَرَجَعُوا إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ، قَالَ الْقَاسِمُ: وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، مِثْلَ قَوْلِ عَلِيٍّ، انْتَهَى. حَدِيثٌ لِلْخَصْمِ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَيُّمَا إمَامٍ سَهَا، فَصَلَّى بِالْقَوْمِ، وَهُوَ جُنُبٌ، فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهُمْ، وَلْيَغْتَسِلْ هُوَ، ثُمَّ لِيُعِدْ صَلَاتَهُ، وَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَمِثْلُ ذَلِكَ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ جُوَيْبِرًا مَتْرُوكٌ، وَالضَّحَّاكَ لَمْ يَلْقَ الْبَرَاءَ، وَاحْتَجَّ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ" لِمَذْهَبِهِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، ولهم، وإن أخطأوا، فَلَكُمْ، وَعَلَيْهِمْ"، انْتَهَى. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ3 وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ.
باب الحدث في الصلاة
بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَاءَ، أَوْ رَعَفَ، فِي صَلَاتِهِ،
فَلْيَنْصَرِفْ، وَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ. وَالْخُدْرِيِّ. فَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ1" عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلَسٌ، أَوْ مَذْيٌ، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: وَأَصْحَابُ ابْنِ جُرَيْجٍ الْحُفَّاظُ عَنْهُ يَرْوُونَهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا, ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ مُرْسَلًا , وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ. وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ. وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ. وَغَيْرُهُمْ، كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَقَدْ تَابَعَ إسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ، مُسْنَدًا، قَالَ: وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمْ ضَعِيفٌ، وَقَدْ رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ غَيْرِ ابْنِ جُرَيْجٍ مُسْنَدًا أَيْضًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ، قَالَ: وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ. وَعَطَاءُ بْنُ عَجْلَانَ ضَعِيفَانِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ رِيَاحٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ تَوَضَّأَ، ثُمَّ بَنَى عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَعُمَرُ بْنُ رِيَاحٍ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عُمَرُ بْنُ رِيَاحٍ، هُوَ عُمَرُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْعَبْدِيُّ مَوْلَى ابْنِ طَاوُسٍ، يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ بِالْأَبَاطِيلِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، وَأَسْنَدَ إلَى الْبُخَارِيِّ، وَإِلَى عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ، أَنَّهُمَا قَالَا فِيهِ: دَجَّالٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَسَلْمَانَ. وَابْنِ عُمَرَ. وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ التَّابِعِينَ: عَنْ عَلْقَمَةَ. وَطَاوُسٍ. وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَالشَّعْبِيِّ. وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ. وَعَطَاءٍ. وَمَكْحُولٍ. وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "الطَّهَارَةِ2". وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الرَّضَاعِ".
وَالنَّسَائِيُّ فِي "عِشْرَةِ النِّسَاءِ" عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ1" فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَسَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ: لَا أَعْرِفُ لِعَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كتابه": وهذا حديث لايصح، فَإِنَّ مُسْلِمَ بْنَ سَلَّامٍ الْحَنَفِيَّ أَبَا عَبْدِ الْمَلِكِ مَجْهُولُ الْحَالِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيِّ ثَنَا أَبِي ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةً عَنْ ابْنِ أَرْقَمَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا رَعَفَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَغْسِلْ عَنْهُ الدَّمَ، ثُمَّ لِيُعِدْ وُضُوءَهُ، وَلْيَسْتَقْبِلْ صَلَاتَهُ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ ثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيِّ ثَنَا أَبِي ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، وَضُعِّفَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ عَنْ أَحْمَدَ. وَأَبِي دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنِ مَعِينٍ. وَالْبُخَارِيِّ، وَقَالُوا كُلُّهُمْ: إنَّهُ مَتْرُوكٌ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَقَاءَ. أَوْ رَعَفَ، فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ، وَلْيُقَدِّمْ مَنْ لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد3 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَأَحْدَثَ، فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ، ثُمَّ لِيَنْصَرِفَ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ. وَالْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا: "إذَا أَمَّ الْقَوْمَ فَوَجَدَ فِي بَطْنِهِ رزا4، أَوْ رُعَافًا، أَوْ قَيْئًا، فَلْيَضَعْ ثَوْبَهُ عَلَى أَنْفِهِ، وَلْيَأْخُذْ بِيَدِ رَجُلٍ مِنْ الْقَوْمِ فَلْيُقَدِّمْهُ"، انْتَهَى. وَهُوَ ضَعِيفٌ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، إذَا قُلْت هَذَا، أَوْ فَعَلْت هَذَا، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك، قُلْت: تَقَدَّمَ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد5. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ الْإِفْرِيقِيِّ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ. وَبَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ عبد الله بن عمر بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إذَا قَضَى الْإِمَامُ الصَّلَاةَ، وَقَعَدَ، فَأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، وَمَنْ كَانَ خَلْفَهُ مِمَّنْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ، وَقَدْ اضْطَرَبُوا فِي إسْنَادِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ1 ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ إنَّمَا يُعْرَفُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ الْأَفْرِيقِيِّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ. وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ وَإِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّسْلِيمُ، ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذَا قَعَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ التَّسْلِيمُ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَافِعٍ. وَبَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ، قَالَا: سَمِعْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو مَرْفُوعًا، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ بِسَنَدِ السُّنَنِ2، وَلَفْظُهُ: قَالَ: إذَا قَضَى الْإِمَامُ الصَّلَاةَ، فَقَعَدَ، فَأَحْدَثَ هُوَ أَوْ أَحَدٌ مِمَّنْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، فَلَا يُعِيدُهَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي "كِتَابِ الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ ثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ مَخْلَدٍ الْمُفْتِي ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ أَبُو مَسْعُودٍ الزَّجَّاجُ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ التشهد أقل عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، وَقَالَ: مَنْ أحدث حدثاً بعد ما يَفْرُغُ مِنْ التَّشَهُّدِ، فَقَدْ تمت صلاته، انتهى. وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، تَفَرَّدَ بِهِ مُتَّصِلًا أَبُو مَسْعُودٍ الزَّجَّاجُ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ مُرْسَلًا، حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ ثَنَا بَشِيرُ بْنُ مُوسَى ثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ أَنْبَأَ عَطَاءٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَضَى التَّشَهُّدَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ فِي الرَّابِعَةِ، ثُمَّ أَحْدَثَ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، فَلْيَقُمْ حَيْثُ شَاءَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ3 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ فِيهِ: قَدْرَ التَّشَهُّدِ، قَالَ: وَعَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ إنَّمَا يُذْكَرُ فِي الشَّوَاهِدِ، فَإِذَا انْفَرَدَ بِحَدِيثٍ لَمْ يُقْبَلْ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَحْوَهُ عَنْ الْحَسَنِ. وَابْنِ الْمُسَيِّبِ. وَعَطَاءٍ. وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ.
باب مايفسد الصلاة ومايكره فيها
بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَفْزَعُهُ "يَعْنِي الشَّافِعِيَّ" الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ عليه السلام: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ"، وَهَذَا لَا يُوجَدُ بِهَذَا اللَّفْظِ1، وَإِنْ كَانَ الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ لَا يَذْكُرُونَهُ إلَّا بِهَذَا اللفظ، وأقر مَا وَجَدْنَاهُ بِلَفْظِ: "رَفَعَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ثَلَاثًا"، رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَسَيَأْتِي، وَأَكْثَرُ مَا يُرْوَى بِلَفْظِ: "إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ"، هَكَذَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَبِي ذَرٍّ. وَثَوْبَانَ. وَأَبِي الدَّرْدَاءِ. وَابْنِ عُمَرَ. وَأَبِي بَكْرَةَ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ فِي الطَّلَاقِ2" عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ. وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي الطَّلَاقِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ، فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا1 حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْد ثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، سَوَاءً. وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أبو النصر ثَنَا يَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ ثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ عَنْ ثَوْبَانَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، قُلْت: لَفْظُهُ: "إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي ثَلَاثَةً: الْخَطَأَ. وَالنِّسْيَانَ. وَمَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ". وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا2 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. قُلْت: لَفْظُهُ: "إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَنْ النِّسْيَانِ. وَمَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ". وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ مَالِكٍ": حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ السبيعي ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصُّفْرِ3 السُّكَّرِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ. وَالنِّسْيَانَ. وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: غَرِيبٌ4" مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مُصَفَّى عَنْ الْوَلِيدِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ"، وَأَعَلَّهُ بِابْنِ الْمُصَفَّى، وَضَعَّفَهُ عَنْ أَحْمَدَ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ، فَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ جَعْفَرِ بْنِ جَسْرِ5 بْنِ فَرْقَدٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ الْحَسَنِ بِهِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَفَعَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ثَلَاثًا: الْخَطَأَ. وَالنِّسْيَانَ. وَالْأَمْرَ يُكْرَهُونَ عَلَيْهِ"، قَالَ الْحَسَنُ: قَوْلٌ بِاللِّسَانِ، فَأَمَّا الْيَدُ، فَلَا، انْتَهَى. وَعَدَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ مُنْكَرَاتِ جَعْفَرٍ هَذَا، قَالَ: وَلَمْ أَرَ لِلْمُتَكَلِّمِينَ فِي الرِّجَالِ فِيهِ قَوْلًا، وَلَا أَدْرِي لِمَا غَفَلُوا عَنْهُ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، فَإِنَّ أَبَاهُ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ، لِأَنِّي لَمْ أَرَ جَعْفَرًا يَرْوِي عَنْ غَيْرِ أَبِيهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ6": سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ.
وَالنِّسْيَانَ. وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"، وَعَنْ الْوَلِيدِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ، وَعَنْ الْوَلِيدِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ عَنْ عَامِرٍ مِثْلُهُ، فَقَالَ أَبِي: هَذِهِ أَحَادِيثُ مُنْكَرَةٌ، كَأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ، وَلَا يَثْبُتُ إسْنَادُهُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ"، قُلْت: رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْت لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فقلت: واثكل أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونِي، لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْت مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاَللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَلِلْبَيْهَقِيِّ1"إنَّمَا هِيَ"، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَفِي لَفْظٍ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ": إنَّ صَلَاتَنَا لَا يَحِلُّ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ "بَابُ نَسْخِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ": وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ. وَلِلْخَصْمِ عَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: إنَّ قَوْلَهُ: "لَا يَصْلُحُ" لَيْسَ دَالًّا عَلَى الْبُطْلَانِ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَحْظُورٌ، وَلَيْسَ كُلُّ محظور مبطل. الثَّانِي2: قَالُوا: إنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ، وَإِنَّمَا عَلَّمَهُ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَتَيْتُهُ، وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى بَعِيرِهِ، فَكَلَّمْتُهُ، فَقَالَ لِي بِيَدِهِ، وَأَوْمَأَ زُهَيْرٌ بِيَمِينِهِ. ثُمَّ كَلَّمْتُهُ، فَقَالَ لِي: هَكَذَا، وَأَنَا أَسْمَعُهُ يَقْرَأُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ: "مَا فَعَلْت فِي الَّذِي أَرْسَلْتُك لَهُ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أُكَلِّمَكَ إلَّا أَنِّي كُنْت أُصَلِّي"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ4" عَنْ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْكَلَامُ يَنْقُضُ الصَّلَاةَ، وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ"، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فِيهِ أَبُو شَيْبَةَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ جَدُّ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَفِيهِ يَزِيدُ الدَّالَانِيُّ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، إذَا انْفَرَدَ،
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ1: وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَوْقُوفٌ، وَرَوَاهُ أَبُو شَيْبَةَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ، فَرَفَعَهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ، وَقَدْ رُوِيَ: مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ: إمَّا الظُّهْرَ. وَإِمَّا الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَى جِذْعًا فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَاسْتَنَدَ إلَيْهَا مُغْضَبًا، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يَتَكَلَّمَا، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ، فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ، أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ: "مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ"؟ قَالُوا: صَدَقَ، لَمْ تُصَلِّ إلَّا الرَّكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَسَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ، قَالَ: "لَمْ أَنْسَ، وَلَمْ تُقْصَرْ"، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا3، قَالَ: "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، قَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ"، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ4، فَقَامَ رَجُلٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُ ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ، أَمْ قَصُرَتْ؟، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا5: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا6: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الظُّهْرَ. أَوْ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَقَالَ ذُو الشِّمَالَيْنِ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو، حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ: أَخُفِّفَتْ الصَّلَاةُ، أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ عليه السلام: "مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، صَدَقَ، قَالَ: فَأَتَمَّ بِهِمْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ نَقَصَهُمَا، ثُمَّ سَلَّمَ"، قَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ هَذَا قَبْلَ بَدْرٍ، ثُمَّ اسْتَحْكَمَتْ الْأُمُورُ بَعْدُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" مَالِكٌ7 عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ إحْدَى صَلَاتَيْ النَّهَارِ: الظُّهْرَ. أَوْ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ
بْنِ كِلَابٍ: أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا قَصُرَتْ الصَّلَاةُ، وَمَا نَسِيتُ، فَقَالَ لَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: "أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ"؟ قَالُوا: نَعَمْ، "فَأَتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَقِيَ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ سَلَّمَ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي "التَّقَصِّي": هَذَا مُرْسَلٌ، إلَّا أَنَّهُ يَتَّصِلُ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ1: فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ، يُقَالُ لَهُ: الْخِرْبَاقُ، وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ، فَقَالَ: "أَصَدَقَ هَذَا"؟ قَالُوا: نَعَمْ، "فَصَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: فَقَامَ رَجُلٌ بَسِيطُ الْيَدَيْنِ، الْحَدِيثَ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ أَبِي كُرَيْبٌ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَعْنِي صَلَاةً" فَسَهَا فِيهَا، فَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ، يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ، أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ: "مَا قَصُرَتْ، وَلَا نَسِيتُ"، قَالَ: إنَّك صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: "أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ"؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَتَقَدَّمَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ أَبِي كُرَيْبٌ. وَبِشْرِ بْنِ خَالِدٍ الْعَسْكَرِيِّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ الْقَطَّانِ وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ بِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَلَا نَعْلَمُ حَدَّثَ بِهِ غَيْرُ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ الْقَطَّانِ وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ وَالْعَجَبُ مِنْ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ، كَيْفَ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو كُرَيْبٌ3. وَأَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ. وَبِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَكِنْ تَخَلَّصَ بِقَوْلِهِ: لَا نَعْلَمُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلِأَصْحَابِنَا عَنْ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
فَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1 وَمُسْلِمٌ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ، وَهُوَ إلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلَاةِ، حَتَّى نَزَلَتْ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238] ، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا أَخْرَجَاهُ عَنْهُ2، قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْك، فَتَرُدُّ عَلَيْنَا، فَقَالَ: "إنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا"، انْتَهَى. أَخْرَجَاهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ، وَنَأْمُرُ بِحَاجَتِنَا، فَقَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَأَخَذَنِي مَا قَدُمَ وَمَا حَدَثَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّك كُنْتَ تَرُدُّ عَلَيْنَا، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَأَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، وَتَدَاوَلَهُ الْفُقَهَاءُ، إلَّا أَنَّ صَاحِبَيْ الصَّحِيحِ يَتَوَقَّيَانِ رِوَايَةَ عَاصِمٍ، لِسُوءِ حِفْظِهِ، فَأَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ بِبَعْضِ مَعْنَاهُ، انْتَهَى. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَذُو الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ قَالَ الزُّهْرِيُّ4: إنَّ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ قَبْلَ بَدْرٍ، وَإِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَامَ خَيْبَرَ بَعْدَ بَدْرٍ بِخَمْسِ سِنِينَ، وَلَا يَمْتَنِعُ كَوْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ، وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ عَنْ بَدْرٍ، لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ قَدْ يروى مالا يَحْضُرُهُ5 بِأَنْ يَسْمَعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ مِنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ، وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" بِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ شَهِدَ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، وَحَضَرَهَا، كَمَا وَرَدَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْهُ، قَالَ:
صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1، وَفِي لَفْظٍ: بَيْنَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ، قَالَ:
وَاَلَّذِي قُتِلَ بِبَدْرٍ إنَّمَا هُوَ ذُو الشِّمَالَيْنِ، اسْمُهُ "عُمَيْرُ بْنُ عَمْرٍو" خُزَاعِيٌّ، قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ إسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَامَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ، بَعْدَ بَدْرٍ بِخَمْسِ سِنِينَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" أَيْضًا: وَهَمَ الزُّهْرِيُّ فِي قَوْلِهِ: ذُو الشِّمَالَيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ، وَذُو الشِّمَالَيْنِ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ فِيمَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ، وَذُو الْيَدَيْنِ1 بَقِيَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يُقَالُ2 وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَذُو الشِّمَالَيْنِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ، حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ، مِنْ خُزَاعَةَ، اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ، هَكَذَا ذَكَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: لَا عَقِبَ لَهُ، وَأَمَّا ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ3: فِي حَدِيثِهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَشُعَيْبُ بْنُ مُطَيْرٍ4 يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ ذِي الْيَدَيْنِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ بعد حديث ذو الْيَدَيْنِ، لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ مِنْ مُتَقَدِّمِي الصَّحَابَةِ، رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: غَزَوْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ عَشَرَةَ غَزْوَةً، وَأَبُو هُرَيْرَةَ إنَّمَا صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ، وَصَحِبَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ، أَوْ أَرْبَعًا، رُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: صَحِبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَابْنُ مَسْعُودٍ فَقَدْ شَهِدَ بَدْرًا، لِأَنَّهُ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَشَهِدَ بَدْرًا، ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي "مَغَازِيهِ"، وَهِيَ أَصَحُّ الْمَغَازِي عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ: رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ1، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى النَّجَاشِيِّ، وَهُمْ ثَمَانُونَ رَجُلًا، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَفِي آخِرِهَا: فَبَادَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَجَاءَ فَشَهِدَ بَدْرًا، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ، كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ الْحُمَيْدِيُّ، وَهُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْحَدِيثِ: كَانَ إسْلَامُهُ بَعْدَ بَدْرٍ، وَقَدْ حَضَرَ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلُهُ: الْخِرْبَاقُ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ كَانَ إسْلَامُهُ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهْرَيْنِ، وَقَدْ حَضَرَ قِصَّةَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَرَوَيْنَا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: كَانَ إسْلَامُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ، فَلَمْ يَأْمُرْهُ عليه السلام بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ2 وَقَوْلُهُ: "إنَّ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ"، أَيْ الْكَلَامُ الْعَمْدُ الَّذِي يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ فِي كَلَامِ السَّهْوِ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ النَّسْخِ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ3، وَأَسْنَدَ إلَى عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إلَى الْحَجَرِ لِيَسْتَلِمَهُ، فَسَبَّحَ بِهِ الْقَوْمُ، فَالْتَفَتَ إلَيْنَا، وَقَالَ: مَا أتممنا الصلاة؟ فقلنا برؤوسنا: لَا، فَرَجَعَ فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: مَا أَمَاطَ عَنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ4": رَوَى الزُّهْرِيُّ حَدِيثَ التَّسْلِيمِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَقَالَ
فِيهِ: فقال ذُو الشِّمَالَيْنِ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، فَقَالَ: أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ، أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ عليه السلام: "أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ " لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ هَكَذَا إلَّا الزُّهْرِيُّ، وَهُوَ غَلَطٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا هُوَ: ذُو الْيَدَيْنِ السُّلَمِيُّ، وَاسْمُهُ "خِرْبَاقٌ وَذُو الشِّمَالَيْنِ"، قُتِلَ بِبَدْرٍ، وَالْحَدِيثُ شهده أبي هُرَيْرَةَ، وَكَانَ إسْلَامُهُ بَعْدَ بَدْرٍ بِسَنَتَيْنِ، وَمَاتَ ذُو الْيَدَيْنِ السُّلَمِيُّ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ ابْنُهُ مُطَيْرُ بْنُ الْخِرْبَاقِ، وَرَوَاهُ عَنْ مُطَيْرٍ ابنه شعيب بن مطر، وَلَمَّا رَأَى الْمُبَرِّدُ حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: ذُو الْيَدَيْنِ، هو: ذو الشمالين، كما يُسَمَّى بِهِمَا جَمِيعًا، ذَكَرَهُ فِي آخِرِ "كِتَابِهِ الْكَامِلِ"، وَجَهِلَ مَا قَالَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ، انْتَهَى.
قُلْت: وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ1: ذُو الْيَدَيْنِ، وَيُقَالُ: ذُو الشِّمَالَيْنِ، اسْمُهُ عُمَيْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ مِنْ خُزَاعَةَ، انْتَهَى. الْجَوَابُ الثَّانِي لِأَصْحَابِنَا: عَنْ حديث ذِي الْيَدَيْنِ، قَالُوا: إنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ، بِدَلِيلِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَغَيْرَهُمَا مِنْ النَّاسِ تَكَلَّمُوا عَامِدِينَ، وَأَجَابَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ هَذَا بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ لَمْ يَتَكَلَّمُوا، وَلَكِنَّهُمْ أَشَارُوا، وَقَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ، أنهم أومأوا2 أَيْ نَعَمْ، وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّهُمْ قَالُوا: نَعَمْ، إنَّمَا هُوَ تَجَوُّزٌ، وَنَقْلٌ بِالْمَعْنَى، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ: قُلْت بِرَأْسِي: نَعَمْ. الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُلُّ كَلَامٍ كَانَ جَوَابًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَيْرُ مَنْسُوخٍ جَوَازُهُ فِي الصَّلَاةِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى3 قَالَ: كُنْت أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ أُجِبْهُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت أُصَلِّي، فَقَالَ: أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} ؟ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ جَوَابَ الرَّسُولِ وَاجِبٌ، لَمْ يُبْطِلْ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي"الْإِمَامِ": وَبِهَذَا الْحَدِيثِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: إنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِكَلَامٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ لَا يُبْطِلُ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ4: تَحْرِيمُ الْكَلَامِ إنَّمَا كَانَ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ سَكَتُوا،
فَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، يَحْكِي الْحَالَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: نُسِخَ الْكَلَامُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ، قَدْ كَانَ ذَاكَ قَبْلَ إسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِسِنِينَ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخُصُومِ: عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ1 رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمًا، فَسَلَّمَ، وَقَدْ بَقِيَتْ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةٌ، فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: نَسِيتَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً، فَرَجَعَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَأَمَرَ بِلَالًا، فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى لِلنَّاسِ رَكْعَةً، فَأَخْبَرْت بِذَلِكَ النَّاسَ، فَقَالُوا لِي: أَتَعْرِفُ الرَّجُلَ؟ قُلْت: لَا، إلَّا أَنْ أَرَاهُ، فَمَرَّ بِي، فَقُلْت: هَذَا هُوَ، فَقَالُوا: هَذَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، انْتَهَى. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد2. وَالنَّسَائِيُّ. وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": قَالُوا: كَانَ إسْلَامُ مُعَاوِيَةَ هَذَا قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهْرَيْنِ، قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ، كَمَا سَبَقَ فِي "الصَّحِيحِ"، قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: هُمَا قَضِيَّتَانِ، وَرِوَايَةُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَضِيَّةٌ، وَغَيْرُهُمَا أُخْرَى. وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ، وَذُو الْيَدَيْنِ، اسْمُهُ: الْخِرْبَاقُ، وَكُنْيَتُهُ: أَبُو العربان، عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَانًا، وَأَمَّا ذُو الشِّمَالَيْنِ، فَهُوَ عُمَيْرُ بْنُ عَمْرٍو الْخُزَاعِيُّ، قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ شَهِيدًا، وَهُوَ غَيْرُ الْمُتَكَلِّمِ فِي حَدِيثِ السَّهْوِ. هَذَا قَوْلُ جَمِيعِ الْحُفَّاظِ، إلَّا الزُّهْرِيَّ، وقد اتفقوا على تغليظ الزُّهْرِيِّ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "إذَا نَابَتْ أَحَدَكُمْ نَائِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيُسَبِّحْ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إلَى بَنِي عَمْرِو
ابْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتْ الصَّلَاةُ، فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ، فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إلَيْهِ: أَنْ اُمْكُثْ مَكَانَك، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَك أَنْ تَثْبُتَ إذْ أَمَرْتُك". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مالي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ التَّصْفِيقَ"؟! "مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إذَا سَبَّحَ اُلْتُفِتَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ"، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" إلَّا لِمُسْلِمٍ فَقَطْ، فَإِنَّهُ قَالَ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1، مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عن سهل بن سعدن وَأَخْرَجَا مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ"، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ2" مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدِ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لايقطع الصَّلَاةَ شَيْءٌ، وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ"، انْتَهَى. وَمُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ فِيهِ مَقَالٌ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّعْبِيِّ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ3" عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ ثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ، قَالُوا: "لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الْمُسْلِمِ شَيْءٌ، وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ"، انْتَهَى. وَوَقَفَهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي"، انْتَهَى. وَوَقَفَهُ الْبُخَارِيُّ في "صحيحه"
عَلَى الزُّهْرِيِّ، فَأَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ سَأَلَ عَمَّهُ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ عَنْ الصَّلَاةِ، أَيَقْطَعُهَا شَيْءٌ؟ فَقَالَ: لَا يَقْطَعُهَا شَيْءٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا1 عَنْ عُفَيْرِ بْنِ مَعْدَانُ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ". وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ صَخْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ2 بْنِ حَرْمَلَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، يَقُولُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالنَّاسِ، فَمَرَّ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حِمَارٌ، فَقَالَ عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ: سُبْحَانَ اللَّهِ. سُبْحَانَ اللَّهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ الْمُسَبِّحُ آنِفًا؟ قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي سَمِعْت أَنَّ الْحِمَارَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ"، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ" هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، قَالَ فِي "التَّحْقِيقِ": أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَفِيهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْخُوزِيُّ، قَالَ أَحْمَدُ. وَالنَّسَائِيُّ: هُوَ مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، فَفِيهِ عُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانُ، قَالَ أَحْمَدُ: ضَعِيفٌ، مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَفِيهِ صَخْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُحَدِّثُ عَنْ الثِّقَاتِ بِالْأَبَاطِيلِ، عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ مُنْكَرٌ، أَوْ مِنْ مَوْضُوعَاتِهِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَتَعَقَّبَهُ "صَاحِبُ التَّنْقِيحِ"، وَقَالَ: إنَّهُ وَهَمَ فِي صَخْرٍ هَذَا، فَإِنَّ صَخْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرْمَلَةَ الرَّاوِي عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ ابْنُ عَدِيٍّ، وَلَا ابْنُ حِبَّانَ، بَلْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، وَقَالَ النَّسَائِيّ: هُوَ صَالِحٌ، وَإِنَّمَا ضَعَّفَ ابْنُ عَدِيٍّ صَخْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيَّ، الْمَعْرُوفَ بِالْحَاجِبِيِّ، وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ ابْنِ حَرْمَلَةَ، رَوَى عَنْ مَالِكٍ. وَاللَّيْثِ. وَغَيْرِهِمَا، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَرَوَاهُ الطبراني في "معجمه الوسط3" عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يُصَلِّي، فَذَهَبَتْ شَاةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ. فَسَاعَاهَا، حَتَّى أَلْزَقَهَا بِالْحَائِطِ، ثُمَّ قَالَ: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ، وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ"، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي
"كِتَابِهِ فِي الضُّعَفَاءِ": عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ أَبُو سَلَمَةَ الْخَوَّاصُ الْوَاسِطِيُّ، يَرْوِي الْعَجَائِبَ، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ": وَحَدِيثُ: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ" حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ1" عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: قُلْنَا: الْمَرْأَةُ. وَالْحِمَارُ، فَقَالَتْ: إنَّ الْمَرْأَةَ لَدَابَّةُ سُوءٍ؟ لَقَدْ رَأَيْتُنِي بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَرِضَةً، كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ، وَهُوَ يُصَلِّي، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: ذَهَبَتْ الْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَعُمْدَتُهُمْ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقْطَعُ صَلَاةَ الرَّجُلِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَآخِرَةِ الرَّحْلِ الْمَرْأَةُ. وَالْحِمَارُ. وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ"، قُلْت: مَا بَالُ الْأَسْوَدِ مِنْ الْأَحْمَرِ؟ قَالَتْ: يَا ابْنَ أَخِي، سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا سَأَلْتنِي، فَقَالَ: "الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ: الَّذِي لَا أَشُكُّ فِيهِ أَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَفِي نَفْسِي مِنْ الْمَرْأَةِ. وَالْحِمَارِ شَيْءٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَإِنَّمَا قَالَ أَحْمَدُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ، وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ3 أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي، فَنَزَلْت عَنْ الْحِمَارِ، وَتَرَكْته أَمَامَ الصَّفِّ، فَمَا بَالَاهُ، وَلَمْ يَجِدْ فِي الْكَلْبِ شَيْئًا، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ ابْنُ أَخِي أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، فِيهِ لِينٌ، وَكَذَلِكَ أَعْرَضَ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَدِيثِهِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْمَرْأَةُ. وَالْكَلْبُ. وَالْحِمَارُ، وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ شُعْبَةَ ثَنَا قَتَادَةُ، سَمِعْت جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ. وَالْكَلْبُ، قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ شُعْبَةَ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: وَقَفَهُ سَعِيدٌ. وَهِشَامٌ. وَهَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَلَى
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَتَأَوَّلَ الْجُمْهُورُ الْقَطْعَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، عَلَى قَطْعِ الْخُشُوعِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ مَيْمُونَةَ1، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، وَأَنَا حِذَاءَهُ، وَأَنَا حَائِضٌ، وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوْبُهُ إذَا سَجَدَ، انْتَهَى، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ، وَأَنَا إلَى جَنْبِهِ، وَأَنَا حَائِضٌ، وَعَلَيَّ مِرْطٌ، وَعَلَيْهِ بَعْضُهُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَوْ عَلِمَ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ، لَوَقَفَ أَرْبَعِينَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَرْسَلَهُ إلَى أَبِي جُهَيْمٍ، يَسْأَلُهُ، مَاذَا سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي؟. قَالَ أَبُو جُهَيْمٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ يَعْلَمْ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ، خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ"، قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي، أَقَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَاقُونَ، إلَّا ابْنُ مَاجَهْ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ، وَسَيَأْتِي، وَهُوَ فِي "الْأَرْبَعِينَ لِلرَّهَاوِيِّ": مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ، وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ" بِهَذَا اللَّفْظِ، وَعَزَاهُ إلَيْهِ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ3" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ عَنْ بشر بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبُو جُهَيْمٍ إلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، أَسْأَلُهُ عَنْ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقُومَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا، خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَفِيهِ فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ: "أَرْبَعِينَ خَرِيفًا". الثَّانِيَةُ: إنَّ مَتْنَهُ عَكْسَ مَتْنِ "الصَّحِيحَيْنِ"، فَالْمَسْئُولُ فِي لَفْظِ "الصَّحِيحَيْنِ" هُوَ أَبُو الْجُهَيْمِ، وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَسْئُولُ الرَّاوِي عِنْدَ الْبَزَّارِ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ، وَنَسَبَ ابْنُ الْقَطَّانِ. وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْوَهْمَ فِيهِ إلَى ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُمْ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ: وَقَدْ خَطَّأَ النَّاسُ ابْنَ عُيَيْنَةَ فِي ذَلِكَ، لِمُخَالَفَتِهِ رِوَايَةَ مَالِكٍ، وَلَيْسَ خَطَؤُهُ بِمُتَعَيِّنٍ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أبو جهيم بعث بشر بْنَ سَعِيدٍ إلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ بَعَثَهُ إلَى
أَبِي جُهَيْمٍ، بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ بِمَا عِنْدَهُ، لِيَسْتَثْبِتَهُ فِيمَا عِنْدَهُ، فَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَحْفُوظِهِ، وَشَكَّ أَحَدُهُمَا، وَجَزَمَ الْآخَرُ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا، وَاجْتَمَعَ ذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي النَّضْرِ، وَحَدَّثَ بِهِ الإمامين: مالك. وَابْنَ عُيَيْنَةَ، فَحَفِظَ مَالِكٌ حَدِيثَ أَبِي جُهَيْمٍ، وَحَفِظَ سُفْيَانُ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ.1، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي "التَّمْهِيدِ": رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ هَذَا الْحَدِيثَ مَقْلُوبًا، فَجَعَلَ فِي مَوْضِعِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، أَبَا جُهَيْمٍ، وَفِي مَوْضِعِ أَبِي جُهَيْمٍ، زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ، وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَدْ تَابَعَهُ الثَّوْرِيُّ2 وَغَيْرُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: وَحَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي "سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ3" بِمِثْلِ حَدِيثِ الْبَزَّارِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ أَبَا جُهَيْمٍ، وَلَفْظُهُ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سَالِمٍ أبي النضر عن بشر بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَرْسَلُونِي إلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَسْأَلُهُ عَنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، فَأَخْبَرَنِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: "لَأَنْ يَقُومَ أَرْبَعِينَ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ"، قَالَ سُفْيَانُ: لَا أَدْرِي، أَرْبَعِينَ سَنَةً. أَوْ شَهْرًا. أَوْ صَبَاحًا. أَوْ سَاعَةً، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ وَكِيعٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ بِهِ، بِمَتْنِ "الصَّحِيحَيْنِ"، وَلَا أَدْرِي سُفْيَانُ هَذَا الَّذِي فِي السَّنَدِ الثَّانِي، أَهُوَ الثَّوْرِيُّ. أَوْ ابْنُ عُيَيْنَةَ، فَإِنْ كَانَ الثَّوْرِيُّ، فَقَدْ وَافَقَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَإِنْ كَانَ ابْنَ عُيَيْنَةَ، فَقَدْ خَالَفَهُ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ السَّنَدُ الْأَوَّلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُكُمْ مَا لَهُ فِي أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ مُعْتَرِضًا فِي الصَّلَاةِ، كَانَ لَأَنْ يُقِيمَ مِائَةَ عَامٍ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْخُطْوَةِ الَّتِي خَطَا"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي الصَّحْرَاءِ، فَلْيَجْعَلْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةً"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4 عَنْ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَلْيَنْصِبْ عَصًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا، فَلْيَخْطُطْ خَطًّا، وَلَا يَضُرُّهُ5 مَا مَرَّ أَمَامَهُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْحَادِي وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد6. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ، وَلْيَدْنُ مِنْهَا، وَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يَمُرُّ، فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ1" عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ ثَنَا صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ، وَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. وَالْبَزَّارُ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ فِيهِ: فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ2، فِي تَرْجَمَةِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ" حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِيَسْتَتِرْ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، وَلَوْ بِسَهْمٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ" أَيْضًا عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ، وَلْيَدْنُ مِنْهَا"، انْتَهَى. وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إذَا صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ أَنْ يَكُونَ أَمَامَهُ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ؟ "، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا جَعَلْت بَيْنَ يَدَيْك مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ، فَلَا يَضُرُّك مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْك"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ" انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْمَرْأَةُ. وَالْحِمَارُ. وَالْكَلْبُ، وَيَقِي ذَلِكَ، مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي "غَزْوَةِ تَبُوكَ" عَنْ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي فَقَالَ: "مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ"، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ3" عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جِئْت أَنَا. وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ عَلَى أَتَانٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَمَرَرْنَا عَلَى بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْنَا، وَتَرَكْنَاهَا تَرْتَعُ، وَدَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَقُلْ لَنَا
شَيْئًا، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ": وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِدُونِ سُتْرَةٍ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ فِي بادية، ومعه عَبَّاسٍ، فَصَلَّى فِي صَحْرَاءَ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ، وَحِمَارَةٌ. وَكَلْبَةٌ تَعْبَثَانِ بَيْنَ يديه، فما بال ذَلِكَ، انْتَهَى. وَرَوَى الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَنْبَأَ عَبْدُ الْكَرِيمِ أَنَّ مُجَاهِدًا أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَيْت أَنَا. وَالْفَضْلُ، عَلَى أَتَانٍ، فَمَرَرْنَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، وَهُوَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، لَيْسَ شَيْءٌ يَسْتُرُهُ، وَيَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، انْتَهَى. وَلَكِنْ رَوَى الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِالْأَبْطَحِ، فَقَامَ، فَتَوَضَّأَ، وَأَذَّنَ بِلَالٌ، ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ، ثُمَّ قَامَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ: الْحِمَارُ. وَالْكَلْبُ لَا يَمْنَعُ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، مُخْتَصَرٌ، فَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ الْكَلْبَ. وَالْحِمَارَ، مَرَّا بَيْنَ يَدَيْهِ، دُونَ السُّتْرَةِ، إذْ لَا يُقَالُ: مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ كَذَا، لِشَيْءٍ يَمُرُّ مِنْ وَرَاءِ السُّتْرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ صَلَّى إلَى سُتْرَةٍ، فَلْيَدْنُ مِنْهَا"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَمِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَمِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ. أَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ، فَلْيَدْنُ مِنْهَا، لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالتِّسْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ، فَلْيَدْنُ منهان فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَمُرُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد4
بِلَفْظِ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ، وَلْيَدْنُ مِنْهَا"، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْأَحْزَمُ الْأَصْفَهَانِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ1 الصُّرَيْفِينِيُّ ثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ الْفَرَّاءِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ، فَلْيَدْنُ مِنْهَا، لَا يَمُرُّ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْجُبَيْرِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ، هَكَذَا وَجَدْته فِي "كِتَابِهِ"، وَأَحْسَبُهُ2 مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ3 بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: لَا يَحْفَظُهُ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرٍ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" أَيْضًا4 عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ مَرْفُوعًا، نَحْوُهُ، سَوَاءٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ بْنِ إيَاسٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ بِهِ، نَحْوُهُ، وَبِهَذَا السَّنَدِ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ"، وَقَالَ: هَكَذَا قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، فَقَالَا: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ النُّعْمَانِ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ بُرَيْدَةَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَعَمْرُو بْنُ النُّعْمَانِ بَصْرِيٌّ مَشْهُورٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَجْعَلُ السُّتْرَةَ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ، أَوْ الْأَيْسَرِ، بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ5" عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَامِلٍ عَنْ الْمُهَلَّبِ بْنِ حُجْرٌ عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهَا، قَالَ: مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إلَى عُودٍ، وَلَا عَمُودٍ، وَلَا شَجَرَةٍ، إلَّا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ، أَوْ الْأَيْسَرِ، وَلَا يَصْمُدُ لَهُ صَمْدًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". وَابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِالْوَلِيدِ بْنِ كَامِلٍ، وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: عِنْدَهُ عَجَائِبُ،
وَأَمَّا ابْنُ الْقَطَّانِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ عِلَّتَيْنِ: عِلَّةً فِي إسْنَادِهِ. وَعِلَّةً فِي مَتْنِهِ، أَمَّا الَّتِي فِي إسْنَادِهِ، فَقَالَ: إنَّ فِيهِ ثَلَاثَةَ مَجَاهِيلَ: فَضُبَاعَةُ1 مَجْهُولَةُ الْحَالِ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَهَا. وَكَذَلِكَ الْمُهَلَّبُ بْنُ حُجْرٌ مَجْهُولُ الْحَالِ. وَالْوَلِيدُ بْنُ كَامِلٍ مِنْ الشُّيُوخِ الَّذِينَ لَمْ يَثْبُتْ عَدَالَتُهُمْ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الرِّوَايَةِ كَثِيرُ شَيْءٍ، يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى حَالِهِ، وَأَمَّا الَّتِي فِي مَتْنِهِ، فَهِيَ أَنَّ أَبَا عَلِيِّ بْنَ السَّكَنِ رَوَاهُ فِي "سُنَنِهِ" هَكَذَا: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْحَلَبِيُّ ثَنَا أَبُو تَقِيٍّ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَامِلٍ ثَنَا الْمُهَلَّبُ بْنُ حُجْرٌ الْبَهْرَانِيُّ عَنْ ضُبَيْعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ أَبِيهَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى عَمُودٍ. أَوْ سَارِيَةٍ. أَوْ شَيْءٍ. فَلَا يَجْعَلُهُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ، وَلْيَجْعَلْهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْسَرِ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ السَّكَنِ: أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُد عَنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَامِلٍ، فَغَيَّرَ إسْنَادَهُ وَمَتْنَهُ، فَإِنَّهُ عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهَا، وَهَذَا الَّذِي رَوَى بَقِيَّةُ هُوَ عَنْ ضُبَيْعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ أَبِيهَا، وَذَاكَ فِعْلٌ. وَهَذَا قَوْلٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: فَمَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَتْنِ، بَقِيَّةُ يَقُولُ: ضُبَيْعَةُ بِنْتُ الْمِقْدَامِ، وَابْنُ عَيَّاشٍ يَقُولُ: ضُبَاعَةُ بِنْتُ الْمِقْدَادِ، فَالْوَهَنُ مِنْ حَيْثُ هُوَ اخْتِلَافٌ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ كَامِلٍ، وَمُوَرِّثٌ لِلشَّكِّ فِيمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ الْوَلِيدِ فِي نَفْسِهِ، وَالْجَهْلُ بِحَالِ مَنْ فَوْقَهُ، وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ الْمُهَلَّبَ بْنَ حُجْرٌ، ذَكَرَهُ بِرِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ كَامِلٍ، وَأَنَّهُ يَرْوِي عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ، وَأَمَّا ضُبَيْعَةُ بِنْتُ الْمِقْدَامِ، فَجَاءَ هُوَ بِأَمْرٍ ثَالِثٍ، وَذَلِكَ كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى الِاضْطِرَابِ، وَالْجَهْلِ بِحَالِ الرُّوَاةِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِبَطْحَاءِ مَكَّةَ إلَى عَنَزَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ سُتْرَةٌ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 وَمُسْلِمٌ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ، وَالْمَرْأَةُ. وَالْحِمَارُ يَمُرُّونَ مِنْ وَرَائِهَا. قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ سُتْرَةٌ، لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "فَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ"، قُلْت: تَقَدَّمَ لِأَبِي دَاوُد3 عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ، وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ"، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ نَحْوُ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ"، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ4 وَمُسْلِمٌ عَنْ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ
يُصَلِّي، فَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ أَبَى، فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ: ومعناه أن معه شيطان يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ، لَا أَنَّ الرَّجُلَ شَيْطَانٌ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُصَلُّوا إلَّا إلَى سُتْرَةٍ، وَلَا يَدَعُ الْمُصَلِّي أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ أَبَى، فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ"، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ1"، وَزَادَ: "يَعْنِي الشَّيْطَانَ"، انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ اسْمٌ لِكُلِّ مُتَمَرِّدٍ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَكُلُّ عَاتٍ مُتَمَرِّدٍ، مِنْ الْإِنْسِ. وَالْجِنِّ. وَالدَّوَابِّ، فَهُوَ شَيْطَانٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي "الشِّفَاءِ": وَقَدْ اسْتَمَرَّ كَلَامُ الْعَرَبِ فِي وَصْفِهِمْ كُلَّ قَبِيحٍ مِنْ شَخْصٍ، أَوْ غَيْرِهِ بِالشَّيْطَانِ، قَالَ تَعَالَى: {كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} ، وَقَالَ عليه السلام: "فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ"، وكلام الصِّحَاحِ أَخَصُّ مِنْ هَذِهِ، لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِالْحَيَوَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: "وَيَدْرَأُ" بِالْإِشَارَةِ، كَمَا فَعَلَ عليه السلام بِوَلَدَيْ أُمِّ سَلَمَةَ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ2" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ هُوَ قَاصُّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي حُجْرَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ، أَوْ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ بِيَدِهِ، فَرَجَعَ، فَمَرَّتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ بِيَدِهِ، هَكَذَا، فَمَضَتْ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "هُنَّ أَغْلَبُ"، انْتَهَى. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" هَكَذَا، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ مِنْ جِهَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ هَذَا لَا أَعْرِفُ مَنْ هُوَ، فَإِنَّ فِي طَبَقَتِهِ جَمَاعَةً بِاسْمِهِ، وَأُمُّهُ لَا تُعْرَفُ أَلْبَتَّةَ، فَالْحَدِيثُ مِنْ أَجْلِهِمَا لَا يُعْرَفُ، انْتَهَى. وَلَمْ أَجِدْ فِي "كِتَابِ ابْنِ مَاجَهْ، وَمُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ" إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ، وَكَلَامُ ابْنِ الْقَطَّانِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ قَالَ: عَنْ أُمِّهِ3، وَقَوْلُهُ: وَمُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ لَا أَعْرِفُ مَنْ هُوَ، فَقَدْ عَرَّفَهُ ابْنُ مَاجَهْ، بِقَوْلِهِ: هُوَ قَاصُّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَفِي "تَهْذِيبِ الْكَمَالِ" أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، فَلْيُنْظَرْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا"، وَذَكَرَ مِنْهَا الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ، قُلْت: رَوَاهُ الْقُضَاعِيُّ فِي "مُسْنَدِ الشِّهَابِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، مُرْسَلًا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ. وَالرَّفَثَ فِي الصِّيَامِ. وَالضَّحِكَ فِي الْمَقَابِرِ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ الذَّهَبِيُّ فِي "كِتَابِهِ الْمِيزَانِ"، وَعَدَّهُ مِنْ مُنْكَرَاتِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ فِي كَلَامِهِ عَلَى أَحَادِيثِ الشِّهَابِ: هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ. وَسَعِيدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا مَقْطُوعٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ شَامِيٌّ، مِنْ أَهْلِ حِمْصَ، وَلَيْسَ بِالْمَكِّيِّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام لِأَبِي ذَرٍّ فِي تَقْلِيبِ الْحَصَى فِي الصَّلَاةِ: "مَرَّةً يَا أَبَا ذَرٍّ، وَإِلَّا فَذَرْ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْهُ، قَالَ: سَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى سَأَلْته عَنْ مَسْحِ الْحَصَى، فَقَالَ: "وَاحِدَةً، أَوْ دَعْ"، انْتَهَى. هَكَذَا عَزَاهُ "صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، عَلَى التَّحْقِيقِ1" وَلَمْ أَجِدْهُ فِيهِ، إلَّا عَنْ حُذَيْفَةَ2، فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ شَيْخٍ، يُقَالُ لَهُ: هِلَالٌ عَنْ حُذَيْفَةَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" كَذَلِكَ، سَوَاءً، وَلَكِنَّ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، إلَى آخِرِ اللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عِيسَى بِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ، رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَخَالَفَهُ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، فَرَوَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مُرْسَلًا، وَحَدِيثُ الْأَعْمَشِ أَصَحُّ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ3" عَنْ مُعَيْقِيبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَمْسَحْ الْحَصَى، وَأَنْتَ تُصَلِّي، فإن كنت لابد فَاعِلًا، فَوَاحِدَةٌ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلَا يَمْسَحْ الْحَصَى، فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ. وَحُذَيْفَةَ. وَمُعَيْقِيبٍ. وَجَابِرٍ. انْتَهَى. وَأَبُو الْأَحْوَصِ هَذَا، قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: لَا يُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا الزُّهْرِيُّ، انْتَهَى. لَكِنْ صَحَّحَ لَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" حَدِيثًا في النهي عن الالتفاف فِي الصَّلَاةِ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا بِتَمَامِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ2" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ أَبِي سَعْدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَسْحِ الْحَصَى، فَقَالَ: "وَاحِدَةٌ، وَلَأَنْ تُمْسِكَ عَنْهَا، خَيْرٌ لَك مِنْ مِائَةِ نَاقَةٍ، كُلِّهَا سُودُ الْحَدَقِ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التِّسْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ تُصَلِّي"، قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: "لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِالْحَارِثِ 3، أَخْرَجَهُ فِي "بَابِ مَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ4". وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". والدارقطني فِي "سُنَنِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ زَبَّانَ بْنِ فَائِدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الضَّاحِكُ فِي الصَّلَاةِ، وَالْمُلْتَفِتُ، وَالْمُفَرْقِعُ أَصَابِعَهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَبَّانَ بْنِ فَائِدٍ بِهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ. وَزَبَّانَ بْنَ فَائِدٍ. وَرِشْدِينَ بْنَ سَعْدٍ. وَسَهْلَ بْنَ مُعَاذٍ، كُلَّهُمْ ضُعَفَاءُ، والدارقطني أَوْرَدَهُ فِي حَدِيثِ الْقَهْقَهَةِ، مُحْتَجًّا بِهِ عَلَى أَنَّ الضَّحِكَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ5 إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن
يُصَلِّيَ الرجل مختصر، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: نَهَى عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ، وَزَادَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ": قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: "وَهُوَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ1"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ، فَقَدْ أَخْرَجَاهُ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي "الِاخْتِصَارِ" تَأْوِيلَاتٌ: أَشْهَرُهَا مَا قَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ زِيَادِ بْنِ صُبَيْحٍ الْحَنَفِيِّ، قَالَ: صَلَّيْت إلَى جنب ابن عمر، وضعت يَدِي عَلَى خَاصِرَتِي، فَلَمَّا صَلَّى، قَالَ: هَذَا الصَّلْبُ فِي الصَّلَاةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهُ، انْتَهَى. وَفِي الْبُخَارِيِّ3: وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ يَدَهُ فِي خَاصِرَتِهِ، وَتَقُولُ: إنَّ الْيَهُودَ تفعله، انتهى. ذكره فِي "آخِرِ ذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ"، وَقِيلَ: أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى عَصًا، وَقِيلَ: أَنْ لَا يُتِمَّ الرُّكُوعَ. وَالسُّجُودَ، وَقِيلَ: أَنْ يَخْتَصِرَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا السَّجْدَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَوْ عَلِمَ الْمُصَلِّي مَنْ يُنَاجِي، مَا الْتَفَتَ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه الوسط4" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ نُوحٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ثَنَا نَافِعُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إيَّاكُمْ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ يُنَاجِي رَبَّهُ مَا دَامَ فِي الصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ" فِي الْبَابِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَقُومُ مُصَلِّيًا إلَّا وُكِّلَ بِهِ مَلَكٌ يُنَادِي: يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ تَعْلَمُ مَا فِي صَلَاتِك، وَمَنْ تُنَاجِي، مَا الْتَفَتَّ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" مِنْ حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ الرَّمْلِيِّ عَنْ حَوْشَبٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُصَلِّي يَتَنَاثَرُ عَلَى رَأْسِهِ الْخَيْرُ مِنْ عَنَانِ السَّمَاءِ إلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ، وَمَلَكٌ يُنَادِي: لَوْ يَعْلَمُ هَذَا الْعَبْدُ مَنْ يُنَاجِي، مَا انْفَتَلَ"، انْتَهَى. قَالَ: وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ هَذَا رَوَى عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَعَنْهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، كَانَ ابْنُ مَعِينٍ يُوَثِّقُهُ، وَهُوَ عِنْدِي لَا شَيْءَ فِي الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ هَذَا بِعَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ الثَّقَفِيِّ، سَاكِنِ مَكَّةَ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ جَعَلَهُمَا وَاحِدًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الثَّقَفِيَّ مَاتَ قَبْلَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبَى الثَّوْرِيُّ أَنْ يَشْهَدَ جِنَازَتَهُ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى كَانَ طِفْلًا صَغِيرًا، انْتَهَى. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ5" عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَأَلْت
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْتِفَاتِ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ، وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": وَأَبُو الْأَحْوَصِ هَذَا، لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ، وَهُوَ مَوْلَى بَنِي لَيْثٍ، وَقِيلَ: مَوْلَى بَنَى غِفَارٍ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ، قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْكَرَابِيسِيُّ: لَيْسَ بِالْمَتِينِ2 عِنْدَهُمْ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": هُوَ فِيهِ جَهَالَةٌ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد، فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 عَنْ أَنَسٍ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إيَّاكَ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كان لابد فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالتِّسْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام، كَانَ يُلَاحِظُ أصحابه في صلاته بمؤق عَيْنَيْهِ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ4 وَالنَّسَائِيُّ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْحَظُ فِي الصَّلَاةِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ مَرْفُوعًا، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "جَامِعِهِ"، وَقَدْ خَالَفَ وَكِيعٌ الْفَضْلَ بْنَ مُوسَى فِي رِوَايَتِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ بِهِ مُرْسَلًا5وَقَالَ فِي "عِلَلِهِ الْكَبِيرِ": وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ
مُسْنَدًا مِثْلُ مَا رَوَاهُ الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ بِهِ مُتَّصِلًا، وَغَيْرُهُ يُرْسِلُهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ وَكِيعٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ بِهِ، فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ غَرِيبًا، لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعِيدٍ. وَثَوْرَ بْنَ زَيْدٍ ثِقَتَانِ، وَعِكْرِمَةُ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ، فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ مِنْدَلِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَنَزِيِّ1 عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا صَلَّى يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ فِي الصَّلَاةِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَا يَلْتَفِتُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِمِنْدَلٍ، وَضَعَّفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ. وَالسَّعْدِيِّ. وَابْنِ مَعِينٍ، وَلَيَّنَهُ هُوَ، وَقَالَ: إنَّهُ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: كَانَ يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ بِمُؤْخِرِ عَيْنَيْهِ لَكَانَ أَقْرَبَ إلَى الْحَدِيثِ، وَإِلَى مَقْصُودِهِ أَيْضًا، إذْ لَا يُمْكِنُ الْمُلَاحَظَةُ بمؤق الْعَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا شَيْءٌ مِنْ الِالْتِفَاتِ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانُ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ وَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ، فَلَمَحَ بِمُؤَخِّرِ عَيْنَيْهِ، رَجُلًا لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ. وَالسُّجُودِ، فَقَالَ: "إنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ"، انْتَهَى. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ2 وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" وَسَنَدُ ابْنِ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانُ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ. قَوْلُهُ: وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ بِلِسَانِهِ، ولابيده، لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَعْنًى، حَتَّى لَوْ صَافَحَ بِنِيَّةِ التَّسْلِيمِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، قُلْت: أَجَازَ الْبَاقُونَ رَدَّ السَّلَامِ بِالْإِشَارَةِ، وَلَنَا حَدِيثٌ جَيِّدٌ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ3" عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ4 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ أَشَارَ فِي الصَّلَاةِ إشَارَةً تُفْهَمُ. أَوْ تُفْقَهُ، فَقَدْ قَطَعَ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِابْنِ إسْحَاقَ، وَأَبُو غَطَفَانَ مَجْهُولٌ، وَتَعَقَّبَهُ "صَاحِبُ التَّنْقِيحِ"، فَقَالَ: أَبُو غَطَفَانَ، هو ابن ظريف، وَيُقَالُ: ابْنُ مَالِكٍ الْمُرِّيِّ، قَالَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ: سَمِعْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ فِيهِ: ثِقَةٌ، وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي "الْكُنَى": أَبُو غَطَفَانَ ثِقَةٌ، قِيلَ: اسْمُهُ سَعْدٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَقَالَ إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ مَنْ أَشَارَ
فِي صَلَاتِهِ إشَارَةً تُفْهَمُ عَنْهُ، فَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ: لَا يَثْبُتُ إسْنَادُهُ، لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَالَ لَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد1: أَبُو غَطَفَانَ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد2. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ نَابِلٍ صاحب العبا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: مَرَرْت بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي، فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ إشَارَةً، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ، قَالَ: إشَارَةً بِإِصْبَعِهِ، انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قُلْت لِبِلَالٍ: كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: كَانَ يُشِيرُ بِيَدِهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحَيْهِمَا"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد4 فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ النَّوَوِيُّ: إسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: اخْتَصَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ضَعُفَ قَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَأَدْخَلَهُ فِي "بَابِ مَنْ كَانَ يُشِيرُ بِإِصْبَعَيْهِ فِي الصَّلَاةِ"، وَأَوْهَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَشَارَ بِيَدِهِ فِي التَّشَهُّدِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ حِبَّانَ: إنَّمَا كَانَتْ إشَارَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نَسْخِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ، يُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ5: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ، سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، وَلَمْ يَقُلْ: فَأَشَارَ إلَيْنَا، وَكَذَا حَدِيثُ جَابِرٍ6 أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْك إلَّا أَنِّي كُنْت أُصَلِّي، فَلَوْ كَانَ الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ جَائِزًا لَفَعَلَهُ، وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا: بِأَنَّ أَحَادِيثَ الْإِشَارَةِ لَوْ لَمْ تَكُنْ بَعْدَ نَسْخِهِ لَرَدَّ بِاللَّفْظِ، إذْ الرَّدُّ بِاللَّفْظِ وَاجِبٌ، إلَّا لِمَانِعٍ، كَالصَّلَاةِ، فَلَمَّا رَدَّ بِالْإِشَارَةِ، عُلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْكَلَامِ، قَالُوا: وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَجَابِرٍ، فَالْمُرَادُ بِنَفْيِ الرَّدِّ فِيهِ الرَّدُّ بِالْكَلَامِ،
بِدَلِيلِ لَفْظِ ابْنِ حِبَّانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ: رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ: نَهَانِي خَلِيلِي عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ نَقْرِ الدِّيكِ. وَأَنْ أُقْعِيَ إقْعَاءَ الْكَلْبِ. وَأَنْ أَفْتَرِشَ افْتِرَاشَ الثَّعْلَبِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: افْتِرَاشَ السَّبُعِ، قُلْت: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ1، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ2" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ نَقْرَةٍ، كَنَقْرَةِ الدِّيكِ. وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ، وَالْتِفَاتٍ، كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ احْتَجَّ بِهِ عَلَى حُكْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كَرَاهِيَةُ الْإِقْعَاءِ. وَالْآخَرُ: كَرَاهَةُ الِافْتِرَاشِ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَحْمَدَ3 ذِكْرُ الِافْتِرَاشِ، لَكِنَّهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي "الصَّحِيحِ4"، وَفِيهِ: وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ، وَأَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَفِي النَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَلِيُّ، لَا تُقْعِ إقْعَاءَ الْكَلْبِ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ5. وَابْنُ مَاجَهْ. وَمِنْهَا عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا رَفَعْت رَأْسَك مِنْ السُّجُودِ، فَلَا تُقْعِ، كَمَا يُقْعِي الْكَلْبُ، ضَعْ أَلْيَتَيْك بَيْنَ قَدَمَيْك، وَالْزَقْ ظَهْرَ قَدَمَيْك بِالْأَرْضِ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ6. وَمِنْهَا عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْإِقْعَاءِ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ7"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "أَوَّلِ الْكِتَابِ" تَصْحِيحُ الْحَاكِمِ لِسَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ أَحَادِيثَ ضَعِيفَةً، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": قَالَ الْحَافِظُ: لَيْسَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، إلَّا حَدِيثَ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، إلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ، وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ،
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1، وَلَكِنْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ، قَالَ: هِيَ السُّنَّةُ، فَقُلْنَا لَهُ: إنَّا نَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ، فَقَالَ: بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَابْنِ الزُّبَيْرِ. وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ، كَانُوا يُقْعُونَ، وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ: أَنَّ الْإِقْعَاءَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مُسْتَحَبٌّ. وَالْآخَرُ: مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فالمنهي عنه أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ وَيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَرُكْبَتَاهُ فِي الْأَرْضِ، فَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَفَعَلَتْهُ الْعَبَادِلَةُ، نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَقَدْ بَسَطْنَاهُ فِي "شَرْحِ الْمُهَذَّبِ3"، وَهُوَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ، وَقَدْ غَلِطَ فِيهِ جَمَاعَةٌ لِتَوَهُّمِهِمْ أَنَّ الْإِقْعَاءَ نَوْعٌ وَاحِدٌ، وَأَنَّ الْأَحَادِيثَ فِيهِ مُتَعَارِضَةٌ، حَتَّى ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْسُوخٌ، وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَذَّرْ الْجَمْعُ، وَلَا تَارِيخَ، فَكَيْفَ يَصِحُّ النَّسْخُ؟، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالتِّسْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ، قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ4" عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُخَوَّلِ بْنِ رَاشِدٍ، سَمِعْت أَبَا سَعِيدٍ، يَقُولُ: رَأَيْت أَبَا رَافِعٍ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رَأَى الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ: وَهُوَ يُصَلِّي، وَقَدْ عَقَصَ شَعْرَهُ، فَأَطْلَقَهُ، وَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ، وَهُوَ عَاقِصٌ شَعْرَهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد5. وَالتِّرْمِذِيُّ، وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ رَأَى أَبَا رَافِعٍ، مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرَّ بِحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَهُوَ يُصَلِّي قَائِمًا، وَقَدْ غَرَزَ ضَفْرَهُ فِي قَفَاهُ، فَحَلَّهَا أَبُو رَافِعٍ، فَالْتَفَتَ حَسَنٌ إلَيْهِ مُغْضَبًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو رَافِعٍ: أَقْبِلْ عَلَى صَلَاتِك، وَلَا تَغْضَبْ، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "ذَاكَ كِفْلُ الشَّيْطَانِ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِي رَافِعٍ، لَمْ يَقُلْ: إنَّهُ رَأَى أَبَا رَافِعٍ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ6" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُخَوَّلُ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ7 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عبد الله الْعَزِيزِ ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُخَوَّلِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ سَعِيدٍ
الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا سُفْيَانُ بِهِ، سَنَدًا وَمَتْنًا، وَزَادَ: قَالَ إسْحَاقُ: قُلْت لِلْمُؤَمَّلِ بْنِ إسْمَاعِيلَ: أَفِيهِ أُمُّ سَلَمَةَ؟، فَقَالَ: بِلَا شَكٍّ، هَكَذَا كَتَبْته مِنْهُ إمْلَاءً بِمَكَّةَ، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"، قَالَ: وَوَهَمَ الْمُؤَمَّلُ فِي ذِكْرِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَغَيْرُهُ لَا يَذْكُرُهَا، وَرَوَاهُ عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، وَهُوَ أَصَحُّهُمَا إسْنَادًا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ "الْعِلَلِ": هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ أَبُو حُذَيْفَةَ. وَمُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُخَوَّلِ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَغَيْرُهُمَا يَرْوِيهِ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُخَوَّلِ، وَلَا يَذْكُرُ أُمَّ سَلَمَةَ، وَهَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَةُ. وشريط عَنْ مُخَوَّلٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْمُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُخَوَّلٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أم سلمة، قالت: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ، فَقَالَ أَبِي: أَخْطَأَ مُؤَمَّلٌ، إنَّمَا رُوِيَ عَنْ مُخَوَّلٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ "مُشْكِلُ الْآثَارِ": يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ أَبُو سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ شَاهَدَ مِنْ أَبِي رَافِعٍ قِصَّةَ الْحَسَنِ هَذِهِ، فَإِنَّ وَفَاةَ أَبِي سَعِيدٍ كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَتْ وَفَاةُ عَلِيٍّ قَبْلَ ذَلِكَ بِخَمْسٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَوَفَاةُ أَبِي رَافِعٍ قَبْلَ ذَلِكَ، وَعَلِيٌّ كَانَ وَصِيَّ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَهَذَا الَّذِي اسْتَبْعَدَهُ الطَّحَاوِيُّ لَيْسَ بِبَعِيدٍ، فَإِنَّ الْمَقْبُرِيَّ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، عَلَى مَا ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ"، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تُوُفِّيَ أَبُو رَافِعٍ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَقِيلَ: فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ، وَهُوَ أَصَحُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةٍ، وَذَلِكَ إذَا سَلَّمْنَا أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَأَنَّ بَيْنَ وَفَاتِهِ وَوَفَاةِ عَلِيٍّ خَمْسًا وَثَمَانِينَ سَنَةً، لِأَنَّ عَلِيًّا مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُضِيفَ إلَى ذَلِكَ أَيَّامَهُ، وَهِيَ أَرْبَعُ سِنِينَ وَتِسْعَةُ أَشْهُرٍ، وَأَيَّامُ عُثْمَانَ، وَهِيَ ثنتان عَشْرَةَ سَنَةً، فَهَذِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، غَيْرَ رُبُعٍ، فَجَاءَ الْجَمِيعُ مِائَةَ سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ، فَلْيُفْرَضْ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ عُمَرَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَا أَقَلَّ أَنْ يَكُونَ سِنُّ مَنْ يَضْبِطُ، كَثَمَانِ سِنِينَ، أَوْ نَحْوِهَا، فَهَذِهِ مِائَةُ سَنَةٍ، وَعَشْرٌ، فَيَحْتَاجُ سِنُّ أَبِي سَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَدْرُ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، وَهَذَا شَيْءٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ، وَلَا ذُكِرَ بِهِ، قَالَ: فَالْأَوْلَى فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ وَفَاةَ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، لَمْ تَكُنْ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِنِّي لَا أَعْرِفُ أَحَدًا قَالَ ذَلِكَ، إلَّا الطَّحَاوِيَّ1، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ2
فِي وَفَاتِهِ، إمَّا سَنَةَ مِائَةٍ، كَمَا حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ فِي "كِتَابِهِ ذَيْلِ الْمُذَيَّلِ"، وَقَالَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، وَإِمَّا فِي خِلَافَةِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، كَمَا قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ. وَغَيْرُهُ، وَكَانَتْ وَفَاةُ الْوَلِيدِ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ، وَإِمَّا فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، فَلْيُنَزَّلْ عَلَى أَبْعَدِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: سَنَةَ مِائَةٍ، حَتَّى يَكُونَ بَيْنَ وَفَاتِهِ وَوَقْتِ حَيَاةِ أَبِي رَافِعٍ سِتُّونَ سَنَةً، أَوْ أَكْثَرُ بقليل، وهذا لابعد فِيهِ، وَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى تَقْدِيرِ سَمَاعِهِ مِنْ عُمَرَ، فَإِنَّهُ وَإِنْ حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ، مَشْكُوكٌ فِيهِ1، وَلَمْ يَحْكُمْ بِإِسْنَادِهِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ غَيْرُ الْبُخَارِيِّ: إنَّهُ رَوَى عَنْ عُمَرَ، وَهَذَا لَا يُنْكَرُ، فَإِنَّهُ قَدْ يُرْسِلُ عَنْهُ، قَالَ: وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ: إنَّ الْمَقْبُرِيَّ لَا يَبْعُدُ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِي رَافِعٍ، أَنَّ أَبَا دَاوُد رَوَى الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ، وَقَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ رَأَى أَبَا رَافِعٍ مَرَّ بِالْحَسَنِ، فَفِي هَذَا اللَّفْظِ، أَنَّهُ رَأَى هَذَا الْفِعْلَ مِنْ أَبِي رَافِعٍ، وَشَاهَدَهُ، وَلَكِنْ فِي إسْنَادِهِ عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى2، وَلَا أعرف حاله، وَلَا أَعْرِفُ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ ابْنِ جُرَيْجٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: قَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا، وَفِيهِ: رَأَيْت أَبَا رَافِعٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَمُخَوَّلُ بْنُ رَاشِدٍ ثِقَةٌ، أَخْرَجَا لَهُ فِي "الصحيحن"، وَأَخْرَجَ لَهُ الْبَاقُونَ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ3" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةٍ، وَأَنْ لَا أَكُفَّ شَعْرًا، وَلَا ثَوْبًا"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4 عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ كُرَيْبٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي، وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ، فَقَامَ وَرَاءَهُ، فَجَعَلَ يَحِلُّهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، أَقْبَلَ عَلَى ابن عباس، فقال: مالك وَلِرَأْسِي؟. قَالَ: إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي، وَهُوَ مَكْتُوفٌ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَعْقِصْ شَعْرَك فِي الصلاة، فإنه كفل الشَّيْطَانِ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالتِّسْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ5" عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ، زَادَ أَبُو دَاوُد: وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ بِالزِّيَادَةِ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَا فِيهِ: تَغْطِيَةَ الرَّجُلِ فَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِدُونِ الزِّيَادَةِ، عَنْ عِسْلِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَّا مِنْ حَدِيثِ عِسْلِ بْنِ سُفْيَانَ، انْتَهَى. قُلْت: قَدْ تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ، كَمَا تَقَدَّمَ لِأَبِي دَاوُد، وَتَابَعَهُ أَيْضًا عَامِرٌ الْأَحْوَلُ، كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط" عَنْ أَبِي بَحْرٍ الْبَكْرَاوِيِّ1 وَاسْمُهُ "عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ" ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، فَذَكَرَهُ، وَرِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، إلَّا الْبَكْرَاوِيَّ، فَإِنَّهُ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَغَيْرُهُمَا، وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَسَنَ الرَّأْيِ فِيهِ، وَرَوَى عَنْهُ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَسَنَدُ أَبِي دَاوُد فِيهِ الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ الْمُعَلِّمُ، ضَعَّفَهُ، ابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، لَكِنْ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الصَّحِيحِ"، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَسَنَدُ التِّرْمِذِيِّ، فِيهِ عِسْلُ بْنُ سُفْيَانَ "بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَسُكُونِ السِّينِ، الْمُهْمَلَتَيْنِ" هُوَ: ابْنُ سُفْيَانَ التَّمِيمِيُّ، الْيَرْبُوعِيُّ، الْبَصْرِيُّ، كُنْيَتُهُ "أَبُو قُرَّةَ"، ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَغَيْرُهُمَا، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ2" عَنْ أَبِي مَالِكٍ النَّخَعِيّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ سَدَلَ ثَوْبَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَضَمَّهُ3، وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَطَعَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَعَطَفَهُ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، رُبَّمَا كان يستر فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ بِنَافِعٍ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ، إذَا لَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إلَى سَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِدِ، قَالَ لِي: وَلِّنِي ظَهْرَك، انْتَهَى. وَرَوَى أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُقْعِدُ رَجُلًا، وَيُصَلِّي خَلْفَهُ، وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ الرَّجُلِ، انْتَهَى. وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ خَلْفَ النَّائِمِ. وَالْمُتَحَدِّثِ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ. وَلَا الْمُتَحَدِّثِ"، انْتَهَى. فِي سَنَدِ أَبِي دَاوُد رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَفِي سَنَدِ ابْنِ مَاجَهْ أَبُو الْمِقْدَامِ، هِشَامُ بْنُ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ، لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَسَطَ الْقَوْلَ فِيهِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى5، وَعَائِشَةُ نَائِمَةٌ، مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ":
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ بَكْرٍ ثَنَا أَبِي عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: نُهِيت أَنْ أُصَلِّيَ إلَى النِّيَامِ. وَالْمُتَحَدَّثِينَ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إلَّا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَرُوِيَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْكُوفِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ صُبَيْحٍ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي إلَى رَجُلٍ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي صَلَّيْت، وَأَنْتَ تَنْظُرُ إلَيَّ، انْتَهَى. قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَحْفَظُهُ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَكَأَنَّ هَذَا الْمُصَلِّيَ كَانَ مُسْتَقْبِلَ الرَّجُلِ، فَوَجَّهَهُ، فَلَمْ يَتَنَحَّ عَنْ حِيَالِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ: حديث جبرئيل: "إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ2 فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ فِي بَابِ إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِينَ، وَالْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ، فَوَافَقَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَمِّ أَبِيهِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: واعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبرئيل، فَرَاثَ عَلَيْهِ "أَيْ أَبْطَأَ"، حَتَّى شَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَهُ، فَقَالَ: "إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ مَيْمُونَةَ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 فِي "اللِّبَاسِ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي مَيْمُونَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْبَحَ يَوْمًا وَاجِمًا، فَقَالَتْ لَهُ مَيْمُونَةُ: قَدْ اسْتَنْكَرْت هَيْئَتَك مُنْذُ اليوم، قال: إن جبرئيل كَانَ وَعَدَنِي أَنْ يَلْقَانِيَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَلْقَنِي، ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ جِرْوٌ كَلْبٌ تَحْتَ فُسْطَاطٍ لَنَا، فَأَمَرَ بِهِ، فَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً، فَنَضَحَ مكانه، فلما لقيه جبرئيل، قَالَ: "إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، وَلَا صُورَةٌ"، فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، حَتَّى أَنَّهُ لَيَأْمُرُ بِقَتْلِ كَلْبِ الْحَائِطِ الصَّغِيرِ، وَيَتْرُكُ كَلْبَ الْحَائِطِ الْكَبِيرِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4 أَيْضًا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْهَا، قَالَتْ:
وَاعَدَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبرئيل فِي سَاعَةٍ يَأْتِيهِ فِيهَا، فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ، وَلَمْ يَأْتِهِ، وَفِي يَدِهِ عَصًا فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ: مَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَا رُسُلَهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَإِذَا جِرْوٌ كَلْبٌ تَحْتَ سَرِيرِهِ، فَقَالَ: "مَا هَذَا1 يَا عَائِشَةُ"؟ "مَتَى دَخَلَ هذا الكلب ههنا"؟ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا دَرَيْت، فَأَمَرَ بِهِ، فَأُخْرِجَ، فَجَاءَ جبرئيل، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَاعَدْتَنِي، فَجَلَسْتُ لَك، فَلَمْ تَأْتِ" فَقَالَ: مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِكَ "إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ"، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ2" عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَاسْمُهُ "زَيْدُ بْنُ سُهَيْلٍ" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ"، انْتَهَى. لِمُسْلِمٍ، وَلِبَعْضِهِمْ فِيهِ قِصَّةٌ، وَزَادَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ: يُرِيدُ صُورَةَ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا الْأَرْوَاحُ، ذَكَرَهُ فِي "الْمَغَازِي فِي بَابِ شُهُودِ الْمَلَائِكَةِ بَدْرًا"، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: لَا يَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ تَمَاثِيلُ أَوْ تَصَاوِيرُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ. وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَجِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ وَلَا جُنُبٌ"، انْتَهَى. لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ مَاجَهْ فِيهِ: الْجُنُبَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَجِيٍّ فِيهِ مَقَالٌ، وَزَادَ أَحْمَدُ فِيهِ: وَلَا صُورَةُ رُوحٍ، وَلِشَيْخِنَا عَلَاءِ الدِّينِ ههنا وَهْمَانِ، قَلَّدَ فِيهِمَا غَيْرَهُ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَعْزُ الْحَدِيثَ إلَّا لِأَبِي دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيِّ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ4. وَالثَّانِي: أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد5. وَالتِّرْمِذِيِّ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْمَلَائِكَةِ، وَهَذَا لَفْظُهُمَا عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أتاني جبرئيل، فَقَالَ لِي: أَتَيْتُك الْبَارِحَةَ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَدْخُلَ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي بَابِ الْبَيْتِ تِمْثَالُ الرِّجَالِ،
وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ، فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ، فَلْيُقْطَعْ، فَيُصَيَّرُ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ، فَلْيُقْطَعْ، وَلْيُجْعَلْ فِيهِ وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبَذَتَيْنِ، تُوطَآنِ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ، فَلْيُخْرَجْ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا الْكَلْبُ لِلْحَسَنِ. أَوْ لِلْحُسَيْنِ، كَانَ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُمْ، فَأَمَرَ بِهِ، فَأُخْرِجَ، انْتَهَى. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "اللِّبَاسِ". وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الِاسْتِئْذَانِ". وَالنَّسَائِيُّ فِي "الزِّينَةِ"، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْمَلَائِكَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَخْصُوصٌ بجبرئيل، فِي وَاقِعَةٍ مَخْصُوصَةٍ، فَلَيْسَ هَذَا حَدِيثُ الْكِتَابِ لَا لَفْظًا، وَلَا مَعْنًى، وَيَا لَيْتَهُ ذَكَرَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى شَيْءٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِمَقْصُودِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ رَأْسِهِ. أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ. أَوْ بِحِذَائِهِ تصاوير، أَوْ صُورَةٌ معلقة "يعني في الصلاة" لحديث جبرئيل عليه السلام "إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب أو صورة"، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَلَا بَأْسَ، لِأَنَّ فِيهِ اسْتِهَانَةً بِالصُّورَةِ، فَالْحَدِيثُ عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ صُورَةٍ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ خَاصٌّ بِالصُّورَةِ الْمُعَلَّقَةِ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لَهُ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قال: استأذن جبرئيل عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اُدْخُلْ، فَقَالَ: كَيْفَ أَدْخُلُ، وَفِي بَيْتِك سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ؟ إمَّا أَنْ تَقْطَعَ رُءُوسَهَا. أَوْ يُجْعَلَ بِسَاطًا يُوطَأُ، "فَإِنَّا مَعْشَرَ الْمَلَائِكَةِ لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَلَفْظُهُ: فَإِنْ كنت لابد فَاعِلًا، فَاقْطَعْ رُءُوسَهَا، أَوْ اقْطَعْهَا وَسَائِدَ، أَوْ اجْعَلْهَا بُسُطًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ2 فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ" عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اتَّخَذَتْ عَلَى سَهْوَةٍ لَهَا سِتْرًا، فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَهَتَكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَاِتَّخَذَتْ مِنْهُ نُمْرُقَتَيْنِ، فَكَانَتَا في البيت نجلس عَلَيْهِمَا، زَادَ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ مُتَّكِئًا عَلَى إحْدَاهُمَا، وَفِيهَا صُورَةٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ ثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّمَاثِيلِ، أَنَّهُ رَخَّصَ فِيمَا كَانَ يُوطَأُ، وَكَرِهَ مَا كَانَ مَنْصُوبًا، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ إلَّا سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، انْتَهَى الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالتِّسْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ، وَلَوْ كُنْتُمْ فِي
الصَّلَاةِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 عن ضمضم بن جرس عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ: الْحَيَّةَ. وَالْعَقْرَبَ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. وَفِي النَّوْعِ السِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَضَمْضَمُ بن جرس مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، سَمِعَ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ2" عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ، مَا يَقْتُلُ الرَّجُلُ مِنْ الدَّوَابِّ، وَهُوَ محرم؟، فقال: حدثني إحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ. وَالْفَأْرَةِ. وَالْعَقْرَبِ. وَالْحِدَأَةِ. وَالْغُرَابِ. وَالْحَيَّةِ، قَالَ: وَفِي الصَّلَاةِ أَيْضًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ أَبِي الْمِقْدَامِ، مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفًا، وَإِنَّ شَرَفَ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ، وَاقْتُلُوا الْحَيَّةَ. وَالْعَقْرَبَ، وَإِنْ كُنْتُمْ فِي صَلَاتِكُمْ" مُخْتَصَرٌ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي "الْحَجِّ"، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِهِشَامٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ" عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي جَالِسًا، فَقَالُوا: مَا شَأْنُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لَسَعَتْنِي عَقْرَبٌ، ثُمَّ قَالَ: إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ عَقْرَبًا، وَهُوَ يُصَلِّي، فَلْيَقْتُلْهَا بِنَعْلِهِ الْيُسْرَى"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى لَمْ يُدْرِكْ الْعَدَوِيِّ، انْتَهَى. وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَأَوْرَدَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثَ مُسْلِمٍ، وَمُرْسَلَ أَبِي دَاوُد، وَلَمْ يُورِدْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "كِتَابِ الْإِمَامِ" لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا حَدِيثَ السُّنَنِ، فَقَطْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" عَلَى أَنَّ الْمَشْيَ الْيَسِيرَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ: فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّفْخَ فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُ، بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُد1 عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ: ثُمَّ نَفَخَ فِي آخِرِ سُجُودِهِ: أُفٍّ، أُفٍّ، الْحَدِيثَ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"، فَقَالَ: "بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ النَّفْخِ فِي الصَّلَاةِ"، وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: نَفَخَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُجُودِهِ فِي كُسُوفٍ، انْتَهَى. وَفِي مَنْعِهِ حَدِيثَانِ، أَخْرَجَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ: أَحَدُهُمَا: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ الْأَزْهَرِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غُلَامٍ لَنَا، يُقَالُ لَهُ: رِيَاحٌ، فَرَآهُ سَجَدَ، فَنَفَخَ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "يَا رِيَاحُ لَا تَنْفُخْ، فَإِنَّهُ مَنْ نَفَخَ، فَقَدْ تَكَلَّمَ". وَالثَّانِي: عَنْ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ: "مَنْ أَلْهَاهُ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ، فَذَاكَ حَظُّهُ، وَالنَّفْخُ كَلَامٌ"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْأَوَّلُ ضَعِيفٌ. وَالثَّانِي: أَضْعَفُ مِنْهُ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ الْمُفَرَّقَةَ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ، بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي، وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ، بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ2. أَحَادِيثُ الصَّلَاةِ، بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَمُدَافَعَةِ الْحَدَثِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ، وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ وَلَا يُعَجِّلَنَّ، حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ"، زَادَ الْبُخَارِيُّ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ، وَتُقَامُ الصَّلَاةُ، فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ، وَأَنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَا4 عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ، وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: إذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ، قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ5 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ6 عَنْ هِشَامِ
بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَرْقَمَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْخَلَاءِ، وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلْيَبْدَأْ بِالْخَلَاءِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجُوا1 إلَّا النَّسَائِيّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ2 الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي حَيٍّ3 عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "ثَلَاثٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُنَّ: لَا يَؤُمُّ رَجُلٌ قَوْمًا، فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ، فَقَدْ خَانَهُمْ، وَلَا يَنْظُرُ فِي قَعْرِ بَيْتٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ، فَإِنْ فَعَلَ، فَقَدْ دَخَلَ، وَلَا يُصَلِّي، وَهُوَ حَقِنٌ، حَتَّى يَتَخَفَّفَ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد4 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصَلِّيَ، وَهُوَ حَاقِنٌ، حَتَّى يَتَخَفَّفَ"، انْتَهَى. وَفِيهِ رَجُلٌ5 فِيهِ جَهَالَةٌ، وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد. فَصْلٌ الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالتِّسْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ6 فِي "الطَّهَارَةِ" عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ، فَلَا تستقبلوا، وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا، أَوْ غَرِّبُوا"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ7 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قِيلَ لَهُ: عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ؟! فَقَالَ: أَجَلْ! لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَأَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ8 وَأَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "إذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ فَلَا يَسْتَقْبِلَنَّ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا" انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ أَبِي مَعْقِلٍ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَتَيْنِ بِبَوْلٍ أَوْ بِغَائِطٍ2 انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: أَبُو زَيْدٍ مَوْلًى لِبَنِي ثَعْلَبَةَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِ سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ": وَأَبُو زَيْدٍ هَذَا لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، انْتَهَى. وَهَذَا حَدِيثٌ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الِاسْتِدْبَارُ. وَمِثْلُهُ حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ3 عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ جد الزُّبَيْدِيَّ، يَقُولُ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ"، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ حَدَّثَ النَّاسَ بِذَلِكَ، انْتَهَى. وَرَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ4" عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ. أَوْ غَائِطٍ، فِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، فَهُوَ كَالْمُنْقَطِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ، هَلْ النَّهْيُ لِأَجْلِ الْقِبْلَةِ، أَوْ لِأَجْلِ الْمَلَائِكَةِ؟ قَالَ: وَتَعَلَّقَ الْأَوَّلُونَ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ فِي "تَهْذِيبِ الْآثَارِ5" عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ ابْنِ رِشْدِينَ الْجُنْدِيِّ عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ، فَلْيُكْرِمْ قِبْلَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ"، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ جَلَسَ بِبَوْلٍ، قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ، فَذَكَرَ، فَتَحَرَّفَ عَنْهَا إجْلَالًا لَهَا، لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ"، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامٍ عَنْ طَاوُسٍ مُرْسَلًا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْبَرَازَ، فَلْيُكْرِمْ قِبْلَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَسْتَقْبِلْهَا، وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا"، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ6": وَقَدْ أُسْنِدَ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا يَصِحُّ، أَسْنَدَهُ أَحْمَدُ بن الحسن
الْمِصْرِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَالْمُرْسَلُ أَيْضًا ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُ دَائِرٌ عَلَى زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو حَاتِمٍ. فَائِدَةٌ1: قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ فِي "كِتَابِهِ" أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالِاسْتِنْجَاءِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ سَلْمَانَ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ مِنْ جِهَةِ مُسْلِمٍ بِسَنَدِهِ عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قَالَ لَنَا الْمُشْرِكُونَ: عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى الْخِرَاءَةَ؟! فَقَالَ سَلْمَانُ: أَجَلْ! لَقَدْ نَهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ، أَوْ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، الْحَدِيثَ، كَذَا رَأَيْته فِي "كِتَابِهِ" مُسْتَقْبِلَ "بِالْمِيمِ"، وَبِهَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي مُسْلِمٍ، مِمَّا تَتَبَّعْته مِنْ نُسَخِهِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: وَتَعَلَّقَ الْآخَرُونَ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ عِيسَى الْحَنَّاطِ3 قَالَ: قُلْت لِلشَّعْبِيِّ: إنِّي أَعْجَبُ مِنْ اخْتِلَافِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَابْنِ عُمَرَ، قَالَ نَافِعٌ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: دَخَلْت بَيْتَ حَفْصَةَ، فَجَاءَتْ4 الْتِفَاتَةٌ، فَرَأَيْت كَنِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَقَالَ أبي هُرَيْرَةَ: إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ، فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا، قَالَ الشَّعْبِيُّ: صَدَقَا جَمِيعًا، أَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَهُوَ فِي الصَّحْرَاءِ: إنَّ لِلَّهِ عِبَادًا: مَلَائِكَةً. وَجِنًّا، يُصَلُّونَ، فَلَا يَسْتَقْبِلُهُمْ أَحَدٌ بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ، وَلَا يَسْتَدْبِرُهُمْ، وَأَمَّا كُنُفُهُمْ هَذِهِ، فَإِنَّمَا هِيَ بُيُوتٌ بُنِيَتْ لَا قِبْلَةَ فِيهَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَعِيسَى هَذَا: هُوَ ابْنُ مَيْسَرَةَ5، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ الشَّيْخُ: وَعِيسَى هَذَا، يُقَالُ فِيهِ: الْحَنَّاطُ "بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ" وَيُقَالُ فِيهِ: الْخَبَّاطُ "بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ. وَمُوَحَّدَةٍ"، وَيُقَالُ فِيهِ: الْخَيَّاطُ "بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَيَاءٍ آخِرُ الْحُرُوفِ"، وَحَدِيثُ عِيسَى هَذَا اخْتَصَرَهُ ابْنُ مَاجَهْ، لَيْسَ فِيهِ مَا قَصَدْنَاهُ.
أَحَادِيثُ الرُّخْصَةِ: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ1 عَنْ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إذَا قَعَدْت عَلَى حَاجَتِك فَلَا تَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، وَلَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَقَدْ ارْتَقَيْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا، فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ، وَهُوَ فِي لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ: مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ، مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عن مجاهد بن جبير عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي الْقِسْمِ الثَّانِي. وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ". والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، وَعِنْدَهُمْ الْأَرْبَعَةُ: حَدَّثَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، فَزَالَتْ تُهْمَةُ التَّدْلِيسِ، ولفظهم فِيهِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، أَوْ نَسْتَدْبِرَهَا بِفُرُوجِنَا، إذَا أَهْرَقْنَا الْمَاءَ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ يَبُولُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، انْتَهَى. وَأَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، وَثَّقَهُ الْمُزَكُّونَ: يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو زُرْعَةَ. وَأَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "الْعِلَلِ" الْكَبِيرِ3": سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ1 عن حماد بن بْنِ سَلَمَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ عَنْ عِرَاكٍ2 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمٌ يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا بِفُرُوجِهِمْ الْقِبْلَةَ، فَقَالَ: أَرَاهُمْ قَدْ فَعَلُوهَا، أَسْتَقْبِلُ بِمَقْعَدَتِي الْقِبْلَةَ، قَالَ فِي "الْإِمَامِ": قَالَ الْأَثْرَمُ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَحْسَنُ مَا فِي الرُّخْصَةِ حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا، فَإِنَّ مَخْرَجَهُ حَسَنٌ، قُلْت لَهُ: فَإِنَّ عِرَاكًا يَرْوِيهِ مَرَّةً، وَيَقُولُ: سَمِعْت عَائِشَةَ، فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ سَمِعَ عِرَاكٌ عَائِشَةَ بِمَا يَرْوِي عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا؟!، وَحَكَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، لَيْسَ فِيهِ: سَمِعْت، وَهَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةٍ، لَيْسَ فِيهِ: سَمِعْت،
قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ مِثْلُ مَا حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذَا، وَلِعِرَاكٍ أَحَادِيثُ عَدِيدَةٌ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ الرَّاوِي عَنْهُ، قَوْلَهُ: سَمِعْتُ ثِقَةً، فَهُوَ مُقَدَّمٌ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَقِيَ الشَّيْخَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحَدَّثَهُ، إذَا كَانَ مِمَّنْ يمكن لقاءه، وَقَدْ ذَكَرُوا سَمَاعَ عِرَاكٍ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يُنْكِرُوهُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ تُوُفِّيَ هُوَ. وَعَائِشَةُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يَبْعُدُ سَمَاعُهُ عن عَائِشَةَ، مَعَ كَوْنِهِمَا فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ لِمُسْلِمٍ أَنْ أَخْرَجَ فِي "صَحِيحِهِ" حَدِيثَ عِرَاكٍ عَنْ عَائِشَةَ، مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عِرَاكٍ عَنْ عَائِشَةَ: جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، الْحَدِيثَ، وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ، فَقَدْ وَقَعَتْ لَنَا رِوَايَةٌ صَرِيحَةٌ
بِسَمَاعِهِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ الَّتِي أَنْكَرَهَا أَحْمَدُ، أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ2 عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، وَفِيهِ: فَقَالَ عِرَاكٌ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُ النَّاسِ أَمَرَ بِمَقْعَدَتِهِ، فَاسْتَقْبَلَ بِهَا الْقِبْلَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ": اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَصِنْفٌ: كَرِهُوهُ مُطْلَقًا، مِنْهُمْ: مُجَاهِدٌ. وَالنَّخَعِيُّ. وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَخَذُوا بِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ. وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَا. وَصِنْفٌ رخصوه مُطْلَقًا، وَهُمْ فِرْقَتَانِ: فِرْقَةٌ: طَرَحُوا الْأَحَادِيثَ لِتَعَارُضِهَا، وَرَجَعُوا إلَى الْأَصْلِ فِي الْأَشْيَاءِ، وَهِيَ الْإِبَاحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ ادَّعَى النَّسْخَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَجَابِرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَا، وَبِحَدِيثِ عِرَاكٍ أَيْضًا. وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ: فَصَّلُوا، فَكَرِهُوهُ فِي الصَّحَارِي دُونَ الْبُنْيَانِ، وَمِنْهُمْ الشَّعْبِيُّ. وَأَحْمَدُ. وَالشَّافِعِيُّ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ3" عَنْ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ، قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، وَجَلَسَ يَبُولُ إلَيْهَا، فَقُلْت: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟!، قَالَ: بَلَى، إنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُك، فَلَا بَأْسَ، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي نُسْخَةٍ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ، وَإِنْ كَانَ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ، فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، فَكَذَلِكَ قَالَ الْحَازِمِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى.
باب صلاة الوتر
بَابُ صَلَاةِ الْوِتْرِ الْحَدِيثُ الْمُوَفِّي لِلْمِائَةِ: حَدِيثُ "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً، أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ، إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو
بْنِ الْعَاصِ. وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. أَمَّا حَدِيثُ خَارِجَةَ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي مُرَّةَ عَنْ خَارِجَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ لَكُمْ خَيْرٌ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَجَعَلَهَا لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، لِتَفَرُّدِ التَّابِعِيِّ عَنْ الصَّحَابِيِّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". والدارقطني فِي "سُنَنِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِ هَؤُلَاءِ مِنْ بَعْضٍ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِابْنِ إسْحَاقَ. وَبِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ، وَنُقِلَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": أَمَّا تَضْعِيفُهُ بِابْنِ إسْحَاقَ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَقَدْ تَابَعَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ بِهِ، وَأَمَّا نَقْلُهُ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَاشِدٍ فَغَلَطٌ، لِأَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ إنَّمَا ضَعَّفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَاشِدٍ الْبَصْرِيَّ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ الرَّاوِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَمَّا هَذَا رَاوِي حَدِيثِ خَارِجَةَ، فَهُوَ الزَّوْفِيُّ2 أَبُو الضَّحَّاكِ الْمِصْرِيُّ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الثِّقَاتِ"، انْتَهَى. قُلْت: هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "كِتَابِ الْكُنَى" أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ الزَّوْفِيِّ أَبِي الضَّحَّاكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُرَّةَ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَعُقْبَةَ، فَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا سُوَيْد3 بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا قُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ4 بْنِ حيوئيل5 عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ زَادَكُمْ صَلَاةً، هِيَ لَكُمْ خَيْرٌ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ، الْوِتْرُ، وَهِيَ لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ رَاهْوَيْهِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ6.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَبْشِرًا، فَقَالَ: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالنَّضْرُ أَبُو عُمَرَ الْخَزَّازُ1 ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَصْرَةَ، فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ2 فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّ أَبَا تَمِيمٍ الْجَيَشَانِيَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَعَلَّهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" بِابْنِ لَهِيعَةَ3، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ4". وَأَحْمَدَ فِي "مُسْنَدِهِ5" عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ هُبَيْرَةَ عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيَشَانِيَّ بِهِ، وَطَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ ابْنِ هُبَيْرَةَ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ6" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا، أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاجْتَمَعْنَا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إنَّ اللَّهَ قَدْ زَادَكُمْ صَلَاةً"، فَأَمَرَنَا بِالْوِتْرِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَالْعَرْزَمِيُّ ضَعِيفٌ، وَنَقَلَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ النَّسَائِيّ. وَأَحْمَدَ. وَالْفَلَّاسِ أَنَّهُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَالْحَجَّاجُ غَيْرُ ثِقَةٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "غَرَائِبِ مَالِكٍ" عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ أَبِي الْجَوْنِ الإسكندراني ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ، يَجُرُّ رِدَاءَهُ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً إلَى صَلَاتِكُمْ، وَهِيَ الْوِتْرُ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَحُمَيْدَ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ ضَعِيفٌ7.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "كِتَابِهِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ1" حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا العباس بن الوليد الحلال الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ": وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَحَادِيثُ، كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ: فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ النَّضْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَهُ، قَالَ: وَالنَّضْرُ لَيِّنٌ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ عِكْرِمَةَ بِأَحَادِيثَ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا، فَأَمْسَكَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ فِي الْأَحْكَامِ، وَاحْتَمَلُوهُ فِي غَيْرِهَا، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ الزَّوْفِيِّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُرَّةَ2 الزَّوْفِيُّ، لَا يُعْلَمُ حَدَّثَ بِغَيْرِ هَذَا، وَلَا رَوَى عَنْهُ غَيْرُ يَزِيدَ، وَالْمَجْهُولُ لَا يقوم بِهِ حُجَّةٌ، وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَفِيهِ كَلَامٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا صَحِيفَةٌ3 كَانَتْ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ حَدِيثَهُ لَا يَثْبُتُ، لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ إنَّمَا هُوَ ابْنُ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: حَدِيثُهُ عَنْ غَيْرِ أَبِيهِ يُقْبَلُ، وَعَنْ أَبِيهِ صَحِيفَةٌ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ الْأَخْبَارِ فِي حُكْمٍ لَا يَثْبُتُ الْعِلْمُ بِهِ حَتَّى يُتَّفَقَ عَلَى صِحَّةِ إسْنَادِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ" فِي أَحَادِيثَ: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً4" لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُزَادُ مِنْ جِنْسِ الْمُزَادِ فِيهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ ما رواه
الْبَيْهَقِيُّ1 بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً إلَى صَلَاتِكُمْ، هِيَ خَيْرٌ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ، أَلَا، وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. رَوَاهُ عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ، قَالَ: وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ2 قَالَ: لَوْ أَمْكَنَنِي أَنْ أَرْحَلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَرَحَلْت، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد3 وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوِتْرُ حَقٌّ وَاجِبٌ4 عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ، فَلْيُوتِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ، فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ، فَلْيُوتِرْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5 عَنْ أَبِي الْمُنِيبِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَتَكِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا6"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ: أَبُو الْمُنِيبِ ثِقَةٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: هُوَ صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَأَنْكَرَ عَلَى الْبُخَارِيِّ إدْخَالَهُ فِي الضُّعَفَاءِ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ النَّسَائِيّ. وَابْنُ حِبَّانَ. وَالْعُقَيْلِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ عِنْدِي لَا بَأْسَ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ1 عَنْ خَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا"، انْتَهَى. وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَسْمَعْ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شَيْئًا، وَلَا لَقِيَهُ، وَالْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ ضَعَّفَهُ يَحْيَى، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا "بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ"، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: "إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ ذَهَبَ كُلُّ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَالْوِتْرُ، فَأَوْتِرُوا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي "مُسْنَدِ أَبِيهِ3" حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ التَّنُوخِيِّ الْقَاضِي أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَدِمَ الشَّامَ فَوَجَدَ أَهْلَ الشَّامِ لَا يُوتِرُونَ، فَقَالَ لمعاوية: ما لي أَرَى أَهْلَ الشَّامِ لَا يُوتِرُونَ؟! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَوَاجِبٌ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "زَادَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ، وَوَقْتُهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الْأَثْبَاتِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِي حَدِيثِهِ مَنَاكِيرُ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ التَّنُوخِيَّ لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ4" عَنْ حَكَّامِ بْنِ عَنْبَسَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْوِتْرُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا يَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: اسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوِتْرِ بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ: أنه عليه السلام قَالَ لَهُ: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَيْك، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1. وَمُسْلِمٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ وُجُوبِ الْوِتْرِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْحَجُّ، فَدَلَّ عَلَى أَثَرٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ، وَلَفْظَةُ: "زَادَكُمْ صَلَاةً" مُشْعِرَةٌ بِتَأَخُّرِ وُجُوبِ الْوِتْرِ، وَلَكِنَّ الْحَجَّ مَذْكُورٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ2 فِي حَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، أَخْرَجَهُ فِي "أَوَّلِ الْإِيمَانِ" عَنْ أَنَسٍ، وَلَمْ يُسَمِّ مُسْلِمٌ ضِمَامًا، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْعِلْمِ"، وَسَمَّى ضِمَامًا، وَلَيْسَ فِيهِ الْحَجُّ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3. وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْتَرَ عَلَى الْبَعِيرِ، وَفِي لَفْظٍ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: هَذَا كَانَ قَبْلَ وُجُوبِهِ، ثُمَّ عَارَضَهُ بِرِوَايَةِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَيُوتِرُ بِالْأَرْضِ، وَيَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ كَذَلِكَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ عليه السلام بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ، وَقَالَ لَهُ، فِيمَا قَالَ: "فَإِنْ أَطَاعُوك فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ"، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَكَانَ بَعْثُ مُعَاذٍ إلَى الْيَمَنِ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّنْيَا بِأَيَّامٍ يَسِيرَةٍ، انْتَهَى. وَيُقَوِّي هَذَا مَا فِي "مُوَطَّأِ مَالِكٍ" أَنَّهُ عليه السلام تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ عَلَيْهِ مُعَاذٌ مِنْ الْيَمَنِ، وَسَيَأْتِي فِي "الزَّكَاةِ" فِي حَدِيثِ الْأَوْقَاصِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ4 عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عليه السلام قَامَ بِهِمْ فِي رَمَضَانَ، فَصَلَّى
ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، وَأَوْتَرَ، ثُمَّ انْتَظَرُوهُ مِنْ الْقَابِلَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: خَشِيت أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ الْوِتْرُ، انْتَهَى. رَوَاهُ فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، يُدْعَى "الْمُخْدَجِيَّ" سَمِعَ رَجُلًا بِالشَّامِ، يُدْعَى "أَبَا مُحَمَّدٍ" سَأَلَهُ رَجُلٌ2 عَنْ الْوِتْرِ، أَوَاجِبٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ سَأَلَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، فَقَالَ: كَذَبَ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ، مَنْ جَاءَ بِهِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ، لَمْ يَسْتَخِفَّ بِشَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَاعِلٌ لَهُ عَهْدًا أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَجِئْ بِهِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ، فَلَا عَهْدَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ، إنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَذَكَرَ الْمُخْدَجِيَّ فِي "كِتَابِ الثِّقَاتِ"، وَقَالَ: هُوَ أَبُو رُفَيْعٍ، وَقِيلَ: رُفَيْعٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ3 ". وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، وَسَكَتَ عَنْهُ عَنْ أَبِي جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ يَحْيَى بْنِ أَبِي حبة عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ، وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ: الْوِتْرُ. وَالنَّحْرُ. وَصَلَاةُ الضُّحَى"، انْتَهَى. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": سَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَهُوَ غَرِيبٌ مُنْكَرٌ، وَأَبُو جَنَابٍ الْكَلْبِيُّ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ. والدارقطني، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ. وَالْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ بِهِ، وَالْجُعْفِيُّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وله طريق آخر عن ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ" فِيهَا وَضَّاحُ بْنُ يَحْيَى. وَمِنْدَلٌ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَيْرِيزٍ4، وهو ساقط، وقال ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَكْذِبُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ5 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا تُوتِرُوا
بِثَلَاثٍ1، وَأَوْتِرُوا بِخَمْسٍ، أَوْ سَبْعٍ، وَلَا تُشَبِّهُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ ثقات، انتهى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي بَعْدَ الْمِائَةِ: رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بثلاث
"يَعْنِي لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ1" عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُسَلِّمُ فِي رَكْعَتَيْ الْوِتْرِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَلَفْظُهُ: قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ2 انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ، قَالَ: قِيلَ لِلْحَسَنِ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ، فَقَالَ: كَانَ عُمَرُ أَفْقَهَ مِنْهُ، فَكَانَ يَنْهَضُ فِي الثَّانِيَةِ بِالتَّكْبِيرِ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: حَدِيثُ عَائِشَةَ3، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْوِتْرِ "بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وسبح اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى"، وَفِي الثانية "بقل يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ"، وَفِي الثالثة
"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ"، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ1. وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ. مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ. وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ"، وَقَالَ: إنَّهُ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الثَّالِثَةَ مُتَّصِلَةٌ غَيْرُ مُنْفَصِلَةٍ، وَإِلَّا لَقَالَ: وَفِي رَكْعَةِ الْوِتْرِ، أَوْ الرَّكْعَةِ الْمُفْرَدَةِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ قَدْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ فِي لَفْظِهِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ2 عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُوتِرُ بَعْدَهُمَا ب {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} , وَيَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ ب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} , وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ3: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ ثَنَا لُوَيْنُ ثَنَا شَرِيكُ بْنُ مُخَوَّلٍ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ، يَقْرَأُ فِي الْأُولَى "بِسَبِّحْ" إلَى آخِرِهِ، بِنَحْوِ حَدِيثِ عَائِشَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ ذَرٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوِتْرَ، فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى "بِسَبِّحْ"، إلَى آخِرِهِ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ4. وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ ب {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} , وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فِي رَكْعَةٍ رَكْعَةٍ، انْتَهَى. وَسَكَتَ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ5، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا أَبَنَا الْأَعْمَشِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وِتْرُ اللَّيْلِ ثَلَاثٌ، كَوِتْرِ النَّهَارِ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الْأَعْمَشِ مَرْفُوعًا غَيْرُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَفَعَهُ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي الْحَوَاجِبِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ6. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ. وَغَيْرُهُمَا
عَنْ الْأَعْمَشِ، فَوَقَفُوهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، سَوَاءٌ، مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ"، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ، إسْمَاعِيلُ الْمَكِّيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَزَادَ فِي "التَّحْقِيقِ"، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْراءِ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي "كِتَابِ التَّمْهِيدِ" عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ1 ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْبُتَيْراءِ، أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَاحِدَةً يُوتِرُ بِهَا، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ"، وَقَالَ: الْغَالِبُ عَلَى حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ هَذَا الْوَهْمُ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي "بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ"، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا حَدِيثٌ شَاذٌّ، لا يعرج على رواية، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ"، ثُمَّ قَالَ: وَالْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ فَسَّرَ الْبُتَيْرَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ بِرُكُوعٍ نَاقِصٍ وَسُجُودٍ نَاقِصٍ، انْتَهَى. وَهَذَا إنْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَفِي الْحَدِيثِ مَا يَرُدُّهُ، وَتَفْسِيرُ رَاوِي الْحَدِيثِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَفْسِيرِ غَيْرِهِ، بَلْ ظَاهِرُ اللَّفْظِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ ثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ الْوِتْرِ، فَأَمَرَهُ بِثَلَاثٍ يَفْصِلُ بَيْنَ شَفْعِهِ وَوِتْرِهِ بِتَسْلِيمَةٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إنِّي أَخَاف أَنْ يَقُولَ الناس: هي البتراء، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، انْتَهَى. فَقَدْ سَمِعَ2 ابْنُ عُمَرَ هَذَا مِنْ الرَّجُلِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَهُمْ مُعَارِضُونَ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْراءِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِي سلمة، وَالْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ، أَوْتِرُوا بِخَمْسٍ. أَوْ بِسَبْعٍ، وَلَا تُشَبِّهُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ" انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا، انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْوِتْرُ بِرَكْعَةٍ، فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْآثَارُ: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "مُوَطَّئِهِ4 عن يعقوب عن إبْرَاهِيمَ ثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ ثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: بَلَغَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ سَعْدًا يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، فَقَالَ: مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ1": مَوْقُوفٌ ضَعِيفٌ. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ2 حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْر ثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ الْوِتْرِ، فَقَالَ: أَتَعْرِفُ وِتْرَ النَّهَارِ؟ فَقُلْت: نَعَمْ، صَلَاةُ الْمَغْرِبِ، قَالَ: صَدَقْت وَأَحْسَنْت، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: "مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيت الصُّبْحَ، فَصَلِّ رَكْعَةً، تُوتِرُ لَك مَا صَلَّيْت"، قال: معناه، صلي رَكْعَةً، مَعَ ثِنْتَيْنِ قَبْلَهَا، وَتَتَّفِقُ بِذَلِكَ الْأَخْبَارُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ ثَنَا أَبُو دَاوُد ثَنَا أَبُو خَالِدٍ، سَأَلْت أَبَا الْعَالِيَةِ عَنْ الْوِتْرِ، فَقَالَ: عَلَّمَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْوِتْرَ مِثْلُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، هَذَا وِتْرُ اللَّيْلِ، وَهَذَا وِتْرُ النَّهَارِ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ3 أَيْضًا حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا هُشَيْمِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: الْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ4 ثَنَا عَفَّانَ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثَنَا ثَابِتٌ، قَالَ: صَلَّى بِي أَنَسٌ الْوِتْرَ، أَنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَأُمُّ وَلَدِهِ خَلْفَنَا، ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ ابْنِ هِلَالٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ الْمِسْوَرِ5 بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: دَفَنَّا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: إنِّي لَمْ أُوتِرْ، فَقَامَ وَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ، فَصَلَّى بِنَا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ، قَالَ: وَمَذْهَبُنَا أَيْضًا قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ، لِأَنَّ الْوِتْرَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا أَوْ سُنَّةً، فَإِنْ كَانَ فَرْضًا، فَالْفَرْضُ لَيْسَ إلَّا رَكْعَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا، وَكُلُّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْوِتْرَ لَا يَكُونُ اثْنَيْنِ، وَلَا أَرْبَعًا، فَثَبَتَ أَنَّهُ ثَلَاثٌ، وَإِنْ كَانَ سُنَّةً، فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ سُنَّةً، إلَّا وَلَهَا مِثْلٌ فِي الْفَرْضِ مِنْهُ أُخِذَتْ، وَالْفَرْضُ لَمْ نَجِدْ مِنْهُ وِتْرًا إلَّا الْمَغْرِبَ، وَهُوَ ثَلَاثٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثٌ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ
حَسَنٌ جِدًّا، وَقَدْ ذَكَرَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ": مِنْ جُمْلَةِ التَّرْجِيحَاتِ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ، وَهَذَا لَفْظُهُ، قَالَ: الْوَجْهُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ1 مِنْ التَّرْجِيحَاتِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ دُونَ الْآخَرِ، فَيَكُونُ الْعُدُولُ عَنْ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ مُتَعَيِّنًا، قَالَ: وَلِهَذَا قَدَّمَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ، لِأَنَّ مَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي ذُكُورِهِ لَا تَجِبُ فِي إنَاثِهِ، قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَحَكَى الْحَسَنُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الثَّلَاثِ "يَعْنِي لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصٌ ثَنَا عَمْرٌو عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثٌ، لَا يُسَلِّمُ إلا في أخراهن، انْتَهَى. وَعَمْرٌو هَذَا، الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، فَإِنِّي وَجَدْته مُصَرَّحًا بِهِ فِي إسْنَادٍ آخَرَ، نَظِيرَ هَذَا، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ": حَدَّثَنَا أَبُو الْعَوَّامِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمُرَادِيُّ ثَنَا خَالِدُ بْنُ نِزَارٍ الْأَيْلِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ: سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ. وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ فِي مَشْيَخَةٍ سِوَاهُمْ أَهْلِ فِقْهٍ وَصَلَاحٍ. فَكَانَ مِمَّا وَعَيْت عَنْهُمْ أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثٌ، لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي آخِرِ الْوِتْرِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، قُلْت: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَنَّامٍ ثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر ثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ سَلَّامٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ. وَعَلِيًّا، يَقُولُونَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الْوِتْرِ، وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ2" عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وِتْرِي إذَا رَفَعْت رَأْسِي، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا السُّجُودُ: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت"، إلَى آخِرِ الْقُنُوتِ، وَسَيَأْتِي، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، إلَّا أَنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ خَالَفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فِي إسْنَادِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ثَنَا أَبُو إسْحَاقَ عن بريد بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ
أَبِي الْحَوْرَاءِ1 عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فِي الْوِتْرِ: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت"، إلَى آخِرِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي فِي "الْقُنُوتِ". حَدِيثٌ آخَرُ: قَدْ يُسْتَأْنَسُ لَهُ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ2 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمْرِو الْفَزَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ: "اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ بِك مِنْك، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. فَحَدِيثُ أُبَيٍّ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ3. وَابْنُ مَاجَهْ، فَقَالَا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ الرَّقِّيِّ ثَنَا مَخْلَدٍ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ، فَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. لِابْنِ مَاجَهْ، وَلَفْظُ النَّسَائِيّ: كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ: يَقْرَأُ فِي الْأُولَى {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَفِي الثَّانِيَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَفِي الثَّالِثَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَزَادَ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى"، فَإِذَا فَرَغَ، قَالَ: "سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يُطِيلُ فِي آخِرِهِنَّ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ، فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" بِإِسْنَادٍ آخَرَ غَيْرِ مَوْصُولٍ، فَقَالَ: وَرَوَى حَفْصُ4 بْنُ غِيَاثٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ. وَرَوَاهُ عِيسَى5 بْنُ يُونُسَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيٍّ مَرْفُوعًا، بِنَحْوِهِ، قَالَ: وَحَدِيثُ زُبَيْدٍ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ. وَشُعْبَةُ. وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، كُلُّهُمْ عَنْ زُبَيْدٍ، لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْقُنُوتَ، وَحَدِيثُ سَعِيدٍ،
رَوَاهُ أَيْضًا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ. وَشُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْقُنُوتَ، وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أُبَيًّا، وَلَا ذَكَرَ الْقُنُوتَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الْأَعْلَى. وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، وَسَمَاعُهُ بِالْكُوفَةِ مَعَ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْقُنُوتَ، انْتَهَى كَلَامُهُ1. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ". والدارقطني فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي الْوِتْرِ، قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ3 فِي "كِتَابِ الْقُنُوتِ" لَهُ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَهْوَازِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي نُوَيْرَةَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" مِنْ جِهَةِ الْخَطِيبِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَحَادِيثُنَا مُقَدَّمَةٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِهِ "الْحِلْيَةِ" عَنْ عَطَاءِ بْنِ مُسْلِمٍ ثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوْتَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ، فَقَنَتَ فِيهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبٍ. وَالْعَلَاءِ تَفَرَّدَ بِهِ عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ4: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط" حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ ثَنَا سُهَيْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ التِّرْمِذِيُّ ثَنَا سَعْدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَرَّاحُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، وَيَجْعَلُ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، إلَّا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، انْتَهَى. الْآثَارُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا فَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَلْطِيُّ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ، وَإِذَا قَنَتَ فِي الْوِتْرِ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي الْوِتْرِ، قَبْلَ الرَّكْعَةِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ1" حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ. وَأَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ عَلَّمَهُ دُعَاءَ الْقُنُوتِ: "اجْعَلْ هَذَا فِي وِتْرِك"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ2 عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: عَلَّمَنِي جَدِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ، وَفِي لَفْظٍ: فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ، "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْت، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْت، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْت، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْت، إنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت، تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْحَوْرَاءِ السَّعْدِيِّ، وَاسْمُهُ: رَبِيعَةُ بْنُ شَيْبَانُ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القنوت شيئاً أَحْسَنُ مِنْ هَذَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهُ. وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ"، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ، بَعْدَ "وَالَيْت" "وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْت" وَزَادَ النَّسَائِيّ فِي رِوَايَةٍ: تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ، أَوْ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَالدَّارِمِيُّ. وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، قَالَ الْبَزَّارُ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ3"، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وِتْرِي إذَا رَفَعْت رَأْسِي، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا السُّجُودُ "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت"،
إلَى آخِرِهِ، سَوَاءً، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، إلَّا أَنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ عُقْبَةَ خَالَفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فِي إسْنَادِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ثَنَا أَبُو إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ بِهِ، بِسَنَدِ السُّنَنِ وَمَتْنِهِ1، وَسَكَتَ عَنْهُ، انْتَهَى. وَصَاحِبُ الْكِتَابِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى وُجُوبِ الْقُنُوتِ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: "اجْعَلْ هَذَا فِي وِتْرِك"، مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَلَمْ أَجِدْ هَذَا فِي الْحَدِيثِ، وَاسْتَدَلَّ لَنَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمْرٍو الْفَزَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ: "اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ بِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك" انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ كَانَ تَقْتَضِي الدَّوَامَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي تَخْصِيصِهِمْ الْقُنُوتَ بِالنِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ حَدِيثَانِ: الْأَوَّلُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَمَعَ النَّاسَ، عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْ الشَّهْرِ "يَعْنِي رَمَضَانَ"، وَلَا يَقْنُتُ بِهِمْ، إلَّا فِي النِّصْفِ الثَّانِي، فَإِذَا كَانَ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ، فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ، انْتَهَى. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، ثُمَّ هُوَ فِعْلُ صَحَابِيٍّ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، أَمَّهُمْ "يَعْنِي فِي رَمَضَانَ"، وَكَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ رَمَضَانَ، انْتَهَى. وَفِيهِ مَجْهُولٌ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": الطَّرِيقَانِ ضَعِيفَانِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي الْوِتْرِ، انْتَهَى. وَهُوَ مُنَازَعٌ فِي ذَلِكَ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ أَبِي عَاتِكَةَ طَرِيفِ بْنِ سَلْمَانَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ، إلَى آخِرِهِ، انْتَهَى. وَأَبُو عَاتِكَةَ ضَعِيفٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ بَعْدَ الْمِائَةِ: حَدِيثُ: "لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ"، وَذَكَرَ مِنْهَا الْقُنُوتَ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ3، وَلَيْسَ فِيهِ الْقُنُوتُ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ بَعْدَ الْمِائَةِ: رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ
شَهْرًا، ثُمَّ تَرَكَهُ، قُلْت: اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ لِلشَّافِعِيِّ عَلَيْنَا فِي وُجُوبِ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ، وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَقْنُتُ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْفَجْرِ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ عليه السلام قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ شَهْرًا، ثُمَّ تَرَكَهُ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِمَذْهَبِنَا أَيْضًا، لِأَنَّ تَرْكَ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَرْكُهُ فِي بَاقِي الصَّلَوَاتِ، نَعَمْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لَنَا فِي دَعْوَى نَسْخِ حَدِيثِهِمْ، وَلَا يَبْعُدُ1 أَنْ يَكُونَ سَقَطَ مِنْ النُّسْخَةِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقْنُت فِي الْفَجْرِ، وَلَنَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ عليه السلام قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ شَهْرًا. ثُمَّ تَرَكَهُ. وَبِالْجُمْلَةِ، فَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ". وَالطَّحَاوِيُّ فِي "الْآثَارِ" كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ الْقَاضِي عَنْ أَبِي حَمْزَةَ مَيْمُونٍ الْقَصَّابِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمْ يَقْنُتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّبْحِ إلَّا شَهْرًا، ثُمَّ تَرَكَهُ لَمْ يَقْنُتْ قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلطَّحَاوِيِّ2" قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا، يَدْعُو عَلَى عُصَيَّةَ. وَذَكْوَانَ، فَلَمَّا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ تَرَكَ الْقُنُوتَ، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِأَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": كَانَ فَاحِشَ الْخَطَأِ، كَثِيرَ الْوَهْمِ، يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ مَا لَا يُشْبِهُ حَدِيثَ الْأَثْبَاتِ، تَرَكَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ": وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى نَسْخِ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ، بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3. وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الصُّبْحِ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ. وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَفِي آخِرِهِ: ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ4، لَمَّا نَزَلَتْ {لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ}
الْآيَةَ، قَالَ: وَلَعَلَّ آخِرَ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ مَنْ هُوَ دُونَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ
فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ: لَأُقَرِّبَنَّ بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صَلَاةِ الصبح، بعد ما يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَسْلَمَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ، وَهُوَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ بِكَثِيرٍ، لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أُحُدٍ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ فِي حَيَاتِهِ عليه السلام، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ يَوْمَ أُحُدٍ مَا أَخْبَرَنَا، وَأَسْنَدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ2 عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ الْعَنْ أَبَا سُفْيَانَ. وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ. وَالْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ، فَنَزَلَتْ {لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:128] ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ3" عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ بِهِ، لَمْ يَقُلْ فِيهِ: يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ4" عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشُجَّ، فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمُ عَنْ وَجْهِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى اللَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الْآيَةَ، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ "يَعْنِي الدُّعَاءَ عَلَى أُولَئِكَ الْقَوْمِ" فقد دعى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى مَنْ قَتَلَ مَنْ بِبِئْرِ مَعُونَةَ، وَهِيَ بَعْدَ أُحُدٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ لَمْ تُحْمَلْ عَلَى نَسْخِ الْقُنُوتِ جُمْلَةً، انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ5" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْلَى ثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ انْتَهَى. وأخرج الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى: وَعَنْبَسَةُ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ كلهم ضعفاء، ولايصح لِنَافِعٍ سَمَاعٌ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ" بِعَنْبَسَةَ، وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: تَرَكُوهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ6" عَنْ هَيَّاجٍ عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوُهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَصَفِيَّةُ هَذِهِ لَمْ تُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ1 عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، إلَّا أَنْ يَدْعُوَ لِقَوْمٍ، أَوْ عَلَى قَوْمٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي "كِتَابِهِ فِي الْقُنُوتِ" مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَقْنُتُ، إلَّا إذَا دَعَى لِقَوْمٍ، أَوْ دَعَى عَلَى قَوْمٍ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَسَنَدُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ، وَهُمَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْقُنُوتَ مُخْتَصٌّ بِالنَّازِلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمة الوسط2" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ السُّحَيْمِيِّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، فَمَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْهُمْ قَانِتًا فِي صَلَاةٍ إلَّا فِي الْوِتْرِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ" بِمُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَضَعَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ تَوْثِيقٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ3" عَنْ بِشْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْقُنُوتَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنَّهُ لَبِدْعَةٌ4، مَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ شَهْرٍ وَاحِدٍ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِبِشْرِ بْنِ حَرْبٍ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا، وَضَعَّفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ. وَابْنِ مَعِينٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ5. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْت خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ،
فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْت خَلْفَ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْت خَلْفَ عَلِيٍّ، فَلَمْ يَقْنُتْ، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ إنَّهَا بِدْعَةٌ، انْتَهَى. وَاسْمُ أَبِي مَالِكٍ، سَعْدُ بن طارق بن الشيم، قَالَ الْبُخَارِيُّ: طَارِقُ بْنُ أَشْيَمَ، لَهُ صُحْبَةٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ1: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَفْظُهُ. وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: قُلْت لِأَبِي: يَا أَبَتِ، إنَّك قَدْ صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ. وَعَلِيٍّ بِالْكُوفَةِ، نَحْوًا مِنْ خَمْسِ سِنِينَ، أَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، مُحْدَثٌ، انْتَهَى. وَقَدْ وَثَّقَ أَبَا مَالِكٍ، الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَابْنُ مَعِينٍ. وَالْعِجْلِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الْحَدِيثِ، يُكْتَبُ حَدِيثُهُ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الثِّقَاتِ". وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" حَدِيثَيْنِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ2: لَمْ يَحْفَظْ طَارِقُ بْنُ أَشْيَمَ الْقُنُوتَ عَمَّنْ صَلَّى خَلْفَهُ، فَرَآهُ مُحْدَثًا، وَقَدْ حَفِظَهُ غَيْرُهُ، فَالْحُكْمُ لِمَنْ حَفِظَ دُونَ مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ مَا قَنَتُوا قَطُّ، بَلْ اتَّفَقَ أَنَّ طَارِقًا صَلَّى خَلْفَ كُلٍّ مِنْهُمْ، وَأَخَذَ بِمَا رَأَى، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْنُتُونَ فِي النَّوَازِلِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يُحَافِظُونَ عَلَى قُنُوتٍ رَاتِبٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْآثَارُ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ أَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ، أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا قَنَتَ فِي الصُّبْحِ أَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّمَا اسْتَنْصَرْنَا عَلَى عَدُوِّنَا، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَابْنِ عُمَرَ. وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْنُتُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي "قُنُوتِ الْفَجْرِ": مَا شَهِدْت، وَلَا عَلِمْت، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ محمد بن الْحَسَنِ فِي "الْآثَارِ3" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ صَحِبَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سِنِينَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فَلَمْ يَرَهُ قَانِتًا فِي الْفَجْرِ، حَتَّى فَارَقَهُ، قَالَ إبْرَاهِيمُ: وَأَهْلُ الْكُوفَةِ إنَّمَا أَخَذُوا عَنْ عَلِيٍّ، قَنَتَ يَدْعُو عَلَى مُعَاوِيَةَ حِينَ حَارَبَهُ، وَأَهْلُ الشَّامِ أَخَذُوا الْقُنُوتَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَنَتَ يَدْعُو عَلَى عَلِيٍّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ4" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ بِدْعَةٌ، وَضَعَّفَهُ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْخُصُومِ: مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ5 أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ
الدُّنْيَا، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ". وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَلَفْظُهُ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَقَنَتَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهراً يدعو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ؟ قَالَ: فَزَجَرَهُ أَنَسٌ، وَقَالَ: مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، قَالَ إسْحَاقُ: وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَرَكَهُ1 "يَعْنِي تَرَكَ تَسْمِيَةَ الْقَوْمِ فِي الدُّعَاءِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي "كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ" لَهُ. وَفِي "الْخُلَاصَةِ" لِلنَّوَوِيِّ، صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ فِي "كِتَابِ الْمُسْتَدْرَكِ"، فَلْيُرَاجَعْ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ2" بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وسكت عنه، قال: وَلَهُ شَوَاهِدُ عَنْ أَنَسٍ ذَكَرْنَاهَا فِي "السُّنَنِ"، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ عَلَى التَّحْقِيقِ": هَذَا الْحَدِيثُ أَجْوَدُ أَحَادِيثِهِمْ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ وَثَّقُوا أَبَا جَعْفَرٍ الرَّازِيَّ، وَلَهُ طُرُقٌ فِي "كِتَابِ الْقُنُوتِ" لِأَبِي مُوسَى الْمَدِينِيِّ، قَالَ: وَإِنْ صَحَّ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَا زَالَ يَقْنُتُ فِي النَّوَازِلِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَا زَالَ يُطَوِّلُ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْقُنُوتَ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الطَّاعَةِ، وَالْقِيَامِ، وَالْخُشُوعِ، وَالسُّكُوتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} وَقَالَ: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} وَقَالَ: {وَمَنْ يَقْنُتُ مِنْكُنَّ لِلَّهِ} ،وَقَالَ: {يَا مَرْيَمُ اُقْنُتِي لِرَبِّك} ،وَقَالَ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} ، وَقَالَ: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} ، وَفِي الْحَدِيثِ: "أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ3"، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "كِتَابِ التَّحْقِيقِ"، وَفِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ"، فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الرَّازِيَّ، وَاسْمُهُ "عِيسَى بْنُ مَاهَانَ"، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: كَانَ يَخْلِطُ، وَقَالَ يَحْيَى: كَانَ يُخْطِئُ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ يَهِمُ كَثِيرًا، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَنْفَرِدُ بِالْمَنَاكِيرِ عَنْ الْمَشَاهِيرِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ4، وَسَكَتَ عَنْهُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ، ثُمَّ تَرَكَهُ، انْتَهَى. قُلْت: وَيُعَارَضُ أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ5" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ثَنَا غَالِبُ بْنُ فَرْقَدٍ الطَّحَّانِ، قَالَ: كُنْت عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مالك شهري، فَلَمْ يَقْنُتْ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: لَمْ يُرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَانِتًا فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، انْتَهَى. قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ1": اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قُنُوتِ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ إلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ. وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ، إلَى يَوْمِنَا، فَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ. وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، مِثْلِ: عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ. وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَسُهَيْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ. وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. وَعَائِشَةَ، وَمِنْ الْمُخَضْرَمِينَ: أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ. وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ. وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ. وَأَبُو رافع الصانع، وَمِنْ التَّابِعِينَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ. وَالْحَسَنُ. وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ. وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ. وَقَتَادَةُ. وَطَاوُسٌ. وَعُبَيْدُ بْنُ عمير. والربيع بن خيثم. وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ. وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ. وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ. وَزِيَادُ بْنُ عُثْمَانَ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى. وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَحُمَيْدَ الطَّوِيلُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ، ثُمَّ قَالَ: وَخَالَفَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ، فَمَنَعُوهُ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، مُحْتَجِّينَ بِأَحَادِيثَ: مِنْهَا: حَدِيثُ أَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمْ يَقْنُتْ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا شَهْرًا، لَمْ يَقْنُتْ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، وَقَالَ: تَابَعَهُ أَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: لَمْ يَقْنُتْ فِي الْفَجْرِ قَطُّ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ الْيَمَامِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: مَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي الْوِتْرِ، كَانَ إذَا حَارَبَ يَقْنُتُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ. وَمِنْهَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى زُنْبُورٌ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ. وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْقُنُوتَ، فَقَالَ: إنَّهُ لَبِدْعَةٌ، مَا قَنَتَ غَيْرَ شَهْرٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ تَرَكَهُ، رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ حَرْبٍ عَنْهُ، قَالَ: وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِهِ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، بِأَنَّهُ مَعْلُولٌ بِأَبِي حَمْزَةَ، كَانَ يَحْيَى بن سعيد القطان لايحدث عَنْهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَأَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ، فَقَدْ قِيلَ فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا قِيلَ فِي أَبِي حَمْزَةَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، فَقَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَغَيْرُهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ، كُلُّهَا وَاهِيَةٌ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ رَافِعًا لِحُكْمٍ ثَابِتٍ بِطُرُقٍ صِحَاحٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ: فَمَعْلُولٌ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبِي. وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: كَانَ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ ضَعِيفٌ جِدًّا، ضَعَّفَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ. وَيَحْيَى. وَأَبُو حَاتِمٍ. وَالسَّاجِيُّ. وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْقُنُوتِ، مُرْسَلٌ، لِأَنَّ نَافِعًا لَمْ يَلْقَ أُمَّ سَلَمَةَ، وَلَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْهَا، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى زُنْبُورٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ. وَعَنْبَسَةُ، كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَمَعْلُولٌ أَيْضًا، لِأَنَّ بِشْرَ بْنَ حَرْبٍ، وَيُقَالُ له: أبو عمرو الندلي مَطْعُونٌ فِيهِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَأَيْت ابْنَ الْمَدِينِيِّ يُضَعِّفُهُ. وَكَانَ يَحْيَى الْقَطَّانُ لَا يَرْوِي عَنْهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَقَالَ إسْحَاقُ: مَتْرُوكٌ، لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ: لَا يُحْمَلُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ. وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ضَعِيفٌ، قَالُوا: وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ، فيكون المراد بالبدعة ههنا، الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ فِي "الصَّحِيحِ" مِنْ طُرُقٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَنْكَرَ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، أَوْ يَكُونُ ابْنُ عُمَرَ نَسِيَ، بِدَلِيلِ مَا أَخْبَرَنَا، وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ ذَكَرَ لَهُ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي "الْقُنُوتِ"، فَقَالَ: أَمَا إنَّهُ قَدْ قَنَتَ مَعَ أَبِيهِ، وَلَكِنَّهُ نَسِيَ، قَالَ: وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كَبَرْنَا وَنَسِينَا، ائْتُوا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَاسْأَلُوهُ، قَالُوا: وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ، فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى دُعَائِهِ عليه السلام عَلَى أُولَئِكَ الْقَوْمِ، وَيَبْقَى مَا عَدَاهُ مِنْ الثَّنَاءِ.
وَالدُّعَاءِ، وَهَذَا أَوْلَى، لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ. قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ عَنْ الْقُنُوتِ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، الْقُنُوتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، لَا الَّذِي بَعْدَ الرُّكُوعِ، مَا أَخْبَرَنَا وَأَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ ثَنَا إسْحَاقُ الدِّيرِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّبْحِ بَعْدَ الرُّكُوعِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ، وَكَانَ قُنُوتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَبَعْدَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَقَالَ: إسْنَادُهُ مُتَّصِلٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، قَالَ فِيهِ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: ثِقَةٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ ثِقَةٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ فِي "مُسْنَدِهِ"، ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَأَلْته عَنْ الْقُنُوتِ، أَقَبْلَ الرُّكُوعِ، أَوْ بَعْدَهُ؟ فَقَالَ: قَبْلَ الرُّكُوعِ، قَالَ: قُلْت: فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: كَذَبُوا، إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أُنَاسٍ، قَتَلُوا أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ، يُقَالُ لَهُمْ: الْقُرَّاءُ، انْتَهَى. هَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1، وَمُسْلِمٌ. وَفِي حَدِيثِهِمْ: إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا، أَلَا تَرَاهُ فَصَلَ بَيْنَ الْقُنُوتِ الْمَنْزُولِ. وَالْقُنُوتِ الْمَلْزُومِ، ثُمَّ لَمْ يُطْلِقْ اللَّفْظَ حَتَّى أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَدَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقُنُوتِ بَعْدَ الِانْتِهَاءِ عَنْ الدُّعَاءِ عَلَى الْأَعْدَاءِ. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: ثُمَّ تَرَكَهُ، لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى النَّسْخِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرَكَهُ، وَعَادَ إلَيْهِ قُلْنَا: هَذَا مَدْفُوعٌ بِمَا أَخْبَرَنَا، وَأَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ من صلاة الصبح بعد ما يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، يَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ} ، فَمَا عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عَلَى أَحَدٍ بَعْدُ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَيُؤَكِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2. وَمُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدٍ. وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ، أَوْ لِأَحَدٍ، قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَرُبَّمَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ. وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ. وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ المؤمنين. الله اُشْدُدْ وَطْأَتَك عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، يَجْهَرُ بِذَلِكَ، حَتَّى كَانَ يَقُولُ3 فِي بَعْضِ صَلَاةِ الْفَجْرِ: اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا، وَفُلَانًا، لِأَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} الْآيَةَ، قَالَ: وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ مُعَاوِيَةَ
بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الْقَاهِرِ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عَلَى مُضَرَ، إذْ جاءه جبرئيل عليه السلام، فَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَنْ اُسْكُنْ، فَسَكَتَ، فَقَالَ: "يَا مُحَمَّدُ، إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْك سَبَّابًا وَلَا لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بَعَثَك رَحْمَةً" {لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الْآيَةَ، ثُمَّ عَلَّمَهُ الْقُنُوتَ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك، وَنَسْتَغْفِرُك، وَنُؤْمِنُ بِك، وَنَخْضَعُ لَك، وَنَخْلَعُ، وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُك، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَك نُصَلِّي، وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْك نسعى، ونحفِد، ونرجوا رَحْمَتَك، وَنَخَافُ عَذَابَك، إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ، بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ، انْتَهَى. ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ1: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ، ثُمَّ تَرَكَ، وَأَمَّا فِي الصُّبْحِ، فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، انْتَهَى. قَالَ: فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَتْرُوكَ هُوَ الدُّعَاءُ عَلَى الْكُفَّارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": أَحَادِيثُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: مِنْهَا مَا هُوَ مُطْلَقٌ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ، وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ قَنَتَ. وَالثَّانِي: مُقَيَّدٌ بِأَنَّهُ قَنَتَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، فيحمله عَلَى فِعْلِهِ شَهْرًا بِأَدِلَّتِنَا. الثَّالِثُ: مَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ. وَالْمَغْرِبِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ2. وَأَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَأَحْمَدُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَنَتَ فِي الْمَغْرِبِ، إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ3. وَالرَّابِعُ: مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي حُجَّتِهِمْ، نَحْوَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ4"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ: وَقَدْ أَوْرَدَ الْخَطِيبُ فِي "كِتَابِهِ" الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الْقُنُوتِ أَحَادِيثَ، أَظْهَرَ فِيهَا تَعَصُّبَهُ: فَمِنْهَا: مَا أَخْرَجَهُ عَنْ دِينَارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، خَادِمِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى مَاتَ، انْتَهَى. قَالَ: وَسُكُوتُهُ عَنْ الْقَدْحِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَاحْتِجَاجُهُ بِهِ، وَقَاحَةٌ عَظِيمَةٌ، وَعَصَبِيَّةٌ بَارِدَةٌ، وَقِلَّةُ دِينٍ، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: دِينَارٌ يَرْوِي عَنْ أَنَسٍ آثَارًا مَوْضُوعَةً، لَا يَحِلُّ ذِكْرُهَا فِي الْكُتُبِ، إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ فِيهِ، فَوَاعَجَبَا لِلْخَطِيبِ، أَمَا سَمِعَ فِي الصَّحِيحِ: "مَنْ حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ"؟، وَهَلْ مِثْلُهُ إلَّا
كَمَثَلِ مَنْ أَنْفَقَ نَبَهْرَجًا وَدَلَّسَهُ؟، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ الصَّحِيحَ مِنْ السَّقِيمِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ لِلنُّقَّادِ، فَإِذَا أَوْرَدَ الْحَدِيثَ مُحْدِثٌ، وَاحْتَجَّ بِهِ حَافِظٌ لَمْ يَقَعْ فِي النُّفُوسِ إلَّا أَنَّهُ صَحِيحٌ، ولكن عَصَبِيَّةٌ، وَمَنْ نَظَرَ فِي "كِتَابِهِ" الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الْقُنُوتِ، وَ"كِتَابِهِ" الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الْجَهْرِ، وَمَسْأَلَةِ الْغَيْمِ، وَاحْتِجَاجِهِ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي يَعْلَمُ بُطْلَانَهَا، اطَّلَعَ عَلَى فَرْطِ عَصَبِيَّتِهِ، وَقِلَّةِ دِينِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ أَحَادِيثَ أُخْرَى، كُلَّهَا عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ حَتَّى مَاتَ، وَطَعَنَ فِي أَسَانِيدِهَا. حَدِيثٌ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوِتْرِ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، قَالَتْ كُنَّا نَعُدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنْ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ. وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهِنَّ إلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيُمَجِّدُهُ، وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعد ما يُسَلِّمُ، وَهُوَ قَاعِدٌ، وَفِي لَفْظٍ: كَانَ يُصَلِّي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ يُوتِرُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، قَامَ فَرَكَعَ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَرُوِيَتْ صَلَاةُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ2. وَأَنَسٍ. وَأُمِّ سَلَمَةَ. وَثَوْبَانَ، وَمُعْظَمُهَا ضَعِيفٌ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام فَعَلَهُ مَرَّةً، أَوْ مَرَّاتٍ، لِبَيَانِ الْجَوَازِ، فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ عَنْ عَائِشَةَ. وَخَلَائِقَ مِنْ الصَّحَابَةِ، أَنَّ آخِرَ صَلَاتِهِ فِي اللَّيْلِ، كَانَ وِتْرًا، مَعَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ اللَّيْلَ وِتْرًا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ3، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
باب النوافل
بَابُ النَّوَافِلِ الْحَدِيثُ السَّابِعُ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ" وَفَسَّرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ: إنَّهَا مُفَسَّرَةٌ فِي الْحَدِيثِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَ، وَهِيَ: رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَانِ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا. وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعَصْرِ فِي الْحَدِيثِ، فَلِهَذَا سَمَّاهُ فِي الْأَصْلِ حَسَنًا، وَخُيِّرَ لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ، وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْأَرْبَعُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعِشَاءِ، وَلِهَذَا كَانَ مُسْتَحَبًّا،
لِعَدَمِ الْمُوَاظَبَةِ، وَذَكَرَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَفِي غَيْرِهِ ذَكَرَ الْأَرْبَعَ، فَلِهَذَا خُيِّرَ، إلَّا أَنَّ الْأَرْبَعَ أَفْضَلُ، خُصُوصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. قُلْت: رَوَى الْجَمَاعَةُ1 إلَّا الْبُخَارِيَّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، إلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ"، انْتَهَى. لِمُسْلِمٍ. وَأَبِي دَاوُد. وَابْنِ مَاجَهْ. وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ. وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، انْتَهَى. وَلِلنَّسَائِيِّ فِي رِوَايَةٍ: وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ، بَدَلَ: وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، رَوَاهُ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِسَنَدِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ". وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ، انْتَهَى. وَجَمَعَ الْحَاكِمُ فِي لَفْظٍ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، فَقَالَ فِيهِ: وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ". حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، مِنْ السُّنَّةِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ: أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ. وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا. وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ. وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ،" انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ3 عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ صَلَّى فِي يوم اثنتي عَشْرَةَ رَكْعَةً، بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَأَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ. وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ. وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ. وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ. وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ هَذَا، وَقَالَ: إنَّهُ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. فَصَحَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: إنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَقَوْلُهُ: وَخُيِّرَ لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ "يَعْنِي خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا، أَوْ رَكْعَتَيْنِ"، لِأَنَّ الْآثَارَ
اخْتَلَفَتْ فِي ذَلِكَ، فَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد1. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَحِمَ اللَّهُ امرءً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَابْنُ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صحيحهما"، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَالْمُرَادُ أَنَّهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ، لِمَا جَاءَ فِي خَبَرِ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى"، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلنَّسَائِيِّ. وَابْنِ حِبَّانَ. وَالْحَاكِمِ فِي حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ: وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ2. وَأَحْمَدُ، وَقَالَا: أَرْبَعًا، عِوَضَ: رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَاخْتَارَ إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنْ لَا يَفْصِلَ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ "يَعْنِي قَوْلَهُ: يَفْصِلُ التَّسْلِيمَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ": يَعْنِي التَّشَهُّدَ3، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ ابْنِ حِبَّانَ، إنَّهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ، وَأَعَادَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "آخِرِ الصَّلَاةِ فِي بَابِ تَطَوُّعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهَارِ"، وَزَادَ فِيهَا: يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَالنَّبِيِّينَ، وَالْمُرْسَلِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَإِنَّمَا ضَعَّفَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ أَجْلِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَعَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ ثِقَةٌ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ: قَالَ سُفْيَانُ: كُنَّا نَعْرِفُ فَضْلَ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ على حَدِيثِ الْحَارِثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِي عَاصِمٍ مَقَالٌ، وَصَحَّ قَوْلُهُ أَيْضًا: وَذَكَرَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَقَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِهِ ذَكَرَ الْأَرْبَعَ، عَزَى إلَى سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، كَانَ كَأَنَّمَا تَهَجَّدَ مِنْ لَيْلَتِهِ، وَمَنْ صَلَّاهُنَّ بَعْدَ الْعِشَاءِ، كَانَ كَمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ, وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ , قَالَتْ: مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا بَعْدَ الْعِشَاءِ , كَانَ كَمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ," وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ4. والدارقطني مِنْ قَوْلِ كَعْبٍ. وَرَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ في "مسنده 5"
أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى أَثَرِ كُلِّ صَلَاةٍ رَكْعَتَيْنِ، إلَّا الْفَجْرَ. وَالْعَصْرَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَهُ. أَحَادِيثُ النَّافِلَةِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ: لِأَصْحَابِنَا فِي تَرْكِهَا أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، فَقَالَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهَا، وَرَخَّصَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، انْتَهَى. سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُمَا، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": إسْنَادُهُ حَسَنٌ، قَالَ: وَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْهُ، بِأَنَّهُ نَفْيٌ، فَتُقَدَّمُ رِوَايَةُ الْمُثْبَتِ، وَلِكَوْنِهَا أَصَحَّ، وَأَكْثَرَ رُوَاةً، وَلِمَا مَعَهُمْ مِنْ عِلْمِ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ ابْنُ عُمَرَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا" عَنْ حَيَّانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ عِنْدَ كُلِّ أَذَانَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، مَا خَلَا الْمَغْرِبَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ، إلَّا حَيَّانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَهُوَ رَجُلٌ مَشْهُورٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": أَخْطَأَ فِيهِ حَيَّانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فِي الْإِسْنَادِ. وَالْمَتْنِ جَمِيعًا، أَمَّا السَّنَدُ: فَأَخْرَجَاهُ3 فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ. وَكَهْمَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، قَالَ فِي الثَّالِثَةِ "لِمَنْ شَاءَ". وَأَمَّا الْمَتْنُ: فَكَيْفَ يَكُونُ صَحِيحًا، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ كَهْمَسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ بُرَيْدَةَ يُصَلِّي قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ4 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ"، وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: "لِمَنْ شَاءَ، خَشْيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"، انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ"، وَنَقَلَ عَنْ الْفَلَّاسِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ حَيَّانُ هَذَا كَذَّابًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ" حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَاعِدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَكِّيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي الْحَجَّاجِ ثَنَا عِيسَى بْنُ سِنَانٍ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَأَلْنَا نِسَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَلْ رَأَيْتُنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي الركعتين قَبْلَ الْمَغْرِبِ؟ فَقُلْنَ: لَا، غَيْرَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: صَلَّاهُمَا عِنْدِي مَرَّةً، فَسَأَلَتْهُ مَا هَذِهِ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: "نَسِيت الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ، فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ، مُعْضَلٌ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ سَأَلَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، قَالَ: فَنَهَاهُ عَنْهَا، وَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ، لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَهَا، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الخصوم: أخرج الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ1" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: قَالَ: "صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ"، قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: "لِمَنْ شَاءَ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي "كِتَابِ الِاعْتِصَامِ"، وَفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُد: قَالَ: "صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ"، وَزَادَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2. وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ الْمُؤَذِّنُ إذَا أَذَّنَ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ، فَيَرْكَعُونَ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ، فَيَحْسَبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ، مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، فَقُلْت لَهُ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا؟ قَالَ: كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا، فَلَمْ يَأْمُرْنَا، وَلَمْ يَنْهَانَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ، قَالَ: أَتَيْت عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، فَقُلْت: أَلَا أُعْجِبُك مِنْ أَبِي تَمِيمٍ، رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ! فَقَالَ عُقْبَةُ: إنَّا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: فَمَا يَمْنَعُك الْآنَ؟! قَالَ: الشُّغْلُ، انْتَهَى. وَرَوَى الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"
حَدِيثَ أَنَسٍ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ إلَّا عَنْ أَنَسٍ، وَقَدْ رُوِيَتْ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ، وَعَارَضَهَا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، إلَّا الْمَغْرِبَ"، انْتَهَى. وَالْخُصُومُ يُجِيبُونَ: بِأَنَّ رِوَايَةَ الْمُثْبِتِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى النَّافِي، مَعَ أَنَّ رِوَايَةَ الْإِثْبَاتِ أَصَحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ1" فِي النَّوْعِ الثَّانِي وَالتِّسْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ، إلَّا وَبَيْنَ يَدَيْهَا رَكْعَتَانِ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، كَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ2". وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الشمائل" عن عبيد عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ سَهْمِ بْنِ مِنْجَابٍ عَنْ قَرْثَعٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيمٌ، يُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" بِلَفْظِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ، وَقَالَ: أَبْوَابُ السَّمَاءِ تُفْتَحُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: عُبَيْدَةُ بْنُ مَعْتَبٍ الضَّبِّيُّ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَ الْمُنْذِرِيُّ عَزْوَهُ إلَى التِّرْمِذِيِّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَيِّدَهُ "بِالشَّمَائِلِ"، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ": حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثَنَا عُبَيْدَةُ بِهِ، وَفِي لَفْظِهِ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِيهِنَّ تَسْلِيمٌ فَاصِلٌ؟ قَالَ: "لَا"، وَهَذَا هُوَ لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ فِي "الشَّمَائِلِ". طَرِيقٌ آخَرُ لَهُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "مُوَطَّئِهِ3" حَدَّثَنَا بُكَيْر بْنُ عَامِرٍ الْبَجَلِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ. وَالشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَرْبَعًا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، فَسَأَلَهُ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "إنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ، فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِي تِلْكَ السَّاعَةِ خَيْرٌ، قُلْت: أَفِي كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: أَتَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ؟ فَقَالَ: لَا"، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي "مُخْتَصَرِ الْمُخْتَصَرِ" وَضَعَّفَهُ، فَقَالَ: وَعُبَيْدَةُ بْنُ مُعَتِّبٍ لَيْسَ مِمَّنْ يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِخَبَرِهِ، وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو مُوسَى4
ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ فَذَكَرَهُ، وَلَيْسَ فِيهِ: لَا يُسَلِّمُ بَيْنَهُنَّ، انْتَهَى. وَتَكَلَّمَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ" وَذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ أَبِي مُعَاوِيَةَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي مُعَاوِيَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ. وَأَحْمَدَ، كَمَا تَقَدَّمَ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَفِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ1" خِلَافُهُ، أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، قَالَتْ: كُنَّا نَعُدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنْ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ، وَيَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ، وَيَحْمَدُهُ، وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ، وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ، فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَحْمَدُهُ، وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا، يُسْمِعُنَا، مُخْتَصَرٌ، وَهُوَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ، كَانَ يُوتِرُ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام، "صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ2 عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُ شُعْبَةَ فِيهِ، فَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ، وَوَقَفَهُ بَعْضُهُمْ، وَرَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ صَلَاةَ النَّهَارِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي خَطَأٌ، وَقَالَ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى": إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، إلَّا أَنَّ جَمَاعَةً
مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُمَرَ خَالَفُوا الْأَزْدِيَّ فِيهِ، فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ النَّهَارَ: مِنْهُمْ سَالِمٌ. وَنَافِعٌ. وَطَاوُسٌ، ثُمَّ سَاقَ رِوَايَةَ الثَّلَاثَةِ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ النَّهَارِ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ ابن حبان في "صحيحهما"، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ "صَحِيحِهِ": أحدهما: فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، مُحْتَجًّا بِهِ فِي حَدِيثِ: مَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ، فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا، إنَّهَا فِي تَسْلِيمَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا، فَإِنْ كَانَ لَهُ شُغْلٌ، فَرَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ،" ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: "فَإِنْ كَانَ لَهُ شُغْلٌ"، إلَى آخِرِهِ، مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، فَفَصَلَهُ مِنْ الْحَدِيثِ، وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" عَنْ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ هَذَا، صَحِيحٌ هُوَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ" عَنْ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوعًا، نَحْوُهُ، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الْعُمَرِيِّ إلَّا الْحُنَيْنِيُّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "غَرَائِبِ مَالِكٍ" عَنْ إسْحَاقَ الْحُنَيْنِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ بِهِ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ الْحُنَيْنِيُّ1 عَنْ مَالِكٍ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْر بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى"، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي "كِتَابِهِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ": حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ الْجَلَّابُ3 بِهَمْدَانَ ثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ ثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا أُبَيٍّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى"، انْتَهَى. وَقَالَ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إلَّا أَنَّ فِيهِ عِلَّةً، يَطُولُ بِذِكْرِهَا الْكَلَامُ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَأَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "تَارِيخِ أَصْبَهَانَ4" عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، مَحْبُوبِ بْنِ مَسْعُودٍ، الْبَصْرِيِّ، الْبَجَلِيِّ ثَنَا عَمَّارُ بْنُ عَطِيَّةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ: أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي "غَرِيبِ الْحَدِيثِ" حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ
ثَنَا أَبِي عَنْ ابن أبي ذئب الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى"، انْتَهَى. وَلِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي التَّطَوُّعِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، مَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُصَلِّيَ مِنْ اللَّيْلِ؟ قَالَ: "يُصَلِّي أَحَدُكُمْ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى مِنْ اللَّيْلِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ثَنَا عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى، تَشَهَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ رَبِّهِ بْنَ سَعِيدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعِ بْنِ الْعَمْيَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ، فَذَكَرَهُ، وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّ شُعْبَةَ أَخْطَأَ فِي سَنَدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَوَاضِعَ، وَحَدِيثُ اللَّيْثِ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعِشَاءِ أَرْبَعًا، قُلْت: قَالَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ: هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ أَجِدْهُ، وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْعُجَابِ، فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ3" مِنْ حَدِيثِ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ، فَيَرْكَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ يَأْوِي إلَى فِرَاشِهِ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَفِي آخِرِهِ: حَتَّى قُبِضَ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ أَبُو دَاوُد: فِي سَمَاعِ زُرَارَةَ مِنْ عَائِشَةَ نَظَرٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَحْفُوظَةُ عِنْدِي، فَإِنَّ أَبَا حَاتِمٍ الرَّازِيَّ، قَالَ: سَمِعَ زُرَارَةُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. وَهَذَا مَا صَحَّ لَهُ، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ زُرَارَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4". وَالنَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى" عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: سَأَلْتهَا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ قَطُّ، فَدَخَلَ عَلَيَّ، إلَّا صَلَّى بَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، أَوْ سِتًّا، وَسَكَتَ عَنْهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ1" حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْمَوَالِي أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى الْعِشَاءَ رَكَعَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَوْتَرَ بِسَجْدَةٍ، ثُمَّ نَامَ، حتى يصلي بَعْدَهَا صَلَاتَهُ مِنْ اللَّيْلِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ بِهَذَا اللَّفْظِ إلَّا ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ طَرِيقًا أَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ2" لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ كَانَ الْمُقْتَضِيَةُ لِلدَّوَامِ، فَلِذَلِكَ أَخَّرْنَاهُ، أَخْرَجَهُ فِي "كِتَابِ الْعِلْمِ فِي بَابِ السَّمَرِ فِي الْعِلْمِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا، فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ إلَى مَنْزِلِهِ، فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ. حَدِيثٌ عَنْ عَائِشَةَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِهَا الْمُتَقَدِّمِ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، ثُمَّ يَخْرُجُ، فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ يَدْخُلُ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ، وَيَدْخُلُ بَيْتِي، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِيَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي الضُّحَى. قُلْت: رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ4" مِنْ حَدِيثِ مُعَاذَةَ، أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ، كَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَتْ: أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةٍ: وَيَزِيدُ مَا شَاءَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فروخ حدثنا طبيب بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: قَالَتْ عمرة: سمعت أم المؤمنين عَائِشَةَ تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِكَلَامٍ، انْتَهَى. وَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَا، وَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ5 عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ، قَالَتْ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ الْعَمَلَ، وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ، فَيُفْرَضُ عَلَيْهِمْ، وَمَا سَبَّحَ1 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُبْحَةِ الضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا، انْتَهَى. وَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَأَلْت عَائِشَةَ، هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَتْ: لَا، إلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ، انْتَهَى. فَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": يَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَخْبَرَتْ فِي الْإِنْكَارِ عَنْ رُؤْيَتِهَا وَمُشَاهَدَتِهَا. وَفِي الْآخَرِ بِغَيْرِ الْمُشَاهَدَةِ، إمَّا مِنْ خَبَرِهِ عليه السلام، أَوْ خَبَرِ غَيْرِهِ عَنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ إنْكَارُهَا، أَيْ مُوَاظِبًا عَلَيْهَا، وَمُعْلِنًا بِهَا، وَقَدْ يَكُونُ الْإِنْكَارُ إنَّمَا هُوَ لِصَلَاةِ الضُّحَى الْمَعْهُودَةِ عِنْدَ النَّاسِ، عَلَى الَّذِي اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ، مِنْ صَلَاتِهَا ثَمَانَ رَكَعَاتٍ، وَأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُصَلِّيهَا أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ، فَيُصَلِّيهَا مَرَّةً أَرْبَعًا، وَمَرَّةً سِتًّا، وَمَرَّةً ثَمَانِيَةً، وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ، وَقَدْ رَأَى جَمَاعَةٌ أَنْ يصلي فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، لِيُخَالِفَ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ الْفَرَائِضِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ". قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ عَطَاءِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمَا أَعْلَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَنَّاهُ، وَمَا أَخْفَاهُ أَخْفَيْنَاهُ لَكُمْ، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِوُجُوبِهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَلَيْسَ الْحَدِيثُ بِصَرِيحٍ فِيهِ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ حَدِيثُ: الْمُسِيءُ صَلَاتَهُ، أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ3" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ: أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ لَهُ: "إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ"، وَفِي آخِرِهِ: "ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا"، وَحَدِيثُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَيْضًا، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ4، وَفِيهِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لَهُ: "إذَا اسْتَقْبَلْت الصَّلَاةَ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا شِئْت"، وَفِي آخِرِهِ، "ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَسَجْدَةٍ"، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِتَمَامِهِ فِي حَدِيثِ: "لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ مَعَهَا"، وَهُوَ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، لَيْسَ فِيهِ: "ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ إنْ شَاءَ قَرَأَ، وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ، وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ، هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عَلِيٍّ. وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَعَائِشَةَ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَلِيٍّ. وَابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَا: اقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَسَبِّحْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، وَهُوَ عَنْ عَائِشَةَ غَرِيبٌ1. الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ "يَعْنِي الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ"، قُلْت: يَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ2 إلَّا التِّرْمِذِيَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الأولى مالا يُطِيلُ فِي الثَّانِيَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَصْرِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "لَا يُصَلَّى بَعْدَ صَلَاةٍ، مِثْلُهَا"، قُلْت: غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَا يُصَلَّى بَعْدَ صَلَاةٍ، مِثْلُهَا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يُصَلَّى عَلَى إثْرِ صَلَاةٍ مِثْلُهَا، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد3 وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: أَتَيْت ابْنَ عُمَرَ عَلَى الْبَلَاطِ، وَهُمْ يُصَلُّونَ، قُلْت: أَلَا تُصَلِّي مَعَهُمْ؟ قَالَ: قَدْ صَلَّيْت، إنِّي قَدْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَلَفْظُهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نُعِيدَ صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ، يُحْتَجُّ بِخَبَرِهِ إذَا رَوَى عَنْ
غَيْرِ أَبِيهِ، فَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَلَا تَخْلُو مِنْ انْقِطَاعٍ وَإِرْسَالٍ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُحْتَجَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا، انْتَهَى. قِيلَ: وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "صَحِيحِهِ" قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، قَالَ: وَمَعْنَاهُ كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا أَيْ لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعِدْهَا ابْنُ عُمَرَ، لِأَنَّهُ كَانَ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ1": قَالَ مَالِكٌ: ثَنَا نَافِعٌ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: إنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي، ثُمَّ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ، أَفَأُصَلِّي مَعَهُ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَيَّتَهمَا أَجْعَلُ صَلَاتِي؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ ذَلِكَ إلَيْك، إنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ، يَجْعَلُ أَيَّهمَا شَاءَ، انْتَهَى. رَوَاهُ فِي "الْمُوَطَّأِ"، قَالَ: وَهَذَا مِنْ ابْنِ عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي رَوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "لَا صَلَاةَ مَكْتُوبَةَ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ"، إنَّمَا أَرَادَ بِهِ كِلْتَاهُمَا عَلَى وَجْهِ الْفَرْضِ، أَوْ إذَا صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ، فَلَا يُعِيدُهَا أُخْرَى، ثُمَّ أَسْنَدَ2 عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي ثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَقَامَ يُصَلِّي الظُّهْرَ، فَقَالَ: "أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّي مَعَهُ؟ "، قَالَ: وَرَوَيْنَا عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرْسَلًا فِي هَذَا الْخَبَرِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ، فَصَلَّى مَعَهُ، وَقَدْ كَانَ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُمَا فَعَلَا، وَكَانَا قَدْ صَلَّيَا بِالْجَمَاعَةِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَدَعْوَى مَنْ ادَّعَى نَسْخَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ بَاطِلَةٌ، لَا يَشْهَدُ بِهَا لَهُ تَارِيخٌ، وَلَا سَبَبٌ، وَإِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ، فَهُوَ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَحَادِيثُ إعَادَةِ الْفَرِيضَةِ لِأَجْلِ الْجَمَاعَةِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ3 عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "كَيْفَ أَنْتَ، إذَا كَانَ عَلَيْك أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ قُلْت: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ، فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَك نَافِلَةٌ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ، لَمْ يَقُلْ: عَنْ وَقْتِهَا، وَفِي لَفْظٍ: وَلَا تَقُلْ: إنِّي قَدْ صَلَّيْت، فَلَا أُصَلِّي، وَفِي لَفْظٍ: "صَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً"، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ4 عَنْهُ عليه السلام، قَالَ: "إنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ، يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِمِيقَاتِهَا، وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً"، مُخْتَصَرٌ، مِنْ حَدِيثِ التَّطْبِيقِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ": لَمْ يُخْرِجْ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْئًا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ رضي الله عنه، قَالَ: شَهِدْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ إذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي أُخْرَى الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِمَا، فَجِيءَ بِهِمَا، تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، قَالَ: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا كُنَّا صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: "فَلَا تَفْعَلَا، إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ، فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ. وَالْبَيْهَقِيِّ: وَلْيَجْعَلْ الَّتِي صَلَّاهَا فِي بَيْتِهِ نَافِلَةً، وَقَالَا: إنَّهَا رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ شَاذَّةٌ، مَرْدُودَةٌ، لِمُخَالَفَتِهَا الثِّقَاتِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد2 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ نُوحِ بْنِ صَعْصَعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ السُّوَائِيِّ، بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: إذَا جِئْت الصَّلَاةَ، فَوَجَدْت النَّاسَ، فَصَلِّ مَعَهُمْ، وَإِنْ كُنْت صَلَّيْت، تَكُنْ لَك نَافِلَةً، وَهَذِهِ مَكْتُوبَةً، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ3 إلَّا مُسْلِمًا عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا، فَقَالَ: "مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ"، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذَا فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ، وَأَمَّا الْفَرْضُ، فَلَا يَجُوزُ الْقُعُودُ فِيهِ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ عَجَزَ لَمْ يَنْقُصْ ثَوَابُهُ، انْتَهَى. قُلْت: يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْجِهَادِ" عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ4 فِي "بَابِ مَا يُكْتَبُ لِلْمُسَافِرِ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الْإِقَامَةِ"، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ5 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ"، قَالَ: فَأَتَيْته، فَوَجَدْته جَالِسًا، فَوَضَعْت يَدِي على رأسه، فقال: "مالك يَا عَبْدَ اللَّهِ"؟ قَالَ: حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَّك قُلْتَ: "صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلَاةِ"، وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا، قَالَ:
"أَجَلْ! وَلَكِنِّي لَسْت كَأَحَدٍ مِنْكُمْ". انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ ثَوَابِي فِي النَّفْلِ قَاعِدًا، كَثَوَابِي قَائِمًا، هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ، يُومِئُ إيمَاءً، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1. وَأَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ2 إلَى خَيْبَرَ، انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: عَمْرُو بْنُ يَحْيَى لَا يُتَابَعُ عَلَى قَوْلِهِ: عَلَى حِمَارٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، انْتَهَى. قِيلَ: وَقَدْ غَلَّطَ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَغَيْرُهُ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى فِي ذَلِكَ، وَالْمَعْرُوفُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَعَلَى الْبَعِيرِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: يومئ إيماءً، لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ3، وَشَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ ذَكَرَ فِيهِ: يوميء بِرَأْسِهِ، وَعَزَاهُ لِلصَّحِيحَيْنِ4، وَلَمْ أَجِدْ لَفْظَ الْإِيمَاءِ إلَّا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، مَعَ أَنَّ الشَّيْخَ فِي "الْإِمَامِ" عَزَاهُ لِلصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ، حَيْثُ كَانَ وجهه، يوميء بِرَأْسِهِ، فَلْيُنْظَرْ، وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ" بِهَذَا اللَّفْظِ، وَقَالَ: أَخْرَجَاهُ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ": تَفَرَّدَ الْبُخَارِيُّ بِذِكْرِ "الْإِيمَاءِ" فِيهِ، لَكِنْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، أَيْنَمَا توجهت يوميء، وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ هُوَ. وَمُسْلِمٌ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ يسبح، يوميء بِرَأْسِهِ، قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَلَمْ يَكُنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الْمَكْتُوبَةِ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ فِعْلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قُلْت: هَذَا تَقْصِيرٌ مِنْهُ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ5 فِي "صَلَاةِ الْمُسَافِرِ" بِلَفْظِ مُسْلِمٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: اسْتَقْبَلْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ قَدِمَ مِنْ الشَّامِ، فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ، فَرَأَيْته يُصَلِّي عَلَى
حِمَارٍ، وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الْجَانِبِ "يَعْنِي عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ"، فَقُلْت: رَأَيْتُك تُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ؟ فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ، لَمْ أَفْعَلْهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "غَرَائِبِ مَالِكٍ" عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ، عَلَى حِمَارٍ، يُصَلِّي، يُومِئُ إيمَاءً، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَهَذَا لَفْظُ الْكِتَابِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي النَّوَافِلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فِي كُلِّ وَجْهٍ، يُومِئُ إيمَاءً، وَلَكِنَّهُ يَخْفِضُ السَّجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَجِئْت، وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ، نَحْوَ الْمَشْرِقِ، السُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ، فَإِذَا أَرَادَ الْفَرِيضَةَ، نَزَلَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، انْتَهَى.
فصل في قيام شهر رمضان
فَصْلٌ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ وَاظَبُوا عَلَيْهَا "يَعْنِي التراويح". قلت: الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ الْعُذْرَ، فِي تَرْكِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى التَّرَاوِيحِ، وَهُوَ خَشْيَةُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْنَا، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1. وَمُسْلِمٌ فِي "التَّهَجُّدِ" عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ: قَدْ رَأَيْت الَّذِي صَنَعْتُمْ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْكُمْ، إلَّا أَنِّي خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: وَلَكِنْ خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ فِي "كِتَابِ الصِّيَامِ": فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، انْتَهَى. وَعِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ2" عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ عليه السلام قَامَ بِهِمْ فِي رَمَضَانَ، فَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، وَأَوْتَرَ، ثُمَّ انْتَظَرُوهُ مِنْ الْقَابِلَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: خَشِيت أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ الْوِتْرُ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْوِتْرِ، وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ القارئ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ
مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ، فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْت هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ، لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْت مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ: "نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هذه، والتي ينامون عنها أفضل عن الَّتِي يَقُومُونَ"، يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ، انْتَهَى. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تُرِكَتْ إلَى زمان عمر، دليل أَنَّ عُمَرَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، والله أعلم، رواه الْبُخَارِيُّ1 أَيْضًا، وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ2 نَحْوُهُ، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ نَحْوُهُ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ3، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. أَحَادِيثُ الْعِشْرِينَ رَكْعَةً: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه"، وعنه البيقي4 مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً، سِوَى الْوِتْرِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْفَقِيهُ أَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّازِيُّ فِي "كِتَابِ التَّرْغِيبِ"، فَقَالَ: وَيُوتِرُ بِثَلَاثٍ، وَهُوَ مَعْلُولٌ، بِأَبِي شَيْبَةَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ، جَدِّ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ، وَلَيَّنَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، ثُمَّ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ، كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟، قَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلَا فِي غَيْرِهِ، عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلُ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلُ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ، وَلَا يَنَامُ قَلْبِي"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ5. وَمُسْلِمٌ فِي "التَّهَجُّدِ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا6: كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ عَشَرَ رَكَعَاتٍ، وَيُوتِرُ بِسَجْدَةٍ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَتِلْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً: مِنْهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ7 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ يُصَلِّي إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ، رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ": هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَبَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ أَنَّ الْجُمْلَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ ثَنَا أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ ثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كُنَّا نَقُومُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ1": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَةِ السُّنَنِ2 لَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ بِزِيَادَةٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ3" عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ فِي "الْمُوَطَّأِ": بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ: بِأَنَّهُمْ قَامُوا بِإِحْدَى عَشْرَةَ، ثُمَّ قَامُوا الْعِشْرِينَ، وَأَوْتَرُوا بِثَلَاثٍ، قَالَ: وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَفْرَادَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، رُوِيَ عَنْهُمْ التَّخَلُّفُ "يَعْنِي عَنْ التَّرَاوِيحِ" ذَكَرَ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ4 رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَعُرْوَةَ. وَغَيْرِهِمَا، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: ثَنَا فَهْدٌ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، ثَنَا يُونُسُ. وَفَهْدٌ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّاسِ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ إلَى مَنْزِلِهِ، فَلَا يَقُومُ مَعَ النَّاسِ، ثَنَا يُونُسُ ثَنَا أَنَسٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْت أَبِي5. وَسَالِمًا. وَنَافِعًا يَنْصَرِفُونَ مِنْ الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ، ولا يقومون مَعَ النَّاسِ. قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ التَّرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارُ التَّرْوِيحَةِ، وَكَذَا بَيْنَ الْخَامِسَةِ، وَبَيْنَ الْوِتْرِ، لِعَادَةِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ6. قَوْلُهُ: وَلَا يُصَلَّى الْوِتْرُ جَمَاعَةً فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ، عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ.
باب إدراك الفريضة
باب إدراك الفريضة الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إلَّا مُنَافِقٌ، أَوْ رَجُلٌ يَخْرُجُ لِحَاجَةٍ، يُرِيدُ الرُّجُوعَ"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ1" بِمَعْنَاهُ حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَدْرَكَ الْأَذَانَ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ لِحَاجَةٍ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرُّجُوعَ، فَهُوَ مُنَافِقٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَحَدٌ بَعْدَ النِّدَاءِ، إلَّا مُنَافِقٌ، إلَّا أَحَدٌ أَخْرَجَتْهُ حَاجَةٌ، وَهُوَ يُرِيدُ الرُّجُوعَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، فَذَكَرُوهُ، وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ2 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ رَجُلٌ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِلْعَصْرِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّهُ مُسْنَدٌ، وَكَذَلِكَ نَظَائِرُهُ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ، وَقَالَ: لا تختلفون فِي ذَلِكَ، وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"3، وَزَادَ فِيهِ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَلَا تَخْرُجُوا حَتَّى تُصَلُّوا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: حَدِيثُ الْوَعِيدِ بِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ، قُلْت: كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ4: الْجَمَاعَةُ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "بَابِ الْإِمَامَةِ"، مَعَ غَيْرِهِ. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَفْضَلُ فِي عَامَّةِ السُّنَنِ
وَالنَّوَافِلِ الْمَنْزِلُ، هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1. وَمُسْلِمٌ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ حُجْرَةً مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ، فَصَلَّى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَالِيَ، حَتَّى اجْتَمَعَ إلَيْهِ أُنَاسٌ، وَجَاءُوا يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، ثُمَّ جَاءُوا لَيْلَةً، فَحَضَرُوا، وَأَبْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ، وَحَصَبُوا الْبَابَ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ: "مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ"؟! وَفِي آخِرِهِ: "فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ، إلَّا الْمَكْتُوبَةَ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ. وَالتِّرْمِذِيُّ، مُخْتَصَرًا، فلفظ أبو دَاوُد: "صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا، إلَّا الْمَكْتُوبَةَ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ الْآخَرِينَ: "أَفْضَلُ صَلَاتِكُمْ، فِي بُيُوتِكُمْ، إلَّا الْمَكْتُوبَةَ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ فِي "الْعِلْمِ الْمَشْهُورِ": وَقَدْ اسْتَدَلَّ مَنْ يَرَى صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ فِي الْبُيُوتِ، وَأَنَّهَا لَا تُقَامُ جَمَاعَةً بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَخَذَ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ عُمَرَ، أَنَّهُ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَبِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ، قَالَ: فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ حِبَّانَ رواه في "صحيحه" صَحَّحَ فِيهِ مِنْ سَقِيمٍ، وَمَرَّضَ مِنْ صَحِيحٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ هَذَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ2 عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْهُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَيُنْظَرُ الصَّحِيحَانِ. فَائِدَةٌ: قَدْ يُعَارَضُ هَذَا الْحَدِيثُ3 بِحَدِيثِ: "صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا، أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ فِي غَيْرِ مَسْجِدِي هَذَا"، يَدُلُّ عَلَى لَفْظِ أَبِي دَاوُد الْمُتَقَدِّمِ: "صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا"، وَنَظِيرُ هَذَا، حَدِيثُ: "عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4. وَمُسْلِمٌ فِي "الْحَجِّ" عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، مَعَ حَدِيثِ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إلَى اللَّهِ، مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، قَالُوا: يَا رَسُولُ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ فِي "الْعِيدَيْنِ1" عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، فَيُحْمَلُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِ عَلَى الصَّوْمِ. وَالصَّلَاةِ فَقَطْ، وَيُسْتَأْنَسُ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا، مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، يُعْدَلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ، وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ، انْتَهَى. أَخْرَجُوهُ3 فِي "الصَّوْمِ" إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ4: لَمْ يُرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ، وَرَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى، فَإِنَّ بَعْضَ الْحُفَّاظِ، قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ لَمْ تَعْلَمْ بِصِيَامِهِ عليه السلام، فَإِنَّهُ كَانَ يَقْسِمُ لِتِسْعِ نِسْوَةٍ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَتَّفِقْ صِيَامُهُ فِي نَوْبَتِهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ: لَمْ يُرَ، مبنية للفاعل، لتتفق الروايتين، عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الْمُثْبِتِ أَوْلَى مِنْ حَدِيثِ النَّافِي، وَقِيلَ: إذَا تَسَاوَيَا فِي الصِّحَّةِ، يُؤْخَذُ بِحَدِيثِ هُنَيْدَةَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5. وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ هُنَيْدَةَ عَنْ امْرَأَةٍ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَأَوَّلُ اثْنَيْنِ مِنْ الشَّهْرِ، وَالْخَمِيسَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هُنَيْدَةَ، فَرُوِيَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ أُمَّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، مُخْتَصَرًا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ، غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَالْحَدِيثُ وَرَدَ بِقَضَائِهَا، تَبَعًا لِلْفَرْضِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ذِي مِخْبَرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَمِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ
حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّلُولِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: عَرَّسْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِيَأْخُذْ كُلُّ إنْسَانٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ"، قَالَ: فَفَعَلْنَا، ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى الْغَدَاةَ، انْتَهَى. فَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "إنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ، وَتَأْتُونَ الْمَاءَ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ"، إلَى أَنْ قَالَ: فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّرِيقِ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: "احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا"، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ، قَالَ: فَقُمْنَا فَزِعِينَ، ثُمَّ قَالَ: "ارْكَبُوا" فَرَكِبْنَا، فَسِرْنَا، حَتَّى إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَزَلَ، فَدَعَا بِمِيضَأَةٍ، كَانَتْ مَعِي، فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ قَالَ لِأَبِي قَتَادَةَ: "احْفَظْ عَلَيْنَا مِيضَأَتَك، فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ"، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَقَدْ رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ سُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، وَفِيهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الصَّلَاةُ مِنْ غَدَاةٍ، فَلْيُصَلِّ مَعَهَا مِثْلَهَا"، هَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ2". وَلَمْ يُتَابَعْ خَالِدٌ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَعَهُ، وَإِنَّمَا اللَّفْظُ الصَّحِيحُ فِيهِ: "فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدَاةِ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا"، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَكِنْ حَمَلَهُ خَالِدٌ عَلَى الْوَهْمِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: "أَيَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الرِّبَا، وَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ"، كَمَا سَيَأْتِي، وَنَسَبَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" الْوَهْمَ فِيهِ لِلرَّاوِي عَنْ خَالِدٍ، وَهُوَ الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانُ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْبَيْهَقِيّ، فَلْيُرَاجَعْ، وَسُمَيْرٌ: "بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ"، وَرَبَاحٌ: "بِالْمُوَحَّدَةِ". وَأَمَّا حَدِيثُ ذِي مِخْبَرٍ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ3" مِنْ حَدِيثِ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ صُلَيْحٍ عَنْ ذِي مِخْبَرٍ الْحَبَشِيِّ4 وَكَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ "يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وضوءً لَمْ يَلْثَ مِنْهُ التُّرَابُ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا، فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، غَيْرَ عَجِلٍ، ثُمَّ قَالَ لِبِلَالٍ: "أَقِمْ الصَّلَاةَ"، ثُمَّ صَلَّى، وَهُوَ غَيْرُ عَجِلٍ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الْأَذَانِ". وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5 أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ
بْنِ حُصَيْنٍ بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" بِزِيَادَةٍ فِيهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ سماع الحسن عن عِمْرَانَ، وَإِعَادَتُهُ الرَّكْعَتَيْنِ، لَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَلَيْسَ فِي سَمَاعِ، الحسن، من عمران، فقال ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُمَا قَالَا: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ أَيْضًا إنَّهُ قَالَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الْأَذَانِ". وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا. وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ2 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: "مَنْ يكلأنا اللَّيْلَةَ؟ " فَقَالَ بِلَالٌ: أَنَا، فَاسْتَقْبَلَ مَطْلَعَ الشَّمْسِ، فَمَا أَيْقَظَهُمْ إلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، فَقَامُوا، فَأَذَّنَ بِلَالٌ، وَصَلَّوْا الرَّكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّوْا الْفَجْرَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَكَذَا الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. وَأَمَّا حَدِيثُ بِلَالٍ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". وَالْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَبُو يَحْيَى. وَالْفَضْلُ بْنُ سُهَيْلٍ3، قَالَا: ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ يحيى بن سعيد عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ بِلَالٍ، فَذَكَرَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَسَدِيُّ ثَنَا أبي عن عتبة أبي عَمْرٍو عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فقال: "من يكلأنا اللَّيْلَةَ؟ " فَقُلْت: أَنَا، فَنَامَ، وَنَامَ النَّاسُ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ إلَّا بِحَرِّ الشَّمْسِ، فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ هَذِهِ الْأَرْوَاحَ عَارِيَّةٌ فِي أَجْسَادِ الْعِبَادِ، يَقْبِضُهَا وَيُرْسِلُهَا إذَا شَاءَ، فَاقْضُوا حَوَائِجَكُمْ عَلَى رِسْلِكُمْ"، فَقَضَيْنَا حَوَائِجَنَا عَلَى رِسْلِنَا، وَتَوَضَّأْنَا، وَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ صَلَّى بِنَا، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَنَسٍ إلَّا عُتْبَةُ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ4" أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْبُخَارِيُّ، الْمُقْرِي بِالْكُوفَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ عَنْ أَسْبَاطٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: عَرِّسْ بِنَا
يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: "مَنْ يُوقِظُنَا؟ " فَقُلْت: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَنِمْتُ، وَنَامُوا، فَمَا اسْتَيْقَظْنَا إلَّا بِحَرِّ الشَّمْسِ فِي رُءُوسِنَا، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَوَضَّأَ، وَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرُ، انْتَهَى. وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ، وَقَالَ: "إنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَأَيْقَظَنَا، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ، فَهَكَذَا لِمَنْ نَامَ، أَوْ نَسِيَ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقِ بْنِ بُكَيْر ثَنَا حَرْبِيُّ بْنُ حَفْصٍ ثَنَا صَدَقَةُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ، فَنِمْنَا عَنْ الصَّلَاةِ، صَلَاةِ الْغَدَاةِ، حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنًا فَأَذَّنَ، كَمَا كَانَ يُؤَذِّنُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، كَمَا كَانَ يُصَلِّي، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّلُولِيِّ، فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ1" أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ يزيد2 بْن أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِيهِ، وَاسْمُهُ: "مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ السَّلُولِيُّ"، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَسْرَيْنَا لَيْلَةً، فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ، نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَامَ، وَنَامَ النَّاسُ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ إلَّا بِالشَّمْسِ قَدْ طَلَعَتْ عَلَيْنَا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤَذِّنَ، فَأَذَّنَ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ حَدَّثَنَا مَا هُوَ كَائِنٌ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام، فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ: "صَلُّوهَا وَإِنْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ3" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ الْمَدِينِيِّ عَنْ ابْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ سِيلَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَدْعُوهُمَا وَإِنْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ"، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إسْحَاقَ الْمَدَنِيُّ أَبُو شَيْبَةَ الْوَاسِطِيُّ4، وَيُقَالُ: عَبَّادُ بْنُ إسْحَاقَ، أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ بِثَبْتٍ، وَلَا بِقَوِيٍّ، وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: سَأَلَتْ عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمْ يَحْمَدُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا لَمْ يَحْمَدُوهُ فِي مَذْهَبِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدَرِيًّا، فَنَفَوْهُ مِنْ الْمَدِينَةِ،
فَأَمَّا رِوَايَاتُهُ، فَلَا بَأْسَ بِهَا، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، وَابْنُ سِيلَانَ "بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، بَعْدَهَا آخِرُ الْحُرُوفِ سَاكِنَةٌ، وَآخِرُهُ نُونٌ"، وَاسْمُهُ: عَبْدُ رَبِّهِ، هَكَذَا جَاءَ مُسَمًّى فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، وَقِيلَ: هُوَ جَابِرُ بْنُ سِيلَانَ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ"، بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد: وَابْنُ سِيلَانَ، هَذَا هُوَ عَبْدُ رَبِّهِ، وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَعِلَّتُهُ الْجَهْلُ بِحَالِ ابْنِ سِيلَانَ، وَلَا يُدْرَى أَهُوَ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سِيلَانَ، أَوْ جَابِرُ بْنُ سِيلَانَ؟ فَجَابِرُ بْنُ سِيلَانَ يَرْوِي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مُهَاجِرٍ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَقَالَ: يَرْوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مُهَاجِرٍ، وَقَالَ ابْنُ الْفَرَضِيِّ: رَوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَعَلَى هَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فِي "الْإِسْنَادِ" جَابِرًا، وَهُوَ غَالِبُ الظَّنِّ، وَعَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سِيلَانَ أَيْضًا مَدَنِيٌّ، سَمِعَ أَبَا هريرة، روى عَنْهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مُهَاجِرِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ. وَابْنُ الْفَرَضِيِّ. وَغَيْرُهُمَا، وَأَيُّهُمَا كَانَ، فَحَالُهُ مَجْهُولٌ، لَا يُعْرَفُ، وَأَيْضًا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ، هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: عَبَّادُ الْمُقْرِي، قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: سَأَلْت عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَحْمَدُوهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: رَوَى أَحَادِيثَ مُنْكَرَةً، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: تَقَدَّمَ بَعْضُهَا أَوَّلَ الْبَابِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ1 عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: "رَكْعَتَا الْفَجْرِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ2 عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَسْرَعَ مِنْهُ إلَّا الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ3. وَمُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مُعَاهَدَةً عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، انْتَهَى. أَخْرَجَاهُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْهَا، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ4 عَنْهَا أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَدَعُ، أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْهَا5 أَيْضًا، قَالَتْ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ قَائِمًا، وَرَكْعَتَيْنِ جَالِسًا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ النِّدَاءَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدَعُهُمَا أَبَدًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط" عَنْ هَدِيَّةَ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ
عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَسَأَلَهَا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي، وَيَدَعُ، وَلَكِنِّي لَمْ أَرَهُ يَتْرُكُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فِي سَفَرٍ، وَلَا حَضَرٍ، وَصِحَّةٍ وَلَا سَقَمٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا فُضَيْلٍ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "لَا تَتْرُكُوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَإِنَّ فِيهِمَا الرَّغَائِبَ"، مُخْتَصَرٌ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ تَرَكَ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ، لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي"، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا1. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام وَاظَبَ عَلَيْهَا "يَعْنِي السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ بِالْجَمَاعَةِ" قُلْت: هَذَا مَعْرُوفٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ عليه السلام تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الرَّوَاتِبِ الْمَذْكُورَةِ فِي النَّوَافِلِ، إلَّا الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَقَضَاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَقَضَاهُمَا بَعْدَ الْفَرْضِ، بَعْدَ الشَّمْسِ.
باب قضاء الفوائت
بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا، فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ، فَلْيُصَلِّ الَّتِي هُوَ فِيهَا، ثُمَّ لِيُصَلِّ الَّتِي ذَكَرَهَا، ثُمَّ لِيُعِدْ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ،" قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا" عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ3 التَّرْجُمَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ، فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، فَلْيُعِدْ الَّتِي نَسِيَ، ثُمَّ لِيُعِدْ الَّتِي صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَفَعَهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانِيُّ، وَوَهِمَ فِي رَفْعِهِ، وَزَادَ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": وَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ هَكَذَا، رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ. وَمَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ أَسْنَدَهُ غَيْرُ أَبِي إبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَوَقَفَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، انْتَهَى.
أَمَّا حَدِيثُ مَالِكٍ: فَهُوَ فِي "الْمُوَطَّأِ1" عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، الْحَدِيثَ. وَأَمَّا حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ فَهُوَ فِي "سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ" عَنْهُ2 ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "الْكُنَى" عَنْ التَّرْجُمَانِيِّ مَرْفُوعًا، ثُمَّ قَالَ: رَفْعُهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: سَأَلْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانِيِّ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو دَاوُد. وَأَحْمَدُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ" عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، أَنَّهُ قَالَ: رَفْعُهُ خَطَأٌ، وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": رَفَعَهُ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ، وَقَدْ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ. وَابْنُ مَعِينٍ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي "مِيزَانِهِ" تَوْثِيقَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ إنَّهُ خَسَّافٌ قَصَّابٌ , رَوَى عَنْ الثِّقَاتِ أَشْيَاءَ مَوْضُوعَةً , وَذَكَرَ مِنْ مَنَاكِيرِهِ هَذَا الْحَدِيثَ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ": لَا أَعْلَمُ رَفَعَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ غَيْرُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَأَرْجُو أَنَّ أَحَادِيثَهُ مُسْتَقِيمَةٌ، لَكِنَّهُ يَهِمُ، فَيَرْفَعُ مَوْقُوفًا، وَيَصِلُ مُرْسَلًا، لَا عَنْ تَعَمُّدٍ، انْتَهَى. فَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسُبُ الْوَهْمَ فِي رَفْعِهِ لِسَعِيدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسُبُهُ لِلتَّرْجُمَانِيِّ، الرَّاوِي عَنْ سَعِيدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ، وَقَدَّمَ الْوَقْتِيَّةَ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ أَدَّاهَا قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ أَنَسٍ، أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ3 عَنْهُ مَرْفُوعًا: "مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا"، زَادَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" لَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد: فَلْيُصَلِّهَا حِينَ تَذَكَّرَهَا، الْحَدِيثَ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ4". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي جُمُعَةَ حَبِيبِ بْنِ سِبَاعٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْمَغْرِبَ، وَنَسِيَ الْعَصْرَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: "هَلْ رَأَيْتُمُونِي صَلَّيْتُ الْعَصْرَ"؟، قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَلَّيْتَهَا، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ، فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ،
وَنَقَضَ الْأُولَى، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ الشَّيْخُ تَقِي الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ" بِابْنِ لَهِيعَةَ فَقَطْ، وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": ابْنُ لَهِيعَةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، هُوَ: ابْنُ أَبِي زِيَادٍ الْفِلَسْطِينِيُّ، صَاحِبُ حَدِيثِ: الصُّوَرِ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، لَكِنْ أَبُو حَاتِمٍ قَالَ: هُوَ مَجْهُولٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بن عوف، هو: القارئ، رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ. وَغَيْرُهُ، وَكَانَ زَمَنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى دِيوَانِ فِلَسْطِينَ، انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي الْفَائِتَةِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، يَوْمَ الْخَنْدَقِ، جَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، فَقَالَ عليه السلام: "فو الله إنْ صَلَّيْتُهَا، فَنَزَلْنَا إلَى بَطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَوَضَّأْنَا، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَصَلَّيْنَا بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ،" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1 وَمُسْلِمٌ، وَبِحَدِيثِ صَلَاتِهِ عليه السلام يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ، وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الْآتِي، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فِيهِمَا، بَلْ هُمَا ظَاهِرَانِ فِي امْتِدَادِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَقَضَاهُنَّ مُرَتِّبًا، ثُمَّ قَالَ: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قال: قال عبد بْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَأَمَرَ بِلَالًا، فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ، إلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ3، انْتَهَى. وَوَهِمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، فينقل كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ، إلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يُدْرِكْ أَبَاهُ، وَالتِّرْمِذِيُّ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ كِتَابِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، ذَكَرَهُ فِي خَمْسِ مَوَاضِعَ مِنْ "كِتَابِهِ: أَوَّلِهَا: فِي "الطَّهَارَةِ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ". وَثَانِيهَا: فِي "الصَّلَاةِ فِي بَابِ الرَّجُلِ تَفُوتُهُ الصَّلَوَاتُ، بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ؟ "، ثُمَّ فِي "بَابِ مَا جَاءَ فِي مِقْدَارِ الْقُعُودِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ"، ثُمَّ فِي "الزَّكَاةِ
فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ"، ثُمَّ فِي "التَّفْسِيرِ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ"، وَلَفْظُهُ فِي الْجَمِيعِ: وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي "بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ بِحَجَرَيْنِ"، وَفِي "بَابِ زَكَاةِ الْبَقَرِ" سَنَدُهُ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَأَلْت أَبَا عُبَيْدَةَ، هَلْ تَذْكُرُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ شَيْئًا؟، انْتَهَى. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَدْرَكَهُ عَلَى صِغَرٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى فِي بَابِ صَفِّ الْقَدَمَيْنِ": وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، انْتَهَى. وَلَمْ أَجِدْ فِيمَا رَأَيْتُهُ مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ أَبَاهُ، فَقَالَ أَبُو دَاوُد: تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ. وَلِوَلَدِهِ أَبِي عبيدة سبع سِنِينَ، وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَلِوَلَدِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ست سِنِينَ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: أَمَّا الثَّوْرِيُّ. وَشَرِيكٌ فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ: إنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَقِيَ أَبَاهُ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ، فَقَالَ مَرَّةً: إنَّهُمَا لَمْ يَسْمَعَا مِنْ أَبِيهِمَا، وَرُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ. وَمِنْ عَلِيٍّ، وَجَزَمَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي "الْأَطْرَافِ" بِسَمَاعِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، دُونَ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، اسْمُهُ: عَامِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ وَجَدْت1 الشيخ محي الدِّينِ فِي "الْخُلَاصَةِ" قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِعَيْنِهِ: إنَّهُ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يُدْرِكْ أَبَاهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "بَابِ إخفاء التشهد": أبا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ أَبَاهُ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ بِاتِّفَاقِهِمْ، وَقِيلَ: وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقَالَ في "باب الوتر": أبا عُبَيْدَةَ لَمْ يُدْرِكْ أَبَاهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي "بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ"، وَكَذَلِكَ فِي "بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ"، وَكَذَلِكَ فِي "بَابِ الْجَنَائِزِ". طَرِيقٌ آخر: أخرجه َبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ بِهِ، سَوَاءٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّ الْعِشَاءَ أَيْضًا مِنْ الْفَوَائِتِ، فَإِنَّهُ قَالَ: شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ، وَذَكَرَ مِنْهَا: الْعِشَاءَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا صَلَّاهَا عليه السلام فِي وَقْتِهَا، وَلَكِنْ لَمَّا أَخَّرَهَا عَنْ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ لَهُ سَمَّاهَا الرَّاوِي فَائِتَةً مَجَازًا، وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: "ثُمَّ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"، لَيْسَ هُوَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَوْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْوَاوِ لَكَانَ أَجْوَدَ، وَهُوَ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْأَذَانِ2" عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ثَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ، فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ: "فَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ3" مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ
الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ. وَالْمَغْرِبِ. وَالْعِشَاءِ، حِينَ لَقِينَا ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} فَقَامَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر بلالاً، فأقام، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ، فَصَلَّاهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: الْعِشَاءَ، إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، وَهَذَا يُوَضِّحُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْعِشَاءَ لَا تُعَدُّ مِنْ الْفَوَائِتِ إلَّا مَجَازًا، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ فِيهِ: عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ، فَذَكَرَهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ احْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى تَأْخِيرِ الصَّلَوَاتِ فِي حَالِ الْخَوْفِ، قَالَ فِي "الشِّفَاءِ": وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْخَوْفِ، فَهِيَ نَاسِخَةٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُغِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ. وَالْمَغْرِبِ. وَالْعِشَاءِ، حَتَّى ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ، فَأَمَرَ بِلَالًا، فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ قَالَ: "مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ غَيْرُكُمْ"، انْتَهَى. وَعَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ ضَعِيفٌ، وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمُتَقَدِّمُ أَوَّلَ الْبَابِ1، أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" حَدِيثُ بَطْحَانَ. حَدِيثٌ آخَرُ: ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ" بِإِسْنَادِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ، قَالَ: سُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ"، فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا، وَلَا سَمِعْته عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" هَكَذَا، قَالَ: مَا عَرَفْنَا لَهُ أَصْلًا، انْتَهَى.
باب سجود السهو
بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ قبل السلام، قلت: خرجه الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ2 أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى إذَا قَضَى الصَّلَاةَ، وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكَلَاعِيِّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ سَالِمٍ الْعَنْسِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ نُفَيْرٍ عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْ أَبِيهِ عَنْ ثَوْبَانَ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ مِنْ الرُّوَاةِ، عَنْ ابْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": انْفَرَدَ بِهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ2، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ3 إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَزَادَ، أَوْ نَقَصَ، فَلَمَّا سَلَّمَ، قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ؟ قَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْت، كَذَا. وَكَذَا، قَالَ: فَثَنَى رِجْلَهُ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: إنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ لَنَبَّهْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنِّي إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّم، ثُمَّ لْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ"، وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِ الْبُخَارِيِّ، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ فِيهِ، بِالْوَاوِ، وَلَفْظُهُ: وَيُسَلِّمُ، وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ، وَأَمَّا النَّسَائِيّ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: "وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ"، إلَى آخِرِهِ، بِالْجُمْلَةِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسَافِعٍ أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ شَيْبَةَ
أَخْبَرَهُ عَنْ عُتْبَةَ1 بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ شَكَّ فِي صلاته، فليسجد سجدتين بعد ما يُسَلِّمُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، قِيلَ: وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَعُقْبَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَيُقَالُ عُتْبَةُ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، وَمُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ، وَإِنْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، فَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. وَأَبُو حَاتِمٍ. والدارقطني. الْحَدِيثُ الثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ2" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ "، قَالُوا: صَلَّيْتَ خمساً، فسجد سجدتين بعد ما سَلَّمَ، انْتَهَى. وَلَمْ يَقُلْ مسلم: بعد ما سَلَّمَ، وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَالْكَلَامِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ مِنْهَا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3. وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْ نَسِيتَ؟ إلَى أَنْ قَالَ: فَأَتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَقِيَ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4 عَنْهُ أنه رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، فَقَامَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الْخِرْبَاقُ. فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ، فَقَالَ: "أَصَدَقَ هَذَا؟ "، فَقَالُوا: نَعَمْ. فَصَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّعُودِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَسَبَّحَ بِهِ مَنْ خَلْفَهُ، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ: قُومُوا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَسَلَّمَ، سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ كَمَا صَنَعْتُ، انْتَهَى. سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي
"مُخْتَصَرِهِ". وَالْمَسْعُودِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ1" نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ2، قَالَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا: صَحِيحٌ، عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ3" حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ ثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنُ السَّرْحِ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبِي عَبْدَ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ صَلَاةً، فَسَهَا فِيهَا، فَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا، وَقَالَ: أَمَا إنِّي، لَمْ أَصْنَعْ إلَّا كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَصْنَعُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ4"، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ثَنَا عِسْلُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ الْمَغْرِبَ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ، فَسَبَّحَ بِهِ الْقَوْمُ، ثُمَّ قَامَ، فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ فَوْرِي، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: لِلَّهِ أَبُوك! مَا مَاطَ عَنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: فِي الْكِتَابِ: فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ، فَبَقِيَ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ "يَعْنِي حَدِيثَ ثَوْبَانَ الْمُتَقَدِّمَ": لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ وَرَدَتْ فِي السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ، مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ5 عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، ثَلَاثًا، أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى ما استيقن، ثم سجد سَجْدَتَيْنِ، قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ"، وَأَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ6" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَهُ الشَّيْطَانُ، فَلَبَّسَ عَلَيْهِ، حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ"، زَادَ فِيهِ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ،
وَهُوَ: قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَفِي لَفْظٍ: قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ لِيُسَلِّم، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد1. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا كُنْت فِي صَلَاةٍ، فَشَكَكْت، فِي ثَلَاثٍ، أو أربع، وأكبر طنك عَلَى أَرْبَعٍ، تَشَهَّدْتَ، ثُمَّ سَجَدْتَ سَجْدَتَيْنِ، وَأَنْتَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ تُسَلِّمَ، ثُمَّ تَشَهَّدْتَ أَيْضًا، ثُمَّ تُسَلِّمُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ2. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ، وَاحِدَةً صَلَّى، أَمْ ثِنْتَيْنِ، فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ، ثِنْتَيْنِ صَلَّى، أَوْ ثَلَاثًا، فَلْيَبْنِ عَلَى ثِنْتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ، ثَلَاثًا صَلَّى، أَوْ أَرْبَعًا، فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلَاثٍ، وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ، قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ3": اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ، فَطَائِفَةٌ: رَأَتْ السَّجْدَةَ بَعْدَ السَّلَامِ، عَمَلًا بِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ4، وَقَالَ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَمِنْ التَّابِعِينَ: الْحَسَنُ. وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى. وَالثَّوْرِيُّ. وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ. وَأَهْلُ الْكُوفَةِ، وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ السُّجُودَ قَبْلَ السَّلَامِ، أَخْذًا بِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، وَزَعَمُوا أَنَّ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ مَنْسُوخٌ، وَحَدِيثُ ابْنِ بُحَيْنَةَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ، وَأَخْذًا بِحَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ: "إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ"، انْتَهَى. وَبِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ ثَنَا ابْنُ عَجْلَانَ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ صَلَّى بِهِمْ، فَنَسِيَ، فَقَامَ، وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ، فَلَمَّا كَانَ آخِرَ صَلَاتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ5" مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ بِهِ لفظ: ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ، بَعْدَ أَنْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ، وَقَالَ الْحَازِمِيُّ: وَتَابَعَ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ عَلَيْهِ ابْنُ لَهِيعَةَ. وَبَكْرُ بْنُ الْأَشَجِّ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ الشَّافِعِيِّ، ثَنَا طَرِيفُ بْنُ حَارِثٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، قَبْلَ السَّلَامِ، وَبَعْدَهُ، وَآخِرُ الْأَمْرَيْنِ، قَبْلَ السَّلَامِ، ثُمَّ أَكَّدَهُ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورِ، قَالَ: وَصُحْبَةُ مُعَاوِيَةَ مُتَأَخِّرَةٌ، قَالَ الْحَازِمِيُّ: وَطَرِيقُ الْإِنْصَافِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ أَحَادِيثَ
السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَبَعْدَهُ، كُلَّهَا ثَابِتَةٌ صَحِيحَةٌ، وَفِيهَا نَوْعُ تَعَارُضٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ، تَقَدُّمُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، بِرِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَحَدِيثُ الزُّهْرِيِّ هَذَا مُنْقَطِعٌ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ، وَلَا يُعَارَضُ بِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ، وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْأَحَادِيثِ عَلَى التَّوَسُّعِ، وَجَوَازِ الْأَمْرَيْنِ. الْمَذْهَبُ الثَّالِثِ: أَنَّ السَّهْوَ إذَا كَانَ فِي الزِّيَادَةِ كَانَ السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ، أخذاً بحديث ذي اليدين، وإذا كان في النقصان، كان قبل السلام، أَخْذًا بِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. الْقَوْلِ الرَّابِعِ: أَنَّهُ إذَا نَهَضَ مِنْ ثِنْتَيْنِ , سَجَدَهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ , وَإِذَا كَانَ فِي النُّقْصَانِ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ , أَخْذًا بِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ , وَكَذَا إذَا شَكَّ , فَرَجَعَ إلَى الْيَقِينِ , أَخْذًا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ , وَإِذَا سَلَّمَ مِنْ ثِنْتَيْنِ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ , أَخْذًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَكَذَا إذَا شَكَّ , وَكَانَ مِمَّنْ يَرْجِعُ إلَى التَّحَرِّي , أَخْذًا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ , وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ , فَإِنَّهُ احْتِيَاطٌ , فَفَعَلَ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ قَالَهُ فِي نَظِيرِ كُلِّ وَاقِعَةٍ عَنْهُ. انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": عَنْ الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ ادَّعَى نَسْخَ السُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، ثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، فَذَكَرَهُ، ثُمَّ أَكَّدَهُ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ، أَنَّهُ عليه السلام سَجَدَ فِيمَا قَبْلَ السَّلَامِ، وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، كَمَا أَخْبَرَنَا، وَسَاقَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلَمْ يَدْرِ، أَزَادَ، أَمْ نَقَصَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ، ثُمَّ يُسَلِّمُ"، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَمُعَاوِيَةُ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ، إلَّا أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا، زَعَمَ أَنَّ قَوْلَ الزُّهْرِيِّ: مُنْقَطِعٌ، وَأَحَادِيثُ السُّجُودِ: قَبْلُ. وَبَعْدُ، ثَابِتَةٌ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَتَقْدِيمُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ غَيْرُ مَعْلُومٍ بِرِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انتهى1.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَالْقُنُوتِ. وَالتَّشَهُّدِ. وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ، مِنْ غَيْرِ تَرْكِهَا مَرَّةً، قُلْت: هَذَا مَعْرُوفٌ، وَلَمْ يُنْقَلْ التَّرْكُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: حَدِيثُ نَهْيِهِ عليه السلام عَنْ الْبُتَيْراءِ، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي "التَّمْهِيدِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ إسْمَاعِيلَ بْنِ الْفَرَجِ ثَنَا أَبِي ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قِبْطِيَّةُ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ثَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْبُتَيْراءِ، أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَاحِدَةً، يُوتِرُ بِهَا، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ: الْغَالِبُ عَلَى حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ الْوَهْمُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": لَيْسَ دُونَ الدَّرَاوَرْدِيِّ مَنْ يُغْمَضُ عَنْهُ، وَالْحَدِيثُ شَاذٌّ، لَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعْرَفْ عَدَالَةُ رُوَاتِهِ، وَعُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ، الْغَالِبُ عَلَى حَدِيثِهِ الْوَهْمُ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: لَيْسَ دُونَ الدَّرَاوَرْدِيِّ مَنْ يُغْمَضُ عَنْهُ، فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ شَيْخَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، هُوَ: ابْنُ الْفَرَضِيِّ الْإِمَامُ الثِّقَةُ الْحَافِظُ، وَالْحَسَنُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ سَلَامَةَ البراري، أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ1، يُعْرَفُ، بِقِبْطِيَّةَ، قَالَ فِيهِ ابْنُ يُونُسَ: كَانَ ثِقَةً حَافِظًا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَالْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ فَسَّرَ الْبُتَيْرَاءَ: أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ رَكْعَتَيْنِ يُتِمُّ إحْدَاهُمَا رُكُوعًا وَسُجُودًا، وَلَا يُتِمُّ الْأُخْرَى، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" عَنْ الْحَكَمِ بِسَنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ، مَوْلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ وِتْرِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، هَلْ تَعْرِفُ وِتْرَ النهار؟ قلت: نعم، هو الْمَغْرِبُ، قَالَ: صَدَقْت، وَوِتْرُ الليل واحدة، بذلك أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: هِيَ الْبُتَيْرَاءُ، قَالَ: يَا بُنَيَّ، لَيْسَ تِلْكَ الْبُتَيْرَاءَ، إنَّمَا الْبُتَيْرَاءُ: أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ الرَّكْعَةَ، يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا وَقِيَامَهَا، ثُمَّ يَقُومُ فِي الْأُخْرَى، وَلَا يُتِمُّ لَهَا رُكُوعًا وَلَا سُجُودًا وَلَا قِيَامًا، فَتِلْكَ الْبُتَيْرَاءُ، انْتَهَى. وَهَذَا إنْ صَحَّ، فَفِي حَدِيثِ النَّهْيِ مَا يَرُدُّ هَذَا، وَتَفْسِيرُ رَاوِي الْحَدِيثِ، يُقَدَّمُ عَلَى تَفْسِيرِ غَيْرِهِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ
فِي الوتر عند الطَّحَاوِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ أَثَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ فِي النَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْراءِ، ضَعِيفٌ، وَمُرْسَلٌ، وَلَمْ أَجِدْهُ1. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، أَنَّهُ كَمْ صَلَّى، فَلْيَسْتَقْبِلْ الصَّلَاةَ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ فِي الَّذِي لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى، أَثَلَاثًا. أَوْ أَرْبَعًا، قَالَ: يُعِيدُ حَتَّى يَحْفَظَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: أَمَّا أَنَا إذَا لَمْ أَدْرِ كم، فَإِنِّي أُعِيدُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ. وَشُرَيْحٍ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَقَالَ عليه السلام: "مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَتَحَرَّ" الصَّوَابَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2. وَمُسْلِمٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: "وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ"، وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ مُطْلَقًا، فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا، وَيَأْخُذُ بِحَدِيثِ الْخُدْرِيِّ3. وَبِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الْآتِيَيْنِ، وَعِنْدَنَا: إنْ كَانَ لَهُ ظَنٌّ بَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، وَإِلَّا فَبَنَى عَلَى الْيَقِينِ، وَحُجَّتُنَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا، رَوَاهُ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ4. وَالْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، دُونَ لَفْظِ: التَّحَرِّي، وَرَوَاهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، دُونَ لَفْظِ: التَّحَرِّي، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أو من دونه، فأدرج فِي الْحَدِيثِ، قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: إنَّ مَنْصُورَ5 بْنَ الْمُعْتَمِرِ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَثِقَاتِهِمْ، وَقَدْ رَوَى الْقِصَّةَ بِتَمَامِهَا، وَفِيهَا لَفْظُ: التَّحَرِّي، مُضَافًا إلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رَوَاهَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ، كَمِسْعَرٍ. وَالثَّوْرِيِّ. وَشُعْبَةَ. وَوُهَيْبِ بْنِ خَالِدٍ. وَفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ. وَجَرِيرٍ. وَغَيْرِهِمْ6، وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا خِلَافُ الْجَمَاعَةِ، قُلْنَا: عَنْ ذَلِكَ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّحَرِّيَ يَكُونُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} ، ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ. الثَّانِي: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، مَعْنَاهُ، فَلْيَتَحَرَّ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ نَقَصَهُ، فَيُتِمَّهُ، فَيَكُونُ التَّحَرِّي أَنْ يُعِيدَ مَا شَكَّ فِيهِ، وَيَبْنِيَ عَلَى حَالٍ يَسْتَيْقِنُ فِيهَا، قَالَ: وهو عندي كلام عربي
مُطَابِقٌ لِحَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، إلَّا أَنَّ الْأَلْفَاظَ قَدْ تَخْتَلِفُ، لِسَعَةِ الْكَلَامِ فِي الْأَمْرِ الَّذِي مَعْنَاهُ وَاحِدٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَقَالَ عليه السلام: "مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ، أَثْلَاثًا صَلَّى، أَمْ أَرْبَعًا، بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ، وَاحِدَةً صَلَّى، أَمْ ثِنْتَيْنِ، فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ، أَثْلَاثًا صَلَّى، أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلَاثٍ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ: "إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ، وَاحِدَةً صلى، أم ثنتان، فَلْيَجْعَلْهَا وَاحِدَةً، وَإِذَا شَكَّ فِي الثِّنْتَيْنِ. وَالثَّلَاثِ، فَلْيَجْعَلْهَا ثِنْتَيْنِ، وَإِذَا شَكَّ فِي الثَّلَاثِ. وَالْأَرْبَعِ، فَلْيَجْعَلْهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ لِيُتِمّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ، حَتَّى يَكُونَ الْوَهْمُ فِي الزِّيَادَةِ، ثُمَّ يَسْجُدَ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَلَفْظُهُ": فَلَمْ يَدْرِ، أَثْلَاثًا صَلَّى، أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيُتِمَّ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ خَيْرٌ مِنْ النُّقْصَانِ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، فَإِنَّ فِيهِ عَمَّارَ بْنَ مَطَرٍ الرَّهَاوِيَّ، وَقَدْ تَرَكُوهُ، انْتَهَى. وَعَمَّارٌ لَيْسَ فِي السُّنَنِ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ2 عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ، كَمْ صَلَّى، فَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ، حَتَّى إذَا اسْتَيْقَنَ أَنْ قَدْ أَتَمَّ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ وِتْرًا، شَفَعَهَا، وَإِنْ كَانَتْ شَفْعًا، كَانَ ذَلِكَ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ3 فِي "أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ" عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلَمْ يَدْرِ، كَمْ صَلَّى، ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَةً، يُحْسِنُ رُكُوعَهَا، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ"، انْتَهَى. قَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، مِنْ ذِكْرِ الرَّكْعَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
باب صلاة المريض
بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام، لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: "صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَعَلَى الْجَنْبِ، تُومِئُ إيمَاءً،" قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا مُسْلِمًا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَعَلَى جَنْبٍ"، زَادَ النَّسَائِيّ: فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَمُسْتَلْقِيًا، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، انْتَهَى. وَوَهِمَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، فَقَالَ، بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ كَذَلِكَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ2 "عَقِيبَ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ". الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "إنْ قَدَرْت أَنْ تَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ، وَإِلَّا أَوْمِئْ بِرَأْسِكَ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ مَرِيضًا، فَرَآهُ يُصَلِّي عَلَى وِسَادَةٍ، فَأَخَذَهَا، فَرَمَى بِهَا، فَأَخَذَ عُودًا لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ، فَرَمَى بِهِ، وَقَالَ: صَلِّ عَلَى الْأَرْضِ إنْ اسْتَطَعْت، وَإِلَّا فَأَوْمِئْ إيمَاءً، وَاجْعَلْ سُجُودَك أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِك، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ إلَّا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ يُعَدُّ فِي أَفْرَادِ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ، وَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي وِسَادَةٍ مَرْفُوعَةٍ إلَى جَبْهَتِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً عَلَى الْأَرْضِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، وَكَانَ ثِقَةً عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ حَدِيثِهِ إلَّا مَا ذَكَرَ فِيهِ السَّمَاعَ، أَوْ كَانَ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ أَبِي دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3، الْحَدِيثَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي شَبَابٌ، الْعُصْفُرِيُّ، ثَنَا سَهْلٌ أَبُو غِيَاثٍ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ1 عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: عَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ مَرِيضًا، فَذَكَرَهُ. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ فِي "مُعْجَمِهِ الوسط2" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّرَّاجُ ثَنَا شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ ثَنَا قُرَّانُ بْنُ تَمَّامٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْجُدَ فَلْيَسْجُدْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَلَا يَرْفَعْ إلَى جَبْهَتِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ: وَلْيَكُنْ رُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَى قَفَاهُ، يُومِئُ إيمَاءً، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ مِنْهُ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعُرَنِيِّ ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى قَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ، أَوْمَأَ، وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا، صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا، رِجْلَاهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" بِالْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، وَقَالَ: كَانَ مِنْ رُؤَسَاءِ الشِّيعَةِ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ بِصَدُوقٍ، وَوَافَقَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، قَالَ: وَحُسَيْنُ بْنُ زَيْدٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: رَوَى أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ، وَلَا يُشْبِهُ حَدِيثُهُ حَدِيثَ الثِّقَاتِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَقْلُوبَاتِ، وَيَأْتِي عَنْ الْأَثْبَاتِ بِالْمَرْوِيَّاتِ، انْتَهَى. وَحُسَيْنُ بْنُ زَيْدٍ، هُوَ: ابْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قُلْت لِأَبِي: مَا تَقُولُ فِيهِ؟ فَحَرَّكَ يَدَهُ وَقَلَّبَهَا "يَعْنِي تَعْرِفُ، وَتُنْكِرُ؟! "، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، إلَّا أَنِّي وَجَدْت فِي حَدِيثِهِ بَعْضَ النُّكْرَةِ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ اسْتَلْقَى عَلَى ظَهْرِهِ،
مَادًّا رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ، وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُ، وَيَقُولُ: يُصَلِّي عَلَى جَنْبِهِ مُسْتَقْبِلًا بِوَجْهِهِ، وَحُجَّتُهُ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمُتَقَدِّمُ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لَنَا. قَوْلُهُ: ثُمَّ الزِّيَادَةُ تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ الْأَوْقَاتُ، عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ، هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عَلِيٍّ. وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما. قُلْت: "يعني بالزيادة"، الزيادة عَلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ فِي الْإِغْمَاءِ، أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ. وَالْمَغْرِبِ. وَالْعِشَاءِ، وَأَفَاقَ نِصْفَ اللَّيْلِ فَقَضَاهُنَّ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا لَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْ عَمَّارٍ، وَلَوْ ثَبَتَ، فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَعَلَيْهِ إن رواية يَزِيدَ مَوْلَى عَمَّارٍ مَجْهُولٌ، وَالرَّاوِي عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيَّ، كَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يُضَعِّفُهُ. وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ لَا يَرَيَانِ بِهِ بَأْسًا، وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ، انْتَهَى. وَالرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ غَرِيبَةٌ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عن أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أُغْمِيَ عَلَيْهِ شَهْرًا، فَلَمْ يَقْضِ مَا فَاتَهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى بِهِ، وَرَوَى إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ2 فِي "أَوَاخِرِ كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ" ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ثَنَا زَائِدَةُ عَنْ عُبَيْدِ الله بن نَافِعٍ، قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، فَأَفَاقَ، فَلَمْ يَقْضِ مَا فَاتَهُ، وَاسْتَقْبَلَ، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِهِ "الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يُغْمَى عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، قَالَ: يَقْضِي، انْتَهَى. حَدِيثٌ احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ. وَمَالِكٌ عَلَى سُقُوطِ الصَّلَاةِ بِالْإِغْمَاءِ، قَلَّتْ، أَوْ كَثُرَتْ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْأَيْلِيِّ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه حَدَّثَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَأَلَتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يُغْمَى عَلَيْهِ، فَيَتْرُكَ الصَّلَاةَ، فَقَالَ: "لَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَضَاءٌ، إلَّا أَنْ يُغْمَى عَلَيْهِ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ، فَيُفِيقُ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّيهِ"، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، قَالَ أَحْمَدُ، فِي الْحَكَمِ بْنِ سَعِيدٍ الْأَيْلِيِّ: أَحَادِيثُهُ مَوْضُوعَةٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الْأَثْبَاتِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَلَا مَأْمُونٍ، وَكَذَّبَهُ الْجُوزَجَانِيُّ. وَأَبُو حَاتِمٍ، وَتَرَكَهُ النَّسَائِيّ. وَابْنُ الْجُنَيْدِ. والدارقطني، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: تَرَكُوهُ، وَبَقِيَّةُ السَّنَدِ كُلِّهِ إلَى الْحَكَمِ مُظْلِمٌ، وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ: يَقْضِي مَا فاته من الصلاة، قَلَّتْ، أَوْ كَثُرَتْ، وَلَا تَسْقُطُ، وَتَوَسَّطَ أَصْحَابُنَا، فَقَالُوا: يَسْقُطُ مَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، سِوَى مَا دُونَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
باب سجود التلاوة
بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ قَوْلُهُ: وَالسَّجْدَةُ فِي "حم السَّجْدَةِ"، عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} فِي قَوْلِ عُمَرَ، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ لِلِاحْتِيَاطِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ فِي آخِرِ الْآيَتَيْنِ مِنْ "حم السَّجْدَةِ"، عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} ، انْتَهَى. وَزَادَ فِي لَفْظٍ: وَأَنَّهُ رَأَى رَجُلًا سَجَدَ عِنْدَ قَوْلِهِ: {إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ} ، فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ عَجِلْتَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "وَالسَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا، وَعَلَى مَنْ تَلَاهَا"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا، انْتَهَى. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ1، وَقَالَ عُثْمَانُ: إنَّمَا السُّجُودُ عَلَى مَنْ اسْتَمَعَ، انْتَهَى. وَهَذَا التَّعْلِيقُ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُثْمَانَ مَرَّ بِقَاصٍّ، فَقَرَأَ سَجْدَةً، لِيَسْجُدَ مَعَهُ عُثْمَانُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: إنَّمَا السُّجُودُ عَلَى مَنْ اسْتَمَعَ، ثُمَّ مَضَى، وَلَمْ يَسْجُدْ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أخرج مُسْلِمٌ فِي "الْإِيمَانِ2" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "إذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ، أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ، فَسَجَدَ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ، وَأَبَيْتُ، فَلِيَ النَّارُ"، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ وُجُوبِ السُّجُودِ، بِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَرَأْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَسْجُدْ، انْتَهَى. أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ3"، وَبِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ4: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟، قَالَ: "لَا، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ، أَخْرَجَاهُ عَنْ طَلْحَةَ، نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ5 عَنْ الشَّافِعِيِّ. الْآثَارُ: رَوَى مَالِكٌ فِي "مُوَطَّئِهِ6" عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ سَجْدَةً، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَنَزَلَ، فَسَجَدَ، وَسَجَدْنَا مَعَهُ، ثُمَّ قَرَأَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، فَتَهَيَّأَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ، فَقَالَ: "عَلَى رِسْلِكُمْ، إنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا، إلَّا أَنْ نَشَاءَ"، فَلَمْ يَسْجُدْ وَمَنَعَهُمْ أَنْ
يَسْجُدُوا، انْتَهَى. وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ1" بِسَنَدٍ آخَرَ، فَقَالَ فِي "بَابِ مَنْ لَمْ يَرَ السُّجُودَ وَاجِبًا": وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ أَنَّهُ حَضَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَهُ، وَهَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ أَنَّهُ حَضَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ سُورَةَ النَّحْلِ حَتَّى إذَا جَاءَ "السَّجْدَةَ" نَزَلَ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَزَادَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ السُّجُودَ عَلَيْنَا، إلَّا أَنْ نَشَاءَ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ" عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَهُ، بِلَفْظِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، سَوَاءً، ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَمْ أَجِدْهُ إلَّا مُعَلَّقًا، فَلْيُرَاجَعْ2. قَوْلُهُ: وَمَنْ أَرَادَ السُّجُودَ، كَبَّرَ، وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ، وَسَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ، وَرَفَعَ رَأْسَهُ، وَلَا تَشَهُّدَ عَلَيْهِ، وَلَا سَلَامَ، هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قلت: غريب، وأخر ج أَبُو دَاوُد3 عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ، فَإِذَا مَرَّ بِسَجْدَةٍ، كَبَّرَ، وَسَجَدَ، وَسَجَدْنَا مَعَهُ، انْتَهَى. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ فِيهِ مَقَالٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ الْحَسَنِ. وَعَطَاءٍ. وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ. وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُسَلِّمُونَ فِي "السَّجْدَةِ"، وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: إذَا قَرَأَ الرَّجُلُ "السَّجْدَةَ"، فَلْيُكَبِّرْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ، وَإِذَا سَجَدَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: لَيْسَ فِي السُّجُودِ تَسْلِيمٌ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ السَّجْدَتَيْنِ فِي الْحَجِّ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ ثَنَا مِشْرَحُ بْنُ هَاعَانَ سَمِعْت عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، يَقُولُ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى سَائِرِ الْقُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ؟، قَالَ: "نَعَمْ، فَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا، فَلَا يَقْرَأْهُمَا" انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ لَمْ نَكْتُبْهُ مُسْنَدًا إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ، إنَّمَا نُقِمَ عَلَيْهِ اخْتِلَاطُهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْحَارِثِ عن سعيد العقبي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُنَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ: مِنْهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْمُفَصَّلِ وَفِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا، وَقَالَ: قَدْ احْتَجَّ الشَّيْخَانِ بِأَكْثَرِ رُوَاتِهِ، وَلَيْسَ فِي عَدِّ سُجُودِ الْقُرْآنِ أَتَمَّ مِنْهُ، انْتَهَى. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنَيْنٍ فِيهِ جَهَالَةٌ2، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنَيْنٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَذَلِكَ لِجَهَالَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ الْحَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ الْعُتَقِيِّ، وَهُوَ رَجُلٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ، فَالْحَدِيثُ مِنْ أَجْلِهِ لَا يَصِحُّ، قَالَ: وَقَدْ وَقَعَ لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ تَصْحِيفٌ فِي اسْمِهِ، وَفِي نَسَبِهِ، فَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ منين، وَإِنَّمَا هُوَ: مُنَيْنٌ "بِنُونَيْنِ. وَمِيمٍ مَضْمُومَةٍ"، وَقَالَ فِيهِ: مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وصوابه من عبد بني كلالة3: هَكَذَا هُوَ فِي "كِتَابِ أَبِي دَاوُد وَتَارِيخِ الْبُخَارِيِّ"، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ" عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى الْقُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقَدْ أُسْنِدَ هَذَا4، وَلَا يَصِحُّ، انْتَهَى. الْآثَارُ: أَخْرَجَ مَالِكٌ فِي "مُوَطَّئِهِ5" عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ: فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى سَائِرِ السُّوَرِ بِسَجْدَتَيْنِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ6 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ، وَأَخْرَجَ عَنْ عُمَرَ. وَابْنِ عُمَرَ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. وَأَبِي مُوسَى. وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُمْ سَجَدُوا فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ. أَحَادِيثُ السُّجُودِ فِي {ص} : احْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ، بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ7 عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي {ص} ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": انْفَرَدَ بِهِ حَفْصٌ، وَخَالَفَهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ حَفْصٍ. وَغَيْرُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ1" أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمِيُّ2 ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ بن عَمْرِو بْنِ ذَرٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي {ص} ، وَقَالَ: سَجَدَهَا نَبِيُّ اللَّهِ دَاوُد تَوْبَةً، وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا" انْتَهَى. أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ ذَرٍّ بِهِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ3" عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: رَأَيْت رُؤْيَا، وَأَنَا أَكْتُبُ سُورَةَ {ص} فَلَمَّا بَلَغْت "السَّجْدَةَ"، رَأَيْت الدَّوَاةَ وَالْقَلَمَ، وَكُلَّ شَيْءٍ يَحْضُرُنِي، انْقَلَبَ سَاجِدًا، قَالَ: فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَزَلْ يَسْجُدُهَا، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ"، اخْتِلَافًا. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: احْتَجَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِلْقَائِلِينَ: بِأَنَّهَا سَجْدَةُ شُكْرٍ، لَا تِلَاوَةٍ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِي {ص} ، قَالَ ابْنُ عباس: وليست مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5 عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي السَّرْحِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَرَأَ {ص} ، فَلَمَّا مرّ بالسجود نزل، فَسَجَدَ، وَسَجَدْنَا مَعَهُ، وَقَرَأَهَا مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ تَشَزَّنَ النَّاسُ6 لِلسُّجُودِ، فَلَمَّا رَآنَا، قَالَ: "إنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُكُمْ تَشَزَّنْتُمْ، أَرَاكُمْ قَدْ اسْتَعْدَدْتُمْ لِلسُّجُودِ"، فَنَزَلَ، فَسَجَدَ، وَسَجَدْنَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ {ص} " وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ , وَلَمْ يُخْرِجَاهُ انْتَهَى. وَعِنْدِي أَنَّهُمَا حُجَّةٌ لَنَا , قَالَ النَّوَوِيُّ فِي " الْخُلَاصَةِ ": سَنَدُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ , قَالَ: وَتَشَزَّنَا "مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقٍ، ثُمَّ شِينٌ مُعْجَمَةٌ، ثُمَّ زَايٌ مُشَدَّدَةٌ، بَعْدَهَا نُونٌ" تَهَيَّأْنَا، انْتَهَى. أَحَادِيثُ السُّجُودِ فِي "الِانْشِقَاقِ": أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ7 عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ
قَرَأَ {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فَسَجَدَ، فَقُلْت: مَا هَذِهِ السَّجْدَةُ؟! قَالَ: لَوْ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُهَا، لَمْ أَسْجُدْ، فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ، وَأَخْرَجُوا إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْهُ أَيْضًا، قَالَ: سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} {واقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك} ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"، مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَرَأَ لَهُمْ {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فَسَجَدَ فِيهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِيهَا، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ فِي تَرْكِ السُّجُودِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ1" عَنْ عُثْمَانَ بْنِ فَائِدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ الْمَهْدِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي أُمُّ الدَّرْدَاءِ، قَالَتْ: حَدَّثَنِي أَبُو الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ سَجَدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحدى عشر سَجْدَةً، لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ "الْأَعْرَافَ وَالرَّعْدَ وَالنَّحْلَ وَبَنِي إسْرَائِيلَ وَمَرْيَمَ وَالْحَجَّ وَالْفُرْقَانَ وَالنَّمْلَ وَالسَّجْدَةَ وص وحم * السَّجْدَةَ"، انْتَهَى. وَعُثْمَانُ بْنُ فَائِدٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ، لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَوَهَّاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ": وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً، وَإِسْنَادُهُ وَاهٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ أَبِي قُدَامَةَ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ، مُنْذُ تَحَوَّلَ إلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": إسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَيُرْوَى مُرْسَلًا، وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَجَدَ فِي {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ، وَإِسْلَامُهُ مُتَأَخِّرٌ، قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَأَبُو قُدَامَةَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ لَمْ يَصْحَبْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ رَآهُ يَسْجُدُ فِي {الِانْشِقَاقِ - وَالْقَلَمِ} ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ: وَأَبُو قُدَامَةَ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ فِيهِ ابْنُ حَنْبَلٍ: مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: صَدُوقٌ، وَعِنْدَهُ مَنَاكِيرُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الْبُسْتِيُّ: كَانَ شَيْخًا صَالِحًا، وَكَثُرَ وَهْمُهُ، وَمَطَرٌ الْوَرَّاقُ كَانَ سيء الْحِفْظِ، حَتَّى كَانَ يُشَبَّهُ فِي سُوءِ الْحِفْظِ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَقَدْ عِيبَ عَلَى مُسْلِمٍ إخْرَاجُ حَدِيثِهِ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ3" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْسَ فِي "الْمُفَصَّلِ" سَجْدَةٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ عُمَرَ، قَالَا: لَيْسَ فِي "الْمُفَصَّلِ" سَجْدَةٌ، انْتَهَى.
باب صلاة المسافر
بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ الْحَدِيثُ الْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عليه السلام: "يَمْسَحُ الْمُقِيمُ كَمَالَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي مَسْحِ الْخُفَّيْنِ، قَوْلُهُ: عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَقَصَرْنَا، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ1 أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ، أَنَّ عَلِيًّا خَرَجَ مِنْ الْبَصْرَةِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا، ثُمَّ قَالَ: إنَّا لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا خَرَجَ إلَى الْبَصْرَةِ رَأَى خُصًّا، فَقَالَ: لَوْلَا هَذَا الْخُصُّ لَصَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ، فَقُلْت: وَمَا الْخُصُّ؟ قَالَ: بَيْتٌ مِنْ قَصَبٍ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا2 أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ وِقَاءَ بْنِ إيَاسٍ3 الْأَسَدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ، وَنَحْنُ نَنْظُرُ إلَى الْكُوفَةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ يَنْظُرُ إلَى الْقَرْيَةِ، فَقُلْنَا لَهُ: أَلَا تُصَلِّي أَرْبَعًا؟ قَالَ: لَا، حَتَّى نَدْخُلَهَا، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي "الصَّحِيحِ4" تَعْلِيقًا مِنْ غَيْرِ سَنَدٍ، فَقَالَ: وَخَرَجَ عَلِيٌّ، فَقَصَرَ، وَهُوَ يَرَى الْبُيُوتَ، فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ: هَذِهِ الْكُوفَةُ، قَالَ: لَا، حَتَّى نَدْخُلَهَا، انْتَهَى. وَرَوَى أَيْضًا5 أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بُيُوتِ الْمَدِينَةِ، وَيَقْصُرُ إذَا رَجَعَ حَتَّى يَدْخُلَهَا، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَلَا يَزَالُ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ حَتَّى يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ، فِي بَلْدَةٍ، أَوْ قَرْيَةٍ خَمْسَةَ يَوْمًا، أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، قَصَرَ، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، وَالْأَثَرُ فِي مِثْلِهِ كَالْخَبَرِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُمَا6، قَالَا: إذَا قَدِمْتَ بَلْدَةً، وَأَنْتَ مُسَافِرٌ، وَفِي نَفْسِك أَنْ تُقِيمَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أَكْمِلْ الصَّلَاةَ بِهَا، وَإِنْ كُنْت لَا تَدْرِي مَتَى تَظْعَنُ، فَاقْصِرْهَا، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" ثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا عَمْرُو بْنُ ذَرٍّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، كَانَ إذَا أَجْمَعَ عَلَى إقَامَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أَتَمَّ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي
"كِتَابِ الْآثَارِ1" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ ثَنَا مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: إذا كنت مسافر فَوَطَّنْتَ نَفْسَكَ عَلَى إقَامَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَأَتْمِمْ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي، فَاقْصِرْ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. وَقَدَّرَهَا الشَّافِعِيُّ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ نَوَاهَا صَارَ مُقِيمًا، وَيَرُدُّهُ حَدِيثُ أَنَسٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ، وَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ. قُلْت: كَمْ أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ2، وَلَا يُقَالُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ عَزَمُوا عَلَى السَّفَرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي. أَوْ الثَّالِثِ، وَاسْتَمَرَّ بِهِمْ ذَلِكَ إلَى عَشْرٍ، لِأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا هُوَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُمْ نَوَوْا الْإِقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِأَجْلِ قَضَاءِ النُّسُكِ، نَعَمْ كَانَ يَسْتَقِيمُ هَذَا لَوْ كَانَ الْحَدِيثُ فِي قَضِيَّةِ الْفَتْحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ: أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ3، وَكَانَ فِي الْفَتْحِ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، أَقَامَ بِمَكَّةَ4 عَامَ الْفَتْحِ. وَالْآخَرُ: حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ، وَكَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ5، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": حَدِيثُ أَنَسٍ يُخْبِرُ عَنْ مُدَّةِ مُقَامِهِ عليه السلام بِمَكَّةَ، شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى، فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَإِنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَهُوَ يَوْمُ الْأَحَدِ، وَبَاتَ بِالْمُحَصَّبِ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ، وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَعْمَرَتْ عَائِشَةُ مِنْ التَّنْعِيمِ، ثُمَّ طَافَ عليه السلام طَوَافَ الْوَدَاعِ، سَحَرًا قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ، وَخَرَجَ صَبِيحَتَهُ، وَهُوَ الرَّابِعَ عَشَرَ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَغَيْرُهُ، فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ مُدَّةِ مُقَامِهِ عليه السلام بِمَكَّةَ زَمَنِ الْفَتْحِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد. وَالْبَيْهَقِيِّ6 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّةَ سَبْعَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَإِسْنَادُهَا عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي رِوَايَةٍ7 لَهُمَا مُرْسَلَةٍ ضَعِيفَةٍ: خَمْسَةَ عَشَرَ، وَفِي رِوَايَةٍ8 لَهُمَا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَهِيَ
أَيْضًا ضَعِيفَةٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يُمْكِنُ الْجَمْعُ: بِأَنَّ مَنْ رَوَى تِسْعَةَ عَشَرَ، عَدَّ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، وَمَنْ رَوَى سَبْعَةَ عَشَرَ، تَرَكَهُمَا، وَمَنْ رَوَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، عَدَّ أَحَدَهُمَا، انْتَهَى. قَوْلُهُ: "رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرَ، وَكَانَ يَقْصُرُ"، وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ ذَلِكَ، قُلْت: رواه عن عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ1" عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: اُرْتُجَّ عَلَيْنَا الثَّلْجُ، وَنَحْنُ بآذربيجان ستة أشهر من غَزَاةٍ، وَكُنَّا نُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا سَنَدٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ2 أَيْضًا، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، بِبَعْضِ بِلَادِ فَارِسٍ، سَنَتَيْنِ، فَكَانَ لَا يَجْمَعُ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ، نَحْوَهُ. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَقَامَ بِالشَّامِّ شَهْرَيْنِ مَعَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ3، قَالَ النَّوَوِيُّ: وفي مسنده عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَثَّقَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ". أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ4" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الْمُثْنَى5 بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّا نُطِيلُ الْقِيَامَ بِخُرَاسَانَ، فَكَيْفَ تَرَى؟ قَالَ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ أَقَمْت عَشَرَ سِنِينَ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ6" أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشَّامِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَكُنَّا نُصَلِّي أَرْبَعًا، وَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ7 عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامُوا بِرَامَهُرْمُزَ
تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ1، وَفِيهِ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ، مُسْنَدَةٌ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا، يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: غَيْرُ مَعْمَرٍ لَا يُسْنِدُهُ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَقَالَ: تَفَرَّدَ مَعْمَرٌ بِرِوَايَتِهِ مُسْنَدًا، وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ. وَغَيْرُهُ عَنْ يَحْيَى عَنْ ابْنِ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ، لَا يَقْدَحُ فِيهِ تَفَرُّدُ مَعْمَرٍ، فَإِنَّهُ ثِقَةٌ حَافِظٌ، فَزِيَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ3" أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، تَفَرَّدَ بِهِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ4" عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ بِمَكَّةَ تِسْعَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، فَنَحْنُ إذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا، وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد: سَبْعَ عَشْرَةَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي تِسْعَ عَشْرَةَ. وَسَبْعَ عَشْرَةَ، وَأَصَحُّهَا عِنْدِي5: تِسْعَ عَشْرَةَ، وَهِيَ الَّتِي أَوْدَعَهَا الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"، فَأُخِذَ مَنْ رَوَاهَا، وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَهُوَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَاهُ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "الْمَعْرِفَةِ6": وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، فَمَنْ رَوَى تِسْعَ عَشْرَةَ، عَدَّ يَوْمَ الدُّخُولِ، وَيَوْمَ الْخُرُوجِ، وَمَنْ رَوَى سَبْعَ عَشْرَةَ، لَمْ يَعُدَّهُمَا، وَمَنْ رَوَى ثَمَانِ عَشْرَةَ، عَدَّ أَحَدَهُمَا، قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ7 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَقَامَ عَامَ الْفَتْحِ خَمْسَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، فَقَدْ رَوَاهُ كَذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ. وَسَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، لَمْ يَذْكُرْ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ قَوْلِهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ حِينَ صَلَّى بِأَهْلِ مَكَّةَ، وَهُوَ مُسَافِرٌ: "أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ1 عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَهِدْتُ مَعَهُ الْفَتْحَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً، لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ، يَقُولُ: "يَا أَهْلَ مَكَّةَ، صَلُّوا أَرْبَعًا، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ". وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ. وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَلَفْظُ الطَّيَالِسِيِّ: قَالَ: مَا سَافَرَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفَرًا قَطُّ، إلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى يَرْجِعَ، وَشَهِدْت مَعَهُ حنين، وَالطَّائِفَ، وَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، حَجَجْت مَعَهُ، وَاعْتَمَرْت، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ حَجَجْت مَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَاعْتَمَرْت، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: "أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ"، ثُمَّ حَجَجْت مَعَ عُثْمَانَ، وَاعْتَمَرْت، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ إنَّ عُثْمَانَ أَتَمَّ، انْتَهَى. وزاد فيه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: وَشَهِدْت مَعَهُ الْفَتْحَ، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً، لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ فِيهِ: وَحَجَجْت مَعَ عُثْمَانَ سَبْعَ سِنِينَ، مِنْ إمَارَتِهِ، فَكَانَ لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّاهَا بِمِنًى أَرْبَعًا، انْتَهَى. أَثَرٌ عَنْ عُمَرَ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ2" عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، كَانَ إذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: "يَا أَهْلَ مَكَّةَ، أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ صَلَّى بِأَهْلِ مَكَّةَ الظُّهْرَ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَهْلَ مَكَّةَ، أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَصْحَابَهُ رضوان الله عليهم كَانُوا يُسَافِرُونَ، وَيَعُودُونَ إلَى أَوْطَانِهِمْ، مُقِيمِينَ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ جَدِيدٍ3، قُلْت: لَمْ أَجِدْ لَهُ شَاهِدًا
وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا دَخَلَ مِصْرَهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ عَدَّ نَفْسَهُ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسَافِرِينَ، قُلْت: يَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ أَنَسٍ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ، قِيلَ: كَمْ أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا، انْتَهَى. أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ عليه السلام أَقَامَ بِمَكَّةَ تِسْعَ عَشْرَةَ، يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: غَزَوْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهِدْت الْفَتْحَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ، يَقُولُ يَا أَهْلَ مَكَّةَ، صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِالْأَبْطَحِ بِمَكَّةَ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، فَأَتَاهُ بِلَالٌ بِوُضُوئِهِ، قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، فَتَوَضَّأَ، وَأَذَّنَ بِلَالٌ، فَجَعَلْت أَتَتَبَّعُ فاه، ههنا وههنا، يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا: "حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ"، قَالَ: ثُمَّ أُرْكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ، فَتَقَدَّمَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْحِمَارُ. وَالْكَلْبُ، لَا يَمْنَعُ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ، أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ2" عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَافَرْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ. وَمَعَ عُمَرَ، كُلُّهُمْ صَلَّى حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ، إلَى أَنْ رَجَعَ إلَيْهَا، رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسِيرِ، وَفِي الْمُقَامِ بِمَكَّةَ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْقَصْرِ، رُخْصَةٌ، أَوْ عَزِيمَةٌ: اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ عَزِيمَةٌ، بِأَحَادِيثَ: مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ، انْتَهَى. أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ3"، وَفِي لَفْظٍ: قَالَتْ: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ، فَأَتَمَّهَا فِي الْحَضَرِ، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الْأُولَى، انْتَهَى. زَادَ فِي لَفْظٍ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْت لِعُرْوَةِ: فَمَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ؟، قَالَ: إنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: قَالَتْ: فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا، فَتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْأَوَّلِ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ بَعْدَ الْمَنَاقِبِ، فِي "بَابِ مِنْ أَيْنَ
أَرَّخُوا التَّارِيخَ"، وَهَذَا الرِّوَايَةُ تَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّ زِيَادَةَ الصَّلَاةِ فِي الْحَضَرِ كَانَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ1، انْتَهَى. وَأَجَابَ الْخَصْمُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ لَا رِوَايَةٌ، وَبِأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الْمَفْرُوضِ الْأَوَّلِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ2" عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، بِلَفْظِ: افْتَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ، كَمَا افْتَرَضَ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ3. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عُمَرَ، قَالَ: صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ، عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَلَمْ يَقْدَحْهُ بِشَيْءٍ، وَلَكِنْ اعْتَرَضَهُ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ4" بِأَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا، فَقَالَ: وَابْنُ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُمَرَ، انْتَهَى. وَقَوَّى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ، بِأَنَّ ابْنَ مَاجَهْ أَخْرَجَهُ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مُسْلِمًا حَكَمَ فِي "مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ" بِسَمَاعِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ عُمَرَ، فَقَالَ: وَأَسْنَدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَقَدْ حَفِظَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ5 مَا أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ
فِي "مسنده" عن الحنين بْنِ وَاقِدٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَهُ، قَالَ: خَرَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى مَكَّةَ، فَاسْتَقْبَلَنَا أَمِيرُ مَكَّةَ، الْحَدِيثَ، بَلْ صَرَّحَ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، فَقَالَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانَا، وَنَحْنُ ضُلَّالٌ، فَعَلَّمَنَا، فَكَانَ فِيمَا عَلَّمَنَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ، انْتَهَى. قَالَ فِي "تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ": هَكَذَا عَزَاهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي "الْمُنْتَقَى" لِلنَّسَائِيِّ، ولم أجد فِيهِ فِي "قَصْرِ الصَّلَاةِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْمَدِينِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُتِمُّ لِلصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ، كَالْمُقْصِرِ فِي الْحَضَرِ"، انْتَهَى. وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِأَنَّ بَقِيَّةَ مُدَلِّسٌ، وَشَيْخُ الدَّارَقُطْنِيِّ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُفْلِسِ، وَكَانَ كَذَّابًا، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": اشْتَبَهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُفْلِسِ هَذَا، بِآخَرَ، وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ بْنِ المفلس الخماني، وَهُوَ كَذَّابٌ وَضَّاعٌ، قَالَ: وَالْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ في رواته مجهول، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ. وَأَحْمَدُ. وَمَالِكٌ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، عَلَى أَنَّهُ رُخْصَةٌ، بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ2" عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: قُلْت لعمر بن الخطاب: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ، فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": فَاقْبَلُوا رُخْصَتَهُ، وَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ، وَلَيْسَ بِالْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: أَغَارَتْ عَلَيْنَا خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُهُ يَتَغَدَّى، فقال: "أدن، فكلْ، فَقُلْتُ: إنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ: إذَنْ أُخْبِرْك عَنْ الصَّوْمِ، إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ، وَشَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنْ الْحَامِلِ. وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ"، فيالهف نَفْسِي أَنْ لَا أَكُونَ طَعِمْتُ مِنْ طَعَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلَا يُعْرَفُ لِأَنَسٍ هَذَا، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ1" عَنْ الْعَلَاءِ بْن زُهَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اعْتَمَرَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ، حَتَّى إذَا قَدِمَتْ مَكَّةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي، أَنْتَ وَأَمِّي قَصَرْتَ، وَأَتْمَمْتُ، وَأَفْطَرْتَ، وَصُمْتُ، قَالَ: "أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ"، وَمَا عَابَ عَلَيَّ، انْتَهَى. وَالْعَلَاءُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثقات مالا يُشْبِهُ حَدِيثَ الْأَثْبَاتِ، فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، كَذَا قَالَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، وَذَكَرَهُ فِي "كِتَابِ الثِّقَاتِ" أَيْضًا، فَتَنَاقَضَ كَلَامُهُ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا" عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ زُهَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ3 عَنْ عَائِشَةَ بِهِ، وَلَفْظُهُمَا، قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ، فَأَفْطَرَ، وَصُمْتُ، وَقَصَرَ، وَأَتْمَمْتُ، فَقُلْت: بِأَبِي وَأَمِّي أَنْتَ، الْحَدِيثَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَذَكَرَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" أَنَّ هَذَا الْمَتْنَ مُنْكَرٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْتَمِرْ فِي رَمَضَانَ قَطُّ، انْتَهَى. قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ4 عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةً وَاحِدَةً، وَاعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَ، كُلُّهُنَّ
فِي ذِي الْقِعْدَةِ، إلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": فِي هَذَا الْحَدِيثِ إشْكَالٌ، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَعْتَمِرْ إلَّا أَرْبَعَ عُمَرَ، كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ وَمَتْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَدْرَكَ عَائِشَةَ، وَدَخَلَ عَلَيْهَا، وَهُوَ مُرَاهِقٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْصُرُ فِي الصوم، وَيُتِمُّ، وَيُفْطِرُ، وَيَصُومُ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُمَرَ. وَدَلَّهُمْ بْنِ صَالِحٍ. وَالْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ، وَثَلَاثَتُهُمْ ضُعَفَاءُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ، فَقُلْت لَهَا: لَوْ صَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَتْ: يَا ابْنُ أَخِي إنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيَّ، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ يُعَارَضُ هَذَا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ2 عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ عُثْمَانَ أَتَمَّ فِي آخَرِ الْأَمْرِ، كَمَا أَخْرَجَاهُ3 مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْهُ، وَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِهِ سَالِمٍ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى صَلَاةَ الْمُسَافِرِ بِمِنًى: وَغَيْرُهُ رَكْعَتَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ رَكْعَتَيْنِ، صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ، ثُمَّ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْجَمْعِ بَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ4 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ، فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَكِبَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا5، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَخَّرَ الظُّهْرَ،
حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يجمع بنيهما، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَعْجَلَ بِهِ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ، حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ، حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: كَانَ إذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ فِي سَفْرَةٍ سَافَرَهَا، فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ. وَالْمَغْرِبِ. وَالْعِشَاءِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فَقُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ، انْتَهَى. زَادَ فِي رِوَايَةٍ: بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ، قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَسَأَلْت سَعِيدًا لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ، كَمَا سَأَلْتنِي، فَقَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ2: رِوَايَةُ: مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ، رَوَاهَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَجُمْهُورُ الرُّوَاةِ يَقُولُونَ: مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ، وَهُوَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَبَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، قَالَ: قُلْت: فَمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ لِأَصْحَابِنَا: أَسْنَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لَنَا فِي "التَّحْقِيقِ" بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ4 عَنْ حَنَشٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَنَشُ بْنُ قَيْسٍ ثِقَةٌ، انْتَهَى. قَالَ فِي "تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ": لَمْ يُتَابَعْ الْحَاكِمُ عَلَى تَوْثِيقِهِ، فَقَدْ كَذَّبَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ مَرَّةً: هُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ قَالَ النَّسَائِيُّ. والدارقطني، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ5: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الرَّحَبِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِحَنَشٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، لَا يُحْتَجُّ بِخَبَرِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" وَقَالَ: حَنَشُ بْنُ قَيْسٍ
الرَّحَبِيُّ، أَبُو عَلِيٍّ، وَلَقَبُهُ: "حَنَشٌ"، كَذَّبَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ، وَتَرَكَهُ ابْنُ مَعِينٍ، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: جَمْعُ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ الْكَبَائِرِ، انْتَهَى. قَالَ: وَأَبُو الْعَالِيَةِ لَمْ يَسْمَعْ1 مِنْ عُمَرَ، ثُمَّ أَسْنَدَهُ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْعَدَوِيِّ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى عَامِلٍ لَهُ: ثَلَاثٌ مِنْ الْكَبَائِرِ: الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، إلَّا مِنْ عُذْرٍ. وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ. وَالنُّهْبَى، قَالَ: وَأَبُو قَتَادَةَ أَدْرَكَ عُمَرَ، فَإِذَا انْضَمَّ هَذَا إلَى الْأَوَّلِ صَارَ قَوِيًّا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْعُذْرُ يَكُونُ بِالسَّفَرِ. وَالْمَطَرِ، وَتَأَوَّلَ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ2" الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الْوَارِدَ فِي الْحَدِيثِ، عَلَى أَنَّهُ صَلَّى الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا، وَالثَّانِيَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، لَا أَنَّهُ صَلَّاهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَقَوَّى ذَلِكَ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ3 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً لِغَيْرِ وَقْتِهَا، إلَّا بِجَمْعٍ، فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ. وَالْعِشَاءِ، بِجَمْعٍ، وَصَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ مِنْ الْغَدِ قَبْلَ وَقْتِهَا، انْتَهَى. وَبِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ4أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقِظَةِ أَنْ يُؤَخِّرَ، حَتَّى يَدْخُلَ وقت صلاة أخرى"، أخرجه مُسْلِمٌ، قَالَ: وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ،، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ. وَالْعَصْرِ. وَالْمَغْرِبِ. وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ، قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ إلَى ذَلِكَ؟، قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ، قَالَ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَّا، وَلَا مِنْهُمْ، بِجَوَازِ الْجَمْعِ فِي الْحَضَرِ، قَالَ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَأْخِيرِ الْأُولَى، وَتَعْجِيلِ الْأُخْرَى، قَالَ: وَأَمَّا عَرَفَةُ، وَجَمْعٌ فَهُمَا مَخْصُوصَانِ بِهَذَا الْحُكْمِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
باب صلاة الجمعة
بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا جُمُعَةَ، وَلَا تَشْرِيقَ، وَلَا فِطْرَ، وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ"،قُلْت: غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وَإِنَّمَا وَجَدْنَاهُ موقوفاً على عليّ، رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَا جُمُعَةَ، وَلَا تَشْرِيقَ، إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ1" حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَا جُمُعَةَ، وَلَا تَشْرِيقَ، وَلَا صَلَاةَ فِطْرٍ، وَلَا أَضْحَى، إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ، أَوْ مَدِينَةٍ عَظِيمَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ2 أَيْضًا، أنبأنا الثوري عن زبيد الأيامي بِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَا تَشْرِيقَ، وَلَا جُمُعَةَ، إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ3 فِي "الْمَعْرِفَةِ" عَنْ شُعْبَةَ عن زبيد الأيامي بِهِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زُبَيْدٍ بِهِ: وَهَذَا إنَّمَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا، فَأَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَا يُرْوَى عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "إذَا مَالَتْ الشَّمْسُ، فَصَلِّ بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ"،قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ4" عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ5 عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سِيدَانَ6 "بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ" السُّلَمِيُّ، قَالَ: شَهِدَتْ الْجُمُعَةَ، مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَكَانَتْ خُطْبَتُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَذَكَرَ عَنْ عُمَرَ. وَعُثْمَانَ نَحْوَهُ، قَالَ: فما رأيت أحد عَابَ ذَلِكَ، وَلَا أَنْكَرَهُ،
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ، فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِ ابْنِ سِيدَانَ1. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ بِدُونِ الْخُطْبَةِ، قُلْت: ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" عَلَى وُجُوبِ الْخُطْبَةِ بِهَذَا، مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي". قَوْلُهُ: وَهِيَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ قَالَ: بِهِ، وَرَدَتْ السُّنَّةُ "يَعْنِي الْخُطْبَةَ،"،قُلْت: يُؤْخَذُ هَذَا مِنْ حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ3، قَالَ: كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ، وَكَثُرَ النَّاسُ أَمَرَ بِالْأَذَانِ الثَّانِي عَلَى الزَّوْرَاءِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَذَانَ لَا يَكُونُ إلَّا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْأَذَانُ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ لِلْخُطْبَةِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ، وَيُؤْخَذُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ4، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: أَسَمِعْت أَبَاك يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيَانِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: قُلْت: نَعَمْ، سَمِعْته يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الصَّلَاةَ"، قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: "يَعْنِي عَلَى الْمِنْبَرِ"، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَيَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِقَعْدَةٍ، بِهِ جَرَى التَّوَارُثُ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ، فَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ5 عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدُ، ثُمَّ يَقُومُ، كَمَا يَفْعَلُونَ الْآنَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ6 عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ، فَيَخْطُب قَائِمًا، فَمَنْ حَدَّثَك أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ جَالِسًا، فَقَدْ كَذَبَ، وَقَدْ، وَاَللَّهِ صَلَّيْت مَعَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ صَلَاةٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد7 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ،
قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، كَانَ يَجْلِسُ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ حَتَّى يَفْرُغَ أَذَانُ الْمُؤَذِّنِ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ، ثُمَّ يَجْلِسُ، فَلَا يَتَكَلَّمُ، وَيَقُومُ، فَيَخْطُبُ، انْتَهَى. وَالْعُمَرِيُّ فِيهِ مَقَالٌ. حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْدَأُ، فَيَجْلِسُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ، قَامَ، فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى، ثُمَّ جَلَسَ شَيْئًا يَسِيرًا، ثُمَّ قَامَ، فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ، حَتَّى إذَا قَضَاهَا اسْتَغْفَرَ اللَّهَ، ثُمَّ نَزَلَ، فَصَلَّى، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ إذَا قَامَ أَخَذَ عَصَا، فَتَوَكَّأَ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ. وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَفِي هَذَا الْمُرْسَلِ، وَفِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ جُلُوسُهُ عليه السلام عَلَى الْمِنْبَرِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِمَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُقَوِّي الْآخَرَ. قَوْله: وَيَخْطُبُ قَائِمًا عَلَى الطَّهَارَةِ، لِأَنَّ الْقِيَامَ فِيهَا مُتَوَارَثٌ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ: عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَارْتُجَّ عَلَيْهِ، فَنَزَلَ، وَصَلَّى، قُلْت: غَرِيبٌ، وَاشْتُهِرَ فِي الْكُتُبِ أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَارْتُجَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ كَانَا يُعِدَّانِ لِهَذَا الْمَكَان مَقَالًا، فَإِنَّكُمْ إلَى إمَامٍ فَعَّالٍ، أَحْوَجُ مِنْكُمْ إلَى إمَامٍ قَوَّالٍ، وَسَتَأْتِي الْخُطْبَةُ بَعْدَ هَذَا، وَالسَّلَامُ، وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْقَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ السَّرَقُسْطِيُّ فِي "كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ" مِنْ غَيْرِ سَنَدٍ، فَقَالَ: رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَارْتُجَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، إنَّ أَوَّلَ كُلِّ مَرْكَبٍ صَعْبٌ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ كَانَا يُعِدَّانِ لِهَذَا الْمَقَامِ مَقَالًا، وَأَنْتُمْ إلَى إمَامٍ عَادِلٍ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إلَى إمَامٍ قَائِلٍ، وَإِنْ أَعِشْ تَأْتِكُمْ الْخُطْبَةُ عَلَى وَجْهِهَا، وَيَعْلَمُ اللَّهُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: يُقَالُ: اُرْتُجَّ عَلَى فُلَانٍ، إذَا أَرَادَ قَوْلًا، فَلَمْ يَصِلْ إلَى إتْمَامِهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ فِي الِاكْتِفَاءِ فِي الْجُمُعَةِ بِثَلَاثٍ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 فِي "سُنَنِهِ" عَنْ مُعَاوِيَةَ ابن سعيد التجيب. وَالْوَلِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَالْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ الدَّوْسِيَّةِ، قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى أَهْلِ كُلٍّ قَرْيَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا إلَّا ثَلَاثَةً، وَرَابِعُهُمْ إمَامُهُمْ"، انْتَهَى. وَقَالَ: هَؤُلَاءِ مَتْرُوكُونَ، وَكُلُّ مَنْ رَوَى هَذَا عَنْ الزُّهْرِيِّ مَتْرُوكٌ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَلَا يَصِحُّ سَمَاعُ الزُّهْرِيِّ مِنْ الدَّوْسِيَّةِ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": لَا يَصِحُّ فِي عَدَدِ الْجُمُعَةِ شَيْءٌ، انْتَهَى.
حَدِيثُ الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ1 أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ الرَّبِيعِ ابن بدر بن عَلِيلَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده عمر بْنِ جَرَادٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ. وَالْبَيْهَقِيُّ. وَالْعُقَيْلِيُّ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ2، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد4 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَاهُ كَانَ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، تَرَحَّمْ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ. قَالَ: فَقُلْت لَهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بِنَا فِي نَقِيعِ الْخَضِمَاتِ، قُلْت: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعِينَ، انْتَهَى. وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَقَدْ عَنْعَنَ، لَكِنْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ5، فَصَرَّحَ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ صَحِيحٌ، فَإِنَّ ابْنَ إسْحَاقَ، إذَا ذَكَرَ سَمَاعَهُ، وَكَانَ الرَّاوِي عَنْهُ ثِقَةً اسْتَقَامَ الْإِسْنَادُ، وَأَمَّا قَوْلُ الْحَاكِمِ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، فَمَرْدُودٌ، لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى ابْنِ إسْحَاقَ، وَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ مُسْلِمٌ إلَّا مُتَابَعَةً، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ6، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ فِي كُلِّ ثَلَاثَةٍ إمَامًا، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ، فَصَاعِدًا، جُمُعَةٌ. وَأَضْحَى. وَفِطْرٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: وَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مُسَافِرٍ، وَلَا امْرَأَةٍ، وَلَا مَرِيضٍ، وَلَا أَعْمَى، لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِيهِ حَدِيثًا. وَفِيهِ أَحَادِيثُ: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ7" أَخْبَرَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ هُرَيْمِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ، إلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ. أَوْ امْرَأَةٌ. أَوْ صَبِيٌّ. أَوْ مَرِيضٌ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَطَارِقٌ رَأَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ1": وَهَذَا غَيْرُ قَادِحٍ فِي صِحَّتِهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُرْسَلَ صَحَابِيٍّ، وَهُوَ حُجَّةٌ، وَالْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِ "الصَّحِيحَيْنِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ هُرَيْمِ بْنِ سُفْيَانَ بِهِ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَقَدْ احْتَجَّا بِهُرَيْمِ بْنِ سُفْيَانَ، وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبَا مُوسَى، وَطَارِقُ بْنُ شِهَابٍ يُعَدُّ فِي الصَّحَابَةِ، انْتَهَى. وَهُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ، قَدْ رواه، ليس فيه: أبا مُوسَى، كَمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَلْيُنْظَرْ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ2": هَذَا الْحَدِيثُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إرْسَالٌ، فَهُوَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ، وَطَارِقٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَمِمَّنْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَلِحَدِيثِهِ شَوَاهِدُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ3 مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ الْحَكَمِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ ضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيِّ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ إلَّا عَلَى صَبِيٍّ. أَوْ مَمْلُوكٍ. أَوْ مُسَافِرٍ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ4" عَنْ الْحَكَمِ أَبِي عَمْرٍو بِهِ، وَزَادَ فِيهِ: الْمَرْأَةِ. وَالْمَرِيضِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ5 أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ إلَّا عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ. أَوْ ذِي عِلَّةٍ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ6 عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إلَّا عَلَى مَرِيضٍ. أَوْ مُسَافِرٍ. أَوْ امْرَأَةٍ. أَوْ صَبِيٍّ. أَوْ مَمْلُوكٍ"، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: سَنَدُهُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
حَدِيثُ فِي السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ1 عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَ2 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي سَرِيَّةٍ، فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَغَدَا أَصْحَابُهُ، وَقَالَ: أَتَخَلَّفُ، فَأُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فَلَمَّا صَلَّى عليه السلام، رَآهُ، فَقَالَ لَهُ: "مَا مَنَعَك أَنْ تَغْدُوَ مَعَ أَصْحَابِك"؟ قَالَ: أَرَدْت أَنْ أُصَلِّيَ مَعَك، ثُمَّ أَلْحَقَهُمْ، قال: "لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْضِ، مَا أَدْرَكْت فَضْلَ غَدْوَتِهِمْ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعُ الْحَكَمُ عَنْ مِقْسَمٍ إلَّا خَمْسَةَ أَحَادِيثَ، لَيْسَ هَذَا مِنْهَا، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تفرد به شعبة3، وَهُوَ ضَعِيفٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ4" عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ عليه السلام خَرَجَ لِسَفَرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَدْرَكْتُمْ، فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ، وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ، فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ5 فِي "الْأَذَانِ وَالْجُمُعَةِ". وَمُسْلِمٌ فِي "أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ". وَأَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الْمَسَاجِدِ". وَالنَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَلَفْظُهُمْ الْجَمِيعُ6 فِيهِ: وَأَتِمُّوا، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ7". وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالتِّسْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا: "وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا"، قَالَ مُسْلِمٌ: أَخْطَأَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَلَا أَعْلَمُ رَوَاهَا عَنْ الزُّهْرِيِّ غَيْرُهُ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ فِيهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَحْدَهُ: فَاقْضُوا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَا أَعْلَمُ رَوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ: وَاقْضُوا إلَّا ابْنَ عُيَيْنَةَ وَحْدَهُ، وَأَخْطَأَ، انْتَهَى. وَفِيمَا قَالُوهُ نَظَرٌ، فَقَدْ رَوَاهَا أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ8" عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، وَقَالَ: "فَاقْضُوا"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "كِتَابِهِ الْمُفْرَدُ1 فِي الْأَدَبِ" مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ: "فَاقْضُوا"، وَمِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ2 عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، نَحْوَهُ، وَمِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْمُسْتَخْرَجِ3" عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، نَحْوَهُ، فَقَدْ تَابَعَ ابْنَ عُيَيْنَةَ جَمَاعَةٌ، وَبَيْنَ اللَّفْظَيْنِ بَوْنٌ، مِنْ جِهَةِ الِاسْتِدْلَالِ، فَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: "فَأَتِمُّوا"، مَنْ قَالَ: إنَّ مَا يُدْرِكُهُ الْمَأْمُومُ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: "فَاقْضُوا" مَنْ قَالَ: إنَّمَا يُدْرِكُهُ هُوَ آخَرُ صَلَاتِهِ، قَالَ صَاحِبُ "تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ": وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَرْقٌ، أَنَّ الْقَضَاءَ هُوَ الْإِتْمَامُ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ} ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ4: "صَلِّ مَا أَدْرَكَتْ، وَاقْضِ مَا سَبَقَك"، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد5 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هريرة، قال: "آتوا الصَّلَاةَ، وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ، فَصَلُّوا مَا أَدْرَكْتُمْ، وَاقْضُوا مَا سَبَقَكُمْ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو رَافِعٍ6: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَمَّا أَبُو ذَرٍّ فَاخْتُلِفَ عَنْهُ، فَرُوِيَ عَنْهُ، " فَأَتِمُّوا"، وَرُوِيَ عَنْهُ، "فَاقْضُوا"، انْتَهَى كَلَامُهُ7. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ، فَلَا صَلَاةَ، وَلَا كَلَامَ"، قُلْت: غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَفْعُهُ وَهْمٌ فَاحِشٌ، إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: خُرُوجُهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ، انْتَهَى. وَعَنْ
مَالِكٍ، رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "مُوَطَّئِهِ1"، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ2 عَنْ عَلِيٍّ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ عُمَرَ3 أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الصَّلَاةَ. وَالْكَلَامَ، بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ، وَأَخْرَجَ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَا صَلَاةَ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ فِي الرَّجُلِ يَجِيءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ: يَجْلِسُ، وَلَا يُصَلِّي، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ4 عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا قُلْت لِصَاحِبِك: أَنْصِتْ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت"، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" أَخْبَرَنَا مُحْرِزُ بن يسار بْنُ سَلَمَةَ الْعَدَنِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ {تَبَارَكَ} ، وَهُوَ قَائِمٌ، فَذَكَّرَنَا بِأَيَّامِ اللَّهِ، وَأَبُو ذَرٍّ يَغْمِزُ لِي، فَقَالَ: مَتَى أُنْزِلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ؟ إنِّي لَمْ أَسْمَعْهَا إلَّا الْآنَ، فَأَشَارَ إلَيْهِ أَنْ اُسْكُتْ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا، قَالَ: سَأَلْتُك مَتَى أُنْزِلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ، فَلَمْ تُخْبِرْنِي؟ فَقَالَ أُبَيٍّ: لَيْسَ لَك مِنْ صَلَاتِك الْيَوْمَ، إلَّا مَا لَغَوْتَ، فَذَهَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "صَدَقَ أُبَيٍّ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ5" ثَنَا مصعب عن عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ بن، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ6" بِسَنَدٍ آخَرَ، فَقَالَ: ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ ثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَذَكَرَ سُورَةً، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لِأُبَيٍّ: مَتَى أُنْزِلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: مَا لَك من صلاتك إلا لَغَوْتَ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "صَدَقَ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ7" فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَجَلَسَ إلَى جَنْبِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، أَوْ كَلَّمَهُ بِشَيْءٍ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، فَظَنَّ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهَا مَوْجِدَةٌ، فَلَمَّا انْفَتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يَا أُبَيّ، مَا مَنَعَك أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ؟ قَالَ: لَا، بَلْ لَمْ تَحْضُرْ مَعَنَا
الْجُمُعَةَ، قَالَ: وَلِمَ؟! قَالَ: سَأَلْتَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَامَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ: "صَدَقَ أُبَيٌّ، أَطِعْ أُبَيًّا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "السُّنَنِ1" فَجَعَلَ بَيْنَ أَبِي ذَرٍّ. وَأُبَيٍّ، قَالَ: وَرُوِيَتْ بَيْنَ أَبِي الدَّرْدَاءِ. وَأُبَيٍّ، انْتَهَى. وَيُشْكِلُ 2عَلَى مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ، حَدِيثُ سُلَيْكٍ الْغَطَفَانِيِّ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ3 عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: أَصَلَّيْت يَا فُلَانُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: "صَلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا"، وَزَادَ فِيهِ مُسْلِمٌ: وَقَالَ: "إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا"، انْتَهَى. وَزَادَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ4"، وَقَالَ لَهُ: "لَا تَعُدْ لِمِثْلِ ذَلِكَ"، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يُرِيدُ الْإِبْطَاءَ لَا الصَّلَاةَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَاءَ فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ، بِنَحْوِهِ، فَأَمَرَهُ بِرَكْعَتَيْنِ مِثْلِهِمَا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَلِأَصْحَابِنَا عَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْصَتَ لَهُ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَبْدِيِّ ثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُمْ، فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ"، وَأَمْسَكَ عَنْ الْخُطْبَةِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: أَسْنَدَهُ عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَبْدِيُّ، وَوَهَمَ فِيهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ، "أَصَلَّيْت"؟ قَالَ: لَا، قَالَ: "قُمْ فَصَلِّ"، ثُمَّ انْتَظَرَهُ حَتَّى صَلَّى، انْتَهَى. قَالَ: وَهَذَا الْمُرْسَلُ هُوَ الصَّوَابُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا أَمَرَهُ "يَعْنِي سُلَيْكًا" أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ يَخْطُبُ، أَمْسَكَ عَنْ الْخُطْبَةِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، ثُمَّ عَادَ إلَى خُطْبَتِهِ، انْتَهَى. قَالَ: وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَأَبُو مَعْشَرٍ، اسْمُهُ: نَجِيحٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ الثَّالِثِ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَهَذَا
الْجَوَابُ يَرُدُّهُ مَا فِي الْحَدِيثِ: "إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ1، أَوْ قَدْ خَرَجَ، فَلِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ البخاري. ومسلم2، هكذا يروى الْقِصَّةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي قِصَّةِ سُلَيْكٍ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ شُرُوعِهِ عليه السلام فِي الْخُطْبَةِ، وَقَدْ بَوَّبَ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى" عَلَى حَدِيثِ سُلَيْكٍ "بَابُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ"، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جابر، قال: جاء سُلَيْكٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "أَرَكَعْت رَكْعَتَيْنِ"؟، قَالَ: لَا، قَالَ: "قُمْ فَارْكَعْهُمَا"، انْتَهَى. وَقَدْ وَرَدَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ فِي غَيْرِ سُلَيْكٍ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ3 ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحَلْوَانِيُّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: دَخَلَ النُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُمْ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا، وَإِذَا جَاءَ أحدكم، والإمام يخطب، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَلْيُخَفِّفْهُمَا"، انْتَهَى. وَالنُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ4 بَدْرِيٌّ، وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ"، قَالَ: وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ5 الْمَالِينِيُّ فِي "كِتَابِهِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُصَلُّونَ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَأَبُو سَعِيدٍ الْمَالِينِيُّ، اسْمُهُ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الَّذِي رَوَى عَنْ ابْنِ عَدِيٍّ كِتَابَهُ الْكَامِلَ قَالَ: وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ لَمْ يَرَ كِتَابَهُ، ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، انْتَهَى. وَرَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ6" أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، مِنْ وَلَدِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ سَائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي فِي زَمَنِ عُمَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ، وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ قَطَعْنَا الصَّلَاةَ، وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ وَيُحَدِّثُونَا، وَرُبَّمَا نَسْأَلُ الرَّجُلَ الَّذِي يَلِيهِ عَنْ سُوقِهِ وَمَعَاشِهِ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ خَطَبَ، وَلَمْ يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، مُخْتَصَرًا. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَإِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ جَلَسَ، وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بَيْنَ يَدَيْ الْمِنْبَرِ، بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَّا هَذَا الْأَذَانُ، قُلْت: أَخْرَجَهُ
الْجَمَاعَةُ1 إلَّا مُسْلِمًا عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَوَّلُهُ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ عُثْمَانَ، وَكَثُرَ النَّاسُ، زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ، عَلَى الزَّوْرَاءِ، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: النِّدَاءَ الثَّانِيَ، وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ: عَلَى دَارٍ فِي السُّوقِ يُقَالُ لَهَا: الزَّوْرَاءُ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: إنَّ الَّذِي زَادَ التَّأْذِينَ الثَّالِثَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، حِينَ كَثُرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنٌ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَكَانَ التَّأْذِينُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، انْتَهَى. وَرَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، بِلَفْظِ: كَانَ النِّدَاءُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ، عَلَى الْمِنْبَرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعَامَّةِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ، فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ، عَلَى الزَّوْرَاءِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّمَا جُعِلَ ثَالِثًا، لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تُسَمَّى أَذَانًا، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ2 فِي بَابِ رَجْمِ الْحُبْلَى" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَلَسَ عُمَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ3، قَامَ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. أَحَادِيثُ السَّلَامِ عِنْدَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ: فِيهِ أَحَادِيثُ مُسْنَدَةٌ، وَأَحَادِيثُ مُرْسَلَةٌ، أَمَّا الْمُسْنَدَةُ: فَعَنْ جَابِرٍ. وَابْنِ عُمَرَ. أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ4" عَنْ ابْنِ خَالِدٍ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ سَلَّمَ، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ وَاهٍ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ5: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيِّ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ سَلَّمَ، فَقَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الوسط6" مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلَّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَ مِنْبَرِهِ مِنْ الْجُلُوسِ، فَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ تَوَجَّهَ إلَى النَّاسِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ
ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ1" وَأَعَلَّهُ بِعِيسَى، وَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَهُوَ إذًا مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": يَرْوِي عَنْ نَافِعٍ مالا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، لَا يَحْتَجُّ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، انْتَهَى. وَأَمَّا الْمُرْسَلَةُ: فَعَنْ الشَّعْبِيِّ. وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ. فَمُرْسَلُ عَطَاءٍ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، انْتَهَى. وَأَمَّا مُرْسَلُ الشَّعْبِيِّ، فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" ثَنَا أَبُو أُمَامَةَ ثَنَا مُجَالِدٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ، وَقَالَ: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ"، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ يَفْعَلُونَهُ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ: رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ2" ثَنَا دَاوُد بْنُ رُشَيْدٍ ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَا: جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَصَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ؟، قَالَ: لَا، قَالَ: فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا"، انْتَهَى. حَدِيثُ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَعُ مِنْ قَبْلِ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ3"، وَزَادَ فِيهِ: وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا، وَسَنَدُهُ وَاهٍ جِدًّا، فَمُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ مَعْدُودٌ فِي الْوَضَّاعِينَ، وَحَجَّاجٌ. وَعَطِيَّةُ ضَعِيفَانِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الوسط" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إسْمَاعِيلَ الرَّازِيُّ أَنْبَأَ سُلَيْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ خَالِدٍ الرَّقِّيِّ ثَنَا غِيَاثُ بْنُ بَشِيرٍ عن خصيف بن أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا، وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الوسط" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا سُفْيَانُ الْقَصْعَرِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيُّ ثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَزَادَ يَجْعَلُ التَّسْلِيمَ فِي آخِرِهِنَّ رَكْعَةً، انْتَهَى.
وَلَمْ يذكر الشيخ محي الدِّينِ النَّوَوِيُّ فِي الْبَابِ غَيْرَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1، ذَكَرَهُ فِي "كِتَابِ الصَّلَاةِ"، وَذَكَرَ أَيْضًا حَدِيثَ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُطِيلُ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ، وَيُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَيُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد2 بِسَنَدٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، انْتَهَى. وَسُنَّةُ الْجُمُعَةِ ذَكَرَهَا صَاحِبُ "الْكِتَابِ فِي الِاعْتِكَافِ" فَقَالَ: السُّنَّةُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعٌ، وَبَعْدَهَا أَرْبَعٌ، وَأَشَارَ إلَيْهَا فِي إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ، فَقَالَ: وَلَوْ أُقِيمَتْ، وَهُوَ فِي الظُّهْرِ. أَوْ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَقِيلَ: يُتِمُّهَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ3 أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَبَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَأْمُرُنَا أَنْ نُصَلِّيَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا، وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ، رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ4 فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ" أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ صَافِيَةَ، قَالَتْ: رَأَيْت صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ رضي الله عنها، صَلَّتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ لِلْجُمُعَةِ، ثُمَّ صَلَّتْ الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَأَمَّا السُّنَّةُ الَّتِي بَعْدَهَا، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ5 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي لَفْظٍ: كَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ6 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَصَلُّوا أَرْبَعًا، فَإِنْ عَجِلَ بِكَ7 شَيْءٌ، فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَكْعَتَيْنِ إذا رجعت"، انتهى.
باب صلاة العيدين
بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: حَدِيثُ مُوَاظَبَتِهِ عليه السلام عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ، مِنْ غَيْرِ تَرْكِهِ مَرَّةً، قُلْت: هَذَا مَعْرُوفٌ الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 فِي "الْإِيمَانِ" عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرُ الرَّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ، وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ"، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: "لَا، إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ"، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: "لَا، إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ"، وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: "لَا، إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ"، قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ، وَهُوَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَطْعَمُ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ، قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمُصَلَّى، وَكَانَ يَغْتَسِلُ فِي الْعِيدَيْنِ، قُلْت: هُمَا حَدِيثَانِ: فَالْأَوَّلُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ:2عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ، قَالَ: وَقَالَ مُرَجَّى بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ثَوَابِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ، حَتَّى يَأْكُلَ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ يَوْمَ النَّحْرِ، حَتَّى يُصَلِّيَ، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ: حَتَّى يَرْجِعَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ:
لَا أَعْرِفُ لِثَوَابِ بْنِ عُتْبَةَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَثَوَابُ بْنُ عُتْبَةَ قَلِيلُ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يُجَرَّحْ بِشَيْءٍ يَسْقُطُ بِهِ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَعَنْ الْحَاكِمِ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَزَادَ: حَتَّى يَرْجِعَ، فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي صَحِيحٌ، فَإِنَّ ثَوَابَ بْنَ عُتْبَةَ الْمَهْرِيَّ، بَصَرِيٌّ ثِقَةٌ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، رَوَى عَنْهُ عَبَّاسٌ. وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَزِيَادَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا صَحِيحَةٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِالزِّيَادَةِ1. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ " حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ الْأَوْدِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يَخْرُجَ يَوْمَ الْفِطْرِ، حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَوْمَ النَّحْرِ، حَتَّى يَرْجِعَ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الِاغْتِسَالِ فِي الْعِيدَيْنِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الطَّهَارَةِ". الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ لَهُ جُبَّةُ فَنَكٍ، أَوْ صُوفٍ، يَلْبَسُهَا فِي الْأَعْيَادِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ2" مِنْ طَرِيق الشَّافِعِيِّ، أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيُّ أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ بُرْدَ حِبَرَةٍ فِي كُلِّ عِيدٍ، انْتَهَى. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الوسط3" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ ثَنَا أَبِي ثَنَا سَعْدُ بْنُ الصَّلْتِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ يَوْمَ الْعِيدِ بُرْدَةً حَمْرَاءَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ4" عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدٌ أَحْمَرُ يَلْبَسُهُ فِي الْعِيدَيْنِ. وَالْجُمُعَةِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَلَا يُكَبِّرُ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى "يَعْنِي جَهْرًا فِي عِيدِ الْفِطْرِ" وَعِنْدَهُمَا يُكَبِّرُ، اعْتِبَارًا بِالْأَضْحَى، وَلَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّنَاءِ الْإِخْفَاءُ، وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِهِ فِي الْأَضْحَى، لِأَنَّهُ يَوْمُ تَكْبِيرٍ، وَلَا كَذَلِكَ الْفِطْرُ، قُلْت: لَمْ أَجِدْ لَهُ شَاهِدًا، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ5. ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا" عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا غَدَا يَوْمَ الْفِطْر. وَيَوْمَ الْأَضْحَى يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ، حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى
ثُمَّ يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْإِمَامُ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ، لَمْ يَذْكُرْ: الْجَهْرَ، وَقَالَ: غَرِيبُ الْإِسْنَادِ. وَالْمَتْنِ، ثُمَّ رَوَاهُ مَوْقُوفًا، وَالْمَرْفُوعُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَطَاءٍ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُوَقَّرِيُّ ثَنَا الزُّهْرِيُّ ثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ يَوْمَ الْفِطْرِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ"، فَقَالَ: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، فِي مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَطَاءٍ أَبِي الطَّاهِرِ الْمَقْدِسِيَّ: كَانَ يُغْرِبُ، وَيَأْتِي بِالْأَبَاطِيلِ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ يَكْذِبُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، رَوَى عَنْ الْمُوَقَّرِيِّ2 عَنْ الزُّهْرِيِّ أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ، وَأَبُو الطَّاهِرِ. وَالْمُوَقَّرِيُّ ضَعِيفَانِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا يَتَنَفَّلُ فِي الْمُصَلَّى، قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، مَعَ حِرْصِهِ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْت: أَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"3 عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجَ، فَصَلَّى بِهِمْ الْعِيدَ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ4 عَنْ أَبَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ خَرَجَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، وَصَحَّحَهُ، وَأَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: صَدُوقٌ، صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِمَّنْ فَحُشَ خَطَؤُهُ، وَانْفَرَدَ بِالْمَنَاكِيرِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرَ الْمَتْنِ، وَأَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"5 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّي قَبْلَ الْعِيدِ شَيْئًا، فَإِذَا رَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ: الْكَرَاهَةُ فِي الْمُصَلَّى خَاصَّةً، وَقِيلَ فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ: لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَفْعَلْهُ، قُلْت: هَذَا يَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ، لِأَنَّهُ نَفْيٌ مُطْلَقٌ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ الرَّاوِيَ هُنَاكَ أَخْبَرَ أَنَّهُ شَاهَدَهُ فِي الْمُصَلَّى لَمْ يُصَلِّ شَيْئًا، وَقَدْ يَكُونُ صَلَّى فِي مَنْزِلِهِ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعِيدَ، وَالشَّمْسُ عَلَى قِيدِ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ. قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ. وَبِالْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ، عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْعِيدِ مِنْ حِينِ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ "بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ"، قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ، صَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّاسِ يَوْمَ عِيدِ فِطْرٍ، أَوْ أَضْحَى، فَأَنْكَرَ إبْطَاءَ الْإِمَامِ، وَقَالَ: إنْ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَرَغْنَا سَاعَتَنَا هَذِهِ، وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيحِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: روى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْغَدِ، حِينَ شَهِدُوا بِالْهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ، قُلْت: رَوَى أَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ2، وَابْنُ مَاجَهْ، وَاللَّفْظُ لِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بشر جعفر بن وَحْشِيَّةَ عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ، حَدَّثَنِي عُمُومَتِي مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: أُغْمِيَ عَلَيْنَا هِلَالُ شَوَّالٍ، فَأَصْبَحْنَا صِيَامًا، فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ، فَشَهِدُوا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُفْطِرُوا، وَأَنْ يَخْرُجُوا إلَى عِيدِهِمْ مِنْ الْغَدِ، انْتَهَى. وَبِهَذَا اللَّفْظِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ فِيهِ: أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا، وَإِذَا صَبَحُوا يَغْدُوا إلَى مُصَلَّاهُمْ، انْتَهَى. وَلَكِنْ يُحْمَلُ اللَّفْظُ الْمُجْمَلُ، عَلَى اللَّفْظِ الْمُعَيَّنِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ
سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ ثَنَا شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عُمُومَةً لَهُ شَهِدُوا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْرُجُوا الْعِيدَ مِنْ الْغَدِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": هَذَا حَدِيثٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ شُعْبَةَ، فَرَوَوْهُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ. وَهُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَعِنْدِي أَنَّهُ حَدِيثٌ يَجِبُ النَّظَرُ فِيهِ، وَلَا يُقْبَلُ، إلَّا أَنْ تَثْبُتَ عَدَالَةُ أَبِي عُمَيْرٍ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ كَبِيرُ شَيْءٍ، وَإِنَّمَا حَدِيثَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، لَمْ يَرْوِهَا عَنْهُ غَيْرُ أَبِي بِشْرٍ، وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا عَرَفَ مِنْ حَالِهِ مَا يُوجِبُ قَبُولَ رِوَايَتِهِ، وَلَا هُوَ مِنْ الْمَشَاهِيرِ، الْمُخْتَلَفِ فِي ابْتِغَاءِ مَزِيدِ الْعَدَالَةِ عَلَى إسْلَامِهِمْ، وَقَدْ ذكر الباوردي حَدِيثَهُ هَذَا، وَسَمَّاهُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَبْدَ اللَّهِ، وَهَذَا لَا يَكْفِي فِي التَّعْرِيفِ بِحَالِهِ، وَفِيهِ مَعَ الْجَهْلِ بِحَالِ أَبِي عُمَيْرٍ كَوْنُ عُمُومَتِهِ لَمْ يُسَمَّوْا، فَالْحَدِيثُ جَدِيرُ بِأَنْ لَا يُقَالُ فِيهِ: صَحِيحٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَعُمُومَةُ أَبِي عُمَيْرٍ صَحَابَةٌ. لَا يَضُرُّ جَهَالَةُ أَعْيَانِهِمْ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ، وَاسْمُ أَبِي عُمَيْرٍ عَبْدُ اللَّهِ، وَهُوَ أَكْبَرُ أَوْلَادِ أَنَسٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد1 عَنْ رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ. فَقَامَ أَعْرَابِيَّانِ، فَشَهِدَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاَللَّهِ، لَأَهَلَّا الْهِلَالُ أَمْسِ عَشِيَّةً، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا، وَأَنْ يَغْدُوا إلَى مُصَلَّاهُمْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ. وَقَالَ: الصَّحَابَةُ كلهم ثقات2،
سُمُّوا، أَوْ لَمْ يُسَمَّوْا، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ" وَسَمَّى الصَّحَابِيَّ، فَقَالَ: عَنْ رِبْعِيٍّ بن خراش عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطَيْهِمَا، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ، وَثَلَاثًا بَعْدَهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ. وَسُورَةً، وَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ يَبْتَدِئُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِالْقِرَاءَةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا بَعْدَهَا، وَيُكَبِّرُ رَابِعَةً، يَرْكَعُ بِهَا، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ1 وَهُوَ قَوْلُنَا، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ. وَالْأَسْوَدِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ، تِسْعًا تِسْعًا: أَرْبَعٌ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ، فَيَرْكَعُ. وَفِي الثَّانِيَةِ يَقْرَأُ، فَإِذَا فَرَغَ، كَبَّرَ أَرْبَعًا، ثُمَّ رَكَعَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ2 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَالِسًا، وَعِنْدَهُ حُذَيْفَةُ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، فَسَأَلَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ عَنْ التَّكْبِيرِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: سَلْ الْأَشْعَرِيَّ، فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: سَلْ عَبْدَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ أَقْدَمُنَا، وَأَعْلَمُنَا، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يُكَبِّرُ أَرْبَعًا، ثُمَّ يَقْرَأُ، ثم يكبر، فَيَقُومُ فِي الثَّانِيَةِ، فَيَقْرَأُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ 1: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا مُجَالِدٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُعَلِّمُنَا التَّكْبِيرَ فِي الْعِيدَيْنِ، تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ: خَمْسٌ فِي الْأُولَى. وَأَرْبَعٌ فِي الْآخِرَةِ، وَيُوَالِي بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ. وَأَنْ يَخْطُبَ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، انْتَهَى. وَيُنْظَرُ الطَّبَرَانِيُّ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى، قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ"2: وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ، فِي التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ: تِسْعُ تَكْبِيرَاتٍ: فِي الْأُولَى خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ. وَفِي الثَّانِيَةِ يَبْدَأُ بِالْقِرَاءَةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا، مَعَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ نَحْوُ هَذَا، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ الْمَرْفُوعَةِ3: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"4 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَائِشَةَ، جَلِيسٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ سَأَلَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ. وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الْأَضْحَى. وَالْفِطْرِ؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى5: كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا، تَكْبِيرَهُ عَلَى الْجَنَائِزِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: صَدَقَ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: كَذَلِكَ كُنْت أُكَبِّرُ فِي الْبَصْرَةِ، حَيْثُ كُنْت عَلَيْهِمْ، انْتَهَى. سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ فِي
"مُخْتَصَرِهِ"، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَاسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِأَصْحَابِنَا، ثُمَّ أَعَلَّهُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: هُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَكُنْ بِالْقَوِيِّ، وَأَحَادِيثُهُ مَنَاكِيرُ، قَالَ: وَلَيْسَ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَكْبِيرِ الْعِيدَيْنِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَلَكِنْ أَبُو عَائِشَةَ1، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِيهِ: مَجْهُولٌ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لا أعرف حاله، انْتَهَى. الْأَحَادِيثُ الْمَوْقُوفَةُ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ": حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَشْعَثَ2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدِ تِسْعًا، فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"3، أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ ثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: شَهِدْت ابْنَ عَبَّاسٍ كَبَّرَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ بِالْبَصْرَةِ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَوَالَى بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ، قَالَ: وَشَهِدْت الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فَعَلَ ذَلِكَ أَيْضًا، فَسَأَلْت خَالِدًا كَيْفَ كَانَ فِعْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَفَسَّرَ لَنَا كَمَا صَنَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ. وَالثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، سَوَاءٌ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ، وَخَمْسًا بَعْدَهَا. وَفِي الثَّانِيَةِ. يُكَبِّرُ خَمْسًا، ثُمَّ يَقْرَأُ، وَفِي رِوَايَةٍ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا فِي الثَّانِيَةِ، وَظَهَرَ عَمَلُ الْعَامَّةِ الْيَوْمَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَمْرٍ بَيَّنَهُ الْخُلَفَاءُ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"4 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ: سَبْعًا فِي الْأُولَى. وَسِتًّا فِي الْآخِرَةِ، بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ، كُلُّهُنَّ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ إدْرِيسَ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ بِهِ، نَحْوَهُ، حَدَّثَنَا هُشَيْمِ5 عَنْ حَجَّاجٍ. وَعَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً، انْتَهَى. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا حُمَيْدٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً: سَبْعًا فِي الْأُولَى. وَخَمْسًا فِي الآخرة، انتهى. وكأنه رِوَايَةَ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ هَذِهِ، هِيَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهُ كَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعًا، بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ، وَكَبَّرَ فِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ، فالجملة اثني عَشَرَ تَكْبِيرَةً، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُخَالِفُ هَذَا، وَيُوَافِقُ مَذْهَبَنَا، فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"6 حَدَّثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِ الله بن الحارث،
قَالَ: صَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمَ عِيدٍ، فَكَبَّرَ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ: خَمْسًا فِي الْأُولَى. وَأَرْبَعًا فِي الْآخِرَةِ، وَوَالَى بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَزَادَ فِيهِ: وَفَعَلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ الْمَرْفُوعَةِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد. وَابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ، فِي الْأُولَى بِسَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ. وَفِي الثَّانِيَةِ بِخَمْسٍ، قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، سِوَى تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَقَدْ اسْتَشْهَدَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي مَوْضِعَيْنِ، قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ. وَابْنُ عُمَرَ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو، وَالطُّرُقُ إلَيْهِمْ فَاسِدَةٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ" أَنَّ فِيهِ اضْطِرَابًا2، فَقِيلَ: عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَالِاضْطِرَابُ فِيهِ مِنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَضَعَّفَهُ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ رَوَاهُ غَيْرَ ابْنِ لَهِيعَةَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أبو داود، وبان مَاجَهْ3 أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطائفي
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "التَّكْبِيرُ فِي الْفِطْرِ، سَبْعٌ فِي الْأُولَى. وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ، وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا"، انْتَهَى. زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ: وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ، سِوَى تكبيرة الصلاة، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَالطَّائِفِيُّ هَذَا ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ1: مِنْهُمْ ابْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "الْعِلَلِ": سَأَلْت الْبُخَارِيَّ عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ صَحِيحٌ2، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ، فِي الْأُولَى سَبْعًا، قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا، قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ فِي هَذَا الْبَابِ أَصَحُّ مِنْهُ، وَبِهِ أَقُولُ، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ أَيْضًا صَحِيحٌ. وَالطَّائِفِيُّ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" هَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي التَّصْحِيحِ، فَقَوْلُهُ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ "يَعْنِي أَشْبَهَ مَا فِي الْبَابِ" وَأَقَلَّ ضَعْفًا، وَقَوْلُهُ: وَبِهِ أَقُولُ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ، أَيْ، وَأَنَا أَقُولُ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَشْبَهُ مَا فِي الْبَابِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَحَدِيثُ الطَّائِفِيِّ أَيْضًا صَحِيحٌ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ، وَقَدْ عُهِدَ مِنْهُ تَصْحِيحُ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْبُخَارِيِّ: أَصَحُّ شَيْءٍ، لَيْسَ مَعْنَاهُ صَحِيحًا، قَالَ: وَنَحْنُ، وَإِنْ خَرَجْنَا عَنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَلَكِنْ أَوْجَبَهُ، أَنَّ كَثِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَهُمْ مَتْرُوكٌ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا يُسَاوِي شَيْئًا، وَضَرَبَ عَلَى حَدِيثِهِ فِي الْمُسْنَدِ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ. والدارقطني: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَاهِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ نُسْخَةً مَوْضُوعَةً، لَا يَحِلُّ ذِكْرُهَا فِي الْكُتُبِ، إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ، وَالطَّائِفِيُّ ضَعَّفَهُ نَاسٌ: مِنْهُمْ ابْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ فِي "الْعِلْمِ الْمَشْهُورِ": وَكَمْ حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ"
مِنْ أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةٍ، وَأَسَانِيدَ وَاهِيَةٍ: مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ، فَإِنَّ الْحَسَنَ عِنْدَهُمْ مَا نَزَلَ عَنْ دَرَجَةِ الصَّحِيحِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، إلَّا مِنْ كَلَامِهِ، قَالَ فِي "عِلَلِهِ" الَّتِي فِي آخِرِ كِتَابِهِ "الْجَامِعِ": وَالْحَدِيثُ الْحَسَنُ عِنْدَنَا مَا رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهِ، وَلَمْ يَكُنْ شَاذًّا، وَلَا فِي إسْنَادِهِ مَنْ يُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٌ: لَيْسَ فِي تَكْبِيرِ الْعِيدَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا أَخَذَ مَالِكٌ فِيهَا بِفِعْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ1" حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ، مُؤَذِّنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ، فِي الْأُولَى سَبْعًا، قَبْلَ الْقِرَاءَة. وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا، قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ، فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتِ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا، انْتَهَى. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا3 عَنْ فَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "التَّكْبِيرُ فِي الْعِيدَيْنِ، فِي الْأُولَى سَبْعُ تَكْبِيرَاتٍ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسُ تَكْبِيرَاتِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ4. وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَعَلَهُ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْبُخَارِيُّ، رَوَاهُ مَالِكٌ
فِي "الْمُوَطَّأِ" عَنْ نَافِعٍ، مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: شَهِدْت الْأَضْحَى. وَالْفِطْرَ، مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَكَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا، قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ1: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ2" أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: يُكَبِّرُ فِي الْأَضْحَى. وَالْفِطْرِ. وَالِاسْتِسْقَاءِ، سَبْعًا فِي الْأُولَى. وَخَمْسًا فِي الْأُخْرَى، وَيُصَلِّي قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: حَدِيثُ: لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ، وَذَكَرَ مِنْهَا تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ. قُلْت: تَقَدَّمَ فِي "صِفَةِ الصَّلَاةِ"، وَلَيْسَ فِيهِ تَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ. قَوْلُهُ: ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَيْنِ، بِذَلِكَ وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ. قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ، فَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ. وَعُمَرُ يُصَلُّونَ الْعِيدَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ. وَعُثْمَانَ، فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ الْعِيدَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ2 أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ، فَأَتَى النِّسَاءَ، فَذَكَّرَهُنَّ، وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلَالٍ، وَبِلَالٌ بَاسِطٌ ثوبه، يلقي يه النِّسَاءُ الصَّدَقَةَ، مُخْتَصَرٌ، وَذَهِلَ الْمُنْذِرِيُّ، فَعَزَاهُ لِلنِّسَائِيِّ، وَتَرَكَ الْبُخَارِيَّ. وَمُسْلِمًا. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ3 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْأَضْحَى. وَيَوْمَ الْفِطْرِ، فَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا صَلَّى صَلَاتَهُ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، وَهُمْ جُلُوسٌ فِي مُصَلَّاهُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ بِبَعْثٍ، ذَكَرَهُ لِلنَّاسِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَمَرَهُمْ، وَكَانَ يَقُولُ: تَصَدَّقُوا، تَصَدَّقُوا، وَكَانَ أَكْثَرَ مَنْ يَتَصَدَّقُ النِّسَاءُ، انْتَهَى. بِلَفْظِ مُسْلِمٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ4، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ، فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ، الْحَدِيثَ بِنَحْوِ مَا سَبَقَ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى الشَّيْبَانِيِّ
عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: حَضَرْتُ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى بِنَا الْعِيدَ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ قَضَيْنَا الصَّلَاةَ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ، فَلْيَجْلِسْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ، فَلْيَذْهَبْ، انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ مُرْسَلٌ، وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: غَلِطَ الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى فِي إسْنَادِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرْسَلٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ1" حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ ثَنَا أَبُو بَحْرٍ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فِطْرٍ، أَوْ أَضْحَى، فَخَطَبَ قَائِمًا، ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً، ثُمَّ قَامَ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَرَوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: السُّنَّةُ أَنْ يَخْطُبَ فِي العيدين خطبتين، فيفصل بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ ضَعِيفٍ غَيْرِ مُتَّصِلٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَكْرِيرِ الْخُطْبَةِ شَيْءٌ2، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى الْجُمُعَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَوْلُهُ: فَإِنْ غُمَّ الْهِلَالُ، وَشُهِدَ عِنْدَ الْإِمَامِ بِالْهِلَالِ، بَعْدَ الزَّوَالِ، صَلَّى الْعِيدَ مِنْ الْغَدِ، لِأَنَّ هَذَا تَأْخِيرٌ بِعُذْرٍ، وَقَدْ وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ أَبِي عُمَيْرٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِعِ مِنْ الْبَابِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمُومَتِي، مِنْ الْأَنْصَارِ، أَنَّهُمْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمْ هِلَالُ شَوَّالٍ، فَأَصْبَحُوا صِيَامًا، فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ، فَشَهِدُوا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ عليه الصلاة والسلام أَنْ يُفْطِرُوا، وَأَنْ يَخْرُجُوا إلَى عِيدِهِمْ مِنْ الْغَدِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَطْعَمُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3. وَابْنُ مَاجَهْ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ عَنْ ثَوَابِ بْنِ عُتْبَةَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الْأَضْحَى، حَتَّى يَرْجِعَ، زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ": فَيَأْكُلُ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ، انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ"، وَصَحَّحَ الزِّيَادَةَ أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ "يَعْنِي فِي عِيدِ الْأَضْحَى"،
قُلْت: كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْجَهْرَ بِالتَّكْبِيرِ، كَمَا تَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي "أَوَائِلِ الْبَابِ"، وَهَذَا غَرِيبٌ، لَمْ أَجِدْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الَّذِي وَجَدْنَا مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، كَالْفِطْرِ، كَذَلِكَ نُقِلَ "يَعْنِي فِي عِيدِ الْأَضْحَى". قُلْت: إنَّ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: كَالْفِطْرِ مُجَرَّدَ الْعَدَدِ، فَشَاهِدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أَضْحَى إلَى الْبَقِيعِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، وَقَالَ: "إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نَبْدَأَ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَافَقَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ شَيْءٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ"، انْتَهَى. وَإِنْ أَرَادَ عَدَدَ التَّكْبِيرِ، وَتَرْكَ الصَّلَاةِ قَبْلَهَا، وَبَعْدَهَا، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ. فِي عِيدِ الْفِطْرِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ كُلُّ حَدِيثٍ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ، لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَ ذَلِكَ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ. قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى صَلَّاهَا مِنْ الْغَدِ، وَبَعْدَ الْغَدِ، وَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُوَقَّتَةٌ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ، فَتَتَقَيَّدُ بِأَيَّامِهَا، لَكِنَّهُ مُسِيءٌ فِي التَّأْخِيرِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، لِمُخَالَفَةِ الْمَنْقُولِ. قُلْت: الْمَنْقُولُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عِيدَ الْأَضْحَى فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ، وَلَمْ يَرِدْ غَيْرُ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ.
فصل في تكبيرات التشريق
فَصْلٌ فِي تَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ قَوْلُهُ: وَيَبْدَأُ بِتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَخْتِمُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَخْتِمُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، فَأَخَذَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ أَخْذًا بِالْأَكْثَرِ، إذْ هُوَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْعِبَادَاتِ، وَأَخَذَ هُوَ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَخْذًا بِالْأَقَلِّ، لِأَنَّ الْجَهْرَ بِالتَّكْبِيرِ بِدْعَةٌ، قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ، فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ في "مصنفه"2 ثم حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَيُكَبِّرُ بَعْدَ
الْعَصْرِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "الْآثَارِ"1 أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، فَذَكَرَهُ، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ2 أَيْضًا، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، يَقُولُ: "اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عن غيلان بن جابر عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، بِأَسَانِيدَ عِدَّةٍ، أَنَّهُمْ كَانُوا يُكَبِّرُونَ بَعْدَ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، إلَى الظُّهْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ الْمَرْفُوعَةِ: أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4 عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ الْخَرَّازِ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعِيدٍ الْمُؤَذِّنُ ثَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ. وَعَمَّارٍ، قَالَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ فِي الْمَكْتُوبَاتِ "بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، وَكَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَكَانَ يُكَبِّرُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ صَلَاةَ الْغَدَاةِ، وَيَقْطَعُهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ، آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، لَا أَعْلَمُ فِي رُوَاتِهِ مَنْسُوبًا إلَى الْجَرْحِ، وَقَدْ رَوَى فِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَغَيْرِهِ، فَأَمَّا مِنْ فِعْلِ عُمَرَ. وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. فَصَحِيحٌ، ثُمَّ سَاقَ الرِّوَايَاتِ عَنْهُمْ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، فَقَالَ: إنَّهُ خَبَرٌ وَاهٍ، كَأَنَّهُ مَوْضُوعٌ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ صَاحِبُ مَنَاكِيرَ، وَسَعِيدَ: إنْ كَانَ الْكُرَيْزِيُّ، فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِلَّا فَهُوَ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَقَالَ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"5 عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، حِينَ يُسَلِّمُ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَمْرِو
بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ. وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى الصُّبْحَ مِنْ غَدَاةِ عَرَفَةَ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَيَقُولُ: عَلَى مَكَانِكُمْ، وَيَقُولُ: "اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ"، فَيُكَبِّرُ مِنْ غَدَاةِ عَرَفَةَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ، مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: جابر الجعفي سيء الحال، وعمر بْنُ شِمْرٍ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ، بَلْ هُوَ مِنْ الْهَالِكِينَ، قَالَ السَّعْدِيُّ: عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ زَائِغٌ كَذَّابٌ، وَقَالَ الْفَلَّاسُ: وَاهٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ. وَأَبُو حَاتِمٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، زَادَ أَبُو حَاتِمٍ: وَكَانَ رَافِضِيًّا، يَسُبُّ الصَّحَابَةَ، رَوَى فِي "فَضَائِلِ أَهْلِ الْبَيْتِ" أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ الْحَدِيثُ، إلَّا بِعَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ. وَأُسَيْدُ بْنُ زَيْدٍ، فَقَالَا: عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ. وَعَمَّارٍ، وَرَوَاهُ مُصْعَبُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَرَوَى مَحْفُوظُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرٍ، فَأَسْقَطَ مِنْ الْإِسْنَادِ، عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ، وَهَكَذَا رَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: نَائِلُ بْنُ نَجِيحٍ، وَقُرِنَ بِأَبِي جَعْفَرٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، وَزَادَ فِي "الْمَتْنِ" كَيْفِيَّةَ التَّكْبِيرِ، انتهى كلامه. ملخصاً مُحَرَّرًا. قَوْلُهُ: وَالتَّكْبِيرُ أَنْ يَقُولَ مَرَّةً وَاحِدَةً: "اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ"، وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الْخَلِيلِ عليه السلام، قُلْت: لَمْ أَجِدْهُ مَأْثُورًا عَنْ الْخَلِيلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَأْثُورًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، وَرَوَاهُ أَيْضًا، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، "اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا شَرِيكٌ، قَالَ: قُلْت لِأَبِي إسْحَاقَ: كَيْفَ كَانَ يُكَبِّرُ عَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ؟ قَالَ: كَانَا يَقُولَانِ: "اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: كانوا يكبروا يَوْمَ عَرَفَةَ، وَأَحَدُهُمْ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ "اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ"، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ.
أَحَادِيثُ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا 1: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد2 وَالنَّسَائِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: شَهِدْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا، فَصَلَّى الْعِيدَ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَلْيُصَلِّ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": إسْنَادُهُ حَسَنٌ. أَثَرٌ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: صَلَّى ابْنُ الزُّبَيْرِ الْعِيدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، أَوَّلَ النَّهَارِ، ثُمَّ رُحْنَا إلَى الْجُمُعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا، فصلينا وُحدنا، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ، فَلَمَّا قَدِمَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: أَصَابَ السُّنَّةَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3، قَالَ النَّوَوِيُّ: سَنَدُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. أَثَرٌ آخَرُ: عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ خَطَبَ يَوْمَ عِيدٍ، فَقَالَ: يا أيها النَّاسُ، إنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي، فَلْيَنْتَظِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ، فَقَدْ أَذِنْت لَهُ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ4.
باب صلاة الكسوف
بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: حَدِيثُ عَائِشَةَ: فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ5" عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَسْجِدِ، فَقَامَ، فَكَبَّرَ، وَصَفَّ النَّاسَ وَرَاءَهُ، فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ، فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ"، ثُمَّ قَامَ، فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، هِيَ أَدْنَى مِنْ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ، فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، هُوَ أَدْنَى مِنْ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ:
سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَانْجَلَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ1 عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَأَخْرَجَا2 نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِيهِ: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: لَمَّا انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُودِيَ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، ثُمَّ قَامَ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، ثُمَّ جَلَى عَنْ الشَّمْسِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَكَعْتُ رُكُوعًا، وَلَا سَجَدْتُ سُجُودًا كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ قَطُّ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَانْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِحَدِيثِ جَابِرٍ3، أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ، قَالَ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ، فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ، حَتَّى جَعَلُوا يَخِرُّونَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ، فَأَطَالَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ، فَأَطَالَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ، فَصَنَعَ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، مُخْتَصَرٌ، وَانْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ4 بِحَدِيثِ أَسْمَاءَ، مُبِينًا فِيهِ الصَّلَاةَ أَرْبَعَ رَكَعَاتِ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، يُبَيِّنُ فِيهِ الصَّلَاةَ. وَأَمَّا حَدِيثُ "الثَّلَاثُ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ"، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ5 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ، بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ، نَحْوَهُ6، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ طَاوُسٍ7 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى فِي الْكُسُوفِ، فَقَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، قَالَ: وَالْأُخْرَى مِثْلُهَا، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ8: صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ، وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُ ذَلِكَ، انْتَهَى. لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَلَكِنَّهُ أَحَالَ عَلَى مَا قَبْلَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ "الْخَمْسُ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ"، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، فَقَرَأَ سُورَةً مِنْ الطِّوَالِ، وَرَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَفَعَلَ فِي الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ جَلَسَ يَدْعُو حَتَّى تَجَلَّى كُسُوفُهَا، وَأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَاهَانَ، فِيهِ مَقَالٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": لَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد، وَهُوَ حَدِيثٌ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ "فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعٌ"، قُلْت: لَمْ أَجِدْهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِنَّمَا وَجَدْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَلَعَلَّهُ تَصَحَّفَ عَلَى الْمُصَنِّفِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2. وَالنَّسَائِيُّ. وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الشَّمَائِلِ" عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَكَدْ يَرْكَعُ، ثُمَّ رَكَعَ، فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفَعَ، فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ، ثُمَّ سَجَدَ، فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفَعَ، فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ، ثُمَّ سَجَدَ، فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفَعَ، وَفَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، زَادَ النَّسَائِيُّ: مِنْ الْقِيَامِ. وَالرُّكُوعِ. وَالسُّجُودِ. وَالْجُلُوسِ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ مِنْ أَجْلِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، انْتَهَى. وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُنْذِرِيِّ حِينَ قَالَ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَنْ يُقَيِّدَهُ "بِالشَّمَائِلِ"، بَلْ أَطْلَقَ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ لِعَطَاءٍ حَدِيثًا مَقْرُونًا بِأَبِي بِشْرٍ، وَقَالَ أَيُّوبُ: هُوَ ثِقَةٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَفَرَّقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَغَيْرُهُ بَيْنَ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ": كُلُّ مَنْ رَوَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، رَوَى عَنْهُ فِي الِاخْتِلَاطِ، إلَّا شُعْبَةَ. وَسُفْيَانَ، انْتَهَى. قُلْت: وَأَصْحَابُ السُّنَنِ أَخْرَجُوهُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَطَاءٍ خَلَا النَّسَائِيَّ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَطَاءٍ بِهِ، وَلَيْسَ مَتْنُهُ بِصَرِيحٍ فِي الرَّكْعَتَيْنِ،
وَلَفْظُهُ: قَالَ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى، فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ، فَأَطَالَ، قَالَ سَمِعْته، وَأَحْسَبُهُ قَالَ فِي السُّجُودِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد1. وَالنَّسَائِيُّ. عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا. وَغُلَامٌ مِنْ الْأَنْصَارِ نَرْمِي غَرَضَيْنِ لَنَا، حَتَّى إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ، قِيدَ رُمْحَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ، فِي عَيْنِ النَّاظِرِ مِنْ الْأُفُقِ، اسْوَدَّتْ، حَتَّى آضَتْ، كَأَنَّهَا تَنُّومَةٌ، فَقَالَ أَحَدُنَا لِصَاحِبِهِ: انْطَلِقْ بنا إلى المسجد، فو الله لَيُحْدِثَنَّ شَأْنُ هَذِهِ الشَّمْسِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ حَدَثًا، قَالَ: فَدَفَعْنَا، فَإِذَا هُوَ بَارِزٌ، فَاسْتَقْدَمَ، فَصَلَّى بِنَا، فَقَامَ، كَأَطْوَلِ مَا قَامَ بِنَا فِي صَلَاةٍ قِطُّ، لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا، قَالَ: ثُمَّ رَكَعَ، كَأَطْوَلِ مَا رَكَعَ بِنَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ، لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا، ثُمَّ سَجَدَ بِنَا، كَأَطْوَلِ مَا سَجَدَ بِنَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ، لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَوَافَقَ تَجَلِّي الشَّمْسِ جُلُوسَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَشَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا خَسَفَتْ الشَّمْسُ. وَالْقَمَرُ، فَصَلُّوا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنْ الْمَكْتُوبَةِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"2.وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا، وَيُنْظَرُ لَفْظُهُمَا، وَتَكَلَّمُوا فِي سَمَاعِ أَبِي قِلَابَةَ3 مِنْ النُّعْمَانِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ": قَالَ أَبِي: قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: أَبُو قِلَابَةَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مُرْسَلٌ، قَالَ أبي: قد أدرك أبي قِلَابَةَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، وَلَا أَعْلَمُ أَسَمِعَ مِنْهُ، أَوْ لَا، وَقَدْ رَوَاهُ عَفَّانَ4 عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ النُّعْمَانِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا حَدِيثٌ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهِ، فَرُوِيَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ الْهِلَالِيِّ، وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيَسْأَلُ عَنْهَا، حَتَّى انْجَلَتْ، قَالَ: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. إلَّا أَنَّهُ بِزِيَادَةِ رَجُلٍ بَيْنَ أَبِي قِلَابَةَ. وَالنُّعْمَانِ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"1 عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، حَتَّى انْتَهَى إلَى الْمَسْجِدِ، وَثَابَ النَّاسُ إلَيْهِ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، فَانْجَلَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ: "إنَّ الشَّمْسَ. وَالْقَمَرَ. آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَأَنَّهُمَا لَا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ، فَصَلُّوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ2، وَقَالَ فِيهِ: فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، كَمَا تُصَلُّونَ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَقَالَ فِيهِ: فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَلَاتِكُمْ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مِثْلَ صَلَاتِكُمْ فِي الْكُسُوفِ، وَوَهَمَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ"، فَعَزَا هَذَا الْحَدِيثَ "لِلصَّحِيحَيْنِ"، وَإِنَّمَا انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كُنْت أَرْمِي بِأَسْهُمٍ لِي بِالْمَدِينَةِ، فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ، فَنَبَذْتُهَا، وَقُلْت: وَاَللَّهِ لَأَنْظُرَنَّ إلَى مَا حَدَثَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، قَالَ: فَانْتَهَيْت إلَيْهِ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يُسَبِّحُ، وَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ، وَيَدْعُو حَتَّى حُسِرَ عَنْهَا، فَلَمَّا حُسِرَ عَنْهَا، قَرَأَ سُورَتَيْنِ، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، وَهُوَ قَائِمٌ فِي الصَّلَاةِ، رَافِعٌ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يُسَبِّحُ، وَيَحْمَدُ، وَيُهَلِّلُ، إلَى آخِرِهِ، وَظَاهِرُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ تَكَلَّفُوا لِلْجَوَابِ عَنْهُمَا، فَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَوْلُهُ: وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ "يَعْنِي فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وَرُكُوعَانِ"، انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ إنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ حُكْمِ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَسَكَتَ عَنْ الْأُخْرَى، وَفِي هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ إخْرَاجُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَأَيْضًا فَلَفْظُ النَّسَائِيّ: كَمَا تُصَلُّونَ. وَابْنِ حِبَّانَ: مِثْلَ صَلَاتِكُمْ، يَرُدُّ ذَلِكَ، وَتَأَوَّلَهُ الْمَازِرِيُّ، عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ صَلَاةَ تَطَوُّعٍ لَا كُسُوفٍ، فَإِنَّهُ إنَّمَا صَلَّى بَعْدَ الِانْجِلَاءِ، وَابْتِدَاؤُهَا بَعْدَ الِانْجِلَاءِ لَا يَجُوزُ، وَضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ بِمُخَالَفَتِهِ لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، قَالَ: بل يحمل قوله: فاتهيت إلَيْهِ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، عَلَى أَنَّهُ وَجَدَهُ فِي الصَّلَاةِ، كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، فَأَتَيْته، وَهُوَ قَائِمٌ فِي
الصَّلَاةِ، وَكَانَتْ السُّورَتَانِ بعد الانجلاء، وهذا لابد مِنْهُ، جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ مَا ذكر الْمَازِرِيُّ أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ وَرَدَ فِي أَبِي دَاوُد1 عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيَسْأَلُ عَنْهَا حَتَّى تَجَلَّتْ الشَّمْسُ. قَالَ: وَهُوَ مُعْتَمَدٌ قَوِيٌّ لِلْكُوفِيِّينَ2، غَيْرَ أَنَّ أَحَادِيثَ الرَّكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَصَحُّ، وَأَشْهُرُ، وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ بَيْنَ الْجَوَازِ، وَذَلِكَ هُوَ السُّنَّةِ، انْتَهَى. وَقَدْ غَفَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ: فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"3 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ قَبِيصَةَ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ فَزِعًا، يَجُرُّ ثَوْبَهُ، وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَقَدْ انْجَلَتْ، فَقَالَ: "إنَّمَا هَذِهِ الْآيَاتُ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا، كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنْ الْمَكْتُوبَةِ"، انْتَهَى. ثُمَّ رَوَاهُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا رَيْحَانُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ قَبِيصَةَ الْهِلَالِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ، بِمَعْنَى حَدِيثِ مُوسَى، وَلَمْ يَسُقْ الْمَتْنَ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، قَالَ: وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُمَا عَلَّلَاهُ بِحَدِيثٍ يَرْوِيهِ رَيْحَانُ بْنُ سَعِيدٍ4 عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ5 عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ قَبِيصَةَ، قَالَ: وَهَذَا لَا يُعَلِّلُ حَدِيثًا رَوَاهُ مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ قَبِيصَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ" بِسَنَدٍ آخَرَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ أَنَّ جَدَّهُ عُبَيْدَ الله بن الوزاع حَدَّثَهُ حَدِيثَ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ، وَنَحْنُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، سَوَاءٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ، سَقَطَ بَيْنَ أَبِي قِلَابَةَ. وَقَبِيصَةَ رَجُلٌ، وَهُوَ: هِلَالُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ هِلَالًا ثِقَةٌ، انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ1: وَسِيَاقُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَسَائِرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِرَكْعَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْإِخْبَارُ عَنْ صَلَاتِهِ عليه الصلاة والسلام يَوْمَ الْكُسُوفِ، يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمَ، وَقَدْ أَثْبَتَ جَمَاعَةٌ مِنْ حُفَّاظِ الصَّحَابَةِ عَدَدَ رُكُوعِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَهُوَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ2، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": كُلُّ مَا وَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ، وَقَوْلُهُ: مِثْلَ صَلَاتِنَا، أَوْ مِثْلَ صَلَاتِكُمْ، ظَنٌّ مِنْ الرَّاوِي، انْتَهَى. أَحَادِيثُ خُسُوفِ الْقَمَرِ: تَقَدَّمَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: "إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا"، وَفِي لَفْظٍ: "فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ"، أَخْرَجَاهُ3 مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4 مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَخْرَجَاهُ5 أيضا حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَالْحَاكِمُ6 مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: "فَأَيُّهُمَا انْخَسَفَ فَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ"، وَلِلْبَيْهَقِيِّ7 مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ: "فَإِذَا خَسَفَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَصَلُّوا"، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَّى فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ، كَمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"8 عَنْ ثَابِتِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدِ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ. وَالْقَمَرِ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ. انْتَهَى. وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، سَكَتَ عَنْهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" ثُمَّ ابْنُ الْقَطَّانِ بَعْدَهُ، وَقَالَ: إنَّ ثَابِتَ بْنَ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدَ صَدُوقٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا9 عَنْ إسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ. وَالْقَمَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ10: فِيهِ سَعِيدُ بْنُ حَفْصٍ، ولا أعرف حاله، انْتَهَى. قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَسْنُونَ اسْتِيعَابُ الْوَقْتِ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ11 عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنَّ الشَّمْسَ. وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِذَا رأيتموها فَادْعُوَا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى تَنْكَشِفَ"، انْتَهَى.
وَلِلْبُخَارِيِّ1 عَنْ أَبِي بَكْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَلِمُسْلِمٍ2 عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَلَهُ أَيْضًا3 مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، "فَإِذَا رَأَيْتُمْ كُسُوفًا فَاذْكُرُوا اللَّهَ حَتَّى تَنْجَلِيَ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: "صَلُّوا حَتَّى يُفْرَجَ عَنْكُمْ"، وَلَهُ أَيْضًا4مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ ابْنُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: إنَّمَا انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّمَا الشَّمْسُ. وَالْقَمَرُ آيات مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ"، مُخْتَصَرٌ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد5 عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهِمْ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ كَمَا هُوَ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو حَتَّى تَجَلَّى كُسُوفُهَا، مُخْتَصَرٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَاهَانَ، اخْتَلَفَ قَوْلُهُمْ فِيهِ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَرَ فِي رَكْعَتَيْ الْكُسُوفِ بِالْقِرَاءَةِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ6 عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ قراءته فَرَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرَّكْعَةِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ يُعَاوِدُ الْقِرَاءَةَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فِي رَكْعَتَيْنِ. وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، انْتَهَى. لَمْ يَقُلْ فِيهِ مُسْلِمٌ: ثُمَّ يُعَاوِدُ الْقِرَاءَةَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَلِلْبُخَارِيِّ7 مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: جَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد8 وَلَفْظُهُ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، فَجَهَرَ بِهَا "يَعْنِي فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ، فَجَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، انْتَهَى. وَحَسَّنَهُ، وَصَحَّحَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَلَفْظُهُ: قَالَتْ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى بِهِمْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ،
وَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ، انْتَهَى. وَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَا يَدْفَعُ قَوْلَ مَنْ يُفَسِّرُ1 لَفْظَ "الصَّحِيحَيْنِ" بِخُسُوفِ الْقَمَرِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ. وَسَمُرَةُ الْإِخْفَاءَ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ. قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"2، وَكَذَلِكَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حدثنا حسن بن مُوسَى الْأَشْيَبِ أَنْبَأَ ابْنُ لَهِيعَةَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُسُوفَ، فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ فِيهَا حَرْفًا مِنْ الْقِرَاءَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ عِكْرِمَةَ" مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ ثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّيْت إلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ كَسَفَتْ الشَّمْسُ، فَلَمْ أَسْمَعْ لَهُ قِرَاءَةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَمِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ، ثُمَّ قَالَ: وَهَؤُلَاءِ، وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْتَجُّ بِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ عَدَدٌ، وَرِوَايَتُهُمْ تُوَافِقُ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ عليه السلام قَرَأَ نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، هَكَذَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مَا قَرَأَ، إذْ لَوْ سَمِعَهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِغَيْرِهِ، وَيَدْفَعُ حَمْلَهُ عَلَى الْبَعْدِ، رِوَايَةُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ: صَلَّيْت إلَى جَنْبِهِ، وَيُوَافِقُ أَيْضًا رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَحَزَرْتُ قِرَاءَتَهُ، وَيُوَافِقُ أَيْضًا حَدِيثَ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ3، وَإِنَّمَا الْجَهْرُ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَقَطْ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ حَافِظًا، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ، مِنْ الْوَاحِدِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ صَرِيحٍ، وَهُوَ الَّذِي، أَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: انْخَسَفَتْ الشَّمْسُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ مَعَهُ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مَا قَرَأَ، إذْ لَوْ سَمِعَهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِغَيْرِهِ، هَكَذَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ": هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ: يُخْفِي الْقِرَاءَةَ، لِأَنَّهُ لَوْ جَهَرَ لَعُلِمَ مَا قَرَأَ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى الْإِسْرَارِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى قَوْلِ عَائِشَةَ4 فِي حَدِيثٍ آخَرَ، فَحَزَرْتُ قِرَاءَتَهُ،
قَالَ: فَقِيلَ: فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَقِيلَ يُقَدَّمُ الْمُثْبِتُ عَلَى النَّافِي، وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَهَرَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ قَدْ جَاءَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَلَمْ يُحْفَظْ أَنَّهُ عليه السلام جَمَعَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي "الْمُنْتَقَى": يُحْمَلُ حَدِيثُ الْإِخْفَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدِهِ، لِمَا وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ مَبْسُوطَةٍ: أَتَيْنَا، وَالْمَسْجِدُ قَدْ امْتَلَأَ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ غَيْرُ صَرِيحٍ فِي الْإِخْفَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْعُلَمَاءُ كُلُّهُمْ يَحْمِلُوهُ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ قَدْ يَنْسَى الْإِنْسَانُ الشَّيْءَ الْمَقْرُوءَ بِعَيْنَيْهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ ذَاكِرٌ لِقَدْرِهِ، فَيَقُولُ: قَرَأَ فُلَانٌ نَحْوَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَهُوَ قَدْ سَمِعَ مَا قَرَأَ، ثُمَّ نَسِيَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ: فَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ الْأَرْبَعَةِ1 عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، حَدَّثَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: قَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ: بَيْنَمَا أَنَا، وَغُلَامٌ مِنْ الْأَنْصَارِ نَرْمِي غَرَضَيْنِ لَنَا، حَتَّى إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي "أَوَّلِ الْبَابِ"، وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد، وَاخْتَصَرَهُ الْبَاقُونَ، وَلَفْظُهُمْ: قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُسُوفٍ، لَا يسمع له صوتاً، انْتَهَى. وَلَفْظُ النَّسَائِيّ: فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ " فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ , مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ مُطَوَّلًا. بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد , وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" مُطَوَّلًا. وَمُخْتَصَرًا، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَكَانَ سَمُرَةُ فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَسْمَعْ صَوْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ إبْطَالُ هَذَا. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه الصلاة والسلام: " إذَا رَأَيْتُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَفْزَاعِ شَيْئًا، فَارْغَبُوا إلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ"2 مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا، فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا، وَأَخْرَجَا أَيْضًا3 عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَدُعَائِهِ، وَأَخْرَجَا أَيْضًا4 عَنْ عَائِشَةَ: "وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا، فَكَبِّرُوا. وَادْعُوا. وَصَلُّوا".
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "فَاذْكُرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفِرُوهُ"، قُلْت: غَرِيبٌ أَيْضًا بِهَذَا اللَّفْظِ، وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ"1 عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ. وَدُعَائِهِ. وَاسْتِغْفَارِهِ. وَلِلْبُخَارِيِّ2 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": الْمُرَادُ بِذِكْرِ اللَّهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّلَاةُ، لِأَنَّهَا تشمل عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ، فَسُمِّيَتْ بِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ} انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ فِي الْأَدْعِيَة تَأْخِيرُهَا عَنْ الصَّلَاةِ، قُلْت: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي "جَامِعِهِ3 فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ". وَالنَّسَائِيُّ فِي "كِتَابِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قيل: يارسول اللَّهِ، أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: "جَوْفُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ، وَدُبُرُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ بِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَاعْلَمْ أَنَّ مَا يَرْوِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُنْقَطِعٌ، لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِيثِهِ عَنْ جَابِرٍ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: إنَّهُ مُتَّصِلٌ، وَزَعَمَ ابْنُ مَعِينٍ أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَكَذَلِكَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ عَبَّاسُ الدُّورِيُّ: قُلْت لِيَحْيَى: سَمِعَ مِنْ أَبِي أُمَامَةَ؟ قَالَ: لَا، قِيلَ: سَمِعَ مِنْ جَابِرٍ؟ قَالَ: لَا، هُوَ مُرْسَلٌ، كَانَ مَذْهَبُ يَحْيَى أَنَّهُ يُرْسِلُ عَنْهُمْ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: "يَا مُعَاذُ، وَاَللَّهِ إنِّي لَأُحِبُّك، أُوصِيَك، يَا مُعَاذُ! لَا تَدَعَنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ رحمه الله فِي "تَارِيخِهِ الْوَسَطِ فِي بَابِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ": قَالَ ابْنُ إسْمَاعِيلَ: ثَنَا حَمَّادٌ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ. وَدَاوُد بْنِ عَوْنٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ وَرَّادٍ، مَوْلَى الْمُغِيرَةِ، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَالِ، فَافْزَعُوا
إلَى الصَّلَاةِ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلِلْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ1 فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ"، وَالْمُصَنِّفُ احْتَجَّ عَلَى أَنَّ خُسُوفَ الْقَمَرِ لَيْسَ فِيهِ جَمَاعَةٌ، وَإِنَّمَا يُصَلِّي كُلُّ وَاحِدٍ لِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مُطَابَقَةٌ. قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي الْكُسُوفِ خُطْبَةٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، قُلْت: هَذَا غَلَطٌ، فَفِي "الصَّحِيحَيْنِ"2 مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ: ثُمَّ انْصَرَفَ بَعْدَ أَنْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ، فَقَامَ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْت لَمْ أَرَهُ إلَّا وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَلَقَدْ أَوْحَى إلَى أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ، مِثْلَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، يُؤْتَى أَحَدُكُمْ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُك بِهَذَا الرَّجُلِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ، أَوْ الْمُوقِنُ، فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، فَأَجَبْنَا وَآمَنَا وَاتَّبَعْنَا، فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا، فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّك كُنْت لَمُؤْمِنًا، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ، أَوْ الْمُرْتَابُ، فَيَقُولُ: لَا أَدْرَى، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ قَوْلًا فَقُلْته"، وَأَخْرَجَا3 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: "إنِّي رَأَيْت الْجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ، مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا، وَرَأَيْتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ، وَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ، قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إلَى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ منك شيئاً قط"، وأخرجا أَيْضًا4 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ قَالَ: "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ، أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ، أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاَللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَإِنِّي رَأَيْت فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُمْ، حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنْ الْجَنَّةِ، حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ فِي صَلَاتِي، وَلَقَدْ رَأَيْت جَهَنَّمَ، يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْت، وَرَأَيْت فِيهَا "عَمْرَو بْنَ لُحِيٍّ" وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ"، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ5 عَنْ جَابِرٍ: وَلَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْت، مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا، وَحَتَّى رَأَيْت فِيهَا "صَاحِبَ الْمِحْجَنِ"، يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ، فَإِنْ فُطِنَ لَهُ، قَالَ: إنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ، وَحَتَّى رَأَيْت فِيهَا "صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ" الَّتِي رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا وَعَطَشًا، ثُمَّ جِيءَ بِالْجَنَّةِ،
وَذَلِكَ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَقَدَّمْت، حَتَّى قُمْت فِي مَقَامِي، وَلَقَدْ مَدَدْت يَدِي، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَنَاوَلَ مِنْ ثَمَرِهَا لِتَنْظُرُوا إلَيْهِ، ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ لَا أَفْعَلَ، ما مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ، إلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي صَلَاتِي هَذِهِ"، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ1 فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَشَهِدَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، أُنْشِدُكُمْ بِاَللَّهِ، إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي قَصَّرْتُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ تَبْلِيغِ رِسَالَاتِ رَبِّي، لَمَا أَخْبَرْتُمُونِي ذَلِكَ"، قَالَ: فَقَامَ رِجَالٌ، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّك قَدْ بَلَّغْت رِسَالَاتِ رَبِّك، وَنَصَحْت لِأُمَّتِك، وَقَضَيْت الَّذِي عَلَيْك، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: "فَإِنَّ رِجَالًا يَزْعُمُونَ أَنَّ كُسُوفَ هَذِهِ الشَّمْسِ، وَكُسُوفَ هَذَا الْقَمَرِ، وَزَوَالَ هَذِهِ النُّجُومِ عَنْ مَطَالِعِهَا، لِمَوْتِ رِجَالٍ عُظَمَاءَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَإِنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا، وَلَكِنَّهَا آيَاتٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، يَعْتَبِرُ بِهَا عِبَادُهُ، فَيَنْظُرُ مَنْ يُحْدِثُ لَهُ مِنْهُمْ تَوْبَةً، وَاَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْت مُنْذُ قُمْت أصلي ما أنتم لا قوه فِي أَمْرِ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ، وَأَنَّهُ وَاَللَّهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ كَذَّابًا، آخِرُهُمْ الْأَعْوَرُ الدَّجَّالُ، وَأَنَّهُ مَتَى يَخْرُجُ، فَسَوْفَ يَزْعُمُ أَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَمَنْ آمَنَ بِهِ، وَصَدَّقَهُ، وَاتَّبَعَهُ لَمْ يَنْفَعْهُ عَمَلٌ صَالِحٌ مِنْ عَمَلٍ سَلَفَ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ، وَكَذَّبَهُ لَمْ يُعَاقَبْ بِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ سَلَفَ، وَأَنَّهُ سَوْفَ يَظْهَرُ عَلَى الْأَرْضِ كُلِّهَا، إلَّا الْحَرَمَ. وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَأَنَّهُ يَسُوقُ النَّاسَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيُحْصَرُونَ حَصْرًا شَدِيدًا، قَالَ فَيُصْبِحُ فِيهِمْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، فَيَقْتُلُهُ، وَجُنُودَهُ، حَتَّى إنَّ جِذْمَ الْحَائِطِ، وَأَصْلَ الشَّجَرَةِ لَيُنَادِي: يَا مُسْلِمُ، هَذَا كَافِرٌ، تَعَالَ، فَاقْتُلْهُ، وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَتَّى يَرَوْا أُمُورًا يَتَفَاقَمُ شَأْنُهَا فِي أَنْفُسِكُمْ، فَتَتَسَاءَلُونَ بَيْنَكُمْ، هَلْ كَانَ نَبِيُّكُمْ ذَكَرَ لَكُمْ مِنْهَا شَيْئًا؟، ثُمَّ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ الْمَوْتُ"، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"2 فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَامَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: "لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ، حَتَّى لَوْ شِئْت لَتَعَاطَيْتُ قِطْفًا مِنْ قُطُوفِهَا، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ، حَتَّى جَعَلْت أُلْقِيهَا، حَتَّى خِفْت أَنْ يَغْشَاكُمْ، فَجَعَلْت أَقُولُ: أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لَا تُعَذِّبَهُمْ، وَأَنَا فِيهِمْ، أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لَا يعذبهم، وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، وَرَأَيْت فِيهَا "الْحِمْيَرِيَّةَ السَّوْدَاءَ" صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ، كَانَتْ حَبَسَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، وَرَأَيْت فِيهَا صَاحِبَ بَدَنَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَا دَعْدَعٍ يُدْفَعُ فِي النَّارِ بِقَصَبَتِهِ، وَرَأَيْت "صَاحِبَ الْمِحْجَنِ" مُتَّكِئًا فِي النَّارِ عَلَى مِحْجَنِهِ"، وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَقْصِدْ الْخُطْبَةَ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ دَفْعًا لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الشَّمْسَ انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ، وَإِخْبَارًا بِمَا رَآهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَاسْتَضْعَفَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَقَالَ: إنَّ الْخُطْبَةَ لَا يَنْحَصِرُ مَقَاصِدُهَا فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، سِيَّمَا، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، وَبَدَأَ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْخُطْبَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ، وَذَكَرَ، وَقَدْ
يَتَّفِقُ دُخُولُ بَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي مَقَاصِدِهَا، مِثْلُ ذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَكَوْنِهِمَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، بَلْ هُوَ كَذَلِكَ جَزْمًا، انْتَهَى. قُلْت: وَصُعُودُ الْمِنْبَرِ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ1. وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَلَفْظُهُمْ: ثُمَّ انْصَرَفَ بَعْدَ أَنْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ، فَقَامَ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، الْحَدِيثَ، وَبِمَذْهَبِنَا، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إنَّ الْخُطْبَةَ لَا تُسَنُّ فِي الْكُسُوفِ، وَأَجَابُوا بِمَا أَجَابَ بِهِ أَصْحَابُنَا، نَقَلَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ"، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
باب الإستسقاء
بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اسْتَسْقَى، وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ2.قُلْت: أَمَّا اسْتِسْقَاءَهُ عليه السلام، فَصَحِيحٌ ثَابِتٌ، وَأَمَّا إنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ، فَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى فِيهِ، كَمَا سَيَأْتِي، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ اسْتَسْقَى، وَلَمْ يُصَلِّ، بَلْ غَايَةُ مَا يُوجَدُ ذِكْرُ الِاسْتِسْقَاءِ دُونَ ذِكْرِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِ الشَّيْءِ عَدَمُ وُقُوعِهِ، فَهَذَا كَمَا رُدَّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إيجَابِهِ الْعُمْرَةَ، بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3 أَمَرَ الْخَثْعَمِيَّةَ أَنْ تَقْضِيَ الْحَجَّ عَنْ أَبِيهَا، وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِقَضَاءِ الْعُمْرَةِ عَنْهُ، فَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله، بِأَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ يَكُونُ فِيهِ ذِكْرُ الْعُمْرَةِ، وَلَكِنْ حَفِظَ الرَّاوِي بَعْضَهُ وَنَسِيَ بَعْضَهُ، أَوْ حَفِظَهُ كُلَّهُ، وَلَكِنْ أَدَّى الْبَعْضَ، وَتَرَكَ الْبَعْضَ، يَقَعُ ذَلِكَ بِحَسَبِ السُّؤَالِ وَالْحَاجَةِ، وَاَللَّهُ أعلم، فما ذُكِرَ فِيهِ الِاسْتِسْقَاءُ دُونَ الصَّلَاةِ، مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ4 عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِثْنَا5، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَغِثْنَا. اللَّهُمَّ أَغِثْنَا. اللَّهُمَّ أَغِثْنَا"، قَالَ أَنَسٌ: فَلَا وَاَللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ،
مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَلَمْ يَزَلْ الْمَطَرُ إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، قَالَ: ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكُهَا عَنَّا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ. وَالظِّرَابِ. وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ. وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ"، قَالَ: فَانْقَلَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ، قَالَ شَرِيكٌ: فَسَأَلْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، أَهْوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ1، فَقَامَ إلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ. أَوْ غَيْرُهُ، وَفِي لَفْظٍ2: ثُمَّ جَاءَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَشِقَ الْمُسَافِرُ، وَمُنِعَ الطَّرِيقَ، وَفِي لَفْظٍ3: ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: تَهَدَّمَتْ الْبُيُوتُ، وَفِي هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ، أَنَّ الْقَائِلَ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ شَكٌّ وَتَرَدُّدٌ، وَمِمَّا وَرَدَ فِيهِ ذِكْرُ الصَّلَاةِ مَعَ الِاسْتِسْقَاءِ، مَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ4 عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي، فصلى بهم ركعتين، حوَّل رِدَاءَهُ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَدَعَّى وَاسْتَسْقَى، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، انْتَهَى. زَادَ الْبُخَارِيُّ5: فِيهِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ، كَصَلَاةِ الْعِيدِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ6 عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ، قَالَ: أرسلني الوليد بن عتبة وَكَانَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلَهُ عَنْ اسْتِسْقَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبْتَذِلًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا، حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى، فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ. وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"7: رِوَايَةُ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلَةٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ
فِي "صَحِيحِهِ"1 فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَمِيرٌ مِنْ الْأُمَرَاءِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلَهُ عَنْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، الْحَدِيثَ، وَهَكَذَا فِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ. وَهِشَامٌ، هُوَ: ابْنُ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ، فَنَسَبَهُ بِجَدِّهِ، وَتَرَكَ اسْمَ أَبِيهِ، فَإِنَّ الْبَاقِينَ، قَالُوا: عَنْ هِشَامِ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَرْسَلَنِي، الْحَدِيثَ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"2 عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إلَى الْمُصَلَّى، فَاسْتَسْقَى، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَلَبَ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ": كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هَذَا ابْنُ عَبْدِ رَبِّهِ صَاحِبُ الْأَذَانِ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ، بَلْ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيُّ، وَالْأَوَّلُ كُوفِيٌّ، انْتَهَى. وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" فِي هَذَا الْحَدِيثِ: جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله، لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: صَلَّى فِي الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله احْتَجَّ بِقَوْلِهِ: كَصَلَاةِ الْعِيدِ عَلَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِيهَا تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3. والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "السُّنَنِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ، قَالَ: أَرْسَلَنِي مَرْوَانُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلُهُ عَنْ سُنَّةِ الِاسْتِسْقَاءِ، فَقَالَ: سُنَّةُ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةُ الصَّلَاةِ فِي الْعِيدَيْنِ، إلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَبَ رِدَاءَهُ، فَجَعَلَ يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ، وَيَسَارَهُ عَلَى يَمِينِهِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَقَرَأَ "بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى"، وَقَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ، وَكَبَّرَ فِيهَا خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: ضَعْفُ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذَا، قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، لَيْسَ لَهُ حَدِيثٌ مُسْتَقِيمٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كتاب الضعفاء": يروى عَنْ الثِّقَاتِ الْمُعْضَلَاتِ، وَيَنْفَرِدُ بِالطَّامَّاتِ عَنْ الْأَثْبَاتِ، حَتَّى سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ: مُحَمَّدٌ. وَعَبْدُ اللَّهِ. وَعِمْرَانُ، بَنُو عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَبُوهُمْ عَبْدُ الْعَزِيزِ مَجْهُولُ الْحَالِ، فَاعْتَلَّ الْحَدِيثُ بِهِمَا، انْتَهَى كَلَامُهُ. الثَّانِي: أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ الطبراني
فِي "معجمه الوسط" حَدَّثَنَا مَسْعَدَةُ بْنُ سَعْدٍ الْعَطَّارُ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ دَاوُد بْنِ بَكْرِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أ، س بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى، فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ نَزَلَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُكَبِّرْ فِيهِمَا إلَّا تَكْبِيرَةً، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: وَرَوَى فِيهِ أَيْضًا، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ ثَنَا أُبَيٌّ حدثنا عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عن محمد بن عبيد اللَّهِ بْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ الْعَبَّاسِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُسُوفَ، قَالَ: لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ مِثْلِ صَلَاةِ الصُّبْحِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام خَطَبَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، قُلْت: مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يَسْتَسْقِي، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ بِلَا أَذَانٍ، وَلَا إقَامَةٍ، ثُمَّ خَطَبَنَا، وَدَعَا اللَّهَ، وَحَوَّلَ وَجْهُهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، رَافِعًا يَدَيْهِ، ثُمَّ قَلَبَ رِدَاءَهُ، فَجَعَلَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، انْتَهَى. قَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ صَدُوقٌ، لَكِنْ فِي حَدِيثِهِ وَهْمٌ كَبِيرٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"2 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِهِ، بِلَفْظِ: فَخَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، إلَى آخِرِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قالت: شكى النَّاسُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُحُوطَ الْمَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ، فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَبَّرَ، وَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالَ: "إنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ، وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ، وَقَدْ أَمَرَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ"، ثُمَّ قَالَ:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، "اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ، وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْت لَنَا قُوتًا وَبَلَاغًا إلَى حِينٍ". ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ، حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إبِطَيْهِ. ثُمَّ حَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، وَنَزَلَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَةً، فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ. فَلَمْ يَأْتِ عليه الصلاة والسلام مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتْ السُّيُولُ، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ، إلَى الْكِنِّ، ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ، وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّانِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ. وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَهَذَا كَلَامٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ، وَالْمَوْعِظَةِ. وَالدُّعَاءِ، سِيَّمَا، وَقَدْ قَالَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد: أَنَّهُ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَفِي الْحَدِيثَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ الْعَكْسُ، وَلَعَلَّهُمَا وَاقِعَتَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَبِمَذْهَبِ الصَّاحِبَيْنِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، أَنَّ الْخُطْبَةَ تُسَنُّ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا تُسَنُّ، وَاحْتَجُّوا لَهُ بِحَدِيثِ إسْحَاقَ بْنِ كِنَانَةَ1 الْمُتَقَدِّمَ، وَفِيهِ: فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ، وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ، قُلْنَا: مَفْهُومُهُ أَنَّهُ خَطَبَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَيْنِ، كَمَا يَفْعَلُ فِي الْجُمُعَةِ، وَلَكِنَّهُ خَطَبَ خُطْبَةً وَاحِدَةً، فَلِذَلِكَ نَفَى النَّوْعَ، وَلَمْ يَنْفِ الْجِنْسَ، وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ، فَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، وَلَمْ أَجِدْ لَهُ شَاهِدًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدْفَعُ تَأْوِيلَ الْخُطْبَةِ، بِأَنَّهَا كَانَتْ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ، وَكَانَ الِاسْتِسْقَاءُ فِي ضِمْنِهَا إجَابَةً لِلسَّائِلِ، كَمَا تَقَدَّمَ لِلْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: دَخَلَ رجل المسجد يوم جمعة، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، الْحَدِيثَ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: فَاسْتَسْقَى، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ: وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَلِلْبُخَارِيِّ2 عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ جَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى الشِّمَالِ، وفي لفظه لِأَحْمَدَ فِي "مُسْنَدِهِ"3: وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، فَقَلَبَهُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد4، قَالَ: اسْتَسْقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا، فَيَجْعَلَهُ أَعْلَاهَا، فَلَمَّا ثَقُلَتْ، قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَزَادَ أَحْمَدُ5: وَتَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ، قَالَ الْحَاكِمُ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَهَذَا اللَّفْظُ
فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، لِأَنَّ الْقَلْبَ غَيْرُ التَّحْوِيلِ، وَلَكِنَّ الثَّوْبَ إذَا كَانَ لَهُ طَرَفَانِ، كَالْكِسَاءِ. وَنَحْوِهِ، يُمْكِنُ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَلْبِ، وَالتَّحْوِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله: وَلَا يَقْلِبُ الْقَوْمُ أَرْدِيَتَهُمْ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ1 أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ، مُشْكِلٌ، لِأَنَّ عَدَمَ النَّقْلِ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ، وَأَيْضًا فَالْقَوْمُ قَدْ حَوَّلُوا بِحَضْرَتِهِ عليه الصلاة والسلام، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ، وَتَقْرِيرُ الشَّارِعِ حُكْمٌ، كَمَا وَرَدَ فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ"2 فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّهُ عليه السلام حَوَّلَ رِدَاءَهُ، فَقَلَبَهُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَتَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ تَحْوِيلَ الرِّدَاءِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَفَاؤُلًا، لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ هَيْئَةٍ إلَى هَيْئَةٍ، وَتَحَوُّلٌ مِنْ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ، لِيَكُونَ ذَلِكَ عَلَامَةً لِانْتِقَالِهِمْ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ، وَتَحَوُّلِهِمْ مِنْ الشِّدَّةِ إلَى الرَّخَاءِ، قُلْت: قَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي "مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ"3 مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَصَحَّحَهُ، وَفِيهِ: وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" وَفِي الطُّوَالَاتِ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَلَكِنْ قَلَبَ رِدَاءَهُ، لِكَيْ يَنْقَلِبَ القحط إلى الخصب، وَفِي "مُسْنَدِ" إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ4: لِتَتَحَوَّلَ السَّنَةُ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ، ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِ وَكِيعٍ.
باب صلاة الخوف
باب صلاة الخوف الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ "يَعْنِي أَنَّهُ جَعَلَ النَّاسَ طَائِفَتَيْنِ": طَائِفَةً: خَلْفَهُ. وَطَائِفَةً: عَلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِتِلْكَ الطَّائِفَةِ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مَضَتْ الطَّائِفَةُ الَّتِي خَلْفَهُ، إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، وَتَشَهَّدَ، وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُسَلِّمُوا، وَذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى، فَصَلَّوْا رَكْعَةً وسجدتين، وُحدانان بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَتَشَهَّدُوا، وَسَلَّمُوا، وَمَضَوْا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَصَلَّوْا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، بِقِرَاءَةٍ، وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ خَصِيفٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامُوا صَفًّا خلفه، وصفاً مُسْتَقْبِلُ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَةً، ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُونَ، فَقَامُوا فِي مَقَامِهِمْ، وَاسْتَقْبَلَ هَؤُلَاءِ الْعَدُوَّ، فَصَلَّى بِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ هَؤُلَاءِ، فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمُوا، ثُمَّ ذَهَبُوا، فَقَامُوا مَقَامَ أُولَئِكَ مُسْتَقْبِلِي الْعَدُوِّ، وَرَجَعَ أُولَئِكَ إلَى مَقَامِهِمْ، فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمُوا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: أَبُو عُبَيْدَةَ، لَمْ يُسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، وَخُصَيْفٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَيُمْكِنُ مِنْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ1، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ، فَصَافَفْنَا لَهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لَنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ تُصَلِّي، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ، وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاءُوا، فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ": وَالْفَرْقُ بَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، كَانَ قَضَاؤُهُمْ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَبْقَى الْإِمَامُ كَالْحَارِسِ وَحْدَهُ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مسعود، كان قضاءهم مُتَفَرِّقًا عَلَى صِفَةِ صَلَاتِهِمْ، وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَأَصْحَابُهُ، غَيْرَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ نَصُّ أَشْهَبَ، مِنْ أَصْحَابِنَا، خِلَافَ مَا تَأَوَّلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَأَبُو يُوسُفَ، وَإِنْ أَنْكَرَ شَرْعِيَّتَهَا فِي زَمَانِنَا، فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِمَا رَوَيْنَا. قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ إنَّمَا يُنْكِرُ شَرْعِيَّتَهَا بَعْدَ زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَوْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَقُولُ بِهِ، وَتَبِعَ أَبَا يُوسُفَ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْمُزَنِيّ، وَمُسْتَنَدُهُمْ خُصُوصُ الْخِطَابِ بِهِ عليه الصلاة والسلام فِي قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ} الْآيَةَ، وَلِأَنَّ فِيهَا أَفْعَالًا مُنَافِيَةً لِلصَّلَاةِ، فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ الْخِطَابِ، وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ وُجُوبُ الِاتِّبَاعِ وَالتَّأَسِّي بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلُهُ: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" وَالْأَفْعَالُ الْمُنَافِيَةُ إنَّمَا هِيَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ بَعْدَهُ عليه الصلاة والسلام، قُلْت: قَدْ وَرَدَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام، لَا مِنْ فِعْلِهِ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ2 فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي بَابِ قوله تعالى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} " حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن يوسف أبا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ، قَالَ: يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ. وَطَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ، فَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَةً، وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، بَيْنَهُمْ. وَبَيْنَ الْعَدُوِّ، لَمْ يُصَلُّوا، فَإِذَا صَلَّى الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا، وَلَا يُسَلِّمُونَ، وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا، فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يَنْصَرِفُ الْإِمَامُ، وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَيَقُومُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ، فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا، عَلَى أَقْدَامِهِمْ، أَوْ رُكْبَانًا، مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا، قَالَ مَالِكٌ: قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ، إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ1. وَابْنُ مَاجَهْ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتُ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّهُ قَالَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ: قَالَ: يَقُومُ الْإِمَامُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَتَقُومُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ مِنْ قِبَلِ الْعَدُوِّ، وَوُجُوهُهُمْ إلَى الْعَدُوِّ، فَيَرْكَعُ بِهِمْ رَكْعَةً، وَيَرْكَعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، وَيَسْجُدُونَ لِأَنْفُسِهِمْ سَجْدَتَيْنِ فِي مَكَانِهِمْ، ثُمَّ يَذْهَبُونَ إلَى مَقَامِ أُولَئِكَ، وَيَجِيءُ أُولَئِكَ، فَيَرْكَعُ بِهِمْ رَكْعَةً، وَيَسْجُدُ بِهِمْ سَجْدَتَيْنِ، فَهِيَ لَهُ ثِنْتَانِ، وَلَهُمْ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ يَرْكَعُونَ رَكْعَةً، وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: سَأَلْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَحَدَّثَنِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، لَمْ يَرْفَعْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَرَفَعَهُ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، انْتَهَى. وَفِيهِ أَيْضًا آثَارٌ: مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"2 حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُمْ غَزَوْا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ كَابُلَ فَصَلَّى بِنَا صَلَاةَ الْخَوْفِ "يَعْنِي بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ" ذَكَرَهُ عَقِيبَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي الْآثَارِ الَّتِي عَنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ صَلَّوْا صَلَاةَ الْخَوْفِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ فِي زَمَانِهِ3. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَّى الظُّهْرَ بِطَائِفَتَيْنِ، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ،
قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ، قَالَ: كُنَّا إذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَسَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَلَّقٌ بِشَجَرَةٍ، فَأَخَذَهُ، فَاخْتَرَطَهُ، ثُمَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَخَافُنِي؟ قَالَ: "لَا"، قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟! قَالَ: "اللَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْك"، قَالَ: فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَن فَأَغْمَدَ السَّيْفَ، وَعَلَّقَهُ، قَالَ: ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ، انْتَهَى. وَلَمْ يَصِلْ الْبُخَارِيُّ سَنَدَهُ بِهِ، فَقَالَ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي2 فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ": وَقَالَ أَبَانُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَهُ. وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، فَقَالَ: أَخْرَجَاهُ3، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحُمَيْدِيُّ. وَعَبْدُ الْحَقِّ فِي "كِتَابَيْهِمَا الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ" مَعَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَصَلَ سَنَدَهُ بِهِ فِي مَوَاضِعَ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ قِصَّةُ الصَّلَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، عَقِيبَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا: وَلِلنَّسَائِيِّ فِي رِوَايَةٍ، كَأَنَّهَا كَانَتْ صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَقَالَ مَنْ قَلَّدَهُ الشَّيْخُ: وَلِأَبِي دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَهَذَا كُلُّهُ وَهْمٌ، أَمَّا النَّسَائِيُّ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَصْلًا، لَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَلَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَأَمَّا أَبُو دَاوُد، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4 بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ، فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ، وَبَعْضَهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، وَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا، وَلِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَهَذَا هو حديث الكتاب، فإن فِيهِ ذِكْرُ الظُّهْرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ لَيْسَ صَرِيحًا، فَلِذَلِكَ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَمِنْهُمْ النَّوَوِيُّ5، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يحمله عليه،
وَمِنْهُمْ الْقُرْطُبِيُّ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام فِي غَيْرِ حُكْمِ سَفَرٍ، وَهُمْ مُسَافِرُونَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ، وَقِيلَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بالمتنفل، وَيُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ الْفَرْضِ، كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَقِيلَ: إنَّهُ عليه السلام كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ فِي السَّفَرِ. فَاخْتَارَ الْإِتْمَامَ، وَاخْتَارَ لِمَنْ خَلْفَهُ الْقَصْرَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ فِي حَضَرٍ، بِبَطْنِ نَخْلَةَ، عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ خَوْفٌ، فَخَرَجَ مِنْهُ مُحْتَرِسًا، انْتَهَى. قُلْت: قَدْ يَتَقَوَّى هَذَا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ ابْنُ عُلَيَّةَ، أَوْ غَيْرُهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي الْخَوْفِ، بِبَطْنِ نَخْلَةَ1، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُحَاصِرًا لِبَنِي مُحَارِبٍ، فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، إلَّا أَنَّ فِيهِ شَائِبَةَ الِانْقِطَاعِ، فَإِنَّ شَيْخَ الشَّافِعِيِّ مَجْهُولٌ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَفِيهِ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ الْوَاسِطِيُّ، ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمْ يُحْفَظْ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ خَوْفٍ قَطُّ فِي حَضَرٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَرْبٌ قَطُّ فِي حَضَرٍ إلَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَلَمْ يَكُنْ آيَةُ الْخَوْفِ نَزَلَتْ بَعْدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمَّا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ2 حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ الْمَذْكُورَ، قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يُفْعَلُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ، حَتَّى نُهِيَ عَنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُصَلَّى فَرِيضَةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: وَالنَّهْيُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِبَاحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ، وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ. وَالْمَغَازِي، أَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ: ذَاتُ الرِّقَاعِ. وَبَطْنُ نَخْلٍ. وَعُسْفَانُ. وَذِي قَرَدٍ، فَحَدِيثُ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ3 عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ
صَلَاةَ الْخَوْفِ، أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ الْحَدِيثَ، وَحَدِيثُ بَطْنِ نَخْلَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ1 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَخْلٍ، وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا، وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، الْحَدِيثَ، وَحَدِيثُ عُسْفَانَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، زَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ، وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" بِلَفْظِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَيَّاشٍ، قَالَ: وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِسَمَاعِ مُجَاهِدٍ مِنْ أَبِي عَيَّاشٍ، وَحَدِيثُ ذِي قَرَدٍ3 أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ4 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِذِي قَرَدٍ، الْحَدِيثَ، وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ5 فِي "الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ عن وهب بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ: أَوَّلُ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ، فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، ثُمَّ صَلَّاهَا بَعْدُ بِعُسْفَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُ سِنِينَ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَهَذَا عِنْدَنَا أَثْبَتُ مِنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ: يَوْمَ الْخَنْدَقِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي "بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ"، وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ فِي حَالِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ فَعَلُوهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ. قَالَ: لِأَنَّهُ عليه السلام شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، وَلَوْ جَازَ الْأَدَاءُ مَعَ الْقِتَالِ لَمَا تَرَكَهَا، قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ إنَّمَا شُرِعَتْ بَعْدَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ، فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ"، وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ صَلَاةِ الْخَائِفِينَ، مَتَى لَمْ
يَتَهَيَّأْ لَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَيُؤَخِّرُوهَا إلَى أَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ ذَلِكَ، وَاحْتَجُّوا بِتَأْخِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ إنَّمَا شُرِعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ "فِي شَرْحِهِ": قِيلَ: إنَّهَا شُرِعَتْ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَهِيَ سَنَةَ خَمْسٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَقِيلَ: إنَّهَا شُرِعَتْ فِي غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي طُرُقِ الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ صَلَاةَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ1، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا". وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ". والدرامي فِي "سُنَنِهِ". وَالشَّافِعِيُّ. وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا"، كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَذَكَرَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي "الشِّفَا": وَالصَّحِيحُ أَنَّ حَدِيثَ الْخَنْدَقِ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، فَهِيَ نَاسِخَةٌ، انْتَهَى.
باب الجنائز
بَابُ الْجَنَائِزِ قَوْلُهُ: إذَا اُحْتُضِرَ الرَّجُلُ وُجِّهَ إلَى الْقِبْلَةِ، عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، اعْتِبَارًا بِحَالِ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ، وَالْمُخْتَارُ فِي بِلَادِنَا الِاسْتِلْقَاءُ، لِأَنَّهُ أَيْسَرُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ السُّنَّةُ، قُلْت: لَمْ أَجِدْ لَهُ شَاهِدًا وَيَسْتَأْنِسُ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ2 عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ، وَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ"، الْحَدِيثَ، أَخْرَجَاهُ فِي "الدُّعَاءِ"، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا آوَى إلَى فِرَاشِهِ. نَامَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ إنِّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ"، الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ". وَالنَّسَائِيُّ فِي "الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ" مِنْ فِعْلِهِ عليه السلام عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الرَّبِيعِ ابْنِ أَخِي الْبَرَاءِ، عَنْ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ، وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى تَحْتَ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ. الْحَدِيثَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "الشَّمَائِلِ"، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْقِبْلَةِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"1 عَنْ أُمِّ سَلْمَى، قَالَتْ: اشْتَكَتْ فَاطِمَةُ شَكْوَاهَا الَّذِي قُبِضَتْ فِيهِ، فَكُنْتُ أُمَرِّضُهَا، فَأَصْبَحَتْ يَوْمًا، كَأَمْثَلِ مَا رَأَيْتُهَا، وَخَرَجَ عَلِيٌّ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَقَالَتْ: يَا أُمَّهْ، اُسْكُبِي لِي غُسْلًا، فَاغْتَسَلَتْ، كَأَحْسَنِ مَا رَأَيْتُهَا تَغْتَسِلُ، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أُمُّهُ، أَعْطِنِي ثِيَابِي الْجُدُدَ، فَأَعْطَيْتهَا، فَلَبِسَتْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أُمَّهْ، قَدِّمِي لِي فِرَاشِي وَسَطَ الْبَيْتِ، فَفَعَلْتُ، وَاضْطَجَعَتْ، فَاسْتَقْبَلَتْ الْقِبْلَةَ، وَجَعَلَتْ يَدَهَا تَحْتَ خَدِّهَا، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أُمَّهْ، إنِّي مَقْبُوضَةٌ الْآنَ، وَقَدْ تَطَهَّرْتُ، فَلَا يَكْشِفْنِي أَحَدٌ، فَقُبِضَتْ مَكَانَهَا، انْتَهَى. وَسَنَدُهُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ2 بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلْمَى، فَذَكَرَهُ، سَوَاءً، بِزِيَادَةٍ: قَالَتْ: فَجَاءَ عَلِيٌّ فَأَخْبَرْتُهُ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَرَكَانِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ بِهِ، نَحْوَهُ، هَكَذَا وَقَعَ فِي "مُسْنَدِ أُمِّ سَلْمَى"، وَصَوَابُهُ: سَلْمَى، قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي الْجُزْءِ الَّذِي رَتَّبَ فِيهِ أَسْمَاءَ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ" عَلَى الْحُرُوفِ: الصَّوَابُ سَلْمَى، وَهِيَ زَوْجَةُ أَبِي رَافِعٍ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَهَا، بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ، حَدِيثَيْنِ فِي الْمُسْنَدِ، وَسَمَّاهَا سَلْمَى، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": أَبُو رَافِعٍ، مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَوَشَتْهُ امرأتان، كل واحدة منها، اسْمُهَا "سَلْمَى" إحْدَاهُمَا: أُمُّهُ. وَالْأُخْرَى: زَوْجَتُهُ، فَأُمُّهُ سَلْمَى، مَوْلَاةِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ خَادِمًا لَهُ، رَوَى جارية بن محمد بن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ جَدَّتِهِ سَلْمَى، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ"، وَأَمَّا زَوْجَتُهُ سَلْمَى، فَهِيَ مَوْلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَهِدَتْ خَيْبَرَ، وَوَلَدَتْ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ، كَاتِبَ عَلِيٍّ رضي الله عنه، انْتَهَى. وَفِي حَاشِيَةٍ عَلَيْهِ: وَلِأَبِي رَافِعٍ امْرَأَةٌ أُخْرَى اسْمُهَا "سَلْمَى" تَابِعِيَّةٌ، لَا صُحْبَةَ لَهَا، وَرَوَى عَنْهَا الْقَعْقَاعُ بْنُ حَكِيمٍ، ذَكَرَهَا ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ"، وَفِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ" مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيِّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أمه سلمى، فذكره بفظ أَحْمَدَ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: فَجَاءَ عَلِيٌّ رضي الله عنه، فَأُخْبِرَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا يَكْشِفُهَا أَحَدٌ، فَدَفَنَهَا بِغُسْلِهَا ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ": وَقَدْ رَوَاهُ نُوحُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَرَوَاهُ الْحَكَمُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا، قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، أَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ فَمَجْرُوحٌ، شَهِدَ بِكَذِبِهِ مَالِكٌ. وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ. وَوُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ. وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: يُحَدِّثُ عَنْ الْمَجْهُولِينَ بِأَحَادِيثَ بَاطِلَةٍ، وَأَمَّا عَاصِمٌ، فَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِيهِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا نُوحُ بْنُ يَزِيدَ. وَالْحَكَمُ، فَكِلَاهُمَا شِيعِيٌّ، وَأَيْضًا فَالْغُسْلُ
إمَّا أَنْ يَكُونَ لِحَدَثِ الْمَوْتِ، فَكَيْفَ تَغْتَسِلُ قَبْلَ الْحَدَثِ؟! هَذَا مِمَّا لَا يُنْسَبُ إلَى عَلِيٍّ. وَفَاطِمَةَ، بَلْ يُنَزَّهُونَ عَنْ مِثْلِ هَذَا، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ"، إلَّا أَنَّهُ زَادَ: ثُمَّ إنَّ أَحْمَدَ. وَالشَّافِعِيَّ يَحْتَجَّانِ فِي جَوَازِ غُسْلِ الرَّجُلِ زَوْجَتِهِ، بِأَنَّ عَلِيًّا غَسَّلَ فَاطِمَةَ رضي الله عنها، رَدًّا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ". وَنُوحُ بْنُ يَزِيدَ هُوَ الْمُؤَدِّبُ، صَدُوقٌ ثِقَةٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَمَاهُ بِالتَّشَيُّعِ، وَالْحَكَمُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: قَدَرِيٌّ صَدُوقٌ، انْتَهَى. قُلْت: وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ. وَمُنْقَطِعٍ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ هَيْئَةُ الِاضْطِجَاعِ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ أَنَّ فَاطِمَةَ لَمَّا حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ، أَمَرَتْ عَلِيًّا فَوَضَعَ لَهَا غُسْلًا، فَاغْتَسَلَتْ، وَتَطَهَّرَتْ، وَدَعَتْ بِثِيَابِ أَكْفَانِهَا، فَلَبِسَتْهَا، وَمَسَّتْ مِنْ الْحَنُوطِ، ثُمَّ أَمَرَتْ عَلِيًّا أَنْ لَا تُكْشَفَ إذَا هِيَ قُبِضَتْ، وَأَنْ تُدْرَجَ كَمَا هِيَ فِي أَكْفَانِهَا، فَقُلْت لَهُ: هَلْ عَلِمْت أَحَدًا فَعَلَ نَحْوَ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسٍ1، وَكَتَبَ فِي أَطْرَافِ أَكْفَانِهِ: يَشْهَدُ كَثِيرُ بن عباس أن لاإله إلَّا اللَّهُ انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي غُسْلِ عَلِيٍّ لِفَاطِمَةَ، رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "كِتَابِ الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ فَاطِمَةَ رضي الله عنها"، قَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ ثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْمَخْزُومِيُّ عَنْ عَوْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أُمِّهِ، أُمِّ جَعْفَرٍ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: يَا أَسْمَاءُ إنِّي أَسْتَقْبِحُ مَا يُفْعَلُ بِالنِّسَاءِ، إنَّهُ يُطْرَحُ عَلَى الْمَرْأَةِ الثَّوْبُ فَيَصِفُهَا، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: يَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُرِيك شَيْئًا رَأَيْتُهُ بِالْحَبَشَةِ؟ فَدَعَتْ بِجَرَائِدَ رَطْبَةٍ فَلَوَتْهَا، ثُمَّ طَرَحَتْ عَلَيْهَا ثَوْبًا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ، يُعْرَفُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ الرَّجُلِ، فَإِذَا أَنَا مِتَّ فَاغْسِلِينِي أَنْتِ. وَعَلِيٌّ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ غَسَّلَهَا عَلِيٌّ. وَأَسْمَاءُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ فَاطِمَةَ أَوْصَتْ أَنْ يُغَسِّلَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ. وَأَسْمَاءُ، فَغَسَّلَاهَا، وَيُنْظَرُ. وَاسْتَدَلَّ النَّوَوِيُّ أَيْضًا فِي "الْخُلَاصَةِ" لِلشَّافِعِيِّ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ3، وَأَحْمَدُ، والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْبَقِيعِ، وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي رَأْسِي، وَأَقُولُ: وَارَأْسَاهُ، فَقَالَ: بَلْ أَنَا يَا عَائِشَةُ، "وَارَأْسَاهُ"، ثُمَّ قَالَ: "مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتَّ قَبْلِي،
فَغَسَّلْتُكِ. وَكَفَّنْتُكِ. وَصَلَّيْتُ عَلَيْك. وَدَفَنْتُكِ؟، انْتَهَى. وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ. فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِي الْمُبَاشَرَةَ، فَقَدْ يَأْمُرُ بِغُسْلِهَا. الثَّانِي: أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَقَدْ عَنْعَنَ، انْتَهَى. وَاسْتَشْهَدَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 عَنْ نُعَيْمِ عن حماد بن عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قدم الْمَدِينَةِ، سَأَلَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، فَقَالُوا: تُوُفِّيَ، وَأَوْصَى أَنْ يُوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَصَابَ الْفِطْرَةَ"، ثُمَّ ذَهَبَ فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَا أَعْلَمُ فِي تَوْجِيهِ الْمُحْتَضَرِ غَيْرَهُ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَابِ غَيْرَهُ، وَهَذَا الِاسْتِشْهَادُ غَيْرُ طَائِلٍ، إذْ لَيْسَ فِيهِ التَّوْجِيهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَإِنَّمَا فِيهِ مُجَرَّدُ التَّوْجِيهِ فَقَطْ، وَمُجَرَّدُ التَّوْجِيهِ فِيهِ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْوَصَايَا". وَالنَّسَائِيُّ فِي "الْمُحَارَبَةِ" عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ أَبَاهُ عُمَيْرَ بْنَ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ، وَكَانَ لَهُ صُحْبَةٌ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: "هُنَّ تِسْعٌ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ. وَالسِّحْرُ. وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ. وَأَكْلُ الرِّبَا. وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ. وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ. وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ. وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ. وَاسْتِحْلَالُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قِبْلَتِكُمْ، أَحْيَاءً. وَأَمْوَاتًا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2، وَقَالَ: رِجَالُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي "الصَّحِيحِ"، إلَّا عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ سِنَانٍ، انْتَهَى. وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ سِنَانٍ حِجَازِيٌّ، لَا يُعْرَفُ إلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: فِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيّ3 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ ثَنَا طَيْسَلَةُ، سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ عَنْ الْكَبَائِرِ، فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "هُنَّ سَبْعٌ"، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ" عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ ثَابِتٍ الْجَحْدَرِيِّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، وَمَدَارُهُ عَلَى أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ، قَاضِي الْيَمَامَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَمَشَّاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَقَالَ: إنَّهُ مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ شَاهِينَ فِي "كِتَابِ الْجَنَائِزِ" لَهُ بَابٌ فِي تَوْجِيهِ الْمُحْتَضَرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ
غَيْرَ أَثَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: يُسْتَقْبَلُ بِالْمَيِّتِ الْقِبْلَةُ، وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ نَحْوَهُ، بِزِيَادَةِ: عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، مَا عَلِمْتُ أَحَدًا تَرَكَهُ مِنْ مَيِّتِهِ، انْتَهَى1. الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَعَائِشَةَ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ. وَوَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ. وَابْنِ عُمَرَ2. أَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ3 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ"، انْتَهَى. أَخْرَجُوهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْهُ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ" فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا عَزَاهُ لِأَبِي دَاوُد4. وَالْحَاكِمِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ5 عَنْهُ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، سَوَاءً، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ6 فِي "كِتَابِ الدُّعَاءِ" لَهُ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "ضُعَفَائِهِ"، وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ الْوَهَّابِ، وَأَسْنَدَ عَنْ وَكِيعٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ الْوَهَّابِ بْنَ مُجَاهِدٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: ذَكَرَهُ أَبِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ وَكِيعٌ: ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: أَنْتَ سَمِعْته مِنْ أَبِيك؟ قَالَ: فَذَهَبَ وَتَرَكَنِي، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" بِغَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ فِيهِ: كَانَ يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ، وَلَمْ يَرَهُ، وَيُجِيبُ عَنْ كُلِّ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ، فَاسْتَحَقَّ النزاع، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يَرْمِيهِ بِالْكَذِبِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ7 أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ عن يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا وُهَيْبٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ وَاثِلَةَ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ مَكْحُولٍ" مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي مُعَاذٍ عُتْبَةَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اُحْضُرُوا مَوْتَاكُمْ، وَلَقِّنُوهُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَبَشِّرُوهُمْ بِالْجَنَّةِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ مِنْ ابْنِ آدَمَ عِنْدَ ذَلِكَ الْمَصْرَعِ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَمُوتُ عَبْدٌ حَتَّى يَأْلَمَ كُلُّ عِرْقٍ مِنْهُ عَلَى حِيَالِهِ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ شَاهِينَ فِي "كِتَابِ الْجَنَائِزِ" لَهُ، وَهُوَ مُجَلَّدٌ وَسَطٌ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ السَّبِيعِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ ثَنَا حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي عَاصِمٌ. وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ زَاذَانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مُسْلِمٌ يَقُولُهَا عِنْدَ الْمَوْتِ إلَّا أَنْجَاهُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ1"، قَوْلُهُ: "فَإِذَا مَاتَ شُدَّ لَحْيَاهُ وَغُمِّضَ عَيْنَاهُ"، بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ، قُلْت: تَغْمِيضُ الْبَصَرِ، فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ2" عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أَبِي سَلَمَةَ، وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ. فَأَغْمَضَهُ، فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَالَ: "لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إلَّا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ"، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ، رَبَّ الْعَالَمِينَ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ3" عَنْ قَزَعَةَ بْنِ سُوَيْد عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ، فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ، فَإِنَّ الْبَصَرَ يَتْبَعُ الرُّوحَ، وَقُولُوا خَيْرًا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ الْبَيْتِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ: لَا يُعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ إلَّا قَزَعَةُ بْنُ سُوَيْد، وَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، لَمْ يَكُنْ بِالْقَوِيِّ، وَاحْتَمَلُوا حَدِيثَهُ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" بِقَزَعَةَ، وَقَالَ: إنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الْخَطَأِ، فَاحِشَ الْوَهْمِ، حَتَّى كَثُرَ ذَلِكَ فِي رِوَايَتِهِ، فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ شَدِّ اللَّحْيَيْنِ غَرِيبٌ.
فصل في الغسل
فَصْلٌ فِي الْغُسْلِ الْحَدِيثُ الثَّانِي: قال عليه السلام: "إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ"، قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ1. فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ2 فِي "الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ" عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، إنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ"، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَلِيٍّ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ3 فِي "الصَّلَاةِ" عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ انْتَهَى. وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَرْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا أَبِي ثَنَا عَدِيُّ بْنُ الْفَضْلِ ثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ. وَحَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، وَفِيهِ قِصَّةُ. قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْغُسْلَ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ، قُلْت: رَوَى الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَانَ آدَم عليه الصلاة والسلام رَجُلًا أَشْعَرَ، طِوَالًا، آدَم، كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، نَزَلَتْ الْمَلَائِكَةُ بِحَنُوطِهِ، وَكَفَنِهِ مِنْ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا مَاتَ غَسَّلُوهُ بِالْمَاءِ، وَالسِّدْرِ ثَلَاثًا، وَجَعَلُوا فِي الثَّالِثَةِ كَافُورًا، وَكَفَّنُوهُ فِي وِتْرِ ثِيَابٍ، وَحَفَرُوا لَهُ لَحْدًا، وَصَلَّوْا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: هَذِهِ سُنَّةُ وَلَدِ آدَمَ مِنْ بَعْدِهِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْحَسَنِ5 عَنْ عُتَيِّ بْنِ ضَمْرَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ
مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، وَفِيهِ: فَقَالُوا: يَا بَنِي آدَمَ، هَذِهِ سُنَّتُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ، فَكَذَاكُمْ فَافْعَلُوا، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، لِأَنَّ عُتَيَّ بْنَ ضَمْرَةَ لَيْسَ لَهُ رَاوٍ غَيْرُ الْحَسَنِ، انْتَهَى. وَضَعَّفَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ" الْأَوَّلَ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ فِي بَابِ حَدِيثِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ" أَخْرَجَاهُ1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، الْحَدِيثَ، وَحَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ لَهُنَّ فِي حَقِّ ابْنَتِهِ: اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ2، وَحَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْغُسْلَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، يُغْسَلُ بِالسِّدْرِ مَرَّتَيْنِ، وَالثَّالِثَةُ بِالْمَاءِ وَالْكَافُورِ، قَالَ: وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"4 أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْفَضْلِ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ شَرِيكٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رَافِعٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، فَكَتَمَ عَلَيْهِ غُفِرَ لَهُ أَرْبَعُونَ كَبِيرَةً، وَمَنْ كَفَّنَهُ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ السُّنْدُسِ وَالْإِسْتَبْرَقِ، وَمَنْ حَفَرَ لَهُ قَبْرًا حَتَّى يَجُنَّهُ، فَكَأَنَّمَا أَسْكَنَهُ مَسْكَنًا حَتَّى يُبْعَثَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَلُولٍ الْمِصْرِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو حَفْصِ بْنِ شَاهِينَ فِي "كِتَابِ الْجَنَائِزِ"، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو الضَّبِّيِّ5 عَنْ السَّرِيِّ بْنِ خَالِدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَلِيُّ غَسِّلْ الْمَوْتَى، فَإِنَّهُ مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا غُفِرَ لَهُ سَبْعُونَ مَغْفِرَةً، لَوْ قُسِمَتْ مَغْفِرَةٌ مِنْهَا عَلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ لَوَسِعَتْهُمْ"، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَقُولُ مَنْ يُغَسِّلُ مَيِّتًا؟ قَالَ: يَقُولُ: "غُفْرَانَك يَا رَحْمَنُ، حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْغُسْلِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ6" عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا "مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، وَحَنَّطَهُ،
وَحَمَلَهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ مَا رَأَى، خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ مِثْلَ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، انْتَهَى. وَعَمْرُو بْنُ خَالِدٍ هَذَا مُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِ، وَقَدْ غَسَّلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَشْرَفُ الْمَخْلُوقِينَ، وَأَمَرَ بِتَغْسِيلِ ابْنَتِهِ، وَغَسَّلَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَالنَّاسُ يَتَوَارَثُونَ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ مَاتَ، فَدُفِنَ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ إلَّا الشُّهَدَاءَ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ الْخَبَّازِيِّ فِي "حَوَاشِيهِ": وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْغُسْلَ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ، وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: "لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ ثَمَانِيَةُ حُقُوقٍ"، وَذَكَرَ مِنْهَا غُسْلَ الْمَيِّتِ، فَهَذَا حَدِيثٌ مَا عَرَفْتُهُ، وَلَا وَجَدْتُهُ، وَاَلَّذِي وَجَدْنَاهُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ1" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: "رَدُّ السَّلَامِ. وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ. وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ. وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ. وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: خَمْسٌ2 يَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ"، فَزَادَ: وَإِذَا اسْتَنْصَحَك فَانْصَحْ لَهُ، وَرَوَى أَبُو الْقَاسِمِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي "كِتَابِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ثَلَاثُونَ حَقًّا، لَا بَرَاءَةَ لَهُ مِنْهَا، إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْعَفْوِ: يغفر له ذلته. وَيَرْحَمُ عِتْرَتَهُ3. وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ. وَيُقِيلُ عَثْرَتَهُ. وَيَقْبَلُ مَعْذِرَتَهُ. ويرد غيبته. ويديم نصحته. وَيَحْفَظُ خُلَّتَهُ. وَيَرْعَى ذِمَّتَهُ. وَيَعُودُ مَرَضَهُ. وَيَشْهَدُ مِيتَتَهُ. وَيُشَمِّتُ عَطْسَتَهُ. وَيُرْشِدُ ضَالَّتَهُ. وَيَرُدُّ سَلَامَهُ. وَيُطَيِّبُ كَلَامَهُ. وَيَبَرُّ إنْعَامَهُ. وَيُصَدِّقُ إقْسَامَهُ. وَيَنْصُرُهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا. وَيُوَالِيهِ. وَلَا يُعَادِيهِ. وَيُحِبُّ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهُ لَهُ مِنْ الشَّرِّ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَدَعُ مِنْ حُقُوقِ أَخِيهِ شَيْئًا حَتَّى الْعَطْسَةَ، يَدَعُ تَشْمِيتَهُ عَلَيْهَا، فَيُطَالِبُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقْضَى لَهُ بِهَا عَلَيْهِ"، انْتَهَى. قَوْلُهُ: لِأَنَّ السُّنَّةَ هِيَ الْبِدَايَةُ بِالْمَيَامِنِ، قُلْت: فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ4، وَحَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ5 أَيْضًا، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، قَالَتْ: لَمَّا غَسَّلْنَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَنَا وَنَحْنُ نُغَسِّلُهَا: "ابْدَءُوا بِمَيَامِنِهَا، وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا"، انْتَهَى. وَابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ هِيَ: زَيْنَبُ زَوْجُ أَبِي الْعَاصِ، وَهِيَ أَكْبَرُ بَنَاتِهِ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: لَمَّا مَاتَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَنَا عليه السلام: "اغْسِلْنَهَا وِتْرًا"، الْحَدِيثَ، وَقَدْ جَاءَ
فِي "سُنَنِ" أَبِي دَاوُد1. وَ"مُسْنَدِ" أحمد. و"تاريخ الْبُخَارِيِّ الْوَسَطِ" أَنَّهَا أُمُّ كُلْثُومٍ، أَخْرَجُوهُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي نُوحُ بْنُ حَكِيمٍ الثَّقَفِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ، يُقَالُ لَهُ: دَاوُد، قَدْ وَلَدَتْهُ2 أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَى بنت قائف3 الثَّقَفِيَّةِ، قَالَتْ: كُنْت فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ وَفَاتِهَا، فَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِقْوَ، ثُمَّ الدِّرْعَ، ثُمَّ الْخِمَارَ، ثُمَّ الملحفة، ثم أردجت بَعْدُ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ، قَالَتْ: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عِنْدَ الْبَابِ، مَعَهُ كَفَنُهَا، يُنَاوِلُنَاهَا ثَوْبًا ثَوْبًا، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ، وَفِيهِ مَنْ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي زَيْنَبَ، لِأَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ تُوُفِّيَتْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبٌ بِبَدْرٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَنُوحُ بْنُ حَكِيمٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ، فَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: دَاوُد، فَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، فَإِنَّ دَاوُد بْنَ أَبِي عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ، رَجُلٌ مَعْرُوفٌ، يَرْوِي عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ. وَابْنِ عُمَرَ. وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ. وَيَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءٍ، وقيس بن سعد. وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ مَكِّيٌّ ثِقَةٌ، قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ، وَلَا يَجْزِمُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ هُوَ، وَمُوجِبُ التَّوَقُّفِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ وُصِفَ فِي الْإِسْنَادِ، بِأَنَّهُ وَلَدَتْهُ أُمُّ حَبِيبَةَ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ كَانَ لَهَا بِنْتٌ وَاحِدَةٌ قَدِمَتْ بِهَا مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَلَدَتْهَا مِنْ زَوْجِهَا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، الْمُفْتَتِنُ بِدِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، الْمُتَوَفَّى هُنَالِكَ، وَاسْمُ هَذِهِ الْبِنْتِ: حَبِيبَةُ، فَلَوْ كَانَ زَوْجُ حبيبة هذه، أبو عَاصِمِ بْنَ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ دَاوُد الْمَذْكُورَ ابْنُهُ مِنْهَا، فَهُوَ حِينَئِذٍ لِأُمِّ حَبِيبَةَ، وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يُنْقَلْ، بَلْ الْمَنْقُولُ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَنَّ زَوْجَ حَبِيبَةَ هَذِهِ، هُوَ دَاوُد بْنُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، كَذَا قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ. وَغَيْرُهُ، فَدَاوُد الَّذِي لِأُمِّ حَبِيبَةَ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ، لَيْسَ دَاوُد بْنَ أَبِي عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، إذْ لَيْسَ أَبُو عَاصِمٍ زَوْجًا لِحَبِيبَةَ، وَلَا هُوَ بِدَاوُد بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ4 الَّذِي هُوَ زَوْجُ حَبِيبَةَ، فَإِنَّهُ لَا وِلَادَةَ لِأُمِّ حَبِيبَةَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ هُوَ. فَالْحَدِيثُ مِنْ أَجْلِهِ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. قُلْت: يَبْقَى عَلَى هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"5 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ، فَقَالَ: "اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بماء سدر، وَاجْعَلْنَ فِي
الْآخِرَةِ كَافُورًا، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ، فَآذِنَنِّي، فَلَمَّا فرغن، آذَنَّاهُ، فَأَلْقَى إلَيْنَا حِقْوَهُ، وَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إيَّاهُ"، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، رِجَالُهُ مُخْرَجٌ لَهُمْ فِي الْكُتُبِ، وَفِي "كِتَابِ الصَّحَابَةِ" لِابْنِ الْأَثِيرِ، قَالَ: زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَكْبَرِ بَنَاتِهِ، وَأُمُّهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، تُوُفِّيَتْ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ، وَنَزَلَ عليه السلام فِي قَبْرِهَا، وَأُخْتُهَا أُمُّ كُلْثُومٍ1 شَقِيقَتُهَا، تُوُفِّيَتْ سَنَةَ تِسْعٍ، وَصَلَّى عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ الَّتِي غَسَّلَتْهَا أُمُّ عَطِيَّةَ، وَحَكَتْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا"، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا يُقَوِّي مَا ذَكَرَهُ. قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ التَّطَيُّبَ سُنَّةٌ، قُلْت: أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2 عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عبد الرحمن الرواسي ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِسْكٌ، فَأَوْصَى أَنْ يُحَنَّطَ بِهِ، وَقَالَ: هُوَ فَضْلُ حَنُوطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَسَكَتَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ النَّوَوِيُّ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا3 عَنْ صَدَقَةَ بْنِ مُوسَى ثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، قَالَ: إذَا أَنَا مِتَّ، فَاجْعَلُوا فِي آخِرِ غُسْلِي كَافُورًا، وَكَفِّنُونِي فِي بُرْدَيْنِ. وَقَمِيصٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ أَيْضًا. حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الْمُتَقَدِّمُ فِي قِصَّةِ آدَمَ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ4، وَصَحَّحَهُ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَجْمَرْتُمْ الْمَيِّتَ، فَأَوْتِرُوا"، انْتَهَى. وَفِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ5 الْمُخَرَّجِ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، قَالَ لَهُنَّ عليه الصلاة والسلام: "اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كافرواً"، وَفِي حَدِيثِ الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ، الْمُخَرَّجِ فِي الصَّحِيحَيْنِ6. وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَفِي لَفْظِهِ: وَلَا تُمِسُّوهُ طِيبًا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّطَيُّبَ لِلْمَيِّتِ كَانَ مَسْنُونًا عِنْدَهُمْ، وَأَنَّ الْمَعْرُوفَ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ الْحَنُوطُ وَالطِّيبُ.
الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، يُقَالُ لَهُ: زِيَادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: يُوضَعُ الْكَافُورُ عَلَى مَوَاضِعِ سُجُودِ الْمَيِّتِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ1، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ سَلْمَانَ أَنَّهُ اسْتَوْدَعَ امْرَأَتَهُ مِسْكًا، فَقَالَ: إذَا مِتَّ فَطَيِّبُونِي بِهِ، فَإِنَّهُ يَحْضُرُنِي خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، لَا يَنَالُونَ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، يَجِدُونَ الرِّيحَ، وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ. أَنَّهُ لَمَّا غَسَّلَ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ دَعَا بِكَافُورٍ، فَجَعَلَهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَفِي يَدَيْهِ، وَرَأْسِهِ، وَرِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَدْرِجُوهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ2 فِي الطِّيبِ عَنْ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا: "إنَّ أَطْيَبَ طِيبِكُمْ الْمِسْكُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالنَّسَائِيُّ فِي "الْجَنَائِزِ" وَبَوَّبَا عَلَيْهِ "بَابَ الطِّيبِ لِلْمَيِّتِ"، وَلَمْ أَعْرِفْ مُطَابِقَتَهُ لِلْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَامَ تَنُصُّونَ مَيِّتَكُمْ؟!، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا رَأَتْ امْرَأَةً يَكُدُّونَ رَأْسَهَا بِمُشْطٍ، فَقَالَتْ: عَلَامَ تَنُصُّونَ مَيِّتَكُمْ؟!، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ3"، أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ بِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ. وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي "كِتَابَيْهِمَا فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ" حَدَّثَنَا هشيم أخبرنا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ الْمَيِّتِ، يُسَرَّحُ رَأْسُهُ، فَقَالَتْ: عَلَامَ تَنُصُّونَ مَيِّتَكُمْ؟! قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ: نَصَوْت الرَّجُلَ أَنْصُوهُ نَصْوًا، إذَا مَدَدْت نَاصِيَتَهُ، فَأَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْرِيحِ الرَّأْسِ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَخْذِ بِالنَّاصِيَةِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ تَعْلِيقًا، فَقَالَ: رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ، فَذَكَرَهُ.
فصل في التكفين
فَصْلٌ فِي التَّكْفِينِ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ، قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"1مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ، مِنْ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ، وَلَا عِمَامَةٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَزَادَ فِيهِ: قَالَتْ: فَأَمَّا الْحُلَّةُ فَإِنَّهَا اشْتَبَهَتْ عَلَى النَّاسِ، لِأَنَّهَا اُشْتُرِيَتْ لِيُكَفَّنَ بِهَا، فَلَمْ يُكَفَّنْ فِيهَا، وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، فَأَخَذَ الْحُلَّةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: أَجْعَلُهَا كَفَنِي، ثُمَّ قَالَ: لَوْ رَضِيَهَا اللَّهُ لَرَضِيَهَا لِرَسُولِهِ، فَبَاعَهَا، وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى أَصْحَابِنَا فِي عَدَمِ الْقَمِيصِ، عَلَى أَنَّ مَالِكًا يَحْمِلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْدُودٍ، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الثَّلَاثَةُ الْأَثْوَابُ زِيَادَةً عَلَى الْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ، وَالشَّافِعِيُّ يَجْعَلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلِأَصْحَابِنَا1 حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ نَاصِحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كُفِّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ: قَمِيصٍ. وَإِزَارٍ. وَلِفَافَةٍ، انْتَهَى. وَضُعِّفَ نَاصِحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّسَائِيّ، وَلَيَّنَهُ هُوَ، وَقَالَ: هُوَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سننه"2 عن يزيد بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ: قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. وَحُلَّةٍ نَجْرَانِيَّةٍ، انْتَهَى. وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ ضَعِيفٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْحُلَّةُ إزَارٌ. وَرِدَاءٌ، وَلَا تَكُونُ الْحُلَّةُ إلَّا مِنْ ثَوْبَيْنِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ"3 أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي حُلَّةٍ يَمَانِيَةٍ. وَقَمِيصٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ4 نَحْوَهُ. الْأَحَادِيثُ الْمُخَالِفَةُ لِمَا تَقَدَّمَ: رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ سَحُولِيَّيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَى أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كُفِّنَ فِي ثَوْبٍ نَجْرَانِيٍّ. وَرَيْطَتَيْنِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ". وَالْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"5 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي سَبْعَةِ أَثْوَابٍ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ ابْنَ عَقِيلٍ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْلَمُ رَوَاهُ عَنْهُ غَيْرُ حَمَّادِ
بْنِ سَلَمَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِابْنِ عَقِيلٍ، وَضَعَّفَهُ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ فَقَطْ، وَلَيَّنَهُ هُوَ، وَقَالَ: رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الثِّقَاتِ، وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، وَأَعَلَّهُ أَيْضًا بِابْنِ عَقِيلٍ، وقال: إنه كان ردئ الْحِفْظِ، فَيَأْتِي بِالْخَبَرِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ فِي رِوَايَاتِهِ اسْتَحَقَّ الْمُجَانَبَةَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنْ سَادَاتِ النَّاسِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَدِيٍّ، وَقَالَ: قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ غُنْدَرٍ، وَوَكِيعٍ. وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَ فِي قَبْرِهِ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": أَخَافُ أَنْ يَكُونَ تَصَحَّفَ عَلَى بَعْضِ رُوَاةِ "كِتَابِ الْكَامِلِ" لَفْظُ: دُفِنَ بِكُفِّنَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَوْلُهُ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: اغْسِلُوا ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا، قُلْت: رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي "كِتَابِ الزُّهْدِ" حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْيَمَنِيِّ مَوْلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا اُحْتُضِرَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه تَمَثَّلْتُ بِهَذَا الْبَيْتِ: أَعَاذِلُ! مَا يُغْنِي الْحِذَارُ عَنْ الْفَتَى، ... إذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا، وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ فَقَالَ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ: لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ قُولِي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} ، ثُمَّ قَالَ: اُنْظُرُوا ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ، فَاغْسِلُوهُمَا، ثُمَّ كَفِّنُونِي فِيهِمَا، فَإِنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ مِنْهُمَا، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي "كِتَابِ الزُّهْدِ": حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ثَنَا ضَمْرَةُ عَنْ رَجَاءِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ الْوَفَاةُ، قَالَ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: اغْسِلُوا ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ، ثُمَّ كَفِّنُونِي فِيهِمَا، فَإِنَّمَا أَبُوك أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إمَّا مَكْسُوٌّ، أَحْسَنَ الْكِسْوَةِ أَوْ مَسْلُوبٌ أَسْوَأَ السَّلَبِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"1 أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِثَوْبَيْهِ اللَّذَيْنِ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِمَا: اغْسِلُوهُمَا، وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَا نَشْتَرِي لَك جَدِيدًا، قَالَ: لَا، إنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ2 عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْت عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ: يَقُولُ: أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ: إمَّا عَائِشَةَ.
وَإِمَّا أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ، بِأَنْ تَغْسِلَ ثَوْبَيْنِ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِمَا، وَيُكَفَّنُ فِيهِمَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَوْ ثِيَابًا جُدُدًا؟، قَالَ: الْأَحْيَاءُ أَحَقُّ بِذَلِكَ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"1 أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثَنَا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: كَفِّنُونِي فِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ كُنْت أُصَلِّي فِيهِمَا، وَاغْسِلُوهُمَا، فَإِنَّهُمَا لِلْمُهْلِ، وَالتُّرَابِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ2 ثَنَا مَعْمَرٌ بِسَنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَمَتْنِهِ، وَذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" بَلَاغًا، فَقَالَ: بَلَغَنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَنَّهُ قَالَ: اغْسِلُوا ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ، وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا، وَفِي "الْبُخَارِيِّ"3 خِلَافُ هَذَا، أَخْرَجَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، قَالَ لَهَا: فِي كَمْ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ، وَلَا عِمَامَةٌ، قَالَ: فِي أَيِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالَتْ: يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، قَالَ: أَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ، فَنَظَرَ إلَى ثَوْبٍ عَلَيْهِ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِ، بِهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ، فَقَالَ: اغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا، وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ، فَكَفِّنُونِي فِيهِمَا، قَالَتْ: إنَّ هَذَا خَلَقٌ، قَالَ: إنَّ الْحَيَّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ، إنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ، فَلَمْ يُتَوَفَّ حَتَّى أَمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ، وَدُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: الردع "بالمهملات" الأثر والمهلمة "بِضَمِّ الْمِيمِ. وَفَتْحِهَا. وَكَسْرِهَا" صَدِيدُ الْمَيِّتِ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "التَّعَالِيقِ". وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: "الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ"، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ4 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، "وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ"، وَفِي لَفْظٍ: "فِي ثَوْبَيْهِ". الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى اللَّوَاتِي غَسَّلْنَ ابْنَتَهُ خَمْسَةَ أَثْوَابٍ، قُلْت: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"5 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي نُوحُ بْنُ حَكِيمٍ الثَّقَفِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ، يُقَالُ لَهُ دَاوُد: وَلَدَتْهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ليلى بنت قائف الثَّقَفِيَّةِ، قَالَتْ: كُنْت فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ وَفَاتِهَا، فَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا: الحقا، ثُمَّ الدِّرْعَ، ثُمَّ الْخِمَارَ، ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ، ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدُ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ، قَالَتْ: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عِنْدَ الْبَابِ، مَعَهُ كَفَنُهَا
يُنَاوِلُنَاهَا ثَوْبًا ثَوْبًا، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ، وَفِيهِ مَنْ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ، قَالَ: وَالْحِقَا "بِكَسْرِ الْحَاءِ" مَقْصُورٌ، وَلَعَلَّهُ لُغَةٌ فِي "الْحِقْوِ"، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ حِينَ اُسْتُشْهِدَ، كُفِّنَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ خَبَّابُ بْنِ الْأَرَتِّ، قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى، لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا: مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ نَمِرَةَ، فَكُنَّا إذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ، بَدَا رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْإِذْخِرِ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "الْمَنَاقِبِ"، وَالْبَاقُونَ فِي "الْجَنَائِزِ". الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِجْمَارِ أَكْفَانِ ابْنَتِهِ وِتْرًا، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالثَّمَانِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ قُطَيَّةَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا أَجْمَرْتُمْ الْمَيِّتَ فَأَجْمِرُوا ثَلَاثًا"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ حِبَّانَ: "فَأَوْتِرُوا"، وَفِي لَفْظٍ لِلْبَيْهَقِيِّ: "جَمِّرُوا كَفَنَ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا"، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، وَلَا أَظُنُّهُ إلَّا غَلَطًا، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَكَأَنَّ ابْنَ مَعِينٍ بَنَاهُ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ: إنَّ الْحَدِيثَ إذَا رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، فَالْحُكْمُ لِلْوَقْفِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحُكْمَ لِلرَّفْعِ، لِأَنَّهُ زِيَادَةُ ثِقَةٍ، وَلَا شَكَّ فِي ثِقَةِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ، أَنَّهَا قَالَتْ عِنْدَ مَوْتِهَا: إذَا أَنَا مِتَّ فَاغْسِلُونِي، وَكَفِّنُونِي، وَأَجْمِرُوا ثِيَابِي، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. أَوْ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"3 عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَزَادَ: وَحَنِّطُونِي، وَلَا تَتْبَعُونِي بِنَارٍ، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ.
فصل في الصلاة على الميت
فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرِ امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، قُلْت: رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"1 فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، مِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ، وَكَانَ أَكْبَرَ مِنْ زَيْدٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا وَرَدْنَا الْبَقِيعَ إذَا هُوَ بِقَبْرٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: فُلَانَةَ، فَعَرَفَهَا، فَقَالَ:"أَلَا آذَنْتُمُونِي بِهَا"؟!، قَالُوا: كُنْتَ قَائِلًا صَائِمًا، قَالَ: "فَلَا تَفْعَلُوا، لَا أَعْرِفَنَّ مَا مَاتَ مِنْكُمْ مَيِّتٌ، مَا كُنْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ إلَّا آذَنْتُمُونِي بِهِ، فَإِنَّ صَلَاتِي عَلَيْهِ رَحْمَةٌ"، قَالَ: ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ، فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْفَضَائِلِ" وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ2 ثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرِ امْرَأَةٍ قَدْ دُفِنَتْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"3 عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أمامة بن سهيل بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ مِسْكِينَةً مَرِضَتْ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرَضِهَا، فَقَالَ: "إذَا مَاتَتْ فَآذِنُونِي بِهَا" فَخَرَجُوا بِجِنَازَتِهَا لَيْلًا، فَكَرِهُوا أَنْ يُوقِظُوهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أُخْبِرَ بِشَأْنِهَا، فَقَالَ: "أَلَمْ آمُرُكُمْ أَنْ تُؤْذِنُونِي بِهَا"؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَرِهْنَا أَنْ نُخْرِجَكَ لَيْلًا، أَوْ نُوقِظَكَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَفَّ بِالنَّاسِ عَلَى قَبْرِهَا، وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، انْتَهَى. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ4 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَمَاتَ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: "أَفَلَا آذَنْتُمُونِي بِهِ، دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ"، فَأَتَى قَبْرَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ5 أَيْضًا عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَتَى عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ، فَصَفَّهُمْ، فَكَبَّرَ أَرْبَعًا، قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: مَنْ حَدَّثَكَ هَذَا؟ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الصَّلَاةَ عَلَى الْقَبْرِ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ فِيهِ: "وَإِنِّي أُنَوِّرُهَا بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ"، وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّمُوهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ عليه السلام صَفَّ النَّاسَ خَلْفَهُ6، فَلَوْ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ لَزَجَرَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ7 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرِ امْرَأَةٍ. أَوْ رَجُلٍ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ، ثُمَّ قَالَ: "إنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ عَلَى أَهْلِهَا ظُلْمَةً، وَإِنِّي أُنَوِّرُهَا بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أُمَّ سَعْدٍ "يَعْنِي ابْنَ عُبَادَةَ" مَاتَتْ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبٌ، فَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى عَلَيْهَا، وَقَدْ مَضَى لِذَلِكَ شَهْرٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مَوْصُولًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمَشْهُورُ الْمُرْسَلُ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ وَضْعِ الْمَوْتَى لِلصَّلَاةِ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2 عَنْ مَسْلَمَةً بْنِ مَخْلَدٍ، قال: كنا بمصر، فجاؤونا بِرِجَالٍ وَنِسَاءٍ، فَجَعَلُوا لَا يَدْرُونَ كَيْفَ يَصْنَعُونَ، فَقَالَ مَسْلَمَةُ: سُنَّتُكُمْ فِي الْمَوْتِ، سُنَّتُكُمْ فِي الْحَيَاةِ، قَالَ: فَجَعَلُوا النِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَالرِّجَالَ أَمَامَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَالْقَاسِمِ. وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالُوا: النِّسَاءُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَالرِّجَالُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ3: وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"4 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جَنَائِزِ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، فَقَدَّمَ النِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، وَالرِّجَالَ يَلُونَ الْإِمَامَ، وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، نَحْوَهُ، وَكَذَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَكَذَا عَنْ عُثْمَانَ5، وَكَذَا عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، وَأَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ6 أَنَّهُ صَلَّى عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ. وَزَيْدِ بْنِ عُمَرَ، فَجَعَلَ زَيْدًا مِمَّا يَلِيهِ، وَجَعَلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بَيْنَ يَدَيْ زَيْدٍ، وَفِي النَّاسِ الْحَسَنُ. وَالْحُسَيْنُ. وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُ الرِّجَالِ. وَالنِّسَاءِ، جُعِلَ الرِّجَالُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَالنِّسَاءُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ، جُعِلَ الْحُرُّ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَالْعَبْدُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد7 وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَمَّارِ، قَالَ: شَهِدْت جِنَازَةَ أُمِّ كُلْثُومٍ. وَابْنِهَا، فَجُعِلَ الْغُلَامُ مما يلي الإِمام، فأنكرت ذَلِكَ، وَفِي الْقَوْمِ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَأَبُو سَعِيدٍ. وَأَبُو قَتَادَةَ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالُوا: هَذِهِ السُّنَّةُ، قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ: وَكَانَ فِي الْقَوْمِ الْحَسَنُ. وَالْحُسَيْنُ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَابْنُ عُمَرَ. ونحواً من ثمانين
مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ ابْنَ عُمَرَ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ صَلَّى عَلَى تِسْعِ جَنَائِزَ، رِجَالٍ. وَنِسَاءٍ، فَجَعَلَ الرِّجَالَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَجَعَلَ النِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، وَصَفَّهُمْ صَفًّا وَاحِدًا، وَوُضِعَتْ جِنَازَةُ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عَلِيٍّ، وَهِيَ امْرَأَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ: زَيْدُ بْنُ عُمَرَ، وَالْإِمَامُ يَوْمَئِذٍ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، وَفِي النَّاسِ يَوْمَئِذٍ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَأَبُو سَعِيدٍ. وَأَبُو قَتَادَةَ، فَوُضِعَ الْغُلَامُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ أنه عليه السلام كَبَّرَ أَرْبَعًا فِي آخِرِ صَلَاةٍ صَلَّاهَا، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَلَهُ طُرُقٌ: أَحَدُهَا: عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ2". والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْفُرَاتِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: آخِرُ مَا كَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجَنَائِزِ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ3، وَكَبَّرَ عُمَرُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَرْبَعًا وَكَبَّرَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى عُمَرَ أَرْبَعًا، وَكَبَّرَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى عَلِيٍّ أَرْبَعًا، وَكَبَّرَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى الْحَسَنِ أَرْبَعًا، وَكَبَّرَتْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى آدَمَ أَرْبَعًا، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالْفُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَسَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ4". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: آخِرُ جِنَازَةٍ صَلَّى عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ النَّضْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو عُمَرَ الْخَرَّازُ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ، كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، إلَّا أَنَّ اجْتِمَاعَ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم عَلَى الْأَرْبَعِ، كَالدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ5 الْأَصْبَهَانِيُّ فِي "تَارِيخِ أَصْبَهَانَ فِي تَرْجَمَةِ الْمُحَمَّدِيِّينَ" حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ عِمْرَانَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ ثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ثَنَا نَافِعٌ أَبُو هُرْمُزَ ثَنَا عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَعَلَى بَنِي هَاشِمٍ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ كَانَ آخِرُ صَلَاتِهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، إلَى أَنْ خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَبِي عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيِّ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ: إنَّهُ يَأْتِي عَنْ الثِّقَاتِ بِمَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ، إلَّا فِيمَا وَافَقَ الثِّقَاتِ، فَإِنَّهُ كَانَ صَاحِبَ حِفْظٍ وَإِتْقَانٍ، قَبْلَ أَنْ ظَهَرَ مِنْهُ مَا ظَهَرَ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ1" عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: صَلَّى عُمَرُ عَلَى بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْته يَقُولُ: لَأُصَلِّيَنَّ عَلَيْهَا، مِثْلَ آخِرِ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِثْلِهَا، فَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا، انْتَهَى. وَيَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ. وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفَانِ. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ2 أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أن الناس كان يُصَلُّونَ عَلَى الْجَنَائِزِ خَمْسًا. وَسِتًّا. وَأَرْبَعًا، حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرُوا كَذَلِكَ فِي وِلَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، ثُمَّ وُلِّيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: إنَّكُمْ مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ! مَتَى تَخْتَلِفُونَ يَخْتَلِفُ النَّاسُ بَعْدَكُمْ، والناس حديث عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجْمِعُوا عَلَى شَيْءٍ يُجْمِعُ عَلَيْهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، فَأَجْمَعَ رَأْيُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ عَلَى أَنْ يَنْظُرُوا إلَى آخِرِ جِنَازَةٍ كَبَّرَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُبِضَ، فَيَأْخُذُونَ، وَيَتْرُكُونَ مَا سِوَاهُ، فَنَظَرُوا فَوَجَدُوا آخِرَ جِنَازَةٍ كَبَّرَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا، انْتَهَى. وَكَأَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا بَيْنَ إبْرَاهِيمَ. وَعُمَرَ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي حَثْمَةَ، فَرَوَاهُ أَبُو عُمَرَ فِي "الِاسْتِذْكَارِ" عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ قَاسِمٍ عَنْ ابْنِ وَضَّاحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إبْرَاهِيمَ دُحَيْمٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ عَلَى الْجَنَائِزِ أَرْبَعًا. وَخَمْسًا. وَسِتًّا. وَسَبْعًا، فَثَمَانِيًا، حَتَّى جَاءَهُ مَوْتُ النَّجَاشِيِّ، فَخَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ النَّاسَ وَرَاءَهُ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا، ثُمَّ ثَبَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَرْبَعَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ حَمْزَةَ
أَنْبَأَ فُرَاتُ بْنُ السائب أنبأ بْنُ مِهْرَانَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: آخِرُ مَا كَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَادَ: وَكَبَّرَ عَلَى عَلِيٍّ يَزِيدُ1 بْنُ الْمُكَفِّفِ أَرْبَعًا، وَكَبَّرَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ، أَرْبَعًا، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَأَخْرَجَهُ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ" عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ الْقَاضِي الْمَرْوَزِيِّ ثَنَا شَيْبَانُ الْأَيْلِيُّ أَنَا نَافِعٌ أَبُو هُرْمُزَ ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَعَلَى بَنِي هَاشِمٍ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَكَانَ آخِرُ صَلَاتِهِ أَرْبَعًا حَتَّى خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا، انْتَهَى. قَالَ: وَإِسْنَادُهُ وَاهٍ، وَقَدْ رُوِيَ: آخِرُ صَلَاتِهِ كَبَّرَ أَرْبَعًا، مِنْ عِدَّةِ رِوَايَاتٍ، كُلُّهَا ضعيفة، وكذلك جعل بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْأَمْرَ عَلَى التَّوَسُّعِ، وَأَنْ لَا وَقْتَ وَلَا عَدَدَ2، وَجَمَعُوا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، قَالُوا: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَضِّلُ أَهْلَ بَدْرٍ عَلَى غيره، وَكَذَا بَنِي هَاشِمٍ، فَكَانَ يُكَبِّرُ عَلَيْهِمْ خَمْسًا، وَعَلَى مَنْ دُونَهُمْ أَرْبَعًا، وَأَنَّ الَّذِي حَكَى آخِرَ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَلَا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ حَدِيثَ النَّجَاشِيِّ نَاسِخًا، فَإِنَّ حَدِيثَ النَّجَاشِيِّ مُخَرَّجٌ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَاهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ، وَخَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، قَالُوا: وَأَبُو هُرَيْرَةَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ، وَمَوْتُ النَّجَاشِيِّ كَانَ بَعْدَ إسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمُدَّةٍ، فَإِنْ قِيلَ: إنْ كَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّأْخِيرِ، فَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الْمَنْسُوخَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّقْدِيمِ، فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِالتَّأْخِيرِ مِنْ الْآخَرِ، قُلْنَا: قَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِالتَّأْخِيرِ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ. وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَابْنِ أَبِي أَوْفَى. وَجَابِرٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ سِتًّا، فَلِأَنَّهُ كَانَ بَدْرِيًّا، وَالْبَدْرِيُّونَ يُزَادُونَ فِي التَّكْبِيرِ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا3" حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ عَلِيًّا صَلَّى عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ سِتًّا، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا، فَقَالَ: إنَّهُ بَدْرِيٌّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ4" حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ بِهِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ":
وَرَوَاهُ الْبَرْقَانِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"، وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، فَعَزَاهُ لِلتِّرْمِذِيِّ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ1. والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يُكَبِّرُ عَلَى أَهْلِ بَدْرِ سِتًّا، وَعَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا، وَعَلَى سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ أَرْبَعًا، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2 حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عَبْدِ الْعَلِيِّ بْنِ سَلْعٍ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ بِهِ. قَوْلُهُ: وَالْبُدَاءَةُ3 بِالثَّنَاءِ، ثُمَّ بِالصَّلَاةِ، لِأَنَّهَا سُنَّةُ الدُّعَاءِ.
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1. وَالنَّسَائِيُّ فِي "الصَّلَاةِ". وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الدَّعَوَاتِ" عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِي هَانِئٍ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْجَنْبِيِّ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَجِلَ هَذَا"، ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: "إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدَهُ بِمَا شَاءَ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ نُسَخَ السُّنَنِ مُخْتَلِفَةٌ فِي هَذَا اللَّفْظِ: لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ، وَلَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ، وَقَوْلُهُ: فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ اللَّهِ. وَتَحْمِيدِ اللَّهِ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ بِتَحْمِيدِ الله، فإن القاضي عياش فِي "الشِّفَا" سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ التِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ فِيهِ: بِتَحْمِيدِ اللَّهِ، قَالَ: وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا السَّنَدِ: بِتَمْجِيدِ اللَّهِ، وَهُوَ أَصَحُّ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَالْمَسْبُوقُ لَا يَبْتَدِئُ بِمَا فَاتَهُ، إذْ هُوَ مَنْسُوخٌ، قُلْت: رُوِيَ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا، فَالْمُسْنَدُ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ. فَحَدِيثُ مُعَاذٍ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"2 فِي الْأَذَانِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: أُحِيلَتْ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَقَدْ أَعْجَبَنِي أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةً، حَتَّى لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَبُثَّ رِجَالًا فِي الدُّورِ يُنَادُونَ النَّاسَ لِحِينِ الصَّلَاةِ،" إلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا إنِّي قَدْ رَأَيْت مِثْلَ الَّذِي رَأَى، لَكِنْ لَمَّا سُبِقْتُ اسْتَحْيَيْتُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إذَا جاء يسأل، فخبر بِمَا سُبِقَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَأَنَّهُمْ قَامُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ بَيْنِ قَائِمٍ. وَرَاكِعٍ. وَقَاعِدٍ. وَمُصَلٍّ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: قَالَ
عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِي بِهَا حُصَيْنٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، حَتَّى جاء معاذ، فأشاروا إلَيْهِ، فَقَالَ مُعَاذٌ: لَا أَرَاهُ عَلَى حَالٍ إلَّا كُنْت عَلَيْهَا، قَالَ: فَقَالَ عليه السلام: "إنَّ مُعَاذًا قَدْ سَنَّ لَكُمْ سُنَّةً، كَذَلِكَ فَافْعَلُوا"، مُخْتَصَرٌ، قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ": قَالَ الْمُزَنِيّ: مَعْنَى قَوْلِهِ: إنَّ مُعَاذًا قَدْ سَنَّ لَكُمْ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ أَنْ يُسْتَنَّ بِهَذِهِ السُّنَّةِ، فَوَافَقَ ذَلِكَ فِعْلَ مُعَاذٍ، فَإِنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ مَا يُسَنُّ، وَلَيْسَ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ إلَى غَيْرِهِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" عَنْ الْمُزَنِيّ رحمه الله، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"1. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِهِ عليه السلام، إذَا سُبِقَ الرَّجُلُ بِبَعْضِ صَلَاتِهِ، سَأَلَهُمْ فأومأوا إلَيْهِ بِاَلَّذِي سُبِقَ بِهِ، فَيَبْدَأُ لِيَقْضِيَ مَا سَبَقَ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ، فَجَاءَ مُعَاذٌ، وَالْقَوْمُ قُعُودٌ فِي صَلَاتِهِمْ، فَقَعَدَ، فَلَمَّا فَرَغَ عليه الصلاة والسلام، قَامَ، فَقَضَى مَا كَانَ سُبِقَ بِهِ، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "قَدْ سَنَّ لَكُمْ مُعَاذٌ فَاقْتَدُوا بِهِ، إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ، وَقَدْ سُبِقَ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ، فَلْيُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ بِصَلَاتِهِ، فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ، فَلْيَقْضِ مَا سُبِقَ بِهِ"، انْتَهَى. وَفِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ مُعَاذٍ نَظَرٌ، تَقَدَّمَ فِي "الْأَذَانِ". وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سُبِقَ الرَّجُلُ بِبَعْضِ صلاته سألهم، فأومأوا إلَيْهِ بِاَلَّذِي سُبِقَ بِهِ، فَيَبْدَأُ، فَيَقْضِي مَا سُبِقَ بِهِ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ، فَجَاءَ مُعَاذٌ، وَالْقَوْمُ قُعُودٌ فِي صَلَاتِهِمْ، فَقَعَدَ، فَلَمَّا فَرَغَ عليه السلام، قَامَ، فَقَضَى مَا كَانَ سُبِقَ بِهِ، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "قَدْ سَنَّ لَكُمْ مُعَاذٌ، فَاقْتَدُوا بِهِ، إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ"، الْحَدِيثَ، وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَأَمَّا الْمُرْسَلُ، فَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جَاءَ الرَّجُلُ، وَقَدْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ، أَشَارَ إلَيْهِ النَّاسُ فَصَلَّى مَا فَاتَهُ، ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، حَتَّى جَاءَ يَوْمًا مُعَاذُ بن جبل، فأشاروا إلَيْهِ، فَدَخَلَ، وَلَمْ يَنْتَظِرْ مَا قَالُوا، فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: "قَدْ سَنَّ لَكُمْ مُعَاذٌ، فَاقْبَلُوا"، انْتَهَى. الْوَجْهُ الْآخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ. قَالَ: الرَّجُلُ إذَا جَاءَ، وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ، سَأَلَ، فَإِذَا أُخْبِرَ بِشَيْءٍ سُبِقَ بِهِ صَلَّى الَّذِي سُبِقَ بِهِ، ثُمَّ دَخَلَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَأَتَى ابْنُ مَسْعُودٍ، فَدَخَلَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَسْأَلْ، فَلَمَّا فَرَغَ عليه الصلاة والسلام، قَامَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَقَضَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ عليه السلام: "إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدْ سَنَّ لَكُمْ سُنَّةً فَاتَّبِعُوهَا"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، فَجَعَلَ الْقِصَّةَ فِي مُعَاذٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ
كَذَلِكَ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ على أن ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ، فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا، وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ، فَأَتِمُّوا، أَوْ فَاقْضُوا"، انْتَهَى. وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَصَلَاةِ النَّبِيِّ عليه السلام خَلْفَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الصُّبْحَ، أَخْرَجُوهُ2 إلَّا التِّرْمِذِيَّ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا، وَفِي لَفْظِ أَحْمَدَ: فَصَلَّيْنَا مَعَهُ الَّتِي أَدْرَكْنَا، ثُمَّ قَضَيْنَا الَّتِي سَبَقَنَا بِهَا. قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقُومُ مِنْ الرَّجُلِ بِحِذَاءِ رَأْسِهِ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ وَسَطِهَا، لِأَنَّ أَنَسًا فَعَلَ كَذَلِكَ، وَقَالَ: هُوَ السُّنَّةُ، قُلْنَا: تَأْوِيلُهُ إنَّ جِنَازَتَهَا لَمْ تَكُنْ مَنْعُوشَةً، فَحَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ. قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ نَافِعٍ4 أَبِي غَالِبٍ، قَالَ: كُنْت فِي سِكَّةِ الْمِرْبَدِ5 فَمَرَّتْ جِنَازَةٌ مَعَهَا نَاسٌ كَثِيرٌ، قَالُوا: جِنَازَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (21) فَتَبِعْتهَا، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ عَلَيْهِ كِسَاءٌ رَقِيقٌ، وَعَلَى رَأْسِهِ خِرْقَةٌ تَقِيهِ مِنْ الشَّمْسِ، فَقُلْت: مَنْ هَذَا الدِّهْقَانُ؟ قَالُوا: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: فَلَمَّا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ، قَامَ أَنَسٌ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَأَنَا خَلْفَهُ، لَا يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، لَمْ يُطِلْ، وَلَمْ يُسْرِعْ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقْعُدُ، فَقَالُوا: يَا أَبَا حَمْزَةَ، الْمَرْأَةُ الْأَنْصَارِيَّةُ، فَقَرَّبُوهَا، وَعَلَيْهَا نَعْشٌ أَخْضَرُ، فَقَامَ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا، فَصَلَّى عَلَيْهَا نَحْوَ صَلَاتِهِ عَلَى الرَّجُلِ، ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ عَلَيْهَا أَرْبَعًا، وَيَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ، وَعَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إلَى أَنْ قَالَ: قَالَ أَبُو غَالِبٍ: فَسَأَلْت عَنْ صَنِيعِ أَنَسٍ فِي قِيَامِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا، فَحَدَّثُونِي6 أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ، لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ النُّعُوشُ، وَكَانَ يَقُومُ الْإِمَامُ حِيَالَ عَجِيزَتِهَا يَسْتُرُهَا مِنْ الْقَوْمِ، مُخْتَصَرٌ، مِنْ لَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ. وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي غَالِبٍ، قَالَ: رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ صَلَّى عَلَى جِنَازَةِ رَجُلٍ، فَقَامَ حِيَالَ رَأْسِهِ، فَجِيءَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالُوا: يَا أَبَا حَمْزَةَ، صَلِّ عَلَيْهَا، فَقَامَ حِيَالَ وَسَطِ السَّرِيرِ، فَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، هَكَذَا رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنْ
الْجِنَازَةِ مَقَامَك مِنْ الرَّجُلِ، وَقَامَ مِنْ الْمَرْأَةِ مَقَامَك مِنْ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ، فَقَالَ: احْفَظُوا، انْتَهَى. وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مَسَانِيدِهِمْ" وَنَافِعٌ أَبُو غَالِبٍ الْبَاهِلِيُّ الْخَيَّاطُ الْبَصْرِيُّ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: صَالِحٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: شَيْخٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد أَنَّ الْمَرْأَةَ أَنْصَارِيَّةٌ، وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهَا قُرَشِيَّةٌ، وَلَعَلَّهَا كانت من قريش، وبالخلف مِنْ الْأَنْصَارِ، أَوْ عَكْسَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ لِلْخُصُومِ، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"1 مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: صَلَّيْت وَرَاءَ النَّبِيِّ عليه السلام عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا لِلصَّلَاةِ وَسَطَهَا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه الصلاة والسلام: "مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَا أَجْرَ لَهُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التوءَمة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَا شَيْءَ لَهُ"، وَلَفْظَةُ ابْنِ مَاجَهْ: فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، انْتَهَى. قَالَ الْخَطِيبُ: الْمَحْفُوظُ: فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَرُوِيَ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ: فَلَا أَجْرَ لَهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رِوَايَةُ: فَلَا أَجْرَ لَهُ، خَطَأٌ فَاحِشٌ، وَالصَّحِيحُ: فَلَا شَيْءَ لَهُ، وصالح مولى التوءَمة، مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ مَنْ لَا يَحْتَجُّ بِهِ لِضَعْفِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْبَلُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ خَاصَّةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" بِلَفْظِ: فَلَا صَلَاةَ لَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَعَدَّهُ مِنْ مُنْكَرَاتِ صَالِحٍ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى شُعْبَةَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرْوِي عَنْهُ، وَيَنْهَى عَنْهُ، وَإِلَى مَالِكٍ3 أَنَّهُ قَالَ: فِيهِ ضَعْفٌ، وَأُسْنِدَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: ثِقَةٌ، إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَطَ قَبْلَ مَوْتِهِ، من سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ثَبْتٌ حُجَّةٌ،
وَمِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ، وَلَمْ يَتَمَيَّزْ حَدِيثُ حَدِيثِهِ مِنْ قَدِيمِهِ، فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: إنَّهُ بَاطِلٌ، وَكَيْفَ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ صَلَّى عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ؟!، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صالح مولى التوءَمة، وَهُوَ مِمَّا يُعَدُّ فِي أَفْرَادِ صَالِحٍ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَّى عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ أَصَحُّ، وصالح مولى التوءَمة مُخْتَلَفٌ فِي عَدَالَتِهِ، كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَجْرَحُهُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أُجِيبُ عَنْ هَذَا بِأَجْوِبَةٍ: أَحَدِهَا: أَنَّهُ ضَعِيفٌ، لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، تَفَرَّدَ بِهِ صَالِحٌ مَوْلَى التوءَمة، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالثَّانِي: أَنَّ الَّذِي فِي النُّسَخِ الْمَشْهُورَةِ الْمَسْمُوعَةِ مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ. وَالثَّالِثِ: أَنَّ اللَّامَ فِيهِ، بِمَعْنَى: عَلَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} أَيْ فَعَلَيْهَا، جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَقَدْ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَالْخَطَّابِيُّ. وَالْبَيْهَقِيُّ، قَالُوا: وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ مَوْلَى التوءَمة، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي عَدَالَتِهِ، وَمُعْظَمُ مَا جَرَحُوهُ بِهِ الِاخْتِلَاطُ، لَكِنْ قَالُوا: إنَّ سَمَاعَ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ مِنْهُ كَانَ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ1 عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه، قَالَتْ: أَدْخِلُوهُ الْمَسْجِدَ حَتَّى أُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَأُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ لَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ، سُهَيْلٍ. وَأَخِيهِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: صَلَاتُهُ عليه الصلاة والسلام عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ مَنْسُوخَةٌ، وَآخِرُ الْفِعْلَيْنِ مِنْهُ عليه السلام التَّرْكُ، لِإِنْكَارِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ عَلَى عَائِشَةَ، وَلَوْ عَلِمُوا خِلَافَهُ لَمَا أَنْكَرُوهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ نَسْخُ حَدِيثِ عَائِشَةَ، لَذَكَرَهُ يَوْمَ صَلَّى عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فِي الْمَسْجِدِ، وَيَوْمَ صَلَّى عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي الْمَسْجِدِ، وَلَذَكَرَهُ مَنْ أَنْكَرَ عَلَى عَائِشَةَ أَمْرَهَا بِإِدْخَالِهِ الْمَسْجِدَ، أَوْ ذَكَرَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ حِينَ رَوَتْ فِيهِ الْخَبَرَ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْجَوَازِ، فَلَمَّا رَوَتْ فِيهِ الْخَبَرَ سَكَتُوا، وَلَمْ يُنْكِرُوهُ، وَلَا عَارَضُوهُ بِغَيْرِهِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ صُلِّيَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَسْجِدِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَامَّةَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ شَهِدُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا، وَفِي تَرْكِهِمْ الْإِنْكَارَ دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ، وَإِنْ ثَبَتَ حَدِيثُ صَالِحٍ، مولى التوءَمة، فَيُتَأَوَّلُ عَلَى نُقْصَانِ الْأَجْرِ، أَوْ تَكُونُ اللَّامُ، بِمَعْنَى: عَلَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ إسْمَاعِيلَ
بْنِ أَبَانَ الْغَنَوِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا تَرَكَ أَبُو بَكْرٍ دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَالَ: إسْمَاعِيلُ الْغَنَوِيُّ مَتْرُوكٌ، وَأَخْرَجَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ صُهَيْبٌ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": سَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُمَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ1"، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ. وَمَعْمَرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: رَأَى رِجَالًا يَخْرُجُونَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِيُصَلُّوا عَلَى جِنَازَةٍ، فَقَالَ: مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟!، وَاَللَّهِ مَا صُلِّيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ2 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صُلِّيَ عَلَى عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" كَمَا تَرَى. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ عليه الصلاة والسلام: "إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ"،قُلْت رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابن عباس. حديث جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الطِّفْلُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يَرِثُ، وَلَا يُورَثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ"، انْتَهَى. بِلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ. أَخْرَجَهُ فِي "الْجَنَائِزِ" عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِهِ، قَالَ: وَقَدْ اضْطَرَبَ النَّاسُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَوْقُوفًا، وَكَأَنَّهُ أَصَحُّ، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَقَالَ: إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ لَمْ يَحْتَجَّا بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هُوَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مُعَنْعَنًا مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْهُ5، وَهُوَ عِلَّةٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ غَيْرُهُ أَوْثَقُ مِنْهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "الْفَرَائِضِ" عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِهِ، بِلَفْظِ: إذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَوَرِثَ، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ قَالَ النَّسَائِيُّ: وَلِلْمُغِيرَةِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ. وَالْمَتْنِ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْحَادِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا6، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ
ابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِهِ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ النَّسَائِيّ، وَالرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ يُعْرَفُ "بِعَلِيلَةَ" ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ. وَغَيْرُهُ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا2 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِهِ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا3 عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ مَوْقُوفًا النَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: إذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَوَرِثَ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَلَا يُورَثُ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ4 مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، نَحْوَهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": هَذَا حَدِيثٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عَطَاءٍ. وَأَبِي الزُّبَيْرِ، فَرَوَاهُ الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَطَاءٍ5، فَرَفَعَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ عَنْهُ6، فَوَقَفَهُ، وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ يَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، فَرَفَعَهُ، وَوَقَفَهُ غَيْرُهُ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" تَعْلِيقًا مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ: الطِّفْلُ إذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ لَا يَسْتَهِلُّ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سِقْطٌ، انْتَهَى. وَهَذَا التَّعْلِيقُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"7 حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، فَذَكَرَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ8" عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْكُوفِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي السِّقْطِ: لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَهِلَّ، فَإِذَا اسْتَهَلَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَعُقِلَ، وَوَرِثَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُوَرَّثْ، وَلَمْ يُعْقَلْ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا فِي "تَرْجَمَةِ شَرِيكٍ الْقَاضِي" حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَوَرِثَ، انْتَهَى. وَذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إلَى أَنَّ الطِّفْلَ يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَمَالِكٌ مَعَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، وَاحْتَجَّ لَهُمْ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِحَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ9 عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ أَخْبَرَنِي
أَبِي عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "السِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ" 1، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي مسنده اضْطِرَابٌ سَيَأْتِي فِي الْمَشْيِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ، الْحَدِيثِ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ الْبَخْتَرِيِّ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلُّوا عَلَى أَطْفَالِكُمْ، فَإِنَّهُمْ مِنْ أَفْرَاطِكُمْ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: الْبَخْتَرِيُّ ضَعِيفٌ، وَأَبُوهُ مَجْهُولٌ، وَمَعَ ضَعْفِهِ يُمْكِنُ حَمْلُ الْأَطْفَالِ عَلَى مَنْ اسْتَهَلَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَحَادِيثُ صَلَاتِهِ عليه السلام عَلَى وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ فِيهِ أَحَادِيثُ مُسْنَدَةٌ. وَأَحَادِيثُ مُرْسَلَةٌ، فَالْمُسْنَدَةُ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. وَأَنَسٍ. وَالْخُدْرِيِّ. فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ3" أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ دَاوُد بْنِ شَبِيبٍ الْبَاهِلِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ إبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: "إنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ، وَلَوْ عَاشَ لَكَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا، وَلَعَتَقَتْ أَخْوَالُهُ الْقِبْطُ، وَمَا اُسْتُرِقَّ قِبْطِيٌّ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ، فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ4" حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ، وَمَاتَ، وَهُوَ ابْنُ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: وَكَوْنُهُ صَلَّى عَلَيْهِ، هُوَ أَشْبَهُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَى آخِرِهِ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْبَرَاءَ، وَكَذَلِكَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ5" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَابِرٍ بِهِ مُرْسَلًا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ6" حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر ثَنَا مُحَمَّدُ بن عبيد الله القواريري7 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى
ابنه إبْرَاهِيمَ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ1، فَذَكَرَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ الصَّيْرَفِيُّ الْكُوفِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ2 بْنُ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أبي بصرة3 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِلَفْظِ أَبِي يَعْلَى سَوَاءً. وَأَمَّا الْمُرْسَلَةُ: فَعَنْ الْبَهِيِّ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ إبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَقَاعِدِ، انْتَهَى. وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ لَيْلَةً، انْتَهَى. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ4"، وَرَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: هَذِهِ الْآثَارُ مُرْسَلَةٌ، وَهِيَ تَشُدُّ الْمَوْصُولَ، وَرِوَايَاتُ الْإِثْبَاتِ أَوْلَى مِنْ رِوَايَاتِ التَّرْكِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"5 عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَيْهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَيْضًا6 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَّى عَلَيْهِ بِالْبَقِيعِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ التَّرْكِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"7 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: مَاتَ إبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ. وَالْبَزَّارُ. وَأَبُو يَعْلَى فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ مُرْسَلَ عَطَاءٍ، وَقَالَ: هَذَا أَوْلَى الْأَمْرَيْنِ، وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَحْسَنَ8 إيصَالًا، وَاعْتَلَّ هُوَ. وَغَيْرُهُ مِمَّنْ سَلَّمَ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِعِلَلٍ ضَعِيفَةٍ: مِنْهَا شَغْلِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ اسْتَغْنَى بِفَضِيلَةِ1 بُنُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ، كَمَا اسْتَغْنَى الشُّهَدَاءُ بِفَضِيلَةِ الشَّهَادَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي نَبِيٌّ عَلَى نَبِيٍّ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَكَانَ نَبِيًّا2، وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَإِنْ مَاتَ الْكَافِرُ، وَلَهُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ وَيَدْفِنُهُ، بِذَلِكَ أُمِرَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي حَقِّ أَبِيهِ أَبِي طَالِبٍ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3. وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ أَبُوهُ أَبُو طَالِبٍ، قَالَ: انْطَلَقْتُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ عَمَّك الشَّيْخَ الضَّالَّ، قَدْ مَاتَ، قَالَ: "اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاك، ثُمَّ لَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي"، فَذَهَبْت فَوَارَيْتُهُ، وَجِئْتُهُ، فَأَمَرَنِي، فَاغْتَسَلْت، وَدَعَا لِي، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ4. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَأَبُو يَعْلَى. وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الْغُسْلُ وَالْكَفَنُ، إلَّا أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ: فَأَمَرَنِي، فَاغْتَسَلْتُ، فَإِنَّ الِاغْتِسَالَ شُرِعَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَلَمْ يُشْرَعْ مِنْ دَفْنِهِ، وَلَمْ يَسْتَدِلَّ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ. وَغَيْرُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، إلَّا عَلَى الِاغْتِسَالِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، فَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"5 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا أُخْبِرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْتِ أَبِي طَالِبٍ بَكَى، ثُمَّ قال لي: "اذهب فاغسله، وَكَفِّنْهُ، وَوَارِهِ"، قَالَ: فَفَعَلْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَقَالَ لِي: "اذْهَبْ فَاغْتَسِلْ"، قَالَ: وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ أَيَّامًا، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الْآيَةَ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"6 الْحَدِيثَ بِسَنَدِ السُّنَنِ، قَالَ: إنَّ عَمَّك الشَّيْخَ الْكَافِرَ قَدْ مَاتَ، فَمَا تَرَى فِيهِ؟ قَالَ: "أَرَى أَنْ تُغَسِّلَهُ، وَتَجُنَّهُ"، وَأَمَرَهُ بِالْغُسْلِ، انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"7 مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيَّ عَنْ
أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْت: إنَّ عَمَّك الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ، قَالَ: "اذْهَبْ فَوَارِهِ، وَلَا تُحْدِثُ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي"، قَالَ: فَوَارَيْته، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، قَالَ: "اذْهَبْ فَاغْتَسِلْ"، فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَدَعَا لِي بِدَعَوَاتٍ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا حُمُرَ النَّعَمِ أَوْ سُودَهَا، قَالَ: وَكَانَ عَلِيٌّ إذَا غَسَّلَ مَيِّتًا اغْتَسَلَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ1. وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ. وَابْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مَسَانِيدِهِمْ" عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ بِهِ، بِلَفْظِ السُّنَنِ، زَادَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ مَاتَ مُشْرِكًا، قَالَ: اذْهَبْ فَوَارِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ الْوُسْطَى"2، ثُمَّ قَالَ: وَنَاجِيَةُ بْنُ كَعْبٍ لَا يعلم روى عنه روى غَيْرُ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ. وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ، انْتَهَى. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" حَدِيثَ عَلِيٍّ هَذَا مِنْ طُرُقٍ، وَقَالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ بَاطِلٌ، وَأَسَانِيدُهُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَبَعْضُهَا مُنْكَرٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ، فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد3. وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ، وَبَسَطَ الْبَيْهَقِيُّ الْقَوْلَ فِي طُرُقِهِ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ وَقْفُهُ، قَالَ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، قَالَا: لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، شَيْخُ الْبُخَارِيِّ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ حَدِيثًا ثَابِتًا، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ. وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَمِنْ الْحِجَامَةِ. وَغُسْلِ الْمَيِّتِ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد4 بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مَنْعِهِ الْمُسْلِمَ غَسْلَ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ وَدَفْنِهِ، بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"5، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّيَّ تُوُفِّيَتْ، وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَحْضُرَهَا، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "ارْكَبْ دَابَّتَكَ، وَسِرْ أَمَامَهَا، فَإِنَّك إذَا كُنْتَ أَمَامَهَا لَمْ تَكُنْ مَعَهَا"، انْتَهَى. وَهَذَا مَعَ ضَعْفِهِ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، كَمَا تَرَاهُ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ لِخُصُومِهِ بِحَدِيثِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَجَابَ بِأَنَّهُ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا أَيْضًا مَمْنُوعٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَحَادِيثُ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ فِيهِ حَدِيثُ النَّجَاشِيِّ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ6 مِنْ
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ أَرْبَعًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَاهُ عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَكُنْت فِي الصَّفِّ الثَّانِي. أَوْ الثَّالِثِ، انْتَهَى. وَلِأَصْحَابِنَا عَنْهُ أَجْوِبَةٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ لَهُ سَرِيرُهُ، فَرَآهُ، فَتَكُونُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، كَمَيِّتٍ رَآهُ الْإِمَامُ، وَلَا يَرَاهُ الْمَأْمُومُونَ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ يُثْبِتُهُ، وَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ، انْتَهَى. قُلْت: وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"1 فِي النَّوْعِ الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ أَخَاكُمْ النَّجَاشِيَّ تُوُفِّيَ، فَقُومُوا صَلُّوا عَلَيْهِ"، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَفُّوا خَلْفَهُ، فَكَبَّرَ أَرْبَعًا، وَهُمْ لَا يَظُنُّونَ إلَّا أَنَّ جِنَازَتَهُ2 بَيْنَ يَدَيْهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ3 لِأَنَّهُ مَاتَ بِأَرْضٍ لَمْ يُقَمْ فِيهَا عَلَيْهِ فَرِيضَةُ الصَّلَاةِ، فَتَعَيَّنَ فَرْضُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ ثَمَّ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ عَلَى غَائِبٍ غَيْرِهِ، وَقَدْ مَاتَ مِنْ الصَّحَابَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَهُمْ غَائِبُونَ عَنْهُ، وَسَمِعَ بِهِمْ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، إلَّا غَائِبًا وَاحِدًا وَرَدَ أَنَّهُ طُوِيَتْ لَهُ الْأَرْضُ حَتَّى حَضَرَهُ، وَهُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمُزَنِيّ، رَوَى حَدِيثَهُ الطَّبَرَانِيُّ4 فِي "مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ". وَ"كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ ثَنَا نُوحُ بْنُ عَمْرِو5 بْنِ حُوَيٍّ السَّكْسَكُ6 ثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ، فنزل عليه جبرئيل، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ مُعَاوِيَةَ الْمُزَنِيّ
مَاتَ بِالْمَدِينَةِ، أَتُحِبُّ أَنْ أَطْوِيَ لَك الْأَرْضَ فَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ عَلَى الْأَرْضِ، فَرَفَعَ لَهُ سَرِيرَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَخَلْفَهُ صَفَّانِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، فِي كُلِّ صَفٍّ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ رجع، وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبرئيل: "بِمَ أَدْرَكَ هَذَا؟ " قَالَ: بِحُبِّ سُورَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، قراءته إيَّاهَا جَائِيًا، وَذَاهِبًا، وَقَائِمًا، وَقَاعِدًا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْمُزَنِيّ"، قَالَ: وَيُقَالُ: اللَّيْثِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا الْعَلَاءُ أَبُو مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَصْرِيُّ ثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ هِلَالٍ الْمُزَنِيّ عَنْ ابْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ1 عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَبِسَنَدِ ابْنِ سَعْدِ الْأَوَّلِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ2، وَضَعَّفَهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": وَالْعَلَاءُ هَذَا ابْنُ زَيْدٍ، وَيُقَالُ: ابْنُ يَزِيدَ، اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَابْنُ عَدِيٍّ. وَأَبُو حَاتِمٍ هُوَ مُنْكَرٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ، وَغَائِبَانِ آخَرَانِ، وَهُمَا: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ. وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَرَدَ أَنَّهُ أَيْضًا كُشِفَ لَهُ عَنْهُمَا، أَخْرَجَهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي"، فَقَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: لَمَّا الْتَقَى النَّاسُ بمئونة، جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَكُشِفَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّامِ، فَهُوَ يَنْظُرُ إلَى مَعْرَكَتِهِمْ، فَقَالَ عليه السلام: "أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَمَضَى حَتَّى اُسْتُشْهِدَ"، وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، وَقَالَ: "اسْتَغْفِرُوا لَهُ، وَقَدْ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَهُوَ يَسْعَى"، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَمَضَى حَتَّى اُسْتُشْهِدَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَعَا لَهُ، وَقَالَ: "اسْتَغْفِرُوا لَهُ، وَقَدْ دَخَلَ الْجَنَّةَ، فَهُوَ يَطِيرُ فِيهَا بِجَنَاحَيْنِ حَيْثُ شَاءَ"، مُخْتَصَرٌ، وَهُوَ مُرْسَلٌ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ.
أَحَادِيثُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى حَدِيثٌ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ"1 عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِي فَرْوَةَ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أنيسة عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" بِأَبِي فَرْوَةَ، وَنَقَلَ تَضْعِيفَهُ عَنْ أَحْمَدَ. وَالنَّسَائِيُّ. وَابْنِ مَعِينٍ. وَالْعُقَيْلِيِّ، قَالَ: فَفِيهِ عِلَّةٌ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَعْلَى الرَّاوِيَ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ، وَهُوَ أَبُو زَكَرِيَّا الْقَطَوَانِيُّ الْأَسْلَمِيُّ، هَكَذَا صُرِّحَ بِهِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَهُمْ آخَرُ فِي طَبَقَتِهِ "يُكَنَّى أَبَا الْمُحَيَّا" ذَاكَ ثِقَةٌ، وَلَيْسَ هُوَ هَذَا، انْتَهَى. قُلْت: قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي أَبِي فَرْوَةَ: كَثِيرُ الْخَطَأِ، لَا يُعْجِبُنِي الِاحْتِجَاجُ بِهِ إذَا وَافَقَ الثِّقَاتِ، فَكَيْفَ إذَا انْفَرَدَ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ الْفَضْلِ بْنِ السَّكَنِ ثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ، ثُمَّ لَا يَعُودُ3، انْتَهَى. وَسَكَتَ عنه، ولكن أَعَلَّهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ" بِالْفَضْلِ بْنِ السَّكَنِ، وَقَالَ: إنَّهُ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَلَمْ أَجِدْهُ فِي ضُعَفَاءِ ابْنِ حِبَّانَ. حَدِيثٌ آخَرُ: يُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ" عَنْ عُمَرَ بْنِ شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ إذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ، وَإِذَا انْصَرَفَ سَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَكَذَا رَفَعَهُ عُمَرُ بْنُ شَيْبَةَ، وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ، فَرَوَوْهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَلَمْ يَرْوِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ "الْمُفْرَدِ4 فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ" شَيْئًا فِي هَذَا الْبَابِ، إلَّا حَدِيثًا مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَحَدِيثًا مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنهم، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فصل في حمل الجنائز
فَصْلٌ فِي حمل الجنائز ... فصل في حَمْلِ الْجِنَازَةِ قَوْلُهُ: فَإِذَا حُمِلَ الْمَيِّتُ عَلَى سَرِيرِهِ1 أَخَذُوا بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ، بِذَلِكَ وَرَدَتْ السُّنَّةُ، قُلْت: أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: مَنْ اتَّبَعَ جِنَازَةً فَلْيَأْخُذْ بِجَوَانِب السَّرِيرِ كُلِّهَا، فَإِنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ، إنْ شَاءَ، فَلْيَتَطَوَّعْ، وَإِنْ شَاءَ، فَلْيَدَعْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ3 وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسٍ بِهِ، بِلَفْظِ: فَلْيَأْخُذْ بِجَوَانِب السَّرِيرِ الْأَرْبَعَةِ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ رحمه الله فِي "كِتَابِ الْآثَارِ4"، أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ بِهِ، قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ حَمْلُ الْجِنَازَةِ بِجَوَانِب السَّرِيرِ الْأَرْبَعَةِ، انْتَهَى. قَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله: وَصِفَتُهُ أَنْ يَبْدَأَ الرَّجُلُ، فَيَضَعَ يَمِينَ الْمَيِّتِ الْمُقَدَّمَ عَلَى يَمِينِهِ، ثُمَّ يَضَعَ يَمِينَ الْمَيِّتِ الْمُؤَخَّرَ عَلَى يَمِينِهِ، ثُمَّ يَعُودَ إلَى الْمُقَدَّمِ الْأَيْسَرِ فَيَضَعَهُ عَلَى يَسَارِهِ، ثُمَّ يَأْتِيَ الْمُؤَخَّرَ الْأَيْسَرَ فَيَضَعَهُ عَلَى يَسَارِهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ5. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ ابْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ، قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما فِي جِنَازَةٍ، فَحَمَلَ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعِ، مُخْتَصَرٌ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنِي الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الْمُهَزَّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: مَنْ حَمَلَ الْجِنَازَةَ بِجَوَانِبِهَا الْأَرْبَعِ، فَقَدْ قَضَى الَّذِي عَلَيْهِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: السُّنَّةُ أَنْ يَحْمِلَهَا رَجُلَانِ، يَضَعَهَا السَّابِقُ عَلَى أَصْلِ عنقه، والثاني على أعلا صَدْرِهِ، لِأَنَّ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ هَكَذَا حُمِلَتْ، قُلْنَا: كَانَ ذَلِكَ لِازْدِحَامِ الْمَلَائِكَةِ
عَلَيْهِ، قُلْت: رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ1 فِي تَرْجَمَةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ شُيُوخٍ مِنْ بَنِي الْأَشْهَلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ مِنْ بَيْتِهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ حَتَّى خَرَجَ بِهِ مِنْ الدَّارِ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ رحمه الله: وَالدَّارُ تَكُونُ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله فِي "الْخُلَاصَةِ": وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، قُلْت: لَمْ أَجِدْهُ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" إلَّا بِغَيْرِ سَنَدٍ، وَلَفْظُهُ: قَالَ2: وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَعْدٍ، فَغُسِّلَ، ثُمَّ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، ثُمَّ حُمِلَ عَلَى السَّرِيرِ، حَمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرِهِ حَتَّى رُفِعَ مِنْ دَارِهِ، إلَى أَنْ خَرَجَ، مُخْتَصَرٌ. وَأَمَّا ازْدِحَامُ الْمَلَائِكَةِ فِي جِنَازَتِهِ، فَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ3 أَيْضًا أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: "لَقَدْ شَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لَمْ يَنْزِلُوا إلَى الْأَرْضِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً، ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ"، انْتَهَى. وَهَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ4"، وَذَكَرَ فِي إسْنَادِهِ اخْتِلَافًا، وَلَمْ يُضَعِّفْهُ، وَلَا جَعَلَهُ مُنْكَرًا، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، إلَى أَنْ قَالَ: وَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ سَعْدٌ رَجُلًا جَسِيمًا، فَلَمْ نَرَ أَخَفَّ مِنْهُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ تَحْمِلُهُ"، مُخْتَصَرٌ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ5" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّيِّ ثَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ عَنْ ابْنِ الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: تُوُفِّيَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَشَهِدْنَاهُ، فَلَمَّا خَرَجَ سَرِيرُهُ مِنْ حُجْرَتِهِ إذَا حَسَنُ بْنُ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهم بَيْنَ عَمُودَيْ السَّرِيرِ، فَأَمَرَ بِهِ الْحَجَّاجُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْنِ عَمُودَيْ السَّرِيرِ، لِيَقِفَ مَكَانَهُ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ، فَسَأَلَهُ بَنُو جَابِرٍ، أَلَا خَرَجْت، فَخَرَجَ، وَجَاءَ الْحَجَّاجُ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ عَمُودَيْ السَّرِيرِ، وَلَمْ يَزَلْ حَتَّى وُضِعَ،
وَصَلَّى عَلَيْهِ الْحَجَّاجُ، ثُمَّ جَاءَ إلَى الْقَبْرِ، فَنَزَلَ حَسَنُ بْنُ حَسَنٍ فِي قَبْرِهِ، فَأَمَرَ بِهِ الْحَجَّاجُ أَنْ يَخْرُجَ لِيَدْخُلَ مَكَانَهُ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ، فَسَأَلَهُ بَنُو جَابِرٍ، فَخَرَجَ فَدَخَلَ الْحَجَّاجُ الْحُفْرَةَ، حَتَّى فَرَغَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ الْأَوْسَطِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ثَنَا عَاصِمُ بْنُ سُوَيْد سَمِعْت جَدِّي مُعَاوِيَةَ بْنَ مَعْبَدٍ، قَالَ: شَهِدْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ لَمَّا مَاتَ، فَذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا، وَزَادَ فِيهِ وَكُنْيَتُهُ: "جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ السُّلَمِيُّ الْمَدَنِيُّ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ الْمِصْرِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ أُسَيْد بْنُ حُضَيْرٍ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَحَمَلَهُ عُمَرُ بَيْنَ عَمُودَيْ السَّرِيرِ حَتَّى وَضَعَهُ بِالْبَقِيعِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"1 مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَنْبَأَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: رَأَيْت سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ فِي جِنَازَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَاضِعًا السَّرِيرَ عَلَى كَاهِلِهِ، قَائِمًا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَحْمِلُ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرٍ، سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ2 رضي الله عنه أَيْضًا، أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَمِّهِ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: رَأَيْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه يَحْمِلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ، وَاضِعًا السَّرِيرَ عَلَى كَاهِلِهِ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا3 عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عُمَرَ فِي جِنَازَةِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَائِمًا بَيْنَ قَائِمَتَيْ السَّرِيرِ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَيْضًا، أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ شُرَحْبِيلَ أَبِي عَوْنٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت ابْنَ الزُّبَيْرِ يَحْمِلُ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرٍ، الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"4 أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، وَهُوَ5 يَوْمَئِذٍ عَامِلُ الْمَدِينَةِ، حَمَلَ سَرِيرَ حَفْصَةَ
بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ مِنْ عِنْدِ دَارِ أَبِي حَزْمٍ، إلَى دَارِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَحَمَلَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ دَارِ الْمُغِيرَةِ إلَى قَبْرِهَا، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ1 أَنْبَأَنَا إسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ، قَالَ: رَأَيْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ حَمَلَ سَرِيرَ أُمِّهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ حَتَّى وَضَعَهَا بموضع الْجَنَائِزِ، وَقَامَ عَلَى قَبْرِهَا، وَدَعَا لَهَا. الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَشْيِ بِالْجِنَازَةِ، فَقَالَ: "مَا دُونَ الْخَبَبِ"2، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ يَحْيَى الْجَابِرِ عَنْ أَبِي مَاجِدٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَشْيِ مَعَ الْجِنَازَةِ، فَقَالَ: "مَا دُونَ الْخَبَبِ، إنْ يَكُنْ خَيْرًا يعجل إليه، وإن يَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَبُعْدًا لِأَهْلِ النَّارِ، وَالْجِنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ وَلَا تَتْبَعُ، لَيْسَ مَعَهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَسَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَيَقُولُ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قِيلَ لِيَحْيَى: مَنْ أَبُو مَاجِدٍ هَذَا؟ فَقَالَ: طَائِرٌ طَارَ، فَحَدَّثَنَا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَأَبُو مَاجِدٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَلَهُ حَدِيثَانِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَيَحْيَى الْجَابِرُ، وَيُقَال: الْمُجْبَرُ، ثِقَةٌ، يُكَنَّى: أَبَا الْحَارِثِ، وَهُوَ كُوفِيٌّ، رَوَى لَهُ شُعْبَةُ. وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَابْنُ عُيَيْنَةَ. وَأَبُو الْأَحْوَصِ. وَغَيْرُهُمْ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": قَالَ الْبُخَارِيُّ: أَبُو مَاجِدٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَضَعَّفَهُ جِدًّا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَأَبُو يَعْلَى فِي "مَسَانِيدِهِمْ". أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْأَرْبَعَةُ4 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ5 فِي الْفَضَائِلِ" عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عُيَيْنَةَ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِي جِنَازَةِ عُثْمَانَ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: فَكُنَّا نَمْشِي مَشْيًا خَفِيفًا، قَالَ: فَرَفَعَ أَبُو بَكْرَةَ سَوْطَهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: وَاَلَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ أَبِي الْقَاسِمِ، لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّا لَنَكَادُ أَنْ نَرْمُلَ بِهَا رَمَلًا، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: فِي جِنَازَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: حَضَرْنَا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ جِنَازَةَ مَيْمُونَةَ، بِسَرِفٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ مَيْمُونَةُ، إذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلَا تُزَعْزِعُوا، وَلَا تُزَلْزِلُوا، مُخْتَصَرٌ، فَالْمُرَادُ بِهِ شِدَّةُ الْإِسْرَاعِ، لِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْهُ الِانْفِجَارُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "النِّكَاحِ"، وَبَقِيَّتُهُ: فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ تِسْعُ نِسْوَةٍ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ، وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ، قَالَ عَطَاءٌ: الَّتِي لَا يَقْسِمُ لَهَا صفية بنت حبي، انْتَهَى. وَزَادَ مُسْلِمٌ: قَالَ عَطَاءٌ: وَكَانَتْ آخِرَهُنَّ مَوْتًا، مَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ، رضي الله عنها، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْمَشْيِ خَلْفَ الْجِنَازَةِ حَدِيثُ أَبِي مَاجِدٍ، تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: "الْجِنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ، وَلَا تَتْبَعُ، لَيْسَ مَعَهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 فِي "سُنَنِهِ" عَنْ حَرْبِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ ناب بن عمر حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُتْبَعُ الْجِنَازَةُ بِصَوْتٍ، وَلَا نَارٍ، وَلَا يُمْشَى بَيْنَ يَدَيْهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ"، وَمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ حَرْبِ بْنِ شَدَّادٍ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله فِي "الْعِلَل الْمُتَنَاهِيَةِ" بِأَنَّ فِيهِ رَجُلَيْنِ مَجْهُولَيْنِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 فِي فَضَائِلِ مَارِيَةَ" أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ ثَنَا أَبِي ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشَى خَلْفَ جِنَازَةِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام حَافِيًا، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ2" حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْحِمْصِيِّ الْعَطَّارِ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْشِي خَلْفَ الْجِنَازَةِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ لَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، قَالَهُ السَّعْدِيُّ، وَعَنْ ابْنِ مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَعَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخُو فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ ضَعِيفٌ، أَضْعَفُ مِنْ أَخِيهِ فُلَيْحِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ مُطَّرِحِ بْنِ يَزِيدَ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ علي بن زيد عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: سَأَلَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، الْمَشْيُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ أَمْ أَمَامَهَا؟ فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: وَاَلَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ إنَّ فَضْلَ الْمَاشِي خَلْفَهَا عَلَى الْمَاشِي أَمَامَهَا، كَفَضْلِ صَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى التطوع، فقال أَبُو سَعِيدٍ: أَبِرَأْيِك تَقُولُ، أَمْ شَيْءٍ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَغَضِبَ، وَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ، بَلْ سَمِعْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَلَا اثْنَيْنِ، وَلَا ثَلَاثٍ، حَتَّى عَدَّ سَبْعًا، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: إنِّي رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ يَمْشِيَانِ أَمَامَهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُمَا، لَقَدْ سَمِعَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا سَمِعْتُهُ، وَإِنَّهُمَا وَاَللَّهِ لَخَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَكِنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ وَيَتَضَايَقُوا، فَأَحَبَّا أَنْ يُسَهِّلَا عَلَى النَّاسِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" بِمُطَّرِحٍ، وَضَعَّفَهُ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَقَالَ: الضَّعْفُ عَلَى حَدِيثِهِ بَيِّنٌ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله فِي "الْعِلَل الْمُتَنَاهِيَةِ": عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ، وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ، وَالْقَاسِمُ كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ، فَإِذَا اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ، فِي حَدِيثٍ، فَهُوَ مِمَّا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كتاب الضعفاء": عبد اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا، يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الْأَثْبَاتِ، وَإِذَا رَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ أَتَى بِالطَّامَّاتِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي إسْنَادِ خَبَرٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ، وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ، وَالْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَمَتْنُهُ مِمَّا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ. وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، أَنَّهُ قَالَ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَكُلُّ حَدِيثِهِ عِنْدِي ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا1 أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا مَشَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ إلَّا خَلْفَ الْجِنَازَةِ، انْتَهَى. وَهُوَ مُرْسَلٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ قُرْبَانًا، وَإِنَّ قُرْبَانَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَوْتَاهَا، فَاجْعَلُوا مَوْتَاكُمْ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ: جَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنَّ أُمَّهُ تُوُفِّيَتْ، وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ، وَهِيَ تُحِبُّ أَنْ يَحْضُرَهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عليه السلام: "ارْكَبْ دَابَّتَك، وَسِرْ أَمَامَهَا، فَإِنَّك إذَا كُنْت أَمَامَهَا، لَمْ تَكُنْ مَعَهَا"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَبُو مَعْشَرٍ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ إبْرَاهِيمَ3 بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ ثَنَا أَبُو بَكْرَةَ عَبْدُ الْعَظِيمِ بْنُ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ يُسْمَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَمْشِي خَلْفَ الْجِنَازَةِ، إلَّا قَوْلُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، مُبْدِيًا، وَرَاجِعًا، انْتَهَى. وَضَعَّفَ إبْرَاهِيمَ هَذَا، وَجَعَلَهُ مِنْ مُنْكَرَاتِهِ. وَأَعَادَهُ فِي "تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ"، وَضَعَّفَهُ تَضْعِيفًا يَسِيرًا. الْآثَارُ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"4 أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ زَائِدَةَ بْنِ أَوْسٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْت فِي جِنَازَةٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَمْشِيَانِ أَمَامَهَا، وَعَلِيٌّ يَمْشِي خَلْفَهَا، فَقُلْت لِعَلِيٍّ: أَرَاك تَمْشِي خَلْفَ الْجِنَازَةِ، وَهَذَانِ يَمْشِيَانِ أَمَامَهَا؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: لَقَدْ عَلِمَا أَنَّ فَضْلَ الْمَشْيِ خَلْفَهَا عَلَى الْمَشْيِ أَمَامَهَا، كَفَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْفَذِّ، وَلَكِنَّهُمَا أَحَبَّا أَنْ يُيَسِّرَا عَلَى النَّاسِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ5
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ ابْنِ أَبْزَى، قَالَ: كُنْت فِي جِنَازَةٍ، الْحَدِيثَ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ"1 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي جِنَازَةٍ، وَأَنَا مَعَهُ، فَقُلْت لَهُ: يَا أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، كَيْفَ السُّنَّةُ فِي الْمَشْيِ مَعَ الْجِنَازَةِ، أَمَامَهَا، أَوْ خَلْفَهَا؟ فَقَالَ: وَيْحَك يَا نَافِعُ، أَمَا تَرَانِي أَمْشِي خَلْفَهَا؟!، انْتَهَى2. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ3 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ ثَنَا أَبُو كَرْبٍ أَوْ أَبُو حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ لَهُ: كُنْ خَلْفَ الْجِنَازَةِ، فَإِنَّ مُقَدَّمَهَا لِلْمَلَائِكَةِ، وَخَلْفَهَا لِبَنِي آدَمَ، مُخْتَصَرٌ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ4 عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَبَا بَكْرٍ. وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ، انْتَهَى. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ غَيْرَ مَرَّةٍ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّ سُفْيَانَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ5،
سَكَتَ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَزِيَادُ بْنُ سَعْدٍ1، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَرَوَى مَعْمَرٌ، وَيُونُسُ بْنُ يزيد، وَمَالِكٌ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ. قَالَ: وَأَهْلُ الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ فِي ذَلِكَ أَصَحُّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ رحمه الله: وَسَمِعْت يَحْيَى بْنَ مُوسَى يَقُولُ: سَمِعْت عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ رضي الله عنهما: حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا مُرْسَلًا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَرَى ابْنَ جُرَيْجٍ أَخَذَهُ مِنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ رحمه الله2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ ثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَمْشِي أَمَامَ الْجِنَازَةِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، رضي الله عنهم، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَسَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: أَخْطَأَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا3 عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ خَطَأٌ، وَهِمَ فِيهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَخَالَفَهُ مَالِكٌ رضي الله عنه، فَرَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ: وَإِنَّمَا أَتَى عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الزُّهْرِيَّ رَوَاهُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي أَمَامَ الْجِنَازَةِ، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ عليه السلام، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ، فَقَوْلُهُ: وَكَانَ النَّبِيُّ عليه السلام إلَى آخِرِهِ، مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ، لَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: الْحُفَّاظُ عَنْ الزُّهْرِيِّ ثَلَاثَةٌ: مَالِكٌ، وَمَعْمَرٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، فَإِذَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى قَوْلٍ أَخَذْنَا بِهِ، وَتَرَكْنَا قَوْلَ الْآخَرِ، انْتَهَى كَلَامُ النَّسَائِيّ. قُلْت: وَبِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ النَّسَائِيُّ، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"4 حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَرَأْت عَلَى ابْنِ جُرَيْجٍ: ثَنَا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْ الْجِنَازَةِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وعمر يمشون أمامها، قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي: هَذَا الْحَدِيثُ إنَّمَا هُوَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرْسَلٌ،
وَحَدِيثُ سَالِمٍ فِعْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ، كَأَنَّهُ وَهَمَ، وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا أَبِي بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ1 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عن أبيه به، بِلَفْظِ السُّنَنِ، وَزَادَ فِيهِ ذِكْرَ عُثْمَانَ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ عُثْمَانُ عَنْ النَّسَائِيّ أَيْضًا. الْآثَارُ: أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"2 عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ النَّاسَ، يُقَدِّمُهُمْ أَمَامَ جِنَازَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ3 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صَالِحٍ مولى التوءَمة، قَالَ: رَأَيْت أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وَأَبَا قَتَادَةَ، وَابْنَ عُمَرَ، وَأَبَا أَسِيد رضي الله عنهم يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْقَائِلِينَ بِالتَّفْضِيلِ: ذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه إلَى أَنَّ أَمَامَ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ فِي حَقِّ الْمَاشِي، وَخَلْفَهَا أَفْضَلُ فِي حَقِّ الرَّاكِبِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ4 عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ، وَالْمَاشِي يَمْشِيَ أَمَامَهَا قَرِيبًا عَنْهَا، عَنْ يَمِينِهَا، أَوْ عَنْ يَسَارِهَا" انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ رضي الله عنه فِي "مُسْنَدِهِ". وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ، انْتَهَى. وَفِي سَنَدِهِ اضْطِرَابٌ، وَفِي مَتْنِهِ أَيْضًا.5، فَإِنَّ أَبَا دَاوُد أَخْرَجَهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: وَأَحْسَبُ أَنَّ أَهْلَ زِيَادٍ6 أَخْبَرُونِي أَنَّهُ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "الرَّاكِبُ" إلَى آخِرِهِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ بِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَبِهَذَا السَّنَدِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ1. وَابْنُ مَاجَهْ، لَيْسَ فِيهِ: عَنْ أَبِيهِ، وَفِي لَفْظِ ابْنِ مَاجَهْ: عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ سمع المغيرة، فذكره. والله الموفق.
فصل في الدفن
فَصْلٌ فِي الدَّفْنِ الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "اللَّحْدُ لَنَا، وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم. فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ2 عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّحْدُ لَنَا، وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا" انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَعَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَامِرٍ الثَّعْلَبِيُّ، فِيهِ مَقَالٌ3، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": أَرَاهُ لَا يَصِحُّ مِنْ أَجْلِهِ، كَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ، وَوَصَفَهُ بِالِاضْطِرَابِ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ضَعِيفٌ، ربما رَفَعَ الْحَدِيثَ، وَرُبَّمَا وَقَفَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: قَالَ أَحْمَدُ رضي الله عنه: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، حَدَّثَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، بِأَشْيَاءَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَرِيرٍ: رضي الله عنه، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"4 عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ عَنْ زَاذَانَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ. وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَمِنْ طَرِيقِهِ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ زَاذَانَ"، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: رَوَاهُ عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ سُفْيَانُ النوري، وَعَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ. وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَأَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ، وَقَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، انْتَهَى. وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي "مُسْنَدِهِ"5 عَنْ أَبِي جَنَابٍ عَنْ زَاذَانَ عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام جَلَسَ عَلَى شَفِيرِ قَبْرٍ، فَقَالَ: "أَلْحِدُوا، وَلَا تَشُقُّوا، فَإِنَّ اللَّحْدَ لَنَا، وَالشَّقَّ لِغَيْرِنَا"، وَفِيهِ
قِصَّةٌ، وَالْأَوَّلُ مَعْلُولٌ بِأَبِي الْيَقْظَانِ، وَاسْمُهُ: عُثْمَانُ بْنُ عُمَيْرٍ الْبَجَلِيُّ، وَفِيهِ مَقَالٌ. وَالثَّانِي: مَعْلُولٌ بِأَبِي جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ، وَفِي الْآخَرِ مَقَالٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَرَوَاهُ أَبُو حَفْصِ بْنِ شَاهِينَ1 فِي "كِتَابِ الْجَنَائِزِ" حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا الشَّحَّامُ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّحْدُ لَنَا، وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا"، انتهى. والله الموفق. أَحَادِيثُ الْبَابِ: وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"2 حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلَانِ: أَحَدُهُمَا: يَلْحَدُ، وَالْآخَرُ: يَضْرَحُ، فَقَالُوا: نَسْتَخِيرُ رَبَّنَا، وَنَبْعَثُ إلَيْهِمَا، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ تَرَكْنَاهُ، فَأُرْسِلَ إلَيْهِمَا، فَسَبَقَ صَاحِبُ اللَّحْدِ، فَلَحَدُوا لِلنَّبِيِّ عليه السلام، انتهى. حدثنا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ الطُّفَيْلِ الْمُقْرِي ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ الْقُرَشِيُّ ثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها3، قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي اللَّحْدِ وَالشَّقِّ، حَتَّى تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ، وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَا تَصِيحُوا4 عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا. فَأَرْسَلُوا إلَى الشَّقَّاقِ، وَاللَّاحِدِ، فَجَاءَ اللَّاحِدُ، فَلُحِدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دُفِنَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"5 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ثَنَا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُلْحِدَ لَهُ، وَلِأَبِي بَكْرٍ، وَلِعُمَرَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"6 أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ
الْجَرَّاحِ يَضْرَحُ، كَحَفْرِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ يَحْفِرُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ يَلْحَدُ، فَدَعَا الْعَبَّاسُ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا: اذْهَبْ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ. وَلِلْآخَرِ: اذْهَبْ إلَى أَبِي طَلْحَةَ، اللَّهُمَّ خِرْ لِرَسُولِك1، فَوَجَدَ صَاحِبُ أَبِي طَلْحَةَ أَبَا طَلْحَةَ، فَجَاءَ بِهِ، فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ جِهَازِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ، فَقَالَ قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ فِي مَسْجِدِهِ، وَقَالَ قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا قُبِضَ نَبِيٌّ إلَّا دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ"، فَرَفَعَ فِرَاشَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَحَفَرَ له تحته، ثم دُعي النَّاسَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2 يُصَلُّونَ عَلَيْهِ أَرْسَالًا، دَخَلَ الرِّجَالُ، حَتَّى إذَا فَرَغُوا، أَدْخَلَ النِّسَاءَ، حَتَّى إذَا فَرَغَ النِّسَاءُ، أَدْخَلَ الصِّبْيَانَ، وَلَمْ يَؤُمَّ النَّاسَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ، فَدُفِنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَسَطِ اللَّيْلِ، لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ، وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَقُثَمُ أَخُوهُ، وَشُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ أَوْسُ بْنُ خَوْلَى وَهُوَ أَبُو لَيْلَى لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنْشُدُك اللَّهَ، وَحَظَّنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه: انْزِلْ، وَكَانَ شُقْرَانُ مَوْلَاهُ، أَخَذَ قَطِيفَةً كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا، فَدَفَنَهَا فِي الْقَبْرِ، وَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَك، فَدُفِنَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُلَّ سَلًّا، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَاضْطَرَبَتْ الرِّوَايَاتُ فِي إدْخَالِهِ عليه السلام، قُلْت: رَوَى الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي "مُسْنَدِهِ"3 أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سُلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ4. وَغَيْرُهُ عن ابن جريج عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، وَالنَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا5 عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَرَبِيعَةَ، وَأَبِي النَّضْرِ6 لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ رضي الله عنهم، انْتَهَى.
وَمِنْ طريق الشافعي، رواه الْبَيْهَقِيُّ1، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الْحِجَازِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: اضْطَرَبَتْ الرِّوَايَاتُ فِي إدْخَالِهِ عليه السلام، فَمِمَّا وَرَدَ مُخَالِفًا لِمَا تَقَدَّمَ، مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ، وَلَمْ يُسَلَّ سَلًّا، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ"، وَعَزَاهُ لِمَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد، وَقَالَ فِيهِ: عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ، نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ"، وَإِنَّمَا هُوَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ، قَالَ: لِأَنَّهُ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ إنَّمَا يَرْوِي عَنْ النَّخَعِيّ لَا التَّيْمِيِّ، وَلَعَلَّ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِي ذَلِكَ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الِاسْمِ، وَاسْمِ الْأَبِ، وَالْبَلَدِ، وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الرُّوَاةِ، مِنْ فَوْقٍ، وَمِنْ أَسْفَلَ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْمُهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ، انْتَهَى. قُلْت: صَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2، فَقَالَ: عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ: وَرُفِعَ قَبْرُهُ، حَتَّى يُعْرَفَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"3. وَالْعُقَيْلِيُّ فِي "ضُعَفَائِهِ" عَنْ عَمْرِو بْنِ يَزِيدَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أُخِذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ، وَأُلْحِدَ لَهُ، وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْبًا، انْتَهَى. وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَدِيٍّ تَضْعِيفُ عَمْرِو بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَلَيَّنَهُ هُوَ، وَقَالَ: هُوَ فِي جُمْلَةِ مَنْ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ مِنْ الضُّعَفَاءِ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"4 حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إسْحَاقَ ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخِذَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ، وَاسْتُلَّ اسْتِلَالًا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: وَلَا يُتَصَوَّرُ إدْخَالُهُ مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، لِأَنَّ الْقَبْرَ فِي أَصْلِ الْحَائِطِ، انْتَهَى. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد5 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، هُوَ: السَّبِيعِيُّ، قَالَ: أَوْصَانِي الْحَارِثُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْخِطْمِيَّ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلِ الْقَبْرِ،
وَقَالَ: هَذَا مِنْ السُّنَّةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَهُوَ كَالْمُسْنَدِ لِقَوْلِهِ: مِنْ السُّنَّةِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ1" عَنْ مِنْدَلِ بْنِ عَلِيٍّ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: سَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدًا، وَرَشَّ عَلَى قَبْرِهِ مَاءً، انْتَهَى. وَمِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ ضَعِيفٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ شَاهِينَ2 فِي "كِتَابِ الْجَنَائِزِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَشْعَثِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مِهْرَانَ ثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُدْخَلُ الْمَيِّتُ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، وَيُسَلُّ سَلًّا"، انْتَهَى. الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ3" حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: كُنْت مَعَ أَنَسٍ رضي الله عنه فِي جِنَازَةٍ، فَأَمَرَ بِالْمَيِّتِ، فَأُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَدْخَلَ مَيِّتًا مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، انْتَهَى. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْأَصْحَابِ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ4 مِنْ حَدِيثِ الْمِنْهَالِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام، دَخَلَ قَبْرًا لَيْلًا، فَأُسْرِجَ لَهُ سِرَاجٌ، فَأَخَذَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ، وَقَالَ: "رَحِمَكَ اللَّهُ، إنْ كُنْتَ لَأَوَّاهًا تَلَّاءً لِلْقُرْآنِ"، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا، قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأُنْكِرَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ سَمَاعًا، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَمِنْهَالُ بْنُ خَلِيفَةَ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رحمه الله: فيه نظر. والله أعلم. الْآثَارُ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"5 عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَبَّرَ عَلَى يَزِيدَ بْنِ الْمُكَفِّفِ أَرْبَعًا، وَأُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ وَلْيَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا، وَأَدْخَلَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: فَإِذَا وُضِعَ فِي لَحْدِهِ، يَقُولُ وَاضِعُهُ: بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، كَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَضَعَ أَبَا دُجَانَةَ الْأَنْصَارِيَّ فِي الْقَبْرِ، قُلْتُ: هَكَذَا وَقَعَ فِي "الْهِدَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ"، وَهُوَ وَهْمٌ، فَإِنَّ أَبَا دُجَانَةَ الْأَنْصَارِيَّ تُوُفِّيَ بَعْدَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ، وَكَانَتْ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي "تَارِيخِهِ"، وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الرِّدَّةِ" لَهُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَنَسٍ الصُّفْرِيُّ1 عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ: كَانَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ رَجُلًا مِنْ الْيَمَامَةِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، وَكَانَ قَدْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا، إلَى أَنْ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ أُمِّ سَعْدٍ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قَالَتْ: رَأَيْتُ نَسِيبَةَ بِنْتَ كَعْبٍ، وَيَدُهَا مَقْطُوعَةٌ، فَقُلْتُ لَهَا: مَتَى قُطِعَتْ يَدُكِ؟ قَالَتْ: يَوْمَ الْيَمَامَةِ، كُنْت مَعَ الْأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إلَى حَدِيقَةٍ، فَاقْتَتَلُوا عَلَيْهَا سَاعَةً، حَتَّى قَالَ أَبُو دُجَانَةَ الْأَنْصَارِيُّ، وَاسْمُهُ: سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ: احْمِلُونِي عَلَى التِّرْسَةِ، حَتَّى تَطْرَحُونِي عَلَيْهِمْ، فَأَشْغَلُهُمْ، فَحَمَلُوهُ عَلَى التِّرْسَةِ، وَأَلْقَوْهُ فِيهِمْ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قَتَلُوهُ رحمه الله، قَالَتْ: فَدَخَلْتُ، وَأَنَا أُرِيدُ عَدُوَّ اللَّهِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ، فَعَرَضَ إلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَضَرَبَنِي، فقطع يدي، فو الله مَا عَرَّجْتُ عَلَيْهَا، وَلَمْ أَزَلْ حَتَّى وَقَعْتُ عَلَى الْخَبِيثِ مَقْتُولًا، وَابْنِي يَمْسَحُ سَيْفَهُ بِثِيَابِهِ، فَقُلْت لَهُ: أَقَتَلَتْهُ يَا بُنَيَّ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا أُمَّاهُ، فَسَجَدْت لِلَّهِ شُكْرًا، قَالَ: وَابْنُهَا، هُوَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي زَيْنَبَ، قَالَ: سَأَلْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، كَمْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ؟ قَالَ: سِتُّمِائَةٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ. وَالْأَنْصَارِ. وَغَيْرُ ذَلِكَ، ثُمَّ عَقَدَ "بَابًا فِي أَسْمَائِهِمْ"، وَذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا دُجَانَةَ الْأَنْصَارِيَّ، سِمَاكَ بْنَ خَرَشَةَ، وَقَالَ: إنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَفِي "مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي دُجَانَةَ" أَسْنَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ، قَالَ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ: فَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ2 مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام إذَا دَخَلَ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ، قَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ"، انْتَهَى. وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: "بِسْمِ اللَّهِ، وَبِاَللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ"، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ3" مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ، بِلَفْظِ: "بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ"، وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ في فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّانِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ4"، بِلَفْظِ: "إذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ فِي قُبُورِهِمْ، فَاقْرَءُوا لَهُمْ5: بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَهَمَّامُ
بْنُ يَحْيَى ثَبْتٌ مَأْمُونٌ، إذَا أَسْنَدَ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يُعَلَّلُ بِمَنْ وَقَفَهُ، وَقَدْ وَقَفَهُ شُعْبَةُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَهُوَ ثِقَةٌ، إلَّا أَنَّ شُعْبَةَ، وهشام الدَّسْتُوَائِيَّ رَوَيَاهُ عَنْ قَتَادَةَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمَوْقُوفِ: هُوَ الْمَحْفُوظُ، قُلْت: قَدْ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"1 مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ مَرْفُوعًا، أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ إذَا وَضَعَ الْمَيِّتَ فِي قَبْرِهِ، قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، انْتَهَى. وَرَوَى الطبراني في "معجمه الوسط" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ ثَنَا سَوَّارُ بْنُ سَهْلٍ الْمَخْزُومِيُّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، أَعْنِي لَفْظَ الْحَاكِمِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"2 حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بِشْرِ بْنِ إسْمَاعِيلَ3 حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ اللَّجْلَاجِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ لِي أَبِي اللَّجْلَاجُ أَبُو خَالِدٍ: يَا بُنَيَّ إذَا أَنَا مِتَّ فَأَلْحِدْنِي، فَإِذَا وَضَعْتَنِي فِي لَحْدِي، فَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، ثُمَّ شِنَّ عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا، ثُمَّ اقْرَأْ عِنْدَ رَأْسِي بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ، وَخَاتِمَتِهَا فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَيُوَجِّهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، بِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْت: غَرِيبٌ، وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ قَتَادَةَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: "هِيَ التِّسْعُ"، فَذَكَرَ مِنْهَا: اسْتِحْلَالَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، ثُمَّ قَالَ: "قِبْلَتُكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا"، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ"، وَقَالَ: قَدْ احْتَجَّ الشَّيْخَانِ بِرُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ، غَيْرِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سِنَانٍ5، فَأَمَّا عُمَيْرُ بْنُ قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ صَحَابِيٌّ، وَابْنُهُ عُبَيْدٌ مُتَّفَقٌ عَلَى
إخْرَاجِهِ، وَالِاحْتِجَاجِ بِهِ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَابِ، وَاسْتَدَلَّ النَّوَوِيُّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ عليه السلام: "إذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ، وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إلَيْكَ"، الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا1، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْقِبْلَةِ، وَلَهُ نَظِيرٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ2 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إلَى فِرَاشِهِ، فَلْيَنْفُضْهُ بِطَرَفِ رِدَائِهِ، وَلْيُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْطَجِعَ، فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَلْيَقُلْ: سُبْحَانَكَ رَبِّي، اللَّهُمَّ بِك وَضَعْت جَنْبِي، وَبِك أَرْفَعُ، اللَّهُمَّ إنْ أَمْسَكْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا وَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا حَفِظْت بِهِ عِبَادَك الصَّالِحِينَ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام جُعِلَ عَلَى قَبْرِهِ اللَّبِنُ، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: أَلْحِدُوا لِي لَحْدًا وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"3 فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُلْحِدَ، وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْبًا، رُفِعَ قَبْرُهُ مِنْ الْأَرْضِ نَحْوَ شِبْرٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ، وَلُحِدَ لَهُ، وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4 عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: غَسَّلْت النَّبِيَّ عليه السلام، فَذَهَبْت أَنْظُرُ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَيِّتِ، فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، إلَى أَنْ قَالَ: وَأُلْحِدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْدًا، وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْبًا، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَا مِنْهُ غَيْرَ اللَّحْدِ، انْتَهَى. وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ، فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ5 نَصْبَ اللَّبِنِ أَيْضًا، كَمَا ذَكَرْنَاهُ. الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ جُعِلَ عَلَى قَبْرِهِ طُنٌّ *مِنْ قَصَبٍ،
قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ1" حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَ عَلَى قَبْرِهِ طُنٌّ مِنْ قَصَبٍ، انْتَهَى. وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ2" أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ "قَالَ: أَوْصَى أَبُو مَيْسَرَةَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ الْهَمْدَانِيُّ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى لَحْدِهِ طُنٌّ مِنْ قَصَبٍ، وَقَالَ: إنِّي رَأَيْت الْمُهَاجِرِينَ يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ، قَالَ: فَضَمُّوا أَرْبَعَةَ حَرَادِيَّ3 بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ، وَجَعَلُوهَا لَحْدًا. انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ عليه السلام جُعِلَ فِي قَبْرِهِ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّمَا جَعَلَهَا شُقْرَانُ بِرَأْيِهِ، وَلَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا عَلِمُوا بِفِعْلِهِ، وَفِي رِوَايَةِ لِلتِّرْمِذِيِّ إشَارَةٌ إلَى هَذَا، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام نَهَى عَنْ تَرْبِيعِ الْقُبُورِ، وَمَنْ شَاهَدَ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّهُ مُسَنَّمٌ، قُلْتُ: الْأَوَّلُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رضي الله عنهما فِي "كِتَابِ الْآثَارِ5" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ لَنَا يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَرْبِيعِ الْقُبُورِ وَتَجْصِيصِهَا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: فِيهِ أَحَادِيثُ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ6" عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ أَنَّ سُفْيَانَ التَّمَّارَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ عليه السلام مُسَنَّمًا، انْتَهَى. وَهُوَ مِنْ مَرَاسِيلِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يَرْوِ الْبُخَارِيُّ بِسَنَدِ ابْنِ دِينَارٍ التَّمَّارِ إلَّا قَوْلَهُ هَذَا، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَلَفْظُهُ عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: دَخَلْت الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ قَبْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْت قَبْرَ النَّبِيِّ عليه السلام، وَقَبْرَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ مُسَنَّمَةً، انْتَهَى. وَعَارَضَهُ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ7"، بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد8 عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: دَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْت: يَا أُمُّهُ اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ، فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ لَا مُشْرِفَةً وَلَا لَاطِيَةً، مَبْطُوحَةً بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا:
إنَّهُ كَانَ أَوَّلًا، كَمَا قَالَ الْقَاسِمُ، مُسَطَّحًا، ثُمَّ لَمَّا سَقَطَ الْجِدَارُ فِي زَمَنِ الْوَلِيدِ جُعِلَ مُسَنَّمًا، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَيْضًا فِي "الْآثَارِ1" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ عليه السلام. وَقَبْرَ أَبِي بَكْرٍ. وَعُمَرَ، نَاشِزَةً مِنْ الْأَرْضِ، عَلَيْهَا فَلْقٌ مِنْ مَدَرٍ أَبْيَضَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو حَفْصِ بْنِ شَاهِينَ فِي "كِتَابِ الْجَنَائِزِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُحَارِبِيُّ عَنْ عَمْرِو بن شمة2 عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَأَلْت ثَلَاثَةً كُلَّهُمْ لَهُ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ عليه السلام أَبٌ: سَأَلْت أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ. وَسَأَلْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. وَسَأَلْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قُلْت: أَخْبِرُونِي عَنْ قُبُورِ آبَائِكُمْ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فَكُلُّهُمْ قَالُوا: إنَّهَا مُسَنَّمَةٌ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْقُبُورَ تُسَطَّحُ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عَلِيٌّ: أَبْعَثُك عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْته، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْته، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، فَتُوُفِّيَ صَاحِبٌ لَنَا، فَأَمَرَ فَضَالَةُ بِقَبْرِهِ فَسُوِّيَ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله فِي "التَّحْقِيقِ": وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ تَعْلِيَةِ الْقُبُورِ بِالْبِنَاءِ الْحَسَنِ الْعَالِي، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ: رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"3 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيُّ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَدْفِنُوا مَوْتَاكُمْ بِاللَّيْلِ، إلَّا أَنْ تُضْطَرُّوا" انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ4، أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام خَطَبَ يَوْمًا، فَذَكَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِضَ، فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ، وَقُبِرَ لَيْلًا، فَزَجَرَ النَّبِيُّ عليه السلام أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ، حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ رَجُلٌ إلَى ذَلِكَ، وَقَالَ عليه السلام: "إذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ"، انْتَهَى. وَفِي "الْمَغَازِي" لِلْوَاقِدِيِّ5 عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهما، قَالَتْ: مَا عَلِمْنَا بِدَفْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْنَا
صَوْتَ الْمِسَاحِيِّ فِي السَّحَرِ، لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ الدَّفْنُ قَبْلَ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ1: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ، الْحَدِيثَ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَتَحَرَّى الدَّفْنَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ، دُونَ غَيْرِهَا، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الدَّفْنُ بِاللَّيْلِ، وَيَدْفَعُ تَفْسِيرَ النَّوَوِيِّ، وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ دُفِنُوا لَيْلًا، فَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ فِي "الْبُخَارِيِّ"2 عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه، قَالَ لَهَا: فِي كَمْ كُفِّنَ النَّبِيُّ عليه السلام، إلَى أَنْ قَالَتْ: فَلَمْ يُتَوَفَّ حَتَّى أَمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ، وَدُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد3 عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَأَى نَاسٌ فِي الْمَقْبَرَةِ نَارًا، فَأَتَوْهَا، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَبْرِ، وَإِذَا هُوَ يَقُولُ: "نَاوِلُونِي صَاحِبَكُمْ"، وَإِذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَسَنَدُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ4 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَاتَ إنْسَانٌ كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام يَعُودُهُ، فَمَاتَ بِاللَّيْلِ، فَدَفَنُوهُ لَيْلًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: "مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي"؟ قَالُوا: كَانَ اللَّيْلُ وَالظُّلْمَةُ، فَكَرِهْنَا أَنْ نَشُقَّ عَلَيْك، فَأَتَى قَبْرَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَنَا فِيهِمْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ5 عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ إلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا نُوَرَّثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ"، وَأَبَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهَا شَيْئًا، فَوَجَدَتْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَهَجَرَتْهُ: وَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ صَلَّى عَلَيْهَا عَلِيٌّ رضي الله عنه، وَدَفَنَهَا لَيْلًا، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ، وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنْ النَّاسِ جِهَةٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا مَاتَتْ اسْتَنْكَرَ وُجُوهَ النَّاسِ، فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ، وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ بَايَعَ تِلْكَ الْأَشْهُرَ، مُخْتَصَرٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "الْجِهَادِ".
باب الشهيد
بَابُ الشَّهِيدِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام فِي "شُهَدَاءِ أُحُدٍ":"زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ. وَدِمَائِهِمْ، وَلَا تُغَسِّلُوهُمْ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَفِي تَرْكِ غُسْلِ الشُّهَدَاءِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ1"، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ، وَيَقُولُ: "أَيُّهُمَا أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ"، فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إلَى أَحَدِهِمَا، قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: "أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ، زَادَ الْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ رحمهما الله: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ اللَّيْثَ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ، وَاخْتَلَفَ عَلَيْهِ فِيهِ، انْتَهَى. وَلَمْ يُؤَثِّرْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَالتِّرْمِذِيِّ تَفَرُّدُ اللَّيْثِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، بَلْ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ2" حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ ثَنَا عِيسَى بْنُ عَاصِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ، وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ النَّوَوِيُّ بِعَطَاءٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فِي صَدْرِهِ، أَوْ فِي حَلْقِهِ، فَمَاتَ، فَأُدْرِجَ فِي ثِيَابِهِ، كَمَا هُوَ، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْخُلَاصَةِ": سَنَدُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ3" عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلْمٌ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إلَّا
يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى، لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَشْرَفَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ، فَقَالَ: "إنِّي شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ، زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ"، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه، وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ. أَحَادِيثُ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ1 فِي الْمَغَازِي، فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ"، وَمُسْلِمٌ فِي "فَضَائِلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، انْتَهَى. زَادَ فِيهِ مُسْلِمٌ: فَصَعَدَ الْمِنْبَرَ، كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، فَقَالَ: "إنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَلَسْت أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخْشَى أَنْ تَنَافَسُوا فِي الدُّنْيَا، وَتَقْتَتِلُوا فَتَهْلَكُوا، كَمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَكُمْ"، قَالَ عُقْبَةُ: فَكَانَتْ لَآخِرِ مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، انْتَهَى. زَادَ ابْنُ حِبَّانَ: ثُمَّ دَخَلَ بَيْتَهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْمِلُ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الدُّعَاءِ، وَمِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَقَوْلُهُ فِيهِ: صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، يَدْفَعُهُ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ مِنْ الْخَصَائِصِ، لِأَنَّهُ عليه السلام قَصَدَ بِهَا التَّوْدِيعَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي "الصَّحِيحِ"، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ وَرَدَ فِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ2 أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ، كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ رحمه الله فِي "صَحِيحِهِ": الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الدُّعَاءُ، إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الصَّلَاةِ لَلَزِمَ مَنْ يَقُولُ بِهَا، أَنْ يُجَوِّزَ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ دَفْنِهِ بِسِنِينَ، فَإِنَّ وَقْعَةَ أُحُدٍ كَانَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ حِينَ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّنْيَا بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ بِسَبْعِ سِنِينَ، وَهُوَ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَدْ نَاقَضَ ابْنُ حِبَّانَ هَذَا فِي أَحَادِيثِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: زَعَمَ أَئِمَّتُنَا أَنَّ بِلَالًا أَثْبَتَهَا، وَابْنُ عَبَّاسٍ نَفَاهَا، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَهَذَا شَيْءٌ يَلْزَمُنَا فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ. وَغَيْرَهُ رَوَوْا أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى عَلَيْهِمْ، وَجَابِرٌ رَوَى أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، أَوْ يَكُونُ عليه السلام قَصَدَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ أَنْ يُنَوِّرَ عَلَيْهِمْ قُبُورَهُمْ، كَمَا وَرَدَ فِي الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ3 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام صَلَّى عَلَى قَبْرِ امْرَأَةٍ، أَوْ رَجُلٍ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ، ثُمَّ قَالَ: "إنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ عَلَى أَهْلِهَا ظُلْمَةً، وَإِنِّي أُنَوِّرُهَا بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 عَنْ أَبِي حَمَّادٍ الْحَنَفِيِّ، وَاسْمُهُ: الْمُفَضَّلُ بْنُ صَدَقَةَ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ، قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: فَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ حِينَ قَامَ النَّاسُ مِنْ الْقِتَالِ، فَقَالَ رَجُلٌ: رَأَيْتُهُ عِنْدَ تِلْكَ الشَّجَرَاتِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، فَلَمَّا رَآهُ وَرَأَى مَا مُثِّلَ بِهِ، شَهِقَ وَبَكَى، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَرَمَى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ، ثُمَّ جِيءَ بِحَمْزَةَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ جِيءَ بِالشُّهَدَاءِ، فَيُوضَعُونَ إلَى جَانِبِ حَمْزَةَ، فَصَلَّى عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يُرْفَعُونَ، وَيُتْرَكُ حَمْزَةُ، حَتَّى صَلَّى عَلَى الشُّهَدَاءِ كُلِّهِمْ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَمْزَةُ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، مُخْتَصَرٌ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، فَقَالَ: أَبُو حَمَّادٍ الْحَنَفِيُّ قَالَ النَّسَائِيُّ فِيهِ: مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"2 حَدَّثَنَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ3 ثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ النِّسَاءُ يَوْمَ أُحُدٍ خَلْفَ الْمُسْلِمِينَ يُجْهِزْنَ عَلَى جَرْحَى الْمُشْرِكِينَ، إلَى أَنْ قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ، وَجِيءَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَوُضِعَ إلَى جَنْبِهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَرُفِعَ الْأَنْصَارِيُّ، وَتُرِكَ حَمْزَةُ، ثُمَّ جِيءَ بِآخَرَ، فَوُضِعَ إلَى جَنْبِ حَمْزَةَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ رُفِعَ، وَتُرِكَ حَمْزَةُ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ صَلَاةً، مُخْتَصَرٌ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"4 عَنْ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ مَسْعُودٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"5 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ ثَنَا أُسَامَةُ6 بْنُ زَيْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنهم أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام مَرَّ بِحَمْزَةَ، وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الشُّهَدَاءِ غَيْرِهِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: لَمْ يَقُلْ فِيهِ: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الشُّهَدَاءِ غَيْرِهِ إلَّا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ7، وَلَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله
فِي "التَّحْقِيقِ": وَعُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ مُخَرَّجٌ لَهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" وَزِيَادَةٌ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" من جهة أبو دَاوُد، وَقَالَ: الصَّحِيحُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ، أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَى الشُّهَدَاءِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ: وَعِلَّتُهُ ضَعْفُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي "أَحْكَامِهِ الْكُبْرَى" وَأَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ فِي أُسَامَةَ، وَقَالَ: وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، رَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَمِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي صَحَّحَهَا وَهِيَ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ حَدِيثُ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَأْخُذُ مِنْ طُولِ لِحْيَتِهِ وَعَرْضِهَا، وَحَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ فِي الْأَوْقَاتِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى ثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ. وَرَوْحٍ عَنْ أُسَامَةَ بِهِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بن أبي عتبة أَوْ غَيْرِهِ عَنْ الْحَكَمِ بن عتبة عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عباس رضي الله عنهم، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ قَتْلَى أُحُدٍ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ عَشْرًا، ثُمَّ جَعَلَ يُجَاءُ بِالرَّجُلِ، فَيُوضَعُ، وَحَمْزَةُ مَكَانَهُ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلَاةً، وَكَانَتْ الْقَتْلَى يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، وَهُوَ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ عَنْ غَيْرِ الشَّامِيِّينَ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "السُّنَنِ" عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَمْزَةَ يَوْمَ أُحُدٍ "فَهُيِّئَ لِلْقِبْلَةِ، ثُمَّ كَبَّرَ عَلَيْهِ سَبْعًا، ثُمَّ جَمَعَ إلَيْهِ الشُّهَدَاءَ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلَاةً، زَادَ الطَّبَرَانِيُّ: ثُمَّ وَقَفَ عَلَيْهِمْ حَتَّى وَارَاهُمْ، سَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ، فَقَالَ: وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَكَذَا رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّهُ لم يصلِّ عليهم أصح، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ: أُتِيَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَلَ يصلي على عشرة، عَشَرَةٍ، وَحَمْزَةُ كَمَا هُوَ يُرْفَعُونَ وَهُوَ كَمَا هُوَ مَوْضُوعٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله فِي "التَّحْقِيقِ": وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" رحمه الله بِأَنَّ مَا حَكَاهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ إنَّمَا هُوَ فِي يَزِيدَ3
بْنِ زِيَادٍ، وَأَمَّا رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَهُوَ الْكُوفِيُّ، وَلَا يُقَالُ فِيهِ: ابْنُ زِيَادٍ1، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ أَبِي زِيَادٍ، وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ عَلَى لِينِهِ، وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَرَوَى لَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَا أعلم تَرَكَ حَدِيثَهُ، وَقَدْ جَعَلَهُمَا2 فِي "كِتَابِهِ" الَّذِي فِي الضُّعَفَاءِ وَاحِدًا، وَهُوَ وَهْمٌ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ رحمه الله فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ حَدَّثَنِي أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَمْزَةَ يَوْمَ أُحُدٍ بِاللَّفْظِ الَّذِي قَبْلَهُ، سَوَاءٌ، ثُمَّ قَالَ: وَعَبْدُ الْعَزِيزِ هَذَا ضَعِيفٌ. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي "السِّيرَةِ"4 عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَمْزَةَ رضي الله عنه فَجِيءَ بِبُرْدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ، وَكَبَّرَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ أُتِيَ بِالْقَتْلَى يُوضَعُونَ إلَى حَمْزَةَ، يُصَلِّي عَلَيْهِمْ، وَعَلَيْهِ مَعَهُمْ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ صَلَاةً، مُخْتَصَرٌ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ": قَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، إنْ كَانَ هُوَ الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، فَهُوَ ضَعِيفٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ، فَهُوَ مَجْهُولٌ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ صَلَّى عَلَى شَهِيدٍ فِي شَيْءٍ مِنْ مَغَازِيهِ، إلَّا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَلَا فِي مُدَّةِ الْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: قَدْ وَرَدَ مُصَرَّحًا فِيهِ بِالْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو قُرَّةَ مُوسَى بْنُ طَارِقٍ الزَّبِيدِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ5 عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ أَشْرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَتْلَى، فَرَأَى مَنْظَرًا سَاءَهُ، فَرَأَى حَمْزَةَ قَدْ شُقَّ بَطْنُهُ، وَاصْطُلِمَ أَنْفُهُ، وَجُدِعَتْ أُذُنَاهُ، فَقَالَ: "لَوْلَا أَنْ يَحْزَنَ النِّسَاءُ، أَوْ يَكُونَ سُنَّةً بَعْدِي6 لَتَرَكْته، حَتَّى يَحْشُرَهُ اللَّهُ فِي بُطُونِ السِّبَاعِ، وَالطَّيْرِ، وَلَمَثَّلْت بِثَلَاثِينَ7 مِنْهُمْ مَكَانَهُ"، ثُمَّ دَعَا بِبُرْدَةٍ، فَغَطَّى بِهَا وَجْهَهُ، فَخَرَجَتْ رِجْلَاهُ، فَغَطَّى بِهَا رِجْلَيْهِ، فَخَرَجَ رَأْسُهُ، فَغَطَّى بِهَا رَأْسَهُ، وَجَعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ الْإِذْخِرِ، ثُمَّ قَدَّمَهُ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ عَشْرًا، ثُمَّ جَعَلَ يُجَاءُ بِالرَّجُلِ فَيُوضَعُ إلَى جَنْبِهِ، فَيُصَلِّي عَلَيْهِ، ثُمَّ يُرْفَعُ، وَيُجَاءُ بِالرَّجُلِ الْآخَرِ، فَيُوضَعُ، وَحَمْزَةُ مَكَانَهُ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ
صَلَاةً، وَكَانَتْ الْقَتْلَى سَبْعِينَ، فَلَمَّا دُفِنُوا. وَفَرَغَ مِنْهُمْ، نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا} الْآيَةَ، فَصَبَرَ عليه السلام، وَلَمْ يَقْتُلْ، وَلَمْ يُعَاقِبْ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ"1 عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ عَشَرَةً عَشَرَةً2 فِي كُلِّ عَشَرَةٍ حَمْزَةُ رضي الله عنه حتى صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلَاةً3، انْتَهَى. وَحُصَيْنٌ، هُوَ: ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ أَحَدُ الثِّقَاتِ، الْمُخَرَّجُ لَهُمْ فِي "الصَّحِيحَيْنِ". وَابْنُ مَالِكٍ الْغِفَارِيُّ، اسمه: غزوان، وهو تَابِعِيٌّ، رَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعَ إرْسَالِهِ لَا يَسْتَقِيمُ، كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، فإن الشافعي، قَالَ4: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ صَلَاةً، إذَا كَانَ يُؤْتَى بِتِسْعَةٍ، وَحَمْزَةُ عَاشِرُهُمْ، وَشُهَدَاءُ أُحُدٍ إنَّمَا كَانُوا اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ شَهِيدًا، فَإِذَا صَلَّى عَلَيْهِمْ عَشَرَةً عَشَرَةً، فَالصَّلَاةُ إنَّمَا تَكُونُ سَبْعَ صَلَاةٍ، أَوْ ثَمَانِيًا، فَمِنْ أَيْنَ جَاءَتْ سَبْعُونَ صَلَاةً؟!، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَلَا يُعَرَّجُ بِمَا يَرْوِيهِ ابْنُ إسْحَاقَ إذَا لَمْ يذكر اسم روايه، لِكَثْرَةِ رِوَايَتِهِ
عَنْ الضُّعَفَاءِ الْمَجْهُولِينَ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَتَانِ غَلَطًا، لِمُخَالَفَتِهِمَا الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ كَانَ قَدْ شَهِدَ الْقِصَّةَ، وَأَمَّا مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، فَكَأَنَّهُ عليه السلام وَقَفَ عَلَى قُبُورِهِمْ، وَدَعَا لَهُمْ، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى نَسْخٍ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ1 عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ عليه السلام عَلَى أَعْرَابِيٍّ أَصَابَهُ سَهْمٌ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَقِيَ حَيًّا حَتَّى انْقَطَعَتْ الْحَرْبُ، وَنَحْنُ نُصَلِّي عَلَى الْمُرَيَّثِ2، وَعَلَى الَّذِي يُقْتَلُ ظُلْمًا فِي غَيْرِ مَعْرَكٍ، انْتَهَى. قُلْت: يَسْتَقِيمُ هَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَعَلَى آخَرَ مَعَهُ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلَاةً، كَمَا تَقَدَّمَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ. وَغَيْرِهِ وَأَمَّا كَوْنُ شُهَدَاءِ أُحُدٍ كَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا فَمُسَلَّمٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ، نَقْلًا عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَسَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"3: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى، قَالَ: قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ رَجُلًا، مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ: حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ. وَشِمَاسُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَخْزُومِيُّ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ الْأَسَدِيُّ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلًا: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ"4 عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ5 عند شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ التَّابِعِيِّ6 أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ
جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: أَنَّهُ اُسْتُشْهِدَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ عليه السلام. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي حَدَّثَنِي الثَّوْرِيُّ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عَطَاءٍ1 أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَتْلَى بَدْرٍ، انْتَهَى. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ، انْتَهَى. وَفِيهِ أَيْضًا فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ مِنْ غَيْرِ سَنَدٍ، قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: كَانَ أَبِي أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، قَتَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْهَزِيمَةِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْوَاقِدِيُّ رحمه الله فِي "كِتَابِ فَتُوحِ الشَّامِ" حَدَّثَنِي رُوَيْمُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ الْوَاقِصِيِّ عَنْ سَيْفٍ، مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ قَيْسٍ الْيَشْكُرِيِّ قَالَ: كُنْت فِي الْجَيْشِ الَّذِي وَجَّهَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إلَى أَيْلَةَ، وَأَرْضِ فِلَسْطِينَ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا، إلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا نَصَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ وَانْكَشَفَ الْقِتَالُ، لَمْ يَكُنْ هَمُّ الْمُسْلِمِينَ إلَّا افْتِقَادَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَفَقَدُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ نَفَرًا: مِنْهُمْ سَيْفُ بْنُ عَبَّادٍ الْحَضْرَمِيُّ. وَنَوْفَلُ بْنُ دَارِمٍ2. وَسَالِمُ بْنُ دُوَيْمٍ. وَسَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لِأُمِّهِ , وَاغْتَمَّ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِفَقْدِهِمْ اغْتِمَامًا شَدِيدًا , فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّهَارُ أَمَرَ عَمْرٌو النَّاسَ بِجَمْعِ الْغَنَائِمِ، وَأَنْ يُخْرِجُوا إخْوَانَهُمْ مِنْ بَيْنِ الرُّومِ، وَبَنِي الْأَصْفَرِ، فَالْتَقَطُوهُمْ، مِائَةً وَثَلَاثِينَ رَجُلًا، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِدَفْنِهِمْ، وَكَانَ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ تِسْعَةُ آلَافِ رَجُلٍ، وَأَرْسَلَ عَمْرٌو إلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما كِتَابًا، فِيهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى نَبِيِّهِ، إنِّي وَصَلْت إلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ، وَلَقِينَا عَسْكَرَ الرُّومِ، مَعَ بِطْرِيقٍ يُقَالُ لَهُ: رُومَاسُ3 فِي مِائَةِ أَلْفِ رَجُلٍ، فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا بِالنَّصْرِ، وَقَتَلْنَا مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفًا، وَقُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا، أكرمهم الله بالشهاة4، انتهى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُصَلِّ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رضي الله عنه. وَحَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه حَدَّثَهُ أَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ لَمْ يُغَسَّلُوا، وَدُفِنُوا بِدِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى. قوله: لأن شهداء أحد ما كان كلهم قتيل السيف والسلاح قَوْلُهُ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ حَنْظَلَةَ لَمَّا اُسْتُشْهِدَ جُنُبًا غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ. فَحَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ. وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2 فِي "كِتَابِ الْفَضَائِلِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ، وَقَدْ قُتِلَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الثَّقَفِيُّ: "إنَّ صَاحِبَكُمْ حَنْظَلَةَ تُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ"، فَاسْأَلُوا صَاحِبَتَهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ، وَهُوَ جُنُبٌ لَمَّا سَمِعَ الْهَائِعَةَ3، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. وَلَيْسَ عِنْدَهُ4: فَاسْأَلُوا صَاحِبَتَهُ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ": وَصَاحِبَتُهُ هِيَ زَوْجَتُهُ، جَمِيلَةُ بِنْتُ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، أُخْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، وَكَانَتْ قَدْ ابْتَنَى بِهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَرَأَتْ فِي مَنَامِهَا، كَأَنَّ بَابًا مِنْ السَّمَاءِ فُتِحَ، فَدَخَلَ، وَأُغْلِقَ دُونَهُ، فَعَرَفَتْ أَنَّهُ مَقْتُولٌ مِنْ الْغَدِ، فَلَمَّا أَصْبَحَتْ دَعَتْ بِرِجَالٍ مِنْ قَوْمِهَا، وَأَشْهَدَتْهُمْ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا، خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ، ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ الْقَتْلَى، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِهَذَا الْخَبَرِ تَعَلَّقَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الشَّهِيدَ يُغَسَّلُ إذَا كَانَ جُنُبًا، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْوَاقِدِيِّ صَحِيحٌ، نَقَلَهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْهُ فِي "الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ حَنْظَلَةَ"5، وَزَادَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنِّي رَأَيْت الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُ حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، بِمَاءِ الْمُزْنِ، فِي صِحَافِ الْفِضَّةِ"، قَالَ أَبُو أَسِيد السَّاعِدِيُّ: فَذَهَبْنَا إلَيْهِ، فَوَجَدْنَاهُ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، فَرَجَعْت، فَأَخْبَرْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ إلَى زَوْجَتِهِ، فَذَكَرَتْ أَنَّهُ خَرَجَ، وَهُوَ جُنُبٌ، انْتَهَى. وَلَفْظُ الْوَاقِدِيِّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي"، قَالَ: وَكَانَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ، تَزَوَّجَ جَمِيلَةَ بِنْتَ6 عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، وَدَخَلَ عَلَيْهَا لَيْلَةَ قِتَالِ أُحُدٍ، بَعْدَ أَنْ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَصْبَحَ جُنُبًا، وَأَخَذَ سِلَاحَهُ، وَلَحِقَ بِالْمُسْلِمِينَ، وَأَرْسَلَتْ إلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ قَوْمِهَا، فَأَشْهَدَتْهُمْ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ بِهَا، فَسَأَلُوهَا، فَقَالَتْ: رَأَيْت فِي لَيْلَتِي، كَأَنَّ السَّمَاءَ فُتِحَتْ، ثُمَّ أُدْخِلَ، وَأُغْلِقَتْ دُونَهُ، فَعَرَفَتْ أَنَّهُ مَقْتُولٌ مِنْ الْغَدِ، وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّدَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، فَلَمَّا انْكَشَفَ الْمُشْرِكُونَ، اعْتَرَضَ حَنْظَلَةُ لِأَبِي سُفْيَانَ، يُرِيدُ قَتْلَهُ، فَحَمَلَ
عَلَيْهِ الْأَسْوَدُ بْنُ شَعُوبٍ بِالرُّمْحِ، فَقَتَلَهُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنِّي رَأَيْت الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُ حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، بِمَاءِ الْمُزْنِ، فِي صِحَافِ الْفِضَّةِ"،قَالَ أَبُو أَسِيد السَّاعِدِيُّ: فَذَهَبْنَا، فَنَظَرْنَا إلَيْهِ، فَإِذَا رَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، قَالَ أَبُو أَسِيد: فَرَجَعْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَرْسَلَ إلَى امْرَأَتِهِ، فَسَأَلَهَا، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ خَرَجَ، وَهُوَ جُنُبٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ1 عَنْ الْحَجَّاجِ2 عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُصِيبَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ الْوَاهِبِ، وَهُمَا جُنُبَانِ، فَقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: "إنَّى رَأَيْت الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُمَا" انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سننه3" من حديث أبو شَيْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بِهِ، نَحْوَهُ، وَالسَّنَدَانِ ضَعِيفَانِ، وَخَبَرُ حَمْزَةَ ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ رحمه الله فِي "الْمَغَازِي"، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَأَيْت الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُ حَمْزَةَ، لِأَنَّهُ كَانَ جُنُبًا ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَمْ يُغَسِّلْ الشُّهَدَاءَ"، وَقَالَ: "لُفُّوهُمْ بِدِمَائِهِمْ، وَجِرَاحِهِمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُجْرَحُ فِي اللَّهِ، إلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا، لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ، وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ: فَرَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي "الْمَغَازِي4" حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ صَاحِبَكُمْ "يَعْنِيَ حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ" لَتُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ، فَاسْأَلُوا أَهْلَهُ مَا شَأْنُهُ؟ " فَقَالَتْ: إنَّهُ خَرَجَ، وَهُوَ جُنُبٌ حِين سَمِعَ الْهَائِعَةَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ، رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ"، وَذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي "السِّيرَةِ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ" مِنْ قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ، لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ حِينَ سَمِعَ الْهَائِعَةَ، قَالَ: وَيُقَالُ: الْهَائِعَةُ، وَالْهَيْعَةُ: وَهِيَ الصَّوْتُ الشَّدِيدُ عِنْدَ الْفَزَعِ، قَالَ: وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: "خَيْرُ النَّاسِ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ، إذَا سَمِعَ هَيْعَةً طَارَ إلَيْهَا"، انْتَهَى. وَأَحْمَدُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنهما، فِي الْجُنُبِ يُغَسَّلُ، وَمَالِكٌ. وَالشَّافِعِيُّ رضي الله عنهما، مَعَ الصَّاحِبَيْنِ رحمهم الله.
وَأَمَّا الْمُرْسَلُ: فَرَوَاهُ الْإِمَامُ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ السَّرَقُسْطِيُّ فِي "آخِرِ كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: خَرَجَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ رضي الله عنه مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ وَاقَعَ امْرَأَتَهُ فَخَرَجَ، وَهُوَ جُنُبٌ لَمْ يَغْتَسِلْ، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ لَقِيَ حَنْظَلَةَ، أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ، فَسَقَطَ أَبُو سُفْيَانَ عَنْ فَرَسِهِ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ حَنْظَلَةُ، وَقَعَدَ عَلَى صَدْرِهِ يَذْبَحُهُ، فَمَرَّ بِهِ جَعْوَنَةُ بْنُ شَعُوبٍ الْكِنَانِيُّ، فَاسْتَغَاثَ بِهِ أَبُو سُفْيَانَ، فَحَمَلَ عَلَى حَنْظَلَةَ، فَقَتَلَهُ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ، وَيَقُولُ: لَأَحْمِيَنَّ صَاحِبِي وَنَفْسِي ... بِطَعْنَةٍ مثل شعاع الشمس انتهى. وَقَوْلُهُ: وَشُهَدَاءُ أُحُدٍ مَاتُوا عِطَاشًا، وَالْكَأْسُ تُدَارُ عَلَيْهِمْ، خَوْفًا مِنْ نُقْصَانِ الشَّهَادَةِ، قُلْت: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ" فِي الْبَابِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ ثَنَا عُثْمَانُ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حَسَنَيْنِ1، حَدَّثَنِي ابْنُ سَابِطٍ. وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: انْطَلَقْتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَطْلُبُ ابْنَ عَمِّي، وَمَعِي شَنَّةٌ مِنْ مَاءٍ، فَقُلْت: إنْ كَانَ بِهِ رَمَقٌ سَقَيْته مِنْ الْمَاءِ، وَمَسَحْت بِهِ وَجْهَهُ، فَإِذَا بِهِ يَنْشَعُ2، فَقُلْت: أَسْقِيك؟ فَأَشَارَ: أَنْ نَعَمْ، فَإِذَا رَجُلٌ، يَقُولُ: آهْ فَأَشَارَ ابْنُ عَمِّي: أَنْ انْطَلِقْ بِهِ إلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ، أَخُو عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَأَتَيْته، فَقُلْت: أَسْقِيك؟ فَسَمِعَ آخَرَ، يَقُولُ آهْ، فَأَشَارَ هِشَامٌ: أَنْ انْطَلِقْ بِهِ إلَيْهِ، فَجِئْت، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، فَرَجَعْت إلَى هِشَامٍ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، فَرَجَعْت إلَى ابْنِ عَمِّي، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، انْتَهَى. وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْعُمَرِيُّ3 ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو يُونُسَ الْقُشَيْرِيُّ حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ. وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ. وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ أُثْبِتُوا يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، فَدَعَا الْحَارِثُ بِمَاءٍ يشربه فنظر إليه عِكْرِمَةَ، فَقَالَ: ارْفَعُوهُ إلَى عِكْرِمَةَ، فَرَفَعُوهُ إلَيْهِ، فَنَظَرَ إلَيْهِ عَيَّاشٌ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: ارْفَعُوهُ إلَى عَيَّاشٍ، فَمَا وَصَلَ إلَى عَيَّاشٍ، وَلَا إلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، حَتَّى مَاتُوا وَمَا ذَاقُوا، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ
فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ زَكَرِيَّا التُّسْتَرِيُّ حَدَّثَنَا شَبَابٌ الْعُصْفُرِيُّ ثَنَا أَبُو وَهْبٍ السَّهْمِيُّ عَنْ أَبِي يُونُسَ الْقُشَيْرِيِّ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه. لَمْ يُصَلِّ عَلَى الْبُغَاةِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"1 قِصَّةَ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ، وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الصَّلَاةِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ لَمَّا كَانَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ رضي الله عنهما مَا وَقَعَ بِصِفِّينَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ، وَرَجَعَ عَلِيٌّ رضي الله عنه، إلَى الْكُوفَةِ: خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْخَوَارِجُ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَعَسْكَرُوا بِحَرُورَاءَ، فَلِذَلِكَ سُمُّوا الْحَرُورِيَّةَ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَخَاصَمَهُمْ، وَحَاجَّهُمْ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ كَثِيرٌ، وَثَبَتَ آخَرُونَ عَلَى رَأْيِهِمْ، ثُمَّ سَارُوا إلَى النَّهْرَوَانِ، فَعَرَضُوا لِلسَّبِيلِ، وَقَتَلُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابُ بْنِ الْأَرَتِّ، فَسَارَ إلَيْهِمْ عَلِيٌّ رضي الله عنه، فَقَتَلَهُمْ بِالنَّهْرَوَانِ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ ذَا الثُّدَيَّةِ، وَذَلِكَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ رَجَعَ عَلِيٌّ إلَى الْكُوفَةِ، فَلَمْ يَزَالُوا يَخَافُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْخَوَارِجِ، حَتَّى قُتِلَ رضي الله عنه، انْتَهَى.
باب الصلاة في الكعبة
بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ يَوْمَ الْفَتْحِ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ، هُوَ. وَأُسَامَةُ. وَبِلَالٌ. وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ رضي الله عنهم، فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ مَكَثَ فِيهَا، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَأَلْتُ بِلَالًا حِينَ خَرَجَ مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ جَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ2، وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى، وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ: وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ مُنْقَطِعَةٍ: عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، ثُمَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِي "الْإِمَامِ": وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مَالِكٍ فَرُوِيَ عَنْهُ: عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ، وَرُوِيَ عَنْهُ: عَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ، رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ3 وَرُوِيَ عَنْهُ: عَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَخْرَجَا4 عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَنَزَلَ بِفِنَاءِ
الْكَعْبَةِ، وَأَرْسَلَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ، فَجَاءَ بِالْمِفْتَاحِ، فَفَتَحَ الْبَابَ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيُّ عليه السلام، وَبِلَالٌ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، وَأَمَرَ بِالْبَابِ، فَأُغْلِقَ، فَلَبِثُوا فِيهِ مَلِيًّا، وَلِلْبُخَارِيِّ1 رضي الله عنه: فَمَكَثُوا فِيهِ نَهَارًا طَوِيلًا، ثُمَّ فُتِحَ الْبَابُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَبَادَرْت الْبَابَ، فَتَلَقَّيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجًا، وَبِلَالٌ عَلَى إثْرِهِ، فَقُلْت لِبِلَالٍ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: أَيْنَ؟ قَالَ: بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، قَالَ: وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ، كَمْ صَلَّى، انْتَهَى. وَهَذَا الْمَتْنُ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ، وَأَخْرَجَا2 عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بِلَالٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ، انْتَهَى. أَخْرَجَا3 هَذِهِ الْأَحَادِيثَ فِي "الْحَجِّ"، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ4 فِي "الصَّلَاةِ فِي بَابِ قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} " عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أَتَى ابْنُ عُمَرَ، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَقْبَلْت وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ، وَأَجِدُ بِلَالًا قَائِمًا بَيْنَ الْبَابَيْنِ، فَسَأَلْت بِلَالًا، فَقُلْت: أَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَى يَسَارِهِ إذَا دَخَلْت، ثُمَّ خَرَجَ، فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ": هَكَذَا قَالَ، وَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهُ كَمْ صَلَّى، انْتَهَى. الْمُعَارِضُ: أَخْرَجَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ5 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ، وَفِيهَا سِتُّ سَوَارِي، فَقَامَ عِنْدَ سَارِيَةٍ، فَدَعَا، وَلَمْ يُصَلِّ، انْتَهَى. وَبِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ، دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ فِي قِبَلِ الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ، مُخْتَصَرٌ، وَحَدِيثُ أُسَامَةَ هَذَا رَوَى خِلَافَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ6". وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، وَمَكَثْتُ مَعَهُ عُمْرًا لَمْ أَسْأَلْهُ كَمْ صَلَّى، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ يُعَلَّلُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالْإِرْسَالِ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَخِيهِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ7. وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ
فِي "مُسْنَدَيْهِمَا"، ثُمَّ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، أَوْ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي أَخِي الْفَضْلُ، وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ عليه السلام حِينَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعْبَةِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا دَخَلَهَا وَقَعَ سَاجِدًا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ يَدْعُو، زَادَ الطَّبَرَانِيُّ1: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: مَا أُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْكَعْبَةِ، مَنْ صَلَّى فِيهَا فَقَدْ تَرَكَ شَيْئًا خَلْفَهُ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ فِي الْحَجِّ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ الْبَيْتَ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ2 فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ": أَخَذَ النَّاسُ بِحَدِيثِ بِلَالٍ، لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ، وَقَدَّمُوهُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهُ نَفْيٌ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِشَهَادَةِ الْمُثْبِتِ، وَمَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَ بِلَالٍ رضي الله عنه أَنَّهُ صَلَّى، أَيْ دَعَا، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صلى ركعتين، رواه الْبُخَارِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَلَكِنَّ رِوَايَةَ بِلَالٍ، وَرِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحَتَانِ، وَوَجْهُهُمَا أَنَّهُ عليه السلام، دَخَلَهَا يَوْمَ النَّحْرِ، فَلَمْ يُصَلِّ، وَدَخَلَهَا مِنْ الْغَدِ، فَصَلَّى، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَهُوَ مِنْ فَرَائِدِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 بِسَنَدِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ عليه السلام الْبَيْتَ، ثُمَّ خَرَجَ، وَبِلَالٌ خَلْفَهُ، فَقُلْت لِبِلَالٍ: هَلْ صَلَّى؟ قَالَ: لَا، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ دَخَلَ، فَسَأَلْتُ بِلَالًا، هَلْ صَلَّى؟ قَالَ: نَعَمْ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا4، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ، فَصَلَّى بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَصَلَّى بَيْنَ الْبَابِ وَالْحَجَرِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: "هَذِهِ الْقِبْلَةُ"، ثُمَّ دَخَلَ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَامَ يَدْعُو، ثُمَّ خَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ، انْتَهَى. وَفِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يُعَكِّرُ عَلَى اللَّفْظِ الَّذِي قَبْلَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ5: وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ إنْ صَحَّتَا، فَفِيهِمَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام دَخَلَ الْبَيْتَ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى مَرَّةً، وَتَرَك مَرَّةً، إلَّا أَنَّ
فِي ثُبُوتِ الحديثين نظر، انْتَهَى. قُلْت: وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِمَا مَا رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ". وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"1، قَالَ إسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَمْ يَدْخُلْ الْبَيْتَ فِي الْحَجِّ، وَدَخَلَهُ عَامَ الْفَتْحِ، وَلَفْظُ إسْحَاقَ: يَوْمَ الْفَتْحِ يَمْحُو صُوَرًا فِيهِ، فَلَمَّا دَخَلَهُ أَمَرَ بِالصُّوَرِ، فَمُحِيَتْ، زَادَ الطَّبَرَانِيُّ: فَلَمَّا نَزَلَ، صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، أَوْ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ الْحَجَرِ. وَالْبَابِ، مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ، وَقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ، انْتَهَى. وَفِي "الْبُخَارِيِّ2 فِي بَابِ مَنْ كَبَّرَ فِي نَوَاحِي الْبَيْتِ" عن ابن عباسن قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ، وَفِيهِ الْآلِهَةُ، وَأَمَرَ بِهَا، فَأُخْرِجَتْ، فَأَخْرَجُوا صُورَةَ إبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ عليهما السلام، وَفِي أَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ، فَقَالَ عليه السلام،: "قائلهم اللَّهُ، أَمَا عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهِمَا قَطُّ"، فَدَخَلَ الْبَيْتَ، فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ، انْتَهَى. فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَخْبَرَ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُصَلِّ فِيهِ يَوْمَ الْفَتْحِ، لِأَنَّ إخْرَاجَ الصُّوَرِ مِنْ الْبَيْتِ إنَّمَا كَانَ زَمَنَ الْفَتْحِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ عَامَ الْحَجِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ خَبَرِ بِلَالٍ، وَخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بَلْ يُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَلَى يَوْمِ الْفَتْحِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ، انْتَهَى. وَهَذَا يَرُدُّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي قَبْلَهُ، أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَدْخُلْ الْبَيْتَ فِي الْحَجِّ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"3 مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ، قَالَ: قُلْت لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: كَيْفَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ؟ قَالَ: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَلَفْظُهُمْ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ، قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، قُلْت: لَأَلْبَسَنَّ ثِيَابِي، فَلَأَنْظُرَنَّ مَا يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ الْيَوْمَ، فَانْطَلَقْت، فَوَافَيْته قَدْ خَرَجَ مِنْ الْكَعْبَةِ، وَأَصْحَابُهُ مَعَهُ، فَقُلْت لِعُمَرَ: كَيْفَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ، قَالَ: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ فِيهِ مَقَالٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"4 فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، مِنْ
حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ رضي الله عنه، قَالَ: حَضَرْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَقَدْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ، فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ افْتَتَحَ "سُورَةَ المؤمنين"، فَلَمَّا بَلَغَ ذِكْرَ مُوسَى وَعِيسَى أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ، فَرَكَعَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَمَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ جَازَتْ صَلَاتُهُ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ1 فِي "الْمَسَاجِدِ" عَنْ زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَزْبَلَةِ. وَالْمَجْزَرَةِ. وَالْمَقْبَرَةِ. وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ. وَفِي الْحَمَّامِ. وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ. وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ الْقَوِيِّ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي زَيْدِ بن جبير مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، وَقَدْ رَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْبَهُ، وَأَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ: مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، انْتَهَى. وزيد بن جبير اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى ضَعْفِهِ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَالْأَزْدِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا، لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابِعُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": زَيْدُ بْنُ جبير مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنْ الْمَشَاهِيرِ، فَاسْتَحَقَّ التَّنَكُّبَ عَنْ رِوَايَتِهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ أَبِي صَالِحٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "سَبْعُ مَوَاطِنَ لَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا: ظَهْرُ بَيْتِ اللَّهِ. وَالْمَقْبَرَةُ. وَالْمَزْبَلَةُ. وَالْمَجْزَرَةُ. وَالْحَمَّامُ. وَعَطَنُ الْإِبِلِ. وَمَحَجَّةُ الطَّرِيقِ"، انْتَهَى. وَهَذِهِ الطَّرِيقُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَعِلَّتُهُ أَبُو صَالِحٍ، كَاتِبُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، فَإِنَّهُ قَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَالْحَدِيثُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ،
وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"1: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ بِهِ، وَرَوَاهُ زَيْدُ بن جبير، فَقَالَ: الْإِسْنَادَانِ وَاهِيَانِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" رحمه الله: وَأَمَّا أَبُو صَالِحٍ، كَاتِبُ اللَّيْثِ، فَقَدْ وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ آخَرُونَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَى عَنْهُ فِي "الصَّحِيحِ"، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ، وَالْحَمَّامِ: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي "جَامِعِهِ"2 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ، إلَّا الْمَقْبَرَةَ. وَالْحَمَّامَ"، انْتَهَى. قَالَ: وَهَذَا فِيهِ اضْطِرَابٌ، فَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رضي الله عنه عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عن عمرو بْنِ يَحْيَى، فَأَسْنَدَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، فَأَسْنَدَهُ مَرَّةً، وَأَرْسَلَهُ أُخْرَى، وَكَانَ عَامَّةُ روايته الإِرسال، وكأن رِوَايَةُ الثَّوْرِيِّ أَثْبَتَ وَأَصَحَّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" مُسْنَدًا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3، وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَحَاصِلُ مَا أُعِلَّ بِهِ الْإِرْسَالُ، وَإِذَا كَانَ الرَّافِعُ ثِقَةً، فَهُوَ مَقْبُولٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله فِي "الْخُلَاصَةِ": هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: هُوَ مُضْطَرِبٌ، وَلَا يُعَارَضُ هَذَا بِقَوْلِ الْحَاكِمِ: أَسَانِيدُهُ صَحِيحَةٌ، فَإِنَّهُمْ أَتْقَنُ فِي هَذَا مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يُصَحَّحُ أَسَانِيدُهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِاضْطِرَابِهِ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ جَابِرٍ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ4 عَنْهُ مَرْفُوعًا: "أُعْطِيتُ خَمْسًا، لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي، كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ طَيِّبَةً، طَهُورًا وَمَسْجِدًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، صَلَّى حَيْثُ كَانَ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بَيْنَ يَدَيْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: "لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي"، وَفِيهِ "وَبُعِثْت إلَى النَّاسِ كَافَّةً"، وَفِيهِ: "وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي"، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ5، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فُضِّلْتُ عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ
صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ. وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا. وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا، إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ"، وَذَكَرَ خَصْلَةً أُخْرَى، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه1، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ. وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ. وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ. وَجُعِلَتْ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً. وَخُتِمَ بِي النَّبِيُّونَ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ يَسَارِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَضَّلَنِي عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ قَالَ: أُمَّتِي عَلَى الْأُمَمِ، بِأَرْبَعٍ: أَرْسَلَنِي إلَى النَّاسِ كَافَّةً. وَجَعَلَ لِي الْأَرْضَ كُلَّهَا مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْ الصَّلَاةُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي، فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ وَطَهُورُهُ"، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ: الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ رضي الله عنه أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ لَا تَصِحُّ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ وَرَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، وَلَهُ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عِلَاجٍ الْمَوْصِلِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي ثَمَنِهِ دِرْهَمٌ حَرَامٌ، لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً مَا دَامَ عَلَيْهِ، صُمَّتَا، إنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَا مَرَّتَيْنِ، وَلَا ثلاث، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ رحمه الله: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عِلَاجٍ هَذَا يَرْوِي عَنْ مَالِكٍ، وَيُونُسَ بْنَ يَزِيدَ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِمْ، لَا يَشُكُّ السَّامِعُ لَهَا أَنَّهَا صَنْعَتُهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا حَدَّثَ بِهِ نَافِعٌ، وَلَا رَوَاهُ عَنْهُ مَالِكٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مَشْهُورٌ مِنْ حَدِيثِ الشَّامِيِّينَ، حَدَّثَ بِهِ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ بِإِسْنَادٍ وَاهٍ، انْتَهَى. الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ رضي الله عنه فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ زُفَرَ عَنْ هَاشِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، نَحْوُهُ، سَوَاءٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله فِي "التَّحْقِيقِ": وَهَاشِمٌ مَجْهُولٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ابْنَ زَيْدٍ الدِّمَشْقِيَّ، فَذَاكَ يَرْوِي عَنْ نَافِعٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَذَكَرَ الْخَلَّالُ، قَالَ: قَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، لَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ، انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْقَبُولِ نَفْيُ الصِّحَّةِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَقَدْ يُحْتَجُّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ3 عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مَرْفُوعًا، "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ"، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الصَّلَاةِ بين السواري: احتج أَبُو دَاوُد1، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يَحْيَى بن هانىء بْنِ عُرْوَةَ الْمُرَادِيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ، قَالَ: صَلَّيْنَا خَلْفَ أَمِيرٍ مِنْ الْأُمَرَاءِ، فَاضْطَرَّنَا النَّاسُ، فَصَلَّيْنَا بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ، فَلَمَّا صَلَّيْنَا، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"2 مِنْ طريق أبي دَاوُد ثَنَا هَارُونُ أَبُو مُسْلِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا نُنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ، وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": هكذا وجدته، هَارُونَ أَبُو مَسْلَمَةً، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ3: هَارُونُ بْنُ مَسْلَمَةً، رَوَى عَنْ قَتَادَةَ، سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: شَيْخٌ مَجْهُولٌ، قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله: وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَأَمَّلَ، هَلْ هُوَ هَذَا، أَمْ لَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ، قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ إسْنَادُهُمَا صَحِيحَانِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ السَّارِيَةَ تَحُولُ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً لَمْ يُجَاوِزْ مَا بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام حِينَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ، وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
كتاب الزكاة
كِتَابُ الزكاة مقدمة ... كتاب الزَّكَاةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: "أَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ". قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ. فَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1 فِي آخِرِ "أَبْوَابِ الصَّلَاةِ" عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا أُمَامَةَ، يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: "اتَّقُوا اللَّهَ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ، تَدْخُلُونَ جَنَّةَ رَبِّكُمْ"، قَالَ: قُلْت لِأَبِي أُمَامَةَ: مُنْذُ كَمْ سَمِعْت هَذَا الْحَدِيثَ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ، وَأَنَا ابْنُ ثَلَاثِينَ سَنَةً، قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْإِيمَانِ، وَغَيْرِهِ"، قَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ عِلَّةٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَدْ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِأَحَادِيثَ لِسُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، وَسَائِرُ رُوَاتِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ"2 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَسْعُودٍ الْمَقْدِسِيَّ ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ثَنَا صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "أَخْلِصُوا عِبَادَةَ رَبِّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَحُجُّوا بَيْتَ رَبِّكُمْ، تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ"، وَفِيهِ قِصَّةٌ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: فِيهِ حَدِيثُ مُعَاذٍ رضي الله عنه لَمَّا بَعَثَهُ النَّبِيُّ عليه السلام إلَى الْيَمَنِ، وَفِيهِ: فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، الْحَدِيثَ، أَخْرَجَاهُ3 عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَدِيثُ ضِمَامَ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَفِيهِ: قَالَ: أَنْشُدُك بِاَللَّهِ، اللَّهُ أَمَرَك أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتُقَسِّمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ عليه السلام: "اللَّهُمَّ نَعَمْ"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4 عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، وحديث جبرئيل عليه السلام أَخْرَجَاهُ5 عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَى النبي عليه السلام رجلاً، فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْإِيمَانُ؟، قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، قَالَ: فَمَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، قَالَ: فَمَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ"، الْحَدِيثَ، وَحَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ، وَفِيهِ: قَالَ، وَذَكَرَ لَهُ عليه السلام الزَّكَاةَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟، قَالَ: "لَا، إلَّا أَنْ تَطَوُّعَ"، الْحَدِيثَ، أَخْرَجَاهُ1 مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ، وَحَدِيثُ: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ" 2، وَفِيهِ أَحَادِيثُ مَانِعِ الزَّكَاةِ، سَيَأْتِي آخِرَ الْكِتَابِ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ المصنف رحمه الله: لابد مِنْ مِلْكِ النِّصَابِ، لِأَنَّهُ عليه السلام قَدَّرَ السَّبَبَ بِهِ، قُلْت: مِنْ شَوَاهِدِ ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ3، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنهم. أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"4 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَسَمَّى آخَرَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ. وَالْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "إذَا كَانَتْ لَك مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ "يَعْنِي فِي الذَّهَبِ" حَتَّى يَكُونَ لَك عِشْرُونَ دِينَارًا، فَإِذَا كَانَتْ لَك عِشْرُونَ دِينَارًا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ، فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهَا ذَلِكَ"، قَالَ: فَلَا أَدْرِي أَعَلِيٌّ يَقُولُ: فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، أَوْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، وَلَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، انْتَهَى. قَالَ: وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَرْفَعُوهُ، انْتَهَى. وَفِيهِ عَاصِمٌ، وَالْحَارِثُ. فَعَاصِمٌ وَثَّقَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ. وَتَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ عَدِيٍّ، فَالْحَدِيثُ حَسَنٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله فِي "الْخُلَاصَةِ": وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَوْ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ ضَعْفُ الْحَارِثِ لِمُتَابَعَةِ عَاصِمٍ لَهُ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ"5،
هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ ابن وَهْبٌ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ، وَالْحَارِثُ عَنْ عَلِيٍّ، فَقَرَنَ أَبُو إسْحَاقَ فِيهِ بَيْنَ عَاصِمٍ، وَالْحَارِثِ، وَالْحَارِثُ كَذَّابٌ1 وَكَثِيرٌ مِنْ الشُّيُوخِ، يُجَوِّزُ عَلَيْهِ مِثْلَ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ الْحَارِثَ أَسْنَدَهُ، وَعَاصِمٌ لَمْ يُسْنِدْهُ، فَجَمَعَهُمَا جَرِيرٌ، وَأَدْخَلَ حَدِيثَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، وَكُلٌّ ثِقَةٌ رَوَاهُ مَوْقُوفًا، فَلَوْ أَنَّ جَرِيرًا أَسْنَدَهُ عَنْ عاصم، وبيَّن ذلك أخدنا بِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذَا لَا يَلْزَمُ، لِأَنَّ جَرِيرًا ثِقَةٌ، وَقَدْ أَسْنَدَ عَنْهُمَا، انْتَهَى. وَهُوَ فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ"2 عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: "لَيْسَ فِي مَالِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ"، انْتَهَى. وَلَيْسَ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَلَهُ طُرُقٌ: أَحَدُهَا: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ3 عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "لَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ"، انْتَهَى. وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ، وَفِي رِوَايَتِهِ عَنْ غَيْرِ الشَّامِيِّينَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَرَوَاهُ مُعْتَمِرٌ. وَغَيْرُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ4 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَقَالَ: هُوَ الصَّحِيحُ، وَرَوَاهُ بَقِيَّةُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَرَفَعَهُ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ غَرَائِبِ مَالِكٍ" عَنْ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، نَحْوُهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّوَابُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْر، وَأَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي "الْمُوَطَّأِ"5 بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ مَوْقُوفًا عَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي "مُسْنَدِهِ" مَوْقُوفًا كَذَلِكَ. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"6 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ" بِلَفْظِ: "مَنْ اسْتَفَادَ مَالًا، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ"، انْتَهَى. ثُمَّ رَوَاهُ مَوْقُوفًا، وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": حَدِيثُ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ" يَرْوِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا، وَالصَّحِيحُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مَوْقُوفًا، كَذَا قَالَهُ عَنْهُ مَعْمَرٌ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، وَشُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَغَيْرُهُمْ، وَرَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَكَذَلِكَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَقَدْ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَرَفَعَهُ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُهُ، وَالصَّحِيحُ عَنْ مَالِكٍ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ رضي الله عنه، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ حَسَّانَ بْنِ سِيَاهٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِحَسَّانَ بْنِ سِيَاهٍ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ يَرْوِيهِ عَنْ ثَابِتٍ غَيْرَهُ، انْتَهَى. وَحَسَّانُ بْنُ سِيَاهٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، لِمَا ظَهَرَ مِنْ خَطَئِهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ صَلَاحِهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ"، انْتَهَى. وَحَارِثَةُ هَذَا ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ رحمه الله فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": كَانَ مِمَّنْ كَثُرَ وَهْمُهُ، وَفَحُشَ خَطَؤُهُ، تَرَكَهُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ: تَعَلَّقَ الْخَصْمُ، وَهُوَ: الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَمَالِكٌ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، بِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اسْتَفَادَ مَالًا، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ رحمه الله: وَرَوَاهُ أَيُّوبُ. وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ كَثِيرُ الْغَلَطِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله فِي "الْخُلَاصَةِ": وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ بِهِ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ بِهِ مَوْقُوفًا. قَوْلُهُ: وَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ زَكَاةٌ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه.
أَحَادِيثُ زَكَاةِ مَالِ الْيَتِيمِ، أَوْ الصَّغِيرِ: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ1 عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: "مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ لَهُ، وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّمَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، لِأَنَّ الْمُثَنَّى يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" رحمه الله: قَالَ: مَهْمَا سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيحٍ، انْتَهَى2. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ إسْحَاقَ ثَنَا مِنْدَلٌ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوُهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ3: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إسْحَاقَ ضَعِيفٌ، وَمِنْدَلٌ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَرْفَعُ الْمَرَاسِيلَ، وَيُسْنِدُ الْمَوْقُوفَاتِ مِنْ سُوءِ حِفْظِهِ، فَلَمَّا فَحُشَ ذَلِكَ مِنْهُ، اسْتَحَقَّ التَّرْكَ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي مَالِ الْيَتِيمِ زَكَاةٌ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الْعَرْزَمِيُّ ضَعِيفٌ، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَذِهِ الطُّرُقُ الثَّلَاثَةُ ضَعِيفَةٌ، لَا يَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ عِنْدِي بِمَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، لِأَنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ لَا يَخْلُو مِنْ إرْسَالٍ، أَوْ انْقِطَاعٍ، وَكِلَاهُمَا لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، فَإِنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَإِذَا رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَأَرَادَ بِجَدِّهِ مُحَمَّدًا، فَمُحَمَّدٌ لَا صُحْبَةَ لَهُ، وَإِنْ أَرَادَ عَبْدَ اللَّهِ، فَشُعَيْبٌ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": النَّاسُ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي تَوْثِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ: عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، كَأَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: رَأَيْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَعَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنَ رَاهْوَيْهِ، وَالْحُمَيْدِيَّ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، فَمَنْ النَّاسُ بَعْدَهُمْ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حِبَّانَ: لَمْ يَصِحَّ سَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ خَطَأٌ، وَقَدْ رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، وَهُوَ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْعُدُولِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَجَاءَ
رَجُلٌ، فَاسْتَفْتَاهُ فِي مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: يَا شُعَيْبُ! امْضِ مَعَهُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَدْ صَحَّ بِهَذَا سَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ أَثْبَتَ سَمَاعَهُ مِنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: جَدُّهُ الْأَدْنَى مُحَمَّدٌ، وَلَمْ يُدْرِكْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدُّهُ الْأَعْلَى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ شُعَيْبٌ، وَجَدُّهُ الْأَوْسَطُ عَبْدُ اللَّهِ، وَقَدْ أَدْرَكَهُ، فَإِذَا لَمْ يُسَمِّ جَدَّهُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدًا، وَاحْتَمَلَ أن يكون عمرواً، فَيَكُونُ فِي الْحَالَيْنِ مُرْسَلًا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَبْدَ اللَّهِ الَّذِي أَدْرَكَهُ، فَلَا يَصِحُّ الْحَدِيثُ، وَلَا يَسْلَمُ مِنْ الْإِرْسَالِ، إلَّا أَنْ يَقُولَ فِيهِ: عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله: وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ سَمَّى فِيهِ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ، فَسَلِمَ مِنْ الْإِرْسَالِ، عَلَى أَنَّ الْمُرْسَلَ عِنْدَنَا حُجَّةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي "كِتَابِ الْبُيُوعِ، مِنْ الْمُسْتَدْرَكِ": لَمْ أَزَلْ أَطْلُبُ الْحُجَّةَ الظَّاهِرَةَ فِي سَمَاعِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهَا1. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه الوسط"2 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ ثَنَا الْفُرَاتُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَيْرَوَانِيُّ ثَنَا شَجَرَةُ بن عيسى المغافري عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ" انْتَهَى. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. الْآثَارُ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ3 عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ثَنَا أَشْعَثُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ صَلْتٍ الْمَكِّيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ أَبَا رَافِعٍ أَرْضًا، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو رَافِعٍ بَاعَهَا عُمَرُ رضي الله عنه بِثَمَانِينَ أَلْفًا، فَدَفَعَهَا إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، فَكَانَ يُزَكِّيهَا، فَلَمَّا قَبَضَهَا وَلَدُ أَبِي رافع عدوا مالهم، فَوَجَدُوهَا نَاقِصَةً، فَسَأَلُوا عَلِيًّا، فَقَالَ: أَحَسَبْتُمْ زَكَاتَهَا؟ قَالُوا: لَا، فَحَسَبُوا زَكَاتَهَا، فَوَجَدُوهَا سَوَاءً، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَكُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّهُ يَكُونُ عِنْدِي مَالٌ لَا أُزَكِّيهِ؟!، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَشْعَثَ، وَقَالَا: عَنْ أَبِي رَافِعٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ1: أَنْبَأَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَلِينِي، وَأَخًا لِي يَتِيمًا فِي حِجْرِهَا، وَكَانَتْ تُخْرِجُ مِنْ أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ رضي الله عنه فِي "الْمُوَطَّأِ"، كَمَا تَرَاهُ، قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عمر أَنَّهُ كَانَ يُزَكِّي مَالَ الْيَتِيمِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: ابْتَغَوْا بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى، لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ، قَالَ البيهقي: إسناده صَحِيحٌ3، وَلَهُ شَوَاهِدُ عَنْ عُمَرَ. ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ: ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا مِحْجَنٍ، أَوْ ابْنَ مِحْجَنٍ وَكَانَ خَادِمًا لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: قَدِمَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كَيْفَ مَتْجَرُ أَرْضِك، فَإِنَّ عِنْدِي مَالُ يَتِيمٍ، قَدْ كَادَتْ الزَّكَاةُ تُفْنِيهِ، قَالَ: فَدَفَعَهُ إلَيْهِ، قَالَ: وَرَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ عَنْ عُمَرَ، وَكِلَاهُمَا مَحْفُوظٌ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ4 ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ، فِي الَّذِي يَلِي الْيَتِيمَ، قَالَ: يُعْطِي زَكَاتَهُ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْأَصْحَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد5، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ. وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ. وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ"، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَحَمَّادُ الْأَوَّلُ: هُوَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ الثَّانِي: هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْعِجْلِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَتَكَلَّمَ فِيهِ الْأَعْمَشُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُرَادَ قَلَمُ الْإِثْمِ، أَوْ قَلَمُ الْأَدَاءِ. انْتَهَى. وَبَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي "كِتَابِ الْحَجْرِ".
الْآثَارُ: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ لَيْثِ1 بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَنْ وَلِيَ مَالَ الْيَتِيمِ، فَلْيُحْصِ عَلَيْهِ السِّنِينَ، وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ أَخْبَرَهُ بِمَا فِيهِ مِنْ الزَّكَاةِ، فَإِنْ شَاءَ زَكَّى، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا أَثَرٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ مُجَاهِدًا لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، إلَّا أَنَّهُ يَنْفَرِدُ2 بِإِسْنَادِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَهُوَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْأَثَرُ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم، قَالَ: لَيْسَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ زَكَاةٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": كَانَ مِنْ الْعُبَّادِ يَعْنِي لَيْثَ بْنَ أَبِي سُلَيْمٍ لَكِنْ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، حَتَّى كَانَ لَا يَدْرِي مَا يُحَدِّثُ بِهِ، فَكَانَ يَقْلِبُ الْأَسَانِيدَ، وَيَرْفَعُ الْمَرَاسِيلَ، تَرَكَهُ يَحْيَى بْنُ الْقَطَّانِ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ حِبَّانَ تَرْجَمَ عَلَيْهِ لَيْثُ3 بْنُ أَبِي سُلَيْمِ بْنِ زَنِيمٍ اللَّيْثِيُّ، وَتَعَقَّبَهُ الشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّينِ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَاشِيَتِهِ" بِخَطِّهِ، فَقَالَ: لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ لَيْسَ هُوَ ابْنَ زَنِيمٍ اللَّيْثِيَّ، فَرَّقَهُمَا إمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْبُخَارِيُّ فِي "تَرْجَمَتَيْنِ"، وَكَذَلِكَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْعُقَيْلِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي "كُتُبِهِمْ". وَابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ قُرَشِيٌّ: مَوْلَاهُمْ، وَاللَّيْثِيُّ إنَّمَا هُوَ ابْنُ زَنِيمٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الضِّمَارِ، قُلْت: غَرِيبٌ. وَرَوَى أَبُو عبيد القاسم بن سلاح فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ فِي بَابِ الصَّدَقَةِ" حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: إذَا حَضَرَ الْوَقْتُ الَّذِي يُؤَدِّي فِيهِ الرَّجُلُ زَكَاتَهُ أَدَّى عَنْ كُلِّ مَالٍ، وَعَنْ كُلِّ دَيْنٍ، إلَّا مَا كَانَ مِنْهُ ضِمَارًا لَا يَرْجُوهُ، انْتَهَى. وَرَوَى مَالِكٌ4 رضي الله عنه فِي "الْمُوَطَّأِ" عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السِّخْتِيَانِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنهما كَتَبَ فِي مَالٍ قَبَضَهُ بَعْضُ الْوُلَاةِ ظُلْمًا، فَأَمَرَ بِرَدِّهِ إلَى أَهْلِهِ، وَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ، لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، ثُمَّ عَقَّبَ بَعْدَ ذَلِكَ بِكِتَابٍ، أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُ إلَّا زَكَاةُ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّهُ كَانَ ضِمَارًا، قَالَ مَالِكٌ رضي الله عنه: الضِّمَارُ: الْمَحْبُوسُ عَنْ صَاحِبِهِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي "الْإِمَامِ": فِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ أَيُّوبَ وَعُمَرَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ1" حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: أَخَذَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَالَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الرَّقَّةِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَائِشَةَ عِشْرِينَ أَلْفًا، فَأَلْقَاهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَتَاهُ وَلَدُهُ، فَرَفَعُوا مَظْلَمَتَهُمْ إلَيْهِ. فَكَتَبَ إلَى مَيْمُونٍ: أَنْ ادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، وَخُذُوا زَكَاةَ عَامِهِمْ هَذَا، فَإِنَّهُ لَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مَالًا ضِمَارًا أَخَذْنَا مِنْهُ زَكَاةَ مَا مَضَى، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: عَلَيْهِ زَكَاةُ ذَلِكَ الْعَامِ، انْتَهَى.
باب صدقة السوائم
بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ فَصْلٌ فِي الْإِبِلِ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: بِهَذَا اشْتَهَرَتْ كُتُبُ الصَّدَقَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْت: مِنْهَا كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ2"، وَفَرَّقَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ مُتَوَالِيَةٍ عَنْ ثُمَامَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ، لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ: "بسم الله الرحمن الرحيم هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاَلَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَلْيُعْطِهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهُ، فَلَا يُعْطِي: فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ، فَمَا دُونَهَا مِنْ الْغَنَمِ، مِنْ كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى. فَإِذَا بَلَغَتْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى. فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ، فَفِيهَا حِقَّةٌ، طَرُوقَةُ الْجَمَلِ. فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا
بَلَغَتْ يَعْنِي سِتَّةً وَسَبْعِينَ إلَى تسعينن فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ. فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ، طَرُوقَتَا الْجَمَلِ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا أَرْبَعٌ مِنْ الْإِبِلِ، فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا. فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ، فَفِيهَا شَاةٌ. وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، شَاةٌ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ، شَاتَانِ. فَإِذَا زَادَتْ على مائتين إلى ثلثمائة، فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ. فَإِذَا زادت على ثلثمائة، فَفِي كُلِّ مِائَةٍ، شَاةٌ. فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةٌ، فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا. وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا تِسْعِينَ وَمِائَةً، فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا"، انْتَهَى. وَفِي الْبَابِ الثَّانِي 1: عَنْ ثُمَامَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ: مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ، إنْ تيسرتا لَهُ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، ومن بلغت عنده الْحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ، وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ. وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إلَّا بِنْتُ لَبُونِ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُونٍ، وَيُعْطِي شَاتَيْنِ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا. وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ شَاتَيْنِ. وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ شَاتَيْنِ، انْتَهَى. وَفِي الْبَابِ الثَّالِثِ 2: عَنْ ثُمَامَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كتب له الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَلَا يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ، وَلَا تَيْسٌ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّقُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"3 حَدِيثًا وَاحِدًا، وَزَادَ فِيهِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَلَكِنْ أَسْنَدَهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخَذْت مِنْ ثُمَامَةَ4 بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَنَسٍ كِتَابًا، زَعَمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كَتَبَهُ لِأَنَسٍ، فَذَكَرَهُ. وَهَذَا اللَّفْظُ ظَاهِرُهُ الِانْقِطَاعُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَوْصُولٌ، إلَّا أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ قَصَرَ بِهِ، فَرَوَاهُ كَذَلِكَ يَعْنِي سَنَدَ أَبِي دَاوُد ثُمَّ إنَّ بَعْضَ مَنْ يَدَّعِي1 مَعْرِفَةَ الْآثَارِ تَعَلَّقَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا مُنْقَطِعٌ، وَأَنْتُمْ لَا تُثْبِتُونَ الْمُنْقَطِعَ. وَإِنَّمَا وَصَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَأَنْتُمْ لَا تَجْعَلُونَ ابْنَ الْمُثَنَّى حُجَّةً، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ يُونُسَ2 بْنَ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبَ قَدْ رَوَاهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كَتَبَ لَهُ، وَقَدْ أَخْرَجْنَاهُ فِي "كِتَابِ السُّنَنِ". وكذلك رواه سريح بْنُ النُّعْمَانِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ إمَامٌ عَنْ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَهُوَ أَتْقَنُ أَصْحَابِ حَمَّادٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِهِ3، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ مِنْ الْحُفَّاظِ أَحَدًا اسْتَقْصَى فِي انْتِقَادِ الرُّوَاةِ مَا اسْتَقْصَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ رضي الله عنهما، مَعَ إمَامَتِهِ فِي مَعْرِفَةِ عِلَلِ الْأَحَادِيثِ وَأَسَانِيدِهَا، وَهُوَ قَدْ اعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ الْمُثَنَّى4، فَأَخْرَجَهُ فِي "صَحِيحِهِ"، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ الشَّوَاهِدِ لَهُ بِالصِّحَّةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَمِنْهَا كِتَابُ عُمَرَ رضي الله عنه: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ كِتَابَ الصَّدَقَةِ، فَلَمْ يُخْرِجْهُ إلَى عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ، فَلَمَّا قُبِضَ عَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ، وَعُمَرُ حَتَّى قُبِضَ، وَكَانَ فِيهِ: فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ، أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ينت مَخَاضٍ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ. فَإِذَا زَادَتْ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ. فَإِذَا زَادَتْ فَفِيهَا حِقَّةٌ إلَى سِتِّينَ. فَإِذَا زَادَتْ فَجَذَعَةٌ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ. فَإِذَا زَادَتْ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ إلَى تِسْعِينَ. فَإِذَا زَادَتْ فَفِيهَا حِقَّتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌـ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ. وَفِي الشَّاةِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ. فَإِذَا زَادَتْ فَشَاتَانِ إلَى مِائَتَيْنِ. فَإِذَا زَادَتْ فَثَلَاثُ شِيَاهٍ إلَى ثلثمائة شَاةٍ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثلثمائة شَاةٍ، فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ. ثُمَّ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ مِائَةً، وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلَا ذَاتُ عَيْبٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إذَا جَاءَ الْمُصَدِّقُ قَسَّمَ الشَّاةَ أَثْلَاثًا: ثُلُثُ خِيَارٍ. وَثُلُثُ أَوْسَاطٍ. وَثُلُثُ شِرَارٍ، وَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْ الْوَسَطِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الزُّهْرِيُّ الْبَقَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رَوَى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَرْفَعُوهُ، وَإِنَّمَا رَفَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ2، انتهى. قال المنذري: وسفيان بْنُ حُسَيْنٍ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، إلَّا أَنَّ حَدِيثَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِيهِ مَقَالٌ، وَقَدْ تَابَعَ سُفْيَانَ بْنَ حُسَيْنٍ عَلَى رَفْعِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ3، وَهُوَ مِمَّنْ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا، وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ صَدُوقٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"4، وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، وَقَالَ: سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَهُوَ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، إلَّا أَنَّ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يُخَرِّجَا لَهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إرْسَالٌ، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَسَيَأْتِي. وَزَادَ فِيهِ ابْنُ مَاجَهْ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ،
فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ، وَاخْتَصَرَ مِنْهُ الْغَنَمَ، إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. وَزَادَ فِيهِ أَبُو دَاوُد زِيَادَةً مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَتَبَهُ فِي الصَّدَقَةِ، وَهِيَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَقْرَأَنِيهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَوَعَيْتهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَهِيَ الَّتِي انْتَسَخَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً. فَإِذَا كَانَتْ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ وَمِائَةً: فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتُ لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةً. فَإِذَا كَانَتْ خَمْسِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَخَمْسِينَ وَمِائَةً. فَإِذَا كَانَتْ سِتِّينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسِتِّينَ وَمِائَةً. فَإِذَا كَانَتْ سَبْعِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسَبْعِينَ وَمِائَةً. فَإِذَا كَانَتْ ثَمَانِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَابْنَتَا لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَمَانِينَ وَمِائَةً. فَإِذَا كَانَتْ تِسْعِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ وَمِائَةً. فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ، فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ، أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ، أَيُّ السِّنِينَ وُجِدَتْ أُخِذَتْ. وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ، فَذَكَرَ حَدِيثَ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، وَهَذَا مُرْسَلٌ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ. قَالَ مَالِكٌ رضي الله عنه فِي "الْمُوَطَّأِ": وَمَعْنَى لَا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ: أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ إذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٌ، فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا فِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ. فَإِذَا أَظَلَّهُمَا فَرَّقَا غَنَمَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا شَاةٌ. قَالَ: فَهَذَا الَّذِي سَمِعْت فِي ذَلِكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي "مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ"، وَتَكَلَّمَ الْحُفَّاظُ في روايته عن الزهرين قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنه: لَيْسَ بِذَاكَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ رحمه الله: هُوَ ثِقَةٌ، وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فِي الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، إلَّا فِي الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ فِي غَيْرِ الزُّهْرِيِّ صَالِحُ الْحَدِيثِ. وَفِي الزُّهْرِيِّ يَرْوِي أَشْيَاءَ خَالَفَ فِيهَا النَّاسَ، قَالَ: وَقَدْ وَافَقَ سُفْيَانَ بْنَ حُسَيْنٍ عَلَى رَفْعِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ أَخُو مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ: حَدَّثَنَاهُ ابْنُ صَاعِدٍ عَنْ يَعْقُوبَ الدَّوْرَقِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ بِذَلِكَ، وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ فَوَقَفُوهُ، وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ رَفَعَاهُ، انْتَهَى. وَمِنْهَا كِتَابُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "الدِّيَاتِ"، وَأَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ"
النَّسَائِيّ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد عَنْ الزُّهْرِيِّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ يَحْيَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، وَقَالَ: هَذَا أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى1. وَأَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ"2 عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ محمد بن عمر بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ بِكِتَابٍ فِيهِ الْفَرَائِضُ، وَالسُّنَنُ، وَالدِّيَاتُ. وَبَعَثَ بِهِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَقُرِئَتْ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، وَهَذِهِ نُسْخَتُهَا: "بسم الله الرحمن الرحيم، مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبْدِ كَلَالٍ3، قِيلَ: ذِي رُعَيْنٍ، وَمَعَافِرَ، وَهَمْدَانَ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ رَجَعَ رَسُولُكُمْ، وَأَعْطَيْتُمْ مِنْ الْمَغَانِمِ خُمْسَ اللَّهِ، وَمَا كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْعُشْرِ، فِي الْعَقَارِ، وَمَا سَقَتْ السَّمَاءُ، وَكَانَ سَيْحًا، أَوْ كَانَ بَعْلًا4 فِيهِ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَمَا سُقِيَ بِالرَّشَا، وَالدَّالِيَةِ، فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَفِي كُلِّ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ سَائِمَةٍ، شَاةٌ إلَى أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ. فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ عَلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ ابْنَةُ مَخَاضٍ، فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، إلَى أَنْ يَبْلُغَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ. فَإِنْ زَادَتْ عَلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا ابْنَةُ لَبُونٍ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ. فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ سِتِّينَ. فَإِنْ زَادَتْ عَلَى سِتِّينَ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا جَذَعَةٌ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ، فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ عَلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ تِسْعِينَ. فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً، فَمَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ، وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ بَاقُورَةً5 تَبِيعٌ، جَذَعٌ، أَوْ جَذَعَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَاقُورَةً بَقَرَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ
شَاةً سَائِمَةً، شَاةٌ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا شَاتَانِ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ، فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ ثلثمائة. فَإِنْ زَادَتْ فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ، وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلَا عَجْفَاءُ، وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ، وَلَا تَيْسُ الْغَنَمِ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا أَخَذَ مِنْ الْخَلِيطَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَفِي كُلِّ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ , وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ شَيْءٌ , وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ , وَالصَّدَقَةُ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِأَهْلِ بَيْتِهِ، إنَّمَا هِيَ الزَّكَاةُ تُزَكَّى بِهَا أَنْفُسُهُمْ فِي فُقَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ1، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ2، وَلَيْسَ فِي رَقِيقٍ، وَلَا مَزْرَعَةٍ وَلَا عُمَّالِهَا شَيْءٌ، إذَا كَانَتْ تُؤَدِّي صَدَقَتَهَا مِنْ الْعُشْرِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي عَبْدٍ مُسْلِمٍ، وَلَا فَرَسِهِ شَيْءٌ، وَكَانَ فِي الْكِتَابِ: "إنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْفِرَارُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَرَمْيُ الْمُحْصَنَةِ، وَتَعَلُّمُ السَّحَرِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَنَّ الْعُمْرَةَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ، وَلَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ، وَلَا طَلَاقَ قَبْلَ إمْلَاكٍ، وَلَا عَتَاقَ حَتَّى يَبْتَاعَ، وَلَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَشِقُّهُ بَادٍ، وَلَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ عَاقِصًا شَعْرَهُ"، وَكَانَ فِي الْكِتَابِ3" أَنَّ مَنْ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ، فَإِنَّهُ قَوْدٌ، إلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، وَأَنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ. وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ،4 وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي كُلِّ إصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ، أَوْ الرِّجْلِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَأَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ"، انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَنْبَأَ مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِهِ، وعن عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عياش بن يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بِهِ، وَرَوَاهُ كَذَلِكَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ5"، كِلَاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ بِهِ، قَالَ الْحَاكِمُ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَهُوَ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله فِي "التَّحْقِيقِ":
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهما: كِتَابُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي الصَّدَقَاتِ صَحِيحٌ، قَالَ: وَأَحْمَدُ يُشِيرُ بِالصِّحَّةِ إلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، لَا لِغَيْرِهَا، لِمَا سَيَأْتِي. وَقَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَنُسْخَةُ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ تَلَقَّاهَا الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ بِالْقَبُولِ، وَهِيَ مُتَوَارَثَةٌ، كَنُسْخَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَهِيَ دَائِرَةٌ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي دَاوُد الْخَوْلَانِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ، بَلْ الْمُرَجِّحُ فِي رِوَايَتِهِمَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي "الرِّسَالَةِ": لَمْ يَقْبَلُوهُ حَتَّى ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ أَحْمَدُ رضي الله عنه: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحًا، وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ1: لَا أَعْلَمُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ الْمَنْقُولَةِ أَصَحَّ مِنْهُ، كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّابِعُونَ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ، وَيَدَعُونَ آرَاءَهُمْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 بِسَنَدِ ابْنِ حِبَّانَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَثْنَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْخَوْلَانِيِّ: مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيَّانِ، وَعُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: وَحَدِيثُهُ هَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَاهُ مُرْسَلًا، وَيُوَافِقُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَاهُ مِنْ جِهَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَغَيْرِهِ مَوْصُولًا، انْتَهَى. وَمِنْهَا كِتَابُ زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ إلَى حَضْرَمَوْتَ: رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الرِّدَّةِ" فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ كِنْدَةَ مُسْلِمِينَ، أَطْعَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي وَلِيعَةَ3 مِنْ كِنْدَةَ أَطْعِمَةً4 مِنْ ثِمَارِ حَضْرَمَوْتَ، وَجَعَلَ عَلَى أَهْلِ حَضْرَمَوْتَ نَقْلَهَا إلَيْهِمْ، وَكَتَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ كِتَابًا، وَأَقَامُوا أَيَّامًا، ثُمَّ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ الْبَيَاضِيُّ الْأَنْصَارِيِّ: سِرْ مَعَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، فَقَدْ اسْتَعْمَلْتُك عَلَيْهِمْ، فَسَارَ زِيَادٌ مَعَهُمْ، عَامِلًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَضْرَمَوْتَ عَلَى صَدَقَاتِهَا "الْخُفُّ، وَالْمَاشِيَةُ، وَالثِّمَارُ، وَالْكُرَاعُ، وَالْعُشُورُ"، فَقَالَ زِيَادٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي اُكْتُبْ لِي كِتَابًا لَا أَعْدُوهُ إلَى غَيْرِهِ، وَلَا أُقَصِّرُ دُونَهُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَكَتَبَ لَهُ: "بسم الله الرحمن الرحيم، هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ
فِي الصَّدَقَاتِ، فَمَنْ سُئِلَهَا عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةٍ سَائِمَةٍ، شَاةٌ، إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ. فَإِذَا زَادَتْ، فَفِيهَا شَاتَانِ، إلَى مِائَتَيْنِ. فَإِذَا زَادَتْ شَاةٌ، فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، إلَى أَنْ تبلغ ثلثمائة. فَإِذَا زَادَتْ، فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ، شَاةٌ، وَفِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ السَّوَائِمِ، فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ. فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ. فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَفِيهَا ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ. فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ. فَإِذَا بَلَغَتْ، فَفِيهَا حِقَّةٌ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ سِتِّينَ، فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَسِتِّينَ، فَفِيهَا جَذَعَةٌ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ. فَإِذَا كَانَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ، فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ تِسْعِينَ. فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً. فَإِذَا زَادَتْ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مجتمع بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ. وَفِي صَدَقَةِ الْبَقَرِ، فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ، جَذَعٌ، أَوْ جَذَعَةٌ. وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، وَفِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَسَقَى بِالنِّيلِ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سَقَى بِالْغَرْبِ، نِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ، إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَإِذَا بَلَغَتْ رِقَّةُ أَحَدِكُمْ خَمْسَ أَوَاقٍ فَفِيهَا رُبْعُ الْعُشْرِ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَتَبَ: "إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ عَوْدِ مَا دُونَهَا"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ لِأَنَسٍ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِيهِ: فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ، إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، الْحَدِيثَ. وَأَحْمَدُ مَعَ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْفَرِيضَةَ لَا تُسْتَأْنَفُ بَعْدَ الْمِائَةِ وَعِشْرِينَ، بَلْ تَسْتَقِرُّ عَلَى حَالِهَا، فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ. وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، كَمَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ. وَالْأُخْرَى كَالشَّافِعِيِّ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَتَبَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: فَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، فَفِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ، قُلْت: رَوَى أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ"، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّحَاوِيُّ1 فِي "مُشْكِلِهِ" عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، قُلْت لِقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ: خُذْ لِي كِتَابَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَأَعْطَانِي كِتَابًا أَخْبَرَ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَهُ لِجَدِّهِ، فَقَرَأْته، فَكَانَ فِيهِ ذِكْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَرَائِضِ الْإِبِلِ، فَقَصَّ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً. فَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِنَّهُ يعاد إلى فَرِيضَةِ الْإِبِلِ، وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهِ الْغَنَمُ، فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله فِي "التَّحْقِيقِ": هَذَا حَدِيثٌ مرسل، قال هبة لله الطَّبَرِيُّ: هَذَا الْكِتَابُ صَحِيفَةٌ لَيْسَ بِسَمَاعٍ، وَلَا يَعْرِفُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ كُلُّهُمْ عَنْ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إلَّا مِثْلَ رِوَايَتِنَا رَوَاهَا الزُّهْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَبُو أُوَيْسٍ1، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، مِثْلُ قَوْلِنَا، ثُمَّ لَوْ تَعَارَضَتْ الرِّوَايَتَانِ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بَقِيَتْ رِوَايَتُنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، وَهِيَ فِي الصَّحِيحِ، وَبِهَا عَمِلَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ2: هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ أَخَذَهُ عَنْ كِتَابٍ لَا عَنْ سَمَاعٍ، وَكَذَلِكَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَخَذَهُ عَنْ كِتَابٍ لَا عَنْ سَمَاعٍ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَإِنْ كَانَا مِنْ الثِّقَاتِ، فَرِوَايَتُهُمَا هَذِهِ تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْحُفَّاظِ عَنْ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَغَيْرِهِ. وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ سَاءَ حِفْظُهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، فَالْحُفَّاظُ لَا يَحْتَجُّونَ بِمَا يُخَالِفُ فِيهِ، وَيَتَجَنَّبُونَ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ، وَخَاصَّةً عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَمْثَالِهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الِانْقِطَاعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي "الْمَعْرِفَةِ": الْحُفَّاظُ مِثْلُ يَحْيَى الْقَطَّانِ. وَغَيْرِهِ يُضَعِّفُونَ رِوَايَةَ حَمَّادٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: ضَاعَ كِتَابُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، فَكَانَ يُحَدِّثُهُمْ مِنْ حِفْظٍ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ نَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَيَدُلُّ عَلَى خَطَأِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ3 بْنَ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِخِلَافِهِ، وَأَبُو الرِّجَالِ4 مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ رَوَاهُ بِخِلَافِهِ، وَالزُّهْرِيُّ مَعَ فَضْلِ حِفْظِهِ رَوَاهُ بِخِلَافِهِ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ5 بْنِ دَاوُد الْخَوْلَانِيِّ عَنْهُ مَوْصُولًا، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ مُرْسَلًا، وَإِذَا كَانَ حديث حماد بن قَيْسٍ مُرْسَلًا وَمُنْقَطِعًا، وَقَدْ خَالَفَهُ عَدَدٌ، وَفِيهِمْ وَلَدُ الرَّجُلِ، وَالْكِتَابُ بِالْمَدِينَةِ بِأَيْدِيهِمْ يَتَوَارَثُونَهُ بَيْنَهُمْ، وَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه، فَنُسِخَ لَهُ، فَوُجِدَ مُخَالِفًا لِمَا رَوَاهُ حَمَّادٌ عَنْ قَيْسٍ، مُوَافِقًا لِمَا فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ، وَمَا فِي كِتَابِ عُمَرَ، وَكِتَابِ أَبِي بَكْرٍ فِي الصَّحِيحِ، وَكِتَابُ عُمَرَ أَسْنَدَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ. وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَكْتُبْهُ عُمَرُ عَنْ رَأْيِهِ، إذْ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ، وَعَمِلَ بِهِ، وَأَمَرَ عُمَّالَهُ فَعَمِلُوا بِهِ، وأصحاب النبي عليه وسلم مُتَوَافِرُونَ، وَأَقْرَأَ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَأَقْرَأَهُ عَبْدُ اللَّهِ
ابْنَهُ سَالِمًا، وَمَوْلَاهُ نَافِعًا، وَكَانَ عِنْدَهُمْ حَتَّى قَرَأَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، أَفَمَا يَدُلُّك ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى خَطَأِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ؟!، انْتَهَى. الْآثَارُ: أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ1 عَنْ خَصِيفٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ. وَزِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: فَإِذَا بَلَغَتْ الْعِشْرِينَ وَمِائَةً اُسْتُقْبِلَتْ الْفَرِيضَةُ بِالْغَنَمِ، فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ. فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وعشرينن فَفَرَائِضُ الْإِبِلِ، وَاعْتَرَضَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَمُنْقَطِعٌ بَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ وَزِيَادٍ، وَبَيْنَ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: وَخُصَيْفٌ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ نَحْوَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ يَسْتَقْبِلُ بِهَا الْفَرِيضَةَ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ، قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ"3: الْوَجْهُ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ التَّرْجِيحَاتِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ قَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ. وَالثَّانِي لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ، فَيُقَدَّمُ الَّذِي لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ، وَذَلِكَ نَحْوَ مَا رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ: إذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُخَرَّجٌ فِي "الصَّحِيحِ" مِنْ رِوَايَةِ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَرَوَاهُ عَنْ ثُمَامَةَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. وَرَوَاهُ عَنْهُمَا جَمَاعَةٌ، كُلُّهُمْ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ، وَرَوَى عَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي الْإِبِلِ إذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، كَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ، وَرَوَاهُ شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، مُوَافِقًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ، فَحَدِيثُ أَنَسٍ لَمْ تَخْتَلِفْ الرِّوَايَةُ فِيهِ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ، كَمَا تَرَى. فَالْمَصِيرُ إلَى حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه أَوْلَى لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْحُفَّاظِ أَحَالُوا الْغَلَطَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عَلَى عَاصِمٍ، وَإِذَا تَقَابَلَتْ حُجَّتَانِ، فَمَا سَلِمَ مِنْهُمَا مِنْ الْمُعَارِضِ كَانَ أَوْلَى، كَالْبَيِّنَاتِ إذَا تَقَابَلَتْ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا كَذَلِكَ، انْتَهَى.
فصل في البقر
فَصْلٌ فِي الْبَقَرِ الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ مُعَاذًا رضي الله عنه أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعًا، أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ، لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ، أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ يَعْنِي مُحْتَلِمًا دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنْ الْمُعَافِرِ، ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ، انْتَهَى. قَالَ الترمذي: حديث حسن، وقد رواه بَعْضُهُمْ مُرْسَلًا، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مُعَاذًا، وَهَذَا أَصَحُّ، انْتَهَى. وَلَيْسَ عِنْدَ ابْنِ ماجه ذكر الحاكم، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي "بَابِ الْجِزْيَةِ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" مُسْنَدًا فِي النَّوْعِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَالْمُرْسَلُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ3 عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ، فَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ4، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَأَعَلَّهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ"، فَقَالَ: مَسْرُوقٌ لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا، ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ، وَغَيْرُهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": أَخَافُ أَنْ يَكُونَ تَصَحَّفَ عَلَيْهِ، أَبُو مُحَمَّدٍ بِأَبِي عُمَرَ، إذْ لَا يُعْرَفُ لِأَبِي عُمَرَ إلَّا خِلَافُ ذَلِكَ، وَأَمَّا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فَإِنَّهُ رَمَاهُ بِالِانْقِطَاعِ أَوَّلًا، ثُمَّ رَجَعَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ. وَهَذَا نَصُّ كَلَامِهِمَا، قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي "التَّمْهِيدِ فِي بَابِ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ": وَقَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَنْ مُعَاذٍ بِإِسْنَادِ مُتَّصِلٍ صَحِيحٍ ثَابِتٍ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: ثَنَا مَعْمَرٌ. وَالثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: بَعَثَهُ النَّبِيُّ عليه السلام إلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً، الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِي "الِاسْتِذْكَارِ فِي بَابِ صَدَقَةِ الْمَاشِيَةِ": وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ مَا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ هَذَا، وَأَنَّ النِّصَابَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَحَدِيثُ طَاوُسٍ هَذَا عَنْ مُعَاذٍ غَيْرُ مُتَّصِلٍ، وَالْحَدِيثُ عَنْ مُعَاذٍ ثَابِتٌ مُتَّصِلٌ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، وَالثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذٍ، بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ، فَهَذَا نَصٌّ آخَرُ. وَأَمَّا ابْنُ حَزْمٍ فَإِنَّهُ قَالَ5 أَوَّلَ كَلَامِهِ: إنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَإِنَّ مَسْرُوقًا لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا، ثُمَّ اسْتَدْرَكَهُ6 فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ: وَجَدْنَا حَدِيثَ مَسْرُوقٍ إنَّمَا ذَكَرَ فِيهِ فِعْلَ مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ، وَمَسْرُوقٌ بِلَا شَكٍّ
عِنْدَنَا أَدْرَكَ مُعَاذًا بِسِنِّهِ وَعَقْلِهِ، وَشَاهَدَ أَحْكَامَهُ يَقِينًا، وَأَفْتَى فِي أَيَّامِ عُمَرَ، وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ رَجُلٌ كَانَ بِالْيَمَنِ أَيَّامَ مُعَاذٍ، بِنَقْلِ الْكَافَّةِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ، كَذَلِكَ عَنْ مُعَاذٍ فِي أَخْذِهِ لِذَلِكَ عَنْ عَهْدِ النَّبِيِّ عليه السلام عَنْ الْكَافَّةِ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَلَا أَقُولُ: إنَّ مَسْرُوقًا سَمِعَ مِنْ مُعَاذٍ، إنَّمَا أَقُولُ: إنَّهُ يَجِبُ عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ يُحْكَمَ بِحَدِيثِهِ عَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه بِحُكْمِ حَدِيثِ الْمُتَعَاصِرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يُعْلَمْ انْتِفَاءُ اللِّقَاءِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِالِاتِّصَالِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَشَرْطُ الْبُخَارِيِّ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنْ يُعْلَمَ اجْتِمَاعُهُمَا، وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَهُمَا إذَا لَمْ يَعْلَمَا لِقَاءَ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، لَا يَقُولَانِ فِي حَدِيثِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ مُنْقَطِعٌ، إنَّمَا يَقُولَانِ لَمْ يَثْبُتْ سَمَاعُ فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ، فَإِذَنْ لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْمُتَعَاصِرَيْنِ إلَّا رَأْيَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّصَالِ. وَالْآخَرُ: أَنْ يُقَالَ: لَمْ يُعْلَمْ اتِّصَالٌ مَا بَيْنَهُمَا، فَأَمَّا الثَّالِثُ، وَهُوَ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، فَلَا، انْتَهَى كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ. وَالْحَدِيثُ لَهُ طُرُقٌ أُخْرَى: فَمِنْهَا عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مُعَاذٍ، وَهِيَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد1، وَالنَّسَائِيُّ وَمِنْهَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ مُعَاذٍ، وَهِيَ عِنْدَ النَّسَائِيّ2، وَمِنْهَا عَنْ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذٍ، وَهِيَ فِي "مُوَطَّأِ مَالِكٍ"3"، قَالَ فِي "الْإِمَامِ": وَرِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُعَاذٍ مُنْقَطِعَةٌ، بِلَا شَكٍّ، وَرِوَايَةُ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذٍ كَذَلِكَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَطَاوُسٌ عَالِمٌ بِأَمْرِ مُعَاذٍ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَلْقَهُ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": وَطَاوُسٌ لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ4: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ5، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ، أَوْ تَبِيعَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ من أبيه، ثم أسنده عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ، هَلْ يَذْكُرُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": لَيْسَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ مُخَالِفَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ: رَوَى أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ"6 عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَعْطَانِي
سِمَاكُ بْنُ الْفَضْلِ كِتَابًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُقَوْقِسِ، فَإِذَا فِيهِ: وَفِي الْبَقَرِ مِثْلُ مَا فِي الْإِبِلِ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ1، قَالَ: فِي خَمْسِ مِنْ الْبَقَرِ شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَقَرَةٌ، إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَفِيهَا بَقَرَتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَبَلَغَنَا أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ عليه السلام: فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةٍ تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةٍ بَقَرَةٌ، أَنَّهُ كَانَ تَخْفِيفًا لِأَهْلِ الْيَمَنِ، ثُمَّ كَانَ هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ2، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "الْمُصَنَّفِ"3 عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ دَاوُد عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: اُسْتُعْمِلْتُ عَلَى صَدَقَاتِ عَكَّ، فَلَقِيَتْ أَشْيَاخًا مِمَّنْ صَدَقَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاخْتَلَفُوا عَلَيَّ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: اجْعَلْهَا مِثْلَ صَدَقَةِ الْإِبِلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِي ثَلَاثِينَ، تَبِيعٌ، وَفِي أَرْبَعِينَ، مُسِنَّةٌ، انْتَهَى. وَلَمْ يُعِلَّهَا الشَّيْخُ4 فِي "الْإِمَامِ" بِغَيْرِ إرْسَالٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام لِمُعَاذٍ رضي الله عنه: "لَا تَأْخُذْ مِنْ أَوْقَاصِ الْبَقَرِ شَيْئًا"، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَفَسَّرُوهُ يَعْنِي الْوَقْصَ بِمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ. قُلْت: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ5، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، وَالْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، قَالُوا: فَالْأَوْقَاصُ؟ قَالَ: مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِشَيْءٍ، وَسَأَسْأَلُهُ إذَا قَدِمْت عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ، فَقَالَ: "لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ"، قَالَ الْمَسْعُودِيُّ: وَالْأَوْقَاصُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إلَى الْأَرْبَعِينَ، وَالْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَّا بَقِيَّةَ6 عَنْ المسعودي، وقد رواه الحافظ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ طَاوُسٍ مُرْسَلًا، وَلَمْ يُتَابِعْ بَقِيَّةَ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَلَى هَذَا أَحَدٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ
أَيْضًا عَنْ الْحَكَمِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَهَذَا السَّنَدُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"1. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ يزيد بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ أَنَّ مُعَاذًا، قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُصَدِّقُ أَهْلَ الْيَمَنِ، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ البقرمن كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ السِّتِّينَ تَبِيعَيْنِ، وَمِنْ السَّبْعِينَ مُسِنَّةً وَتَبِيعًا، وَمِنْ الثَّمَانِينَ مُسِنَّتَيْنِ، وَمِنْ التِّسْعِينَ ثَلَاثَةَ أَتْبِعَةٍ، وَمِنْ الْمِائَةِ مُسِنَّةً وَتَبِيعَيْنِ، وَمِنْ الْعَشَرَةِ وَمِائَةٍ مُسِنَّتَيْنِ وَتَبِيعًا، وَمِنْ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ثَلَاثَ مُسِنَّاتٍ، أَوْ أَرْبَعَةَ أَتْبِعَةٍ، قَالَ: وَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا آخُذَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ شَيْئًا، إلَّا أَنْ تَبْلُغَ مُسِنَّةً أَوْ جَذَعًا، وَزَعَمَ أَنَّ الْأَوْقَاصَ لَا فَرِيضَةَ فِيهَا، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ فِي التَّحْقِيقِ": هَذَا حَدِيثٌ فِيهِ إرْسَالٌ، وَسَلَمَةُ بْنُ أُسَامَةَ، وَيَحْيَى بْنُ الْحَكَمِ غَيْرُ مَشْهُورَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "كِتَابِهِ"، انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَعَنَى حَدِيثَ بَقِيَّةَ. وَحَدِيثَ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ بِأَنَّ مُعَاذًا لَمْ يَلْقَ النَّبِيَّ عليه السلام بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ الْيَمَنِ، بَلْ تُوُفِّيَ عليه السلام قَبْلَ قُدُومِ مُعَاذٍ مِنْ الْيَمَنِ، قَالُوا: وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ رضي الله عنه فِي "الْمُوَطَّأِ" عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ مُعَاذًا أَخَذَ مِنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا، وَمِنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً، وَأُتِيَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ، فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، وَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، حَتَّى أَلْقَاهُ، وَأَسْأَلَهُ، فَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ عليه السلام قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ مُعَاذٌ، انْتَهَى. وَأُعِلَّ هَذَا بِالِانْقِطَاعِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": طَاوُسٌ لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا، انْتَهَى. وَعَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ2 فِي "سننه" بسنده وَمَتْنُهُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أُتِيَ بِوَقْصِ الْبَقَرِ، فَقَالَ: لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ عليه السلام فِيهِ بِشَيْءٍ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: وَهُوَ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْفَرِيضَةَ، انْتَهَى. قُلْت: وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ3 فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ" عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه شَابًّا جَمِيلًا
حَلِيمًا سَمْحًا مِنْ أَفْضَلِ شَبَابِ قَوْمِهِ، وَلَمْ يَكُنْ يُمْسِكُ شَيْئًا: وَلَمْ يَزَلْ يَدَّانُ حَتَّى أَغْرَقَ مَالَهُ كُلَّهُ فِي الدَّيْنِ، فَلَزِمَهُ غُرَمَاؤُهُ حَتَّى تَغَيَّبَ عَنْهُمْ أَيَّامًا فِي بَيْتِهِ، فَاسْتَأْذَنُوا عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِ، فَجَاءَ وَمَعَهُ غُرَمَاؤُهُ، فَطَلَبُوا حَقَّهُمْ، فَكَلَّمَهُمْ النَّبِيُّ عليه السلام فِيهِ، فَلَوْ تُرِكَ أَحَدٌ لِأَحَدٍ، لَتُرِكَ مُعَاذٌ مِنْ أَجْلِ النَّبِيِّ عليه السلام، فَخَلَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَالِهِ، وَدَفَعَهُ إلَيْهِمْ، فَأَصَابَهُمْ خَمْسَةُ أَسْبَاعِ حُقُوقِهِمْ، وَقَامَ مُعَاذٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ، فَانْصَرَفَ إلَى بَنِي سَلِمَةَ، فَمَكَثَ فِيهِمْ أَيَّامًا، ثُمَّ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ، وَقَالَ لَهُ: لَعَلَّ اللَّهَ يَجْبُرُك، وَيُؤَدِّي عَنْك دَيْنَك، قَالَ: فَخَرَجَ مُعَاذٌ إلَى الْيَمَنِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ مُعَاذٌ مِنْ الْيَمَنِ، فَوَافَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بِمَكَّةَ أَمِيرًا عَلَى الْحَجِّ، اسْتَعْمَلَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، الْتَقَيَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمِنًى، فَاعْتَنَقَا، وَعَزَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَا يَتَحَدَّثَانِ. فَرَأَى عُمَرُ مَعَ مُعَاذٍ رَقِيقًا، فَقَالَ لَهُ: مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أُهْدُوا إلَيَّ، وَهَؤُلَاءِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنِّي أَرَى أَنْ تَأْتِيَ بِكُلِّهِمْ إلَى أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: نَعَمْ، فَلَقِيَهُ مُعَاذٌ مِنْ الْغَدِ، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، لَقَدْ رَأَيْتَنِي الْبَارِحَةَ، وَأَنَا أَنْزَوِ إلَى النَّارِ، وَأَنْتَ آخِذٌ بِحُجْزَتِي، وَمَا أَرَانِي إلَّا مُطِيعَك، قَالَ: فَأَتَى بِهِمْ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أُهْدُوا إلَيَّ، وَهَؤُلَاءِ لَك، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إنَّا قَدْ سَلَّمْنَا لَك هَدِيَّتَك، فَخَرَجَ مُعَاذٌ إلَى الصَّلَاةِ، فَإِذَا هُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَهُ، فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذٌ: لِمَنْ تُصَلُّونَ؟ قَالُوا: لِلَّهِ، قَالَ: فَأَنْتُمْ لِلَّهِ، فَأَعْتَقَهُمْ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ جَابِرٍ، وَسَكَتَ عَنْهُ. حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ1 فِي تَرْجَمَةِ مُعَاذٍ" عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ عليه السلام مُعَاذًا عَلَى الْيَمَنِ، فَتُوُفِّيَ، وَاسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ. وَمُعَاذٌ بَاقٍ عَلَى الْيَمَنِ، الْحَدِيثَ. حَدِيثٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"2، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ3 ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ ثَنَا نَهَّاسُ بْنُ قَهْمٍ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ صُهَيْبٍ أَنَّ مُعَاذًا لَمَّا قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ سَجَدَ لِلنَّبِيِّ عليه السلام، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عليه السلام: "يَا مُعَاذُ: مَا هَذَا؟! قَالَ: إنِّي لَمَّا قَدِمْت الْيَمَنَ وَجَدْت الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يَسْجُدُونَ لِعُظَمَائِهِمْ، وَقَالُوا: هَذِهِ تَحِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ عليه السلام: كَذَبُوا عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَلَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ
اللَّهِ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا"، انْتَهَى. فَهَذَا فِيهِ أَنَّ مُعَاذًا رضي الله عنه رَجَعَ مِنْ الْيَمَنِ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ الضَّبِّيِّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "لَيْسَ فِي الْأَوْقَاصِ شَيْءٌ"، انْتَهَى. وَوَقَفَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"1 فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْأَوْقَاصِ شَيْءٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِهِ "الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ" أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُؤَذِّنُ فِيمَا أجازلنا حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى أَنْبَأَ شُعَيْبٌ ثَنَا سَيْفٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ صَخْرِ بْنِ لَوْذَانَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عُمَّالِهِ عَلَى الْيَمَنِ فِي الْبَقَرِ: "فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ، تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ، مُسِنَّةٌ، وَلَيْسَ فِي الْأَوْقَاصِ شَيْءٌ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالْأَوْقَاصُ مَا بَيْنَ السِّنَّيْنِ اللَّذَيْنِ يَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ "الْأَمْوَالِ"2 حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أُسَامَةَ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُصَدِّقُ أَهْلَ الْيَمَنِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ السِّتِّينَ تَبِيعَيْنِ، وَمِنْ السَّبْعِينَ مُسِنَّةً وَتَبِيعًا، وَمِنْ الثَّمَانِينَ مُسَنَّتَيْنِ، وَمِنْ التِّسْعِينَ ثَلَاثَةَ أَتْبِعَةٍ، وَمِنْ الْمِائَةِ مُسِنَّةً وَتَبِيعَيْنِ، وَمِنْ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ثَلَاثَ مُسِنَّاتٍ، أَوْ أَرْبَعَ أَتَابِيعَ، قَالَ: وَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا آخُذَ مِمَّا بَيْنَ ذَلِكَ شَيْئًا، وَقَالَ: "إنَّ الْأَوْقَاصَ لَا فَرِيضَةَ فِيهَا"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَالْأَوْقَاصُ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"3 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ بِهِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ أَنَّ مُعَاذًا، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ، تَبِيعًا، قَالَ: وَالتَّبِيعُ جَذَعٌ، أَوْ جَذَعَةٌ4، قَالَ ابْنُ زَنْجُوَيْهِ: وَهَذَا التَّفْسِيرُ مِنْ كَلَامِهِ عليه السلام. قَوْلُهُ: وَفَسَّرُوهُ "يَعْنِي الْوَقْصَ" بِمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ، قُلْنَا: قَدْ قِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الصِّغَارُ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: "فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنٌّ أَوْ مُسِنَّةٌ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ" انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ هَلْ تَذْكُرُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَالرَّاوِي عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ هُوَ خَصِيفٌ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ، فَرَوَاهُ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ وَهُوَ حَافِظٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ شَرِيكٌ وَهُوَ مِمَّنْ سَاءَ حِفْظُهُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَوَصَلَهُ2، انْتَهَى. قَالَ "فِي الْإِمَامِ": هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ الْجَارُودِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي "الْمُنْتَقَى". حَدِيثٌ آخَرُ: فِي "عِلَلِ الدَّارَقُطْنِيِّ" سُئِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَنَسٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ مُسِنَّةٌ، وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ"، فَقَالَ: هَذَا يَرْوِيهِ دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ، وَاخْتَلَفَ عَنْهُ، فَرَوَاهُ أَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَنَسٍ، وَرَفَعَهُ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وهذا مرسل، رواه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ3 عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ الشَّعْبِيِّ بِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ سَوَّارٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَطَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ، وَلَكِنْ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ، تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي الْعَوَامِلِ. حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ5 عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ أَنَّ نُعَيْمَ بْنَ سَلَامَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ دَعَا بِصَحِيفَةٍ زَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِهَا إلَى مُعَاذٍ رضي الله عنه، قَالَ نُعَيْمٌ: فَقُرِئَتْ وَأَنَا حَاضِرٌ، فَإِذَا فِيهَا مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعُ جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"6 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ ثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا أَبُو إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ زُهَيْرٌ: أَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: هَاتُوا رُبْعَ الْعُشُورِ، مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ حَتَّى يَتِمَّ مِائَتَا دِرْهَمٍ، فَإِذَا كَانَتْ
مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ، وَفِي الْغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ، فَلَيْسَ عَلَيْك فِيهَا شَيْءٌ، وَسَاقَ صَدَقَةَ الْغَنَمِ مِثْلَ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: وَفِي الْبَقَرِ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي الْأَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، وَلَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ شَيْءٌ، وَفِي الْإِبِلِ، فَذَكَرَ صَدَقَتَهَا، كَمَا ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسَةٌ مِنْ الْغَنَمِ. فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ. فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ، إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ. فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ إلَى سِتِّينَ، ثُمَّ سَاقَ مِثْلَ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ يَعْنِي وَاحِدَةً وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ، وَلَا تَيْسٌ، إلَّا إنْ شَاءَ الْمُصَدِّقُ. وَفِي النَّبَاتِ: مَا سَقَتْهُ الْأَنْهَارُ أَوْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالْغَرْبِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ. وَفِي حَدِيثِ عَاصِمٍ، وَالْحَارِثِ: الصَّدَقَةُ فِي كُلِّ عَامٍ، قَالَ زُهَيْرٌ: أَحْسَبُهُ قَالَ: مَرَّةً، وَفِي حَدِيثِ عَاصِمٍ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَلَا ابْنُ لَبُونٍ، فَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ شَاتَانِ، انْتَهَى بِحُرُوفِهِ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 مَجْزُومًا بِهِ، لَيْسَ فِيهِ قَالَ زُهَيْرٌ: وَأَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ رحمه الله فِي "كِتَابِهِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَلَا أَعْنِي رِوَايَةَ الْحَارِثِ، وَإِنَّمَا أَعْنِي رِوَايَةَ عَاصِمٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ بِهِ مَرْفُوعًا، وَلَمْ يَشُكَّ فِيهِ، وَفِيهِ مِنْ الْغَرِيبِ قَوْلُهُ: وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسَةٌ مِنْ الْغَنَمِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَلَا ابْنُ لَبُونٍ، فَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ شَاتَانِ، قَالَ فِي "الْإِمَامِ": وَقَدْ جَاءَ فِي: خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسَةٌ مِنْ الْغَنَمِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَجَدْنَا فِي كِتَابِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال في صَدَقَةُ الْإِبِلِ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ سَائِمَةٍ شَاةٌ، إلَى أَنْ قَالَ: وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسُ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، الْحَدِيثَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ.
فصل في الغنم
فَصْل فِي الْغَنَمِ الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: حَدِيثُ بَيَانِ زَكَاةِ الْغَنَمِ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكِتَابِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ أَنَسٍ، وَفِي كِتَابِ عُمَرَ، وَفِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. قَوْلُهُ: وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ فِيهِ سَوَاءٌ، لِأَنَّ لَفْظَةَ الْغَنَمِ شَامِلَةٌ لِلْكُلِّ، وَالنَّصُّ وَرَدَ بِهِ، قُلْت: الضَّمِيرُ فِي بِهِ رَاجِعٌ إلَى الْغَنَمِ، مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ أَنَسٍ، قَالَ: وَفِي الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1. الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "إنَّمَا حَقُّنَا الْجَذَعَةُ، وَالثَّنِيُّ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَبِمَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الضَّحَايَا"2 عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُقَالُ لَهُ: مُجَاشِعٌ، مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، فَعَزَّتْ الْغَنَمُ، فَأَمَرْنَا مُنَادِيًا فَنَادَى: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إنَّ الْجَذَعَ يُوَفِّي مَا يُوَفِّي مِنْهُ الثَّنِيُّ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"3 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةُ. أَوْ جُهَيْنَةَ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ قَبْلَ الْأَضْحَى بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، أَعْطَوْا جَذَعَيْنِ، وَأَخَذُوا ثَنِيًّا، فَقَالَ عليه السلام: "إنَّ الْجَذَعَةَ تُجْزِئُ مِمَّا تُجْزِئُ مِنْهُ الثَّنِيَّةُ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي الضَّحَايَا"، وَصَحَّحَهُ، وَعَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ رضي الله عنه: لَا بَأْسَ بِحَدِيثِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ شُعْبَةَ5 عَنْ سِعْرٍ، قَالَ: جَاءَنِي رَجُلَانِ، مُرْتَدِفَانِ، فَقَالَا: إنَّا رَسُولَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنَا إلَيْك لِتُؤْتِيَنَا صَدَقَةَ غَنَمِك، قُلْت: وَمَا هِيَ؟ قَالَا: شَاةٌ، قَالَ: فَعَمِدْتُ إلَى شَاةٍ مُمْتَلِئَةٍ مَخَاضًا وَشَحْمًا، فَقَالَا: هَذِهِ شَافِعٌ، وَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَأْخُذَ شَافِعًا، وَالشَّافِعُ: الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَلَدُهَا، قُلْت: فَأَيَّ شَيْءٍ تَأْخُذَانِ؟ قَالَا: عَنَاقًا، جَذَعَةً، أَوْ ثَنِيَّةً، فَأَخْرَجْتُ إلَيْهِمَا عَنَاقًا، فَتَنَاوَلَاهَا، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"1 مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بَعَثَهُ مُصَدِّقًا، فَكَانَ يَعُدُّ عَلَى النَّاسِ السَّخْلَ، فَقَالُوا: أَتَعُدُّ عَلَيْنَا السَّخْلَ، وَلَا تَأْخُذُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ، نَعُدُّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي، وَلَا نَأْخُذُهَا، وَلَا نَأْخُذُ الْأَكُولَةَ، وَلَا الرُّبَّى، وَلَا الْمَاخِضَ، وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ، وَنَأْخُذُ الْجَذَعَةَ، وَالثَّنِيَّةَ، وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْغَنَمِ وَخِيَارِهِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: سَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ "الْأَمْوَالِ"2 حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عباس عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْكَلَاعِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ لِسُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ: خُذْ الْجَذَعَ. وَالثَّنِيَّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيَّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بعث مصدِّفاً، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجَذَعَةَ. وَالثَّنِيَّةَ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْغِذَاءُ: "بِغَيْنٍ مَكْسُورَةٍ3 وَذَالٍ معجمة ممدودة"، وهو الردئ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِيَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيُّ، فَصَاعِدًا، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِهِ "غَرِيبُ الْحَدِيثِ" عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَا يُجْزِئُ فِي الضَّحَايَا إلَّا الثَّنِيُّ، فَصَاعِدًا، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي "بَابِ: ثَنَا" مِنْ كِتَابِهِ. قَوْلُهُ: وَجَوَازُ التَّضْحِيَةِ عُرِفَ نَصًّا "يَعْنِي التَّضْحِيَةَ بِالْجَذَعِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً، إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ"، انْتَهَى. وَفِيهِ أَحَادِيثُ سَتَأْتِي فِي "الْأُضْحِيَّةَ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ"، قُلْت: تَقَدَّمَ5 فِي كِتَابِ عَمْرٍو: فِي الشَّاةِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً سَائِمَةً شَاةٌ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"6 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هِنْدٍ الصِّدِّيقِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه الوسط"7 مِنْ حَدِيثِ سَلَّامٍ
أَبِي الْمُنْذِرِ ثَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ فِي سُنَّةِ الصَّدَقَاتِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ، انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو دَاوُد1 مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ. وَالْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ زُهَيْرٌ: أَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "هَاتُوا رُبُعَ الْعُشُورِ"، مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، إلَى أَنْ قَالَ: "وَفِي الْغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ"، الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَجْزُومًا، لَمْ يَشُكَّ فِيهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْبَقَرِ بِتَمَامِهِ.
فصل في الخيل
فَصْلٌ فِي الْخَيْلِ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"2 عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. بِأَلْفَاظِهِمْ السِّتَّةِ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَزَادَ فِيهِ: إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ، إذْ لَوْ مَلَكَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا، وَلَفْظُهُ: لَيْسَ فِي الْعَبْدِ صَدَقَةٌ، إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ: لَا صَدَقَةَ عَلَى الرَّجُلِ فِي فَرَسِهِ وَلَا فِي عَبْدِهِ، إلَّا زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَلِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَوَائِدُ سَتَأْتِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَّةِ"، انْتَهَى. قال أبو داود: وروى هَذَا الْحَدِيثَ الْأَعْمَشُ4 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلَتْ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيحٌ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَوَى عَنْهُمَا. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"5 عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ الْبَصْرِيِّ ثَنَا الصَّقْرُ
بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: لَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ، وَلَا فِي الْجَبْهَةِ صَدَقَةٌ، قَالَ الصَّقْرُ: الْجَبْهَةُ: الْخَيْلُ، وَالْبِغَالُ، وَالْعَبِيدُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْجَبْهَةُ: الْخَيْلُ، انْتَهَى. وَالصَّقْرُ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": لَيْسَ هُوَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٌ، فَقَلَبَهُ الصَّقْرُ عَلَى أَبِي رَجَاءٍ، وَهُوَ يَأْتِي بِالْمَقْلُوبَاتِ، انْتَهَى. وَأَحْمَدُ بْنُ الْحَارِثِ الرَّاوِي عَنْ الصَّقْرِ هُوَ الْغَسَّانِيُّ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي عَبْدٍ مُسْلِمٍ، وَلَا فِي فَرَسِهِ شَيْءٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ بَقِيَّةَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاذٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْجَبْهَةِ، وَالْكُسْعَةِ، وَالنُّخْعَةِ،" قَالَ بَقِيَّةُ: الْجَبْهَةُ: الْخَيْلُ، وَالْكُسْعَةُ: الْبِغَالُ، وَالْحَمِيرُ، وَالنُّخْعَةُ: الْمُرَبَّيَاتُ فِي الْبُيُوتِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَبُو مُعَاذٍ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَقِيلَ: عَنْهُ هَكَذَا، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةُ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ بِهِ، وَرَوَاهُ كَثِيرُ بْنُ زِيَادٍ أَبُو سَهْلٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ. قَوْلُهُ: وَتَأْوِيلُهُ2: فَرَسُ الْغَازِي، هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. قُلْت: غَرِيبٌ، وَذَكَرَهُ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي كِتَابِ "الْأَسْرَارِ"، فَقَالَ: إنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَمَّا بَلَغَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: صَدَقَ، رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَرَادَ فَرَسَ الْغَازِي، قَالَ: وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعْرَفُ بِالرَّأْيِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ، انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو أَحْمَدَ بْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي كِتَابِ "الْأَمْوَالِ"3 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْخَيْلِ أَفِيهَا صَدَقَةٌ؟ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَى فَرَسِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَدَقَةٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "فِي كُلِّ فَرَسٍ سَائِمَةٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا" عَنْ اللَّيْثِ بْنِ حَمَّادٍ الْإِصْطَخْرِي حَدَّثَنَا
أَبُو يُوسُفَ عن غورك1 بن الحضرمي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ غَوْرَكٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَمَنْ دُونَهُ ضُعَفَاءُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَمْ يُخَالِفْهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَأَبُو يُوسُفَ هَذَا هُوَ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ الْقَاضِي2، وَهُوَ مَجْهُولٌ عِنْدَهُمْ، انْتَهَى. وَفِيهِ شَيْءٌ، فَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَغَيْرُهُ. وَاسْتَدَلَّ لَنَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِحَدِيثٍ أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"3 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْخَيْلَ، فَقَالَ: "وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا، ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا، وَلَا فِي ظُهُورِهَا، فَهِيَ لِذَلِكَ سَتْرٌ"، وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَقَّهَا إعَادَتُهَا وَحَمْلُ الْمُنْقَطِعِينَ عَلَيْهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا، ثُمَّ نُسِخَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: قَدْ عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ، إذْ الْعَفْوُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ شَيْءٍ لَازِمٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَكَذَلِكَ اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ"، وَالْحَدِيثُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أَبِي صَالِحٍ4 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ مَانِعِ الزَّكَاةِ بِطُولِهِ، وَفِيهِ: الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: هِيَ لِرَجُلٍ وِزْرٌ. وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ. وَلِرَجُلٍ أَجْرٌ، فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِيَاءً وَفَخْرًا، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ، فَرَجُلُ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا، وَلَا فِي رِقَابِهَا. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: فِي ظُهُورِهَا وَلَا بُطُونِهَا، الْحَدِيثَ. قَوْلُهُ: وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الدِّينَارِ وَالتَّقْوِيمِ مَأْثُورٌ عَنْ عُمَرَ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"5 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ إلَى عُمَرَ، فَقَالُوا: إنَّا قَدْ أَصَبْنَا أَمْوَالًا خَيْلًا وَرَقِيقًا، وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تُزَكِّيَهُ، فَقَالَ: مَا فَعَلَهُ صَاحِبَايَ قَبْلِي فَأَفْعَلُ أَنَا، ثُمَّ اسْتَشَارَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: أَحْسَنَ، وَسَكَتَ عَلِيٌّ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: هُوَ حَسَنٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ جِزْيَةً رَاتِبَةً يُؤْخَذُونَ بِهَا بَعْدَك، فَأَخَذَ مِنْ الْفَرَسِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ أَعَادَهُ قَرِيبًا مِنْهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَالْقِصَّةِ، وَقَالَ فِيهِ: فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
الشَّيْبَانِيُّ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ"1 أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ الَّتِي يُطْلَبُ نَسْلُهَا: إنْ شِئْت فِي كُلِّ فرس ديناراً وعشرة دَرَاهِمَ، وَإِنْ شِئْت فَالْقِيمَةُ، فَيَكُونُ فِي كُلِّ مِائَتَيْ درهم خمسة دراهم، في كل فرس ذكر أَوْ أُنْثَى، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ يَعْلَى أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ يَقُولُ: ابْتَاعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُمَيَّةَ أَخُو يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ مِنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَرَسًا أُنْثَى بِمِائَةِ فَلوص، فَنَدِمَ الْبَائِعُ، فَلَحِقَ بِعُمَرَ، فَقَالَ: غَصَبَنِي يَعْلَى، وَأَخُوهُ فَرَسًا لِي. فَكَتَبَ إلَى يَعْلَى أَنْ الْحَقْ بِي، فَأَتَاهُ، وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: إنَّ الْخَيْلَ لَتَبْلُغُ هَذَا عِنْدَكُمْ؟ مَا عَلِمْت أَنَّ فَرَسًا يَبْلُغُ هَذَا، فَنَأْخُذُ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً، وَلَا نَأْخُذُ مِنْ الْخَيْلِ شَيْئًا، خُذْ مِنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، فَقَدَّرَ عَلَى الْخَيْلِ دِينَارًا، انْتَهَى. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُصَدِّقُ الْخَيْلَ، وَأَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِصَدَقَةِ الْخَيْلِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ رَوَى فِيهِ جَوَيْرِيَةَ عَنْ مَالِكٍ حَدِيثًا صَحِيحًا، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ جُوَيْرِيَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ، قَالَ: رَأَيْت أَبِي يُقَيِّمُ3 الْخَيْلَ، ثُمَّ يَرْفَعُ صَدَقَتَهَا إلَى عُمَرَ رضي الله عنه، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهِمَا شَيْءٌ" "يَعْنِي فِي الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ"، قُلْت: الْحَدِيثُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ". وَلَيْسَ فِيهِ: الْبِغَالُ، أَخْرَجَاهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسُئِلَ النَّبِيُّ عليه السلام عَنْ الْحُمُرِ، فَقَالَ: "مَا نَزَلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ"، إلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4 فِي "بَدْءِ الْخَلْقِ قَبْلَ بَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم"، وَأَعَادَهُ فِي تَفْسِيرِ {إذَا زُلْزِلَتْ} وَأَوَّلُهُ: الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ. وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ. وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، إلَى آخِرِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا فِي "الزَّكَاةِ"، وَهُوَ حَدِيثُ مَانِعِ الزَّكَاةِ، وَأَوَّلُهُ: مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ، وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي
حَقَّهَا، الْحَدِيثَ، فَعَزَاهُ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ لِمُسْلِمٍ فَقَطْ، وَكَأَنَّهُمَا اعْتَمَدَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الزَّكَاةِ" فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْحَدِيثَ هُنَاكَ، وَاخْتَصَرَ مِنْهُ ذِكْرَ الْحُمُرِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ بَعْضَهُ. فَصْلٌ الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَيْسَ فِي الْحَوَامِلِ وَالْعَوَامِلِ، وَلَا فِي الْبَقَرَةِ الْمُثِيرَةِ صَدَقَةٌ"،قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَفِي الْعَوَامِلِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1 مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ ثَنَا أَبُو إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ زُهَيْرٌ: وَأَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "هَاتُوا رُبُعَ الْعُشُورِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ"، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِيهِ: وَلَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ شَيْءٌ، مُخْتَصَرٌ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَجْزُومًا، ليس فيه: قال زُهَيْرٌ: وَأَحْسَبُهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، وَكُلُّ مَنْ فِيهِ ثِقَةٌ مَعْرُوفٌ، وَلَا أَعْنِي رِوَايَةَ الْحَارِثِ، وَإِنَّمَا أَعْنِي رِوَايَةَ عَاصِمٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا مِنْهُ تَوْثِيقٌ لِعَاصِمٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ بِهِ مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"2، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، وَمَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ الْبَقَرِ صَدَقَةٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" عَنْ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَطَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِسَوَّارٍ، وَنَقَلَ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ. وَوَافَقَهُمْ، وَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، وَغَالِبٌ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ الرَّازِيُّ: مَتْرُوكٌ. حَدِيثٌ فِي الْمُثِيرَةِ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ سعد
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنهم أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "لَيْسَ فِي الْمُثِيرَةِ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله: فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى. وَوَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفًا. الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَا تَأْخُذُوا مِنْ حَزَرَاتِ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَخُذُوا مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ".قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ1 بَعْضَهُ مُرْسَلًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لِمُصَدَّقِهِ "لا تأخذ من حرزات أَنْفُسِ النَّاسِ شَيْئًا، خُذْ الشَّارِفَ، وَالْبِكْرَ، وَذَوَاتِ الْعَيْبِ"، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا حَمَّادُ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَالشَّارِفُ: الْهَرِمَةُ، وَالْبِكْرُ: الصَّغِيرُ مِنْ الْإِبِلِ، يُؤَدِّي. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"2 أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مُرَّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِغَنَمٍ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَرَأَى مِنْهَا شَاةً حَامِلًا، ذَاتَ ضَرْعٍ عَظِيمٍ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الشَّاةُ؟ فَقَالُوا: شَاةٌ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: مَا أَعْطَى هَذِهِ أَهْلُهَا، وَهُمْ طَائِعُونَ، لَا تَفْتِنُوا النَّاسَ! لَا تَأْخُذُوا حَزَرَاتِ3 الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"، وَقَالَ: الْحَزَرَاتُ: هِيَ خِيَارُ الْمَالِ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ الصُّنَابِحِ الأخمسي، قَالَ: أَبْصَرَ النَّبِيُّ عليه السلام نَاقَةً حَسَنَةً فِي إبِلِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ صَاحِبُ الصَّدَقَةِ: إنِّي ارْتَجَعْتُهَا بِبَعِيرَيْنِ مِنْ حَوَاشِي الْإِبِلِ، قَالَ: نَعَمْ إذًا، انْتَهَى. وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ مُعَاذٍ رضي الله عنه4 حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ عليه السلام، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فإِن هم أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وكرائم أموالهم، الحديث. وحديث آخَرُ: قَالَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"5: قَرَأْت فِي كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ بِحِمْصَ، عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْحِمْصِيِّ عَنْ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الغامزي مِنْ غَامِزَةِ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: "ثَلَاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ
طَعْمَ الْإِيمَانِ: مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ، وَأَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ رَافِدَةً عَلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ، وَلَمْ يُعْطِ الْهَرِمَةَ، وَلَا الدَّرَنَةَ، وَلَا الْمَرِيضَةَ، وَلَا الشُّرَطَ اللَّئِيمَةَ، وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ، وَلَمْ يَأْمُرْكُمْ بِشَرِّهِ، انْتَهَى. وَلَمْ يَصِلْ أَبُو دَاوُد بِهِ سَنَدَهُ، وَوَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَزَّارُ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَحَادِيثِ الْأُصُولِ. الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "فِي خَمْسٍ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَلَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا".قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى، وَأَبُو إسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي "كِتَابَيْهِمَا": أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: "فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا"، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ، تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ عُمَرَ رضي الله عنه1 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ كِتَابَ الصَّدَقَةِ، وَكَانَ فِيهِ: فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ أَنَسٍ، عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، فِي خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ. قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا، فَرَوَى مَعْنَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ2 الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكِتَابِ عُمَرَ رضي الله عنه فِي الصَّدَقَاتِ: أَنَّ الْإِبِلَ إذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْعَشْرِ شَيْءٌ يَعْنِي حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَهَكَذَا قَالَ فِي كُلِّ نِصَابٍ، قُلْت: وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لِمُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي النِّصَابِ مَعَ الْعَفْوِ، بِظَاهِرِ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ أَنَسٍ: مِنْ كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ. فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، الْحَدِيثَ. وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ، الْحَدِيثَ. وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ غَيْرُ الْوُجُوبِ إلَى النِّصَابِ الْآخَرِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ الْأَوَّلَ مُنْسَحِبٌ إلَى الْوُجُوبِ الثَّانِي، وَمَا بَيْنَهُمَا هُوَ الْعَفْوُ. قَوْلُهُ: لِأَنَّ الصُّلْحَ قَدْ جَرَى عَلَى ضِعْفِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَعْنِي مَعَ بَنِي تَغْلِبَ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله عن عبادة بن نعمان التَّغْلِبِيِّ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمَّا صَالَحَهُمْ يَعْنِي نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ عَلَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ، قَالُوا: نَحْنُ عَرَبٌ لَا نُؤَدِّي مَا يُؤَدِّي
الْعَجَمُ، وَلَكِنْ خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، يَعْنُونَ الصَّدَقَةَ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَا، هَذِهِ فَرْضُ الْمُسْلِمِينَ، قَالُوا: فَزِدْ مَا شِئْت بِهَذَا الِاسْمِ لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ، فَفَعَلَ، فَتَرَاضَى هُوَ وَهُمْ عَلَى أَنْ تُضَعَّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: سَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيث دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ، قَالَ: صَالَحَ عُمَرُ رضي الله عنه بَنِي تَغْلِبَ عَلَى أَنْ يُضَاعِفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ، وَلَا يَمْنَعُوا فِيهَا أَحَدًا أَنْ يُسْلِمَ، وَلَا أَنْ يَغْمِسُوا أَوْلَادَهُمْ، وَهَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ": حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ السَّفَّاحِ بْنِ مَطَرٍ عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَذَكَرَهُ. وزاد: أن لَا يُنَصِّرُوا صَغِيرًا، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"1 حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ بِهِ، وَزَادَ فِيهِ: مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هُشَيْمِ ثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ السَّفَّاحِ بْنِ الْمُثَنَّى الشَّيْبَانِيِّ عَنْ زُرْعَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، أَوْ النُّعْمَانِ بْنِ زُرْعَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَكَلَّمَهُ فِي نَصَارَى بَنِي تغلب، قال: وكان عُمَرُ رضي الله عنه قَدْ هَمَّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ، فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ، فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ زُرْعَةَ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ بَنِي تَغْلِبَ قَوْمٌ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنْ الْجِزْيَةِ، وَلَيْسَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ، إنَّمَا هُمْ أَصْحَابُ حُرُوثٍ وَمَوَاشِي، وَلَهُمْ نِكَايَةٌ فِي الْعَدُوِّ، فَلَا تُعِنْ عَدُوَّك عَلَيْك بِهِمْ، قَالَ: فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى أَنْ تُضَعَّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُنَصِّرُوا أَوْلَادَهُمْ، انْتَهَى. ورواه أبو أحمد بْنُ زَنْجُوَيْهِ النَّسَائِيّ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ": حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بِهِ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الْجِزْيَةَ فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ، إلَى آخِرِهِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ2 فِي كِتَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالَ: سَمِعْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ رضي الله عنه يُحَدِّثُ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، وَكَانَ زِيَادُ يَوْمَئِذٍ حَيًّا أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه بَعَثَهُ مُصَدِّقًا، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الْعُشْرَ، وَمِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ نِصْفَ الْعُشْرِ، انْتَهَى. وَفِي "الطَّبَقَاتِ" لِابْنِ سَعْدٍ3 زِيَادُ بْنُ حُدَيْرٍ الْأَسَدِيُّ يَرْوِي عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم، انْتَهَى.
باب زكاة الفضة
بَابُ زَكَاةِ الْفِضَّةِ الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَالْوُقِيَّةُ، أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا".قُلْت: أخرجه الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ4 عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فيما دون خمسة أَوَاقٍ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي حَدِيثٍ، وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: وَالْوَقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ فَشَاهِدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ2" عَنْ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "وَلَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْفِضَّةِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوَاقٍ، وَالْأُوقِيَّةُ: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا"، مُخْتَصَرٌ. وَيَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ أَبُو فَرْوَةَ الرَّهَاوِيُّ، قَالَ يَحْيَى فِي رِوَايَةِ عَبَّاسٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سُئِلَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ عَنْهُ، فَقَالَ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ الْغَفْلَةُ، يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، قَالَ في "الإِمام": وإن كَانَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَشَاهِدُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"3 عَنْ ابْنِ أَبِي مَسْلَمَةً، قَالَ: سَأَلَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَتْ: كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا، فَتِلْكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، قُلْت: مَا النَّشُّ؟ قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كتاب إلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، أَنْ خُذْ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَمِنْ كُلِّ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ نِصْفَ مِثْقَالٍ، قُلْت: وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"4 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ أَبِي كَثِيرٍ مَوْلَى أَبِي جَحْشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رضي الله عنه حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا، وَمِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صدقة، وليس في الخضروات صَدَقَةٌ، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَبِيبٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": يُقَلِّبُ الْأَخْبَارَ وَيَسْرِقُهَا، وَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي "الْإِمَامِ" مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، إلَى آخِرِهِ، وَهُوَ وَثَّقَهُمْ5، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ ابْنِ شَبِيبٍ، ولا أعل الحديث به.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنهما، قَالَ زُهَيْرٌ: أَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: هَاتُوا رُبُعَ الْعُشْرِ، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ حَتَّى يَتِمَّ مِائَتَا دِرْهَمٍ، فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ، انْتَهَى. ورواه الدارقطني مخروماً، لَيْسَ فِيهِ: أَحْسَبُهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "زَكَاةِ الْبَقَرِ"2. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَسَمَّى آخَرَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: {إذَا كَانَتْ لَك مِائَتَا دِرْهَمٍ , وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ , فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ} ، وَقَدْ تَقَدَّمَ3 فِي حَدِيثِ الْحَوْلِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"4 عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: لَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ مِنْ الْوَرِقِ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ" انْتَهَى. وَهُوَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَيْءٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَإِذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ"، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي "زَكَاةِ الذَّهَبِ". حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكَشِّيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا: لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَهُوَ مُسْنَدٌ ضَعِيفٌ. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه: "وَمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَبِحِسَابِهِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5 عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَسَمَّى آخَرَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا كَانَتْ لَك مِائَتَا
دِرْهَمٍ، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ يَعْنِي فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَكُونَ لَك عِشْرُونَ دِينَارًا، فَإِذَا كَانَتْ لَك عِشْرُونَ دِينَارًا، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ، فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ"، قَالَ: وَلَا أَدْرِي أَعَلِيٌّ يَقُولُ: فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، أَوْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ شُعْبَةُ. وَسُفْيَانُ. وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَرْفَعُوهُ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْحَوْلِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ زُهَيْرٍ ثَنَا أَبُو إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثُ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ زُهَيْرٌ: أَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: هَاتُوا رُبُعَ الْعُشُورِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ حَتَّى يَتِمَّ مِائَتَا دِرْهَمٍ. فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ، الْحَدِيثَ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" مَجْزُومًا بِهِ. لَيْسَ فِيهِ: أَحْسَبُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ رحمه الله: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَلَا أَعْنِي رِوَايَةَ الْحَارِثِ، وَإِنَّمَا أَعْنِي رِوَايَةَ عَاصِمٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "زَكَاةِ الْبَقَرِ"1 وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ زَيْدِ بْنِ حِبَّانَ الْكُوفِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "هَاتُوا رُبُعَ الْعُشُورِ، مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ"، انْتَهَى. وَلَيَّنَ زَيْدَ بْنَ حِبَّانَ، وَقَالَ: لَا أَرَى بِرِوَايَاتِهِ بَأْسًا، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": وَقَدْ أَسْنَدَ قَوْلَهُ: فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ حِبَّانَ الرَّقِّيِّ، وَأَصْلُهُ كُوفِيٌّ، ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ ابْنِ عَدِيٍّ فِيهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 أَيْضًا عَنْ أَيُّوبَ بْنِ جَابِرٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ ابْنِ عَدِيٍّ، سَوَاءً قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي "الْإِمَامِ": وَأَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَاهِ الْحَدِيثِ، وَأَجْوَدُ مَا رَأَيْت فِيهِ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه: أَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ يُشْبِهُ حَدِيثُهُ حَدِيثَ أَهْلِ الصِّدْقِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه بِنَحْوِهِ وَالْحَجَّاجُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 أَيْضًا، وَجَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ طُرُقٌ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه. الْآثَارُ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"4 أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةٌ دراهم، فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شيبة في "مصنفه"5.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ1 أَيْضًا أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، يَقُولُ فِيهِ بَعْضُهُمْ: إذَا زَادَتْ عَلَى الْمِائَتَيْنِ، فَكَانَتْ زِيَادَتُهَا أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، فَفِيهَا دِرْهَمٌ، وَيَقُولُ آخَرُونَ: فَمَا زَادَ يَعْنِي إذَا كَانَتْ عَشَرَةً فَفِيهَا رُبُعُ دِرْهَمٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ2 أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رضي الله عنهم. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ: "لَا تَأْخُذْ مِنْ الْكُسُورِ شَيْئًا"، قُلْت: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ الْجَرَّاحِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ نَجِيحٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ حِينَ وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَنْ لَا تَأْخُذَ مِنْ الْكُسُورِ شَيْئًا، إذَا كَانَتْ الْوَرِقُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَخُذْ مِنْهَا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَلَا تَأْخُذْ مِمَّا زَادَ شَيْئًا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ، فَخُذْ مِنْهَا دِرْهَمًا، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الْمِنْهَالُ بْنُ الْجَرَّاحِ هُوَ أَبُو الْعُطُونِ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَاسْمُهُ الْجَرَّاحُ بْنُ الْمِنْهَالِ، وَكَانَ ابْنُ إسْحَاقَ يَقْلِبُ اسْمَهُ، إذَا رَوَى عَنْهُ، وَعُبَادَةُ بْنُ نُسَيٍّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيّ: الْمِنْهَالُ بْنُ الْجَرَّاحِ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَكْذِبُ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": كَذَّابٌ، وقال الشيح فِي "الْإِمَامِ": قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَاهِيهِ، لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ جِدًّا. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: "وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ صَدَقَةٌ"، قُلْت: فِي "أَحْكَامِ عَبْدِ الْحَقِّ"، وَرَوَى أَبُو أُوَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ جَدِّهِمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَتَبَ هَذَا الْكِتَابَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ أَمَّرَهُ عَلَى الْيَمَنِ، وَفِيهِ: الْفِضَّةُ، لَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ صَدَقَةٌ، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُهُ عَبْدُ الْحَقِّ لِكِتَابٍ، وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي "أَحْكَامِهِ"، وَالْمَوْجُودُ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ4 عِنْدَ النَّسَائِيّ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمِ، وَغَيْرِهِمْ: وَفِي كُلِّ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ خَمْسَةُ
دَرَاهِمَ، وَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ شَيْءٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ1 بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنهما: فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"2 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: وَلَّانِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه الصَّدَقَاتِ، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ عشرين ديناراً نصف دينا، وَمَا زَادَ فَبَلَغَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ فَفِيهِ دِرْهَمٌ، وَأَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَبَلَغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، فَفِيهِ دِرْهَمٌ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدَّرَاهِمِ وَزْنُ سَبْعَةٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ، بِذَلِكَ جَرَى التَّقْدِيرُ فِي دِيوَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ، قُلْت: رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطبقات3 في ترجمة بْنِ مَرْوَانَ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ضَرَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ سَنَةَ خمسة وَسَبْعِينَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ ضَرْبَهَا، وَنَقَشَ عَلَيْهَا، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنُ أَبِي هِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتْ مَثَاقِيلُ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي ضَرَبَ عَلَيْهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ قِيرَاطًا إلَّا حَبَّةً بِالشَّامِيِّ، وَكَانَتْ الْعَشَرَةُ وَزْنَ سَبْعَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ4 فِي بَابِ الصَّدَقَةِ وَأَحْكَامِهَا": كَانَتْ الدَّرَاهِمُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ كِبَارًا وَصِغَارًا، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ وَأَرَادُوا ضَرْبَ الدَّرَاهِمِ، وَكَانُوا يُزَكُّونَهَا مِنْ النَّوْعَيْنِ، فَنَظَرُوا إلَى الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ، فَإِذَا هُوَ ثَمَانِيَةُ دَوَانِيقَ، وَإِلَى الدِّرْهَمِ الصَّغِيرِ، فَإِذَا هُوَ أَرْبَعَةُ دَوَانِيقَ, فَوَضَعُوا زِيَادَةَ الْكَبِيرِ عَلَى نُقْصَانِ الصَّغِيرِ , فَجَعَلُوهُمَا دِرْهَمَيْنِ سَوَاءً , كُلُّ وَاحِدٍ سِتَّةُ دَوَانِيقَ , ثُمَّ اعْتَبَرُوهَا بِالْمَثَاقِيلِ , وَلَمْ يَزَلْ الْمِثْقَالُ فِي آبَادِ الدَّهْرِ مَحْدُودًا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، فَوَجَدُوا عَشَرَةً مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي وَاحِدُهَا سِتَّةُ دَوَانِيقَ يَكُونُ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ، سَوَاءً، فَاجْتَمَعْت فِيهِ وُجُوهٌ ثَلَاثَةٌ: إنَّ الْعَشَرَةَ مِنْهَا وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ. وَأَنَّهُ عَدْلٌ بَيْنَ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ. وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ، فَمَضَتْ سُنَّةُ الدَّرَاهِمِ عَلَى هَذَا، وَاجْتَمَعْت عَلَيْهِ الْأُمَّةُ، فَلَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّ الدِّرْهَمَ التَّامَّ سِتَّةُ دَوَانِيقَ، فَمَا زَادَ أَوْ نَقَصَ قِيلَ فِيهِ: زَائِدٌ، أَوْ نَاقِصٌ، وَالنَّاسُ فِي زَكَوَاتِهِمْ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ السُّنَّةُ، لَمْ يَزِيغُوا عَنْهُ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُبَايَعَاتِ وَالدِّيَاتِ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا مُحَرَّرًا.
فصل في الذهب
فَصْلٌ فِي الذَّهَبِ قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَتْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَفِيهَا نِصْفُ مِثْقَالٍ، لِمَا رَوَيْنَا، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ مُعَاذٍ1 الْمُتَقَدِّمِ فِي زَكَاةِ الْفِضَّةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ رحمه الله، وَفِيهِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفَ دينار، ومن الأربعين ديناراً دينار، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ هُوَ ابْنُ مُجَمِّعٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، هَكَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَنَسَبَهُمَا فِي حَدِيثِهِ، وَابْنُ مُجَمِّعٍ قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: لَا شَيْءَ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوَهْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"3 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ النَّخَعِيّ ثَنَا الْعَرْزَمِيُّ4 عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَيْءٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ شَيْءٌ، وَفِي الْمِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَفِي عِشْرِينَ مِثْقَالًا ذَهَبًا نِصْفُ مِثْقَالٍ"، انْتَهَى. أَحَادِيثُ زَكَاةِ الْحُلِيِّ فِيهِ أَحَادِيثُ عَامَّةٌ، وَأَحَادِيثُ خَاصَّةٌ، فَالْعَامَّةُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ نَحْوُهُ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ: هَاتُوا صَدَقَةَ الرَّقَّةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ5، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الرِّقَةُ: الْفِضَّةُ، سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّرَاهِمَ أَوْ غَيْرَهَا، نَقَلَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ"، وَفِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: وَفِي كُلِّ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَدْخُولَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ جَمِيعَهَا. وَأَمَّا الْخَاصَّةُ: فَمِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد6، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ
عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ عليه السلام، وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا، وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسْكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا: أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: " أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارًا مِنْ نَارٍ؟! "، قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا، فَأَلْقَتْهُمَا إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، وَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ1، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": إسْنَادُهُ لَا مَقَالَ فِيهِ، فَإِنَّ أَبَا دَاوُد رَوَاهُ عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ، وَحُمَيْدَ بْنِ مَسْعَدَةَ، وَهُمَا مِنْ الثِّقَاتِ، احْتَجَّ بِهِمَا مُسْلِمٌ، وَخَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ إمَامٌ فَقِيهٌ، احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَكَذَلِكَ حُسَيْنُ بْنُ ذَكْوَانَ الْمُعَلِّمُ احْتَجَّا بِهِ فِي "الصَّحِيحِ"، وَوَثَّقَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، فَهُوَ مَنْ قَدْ عُلِمَ، وَهَذَا إسْنَادٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ2 أَيْضًا عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ، فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَخَالِدٌ أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِنْ مُعْتَمِرٍ، وَحَدِيثُ مُعْتَمِرٍ أَوْلَى بالصواب، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَتَتْ امْرَأَتَانِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي أَيْدِيهِمَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُمَا: "أَتُؤَدِّيَانِ زَكَاةَ هَذَا؟ " قَالَتَا: لَا، فَقَالَ: " أَتُحِبَّانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟! " قَالَتَا: لَا، قَالَ: فَأَدِّيَا زَكَاتَهُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَرَوَاهُ الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، نَحْوَ هَذَا، وَابْنُ لَهِيعَةَ، وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ يُضَعَّفَانِ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: لَعَلَّ التِّرْمِذِيَّ قَصَدَ الطَّرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا، وَإِلَّا فَطَرِيقُ أَبِي دَاوُد لَا مَقَالَ فِيهَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ بَعْدَ تَصْحِيحِهِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد: وإنما ضعف الترمذي هَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّ عِنْدَهُ فِيهِ ضَعِيفَيْنِ: ابْنُ لَهِيعَةَ، وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ، انْتَهَى. وَبِسَنَدِ التِّرْمِذِيِّ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَأَلْفَاظُهُمْ: قَالَ لَهُمَا: "فَأَدِّيَا زَكَاةَ هَذَا الَّذِي فِي أَيْدِيكُمَا"، وَهَذَا اللَّفْظُ يَرْفَعُ تَأْوِيلَ مَنْ يَحْمِلْهُ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ الْمَذْكُورَةَ فِيهِ شُرِعَتْ لِلزِّيَادَةِ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ رضي الله عنه فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، وَهِيَ الطَّرِيقُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"1، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَالْحَجَّاجُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الرَّازِيُّ ثَنَا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ عَطَاءٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى فِي يَدَيَّ فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ، فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ فَقُلْت: صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَك بِهِنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "أَفَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ؟ فَقُلْت: لَا، قَالَ: "هُنَّ حَسْبُك مِنْ النَّارِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ بِهِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَطَاءٍ بِهِ، فَنَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ دُونَ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَمُحَمَّدُ بْنُ عَطَاءٍ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، لَكِنَّهُ لَمَّا نُسِبَ إلَى جَدِّهِ ظَنَّ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، انْتَهَى. وَتَبِعَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي تَجْهِيلِ مُحَمَّدِ بْنِ عَطَاءٍ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ". وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، فَقَالَ: إنَّهُ لَمَّا نُسِبَ فِي سَنَدِ الدَّارَقُطْنِيِّ إلَى جَدِّهِ خَفِيَ عَلَى الدَّارَقُطْنِيِّ أَمْرُهُ، فَجَعَلَهُ مَجْهُولًا، وَتَبِعَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، أَحَدُ الثِّقَاتِ، وَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَبَيَّنَهُ شَيْخُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الرَّازِيُّ، وَهُوَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ إمَامُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَرَوَاهُ أَبُو نَشِيطٍ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الرَّبِيعِ، كَمَا هُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، فَقَالَ فِيهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَطَاءٍ نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ، فَلَا أَدْرِي أَذَلِكَ مِنْهُ، أَمْ مِنْ عَمْرِو بْنِ الرَّبِيعِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ، وَكَذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ، وَالْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا3 عَنْ عَتَّابِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كُنْت أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَنْزٌ هُوَ؟ فَقَالَ:
"مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ فَزَكِّي، فَلَيْسَ بِكَنْزٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ ثَابِتٍ بِهِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَلَفْظُهُ: إذَا أَدَّيْتِ زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ1: تَفَرَّدَ بِهِ ثَابِتُ بْنُ عَجْلَانَ، قَالَ فِي "تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ": وَهَذَا لَا يَضُرُّ، فَإِنَّ ثَابِتَ بْنَ عَجْلَانَ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": رَوَى عَنْ الْقُدَمَاءِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَرَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ النَّسَائِيّ فِيهِ ثِقَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَقَوْلُ عَبْدِ الْحَقِّ فِيهِ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، قَوْلٌ لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى الثِّقَاتِ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَهَذَا وَهْمٌ قَبِيحٌ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُهَاجِرٍ الْكَذَّابَ لَيْسَ هُوَ هَذَا، فَهَذَا الَّذِي يَرْوِي عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلَانَ ثِقَةٌ شَامِيٌّ، أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَدُحَيْمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ: كَانَ مُتْقِنًا، وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ الْكَذَّابُ، فَإِنَّهُ مُتَأَخِّرٌ فِي زَمَانِ ابْنِ مَعِينٍ. وَعَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ وَثَّقَهُ ابْنُ معينن وَرَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ مُتَابَعَةً، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي "الْإِمَامِ": وَقَوْلُ الْعُقَيْلِيِّ فِي ثَابِتِ بْنِ عَجْلَانَ: لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ تَحَامُلٌ مِنْهُ، إذْ لَا يَمَسُّ بِهَذَا إلَّا مَنْ لَيْسَ مَعْرُوفًا بِالثِّقَةِ. فَأَمَّا مَنْ عُرِفَ بالثقة فانفراده لايضره، وَكَذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ، أَكَانَ ثِقَةً؟ فَسَكَتَ، إذْ لَا يَدُلُّ السُّكُوتُ عَلَى شَيْءٍ، وَقَدْ يَكُونُ سُكُوتُهُ لكونه لم يعرف حاله، وَمَنْ عَرَفَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفْ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الثِّقَةِ عِنْدَهُ، فَيَكُونُ إمَّا صَدُوقًا، أَوْ صَالِحًا، أَوْ لَا بَأْسَ بِهِ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مُصْطَلَحَاتِهِمْ، وَلِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ في "كتابه" لم يسمه2 بِشَيْءٍ، وَقَوْلُ عَبْدِ الْحَقِّ أَيْضًا: لَا يُحْتَجُّ بِهِ. تَحَامُلٌ أَيْضًا، وَكَمْ مِنْ رَجُلٍ قَدْ قَبِلَ رِوَايَتَهُ لَيْسُوا مِثْلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"3 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خَيْثَمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَتْ: دَخَلْتُ أَنَا وَخَالَتِي عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام، وَعَلَيْنَا أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَنَا: "أَتُعْطِيَانِ زَكَاتَهُ؟ فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: "أَمَا تَخَافَانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ أَسْوِرَةً مِنْ نَارٍ، أَدِّيَا زَكَاتَهُ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَعَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ رَمَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ بِالْكَذِبِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَيْثَمٍ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: أَحَادِيثُهُ لَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةِ، وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمُعْضِلَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ نَصْرِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ الْحَبْحَابِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَمِعْت فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ، تَقُولُ: أَتَيْت النَّبِيَّ عليه السلام بِطَوْقٍ فِيهِ سَبْعُونَ مِثْقَالًا مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ خُذْ مِنْهُ الْفَرِيضَةَ، فَأَخَذَ مِنْهُ مِثْقَالًا، وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ مِثْقَالٍ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ مَتْرُوكٌ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ غَيْرُهُ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَقَالَ غُنْدَرٌ: هُوَ كَذَّابٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَنَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ، قَالَ أَبُو خَيْثَمٍ: كَانَ كَذَّابًا، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَفِي "الْإِمَامِ"، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي "تَارِيخِ أَصْفَهَانَ فِي بَابِ الشِّينِ" عَنْ شَيْبَانُ بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ بِهِ، سَوَاءً. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قُلْت لِلنَّبِيِّ عليه السلام: إنَّ لِامْرَأَتِي حُلِيًّا مِنْ ذَهَبٍ عِشْرِينَ مِثْقَالًا، قَالَ: "فَأَدِّ زَكَاتَهُ نِصْفَ مِثْقَالٍ"، انْتَهَى ثُمَّ أَخْرَجَهُ2 عَنْ قَبِيصَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إنَّ لِي حُلِيًّا، وَإِنَّ زَوْجِي خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ، أَفَيُجْزِئُ عَنِّي أَنْ أَجْعَلَ زَكَاةَ الْحُلِيِّ فِيهِمْ؟، قَالَ: "نَعَمْ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالْحَدِيثَانِ وَهْمٌ، وَالصَّوَابُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مُرْسَلٌ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَرَوَى هَذَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، فَإِنَّهُ يُخْطِئُ كَثِيرًا، وَقَدْ خَالَفَهُ مِنْ أَصْحَابِ الثَّوْرِيِّ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ، فَوَقَفَهُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَقَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ مُخَرَّجٌ لَهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، وَقَدْ أَكْثَرَ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ فِي "صَحِيحِهِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 أَيْضًا عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَبُو حَمْزَةَ هَذَا مَيْمُونٌ وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَقَالَ أَحْمَدُ: هُوَ مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَمِنْ النَّاسِ مَنْ حَمَلَ الزَّكَاةَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حِينَ كَانَ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ حَرَامًا عَلَى النِّسَاءِ، فَلَمَّا
أُبِيحَ لَهُنَّ سَقَطَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، وَحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وَحَدِيثِ أَسْمَاءَ، وَفِيهَا التَّصْرِيحُ بِلُبْسِهِ، مَعَ الْأَمْرِ بِالزَّكَاةِ، وَحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَيْضًا: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَى في أيدي فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ، إنْ كَانَ ذِكْرُ الْوَرِقِ فِيهِ مَحْفُوظًا، انْتَهَى. الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"1 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنْ: مُرْ مَنْ قِبَلَك مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُزَكِّينَ حُلِيَّهُنَّ، وَلَا يَجْعَلْنَ الزِّيَادَةَ2 وَالْهَدِيَّةَ بَيْنَهُنَّ تَقَارُضًا، انْتَهَى. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ"3: هُوَ مُرْسَلٌ. أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي " مُصَنَّفِهِ " عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ: فِي الْحُلِيِّ الزَّكَاةُ. انْتَهَى. مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ , رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي " مُعْجَمِهِ ". أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ إلَى خَازِنِهِ سَالِمٍ: أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ حُلِيِّ بَنَاتِهِ كُلَّ سَنَةٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ نِسَاءَهُ أَنْ يُزَكِّينَ حُلِيَّهُنَّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطَاءٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَطَاوُسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: فِي الْحُلِيِّ الزَّكَاةُ، زَادَ ابْنُ شَدَّادٍ حَتَّى فِي الْخَاتَمِ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُمْ قَالُوا: السُّنَّةُ أَنَّ فِي الْحُلِيِّ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ الزَّكَاةَ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: رَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله فِي "التَّحْقِيقِ" بِسَنَدِهِ عَنْ عَافِيَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَمَا يروى عَنْ عَافِيَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ، فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، إنَّمَا يُرْوَى عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ، وَعَافِيَةُ بْنُ أَيُّوبَ مَجْهُولٌ، فَمَنْ احْتَجَّ به مرفوعاً، كان معزّزاً بذنبه4، دَاخِلًا فِيمَا نَعِيبُ بِهِ الْمُخَالِفِينَ، مِنْ الِاحْتِجَاجِ، بِرِوَايَةِ الْكَذَّابِينَ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِنَا الْمُنْذِرِيِّ رحمه الله:
وَعَافِيَةُ بْنُ أَيُّوبَ لَمْ يَبْلُغْنِي فِيهِ مَا يُوجِبُ تَضْعِيفَهُ، قَالَ الشَّيْخُ: وَيَحْتَاجُ مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ إلَى ذِكْرِ مَا يُوجِبُ تَعْدِيلَهُ، انْتَهَى. الْآثَارُ: رَوَى مَالِكٌ1 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتَه، وَجَوَارِيَهُ الذَّهَبَ، ثُمَّ لَا يُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ2، أَنْبَأَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ مَالِكٌ3 أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ تَلِيَ بَنَاتَ أَخِيهَا يَتَامَى فِي حِجْرِهَا، فَلَا تُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ، انْتَهَى. كِلَاهُمَا فِي "الْمُوَطَّأِ". أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَأَلْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ الْحُلِيِّ، فَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ5، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَةِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ خَالِدٍ يَسْأَلُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْحُلِيِّ، أَفِيهِ زَكَاةٌ؟ قَالَ جَابِرٌ: لَا، فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ يَبْلُغُ أَلْفَ دِينَارٍ؟ فَقَالَ جَابِرٌ: كَثِيرٌ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ6 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُحَلِّي بَنَاتَهَا الذَّهَبَ، وَلَا تُزَكِّيهِ نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ أَلْفٍ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: خَمْسَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا لَا يَرَوْنَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةً: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَجَابِرٌ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ7، وَأَسْمَاءُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
فصل في العروض
فَصْلٌ فِي الْعُرُوضِ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "يُقَوِّمُهَا يَعْنِي عُرُوضَ التِّجَارَةِ فَيُؤَدِّي مِنْ كُلِّ مِائَةِ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ مَرْفُوعَةٌ. وَمَوْقُوفَةٌ، فَمِنْ الْمَرْفُوعَةِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي"سُنَنِهِ"1 عَنْ جعفر بن سعد حدثني خُبَيْبِ
بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي يُعَدُّ لِلْبَيْعِ، انْتَهَى، سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": خُبَيْبِ هَذَا لَيْسَ بِمَشْهُورٍ، وَلَا نَعْلَمُ رَوَى عَنْهُ إلَّا جَعْفَرَ بْنَ سَعْدٍ، وَلَيْسَ جَعْفَرٌ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" مُتَعَقِّبًا عَلَى عَبْدِ الْحَقِّ، فَذَكَرَ فِي "كِتَابِ الْجِهَادِ": حَدِيثَ: "مَنْ كَتَمَ غَالًّا فَهُوَ مِثْلُهُ"، وَسَكَتَ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ سَعْدٍ هَذَا عَنْ خُبَيْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ، فَهُوَ مِنْهُ تَصْحِيحٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ": وَسُلَيْمَانُ بْنُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ لَمْ يَعْرِفْ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِحَالِهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ رَبِيعَةُ، وَابْنُهُ خُبَيْبِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" بِهِ عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالرَّقِيقِ، الرَّجُلِ. وَالْمَرْأَةِ. الَّذِي هُوَ تِلَادُهُ، وَهُمْ عَمَلَةٌ لَا يُرِيدُ بَيْعَهُمْ، أَنْ لَا يُخْرِجَ عَنْهُمْ الصَّدَقَةَ، وَكَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي يُعَدُّ لِلْبَيْعِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2 عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي الْحُسَامِ ثَنَا عِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَقَرِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَزِّ أَوْ تِبْرٍ3 صَدَقَتُهُ، وَمَنْ رَفَعَ دَرَاهِمَ4، أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ فِضَّةً، لَا يُعِدُّهَا لِغَرِيمٍ، وَلَا يُنْفِقُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَهُوَ كَنْزٌ يُكْوَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وَقَالَ الْحَاكِمُ: تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ5 عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ، وَقَالَ: كِلَا الْإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَانِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ التِّرْمِذِيَّ رَوَاهُ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ الْكَبِيرِ6" حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، هُوَ يَقُولُ: حَدَّثْت عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَنَسٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": ابْنُ جُرَيْجٍ مُدَلِّسٌ، لَمْ يَقُلْ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، فَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ، ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ التِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": كِلَا الْإِسْنَادَيْنِ يَرْجِعُ إلَى عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ،
وَهُوَ مَذْكُورٌ فِيمَنْ انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ عَلَى شَرْطِهِمَا؟، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ بِهِ، وَفِي آخِرِهِ: وَفِي الْبَزِّ صَدَقَةٌ، قَالَهَا بِالزَّايِ، انْتَهَى بِحُرُوفِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": الْأَوَّلُ: فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَلَا يُعْرَفُ حَالُهُ. وَالثَّانِي: فِيهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": فَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ يَحْيَى2 بْنُ مُوسَى الْبَلْخِيّ الْمَعْرُوفُ بِبُخْتٍ3 وَهُوَ ثِقَةٌ، كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "الْعِلَلِ" فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا الِانْقِطَاعُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْت: وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"4 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ بِهِ، وَهَذَا فَاتَ الشَّيْخَ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَقَدْ ذَكَرَ سَنَدَيْ الدَّارَقُطْنِيِّ، الْإِسْنَادُ الَّذِي فِيهِ عَبْدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَصْلَحُ مِنْ إسْنَادِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، مَعَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُعَاوِيَةَ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ. وَلَكِنَّ مُوسَى بْنَ عُبَيْدَةَ أَشَدُّ ضَعْفًا مِنْهُ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَحِلُّ عِنْدِي الرِّوَايَةُ عَنْهُ. وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" فَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الَّذِي ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الزُّبَيْرِيُّ مِنْ وَلَدِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، يَرْوِي عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَأَمَّا رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ فَهُوَ الْجُمَحِيُّ، وَهُوَ صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: إنَّهُ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، بَلْ هُوَ مَشْهُورٌ، رَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُمَا، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي "الْإِمَامِ": وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي نَقَلْت مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ "كِتَابِ الْمُسْتَدْرَكِ" لَيْسَ فِيهِ: الْبَزُّ5 بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَفِيهِ ضَمُّ الْبَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فَيَحْتَاجُ إلَى كَشْفِهِ مِنْ أَصْلٍ آخَرَ مُعْتَبَرٍ، فَإِنْ اتَّفَقَتْ الْأُصُولُ عَلَى ضَمِّ الْبَاءِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَسْأَلَةِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ، انْتَهَى. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي "مُسْنَدِ الدَّارَقُطْنِيِّ" قَالَهَا بِالزَّايِ. كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي "تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ": هُوَ بِالْبَاءِ وَالزَّايِ وَهِيَ الثِّيَابُ الَّتِي هِيَ أَمْتِعَةُ الْبَزَّازِ، قَالَ: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ صَحَّفَهُ بِضَمِّ الْبَاءِ، وَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ غَلَطٌ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: وَسَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَذْكُورُ فِي سَنَدِ الْحَاكِمِ مَدِينِيٌّ، كُنْيَتُهُ: أَبُو عُمَرَ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ
مِنْ عمران، وَأَمَّا الْمَوْقُوفَةُ: فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"1 عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زُرَيْقِ بْنِ حِبَّانَ، وَكَانَ عَلَى جِوَارِ مِصْرَ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ، وَسُلَيْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَذَكَر أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه كَتَبَ إلَيْهِ: أَنْ اُنْظُرْ مَنْ مَرَّ بِك مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَةِ، مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا، فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا، فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ، فَدَعْهَا، وَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا، وَمَنْ مَرَّ بِك مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَخُذْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَةِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا، فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، حَتَّى يَبْلُغَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ، فَدَعْهَا، وَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا، وَاكْتُبْ لَهُمْ بِمَا تَأْخُذُ مِنْهُمْ كِتَابًا، إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْحَوْلِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": زُرَيْقٌ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِي تَقْدِيمِ الزَّايِ فِيهِ عَلَى الرَّاءِ وَبِالْعَكْسِ، فَقِيلَ: إنَّ أَهْلَ مِصْرَ، وَالشَّامِ يُقَدِّمُونَ الزَّايَ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يُقَدِّمُونَ الرَّاءَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَهْلُ مِصْرَ، وَالشَّامِ أَعْلَمُ بِهِ، وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَعَبْدُ الْغَنِيِّ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ وَزُرَيْقٌ لقب لَهُ، وَاسْمُهُ: سَعِيدٌ، وَكُنْيَتُهُ: أَبُو الْمِقْدَامِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"2 مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْت أَبِيعُ الْأُدْمَ وَالْجِعَابَ، فَمَرَّ بِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: أَدِّ صَدَقَةَ مَالِكَ، فَقُلْت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا هُوَ فِي الأدم، قال: قوِّمهن ثُمَّ أَخْرِجْ صَدَقَتَهُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ ثَنَا ابْنُ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي كُلِّ مَالٍ يُدَارُ فِي عبيد، أو دواب، أبو بَزٍّ لِلتِّجَارَةِ، تُدَارُ الزَّكَاةُ فِيهِ كُلَّ عَامٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمِ، قَالُوا: فِي الْعُرُوضِ تُدَارُ الزَّكَاةُ كُلَّ عَامٍ، لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا الزَّكَاةُ حتى يأتي الشَّهْرُ عَامَ قَابِلٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ3 مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رضي الله عنهما ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْعُرُوضِ زَكَاةٌ، إلَّا مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ، انْتَهَى.
باب فيمن يمر على العاشر
بَابٌ فِيمَنْ يَمُرُّ عَلَى الْعَاشِرِ قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ رُبْعُ الْعُشْرِ، وَمِنْ الذِّمِّيِّ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَمِنْ الْحَرْبِيِّ، هَكَذَا أَمَرَ عُمَرُ رضي الله عنه سُعَاتَهُ، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"1 أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: بَعَثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى الْأَيْلَةِ، فَأَخْرَجَ لِي كِتَابًا مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَمِمَّنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمٌ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، وَمَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ بِهِ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ رحمه الله فِي "كِتَابِ الْآثَارِ"2 أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي صَخْرَةَ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إلَى عَيْنِ التَّمْرِ مُصَدِّقًا، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إذَا اخْتَلَفُوا بِهَا لِلتِّجَارَةِ رُبْعَ الْعُشْرِ، وَمِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَمِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"3 حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه الوسط"4 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَامَانَ5 الجند يسابوري ثَنَا زُنَيْجٌ أَبُو غَسَّانَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُعَلَّى ثَنَا أَشْعَثُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَفِي أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ , وَفِي أَمْوَالِ مَنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمٌ} . انْتَهَى. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَمْ يُسْنِدْ هَذَا الْحَدِيثَ إلَّا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُعَلَّى، تَفَرَّدَ بِهِ زُنَيْجٌ، وَقَدْ رَوَاهُ أَيُّوبُ، وَسَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَخُبَيْبُ بْنُ الشَّهِيدِ، وَالْهَيْثَمُ الصَّيْرَفِيُّ، وَجَمَاعَةٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَرَضَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، انْتَهَى كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: فَإِنْ أَعْيَاكُمْ، فَالْعُشْرُ، قُلْت: غَرِيبٌ.
باب في المعادن والركاز
بَابٌ فِي الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ"، قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ"، انْتَهَى. أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا، وَالرِّكَازُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْدِنِ، وَعَلَى الْمَالِ الْمَدْفُونِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، فَهُنَا اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى الْمَعْدِنِ، وَفِيمَا بَعْدُ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الْكَنْزِ، وَاسْتَدَلَّ لَنَا الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"2 عَنْ حِبَّانَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الرِّكَازُ الَّذِي يَنْبُتُ بِالْأَرْضِ"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله عَنْ عبد الله بن سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، قِيلَ: وَمَا الرِّكَازُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خُلِقَتْ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ، رَوَى أَبُو حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي الرِّكَازِ الْعُشُورُ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ. وَابْنُ نَافِعٍ رحمه الله، وَيَزِيدُ كِلَاهُمَا مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَوَصَفَهُمَا النَّسَائِيّ بِالتَّرْكِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَسَكَتَ الشَّيْخُ عَنْ عِلَّةِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": كَانَ يُقَلِّبُ الْأَخْبَارَ، وَيَهِمُ فِي الْآثَارِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَحِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَنَزِيُّ، قَالَ الشَّيْخُ: هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ: صَدُوقٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: فِي حَدِيثِهِ، وَحَدِيثِ أَخِيهِ مِنْدَلٍ بَعْضُ الْغَلَطِ، وَاسْتَدَلَّ لِلْخَصْمِ الْقَائِلِ بأن في المعدن زكاة دُونَ الْخُمُسِ، بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ رضي الله عنه فِي "الْمُوَطَّأِ"3 عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ، أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَقْطَعَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ4، وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفَرْعِ، فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ
لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا الزَّكَاةُ إلَى الْيَوْمِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مُنْقَطِعٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"، وَقَدْ رُوِيَ مُتَّصِلًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي "التَّمْهِيدِ" مِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ الشَّيْخُ: وَالْقَبَلِيَّةِ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْفَرْعُ: ضَبَطَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ، وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"1: حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ، وَمَعَ انْقِطَاعِهِ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ: يُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ إلَى الْيَوْمِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَ رِكَازًا أَيْ كَنْزًا وَجَبَ فِيهِ الْخُمُسُ لِمَا رَوَيْنَا، قُلْت: يُشِيرُ إلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ: وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ. وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ: فَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ2 فِي آخِرِ الْبُيُوعِ" عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي كَنْزٍ وَجَدَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إنْ كُنْت وَجَدْتَهُ فِي قَرْيَةٍ مَسْكُونَةٍ، أَوْ سَبِيلٍ مِيتَاءٍ، فَعَرِّفْهُ، وَإِنْ كُنْت وَجَدْتَهُ فِي خَرِبَةٍ جَاهِلِيَّةٍ، أَوْ فِي قَرْيَةٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ، أَوْ غَيْرِ سَبِيلٍ مِيتَاءٍ، فَفِيهِ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، إلَّا أَنَّهُ3 قَالَ: وَلَمْ أَزَلْ أَطْلُبُ الْحُجَّةَ فِي سَمَاعِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِنْ عبد بْنِ عَمْرٍو فَلَمْ أَصِلْ إلَيْهَا إلَى هَذَا الْوَقْتِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ دَاوُد بْنَ شَابُورَ، وَيَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَمِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَمْرٍو بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَرَوَى الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ رِكَازًا، فَأَتَى بِهِ عَلِيًّا رضي الله عنه، فَأَخَذَ مِنْهُ الْخُمُسَ، وَأَعْطَى بَقِيَّتَهُ لِلَّذِي وَجَدَهُ، فَأُخْبِرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْجَبَهُ، انْتَهَى. وَهُوَ مُرْسَلٌ1. الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ غُلَامًا مِنْ الْعَرَبِ وَجَدَ سَتُّوقَةً فِيهَا عَشْرَةُ آلَافٍ، فَأَتَى بِهَا عُمَرَ رضي الله عنه، فَأَخَذَ مِنْهَا خُمُسَهَا أَلْفَيْنِ، وَأَعْطَاهُ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ. آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الله بن بشر الخثعي عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ أَنَّ رَجُلًا سَقَطَتْ عَلَيْهِ جَرَّةٌ مِنْ دَيْرٍ بِالْكُوفَةِ فِيهَا وَرِقٌ، فَأَتَى بِهَا عَلِيًّا3 رضي الله عنه، فَقَالَ اقْسِمْهَا أَخْمَاسًا، ثُمَّ قَالَ: خُذْ مِنْهَا أَرْبَعَةً، وَدَعْ وَاحِدًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ: حُمَمَةُ، قَالَ: سَقَطَتْ عَلَيَّ جَرَّةٌ. آخَرُ: رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَرْوَانَ عَنْ هُذَيْلٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: إنِّي وَجَدْت كَنْزًا فِيهِ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْمَالِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا أَرَى الْمُسْلِمِينَ بَلَغَتْ أَمْوَالُهُمْ هَذَا، أَرَاهُ رِكَازَ مَالٍ عَادِيٍّ، فَأَدِّ خُمُسَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَك مَا بَقِيَ، انْتَهَى. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مُعْتَمِرٍ عَنْ عُمَرَ الضَّبِّيِّ، قَالَ: بَيْنَا قَوْمٌ عِنْدِي بِسَابُورَ يُثِيرُونَ الْأَرْضَ إذْ أَصَابُوا كَنْزًا، وَعَلَيْنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ الرَّاسِبِيُّ، فَكَتَبَ فِيهِ إلَى عَدِيٍّ، فَكَتَبَ عَدِيٌّ إلَى عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه، فَكَتَبَ عُمَرُ أَنْ: خُذُوا مِنْهُمْ الْخُمُسَ، وَدَعُوا سَائِرَهُ لَهُمْ، فَدَفَعَ إلَيْهِمْ الْمَالَ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ الْخُمُسَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَا خُمُسَ فِي الْحَجَرِ"، قُلْت: غَرِيبٌ، أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي عُمَرَ الْكَلَاعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا زَكَاةَ فِي حَجَرٍ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَ عُمَرَ الْكَلَاعِيَّ، وَقَالَ إنَّهُ مَجْهُولٌ، لَا أَعْلَمُ حَدَّثَ عَنْهُ غَيْرُ بَقِيَّةَ، وَأَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، وَغَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا
عَنْ مُحَمَّدِ بن عبيد الْعَرْزَمِيِّ1 عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، وَضَعْفُ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَالْفَلَّاسِ، وَوَافَقَهُمْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: لَيْسَ فِي حَجَرِ اللُّؤْلُؤِ، وَلَا حَجَرِ الزُّمُرُّدِ زَكَاةٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ، فَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَخَذَ الْخُمُسَ مِنْ الْعَنْبَرِ، قُلْت: غَرِيبٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَذَ مِنْ الْعَنْبَرِ الْخُمُسَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ لَيْثٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ خَمَّسَ الْعَنْبَرَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"3 عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، قَالَا: فِي الْعَنْبَرِ، وَاللُّؤْلُؤِ الْخُمُسُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ دَاوُد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارِ سَمِعْت عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْعَنْبَرِ خُمُسٌ، انْتَهَى. وَحَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ الْمَدِينِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ نَحْوَهُ، وَزَادَ هُوَ لِلَّذِي وَجَدَهُ، وَلَيْسَ الْعَنْبَرُ بِغَنِيمَةٍ، انْتَهَى. وَفِيهِ أَثَرٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ4، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ وَكَانَ عَامِلًا بِعَدَنَ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْعَنْبَرِ، فَقَالَ: إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ، فَالْخُمُسُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَنْبَأَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ بِهِ. وَفِيهِ أَثَرٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مُخَالِفٌ: رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"5 أَخْبَرَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجَاءِ بْنِ رَوْحٍ عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ عُمَرَ: أَنْ خُذْ مِنْ الْعَنْبَرِ الْعُشْرَ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: هَذَا إسْنَادٌ ضَعِيفٌ، وَغَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَلَيْسَ يَثْبُتُ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
باب زكاة الزروع والثمار
بَابٌ زَكَاةُ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ"، قُلْت: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: لَيْسَ فِي حَبٍّ، وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ، حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَأَعَادَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ بَدَّلَ: التمر يَعْنِي بِالْمُثَلَّثَةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَوَّلَ بِالْمُثَنَّاةِ، وَزَادَ أَبُو دَاوُد2 فِيهِ: وَالْوَسْقُ: سِتُّونَ مَخْتُومًا، وَابْنُ مَاجَهْ: وَالْوَسْقُ: سِتُّونَ صَاعًا. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ الثَّمَرِ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"3 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إسْحَاقَ أَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنَا مَعْمَرٌ حَدَّثَنِي سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فيما دون خمسة ذَوْدٍ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4، وَلَفْظُهُ: لَا يَحِلُّ فِي الْبُرِّ وَالتَّمْرِ زَكَاةٌ، حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَلَا يَحِلُّ فِي الْوَرِقِ زَكَاةٌ، حتى تَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوَاقٍ، وَلَا يَحِلُّ فِي الْإِبِلِ زَكَاةٌ، حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَةَ ذَوْدٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ فَفِيهِ الْعُشْرُ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَبِمَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ5 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا1 الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ"، انتهى. رواه أَبُو دَاوُد بِلَفْظِ: فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ، وَالْأَنْهَارُ، وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ بَعْلًا الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي2 أَوْ النَّضْحِ الْعُشْرُ " انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِيمَا سَقَتْ الْأَنْهَارُ، وَالْغَيْمُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ3 عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِمَّا سَقَتْ السَّمَاءُ، وَمَا سُقِيَ بَعْلًا الْعُشْرَ، وَمَا سُقِيَ بِالدَّوَالِي نِصْفَ الْعُشْرَ، انْتَهَى. وَلَمَّا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمَ عَقَّبَهُ بِحَدِيثِ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَقَالَ: هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْأَوَّلِ4، وَالْمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى الْمُبْهَمِ، وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ. انْتَهَى. وَأَبُو حَنِيفَةَ يُؤَوِّلُ حَدِيثَ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، بِزَكَاةِ التِّجَارَةِ، كَمَا فِي الْكِتَابِ. وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ جَعَلَهُ مَنْسُوخًا، وَلَهُمْ فِي تَقْرِيرِهِ قَاعِدَةٌ، ذَكَرَهَا السِّغْنَاقِيُّ نَقْلًا عَنْ "الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ"، قَالَ: إذَا وَرَدَ حَدِيثَانِ: أَحَدُهُمَا: عَامٌّ. وَالْآخَرُ: خَاصٌّ، فَإِنْ عُلِمَ تَقْدِيمُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ خُصَّ الْعَامُّ بِالْخَاصِّ، كَمَنْ يَقُولُ لِعَبْدِهِ: لَا تُعْطِ أَحَدًا شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَعْطِ زَيْدًا دِرْهَمًا، فَإِنَّ هَذَا تَخْصِيصٌ لِزَيْدٍ، وَإِنْ عُلِمَ تَأْخِيرُ الْعَامِّ، كَانَ الْعَامُّ نَاسِخًا لِلْخَاصِّ، كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَعْطِ زَيْدًا دِرْهَمًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: لَا تُعْطِ أَحَدًا شَيْئًا، فَإِنَّ هَذَا نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ، هَذَا مَذْهَبُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ: هَذَا إذَا عُلِمَ التَّارِيخُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ، فَإِنَّ الْعَامَّ يُجْعَلُ آخِرًا، لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ وَهُنَا لَمْ يُعْلَمْ التَّارِيخُ، فَيُجْعَلُ آخِرًا احْتِيَاطًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَاحْتَجَّتْ الْحَنَفِيَّةُ بِمَا رَوَى أَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ، أَوْ غَرْبٍ نِصْفُ الْعُشْرِ، فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ"، قَالَ: وَهَذَا الْإِسْنَادُ لَا يُسَاوِي شَيْئًا، أَمَّا أَبُو مُطِيعٍ فَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ رضي الله عنه: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْوَى عَنْهُ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: تَرَكُوا حَدِيثَهُ، وَأَمَّا أَبَانُ فَضَعِيفٌ جِدًّا، ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ.
آثَارٌ عَنْ التَّابِعِينَ: أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه، قَالَ: فِيمَا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ الْعُشْرُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا فِي "مُصَنَّفِهِ"1 عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ النَّخَعِيّ: حَتَّى فِي كُلِّ عَشْرِ دَسْتَجَاتِ بَقْلٍ دَسْتَجَةٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَمِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنهم. أَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنْ الْخَضْرَاوَاتِ، وَهِيَ الْبُقُولُ، فَقَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا. وَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ، وَغَيْرُهُ، وَتَرَكَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي ذِكْرُ هَذَا الْمُرْسَلِ فِي حَدِيثِ طَلْحَةَ. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" مِنْ حَدِيثِ إسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ، وَالْبَعْلُ، وَالسَّيْلُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ"، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي التَّمْرِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالْحُبُوبِ، فَأَمَّا الْقِثَّاءُ، وَالْبِطِّيخُ، وَالرُّمَّانُ، وَالْقَصَبُ، وَالْخَضِرُ3، فَعَفْوٌ عَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَزَعَمَ أَنَّ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ، لَا يُنْكَرُ أَنْ يُدْرِكَ أَيَّامَ مُعَاذٍ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَفِي تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ لِهَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى تَرَكَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلٌ، وَمُعَاذٌ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَرِوَايَةُ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْهُ أَوْلَى بِالْإِرْسَالِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ
مُوسَى، وُلِدَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ سَمَّاهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ، وَقِيلَ: إنَّهُ صَحِبَ عُثْمَانَ مُدَّةً، وَالْمَشْهُورُ فِي هَذَا مَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ1 عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: عِنْدَنَا كِتَابُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِي "الْإِمَامِ": وَفِي الِاتِّصَالِ بَيْنَ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، وَمُعَاذٍ نَظَرٌ، فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ وَفَاةَ مُوسَى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْحَةَ، فَلَهُ طُرُقٌ: أَحَدُهَا: عِنْدَ الْبَزَّارِ فِي "مُسْنَدِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ ثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: وَرَوَى جَمَاعَةٌ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: عَنْ أَبِيهِ إلَّا الْحَارِثَ بْنَ نَبْهَانَ عَنْ عَطَاءٍ، وَلَا نَعْلَمُ لِعَطَاءٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ إلَّا هَذَا الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِالْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ عَنْ عَطَاءٍ غَيْرَهُ، وَضَعَّفَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرِينَ، وَوَافَقَهُمْ. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ إلَّا مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ نَصْرِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بِهِ3، وَنَصْرُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: كَذَّابٌ، وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ مُسْلِمٌ: ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، وَالْمُرْسَلُ الَّذِي أَشَارَ إليه الترمذي، وغيره، ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَهَّابِ ثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ، انْتَهَى. وَهَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ، فَإِنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ هَذَا هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ، وَهُوَ صَدُوقٌ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، وَثَّقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ، وَلَا يُحْتَجُّ مِنْ حَدِيثِهِ إلَّا بِمَا رَوَاهُ عَنْهُ الْأَكَابِرُ: الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَفِي حَدِيثِهِمْ عَنْهُ نَظَرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ رحمه الله أيضاً عن الصفر بْنِ حَبِيبٍ، سَمِعْت أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ: "لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ"، مُخْتَصَرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْخَيْلِ، وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ" قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ، فَقَلَبَهُ هَذَا الشَّيْخُ عَلَى أَبِي رَجَاءٍ، وَهُوَ يَأْتِي بِالْمَقْلُوبَاتِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَبِيبٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ أَبِي كَثِيرٍ مَوْلَى بَنِي جَحْشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ حِين بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا، وَلَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِابْنِ شَبِيبٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ في "كتاب الضعفاء": يسرف الْأَخْبَارَ، وَيُقَلِّبُهَا، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ بِحَالٍ، انْتَهَى. وَالشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" تَرَكَ ذِكْرَ ابْنِ شَبِيبٍ، وَوَثَّقَ الْبَاقِينَ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ السِّنْجَارِيِّ ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ صَالِحِ بْنِ مُوسَى عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ فِيمَا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ مِنْ الْخُضْرَةِ زَكَاةٌ" انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِصَالِحٍ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": هُوَ صَالِحُ بْنُ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلَتْ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا، لَا يُعْجِبُنِي حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"1: هَذَا حَدِيثٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، فَرُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، فَقَالَ: الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ2 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ3: عَنْ عَطَاءٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ أَنَّ النَّبِيَّ
عليه السلام مُرْسَلٌ، وَرُوِيَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ وَهْبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَقِيلَ: عَنْ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ عَنْ عُمَرَ، وَقِيلَ: عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَقِيلَ: عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ مُرْسَلٌ، وَهُوَ أَصَحُّهَا كُلِّهَا، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَمَعَهَا قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ قَدْ عَلَّلَ الْبَيْهَقِيُّ بِهِ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَمُجَاهِدٌ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعٌ، وَأَخْرَجَ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي إسْحَاقِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ، وَالْبُقُولِ صَدَقَةٌ، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا أَحَادِيثُ: "إنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي خَمْسَةٍ"، فَكُلُّهَا مَدْخُولَةٌ، وَفِي مَتْنِهَا اضْطِرَابٌ، فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: إنَّمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ: الْحِنْطَةِ. وَالشَّعِيرِ. وَالتَّمْرِ. وَالزَّبِيبِ. وَالذُّرَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: إنَّمَا سَنَّ، إلَى آخِره، وَالْعَرْزَمِيُّ مَتْرُوكٌ، وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى، وَمُعَاذِ بْنِ جبل حين يعثهما رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ يُعَلِّمَانِ النَّاسَ أَمْرَ دِينِهِمْ: لَا تَأْخُذْ الصَّدَقَةَ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ: الشَّعِيرِ. وَالْحِنْطَةِ. وَالزَّبِيبِ. وَالتَّمْرِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ: أَنَّهُمَا حِينَ بُعِثَا إلَى الْيَمَنِ، لَمْ يَأْخُذَا الصَّدَقَةَ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَهَذَا غَيْرُ صَرِيحٍ فِي الرَّفْعِ، انْتَهَى. وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ3 عَنْ خَصِيفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: لَمْ تَكُنْ الصَّدَقَةُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: الْحِنْطَةِ. وَالشَّعِيرِ. وَالتَّمْرِ. وَالزَّبِيبِ. وَالذُّرَةِ، انْتَهَى. مُرْسَلٌ، وَفِيهِ خَصِيفٌ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمْ يَفْرِضْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا فِي عَشَرَةِ أَشْيَاءَ: الْإِبِلِ. وَالْبَقَرِ. وَالْغَنَمِ. وَالذَّهَبِ. وَالْفِضَّةِ. وَالْحِنْطَةِ. وَالشَّعِيرِ. وَالتَّمْرِ. وَالزَّبِيبِ، أَرَاهُ قَالَ: وَالذُّرَةِ، وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، فَذَكَرَ: السُّلْتَ، عِوَضَ: الذُّرَةِ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: "إنَّمَا الصَّدَقَةُ فِي الْحِنْطَةِ. وَالشَّعِيرِ. وَالتَّمْرِ. وَالزَّبِيبِ"، وَهَذَا أَيْضًا مُرْسَلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ"، قُلْت: رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محرز عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ"، انْتَهَى. وَلَمْ أَجِدْهُ فِي "مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ" بِهَذَا اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا لَفْظُهُ: أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ أَهْلِ الْعَسَلِ الْعُشْرُ، انْتَهَى. وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بعبد الله بن محرز، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": كَانَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَكْذِبُ، وَلَا يَعْلَمُ، وَيُقَلِّبُ الْأَخْبَارَ، وَلَا يَفْهَمُ، انْتَهَى. وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو، وَمِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَيَّارَةَ الْمُتَعِيِّ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَمْرٍو: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 فِي "سُنَنِهِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيِّ أَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْمِصْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: جَاءَ هِلَالٌ أَحَدُ بَنِي مُتْعَانَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُشُورِ نَحْلٍ لَهُ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَحْمِيَ وَادِيًا، يُقَالُ لَهُ: سَلَبَةُ، فَحَمَى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الْوَادِيَ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَتَبَ سُفْيَانُ بْنُ وَهْبٍ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَكَتَبَ عُمَرُ: إنْ أَدَّى إلَيْك مَا كَانَ يُؤَدِّي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُشُورِ نَحْلِهِ، فَاحْمِ لَهُ سَلَبَةَ، وَإِلَّا فَإِنَّمَا هُوَ ذُبَابُ غَيْثٍ، يَأْكُلُهُ مَنْ شَاءَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ النَّسَائِيّ سَوَاءً، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَخَذَ مِنْ الْعَسَلِ الْعُشْرَ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"3 حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ الدَّوْسِيُّ عَنْ مُنِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ الدَّوْسِيِّ، قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ عليه السلام، فَأَسْلَمْت، وَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لِقَوْمِي مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ، فَفَعَلَ، وَاسْتَعْمَلَنِي عَلَيْهِمْ، وَاسْتَعْمَلَنِي أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ النَّبِيِّ عليه السلام، وَاسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ، قَالَ: يَا قَوْمِ أَدُّوا زَكَاةَ الْعَسَلِ، فَإِنَّهُ لَا خَيْرَ فِي مَالٍ لَا يُؤَدَّى
زَكَاتُهُ، قَالُوا: كَمْ تَرَى؟، قُلْت: الْعُشْرُ، فَأَخَذْت مِنْهُمْ الْعُشْرَ، فَأَتَيْت بِهِ عُمَرَ رضي الله عنه، فَبَاعَهُ وَجَعَلَهُ فِي صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ1 أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، فَذَكَرَهُ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَتَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، فَقَالَ: عَنْ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ مُنِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ، انْتَهَى. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَعَبْدُ اللَّهِ وَالِدُ مُنِيرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: مُنِيرٌ هَذَا لَا نَعْرِفُهُ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَسُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالِدِ مُنِيرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، يَصِحُّ حَدِيثُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَمْ يَأْمُرْهُ بِأَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْعَسَلِ، وَأَنَّهُ شَيْءٌ رَآهُ، فَتَطَوَّعَ لَهُ بِهِ أَهْلُهُ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَيَّارَةَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ سَعِيدِ3 بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي سَيَّارَةَ الْمُتَعِيِّ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي نَحْلًا، قَالَ: "أَدِّ الْعُشُورَ"، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ احْمِهَا لِي، فَحَمَاهَا لِي، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي وُجُوبِ الْعُشْرِ فِيهِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلَتْ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى لَمْ يُدْرِكْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ شَيْءٌ يَصِحُّ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ التِّرْمِذِيِّ، وَذَكَرَهُ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى"، وَقَالَ عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي "الْكَمَالِ": أَبُو سَيَّارَةَ الْمُتَعِيُّ الْقَيْسِيُّ، قِيلَ: اسْمُهُ عَمِيرَةُ بْنُ الْأَعْلَمِ، رَوَى عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام حَدِيثًا فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ، وَلَيْسَ لَهُ سِوَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَمِنْ طَرِيقِهِ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مَسَانِيدِهِمْ" بِنَحْوِهِ. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْعَسَلِ حَتَّى يَبْلُغَ عَشْرَ قِرَبٍ، لِحَدِيثِ بَنِي سَيَّارَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَذَلِكَ،
قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ الْخَفَّافُ الْمِصْرِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ بَنِي سَيَّارَةَ بَطْنٌ مِنْ فَهْمٍ1 كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ": صَوَابُهُ بَنِي شَبَّابَةَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ، ثُمَّ أَلِفٌ، ثُمَّ بَاءٌ أُخْرَى قَالَ: وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ فَهْمٍ، ذَكَرَهُ فِي "تَرْجَمَةِ شَبَّابَةَ وَسَيَّابَةَ"، وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ هَذَا الْجَاهِلُ2: هَكَذَا فِي غَالِبِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ، لِحَدِيثِ بَنِي سَيَّارَةَ، وَهُوَ غَلَطٌ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِهَا أَبِي سَيَّارَةَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. قُلْت: كَيْفَ يَكُونُ هَذَا صَوَابًا مَعَ قَوْلِهِ: كَانُوا يُؤَدُّونَ، بَلْ الصَّوَابُ بَنِي سَيَّارَةَ] عَنْ نَحْلٍ3 كَانَ لَهُمْ الْعُشْرَ، مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةً، وَكَانَ يَحْمِي وَادِيَيْنِ لَهُمْ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه اسْتَعْمَلَ عَلَى مَا هُنَاكَ سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيَّ فَأَبَوْا أَنْ يُؤَدُّوا إلَيْهِ شَيْئًا، وَقَالُوا: إنَّمَا كُنَّا نُؤَدِّيهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَتَبَ سُفْيَانُ إلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: إنَّمَا النَّحْلُ ذُبَابُ غَيْثٍ يَسُوقُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رِزْقًا إلَى مَنْ يَشَاءُ، فَإِنْ أَدُّوا إلَيْك مَا كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاحْمِ لَهُمْ أَوْدِيَتَهُمْ، وَإِلَّا فَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ. فَأَدَّوْا إلَيْهِ مَا كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَمَى لَهُمْ أَوْدِيَتَهُمْ، انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"4 حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْخَذُ فِي زَمَانِهِ مِنْ الْعَسَلِ مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةً مِنْ أَوْسَطِهَا، انْتَهَى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1 عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّمِينِ عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "فِي الْعَسَلِ فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَزُقٍّ زِقٌّ"، انْتَهَى. وَقَالَ: فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرُ شَيْءٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِصَدَقَةَ هَذَا، وَضَعَّفَهُ عَنْ أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّمِينُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، وَقَالَ فِي صَدَقَةَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطبراني في "معجمه الوسط"، وَلَفْظُهُ: وَقَالَ: "فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ، فِي كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ شَيْءٌ"، انْتَهَى. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُرْوَى هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام حَكَمَ بِتَفَاوُتِ الْوَاجِبِ لِتَفَاوُتِ الْمُؤْنَةِ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"2 مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عن جابر مرفوعاً: "فيما سَقَتْ الْأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ"، انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو دَاوُد حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، بِلَفْظِ: "فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ بَعْلًا، الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي، أَوْ النَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ"، انْتَهَى. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ3 مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَدِينِيِّ ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَبُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَعَاصِمٌ هَذَا أَثْنَى عَلَيْهِ مَعْنُ بْنُ عِيسَى، فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَمَّا الْحَارِثُ هَذَا، فَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: هُوَ مَشْهُورٌ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَيُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ4 عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِمَّا سَقَتْ السَّمَاءُ، وَمَا سُقِيَ بَعْلًا الْعُشْرَ، وَمَا سُقِيَ بِالدَّوَالِي نِصْفَ
الْعُشْرَ، انْتَهَى. لِأَنَّ مَا خَفَّتْ مُؤْنَتُهُ وَعَمَّتْ مَنْفَعَتُهُ كَانَ أَحْمَلَ لِلْمُوَاسَاةِ، فَأَوْجَبَ فِيهِ الْعُشْرَ، تَوْسِعَةً عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَجَعَلَ فِيمَا كَثُرَتْ مُؤْنَتُهُ نِصْفَ الْعُشْرَ، رِفْقًا بِأَهْلِ الْأَمْوَالِ. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه جَعَلَ الْمَسَاكِنَ عَفْوًا، قُلْت: غَرِيبٌ، وَفِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"1 لِأَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه جَعَلَ الْخَرَاجَ عَلَى الْأَرَضِينَ الَّتِي تَغُلُّ مِنْ ذَوَاتِ الْحَبِّ وَالثِّمَارِ، وَاَلَّتِي تَصْلُحُ لِلْغَلَّةِ مِنْ الْعَامِرِ وَالْغَامِرِ، وَعَطَّلَ مِنْ ذَلِكَ الْمَسَاكِنَ، وَالدُّورَ الَّتِي هِيَ مَنَازِلُهُمْ، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِمْ فِيهَا شَيْئًا، انْتَهَى ذَكَرَهُ مِنْ غَيْرِ سَنَدٍ.
باب من تجوز دفع الصدقة إلية ومن لا يجوز
بَابٌ مَنْ يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَاتِ إلَيْهِ وَمَنْ لَا يَجُوزُ قَوْلُهُ: وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ يَعْنِي عَلَى سُقُوطِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْقُرْآنِ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: إنَّمَا كَانَتْ الْمُؤَلَّفَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه انْقَطَعَتْ، انْتَهَى. وَرَوَى الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ"3 فِي قوله تعالى: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى4 ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ: أَبُو سُفْيَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يربوع، ومن بني جُمَحَ: صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ: سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى: حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَمِنْ بَنِي هَاشِمٍ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَمِنْ بَنِي فَزَارَةَ: عُيَيْنَةُ بْنُ حُصَيْنِ بْنِ بَدْرٍ، وَمِنْ بَنِي تَمِيمٍ: الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَمِنْ بَنِي نَصْرٍ: مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ، وَمِنْ بَنِي سُلَيْمٍ: الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ، وَمِنْ ثَقِيفٍ: الْعَلَاءُ بْنُ حَارِثَةَ، أَعْطَى النَّبِيُّ عليه السلام كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِائَةَ نَاقَةٍ، إلَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَرْبُوعٍ، وَحُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى، فَإِنَّهُ أَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ، انْتَهَى. وَرَوَى أَيْضًا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ ثَنَا الْحُسَيْنُ ثَنَا هِشَامٌ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى عَنْ حِبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَقَدْ أَتَاهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حُصَيْنٍ: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}
يَعْنِي لَيْسَ الْيَوْمَ مُؤَلَّفَةٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمْ يَبْقَ فِي النَّاسِ الْيَوْمَ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ أَحَدٌ، إنَّمَا كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رضي الله عنه، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِمَذْهَبِنَا عَلَى سُقُوطِ الْمُؤَلَّفَةِ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ: صَدَقَةٌ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، قَالَ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَى التَّأْلِيفِ. قَوْلُهُ: وَفِي الرِّقَابِ أَنْ يُعَانَ الْمُكَاتَبُونَ مِنْهَا فِي فَكِّ رِقَابِهِمْ، قُلْت: رَوَى الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ"1 مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، أَنَّ مُكَاتَبًا قَامَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ حُثَّ النَّاسَ عَلَيَّ، فَحَثَّ عَلَيْهِ أَبُو مُوسَى، فَأَلْقَى النَّاسُ عَلَيْهِ: هَذَا يُلْقِي عِمَامَةً، وَهَذَا يُلْقِي مُلَاءَةً، وَهَذَا يُلْقِي خَاتَمًا، ختى أَلْقَى النَّاسُ عَلَيْهِ سَوَادًا كَثِيرًا، فَلَمَّا رَأَى أَبُو مُوسَى مَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ، قَالَ: اجْمَعُوهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَبِيعَ، فَأَعْطَى الْمُكَاتَبَ مُكَاتَبَتَهُ، ثُمَّ أَعْطَى الْفَضْلَ فِي الرِّقَابِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَى النَّاسِ، وَقَالَ: إنَّ هَذَا الَّذِي قَدْ أَعْطَوْهُ فِي الرِّقَابِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رضي الله عنه، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالُوا: {وَفِي الرِّقَابِ} هُمْ الْمُكَاتَبُونَ، انْتَهَى. وَاسْتَشْهَدَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ2، وَالْحَاكِمُ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي مِنْ الْجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُنِي عَنْ النَّارِ، قَالَ: "أَعْتِقْ النَّسَمَةَ، وَفُكَّ الرَّقَبَةَ"، قَالَ: أَوَ لَيْسَا وَاحِدًا؟ قَالَ: "لَا، عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تَفَرَّدَ بِعِتْقِهَا، وَفَكُّ الرَّقَبَةِ، أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا"، انْتَهَى. وَهَذَا لَيْسَ في الْمَقْصُودُ، فَإِنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ تَفْسِيرُ الْآيَةِ لَا تَفْسِيرُ الْفَكِّ، نَعَمْ، الْحَدِيثُ مُفِيدٌ فِي مَعْرِفَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْفَكِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ، لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ رَجُلًا جَعَلَ بَعِيرًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ الْحَاجَّ، قُلْت: اسْتَشْهَدَ لَهُ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أُمِّ مَعْقِلٍ، قَالَتْ: كَانَ لَنَا جَمَلٌ، فَجَعَلَهُ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إلَى أَنْ قَالَ: فَهَلْ أُخْرِجَتْ عَلَيْهِ، فإن الحج في سَبِيلِ اللَّهِ، مُخْتَصَرٌ، وَهَذَا لَا يُغْنِي، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَفْسِيرُ قوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، وَأَيْضًا فَلَفْظُ الْحَدِيثِ لَا يَمْنَعُ دُخُولَ الغزاة في الحاج، وَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ الْحَصْرِ، وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ، فَلَا يَكْفِي فِي الْمَقْصُودِ، وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 فِي "كِتَابِ الْحَجِّ فِي بَابِ الْعُمْرَةِ" عَنْ
إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَسُولُ مَرْوَانَ الَّذِي أُرْسِلَ إلَى أُمِّ مَعْقِلٍ، قَالَتْ: كَانَ أَبُو مَعْقِلٍ حَاجًّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَتْ أُمُّ مَعْقِلٍ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ عَلَيَّ حَجَّةً، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ حَتَّى دَخَلَا عَلَيْهِ، قَالَ: فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عَلَيَّ حَجَّةً، وَإِنَّ لِأَبِي مَعْقِلٍ بَكْرًا، قَالَ أَبُو مَعْقِلٍ: جَعَلْتُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعْطِهَا فَلْتَحُجَّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، فَأَعْطَاهَا الْبَكْرَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"1، وَمِنْ طَرِيقِهِ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ فِيهِ رَجُلًا مَجْهُولًا، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَلَفْظُ الْحَاكِمِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ: أَرْسَلَ مَرْوَانُ إلَى أُمِّ مَعْقِلٍ يَسْأَلُهَا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَحَدَّثَتْ أَنَّ زَوْجَهَا جَعَلَ بَكْرًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَنَّهَا أَرَادَتْ الْعُمْرَةَ، فَسَأَلَتْ زَوْجَهَا الْبَكْرَ، فَأَبَى عَلَيْهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا، وَقَالَ: "إنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لَمِنْ سَبِيلِ اللَّهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، يُقَالُ لَهَا: أُمُّ مَعْقِلٍ بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مَعْقِلٍ أَنَّهُ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنَّ أُمَّ مَعْقِلٍ جَعَلَتْ عَلَيْهَا حَجَّةً، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْقِلِ بْنِ أُمِّ مَعْقِلٍ الْأَسَدِيِّ أَسَدُ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ مَعْقِلٍ، قَالَتْ: لَمَّا حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ، فَجَعَلَهُ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَصَابَنَا مَرَضٌ، وَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ عليه السلام، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ جِئْتُهُ، فَقَالَ: "يَا أُمَّ مَعْقِلٍ مَا مَنَعَك أَنْ تَخْرُجِي مَعَنَا؟ " قَالَتْ: لَقَدْ تَهَيَّأْنَا فَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ، وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ هُوَ الَّذِي نَحُجُّ عَلَيْهِ، فَأَوْصَى بِهِ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: "فَهَلَّا خَرَجْت عَلَيْهِ؟ فَإِنَّ الْحَجَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَمَّا إذَا فَاتَتْك هَذِهِ الْحَجَّةِ مَعَنَا فَاعْتَمِرِي فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّهَا الْحَجَّةُ" 2، وَرَوَاهُ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَّ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا: أَحِجَّنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمَلِك، فَقَالَ: مَا عِنْدِي مَا أُحِجَّكِ عَلَيْهِ، قَالَتْ: أَحِجَّنِي عَلَى جَمَلِك فلان، قال: ذاك حَبِيسٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَمَا إنَّك لَوْ حججتها عَلَيْهِ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، مُخْتَصَرٌ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ ثَنَا حُمَيْدٍ بْنُ مَسْعَدَةَ ثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْقِلٍ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ مَعْقِلٍ، قَالَتْ: مَاتَ أَبُو مَعْقِلٍ، وَتَرَكَ بَعِيرًا جَعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،
فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا مَعْقِلٍ هَلَكَ، وَتَرَكَ بَعِيرًا جَعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَلَيَّ حَجَّةٌ، فَقَالَ: "يَا أُمَّ مَعْقِلٍ حُجِّي عَلَى بَعِيرِك، فَإِنَّ الْحَجَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي الطَّاهِرِ بْنِ السَّرْحِ1: ثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ ثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي طَلِيقٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: طَلَبَتْ مِنِّي أُمُّ طَلِيقٍ جَمَلًا تَحُجُّ عَلَيْهِ، فَقُلْت: قَدْ جَعَلْتُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: لَوْ أَعْطَيْتَنِيهِ لَكَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَسَأَلْت النَّبِيَّ عليه السلام، فَقَالَ: "صَدَقَتْ، لَوْ أَعْطَيْتَهَا، لَكَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَنَّ الْعُمْرَةَ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ بِهِ. قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي ذَهَبْنَا إلَيْهِ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَعْنِي جَوَازَ الِاقْتِصَارِ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ، قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَحَدِيثُ عُمَرَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2، وَرَوَى الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ" فِي هَذِهِ الْآيَةِ3 أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَةَ، قَالَ: فِي أَيِّ صِنْفٍ وَضَعْته أَجْزَأَك، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ4 عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الْآيَةَ، قَالَ: أَيُّمَا صِنْفٍ5 أَعْطَيْته مِنْ هَذَا أَجْزَأَ عَنْك، انْتَهَى. ثَنَا حَفْصٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْفَرْضَ فِي الصَّدَقَةِ، فَيَجْعَلُهُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ، انْتَهَى. وَرُوِيَ أَيْضًا6 عَنْ الْحَجَّاجِ بن أرطاة عن المهال بْنِ عَمْرٍو عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا وَضَعْتهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَك، انْتَهَى. وَأُخْرَجَ نَحْوَ ذَلِكَ7 عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ8، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، قَالَ: وَالْفُقَرَاءُ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَاهُمْ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"9: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَتَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَالٌ فَجَعَلَهُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ سِوَى صِنْفِ الْفُقَرَاءِ، وَهُمْ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ: الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وعيينة بن حصين، وَعَلْقَمَةُ
بْنُ عُلَاثَةَ، وَزَيْدُ الخيل، قَسَمَ فِيهِمْ الذَّهَبِيَّةَ الَّتِي بَعَثَ بِهَا إلَيْهِ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ الصَّدَقَةُ، ثُمَّ أَتَاهُ مَالٌ آخَرُ، فَجَعَلَهُ فِي صِنْفٍ آخَرَ، وَهُمْ الْغَارِمُونَ، فَقَالَ لِقَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ، حِينَ أَتَاهُ وَقَدْ تَحَمَّلَ حَمَالَةً: يَا قَبِيصَةَ أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَك بِهَا، وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ1 بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ أَنَّهُ أَمَرَ لَهُ بِصَدَقَةِ قَوْمِهِ، وَلَوْ وَجَبَ صَرْفُهَا إلَى جَمِيعِ الْأَصْنَافِ لَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا إلَى وَاحِدٍ، وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه، فَالْمُرَادُ بِهَا بَيَانُ الْأَصْنَافِ الَّتِي يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَكَذَا الْمُرَادُ بِآيَةِ الْغَنِيمَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام لِمُعَاذٍ: "خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ"،قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"2 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: "إنَّك تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَادْعُهُمْ إلى شهادة لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ , فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ , فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا"، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"3 حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَصَدَّقُوا إلَّا عَلَى أَهْلِ دِينِكُمْ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْك هُدَاهُمْ} إلَى قَوْلِهِ: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إلَيْكُمْ} فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ سَالِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: كَرِهَ النَّاسُ أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْك هُدَاهُمْ} قَالَ: فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى. وَهَذَانِ مُرْسَلَانِ، وَرَوَى أَبُو أَحْمَدَ بْنُ زَنْجُوَيْهِ4 النَّسَائِيّ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ": حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقَ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ الْيَهُودِ بِصَدَقَةٍ، فَهِيَ تَجْرِي عَلَيْهِمْ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ حَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم. فَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ رَيْحَانَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ، سَوِيٍّ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَعْدٍ بِهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ2 عَنْ سَعْدٍ، فَلَمْ يَرْفَعْهُ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَرَيْحَانُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: شَيْخٌ مَجْهُولٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ أَعْرَابِيًّا صَدُوقًا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ3، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، قَالَ: سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4 عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَشَاهِدُهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، ثُمَّ رَوَاهُ بِسَنَدِ السُّنَنِ. وَسَكَتَ عَنْهُ. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وَالصَّوَابُ حَدِيثُ إسْرَائِيلَ، وَقَدْ تَابَعَ إسْرَائِيلَ عَلَى رِوَايَتِهِ أَبُو حُصَيْنٍ، فَرَوَاهُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْحَاكِمِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ حَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ: فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ1 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ حَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ السَّلُولِيِّ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَقَدْ أَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ فَسَأَلَهُ رِدَاءَهُ، فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ، قَالَ: "إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ"، مُخْتَصَرٌ. وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ الْوَازِعِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةٌ، فَرَكِبَهُ النَّاسُ، فَقَالَ: "إنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِصَحِيحٍ سَوِيٍّ، وَلَا لِعَامِلٍ قَوِيٍّ"، انْتَهَى. وَالْوَازِعُ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ عَلَى قِلَّةِ رِوَايَتِهِ، وَيُشْبِهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْهَا، بَلْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَتِهِ لِكَثْرَةِ وَهْمِهِ. فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ فِي "تَارِيخِ جُرْجَانَ" مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ حَاتِمٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ بَهْرَامَ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْحَةَ: فَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ الثَّقَفِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ غَيْرَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ يَعْلَى3، وَضَعَّفَهُ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَلَيَّنَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَوَثَّقَهُ عَنْ شُعْبَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الضُّعَفَاءِ الَّذِينَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُمْ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"4 حَدَّثَنَا أحمد بن رشدين ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام نَحْوَهُ، سَوَاءً.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ، سَوَاءً، وَأَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ، وَضَعَّفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَضَعَّفَ أَيْضًا ابْنَ الْبَيْلَمَانِيِّ. حَدِيثٌ آخَرُ فِي الْبَابِ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عدي بن الخباز، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ عليه السلام فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهُوَ يَقْسِمُ الصَّدَقَةَ، فَسَأَلَاهُ، فَرَفَعَ فِينَا الْبَصَرَ وَخَفَضَهُ فَرَآنَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ: "إنْ شِئْتُمَا أعطيتكما، ولاحظ فِيهِمَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مكتسب"، انتهى2. وقال صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: مَا أَجْوَدَهُ مِنْ حَدِيثٍ، هُوَ أَحْسَنُهَا إسْنَادًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ لِلشَّافِعِيِّ: رضي الله عنه فِي تَخْصِيصِهِ غَنِيَّ الْغُزَاةِ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد3، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، إلَّا لِخَمْسَةٍ: الْعَامِلِ عَلَيْهَا. أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ. أَوْ غارم. أو غازي فِي سَبِيلِ اللَّهِ. أَوْ مِسْكِينٍ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا، فَأَهْدَاهَا لِغَنِيٍّ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدٍ، كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ، وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الثَّبْتُ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: حَدِيثُ مُعَاذٍ رضي الله عنه، قُلْت: تَقَدَّمَ قَرِيبًا. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام لِامْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ سَأَلَتْهُ عَنْ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ: "لَك أَجْرَانِ: أَجْرُ الصَّدَقَةِ. وَأَجْرُ الصِّلَةِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ4
إلَّا أَبَا دَاوُد عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا مَعَاشِرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ" قَالَتْ: فَرَجَعْت إلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقُلْت: إنَّك رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ، فَأْتِهِ فَاسْأَلْهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنِّي، وَإِلَّا صَرَفْتُهَا إلَى غَيْرِكُمْ، قَالَتْ: فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ: بَلْ ائْتِيهِ، أَنْتِ، قَالَتْ: فَانْطَلَقَتْ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِبَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتِي حَاجَتُهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ، قَالَتْ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلَالٌ رضي الله عنه، فَقُلْنَا لَهُ: أَخْبِرْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ بِالْبَابِ تَسْأَلَانِك: أَتُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا، وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا، وَلَا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ، قَالَتْ: فَدَخَلَ بِلَالٌ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَنْ هُمَا؟ " قَالَ: امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَزَيْنَبُ، قَالَ: "أَيُّ الزَّيَانِبِ؟ " قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَهُمَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ"، انْتَهَى. وَوَهِمَ الْحَاكِمُ، فَرَوَاهُ فِي آخِرِ "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وقولهما: أتجزئ: يدل على زَكَاةِ الْفَرْضِ لَا التَّطَوُّعِ، لِأَنَّ لَفْظَ الْإِجْزَاءِ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاجِبِ، انْتَهَى. وَضَعَّفَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" الِاسْتِدْلَالَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ، بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: قَالَ: إنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا بَيْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، وَزَيْنَبَ، وَبَيْنَهُمَا ابْنُ أَخِي زَيْنَبَ، هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَلِيِّ بْنِ السَّكَنِ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ أَخِي زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زَيْنَبَ، فَذَكَرَهُ. قُلْت: الْإِسْنَادَانِ عِنْدَ النَّسَائِيّ فِي "عِشْرَةِ النِّسَاءِ"، وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ1 فِي "الزَّكَاةِ". الثَّانِي: قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ زَيْنَبَ سَمِعَتْهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَعْنِي قَوْلَهُ: "لَهُمَا أَجْرَانِ"، إلَخْ. وَلَا أَخْبَرَهَا بِلَالٌ بِهِ، لَكِنْ ظَهَرَ أَنَّ زَيْنَبَ سَمِعَتْهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ2، رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ
بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ، فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَوَعَظَ النَّاسَ، وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ، ثُمَّ مَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ لَهُنَّ: "تَصَدَّقْنَ"، فَلَمَّا انْصَرَفَ، وَصَارَ إلَى مَنْزِلِهِ جاءته امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّك الْيَوْمَ أَمَرْتَنَا بِالصَّدَقَةِ، وَعِنْدِي حُلِيٌّ لِي، فَأَرَدْت أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ هُوَ وَوَلَدُهُ أَحَقُّ مَنْ تُصُدِّقَ1 بِهِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ عليه السلام: "صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، زَوْجُك وَوَلَدُك أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيْهِمْ"، انْتَهَى. الثَّالِثُ: قَالَ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ خَاصٍّ بِهَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ، فَإِنْ حَكَمَ لِغَيْرِهِمَا بِمِثْلِ ذَلِكَ فَمِنْ دَلِيلٍ آخَرَ، لَا مِنْ نَفْسِ الْخَبَرِ، انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا. الْحَدِيثُ الْأَرْبَعُونَ: قَالَ عليه السلام: "يَا بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ غُسَالَةَ النَّاسِ، وَأَوْسَاخَهُمْ وَعَوَّضَكُمْ مِنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى مُسْلِمٌ2 فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ مَرْفُوعًا: "إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ، وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ"، الْحَدِيثَ. وَأَوَّلُهُ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: اجْتَمَعَ أَبِي رَبِيعَةُ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَا: لَوْ بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ، قَالَا لِي، وَلِلْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّرَهُمَا عَلَى هَذِهِ فَأَدَّيَا مَا يُؤَدِّي النَّاسُ، وَأَصَابَا مِمَّا يُصِيبُ النَّاسُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَرْسِلُوهُمَا، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ، وَأَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ، وَأَوْصَلُ النَّاسِ، وَجِئْنَاك
لِتُؤَمِّرَنَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ، فَنُؤَدِّيَ إلَيْك كَمَا يُؤَدِّي النَّاسُ، وَنُصِيبَ كَمَا يُصِيبُونَ، قَالَ: فَسَكَتَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: "إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ، إنَّمَا هِيَ أوساخ الناس"، أدعو إلَيَّ مَحْمِيَّةَ بْنَ جَزْءٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى الْأَخْمَاسِ، وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَتَيَاهُ، فَقَالَ لِمَحْمِيَّةَ: أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَك لِلْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ فَأَنْكَحَهُ، وَقَالَ لِنَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ: أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَك لِي، فَأَنْكَحَنِي، وَقَالَ لِمَحْمِيَّةَ: أَصْدِقْ عَنْهُمَا مِنْ الْخُمُسِ: كَذَا وَكَذَا، مُخْتَصَرٌ، تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمٌ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"1 حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْت أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ حَنَشٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُخْتَصَرَةً، وَفِي آخِرِهِ: فَقَالَ لَهُمَا عليه السلام: "إنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْءٌ، إنَّمَا هِيَ غُسَالَةُ الْأَيْدِي، وَإِنَّ لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ لَمَا يُغْنِيكُمْ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ خَصِيفٍ3 عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ، فَجَعَلَ لَهُمْ خُمُسَ الْخُمُسِ، انتهى. ورواه الطبراني فِي "تَفْسِيرِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ بِهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْلُ بَيْتِهِ لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ، فَجَعَلَ لَهُمْ خُمُسَ الْخُمُسِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّ مَوْلًى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ، أَتَحِلُّ لِي الصَّدَقَةُ؟ فَقَالَ: "لَا، أَنْتَ مَوْلَانَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي، فَإِنَّك تُصِيبُ مِنْهَا، قَالَ: حَتَّى آتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ، فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: "مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، انْتَهَى. وَأَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمُهُ: أَسْلَمُ، وَابْنُ أَبِي رَافِعٍ اسْمُهُ: عُبَيْدُ اللَّهِ، وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، انْتَهَى. بَقِيَّةُ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ، "وَمَوْلَى الْقَوْمِ
مِنْ أَنْفُسِهِمْ فِي "الصَّحِيحِ"1 عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، وَرَوَى أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"2 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: أَتَيْت أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّدَقَاتِ، فَرَدَّتْهُ، وَقَالَتْ: حَدَّثَنِي مولى لرسول الله صلى، يُقَالُ لَهُ: مِهْرَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّا آلُ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ، وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ عليه السلام فِي حَقِّ يَزِيدَ، وَابْنِهِ معين: "يَا يَزِيدُ لَك مَا نَوَيْت، وَيَا مَعْنُ لَك مَا أَخَذْت" حِينَ دَفَعَ إلَى مَعْنٍ وَكِيلُ أَبِيهِ يَزِيدَ صَدَقَتَهُ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 عَنْ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: بَايَعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا، وَأَبِي، وَجَدِّي، وَخَطَبَ عَلِيٌّ، فَأَنْكَحَنِي، وَخَاصَمْت إلَيْهِ، وَكَانَ أَبِي يَزِيدُ قَدْ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا، فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَجِئْتُ، فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا إيَّاكَ أَرَدْتُ، فَخَاصَمْتُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "لَك مَا نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ، وَلَك مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ"، انْتَهَى. انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَلَمْ يُخَرِّجْ لمعن غَيْرَهُ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَاهُ4 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا في زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا في يد غني، فأسبحوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ. وَعَلَى زَانِيَةٍ. وَعَلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ، فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُك عَلَى سَارِقٍ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ، فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الْغَنِيُّ، فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ، فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ.
باب صدقة الفطر
بَابٌ صَدَقَةُ الْفِطْرِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، وَيُقَالُ لَهُ: ابْنُ أَبِي صُعَيْرٍ الْعُذْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، صَغِيرٍ أو كبير صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. قُلْت: رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَلَهُ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: رِوَايَةُ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدرابجردي ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ ثَنَا هَمَّامٌ ثَنَا بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ "ح" وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ ثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ2 الْمُنْقِرِيُّ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ أَنَّ الزُّهْرِيَّ حَدَّثَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا، فَأَمَرَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ: صَاعَ تَمْرٍ، أَوْ صَاعَ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ، زَادَ عَلِيٌّ فِي حَدِيثِهِ: أَوْ صَاعَ بُرٍّ، أَوْ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ اتَّفَقَا: عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ خَطِيبًا، فَأَمَرَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ، أَوْ صَاعَ قَمْحٍ، انْتَهَى. الْوَجْهُ الثَّانِي: رِوَايَةُ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُد أَيْضًا3، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ4، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْعَتَكِيُّ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: مُسَدَّدٌ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، أَوْ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَاعٌ مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ5 عَلَى كُلِّ اثْنَيْنِ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللَّهُ، وَأَمَّا فَقِيرُكُمْ، فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ لِلَّهِ، زَادَ سُلَيْمَانُ فِي حَدِيثِهِ: غَنِيٍّ، أَوْ فَقِيرٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
رحمه الله عَنْ إسْحَاقَ بْنِ أَبِي إسْرَائِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ مَرْفُوعًا: أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، إلَى آخِرِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ، قَالَ: أَدُّوا عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ: صَاعًا مِنْ بُرٍّ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، إلَى آخره، ثم أخرجه عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، بِنَحْوِ رِوَايَةِ يَزِيدَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَالَ: بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: رِوَايَةُ ابْنِ جُرْجَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، فَأَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ جُرْجَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ، فَقَالَ: "إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مُدَّانِ مِنْ بُرٍّ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ، أَوْ صَاعٌ مِمَّا سِوَاهُ مِنْ الطَّعَامِ"، انْتَهَى. وَيَحْيَى بْنُ جُرْجَةَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وفرعة بْنُ سُوَيْد، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ شَيْخٌ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: رِوَايَةُ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ1، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ، فَقَالَ: "أَدُّوا صَاعًا مِنْ بُرٍّ، أَوْ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ قَوِيٌّ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: رِوَايَةُ بَحْرِ بْنِ كَنِيزٍ السَّقَّاءِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "كِتَابِهِ الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ" عَنْ بَحْرِ بْنِ كثير حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ3 أَكْثَرُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَذْكُرُوا أَبَاهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": هَذَا حَدِيثٌ اُخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ، أَمَّا سَنَدُهُ، فَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ النُّعْمَانُ4 بْنُ رَاشِدٍ عَنْهُ
عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ بَكْرُ بْنِ وَائِلٍ1 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، وَقِيلَ: عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقِيلَ: عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقِيلَ: عَنْ عُقَيْلٍ، وَيُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ2 عَنْ سَعِيدٍ مُرْسَلًا، ورواه معمر على الزُّهْرِيِّ3 عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وَأَمَّا اخْتِلَافُ مَتْنِهِ فَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ4 عَنْ الزُّهْرِيِّ: صَاعٌ مِنْ قَمْحٍ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ5 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ: صَاعٌ مِنْ قَمْحٍ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ، وَفِي حَدِيثِ الْبَاقِينَ: نِصْفُ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ، قَالَ: وَأَصَحُّهَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَحَاصِلُ مَا يُعَلَّلُ بِهِ هَذَا الْحَدِيثُ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: الِاخْتِلَافُ فِي اسْمِ أَبِي صُعَيْرٍ، فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُسَدَّدٍ ثَعْلَبَةُ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، وَمِنْ جِهَتِهِ أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، أَوْ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا عَنْ أَبِي داود رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ الْمُتَقَدِّمَةِ , ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , أَوْ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ عَلَى الشَّكِّ , وَعِنْدَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، وَفِيهِ الْجَزْمُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ لَمْ يُسَمِّهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ بَكْرٍ أَنَّ الزُّهْرِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ ثَعْلَبَةَ، قَالَ نَحْوَهُ يَعْنِي نَحْوَ حَدِيثِ مُسَدَّدٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ عَقِيبَهُ، وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ، فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ مِنْ رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ راشد الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: صَدَقَةُ الْفِطْرِ صَاعٌ مِنْ بُرٍّ، أَوْ قَمْحٍ، عَنْ كُلِّ رَأْسٍ، كَذَا فِي النُّسْخَةِ الْعَتِيقَةِ الصَّحِيحَةِ، وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد6 عَنْ مُسَدَّدٍ فِيهَا: أَدُّوا صَاعًا مِنْ بُرٍّ، أَوْ قَمْحٍ عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ
بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادٍ الْجَزْمُ بِثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَالْجَزْمُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فِي رِوَايَةِ بَحْرِ بْنِ كَنِيزٍ، كَمَا تَقَدَّمَ، عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَالشَّكُّ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حَمَّادٍ فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، أَوْ عَنْ ثَعْلَبَةَ عَنْ أَبِيهِ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا1. الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ: الِاخْتِلَافُ فِي اللَّفْظِ، فَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: "أَدُّوا صَاعًا مِنْ قَمْحٍ"، الْحَدِيثَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِرِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَالَ: بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُسَدَّدٍ: صَاعٌ مِنْ بُرٍّ، أَوْ قَمْحٍ، عَلَى كُلِّ اثْنَيْنِ. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ أَحْمَدَ بْنِ دَاوُد الْمَكِّيِّ عَنْ مُسَدَّدٍ حدثنا حماد بن زييد بِهِ عَنْ ابْنِ ثَعْلَبَةَ3 بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: "أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ قَمْحٍ، عَنْ كُلِّ رَأْسٍ"، الْحَدِيثَ. وَفِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، قِيلَ: عَنْ كُلِّ رَأْسٍ، وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": إنَّمَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ، أَوْ كُلِّ إنْسَانٍ، هَكَذَا رِوَايَةُ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، لَمْ يُقِمْ الْحَدِيثَ غَيْرُهُ، قَدْ أَصَابَ الْإِسْنَادَ وَالْمَتْنَ، قَالَ الشَّيْخُ: وَيُمْكِنُ أَنْ تُحَرَّفَ: رَأْسٌ، إلَى اثْنَيْنِ، وَلَكِنْ يُبْعِدُ هَذَا بَعْضُ الرِّوَايَاتِ، كَالرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا: صَاعُ بُرٍّ، أَوْ قَمْحٍ، بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ صَاحِبُ "تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ" بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا الِاخْتِلَافَ: وَقَدْ رُوِيَ عَلَى الشَّكِّ فِي الِاثْنَيْنِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ4: حَدَّثَنَا عَفَّانَ، قَالَ: سَأَلْت حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ عَنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، فَحَدَّثَنِي عَنْ نُعْمَانَ بْنِ رَاشِدٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَدُّوا صَاعًا مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ"، وَشَكَّ حَمَّادٌ: عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ، أَمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللَّهُ، وَأَمَّا فَقِيرُكُمْ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ اللَّهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِي، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: قَالَ مُهَنَّا: ذَكَرْت لِأَحْمَدَ حَدِيثَ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيحٍ، إنَّمَا هُوَ مُرْسَلٌ، يَرْوِيهِ مَعْمَرٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا، قُلْت: مِنْ قِبَلِ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، وَضَعَّفَ حَدِيثَ ابْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، وَسَأَلْته عَنْ ابْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، أَهُوَ مَعْرُوفٌ؟ فَقَالَ: وَمَنْ يَعْرِفُ ابْنَ أَبِي صُعَيْرٍ؟ لَيْسَ هُوَ مَعْرُوفٌ، وَذَكَرَ أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ بْنَ أَبِي صُعَيْرٍ، فَضَعَّفَاهُ جَمِيعًا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ دُونَ الزُّهْرِيِّ مَنْ يَقُومُ بِهِ
الْحُجَّةُ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ: مُعَاوِيَةُ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ ضَعِيفٌ، وَقَالَ عَبَّاسٌ عَنْهُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِيهِ: مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: فِي حَدِيثِهِ وَهْمٌ كَثِيرٌ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ صَدُوقٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ، قَدْ احْتَمَلَهُ النَّاسُ، رَوَى عَنْهُ الثِّقَاتُ، مِثْلُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، وَوُهَيْبِ بْنِ خَالِدٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الثِّقَاتِ، وَلَهُ نُسْخَةٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي "تَهْذِيبِ الْكَمَالِ": عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ: وَيُقَالُ: ابْنُ أَبِي صُعَيْرٍ الْعُذْرِيِّ، أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ الشَّاعِرُ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَيُقَالُ: ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صُعَيْرٍ، وَأُمُّهُ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ زَمَنَ الْفَتْحِ، وَدَعَا لَهُ، رَوَى عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، وَعَنْ أَبِيهِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم، رَوَى عَنْهُ سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ، أَخُو الزُّهْرِيِّ: وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ ابْنُ أُخْتٍ لَنَا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَ أَبُو ثَعْلَبَةَ1 بْنُ صُعَيْرٍ شَاعِرًا، كَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ2 بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ الْعُذْرِيُّ ابْنُ عَمِّ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، قِيلَ: إنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقِيلَ: بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ، وَقِيلَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ فِي وَفَاتِهِ، وَسِنِّهِ غَيْرُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ": عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، يُكَنَّى: بِأَبِي مُحَمَّدٍ، وَقَدْ رَأَى النَّبِيَّ عليه السلام صَغِيرًا، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، قَالَ: أَنَا أَعْقِلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ مَسَحَ رَأْسِي، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ هَذَا عَلَى أَصْلِ وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، لَا عَلَى مِقْدَارِ الْوَاجِبِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى مِقْدَارِ الْوَاجِبِ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ مِنْهَا: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ3 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا:
إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ: صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَجَعَلَ لِلنَّاسِ عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ سَيَّارِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ، وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي رُوَاتِهِ مَجْرُوحٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": لَمْ يُخْرِجْ الشَّيْخَانِ لِأَبِي يَزِيدَ، وَلَا لِسَيَّارٍ شَيْئًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2 عَنْ دَاوُد بْنِ شَبِيبٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ السَّعْدِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ صَارِخًا بِبَطْنِ مَكَّةَ يُنَادِي: "إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، حَاضِرٍ أَوْ بَادٍ: مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ"، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنهم أَنَّ بَعْضَ الْبَادِيَةِ جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ عَلَيْنَا زَكَاةُ الْفِطْرِ، فَقَالَ: "هِيَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ، أَوْ أَقِطٍ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَفِي إسْنَادِهِ بَعْضُ مَنْ يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ حَالِهِ، انْتَهَى. وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تَمْنَعُ تَأْوِيلَ الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ فِي "الصَّحِيحِ" بِالْفَرْضِ التَّقْدِيرِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى"، قُلْت: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ3" حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ" وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ
فِي "صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا فِي كِتَابِ الْوَصَايَا"1 فَقَالَ: وَقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: "لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى"، انْتَهَى. وَهُوَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"2 بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ3 مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ مَرْفُوعًا: أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَوْ خَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، الْحَدِيثَ. قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"4 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَيُؤَدِّي الْمُسْلِمُ الْفِطْرَةَ عَنْ عَبْدِهِ الْكَافِرِ، لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَإِلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا، فَإِنَّ لَفْظَ الْكِتَابِ لَيْسَ فِيهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ" الْحَدِيثَ. قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ: الْمَجُوسِيِّ، عَنْ سَلَّامٍ الطَّوِيلِ عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، نِصْفَ صَاعٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ سَلَّامٍ الطَّوِيلِ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ"، وَقَالَ: زِيَادَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ فِيهِ مَوْضُوعَةٌ، انْفَرَدَ بِهَا سَلَّامٍ الطَّوِيلُ، وَكَأَنَّهُ تَعَمَّدَهَا، وَأَغْلَظَ فِيهِ الْقَوْلَ عَنْ النَّسَائِيّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَقَالَ فِي "التَّحْقِيقِ": قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ جِدًّا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ، كأنه كان المتعمد لها، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ5، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ
بْنِ زرارة، حدثنا عمير الْهَمْدَانِيُّ ثَنَا الْأَبْيَضُ بْنُ الْأَغَرِّ حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّنْ تَمُونُونَ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَفَعَهُ الْقَاسِمُ هَذَا، وَهُوَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": الْقَاسِمُ وَعُمَيْرٌ لَا يُعْرَفَانِ بِجَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ، وَكِلَاهُمَا مِنْ أَوْلَادِ الْمُحَدِّثِينَ، فَإِنَّ وَالِدَ الْقَاسِمِ مَشْهُورٌ1 بِالْحَدِيثِ، وَجَدُّ عُمَيْرٍ هُوَ أبو العريف الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ مَشْهُورٌ، وَالْأَبْيَضُ بْنُ الْأَغَرِّ لَهُ مَنَاكِيرُ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ": الْأَبْيَضُ بْنُ الْأَغَرِّ بْنِ الصَّبَّاحِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَلَمْ يُعَرِّفْ بِحَالِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ عُمَيْرَ بْنَ عَمَّارٍ، وَفِي الْإِسْنَادِ مَنْ يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ حَالِهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ رواه الدارقطني2، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الرِّضَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ آبَائِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِنَحْوِهِ، وَهُوَ مُرْسَلٌ، فَإِنَّ جَدَّ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى هُوَ جَعْفَرُ الصَّادِقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهم، وَجَعْفَرٌ لَمْ يُدْرِكْ الصَّحَابَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ الشَّيْخَانِ3، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ": يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ رِوَايَةِ أَوْلَادِهِ عَنْهُ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ وَلَدِهِ مَنَاكِيرَ كَثِيرَةً. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، وَزَادَ: صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه4، وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ أَنْبَأَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَالْأَوَّلُ مُنْقَطِعٌ، لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُعَضِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَالْإِجْمَاعُ، انْتَهَى. وَهَذَا الِانْقِطَاعُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَجَدِّ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي "الْإِمَامِ": وَقَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْمُخْرَجِ عَنْهُ بِلَفْظِ عَلَى، وَعَنْ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْوُجُوبِ، فَحَدِيثُ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، مَرْوِيٌّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَيَحْيَى بْنِ عُمَرَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَالضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، فَرِوَايَةُ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي "الصَّحِيحَيْنِ"5 بِلَفْظِ: عَلَى كُلِّ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ، وَرِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ اخْتَلَفَتْ، فَهِيَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"6 بِلَفْظِ: عَلَى كُلِّ عَبْدٍ،
أَوْ حُرٍّ، وَهِيَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظِ عَنْ وَكَذَلِكَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَرِوَايَةُ أَيُّوبَ أَيْضًا فِي مُسْلِمٍ بِلَفْظَةِ عَلَى وَرِوَايَةُ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ أَيْضًا عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظَةِ عَلَى وَرِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ بِاللَّفْظَيْنِ، قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله: وَقَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى هَذَا الْمَقَامِ أَيْضًا بِحَدِيثِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَدَقَةَ عَلَى الرَّجُلِ فِي فَرَسِهِ، وَلَا فِي عَبْدِهِ، إلَّا زَكَاةَ الْفِطْرِ"، رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1، وَأَمَّا لَفْظُ مُسْلِمٍ فِي "صَحِيحِهِ"2: لَيْسَ فِي الْعَبْدِ صَدَقَةٌ، إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ، فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ، انْتَهَى. الْآثَارُ: أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ رحمه الله فِي "الْمُشْكِلِ"3 عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ يُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ، يَعُولُ: مِنْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ وَلَوْ كَانَ نَصْرَانِيًّا مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ ابْنِ لَهِيعَةَ يَصْلُحُ لِلْمُتَابَعَةِ، سِيَّمَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ. أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: يُخْرِجُ الرَّجُلُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ مَمْلُوكٍ لَهُ، وَإِنْ كَانَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا. أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، ذَكَرٍ وَأُنْثَى، كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ، حَتَّى إنْ كَانَ لَيُخْرِجَ عَنْ مُكَاتَبِيهِ مِنْ غِلْمَانِهِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَعُثْمَانُ هَذَا هُوَ الْوَقَّاصِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: رَوَى الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ5 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ، عَلَى كُلِّ النَّاسِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا6: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَقَدْ اُشْتُهِرَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ رضي الله عنه، حَتَّى قِيلَ:
إنَّهُ تَفَرَّدَ بِهَا، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ لَيْسَ أَحَدٌ يَقُولُ فِيهِ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ، غَيْرَ مَالِكٍ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ لَهُ: زَادَ فِيهِ مَالِكٌ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ نَافِعٍ، فَلَمْ يَقُولُوا فِيهِ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. قَالَ: فَمِنْهُمْ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَحَدِيثُهُ أَيْضًا عِنْدَ مُسْلِمٍ1، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، كُلُّهُمْ يَرْوُونَهُ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ، فَلَمْ يَقُولُوا فِيهِ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: وَتَبِعَهَا عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ جَمَاعَةٌ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ2، فَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ مِنْ الثِّقَاتِ سَبْعَةٌ، إلَّا أَنَّ فِيهِمْ مَنْ مُسَّ، وَهُمْ: عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، وَالْمُعَلَّى بْنُ إسْمَاعِيلَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَكَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ. فَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، وَصَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ: عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ الْمُعَلَّى بْنِ إسْمَاعِيلَ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ3 عَنْهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: ثُمَّ إنَّ النَّاسَ جَعَلُوا عِدْلَ ذَلِكَ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4 عَنْهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَالطَّحَاوِيُّ فِي "مُشْكِلِهِ".
وَحَدِيثُ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "زَكَاةُ الْفِطْرِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، حُرٍّ وَعَبْدٍ، ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِنَحْوِهِ، سَوَاءً، قَالَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ": رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ، فَقَالَ فِيهِ: عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، فَقَالَ فِيهِ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، لَيْسَ فِيهِ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. قُلْت: هَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، وَلَيْسَ فِيهِ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَحَدِيثُ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ: أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "مُشْكِلِهِ"3 عَنْهُ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخُصُومِ: وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" أَيْضًا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ4 عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ سَيَّارِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، قَالَ الشَّيْخُ: وَلَمْ يُخْرِجْ الْبُخَارِيُّ، وَلَا مُسْلِمٌ لِأَبِي يَزِيدَ، وَلَا لِسَيَّارٍ شَيْئًا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَخْرَجَ لَهُمَا، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِكَوْنِهِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ، فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ احْتَجَّ بِرِوَايَتِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي رُوَاتِهِ مَجْرُوحٌ، انْتَهَى.
فصل في مقدار الواجب ووقته
فَصْلٌ فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ وَوَقْتِهِ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ1 عَنْهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا، قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ إذا كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا، فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ، أَنْ قَالَ: إنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي لَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْت، قَالَ أَبُو دَاوُد2. وَذُكِرَ فِيهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ، أَوْ صَاعَ حِنْطَةٍ، وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، وَذَكَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ: نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ، أَوْ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ أَسَاءَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" إذْ قَالَ: زَادَ أَبُو دَاوُد فِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَوْ صَاعَ حِنْطَةٍ، لِأَنَّ هَذَا يُوهِمُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مُتَّصِلَةٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، هَكَذَا تَعَقَّبَهُ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَحُجَّةُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ: صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، قَالُوا: وَالطَّعَامُ فِي الْعُرْفِ هُوَ الْحِنْطَةُ، سِيَّمَا وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ: صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ، وَهِيَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا أَبُو دَاوُد، أَخْرَجَهُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3 مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ، وَذَكَرَ عِنْدَهُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، فَقَالَ: لَا أُخْرِجُهُ إلَّا مَا كُنْت أُخْرِجُهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ4، أَوْ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ؟ فَقَالَ: لَا، تلك قيمة معاوية، لا أَقْبَلُهَا وَلَا أَعْمَلُ بِهَا، انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"5 مِنْ حَدِيثِ يَعْقُوبَ الدَّوْرَقِيِّ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ جَعَلَ هَذَا الْحَدِيثَ حُجَّةً لَنَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ جَعَلَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ الْحِنْطَةِ عِدْلَ صَاعٍ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ"6: هَذَا الْحَدِيثُ مُعْتَمَدُ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه، ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ فِعْلُ صَحَابِيٍّ، وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو سَعِيدٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ هُوَ
أَطْوَلُ صُحْبَةً مِنْهُ، وَأَعْلَمُ بِحَالِ النَّبِيِّ عليه السلام، وَقَدْ أَخْبَرَ مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ، لَا قَوْلٌ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْنَا: أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الطَّعَامَ فِي الْعُرْفِ هُوَ الْحِنْطَةُ، فَمَمْنُوعٌ، بَلْ الطَّعَامُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَأْكُولٍ، وَهُنَا أُرِيدَ بِهِ أَشْيَاءُ ليست الجنطة مِنْهَا، بِدَلِيلِ مَا جَاءَ فِيهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ1 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَكَانَ طَعَامُنَا الشَّعِيرَ، وَالزَّبِيبَ، وَالْأَقِطَ، وَالتَّمْرَ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وروى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "مُخْتَصَرِ الْمُخْتَصَرِ" بِسَنَدٍ صَحِيحٍ2 مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلٍ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمْ تَكُنْ الصَّدَقَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا التَّمْرَ، وَالزَّبِيبَ، وَالشَّعِيرَ، وَلَمْ تَكُنْ الْحِنْطَةُ، انْتَهَى. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِيهِ: أَوْ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ، فَقَدْ أَشَارَ أَبُو دَاوُد إلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي "سُنَنِهِ" وَضَعَّفَهَا، فَقَالَ: وَذُكِرَ فِيهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ: أَوْ صَاعَ حِنْطَةٍ، وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِيهِ: وَذِكْرُ الْحِنْطَةِ فِي هَذَا الْخَبَرِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَلَا أَدْرِي مِمَّنْ الْوَهْمُ. وَقَوْلُ الرَّجُلِ لَهُ: أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ، دَالٌّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْحِنْطَةِ فِي أَوَّلِ الْخَبَرِ خَطَأٌ وَوَهْمٌ، إذْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ مَعْنًى، انْتَهَى. نَقَلَهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" عَنْهُ، وَقَدْ عُرِفَ تَسَاهُلُ الْحَاكِمِ فِي تَصْحِيحِ الْأَحَادِيثِ الْمَدْخُولَةِ، وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ: إنَّهُ فِعْلُ صَحَابِيٍّ، قُلْنَا: قَدْ وَافَقَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ، وَلَفْظُ: النَّاسُ لِلْعُمُومِ، فَكَانَ إجْمَاعًا. وَكَذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، وَلَا يَضُرُّ مُخَالَفَةُ أَبِي سَعِيدٍ لِذَلِكَ، بِقَوْلِهِ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ، سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، أَوْ نَقُولُ: أَرَادَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ تَطَوُّعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلَ الْكِتَابِ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد3، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ خَطَبَ فِي آخِرِ رَمَضَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ: أَخْرِجُوا صَدَقَةَ صَوْمِكُمْ، فَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا. قَالَ: من ههنا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؟ قُومُوا إلَى إخْوَانِكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ رَأْيَ رُخْصَ السِّعْرِ، فَقَالَ: قَدْ أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَلَوْ جَعَلْتُمُوهُ صَاعًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ حُمَيْدٍ: وَكَانَ الْحَسَنُ يَرَى صَدَقَةَ رَمَضَانَ عَلَى مَنْ صَامَ، انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. وقال الْحَاكِمُ1: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ محمد الأسفرائيني ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ سُئِلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا رَآهُ قَطُّ، كَانَ بِالْمَدِينَةِ أَيَّامَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى الْبَصْرَةِ. قَالَ: وَقَوْلُ الْحَسَنِ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ، هُوَ كَقَوْلِ ثَابِتٍ: قَدِمَ عَلَيْنَا عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ، وَمِثْلُ قَوْلِ مُجَاهِدٍ: خَرَجَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ، وَكَقَوْلِ الْحَسَنِ: إنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ. وَإِنَّمَا قَوْلُهُ: خَطَبَنَا، أَيْ خَطَبَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ": الْحَدِيثُ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ مَشْهُورُونَ، لَكِنْ فِيهِ إرْسَالًا، فَإِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبَّاسٍ عَلَى مَا قِيلَ، وَقَدْ جَاءَ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فِي حَدِيثٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهَذَا إنْ ثَبَتَ دَلَّ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ: لَا يُعْلَمُ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَسْمَعْ الْحَسَنُ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَوْلُهُ: خَطَبَنَا أَيْ خَطَبَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ وَلَمْ يَكُنْ الْحَسَنُ شَاهِدًا لِخُطْبَتِهِ، وَلَا دَخَلَ الْبَصْرَةَ بَعْدُ، لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ خَطَبَ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَالْحَسَنُ دَخَلَ أَيَّامَ صِفِّينَ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2 عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ السَّعْدِيِّ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ صَارِخًا بِمَكَّةَ صَاحَ: "إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ حَقٌّ وَاجِبٌ: مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ: أَوْ صَاعٌ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الطَّعَامِ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ , وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَّيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُقَيْلِيُّ فِي يَحْيَى هَذَا، وَضَعَّفَهُ، وَكَذَلِكَ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، قَالَ الْأَزْدِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 عَنْ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ، انْتَهَى. وَأُعِلَّ بِالْوَاقِدِيِّ. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ سَلَّامٍ الطَّوِيلِ عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى: نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ"، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِسَلَّامٍ الطَّوِيلِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ سَالِمِ بْنِ نُوحٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام بَعَثَ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي فِجَاجِ مَكَّةَ: "أَلَا إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعٌ مِمَّا سِوَاهُ مِنْ الطَّعَامِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِسَالِمِ بْنِ نُوحٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ"، فَقَالَ: هُوَ صَدُوقٌ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: صَدُوقٌ ثِقَةٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: فِيهِ شَيْءٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عِنْدَهُ غَرَائِبُ، وَأَفْرَادُ، وَأَحَادِيثُهُ مُقَارِبَةٌ مُخْتَلِفَةٌ. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ صَائِحًا، فَصَاحَ: "إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ: مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَعَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ ضَعَّفُوهُ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَذَا خَطَأٌ مِنْهُ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا ضَعَّفَهُ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورِ الْحَالِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ رَوَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَرَوَى عَنْهُ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: مَجْهُولٌ لَا أَعْرِفُهُ، وَذَكَرَ غَيْرُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُ مَكِّيٌّ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ أَحَدُ الْعُبَّادِ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خَيْثَمٍ، وَيَحْيَى بْنِ جرحة، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَجَمَاعَةٍ، وَرَوَى عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ، وَمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَرَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "جَامِعَهِ"، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الثِّقَاتِ"، وَقَالَ: يُعْرَفُ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ3 كَذَلِكَ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: وَرَوَاهُ سَالِمُ بْنُ نُوحٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا، ثُمَّ قَالَ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ
ابْنُ جُرَيْجٍ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَمَرَ صَارِخًا يَصْرُخُ، الْحَدِيثَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" هَكَذَا مُعْضَلًا، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَمَرَ صَارِخًا يَصْرُخُ، الْحَدِيثَ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"1 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهم، قَالَتْ: كُنَّا نُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ، بِالْمُدِّ الَّذِي يقتانون بِهِ، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِابْنِ لَهِيعَةَ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَحَدِيثُ ابْنِ لَهِيعَةَ يَصْلُحُ لِلْمُتَابَعَةِ، سِيَّمَا إذَا كَانَ مِنْ رِوَايَةِ إمَامٍ مِثْلِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا لَا يَصِحُّ، وَكَيْفَ يَصِحُّ! وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ تَعْدِيلَ الصَّاعِ بِمُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: مَطْعُونٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ4 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ زَبِيبٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه وَكَثُرَتْ الْحِنْطَةُ، جَعَلَ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ
مَكَانَ صَاعٍ مِنْ تلك الأشياء، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِعَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ التَّوَهُّمِ، فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّهُ إنَّمَا عَدَّلَ الْقِيمَةَ فِي الصَّاعِ مُعَاوِيَةُ، فَأَمَّا عُمَرُ فَإِنَّهُ كَانَ أَشَدَّ اتِّبَاعًا لِلْأَثَرِ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَعَبْدُ الْعَزِيزِ هَذَا وَإِنْ كَانَ ابْنُ حِبَّانَ تَكَلَّمَ فِيهِ، فَقَدْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَالْمُوَثِّقُونَ لَهُ أَعْرَفُ مِنْ الْمُضَعِّفِينَ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ اسْتِشْهَادًا انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، أَنَّهُ قَالَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ: "نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ"، انْتَهَى. وَالْحَارِثُ مَعْرُوفٌ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ بِهِ مَوْقُوفًا، وَقَالَ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ أَبُو إسْحَاقَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ، فَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَ فِيهِ: نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، ثُمَّ اخْتَلَفَ عَنْهُ، فَرَفَعَهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَيْلَانَ الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، وَوَهَمَ فِي رَفْعِهِ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ أَبُو الْعُمَيْسِ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَ فِيهِ: صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ، وَوَقَفَهُ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرَقْمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ دَقِيقٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ سُلْتٍ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ غَيْرُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ رِشْدِينَ ثَنَا سَعِيدُ بن عفير حدثنا الفضيل بْنُ الْمُخْتَارِ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوهَبٍ عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ: مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ، أَوْ زَبِيبٍ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِالْفَضْلِ بْنِ مُخْتَارٍ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُحَدِّثُ بِالْأَبَاطِيلِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ"1 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ أَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ،
انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَهَذَا مَعَ إرْسَالِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ تَفْسِيرًا مِنْ سَعِيدٍ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": قَدْ جَاءَ مَا يَرُدُّ هَذَا، فَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ عَبْدِ الْخَالِقِ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ: كَانَتْ الصَّدَقَةُ تُدْفَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ" حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ سَلَمَةَ1 الشَّيْبَانِيُّ بِهِ، قَالَ: كَانَتْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَاعَ تَمْرٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ، انْتَهَى. وَقَالَ هُشَيْمِ2: أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، فَحَضَّ عَلَيْهَا، وَقَالَ: "نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعُ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى"، قَالَ الطَّحَاوِيُّ3: حَدَّثَنَا الْمُزَنِيّ ثَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مَدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَهَذَا الْمُرْسَلُ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَالشَّمْسِ، وَكَوْنُهُ مُرْسَلًا لَا يَضُرُّ، فَإِنَّهُ مُرْسَلُ سَعِيدٍ، وَمَرَاسِيلُ سَعِيدٍ حُجَّةٌ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ4، وَنَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: حَدِيثُ مُدَّيْنِ خَطَأٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ الْأَخْبَارَ الثَّابِتَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعْدِيلَ بِمُدَّيْنِ كَانَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَهَذَا طَرِيقٌ اسْتِدْلَالِيٌّ غَيْرُ رَاجِعٍ إلَى حَالِ الرُّوَاةِ، وَإِلَّا فَالسَّنَدُ كُلُّهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَمَرَاسِيلُ سَعِيدٍ اُشْتُهِرَ تَقْوِيَتُهَا، وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"، وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَوَّلُهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي "أَوَّلِ الْفَصْلِ".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1، وَصَحَّحَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَكَذَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ، وَذِكْرُ الْبُرِّ فِيهِ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، قَالَ الْحَاكِمُ2: وَأَشْهَرُ مِنْهُ حَدِيثُ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ نَافِعٍ الَّذِي عَلَوْنَا فِيهِ، لَكِنِّي تَرَكْته، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْكِتَابِ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ، رَوَاهُ فِي "عُلُومِ الْحَدِيثِ" لَهُ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ صَدَقَةَ رَمَضَانَ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَالطَّرِيقَانِ ضَعِيفَانِ، فَفِي الْأَوَّلِ: سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِيهِ: كَانَ يَرْوِي عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَغَيْرِهِ مِنْ الثِّقَاتِ أَشْيَاءَ مَوْضُوعَةً، يَتَخَيَّلُ مَنْ يَسْمَعُهَا أَنَّهُ كَانَ المتعمد لَهَا، انْتَهَى. وَفِي الثَّانِي: مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، كَانَ أَحْمَدُ يُضَعِّفُهُ، وَلَا يَعْبَأُ بِهِ، وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَعِينٍ. وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" فَقَالَ: أَمَّا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ فَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْ ابْنِ حِبَّانَ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَهُ أَحَادِيثُ غَرَائِبُ حِسَانٌ، وَأَرْجُو أَنَّهَا مُسْتَقِيمَةٌ، وَلَكِنَّهُ يَهِمُ فِي الشَّيْءِ، فَيَرْفَعُ مَوْقُوفًا، وَيُرْسِلُ مُرْسَلًا، لَا عَنْ تَعَمُّدٍ، وَأَمَّا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، فَقَدْ حَسَّنَ أَمْرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ الْفَلَّاسُ: سَمِعْت عَفَّانَ يَقُولُ: كَانَ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ ثِقَةً، وَسَمِعْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ يُحْسِنُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْهُ، فَقَالَ: يُدَلِّسُ كَثِيرًا، فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا، فَهُوَ ثِقَةٌ. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "الْمُشْكِلِ"4 عَنْ ابْنِ شَوْذَبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ، قَالَ: ثُمَّ عَدَلَ النَّاسُ، نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ: بِصَاعٍ مِمَّا سِوَاهُ، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ أَيُّوبَ تَابَعَ ابْنَ شَوْذَبٍ عَلَى زِيَادَةِ الْبُرِّ فِيهِ، وَقَدْ خَالَفَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ
عَنْ أَيُّوبَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هُوَ حُجَّةً عَلَيْهِمَا، فَكَيْفَ وَقَدْ اجْتَمَعَا؟! وَأَيْضًا فَفِي حَدِيثِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى خَطَئِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ثُمَّ عَدَلَ النَّاسُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، بِصَاعٍ مِمَّا سِوَاهُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَعْدِلُوا صِنْفًا مَفْرُوضًا، بِبَعْضِ صِنْفٍ مَفْرُوضٍ مِنْهُ؟!، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْدَلَ الْمَفْرُوضُ بِمَا سِوَاهُ مِمَّا لَيْسَ بِمَفْرُوضٍ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِهِ "عُلُومِ الْحَدِيثِ" عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، وَفِيهِ: أَوْ صَاعٌ مِنْ قَمْحٍ، مُخْتَصَرٌ، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي "آخِرِ الْبَابِ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 أَيْضًا، وَصَحَّحَهُ عَنْ بَكْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام حَضَّ عَلَى صَدَقَةِ رَمَضَانَ، عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ: صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ قَمْحٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: بَكْرُ بْنُ الْأَسْوَدِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى تَضْعِيفِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ إلَّا فِي الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ فِي غَيْرِ الزُّهْرِيِّ صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَفِي الزُّهْرِيِّ يَرْوِي أَشْيَاءَ خَالَفَ فِيهَا النَّاسَ، وَقَدْ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي "الصَّحِيحِ"، وَرَوَى لَهُ فِي "الْأَدَبِ وَفِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ"، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي "مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ"، وَبَكْرُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: صَدُوقٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُعْطِيَ صَدَقَةَ رَمَضَانَ، عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ: صاعاً في طَعَامٍ، مَنْ أَدَّى بُرًّا قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ أَدَّى شَعِيرًا قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ أَدَّى زَبِيبًا قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ أَدَّى سُلْتًا، قُبِلَ مِنْهُ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، غَيْرَ أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا، قَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْئًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ": سَأَلْت أَبِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ إسحاق الْحُنَيْنِيِّ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، عَلَى كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، انْتَهَى. وَكَثِيرٌ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَى تَضْعِيفِهِ،
وَلَمْ يُوَافَقْ التِّرْمِذِيُّ عَلَى تَصْحِيحِ حَدِيثِهِ فِي مَوْضِعٍ، وَتَحْسِينِهِ فِي آخَرَ، قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ، والدارقطني: مَتْرُوكٌ، وَإِسْحَاقُ الْحُنَيْنِيُّ أَيْضًا تَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْأَزْدِيُّ، وَابْنُ مَعِينٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَهْبَانَ، أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَخْرِجُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ طَعَامٍ"، قَالَ: "وَطَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ: الْبُرُّ، وَالتَّمْرُ، وَالزَّبِيبُ، وَالْأَقِطُ"، انْتَهَى. وَعُمَرُ بْنُ صَهْبَانَ. قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا يُسَاوِي فَلْسًا، وَقَالَ النَّسَائِيُّ، وَالرَّازِيِّ، والدارقطني: مَتْرُوكٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ: صَاعٌ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، انْتَهَى. وَالْحَارِثُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، وَقَالَا: الصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي "عِلَلِهِ" بِتَمَامِهِ، وَفِي لَفْظَةِ أَيْضًا اخْتِلَافٌ، فَعِنْدَ الْحَاكِمِ هَكَذَا: صَاعٌ، وَفِي "سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ" أَوْ نِصْفُ صَاعٍ. قَوْلُهُ: وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، فِيهِمْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ. قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ: فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَخْرَجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ: مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، وَأَنَّ رَجُلًا أَدَّى إلَيْهِ صَاعًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا مُنْقَطِعٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ، أَوْ سُلْتٍ، أَوْ زَبِيبٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ، وَكَثُرَتْ الْحِنْطَةُ جَعَلَ عُمَرُ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ، مَكَانَ صَاعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِنَافِعٍ: إنَّمَا زَكَاتُك على سيدك، أن يؤدي عَنْك عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ: فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ1 عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: أَدُّوا زَكَاةَ الْفِطْرِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ مَوْصُولٌ عَنْهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا2، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ أَيْضًا3، قَالَ: عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُك نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ4 عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: زَكَاةُ الْفِطْرِ مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَرُوِيَ أَيْضًا5 أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، فَقِيرٍ أَوْ غَنِيٍّ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ، قَالَ مَعْمَرٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ الزُّهْرِيَّ كَانَ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَهَذَا الْخَبَرُ الْوَقْفُ فِيهِ مُتَحَقِّقٌ، وَأَمَّا الرَّفْعُ فَإِنَّهُ بَلَاغٌ، لَمْ يُبَيِّنْ مَعْمَرٌ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ سِوَى الْحِنْطَةِ، فَفِيهِ صَاعٌ، وَالْحِنْطَةُ نِصْفُ صَاعٍ، وَأَخْرَجَ6 نَحْوَهُ عَنْ طَاوُسٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ7 عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله: وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فِي صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَوَرَدَتْ أَخْبَارٌ فِي نِصْفِ صَاعٍ، وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَّا عِلَّةَ كُلِّ واحد منها في "افي الْخِلَافِيَّاتِ".انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ"، قُلْت: غَرِيبٌ، رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"1 فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ، وَمَدُّنَا أَكْبَرُ الْأَمْدَادِ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي قَلِيلِنَا وَكَثِيرِنَا، وَاجْعَلْ لَنَا مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَفِي تَرْكِ الْمُصْطَفَى عليه السلام الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ، حَيْثُ قَالُوا: صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ، بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ صَاعَ الْمَدِينَةِ أَصْغَرُ الصِّيعَانِ، وَلَمْ نَجِدْ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا خِلَافًا فِي قَدْرِ الصَّاعِ، إلَّا مَا قَالَهُ الْحِجَازِيُّونَ، وَالْعِرَاقِيُّونَ، فَزَعَمَ الْحِجَازِيُّونَ أَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، فَصَحَّ أَنَّ صَاعَ النَّبِيِّ عليه السلام كَانَ خَمْسَةَ أرطال وثلث، إذْ هُوَ أَصْغَرُ الصِّيعَانِ2، وَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ: أَنَّ الصَّاعَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ ثَبَتَ عَلَى صِحَّتِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ": عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى الطَّائِيِّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ الْخُرَاسَانِيُّ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، قَالَ: قُلْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، كَمْ وَزْنُ صَاعِ النَّبِيِّ عليه السلام؟ قَالَ: خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ، أَنَا حَزَرْته3. قُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ خَالَفْت شَيْخَ الْقَوْمِ، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قُلْت: أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه، يَقُولُ: ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ، مَا أَجْرَأَهُ عَلَى اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لبعض جلساته: يَا فُلَانُ، هَاتِ صَاعَ جَدِّك، وَيَا فُلَانُ، هَاتِ صَاعَ عَمِّك، وَيَا فُلَانُ، هَاتِ صَاعَ جَدَّتِك، فَاجْتَمَعَتْ أَصْوُعٌ، فَقَالَ مَالِكٌ: تَحْفَظُونَ فِي هَذِهِ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي بِهَذَا الصَّاعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْآخَرُ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَخِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي بِهَذَا الصَّاعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ مَالِكٌ: أَنَا حَزَرْت هَذِهِ، فَوَجَدْتهَا خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا، قُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أُحَدِّثُك بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا عَنْهُ: أَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ نِصْفُ صَاعٍ، وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، فَقَالَ: هَذِهِ أَعْجَبُ مِنْ الْأُولَى، بَلْ صَاعٌ تَامٌّ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ، هَكَذَا أَدْرَكْنَا عُلَمَاءَنَا بِبَلَدِنَا هَذَا، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": إسْنَادُهُ مُظْلِمٌ، وَبَعْضُ رِجَالِهِ غَيْرُ مَشْهُورِينَ، وَالْمَشْهُورُ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ4 عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو يُوسُفَ رحمه الله مِنْ الْحَجِّ، فَقَالَ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَفْتَحَ عَلَيْكُمْ بَابًا مِنْ الْعِلْمِ أَهَمَّنِي، فَفَحَصْت عَنْهُ، فَقَدِمْت الْمَدِينَةَ، فَسَأَلْت عن الصاع
فَقَالَ: صَاعُنَا هَذَا صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت لَهُمْ: مَا حُجَّتُكُمْ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: نَأْتِيك بِالْحُجَّةِ غَدًا، فَلَمَّا أَصْبَحْت أَتَانِي نَحْوٌ مِنْ خَمْسِينَ شَيْخًا مِنْ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ الصَّاعُ تَحْتَ رِدَائِهِ، كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُخْبِرُ عَنْ أَبِيهِ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ، أَنَّ هَذَا صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرْت فَإِذَا هِيَ سَوَاءٌ، قَالَ: فَعَيَّرْته، فَإِذَا هُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، بِنُقْصَانٍ يَسِيرٍ، فَرَأَيْت أَمْرًا قَوِيًّا، فَتَرَكْت قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي الصَّاعِ، وَأَخَذْت بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَالِكًا ناظره، واستدل عليه بالصيعان الَّتِي جَاءَ بِهَا أُولَئِكَ الرَّهْطُ، فَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إلَى قَوْلِهِ. وَقَالَ عُثْمَانُ بن سعيد الدرامي: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ يَقُولُ: عَيَّرْت صَاعَ النَّبِيِّ عليه السلام، فَوَجَدْته خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثَ رِطْلٍ بِالتَّمْرِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْرِجُونَ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُدِّ الَّذِي يَقْتَاتُ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، أَوْ الصَّاعِ الَّذِي يُقْتَاتُ بِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ كُلُّهُمْ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَهُوَ الْحُجَّةُ لِمُنَاظَرَةِ مَالِكٍ، وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِلشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ فِي أَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي الْفِدْيَةِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ لَهُ: "صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ"، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا3: فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يُطْعِمَ فَرْقًا بَيْنَ سِتَّةٍ، أَوْ يُهْدِي شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، قَالَ: فَقَوْلُهُ: نِصْفُ صَاعٍ حُجَّةٌ لَنَا، قَالَ ثَعْلَبٌ: وَالْفَرْقُ: اثْنَا عَشَرَ مُدًّا، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْفَرْقُ: سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا، وَالصَّاعُ ثُلُثُ الْفَرْقِ، خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُث، وَالْمُدُّ: رِطْلٌ وَثُلُثٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ4 عَنْ أَبِي يُوسُفَ، قَالَ: قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ، فَأَخْرَجَ إلَيَّ مَنْ أَثِقُ بِهِ صَاعًا، وَقَالَ: هَذَا صَاعُ النَّبِيِّ عليه السلام، فَوَجَدْته خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَسَمِعْت ابْنَ أَبِي عِمْرَانَ يَقُولُ: الَّذِي أَخْرَجَهُ لِأَبِي يُوسُفَ هُوَ مَالِكٌ، وَسَمِعْت أَبَا حَزْمٍ يَذْكُرُ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: هُوَ تَحَرِّي عَبْدِ الْمَلِكِ بِصَاعِ عُمَرَ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: هَكَذَا كَانَ صَاعُ عُمَرَ يَعْنِي ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ.قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ 5
فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ" حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: سَمِعْت حَسَنَ بْنَ صَالِحٍ يَقُولُ: صَاعُ عُمَرَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، وَقَالَ شَرِيكٌ: أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةِ أَرْطَالٍ، وَأَقَلُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: الْحَجَّاجِيُّ صَاعُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، انْتَهَى. وَهَذَا الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "كِتَابِهِ"1، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ إبراهيم النخعي، قال: غيرنا الصَّاعَ فَوَجَدْنَاهُ حَجَّاجِيًّا، وَالْحَجَّاجِيُّ عِنْدَهُمْ: ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْبَغْدَادِيِّ، وَعَنْهُ قَالَ: وَضَعَ الْحَجَّاجُ قَفِيزَهُ عَلَى صَاعِ عُمَرَ، قَالَ: فَمَا ذَكَرَاهُ عِيَارٌ حَقِيقِيٌّ، فَهُوَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ مَالِكٌ، مِنْ تَحَرِّي عَبْدِ الْمَلِكِ بِصَاعِ عُمَرَ، لِأَنَّ التَّحَرِّيَ لَا حَقِيقَةَ مَعَهُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ: رِطْلَيْنِ، وَيَغْسِلُ بِالصَّاعِ: ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. فَحَدِيثُ أَنَسٍ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ: أَحَدُهَا: فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، ذَكَرَهُ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ: رِطْلَيْنِ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ: ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ، انْتَهَى. الطَّرِيقُ الثَّانِي: رَوَاهُ3 فِي "الطَّهَارَةِ" عَنْ مُوسَى بْنِ نَصْرٍ الْحَنَفِيِّ ثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَنَسٍ، نَحْوَهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ مُوسَى بْنُ نَصْرٍ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: أَخْرَجَهُ4 فِي "الزَّكَاةِ" عَنْ صَالِحِ بْنِ مُوسَى الطَّلْحِيِّ ثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: جَرَتْ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ، صَاعٌ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ، وَفِي الْوُضُوءِ. رِطْلَانِ، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ مَنْصُورٍ غَيْرُ صَالِحٍ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَضَعَّفَ الْبَيْهَقِيُّ5 هَذِهِ الْأَسَانِيدَ الثَّلَاثَةَ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ عُمَرَ بْنِ مُوسَى بْنِ وَجِيهٍ الْوَجِيهِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ: رِطْلَيْنِ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ: ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ، انْتَهَى. وَضَعَّفَ عُمَرَ بْنَ موسى هذا عن الْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، وَقَالَ: إنَّهُ فِي عِدَادِ مَنْ يَضَعُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ أَنَسٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ سَفِينَةَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"3 عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كَانَ الصَّاعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مداً وثلاثاً بِمُدِّكُمْ الْيَوْمَ، فَزِيدَ فِيهِ، فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ4 فِي بَابِ الصَّدَقَةِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ صَاعُ النَّبِيِّ عليه السلام ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ، وَمُدُّهُ رِطْلَيْنِ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أَنَسٍ: لَيْسَ فِيهِ الْوَزْنُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَفِينَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ مِنْ الْمَاءِ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، قُلْت: رَوَاهُ الْحَاكِمُ5 أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ فِي كِتَابِهِ "عُلُومِ الْحَدِيثِ" وَهُوَ مُجَلَّدٌ كَامِلٌ فِي "بَابِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي انْفَرَدَ بِزِيَادَةٍ فِيهَا رَاوٍ وَاحِدٌ" فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ السَّمْهَرِيُّ6 ثَنَا نَصْرُ بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ قَمْحٍ، وَكَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَخْرُجَهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُهَا قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الْمُصَلَّى، وَيَقُولُ: "أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ"، انْتَهَى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَزَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ: وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يُخْرِجُهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"2، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يُخْرِجَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلَا يَخْرُجُ حَتَّى يَطْعَمَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: "أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَقَالَ: "أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِأَبِي مَعْشَرٍ نَجِيحٍ، وَلَفْظُهُ: وَقَالَ: "أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ"، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَمَشَّاهُ هُوَ، وَقَالَ: مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى.4، وَتَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي "عُلُومِ الْحَدِيثِ" بِزِيَادَةٍ فِيهِ، وَلَمْ يُعَلِّهِ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" إلَّا بِأَبِي مَعْشَرٍ، قَالَ: قَالَ الْبُخَارِيِّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى أَعْنِي حَدِيثَ الدَّارَقُطْنِيِّ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"5 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالُوا: فُرِضَ صَوْمُ رَمَضَانَ بعد ما حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ إلَى الْكَعْبَةِ بِشَهْرٍ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجِرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ عليه السلام فِي هَذِهِ السَّنَةِ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ الزَّكَاةَ فِي الْأَمْوَالِ، وَأَنْ يُخْرَجَ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ مُدَّانِ مِنْ بُرٍّ، وَأَمَرَ بإِخراجها قبل الغد، وإلى الصَّلَاةِ، وَقَالَ: "أَغْنُوهُمْ يَعْنِي الْمَسَاكِينَ عَنْ الطَّوَافِ هَذَا الْيَوْمَ"، انْتَهَى.
كتاب الصوم
كتاب الصوم مقدمة ... كِتَابُ الصَّوْمِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ"، قُلْت: رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ1 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أُخْتِهِ حَفْصَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لَمْ يَجْمَعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ"، انْتَهَى. بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيِّ. وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ: "لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ مِنْ اللَّيْلِ"، وَجَمَعَ النَّسَائِيُّ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ أَبُو دَاوُد2: وَرَوَاهُ اللَّيْثُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مِثْلَهُ. وَوَقَفَهُ عَلَى حَفْصَةَ: مَعْمَرٌ، وَالزُّبَيْدِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَيُونُسُ الْأَيْلِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، انْتَهَى. "حَدِيثُ اللَّيْثِ، عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَحَدِيثُ إسْحَاقَ، عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ"، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِهِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَوْلُهُ: وَهُوَ أَصَحُّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ سَالِمٍ، لَمْ يُذْكَرْ بَيْنَهُمَا الزُّهْرِيُّ، وَبِالطَّرِيقَيْنِ3 رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ4: الصَّوَابُ عِنْدِي موقوف، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ" عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ بِهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَالزِّيَادَةُ عِنْدَهُمَا مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الرُّفَعَاءِ، وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَوَقَفَهُ، وَتَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إسْحَاقَ، وَجَمَاعَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَقَامَ إسْنَادَهُ وَرَفَعَهُ، وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى"1: ذَكَرَ اخْتِلَافَ النَّاقِلِينَ لِخَبَرِ حَفْصَةَ، ثُمَّ سَاقَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ مَرْفُوعًا، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ سَالِمٍ بِهِ مَرْفُوعًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ أَيْضًا مَرْفُوعًا. قَالَ: وَحَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ مَرْفُوعًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ2 عَنْ حَفْصَةَ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بِهِ مَوْقُوفًا، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا مَوْقُوفٌ، وَلَمْ يَصِحَّ رَفْعُهُ، لِأَنَّ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ، وَقَدْ أَرْسَلَهُ مَالِكٌ رضي الله عنه، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ مَالِكٌ أَيْضًا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. قَوْلُهُ: ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. وَلَمْ يَرْوِهِ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"3 إلَّا كَذَلِكَ، مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ4: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ مَرْفُوعًا: "لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ مِنْ اللَّيْلِ"، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ مَرْفُوعًا، قُلْت لَهُ: أَيُّهُمَا أَصَحُّ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَدْرَكَ سَالِمًا، وَرَوَى عَنْهُ، وَلَا أَدْرِي سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْهُ، أَوْ سَمِعَهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ قَوْلُهَا، وَهُوَ عِنْدِي أَشْبَهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"5 عَنْ رَوْحِ بْنِ الْفَرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّادٍ ثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ" انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ الْمُفَضَّلِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَأَقَرَّهُ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي "سُنَنِهِ"، وَفِي "خِلَافِيَّاتِهِ"، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّادٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ لَيْسَ
بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ الْبَصْرِيُّ يَقْلِبُ الْأَخْبَارَ، رَوَى عَنْ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثَ: مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ، وَهَذَا مَقْلُوبٌ إنَّمَا هُوَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ، رَوَى عَنْهُ رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ نُسْخَةً مَوْضُوعَةً، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ سَعْدٍ تَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ أَجْمَعَ الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ أَصْبَحَ وَلَمْ يُجْمِعْهُ، فَلَا يَصُمْ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِالْوَاقِدِيِّ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام، قال بعد ما شَهِدَ الْأَعْرَابِيُّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ: "أَلَا مَنْ أَكَلَ فَلَا يَأْكُلُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" وَقَالَ: إن هذا الحديث لَا يُعْرَفُ، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، فَأَمَرَ أَنْ يُنَادَى فِي النَّاسِ: أَنْ تَصُومُوا غَدًا، وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 بِلَفْظٍ صَرِيحٍ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ لَيْلَةَ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِي لَفْظِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ، قَالَ: أَبْصَرْت الْهِلَالَ اللَّيْلَةَ الْحَدِيثَ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَلَكِنْ فِيهِ احْتِمَالٌ، أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ2 عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، فَقَالَ: إنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ، قَالَ: الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ يَعْنِي رَمَضَانَ فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ: فَيَصُومُوا، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مُرْسَلًا، وَمُسْنَدًا، وَذَكَرَ أَنَّ الْمُرْسَلَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، وَأَنَّ سِمَاكًا إذَا تَفَرَّدَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً، لِأَنَّهُ كَانَ يُلَقَّنُ فَيَتَلَقَّنُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُسْنَدًا ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَقَدْ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِعِكْرِمَةَ، وَمُسْلِمٌ بِسِمَاكٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ تَفَرَّدَ بِهِ سِمَاكٌ: وَأَنَّ رَفْعَهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ،
فَهُوَ مَرْدُودٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ1، قَالَ: ترائى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَرَأَيْتُهُ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَامَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ فِي حَدِيثِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ: أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ: " أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ"، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ3: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ، وَلَمْ ينْوِه لَيْلًا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ نَهَارًا قَبْلَ الزَّوَالِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": لَمْ يَكُنْ صَوْمُ عَاشُورَاءَ وَاجِبًا، فَلَهُ حُكْمُ النَّافِلَةِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"4 عَنْ مُعَاوِيَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يُفْرَضْ عَلَيْنَا صِيَامُهُ، فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ، فَإِنِّي صَائِمٌ"، فَصَامَ النَّاسُ، قَالَ: وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ مَنْ أَكَلَ بِالْقَضَاءِ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَالْجَوَابُ أَنَّ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ مَعْنَاهُ: لَيْسَ مَكْتُوبًا عَلَيْكُمْ الْآنَ، أَوْ لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ بَعْدَ أَنْ فُرِضَ رَمَضَانُ، قَالَ: وَهَذَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، وَهُوَ إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ عليه السلام بعد ما أَسْلَمَ، فِي سَنَةِ تِسْعٍ، أَوْ عَشْرٍ، بَعْدَ أَنْ نُسِخَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ بِرَمَضَانَ، وَرَمَضَانُ فُرِضَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَنَسْخُ عَاشُورَاءَ بِرَمَضَانَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"5 عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا يَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ، قَالَ: "مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ"، انْتَهَى. قَالَ: وَأَمَّا تَرْكُ الْأَمْرِ لِقَضَائِهِ: فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْيَوْمَ بِكَمَالِهِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ، كَمَا قِيلَ فِيمَنْ بَلَغَ أَوْ أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ الْأَمْرُ بِالْقَضَاءِ فِي حَدِيثٍ غَرِيبٍ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"6 عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْلَمَةً عَنْ عَمِّهِ: أَنَّ أَسْلَمَ أَتَتْ النَّبِيَّ عليه السلام، فَقَالَ: صُمْتُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَأَتِمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ وَاقْضُوهُ، قَالَ أَبُو دَاوُد: يَعْنِي عَاشُورَاءَ، انْتَهَى. وَهَذَا حَدِيثٌ مُخْتَلَفٌ فِي إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ، وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقُولُ بعد ما يُصْبِحُ غَيْرَ صَائِمٍ: "إنِّي إذًا لَصَائِمٌ"،
قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ عليه السلام ذَات يَوْمٍ، فَقَالَ: "هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ " فَقُلْنَا: لَا، فَقَالَ: "إنِّي إذًا صَائِمٌ"، ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: "أَدْنِيهِ، فَلَقَدْ أَصْبَحْت صَائِمًا"، فَأَكَلَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ الْهِلَالُ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ، فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: "فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ"، وَفِي لَفْظٍ: "فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ"، وَفِي لَفْظٍ: "فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا"، وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ يَوْمُ شَكٍّ إذَا غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ إلَّا تَطَوُّعًا، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ رضي الله عنه، أَنَّهُ يَجِبُ صَوْمُهُ بِنِيَّةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَلَا يُسَمَّى يَوْمَ شَكٍّ، قَالَ: وَيَوْمُ الشَّكِّ فَسَّرَهُ أَحْمَدُ بِأَنْ يَتَقَاعَدَ النَّاسُ عَنْ طَلَبِ الْهِلَالِ، أَوْ يَشْهَدَ بِرُؤْيَتِهِ مَنْ يَرُدُّ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ، وَنُقِلَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ رضي الله عنهم، وَاسْتَدَلَّ لِأَصْحَابِنَا، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ، بِأَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ: أَحَدُهَا: حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ الْمُتَقَدِّمِ: "فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ"، ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّ قَالَ فِي "صَحِيحِهِ" الَّذِي خَرَّجَهُ عَلَى الْبُخَارِيِّ: تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ آدَمَ عَنْ شُعْبَةَ، فَقَالَ فِيهِ: فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَقَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ غُنْدَرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَشَبَّابَةَ، وَعَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، لَمْ يَذْكُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ: فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَإِنَّمَا قَالُوا فِيهِ: فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ آدَم رَوَاهُ عَلَى التَّفْسِيرِ مِنْ عِنْدِهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لِانْفِرَادِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ بَيْنَ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ وَجْهٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَعْنَى: فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ رَمَضَانُ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ، وَلَا يَصِيرُ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، عَلَى أَنَّ أَصْحَابَنَا يُؤَوِّلُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ ذِكْرِ شَعْبَانَ، فَقَالُوا: نَحْمِلُهُ عَلَى مَا إذَا غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ، وَهِلَالُ شَوَّالٍ، فَإِنَّا نَحْتَاجُ إلَى إكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ، فَإِنَّا وَإِنْ كُنَّا قَدْ صُمْنَا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، فَلَسْنَا نَقْطَعُ بِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، وَلَكِنَّا صُمْنَاهُ حُكْمًا، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى أقرب
مَذْكُورٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ. الثَّانِي: أَنَّ مُسْلِمًا رَوَاهُ مُفَسَّرًا: "إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا"، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ أَنَّ آدَمَ بْنَ أَبِي إيَاسٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَوَاهُ عَلَى التَّفْسِيرِ مِنْ عِنْدِهِ للخبر، فغير قادح في صِحَّةِ الْحَدِيثِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام إمَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ اللَّفْظَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ أَحَدَهُمَا، وَذَكَرَ الرَّاوِي اللَّفْظَ الْآخَرَ بِالْمَعْنَى، فَإِنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ: فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ لِلْعَهْدِ أَيْ عِدَّةَ الشَّهْرِ وَالنَّبِيُّ عليه السلام لَمْ يَخُصَّ بِالْإِكْمَالِ شَهْرًا دُونَ شَهْرٍ، إذَا غُمَّ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَعْبَانَ وَغَيْرِهِ، إذْ لَوْ كَانَ شَعْبَانُ غَيْرَ مُرَادٍ مِنْ هَذَا الْإِكْمَالِ لَبَيَّنَهُ، لِأَنَّ ذِكْرَ الْإِكْمَالِ عَقِيبَ قَوْلِهِ: صُومُوا وَأَفْطِرُوا، فَشَعْبَانُ وَغَيْرُهُ مُرَادٌ مِنْ قَوْلِهِ: فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ، فَلَا تَكُونُ رِوَايَةُ: فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ مُخَالِفَةً لِرِوَايَةِ: فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ، بَلْ مُبَيِّنَةٌ لَهَا. أَحَدُهُمَا: أَطْلَقَ لَفْظًا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي الشَّهْرِ، وَالثَّانِي: ذَكَرَ فَرْدًا مِنْ الْأَفْرَادِ، قَالَ: وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ1 عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: "لَا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ، صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ، فَكَمِّلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ، وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالًا"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حبان في "صحيحهما"، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"2 حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ3: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَمَامَةٌ أَوْ ضَبَابَةٌ، فَأَكْمِلُوا شَهْرَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، وَلَا تَسْتَقْبِلُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ". قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ، وَسِمَاكٌ، وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" قَالَ: وَاَلَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ: أَنَّ كُلَّ شَهْرٍ غُمَّ أَكْمَلَ ثَلَاثِينَ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ شَعْبَانُ، وَرَمَضَانُ، وَغَيْرُهُمَا، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: "فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ" رَاجِعًا إلَى الْجُمْلَتَيْنِ، وَهُمَا قَوْلُهُ: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ، أَيْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فِي صَوْمِكُمْ، أَوْ فِطْرِكُمْ"، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ اللَّفْظِ، وَبَاقِي الْأَحَادِيثِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: "فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَأَقْدِرُوا لَهُ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ4 عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ
عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ، أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ قَبْلَهُ , ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ , أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ قَبْلَهُ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"؛ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا1 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام، فَذَكَرَهُ أَيْضًا، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ، فَذَكَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ مَنْصُورٍ قَالَ فِيهِ: عَنْ حُذَيْفَةَ غَيْرَ جَرِيرٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ هَذَا ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الصَّحْوِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْغَيْمَ، أَوْ عَلَى مَا إذَا غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ، وَهِلَالُ شَوَّالٍ، كَمَا سَبَقَ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُ، فَإِنَّ أَحْمَدَ إنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام، وَإِنَّ تَسْمِيَةَ حُذَيْفَةَ، وَهْمٌ مِنْ جَرِيرٍ، فَظَنَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ هَذَا تَضْعِيفٌ مِنْ أَحْمَدَ لِلْحَدِيثِ، وَأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلَيْسَ هُوَ بِمُرْسَلٍ، بَلْ مُتَّصِلٌ، إمَّا عَنْ حُذَيْفَةَ، وَإِمَّا عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام، وَجَهَالَةُ الصَّحَابَةِ غَيْرُ قَادِحَةٍ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ، قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَفَّظُ مِنْ هِلَالِ شعبان مالا يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ يَصُومُ رَمَضَانَ لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَهَذِهِ عَصَبِيَّةٌ مِنْ الدَّارَقُطْنِيِّ، كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لَا يَرْضَى مُعَاوِيَةَ بْنَ صَالِحٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": لَيْسَتْ الْعَصَبِيَّةُ مِنْ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَإِنَّمَا الْعَصَبِيَّةُ مِنْهُ، فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ صَالِحٍ ثِقَةٌ صَدُوقٌ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو زُرْعَةَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حاتم: سألت عَنْهُ، فَقَالَ: حَسَنُ الْحَدِيثِ، صَالِحُ الْحَدِيثِ. وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَلَمْ يَرْوِ شَيْئًا خَالَفَ فِيهِ الثِّقَاتِ، وَكَوْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ كَانَ لَا يَرْضَاهُ، غَيْرُ قَادِحٍ فِيهِ، فَإِنَّ يَحْيَى شَرْطُهُ شَدِيدٌ فِي الرِّجَالِ، وَكَذَلِكَ قَالَ: لَوْ لَمْ أَرْوِ إلَّا عَمَّنْ أَرْضَى، مَا رَوَيْت إلَّا عَنْ خَمْسَةٍ. وَقَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، غَيْرُ قَادِحٍ أَيْضًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ، وَقَدْ تَكَرَّرَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْهُ فِي رِجَالٍ كَثِيرِينَ مِنْ أصحاب الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ السَّبَبِ، كَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ، وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ يَعْلَى بْنِ الْأَشْدَقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ، قَالَ: أَصْبَحْنَا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ صِيَامًا، وَكَانَ الشَّهْرُ قَدْ أُغْمِيَ عَلَيْنَا، فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ عليه السلام، فَأَصَبْنَاهُ مُفْطِرًا، فَقُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ صُمْنَا الْيَوْمَ، فَقَالَ "أَفْطِرُوا"، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا يَصُومُ هَذَا الْيَوْمَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، لَأَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ يُتَمَارَى فِيهِ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ لَيْسَ مِنْهُ" يَعْنِي مِنْ رَمَضَانَ قَالَ الْخَطِيبُ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ كِفَايَةٌ عَمَّا سِوَاهُ، وَشَنَّعَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَى الْخَطِيبِ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ تَشْنِيعًا كَثِيرًا، وَقَالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ عَلَى ابْنِ جَرَادٍ، لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ تَرَخَّصُوا فِي ذِكْرِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ نُسْخَةُ يَعْلَى بْنِ الْأَشْدَقِ عَنْ ابْنِ جَرَادٍ، وَهُوَ نُسْخَةٌ مَوْضُوعَةٌ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: يَعْلَى بْنُ الْأَشْدَقِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَعْلَى بْنُ الْأَشْدَقِ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ أَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، وَهُوَ وَعَمُّهُ غَيْرُ مَعْرُوفَيْنِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رحمه الله: لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، انْتَهَى. وَوَافَقَهُ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا تَطَوُّعًا".قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا1. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ". قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَيَصُومُهُ" 3، انْتَهَى. وَآخِرُ الْحَدِيثِ يَدْفَعُ تَأْوِيلَ صَاحِبِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ لِلشَّافِعِيِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهِيَةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ تَطَوُّعًا، ابْتِدَاءً، أَيْ لَا يُوَافِقُ عَادَةً، ثُمَّ قَالَ: وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَصُومُوا رَمَضَانَ فِي غَيْرِ أوانه، ويرده ما وفع فِي لَفْظٍ أَيْضًا: " لَا تَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ رَمَضَانَ4 بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ"، وَقَدْ جَاءَ بِالتَّصْرِيحِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صَوْمٍ قَبْلَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ، وَالْأَضْحَى، وَالْفِطْرِ، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، انْتَهَى. وَقَالَ: انْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ1 وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ بِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ أَبُو عَبَّادٍ أَجْمَعُوا عَلَى ضَعْفِهِ، وَعَدَمِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، انْتَهَى. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَرَاهِيَةُ الصَّوْمِ بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ، وَحُجَّتُهُمْ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ2 عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا بَقِيَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَلَا تَصُومُوا"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ، وَمَعْنَاهُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُفْطِرَ الرَّجُلُ حَتَّى إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ أَخَذَ فِي الصَّوْمِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرَ الْعَلَاءِ، وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، قَالَ: وَسَأَلْت عَنْهُ ابْنَ مَهْدِيٍّ فَلَمْ يُصَحِّحْهُ: وَلَمْ يُحَدِّثْنِي بِهِ، وَكَانَ يَتَوَقَّاهُ، قَالَ أَحْمَدُ: وَالْعَلَاءُ ثِقَةٌ، لاينكر مِنْ حَدِيثِهِ إلَّا هَذَا، وَعِنْدَ النَّسَائِيّ فِيهِ: فَكُفُّوا، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَرُوِيَ3: فَأَمْسِكُوا، رَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ الْعَلَاءِ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ الْعَلَاءِ، فَكُفُّوا، قَالَ: وَبَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ، وَلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ فَرْقٌ، فَإِنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ نَهْيٌ لِمَنْ كَانَ صَائِمًا عَنْ التَّمَادِي فِي الصَّوْمِ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ نَهْيٌ لِمَنْ كَانَ صَائِمًا، وَلِمَنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا عَنْ الصَّوْمِ بَعْدَ النِّصْفِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ لَا يُحَدِّثُ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْتَارُ أَنْ يُفْطِرَ الرَّجُلُ يَوْمَ الشَّكِّ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ، فَأَخْتَارُ أَنْ يَصُومَهُ، انْتَهَى. وَهَذَا خِلَافُ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ عَنْ الشَّافِعِيِّ. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ4، وَعَائِشَةَ أَنَّهُمَا كَانَا يَصُومَانِ يَوْمَ الشَّكِّ تَطَوُّعًا، قُلْت: غَرِيبٌ،
وَفِي "التَّحْقِيقِ" لِابْنِ الْجَوْزِيِّ مَذْهَبُ عَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ أَنَّهُ يَجِبُ صَوْمُ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إذَا حَالَ دُونَهُ غَيْمٌ أَوْ نَحْوُهُ، قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لا يسمى يوم الشك، بَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ حُكْمًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ".قُلْت: غَرِيبٌ أَيْضًا، وَالْمَعْرُوفُ هَذَا مِنْ قَوْلِ عَمَّارٍ، أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَأَتَى بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ، فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ، فَقَالَ عَمَّارٌ: مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى: وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. هَذَا حَدِيثٌ مُسْنَدٌ عِنْدَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" تَعْلِيقًا، فَقَالَ: وَقَالَ: صِلَةُ عَنْ عَمَّارٍ: مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ إلَى آخِرِهِ، وَوَهَمَ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ فِي "الْغَايَةِ" فَعَزَاهُ لِلْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ. وَمُسْلِمٌ لَمْ يَرْوِهِ، وَالْبُخَارِيُّ إنَّمَا ذَكَرَهُ تَعْلِيقًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَلَّدَ سِبْطَ ابْنَ الْجَوْزِيِّ فِي ذَلِكَ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي "تَارِيخِ بَغْدَادَ2 فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْآدَمِيِّ" ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: تَابَعَ الْآدَمِيُّ عَلَيْهِ أَحْمَدَ بْنَ عَاصِمٍ الطَّبَرَانِيَّ عَنْ وَكِيعٍ، وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ عَنْ وَكِيعٍ، فَلَمْ يُجَاوِزْ بِهِ عِكْرِمَةَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"3 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى
ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام نَهَى عَنْ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ السَّنَةِ: يَوْمِ الْأَضْحَى. وَيَوْمِ الْفِطْرِ: وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَالْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ"، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام قَبِلَ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ1 عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قَدَامَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ، قَالَ: "أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ، فَلْيَصُومُوا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحَيْهِمَا"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِسِمَاكٍ، وَالْبُخَارِيُّ احْتَجَّ بِعِكْرِمَةَ، انْتَهَى. وَلَفْظُ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَابْنِ مَاجَهْ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ اللَّيْلَةَ، وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ2: جَاءَ لَيْلَةَ رَمَضَانَ، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد: رَأَيْت الْهِلَالَ يَعْنِي هِلَالَ رَمَضَانَ وَتَابَعَ زَائِدَةَ عَلَى إسْنَادِهِ الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، وَحَازِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، فَرَوَاهُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَحَدِيثُ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيِّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ سِمَاكٍ يَرْوُونَهُ عَنْهُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَحَدِيثُ حَازِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ"3 وَرَوَاهُ عَنْ سِمَاكٍ أَيْضًا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ، فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُسْنَدًا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"4 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ بِهِ مُرْسَلًا، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَقَالَ فِيهِ: فَنَادَى فِي النَّاسِ: أَنْ تَقُومُوا، وَأَنْ تَصُومُوا، وَقَالَ: لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقِيَامَ إلَّا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَنْ سِمَاكٍ أَيْضًا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ5 فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى الشَّيْبَانِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سِمَاكٍ بِهِ مُسْنَدًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ مُرْسَلًا، قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ6، لِأَنَّ سِمَاكًا كَانَ يُلَقَّنُ
فَيَتَلَقَّنُ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ أَثْبَتُ فِي سُفْيَانَ مِنْ الْفَضْلِ، انْتَهَى. قَالَ الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ: رِوَايَةَ زَائِدَةَ1، وَحَازِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْبَجَلِيِّ مِمَّا يُقَوِّي رِوَايَةَ الْفَضْلِ الشَّيْبَانِيِّ، وَقَدْ رَأَيْت ابْنَ الْمُبَارَكِ يَرْوِي كَثِيرًا مِنْ حَدِيثٍ صَحِيحٍ فَيُوقِفُهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَأَخْبَرْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْته، فَصَامَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ" عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الْأَيْلِيِّ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ بِهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" بِسَنَدِ أَبِي دَاوُد، وَكَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ، انْتَهَى. وَسَنَدُ الْحَاكِمِ وَارِدٌ عَلَيْهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الْأَيْلِيِّ ثَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: شَهِدْت الْمَدِينَةَ وَبِهَا ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ إلَى وَالِيهَا فَشَهِدَ عِنْدَهُ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ شَهَادَتِهِ، فَأَمَرَاهُ أَنْ يُجِيزَهُ، وَقَالَا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ هِلَالِ رَمَضَانَ قَالَا: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ الْإِفْطَارِ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْأَيْلِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": حَفْصٌ هَذَا، هو حفص بن عمرو بْنِ دِينَارٍ الْأَيْلِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ، وَلَمْ يُخْرِجْ لَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ، وَأَمَّا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ الْعَدَنِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْفَرْخِ، فَرَوَى لَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَوَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَيْسَ هُوَ هَذَا. الْآثَارُ: رَوَى أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَ وَرْقَاءُ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كُنْت مَعَ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْبَقِيعِ، نَنْظُرُ إلَى الْهِلَالِ، فَأَقْبَلَ رَاكِبٌ فَتَلَقَّاهُ عُمَرُ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ جِئْت؟ قَالَ: مِنْ الْمَغْرِبِ، فَقَالَ: أَهْلَلْت؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، إنَّمَا يَكْفِي الْمُسْلِمِينَ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ، انْتَهَى. وَعَبْدُ الْأَعْلَى هَذَا مُتَكَلَّمٌ فِيهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ3 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عمر وابن عُثْمَانَ عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بنت حسن أَنَّ رَجُلًا شَهِدَ عِنْدَ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ، فَصَامَ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَصُومُوا، وَقَالَ: أَصُومُ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ لِمَالِكٍ رضي الله عنه فِي "الشَّاهِدَيْنِ": اُسْتُدِلَّ لِمَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: "لَا يُصَامُ وَلَا يُفْطَرُ إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ" بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ الْحَارِثِ الْجَدَلِيِّ أَنَّ أَمِيرَ مَكَّةَ خَطَبَنَا، فَقَالَ: عَهِدَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَنْسُكَ، فَإِنْ لَمْ نَرَهُ، وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ نَسَكْنَا بِشَهَادَتِهِمَا، فَسَأَلْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ الْحَارِثِ مَنْ أَمِيرُ مَكَّةَ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، ثُمَّ لَقِيَنِي بَعْدُ، فَقَالَ: هُوَ الْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ، انْتَهَى. وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ.
باب مايوجب القضاء والكفارة
بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ عليه الصلاة والسلام، لِلَّذِي أَكَلَ وَشَرِبَ نَاسِيًا: "تِمَّ عَلَى صَوْمِك، فَإِنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك"، قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"1 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَكَلْت وَشَرِبْتُ نَاسِيًا، وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ: "اللَّهُ أَطْعَمَك وَسَقَاك"، انْتَهَى. وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ، وَلَفْظُ الْبَاقِينَ: "مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنِّي كُنْت صَائِمًا فَأَكَلْت وَشَرِبْت نَاسِيًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتِمَّ صَوْمَك، فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَك وَسَقَاك"، انْتَهَى. وَزَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي لَفْظٍ: "وَلَا قَضَاءَ عَلَيْك"، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" بِلَفْظِ الْجَمَاعَةِ، وَزَادَ فِيهِ: "فَلَا يُفْطِرْ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ"، وَزَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ: "فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ"، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا كَفَّارَةَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ بِسَنَدِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2، وَقَالَ:
صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَتِهِ فِي "سُنَنِهِمَا"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"1: تَفَرَّدَ بِهِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ2: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ثَنَا بَشَّارُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ دِينَارٍ عَنْ مَوْلَاتِهَا أُمِّ إسْحَاقَ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ فَأَكَلَتْ مَعَهُ، وَمَعَهُ ذُو الْيَدَيْنِ، فَنَاوَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرْقًا، فَقَالَ: "ياأم إسْحَاقَ أَصِيبِي مِنْ هَذَا"، فَأَصَبْتُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ، أَنِّي صائمة، فبرهت يَدِي3، لَا أُقَدِّمُهَا وَلَا أُؤَخِّرُهَا، فَقَالَ عليه السلام: "أَتِمِّي صَوْمَك، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْك"، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، غَيْرُ مُخَرَّجٍ فِي "السُّنَنِ"، وَبَعْضُ رُوَاتِهِ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ، وَبَشَّارُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: يَرْوِي عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ حَكِيمِ ابْنَةِ دِينَارٍ، وَرَوَى عَنْهُ مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "التَّارِيخِ": بَشَّارُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ يُعَدُّ فِي الْبَصْرِيِّينَ، قَالَ لَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ: ثَنَا بَشَّارُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَكِيمٍ، سَمِعْتُ مَوْلَاتَهَا أُمَّ إسْحَاقَ الْعَنَزِيَّةَ، قَالَتْ: هَاجَرْتُ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْقَيْءُ، وَالْحِجَامَةُ، وَالِاحْتِلَامُ".قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ. فَحَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ"4 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْحِجَامَةُ. وَالْقَيْءُ. وَالِاحْتِلَامُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا، لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ، قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أَرْوِي عَنْهُ شَيْئًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"5، وَقَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَرَوَاهُ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ، لَا يُحْتَجُّ بِمَا يَتَفَرَّدُ بِهِ، ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، وَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ
كَانَ يَقْلِبُ الْأَخْبَارَ، وَهُوَ لَا يعلم، حتى كثر فِي رِوَايَتِهِ مِنْ رَفْعِ الْمَوْقُوفَاتِ، وَإِسْنَادِ الْمُرْسَلَاتِ، فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ، انْتَهَى. قُلْتُ: رَوَاهُ مُرْسَلًا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، فَقَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ بِهِ مُسْنَدًا، قَالَ الْبَزَّارُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ إنَّمَا يُعْرَفُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ جِدًّا، فَذَكَرْنَاهُ عَنْ أَخِيهِ أُسَامَةَ، لِأَنَّهُ أَحَدُ الْإِخْوَةِ، وَهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأُسَامَةُ وَلَمْ يُسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ إلَّا مِنْ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءٍ بِهِ، وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، فَقَدْ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ النَّسَائِيّ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَلَيَّنَهُ هُوَ، وَقَالَ: وَمَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ": هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"2 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عِيسَى بْنِ سَاسَانَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الرَّمْلِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بن حبان أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ ثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْقَيْءُ. وَالْحِجَامَةُ. وَالِاحْتِلَامُ"، انْتَهَى. قَالَ: وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِهَا إسْنَادًا، وَأَصَحِّهَا، إلَّا أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ لَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: سُلَيْمَانُ بن حبان صَدُوقٌ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، قَالَ: وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ مَعِينٍ، فَإِنَّهُ أُتِيَ عَلَيْهِ مِنْ سُوءِ حِفْظِهِ، قَالَ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا لَا أَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، وَلَا عَنْهُ إلَّا سُلَيْمَانَ هَذَا، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط"1 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ مَوْهَبٍ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي عَدِيٍّ التُّرْكِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْحِجَامَةُ. وَالْقَيْءُ. وَالِاحْتِلَامُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ ثَوْبَانَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ وَهْبٍ، انْتَهَى. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُفْطِرُ مَنْ قَاءَ، وَلَا مَنْ احْتَلَمَ، وَلَا مَنْ احْتَجَمَ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" مُشِيرًا إلَى هَذَا الْحَدِيثِ: وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَغَيْرِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسلم من أصحاب النبي عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: "لَا يُفْطِرُ مَنْ قَاءَ" الْحَدِيثَ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الثَّوْرِيِّ نَحْوُ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، والدارقطني، وَغَيْرُهُمْ. وَالْمَحْفُوظُ فِيهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ" فِي حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ: هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ أَوْلَادُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الثَّلَاثَةُ: عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأُسَامَةُ عَنْ أَبِيهِمْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَحَدَّثَ بِهِ شَيْخٌ يُعْرَفُ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَنَسٍ الشَّامِيِّ وَكَانَ ضَعِيفًا عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِهِ، قَالَ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ هِشَامٍ، وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ صَاحِبٍ لَهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَقَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِيَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ قَاءَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ"،قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ3 عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَإِنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ ذَا شَيْءٌ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ الْحَدِيثَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ. حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ4 عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام إلَّا مِنْ حَدِيثِ
عِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ: لَا أُرَاهُ مَحْفُوظًا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ1، وَثَوْبَانَ، وَفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَاءَ فَأَفْطَرَ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا، فَقَاءَ، فَضَعُفَ، فَأَفْطَرَ لِذَلِكَ، هَكَذَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ مُفَسَّرًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا"، وَزَادَ إسْحَاقُ: قَالَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ: زَعَمَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ أَنَّ هِشَامًا وَهِمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ بِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَسَكَتَ عَنْهُ. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جَدِّهِ بِهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ هَذَا، هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، وَفِيهِ مَقَالٌ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ مَالِكٌ رضي الله عنه فِي "الْمُوَطَّأِ"4 مَوْقُوفًا على ابن عمر: أنا نَافِعَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ. وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشافعي في "مسنده"، ووقفه عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَلَى ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا، وَعَلَى عَلِيٍّ، وَالْمُفَسَّرُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ5 مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَرْزُوقٍ قَالَ: سَمِعْت فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ يُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام خَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي يَوْمٍ كَانَ يَصُومُهُ فَدَعَا بِإِنَاءٍ، فَشَرِبَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا يَوْمٌ كُنْتَ تَصُومُهُ، قَالَ: "أَجَلْ، وَلَكِنِّي قِئْتُ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله اسْتَدَلَّ بِهِ هُنَا عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عَلَى
الْمَرْأَةِ كَمَا تَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ يَعْنِي فِي الْجِمَاعِ لِأَنَّ "مَنْ" تُطْلَقُ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ أَحْمَدُ، وَالْحَدِيثُ لَمْ أَجِدْهُ، وَلَكِنْ اسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِمَذْهَبِنَا، وَمَذْهَبِهِ بِمَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، انْتَهَى. قَالَ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَلَّقَ التَّكْفِيرَ بِالْإِفْطَارِ، وَهُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ حَسَنٌ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ يَحْيَى الحماني حدثنا هشيم عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَمَرَ الَّذِي أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، انْتَهَى. قَالَ: وَالْمَحْفُوظُ عَنْ هُشَيْمِ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلًا، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ اللَّيْثِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالْفِطْرِ الْعَمْدِ، أَكْلًا، أوشرباً، أَوْ جِمَاعًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ: لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْجِمَاعِ، وَاسْتَدَلَّ لَنَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ فِي رَمَضَانَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ عليه السلام أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِأَبِي مَعْشَرٍ، وَقَالَ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ احْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ3، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُمْ يَحْمِلُونَهُ عَلَى الْجِمَاعِ، قَالُوا: وَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ نَحْوِ الْعِشْرِينَ رَجُلًا، ذَكَرَهُمْ الْبَيْهَقِيُّ4، فَقَالُوا فِيهِ: إنَّ رَجُلًا وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ5: وَرِوَايَةُ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُقَيَّدَةً بِالْوَطْءِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، لِزِيَادَةِ حِفْظِهِمْ، وَأَدَائِهِمْ الْحَدِيثَ عَلَى وَجْهِهِ، كَيْفَ! وَقَدْ رَوَى حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ نَحْوَ رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ مَسْعَدَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ فِي رَمَضَانَ: "أَعْتِقْ رَقَبَةً،
قَالَ مَا أَجِدُهَا، قَالَ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ، قَالَ: مَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا"، وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي هَذَا الْبَابِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ كِفَايَةٌ. الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ عليه السلام، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْتُ، وَأَهْلَكْتُ، فَقَالَ: "مَاذَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: وَاقَعْتُ امْرَأَتِي فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا، فَقَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً، قَالَ: لَا أَمْلِكُ إلَّا رَقَبَتِي هَذِهِ، قَالَ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَقَالَ: وَهَلْ جَاءَنِي مَا جَاءَنِي إلَّا مِنْ الصَّوْمِ، فَقَالَ: أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا، فَقَالَ: لَا أَجِدُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُؤْتَى بِفَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ ويروى بفرق فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَقَالَ: فَرِّقْهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَيْسَ بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ أَحْوَجَ مِنِّي، وَمِنْ عِيَالِي، فَقَالَ: كُلْ أَنْتَ وَعِيَالُك يُجْزِئُك، وَلَا يُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَك". قُلْت: أَخْرَجَ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ1 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ عليه السلام، فَقَالَ: هَلَكْتُ، قَالَ: "مَا شَأْنُكَ؟، قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: اجْلِسْ، فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَرَقِ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنَّا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ2 وَفِي لَفْظٍ: أَنْيَابُهُ، وَفِي لَفْظٍ: نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَالَ: خُذْهُ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "وَطِئْتُ امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ نَهَارًا"، وَعِنْدَ مَالِكٍ فِي "الْمُوَطَّأِ"3: "أَصَبْت أَهْلِي، وَأَنَا صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ"، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد: زَادَ الزُّهْرِيُّ: وَإِنَّمَا كَانَ هذا رخصة له خاصة، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فَعَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ له بُدٌّ مِنْ التَّكْفِيرِ، وَفِي لَفْظٍ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"4: احْتَرَقْت، مَوْضِعَ هَلَكْت، وَفِيهِمَا مَا يَدُلُّ لِجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْعَامِدِ، لِأَنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ هَالِكٍ، وَلَا مُحْتَرِقٍ، عَلَى أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ مُرْسَلَةٍ، التَّصْرِيحُ بِالْعَمْدِ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"5 عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ عليه السلام، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْطَرْت فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا، الْحَدِيثَ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"1 عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام يَنْتِفُ شَعْرَهُ، وَيَضْرِبُ فَخِذَهُ، وَيَقُولُ: هَلَكَ الْأَبْعَدُ، فَذَكَرَهُ، وَهُوَ مِنْ مَرَاسِيلِ سَعِيدٍ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ" مُسْنَدًا3 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ ثَنَا رَوْحٌ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ يَلْطِمُ وَجْهَهُ، وَيَنْتِفُ شَعْرَهُ، الْحَدِيثَ. وَفِي الْكِتَابِ: هَلَكْت، وَأَهْلَكْت، وَلَيْسَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ: إلَّا هَلَكْت فَقَطْ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَرُوِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ هَلَكْت، وَأَهْلَكْت، وَاسْتَدَلَّ بِهَا بَعْضُهُمْ عَلَى مُشَارَكَةِ الْمَرْأَةِ إيَّاهُ فِي الْجِنَايَةِ، قَالَ: وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، وَأَصْحَابُ سُفْيَانَ لَمْ يَرْوُوهَا عَنْهُ، إنَّمَا ذَكَرُوا قَوْلَهُ: هَلَكْت فَقَطْ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا حَدَّثَنِي أَنَّ الْمُعَلَّى بْنَ مَنْصُورٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سُفْيَانَ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَرْفَ فِيهِ، وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَالْمُعَلَّى لَيْسَ بِذَلِكَ الْقَوِيِّ فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ، انْتَهَى. قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ أَبِي ثَوْرٍ ثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، فَقَالَ: هَلَكْت، وَأَهْلَكْت، الْحَدِيثَ. ثُمَّ قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو ثَوْرٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِقَوْلِهِ: وَأَهْلَكْت، وَهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، وَفِيهِ: هَلَكْت، وَأَهْلَكْت، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: ضَعَّفَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ: وَأَهْلَكْت، وَقَالَ: إنَّهَا أُدْخِلَتْ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الْأَرْغِيَانِيِّ، فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ بِالْإِسْنَادِ دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَرَوَاهُ كَافَّةُ أَصْحَابِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ دُونَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَكَانَ
شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَسْتَدِلُّ عَلَى كَوْنِهَا فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَيْضًا خَطَأً، بِأَنَّهُ نَظَرَ1 فِي "كِتَابِ الصَّوْمِ" تَصْنِيفِ الْمُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ، فَوَجَدَ فِيهِ هَذَا الْحَدِيثَ دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَأَنَّ كَافَّةَ أَصْحَابِ سُفْيَانِ رَوَوْهُ دُونَهَا، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": وَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ: إنَّمَا كَانَ هَذَا رُخْصَةً لَهُ خَاصَّةً، دَعْوَى لَمْ يَقُمْ لَهُ عَلَيْهَا بُرْهَانٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَهُوَ أَيْضًا دَعْوَى، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: تُجْزِئُك، وَلَا تُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَك، لَمْ أَجِدْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ، وَلَا رِوَايَةَ: الْفَرْقِ بِالْفَاءِ، وَالْفَرْقُ: هُوَ الزِّنْبِيلُ، قِيلَ: يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي "الصَّوْمِ" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: فَأَتَى بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، قَدْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَقَالَ: "كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِك، وَصُمْ يَوْمًا، وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ"، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَعِلَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعْفُ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": طُرُقُ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ، وَلَيْسَ فِيهَا: صُمْ يَوْمًا، وَلَا مِكْتَلَةُ التَّمْرِ3، وَلَا الِاسْتِغْفَارُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ مُرْسَلًا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا الْمُرْسَلُ فِي "مُوَطَّأِ مَالِكٍ" عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَذَكَرَهُ، وَفِي آخِرِهِ: فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "كُلْهُ، وَصُمْ يَوْمًا، مَكَانَ مَا أَصَبْت"، مُخْتَصَرٌ. وَزَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ4 فِي هَذَا الْحَدِيثِ: "فَقَدْ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْك"، وَكَأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ تَقَعْ لَهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ، فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ نَقَلَ عَنْهُ فِي "الْمَعْرِفَةِ" أَنَّهُ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ دَيْنٌ عَلَيْهِ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهَا، أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ"، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"5 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ رَزِينٍ الْبَكْرِيِّ، قَالَ:
حَدَّثَتْنَا مَوْلَاةٌ لَنَا، يُقَالُ لَهَا: سَلْمَى مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ، هَلْ مِنْ كِسْرَةٍ؟ " فَأَتَيْته بِقُرْصٍ، فَوَضَعَهُ فِي فِيهِ، وَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ هَلْ دَخَلَ بَطْنِي مِنْهُ شَيْءٌ؟! " كَذَلِكَ قُبْلَةُ الصَّائِمِ، إنَّمَا الْإِفْطَارُ مِمَّا دَخَلَ، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ، انْتَهَى. وَوَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ. فَقَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ وَائِلِ بْنِ دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ، وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ، وَالْفِطْرُ فِي الصَّوْمِ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَوَقَفَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ1، قَالَ: وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، وَلَا يَثْبُتُ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ2 تَعْلِيقًا، فَقَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ: الصَّوْمُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: وَقَدْ نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الِاكْتِحَالِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَإِلَى الصَّوْمِ فِيهِ. قُلْت: أَمَّا لصوم، فَأَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"3 عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ: "مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ4 أَيْضًا عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلَى قُرَى الْأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: "مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ"، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، وَتَصُومُ صِبْيَانُنَا الصِّغَارُ، فَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُمْ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا5 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ: "مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟ " قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَأَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ عليه السلام: "نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ" وَصَامَهُ عليه السلام، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ، قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَاهُ1 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَاهُ2 عَنْ مُعَاوِيَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ لَمْ يَكْتُبْ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُفْطِرَ فَلْيُفْطِرْ"، انْتَهَى. وَلِمُسْلِمٍ3 عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَيَحُثُّنَا عَلَيْهِ، وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ لَمْ يَأْمُرْنَا، وَلَمْ يَنْهَنَا عَنْهُ، وَلَمْ يَتَعَاهَدْنَا عِنْدَهُ، انتهى. ولمسلم4 عن الْحَكَمَ بْنَ الْأَعْرَجِ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، قَالَ: إذَا رَأَيْت هِلَالَ الْمُحَرَّمِ، فَاعْدُدْ، وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا، قُلْت: هَكَذَا كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حِينَ صَامَ عليه السلام يَوْمَ عَاشُورَاءَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ عليه السلام: "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ"، فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ عليه السلام. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ5 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ، فَقَالَ: "لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ"، فَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ، قَالَ: "وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ"، فَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمَيْنِ، فَقَالَ: "لَيْتَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَوَّانَا لِذَلِكَ"، وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ، فَقَالَ: "ذَاكَ صَوْمُ أَخِي دَاوُد عليه السلام"، وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، فَقَالَ: "ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْت فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْت، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ"، قَالَ: فَقَالَ: "صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانَ إلى رمضان صَوْمُ الدَّهْرِ"، وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَقَالَ: "يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ"، وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: "يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ"، قَالَ مُسْلِمٌ" وَفِيهِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ، وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَسَكَتْنَا عَنْ ذِكْرِ الْخَمِيسِ، لِمَا نَرَاهُ وَهَمًا، انْتَهَى. وَأَمَّا الِاكْتِحَالُ: فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ"، فِي الْبَابِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْوَرَّاقُ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ ثَنَا جُوَيْبِرٌ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اكْتَحَلَ بِالْإِثْمِدِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرْمَدْ أَبَدًا"، انْتَهَى. قَالَ: الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ بِمُرَّةَ، فَجُوَيْبِرٌ ضَعِيفٌ، وَالضَّحَّاكُ لَمْ يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الْبَيْهَقِيّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ"، وَنَقَلَ عَنْ الْحَاكِمِ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَضَعَهُ قَتَلَةُ، الْحُسَيْنِ رضي الله عنه، انْتَهَى. وَجُوَيْبِرٌ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: مَتْرُوكٌ، وَأَمَّا أَنَّ الضَّحَّاكَ لَمْ
يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُشَاشٌ، قَالَ: سَأَلْت الضَّحَّاكَ، هَلْ رَأَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقَالَ: لَا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ: لَمْ يَلْقَ الضَّحَّاكُ ابْنَ عَبَّاسٍ إنَّمَا لَقِيَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، فَأَخَذَ عَنْهُ التَّفْسِيرَ، انْتَهَى. وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ" عَنْ أَبِي طَالِبٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ الْعُشَارِيِّ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ النَّوْشَرِيُّ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّجَّادُ ثَنَا إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ ثَنَا شُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ ثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ تَرْمَدْ عَيْنُهُ تِلْكَ السَّنَّةَ كُلَّهَا"، انْتَهَى. وَقَالَ1: فِي رِجَالِهِ مَنْ يُنْسَبُ إلَى تَفْضِيلٍ، فَدُسَّ عَلَيْهِ فِي أَحَادِيثِ الثِّقَاتِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ2 أَبِي عَاتِكَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، فَقَالَ: اشْتَكَتْ عَيْنِي، أَفَأَكْتَحِلُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ، وَأَبُو عَاتِكَةَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": حَدِيثٌ وَاهٍ جِدًّا، وَأَبُو عَاتِكَةَ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، واسمه: طريف بن سليمان، ويقال: سليمان بْنُ طَرِيفٍ3 قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ الرَّازِيُّ: ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ4 عَنْ بَقِيَّةَ ثَنَا الزُّبَيْدِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: اكْتَحَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَظَنَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الزُّبَيْدِيَّ فِي سَنَدِ ابْنِ مَاجَهْ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، الثِّقَةُ الثَّبْتُ، وَذَلِكَ وَهَمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيُّ، كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ، وَلَكِنَّ الرَّاوِيَ دَلَّسَهُ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَلَيْسَ هُوَ بِمَجْهُولٍ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، بَلْ هُوَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الزُّبَيْدِيُّ الْحِمْصِيُّ، وَهُوَ مَشْهُورٌ، وَلَكِنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى
ضَعْفِهِ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي "كِتَابِهِ" فَرَّقَ بَيْنَ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَهُمَا وَاحِدٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتَحِلُ وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ مَوْقُوفٌ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ عُتْبَةَ أَبِي مُعَاذٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْتَحِلُ وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": إسْنَادُهُ مُقَارِبٌ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: عُتْبَةُ بْنُ حُمَيْدٍ الضَّبِّيُّ أَبُو مُعَاذٍ الْبَصْرِيُّ صَالِحُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ مِنْ اكْتِحَالِ الصَّائِمِ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ معبد بن هودة عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِثْمِدِ عِنْدَ النَّوْمِ، وَقَالَ: لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ، قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ لِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَمَعْبَدُ، وَابْنُهُ النُّعْمَانُ كَالْمَجْهُولِينَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَلَا يُفْعَلُ لِتَطْوِيلِ اللِّحْيَةِ يَعْنِي الدَّهْنَ إذَا كَانَتْ بِقَدْرِ الْمَسْنُونِ، وَهُوَ الْقَبْضَةُ، قُلْت: وَفِيهِ أَثَرَانِ: أَحَدُهُمَا: عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَالْآخَرُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ3 فِي "كِتَابِ الصَّوْمِ" عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ مروان بن سالم المفقع، قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى الْكَفِّ، وَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام إذَا أَفْطَرَ، قَالَ: "ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَتْ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تعليقاً4
فَقَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا حَجَّ، أَوْ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ، انْتَهَى. وَجَهِلَ1 مَنْ قَالَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا: ذكره، وَلَا يُقَالُ: رَوَاهُ، وَيُنْظَرُ، فَإِنَّ عَبْدَ الْحَقِّ ذَكَرَهُ فِي "الطَّهَارَةِ فِي الْمَوْصُولِ". طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، وَوَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا جَاوَزَ الْقَبْضَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ2 فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ عُمَرَ" أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أَنْبَأَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى بِهِ. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ يَقُصُّ مَا تَحْتَ الْقَبْضَةِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَيُّوبَ، مِنْ وَلَدِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، قَالَ: كان أبي هُرَيْرَةَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَيَأْخُذُ مَا فَضَلَ عَنْ الْقَبْضَةِ، انْتَهَى. وَيُشْكِلُ عَلَى هَذِهِ الْآثَارِ حَدِيثُ: وَأَعْفُوا اللِّحَى، وَهُوَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"3 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "أَحْفُوا أَيْ اقْطَعُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "خَيْرُ خِلَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"4 مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ خَيْرِ خِلَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: مُجَالِدٌ غَيْرُهُ أَثْبَتُ مِنْهُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: مِنْهَا حَدِيثُ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ"، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَمَّمَ كُلَّ صَلَاةٍ، فَيَدْخُلُ فِيهَا صَلَوَاتُ رَمَضَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِعُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ لَكَانَ أَوْلَى مِنْ اسْتِدْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ1 عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستاك وهو صائم، مالا أَعُدُّ وَلَا أُحْصِي، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَابْنِ سَعْدٍ، وَأَبِي حَاتِمٍ، وَالْجُوزَجَانِيِّ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَهُوَ مُغَفَّلٌ، وَقَالَ الْعِجْلِيّ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "الْإِمَامِ": وَعَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ هَذَا، قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا نَعْلَمُ مَالِكًا رَوَى عَنْ إنْسَانٍ ضَعِيفٍ مَشْهُورٍ بِالضَّعْفِ إلَّا عَاصِمَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَرْوِي عَنْهُ حَدِيثًا وَعَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، وَهُوَ أَصْلُحُ مِنْ عَاصِمٍ، وَعَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، وَهُوَ أَصْلَحُ مِنْ عَمْرٍو، وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَ عَنْ أَحَدٍ يُتْرَكُ حَدِيثُهُ إلَّا عَبْدَ الْكَرِيمِ بْنَ أَبِي الْمُخَارِقِ الضُّمَيْرِيَّ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"2 حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَغَوِيّ ثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيِّ حدثنا بكر بن حنيش عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، قَالَ: سَأَلَتْ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَتَسَوَّكُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: أَيَّ النَّهَارِ أَتَسَوَّكُ؟ قَالَ. أَيَّ النَّهَارِ شِئْت، غَدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً، قُلْت: إنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَهُ عَشِيَّةً، وَيَقُولُونَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَخُلُوفُ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ" فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! لَقَدْ أَمَرَهُمْ بِالسِّوَاكِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أنه لابد أَنْ يَكُونَ بِفِي الصَّائِمِ خُلُوفٌ، وَإِنْ اسْتَاكَ، وَمَا كَانَ بِاَلَّذِي يَأْمُرُهُمْ أَنْ يُنْتِنُوا أَفْوَاهَهُمْ عَمْدًا، مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْءٌ، بَلْ فِيهِ شَرٌّ، إلَّا مَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلَاءٍ، لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا، قَالَ: وَكَذَا الْغُبَارُ3 فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لِقَوْلِهِ عليه السلام: "مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1 فِي "الْجِهَادِ" عَنْ أَبِي عَبْسٍ إنَّمَا يُؤْجَرُ فِيهِ مَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ، وَلَمْ يَجِدْ عَنْهُ مَحِيصًا2 فَأَمَّا مَنْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَلَاءِ عَمْدًا فَمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَجْرِ شَيْءٌ، انْتَهَى. قُلْت: وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا مَنْ تَكَلَّفَ الدَّوَرَانَ، وَكَثْرَةَ الْمَشْيِ إلَى الْمَسَاجِدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ عليه السلام: "وكثرة الخطا إلَى الْمَسَاجِدِ"، وَمَنْ يَصْنَعُ فِي طُلُوعِ الشَّيْبِ فِي شَعْرِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ عليه السلام: "مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ" إنَّمَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِمَا مَنْ بُلِيَ بِهِمَا. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ3 عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ الْخُوَارِزْمِيَّ، قَالَ: سَأَلَتْ عَاصِمًا الْأَحْوَلَ، أَيَسْتَاكُ الصَّائِمُ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَتَرَاهُ أَشَدَّ رُطُوبَةً مِنْ الْمَاءِ، قُلْت: أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: عَمَّنْ رَحِمَك اللَّهُ؟ قَالَ: عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُوَارِزْمِيَّ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ عَاصِمٍ بِالْمَنَاكِيرِ، لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ أَوَّلِ النَّهَارِ وَآخِرِهِ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ كَذَلِكَ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرَةَ الْحَرَّانِيِّ عَنْ شُجَاعِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاكُ آخِرَ النَّهَارِ وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِابْنِ مَيْسَرَةَ، وَقَالَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَرَفْعُهُ بَاطِلٌ، وَالصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ فِعْلِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"4 مِنْ حَدِيثِ كَيْسَانَ أَبِي عَمْرٍو الْقَصَّارِ5 عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ خَبَّابُ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "إذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ، وَلَا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ، فَإِنَّ الصَّائِمَ إذَا يَبِسَتْ شفتاه كانت له نور يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ رحمه الله: كَيْسَانُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ كَيْسَانَ
عَنْ يَزِيدَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا، وَقَالَ: كَيْسَانُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ1، وَيَزِيدُ بْنُ بِلَالٍ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ"، قُلْت: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا، وَرَجُلٌ قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "مَا هَذَا؟ " قَالُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ: "لَيْسَ مِنْ الْبَرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ"، انْتَهَى. وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي لَفْظٍ: وَعَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ، انْتَهَى. وَرُوِيَ: "لَيْسَ مِنْ امْبِرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَرِ" وَهِيَ لُغَةُ بَعْضِ الْعَرَبِ، رَوَاهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، فَذَكَرَهُ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"3، وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الشَّافِعِيِّ رضي الله تعالى عنه فِي قَوْلِهِ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ لِمَنْ لَا يَسْتَضِرُّ بِالصَّوْمِ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَصِحُّ عَنْ الشافعي، ولا يحكى عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَهَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ"، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَرَدَتْ فِي صِيَامِ مَنْ اسْتَضَرَّ بِالصَّوْمِ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ لِأَحْمَدَ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ فِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ عليه السلام: "هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَهُ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، قَالَ: "أُولَئِكَ الْعُصَاةُ" وَهَذَا أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ اسْتَضَرَّ، بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ فِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ فِيهِ أَيْضًا، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "الْمَغَازِي"، وَفِيهِ: وَكَانَ أَمَرَهُمْ بِالْفِطْرِ، فَلَمْ يَقْبَلُوا، وَأَمَّا حَدِيثُ: الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"4 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى التَّيْمِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَائِمُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى الْمَدَنِيِّ ثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ أَسْنَدَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَتَابَعَهُ يُونُسُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ1، وَغَيْرُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلَوْ ثَبَتَ مَرْفُوعًا لَكَانَ خُرُوجُ النَّبِيِّ عليه السلام حِينَ خَرَجَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، ثُمَّ أَفْطَرَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالْفِطْرِ دَلِيلًا عَلَى نَسْخِ هَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ، وَالْآخِرُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، ثُمَّ أَفْطَرَهُ، وَكَانَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّبِعُونَ الْأَحْدَثَ فَالْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ، زَادَ مُسْلِمٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَصَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ لِثْلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، انْتَهَى وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى الْمَدَنِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى التَّيْمِيُّ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ الْقُرَشِيُّ، يَرْوِي عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيد، وهو لابأس بِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَرْفَعُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ غَيْرُ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ، وَعُقَيْلٌ مِنْ رِوَايَةِ سَلَامَةَ بْنِ رَوْحٍ عَنْهُ. وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ مَبْرُورٍ عَنْهُ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى التَّيْمِيِّ عَنْهُ، وَالْبَاقُونَ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، رَوَوْهُ عَنْهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ مِنْ قَوْلِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ"3: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: الصَّحِيحُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. قُلْت: وَفِي سَمَاعِ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أَبِيهِ نَظَرٌ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْقَطَّانِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ سَمَاعِهِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ4 فِي "الصَّوْمِ" عَنْ النَّضْرِ بْنِ شَيْبَانُ، قَالَ: قُلْت لِأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: حَدِّثْنِي عَنْ شَيْءٍ سَمِعْته مِنْ أَبِيك، سَمِعَهُ أَبُوك مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنَ أَبِيك وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، قَالَ نَعَمْ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ، فَفَضَّلَهُ عَلَى الشُّهُورِ، وَقَالَ: " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا غَلَطٌ، وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ نَحْوَهُ، وَهَكَذَا نَقَلَ ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَصَحُّ، لَمَّا سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْبُخَارِيُّ لِلِانْقِطَاعِ1، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَلَوْلَا ضَعْفُ النَّضْرِ بْنِ شَيْبَانُ الْحَرَّانِيِّ وَكَانَ ثِقَةً لَثَبَتَ سَمَاعُ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أَبِيهِ، فَجُمْلَةُ أَحَادِيثَ2 يَرْوِيهَا عَنْهُ مُعَنْعَنَةٌ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ، قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَصُومُ أَحَدُكُمْ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ"، قُلْت: غَرِيبٌ مرفوعاً، وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ3، وَابْنِ عُمَرَ. فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى4 فِي الصَّوْمِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثَنَا حَجَّاجٌ الْأَحْوَلُ ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ مَكَانَ كل يوم مد مِنْ حِنْطَةٍ، انْتَهَى. وَلَمْ يُخْرِجْهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي "أَطْرَافِهِ". حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا" أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابن عمر، قال: لايصلين أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَصُومَنَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَكِنْ إنْ كُنْتَ فَاعِلًا تَصَدَّقْتَ عَنْهُ، أَوْ أَهْدَيْتَ، انْتَهَى. وَفِي "الْإِمَامِ" رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ فِي "كِتَابِهِ" أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: لَا يَصُومَنَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَحُجَّنَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَوْ كُنْتُ أَنَا لَتَصَدَّقْتُ، وَأَعْتَقْتُ، وَأَهْدَيْتُ، انْتَهَى. وَهُوَ فِي "الْمُوَطَّأِ" بَلَاغٌ، قَالَ ابْنُ مُصْعَبٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ أَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ رضي الله عنهم بِالْمَدِينَةِ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَمَرَ أَحَدًا يَصُومُ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يُصَلِّي عَنْ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ كُلُّ أَحَدٍ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَعْمَلُهُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ"1 عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ: "يُطْعَمُ عَنْهُ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالصَّحِيحُ عَنْ ابن عمر موقوف، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" بِأَشْعَثَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": الْمَحْفُوظُ مَوْقُوفٌ، هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ بُخْتٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي لَيْلَى كَثِيرُ الْوَهَمِ، وَرَوَاهُ أَصْحَابُ نَافِعٍ عَنْ نَافِعٍ عن ابن عمر. من قَوْلُهُ: ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ رَمَضَانَ، فَلْيُطْعَمْ عنه كل يوم مسكيناً مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى بِهِ مَرْفُوعًا، قَالَ فِي الَّذِي يَمُوتُ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ، وَلَمْ يَقْضِهِ: يُطْعَمُ عَنْهُ، لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: رَفْعُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ. وَالثَّانِي: قَوْلُهُ فِيهِ: نِصْفُ صَاعٍ، وَإِنَّمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ يُشْكِلُ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: هَذَا فِي النَّذْرِ، قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ عليه السلام، فَقَالَتْ: إنَّ أُمِّيَّ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، فَقَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ، أَكُنْتِ قَاضِيَةً عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: "فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ"، أَخْرَجَاهُ أَيْضًا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّذْرِ أَيْضًا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ فِي لَفْظٍ لَهُمَا عَنْهُ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، فَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ، أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَصَوْمِي عَنْ أُمِّك"، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ":
حَمَلَ أَصْحَابُنَا حَدِيثَ عَائِشَةَ عَلَى صَوْمِ النَّذْرِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يُطْعَمُ عَنْهُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَلَا يُصَامُ، قَالَ: وَذَلِكَ لِأَنَّ النِّيَابَةَ تَجْرِي فِي الْعِبَادَةِ بِحَسَبِ خِفَّتِهَا، وَالنَّذْرُ أَخَفُّ حُكْمًا، لِكَوْنِهِ لَمْ يَجِبْ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ النَّاذِرُ عَلَى نَفْسِهِ، انْتَهَى. قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "النَّذْرِ وَالْأَيْمَانِ"1 مُصَرَّحًا فِيهِ بِالنَّذْرِ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتْ الْبَحْرَ فَنَذَرَتْ إنْ اللَّهُ نَجَّاهَا أَنْ تَصُومَ شَهْرًا، فَنَجَّاهَا اللَّهُ، فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ، فَجَاءَتْ بِنْتُهَا، أَوْ أُخْتُهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَصُومَ عَنْهَا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "أَفْطِرْ وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ"، قُلْت: اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى إبَاحَةِ الْفِطْرِ فِي التَّطَوُّعِ لِعُذْرِ الضِّيَافَةِ، وَهَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: صَنَعَ رَجُلٌ طَعَامًا، وَدَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَخُوك تَكَلَّفَ وَصَنَعَ لَك طَعَامًا، وَدَعَاك، أَفْطِرْ، وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ كَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: هَذَا مُرْسَلٌ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ ثَنَا عَلِيُّ بن سعيد الرزاي حدثنا عمرو بن خليف4 بْنِ إسْحَاقَ بْنِ مِرْسَالٍ الْخَثْعَمِيُّ ثَنَا أَبِي ثَنَا عَمِّي إسْمَاعِيلُ بْنُ مِرْسَالٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: صَنَعَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعاماً، فدعا النبي عليه السلام وَأَصْحَابَهُ، فَلَمَّا أُتِيَ بِالطَّعَامِ تَنَحَّى رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "مَا لَكَ"؟ قَالَ: إنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ عليه السلام: "تَكَلَّفَ أَخُوك وَصَنَعَ طَعَامًا، ثُمَّ تَقُولُ: إنِّي صَائِمٌ؟! كُلْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ"، انْتَهَى. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ فِي الصَّوْمِ5 وَفِي الْأَدَبِ" عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ لَهُ: كُلْ، فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ،
فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، قَالَ له سَلْمَانُ: قُمْ الْآنَ: قَالَ: فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إنَّ لِرَبِّك عَلَيْك حَقًّا، وَلِنَفْسِك عَلَيْك حَقًّا، وَلِأَهْلِك عَلَيْك حَقًّا. فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ عليه السلام، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ عليه السلام: "صَدَقَ سَلْمَانُ"، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ مِنْ التَّطَوُّعِ لِعُذْرِ الضِّيَافَةِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِذِكْرِ الْقَضَاءِ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي "الصَّوْمِ بَابُ مَنْ أَقْسَمَ عَلَى أَخِيهِ لِيُفْطِرَ فِي التَّطَوُّعِ"، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ قَضَاءً، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ فِي "كِتَابِ الْأَدَبِ بَابَ صُنْعِ الطَّعَامِ لِلضَّيْفِ". أَحَادِيثُ الْفِطْرِ فِي التطوع أخرج أَبُو دَاوُد1، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْت أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ، فَعَرَضَ طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَدَرَتْنِي إلَيْهِ حَفْصَةُ، وَكَانَتْ ابْنَةَ أَبِيهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا صَائِمَتَيْنِ، فَعَرَضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ، قَالَ: "اقْضِيَا يَوْمًا آخَرَ مَكَانَهُ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ زُمَيْلٍ عَنْ عُرْوَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَرَوَى صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، مِثْلَ هَذَا، وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَمَعْمَرٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَزِيَادٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ سَعْدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ عُرْوَةَ، وَهَذَا أَصَحُّ، لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ، فَقُلْت لَهُ: أَحَدَّثَك عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ فِي هَذَا شَيْئًا، وَلَكِنْ سَمِعْت فِي خِلَافَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ نَاسٍ عَنْ بَعْضِ مَنْ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ: حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، فَذَكَرَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يُعْرَفُ لِزُمَيْلٍ سَمَاعٌ عَنْ عُرْوَةَ، وَلَا لِيَزِيدَ مِنْ زُمَيْلٍ، وَلَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَزُمَيْلٌ مَجْهُولٌ، قَالَ: وَلَوْ ثَبَتَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمَا اسْتِحْبَابًا، انْتَهَى. وَبِسَنَدِ التِّرْمِذِيِّ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"3، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَصْبَحْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ، الْحَدِيثَ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
فِي "مُصَنَّفِهِ"1 حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ أَصْبَحَتَا صَائِمَتَيْنِ، الْحَدِيثَ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عن خصيف عن سيعد بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ، الْحَدِيثَ. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"2 مِنْ حَدِيثِ خَصِيفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ كَانَتَا صَائِمَتَيْنِ، الْحَدِيثَ. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ حَمَّادِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَصْبَحَتْ عائشة، وحفصة صائمتين، الحديث. وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَحَمَّادُ بْنُ الْوَلِيدِ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه الوسط"، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا حَمَّادُ بْنُ الْوَلِيدِ. وَرَوَاهُ أَبُو هَمَّامٍ مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه الوسط"3 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الْجَمَّالُ، قَالَ: ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَكِّيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أُهْدِيَتْ لِعَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ هَدِيَّةٌ، وَهُمَا صَائِمَتَانِ، فَأَكَلَتَا مِنْهَا، فَذَكَرَتَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ، وَلَا تَعُودَا"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا صَامَتْ تَطَوُّعًا، فَأَفْطَرَتْ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَصُومَ يَوْمًا مَكَانَهُ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ"، وَأَعَلَّهُ بالضحاك بن حمرة. حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ4 حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ صَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَعَطِشَ عَطَشًا شَدِيدًا، فَأَفْطَرَ، فَسَأَلَ عِدَّةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرُوهُ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا مَكَانَهُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"1 عَنْ وَكِيعٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ: "يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ، قَالَ: " فَإِنِّي صَائِمٌ"، قَالَتْ: فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعَ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، وَقَدْ خَبَّأَتْ لَك شَيْئًا، قَالَ: " مَا هُوَ": قُلْتُ: حَيْسٌ، قَالَ: " هَاتِيهِ"، فَجِئْتُهُ بِهِ، فَأَكَلَ، وَقَالَ: "قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا"، قَالَ طَلْحَةُ: هُوَ ابْنُ يَحْيَى، فَحَدَّثْت بِهِ مُجَاهِدًا، فَقَالَ: ذَاكَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يُخْرِجُ الصَّدَقَةَ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، انْتَهَى. وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ عليه السلام يَوْمًا، فَقَالَ: "هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْنَا لَا، قَالَ: "فَإِنِّي إذًا صَائِمٌ"، ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: "أَدْنِيهِ، فَلَقَدْ أَصْبَحَتْ صَائِمًا"، فَأَكَلَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ طَلْحَةَ بِهِ، وَقَالَ فِيهِ: فَأَكَلَ. وَقَالَ: أَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ2. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ غَيْرُ الْبَاهِلِيِّ، وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَى قَوْلِهِ: وَأَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ، وَلَعَلَّهُ شُبِّهَ عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ مَنْ خَالَفَهُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، انْتَهَى. وَكَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَهَمَ مِنْ الرَّاوِي عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو الْبَاهِلِيُّ. وَكَلَامُ النَّسَائِيّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَهَمَ مِنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ نَفْسِهِ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ طَلْحَةَ بِهِ، بِلَفْظِ النَّسَائِيّ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"3، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْت سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ عَامَّةَ مَجَالِسِهِ، لَا يَذْكُرُ فِيهِ: سَأَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ، ثُمَّ عَرَضْتُهُ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ، فَذَكَرَهُ فِيهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ سُفْيَانَ دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ4، وَشُعْبَةُ، وَوَكِيعٌ، وَيَحْيَى الْقَطَّانُ، وَغَيْرُهُمْ، قَالَ: وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ قَوْلَهُ: سَأَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ، أَيْ تَطَوُّعًا، وَجَعَلَهُ بِمَثَابَةِ قَضَائِهِ عليه السلام الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، حِينَ شَغَلَهُ عَنْهُمَا الْوَفْدُ، وَجَعَلَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ5 حَدِيثَ عُمَرَ لَمَّا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَمَرَهُ
عليه السلام أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه السلام مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ حَتَّى إذَا كَانَ بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ. وَهُوَ صَائِمٌ رَفَعَ إنَاءً فَشَرِبَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ، وَفِي لَفْظٍ: فَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَصْرِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمَّا كَانَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهِ لِعُذْرِ السَّفَرِ، كَانَ لَهُ إذَا دَخَلَ فِيهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ، كَمَا فَعَلَ عليه السلام، فَالتَّطَوُّعُ أَوْلَى، انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا. حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ مَرْفُوعًا: الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ، إنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ، وَفِي سَنَدِهِ اخْتِلَافٌ، وَفِي لَفْظِهِ اخْتِلَافٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: عَنْ عُمَرَ، قَالَ: مَا تَجَانَفْنَا لِإِثْمٍ، قَضَاءُ يَوْمٍ عَلَيْنَا يَسِيرٌ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ2، قَالَ: أُخْرِجَتْ عِسَاسٌ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ، وَعَلَى السَّمَاءِ سَحَابٌ، فَظَنُّوا أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ، فَأَفْطَرُوا، وَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ تَجَلَّى السَّحَابُ، فَإِذَا الشَّمْسُ طَالِعَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَجَانَفْنَا مِنْ إثْمٍ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ جَبَلَةَ3 بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ، وَقُرِّبَ إلَيْهِ شَرَابٌ، فَشَرِبَ بَعْضُ الْقَوْمِ، وَهُمْ يَرَوْنَ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ، ثُمَّ ارْتَقَى الْمُؤَذِّنُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاَللَّهِ إنَّ الشَّمْسَ طَالِعَةٌ لَمْ تَغْرُبْ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ كَانَ أَفْطَرَ فَلْيَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَفْطَرَ فَلْيُتِمَّ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، انْتَهَى. وَأَعَادَهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، وَزَادَ فِيهِ: فَقَالَ لَهُ: إنَّمَا بَعَثْنَاك دَاعِيًا، وَلَمْ نَبْعَثْك رَاعِيًا، وَقَدْ اجْتَهَدْنَا، وَقَضَاءُ يَوْمٍ يَسِيرٌ، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ"4 أَخَبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: أَفْطَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَصْحَابُهُ فِي يَوْمِ غَيْمٍ ظَنُّوا أَنَّ الشَّمْسَ غَابَتْ، قَالَ: فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَعَرَّضْنَا بِجَنَفٍ، نُتِمُّ هَذَا الْيَوْمَ، ثُمَّ نَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"5 عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: أَفْطَرْنَا عَلَى
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، قِيلَ لِهِشَامٍ: فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ، قَالَ: لابد مِنْ الْقَضَاءِ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْت هِشَامًا، قَالَ: لَا أَدْرِي، أَقَضَوْا أَمْ لَا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا أَبَا دَاوُد عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَالسِّوَاكُ"، قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"2، فَقَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ الْعَبَّادَانِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَوَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ فِي الصَّلَاةِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" مَوْقُوفًا، وَذَكَرَ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ فِي "الْأَفْرَادِ" رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا، بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"3 عَنْ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ، قُلْت: كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: خَمْسِينَ آيَةً، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4 عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كُنْت أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي، ثُمَّ يَكُونُ سُرْعَةٌ أَنْ أُدْرِكَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
حَدِيثُ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"1 عَنْ كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بِالشَّامِ، قَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا، وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْنَا الْهِلَالَ يَعْنِي لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَنْ الْهِلَالِ، فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْته؟ قُلْت: نَعَمْ، رَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا، وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ، أَوْ نَرَاهُ، فَقُلْت: أَلَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله فِي "الْمَعْرِفَةِ": يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِانْفِرَادِ كُرَيْبٌ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَجَعَلَ طَرِيقَهُ طَرِيقَ الشَّهَادَاتِ، فَلَمْ يَقْبَلْ فِيهِ قَوْلَ الْوَاحِدِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ عليه السلام: "فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمَلُوا الْعِدَّةَ"، وَيَكُونَ ذَلِكَ قَوْلَهُ، لَا فَتْوَى مِنْ جِهَتِهِ، أَخْذًا بِهَذَا الْخَبَرِ، انْتَهَى. وَأَجَابَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ"، فَقَالَ: إنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يُفْطِرُونَ بِقَوْلِ كُرَيْبٌ وَحْدَهُ، وَبِهِ نَقُولُ، وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ وُجُوبُ قَضَاءِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ جَوَابُ الْأَوَّلِ لِلْبَيْهَقِيِّ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مَذْهَبِهِمَا فِي عَدَمِ قَبُولِ الْوَاحِدِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: " دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك"، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 فِي "كِتَابِ الطِّبِّ" وَالنَّسَائِيُّ فِي "كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ" عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ السَّعْدِيِّ، قَالَ: قُلْت لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْهُ، دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك". زَادَ التِّرْمِذِيُّ: فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَالْكَذِبُ رِيبَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهُ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ". وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشافعي ابن بنت الإمام
الشَّافِعِيُّ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ ثَنَا عمي إبراهيم الشَّافِعِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ الْمَكِّيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بن نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، فَدَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الزُّهْدِ" وَهُوَ مُجَلَّدٌ وَسَطٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِهِ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، وَرِوَايَةُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ قَالَ: عُبَيْدُ اللَّهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَوْلُهُ: وَمَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا، فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ، فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَعَلِمَهُ، فكَذلك فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: "تِمَّ عَلَى صَوْمِك، فَإِنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك"، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ. قَوْلُهُ: وَلَوْ بَلَغَهُ، الْحَدِيثَ، يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، وَلَهُ طُرُقٌ: حَدِيثُ ثَوْبَانَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ يَحْتَجِمُ فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَذَكَرَ النَّسَائِيُّ الِاخْتِلَافَ فِي طُرُقِهِ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَغَيْرُهُمَا، وَنَقَلَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي الْبَابِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى ثَوْبَانَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ، وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، فَذَكَرْت لَهُ الِاضْطِرَابَ، فَقَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيحٌ، فَإِنَّ أَبَا قِلَابَةَ رَوَى الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا: رَوَاهُ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ. وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ شَدَّادٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَكَذَلِكَ ذَكَرُوا عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ ثَوْبَانَ، وَحَدِيثُ شَدَّادٍ صَحِيحَانِ، انْتَهَى. حَدِيثُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد2، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ
أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ مَرَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْفَتْحِ عَلَى رَجُلٍ يَحْتَجِمُ بِالْبَقِيعِ، لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ الصِّحَّةِ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ1، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَاسْتَقْصَى النَّسَائِيُّ طُرُقَهُ، وَالِاخْتِلَافَ فِيهِ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى"، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَدِيثَ: إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَنَقَلَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ ابْنِ رَاهْوَيْهِ2، أَنَّهُ قَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَنَقَلَ عَنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ: وَالْمُسْتَحْجِمُ. حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ3 مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَ مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ: وَذَكَرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ، انْتَهَى4. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَعْلَمُ فِي الْبَابِ أَصَحَّ مِنْهُ، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، فَإِنَّ ابْنَ قَارِظٍ انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: تَفَرَّدَ بِهِ مَعْمَرٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بإِساد صَحِيحٍ، فَلَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ مَعْمَرٌ إذًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ5: هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي بَاطِلٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَالَ إسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: هُوَ غَلَطٌ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هُوَ أَضْعَفُهَا، انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ "التَّنْقِيحِ". حَدِيثُ أَبِي مُوسَى: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي مُوسَى، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"6، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ
عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَسْنَدَ إلَى ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: صَحِيحٌ، انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: رَفْعُهُ خَطَأٌ، وَقَدْ وَقَفَهُ حَفْصٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ حَفْصٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ بِهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدِيثُ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي مُوسَى خَطَأٌ، لَمْ يَرْفَعْهُ أَحَدٌ، إنَّمَا هُوَ بَكْرٌ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةَ. حَدِيثُ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ1 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: شَهِدَ عِنْدِي نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: مِنْهُمْ الْحَسَنُ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَحْتَجِمُ فِي ثَمَانَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ بِهِ، وَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ: ثُمَّ قَالَ: وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ كَانَ قَدْ اخْتَلَطَ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ غَيْرَ هَذَيْنِ، عَلَى اخْتِلَافِهِمَا عَلَيْهِ فِيهِ، انْتَهَى. وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، فَإِنَّ أَحْمَدَ رَوَاهُ فِي "مُسْنَدِهِ"2 مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ ذريق عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ بِهِ، سَوَاءً، وَفِي "كِتَابِ الْعِلَلِ" لِلتِّرْمِذِيِّ، قُلْت لِمُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ: حَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَصَحُّ، أَوْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ؟ فَقَالَ: مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ أَصَحُّ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ"3: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيِّ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُسَامَةَ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ التَّيْمِيُّ4، فَأَثْبَتَ رِوَايَتَهُمْ جَمِيعًا، وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَامَّةِ هَؤُلَاءِ، وَلَا لَقِيَهُ عِنْدَنَا مِنْهُمْ ثَوْبَانُ، وَمَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ، وَأُسَامَةُ، وَعَلِيٌّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، انْتَهَى. حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ5 مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُ تَابَعَ أَشْعَثَ عَلَى رِوَايَتِهِ أَحَدٌ. حَدِيثُ بِلَالٍ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ6 مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْعَلَاءِ أَيُّوبَ بْنِ مِسْكِينٍ، وَيُقَالُ:
ابْنُ أَبِي مِسْكِينٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ بِلَالٍ مَرْفُوعًا، كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُ هَمَّامٌ، فَرَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرٍ عَنْ ثَوْبَانَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُمَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، فَرَوَاهُ عَنْ شَهْرٍ، فَأَدْخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَوْبَانَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غَنْمٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُمْ بُكَيْر بْنُ أَبِي السُّمَيْطِ، فَرَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ مِقْدَادِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ثَوْبَانَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُمْ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، فَرَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ثَوْبَانَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: مَا عَلِمْت أَحَدًا تَابَعَ اللَّيْثَ، وَلَا بُكَيْر بْنَ أَبِي السُّمَيْطِ عَلَى رِوَايَتِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ: إنَّ بِلَالًا مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ شَهْرٌ، انْتَهَى. حَدِيثُ عَلِيٍّ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا1 مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَفَهُ أَبُو الْعَلَاءِ، ثم أخرجه عن أبي العلاء عَنْ قَتَادَةَ بِهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي ذُرَيْعٍ عَنْ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مَطَرٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ، فَوَقَفَهُ عَلَى عَلِيٍّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُمَا كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ: جَمِيعُ مَا يَرْوِيهِ الْحَسَنُ عَنْ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ، وَإِنَّمَا يُرْوِي عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ عَلِيٍّ. حَدِيثُ عَائِشَةَ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ2 أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَلَيْثٌ هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ شَيْبَانُ عَنْهُ مَرْفُوعًا، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْهُ فَوَقَفَهُ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ كَذَلِكَ أَيْضًا. حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا، وَابْنُ مَاجَهْ3 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَقَفَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ خَلَّادٍ عَنْ شَقِيقِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: يُقَالُ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، وَأَمَّا أَنَا فَلَوْ احْتَجَمْت مَا بَالَيْت أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ ذَلِكَ، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَرَوَاهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، وَدَاوُد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: وَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالنَّضْرُ
بْنُ شُمَيْلٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَعَطَاءٌ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، قَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، قَالَ: وَخَالَفَهُ ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ، فَرَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، قَالَ: وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ حَجَّاجٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، لِمُتَابَعَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَرَوَاهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، فَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ عَطَاءٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَحَادِيثَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ" بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى فِيهِ أَحَدٌ إلَّا أَكَلَ الرِّبَا، فَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ أَصَابَهُ مِنْ غُبَارِهِ"، اخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنْ صَحَّ سَمَاعُهُ، فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": لَمْ يَصِحَّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَوَافَقَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ جَامِعِهِ فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَنْ قَرَأَ {حم الدُّخَانَ} فِي لَيْلَةِ جُمُعَةٍ غُفِرَ لَهُ": الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى. مَعَ أَنِّي وَجَدْت هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ النَّسَائِيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَبُو حُرَّةَ، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِمَا فِيهِ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْهُ بِهِ مَرْفُوعًا، وَخَالَفَهُ بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، وَأَبُو قَطَنٍ، فَرَوَيَاهُ عَنْهُ بِهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَ أَحَادِيثَهُمْ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ بِهِ مَرْفُوعًا، وَخَالَفَهُ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، فَرَوَاهُ عَنْ يُونُسَ مِنْ قَوْلِ الْحَسَنِ، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ1 مِنْ حَدِيثِ قَبِيصَةَ ثَنَا قطر عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: "وَالْمُسْتَحْجِمُ"، ثُمَّ قَالَ: خَالَفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ فَأَرْسَلَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ حدثنا قطر عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ قَبِيصَةَ بِهِ مُسْنَدًا، وَقَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ قَبِيصَةَ، وَرَوَاهُ مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ عَنْ قَبِيصَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ فِي "كِتَابِهِ" عَنْ قطر عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ. وَذِكْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ وَهَمٌ،
انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِالْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بِالْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا، انْتَهَى. حَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ1 فِي "مُعْجَمِهِ". حَدِيثُ أَنَسٍ: فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْهُ. حَدِيثُ جَابِرٍ: فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ" عَنْ سَلَّامٍ أَبِي الْمُنْذِرِ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ مَطَرٍ إلَّا سَلَّامٍ أَبُو الْمُنْذِرِ، انْتَهَى. حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عن نفع عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِالْحَسَنِ هَذَا، وَجَعَلَهُ مِنْ مُنْكَرَاتِهِ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُهُ يَرْوِيهِ كَذَلِكَ غَيْرُهُ، وَهُوَ عِنْدِي مِمَّنْ لَا يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ، وَلَكِنَّهُ يَهِمُ وَيَغْلَطُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ كَذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ". حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ دَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ مِنْ أَحَادِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ" وَهُوَ جُزْءٌ لَطِيفٌ، جُمْلَتُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ وَرَقَةً: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ حَدَّثَنَا دَاوُد بن زبرقان عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ بِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ زُرَارَةَ الرَّقِّيِّ ثَنَا دَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ الْحُصَيْبِ عَنْ مُصْعَبٍ بِهِ. حَدِيثُ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ دَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ ثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَأَعَلَّهُ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ: بِدَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ، وَضَعَّفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَعِينٍ، قَالَ: وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الضُّعَفَاءِ الَّذِينَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُمْ. حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: رَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "ضُعَفَائِهِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد بْنِ مُوسَى بَصْرِيٌّ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَطَاءٍ2 ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ عليه السلام على رجلين يحجم أحدهم الْآخَرَ، فَاغْتَابَ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْآخَرُ، فَقَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا لِلْحِجَامَةِ، وَلَكِنْ لِلْغِيبَةِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"1 مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ2 مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُقْتَصِرًا عَلَى: احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رُوِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: "احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ" وَالثَّانِي: "احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ". وَالثَّالِثُ: "احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ". وَالرَّابِعُ: احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ"، وَهَذَا الرَّابِعُ انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، فَأَمَّا احْتِجَامُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَمُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَمَّا احْتِجَامُهُ وَهُوَ صَائِمٌ، فَصَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ3، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَغَيْرُهُمَا، قَالَ: سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ، فَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ: صَائِمٌ، إنَّمَا هُوَ مُحْرِمٌ، قُلْت: مَنْ ذَكَرَهُ؟ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عليه السلام احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ رَوْحٌ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ خُثَيْمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ قَالَ أَحْمَدُ: فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَذْكُرُونَ صِيَامًا، وَقَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعْ الْحَكَمُ حَدِيثَ مِقْسَمٍ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فَإِنَّهُ عليه السلام إنَّمَا احْتَجَمَ صَائِمًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا إلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ، قَالَ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ"4 سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ الْمُزَكَّى5 يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ إسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَهُوَ إمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي عَصْرِهِ يَقُولُ: ثَبَتَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفْنَا بِأَنَّهُ عليه السلام احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ، وَلَمْ يَكُنْ قَطُّ مُحْرِمًا إلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَالْمُسَافِرُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ، انْتَهَى. وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ رُبَّمَا يَدْفَعُ هَذَا التَّأْوِيلَ، لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ، فَقَالَ: احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيُنْظَرْ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ ثَوْبَانَ: وَحَدِيثُ شَدَّادٍ، وَحَدِيثُ رَافِعٍ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ عليه السلام
احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ لَا يُعَارِضُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ، لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَكُنْ قَطُّ مُحْرِمًا إلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَالْمُسَافِرُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ، وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ1 أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَمَرَ أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يَأْتِيَهُ مَعَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَضَعَ الْمَحَاجِمَ مَعَ إفْطَارِ الصَّائِمِ، فَحَجَمَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَقَالَ: كَمْ خَرَاجُك؟ قَالَ: صَاعَانِ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ عليه السلام عَنْهُ صَاعًا، انْتَهَى. وَكَأَنَّ ابْنَ حِبَّانَ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا احْتَجَمَ وَقْتَ الْإِفْطَارِ، فَكَانَ مُفْطِرًا بِالْحِجَامَةِ، فَلَا يَنْهَضُ الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا لَا يَصْلُحُ2 جَوَابًا ثَانِيًا عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ غَيْرُ نَاجِحٍ لِمَنْ يَتَأَمَّلُهُ، وَمِنْ الْخُصُومِ مَنْ ادَّعَى نَسْخَ أَحَادِيثِ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ، بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَنَقَلَ ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ"3، فَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَمَاعُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمئِذٍ مُحْرِمًا، وَلَمْ يَصْحَبْهُ مُحْرِمًا قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ حِجَامَةَ النَّبِيِّ عليه السلام عَامَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ سَنَةَ عَشْرٍ، وَحَدِيثُ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ" فِي الْفَتْحِ، سَنَةَ ثَمَانٍ، قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِسَنَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَا ثَابِتَيْنِ، فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ، وَقَالَ بَعْضُ مَنْ رَوَى: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ: إنَّهُ عليه السلام مَرَّ بِهِمَا، وَهُمَا يَغْتَابَانِ رَجُلًا، وَالْفِطْرُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى سُقُوطِ الْأَجْرِ، كَمَا رَوَى: مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ"، انْتَهَى. أَيْ سَقَطَ أَجْرُهُ، وَكَمَا رُوِيَ: أَنَّ رَجُلًا تَكَلَّمَ فِي الْجُمُعَةِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: لَا جُمُعَةَ لَك، فَقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: "صَدَقَ" أَيْ سَقَطَ أَجْرُك بِدَلِيلِ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخُصُومِ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"4 مِنْ حَدِيثٍ ثَابِتٍ أَنَّهُ سَأَلَ
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا، إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: دَالٌّ عَلَى النَّسْخِ، رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَا كُرِهَتْ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ. فَمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَفْطَرَ هَذَانِ"، ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ عليه السلام بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ، وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، لِأَنَّهُ شَاذُّ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ، وَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحًا سَالِمًا مِنْ الشُّذُوذِ، وَالْعِلَّةِ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلَا هُوَ فِي الْمُصَنَّفَاتِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَا فِي السُّنَنِ الْمَأْثُورَةِ، وَلَا فِي الْمَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ، وَهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ أَشَدَّ احْتِيَاجٍ، وَلَا نَعْرِفُ أَحَدًا رَوَاهُ فِي الدُّنْيَا إلَّا الدَّارَقُطْنِيّ، رَوَاهُ عَنْ الْبَغَوِيّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ بِهِ، وَكُلُّ مَنْ رَوَاهُ بَعْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ إنَّمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعْرُوفًا لَرَوَاهُ النَّاسُ فِي " كُتُبِهِمْ " , وَخُصُوصًا الْأُمَّهَاتِ " كَمُسْنَدِ " أَحْمَدَ , " وَمُصَنَّفِ " ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ , " وَمُعْجَمِ " الطَّبَرَانِيِّ , وَغَيْرِهِمَا , ثُمَّ إنَّ خَالِدَ بْنَ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيَّ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُثَنَّى، وَإِنْ كَانَا مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ، فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِمَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي خَالِدٍ: لَهُ أَحَادِيثُ مَنَاكِيرُ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، مُفْرِطُ التَّشَيُّعِ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ: كَانَ مُعْلِنًا بِسُوءِ مَذْهَبِهِ، وَمَشَّاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَمَّا ابْنُ الْمُثَنَّى، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْآجُرِّيُّ: سَأَلْت أَبَا دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الْأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ: لَا أُخَرِّجُ حَدِيثَهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، وَقَالَ: رُبَّمَا أَخْطَأَ، وَقَالَ السَّاجِيُّ: فِيهِ ضَعْفٌ، لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ حَدِيثٍ، وَقَالَ الْمَوْصِلِيُّ: رَوَى مَنَاكِيرَ، وَذَكَرَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "الضُّعَفَاءِ"، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَى أَكْثَرِ حَدِيثِهِ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ الدَّارِعُ ثَنَا أَبُو دَاوُد سَمِعْت أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى، وَكَانَ ضَعِيفًا مُنْكَرَ الْحَدِيثِ، وَأَصْحَابُ الصَّحِيحِ إذَا رَوَوْا لِمَنْ تُكَلِّمَ فِيهِ، فَإِنَّهُمْ يَدَعُونَ مِنْ حَدِيثِهِ مَا تَفَرَّدَ بِهِ، وَيَنْتَقُونَ مَا وَافَقَ فِيهِ الثِّقَاتِ2، وَقَامَتْ شَوَاهِدُهُ عِنْدَهُمْ، وَأَيْضًا فَقَدْ خَالَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ ثَابِتٍ، أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، فَرَوَاهُ بِخِلَافِهِ، كَمَا هُوَ فِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ"،
ثُمَّ لَوْ سُلِّمَ صِحَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قُتِلَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وَهِيَ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَحَدِيثُ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ كَانَ عَامَ الْفَتْحِ، بَعْدَ قَتْلِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، انْتَهَى كَلَامُ "صَاحِبِ التَّنْقِيحِ". حَدِيثٌ آخَرُ: دَالٌّ عَلَى النَّسْخِ، رَوَى النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بن سليمان سمعت حميد الطَّوِيلَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ، وَرَخَّصَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْرَقِ عَنْ سُفْيَانَ بِسَنَدِ الطَّبَرَانِيِّ وَمَتْنِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ بِهِ مَوْقُوفًا، وَهَذَا الْحَدِيثُ، اسْتَدَلَّ بِهِ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ "النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ" عَلَى نَسْخِ حَدِيثِ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ، قَالَ: لِأَنَّ ظَاهِرَ الرُّخْصَةِ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ النَّهْيِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ"2 حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيِّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ دَاوُد الْوَاسِطِيُّ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام رَخَّصَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ سُفْيَانَ، إلَّا إسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": حَدِيثُ إسْحَاقَ الْأَزْرَقِ هَذَا خَطَأٌ، إنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَوْلُهُ: وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَهَذَا أَصَحُّ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخُصُومِ: ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. حَدِيثٌ آخَرُ: دَالٌّ عَلَى النَّسْخِ، لَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لَهُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط"3، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ الْمَرْوَزِيِّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ ثَنَا أَبِي ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ الْعَسْكَرِيُّ4 عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام احْتَجَمَ بعد ما قَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ
وَالْمَحْجُومُ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ إلَّا أَبُو سُفْيَانَ السَّعْدِيُّ1، وَاسْمُهُ: طَرِيفٌ، تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو حَمْزَةَ الْعَسْكَرِيُّ، انْتَهَى. وَيُنْظَرُ فِي إسْنَادِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْحَدِيثُ أَعْنِي حَدِيثَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، وَبِأَسَانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ كَثِيرَةِ الِاضْطِرَابِ، وَهِيَ إلَى الضَّعْفِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الصِّحَّةِ، مَعَ عَدَمِ سَلَامَتِهِ مِنْ مُعَارِضٍ أَصَحَّ مِنْهُ، أَوْ نَاسِخٍ لَهُ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ، وَيَقُولُ بِهِ لَمْ يَلْتَزِمْ صِحَّتَهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي نُقِلَ عَنْهُ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ فِي تَرْجَمَةِ سُلَيْمَانَ الْأَشْدَقِ" بِإِسْنَادِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: أَحَادِيثُ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَأَنَا أَذْهَبُ إلَيْهَا، فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شيء صحيح لوقف ِنْدَهُ , وَقَوْلُهُ: أَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ رَافِعٍ , لَا يَقْتَضِي صِحَّتُهُ , بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَقَلُّ ضَعْفًا مِنْ غَيْرِهِ وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَقَدْ ضَعَّفَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ، لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ، قَالَ: وَلَمَّا بَلَغَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ هَذَا الْكَلَامُ، قَالَ: إنَّ هَذَا مُجَازَفَةٌ، وَقَالَ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: هُوَ ثَابِتٌ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ2، وَقَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: إنَّهُ مُتَوَاتِرٌ، قَالَ: وَلَيْسَ مَا قَالَهُ بِبَعِيدٍ، وَمَنْ أَرَادَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ فَلْيَنْظُرْ "مُسْنَدَ أَحْمَدَ"، "وَمُعْجَمَ الطَّبَرَانِيِّ"، "وَالسُّنَنَ الْكَبِيرَ لِلنَّسَائِيِّ"، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: الْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ، وَوَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كُلُّهَا مَدْخُولَةٌ، فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" قَالَا: ثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الرَّبِيعُ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبَانَ الرَّقَاشِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "مَا صَامَ مَنْ ظَلَّ يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ"، زَادَ إسْحَاقُ فِي حَدِيثِهِ: "إذَا اغْتَابَ الصَّائِمُ فَقَدْ أَفْطَرَ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ" أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمُقْرِي أَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ بَكْرٍ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ صَلَّيَا صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَكَانَا صَائِمَيْنِ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ عليه السلام الصَّلَاةَ، قَالَ: "أَعِيدَا وُضُوءَكُمَا وَصَلَاتَكُمَا، وَامْضِيَا فِي صَوْمِكُمَا، وَاقْضِيَا يَوْمًا آخَرَ"، قَالَا: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "اغْتَبْتُمَا فُلَانًا"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ3 أَيْضًا أَخْبَرَنَا أبو علي الروزباري أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ
ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ السَّمْحِ ثَنَا غِيَاثُ بْنُ كَلُوبٍ الْكُوفِيُّ ثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ عليه السلام عَلَى رَجُلَيْنِ بَيْنَ يَدَيْ حَجَّامٍ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، وَهُمَا يَغْتَابَانِ رَجُلًا، فَقَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، انْتَهَى. قَالَ: غِيَاثٌ مَجْهُولٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "ضُعَفَائِهِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد بْنِ مُوسَى وَهُوَ بَصْرِيٌّ ثَنَا مُعَاوِيَةُ1 بْنُ عَطَاءٍ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَرَّ عليه السلام عَلَى رَجُلَيْنِ يَحْجِمُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَاغْتَابَ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْآخَرُ، فَقَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا لِلْحِجَامَةِ، وَلَكِنْ لِلْغِيبَةِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ2 فِي "الْمَوْضُوعَاتِ" مِنْ حَدِيثِ عَنْبَسَةَ3 ثَنَا بَقِيَّةُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ جَابَانَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ، وَيَنْقُضْنَ الْوُضُوءَ: الْكَذِبُ. وَالنَّمِيمَةُ. وَالْغِيبَةُ. وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ. وَالْيَمِينُ الْكَاذِبُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: سَعِيدٌ كَذَّابٌ، وَمِنْ سَعِيدٍ إلَى أَنَسٍ كُلُّهُمْ مَطْعُونٌ فِيهِمْ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"4: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ بَقِيَّةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ جَابَانَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ"، فَذَكَرَهُ، فَقَالَ أَبِي: إنَّ هَذَا كَذِبٌ، وَمَيْسَرَةُ كَانَ يَفْتَعِلُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى5. قَوْلُهُ: لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ6 عَنْ عُبَيْدٍ، قَالَ: شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ، أَمَّا يَوْمُ الأضحى، فيأكلون مِنْ لَحْمِ نُسُكِكُمْ، وَأَمَّا يَوْمُ
الْفِطْرِ فَفِطْرُكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامَيْنِ: صِيَامِ يَوْمِ الْأَضْحَى، وَصِيَامِ يَوْمِ الْفِطْرِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: سَمِعْته يَقُولُ: لَا يَصِحُّ الصِّيَامُ فِي يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْأَضْحَى، وَيَوْمِ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ سَوَاءً، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَا تَصُومُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ"،قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ1، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ خَلْدَةَ الْأَنْصَارِيِّ. فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"2 حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ أَيَّامَ مِنًى صَائِحًا يَصِيحُ: "أَنْ لَا تَصُومُوا هَذِهِ الْأَيَّامَ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ"، وَالْبِعَالُ: وِقَاعُ النِّسَاءِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ فِي الضَّحَايَا" عَنْ سَعِيدِ بن سلام العطاء ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلُ الْخُزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدَيْلُ بْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ يَصِيحُ فِي فِجَاجِ مِنًى: أَلَا إنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، وَلَا تُعَجِّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تَزْهَقَ، وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ، انْتَهَى. وسعيد هذ رَمَاهُ أَحْمَدُ بِالْكَذِبِ. وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا3 عَنْ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا رَبِيعَةُ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ مَسْعُودَ بْنَ الْحَكَمِ الزُّرَقِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَيَّامَ مِنًى أُنَادِي: "أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ" انْتَهَى. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ضَعِيفٌ.
وَحَدِيثُ أُمِّ خَلْدَةَ الأنصاري: فرواه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ فِي الْحَجِّ"، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ1 عَنْ مُنْذِرِ بْنِ جَهْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ خَلْدَةَ2 عَنْ أُمِّهِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا يُنَادِي أَيَّامَ مِنًى: "إنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ"، انْتَهَى. زَادَ إسْحَاقُ فِي حَدِيثِهِ: يَعْنِي النِّكَاحَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَنَادَى أَيَّامَ التَّشْرِيقِ: "أَلَا إنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنِكَاحٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"3 عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أكل وشرب"، وزاد فِي طَرِيقٍ آخَرَ: وَذِكْرِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ نَحْوَهُ، وَوَقَعَ لشيخنا علاء الدين ههنا تَصْحِيفٌ قَبِيحٌ، فَقَالَ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ نُبَيْشَةَ، وَهُوَ قَلَّدَ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ4 مِنْ رِوَايَةِ نُبَيْشَةَ، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَعُقْبَةِ بْنِ عَامِرٍ، وَبِشْرِ بْنِ سُحَيْمٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، خَرَّجَهَا جَمَاعَةٌ مَعَ كَثْرَةِ طُرُقِهَا: مِنْهَا مَا هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَمِنْهَا مَا فِيهِ مَعَهُمَا: وَذِكْرِ اللَّهِ، وَمِنْهَا مَا فِيهِ: وَصَلَاةٍ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا: بِعَالٍ، وَهِيَ لَفْظٌ غَرِيبٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
باب الاعتكاف
بَابُ الِاعْتِكَافِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام وَاظَبَ عَلَيْهِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ، انْتَهَى. إلَّا ابْنَ مَاجَهْ2 فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، فَسَافَرَ عَامًا، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا، وَلَفْظُهُمَا: وَلَمْ يَعْتَكِفْ عَامًا، الْحَدِيثَ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا" عَنْ سُوَيْد بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ سُوَيْد عَنْ سُفْيَانَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا وَهْمٌ مِنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، أَوْ مِنْ سُوَيْد بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسُوَيْدٌ ضَعِيفٌ، لَا يُقْبَلُ مَا تَفَرَّدَ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4، وَقَالَ: الشَّيْخَانِ لَمْ يَحْتَجَّا بِسُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، انْتَهَى. وَسُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ، وَفِي "الْكَمَالِ" قَالَ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٌ: سَأَلْت هُشَيْمًا، فَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"5 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ: أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا، وَلَا يَشْهَدَ جِنَازَةً، وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً، وَلَا يُبَاشِرَهَا، وَلَا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ، إلَّا لما لابد مِنْهُ، وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ، وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: غَيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ لَا يَقُولُ فِيهِ: قَالَتْ: السُّنَّةُ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إسْحَاقَ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ،
وَأَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ" عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِهِ، وَفِيهِ قَالَتْ: السُّنَّةُ فِي الْمُعْتَكِفِ أَنْ يَصُومَ، وَقَالَ: أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحِ" دُونَ قَوْلِهِ: وَالسُّنَّةُ فِي الْمُعْتَكِفِ، إلَى آخِرِهِ، فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ فِي "السُّنَنِ"1، وَ"الْمَعْرِفَةِ". وَقَالَ فِي "الْمَعْرِفَةِ" وَإِنَّمَا لَمْ يُخَرِّجَا الْبَاقِيَ لِاخْتِلَافِ الْحُفَّاظِ فِيهِ: مِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ قَوْلُ عَائِشَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَ عَائِشَةَ، فَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: الْمُعْتَكِفُ لَا يَشْهَدُ جِنَازَةً، وَلَا يَعُودُ مَرِيضًا، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ2، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَشِّرٍ ثَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ حدثنا القاسم بن معن عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ. ثُمَّ اعْتَكَفْنَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَنَّ السُّنَّةَ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَلَا يَتَّبِعَ جِنَازَةً، وَلَا يَعُودَ مَرِيضًا، وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً، وَلَا يُبَاشِرَهَا، وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، وَيَأْمُرُ مَنْ اعْتَكَفَ أَنْ يَصُومَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: وسنَّة عن اعْتَكَفَ أَنْ يَصُومَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يُقَالُ: إنَّ قَوْلَهُ: وَإِنَّ السُّنَّةَ لِلْمُعْتَكِفِ، إلَى آخِرِهِ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّهُ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ، وَمَنْ أَدْرَجَهُ فِي الْحَدِيثِ فَقَدْ وَهَمَ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَشِّرٍ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ عَدِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: لَهُ أَحَادِيثُ مَنَاكِيرُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ4 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَيْلُ عن عمر بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ جَعَلَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَيْلَةً، أَوْ يَوْمًا عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "اعْتَكِفْ وَصُمْ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ، والدارقطني: فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَصُومَ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: الشَّيْخَانِ لَمْ يَحْتَجَّا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَيْلُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلُ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ عَنْ عَمْرٍو، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ: سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ يَقُولُ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ،
لِأَنَّ الثِّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ عَمْرٍو لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الصَّوْمَ: مِنْهُمْ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَابْنُ بُدَيْلُ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلُ بْنِ وَرْقَاءَ، وَيُقَالُ: ابْنُ بشر الخزاعي، رَوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَالزُّهْرِيُّ رَوَى عَنْهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ وَغَيْرُهُ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: صَالِحٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَهُ أَحَادِيثُ تُنْكَرُ عَلَيْهِ، فِيهَا زِيَادَةٌ فِي الْمَتْنِ، أَوْ فِي الْإِسْنَادِ، ثُمَّ يَرْوِي لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ ذَكَرَ فِيهِ الصَّوْمَ مَعَ الِاعْتِكَافِ إلَّا مِنْ رِوَايَتِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ "الثِّقَاتِ"، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي "صَحِيحَيْهِمَا"1 لَمْ يَذْكُرَا فِيهِ الصَّوْمَ، وَلَفْظُهُمَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْت فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَيْلَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوْفِ بِنَذْرِك"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ كَذَلِكَ، حَتَّى أَبُو دَاوُد، كُلُّهُمْ أَخْرَجُوهُ فِي "الْأَيْمَانِ وَالنَّذْرِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْآثَارُ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَنْ اعْتَكَفَ فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَنْ اعْتَكَفَ فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ أَسِيد بْنِ عَاصِمٍ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا: الْمُعْتَكِفُ يَصُومُ، انْتَهَى. وَفِي "مُوَطَّأِ مَالِكٍ"3 أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَنَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَا: لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصِيَامٍ، لقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} ، فَذَكَرَ تَعَالَى الِاعْتِكَافَ مَعَ الصِّيَامِ، قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصِيَامٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا عَنْ عُرْوَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، قَالَا: لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ، وَيُنْظَرُ الْأَسَانِيدُ فِيهِ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي "صَحِيحَيْهِمَا" عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْت أَنْ أَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَيْلَةً، فَقَالَ لَهُ: أَوْفِ بِنَذْرِك، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"4 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِهِ، أَنَّ عُمَرَ نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً
فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ، سَأَلَ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: "أَوْفِ بِنَذْرِك"، فَاعْتَكَفَ عُمَرُ لَيْلَةً، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ ثَابِتٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَلَا يَقْدَحُ فِي هَذَا أَنَّهُ عُورِضَ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 أَيْضًا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِهِ أَنَّهُ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا، فَقَالَ: أَوْفِ بنذرك، لأنه عَنْهُ جَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا: احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ نَذَرَ نَذْرَيْنِ فَيَكُونَ كُلُّ لَفْظٍ مِنْهُمَا حَدِيثًا مُسْتَقِلًّا. الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، إذْ لَا ذِكْرَ لِلصَّوْمِ فِيهِ، قَالَ: وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ نَذَرَ فِي الشِّرْكِ أَنْ يَعْتَكِفَ، وَيَصُومَ، فَأَمَرَهُ عليه السلام بَعْدَ إسْلَامِهِ أَنْ يَفِيَ بِنَذْرِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: ذِكْرُ الصَّوْمِ فِيهِ غَرِيبٌ، تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، انْتَهَى. وَعَنْهُ أَيْضًا جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ بَشِيرٍ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَعِينٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَذَرَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ بِنَذْرِهِ، لَا بِكَوْنِهِ شَرْطًا في سحة الِاعْتِكَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالُوا فِيهِ: لَيْلَةً، وَكَذَلِكَ قَالَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ3 عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ: وَمَعْمَرٌ عن أيوب: يوم، بَدَلَ: لَيْلَةً، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَوْلَى، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَعْرَفُ بِأَيُّوبَ مِنْ غَيْرِهِ، قَالَ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ فِي حَدِيثِ عُمَرَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْيَوْمَ مَعَ اللَّيْلَةِ، أَوْ الليلة مع اليوم، وحيئنذ فَلَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ بِغَيْرِ صَوْمٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْقَوِيُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهُوَ أَنَّ الصِّيَامَ شَرْطٌ فِي الِاعْتِكَافِ، فَإِنَّ الِاعْتِكَافَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَعَ الصِّيَامِ، وَغَالِبُ اعْتِكَافِ النَّبِيِّ عليه السلام وَأَصْحَابِهِ إنَّمَا كَانَ فِي رَمَضَانَ، وَقَوْلُ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَوَّالٍ، لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي دُخُولِ يَوْمِ الْفِطْرِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الْعَشْرِ الَّذِي اعْتَكَفَ ثَانِيَ يَوْمِ الْفِطْرِ، بَلْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثِ، فَلَمَّا أَفْطَرَ اعْتَكَفَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"4 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ السُّوسِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَمِّ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَيُرَاجَعُ سَنَدُهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَفَعَهُ هَذَا الشَّيْخُ، وَغَيْرُهُ لَا يَرْفَعُهُ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَالشَّيْخُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ هَذَا لَا أَعْرِفُهُ. وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فَقَالَ: يَرْوِي عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُوَقَّرِيِّ، رَوَى عَنْهُ مُوسَى بْنُ سَهْلٍ لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي أَحْمَدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الرَّمْلِيِّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، فَلَا أَدْرِي أَهُمْ ثَلَاثَةٌ، أَمْ اثْنَانِ، أَمْ وَاحِدٌ، وَالْحَالُ فِي الثَّلَاثَةِ مَجْهُولَةٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ1 وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّمْلِيُّ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ: قَالَ: اجْتَمَعْت أَنَا، وَابْنُ شِهَابٍ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكَانَ عَلَى امْرَأَتِي اعْتِكَافُ ثَلَاثٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا يَكُونُ اعْتِكَافٌ إلَّا بِصَوْمٍ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَمِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمِنْ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمِنْ عُمَرَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ أَبُو سُهَيْلٍ. فَانْصَرَفْت فَوَجَدْت طَاوُسًا وَعَطَاءً، فَسَأَلَتْهُمَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ طَاوُسٌ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَرَى عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامًا، إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: ذَلِكَ رَأْيٌ صَحِيحٌ، وَصَحَّحَ الْبَيْهَقِيُّ وَقْفَهُ، وَقَالَ: رَفْعُهُ وَهْمٌ، وقال: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ زُرَارَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ2 أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: أَلَا تَعْجَبُ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَ دَارِك وَدَارِ أَبِي مُوسَى يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُعْتَكِفُونَ؟! قَالَ: فَلَعَلَّهُمْ أَصَابُوا وَأَخْطَأْت، أَوْ حَفِظُوا وَنَسِيت؟ قَالَ: أَمَا أَنَا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "السُّنَنِ" عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْر عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ
ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: السُّنَّةُ فِيمَنْ اعْتَكَفَ أَنْ يَصُومَ، وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، مُخْتَصَرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ. ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إنَّ أَبْغَضَ الْأُمُورِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْبِدَعُ، وَإِنَّ مِنْ الْبِدَعِ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي فِي الدُّورِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَرَرْت عَلَى أُنَاسٍ عُكُوفٍ بَيْنَ دَارِك، وَدَارِ أَبِي مُوسَى، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ"، أَوْ قَالَ: "فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى. وَمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَعَلَّك نَسِيت وَحَفِظُوا، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَخْبَرَنِي جَابِرٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رَوَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْرُجُ مِنْ مُعْتَكَفِهِ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ2 عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إلَيَّ رَأْسَهُ، فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، انْتَهَى. وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ: الْمُعْتَكِفُ لَا يَخْرُجُ إلا لما لابد مِنْهُ"، وَتَقَدَّمَ3 فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلَا يَخْرُجُ لِحَاجَةٍ إلا لما لابد مِنْهُ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَكُنْ لَهُ مَأْوًى إلَّا الْمَسْجِدَ يَعْنِي فِي الِاعْتِكَافِ، قُلْت: هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَالنُّصُوصِ الْمُتَطَابِقَةِ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ"، إلَى أَنْ قَالَ: "وَبَيْعَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ". قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ.
فَحَدِيثُ وَاثِلَةَ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"1 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ ثَنَا عُتْبَةُ بْنُ يَقْظَانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ2 عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "جَنِّبُوا مَسَاجِدَنَا3 صِبْيَانَكُمْ، وَمَجَانِينَكُمْ، وَشِرَاءَكُمْ، وَبَيْعَكُمْ، وَخُصُومَاتِكُمْ، وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ، وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ، وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ، وَاِتَّخِذُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ، وَجَمِّرُوهَا فِي الْجُمَعِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ": بَعْدَ رِوَايَتِهِ حَدِيثَ: "لَا تُظْهِرْ الشَّمَاتَةَ بِأَخِيك، فَيُعَافِيَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَك"، عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ سَمِعَ مَكْحُولٌ مِنْ وَاثِلَةَ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي هِنْدٍ الدَّارِيِّ، وَيُقَالُ: إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مِنْ أَصْحَابِهِ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي "الزُّهْدِ". وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي أُمَامَةَ: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي أُمَامَةَ. وَوَاثِلَةَ، قَالُوا: سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، فَذَكَرَهُ، وَهَذَا سَنَدٌ ضَعِيفٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابَيْهِمَا"، وَأَعَلَّاهُ بِالْعَلَاءِ بْنِ كَثِيرٍ، وَأَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَابْنِ مَعِينٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ: فَرَوَاهُ عبد الرزاق "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَكْحُولٍ4 عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، سَوَاءً. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُعَاذٍ، فَذَكَرَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ فِي بَابِ الْمَسَاجِدِ"، رَوَى الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ"، الْحَدِيثَ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ قَالَ: يَرْوِيه مُوسَى عَنْ عُمَيْرٍ، قَالَ الْبَزَّارُ. لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي "مُسْنَدِ الْبَزَّارِ"، وَلَعَلَّهُ عَثَرَ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ أَمَالِيهِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ5 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدَ ضَالَّةٌ، أَوْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ، وَنَهَى عَنْ التَّحَلُّقِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَالنَّسَائِيُّ رَوَاهُ فِي "الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ" بِتَمَامِهِ، وَفِي "السُّنَنِ" اخْتَصَرَهُ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ ثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، مَرْفُوعًا. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ"1، وَالنَّسَائِيُّ فِي "الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ" عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ رَأَيْتُمُوهُ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: لَا رَبَّحَ اللَّهُ تِجَارَتَك، وَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْك"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْبُيُوعِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي "مُسْلِمٍ"2، وَمَا وَجَدْته، فَلْيُرَاجَعْ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ3 فِي "سُنَنِهِ" عَنْ زَيْدِ بن جبير عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خِصَالٌ لَا تَنْبَغِي فِي الْمَسْجِدِ: لَا يُتَّخَذُ طَرِيقًا، وَلَا يُشْهَرُ فِيهِ سِلَاحٌ، وَلَا يُنْبَضُ4 فِيهِ بِقَوْسٍ، وَلَا يُنْشَرُ فِيهِ نَبْلٌ، وَلَا يُمَرُّ فِيهِ بِلَحْمٍ نِيءٍ، وَلَا يُضْرَبُ فِيهِ حَدٌّ، وَلَا يُتَّخَذُ سُوقًا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِزَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ"، وَأَعَلَّهُ بِزَيْدٍ، وَدَاوُد، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، وَأَعَلَّهُ بِزَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنْ الْمَشَاهِيرِ، فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ، انْتَهَى.
كتاب الحج
المجلد الثالث كتاب الحج مدخل ... بسم الله الرحمن الرحيم كِتَابُ الْحَجِّ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قِيلَ لَهُ: الْحَجُّ فِي كُلِّ عَامٍ، أَمْ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ فَقَالَ: "لَا، بَلْ مَرَّةً، فَمَا زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ" 1، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِمَا"2 عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سِنَانٍ يَزِيدَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ، أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ قَالَ: "لَا، بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، إلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يُخَرِّجَا لِسُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الَّذِينَ يُجْمَعُ حَدِيثُهُمْ، انْتَهَى. وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ الْوَاسِطِيُّ يَرْوِي عَنْ الزُّهْرِيِّ الْمَقْلُوبَاتِ، وَإِذَا رَوَى عَنْ غَيْرِهِ أَشْبَهَ حَدِيثَ الْأَثْبَاتِ، وَذَلِكَ أَنَّ صَحِيفَةَ الزُّهْرِيِّ اخْتَلَطَتْ عَلَيْهِ، وَكَانَ يَأْتِي بِهَا عَلَى التَّوَهُّمِ، وَالْإِنْصَافُ فِي أَمْرِهِ تَنَكُّبُ مَا رَوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَالِاحْتِجَاجُ بِمَا رَوَى عَنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: قَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ عَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ حُمَيْدٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، فَرَوَوْهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ، كَمَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ أَبِي سِنَانٍ أَيْضًا بِنَحْوِ ذَلِكَ. أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الْجَلِيلِ بْنِ حُمَيْدٍ: فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ الْمِصْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْجَلِيلِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَمُوسَى بْنُ سَلَمَةَ، وَعَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ حُمَيْدٍ الْيَحْصُبِيُّ مَجْهُولَا الْحَالِ، فَالْحَدِيثُ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا يَصِحُّ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"2، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ"، فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، فَقَالَ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لَوْ قُلْتهَا لَوَجَبَتْ، وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا، الْحَجُّ مَرَّةٌ، فَمَنْ زَادَ فَتَطَوُّعٌ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، سَوَاءً، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"4 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا 5 عَنْ سَهْلِ بْنِ عَمَّارٍ الْعَتَكِيِّ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ - وَسَقَطَ مِنْهُ رَجُلَانِ: سُفْيَانُ، وَالزُّهْرِيُّ - عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَلَهُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا طَرِيقَانِ، إلَّا أَنَّهُمَا وَاهِيَانِ جِدًّا، فَأَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهِمَا، وَجَهِلَ مَنْ عَزَا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمُسْلِمٍ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ، وَقَلَّدَهُ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، فَالْمُقَلِّدُ ذَهَلَ، وَالْمُقَلَّدُ جَهِلَ، وَاَللَّهُ أعلم بالصواب.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ، فَحُجُّوا"، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ قُلْت: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ"، ثُمَّ قَالَ: "ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ. فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ، وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ منه2: "ذروني ما تركتكم"، إلَى آخِرِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 3 عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَامِرٍ الثَّعْلَبِيِّ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا} قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالُوا: أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ قَالَ: "لَا، وَلَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} الْآيَةَ، انْتَهَى 4 قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. قَالَ مُحَمَّدٌ - يَعْنِي الْبُخَارِيَّ -: وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا، انْتَهَى كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ: أَبُو الْبَخْتَرِيِّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلِيٍّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 5 - فِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ"، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" بِالِانْقِطَاعِ، وَلَكِنْ أَعَلَّهُ بِعَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، رُبَّمَا رَفَعَ الْحَدِيثَ، وَرُبَّمَا وَقَفَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ أَبِي وَاقَدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَزْوَاجِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "هَذِهِ، ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ"، انْتَهَى. وَمَعْنَاهُ: أَيْ الْزَمْنَ ظُهُورَ الْحُصْرِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَابْنُ أَبِي وَاقَدٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ وَلَا حَالٌ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": قَدْ عُرِفَ اسْمُهُ مِنْ سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ وَاقِدِ بْنِ أَبِي وَاقَدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ"، فَقَالَ: وَاقِدُ بْنُ أَبِي وَاقَدٍ اللَّيْثِيُّ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ فِي كُلِّ عَامٍ، فَقَالَ: "لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ"، وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَقُومُوا بِهَا، وَلَوْ لَمْ تَقُومُوا بِهَا عُذِّبْتُمْ، انْتَهَى. وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مَعْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ الْمَسْعُودِيُّ الْكُوفِيُّ خَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِيهِ، وَاسْمُ أَبِيهِ كُنْيَتُهُ، وَأَبُو سُفْيَانَ: طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَحَادِيثُ الْفَوْرِ فِي الْحَجِّ وَالتَّرَاخِي: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: ثُمَّ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَالشَّافِعِيِّ رحمهما الله عَلَى التَّرَاخِي، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَأَحْمَدُ يَقُولُ بِالْفَوْرِ أَيْضًا، وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ: مَنْ كُسِرَ وَأُعْرِجَ، فَقَدْ حَلَّ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ. ثُمَّ قَالَ: وَحُجَّةُ الْآخَرِينَ مَا رَوَوْا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ الْحَجِّ، فَلْيَفْعَلْ"، قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ، وَإِنَّمَا الَّذِي رُوِيَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَبْدَأَ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ الْحَجِّ فَلْيَفْعَلْ"، وَهَذَا هُوَ التَّمَتُّعُ، قَالَ: وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ نَزَلَتْ فِي سَنَةِ خَمْسٍ، بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" 3 مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ: ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ لَهُ عليه السلام فَرَائِضَ الْإِسْلَامِ: الصَّلَاةَ، وَالصَّوْمَ، وَالْحَجَّ4، بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ التَّوْحِيدَ، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ شَرِيكُ
بْنُ أَبِي نَمِرٍ عَنْ كُرَيْبٌ، فَقَالَ فِيهِ: بَعَثَتْ بَنُو سَعْدٍ: ضِمَامًا فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ، قَالُوا: وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحَجَّ وَجَبَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ، فَقَدْ أَخَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى سَنَةِ عَشْرٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي لَا عَلَى الْفَوْرِ، قَالَ: وَجَوَابُ هَذَا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ ضِمَامًا قَدِمَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ، فَإِنْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، فَعَنْ تَأْخِيرِهِ عليه السلام إيَّاهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمَ نَبِيَّهُ عليه السلام أَنَّهُ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَحُجَّ، وَكَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الْإِدْرَاكِ، قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ الْحَنَفِيُّ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ، وَكَانَتْ لَهُ أَعْذَارٌ: مِنْهَا الْفَقْرُ، وَمِنْهَا الْخَوْفُ عَلَى نَفْسِهِ، وَمِنْهَا الْخَوْفُ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ،
وَمِنْهَا غَلَبَةُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَكَّةَ، وَكَوْنُهُمْ يَحُجُّونَ وَيُظْهِرُونَ الشِّرْكَ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ: فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ أَخَّرَهُ بَعْدَ الْفَتْحِ، فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِمَنْعِ حُجَّاجِ الْمُشْرِكِينَ، فَلَوْ حَجَّ لَاخْتَلَطَ الْكُفَّارُ بِالْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ ذَلِكَ كَالْعُذْرِ، فَلَمَّا أُمِرَ بِمَنْعِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْحَجِّ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ فِي سَنَةِ تِسْعٍ فَنَادَى: أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، ثُمَّ حَجَّ عِنْدَ زَوَالِ مَا يُكْرَهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَخَّرَ الْحَجَّ لِئَلَّا يَقَعَ فِي غَيْرِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ جِهَةِ النَّسِيءِ الَّذِي كَانَتْ الْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُهُ، حَتَّى يَدُورَ التَّحْرِيمُ عَلَى جَمِيعِ الشُّهُورِ، فَوَافَقَتْ حَجَّةُ أَبِي بَكْرٍ ذَا الْقِعْدَةِ، ثُمَّ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" مُطَوَّلًا، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ لَا نُفَيْعٍ، وَهُوَ الأسدي القرشي، ذكره ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ: وَقَدْ رَوَى لَهُ أَبُو دَاوُد1 هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَهُوَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، كِلَاهُمَا عَنْ كُرَيْبٌ، وَأَمَّا رِوَايَةُ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ الَّتِي ذَكَرَهَا، فَلَا أَعْرِفُ لَهَا سَنَدًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ2. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "أَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ، وَلَوْ عَشْرَ حِجَجٍ، ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَأَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ عَشْرَ حِجَجٍ3، ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ"، قُلْت: رَوَى الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ، ثُمَّ بَلَغَ الْحِنْثَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا أَعْرَابِيٍّ حَجَّ، ثُمَّ هَاجَرَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ، ثُمَّ أُعْتِقَ، فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ الصَّوَابُ وَقْفُهُ، تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ5 مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ شُعْبَةَ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ شُعْبَةَ مَوْقُوفًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" مُسْتَدْرِكًا عَلَى الْبَيْهَقِيّ، قُلْت: رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي جَمْعِهِ لِحَدِيثِ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ شريج أبي عمر النقال الْخُوَارِزْمِيَّ عَنْ
يَزِيدَ بْنِ زريع به مرفوعاً، فزاد التَّفَرُّدُ، انْتَهَى. قُلْت: حَدِيثُ الحارث بن شريج رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعْرُوفٌ بِمُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ الضَّرِيرِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، وَأَظُنُّ أَنَّ الْحَارِثَ سَرَقَ مِنْهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ، وَلَا أَعْلَمُ يَرْوِيه عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ غَيْرَهُمَا، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَجَمَاعَةٌ عَنْ شُعْبَةَ مَوْقُوفًا، انْتَهَى، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" بِسَنَدِ1 الْمَرْفُوعِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: احْفَظُوا عَنِّي، وَلَا تَقُولُوا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ، إلَى آخِرِهِ، وَالْمَوْقُوفُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، قَالَ فِي "الْإِمَامِ": رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ، فَمَاتَ أَجْزَأَ عَنْهُ، فَإِنْ أَدْرَكَ، فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ، فَمَاتَ أَجْزَأَ عَنْهُ، فَإِنْ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ ضَعِيفٌ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"2 عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدٍ ابْنَيْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: لَوْ حَجَّ صَغِيرٌ حَجَّةً لَكَانَ عَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى إذَا بَلَغَ، إنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا، وَلَوْ حَجَّ الْمَمْلُوكُ عَشْرًا لَكَانَ عَلَيْهِ حَجَّةٌ إذَا أُعْتِقَ، إنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُمَا قَالَا: الرِّوَايَةُ عَنْ حَرَامٍ حَرَامٌ، وَوَافَقَهُمَا، وَقَالَ: عَامَّةُ أَحَادِيثِهِ مَنَاكِيرُ. حَدِيثٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَفَعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَك أَجْرٌ، انْتَهَى. وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، هَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ"، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ4 عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: حَجَّ بِي أَبِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام سُئِلَ عَنْ السَّبِيلِ إلَى الْحَجِّ، فَقَالَ: "الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ،
وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر بْنِ الْعَاصِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ. فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْخُوزِيِّ 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ الْحَاجُّ؟ قَالَ: الشَّعِثُ التَّفِلُ، فَقَامَ آخَرُ، فَقَالَ: أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْعَجُّ وَالثَّجُّ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَا السَّبِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْخُوزِيِّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي "التَّفْسِيرِ"، وَفِي "الْحَجِّ"، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ فِي "الْإِمَامِ": قَالَ فِيهِ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ الْجُنَيْدِ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 3 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَقَدْ تَابَعَ إبْرَاهِيمَ بْنَ يَزِيدَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ فَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام كَذَلِكَ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيِّ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ، وَابْنِ مَعِينٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَدِيثُ مَعْرُوفٌ بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْخُوزِيِّ، وَهُوَ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ غَرِيبٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْخُوزِيُّ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، وَرُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخْرَى كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ: وَرَوَيْنَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ صَحِيحَةٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، وَفِيهِ قُوَّةٌ لِهَذَا السَّنَدِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ"، قَوْلُهُ فِيهِ قُوَّةٌ، فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الطَّرِيقَ إذَا كَانَ وَاحِدًا، وَرَوَاهُ الثِّقَاتُ مُرْسَلًا، وَانْفَرَدَ ضَعِيفٌ بِرَفْعِهِ أَنْ يُعَلِّلُوا الْمُسْنَدَ بِالْمُرْسَلِ، وَيَحْمِلُوا الْغَلَطَ عَلَى رِوَايَةِ الضَّعِيفِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِضَعْفِ الْمُسْنَدِ، فَكَيْفَ يَكُونُ تَقْوِيَةً لَهُ؟! قَالَ: وَاَلَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا عَلَّانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَوْلُهُ: وَالْمُرْسَلُ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي "سُنَنِهِ" حَدَّثَنَا هِشَامٌ ثَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا} قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: زَادٌ وَرَاحِلَةٌ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا الْهَشِيمُ ثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلَهُ، حَدَّثَنَا خَالِدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلَهُ، قَالَ: وَهَذِهِ إسْنَادٌ فِي "صَحِيحِهِ" إلَّا أَنَّهَا مُرْسَلَةٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَثْبُتُ الْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الزاد والراحلة مُسْنَدًا، وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَأَمَّا الْمُسْنَدُ فَإِنَّمَا رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي "سُنَنِهِ"1 أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ المصفر ثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ الْمُصْفَرُّ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ 2 فِي "سُنَنِهِ"، حَدَّثَنَا سُوَيْد بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْقُرَشِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِيهِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَطَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ" يَعْنِي قَوْلَهُ: {مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا} ، انْتَهَى. قَالَ فِي "الْإِمَامِ": وَهِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، وَمَحَلُّهُ الصِّدْقُ مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ دَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ حُصَيْنِ بْنِ الْمُخَارِقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ كُلَّ عَامٍ؟ قَالَ: "لَا، بَلْ حَجَّةٌ"، قِيلَ: فَمَا السَّبِيلُ إلَيْهِ؟ قَالَ: "الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ"، انْتَهَى. وَدَاوُد، وَحُصَيْنٌ كِلَاهُمَا ضَعِيفَانِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 3 عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا} قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: "الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ"، انْتَهَى. قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ: وَتَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ: وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" بِالْإِسْنَادَيْنِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 4 عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا} قَالَ: "السَّبِيلُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، وَأَعَلَّهُ بِعَتَّابٍ، وَقَالَ: إنَّ فِي حَدِيثِهِ وَهْمًا، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ": وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُد
الْحَفَرِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ عليه السلام عَنْ السَّبِيلِ، فَقَالَ: "الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَوْ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، بِلَفْظِ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ اللَّيْثِيُّ تَرَكُوهُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى ضَعْفِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ بُهْلُولِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سليمان عن إبراهيم عن عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِنَحْوِهِ، وَبُهْلُولُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ذَاهِبُ الْحَدِيثِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِنَحْوِهِ، وَابْنُ لَهِيعَةَ، وَالْعَرْزَمِيُّ ضَعِيفَانِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَقَدْ خَرَّجَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ جَابِرٍ، وَأَنَسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو، بْنِ الْعَاصِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةَ، وَلَيْسَ فِيهَا إسْنَادٌ يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام فَسَّرَ الِاسْتِطَاعَةَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، قُلْت: يُشِيرُ لِلْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" 1 عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ أهل اليمين يَحُجُّونَ، وَلَا يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ - وَفِي رِوَايَةٍ - مَكَّةَ، سَأَلُوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ومن حديث أبي أمامة. فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ مَعْبَدًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَا تَحُجَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَالَ: رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا، وَامْرَأَتِي حَاجَّةٌ، قَالَ: "ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَهَا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ، وَلَفْظُهُ، قَالَ: "لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم".
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا، لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ سَفَرَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ تَحُجَّ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ ثَنَا أَبُو بِلَالٍ الْأَشْعَرِيُّ ثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ صَدَقَةَ أَبُو حَمَّادٍ الْحَنَفِيُّ عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ التَّمِيمِيِّ مَوْلَى زِيَادٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَنْ تَحُجَّ إلَّا مَعَ زوج، أو ذو مَحْرَمٍ"، مُخْتَصَرٌ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلَاثًا، إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: فَوْقَ ثَلَاثٍ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَخْرَجَا عَنْ قَزَعَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا: "لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا، أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا"، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: ثَلَاثًا، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: فَوْقَ ثَلَاثٍ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، وَأَخْرَجَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا"، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ"، وَفِي لَفْظٍ يَوْمٍ، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد: بَرِيدًا، وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْحَادِي وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَالْحَاكِمِ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ" ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ الناس يقولون: ثلاثة أيام، قَالَ: وَهَمُوا، وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي التَّوْقِيتِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: "لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذي محرم"، لم يُوَقِّتْ فِيهِ شَيْئًا، وَاسْمُ السَّفَرِ يَنْطَلِقُ عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ تَبَايُنٌ وَلَا اخْتِلَافٌ، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عليه السلام قَالَهَا فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ، بِحَسْبِ الْأَسْئِلَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ تَمْثِيلًا لِأَقَلِّ الْأَعْدَادِ، وَالْيَوْمُ الْوَاحِدُ أَوَّلُ الْعَدَدِ وَأَقَلُّهُ، وَالِاثْنَانِ أَوَّلُ الْكَثِيرِ وَأَقَلُّهُ، وَالثَّلَاثُ أَوَّلُ الْجَمْعِ، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا فِي قِلَّةِ الزَّمَنِ لَا يَحِلُّ لَهَا فِيهِ السَّفَرُ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ، فَكَيْفَ بِمَا زَادَ؟! وَقَدْ وَرَدَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ الْخُدْرِيِّ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ: "لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا مَعَ زَوْجٍ، أو ذو مَحْرَمٍ " فِي الْكَرَاهِيَةِ.
فصل في المواقيت
فَصْلٌ فِي الْمَوَاقِيتِ الْحَدِيثُ السَّادِسُ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ: ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ: ذَاتَ عِرْقٍ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ: الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ: قرن، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمُ قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ: ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ: الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمُ، هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا 2 عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ"، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمُ". وَفِي لَفْظٍ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْهُ: "وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ"، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ 3 قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، انْتَهَى. مَا جَاءَ فِي ذَاتِ عِرْقٍ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" 4 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْت - أَحْسَبُهُ رَفَعَ الْحَدِيثَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "مَهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ الْجُحْفَةُ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ، وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمُ"، انْتَهَى. وَهَذَا شَكَّ الرَّاوِي فِي رَفْعِهِ، لَكِنْ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"5 عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْخُوزِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمُ، وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ لِلْأُفُقِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ"، انْتَهَى. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَيْسَ فِيهَا شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي، إلَّا أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ يَزِيدَ الْخُوزِيَّ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"6، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مَسَانِيدِهِمْ" عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، وَحَجَّاجٌ أَيْضًا لَا يُحْتَجُّ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا" 1 عَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ: ذَاتَ عِرْقٍ، انْتَهَى. لِأَبِي دَاوُد، وَزَادَ فِيهِ النَّسَائِيّ: بَقِيَّةَ الْمَوَاقِيتِ، وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"2، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ عَلَى أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ هَذَا الْحَدِيثَ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ زُرَارَةَ بْنِ كَرِيمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْت أَبِي يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو السَّهْمِيَّ، قَالَ: أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِمِنًى. أَوْ بِعَرَفَاتٍ، وَقَدْ طَافَ بِهِ النَّاسُ4، قَالَ: فَتَجِيءُ الْأَعْرَابُ، فَإِذَا رَأَوْا وَجْهَهُ، قَالُوا: هَذَا وَجْهٌ مُبَارَكٌ، قَالَ: وَوَقَّتَ ذَاتَ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: فِي إسْنَادِهِ مَنْ هُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ". حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ، فَقُلْت لَهُ: مَنْ حَدَّثَك بِهَذَا؟ قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ، وَلَمْ يُتَابَعْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَلَى ذَلِكَ، وَخَالَفَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ، فَرَوَوْهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ مِيقَاتَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَابْنُ عَوْفٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ5، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عمر، وعمرو بن دينار، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ 6 عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ: الْعَقِيقَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، وَالْعَقِيقُ أَقْرَبُ إلَى الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ بِيَسِيرٍ، وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يُحْرِمُ مِنْ الْعَقِيقِ، قَالَهُ ابْنُ المنذر، انتهى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا حَدِيثٌ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ إنَّمَا عَهِدَ يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ - فِي صَلَاتِهِ عليه السلام مِنْ اللَّيْلِ"، وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي "كِتَابِ التَّمْيِيزِ": لَا نَعْلَمُ لَهُ سَمَاعًا 1 مِنْ جَدِّهِ، وَلَا أَنَّهُ لَقِيَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ، وَلَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُ يَرْوِي عَنْ جَدِّهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ: ذَاتَ عِرْقٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ 2 أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا بِتَمَامِهِ، وَفِيهِ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ: ذَاتَ عِرْقٍ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَقُلْت لِعَطَاءٍ: إنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَمْ يُوَقِّتْ ذَاتَ عِرْقٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَهْلُ مَشْرِقٍ يَوْمئِذٍ، فَقَالَ: كَذَلِكَ سَمِعْنَا أَنَّهُ عليه السلام وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ: ذَاتَ عِرْقٍ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" قَالَ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ طَاوُسٍ، قَالَ: لَمْ يُوَقِّتْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ عِرْقٍ، وَلَمْ يَكُنْ أَهْلُ مَشْرِقٍ حِينَئِذٍ، فَوَقَّتَ النَّاسُ، ذَاتَ عِرْقٍ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا أَحْسَبُهُ إلَّا كَمَا قَالَ طَاوُسٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" 3 أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ: ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ: الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنًا، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمُ، وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ: ذَاتَ عِرْقٍ، انْتَهَى. وَالْحَجَّاجُ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاضْطِرَابَ مِنْ الْحَجَّاجِ، فَإِنَّ مَنْ دُونَهُ وَمَنْ فَوْقَهُ ثِقَاتٌ. حَدِيثٌ آخَرُ مَوْقُوفٌ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" قَالَ: "بَابُ ذَاتِ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ"، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ أَتَوْا عُمَرَ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ: قرن، وَهِيَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وأنا إذا أردنا قرن، شَقَّ عَلَيْنَا،
قَالَ اُنْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ، فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ لَمْ يَبْلُغْهُ تَوْقِيتُ النَّبِيِّ عليه السلام: ذَاتَ عِرْقٍ، إنْ كَانَتْ الْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ ثَابِتَةً، فَوَافَقَ تَحْدِيدُهُ تَوْقِيتَ النَّبِيِّ عليه السلام، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ": الْمِصْرَانِ: هُمَا الْبَصْرَةُ، وَالْكُوفَةُ، وَحَذْوُهَا: أَيْ مَا يَقْرُبُ مِنْهَا، قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ مُجْتَهَدٌ فِيهَا لَا مَنْصُوصَةً، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَتَجَاوَزْ أَحَدٌ الْمِيقَاتَ إلَّا مُحْرِمًا"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "لَا تَجَاوَزُوا الْوَقْتَ إلَّا بِإِحْرَامٍ"، انْتَهَى1. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عَبَّاسٍ يَرُدُّ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"2، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَهُ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ نَحْوَهُ، وَكَانَ جَابِرٌ هَذَا هُوَ أَبُو الشَّعْثَاءِ، وَرَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا فُضَيْلٍ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إذَا جَاوَزَ الْوَقْتَ فَلَمْ يُحْرِمْ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ رَجَعَ إلَى الْوَقْتِ فَأَحْرَمَ، فَإِنْ خَشِيَ إنْ رَجَعَ إلَى الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ يُحْرِمُ، وَيُهْرِيقُ لِذَلِكَ دَمًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ يُشْكِلُ عَلَى الْمَذْهَبِ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ عليه السلام: "اُقْتُلُوهُ"، انْتَهَى. زَادَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ عليه السلام يَوْمَئِذٍ فِيمَا نَرَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مُحْرِمًا، انْتَهَى. وَاَلَّذِي وَجَدْته فِي "الْمُوَطَّأِ"4، قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا، انْتَهَى
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 1 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ - وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ - بِغَيْرِ إحْرَامٍ. انْتَهَى. وَبَوَّبَ لَهُ "بَابَ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ فِي "الْمُوَطَّأِ". قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ، قَالَ: وَإِتْمَامُهُمَا أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، قُلْت: حَدِيثُ عَلِيٍّ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي التَّفْسِيرِ"2 مِنْ حَدِيثِ آدَمَ بْنِ أَبِي إيَاسٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ الْمُرَادِيِّ، قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ قَوْلِ الله عزوجل: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فَقَالَ: أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِك، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3، وَقَالَ: وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَحَدِيثُ مَسْعُودٍ غَرِيبٌ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ، وَالتَّاسِعُ: رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُحْرِمُوا بِالْحَجِّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ، وَأَمَرَ أَخَا عَائِشَةَ أَنْ يُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ، قُلْت: الْأَوَّلُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 4 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جابر، أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَحْلَلْنَا أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا إلَى مِنًى، قَالَ: فَأَهْلَلْنَا مِنْ الْأَبْطَحِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، فَقَالَ: وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: أَهْلَلْنَا مِنْ الْبَطْحَاءِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ 5 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً، إلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَرَحَلْنَا إلَى مِنًى أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 6 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَافِقِينَ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، إلَى أَنْ قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الصَّدَرِ أَمَرَ - يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَذَهَبَ بِهَا إلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ، مَكَانَ عُمْرَتِهَا، فَطَافَتْ بِالْبَيْتِ، فَقَضَى اللَّهُ عُمْرَتَهَا وَحَجَّهَا، مُخْتَصَرٌ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ7، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْتَمَرْتُمْ، وَلَمْ أَعْتَمِرْ، فَقَالَ: "يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ اذْهَبْ بِأُخْتِك، فَأَعْمِرْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ"، فَأَحْقَبَهَا عَلَى نَاقَتِهِ، فَاعْتَمَرَتْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ مَكَّةَ التَّنْعِيمَ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَكَادُ يُعْرَفُ - يَعْنِي حَدِيثَ التَّنْعِيمِ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرَ ثَوْبَيْهِ بِالتَّنْعِيمِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، انْتَهَى.
باب الإحرام
بَابُ الْإِحْرَامِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْقُوبَ الْمَدَنِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ عليه السلام تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ مِسْكِينٍ أَبِي غَزِيَّةَ الْمَدِينِيِّ الْقَاضِي حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ بِهِ، وَلَفْظُهُمَا: اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ بِسَنَدِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَأَعَلَّهُ بِأَبِي غَزِيَّةَ، قَالَ: عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ، وَلَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا ضَعْفٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَإِنَّمَا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَمْ يُصَحِّحْهُ لِلِاخْتِلَافِ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَالرَّاوِي عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ الْمَدَنِيُّ، أَجْهَدْت نَفْسِي فِي مَعْرِفَتِهِ فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطبراني "معجمه الوسط" حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ السِّمْسَارُ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرَوِيْهِ الْهَرَوِيُّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ ثَنَا خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ إذَا خَرَجَ إلَى مَكَّةَ اغْتَسَلَ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3 عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اغْتَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَبِسَ ثِيَابَهُ، فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ - يَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءٍ - مِمَّنْ جَمَعَ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ حَدِيثَهُ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" 4 عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: نَفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ، انْتَهَى.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَيْضًا 1 فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا 2 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ حِينَ نَفِسَتْ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أبي شبية فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَغْتَسِلَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، والدارقطني فِي " سُنَنِهِ". 3 وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام اتَّزَرَ، وَارْتَدَى عِنْدَ إحْرَامِهِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" 4 عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ عليه السلام مِنْ الْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْدِيَةِ وَالْأُزُرِ تُلْبَسُ، إلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ، فَأَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ، أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وقلد بدنه، وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ، وَقَدِمَ مَكَّةَ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، الحديث. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 5 عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا 6: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلى وبيض الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مفرق رسول الله صلى عليه وسلم وَهُوَ يُلَبِّي، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا 7: قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ يَتَطَيَّبُ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ، ثُمَّ أَرَى وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا 8 عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، قَالَ: سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ يَتَطَيَّبُ، ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا، فَقَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَحُ طِيبًا، لَأَنْ أَطَّلِيَ بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إلَيَّ مَنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ، فَدَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ، وَأَخْبَرْتهَا بِقَوْلِهِ، فَقَالَتْ: أَنَا طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطَافَ فِي نِسَائِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا 1: قَالَتْ: كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا، يَنْضَحُ طِيبًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَتْهَا، قَالَتْ: كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَكَّةَ، فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيَّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا، فَيَرَاهُ النَّبِيُّ عليه السلام، فَلَا يَنْهَانَا، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ عليه السلام رَجُلٌ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعْدَ مَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عليه السلام: "أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِك فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا، ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِك مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّك"، زَادَ الْبُخَارِيُّ 3 فِي لَفْظٍ مُعَلَّقٍ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَرَادَ الْإِنْقَاءَ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَغْسِلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا 4 وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ، فَقَالَ لَهُ: اغْسِلْ عَنْك أَثَرَ الْخَلُوقِ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: وَهُوَ مُصَفِّرٌ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ: اغْسِلْ عَنْك الصُّفْرَةَ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ5: اغْسِلْ عَنْك أَثَرَ الْخَلُوقِ، وَأَثَرَ الصُّفْرَةِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" بَعْدَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ أَبِي دَاوُد الْمُتَقَدِّمَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَطَيَّبَ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِطِيبٍ يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَا يَضُرُّهُ بَقَاؤُهُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَاسْتَدَلَّ مَنْ مَنَعَهُ بِقَوْلِهِ عليه السلام: "اغْسِلْ عَنْك أَثَرَ الْخَلُوقِ"، وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ زَعْفَرَانٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ، وَهُوَ مُصَفِّرٌ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ، وَقَدْ نَهَى الرَّجُلَ عَنْ التَّزَعْفُرِ، وَقِيلَ: إنَّهُ مِنْ خَوَاصِّهِ عليه السلام، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ رُئِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ 6 مُحْرِمًا وَعَلَى رَأْسِهِ مِثْلُ الرُّبِّ مِنْ الْغَالِيَةِ، وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ صُبَيْحٍ: رَأَيْت ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَفِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ مِنْ الطِّيبِ مَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ أَعَدَّ مِنْهُ رَأْسَ مَالٍ، انْتَهَى. قُلْت: رِوَايَةُ الزَّعْفَرَانِ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي "مُسْنَدِهِ" 7 رَوَى حَدِيثَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، وَقَالَ فِيهِ: ثُمَّ دَعَاهُ عليه السلام،
فَقَالَ لَهُ: "اخْلَعْ عَنْك هَذِهِ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ عَنْك هَذَا الزَّعْفَرَانَ، ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِك كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّك"، الْحَدِيثَ. حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ التَّزَعْفُرِ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 فِي "اللِّبَاسِ" عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ أن النبي عليه السلام نَهَى عَنْ التَّزَعْفُرِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: نَهَى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ، وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ حَدِيثٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 2 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُطَرِّفٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ ثَنَا ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ، انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ"، وَقَالَ: عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ ثِقَةٌ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ أَبُو سُفْيَانَ الرُّوَاسِيُّ أَيْضًا ثِقَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ": وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ 3 بِحَدِيثِ عَائِشَةَ: كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَحُ طِيبًا، عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الطِّيبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ اغْتَسَلَ، ثُمَّ رَدَّهُ الْحَازِمِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ أَصَابَهُنَّ، وَكَانَ عليه السلام كَثِيرًا مَا يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ مِنْ غَيْرِ إصَابَةٍ، كَمَا فِي حَدِيثِ عائشة: قلَّ يوم وإلا رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ عَلَيْنَا، فَيُقَبِّلُ وَيَلْمِسُ دُونَ الْوِقَاعِ، فَإِذَا جَاءَ إلَى الَّتِي هِيَ يَوْمُهَا يَبِيتُ عِنْدَهَا، قَالَ: وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ اغْتَسَلَ، فَحَدِيثُ عَائِشَةَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِهِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ عَيْنِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، أَوْ يَقُولُ: إنَّهَا طَيَّبَتْهُ مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ الْغُسْلِ، لِأَنَّ وَبِيصَ الشَّيْءِ بَرِيقُهُ وَلَمَعَانُهُ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَمْرُ النَّبِيِّ عليه السلام الْأَعْرَابِيَّ بِغَسْلِ الطِّيبِ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي عَامِ الْجِعْرَانَةِ، وَهُوَ سَنَةُ ثَمَانٍ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: أَنَّهَا طَيَّبَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ هُوَ نَاسِخُهُ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهِيَ سَنَةُ عَشْرٍ، قَالَ الْحَازِمِيُّ: وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ 4 عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: ارْجِعْ فَاغْسِلْهُ، فَإِنَّ عُمَرَ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَلَوْ بَلَغَهُ لَرَجَعَ إلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَبْلُغْهُ فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَحَدِيثُ مُعَاوِيَةَ هَذَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَزَادَ: فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الْحَاجُّ: الشَّعِثُ التَّفِلُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام صَلَّى بِذِي حليفة بِرَكْعَتَيْنِ عِنْدَ إحْرَامِهِ،
قُلْت: غَرِيبٌ عَنْ جَابِرٍ، وَاَلَّذِي فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ صَلَّى فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا، وَلَكِنْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ 1 فِي "بَابِ التَّلْبِيَةِ" عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَعُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ إذَا اسْتَوَتْ بِهِ النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد 2 فِي "بَابِ وَقْتِ الْإِحْرَامِ" عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ خَصِيفِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَزَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا، فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ، فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، مُخْتَصَرٌ. وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3 وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. وَابْنُ إسْحَاقَ، وَخُصَيْفٌ فِيهِمَا مَقَالٌ: وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اغْتَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَبِسَ ثِيَابَهُ، فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، انْتَهَى. وَيَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءٍ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ". الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام لَبَّى فِي دُبُرِ صَلَاتِهِ - يَعْنِي رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ -. قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ 4 عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ ثَنَا خَصِيفٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه سلام أَهَلَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ، انتهى. وقال: حديث حسن غريب، لا نعرف أحداً رواه غير عبد السلام بن حرب، انتهى. قال فِي "الْإِمَامِ": وَعَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ أَخْرَجَ لَهُ الشَّيْخَانِ فِي "صَحِيحَيْهِمَا"، وَخُصَيْفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَزَرِيُّ ضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَلَوْ لَبَّى بَعْدَ مَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ جَازَ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ لِمَا رَوَيْنَا، قُلْت: يُشِيرُ إلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَلَكِنَّ أَحَادِيثَ: أَنَّهُ لَبَّى بَعْدَ مَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَاضِحٌ، فَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 5 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا 6 عَنْ سَالِمٍ عَنْهُ: قَالَ: مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ - يَعْنِي ذَا الْحُلَيْفَةِ - مُخْتَصَرٌ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ وَانْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَهَلَّ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمْ أَرَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ، مُخْتَصَرٌ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ عليه السلام بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ، فَلَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ أَهَلَّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ إهْلَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ: ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، مُخْتَصَرٌ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد 2 مَا يَجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَحَدِيثُ: أَهَلَّ فِي دُبُرِ صَلَاتِهِ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: عَجِبْت لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إهْلَالِهِ حِينَ أَوْجَبَ، فَقَالَ: إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ، إنَّهَا إنَّمَا كَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةً وَاحِدَةً، فَمِنْ هُنَاكَ اخْتَلَفُوا، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا، فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ، فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ، فَحَفِظَتْهُ عَنْهُ، ثُمَّ رَكِبَ، فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أهل، وأدرك ذلك أَقْوَامٌ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالًا، فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ يُهِلُّ، فَقَالُوا: إنَّمَا أَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ، ثُمَّ مَضَى عليه السلام، فَلَمَّا عَلَا شَرَفَ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ، وَأَدْرَكَ ذَلِكَ أَقْوَامٌ، فَقَالُوا: إنَّمَا أَهَلَّ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَ فِي مُصَلَّاهُ، وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ، وَأَهَلَّ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ، فَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَهَلَّ فِي مُصَلَّاهُ إذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَابْنُ إسْحَاقَ فِيهِ مَقَالٌ، وَكَذَلِكَ خَصِيفٌ4، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"5: كَانَ فَقِيهًا صَالِحًا، إلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخْطِئُ كَثِيرًا، وَالْإِنْصَافُ فِيهِ قَبُولُ مَا وَافَقَ فِيهِ الْأَثْبَاتَ، وَتَرْكُ مَا لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَأَنَا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِي إدْخَالِهِ فِي الثِّقَاتِ، وَكَذَلِكَ احْتَجَّ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَتَرَكَهُ آخَرُونَ، انْتَهَى. قوله: وهو إجابة الدعاء الْخَلِيلِ عليه السلام عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْقِصَّةِ - يَعْنِي فِي التَّلْبِيَةِ - قُلْت: فِيهِ آثَارٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 6 فِي فَضَائِلِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام عَنْ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا بَنَى إبْرَاهِيمُ الْبَيْتَ أَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ: فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: أَلَا إنَّ ربكم قد
اتَّخَذَ بَيْتًا، وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَحُجُّوهُ، فَاسْتَجَابَ لَهُ مَا سَمِعَهُ من حجر، أو شجرة، أَوْ مَدَرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ، نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ضَعِيفٌ1 إلَّا مَا كَانَ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، إلَّا حَدِيثَيْنِ سَمِعَهُمَا شُعْبَةُ بِآخِرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ جَرِيرٍ عَنْ قَابُوسَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ إبْرَاهِيمُ عليه السلام مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ، قَالَ: رَبِّ قَدْ فَرَغْت، فَقَالَ: أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ: رَبِّ! وَمَا يُبَلِّغُ صَوْتِي؟ قَالَ: أَذِّنْ، وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ، قَالَ: رَبِّ كَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ، حَجُّ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، فَسَمِعَهُ مَنْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَلَا تَرَوْنَ أَنَّهُمْ يَجِيئُونَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْضِ يُلَبُّونَ؟!، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قلت لا بن عَبَّاسٍ: أَتَدْرِي كَيْفَ كَانَتْ التَّلْبِيَةُ؟ إنَّ إبْرَاهِيمَ أُمِرَ أَنْ يُؤَذِّنَ النَّاسَ بِالْحَجِّ، فَرُفِعَتْ لَهُ الْقُرَى، وَخَفَضَتْ الجبال رؤوسها، فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، فَأَجَابُوهُ، مُخْتَصَرٌ. وَفِيهِ قِصَّةٌ. آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو الْوَلِيدِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْرَقِيُّ فِي "تَارِيخِ مَكَّةَ" حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابْنِ أبي إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: لَمَّا أُمِرَ إبْرَاهِيمُ عليه السلام أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ قَامَ عَلَى الْمَقَامِ، فَارْتَفَعَ الْمَقَامُ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى مَا تَحْتَهُ، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، فَأَجَابَهُ النَّاسُ، فَقَالُوا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، انْتَهَى. وَرُوِيَ أَيْضًا: حَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَامَ إبْرَاهِيمُ عليه السلام عَلَى هَذَا الْمَقَامِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، فَقَالُوا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، قَالَ: فَمَنْ حَجَّ الْيَوْمَ فَهُوَ مِمَّنْ أَجَابَ إبْرَاهِيمَ يَوْمَئِذٍ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ، فَلَا يُنْقِصُ عَنْهُ، قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّلْبِيَةِ مَنْقُولًا بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ، فَقَدْ رَوَى حَدِيثَ التَّلْبِيَةِ عَائِشَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَلَيْسَ فِيهِ: وَالْمُلْكَ لَك، لَا شَرِيكَ لَك.
فَحَدِيثُ عَائِشَةَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" 1 عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إنِّي لَأَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك"، انْتَهَى. وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ فِي عَزْوِهِ لِلشَّيْخَيْنِ، فَإِنَّ مُسْلِمًا لَمْ يُخَرِّجْ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَصْلًا. وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن زيد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَتْ تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" 3 وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ، قَالَ: كَانَتْ تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ"، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك لَبَّيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ، انْتَهَى. وَمَوْجُودَةٌ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَيْضًا، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، خَلَا الزِّيَادَةَ. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ أَجِلَّاءَ الصَّحَابَةِ: كَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم زَادُوا عَلَى الْمَأْثُورِ - يَعْنِي فِي التَّلْبِيَةِ - قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ تَلْبِيَةَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليبك اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ، لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك"، قَالَ:4 وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِي تَلْبِيَتِهِ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك لَبَّيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ 5 هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ أَيْضًا، وَلَفْظُهُ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يُهِلُّ بِإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، وَيَقُولُ: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْك لَبَّيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ"، مُخْتَصَرٌ. وَقَوْلُهُ: مِنْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، يُرِيدُ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَجَهِلَ مَنْ قَالَ: - يَعْنِي الْمَذْكُورَ - فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، لِأَنَّ مُسْلِمًا لَمْ يُخَرِّجْ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَصْلًا، وَلَا خَرَّجَ فِي التَّلْبِيَةِ
غَيْرَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا عَقِيبَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الْمِهْرَانِيِّ عَنْ عبد الرحمن بن زيد، قَالَ: حَجَجْنَا فِي إمَارَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ طُولٌ، وَفِي آخِرِهِ: وَزَادَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي تَلْبِيَتِهِ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ عَدَدَ التُّرَابِ، وَمَا سَمِعْته قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا بَعْدَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ". وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ غَرِيبٌ عَنْهُ، لَكِنَّهُ رَوَى زِيَادَةً مَرْفُوعَةً فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: كَانَ مِنْ تَلْبِيَةِ النَّبِيِّ عليه السلام: لَبَّيْكَ إلَهَ الْحَقِّ لَبَّيْكَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّانِي عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَهَلَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه سلم، فَذَكَرَ التَّلْبِيَةَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَزَادَ: قَالَ: وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ: لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِجِ، وَنَحْوَهُ مِنْ الْكَلَامِ، وَالنَّبِيُّ عليه السلام يَسْمَعُ، فَلَا يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَعْفَرٍ بِهِ، بِدُونِ الزِّيَادَةِ، وَلَمْ يصب الْمُنْذِرِيُّ، إذْ قَالَ عَقِيبَهُ: وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِالزِّيَادَةِ، وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ يُقَلِّدُ أَصْحَابَ "الْأَطْرَافِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ - فِي تَرْجَمَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ" 1 أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْت الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ يَزِيدُ فِي التَّلْبِيَةِ: لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الشَّافِعِيُّ 2 ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدٍ الْأَعْرَجُ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام يُظْهِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شريك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك، وَالْمُلْكَ لَك، لَا شَرِيكَ لَك"، قَالَ: حَتَّى إذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّاسُ يُصْرَفُونَ عَنْهُ، كَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ مَا هُوَ فِيهِ، فَزَادَ فِيهَا: "لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ"، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَحَسِبْت أَنَّ ذَاكَ يَوْمُ عَرَفَةَ، انْتَهَى وَهُوَ مُرْسَلٌ مِنْ الْإِمَامِ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ أَصَابَ حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ حَلَالٌ، وَأَصْحَابُهُ مُحْرِمُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام لِأَصْحَابِهِ: "هَلْ أَشَرْتُمْ، هَلْ دَلَلْتُمْ، هَلْ أَعَنْتُمْ"؟؟؟ فَقَالُوا: لَا، قَالَ: "إذًا فَكُلُوا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي مَسِيرٍ لَهُمْ بَعْضُهُمْ مُحْرِمٌ، وَبَعْضُهُمْ لَيْسَ بِمُحْرِمٍ، قَالَ: فَرَأَيْت حِمَارَ وَحْشٍ، فَرَكِبْت فَرَسِي، وَأَخَذْت الرُّمْحَ فَاسْتَعَنْتهمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي، فَاخْتَلَسْت سَوْطًا مِنْ بَعْضِهِمْ، وَشَدَدْت عَلَى الْحِمَارِ، فَأَصَبْته، فَأَكَلُوا منه، فأشفقوا، قال: فسأل عَنْ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ، وَالنَّسَائِيُّ: هَلْ أَشَرْتُمْ، هَلْ أَعَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوا، وَتُنْظَرُ بَقِيَّةُ الْأَرْبَعَةِ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ - يَعْنِي الْقَمِيصَ، وَالسَّرَاوِيلَ، وَالْعِمَامَةَ، وَالْقَلَنْسُوَةَ، وَالْخُفَّيْنِ - إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ، فَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" 2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنْ الثِّيَابِ فِي الْإِحْرَامِ، قَالَ: "لَا تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْأَخْفَافَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ نَعْلَانِ، فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ، وَلَا وَرْسٌ"، انْتَهَى. زَادُوا - إلَّا مُسْلِمًا، وَابْنَ مَاجَهْ -: " وَلَا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْحَرَامُ، وَلَا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ"، قَالَ فِي "الْإِمَامِ": قَالَ الْحَاكِمُ النَّيْسَابُورِيُّ: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ: - وَلَا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ - مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَأُدْرِجَ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، فَإِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي رَفْعِهِ، وَوَقْفِهِ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ مَوْقُوفًا، وَهَذَا غَيْرُ قَادِحٍ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُفْتِيَ الرَّاوِي بِمَا يَرْوِيه، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُنَا قَرِينَةٌ مُخَالِفَةٌ لِذَلِكَ
دَالَّةٌ عَلَى عَكْسِهِ، وَهِيَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَرَدَ إفْرَادُ النَّهْيِ عَنْ النِّقَابِ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، مُجَرَّدًا عَنْ الِاشْتِرَاكِ مَعَ غَيْرِهِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "الْمُحْرِمَةُ لَا تَنْتَقِبُ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ"، انْتَهَى. الثَّانِي: أَنَّهُ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ النِّقَابِ، وَالْقُفَّازَيْنِ مُبْدَأً بِهِمَا فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ، وَهَذَا أَيْضًا يَمْنَعُ الْإِدْرَاجَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ، وَالنِّقَابِ، وَمِسَاسِ الْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ مِنْ الثِّيَابِ، وَتَلْبَسُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مُعَصْفَرًا، أَوْ خَزًّا، أَوْ سَرَاوِيلَ، أَوْ حُلِيًّا، أَوْ قَمِيصًا، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ مَا خَلَا ابْنَ إسْحَاقَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ1، انْتَهَى. وَسَنَدُهُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثَنَا يَعْقُوبُ ثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، إلَى آخِرِهِ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام: "إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ، وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2، وَيُنْظَرُ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ، وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ احْتَجَّ بِهِ هُنَا لِلشَّافِعِيِّ، أَنَّ الْمُحْرِمَ لَهُ أَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ، وَأَعَادَهُ قُبَيْلَ الْقِرَانِ، أَنَّ الْمَرْأَةَ تُغَطِّي رَأْسَهَا. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ 3 عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فِي الْمُحْرِمِ يَمُوتُ، قَالَ: "خَمِّرُوهُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَعِلَّتُهُ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، كَانَ كَثِيرَ الْغَلَطِ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ ضَعِيفٌ، قَالَ: لَكِنَّهُ جَاءَ بِأَعَمَّ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ، وَأَصَحَّ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 4 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَالِحٍ الْأَزْدِيِّ ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَمِّرُوا وُجُوهَ مَوْتَاكُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ"، انْتَهَى. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيُّ صَدُوقٌ، قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَبَقِيَّةُ الْإِسْنَادِ لَا يُسْأَلُ عَنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" لِأَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ 5 مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ حُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ حبير عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي الَّذِي وُقِصَ: "خَمِّرُوا وَجْهَهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ"، قَالَ: وَإِبْرَاهِيمُ هَذَا وَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى، وأبو حاتم. وأخرجه الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "الْعِلَلِ" عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ
عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ يُخَمِّرُ وَجْهَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، انْتَهَى. قَالَ: وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ، وَرَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 1 عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْفُرَافِصَةُ بْنُ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيُّ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ 2 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ رضي الله عنه بِالْعَرْجِ مُخَمِّرًا وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ فِي ثَوْبٍ صَائِفٍ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام فِي مُحْرِمٍ تُوُفِّيَ: "لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ3، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا أَوْقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ في ثوبيه، وَلَا تَمَسُّوهُ طِيبًا، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، وَلَا وَجْهَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ: الْوَجْهَ، قَالَ الْحَاكِمُ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ فِي كِتَابِ "عُلُومِ الْحَدِيثِ": وَذِكْرُ الْوَجْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْحِيفٌ مِنْ الرُّوَاةِ، لِإِجْمَاعِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ مِنْ أَصْحَابِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَلَى رِوَايَتِهِ: وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَهُ، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ، انْتَهَى. وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى مُسْلِمٍ لَا إلَى الْحَاكِمِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ كَثِيرُ الْأَوْهَامِ، وَأَيْضًا فَالتَّصْحِيفُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْحُرُوفِ الْمُتَشَابِهَةِ، وَأَيُّ مُشَابَهَةٍ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فِي الْحُرُوفِ؟ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَذْكُرَ فِي الْحَدِيثِ غَيْرَ الْوَجْهِ، فَكَيْفَ! وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا - أَعْنِي الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ - وَالرِّوَايَتَانِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، فَفِي لَفْظٍ: اقْتَصَرَ عَلَى الْوَجْهِ، فَقَالَ: وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ، وَفِي لَفْظٍ: جَمَعَ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ، فَقَالَ: وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وجهه، وفي لفط: اقْتَصَرَ عَلَى الرَّأْسِ، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغَسِّلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَأَنْ يَكْشِفُوا وَجْهَهُ، حَسِبْته قَالَ: وَرَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ، وَهُوَ يُهِلُّ، انْتَهَى. وَمِثْلُ هَذَا بَعِيدٌ مِنْ التَّصْحِيفِ. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ عليه السلام: "الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، 4 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ الْحَاجُّ؟ قَالَ: "الشَّعِثُ التَّفِلُ". وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ، وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ: "أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ"، قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: " لَا يَلْبَسْ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ، وَلَا وَرْسٌ"، قُلْت: تَقَدَّمَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِعِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "لَا تَلْبَسْ الْقَمِيصَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ نَعْلَانِ، فَيَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ، وَلَا وَرْسٌ "، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ رحمه الله فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" 1 حَدَّثَنَا فَهْدٌ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ ثَنَا أبو معاوية "ح" وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الْأَزْدِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَلْبَسُوا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا" - يَعْنِي فِي الْإِحْرَامِ - قَالَ ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ: وَرَأَيْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ، وَهُوَ يَتَعَجَّبُ مِنْ الْحِمَّانِيُّ أَنْ يُحَدِّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: هَذَا عِنْدِي، ثُمَّ وَثَبَ مِنْ فَوْرِهِ فَجَاءَ بِأَصْلِهِ، فَخَرَّجَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، كَمَا ذَكَرَهُ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، فَكَتَبَهُ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَطَاوُسٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالُوا فِي الثَّوْبِ يَكُونُ فِيهِ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ فَغُسِلَ: إنَّهُ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا أَنْ يُحْرِمَ فِيهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ عَطَاءٍ نَحْوَهُ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 2 عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ عليه السلام بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إزَارَهُ وَرِدَاءَهُ، هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْدِيَةِ وَالْأُزُرِ يُلْبَسُ، إلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ، الْحَدِيثَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الرَّدْعِ، وَهُوَ الْبَلُّ، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الرَّدْعُ: مَا يَبُلُّ الْقَدَمَ مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ الْغَسْلُ مِنْ ذَلِكَ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ3، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مَسَانِيدِهِمْ" حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "لَا بَأْسَ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ مَصْبُوغٍ بِزَعْفَرَانٍ قَدْ غُسِلَ، فَلَيْسَ لَهُ نَفْضٌ، وَلَا رَدْعٌ"، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ "فِي الْمُعَصْفَرِ": رَوَى أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثَنَا يَعْقُوبُ ثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ، وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ، وَالزَّعْفَرَانُ مِنْ الثِّيَابِ، وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ، مُعَصْفَرًا، أَوْ خَزًّا، أَوْ حُلِيًّا، أَوْ سَرَاوِيلَ، أَوْ قَمِيصًا، أَوْ خُفًّا، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، إلَى قَوْلِهِ: وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يَذْكُرَا مَا بَعْدَهُ، انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" كَذَلِكَ بِحَدِيثِ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ عليه السلام مِنْ الْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إزَارَهُ وَرِدَاءَهُ، هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فلم ينه شَيْءٍ مِنْ الْأَرْدِيَةِ وَالْأُزُرِ، فلبس المزعفرة التي يردع عَلَى الْجِلْدِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 1 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أَنَّهَا كَانَتْ تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَاتِ، وَهِيَ مُحْرِمَةٌ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْأَصْحَابِ: مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 2 عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَا هَذَا الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ يَا طَلْحَةُ؟! فَقَالَ طَلْحَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا هو مدر، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يَقْتَدِي النَّاسُ بِكُمْ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاهِلًا رَأَى هَذَا الثَّوْبَ لَقَالَ: إنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصَبَّغَةَ فِي الْإِحْرَامِ، فَلَا تَلْبَسُوا أَيُّهَا الرَّهْطُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ اغْتَسَلَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، قُلْت: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 3 عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِيَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ4، وَهُوَ يَصْبُبُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَاءً: اُصْبُبْ عَلَى رَأْسِي، فَقَالَ يَعْلَى: أَتُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَهَا بِي، إنْ أَمَرْتنِي صَبَبْت، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اُصْبُبْ عَلَيَّ، فَلَنْ يَزِيدَهُ الْمَاءُ إلَّا شَعَثًا، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" 5 أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي
عَطَاءُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى أَخْبَرَهُ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَغْتَسِلُ إلَى بَعِيرٍ، وَأَنَا أَسْتُرُ عَلَيْهِ بِثَوْبٍ، إذْ قَالَ عُمَرُ: يَا يَعْلَى اُصْبُبْ عَلَى رَأْسِي؟ فَقُلْت: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ مَا يَزِيدُ الْمَاءُ الشَّعْرَ إلَّا شَعَثًا، فَسَمَّى اللَّهَ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَالشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ: تَعَالَ أُنَافِسْك فِي الْمَاءِ، أَيُّنَا أَطْوَلُ نَفَسًا فِيهِ، وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ عبيد اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالْأَبْوَاءِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ، وَقَالَ الْمِسْوَرُ: لَا يَغْسِلُ، فَأَرْسَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، إلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ فَوَجَدَهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ، وَهُوَ مُسْتَتِرٌ بِثَوْبٍ، قَالَ: فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْت: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ أَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَسْأَلُك كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ قَالَ: فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ، فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ، ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ يصب عَلَيْهِ: اُصْبُبْ، فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ أَبُو أَيُّوبَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ "الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ" نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ 2 أَنَّهُ اسْتَدَلَّ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِيهِ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ أَنْ يُغْسَلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَأَنْ لَا يُقَرَّبَ طِيبًا، انْتَهَى. الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"3 حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ دَخَلَ حَمَّامَ الْجُحْفَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِأَوْسَاخِنَا شَيْئًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا"4 عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ بِهِ، قَالَ: الْمُحْرِمُ يَشُمُّ الرَّيْحَانَ، وَيَدْخُلُ الْحَمَّامَ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأَسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا 5 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ الْمُحْرِمُ، وَيَغْسِلَ ثِيَابَهُ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، نَحْوَهُ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُضْرَبُ لَهُ فُسْطَاطٌ فِي إحْرَامِهِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الصَّلْتُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صَهْبَانَ، قَالَ: رَأَيْت عُثْمَانَ بِالْأَبْطَحِ، وَأَنَّ فُسْطَاطَه مَضْرُوبٌ، وَسَيْفَهُ مُعَلَّقٌ بِالشَّجَرَةِ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي "بَابِ الْمُحْرِمِ يَحْمِلُ السِّلَاحَ"، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْأَثَرِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ بِالْبَيْتِ، وَالْفُسْطَاطِ، وَالْمَحْمِلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَوَافَقَ هُنَا الشَّافِعِيَّ فِي ذَلِكَ، وَمَنَعَهُ أَحْمَدُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ"، وَاسْتَدَلَّ لِمَذْهَبِنَا بِحَدِيثِ أُمِّ الْحُصَيْنِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 1 قَالَتْ: حَجَجْت مَعَ النَّبِيِّ عليه السلام حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْت أُسَامَةَ، وَبِلَالًا، وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ عليه السلام، وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ، حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا كَثِيرًا، ثُمَّ سَمِعْته يَقُولُ: "إنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ، - حَسِبْتهَا قَالَتْ: أَسْوَدُ - يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ عليه السلام مِنْ الشَّمْسِ، الْحَدِيثَ. ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ: فَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا رَفَعَ الثَّوْبَ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّمْسِ، لَا أَنَّهُ رَفَعَهُ عَلَى رأسنه وَظَلَّلَهُ بِهِ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ، فإن التظليل على رأسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنَّمَا كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَالشَّمْسُ فِي الصَّيْفِ عَلَى الرؤوس، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ التَّظْلِيلُ عَلَى رَأْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَأَنَّهُ ذَهَلَ عَنْ لَفْظِ مُسْلِمٍ، وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ عليه السلام يُظِلُّهُ مِنْ الشَّمْسِ، وَرَأَيْته فِي غَيْرِ كِتَابِ "التَّنْقِيحِ"، نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ تَيْمِيَّةَ رحمه الله، قَالَ: لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الرَّمْيُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَقَعَ فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، أَمَّا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، أَوْ الثَّالِثِ، فَيَكُونُ حينثذ قَدْ حَلَّ عليه السلام مِنْ إحْرَامِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ أَلْفَاظُهُ، فَإِنْ وَرَدَ: حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، صَحَّ الِاحْتِجَاجُ، لَكِنَّهُ يَبْعُدُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَقْتَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَذَلِكَ الْوَقْتُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّظْلِيلِ مِنْ الْحَرِّ أَوْ الشَّمْسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" كَذَلِكَ بِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، 2 فَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَهَا حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، الْحَدِيثَ، وَنَمِرَةُ: - بِفَتْحِ النُّونِ، وَكَسْرِ الْمِيمِ - مَوْضِعٌ بِعَرَفَةَ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" 3 حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، 1 قَالَ: خَرَجْت مَعَ عُمَرَ، فَكَانَ يَطْرَحُ النِّطَعَ عَلَى الشَّجَرَةِ فَيَسْتَظِلُّ بِهِ - يَعْنِي وَهُوَ مُحْرِمٌ - انْتَهَى. قَوْله: وَيُكْثِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ، وَكُلَّمَا عَلَا شَرَفًا، أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، أَوْ لَقِيَ رَكْبًا، وَبِالْأَسْحَارِ، لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يُلَبُّونَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" 2 حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ سَابِطٍ، قَالَ: كَانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا هَبَطُوا وَادِيًا، أَوْ عَلَوْهُ، وَعِنْدَ الْتِقَاءِ الرِّفَاقِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ، قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ سِتٍّ: دُبُرَ الصَّلَاةِ، وَإِذَا اسْتَقْبَلَتْ بِالرَّجُلِ رَاحِلَتُهُ، وَإِذَا صَعِدَ شَرَفًا، أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَإِذَا لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: تُسْتَحَبُّ التَّلْبِيَةُ فِي مَوَاطِنَ: فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَحِينَ يَصْعَدُ شَرَفًا، وَحِينَ يَهْبِطُ وَادِيًا، وَكُلَّمَا اسْتَوَى بِك بَعِيرُك قَائِمًا، وكلما لَقِيت رُفْقَةً، انْتَهَى. وَعُزِيَ إلَى ابْنِ نَاجِيَةَ فِي "فَوَائِدِهِ" عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ إذَا لَقِيَ رَكْبًا، أَوْ صَعِدَ أَكَمَةً، أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَفِي أَدْبَارِ الْمَكْتُوبَةِ، وَآخِرِ اللَّيْلِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" وَلَمْ يَعْزُهُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: "أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ" فَالْعَجُّ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالثَّجُّ: إرَاقَةُ الدَّمِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم. فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْخُوزِيِّ، قَالَ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، فَقَالَ: مَنْ الْحَاجُّ؟ قَالَ: "الشَّعِثُ التَّفِلُ"، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الْعَجُّ وَالثَّجُّ"، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَا السَّبِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْخُوزِيِّ الْمَكِّيِّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، انْتَهَى. وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ فِيهِ: قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي بِالْعَجِّ: التَّلْبِيَةَ، وَالثَّجِّ: نَحْرَ الْبُدْنِ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
فِي "تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ"، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الْحَجِّ - فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْحَجَّ"، وَقَالَ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ": وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَرَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ 1 فِي "بَابِ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ التَّلْبِيَةِ"، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "بَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ" قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، وَيَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ بْنِ كَاسِبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام سُئِلَ أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الْعَجُّ وَالثَّجُّ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 2 وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ عُثْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ، وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِيهِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَرَوَى ضِرَارُ بْنُ صُرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عم الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام. وَأَخْطَأَ فِيهِ ضِرَارٌ، قَالَ أَبُو عِيسَى: وَسَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَنْ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِيهِ فَقَدْ أَخْطَأَ، قَالَ: وَسَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ - وَذَكَرْت لَهُ حَدِيثَ ضِرَارِ بْنِ صُرَدَ عَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ - فَقَالَ: هُوَ خَطَأٌ، فَقُلْت: قَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ أَيْضًا مِثْلَ رِوَايَتِهِ، فَقَالَ: لَا شَيْءَ، إنَّمَا رَوَوْهُ عَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَرَأَيْته يُضَعِّفُ ضِرَارَ بْنَ صُرَدَ، انْتَهَى كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي خَطَّأَهَا أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ هِيَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُسْنَدِهِ" فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ثَنَا رَبِيعَةُ عَنْ عُثْمَانَ، وَالضَّحَّاكِ جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَدِيثَ. وَذَكَرَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي "مِيزَانِهِ" عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَرْبُوعٍ، فَقَالَ: مَا رَوَى عَنْهُ سِوَى ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَهَذَا غَلَطٌ، فَإِنَّ الْبَزَّارَ قَالَ فِي "مُسْنَدِهِ" عَقِيبَ ذِكْرِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ قَدِيمٌ3، حَدَّثَ عَنْهُ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، وَغَيْرُهُمَا، وَأَظُنُّ أَنَّ الَّذِي
أَوْقَعَ الذَّهَبِيَّ فِي ذَلِكَ كَوْنُ الْمِزِّيِّ فِي "كِتَابِهِ" لَمْ يَذْكُرْ رَاوِيًا عَنْهُ غَيْرَ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَكَثِيرًا مَا وَقَعَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي كُتُبِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، وَاخْتَلَفَ عَنْهُ، فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ: ضِرَارُ بْنُ صُرَدَ عَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ، وَالضَّحَّاكِ جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ أَيْضًا: عَنْ الْمُنْكَدِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَقَالَ أَهْلُ النَّسَبِ1: إنَّهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ، وَمَنْ قَالَ: سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَدْ وَهَمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انتهى. وأما حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا"، قَالَ الْأَوَّلُ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "أَفْضَلُ الْحَجِّ، الْعَجُّ وَالثَّجُّ، وَالْعَجُّ: الْعَجِيجُ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالثَّجُّ: نُحُورُ الدِّمَاءِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الثَّانِي بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ سَوَاءً. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَرَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي "كِتَابِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ" مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَإِسْحَاقُ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى تَضْعِيفِهِ أَيْضًا، فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ، وَإِسْحَاقُ مَدَنِيٌّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ 2 عَنْ خَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ عليه السلام فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي، وَمَنْ مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ، أَوْ قَالَ: بِالتَّلْبِيَةِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 3 عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَسَمِعْتهمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ ابْتَدَأَ بِالْمَسْجِدِ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ، مُخْتَصَرٌ، وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ ثُمَّ يَجْلِسُ لِلنَّاسِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْجِهَادِ"، وَمُسْلِمٌ فِي "الصَّلَاةِ"، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: كَانَ لَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إلَّا نَهَارًا فِي الضُّحَى، فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ عليه السلام مَكَّةَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ، ثُمَّ مَضَى عَلَى يَمِينِهِ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَى الْمَقَامَ، فَقَالَ: "وَاِتَّخِذُوا" الْحَدِيثَ. وَرَوَى أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ فِي "تَارِيخِ مَكَّةَ" 2 حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ لَمْ يَلْوِ عَلَى شَيْءٍ، وَلَمْ يُعَرِّجْ، وَلَا بَلَغَنَا أَنَّهُ دَخَلَ بَيْتًا، وَلَا لَوَّى بِشَيْءٍ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَبَدَأَ بِالْبَيْتِ، فَطَافَ بِهِ، وَهَذَا أَجْمَعُ فِي حَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ كُلِّهَا، انْتَهَى. وَاسْتَشْهَدَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِمَا أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ 3 رَأَيْت النَّبِيَّ عليه السلام حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ. هَذَا، وَلَيْسَ فِيهِ مَقْصُودٌ، مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَفْظُهُ: رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ السَّبْعِ، انْتَهَى. أَخْرَجَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَاسْتَشْهَدَ هَذَا الْجَاهِلُ بِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، الْحَدِيثَ، وَالْآخَرُ لَيْسَ فِيهِ مَقْصُودٌ، أَوْ هُوَ بَعِيدٌ عَنْ الْمَقْصُودِ. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إذَا لَقِيَ الْبَيْتَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَاَلَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ 4 أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمُحَمَّدٌ لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْأَصْلِ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ، لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يُذْهِبُ بِالرِّقَّةِ، وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ مِنْهَا فَحَسَنٌ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": رَأَيْت فِي "كتاب ابن المغلس" قَالَ: وَذَكَرَ هُشَيْمِ عَنْ يحيى عن بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عن أبيه عن عُمَرَ كَانَ إذَا نَظَرَ إلَى الْبَيْتِ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْك السَّلَامُ، حَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ، انْتَهَى. قَالَ: وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا
أَبُو الْأَحْوَصِ أن يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، إلَى آخِرِهِ، فَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ سَعِيدٍ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ 1 عَنْ الْحَكَمِ بِسَنَدِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ يَعْقُوبَ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: سَمِعْت مِنْ عُمَرَ كَلِمَةً، مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ سَمِعَهَا غَيْرِي، سَمِعْته يَقُولُ إذَا رَأَى الْبَيْتَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ، فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ شَاهِدٌ لِسَمَاعِ سَعِيدٍ مِنْ عُمَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ إذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا، وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً، وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ، أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا، وَتَكْرِيمًا وَبِرًّا"، وَهَذَا مُعْضِلٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَسْت أَكْرَهُ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ، وَلَا أَسْتَحِبُّهُ، وَلَكِنَّهُ عِنْدِي حَسَنٌ، انْتَهَى. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ نَهَارًا مِنْ كُدًى، فَلَمَّا رَأَى الْبَيْتَ، قَالَ: " اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا، وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً، وَزِدْ مَنْ عَظَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ، أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا، وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً، وَبِرًّا"، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَمَّا انْتَهَى إلَى الرُّكْنِ اسْتَلَمَهُ، وَهُوَ مُضْطَبِعٌ بِرِدَائِهِ، وَقَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، إيمَانًا بِاَللَّهِ، وَتَصْدِيقًا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ"، وَحَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ 2 عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِيمَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِي وَالْأَسْوَدِ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} . الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَابْتَدَأَ بِالْحَجَرِ، فَاسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ، قُلْت: أَمَّا ابْتِدَاؤُهُ عليه السلام بِالْحَجَرِ فَهُوَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ 3 أَيْضًا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ بَدَأَ بِالْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ مَضَى عَلَى يَمِينِهِ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، انْتَهَى. وَأَمَّا التكبير والتهليل، فلم أجده، لَكِنَّ التَّكْبِيرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ 4
فِي حَدِيثِ الْبَعِيرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عليه السلام طَافَ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَهِلَ مَنْ عَزَاهُ لِمُسْلِمٍ، فَإِنَّ حَدِيثَ مُسْلِمٍ لَيْسَ فِيهِ التَّكْبِيرُ، وَلَفْظُهُ: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ1، قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ عليه السلام فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا التَّهْلِيلُ فَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ 2 عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ لَهُ: "يَا عُمَرُ إنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ، فَتُؤْذِي الضَّعِيفَ، إنْ وَجَدْت خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ، وَكَبِّرْ وَهَلِّلْ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ عليه الصلاة والسلام " لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ" وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا اسْتِلَامَ الْحَجَرِ، قُلْت: تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ. الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، وَوَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" 3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ عليه السلام الْحَجَرَ، ثُمَّ وَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ، فَبَكَى طَوِيلًا، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَبْكِي، فَقَالَ: "يَا عمر ههنا تُسْكَبُ الْعُيُونُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" وَلَكِنَّهُ فِي "مِيزَانِهِ" أَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَوْنٍ، وَنَقَلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي "كِتَابَيْهِمَا"4 وَأَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ تَضْعِيفَ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": هُوَ قَلِيلُ الرِّوَايَةِ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ إلَّا إذَا وَافَقَ الثِّقَاتِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "الْإِمَامِ": وَمُحَمَّدُ بْنُ عَوْنٍ هَذَا هُوَ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ، وَالرَّازِيِّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ، وَالْأَزْدِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"5 لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الشَّفَتَيْنِ، أَخْرَجُوهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ جَاءَ إلَى الْحَجَرِ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: "إنِّي أَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 1 بِزِيَادَةٍ فِيهِ، أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، وَاسْمُهُ: عُمَارَةُ بْنُ جُوَيْنٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوَّلَ حَجَّةٍ حَجَّهَا مِنْ إمَارَتِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَتَى الْحَجَرَ فَقَبَّلَهُ، وَاسْتَلَمَهُ، وَقَالَ: "إنِّي أَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك"، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ لَيَضُرُّ وَيَنْفَعُ، وَلَوْ عَلِمْت تَأْوِيلَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَعَلِمْت أَنَّهُ كَمَا أَقُول، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّك مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} فَلَمَّا أَقَرُّوا أَنَّهُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّهُمْ الْعَبِيدُ كَتَبَ مِيثَاقَهُمْ فِي رَقٍّ، ثُمَّ أَلْقَمَهُ فِي هَذَا الْحَجَرِ، وَأَنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَهُ عَيْنَانِ وَلِسَانَانِ وَشَفَتَانِ، يَشْهَدُ لِمَنْ وَافَاهُ بِالْمُوَافَاةِ، فَهُوَ أَمِينُ اللَّهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا أَبْقَانِي اللَّهُ بِأَرْضٍ لَسْت فِيهَا يَا أَبَا الْحَسَنِ، انْتَهَى. وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، فَإِنَّهُمَا لَمْ يَحْتَجَّا بِأَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، انْتَهَى. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": وَأَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ سَاقِطٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ، فَقَالَ: رَأَيْته عليه السلام يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُسْنَدِهِ" فِي آخِرِ مُسْنَدِ أَبِي بَكْرٍ بِسَنَدِهِ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ رَجُلٍ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عِنْدَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: "إنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، ثُمَّ قَبَّلَهُ"، قَالَ: ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ فَوَقَفَ عِنْدَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: إنِّي أَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك، انْتَهَى. وَهَذَا مَتْنٌ غَرِيبٌ، وَتُرَاجَعُ بَقِيَّةُ إسْنَادِهِ. الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ لِعُمَرَ: " إنَّك رَجُلٌ أَيِّدٌ تُؤْذِي الضَّعِيفَ، فَلَا تُزَاحِمْ النَّاسَ عَلَى الْحَجَرِ، وَلَكِنْ إنْ وَجَدْت فُرْجَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ، وَكَبِّرْ وَهَلِّلْ"، قُلْت: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ الْعَبْدِيِّ 3 وَاسْمُهُ: وَقْدَانُ، قَالَ: سَمِعْت شَيْخَنَا بِمَكَّةَ فِي إمَارَةِ الْحَجَّاجِ يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ لَهُ: إنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ، لَا تُزَاحِمْ النَّاسَ عَلَى الْحَجَرِ، فَتُؤْذِي الضَّعِيفَ، إنْ وَجَدْت خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ، وَكَبِّرْ وَهَلِّلْ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا السُّفْيَانَانِ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ بِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: ذَكَرُوا أَنَّ هَذَا الشَّيْخَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام طَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَاسْتَلَمَ الْأَرْكَانَ بِمِحْجَنِهِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ، وَمِنْ حَدِيثِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ طَارِقِ بْنِ أَشْيَمَ، ومن حديث أم عمارة. فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ1 - إلَّا التِّرْمِذِيَّ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يستلم الركن بمحجن، انْتَهَى. وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ2 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ عليه السلام فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ، لَأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ، أَوْ لِيُشْرِفَ وَلِيَسْأَلُوهُ، فَإِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 3 عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَهُ إلَى قَوْلِهِ: لَأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ، وَيُرَاجَعُ. وَحَدِيثُ أَبِي الطُّفَيْلِ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ 4 عَنْهُ، وَاسْمُهُ: عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ، قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ عليه السلام يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ، وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ صَفِيَّةَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: لَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ طَافَ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ فِي يَدِهِ، قَالَتْ: وَأَنَا أَنْظُرُ إلَيْهِ، انْتَهَى. وَصْفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ أَخْرَجَ لَهَا الْبُخَارِيُّ حَدِيثًا فِي "صَحِيحِهِ"، وَقِيلَ: لَيْسَتْ بِصَحَابِيَّةٍ، فَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّسَائِيّ، وَالْبَرْقَانِيِّ، وَقَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ السَّكَنِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي "الصَّحَابَةِ"، وَقِيلَ: لَهَا رُؤْيَةٌ، كَمَا فِي الحديث. وحديث آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ 5 عَنْهَا أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ عليه السلام يَخْطُبُ عَامَ الْفَتْحِ،
غَيْرَ أَنَّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ، وَفِيهِ مَقَالٌ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِطَوَافِهِ عليه السلام رَاكِبًا، فَقِيلَ: لَأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ، صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي مُسْلِمٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَأَخْرَجَا1 عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبِرْنِي عَنْ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قَوْمَك يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا، قُلْت: مَا قَوْلُك: صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ، يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمَّدٌ، هَذَا مُحَمَّدٌ، حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنْ الْخُدُورِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُضْرَبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا كَثُرُوا عَلَيْهِ رَكِبَ، وَالْمَشْيُ وَالسَّعْيُ أَفْضَلُ، مُخْتَصَرٌ، وَقِيلَ: كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضْرَبَ عَنْهُ النَّاسُ، وَرَدَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ"، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضْرَبَ عَنْهُ النَّاسُ، انْتَهَى. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَيْسَ بِنَاجِحٍ، لِاحْتِمَالِ عَوْدِ الضَّمِيرِ فِي "عَنْهُ" إلَى الرُّكْنِ، انْتَهَى. قِيلَ: إنَّهُ كَانَ بِهِ شِكَايَةٌ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مَكَّةَ وَهُوَ يَشْتَكِي، فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَنَاخَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَضَعَّفَ ابْنَ أَبِي زِيَادٍ، وَقَالَ: إنَّهُ تَفَرَّدَ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ يَشْتَكِي لَمْ يُوَافَقْ عَلَيْهَا، انْتَهَى. قُلْت: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ فِي كِتَابِ "الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عن حماد بن أبي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَعَ عِكْرِمَةَ، فَجَعَلَ حَمَّادٌ يَصْعَدُ الصَّفَا، وَعِكْرِمَةُ لَا يَصْعَدُهُ، وَيَصْعَدُ حَمَّادٌ الْمَرْوَةَ، وَعِكْرِمَةُ لَا يَصْعَدُهُ، فَقَالَ لَهُ حَمَّادٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَلَا تَصْعَدُ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ؟ فَقَالَ: هَكَذَا كَانَ طَوَافُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ حَمَّادٌ: فَلَقِيت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّمَا طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَهُوَ شَاكٍ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ بِمِحْجَنٍ، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَصْعَدْ، انْتَهَى. وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَقَدْ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" إلَى هَذَا الْمَعْنَى، فَقَالَ: "بَابُ الْمَرِيضِ يَطُوفُ رَاكِبًا"3، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا اشْتَكَتْ، فَقَالَ لَهَا عليه السلام: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ، قَالَتْ: فَطُفْت وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إلَى جَنْبِ الْبَيْتِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا،
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ، فَقَالَ لَهَا عليه السلام: "إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ لِلصُّبْحِ فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِك، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ"، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ طَارِقِ بْنِ أَشْيَمَ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيّ، وَابْنُ قَانِعٍ فِي "مُعْجَمَيْهِمَا"، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُدَامَةَ الثَّقَفِيِّ ثَنَا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ حَوْلَ الْبَيْتِ، فَإِذَا ازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَى الْحَجَرِ اسْتَقْبَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِحْجَنٍ بِيَدِهِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَغَوِيّ: لَا أَعْلَمُ رَوَى هَذَا غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الثَّقَفِيِّ، وَأَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ اسْمُهُ: سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ. وَأَبُوهُ طَارِقُ بْنُ أَشْيَمَ، سَكَنَ الْكُوفَةَ، رَوَى عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَحَادِيثَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُدَامَةَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَقَالَ شَيْخُنَا الْمُنْذِرِيُّ1: رِجَالُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، خَلَا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُدَامَةَ الثَّقَفِيَّ، فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ، قال: إن فيه نظر، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ عُمَارَةَ: فَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ، قَالَتْ: شَهِدْت عُمْرَةَ القضية مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْت قَدْ شَهِدْت الْحُدَيْبِيَةَ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام حَتَّى انْتَهَى إلَى الْبَيْتِ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِزِمَامِهَا، وَقَدْ صُفَّ لَهُ الْمُسْلِمُونَ، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ مُضْطَبِعًا بِثَوْبِهِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، مُخْتَصَرٌ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ، ثُمَّ يُقَبِّلُ يَدَهُ، وَقَالَ: مَا تَرَكْته مُنْذُ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، ثُمَّ أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ، فَطَافَ سبع أَشْوَاطٍ، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 3 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ عليه السلام مَكَّةَ بَدَأَ بِالْحَجَرِ الأسود، فاستلمه، تم مَضَى عَلَى يَمِينِهِ،
فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، انْتَهَى. وَعِنْد الْبَيْهَقِيّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ بَدَأَ فَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ، ثُمَّ أَخَذَ عَنْ يَمِينِهِ، فَرَمَلَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَى الْمَقَامَ فَصَلَّى خَلْفَهُ رَكْعَتَيْنِ. الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَجْعَلَ رِدَاءَهُ تَحْتَ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ، وَيُلْقِيَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ، وَهُوَ سُنَّةٌ، وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنْ الْجِعْرَانَةِ، فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ، وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، ثُمَّ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمْ الْيُسْرَى، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَزَادَ فِيهِ فَاضْطَبَعُوا وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ، الْحَدِيثَ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَبِعًا بِبُرْدٍ أَخْضَرَ، انْتَهَى. وَالتِّرْمِذِيُّ أَخْرَجَهُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ يَعْلَى بِهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَبِالْإِسْنَادَيْنِ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ". الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها: فَإِنَّ الْحَطِيمَ مِنْ الْبَيْتِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ3، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ، قَالَتْ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحِجْرِ، أَمِنْ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْت: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: "إنَّ قَوْمَك قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ"، قُلْت: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا، قَالَ: " فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُك لِيُدْخِلُوا مَنْ شاؤوا، ويمنعوا من شاؤوا، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، وَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ لَنَظَرْت أَنْ أُدْخِلَ الْحِجْرَ بِالْبَيْتِ، وَأَنْ أُلْزِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ 4 عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْت أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ وَأُصَلِّيَ فِيهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي فِي الْحُجْرَةِ، فَقَالَ: صَلِّي فِي الْحِجْرِ إذَا أَرَدْت دُخُولَ الْبَيْتِ، فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ الْبَيْتِ، فَإِنَّ قَوْمَك اقْتَصَرُوا حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ، فَأَخْرَجُوهُ مِنْ الْبَيْتِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَعَلْقَمَةُ هَذَا هُوَ عَلْقَمَةُ بْنُ بِلَالٍ مَوْلَى عَائِشَةَ تَابِعِيٌّ مَدَنِيٌّ، احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأُمُّهُ - حَكَى الْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ - أَنَّ اسْمَهَا مَرْجَانَةُ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "غَرَائِبِ" مَالِكٍ1، وَالْأَزْرَقِيُّ فِي "تَارِيخِ مَكَّةَ" مِنْ حَدِيثِ دَاوُد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أُبَالِي فِي الْحِجْرِ صَلَّيْت، أَوْ فِي الْبَيْتِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَفْعُهُ وَهْمٌ، وَالصَّوَابُ وَقْفُهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 2 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِالْبَيْتِ مِنْ وَرَائِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَيَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ الْأَشْوَاطِ، وَيَمْشِي فِيمَا بَقِيَ عَلَى هِينَتِهِ عَلَى ذَلِكَ، اتَّفَقَ رُوَاةُ نُسُكِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ خَبَّ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، وَكَانَ يَسْعَى بِبَطْنِ الْمَسِيلِ إذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا 4 عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ لِي: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ حِينَ يَقْدَمُ، يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد 5 عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا طَافَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ فَإِنَّهُ يَسْعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وَيَمْشِي أَرْبَعًا، ثُمَّ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ وَيَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، الْحَدِيثَ. وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ6، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إلَيْهِ، ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: وَكَانَ سَبَبُهُ إظْهَارَ الْجَلَدِ لِلْمُشْرِكِينَ، حِينَ قَالُوا: أَضْنَاهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، ثُمَّ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ زَوَالِ السَّبَبِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ عليه السلام وَبَعْدَهُ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ، وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّهُ يَقْدَمُ غَدًا عَلَيْكُمْ قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمْ الْحُمَّى، وَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً، فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ، وَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ عليه السلام أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَيَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قد وهنتهم؟! أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا، إلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ 2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ، قَالَ: مَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ إنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: شَيْءٌ صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ، مُخْتَصَرٌ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ 3 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إنَّمَا سَعَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَمَلَ بِالْبَيْتِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ 4 عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ: فِيمَ الرَّمَلَانِ وَكَشْفُ الْمَنَاكِبِ، وَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ، وَنَفَى الْكُفْرَ وَأَهْلَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا نَدَعُ شَيْئًا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 5 عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام اضْطَبَعَ فَاسْتَلَمَ وَكَبَّرَ وَرَمَلَ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، كَانُوا إذَا بَلَغُوا الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ وَتَغَيَّبُوا عَنْ قُرَيْشٍ مَشَوْا، ثُمَّ يَطْلُعُونَ عَلَيْهِمْ، فَيَرْمُلُونَ، تَقُولُ قُرَيْشٌ: كَأَنَّهُمْ الغزلان، قال: قلت لابن عَبَّاسٍ: فَكَانَتْ سُنَّةً، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 6 عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: يَزْعُمُ قَوْمُك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَمَلَ بِالْبَيْتِ، وَأَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ، قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا، قُلْت: مَا صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟! قَالَ: صَدَقُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَمَلَ، وَكَذَبُوا لَيْسَ بِسُنَّةٍ، إنَّهُ لَمَّا قَدِمَ عليه السلام مَكَّةَ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ مِنْ الْهُزَالِ، وَكَانُوا يَحْسُدُونَهُ، قَالَ: فَأَمَرَهُمْ عليه السلام أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثًا، وَيَمْشُوا أَرْبَعًا، مُخْتَصَرٌ. الحديث الثالث والعشرين: قال المنصف رحمه الله: وَالرَّمَلُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ
هُوَ المنقول في زمن النَّبِيِّ عليه السلام، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 1 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ 2 أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ، وَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 3 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ بِنَحْوِهِ، سَوَاءً، وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ مُسْلِمٌ، وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، فَعَزَاهُ لِلشَّيْخَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ، وَعَبْدُ الْحَقِّ فِي "كِتَابَيْهِمَا" - الْجَمْعُ بَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ - وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي "الْمُنْتَقَى": حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ خَلَفٌ فِي "أَطْرَافِهِ" مِنْ مُفْرَدَاتِ مُسْلِمٍ، وَعَزَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" لِمُسْلِمٍ فَقَطْ 4 وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" أَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ لَا حَدِيثَ جَابِرٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الطُّفَيْلِ: فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" 5 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا الطُّفَيْلِ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ يَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَلَ ثَلَاثًا مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَسْتَلِمُ غَيْرَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 6 - إلَّا التِّرْمِذِيَّ - عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ فِي الْبَيْتِ إلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إلَّا الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ غَيْرَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ، وَاحْتَجَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اسْتِلَامَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِ غَيْرُ سُنَّةٍ، بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَتِيقٍ عَنْ عَبْدِ الله بن بابيه عَنْ بَعْضِ بَنِي يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: كُنْت مَعَ عُمَرَ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ، قَالَ يَعْلَى: وَكُنْت مِمَّا يَلِي الْبَيْتَ، فَلَمَّا بَلَغْت الرُّكْنَ الْغَرْبِيَّ الَّذِي يَلِي الْأَسْوَدَ مَرَرْت 2 بَيْنَ يَدَيْهِ لأسلم، فَقَالَ لِي: مَا شَأْنُك؟ قُلْت: أَلَا نَسْتَلِمُ هَذَيْنِ؟ قَالَ: أَلَمْ تَطُفْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْت: نَعَمْ، قَالَ: أَرَأَيْته يَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ - يَعْنِي الْغَرْبِيَّيْنِ -؟، قُلْت: لَا، قَالَ: أَفَلَيْسَ لَك فِيهِ أُسْوَةٌ؟ قُلْت: بَلَى، قَالَ: فَانْفُذْ عَنْك، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَفِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "وَلْيُصَلِّ الطَّائِفُ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا طَافَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ، فَإِنَّهُ يَسْعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وَيَمْشِي أَرْبَعًا، ثُمَّ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 4 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ، انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ5: "بَابُ صَلَاةِ النَّبِيِّ عليه السلام لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ"، وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ: قُلْت لِلزُّهْرِيِّ: إنَّ عَطَاءً يَقُولُ: تُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، فَقَالَ: السُّنَّةُ أَفْضَلُ، لَمْ يَطُفْ عليه السلام أُسْبُوعًا قَطُّ إلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: قَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ ثَنَا مُنْذِرٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ يُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ فِي "فَوَائِدِهِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَرَجِ بْنِ مَهْدِيٍّ
الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَةَ الْقَاضِي ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الشَّامِيُّ ثَنَا عَدِيُّ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ مَعَ كُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، لَا يُجْزِئُ مِنْهُمَا تَطَوُّعٌ وَلَا فَرِيضَةٌ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ نَحْوَهُ، سَوَاءً. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا أَجْنَبِيَّةٌ عَنْ حَدِيثِ الْكِتَابِ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَدَلَّ بِهِ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى وُجُوبِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَعِنْدَنَا هِيَ سُنَّةٌ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا، إلَّا أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، بِمَعْنَى أَمَرَ وَأَوْجَبَ، كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَمَّا صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ عَادَ إلَى الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ، قُلْت: فِي "مُوَطَّأِ مَالِكٍ"1 أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَضَى طَوَافَهُ وَرَكَعَ الرَّكْعَتَيْنِ، فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، انْتَهَى. هُوَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ2، وَلْنَذْكُرْهُ بِرُمَّتِهِ، فَإِنَّهُ عُمْدَةٌ فِي مَنَاسِكِ الْحَجِّ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلَ عَنْ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إلَيَّ، فَقُلْت: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إلَى رَأْسِي فَنَزَعَ زِرِّي الْأَعْلَى، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِك يَا ابْنَ أَخِي، سَلْ عَمَّا شِئْت، فَسَأَلْته، وَهُوَ أَعْمَى، وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا، كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا، وَرِدَاؤُهُ إلَى جَنْبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ، فَصَلَّى بِنَا، فَقُلْت: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ بِيَدِهِ، فَعَقَدَ تِسْعًا، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَأَرْسَلَتْ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: " اغْتَسِلِي، وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ، وَأَحْرِمِي"، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ
نَظَرْتُ إلَى مَدَى بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَك، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ شَيْئًا مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلْبِيَتَهُ، قَالَ جَابِرٌ: لَسْنَا نَنْوِي إلَّا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام، فَقَرَأَ: {وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ، فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَكَانَ أَبِي يَقُولُ: وَلَا أَعْلَمُ ذِكْرَهُ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ: {إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ"، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى إذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي رَمَلَ، حَتَّى إذَا صَعِدَتَا مَشَى، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ، قَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ، وَجَعَلْتهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا، أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى، وَقَالَ: "دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ، لَا، بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ"، وقدم علي من اليمين بِبُدْنِ النَّبِيِّ عليه السلام فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رضي الله عنها مِمَّنْ حَلَّ، وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا، وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، قَالَ: فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ، لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْته أَنِّي أَنْكَرْت ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: " صَدَقَتْ صَدَقَتْ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ " قَالَ: قُلْت: اللَّهُمَّ إنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُك، قَالَ: "فَإِنَّ مَعِي الْهَدْيَ فَلَا تَحِلُّ"، قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قدم بِهِ عَلِيٌّ رضي الله عنه من اليمين، وَاَلَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ عليه السلام مِائَةً، قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا، إلَّا النَّبِيَّ عليه السلام، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ، فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ، وَقَالَ: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ مِنْ رِبَانَا رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، وَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بكلمة الله، ولكم عليهن أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْت فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابَ اللَّهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّك قَدْ بَلَّغْت، وَأَدَّيْت، وَنَصَحْت، فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إلَى السَّمَاءِ، وَيَنْكُتُهَا إلَى النَّاسِ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ-"، ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ شَنَقَ1 لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ، كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنْ الْحِبَالِ2، أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، بِأَذَانٍ وَاحِدٍ، وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَصَلَّى الْفَجْرَ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ، بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ، وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ، أَبْيَضَ وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ، إلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَصَرَفَ وَجْهَهُ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ، يَنْظُرُ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثم سلك طريق الْوُسْطَى الَّتِي تُخْرِجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا سَبْعَ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ،
رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا، فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ، فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا، وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: "انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْت مَعَكُمْ"، فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّانِي، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْبَزَّارُ، وَالدَّارِمِيُّ، فِي "مَسَانِيدِهِمْ" قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام نَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً، أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، فَنَحَرَ لِكُلِّ سَنَةٍ مِنْ سِنِيهِ بَدَنَةً، وَأَمَرَ عَلِيًّا بِالْبَاقِي، فَنَحَرَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ أَتَى الْبَيْتَ فَلْيُحَيِّهِ بِالطَّوَافِ"، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا1. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام صَعِدَ الصَّفَا حَتَّى إذَا نَظَرَ إلَى الْبَيْتِ قَامَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو اللَّهَ، قُلْت: تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، فَبَدَأَ بالصفا، فرمى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، الْحَدِيثَ. قَوْلُهُ: وَالرَّفْعُ سُنَّةُ الدُّعَاءِ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ - فِي الدُّعَاءِ"2 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنْ أَخِيهِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْك حَذْوَ مَنْكِبَيْك، وَنَحْوَهُمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ أَنْ تُشِيرَ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ، وَالِابْتِهَالُ أَنْ تَمُدَّ يَدَيْك جَمِيعًا، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عن سفيان عن عباس بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَهُ مَوْقُوفًا. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا دَعَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِابْنِ لَهِيعَةَ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةً الْقَعْنَبِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيْمَنَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إسْحَاقَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَلُوا اللَّهَ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ، وَلَا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا، فَإِذَا فَرَغْتُمْ فَامْسَحُوا بِهَا وُجُوهَكُمْ"، قَالَ أَبُو دَاوُد: رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ، وَهَذَا الطَّرِيقُ أَمْثَلُهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ سَوَاءً، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "الدُّعَاءِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ ثَنَا عَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ بِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الصَّلَاةِ"، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الدَّعَوَاتِ"، وَابْنُ مَاجَهْ 1 فِي "الدُّعَاءِ" عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ سَلْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ إلَيْهِ فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَرْفَعْهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي "الدَّعَوَاتِ" عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى الْجُهَنِيِّ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يحطمها حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": حَمَّادُ بْنُ عِيسَى الْجُهَنِيِّ يَرْوِي الْمَقْلُوبَاتِ الَّتِي يُظَنُّ أَنَّهَا معمولة لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا قَوْلُ عَبْدِ الْحَقِّ، قَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ: صَحِيحٌ، فَلَيْسَ فِي النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ، بَلْ فِيهَا أَنَّهُ غَرِيبٌ، قَالَ: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ عليه السلام رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ، ذَكَرْت مِنْ ذَلِكَ نَحْوَ عِشْرِينَ حَدِيثًا فِي "شَرْحِ الْمُهَذَّبِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَخْرُجُ إلَى الصَّفَا مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ، وإنما خَرَجَ النَّبِيُّ عليه السلام مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ، وهو يسمى باب الصفاء، لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَبَ الْأَبْوَابِ إلَى الصَّفَا، لَا أَنَّهُ سُنَّةٌ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا،
ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّفَا مِنْ الْبَابِ الَّذِي يُخْرَجُ مِنْهُ، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَ شُعْبَةُ: وَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: سُنَّةٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ"1 حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَغَوِيّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ زُنْبُورٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بن عمر عن نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى الصَّفَا مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ الْقَاضِي بِطَبَرِيَّةَ ثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ ثَنَا أَبِي ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا، فَارْتَقَى الصَّفَا، فَقَالَ: نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، ثُمَّ قَرَأَ {إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} الْآيَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ نَكْتُبْهُ إلَّا عَنْ الشَّيْخِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "غَرَائِبِ مَالِكٍ" ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ النَّقَّاشُ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَحْمُودٍ النَّيْسَابُورِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُتْبَةَ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ محمد الطلحي ثنا سهل أَبُو عَمْرٍو ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا، وَهُوَ يَقُولُ: "نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَذَا قَالَ، وَالصَّوَابُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إلَى الصَّفَا، وَلَيْسَ فِيهِ الْمَقْصُودُ. حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام خَرَجَ إلَى الصَّفَا مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ فِي "تَارِيخِ مَكَّةَ" عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ. الْحَدِيثُ الثَّلَاثُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَزَلَ مِنْ الصَّفَا وَجَعَلَ يَمْشِي نَحْوَ الْمَرْوَةِ، وَسَعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، مَشَى حَتَّى صَعِدَ الْمَرْوَةَ، فَطَافَ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى إذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي رَمَلَ، حَتَّى إذَا صَعِدَ مَشَى، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إذَا كَانَ آخِرُ
الطَّوَافِ عَلَى الْمَرْوَةِ، الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ"1 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ خَبَّ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، وَكَانَ يَسْعَى بِبَطْنِ الْمَسِيلِ إذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثَانِ لَيْسَ فِيهِمَا ذِكْرُ الْأَشْوَاطِ، وَهِيَ فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ عليه السلام مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: ثُمَّ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا عَنْ عَائِشَةَ 3 فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ: قَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، مُخْتَصَرٌ. وَرَوَى أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ فِي "تَارِيخِ مَكَّةَ" حَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ صَالِحٍ مولى التوءَمة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: السُّنَّةُ فِي الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَنْزِلَ مِنْ الصَّفَا، ثُمَّ يَمْشِيَ حَتَّى يَأْتِيَ بَطْنَ الْمَسِيلِ، فَإِذَا جَاءَهُ سَعَى حَتَّى يَظْهَرَ مِنْهُ، ثُمَّ يَمْشِيَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ"، قُلْت: اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ، وَهِيَ: أَبْدَأُ، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، أَوْ: نَبْدَأُ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَمَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"4، وَالثَّانِي بِصِيغَةِ الْأَمْرِ5، فَهِيَ ابْدَءُوا، وَهَذَا هُوَ حَدِيثُ الْكِتَابِ، وَهُوَ عِنْدَ النَّسَائِيّ، والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي "سُنَنِهِمَا" وَإِنَّمَا ذَكَرْت ذَلِكَ لِأَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ عَزَا لَفْظَ الْأَمْرِ لِمُسْلِمٍ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ هَذَا مِنْ الْمُحَدِّثِ لِأَنَّ الْمُحَدِّثَ إنَّمَا يَنْظُرُ فِي الْإِسْنَادِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَلَا يُحْتَمَلُ ذَلِكَ مِنْ الْفَقِيهِ، لِأَنَّ وَظِيفَتَهُ اسْتِنْبَاطُ الْأَحْكَامِ مِنْ الْأَلْفَاظِ، فَالْمُحَدِّثُ إذَا قَالَ: أَخْرَجَهُ فُلَانٌ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَصْلَ الْحَدِيثِ لَا بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ بِعَيْنِهَا، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ عَلَى ذِكْرِ طَرَفِ الْحَدِيثِ، فَعَلَى الْفَقِيهِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْتَجَّ بِحَدِيثٍ، عَلَى حُكْمٍ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ اللَّفْظَةُ الَّتِي تُعْطِيهِ مَوْجُودَةً فِيهِ، حَتَّى إنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ احْتَجَّ بِهَذِهِ
اللَّفْظَةِ، أَعْنِي قَوْلَهُ: ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ، وَقَدْ بَسَطَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "شَرْحِ الْإِلْمَامِ"، وَلَمْ يُحْسِنْ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ رحمه الله إذْ أَهْمَلَ ذِكْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، مُعْتَمِدًا عَلَى مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، فَإِنَّهُ خِلَافُهُ، وَلَكِنَّهُ قَلَّدَ غَيْرَهُ، فَأَهْمَلَاهُ، وَقَالَ فِي "الْإِمَامِ": الْحَدِيثُ وَاحِدٌ، وَمَخْرَجُهُ وَاحِدٌ، وَلَكِنَّهُ اخْتَلَفَ اللَّفْظُ، وَقَدْ يُؤْخَذُ الْوُجُوبُ بِلَفْظِ الْخَبَرِ أَيْضًا مَعَ ضَمِيمَةِ قَوْلِهِ عليه السلام: "خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ"، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَقُولُ لَنَا: " خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنَى لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ فَاسْعَوْا"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ تَمْلِكَ الْعَبْدَرِيَّةِ، وَمِنْ حَدِيثِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ. فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"1 ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النظر الْأَزْدِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ الْمُفَضَّلِ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّمَلِ، فَقَالَ: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ فَاسْعَوْا"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ: فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ2، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" بِابْنِ الْمُؤَمَّلِ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ، الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا"، قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المؤمل العائذي عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ 3 - إحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ - قَالَتْ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ، وَالنَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ وَرَاءَهُمْ، وَهُوَ يَسْعَى، حَتَّى أَرَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ، وَهُوَ يَقُولُ: "اسْعَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" أَيْضًا فِي "الْفَضَائِلِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُبَيْهٍ عَنْ جَدَّتِهِ صَفِيَّةَ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ بِنَحْوِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ أَيْضًا، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَخْطَأَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، أَوْ شَيْخُهُ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْهُ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَعَلَ مَوْضِعَ ابْنِ مُحَيْصِنٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي حُسَيْنٍ، وَالْآخَرُ: أَنَّهُ أَسْقَطَ صَفِيَّةَ بِنْتَ شَيْبَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَعِنْدِي أَنَّ الْوَهْمَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ، فَإِنَّ ابْنَ أَبِي شَيْبَةَ إمَامٌ كَبِيرٌ، وَشَيْخُهُ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ثِقَةٌ، وابن المؤمل سيء الْحِفْظِ: وَقَدْ اضْطَرَبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اضْطِرَابًا كَثِيرًا1، فَأَسْقَطَ عَطَاءً مَرَّةً، وَابْنَ مُحَيْصِنٍ أُخْرَى، وَصْفِيَّةَ بِنْتَ شَيْبَةَ أُخْرَى، وَأَبْدَلَ ابْنَ مُحَيْصِنٍ، بِابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ أُخْرَى، وَجَعَلَ الْمَرْأَةَ عَبْدَرِيَّةً تَارَةً، وَيَمَنِيَّةً أُخْرَى، وَفِي الطَّوَافِ تَارَةً، وَفِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أُخْرَى، وَكُلُّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى سُوءِ حِفْظِهِ، وَقِلَّةِ ضَبْطِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنِي مَعْرُوفُ بْنُ مُشْكَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ، قَالَتْ: أَخْبَرَنِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ اللَّاتِي أَدْرَكْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْنَ: دَخَلْنَا دَارَ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، فَرَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَمَعْرُوفُ بْنُ مُشْكَانَ بَانِي كَعْبَةِ الرَّحْمَنِ، صَدُوقٌ لَا نَعْلَمُ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ، وَمَنْصُورٌ هَذَا ثِقَةٌ، مُخْرَجٌ لَهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ تَمْلِكَ الْعَبْدَرِيَّةِ: فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"3 عَنْ مِهْرَانَ بْنِ أَبِي عُمَرَ ثَنَا سُفْيَانُ ثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ تَمْلِكَ الْعَبْدَرِيَّةِ، قَالَتْ: نَظَرْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا فِي غُرْفَةٍ لِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَهُوَ يَقُولُ:
"أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ فَاسْعَوْا"، انْتَهَى. تَفَرَّدَ بِهِ مِهْرَانُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِي حَدِيثِهِ اضْطِرَابٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"1 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدٍ الْحَضْرَمِيِّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ الْأَوْدِيُّ ثَنَا حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ"، انْتَهَى. وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ" فِي هَذَا الْحَدِيثِ اضْطِرَابًا كَثِيرًا، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَيْصِنٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ"، الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحَاتِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ عليه السلام، وَهُوَ مُقَارِنٌ فِعْلَهُ، وَالْآخَرُ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ لَا غَيْرُ، فَيَكُونُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِالتَّرْجِيحِ، نَحْوُ مَا رَوَتْهُ حَبِيبَةُ بِنْتُ أبي تجزأة، قَالَتْ: رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ يَسْعَى، وَهُوَ يَقُولُ: "اسْعَوْا فَإِنَّ، اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ"، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَدِيثِ: الْحَجُّ عَرَفَةَ، لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ قَوْلٍ، وَالْأَوَّلُ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَفِيهِ أَيْضًا إخْبَارُهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ أَوْجَبَهُ عَلَيْنَا، فَكَانَ أَوْلَى، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ 2 فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ بَرَّةَ بنت أبي تجزأة، قَالَتْ: لَمَّا انْتَهَى النَّبِيُّ عليه السلام إلَى السَّعْيِ، قالت: "أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ، فَاسْعَوْا". قَالَتْ: فَسَعَى حَتَّى رَأَيْت إزَارَهُ انْكَشَفَ عَنْ فَخِذِهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: " الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلٍ بْنِ عِيَاضٍ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 3 مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ فِيهِ النُّطْقَ، فَمَنْ نَطَقَ فِيهِ فَلَا يَنْطِقْ إلَّا بِخَيْرٍ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ 4 عَنْ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ بِهِ، بِلَفْظِ الطَّوَافُ حَوْلَ الْبَيْتِ، مِثْلُ الصَّلَاةِ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ، وَغَيْرُهُ عَنْ طَاوُسٍ مَوْقُوفًا، وَلَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا
مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، انْتَهَى. وَعَنْ الْحَاكِمِ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"1 بِسَنَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ رَفَعَهُ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ عَنْهُ، وَرُوِيَ عَنْهُ مَوْقُوفًا، وَهُوَ أَصَحُّ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ": هَذَا الْحَدِيثُ رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، أَمَّا الْمَرْفُوعُ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ2: أَحَدُهَا: رِوَايَةُ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، رَوَاهَا عَنْهُ جَرِيرٌ، وَفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، وَمُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، وَسُفْيَانُ، أَخْرَجَهَا كُلَّهَا الْبَيْهَقِيُّ. الْوَجْهُ الثَّانِي: رِوَايَةُ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ3، رَوَاهَا عَنْهُ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". الْوَجْهُ الثَّالِثُ: رِوَايَةُ الْبَاغَنْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا، فَأَمَّا طَرِيقُ عَطَاءٍ، فَإِنَّ عَطَاءً مِنْ الثِّقَاتِ، لَكِنَّهُ اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيمًا فَهُوَ صَحِيحٌ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ حَدِيثًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَجَمِيعُ مَنْ رَوَى عَنْهُ رَوَى عَنْهُ فِي الِاخْتِلَاطِ، إلَّا شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمَا سَمِعَ مِنْهُ جَرِيرٌ وَغَيْرُهُ، فَلَيْسَ مِنْ صَحِيحِ حَدِيثِهِ، وَأَمَّا طَرِيقُ لَيْثٍ فَلَيْثٌ رَجُلٌ صَالِحٌ صَدُوقٌ يُسْتَضْعَفُ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ ضَعِيفٌ، مِثْلُ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَعَلَّ اجْتِمَاعَهُ مَعَ عَطَاءٍ يُقَوِّي رَفْعَ الْحَدِيثِ، وَأَمَّا طَرِيقُ الْبَاغَنْدِيِّ، فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ لَمَّا ذَكَرَهَا قَالَ: وَلَمْ يَصْنَعْ الْبَاغَنْدِيُّ شَيْئًا في رفعه بهذه الرِّوَايَةِ، فَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطبراني في "معجمه الوسط" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ الْجَحْدَرِيُّ ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، لَا أَعْلَمُهُ إلَّا عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "الطَّوَافُ صَلَاةٌ، فَأَقِلُّوا فِيهِ الْكَلَامَ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا طَلَعَتْ الشَّمْسُ رَاحَ إلَى مِنًى، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَالْفَجْرَ، ثُمَّ رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ، قُلْت: تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى بِمِنًى الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، إلَى أَنْ قَالَ: فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 4 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّى بِنَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَالْفَجْرَ، ثُمَّ غَدَا إلَى عَرَفَاتٍ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ تَكَلَّمُوا فِيهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَهُ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ1 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، قَالَ: قُلْت لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَخْبِرْنِي عَنْ شَيْءٍ عَقَلْته عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنًى، قُلْت: فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قَالَ: بِالْأَبْطَحِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ: وَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَيَبْدَأُ فَيَخْطُبُ خُطْبَةً - يَعْنِي قَبْلَ الصَّلَاةِ - ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ عليه السلام خَطَبَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَفْظُهُ: فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إذا زاغت الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ، وَقَالَ: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا"، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فصلى العصر، ولم يصلي بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ رَافِعًا يَدَيْهِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، الْحَدِيثَ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2 عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما، قَالَ: مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَالصُّبْحَ بِمِنًى، ثُمَّ يَغْدُوَ إلَى عَرَفَةَ حَتَّى إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ خَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، ثُمَّ يُفِيضَ فَيُصَلِّيَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، أَوْ حَيْثُ قَضَى اللَّهُ، ثُمَّ يَقِفَ بِجَمْعٍ، حَتَّى إذَا أَسْفَرَ دَفَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَإِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ، إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ، حَتَّى يَزُورَ الْبَيْتَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ لِمَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: "يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ": أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ
رَاحَ فَوَقَفَ عَلَى الْمَوْقِفِ مِنْ عَرَفَةَ، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ عليه السلام خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَمِلَ بِهِ الْأَئِمَّةُ وَالْمُسْلِمُونَ، وَأَعَلَّهُ هُوَ، وَابْنُ الْقَطَّانِ بَعْدَهُ بِابْنِ إسْحَاقَ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا خَرَجَ وَاسْتَوَى عَلَى نَاقَتِهِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَقَدْ وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ بالجمع بين الصلاتين - بين الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ - قَالَ: وَفِيمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّاهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ، قُلْت: تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ أَذَّنَ، فَأَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ قام، فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام رَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ، قُلْت: هُوَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، ثُمَّ أَذَّنَ، وَأَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أَتَى الْمَوْقِفَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا لِأَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ رَاحَ فَوَقَفَ عَلَى الْمَوْقِفِ مِنْ عَرَفَةَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عرفة، وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْتَفِعُوا عَنْ وَادِي مُحَسِّرٍ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم. فَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"1 أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عرفة، وكل مزدلفة مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ، وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ إلَّا مَا وَرَاءَ الْعَقَبَةِ"، انْتَهَى. وَالْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ مَتْرُوكٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": كَانَ أَحْمَدُ يَرْمِيهِ بِالْكَذِبِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"1 حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: "كُلُّ عَرَفَاتٍ مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ عُرَنَةَ، وَكُلُّ مُزْدَلِفَةَ مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ مُحَسِّرٍ، وَكُلُّ فِجَاجِ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: هَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى الْأَشْدَقَ لَمْ يُدْرِكْ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، فَذَكَرَهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ بِهِ، بِلَفْظِ أَحْمَدَ سَوَاءً، قَالَ الْبَزَّارُ: وَرَوَاهُ سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، وهو رَجُلٌ لَيْسَ بِالْحَافِظِ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا انْفَرَدَ بِحَدِيثٍ، وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ هُوَ الصَّوَابُ، مَعَ أَنَّ ابْنَ أَبِي حُسَيْنٍ لَمْ يَلْقَ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ لِأَنَّا لَا نَحْفَظُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي كُلِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ، إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَكَذَلِكَ ذَكَرْنَاهُ، وَبَيَّنَّا الْعِلَّةَ فِيهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"2 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ الرَّقِّيِّ ثَنَا زُهَيْرُ بْنُ عباد الرواسي ثَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ بِنَحْوِهِ، لَيْسَ فِيهِ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا فِي "كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ" عَنْ حَفْصِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ مَرْفُوعًا كَذَلِكَ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ الْأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ ثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُلَيْكِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ بطن عرفة، وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَيُرَاجَعُ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِلَفْظِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا يَرْوِيه بِهَذَا الْإِسْنَادِ
إلَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ، ثُمَّ أَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ النَّوْفَلِيِّ عَنْ دَاوُد بْنِ فَرَاهِيجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، نحوه سواء، وأعله يزيد بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَنُقِلَ عَنْ النَّسَائِيّ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام وَقَفَ عَلَى نَاقَتِهِ، قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَذَهَبَ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، كُلَّمَا أَتَى حَبَلًا من الحبال أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا، حَتَّى تَصْعَدَ، ثُمَّ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي "الصَّوْمِ" عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّ نَاسًا اخْتَلَفُوا عِنْدَهَا فِي صَوْمِ النَّبِيِّ عليه السلام يَوْمَ عَرَفَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ، فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَهُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام وَقَفَ عَلَى نَاقَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، قُلْت: هُوَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلَهُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ عليه السلام: " خَيْرُ الْمَوَاقِفِ مَا اسْتَقْبَلْت بِهِ الْقِبْلَةَ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ في "المستدرك - كِتَابِ الْأَدَبِ" عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ 1 هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفًا، وَإِنَّ شَرَفَ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ، وَإِنَّمَا الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ، وَلَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ وَلَا الْمُتَحَدِّثِ، وَاقْتُلُوا الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ، وَإِنْ كُنْتُمْ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا تَسْتُرُوا الْجُدُرَ بِالثِّيَابِ، وَمَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَأَنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَكْرَمَ النَّاسِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَغْنَى النَّاسِ فَلْيَكُنْ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَوْثَقَ مِنْهُ بِمَا فِي يَدِهِ، أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ نَزَلَ
وَحْدَهُ، وَمَنَعَ رِفْدَهُ، وَجَلَدَ عَبْدَهُ، قَالَ: أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ يَبْغُضُ النَّاسَ، أَوْ يَبْغُضُونَهُ، قَالَ: أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: مَنْ لَمْ يُقِلْ عَثْرَةً، وَلَمْ يَقْبَلْ مَعْذِرَةً، وَلَمْ يَغْفِرْ ذَنْبًا، قَالَ: أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ، وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ، إنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام، قَامَ فِي قَوْمِهِ، فَقَالَ: "يَا بَنِي إسْرَائِيلَ لَا تَتَكَلَّمُوا بِالْحِكْمَةِ عِنْدَ الْجَاهِلِ فَتَظْلِمُوهَا، وَلَا تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ، وَلَا تَظْلِمُوا، وَلَا تُكَافِئُوا ظَالِمًا بِظُلْمٍ، فَيَبْطُلُ فَضْلُكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ، يَا بَنِي إسْرَائِيلَ الْأَمْرُ ثَلَاثَةٌ: أَمْرٌ بَيِّنٌ رُشْدُهُ فَاتَّبِعُوهُ، وَأَمْرٌ بَيِّنٌ غَيُّهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَأَمْرٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَكِلُوهُ إلَى عَالِمِهِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، فَقَالَ: وَهِشَامُ بْنُ زِيَادٍ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الزُّهْدِ" بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهِشَامُ بْنُ زِيَادٍ تَكَلَّمُوا فِيهِ بِسَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ ثَنَا أَبِي حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الضَّبِّيُّ عن قاسم بْنِ عُرْوَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، فَذَكَرَ بِنَحْوِهِ، بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابَيْهِمَا"، وَأَعَلَّاهُ بِهِشَامِ بْنِ زِيَادٍ، وَأَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، وَقَالَ: إنَّ الضَّعْفَ عَلَى رِوَايَاتِهِ بَيِّنٌ، انْتَهَى. قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَيْسَ لِهَذَا الْحَدِيثِ طَرِيقٌ يَثْبُتُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: هِشَامُ بْنُ زِيَادٍ مِمَّنْ أُجْمِعَ عَلَى ضَعْفِهِ، وَتَرْكِ حَدِيثِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَصَالِحٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَلَعَلَّهُ سَرَقَهُ مِنْ هِشَامٍ، فَإِنَّهُ بِهِ أَشْهَرُ، وَبِهِ يُعْرَفُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ أَيْضًا عَنْ تَمَّامِ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ بِهِ، وَضَعَّفَ تَمَّامًا عَنْ جَمَاعَةٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ بِهِ، وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ: قَالَ فِي عِيسَى هَذَا: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" وَالطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط" مِنْ حَدِيثِ حَمْزَةَ 1 بْنِ أبي حمزة النصيبيني عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَكْرَمُ الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ"، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وأعله بحمزة النصيبيني، وَقَالَ: إنَّهُ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي "تَارِيخِ أَصْبَهَانَ - فِي بَابِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ"
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مرفوعاً: خبر الْمَجَالِسِ مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو يَوْمَ عَرَفَةَ مَادًّا يَدَيْهِ، كَالْمُسْتَطْعِمِ الْمِسْكِينِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَأَيْته عليه السلام يَدْعُو بِعَرَفَةَ يَدَاهُ إلَى صَدْرِهِ، كَالْمُسْتَطْعِمِ الْمِسْكِينِ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ حَدَّثَنَا عُبَادَةَ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ، مَادًّا يَدَيْهِ، كَالْمُسْتَطْعِمِ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ لَهُ طَرِيقًا عَنْ الْفَضْلِ إلَّا هَذَا الطَّرِيقَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" وَأَعَلَّهُ بِحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ مديني، يكنى أبا عبيد اللَّهِ، يَرْوِي عَنْ عِكْرِمَةَ، وَعَنْهُ ابْنُ إسْحَاقَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَغَيْرُهُمَا، ثُمَّ قَالَ: هو مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، فَإِنِّي لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا جَاوَزَ الْمِقْدَارَ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ، وَإِنْ وَرَدَ الْآثَارُ بِبَعْضِ الدَّعَوَاتِ، قُلْت:.........2. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ لِأُمَّتِهِ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ، إلَّا فِي الدِّمَاءِ، وَالْمَظَالِمِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ عَبْدِ الْقَاهِرِ بْنِ السَّرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ عَنْ أَبِيهِ كنانة عن أبي عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام دَعَا لِأُمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْمَغْفِرَةِ، فَأُجِيبَ: إنِّي قَدْ غَفَرْت لَهُمْ، مَا خَلَا الْمَظَالِمَ، فَإِنِّي آخِذٌ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ، قَالَ: " رَبِّ إنْ شِئْت أَعْطَيْت الْمَظْلُومَ الْجَنَّةَ، وَغَفَرْت لِلظَّالِمِ"، فَلَمْ يُجِبْهُ عَشِيَّتَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ الدُّعَاءَ، فَأُجِيبَ إلَى مَا سَأَلَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ قَالَ: فَتَبَسَّمَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إنَّ هَذِهِ لَسَاعَةٌ مَا كُنْت تَضْحَكُ فِيهَا، فَمَا الَّذِي أَضْحَكَك، أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّك؟ قَالَ: "إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إبْلِيسَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ اسْتَجَابَ دُعَائِي، وَغَفَرَ لِأُمَّتِي أَخَذَ التُّرَابَ فَجَعَلَ يَحْثُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، فَأَضْحَكَنِي مَا رَأَيْت مِنْ جَزَعِهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" وَعَبْدُ اللَّهِ 4 بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي "مُسْنَدِ أَبِيهِ"، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ
فِي "مُسْنَدِهِ"، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ في "الكامل"، وأعله بكنانة، وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كِنَانَةُ رَوَى عَنْ أَبِيهِ لَمْ يَصِحَّ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": كِنَانَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَسْلَمِيٌّ يَرْوِي عن أبيه، وروى عن ابْنُهُ، مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا، فَلَا أَدْرِي التَّخْلِيطَ فِي حَدِيثِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ أَبِيهِ، وَمِنْ أَيِّهِمَا كَانَ، فَهُوَ سَاقِطُ الِاحْتِجَاجِ بِمَا رَوَى، وَذَلِكَ لِعِظَمِ مَا أَتَى مِنْ الْمَنَاكِيرِ عَنْ الْمَشَاهِيرِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ 1 فِي "الْمَوْضُوعَاتِ" مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدبري حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَمَّنْ سَمِعَ قَتَادَةَ يَقُولُ: ثَنَا خِلَاسُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ: " أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ تَطَوَّلَ عَلَيْكُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَغَفَرَ لَكُمْ، إلَّا التَّبَعَاتِ فِيمَا بَيْنَكُمْ، وَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ لِمُحْسِنِكُمْ، وَأَعْطَى مُحْسِنَكُمْ مَا سَأَلَ، فَادْفَعُوا بِاسْمِ اللَّهِ، وَإِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ عَلَى جِبَالِ عَرَفَاتٍ يَنْظُرُونَ مَا يَصْنَعُ اللَّهُ بِهِمْ، فَإِذَا نَزَلَتْ الْمَغْفِرَةُ دَعَا هُوَ وَجُنُودُهُ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ"، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، وَالرَّاوِي عَنْ قَتَادَةَ مَجْهُولٌ، وَخِلَاسٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ، قَالَ أَيُّوبُ: لَا تَرْوُوا عَنْهُ، فَإِنَّهُ صَحَفِيٌّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا زَالَ يُلَبِّي حَتَّى أَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"2 عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، انْتَهَى. وَزَادَ فِيهِ ابْنُ مَاجَهْ، فَلَمَّا رَمَاهَا قَطَعَ التَّلْبِيَةَ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 3 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهم، قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ: هَذِهِ عرفة، وعرفة كُلُّهَا مَوْقِفٌ، ثُمَّ أَفَاضَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ خَلْفَهُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ عَلَى هِينَتِهِ، وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا، يَلْتَفِتُ إلَيْهِمْ، وَيَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ، الْحَدِيثَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، لَا نَعْرِفُهُ عَنْ عَلِيٍّ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ، الْحَدِيثَ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 1 ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ أُسَامَةَ، قَالَ: كُنْت رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا وَقَعَتْ الشَّمْسُ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": هَذَا إسْنَادٌ حسن، وانفرد بِهِ أَبُو دَاوُد، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ وَالْأَوْثَانِ كَانُوا يَدْفَعُونَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ، كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ عَلَى رُءُوسِهَا، وَإِنَّمَا نَدْفَعُ بَعْدَ أَنْ تَغِيبَ، وَكَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ مُنْبَسِطَةً، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، قَالَ: فَقَدْ صَحَّ بِهَذَا سَمَاعُ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا كَمَا يَتَوَهَّمُهُ رَعَاعُ أَصْحَابِنَا أَنَّ لَهُ رُؤْيَةً بِلَا سَمَاعٍ، وَذَكَرَ أَحَادِيثَ أُخْرَى فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ2، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَتِهِ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا لَا يَدْفَعُونَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى تَكُونَ الشَّمْسُ، كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَمِنْ الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَكُونَ كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ , نَدْفَعُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ , هَدْيُنَا مُخَالِفٌ لِهَدْيِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَالشِّرْكِ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَهُوَ مُرْسَلٌ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ تَابِعِيٌّ سَمِعَ عَائِشَةَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَظُنُّ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ عَنْهُ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا، فَإِنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ رَوَى عَنْ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، وَذَكَرَ أَبُو إسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي "الْمُهَذَّبِ" عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، انْتَهَى. قُلْت: لَيْسَ مَا قَالَهُ أَبُو إسْحَاقَ سَهْوًا، فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، وَعَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 3 مِنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَقَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" فَقَالَ: يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أُخْبِرْت عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام خَطَبَ بِعَرَفَةَ، فَذَكَرَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"1 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَزِيزٍ الْمَوْصِلِيُّ ثَنَا غَسَّانُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ لَا يُفِيضُونَ مِنْ عَرَفَاتٍ حَتَّى تُعَمِّمَ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ، فَتَصِيرَ فِي رُءُوسِهَا كَعَمَائِمِ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُفِيضُ حَتَّى تَغْرُبَ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى يَقُولُونَ: أَشْرَقَ ثَبِيرٌ، فَلَا يُفِيضُونَ حَتَّى تصير الشمس على رُءُوسِ الْجِبَالِ كَعَمَائِمِ الرِّجَالِ فِي وُجُوهِهِمْ، وَأَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يُفِيضُ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَمْشِي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي الطَّرِيقِ - يَعْنِي طَرِيقَ الْمُزْدَلِفَةِ - عَلَى هِينَتِهِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى رَأْسَهَا لِيُصِيبَ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَهُوَ يَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: "أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ"، كُلَّمَا أَتَى جَبَلًا مِنْ الْجِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا 2 عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ، وَأُسَامَةُ رِدْفَهُ، قَالَ أُسَامَةُ: فَمَا زَالَ يَسِيرُ عَلَى هِينَتِهِ حَتَّى أَتَى جَمْعًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ 3 - وَكَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ عليه السلام - أَنَّهُ قَالَ فِي عَشِيَّةِ عَرَفَةَ، وَغَدَاةِ جَمْعٍ لِلنَّاسِ حِينَ دَفَعُوا: " عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ"، وَهُوَ كَافٌّ نَاقَتَهُ، حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا، وَهُوَ مِنْ مِنًى، قَالَ: " عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي تُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ"، وَقَالَ: لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ لِأَبِي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ: " هَذِهِ عَرَفَةُ، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ"، ثُمَّ أَفَاضَ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ عَلَى هِينَتِهِ، وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا، يَلْتَفِتُ إلَيْهِمْ، وَيَقُولُ: "أيها الناس، عليكم بالسكينة"، الْحَدِيثَ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
قَوْله: رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها دَعَتْ بِشَرَابٍ بَعْدَ إفَاضَةِ الْإِمَامِ فَأَفْطَرَتْ، ثُمَّ أَفَاضَتْ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"1 حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَدْعُو بِشَرَابٍ فَتُفْطِرُ، ثُمَّ تُفِيضُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام وَقَفَ عِنْدَ هَذَا الْجَبَلِ - يَعْنِي قُزَحَ - وَكَذَا عُمَرُ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ2، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَاللَّفْظُ لِلتِّرْمِذِيِّ، قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ: " هَذِهِ عَرَفَةُ، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ"، ثُمَّ أَفَاضَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ عَلَى هِينَتِهِ، وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا، يَلْتَفِتُ إلَيْهِمْ، وَيَقُولُ: " أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ السكنية"، ثُمَّ أَتَى جَمْعًا، فَصَلَّى بِهِمْ الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى قُزَحَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ، الْحَدِيثَ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 3 عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ حِينَ وَقَفَ، مُخْتَصَرٌ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْهِلَالِيُّ ثَنَا يُونُسُ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: غَدَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ بِجَمْعٍ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى قُزَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا الْمَوْقِفُ، وَكُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ، وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ، ثُمَّ دَفَعَ حِينَ أَسْفَرَ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عُمَرَ غَرِيبٌ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ - يَعْنِي بِالْمُزْدَلِفَةِ -، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، فَإِنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: ثُمَّ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، الْحَدِيثَ. وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا4
عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ، جَمَعَ النَّبِيُّ عليه السلام بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا، وَلَا عَلَى إثْرِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُخَالِفَانِ لِلْأَوَّلِ، وَلِمَا يَأْتِي بَعْدُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ فَتَوَضَّأَ، وَلَمْ يُسْبِغْ الْوُضُوءَ، قُلْت لَهُ: الصَّلَاةَ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ أَمَامَك"، فَرَكِبَ، فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ الله بن زيد عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُزْدَلِفَةِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِإِقَامَةٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا قَيْسٌ 2 عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَامِعٍ، صَوَابُهُ: حَازِمٌ، عَنْ عَدِيٍّ بِهِ، وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَدِيٍّ بِهِ، وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ فُضَيْلٍ الرُّؤَاسِيِّ ثنا محمد بن سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ 3 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْإِقَامَةِ، أَخْرَجَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيَّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ عليه السلام فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، زَادَ الْبُخَارِيُّ: جَمِيعًا، خَرَّجَهُ فِي "الْمَغَازِي". وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 4 عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: أَفَضْنَا مَعَ ابْنِ عُمَرَ، فَلَمَّا بَلَغْنَا جَمْعًا صَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا، وَالْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: هَكَذَا صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَكَانِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَجَعَلَ بَعْضُ الرُّوَاةِ مَكَانَ ابْنِ عُمَرَ، ابْنَ عَبَّاسٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ حَفْصٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا أَسْنَدَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ وَكِيعٌ، وَإِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ،
وَحَسَّانُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الطُّرُقِ ذِكْرُ الْأَذَانِ، لَكِنْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 1 عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَقْبَلْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ مِنْ عَرَفَاتٍ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ، فَلَمْ يَكُنْ يَفْتُرُ مِنْ التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ، حَتَّى أَتَيْنَا الْمُزْدَلِفَةَ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، أَوْ أَمَرَ إنْسَانًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا، فَقَالَ: الصَّلَاةَ، فَصَلَّى بِنَا الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عِلَاجُ بْنُ عَمْرٍو بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام صَلَّى الْمَغْرِبَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ تَعَشَّى، ثُمَّ أَفْرَدَ الْإِقَامَةَ لِلْعِشَاءِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ 2 عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: حَجَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَأَتَيْنَا الْمُزْدَلِفَةَ حِينَ الْأَذَانِ بِالْعَتَمَةِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ رَجُلًا، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ، وَصَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَمَرَ - أَرَى - فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، قَالَ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ: لَا أَعْلَمُ الشَّكَّ إلَّا مِنْ زُهَيْرٍ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ، قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ إلَّا هَذِهِ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَكَانِ في هَذَا الْيَوْمِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هُمَا صَلَاتَانِ تُحَوَّلَانِ عَنْ وَقْتِهِمَا، صَلَاةُ الْمَغْرِبِ بَعْدَ مَا يَأْتِي النَّاسُ الْمُزْدَلِفَةَ، وَالْفَجْرُ حِينَ بَزَغَ 3 الْفَجْرُ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، انْتَهَى. وَأَعَادَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ إلَى مَكَّةَ، ثُمَّ قَدِمْنَا جَمْعًا فَصَلَّى الصَّلَاتَيْنِ، كُلُّ صَلَاةٍ وَحْدَهَا، بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَالْعَشَاءُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: طَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: لَمْ يَطْلُعْ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ حُوِّلَتَا عَنْ وَقْتِهِمَا فِي هَذَا الْمَكَانِ: المغرب، فَلَا يَقْدَمُ النَّاسُ جَمْعًا حَتَّى يُعْتِمُوا، وَصَلَاةَ الْفَجْرِ هَذِهِ السَّاعَةَ"، ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ، ثُمَّ قَالَ: "لَوْ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَاضَ الْآنَ أَصَابَ السُّنَّةَ، فَمَا أَدْرِي أَقَوْلُهُ كَانَ أَسْرَعَ أَمْ دَفْعُ عُثْمَانَ"، فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَلَفْظُهُ قَالَ: فَلَمَّا أَتَى جَمْعًا أَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَعَشَّى، ثُمَّ أَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ عُمَرَ 4 نَحْوَهُ، وَلَمْ يُحْسِنْ
شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ إذْ اسْتَشْهَدَ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ الْآتِي ذِكْرُهُ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا، وَلَيْسَ فِيهِ الْمَقْصُودُ وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ، ثُمَّ إنَّهُ عَزَاهُ لِمُسْلِمٍ، وَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا، وَلَكِنَّهُ قَلَّدَ. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لِأُسَامَةَ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ: الصَّلَاةُ أَمَامَك، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ أُسَامَةَ، قَالَ: دَفَعَ عليه السلام مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَلَمْ يُسْبِغْ الْوُضُوءَ، فَقُلْت لَهُ: الصَّلَاةَ، فَقَالَ: الصَّلَاةُ أَمَامَك فَرَكِبَ، فَلَمَّا جَاءَ المزدلفة نزل وتوضأ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّاهَا، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ: رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ بِغَلَسٍ، قُلْت: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَا رَأَيْت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الصلاة إلَّا لِمِيقَاتِهَا، إلَّا صَلَاتَيْنِ، صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ، وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا. قَوْلُهُ: قَبْلَ مِيقَاتِهَا، أَيْ قَبْلَ مِيقَاتِهَا الْمُعْتَادِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، لَا أَنَّهُ صَلَّاهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، وَلَكِنْ غَلَّسَ بِهَا كَثِيرًا، بَيَّنَهُ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَالْفَجْرَ حِينَ بَزَغَ الْفَجْرُ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: قَبْلَ مِيقَاتِهَا بِغَلَسٍ، وَأَخْرَجَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ صَلَّى بِجَمْعٍ الصَّلَاتَيْنِ جمعاً، وَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ حُوِّلَتَا عَنْ وَقْتِهِمَا فِي هَذَا المكان: المغرب، فَلَا يَقْدَمُ النَّاسُ جَمْعًا حَتَّى يُعْتِمُوا، وَصَلَاةَ الْفَجْرِ هَذِهِ السَّاعَةَ"، ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ، مُخْتَصَرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا بِتَمَامِهِ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام، وَقَفَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ - يَعْنِي الْمُزْدَلِفَةَ - يَدْعُو حَتَّى رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاسْتُجِيبَ لَهُ دُعَاؤُهُ لِأُمَّتِهِ، حَتَّى الدِّمَاءُ وَالْمَظَالِمُ. قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ، فَكَبَّرَهُ، وَهَلَّلَهُ، وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، الْحَدِيثَ.
وَقَوْلُهُ: حَتَّى رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، هَذَا وَهْمٌ، وَإِنَّمَا رُوِيَ هَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ، وَاعْتَذَرَ هَذَا الْجَاهِلُ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا أَرَادَ بِابْنِ عَبَّاسٍ كِنَانَةَ بْنَ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إذَا أُطْلِقَ فَلَا يُرَادُ بِهِ إلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، فَلَوْ أَرَادَ كِنَانَةَ لَقَيَّدَهُ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَيْسَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَذْكُرَ التَّابِعِيَّ دُونَ الصَّحَابِيِّ، عِنْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ، وَلَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيْلٍ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَتْ سَوْدَةُ امْرَأَةً ضَخْمَةً بطيئة ثبطة، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُفِيضَ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، فَأَذِنَ لَهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَيْتَنِي كُنْت اسْتَأْذَنْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ لَا تُفِيضُ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ، فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ، فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا لَهُمْ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ , وَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ , فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لِصَلَاةِ الْفَجْرِ , وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ , فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوْا الْجَمْرَةَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا 3 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا 4 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا رَمَتْ الْجَمْرَةَ، قُلْت لَهَا: إنَّا رَمَيْنَا الْجَمْرَةَ بِلَيْلٍ، قَالَتْ: إنَّا كُنَّا نَصْنَعُ هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 5 عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام بَعَثَ بِهَا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَلَسٍ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى مِنًى، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ 6 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِغَلَسٍ، وَيَأْمُرُهُمْ لَا يَرْمُونَ الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ 1 عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ عليه السلام بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ، الْيَوْمَ الَّذِي يَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي عِنْدَهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ وَقَفَ مَعَنَا هَذَا الْمَوْقِفَ، وَكَانَ قَدْ أَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَاتٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ 3 عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْحَادِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ عليه السلام وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَقَالَ: " مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا هَذِهِ" إلَى آخِرِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ كَافَّةِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ الشَّيْخَانِ عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ مُضَرِّسٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ الشَّعْبِيِّ، وَقَدْ وَجَدْنَا عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ حَدَّثَ عَنْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ، قَالَ: جِئْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْمَوْقِفِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَيْت من جبل طيء، أَكَلَلْت مَطِيَّتِي، وَأَتْعَبْت نَفْسِي، وَاَللَّهِ مَا بَقِيَ جَبَلٌ مِنْ تِلْكَ الْجِبَالِ حَتَّى وَقَفْت عَلَيْهِ، فَقَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ - يَعْنِي صَلَاةَ الْغَدَاةِ، وَقَدْ أَتَى عَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا - فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ"، انْتَهَى. قَالَ: وَقَدْ تَابَعَ عُرْوَةَ بْنَ مُضَرِّسٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي رِوَايَةِ: هَذِهِ السُّنَّةِ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَعْمَرٍ الدُّؤَلِيُّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَتَعَقَّبَ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" الطَّرِيقَ الثَّانِيَ، وَقَالَ: إنَّ يُوسُفَ بْنَ خَالِدٍ السَّمْتِيَّ لَيْسَ بِثِقَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" رحمه الله: فِيهَا رَجُلٌ مَتْرُوكٌ، وَآخَرُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام دَفَعَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ 1 - إلَّا مُسْلِمًا - عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: شَهِدْت عُمَرَ صَلَّى بِجَمْعٍ الصُّبْحَ، ثُمَّ وَقَفَ، فَقَالَ: إنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ: أَشْرَقَ ثَبِيرٌ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفَهُمْ، ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ 2: كَانُوا لَا يُفِيضُونَ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، الْحَدِيثَ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"3 ثَنَا أَبُو دَاوُد ثَنَا زَمْعَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ بِجَمْعٍ، فَلَمَّا أَضَاءَ كُلُّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَفَاضَ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَزَمْعَةُ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: صُوَيْلِحُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكٌ، لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّ حَدِيثَهُ صَالِحٌ لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. وَبِهَذَا الْحَدِيثِ اسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله فِي "التَّحْقِيقِ" لِأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَنَّ الدَّفْعَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَاسْتَدَلَّ لِأَحْمَدَ فِي جَوَازِهِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ فِي الرَّابِعِ وَالْخَمْسِينَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ أُمَّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ الْجَمْرَةَ، وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الدَّفْعِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالِ الدَّفْعُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُفِيضُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ".
حَدِيثٌ آخَرُ: وَأَخْرَجَ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ" 1 مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ 2 بْنِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه عَنْ أَبِيهَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ نَحْوَهُ، سَوَاءً. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ 3 - إلَّا التِّرْمِذِيَّ - عَنْ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى حُمُرَاتٍ، فجعل يلطح 4 أَفْخَاذَنَا، وَيَقُولُ: " أَبَنِيَّ لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ"، انْتَهَى. وَالْحَسَنُ الْعُرَنِيُّ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ: إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَمْ يَعْرُجْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تُخْرِجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بسبع حصيات، الحديث. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ: قَالَ عليه السلام: " عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ، لَا يُؤْذِي بَعْضُكُمْ بَعْضًا"، قُلْت: رَوَى أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِمَا" 5 قَرِيبًا مِنْهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَهُوَ رَاكِبٌ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَرَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ يَسْتُرُهُ، فَسَأَلْت عَنْ الرَّجُلِ، فَقَالُوا: الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَازْدَحَمَ النَّاسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَإِذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَارْمُوا بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ6، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى فِي "مَسَانِيدِهِمْ". حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط"7 عَنْ أَشْهَبَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ
أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى حَدَّثَهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا أَتَى مُحَسِّرًا: "عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَيُّوبَ إلَّا ابْنُ لَهِيعَةَ، تَفَرَّدَ بِهِ أَشْهَبُ، وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 1 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْجَمْرَةَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّ أَبَا مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ يَحْيَى غَيْرُ إسْمَاعِيلَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" 2 حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ - لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْعَبَّاسَ - وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" رحمه الله: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: رُوِيَ فِي "مُسْنَدِهِ" 3 حَدَّثَنَا ابْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحُصَيْنِ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ جَمْعٍ: " اُلْقُطْ لِي"، فَلَقَطْت لَهُ حَصَيَاتٍ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ، فَلَمَّا وَضَعَهُنَّ فِي يَدِهِ، قَالَ: "نَعَمْ بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، قَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَوْفٍ بِهِ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ: رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ التَّكْبِيرَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ4، هَكَذَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: رَمَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ نَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: هَذَا وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ5،
عَنْ الْأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْت الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ يَقُولُ، وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ: لَا تَقُولُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَقُولُوا: السُّورَةَ التي يذكر فيها البقر، السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ، السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا النِّسَاءُ، قَالَ: فَلَقِيت إبْرَاهِيمَ فَأَخْبَرْته بِقَوْلِهِ، فَسَبَّهُ، وَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَأَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَاسْتَبْطَنَ الْوَادِيَ، فَاسْتَعْرَضَهَا، فَرَمَاهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، إلَى آخِرِهِ، سَوَاءً، وَلَيْسَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهُوَ غَيْرُ كَافٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَفَعَهُ، وَيُنْظَرُ مِنْ غَيْرِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ البخاري 1 عند الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت سَالِمًا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ كَانَ إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ رَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْحَدِرُ أَمَامَهَا فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو، وَكَانَ يُطِيلُ الْوُقُوفَ، وَيَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ، فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْحَدِرُ ذَاتَ الْيَسَارِ مِمَّا يَلِي الْوَادِيَ، فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْبَيْتِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو، ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْعَقَبَةِ، فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَاهَا بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، انْتَهَى. وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلُ: حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، الْحَدِيثَ. الْحَدِيثُ السِّتُّونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَقِفْ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَاهَا بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، الْحَدِيثَ، وَلَهُ أَيْضًا عَنْ الزُّهْرِيِّ 2 عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى إثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُسْهِلُ، فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَيَقُومُ طَوِيلًا، وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى، ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيَقُومُ طَوِيلًا، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، انْتَهَى. وَأَغْفَلَ هَذَا الْجَاهِلُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، وَأَخَذَ يَسْتَشْهِدُ بِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا، مِثْلِ حَصَاةِ الْخَذْفِ، رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: وَيَقْطَعُ التَّكْبِيرَ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ، لِمَا رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْهُ، قُلْت: كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ
ذَهَلَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا عَنْ ابن مسعود، وإنما ذَكَرَ عَنْهُ: التَّكْبِيرَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَفْهُومِهِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ مِنْ أَوَّلِ حَصَاةٍ، وَصَرَّحَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"1، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَةِ مُسْلِمٍ: وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِ حَصَاةٍ، ثُمَّ كَانَ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرُوِيَ فِي "السُّنَنِ"2 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: رَمَقْت النَّبِيَّ عليه السلام فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِأَوَّلِ حَصَاةٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ عليه السلام قَطَعَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ رَمَى بِهَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، قُلْت: هُوَ مَفْهُومُ مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، الْحَدِيثَ. وَتَقَدَّمَ صَرِيحًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ. قَوْلُهُ: وَيَأْخُذُ الْحَصَى مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ، لَا مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ، لِأَنَّ مَا عِنْدَهَا مِنْ الْحَصَى مَرْدُودٌ، هَكَذَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ، فَيَتَشَاءَمُ بِهِ، قُلْت: فِيهَا أَحَادِيثُ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" عَنْ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ الْجِمَارُ الَّتِي يُرْمَى بِهَا كُلَّ عَامٍ، فَتَحْسِبُ أَنَّهَا تَنْقُصُ، فَقَالَ: "إنَّهُ مَا يُقْبَلُ مِنْهَا رُفِعَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَرَأَيْتهَا أَمْثَالَ الْجِبَالِ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَيَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ لَيْسَ بِالْمَتْرُوكِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" بِيَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، وَقَالَ: فِيهِ مَقَالٌ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ، فَإِنَّ أَبَا فَرْوَةَ يَزِيدَ بْنَ سِنَانٍ ضَعَّفَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، والدارقطني، وَغَيْرُهُمَا، وَتَرَكَهُ النَّسَائِيّ،
وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ" وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" مَوْقُوفًا، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْقَيْسِيِّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: مَا يُقْبَلُ مِنْ حَصَى الْجِمَارِ رُفِعَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ". حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خِرَاشٍ عَنْ الْعَوَّامِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا قُبِلَ حَجُّ امْرِئٍ إلَّا رُفِعَ حَصَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خِرَاشٍ عَنْ وَاسِطِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ نَافِعٍ بِهِ، سَوَاءً، وَأَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِوَاسِطَ، وَقَالَ: عَامَّةُ حَدِيثِهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. قُلْت: فَقَدْ تَابَعَهُ الْعَوَّامُ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ. حَدِيثٌ آخَرُ مَوْقُوفٌ: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبَّاسٍ الْعَامِرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَابَاهُ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي حَصَاةِ الْجِمَارِ: مَا يُقْبَلُ مِنْهُ رُفِعَ، وَمَا لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ تُرِكَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ فِطْرٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ فِي "تَارِيخِ مَكَّةَ" حَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا هَذَا أَنْ نَرْمِيَ، ثُمَّ نَذْبَحَ، ثُمَّ نَحْلِقَ أَوْ نُقَصِّرَ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ 1 - إلَّا ابْنَ مَاجَهْ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى مِنًى، فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى فَنَحَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: خُذْ، وَأَشَارَ إلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ عليه السلام: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ"؟ قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ"، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَالْمُقَصِّرِينَ"، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَلَمَّا كَانَتْ الرَّابِعَةُ، قَالَ: "وَالْمُقَصِّرِينَ"، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ 1 عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ وَاحِدَةً، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ فِي "الْمَغَازِي" أَنَّهُ عليه السلام قَالَ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ، قَالَتْ: فَأَنَا أَنْظُرُ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام حِينَ فَرَغَ مِنْ نَحْرِ الْبُدْنِ، فَدَخَلَ قُبَّةً لَهُ حَمْرَاءَ، فِيهَا الْحَلَّاقُ، فَحَلَقَ رَأْسَهُ، فَأَنْظُرُ إلَيْهِ قَدْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنْ قُبَّتِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ"، انْتَهَى. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ نَافِعٍ أن ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ 3 عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: قَصَّرْت عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام بِمِشْقَصٍ عَلَى الْمَرْوَةِ، وَزَادَ أَبُو دَاوُد لِحَجَّتِهِ، قَالَ: الْمُنْذِرِيُّ: أَيْ لِعُمْرَتِهِ، فَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ: فِي عُمْرَةٍ عَلَى الْمَرْوَةِ، وَالْعُمْرَةُ قَدْ تُسَمَّى حَجًّا، لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْقَصْدُ، وَقَدْ قَالَتْ: حَفْصَةُ لِلنَّبِيِّ عليه السلام: "مَا بَالُ النَّاسِ حَلُّوا وَأَنْتَ لَمْ تَحْلِلْ مِنْ عُمْرَتِك"، مَعْنَاهُ مِنْ حَجَّتِك، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُكْتَفَى فِي الْحَلْقِ بِرُبُعِ الرَّأْسِ اعْتِبَارًا بِالْمَسْحِ، وَحَلْقُ الْكُلِّ أَوْلَى اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ 4 - إلَّا ابْنَ مَاجَهْ - عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَمْرَةَ وَنَحَرَ نُسُكَهُ، وَحَلَقَ، نَاوَلَ الْحَالِقَ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَحَلَقَهُ، ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الْآخَرَ، فَقَالَ: احْلِقْ فَحَلَقَهُ، فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ: "اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ"، انْتَهَى. وَوَهَمَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، فَرَوَاهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَمْ يُعَقِّبْهُ الذَّهَبِيُّ فِي ذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهَذَا اللَّفْظُ يُشْعِرُ بِجَمِيعِ الرَّأْسِ، إذْ لَا يُقَالُ: حَلَقَ رَأْسَهُ لِمَنْ حَلَقَ بَعْضَهَا. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ عليه السلام: فِيمَنْ رَمَى، ثُمَّ ذَبَحَ ثُمَّ حَلَقَ:
"حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عن الحجاج بْنِ أَرْطَاةَ 1 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا رَمَى أَحَدُكُمْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ لَمْ يَرَ الزُّهْرِيَّ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَهُ سَوَاءً، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذَا رَمَيْتُمْ، وَحَلَقْتُمْ، وَذَبَحْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ"، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ! وَالطِّيبُ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَمِّخُ رَأْسَهُ بِالْمِسْكِ، أَفَطِيبٌ هُوَ أَمْ لَا؟، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"3، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ ثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ أُمِّهِ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ عَشِيَّةَ يَوْمِ النَّحْرِ: إنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّصَ لَكُمْ، إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا مِنْ كُلِّ مَا حُرِمْتُمْ عَنْهُ إلَّا النِّسَاءَ، مُخْتَصَرٌ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" كَذَلِكَ، وَلَفْظُهُ: قَالَتْ: كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي يَصِيرُ إلَيَّ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَاءَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَصَارَ إلَيَّ فَدَخَلَ عَلَيَّ وَهْبُ بْنُ زَمْعَةَ، وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنْ آلِ أَبِي أُمَيَّةَ مُتَقَمِّصِينَ، فَقَالَ عليه السلام لِوَهْبٍ: "هَلْ أَفَضْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ"؟، قَالَ: لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "انْزِعْ عَنْك الْقَمِيصَ"؟ فَنَزَعَهُ عَنْ رَأْسِهِ، وَنَزَعَ صَاحِبُهُ قَمِيصَهُ مِنْ رَأْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "إنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّصَ لَكُمْ إذَا أَنْتُمْ رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا - يَعْنِي مِنْ كُلِّ مَا حُرِمْتُمْ مِنْهُ إلَّا النِّسَاءَ - فَإِذَا أَمْسَيْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا هَذَا الْبَيْتَ صِرْتُمْ حُرُمًا، كَهَيْئَتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَرْمُوا الْجَمْرَةَ، حَتَّى تَطُوفُوا بِهِ"، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ: إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى حَلَّ لَهُ كُلُّ
شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ، إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ، حَتَّى يَزُورَ الْبَيْتَ، مُخْتَصَرٌ. وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَتَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي الْحَدِيثِ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ، وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" لِمَالِكٍ أَيْضًا فِي تَحْرِيمِ الطِّيبِ بِمَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ مَا حَرُمَ، إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ، ثُمَّ احْتَجَّ عَلَيْهِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبَيْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ عَمْرَةَ عَنْهَا، قَالَتْ: طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا حَلَقَ أَفَاضَ إلَى مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ عَادَ إلَى مِنًى وَصَلَّى الظُّهْرَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 3 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عليه السلام أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى، قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفِيضُ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ بِمِنًى، وَيَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ، انْتَهَى، وَوَهَمَ الْحَاكِمُ، فَرَوَاهُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، الْحَدِيثَ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَأَحَدُ الْخَبَرَيْنِ وَهْمٌ، إلَّا أَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ لِوُجُوهٍ ذَكَرَهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَعَادَهَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ فِي "سِيرَتِهِ": وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام رَجَعَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ إلَى مِنًى، فَصَلَّى الظُّهْرَ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ، وَجَابِرٌ: بَلْ صَلَّى الظُّهْرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِمَكَّةَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ وَهْمٌ، وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمَا هُوَ، لِصِحَّةِ الطُّرُقِ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" 5 حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، وَعَزَاهُ لِمُسْلِمٍ، ثُمَّ قَالَ: وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ، حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى، قَالَ: وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ
أَصَحُّ إسْنَادًا مِنْ هَذَا، انْتَهَى. وَحَدِيثُ ابْنِ إسْحَاقَ هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" عَلَى فَرْضِيَّةِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بعدما أَفَاضَتْ، فَقَالَ عليه السلام: " أَحَابِسَتُنَا هِيَ"؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ، وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ، فَقَالَ عليه السلام: "فلتنفر إذاً"، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَأَنَّهُ بَعْدَ الْحَلْقِ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَهُ ذِكْرٌ إلَّا بِالْمَفْهُومِ، وَلَا وَجَدْته فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ السِّتَّةِ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَأَوَّلُ وَقْتِهِ - يَعْنِي طَوَافَ الزِّيَارَةِ - بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ النَّحْرِ، وَأَفْضَلُ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَوَّلُهَا، كَمَا فِي التَّضْحِيَةِ، وَفِي الْحَدِيثِ: أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا، وَأَعَادَهُ فِي "الْأُضْحِيَّةِ". الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام رَجَعَ إلَى مِنًى، قُلْت: تَقَدَّمَ قَرِيبًا. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ، فَيَبْدَأُ بِاَلَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ، فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَرْمِي الَّتِي تَلِيهَا مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ كَذَلِكَ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، هَكَذَا رَوَى جَابِرٌ، فِيمَا نَقَلَ مِنْ نُسُكِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفَسَّرًا، قُلْت: غَرِيبٌ عَنْ جَابِرٍ، وَاَلَّذِي فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ أَنَّهُ عليه السلام رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ لَا غَيْرُ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ 3 عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عَلَى إثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا فَيَدْعُو، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى كَذَلِكَ، فَيَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا فَيَدْعُو، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ ذَاتَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، وَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ، انْتَهَى. وَوَهَمَ الْحَاكِمُ4، فَرَوَاهُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ
الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، فَيُطِيلُ الْقِيَامَ، وَيَتَضَرَّعُ، وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ غَيْرَ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ1، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، فَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَبَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": يُرِيدُ جَابِرٌ أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ لَا رَمْيَ فِيهِ غَيْرُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَأَمَّا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَلَا يَجُوزُ الرَّمْيُ فِيهَا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، انْتَهَى. وَرَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"2 عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا نَرْمِي الْجِمَارَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ"، وَذَكَرَ مِنْهَا الْجَمْرَتَيْنِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَالْمُرَادُ رَفْعُ الْأَيْدِي بِالدُّعَاءِ، قُلْت: تَقَدَّمَ حَدِيثُ السَّبْعِ مَوَاطِنَ فِي "بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ"، وَفِيهِ الجمرتان. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى إثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا يَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى كَذَلِكَ، فَيَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا، فَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ الْجَمْرَةَ ذَاتَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، وَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْته عليه السلام يَفْعَلُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3 عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ، وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ"، انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْر، قَالَ: سَمِعْت سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، ثُمَّ وَجَدْته فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ فِيهِ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَهَذَا اخْتِلَافُ نُسْخَةٍ، وَبِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ"1، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَقَالَ: قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ: مَا أَظُنُّ شَرِيكًا إلَّا ذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى حَدِيثِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ"، إلَى آخِرِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ شَرِيكٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: يُغْفَرُ لِلْحَاجِّ، وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ، بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمَ، وَصَفَرَ، وَعَشْرًا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، انْتَهَى. وَيُرَاجَعُ، فَإِنِّي وَجَدْته، رَوَاهُ الثَّعْلَبِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ" مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، فَذَكَرَهُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام صَبَرَ حَتَّى رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ، قُلْت: تَقَدَّمَ لأبي داود عن إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى، فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، الْحَدِيثُ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. قَوْلُهُ: وَمَذْهَبُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - يَعْنِي مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ - فِي تَقْدِيمِ الرَّمْيِ عَلَى الزَّوَالِ بَعْدَ الْفَجْرِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، قُلْت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ: إذَا انْتَفَخَ النَّهَارُ مِنْ يَوْمِ النَّفْرِ فَقَدْ حَلَّ الرَّمْيُ وَالصَّدَرُ، انْتَهَى. فِي "مُسْنَدِ" طَلْحَةَ بْنِ عُمَرَ، وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ: وَالِانْتِفَاخُ: الِارْتِفَاعُ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا لَيْلًا، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ومن حديث عمر، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"2 حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا خَالِدٌ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا لَيْلًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَى آخِرِهِ، وَفِيهِ: أَنْ يَرْمُوا الْجِمَارَ، رَوَاهُ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرْسَلًا. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرٍو: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ بَكْرِ بْنِ بَكَّارَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا بِاللَّيْلِ، وَأَيَّةِ سَاعَةٍ شَاءُوا مِنْ النَّهَارِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ هَذَا إنْ كَانَ هُوَ الْخُوزِيَّ فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟، وَبَكْرُ بْنُ بَكَّارَ قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَدُونَ بَكْرِ بْنِ بَكَّارَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَازِيُّ، لَا خَالِدٌ، قَالَ: وَرَوَى الْبَزَّارُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بإسناد أحسن من هذا. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"2 حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ أَنْ يَرْمُوا بِاللَّيْلِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ شَيْخُ الشَّافِعِيِّ، ضَعَّفَهُ قَوْمٌ، وَوَثَّقَهُ آخَرُونَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَأَبُو حَاتِمٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام: " لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ إلَّا مُصْبِحِينَ"، قَالَ: وَيُرْوَى: حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، قُلْت: الْأَوَّلُ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ"3 حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد ثَنَا الْمُقَدَّمِيُّ ثَنَا فُضَيْلٍ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَا كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ يَأْمُرُ نِسَاءَهُ، وَثَقَلَهُ صَبِيحَةَ جَمْعٍ أَنْ يُفِيضُوا مَعَ أَوَّلِ الْفَجْرِ بِسَوَادٍ، وَلَا يَرْمُوا الْجَمْرَةَ إلَّا مُصْبِحِينَ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ثَنَا حَمَّادٌ ثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ فِي الثَّقَلِ، وَقَالَ: " لَا تَرْمُوا الْجِمَارَ حَتَّى تُصْبِحُوا"، انْتَهَى. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، فَتَقَدَّمَ لِأَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَدِّمُ ضُعَفَاءَ أَهْلِهِ بِغَلَسٍ، وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ لَا يَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، انْتَهَى. وَرَوَوْا - إلَّا التِّرْمِذِيَّ -
عَنْ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ أُغَيْلِمَةً مِنْ بَنِي عَبْدِ المطلب، على جمرات، فجعل يلطح أفخازنا، وَيَقُولُ: "يَا بَنِيَّ لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَالْحَسَنُ الْعُرَنِيُّ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ: إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْئًا، انْتَهَى. وَرَوَى الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أمر ضعفة بين هَاشِمٍ أَنْ يَرْتَحِلُوا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، وَيَقُولُ: "أَبَنِيَّ، لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ: " إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الرَّمْيُ، إلَى آخِرِهِ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي وَالسِّتِّينَ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام بَاتَ بِمِنًى لَيَالِيَ الرَّمْيِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ التَّاسِعِ وَالسِّتِّينَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى، فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ أَبُو داود عن إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1، قَالَ: "بَابُ يَبِيتُ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ ثَنَا يَحْيَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي حَرِيزٌ، أَوْ أَبُو حَرِيزٍ - الشَّكُّ مِنْ يَحْيَى - أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ فَرُّوخَ يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: إنَّنَا نَتَبَايَعُ بِأَمْوَالِ النَّاسِ، فَيَأْتِي أَحَدُنَا مَكَّةَ فَيَبِيتُ عَلَى الْمَالِ، فَقَالَ: أَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَاتَ بِمِنًى وَظَلَّ، انْتَهَى. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ حَدِيثَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبيت مكة لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ، انْتَهَى. هَذَا أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ - إلَّا التِّرْمِذِيَّ - وَبِهِ احْتَجَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِلشَّافِعِيِّ، قَالَ: وَوَجْهُ الْحُجَّةِ الْمَبِيتُ بِمِنًى، لَوْلَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إذْنٍ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَعُمَرُ كَانَ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ الْمَقَامِ بِهَا، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَنْهَى أَنْ يَبِيتَ أَحَدٌ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ، وَكَانَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مِنًى، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا ابْنُ الْفُضَيْلِ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنْ
وَرَاءِ الْعَقَبَةِ لَيْلًا بِمِنًى أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، انْتَهَى. ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَنَامَ أَحَدٌ أَيَّامَ مِنًى بِمَكَّةَ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُقَدِّمَ الرَّجُلُ ثَقَلَهُ إلَى مَكَّةَ، وَيُقِيمَ بِمِنًى حَتَّى يَرْمِيَ، قُلْت: غَرِيبٌ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَنْ تَقَدَّمَ ثَقَلُهُ مِنْ مِنًى لَيْلَةَ نَفْرٍ فَلَا حَجَّ لَهُ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ قَدَّمَ ثَقَلَهُ قَبْلَ النَّفْرِ فَلَا حَجَّ لَهُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِمِنًى: "نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ"، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا، وَبَنِي كِنَانَةَ تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسَلِّمُوا إلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي بِذَلِكَ - الْمُحَصَّبَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إلَى الْبَيْتِ، فَطَافَ بِهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ كَانُوا يَنْزِلُونَ بِالْأَبْطَحِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا: كَانَ يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً، وَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالْمُحَصَّبِ، قَالَ نَافِعٌ: قَدْ حَصَّبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، انْتَهَى. وَالْمُحَصَّبُ - بِضَمِّ الْمِيمِ، وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ - مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى، وَهُوَ إلَى مِنًى أَقْرَبُ3، وَهُوَ بَطْحَاءُ مَكَّةَ، وَهُوَ الْأَبْطَحُ، قَالَهُ فِي "الْإِمَامِ" عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"4 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إنَّمَا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُحَصَّبِ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ، فَمَنْ شَاءَ نَزَلَهُ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَنْزِلْهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إنَّمَا هُوَ
مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَمْ يَأْمُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَنْزِلَ الْأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى، وَلَكِنْ جِئْت فَضَرَبْت قُبَّتَهُ فَجَاءَ فَنَزَلَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: وَكَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ عليه السلام، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: "إنَّا نَازِلُونَ غَدًا بِالْخَيْفِ - خَيْفِ بَنِي كنانة - حيث تقاسم المشركين فِيهِ عَلَى شِرْكِهِمْ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 1 عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا؟ فِي حَجَّتِهِ، قَالَ: "هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا"؟ ثُمَّ قَالَ: "نَحْنُ نَازِلُونَ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْكُفْرِ" - يَعْنِي الْمُحَصَّبَ - وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ، وَلَا يُؤْوُوهُمْ، وَلَا يُبَايِعُوهُمْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ بِمِنًى: "نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ"، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا، وَبَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ، وَلَا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسَلِّمُوا إلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُحَصَّبَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالسَّبْعُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ"، وَرَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحُيَّضِ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ 3 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ، إلَّا الْحُيَّضَ، وَرَخَّصَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"4، وَزَادَ فِيهِ: فَإِنَّ آخِرَ النُّسُكِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: أَتَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَسَأَلْته عَنْ الْمَرْأَةِ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ تَحِيضُ، قَالَ: لِيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهَا
بِالْبَيْتِ، فَقَالَ الْحَارِثُ: كَذَلِكَ أَفْتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَرِبْت عَنْ يَدَيْك1 سَأَلْتنِي عَنْ شَيْءٍ سَأَلْت عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَيْ مَا أُخَالِفَ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَارِثِ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ عَنْ الْحَارِثِ، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ عليه السلام يَقُولُ: "مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، أَوْ اعْتَمَرَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ"، فقال له عمر: حزرت مِنْ يَدَيْك، سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ تُخْبِرْنَا بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ: غَرِيبٌ، وَقَدْ خُولِفَ الْحَجَّاجُ فِي بَعْضِ هَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": سَنَدُ أَبِي داود به حَسَنٌ، وَسَنَدُ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ ضَعِيفٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ: غَرِيبٌ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: ورخص للنساء الحّيض، وهو مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ. الْحَدِيثُ الثَّمَانُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام اسْتَقَى دَلْوًا بِنَفْسِهِ، فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ أَفْرَغَ بَاقِيَ الدَّلْوِ فِي الْبِئْرِ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"3 فِي "بَابِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَفَاضَ نَزَعَ لِنَفْسِهِ بِالدَّلْوِ - يَعْنِي مِنْ زَمْزَمَ - لَمْ يَنْزِعْ مَعَهُ أَحَدٌ، فَشَرِبَ، ثُمَّ أَفْرَغَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّلْوِ 4 فِي الْبِئْرِ، وَقَالَ: " لَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَمْ يَنْزِعْ مِنْهَا أَحَدٌ غَيْرِي"، قَالَ: فَنَزَعَ هُوَ بِنَفْسِهِ الدَّلْوَ الَّتِي شَرِبَ مِنْهَا، لَمْ يُعِنْهُ عَلَى نَزْعِهَا أَحَدٌ، انْتَهَى. وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ عليه السلام إلَى زَمْزَمَ، فَنَزَعْنَا لَهُ دَلْوًا، فَشَرِبَ، ثُمَّ مَجَّ فِيهَا، ثُمَّ أَفْرَغْنَاهَا فِي زَمْزَمَ، ثُمَّ قَالَ: " لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا عَلَيْهَا لَنَزَعْت بِيَدَيَّ"، انْتَهَى. وَرَوَى الْأَزْرَقِيُّ فِي "تَارِيخِ مَكَّةَ" حَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ فِي نِسَائِهِ لَيْلًا، فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ، وَيُقَبِّلُ طَرَفَ الْمِحْجَنِ، ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: "انْزِعُوا، فَلَوْلَا أَنْ يُغْلَبُوا عَلَيْهَا لَنَزَعْت"، أَمَرَ بِدَلْوٍ فَنُزِعَ لَهُ مِنْهَا، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَمَضْمَضَ، ثُمَّ مَجَّ فِي الدَّلْوِ، وَأَمَرَ بِهِ فَأُهْرِيقَ فِي زَمْزَمَ، وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: " انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ المطلب، فلولا أن يغلبوا النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْت مَعَكُمْ"، فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَهَذَا آخِرُهُ. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام وَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ بِالْمُلْتَزَمِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ شُعَيْبٍ، قَالَ: طُفْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا جِئْنَا دُبُرَ الْكَعْبَةِ، قُلْت: أَلَا تَتَعَوَّذُ؟ قَالَ: نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، وَقَامَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، فَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ هَكَذَا، وَبَسَطَهُمَا بَسْطًا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، انْتَهَى. وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: طُفْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، الْحَدِيثَ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: فَيَكُونُ شُعَيْبٌ، وَأَبُوهُ مُحَمَّدٌ طَافَا جَمِيعًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا"، وَلَفْظُهُمَا فِيهِ: رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلْزِقُ وَجْهَهُ وَصَدْرَهُ بِالْمُلْتَزَمِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: طَافَ جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَعَ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَلَمَّا كَانَ سَابِعَهَا، قَالَ مُحَمَّدٌ لِعَبْدِ اللَّهِ: أَلَا تَتَعَوَّذُ؟، إلَى آخِرِهِ، وَهَذَا أَصْلَحُ إسْنَادًا مِنْ الْأَوَّلِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ" عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ:"مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ مُلْتَزَمٌ"، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: هَذَا الْمُلْتَزَمُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، انْتَهَى. وَهُوَ فِي "الْمُوَطَّأِ" بَلَاغًا، قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ الْمُلْتَزَمُ، انْتَهَى. فَصْلٌ الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام وَقَفَ بِعَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه الصلاة والسلام: "مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ"، قُلْت: أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ 1 عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ الدِّيلِيِّ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِعَرَفَةَ، فَسَأَلُوهُ فَأَمَرَ مُنَادِيًا، فَنَادَى: الْحَجُّ عَرَفَةَ، فَمَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ أَيَّامُ مِنًى ثلاثة، {تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ} ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْحَادِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَعْمُرَ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": بَلْ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ حَدِيثَ النَّهْيِ 2 عَنْ الْمُزَفَّتِ، وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي "الصَّحَابَةِ"، وَأَنَّ لَهُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ رَحْمَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ، وَنَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَلْيَحِلَّ بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَحْمَةُ بْنُ مُصْعَبٍ ضَعِيفٌ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ غَيْرُهُ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَضَعَّفَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ تَوْثِيقٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الصُّبْحِ تَمَّ حَجُّهُ، وَمَنْ فَاتَهُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ"، انْتَهَى. وَوَجَدْته فِي "الْحِلْيَةِ" لِأَبِي نُعَيْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ عَطَاءٍ بِهِ، وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ عُبَيْدُ بْنُ عَقِيلٍ، ذَكَرَهُ فِي "تَرْجَمَةِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ".
حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ بِلَيْلٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ"، انْتَهَى. وَهَذَا مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ فِيهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَهُوَ ضَعِيفٌ، لَمْ يُثْبِتْهُ ابْنُ عَدِيٍّ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "الْحَجُّ عَرَفَةَ، فَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ"، قُلْت: فِيهِ حَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ الْمُضَرِّسِ: مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ - فَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا - فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يعمر. تقدم. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: " إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ، وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا"، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الْإِحْرَامِ". حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا"1 عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبِي الْجَمَلِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ إحْرَامٌ إلَّا فِي وَجْهِهَا"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": أَيُّوبُ هَذَا ضَعِيفٌ، وَقَدْ خَالَفَهُ جَمَاعَةٌ: كَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، وَعَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَابْنِ نُمَيْرٍ، وَإِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ، وَغَيْرِهِمْ، فَرَوَوْهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَبُو الْجَمَلِ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَالْمَحْفُوظُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو الْجَمَلِ مُخْتَلَفٌ، فَقَالَ: أَبُو زُرْعَةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، لَا بَأْسَ بِهِ، فَخَرَجَ مِنْ هَذَا أَنَّ حَدِيثَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي "ضُعَفَائِهِ"، وَأَعَلَّاهُ بِأَبِي الْجَمَلِ، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَى رَفْعِهِ، إنَّمَا يُرْوَى مَوْقُوفًا، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَلَوْ أَسْدَلَتْ عَلَى وَجْهِهَا شَيْئًا، وَجَافَتْهُ عَنْهُ جَازَ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ،
قَالَتْ: كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْنَا سَدَلَتْ إحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ هُشَيْمِ عَنْ يَزِيدَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ محمد بن فضيل، وعن عبد اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْهُ، قَالَ فِي "الْإِمَامِ" وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ، وَخَالَفَهُمْ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَزِيدَ، فَقَالَ: عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَمَعَ ذلك فيزيد فِيهِ ضَعْفٌ، تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي جَمَاعَةٍ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، انْتَهَى. قُلْت: حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي "سُنَنِهِ"1، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَخَالَفَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَ كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، نَحْوَ الدَّارَقُطْنِيِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ سَمَاعَ مُجَاهِدٍ مِنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَأَنْكَرَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَشُعْبَةُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مُجَاهِدٌ عَنْ عَائِشَةَ مُرْسَلٌ، فَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ سَمَاعُهُ مِنْهَا، وَأَخْرَجَا لَهُ 2 عَنْ عَائِشَةَ أَحَادِيثَ فِي بَعْضِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْهَا، نَحْوُ مَا رَوَاهُ مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: دَخَلْت أَنَا، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ جَالِسٌ إلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ الضُّحَى فِي الْمَسْجِدِ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلَاتِهِمْ، فَقَالَ: بِدْعَةٌ، فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: يَا أَبَا عبد الرحمن اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَرْبَعُ عُمَرَ: إحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُكَذِّبَهُ، وَنَرُدَّ عَلَيْهِ، وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ فِي الْحُجْرَةِ، فَقَالَ عُرْوَةُ: أَلَا تَسْمَعِينَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إلَى مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَتْ: وَمَا يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرَ: إحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ، فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا وَهُوَ مَعَهُ، وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "الْحَجِّ"، وَالْبُخَارِيُّ فِي "الْمَغَازِي - فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ - فِي بَابِ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ"، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ كَذَلِكَ لَمَا أَخْرَجَهُ، لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ اللِّقَاءَ، وَسَمَاعَ الرَّاوِي مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَصَاعِدًا، وَلَا خِلَافَ فِي إدْرَاكِ مُجَاهِدٍ لِعَائِشَةَ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا 3 عَنْ ابن أبي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: حِضْت بِسَرِفَ، فَطَهُرْت بِعَرَفَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُجْزِئُ عَنْك طَوَافُك بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجَّتِك"، انْتَهَى. وَمُسْلِمٌ إنَّمَا يَعْتَبِرُ التَّعَاصُرَ، وَإِمْكَانَ السَّمَاعِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ، مَعَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ طَاوُسٍ عَنْ عَائِشَةَ بِإِسْنَادٍ لَا خِلَافَ فِي اتِّصَالِهِ، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ" 4 عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ، قَالَ: أُتِيَ مُجَاهِدٌ بِقَدَحٍ
حَزَرْتُهُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ، فَقَالَ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ بِمِثْلِ هَذَا، انْتَهَى. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي سَمَاعِهِ مِنْهَا، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُجَاهِدًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ كَانَ وَاهِمًا، مَاتَتْ عَائِشَةُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ، وَوُلِدَ مُجَاهِدٌ فِي سَنَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ"، ذَكَرَ الدُّورِيُّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، قَالَ: كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ يُنْكِرُ سماع مجاهد من عَائِشَةَ، وَقَالَ الْقَطَّانُ: كَانَ شُعْبَةُ يُنْكِرُهُ أَيْضًا، ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "الْعِلَلِ"، وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ شُعْبَةُ يُنْكِرُهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: رَوَى عَنْ عَائِشَةَ مُرْسَلًا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ سَمَاعُ مُجَاهِدٍ مِنْ عَائِشَةَ، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَنْ نَفَاهُ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى النِّسَاءَ عَنْ الْحَلْقِ، وَأَمَرَهُنَّ بِالتَّقْصِيرِ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَكَأَنَّهُ حَدِيثٌ مُرَكَّبٌ، فَنَهْيُ النِّسَاءِ عَنْ الْحَلْقِ فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ 1 فِي "الْحَجِّ"، وَالنَّسَائِيُّ فِي "الزِّينَةِ"، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا، انْتَهَى. ثُمَّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ بِهِ عَنْ خِلَاسٍ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلًا، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، انْتَهَى2. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيه هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيٍّ، وَخَالَفَهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، فَرَوَيَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ مُعَلَّى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَاسِطِيِّ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام نَهَى أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: وَمُعَلَّى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَاسِطِيُّ رَوَى عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بِأَحَادِيثَ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَهُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَقَالَ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ: إنَّهُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": يَرْوِي عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَقْلُوبَاتِ، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إذَا انفرد به، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ ثَنَا رَوْحُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي ميمونة ثَنَا أَبِي عَنْ وَهْبِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْت عُثْمَانَ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: وَوَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ لَا نَعْلَمُهُ رَوَى غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا نَعْلَمُ حَدَّثَ عَنْهُ، إلَّا عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ، وَرَوْحٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. حَدِيثٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ: رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْحَادِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، مِنْ حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ ثَنَا أَبِي سَمِعْت أَبَا فَزَارَةَ يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، وَبَنَى بِهَا، وَمَاتَتْ بِسَرِفَ، فَدَفَنَهَا فِي الظُّلَّةِ الَّتِي بَنَى بِهَا فِيهَا، فَنَزَلْنَا قَبْرَهَا أَنَا، وَابْنُ عَبَّاسٍ، فَلَمَّا وَضَعْنَاهَا فِي اللَّحْدِ، مَالَ رَأْسُهَا، فَأَخَذْت رِدَائِي فَوَضَعْته تَحْتَ رَأْسِهَا، فَاجْتَذَبَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَأَلْقَاهُ، وَكَانَتْ قَدْ حَلَقَتْ رَأْسَهَا فِي الْحَجِّ، فَكَانَ رَأْسُهَا مُحْجَمًا، انْتَهَى. وَأَمَّا أَمْرُهُنَّ بِالتَّقْصِيرِ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: أَخْبَرَتْنِي أُمُّ عُثْمَانَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ الْحَلْقُ، إنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَحَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ الْبَغْدَادِيُّ - ثِقَةٌ - ثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ بِهِ، سَوَاءً، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا ضَعِيفٌ وَمُنْقَطِعٌ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَانْقِطَاعُهُ مِنْ جِهَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ صَفِيَّةَ، فَلَمْ يَعْلَمْ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَقَوْلُ أَبِي دَاوُد: حَدَّثَنَا رَجُلٌ ثِقَةٌ - يُكْنَى أَبَا يَعْقُوبَ - وَهَذَا غَيْرُ كَافٍ، وَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ أَبُو يَعْقُوبَ إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي إسْرَائِيلَ، فَذَاكَ رَجُلٌ تَرَكَهُ النَّاسُ، لِسُوءِ رَأْيِهِ، وَأَمَّا ضَعْفُهُ، فَإِنَّ أُمَّ عُثْمَانَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ لَا يُعْرَفُ حَالُهَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا فِي "سُنَنِهِ"2، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا، وَالْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِهِ، قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ لَيْثٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ فِي الْمُحْرِمَةِ: تَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهَا قَدْرَ السَّبَّابَةِ، انْتَهَى. وَلَيْثٌ هَذَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ قَلَّدَ بَدَنَةً فَقَدْ أَحْرَمَ"، قُلْت: غَرِيبٌ مرفوعاً، وقفه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ قَلَّدَ فَقَدْ أَحْرَمَ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَنْ قَلَّدَ أَوْ جَلَّلَ أَوْ أَشْعَرَ فَقَدْ أَحْرَمَ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا قَلَّدَ، فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ أَحْرَمَ، انْتَهَى. وَرَدَ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا، أَخْرَجَهُ عبد الرازق فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَمِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي لَبِيبَةَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَيْ جَابِرٍ يُحَدِّثَانِ عَنْ أَبِيهِمَا جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ عليه السلام جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ إذْ شَقَّ قيمصه حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ، فَسُئِلَ، فَقَالَ: " وَاعَدْتهمْ يُقَلِّدُونَ هَدْيَ الْيَوْمِ فَنَسِيت"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، فَقَالَ: وَلِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدٌ، وَعَقِيلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، مَنْ هُمَا مِنْ الثَّلَاثَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" 1 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ 2 عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ عليه السلام فِي الْمَسْجِدِ فَقَدَّ قَمِيصَهُ مِنْ جَيْبِهِ، حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ رجليه، فنظر القوم إليه، فَقَالَ: " إنِّي أُمِرْت بِبُدْنِي الَّتِي بُعِثْت بِهَا أَنْ تُقَلَّدَ الْيَوْمَ وَتُشْعَرَ، فَلَبِسْت قَمِيصِي وَنَسِيت، فَلَمْ أَكُنْ لِأُخْرِجَ قَمِيصِي مِنْ رَأْسِي"، وَكَانَ بَعَثَ بِبُدْنِهِ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ، انْتَهَى. وَضَعَّفَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَطَاءٍ، وَوَافَقَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يُحْتَجُّ بِمَا انْفَرَدَ بِهِ، فَكَيْفَ إذَا خَالَفَهُ مَنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ؟! وَقَدْ تَرَكَهُ مَالِكٌ وَهُوَ جَارُهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّائِغِ الْمَكِّيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيّ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ - وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرد الْحَجَّ، فَرَجَّلَ أَحَدَ شِقَّيْ رَأْسِهِ، فَقَامَ غُلَامُهُ فَقَلَّدَ هَدْيَهُ، فَنَظَرَ إلَيْهِ قَيْسٌ، فَأَهَلَّ، وَخَلَّا شِقَّ رَأْسِهِ الَّذِي رَجَّلَهُ، وَلَمْ يُرَجِّلْ الشِّقَّ الْآخَرَ، انْتَهَى. وَهَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" مُخْتَصَرًا عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِهِ، أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيَّ - وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ الْحَجَّ فَرَجَّلَ، انْتَهَى. وَذَكَرَ أَنَّ الْبَرْقَانِيَّ أَتَمَّهُ بِلَفْظِ الطَّبَرَانِيِّ، سَوَاءً، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْجِهَادِ - فِي بَابِ مَا قِيلَ فِي لِوَائِهِ عليه السلام".
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّمَانُونَ: رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ بِهَا، وَأَقَامَ فِي أَهْلِهِ حَلَالًا، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"1 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَدْيِ، فَأَنَا فَتَلْت قَلَائِدَهَا بِيَدِي مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدَنَا، ثُمَّ أَصْبَحَ فِينَا حَلَالًا، يَأْتِي مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: قُلْت: لَقَدْ رَأَيْتنِي أَفْتِلُ الْقَلَائِدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعِهْنِ، فَيَبْعَثُ بِهِ، ثُمَّ يُقِيمُ فِينَا حَلَالًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ أَتَى عَائِشَةَ فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ رَجُلًا يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ إلَى الْكَعْبَةِ، وَيَجْلِسُ فِي الْمِصْرِ فَيُوصِي أَنْ تُقَلَّدَ بَدَنَتُهُ، فَلَا يَزَالُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ مُحْرِمًا حَتَّى يحل الناس، قَالَ: فَسَمِعْت تَصْفِيقَهَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَبْعَثُ هَدْيَهُ إلَى الْكَعْبَةِ، فَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا أُحِلَّ لِلرِّجَالِ مِنْ أَهْلِهِ، حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَيْسَ كَمَا قَالَ، أَنَا فَتَلْت قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي، ثُمَّ قَلَّدَهَا بِيَدِهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ، حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَتَقْلِيدُ الشَّاةِ غَيْرُ مُعْتَادٍ، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ، يُشْكِلُ عَلَيْهِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ 4 عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً إلَى الْبَيْتِ غَنَمًا فَقَلَّدَهَا، انْتَهَى. وَلِمُسْلِمٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتنِي أَفْتِلُ الْقَلَائِدَ لِهَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْغَنَمِ، فَيَبْعَثُ بِهِ، ثُمَّ يُقِيمُ فِينَا حَلَالًا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ الجمعة: " فالمتعجل مِنْهُمْ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً، وَاَلَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ5 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ: فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ. وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً،
فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: "إذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَقَفَتْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَاَلَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً "، إلَى آخِرِهِ، فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ1، قَالَ: "فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ كَاَلَّذِي يُهْدِي عُصْفُورًا، وَفِي السَّادِسَةِ بَيْضَةً"، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: قَالَ: " فِي الرَّابِعَةِ كَالْمُهْدِي بَطَّةً، ثُمَّ كَالْمُهْدِي دَجَاجَةً، ثُمَّ كَالْمُهْدِي بَيْضَةً"، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الخلاصة": وإسنادهما صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّهُمَا شَاذَّتَانِ، لِمُخَالَفَتِهِمَا الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةَ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَةِ فِي الْحَدِيثِ: "كَالْمُهْدِي جَزُورًا"، قُلْت: هَذِهِ اللَّفْظَةُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مُسْلِمٍ 2 وَلَكِنَّ رواية البدن أَصَحُّ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهَا، فَلَيْسَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَكٌ يَكْتُبُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، مَثَّلَ الْجَزُورَ، ثُمَّ نَزَّلَهُمْ حَتَّى صَغَّرَ إلَى مَثَلِ الْبَيْضَةِ، فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طُوِيَتْ الصُّحُفُ وَحَضَرُوا الذِّكْرَ"، انْتَهَى. وَجَهِلَ هَذَا الْجَاهِلُ جَهْلًا فَاحِشًا، فَقَالَ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا أَصْلَ لَهَا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، فِيمَا عَلِمْت، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
باب القران
بَابُ الْقِرَانِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "الْقِرَانُ رُخْصَةٌ"، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "يَا آلَ مُحَمَّدٍ أَهِلُّوا بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ 3 عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَهِلُّوا يَا آلَ مُحَمَّدٍ بِعُمْرَةٍ فِي حَجَّةٍ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" عَنْ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَهُ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أخرجه الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 4 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، يقول: " لبيك عمرة وحج"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": مُجِيبًا عَنْهُ أَنَّ أَنَسًا كَانَ حِينَئِذٍ صَبِيًّا، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَفْهَمْ الحال، وغلطه صاحب
"التَّنْقِيحُ" فَقَالَ: بَلْ كَانَ بَالِغًا بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ كَانَ لَهُ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلِأَنَسٍ عَشْرُ سِنِينَ، وَمَاتَ وَلَهُ عِشْرُونَ سَنَةً، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَاهُ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا، قَالَ بَكْرٌ: فَحَدَّثْت بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، فَلَقِيت أَنَسًا فَحَدَّثْته بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ أَنَسٌ: مَا يَعُدُّونَنَا إلَّا صِبْيَانًا، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 1 عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ بِالْعَقِيقِ: " أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ"، انْتَهَى. زَادَ فِي لَفْظٍ: يَعْنِي ذَا الْحُلَيْفَةِ، انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" 2 عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرَ، كُلَّهُنَّ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، إلَّا التي في حَجَّتِهِ: عُمْرَةٌ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، وَعُمْرَةٌ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، وَعُمْرَةٌ مِنْ الْجِعْرَانَةِ مِنْ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي القعدة، وعمرة في حَجَّتِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ3، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ دَاوُد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرَ: عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَعُمْرَةُ الْقَضَاءِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ مِنْ قَابِلٍ، وَالثَّالِثَةُ مِنْ الْجِعْرَانَةِ، وَالرَّابِعَةُ مَعَ حَجَّتِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: عَنْ عَمْرٍو، وَعِكْرِمَةَ بِالْعَطْفِ، وَهُوَ وَهَمٌ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا 4 عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَّا دَاوُد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: دَاوُد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَدُوقٌ، إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يَهِمُ فِي الشَّيْءِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ الصُّبَيّ بْنِ مَعْبَدٍ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ 5 عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو طَلْحَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، انْتَهَى. وَحَجَّاجٌ هَذَا هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ، وَفِيهِ مَقَالٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا دَاوُد بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ الْمَلِكِ الزَّرَّادِ يَقُولُ: سَمِعْت النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْت سُرَاقَةَ يَقُولُ: قَرَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، انْتَهَى. وَدَاوُد بْنُ يَزِيدَ هُوَ الْأَوْدِيُّ عَمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ: كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَأَبِي دَاوُد، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ رَوَاهُ أَخُوهُ ابْنُ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ سُرَاقَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 1 عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ، كَمْ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَرَّتَيْنِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: لَقَدْ عَلِمَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اعْتَمَرَ ثَلَاثًا سِوَى الَّتِي قَرَنَهَا بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَهُمْ فَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: يَقُولُونَ بِأَفْضَلِيَّةِ الْإِفْرَادِ، وَهُمْ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُ، وَالْآخَرُونَ يَقُولُونَ بِأَفْضَلِيَّةِ التَّمَتُّعِ، وَهُمْ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَمَنْ تَبِعَهُمَا، فَلِلشَّافِعِيِّ مِنْ الْأَحَادِيثِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ، انْتَهَى. بِلَفْظِ مُسْلِمٍ، وَطَوَّلَهُ الْبُخَارِيُّ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ الصَّائِغِ عَنْ عبد اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَفْرَدَ الْحَجَّ، وَأَفْرَدَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، انْتَهَى. وَالْعُمَرِيُّ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 4 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ، وَلَمْ يَنْسُبْهُ، فَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، فَأَعَلَّهُ بِهِ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ النَّسَائِيّ فِيهِ: إنَّهُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ الصَّائِغُ، كَمَا نَسَبَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ صَاحِبُ مَالِكٍ، رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بعضهم مِنْ جِهَةِ حِفْظِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 5 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْقَائِلِينَ بِأَفْضَلِيَّةِ التَّمَتُّعِ: وَلِأَحْمَدَ، وَمَالِكٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ مَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" 1 عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى، فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى، فَسَاقَ الْهَدْيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ، وَلْيَحْلُلْ، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" 2 عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: اخْتَلَفَ عَلِيٌّ، وَعُثْمَانُ، وَهُمَا بِعُسْفَانَ فِي الْمُتْعَةِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: مَا تُرِيدُ إلَى أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: دَعْنَا عَنْك، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ لِمَنْ قَالَ بِالتَّمَتُّعِ، وإنما هُوَ لِمَنْ قَالَ بِالْقِرَانِ، فَإِنَّ عَلِيًّا أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا، وَالتَّمَتُّعُ فِي عُرْفِ الصَّحَابَةِ يَدْخُلُ فِيهِ الْقِرَانُ، قَالَ: وَيَدْخُلُ فِيهِ التَّمَتُّعُ الْخَاصُّ، وَلَمْ يَحُجَّ النَّبِيُّ عليه السلام مُتَمَتِّعًا التَّمَتُّعَ الْخَاصَّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ، بَلْ الْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّهُ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَ، الرَّابِعَةُ كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ مِنْهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ بِقَوْلِهِ: " لَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْت"، وَثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِرْ بَعْدَ الْحَجِّ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ عَنْهُ، وَإِنَّمَا اعْتَمَرَ بَعْدَ الْحَجِّ عَائِشَةُ وَحْدَهَا، فَتَحَصَّلَ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا، وَعَلَى هَذَا يَجْتَمِعُ أَحَادِيثُ الْبَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 3 عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ ذَكَرَ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ، فَقَالَ: قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ 4 عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ، وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى مَاتَ، وَعُمَرُ حَتَّى مَاتَ، وَعُثْمَانُ حَتَّى مَاتَ، رضي الله عنهم، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ نَهَى عَنْهَا مُعَاوِيَةُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَعَجِبْت مِنْهُ، وَقَدْ حَدَّثَنِي أَنَّهُ قَصَّرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ، انْتَهَى. وَلَيْثٌ هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَفِيهِ مَقَالٌ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ شَاهِدَةٍ
أَنَّهُ عليه السلام تَمَتَّعَ، وَبَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ فِيهَا الْأَمْرُ بِالتَّمَتُّعِ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" 1 عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَرْضِ قَوْمِي، فَلَمَّا حَضَرَ الْحَجُّ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَجَجْت، فَقَدِمْت عَلَيْهِ، وَهُوَ نَازِلٌ بِالْأَبْطَحِ، فَقَالَ لِي: " بِمَ أَهْلَلْت يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ؟ " قَالَ: قُلْت: لَبَّيْكَ بِحَجٍّ كَحَجِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَحْسَنْت"، ثُمَّ قَالَ: "هَلْ سُقْت هَدْيًا؟ " قُلْت: مَا فَعَلْت، قَالَ: "اذْهَبْ فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ اُحْلُلْ"، فَانْطَلَقْت فَفَعَلْت مَا أَمَرَنِي، وَأَتَيْت امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي، فَغَسَلْت رَأْسِي بِالْخِطْمِيِّ، وَفَلَتُّ رَأْسِي2، ثُمَّ أَهْلَلْت بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" 3 عَنْ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَبَّى بِالْحَجِّ وَلَبَّيْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ أَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْهَدْيُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ، وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا، وَيَقُولُونَ: إذَا بَرَأَ الدَّبَرْ، وَعَفَا الْأَثَرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، حَلَّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرْ، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: "الْحِلُّ كُلُّهُ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَرَى إلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ، فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ، فَأَحْلَلْنَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، قَالَتْ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ أَنْ يَحْلُلْنَ بِعُمْرَةٍ، قُلْت: مَا يَمْنَعُك يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَحِلَّ مَعَنَا؟ قَالَ: "إنِّي قَدْ أَهْدَيْت وَلَبَّدْت، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ هَدْيِي"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 4 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ. فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلُلْ، قُلْنَا: أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ"، قَالَ: فَأَتَيْنَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ، وَمَسَسْنَا الطِّيبَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا 1 عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَخَ بِالْحَجِّ صُرَاخًا، حَتَّى إذَا طُفْنَا بِالْبَيْتِ، قَالَ: " اجْعَلُوهَا عُمْرَةً، إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ"، قَالَ: فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً فَحَلَلْنَاهَا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ صَرَخْنَا بِالْحَجِّ، وَانْطَلَقْنَا إلَى مِنًى، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ2، وَأَحْمَدُ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ قَدِمُوا مَكَّةَ، وَقَدْ لَبَّوْا بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ. فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا طَافُوا بِالْبَيْتِ وَسَعَوْا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَكَأَنَّ الْقَوْمَ هَابُوا ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْلَا أَنِّي سُقْت الْهَدْيَ لَأَحْلَلْت"، فَحَلَّ الْقَوْمُ وَتَمَتَّعُوا، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا فُلَيْحِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّدَ رَأْسَهُ وَأَهْدَى، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَمَرَ نِسَاءَهُ أَنْ يَحْلُلْنَ، قُلْنَ: مَا لَك أَنْتَ لَا تَحِلُّ؟ قَالَ: " إني قلدت هدي، وَلَبَّدْت رَأْسِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنْ حَجَّتِي، وَأَحْلِقَ رَأْسِي"، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": هُوَ حَدِيثٌ صحيح على شرط الشيخين. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا حَدَّثَنَا عَفَّانَ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثَنَا حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَأَصْحَابُهُ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً، إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ"، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": قَالَتْ الْخُصُومُ: فَقَدْ نَقَضْتُمْ أَحَادِيثَكُمْ الْأَوَائِلَ بِهَذِهِ الْأَوَاخِرِ، لِأَنَّكُمْ رَوَيْتُمْ فِي الْأَوَائِلِ أَنَّهُ تَمَتَّعَ، وَفِي الْأَوَاخِرِ أَنَّهُ تَنَدَّمَ، كَيْفَ سَاقَ الْهَدْيَ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَفْسَخَ، وَأَنْتُمْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ تُصَحِّحُوا الْأَوَائِلَ، فَيَبْطُلَ مَذْهَبُكُمْ فِي فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ، أَوْ تُصَحِّحُوا الْأَوَاخِرَ، فَيَبْطُلَ احْتِجَاجُكُمْ بِأَنَّ الرَّسُولَ تَمَتَّعَ، ثُمَّ نَتَكَلَّمُ عَلَى أَحَادِيثِكُمْ، فَنَقُولُ: الْأَوَائِلُ مُعَارَضَةٌ بِالْأَوَاخِرِ، فَأَمَّا الْأَوَاخِرُ: فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ أَصْحَابَهُ بِالْفَسْخِ لِفَضِيلَةِ التَّمَتُّعِ، بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا رَوَيْتُمْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ، فَأَمَرَ بِفَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ لِيُخَالِفَ الْمُشْرِكِينَ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَسْخُ الْحَجِّ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ قَالَ: بَلْ لَنَا خَاصَّةً، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: كَانَتْ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ:
الْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ فَلَا يَنْبَغِي رَدُّهَا، وَإِنَّمَا يُتَمَحَّلُ لَهَا، وَالْوَجْهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ اعْتَمَرَ، وَتَحَلَّلَ مِنْ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَسَاقَ الْهَدْيَ، ثُمَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْفَسْخِ، لِيَفْعَلُوا مِثْلَ فِعْلِهِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا أَحْرَمُوا بِعُمْرَةٍ، وَمَنَعَهُ مِنْ فَسْخِ الْحَجِّ إلَى عُمْرَةٍ ثَانِيَةٍ عُمْرَتُهُ الْأُولَى وَسَوْقُهُ الْهَدْيَ، فَعَلَى هَذَا تَتَّفِقُ الْأَحَادِيثُ، وَلَا يُرَدُّ مِنْهَا شَيْءٌ، فَإِنْ قَالُوا: كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا التَّأْوِيلُ، وَإِنَّمَا عَلَّلَ بِسَوْقِ الْهَدْيِ لَا بِفِعْلِ عُمْرَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ؟ قُلْنَا: ذَكَرَ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى، وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ لِمُخَالَفَةِ الْجَاهِلِيَّةِ، قُلْنَا: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَمَنْ لَمْ يَسُقْهُ، ثُمَّ إنَّهُ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَ، كُلَّهَا فِي ذِي الْقِعْدَةِ، إلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ، فَفِعْلُهُ هَذَا يَكْفِي فِي الْبَيَانِ لِأَصْحَابِهِ، وَالْمُشْرِكِينَ أَنَّ الْعُمْرَةَ تَجُوزُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَأْمُرَ أَصْحَابَهُ بِفَسْخِ الْحَجِّ الْمُحْتَرَمِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ الْأَفْضَلُ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ لِأَجْلِ مَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَعْتَمِدُونَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ حَالَ الْجَاهِلِيَّةِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ: فَقَالَ أَحْمَدُ: هُوَ حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ، وَلَا أَقُولُ بِهِ، وَالْحَارِثُ بْنُ بِلَالٍ لَا يُعْرَفُ، وَلَوْ عُرِفَ فَأَيْنَ يَقَعُ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ الصَّحَابَةِ، يَرَوْنَ الْفَسْخَ، وَلَا يَصِحُّ حَدِيثٌ فِي أَنَّ الْفَسْخَ كَانَ لَهُمْ خَاصَّةً، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ يُفْتِي بِهِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَشَطْرٍ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ: فَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو مُوسَى، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُمَا، ثُمَّ إنَّهُ ظَنٌّ مِنْ أَبِي ذَرٍّ، يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ سُرَاقَةَ قَالَ: أَلِعَامِنَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ: "بَلْ لِلْأَبَدِ"، يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَ الْفَسْخِ بَاقٍ عَلَى الْأَبَدِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ وُجُوبَ الْفَسْخِ كَانَ خَاصًّا بِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ، بَلْ يَجُوزُ لَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" رحمه الله: وَمَا جَمَعَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَدْ اعْتَمَرَ وَتَحَلَّلَ مِنْ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَسَاقَ الْهَدْيَ، فَضَعِيفٌ جِدًّا، وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ، فَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَفْرَدَ، ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْهُ اعْتَمَرَ ضَعِيفٌ أَيْضًا، لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَعْتَمِرْ مَعَهُ بَعْدَ الْحَجِّ إلَّا عَائِشَةُ رضي الله عنها، وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا، وَسَاقَ الْهَدْيَ، ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ، وَلَمْ يَتَحَلَّلْ لِأَجْلِ الْهَدْيِ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ كَانَ قَارِنًا وَطَافَ طَوَافَيْنِ
وَسَعَى سَعْيَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ضَعْفَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ قَارِنًا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا، وَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا، وَسَعَى سَعْيًا وَاحِدًا، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ سَمِعْت النَّبِيَّ عليه السلام، وَهُوَ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ: "أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ"، وَهَذَا الْآتِي أَتَاهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ، وَهُوَ ذُو الْحُلَيْفَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَوْلُهُ: وَالْمَقْصُودُ بِمَا رُوِيَ نَفْيُ قَوْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ: إنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ، قُلْت: يَعْنِي بِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ: الْقِرَانُ رُخْصَةٌ، وَقَوْلُ الْجَاهِلِيَّةِ تَقَدَّمَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ 1 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ، وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا، وَيَقُولُونَ: إذَا بَرَأَ الدَّبَرْ وَعَفَا الْأَثَرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، فَقَدْ حَلَّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرْ، فَقَدِمَ النَّبِيُّ عليه السلام صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: "الْحِلُّ كُلُّهُ"، انْتَهَى. وَرَجَّحَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ" 2 أَنَّهُ عليه السلام كَانَ مُفْرِدًا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلُ، قَالَ: فَإِنَّهُ أَحْسَنُ سِيَاقًا، وَأَبْلَغُ اسْتِقْصَاءً، وَغَيْرُهُ لَمْ يَضْبِطْ ضَبْطَهُ، وَالثَّانِي: أَنَّ أَحَدَ الرِّوَايَتَيْنِ كَانَ أَقْرَبَ مَكَانًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ أَنَسًا رَوَى أَنَّهُ عليه السلام قَرَنَ، وَابْنُ عُمَرَ رَوَى أَنَّهُ أَفْرَدَ، وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: كُنْت تَحْتَ جِرَانِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلُعَابُهَا بَيْنَ كَتِفَيْ، فَحَدِيثُهُ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ 3 - فِي بَابِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ": وَقَدْ اخْتَلَفَ عَلَيْنَا فِيمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ عليه السلام، فَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ: إنَّهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ قَرَنَ مَعَ حَجِّهِ عُمْرَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: دَخَلَ مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهَا حَجَّةً، وَفِي كُلٍّ رِوَايَةٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ4، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ الْحِلَّ كُلَّهُ، وَقَدْ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ،
انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، إنَّمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، فَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شَيْبَةَ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ أَيْضًا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَمُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ شَيْبَةَ مَرْفُوعًا، وَتَقْصِيرُ مَنْ قَصَّرَ مِنْ الرُّوَاةِ لَا يُؤَثِّرُ فِيمَا أَثْبَتَهُ الْحَافِظُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ النَّسَائِيّ 1 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْت عُمْرَتَنَا هَذِهِ، لِعَامِنَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ: "لَا، بَلْ لِلْأَبَدِ، دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بِهِ، قَالَ فِي "الْإِمَامِ": قَالَ شَيْخُنَا الْمُنْذِرِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ سُرَاقَةَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافًا وَاحِدًا، وَيَسْعَى سعياً وحداً - يَعْنِي أَنَّ الْعِبَادَتَيْنِ تَتَدَاخَلَانِ - وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا طَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَ: " إنِّي لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ، وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً"، فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَشَبَّكَ عليه السلام أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى، وَقَالَ: " دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ - مَرَّتَيْنِ - لَا، بَلْ لِلْأَبَدِ". أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَرَادَ الْحَجَّ عَامَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَصُدُّوك، فَقَالَ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ إذًا أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت عُمْرَةً، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ، قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلَّا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت حجاً في عُمْرَتِي، وَأَهْدَى هَدْيًا اشْتَرَاهُ بِقَدِيدٍ، فَلَمْ يَنْحَرْ، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، وَلَمْ يَحْلِقْ، وَلَمْ يُقَصِّرْ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ، فَنَحَرَ، وَحَلَقَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى2.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" أَيْضًا 1 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا، فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ حَلُّوا. ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ، بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا حَاضَتْ بِسَرِفَ، فَتَطَهَّرَتْ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُجْزِئُ عَنْك طَوَافُك: بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجِّك وَعُمْرَتِك"، انْتَهَى. وَفِي سَمَاعِ مُجَاهِدٍ مِنْ عَائِشَةَ كَلَامٌ، تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْخَامِسِ وَالثَّمَانِينَ مِنْ "الْحَجِّ". حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَسَعْيٌ وَاحِدٌ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا"، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلَفْظُهُ: مَنْ قَرَنَ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ أَجْزَأَهُ بِهِمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، انتهى. حديث آخر: أخرج ابْنُ مَاجَهْ 4 عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ حَدَّثَنِي عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَمْ يَطُفْ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا لِعُمْرَتِهِمْ وَحَجَّتِهِمْ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": قَالَ الْبَرْقَانِيُّ: سَأَلْت الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، فَقَالَ: صَاحِبُ سُنَّةٍ يُخَرَّجُ حَدِيثَهُ، وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ الْجَمْعَ بَيْنَ عَطَاءٍ، وطاوس، ومجاهد حسب، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"5: كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، يُقَالُ: إنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ عَطَاءً، وَطَاوُسًا عَنْ شَيْءٍ فَيَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَيَرْوِيهِ بِاتِّفَاقِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ لِذَلِكَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 6 حَدَّثَنَا الْبَغَوِيّ حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ عَمْرٍو ثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ،
قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، فَإِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ صَدُوقٌ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ، وَمَنْصُورٌ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ شِيعِيٌّ، وَدَاوُد مِنْ شُيُوخِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ حَجَّاجِ 1 بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا، انْتَهَى. وَالْحَجَّاجُ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: مَا طَافَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا، وَسَعْيًا وَاحِدًا لِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، انْتَهَى. وَالرَّبِيعُ ضَعِيفٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ2: ثَنَا أَبِي عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قال لي منصور: حدثني 3 أَنْتَ يَا حُصَيْنُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ طَافُوا لِحَجَّتِهِمْ وَعُمْرَتِهِمْ طَوَافًا وَاحِدًا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَعَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ ضَعِيفٌ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ"، هَكَذَا وَجَدْته فِي نُسْخَتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ، وَالصَّوَابُ عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَطَافَ لَهُمَا بِالْبَيْتِ طَوَافًا وَاحِدًا، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ طَوَافًا وَاحِدًا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَابْنُ أَبِي لَيْلَى هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَعَطِيَّةُ أَضْعَفُ مِنْهُ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ صُبَيَّ بْنَ مَعْبَدٍ لَمَّا طَافَ طَوَافَيْنِ، وَسَعَى سَعْيَيْنِ قَالَ لَهُ عُمَرُ: هُدِيت لِسُنَّةِ نَبِيِّك، قُلْت: هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَقَعْ هَكَذَا، فَقَدْ أَخْرَجَهُ أبو داود، والنسائي من مَنْصُورٍ، وَابْنُ مَاجَهْ 4 عَنْ الْأَعْمَشِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ الصُّبَيّ بْنِ معبد الثعلبي، قَالَ: أَهْلَلْت بِهِمَا مَعًا، فَقَالَ عُمَرُ: هُدِيت لِسُنَّةِ نَبِيِّك، انْتَهَى. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ قِصَّةً، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْعَاشِرِ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": وَحَدِيثُ الصُّبَيّ بْنِ مَعْبَدٍ هَذَا
حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَأَصَحُّهُ إسْنَادًا حَدِيثُ مَنْصُورٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ الصَّبِيِّ عَنْ عُمَرَ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى - فِي مُسْنَدِ عَلِيٍّ" عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: طُفْت مَعَ أَبِي - وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ - فَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ، وَسَعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ، وَحَدَّثَنِي أَنَّ عَلِيًّا فَعَلَ ذَلِكَ، وَقَدْ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَحَمَّادٌ هنا ضَعَّفَهُ الْأَزْدِيُّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: هُوَ مَجْهُولٌ، وَالْحَدِيثُ مِنْ أَجْلِهِ لَا يَصِحُّ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 1 عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ، فَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَنَعْت، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ عليه السلام قَرَنَ، وَطَافَ طَوَافَيْنِ، وَسَعَى سَعْيَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِمَا غَيْرُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، ثُمَّ هُوَ قَدْ رَوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ضِدَّ هَذَا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَا وَاَللَّهِ مَا طَافَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا طَوَافًا واحداً، فهاتوا من هَذَا الَّذِي يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ، انْتَهَى. وَبِالسَّنَدِ الثَّانِي رَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"2، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ الْمُقَوِّمُ، قَالَ: قُلْت لِأَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ: إنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ صَاحِبَ الرَّأْيِ حَدَّثَنَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: فَذَكَرَهُ، فَقَالَ أَبُو دَاوُد: مَنْ هَذَا كَانَ شُعْبَةُ يَشُقُّ بَطْنَهُ مِنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، وَأَطَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي تَضْعِيفِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ حَفْصِ بْنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ بِنَحْوِهِ، قَالَ: وَحَفْصٌ هَذَا ضَعِيفٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى رَدِيءُ الْحِفْظِ، كَثِيرُ الْوَهَمِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا فَطَافَ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ: وَعِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُقَالُ لَهُ: مُبَارَكٌ3، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَمْرِو بْنِ يَزِيدَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ طَوَافَيْنِ، وَسَعَى سَعْيَيْنِ،
وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَبُو بُرْدَةَ مَتْرُوكٌ، وَمَنْ دُونَهُ فِي الْإِسْنَادِ ضُعَفَاءُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرَ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْأَزْدِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ هِلَالٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام طَافَ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يُقَالُ: إنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى حَدَّثَ بِهَذَا مِنْ حِفْظِهِ، فَوَهَمَ فِي مَتْنِهِ، وَالصَّوَابُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الطَّوَافِ وَلَا السَّعْيِ، وَيُقَالُ: إنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذِكْرِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَحَدَّثَ بِهِ عَلَى الصَّوَابِ، كَمَا حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ نَيْرُوزَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْأَزْدِيُّ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَرَنَ، انْتَهَى. قَالَ: وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الطَّوَافَ وَلَا السَّعْيَ، كَمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْوَكِيلُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد ثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَرَنَ1، انْتَهَى. الْآثَارُ: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ أَبِي نَصْرٍ السُّلَمِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: إذَا أَهْلَلْت للحج وَالْعُمْرَةِ، فَطُفْ لَهُمَا طَوَافَيْنِ، وَاسْعَ لَهُمَا سَعْيَيْنِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَ مَنْصُورٌ: فَلَقِيت مُجَاهِدًا، وَهُوَ يُفْتِي: بِطَوَافٍ وَاحِدٍ لِمَنْ قَرَنَ، فَحَدَّثْته بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَوْ كُنْت سَمِعْته لَمْ أُفْتِ إلَّا بِطَوَافَيْنِ، وَأَمَّا بَعْدُ، فَلَا أُفْتِي إلَّا بِهِمَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" 2 مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَخْبَرَنَا رَجُلٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ فِي الْقَارِنِ: يَطُوفُ طَوَافَيْنِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَطُوفُ حين تقدم بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ لِلزِّيَارَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَصَحُّ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ عَنْ عَلِيٍّ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ، ثُمَّ يُحْرِمُ لَهُمَا جَمِيعًا، وَيَطُوفُ لَهُمَا طَوَافَيْنِ، هَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِيهِ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَصْرِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: الْقَارِنُ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يَصِحُّ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَثْبُتُ عَنْ عَلِيٍّ خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، إنَّمَا رَوَاهُ مَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ عَنْ عَلِيٍّ،
وَأَبُو نَصْرٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ1، مَعَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا كَانَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى: "مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَسَعْيٌ وَاحِدٌ"، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" 2 حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ زِيَادِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَلِيًّا، وَابْنَ مَسْعُودٍ، قَالَا فِي الْقَارِنِ: يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ، انْتَهَى. ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَمْرٍو عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: إذَا قَرَنْت بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطُفْ طَوَافَيْنِ وَاسْعَ سَعْيَيْنِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَلَنَا النَّهْيُ الْمَشْهُورُ عَنْ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الصَّوْمِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَى الْمَذْهَبِ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 3 عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا: لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَهَذَا شَبِيهٌ بِالْمُسْنَدِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ، صَامَ أَيَّامَ مِنًى، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ فِي مِثْلِهِ بِذَبْحِ شَاةٍ - يَعْنِي فِي قَارِنٍ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ وَلَمْ يَصُمْ حَتَّى أَتَتْ عَلَيْهِ أَيَّامُ النَّحْرِ - قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي "الْمَبْسُوطِ" فَنُقِلَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: إنِّي تَمَتَّعْت بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَقَالَ: اذْبَحْ شَاةً، قَالَ: مَا مَعِي شَيْءٌ، قَالَ: سَلْ أَقَارِبَك، قَالَ: مَا هُنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَا مُغِيثُ أَعْطِهِ قِيمَةَ شَاةٍ.
باب التمتع
بَابُ التَّمَتُّعِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَصِفَةُ التَّمَتُّعِ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَيُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ، وَيَدْخُلَ مَكَّةَ فَيَطُوفَ بِهَا، وَيَسْعَى، وَيَحْلِقَ، أَوْ يُقَصِّرَ، وَقَدْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ، وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْعُمْرَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُفْرِدَ بِالْعُمْرَةِ فَعَلَ مَا ذَكَرْنَا، هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا حَلْقَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْعُمْرَةُ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ. وَحُجَّتُنَا عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ , فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ , وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ , فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، قَالَ لِلنَّاسِ: " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلِيُقَصِّرْ وَلْيَحْلُلْ، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ، وَلْيَهْدِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ"، وَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ، ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ، وَمَشَى أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ رَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَانْصَرَفَ، فَأَتَى الصَّفَا، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ النَّاسِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 2 عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ الْحَجَّ عَامَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، وَنَخَافُ أَنْ يَصُدُّوك، فَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ، إذَنْ أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت عُمْرَةً حَتَّى إذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ، قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلَّا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي جَمَعْت حَجَّةً مَعَ عُمْرَةٍ، وَأَهْدَى هَدْيًا مُقَلَّدًا اشْتَرَاهُ، حَتَّى قَدِمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا، وَلَمْ يَزِدْ 3 عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ
يَحِلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَلَقَ وَنَحَرَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا صَنَعَ النَّبِيُّ عليه السلام، انْتَهَى. وَالِاسْتِشْهَادُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَوْلَى مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله احْتَجَّ بِهِ عَلَى مَالِكٍ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمُعْتَمِرِ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ عليه السلام مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحِلُّوا وَيَحْلِقُوا، أَوْ يُقَصِّرُوا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: قَصَّرْت عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَرْوَةِ، أَوْ رَأَيْته يُقَصِّرُ عَنْهُ عَلَى الْمَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ" قَوْلُهُ: قَصَّرْت، يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ عليه السلام كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُتَمَتِّعًا، لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ يُقَصِّرُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ السَّعْيِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، لِأَنَّهُ عليه السلام حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا وَرَدَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، وَقِيلَ: إنَّمَا كَانَ هَذَا فِي بَعْضِ عُمْرِهِ عليه السلام، قِيلَ: وَلَا يَصِحُّ هَذَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ، لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَسْلَمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ مَعَ أَبِيهِ، فَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: رَأَيْته يُقَصِّرُ عَنْهُ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ عُمْرِهِ عليه السلام، وَأَمَّا لَفْظُ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَمَا عَلِمْت أَنِّي قَصَّرْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصِ أَعْرَابِيٍّ عَلَى الْمَرْوَةِ لِحَجَّتِهِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: لِحَجَّتِهِ، أَيْ لِعُمْرَتِهِ، فَفِي لَفْظِ النَّسَائِيّ فِي عُمْرَةٍ عَلَى الْمَرْوَةِ، وَالْعُمْرَةُ قَدْ تُسَمَّى حَجًّا، لِأَنَّ مَعْنَاهَا الْقَصْدُ، وَقَدْ قالت للنبي عليه السلام: مَا بَالُ النَّاسِ حَلُّوا وَأَنْتَ لَمْ تَحْلِلْ مِنْ عُمْرَتِك؟ قِيلَ: تُرِيدُ مِنْ حَجَّتِك، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَطَعَ التَّلْبِيَةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ حِينَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ 3 عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ يُمْسِكُ عَنْ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ: أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ: يُلَبِّي الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ، انْتَهَى.
قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَهَمَّامٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وفيه مقال، ولم يصب الْمُنْذِرِيُّ فِي عَزْوِهِ هَذَا الْحَدِيثَ لِلتِّرْمِذِيِّ، فَإِنَّ لَفْظَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَفْظَ أَبِي دَاوُد مِنْ قَوْلِهِ، فَهُمَا حَدِيثَانِ، وَلَكِنَّهُ قَلَّدَ أَصْحَابَ "الْأَطْرَافِ" إذْ جَعَلُوهَا حَدِيثًا وَاحِدًا، وَهَذَا مِمَّا لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ: " ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ"، وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَبَّى - يَعْنِي فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ - حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام سَاقَ الْهَدَايَا مَعَ نَفْسِهِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: أَنَا فَتَلْت قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: تَقَدَّمَ قَبْلُ "بَابُ الْقِرَانِ"، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا أَحَالَ، فَقَالَ: فَإِنْ كَانَ بَدَنَةً قَلَّدَهَا بِمَزَادَةٍ أَوْ نَعْلٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ عَلَى مَا رَوَيْنَا، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ "بَابِ الْقِرَانِ" أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ لِبُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ بِهَا، وَأَقَامَ فِي أَهْلِهِ حَلَالًا. وَلَوْ اسْتَدَلَّ هُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَكَانَ أَوْلَى، أَخْرَجُوهُ - إلَّا الْبُخَارِيَّ -1 عَنْ أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ، وَاسْمُهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ، وَفِي لَفْظٍ: بِبَدَنَةٍ، فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ، وَسَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا، وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ، ثُمَّ أَتَى بِرَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا قَعَدَ عَلَيْهَا وَاسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أَحْرَمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، وَهَدَايَاهُ تُسَاقُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قُلْت: تَقَدَّمَ لِلْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، إلَى آخِرِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ فِي الْإِشْعَارِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام طَعَنَ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ
مَقْصُودًا، وَفِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ اتِّفَاقًا، قُلْت: رِوَايَةُ الطَّعْنِ فِي الجانب الأيمن أخرجها مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي حَسَّانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ دَعَا بِبَدَنَةٍ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْبُخَارِيِّ 1 الْإِشْعَارَ مِنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ، وَمَرْوَانَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْأَيْمَنِ، وَلَا بِالْأَيْسَرِ، وَلَفْظُهُ: قَالَا: خَرَجَ النَّبِيُّ عليه السلام زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النَّبِيُّ عليه السلام الْهَدْيَ، وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا، وَأَمَّا رِوَايَةُ الطَّعْنِ فِي الْأَيْسَرِ، فَرَوَاهَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ أَشْعَرَ بَدَنَتِهِ فِي شِقِّهَا الْأَيْسَرِ، ثُمَّ سَلَتَ الدَّمَ بِإِصْبَعِهِ، فَلَمَّا عَلَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ الْبَيْدَاءَ لَبَّى، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي "كِتَابِ التَّمْهِيدِ": رَأَيْت فِي "كِتَابِ ابْنِ عُلَيَّةَ" عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْعَرَ بَدَنَةً مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ سَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا، وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ، قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي مُنْكَرٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمَعْرُوفُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ: فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، لَا يَصِحُّ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُشْعِرُ بُدْنَهُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، انْتَهَى. وَهَكَذَا أَوْرَدَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مَعْزُوًّا إلَى ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَكُونَ تَصَحَّفَ فِيهِ: الْأَيْمَنَ، بِالْأَيْسَرِ، وَأَيْضًا، فَإِنَّا لَا نَعْلَمُ ابْنَ عُلَيَّةَ إلَّا الْإِخْوَةُ الثَّلَاثَةُ: إسْمَاعِيلُ، وَرِبْعِيٌّ، وَإِسْحَاقُ، وَالْمَشْهُورُ الْفَقِيهُ مِنْهُمْ: إسماعيل بن إبرهيم بْنِ سَهْمٍ، وَعُلَيَّةُ أُمُّهُ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ طَبَقَتُهُ، أَنْ يَرْوِيَ بِهَذَا النُّزُولِ، فَإِنْ قَدَّرْنَاهُ هُوَ فَأَبُوهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ مِقْسَمٍ لَا أَعْرِفُهُ فِي رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ، وَحَالُهُ مَجْهُولٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ ابْنِ عُلَيَّةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ جِهَةِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ، وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَخْرَجَهُ مالك في "موطأه"2. عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَهْدَى هَدْيًا مِنْ الْمَدِينَةِ يُقَلِّدُهُ بِنَعْلَيْنِ، وَيُشْعِرُهُ مِنْ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ يُسَاقُ مَعَهُ، مُخْتَصَرٌ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ الْإِشْعَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، قُلْت: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ الْمِسْوَرِ، وَمَرْوَانَ قَالَا: خَرَجَ النَّبِيُّ عليه السلام مِنْ الْمَدِينَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إذَا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ عليه السلام الْهَدْيَ، وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ - إلَّا الْبُخَارِيَّ - عَنْ أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَشْعَرَ بَدَنَةً مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، وَسَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا، وَزَادَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ1 قَالَ: وَسَمِعْت أَبَا السَّائِبِ يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ وَكِيعٍ، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَنْظُرُ فِي الرَّأْيِ: أَشْعَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ مُثْلَةٌ، قَالَ الرَّجُلُ: فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ: الْإِشْعَارُ مُثْلَةٌ، فَرَأَيْت وَكِيعًا غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ: أَقُولُ لَك: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَقُولُ قَالَ إبْرَاهِيمُ؟! مَا أَحَقَّك بِأَنْ تُحْبَسَ، ثُمَّ لَا تَخْرُجَ حَتَّى تَنْزِعَ عَنْ قَوْلِك هَذَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَتَلْت قَلَائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ، ثُمَّ أَشْعَرَهَا، وَقَلَّدَهَا، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إلَى الْبَيْتِ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلًّا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ، قُلْت: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْإِشْعَارَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: إنَّ حَدِيثَ الْإِشْعَارِ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَة، وَإِذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ، فَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحَرَّمِ، انْتَهَى. وَكَانَ جماعة من العلماء فهموا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ النَّسْخَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ"، فَقَالَ: النَّهْيُ عَنْ الْمُثْلَةِ كَانَ بِإِثْرِ غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَحَدِيثُ الْإِشْعَارِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَكَيْفَ يَكُونُ النَّاسِخُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْمَنْسُوخِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِي النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَ حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ، وَفِي آخِرِهِ: قَالَ قَتَادَةُ: وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ، وَانْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ 3 عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: إنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ عليه السلام أَعْيُنَ أُولَئِكَ، لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرُّعَاةِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ4، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النُّهْبَةِ وَالْمُثْلَةِ، انْتَهَى. هَكَذَا عَزَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ لِلْبُخَارِيِّ، وَيُنْظَرُ.
حَدِيثٌ آخَرَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ - فِي كِتَابِ الْجِهَادِ"1 حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ هَيَّاجِ بْنِ عِمْرَانَ الْبَصْرِيِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ، وَفِيهِ قِصَّةٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَعَنَ مَنْ يُمَثِّلُ بِالْحَيَوَانِ، وفي لفظه: نَهَى أَنْ يُمَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مَوْلًى لِجُهَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا عَفَّانَ ثَنَا هَمَّامٌ ثَنَا قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ هَيَّاجِ بْنِ عِمْرَانَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُثُّ فِي خُطْبَتِهِ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ، مُخْتَصَرٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ حمزة بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُثْلَةِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ الْأَحْنَفِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: جَاءَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ مَعَ جِوَارٍ لَهَا، وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهَا، فَقَالَتْ: أَهَهُنَا الْحَجَّاجُ؟ قِيلَ لَهَا: لَا، قَالَتْ: إذَا جَاءَ فَقُولُوا لَهُ: يَأْمُرُ لَنَا بِهَذِهِ الْعِظَامِ - يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ - فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ، وَأَخْبِرُوهُ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَخْرُجُ مِنْ ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَقَدْ رَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَهُوَ الْحَجَّاجُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ ثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ الْحَرَّانِيِّ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّرَائِفِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ رَاشِدٍ قَالَ: كَانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجِمٍ فِي قِتْلَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا، وَفِي آخِرِهَا، قَالَ: وَلَمَّا دَخَلَ ابْنُ مُلْجِمٍ عَلَى عَلِيٍّ بَعْدَ أَنْ ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى قَرْنِهِ وَأُوقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَكْتُوفًا قَالَ لَهُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ،
مَا الَّذِي حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت؟ أَلَمْ أُحْسِنْ إلَيْك. أَلَمْ أَفْعَلْ مَعَك كَذَا وَكَذَا وَكَذَا؟!، ثُمَّ قَالَ لِلْحَسَنِ: إنْ بَقِيت رَأَيْت فِيهِ رَأْيِي، وَإِنْ هَلَكْت مِنْ ضَرْبَتِي هَذِهِ، فَاضْرِبْهُ ضَرْبَةً، وَلَا تُمَثِّلْ بِهِ، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ، وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ عَنْ عِيسَى بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُوسَى بْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ. وَعَائِذِ بْنِ قُرْطٍ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُمَثِّلُوا بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ رُوحٌ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إسْحَاقَ الْحَضْرَمِيِّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيَّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النُّهْبَةِ وَالْمُثْلَةِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ الْهَيْثَمِ مَوْلًى لِبَنِي هَاشِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: لَمَّا أُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْزِعْ ثَنِيَّتَهُ يُدْلَعُ لِسَانُهُ، فَلَا يقوم عليك حطيباً أَبَدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا أُمَثِّلُ بِهِ، فَيُمَثِّلَ اللَّهُ بِي، وَلَوْ كُنْت نَبِيًّا، وَلَعَلَّهُ يَقُومُ مَقَامًا لَا تَكْرَهُهُ". فَقَامَ سُهَيْلٌ حِينَ جَاءَهُ وَفَاةُ النَّبِيِّ عليه السلام بِخُطْبَةِ أَبِي بَكْرٍ بِمَكَّةَ، كَأَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُهَا، فَقَالَ عُمَرُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، يُرِيدُ حَيْثُ قَالَ عليه السلام: " لَعَلَّهُ يَقُومُ مَقَامًا لَا تَكْرَهُهُ"، مُخْتَصَرٌ. وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ وَسْمُ إبِلِ الصَّدَقَةِ، فَالْمَنْقُولُ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا كَرَاهَتُهُ، لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبُ الْحَيَوَانِ. وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، عَمَلًا بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: غَدَوْت بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُحَنِّكَهُ، فَوَافَيْته فِي يَدِهِ الْمِيسَمَ يَسِمُ إبِلَ الصَّدَقَةِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَإِشْعَارُ النَّبِيِّ عليه السلام لِصِيَانَةِ الْهَدْيِ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يَمْتَنِعُونَ عَنْ تَعَرُّضِهِ إلَّا بِهِ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: " لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَمَا سُقْت الْهَدْيَ، وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً وَتَحَلَّلْت مِنْهَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: خَرَجْنَا نَصْرُخُ بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا النَّبِيُّ عليه السلام أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً، وَقَالَ: " لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت جَعَلْتهَا عُمْرَةً، وَلَكِنْ سُقْت الْهَدْيَ، وَقَرَنْت بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: "وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْت"، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: حَتَّى إذَا كَانَ آخِرَ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ: "لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً"، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلِعَامِنَا، أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَشَبَّكَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى، وَقَالَ: "دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ، لَا، بَلْ لِلْأَبَدِ". وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ وَنَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَضَاقَتْ بِهِ صُدُورُنَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ عليه السلام فَمَا نَدْرِي أَشَيْءٌ بَلَغَهُ مِنْ السَّمَاءِ، أَمْ مِنْ قِبَلِ النَّاسِ؟ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ أَحِلُّوا، فَلَوْلَا الْهَدْيُ الَّذِي مَعِي فَعَلْت كَمَا فَعَلْتُمْ" قَالَ: فَأَحْلَلْنَا حَتَّى وَطِئْنَا النِّسَاءَ، وَفَعَلْنَا مَا يَفْعَلُ الْحَلَالُ، حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ التَّابِعِينَ: إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ، قُلْت: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالنَّخَعِيِّ: أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ فِي "أَحْكَامِهِ". قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، قُلْت: الْعَبَادِلَةُ فِي اصْطِلَاحِ أَصْحَابِنَا ثَلَاثَةٌ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم، وَفِي اصْطِلَاحِ غَيْرِهِمْ أَرْبَعَةٌ: فَأَخْرَجُوا ابْنَ مَسْعُودٍ، وَأَدْخَلُوا ابْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَزَادُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ، قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ، وَغَلَّطُوا صَاحِبَ الصِّحَاحِ إذْ أَدْخَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَأَخْرَجَ ابْنَ الْعَاصِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ تَقَدَّمَتْ وَفَاتُهُ، وَهَؤُلَاءِ عَاشُوا حَتَّى اُحْتِيجَ إلى عملهم، وَيَلْتَحِقُ بِابْنِ مَسْعُودٍ كُلُّ مَنْ سُمِّيَ بِعَبْدِ اللَّهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهُمْ نَحْوٌ مِنْ مِائَتَيْنِ وَعِشْرِينَ رَجُلًا، قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ. فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ" عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} قَالَ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمُ النَّحْرِ مِنْهَا، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"، فَقَالَ: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْحَجُّ شَوَّالُ، إلَى آخِرِهِ، وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، انْتَهَى. وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا، فَقَالَ: وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَشْهُرُ الْحَجِّ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، إلَى آخِرِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ".
وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إسحاق أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ نَحْوُهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا. وَحَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِنَحْوِهِ، قَالَ الطَّبَرِيُّ: إنَّمَا أَرَادَ مَنْ قَالَ: أَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، أَنَّ هَذِهِ الْأَشْهُرُ لَيْسَتْ أشهر العمرة، وإنما هِيَ لِلْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ عَمَلُ الْحَجِّ قَدْ انْقَضَى بِانْقِضَاءِ أَيَّامِ مِنًى، انْتَهَى. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسِيد الْأَصْبَهَانِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَوَّابٍ الْهُنَائِيُّ ثَنَا حُصَيْنُ بْنُ الْمُخَارِقِ ثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} : " شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي "تَفْسِيرِهِ" بَعْدَ أَنْ عَزَاهُ لِابْنِ مَرْدُوَيْهِ فِي "تَفْسِيرِهِ": هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ، فَإِنَّ حُصَيْنَ بن المخرق اُتُّهِمَ بِالْوَضْعِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: حَدِيثُ عَائِشَةَ 1 لَمَّا حَاضَتْ بِسَرِفَ أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَرَى إلَّا الْحَجَّ، فَلَمَّا كُنَّا بِسَرِفَ حِضْت، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أبكي، فقال: " مالك أَنُفِسْت؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: " حَتَّى تَغْتَسِلِي"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْحَيْضِ"، وَفِي "الضَّحَايَا"، وَأَخْرَجَا أَيْضًا 2 عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ، حَتَّى إذَا كُنَّا بِسَرِفَ عَرَكَتْ عَائِشَةُ، حَتَّى إذَا قَدِمْنَا طُفْنَا بِالْكَعْبَةِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، قَالَ: فَقُلْنَا: حِلُّ مَاذَا؟ قَالَ: "الْحِلُّ كُلُّهُ"، قَالَ: فَوَاقَعْنَا النِّسَاءَ وَتَطَيَّبْنَا، وَلَبِسْنَا ثِيَابَنَا، لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إلَّا أَرْبَعُ لَيَالٍ، ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ لَهَا: " مَا شَأْنُك؟ " قَالَتْ: شَأْنِي أَنِّي حِضْت، وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ، وَلَمْ أَحْلِلْ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى الْحَجِّ الْآنَ، فَقَالَ: " إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ"، فَفَعَلَتْ، وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ قَالَ: " قَدْ حَلَلْت مِنْ حَجَّتِك وَعُمْرَتِك جَمِيعًا"، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
إنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَجَجْت. قَالَ: "فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْمِرْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ"، وَذَلِكَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ: قَالَ: فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ عليه السلام أَنْ تَنْسُكَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفَ، وَلَا تُصَلِّيَ حتى تطهر، وقال فيها أَيْضًا: فَاعْتَمَرَتْ عُمْرَةً فِي ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ أَيَّامِ الْحَجِّ، وَقَالَ أَيْضًا: وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ عليه السلام، وَطَلْحَةُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ 1 عَنْ خَصِيفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ عَنْ ابن عباس عن النَّبِيَّ عليه السلام، قَالَ: الْحَائِضُ، وَالنُّفَسَاءُ إذَا أَتَتَا عَلَى الْمَوْقِفِ تَغْتَسِلَانِ وَتُحْرِمَانِ، وَتَقْضِيَانِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، انْتَهَى. زَادَ أَبُو دَاوُد: حَتَّى تَطْهُرَ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَخُصَيْفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَرَّانِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَوْنٍ، ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْحَائِضُ تَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحُيَّضِ فِي تَرْكِ الطَّوَافِ الصَّدْرِ، قُلْت: أخرجه الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "الْحَيْضِ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَخَّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ - يَعْنِي بَعْدَ الْإِفَاضَةِ، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ أَوَّلًا: إنَّهَا لَا تَنْفِرُ، ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ: تَنْفِرُ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لَهُنَّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ3، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ، إلَّا الْحُيَّضَ، وَرَخَّصَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى.
باب الجنايات
باب الجنايات الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "الْحِنَّاءُ طِيبٌ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ - فِي الْحَجِّ" عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ عَنْ أُمِّهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: "لَا تَطَيَّبِي وَأَنْتِ مُحْرِمَةٌ، وَلَا تَمَسِّي الْحِنَّاءَ، فَإِنَّهُ طِيبٌ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" 1 عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ خَوْلَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَطَيَّبِي وَأَنْتِ مُحْرِمَةٌ، وَلَا تَمَسِّي الْحِنَّاءَ فَإِنَّهُ طِيبٌ"، انْتَهَى. وَعَزَاهُ السُّرُوجِيُّ فِي "الْغَايَةِ" إلَى النَّسَائِيّ، وَلَفْظُهُ: نَهَى الْمُعْتَدَّةَ عَنْ التَّكَحُّلِ، وَالدُّهْنِ، وَالْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ، وَقَالَ: "الْحِنَّاءُ طِيبٌ"، انْتَهَى. وَأَعَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي "بَابِ الْعِدَّةِ" بِزِيَادَةٍ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ حَلَقَ مِنْ عُذْرٍ فَهُوَ إنْ شَاءَ ذَبَحَ شَاةً، وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ بِثَلَاثَةِ أصواع مِنْ الطَّعَامِ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، لقوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} ، وكلمة "أو" للتخيير، قد فَسَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ذَكَرْنَا، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"2 عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ، وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَهُوَ يُوقِدُ تَحْتَ قِدْرِهِ، وَالْقَمْلُ يَتَهَافَتُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ: "أَيُؤْذِيك هَوَامُّك هَذِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاحْلِقْ رَأْسَك، وَأَطْعِمْ فَرْقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ" - وَالْفَرْقُ: ثَلَاثَةُ أَصْوُعٍ - أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ اُنْسُكْ نَسِيكَةً، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عليه السلام: " احْلِقْ، ثُمَّ اذْبَحْ شَاةً نُسُكًا، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ سَأَلَ كَعْبًا أَيُّ شَيْءٍ افْتَدَى حِينَ حَلَقَ رَأْسَهُ؟ قَالَ: ذَبَحَ بَقَرَةً، وَفِي لَفْظٍ: فَقَالَ لِي: " هَلْ عِنْدَك فَرْقٌ تَقْسِمُهُ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ؟ "، -وَالْفَرْقُ: ثَلَاثَةُ آصُعٍ-، "أَوْ اُنْسُكْ شَاةً، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ"، فَقُلْت:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، خِرْ لِي، قَالَ: "أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ"، وَفِي لَفْظٍ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّهُ قَالَ: فَكَيْفَ صَنَعْت؟ قَالَ: ذَبَحْت شَاةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمًا، فَقَمَلَ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ عليه السلام، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ، فَدَعَا الْحَلَّاقَ، فَحَلَقَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: "هَلْ عِنْدَك نُسُكٌ؟ " قَالَ: مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ يُطْعِمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ خَاصَّةً: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} ، ثُمَّ كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا 1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، قَالَ: قَعَدْت إلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَأَلْته عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} فَقَالَ كَعْبٌ: فِي نَزَلَتْ، كَانَ بِي أَذًى مِنْ رَأْسِي، فَحُمِلْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ: " مَا كُنْت أَرَى أَنَّ الْجَهْدَ بَلَغَ مِنْك مَا أَرَى، أَتَجِدُ شَاةً؟ " فَقُلْت: لَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} قال: " صوم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، نِصْفَ صَاعٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ"، قَالَ: فَنَزَلَتْ فِي خَاصَّةً، وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً، انْتَهَى. فَصْل الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام سُئِلَ عَمَّنْ وَاقَعَ امْرَأَتَهُ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ بِالْحَجِّ، قَالَ: "يُرِيقَانِ دَمًا، وَيَمْضِيَانِ فِي حَجِّهِمَا، وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ"، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنْبَأَ يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ، أَوْ زَيْدُ بْنُ نُعَيْمٍ - شَكَّ أَبُو تَوْبَةَ - أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُذَامٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ، فَسَأَلَ الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "اقْضِيَا نُسُكَكُمَا وَاهْدِيَا هَدْيًا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ بِلَا شَكٍّ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ زَيْدَ بْنَ نُعَيْمٍ مَجْهُولٌ، وَيَزِيدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ ثِقَةٌ، وَقَدْ شَكَّ أَبُو تَوْبَةَ، وَلَا يُعْلَمُ عَمَّنْ هُوَ مِنْهُمَا، وَلَا عَمَّنْ حَدَّثَهُمْ بِهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، فَهُوَ لَا يَصِحُّ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُذَامٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ، فَسَأَلَ الرَّجُلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمَا: " أَتِمَّا حَجَّكُمَا، ثُمَّ ارْجِعَا وَعَلَيْكُمَا حَجَّةٌ أُخْرَى، فَإِذَا كُنْتُمَا بِالْمَكَانِ الَّذِي أَصَبْتُمَا فِيهِ مَا أَصَبْتُمَا، فَأَحْرِمَا وَتَفَرَّقَا، وَلَا يَرَى وَاحِدٌ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ، ثُمَّ أَتِمَّا نُسُكَكُمَا"
وَأَهْدِيَا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَفِي هَذَا: أَنَّهُ أَمَرَهُمَا بِالتَّفَرُّقِ فِي الْعَوْدَةِ لَا فِي الرُّجُوعِ، وَحَدِيثُ الْمَرَاسِيلِ عَلَى الْعَكْسِ مِنْهُ، قَالَ: وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ بِابْنِ لَهِيعَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ 1 حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ثَنَا أَيُّوبُ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا الْأَزْدِيَّ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عمر إن رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْ عُمَانَ، أَقْبَلَا حَاجَّيْنِ، فَقَضَيَا الْمَنَاسِكَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِمَا إلَّا الْإِفَاضَةُ، وَقَعَ عَلَيْهَا، فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ. فَقَالَ: لِيَحُجَّا عَامًا قَابِلًا، انْتَهَى. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَأَلْت الْحَسَنَ عَنْ رَجُلٍ غشى امرأته بعد ما رَمَى الْجَمْرَةَ، وَحَلَقَ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ، قَالَ: عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - يَعْنِي الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ قَبْلَهُ - فَمَنْ جمع قَبْلَ الْوُقُوفِ، قُلْت: رَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 2 أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ، فَقَالُوا: يُنَفِّذَانِ تَوَجُّهَهُمَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا، ثُمَّ عَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، وَالْهَدْيُ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: فَإِذَا أَهَلَّا بِالْحَجِّ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ تَفَرَّقَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا، انْتَهَى. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ 3 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ بُكَيْر عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ بَلَاغٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ فِي مُحْرِمٍ بِحَجَّةٍ أَصَابَ امْرَأَتَهُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ: يَقْضِيَانِ حَجَّهُمَا، وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ مِنْ حَيْثُ كَانَا أَحْرَمَا، وَيَتَفَرَّقَانِ حَتَّى يُتِمَّا حَجَّهُمَا، قَالَ: وَهَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ عَطَاءٍ، وَعُمَرَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: سَأَلْت مُجَاهِدًا عَنْ الْمُحْرِمِ يُوَاقِعُ امْرَأَتَهُ، فَقَالَ: كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَقَالَ: يَقْضِيَانِ حَجَّهُمَا، ثُمَّ يَرْجِعَانِ حَلَالًا، فَإِذَا كَانَ مِنْ قَابِلٍ حَجَّا وَأَهْدَيَا، وَتَفَرَّقَا مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَهُمَا، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 4 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو فَسَأَلَهُ عَنْ مُحْرِمٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ، فَأَشَارَ لَهُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ الرَّجُلُ، قَالَ: فَذَهَبْت معه، فسأله عن المحرم وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ، قَالَ: بَطَلَ حَجُّهُ، قَالَ: فَيَقْعُدُ؟، قَالَ: لَا، بَلْ يَخْرُجُ مَعَ النَّاسِ، فَيَصْنَعُ مَا يَصْنَعُونَ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ قَابِلٌ حَجَّ، وَأَهْدَى، فَرَجَعَا
إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَأَخْبَرَاهُ، فَأَرْسَلَنَا إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ شُعَيْبٌ: فَذَهَبْت مَعَهُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَا، انْتَهَى. وَعَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ سَمَاعِ شُعَيْبٍ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بن عمرو من ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ مَشْهُورُونَ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةٌ، فَإِذَا حَجَّا من قبل تَفَرَّقَا مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَهُمَا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إنِّي وَقَعْت عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا مُحْرِمٌ، فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِحَجِّكُمَا، امْضِيَا لِوَجْهِكُمَا، وَعَلَيْكُمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، فَإِذَا انتهيت إلى مكان الَّذِي وَاقَعْت فِيهِ فَتَفَرَّقَا، ثُمَّ لَا تَجْتَمِعَا حَتَّى تَقْضِيَا حَجَّكُمَا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بن خرشيد أَنَّ رَجُلًا اسْتَفْتَى جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ1، وَالْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ أَهَلَّا بِالْحَجِّ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهَا، فَقَالَا: يُتِمَّانِ حَجَّهُمَا، وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، وَإِنْ كَانَ ذَا مَيْسَرَةٍ أَهْدَى جَزُورًا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: " مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ"، تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ. قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تَجِبُ الْبَدَنَةُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثٍ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ": مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ بِأَهْلِهِ، وَهُوَ بِمِنًى، قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْحَرَ بَدَنَةً، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ قَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ: مَنْ طَافَ طَوَافَ الزيادة جُنُبًا، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رفيق عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ قَضَى الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَزُرْ الْبَيْتَ حَتَّى وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ، قَالَ: عَلَيْهِ بَدَنَةٌ، انْتَهَى. وَرَوَى أَيْضًا: حَدَّثَنَا ابْنُ الْفُضَيْلِ، وَسَلَّامٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، رَجُلٌ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ، بَعِيدُ الشُّقَّةِ، قَلِيلُ ذَاتِ الْيَدِ، قَضَيْت الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَزُرْ الْبَيْتَ حَتَّى وَقَعْت عَلَى امْرَأَتِي، فَقَالَ: بَدَنَةٌ، وَحَجٌّ مِنْ قَابِلٍ، انْتَهَى.
فَصْلٌ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: " الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ فِيهِ الْمَنْطِقَ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي "بَابِ الْإِحْرَامِ"، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ هُنَا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ، وَأَحْمَدُ مَعَ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِحَدِيثَيْنِ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" كِلَاهُمَا عَنْ عَائِشَةَ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا حَاضَتْ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ عليه السلام: "اقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي"، الثَّانِي: أَنَّ صَفِيَّةَ حَاضَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَكُنْت أَفَضْت يَوْمَ النَّحْرِ - يَعْنِي الطَّوَافَ -؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَانْفِرِي إذًا"، قَالَ: فَمَنَعَ مِنْ الطَّوَافِ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ، قَالَ: فَإِنْ قَالَ الْخَصْمُ: إنَّمَا مَنَعَ لِأَجْلِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، قُلْنَا: الْمَنْقُولُ حُكْمٌ، وَسَبَبٌ، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِالسَّبَبِ، فَلَمَّا تَعَرَّضَ لِلطَّوَافِ لَا لِلْمَسْجِدِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْحُكْمِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: سَأَلْت حَمَّادًا، أَوْ مَنْصُورًا عَنْ الرَّجُلِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا، قَالَ: وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ ابْنِ بِشْرٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: حَاضَتْ امْرَأَةٌ، وَهِيَ تَطُوفُ مَعَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَتَمَّتْ بِهَا عَائِشَةُ سُنَّةَ طَوَافِهَا. قَوْلُهُ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِيمَنْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا أَنَّ عَلَيْهِ بَدَنَةً، قُلْت: غَرِيبٌ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "فَادْفَعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ - يَعْنِي فِي الْإِفَاضَةِ - مِنْ عَرَفَاتٍ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، فَلَمْ يَزَلْ عليه السلام وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ عليه السلام أَفَاضَ منها حين غربت الشمس، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ، قَالَ: كُنْت رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا وَقَعَتْ الشَّمْسُ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": إسْنَادُهُ حَسَنٌ، تقدم أَيْضًا عِنْدَ الْحَاكِمِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ كَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ مِثْلَ عَمَائِمِ الرِّجَالِ، وَإِنَّا نَدْفَعُ بَعْدَ أَنْ تَغِيبَ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ لَا يُفِيضُونَ مِنْ عَرَفَاتٍ حَتَّى تُعَمَّمَ الشَّمْسُ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَفِيضُ حَتَّى تَغِيبَ، مُخْتَصَرٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الرُّكَيْنِ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ لِابْنِ الزُّبَيْرِ: إذَا سَقَطَتْ الشَّمْسُ فَأَفِضْ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَنْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ، قُلْت: هَكَذَا هُوَ فِي غَالِبِ النُّسَخِ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَصَحُّ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا سَلَّامٍ بْنُ مُطِيعٍ أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا مِنْ حَجِّهِ، أَوْ أَخَّرَهُ، فَلْيُهْرِقْ لِذَلِكَ دَمًا، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ، نَحْوَ ذَلِكَ، وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ"1 حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ عن إبراهيم بن المهاجر بِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا ثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ ثَنَا الْخَصِيبُ ثَنَا وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَحَدُ مَنْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، أَنَّهُ مَا سُئِلَ يَوْمئِذٍ عَنْ شَيْءٍ، قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ إلَّا قَالَ: لَا حَرَجَ، فَلَمْ يَكُنْ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ فِي تَقْدِيمِ مَا قَدَّمُوا، وَلَا تَأْخِيرِ مَا أَخَّرُوا، مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهِ الدَّمَ، وَلَكِنْ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّ الَّذِي فَعَلُوهُ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ عليه السلام كَانَ عَلَى الْجَهْلِ بِالْحُكْمِ فِيهِ، كَيْفَ هُوَ، فَعَذَرَهُمْ لِجَهْلِهِمْ، وَأَمَرَهُمْ فِي الْمُسْتَأْنَفِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا مَنَاسِكَهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَ تَقْدِيمَ الْحَلْقِ عَلَى الذَّبْحِ وَالرَّمْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام سُئِلَ عَنْ الذَّبْحِ وَالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، فَقَالَ: لَا حَرَجَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" أَيْضًا 2 عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا عَلَى رَاحِلَتِهِ بِمِنًى، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت أَرَى أَنَّ الذَّبْحَ قَبْلَ الرَّمْيِ، فَذَبَحْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: " ارْمِ وَلَا حَرَجَ"، قَالَ: فَمَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ قَدَّمَهُ رَجُلٌ قَبْلَ شَيْءٍ، إلَّا قَالَ: "افْعَلْ وَلَا حَرَجَ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَحَلَقُوا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ عليه السلام زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشَرَةَ مِائَةً مِنْ الصَّحَابَةِ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ، وَأَشْعَرَ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، قَالَ: وَسَارَ النَّبِيُّ عليه السلام حَتَّى إذَا كَانَ
بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا، بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، إلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: اُكْتُبْ: هَذَا مَا قَضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَقَصَّ الْخَبَرَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيك مِنَّا رَجُلٌ، - وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِك - إلَّا رَدَدْته إلَيْنَا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ، قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام لِأَصْحَابِهِ: "قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا"، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "الْحَجِّ": وَالْحُدَيْبِيَةُ خَارِجُ الْحَرَمِ1، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "الشَّهَادَاتِ" عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْقَابِلَ، وَسَيَأْتِي فِي "باب الإِحصار". إن شاء الله تعالى. فَصْلٌ الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: وَاسْتَثْنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَمْسَ الْفَوَاسِقَ، وَهِيَ: الْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالذِّئْبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْحَيَّةُ، وَالْعَقْرَبُ، قلت: اعلم أن ههنا حَدِيثَيْنِ: حَدِيثًا فِي جَوَازِ قَتْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِلْمُحْرِمِ، وَحَدِيثًا فِي جَوَازِ قَتْلِهَا فِي الْحَرَمِ، فَهُمَا حَدِيثَانِ مُتَغَايِرَانِ، لَا يَقُومُ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ قَتْلِهَا لِلْمُحْرِمِ، جَوَازُ قَتْلِ الْحَلَالِ لَهَا فِي الْحَرَمِ، وَلَا مِنْ جَوَازِ قَتْلِ الْحَلَالِ لَهَا خَارِجَ الْحَرَمِ، جَوَازُ قَتْلِ الْمُحْرِمِ لَهَا، فَثَبَتَ أَنَّهُمَا حُكْمَانِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، وَسَيَأْتِي الْحُكْمُ الْآخَرُ فِي "الْحَدِيثِ الْحَادِي عَشَرَ"، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: خَمْسٌ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ، فَذَكَرَهُمَا، فَدَلَّ عَلَى تَغَايُرِهِمَا، وَإِنَّمَا ذَكَرْت ذَلِكَ، لِأَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ وَهَمَ فِي ذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ بِأَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى الْحُكْمِ الْآخَرِ، بَلْ فِي أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مَنْ بَوَّبَ عَلَى أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ، فَسَاقَ أَحَادِيثَ الْحُكْمِ الْآخَرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَاقَ أَحَادِيثَ الْحُكْمَيْنِ، وَالْبَابُ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ غير مرضي لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ: الْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "بَدْءِ الْخَلْقِ - وَفِي الْحَجِّ"، وَمُسْلِمٌ فِي "الْحَجِّ"، وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: حَدَّثَتْنِي إحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ عليه السلام عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْكَلْبَ العقور، والفأرة، والعقرب، والحديا، وَالْغُرَابَ"، زَادَ فِيهِ مُسْلِمٌ: وَالْحَيَّةَ، وَزَادَ فِيهِ: قَالَ: وَفِي الصَّلَاةِ أَيْضًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ1، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَمَّا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ، قَالَ: "يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ: الْحَيَّةَ، وَالْعَقْرَبَ، وَالْفُوَيْسِقَةَ، وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ، وَالْحِدَأَةَ، وَالسَّبُعَ الْعَادِيَ، وَيَرْمِي الْغُرَابَ، وَلَا يَقْتُلُهُ"، انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْهُ التِّرْمِذِيُّ غَيْرَ السَّبُعِ الْعَادِي، وَقَالَ فِيهِ: حَسَنٌ، وَقَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَإِنَّمَا لَمْ يُصَحِّحْهُ مِنْ أَجْلِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، انْتَهَى. وَالْغُرَابُ الْمَنْهِيُّ عَنْ قَتْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يُحْمَلُ عَلَى الَّذِي لَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ، وَيُحْمَلُ الْمَأْمُورُ بِقَتْلِهِ عَلَى الْأَبْقَعِ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْكِتَابِ، بِقَوْلِهِ: وَالْمُرَادُ بِهِ الْغُرَابُ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَمْسٌ يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ: الْحَيَّةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ"، انْتَهَى. وَوَرَدَ الْحَدِيثُ غَيْرُ مقيد بالحرم والإِحارم، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ مَرْفُوعًا: "خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهَا فَاسِقٌ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ: الْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ"، انْتَهَى. لَمْ يَقُلْ الْبُخَارِيُّ: كُلُّهَا فَاسِقٌ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهَا"، فَذَكَرَهُنَّ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ": زَادَ جَمَاعَةٌ عَنْ نَافِعٍ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ: سَمِعْت النَّبِيَّ عليه السلام، وَأَمَّا رِوَايَةُ الذِّئْبِ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 4 عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحْرِمَ بِقَتْلِ الذِّئَابِ، وَالْفَأْرَةِ، وَالْحِدَأَةِ، وَالْغُرَابِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَزَادَ فِيهِ، قِيلَ لَهُ: فَالْحَيَّةُ، وَالْغُرَابُ، فَقَالَ: كَانَ يُقَالُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَالْحَجَّاجُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَمْسٌ يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ: الْحَيَّةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْكَلْبُ، وَالذِّئْبُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ أَبِي حَرْمَلَةَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ الْمُسَيِّبِ، فَذَكَرَهُ. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد، وَلَمْ يُعِلَّهُ بِشَيْءٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، مُقْتَصِرًا فِيهِ عَلَى - الذِّئْبِ - وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُمَرَ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الذِّئْبَ، وَكُلَّ عَدُوٍّ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ، انْتَهَى. قَالَ السَّرَقُسْطِيُّ فِي "غَرِيبِهِ": الْكَلْبُ الْعَقُورُ اسْمٌ لِكُلِّ عَاقِرٍ، حَتَّى اللِّصَّ الْمُقَاتِلَ، وَعَلَى هَذَا فَيَسْتَقِيمُ قِيَاسُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْخَمْسَةِ، مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا، وَلَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا عَدَمُ إفْرَادِهِ بِالذِّكْرِ، فَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، تَأْكِيدًا لِلْخَاصِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} : قُلْنَا: قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مُؤَخَّرُ الذِّكْرِ مُتَوَسِّطًا، هَكَذَا فِي "الصَّحِيحِ" وَغَيْرِهِ، وَأَيْضًا فَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد ذِكْرُ الْكَلْبِ مِنْ غَيْرِ وَصْفِهِ بِالْعَقُورِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَيَوَانُ الْخَاصُّ، لَا كُلُّ عَاقِرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ السَّرَقُسْطِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: الْكَلْبُ الْعَقُورُ الْأَسَدُ، وَسَنَدُهُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ سِيلَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ، هَلْ أَشَرْتُمْ، هَلْ دَلَلْتُمْ، تَقَدَّمَ فِي "الْإِحْرَامِ". قَوْلُهُ: وَقَالَ عَطَاءٌ: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ عَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءَ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَعَطَاءٌ هَذَا كَأَنَّ ابْنَ أَبِي رَبَاحٍ صَرَّحَ بِهِ فِي "الْمَبْسُوطِ" وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي "الْمُغْنِي" عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُمْ خِلَافُهُ، فَكَانَ إجْمَاعًا، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَالصَّحَابَةُ أَوْجَبُوا النَّظِيرَ مِنْ حيث الخلقة، قُلْت: رَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ 1 أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ، وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ، وَفِي الْأَرْنَبِ بِعِنَاقٍ، وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ، انْتَهَى. وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ". أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، ومن جِهَتِهِ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيًّا، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَمُعَاوِيَةَ رضي الله عنهم قَالُوا فِي النَّعَامَةِ يَقْتُلُهَا الْمُحْرِمُ: بَدَنَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا نَقُولُ: إنَّ فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ
بِالْقِيَاسِ لَا بِهَذَا الْأَثَرِ، فَإِنَّ هَذَا الْأَثَرَ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:1 وَسَبَبُ عَدَمِ ثُبُوتِهِ أَنَّ فِيهِ ضَعْفًا وَانْقِطَاعًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ، قَالَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، فَلَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، وَلَا عُثْمَانَ، وَلَا عَلِيًّا، وَلَا زَيْدًا، وَكَانَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ صَبِيًّا، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ احْتِمَالِهِ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ مَعَ انْقِطَاعِ حَدِيثِهِ هَذَا مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ بِهِ. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَى الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"2، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قضى في اليربوع بحفرة، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" 3 أَخْبَرَنَا إسْرَائِيلُ، أَوْ غَيْرُهُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: فِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ، بَقَرَةٌ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا هُشَيْمِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ مُحْرِمًا أَصَابَ ظَبْيًا بِذَبْحِ شَاةٍ عَفْرَاءَ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَى إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي "كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فِي الْيَرْبُوعِ حَمَلٌ، انْتَهَى. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّ الْحَمَلَ وَلَدُ الضَّأْنِ الذَّكَرِ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ" أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلَ عَنْ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: خَرَجْنَا مُهِلِّينَ فَوَجَدْنَا أَعْرَابِيًّا مَعَهُ ظَبْيٌ، فَابْتَعْته مِنْهُ، فَذَبَحْته، وَأَنَا نَاسٍ لِإِهْلَالِي، فَأَتَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: ائْتِ بَعْضَ إخْوَانِك فَلْيَحْكُمُوا عَلَيْك، فَأَتَيْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَسَعِيدَ بْنَ مَالِكٍ، فَحَكَمَا عَلَيَّ تَيْسًا أَعْفَرَ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 4 أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُرَيْرٍ الْبَصْرِيِّ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ: إنِّي أَصَبْت ظَبْيًا، وَأَنَا مُحْرِمٌ، فَمَا تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ إلَى جَنْبِهِ: تعال حَتَّى أَحْكُمَ أَنَا وَأَنْتَ، قَالَ: فَحَكَمَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ، فَوَلَّى الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْكُمَ فِي ظَبْيٍ، حَتَّى دَعَا رَجُلًا، فَحَكَمَ مَعَهُ! فَلَمَّا سَمِعَهُ عُمَرُ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ تَقْرَأُ "سُورَةَ الْمَائِدَةِ"؟ قَالَ: لَا، قَالَ: لَوْ أخبرتني أنك تقرأها لَأَوْجَعْتُك ضَرْبًا، إنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} ، فَأَنَا عُمَرُ، وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ 1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فِي حَمَامَةِ الْحَرَمِ شَاةٌ، وَفِي بَيْضَتَيْنِ دِرْهَمٌ، وَفِي النَّعَامَةِ جزور، وفي البقرة بقرة، وَفِي الْحِمَارِ بَقَرَةٌ. أَثَرٌ آخَرُ مَرْفُوعٌ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، وَسَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام قَالَ: "فِي الضَّبُعِ إذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ كَبْشٌ، وَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ، وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ، وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: "الضَّبُعُ صَيْدٌ، وَفِيهِ شَاةٌ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ 3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الضَّبُعِ أَصَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ: " نَعَمْ، وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ"، انْتَهَى. بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَلَيْسَ عِنْدَ الْبَاقِينَ: وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْأَطْعِمَةِ"، وَالْبَاقُونَ فِي "الْحَجِّ"، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا"4، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ فِيهِ: كَبْشٌ مُسِنٌّ، وَضَعَّفَ عَبْدُ الْحَقِّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَإِنَّمَا ضَعَّفَهَا لِأَنَّ فِي السَّنَدِ إسْحَاقُ بْنُ إسْرَائِيلَ شَيْخُ شَيْخِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَدْ تَرَكَ حَدِيثَهُ جَمَاعَةٌ، وَرَفَضُوهُ
بِرَأْيٍ كَانَ فِيهِ، انْتَهَى. رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ إسْحَاقُ بْنُ إسْرَائِيلَ، أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ ثَنَا حَسَّانُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ الصَّائِغُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الضَّبُعُ صَيْدٌ، فَإِذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ فَفِيهِ كَبْشٌ مُسِنٌّ، وَيُؤْكَلُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْزَى هَذَا الْحَدِيثُ هُنَا إلَّا لِأَبِي دَاوُد فَقَطْ، وَيُعْزَى لِلْبَاقِينَ فِي "كِتَابِ الذَّبَائِحِ" فَإِنَّ فِي أَلْفَاظِهِمْ: قُلْت: آكُلُهَا؟ قَالَ: " نَعَمْ"، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَتَفَرَّدَ أَبُو دَاوُد بِذِكْرِ الْكَبْشِ، هَذَا تَحْرِيرُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ. قَوْلُهُ: وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - يَعْنِي أَنَّ فِي بَيْضِ النَّعَامِ قِيمَتَهُ، قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَغَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"1 حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ أَنَّ رَجُلًا أَوْطَأَ بَعِيرَهُ بَيْضَ النَّعَامِ، فَسَأَلَ عَلِيًّا، فَقَالَ: عَلَيْك لِكُلِّ بَيْضَةٍ ضِرَابُ نَاقَةٍ، أَوْ جَنِينُ نَاقَةٍ، فَانْطَلَقَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ: "قَدْ قَالَ مَا سَمِعْت، وَعَلَيْك فِي كُلِّ بَيْضَةٍ صِيَامُ يَوْمٍ، أَوْ إطْعَامُ مِسْكِينٍ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فِي بَيْضِ النَّعَامِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ ثَمَنُهُ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" 2 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فِي كُلِّ بَيْضَتَيْنِ دِرْهَمٌ، وَفِي كُلِّ بَيْضَةٍ نِصْفُ دِرْهَمٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ البيهقي، قال: وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا"، قَالَ الْأَوَّلُ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: فِي بَيْضِ النَّعَامِ قِيمَتُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الثَّانِي 3: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ خَصِيفٍ بِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: عَنْ عُمَرَ، رَوَيَاهُ أَيْضًا، فَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: ثَنَا وَكِيعٌ، وَابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ: فِي بَيْضِ النَّعَامِ قِيمَتُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعٌ، وَكَذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَحْوَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَطَاوُسٍ.
أَحَادِيثُ فِي الْبَابِ مَرْفُوعَةٌ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" 1 حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي بَيْضِ النَّعَامِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ ثَمَنَهُ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى بِهِ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ"، فَقَالَ: فِيهِ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عباس، وهو ضعبف، قَالَ: وَالرَّاوِي عَنْهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ، وَهُوَ كَذَّابٌ، بَلْ قِيلَ فِيهِ مَا هُوَ شَرٌّ مِنْ الْكَذِبِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فِي بَيْضِ النَّعَامِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ ثَمَنُهُ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: أَبُو الْمُهَزِّمِ ضَعِيفٌ، وَالرَّاوِي عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ غُرَابٍ، وَقَدْ عَنْعَنَ، وَهُوَ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ، انْتَهَى. وَفِي "التنقيح": وأبو الْمُهَزِّمِ اسْمُهُ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": كَانَ يخطئ كثيراً، واتهم، فلم كَثُرَ فِي رِوَايَتِهِ مُخَالَفَةُ الْأَثْبَاتِ تُرِكَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "خَمْسٌ مِنْ الْفَوَاسِقِ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ"، قُلْت: لَمْ يَذْكُرْهُ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، وَأَحَالَ عَلَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا، أَعْنِي حَدِيثَ جَوَازِ قَتْلِهَا لِلْمُحْرِمِ، وَهَذَا خَطَأٌ، كَمَا بَيَّنَّاهُ، بَلْ هَذَا حَدِيثٌ آخَرُ، وَهُوَ جَوَازُ قَتْلِهَا فِي الْحَرَمِ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ"، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "الْحَيَّةُ"، عِوَضُ: الْعَقْرَبِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: "خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَوَاسِقُ"، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ 3: "أَرْبَعٌ كُلُّهُنَّ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحِدَأَةُ، وَالْغُرَابُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "خَمْسٌ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ، وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحُدَيَّا"، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الذِّئْبَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، قُلْت: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" 4 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ الْقَعْقَاعِ
بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، بِنَحْوِ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ - يَعْنِي أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ: "خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْعَقْرَبُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْغُرَابُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ" - إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: "وَالْحَيَّةُ، وَالذِّئْبُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ"، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ، قُلْت: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 1 أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عُمَرَ عَنْ جَرَادَةٍ قَتَلَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ عُمَرُ لِكَعْبٍ: تَعَالَ حَتَّى نَحْكُمَ، فَقَالَ كَعْبٌ: دِرْهَمٌ، فَقَالَ عُمَرُ لِكَعْبٍ: إنَّك لَتَجِدُ الدَّرَاهِمَ، لَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ يَزِيدَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ مَرَّتْ بِهِ جَرَادَةٌ فَضَرَبَهَا بِسَوْطِهِ، ثُمَّ أَخَذَهَا فَشَوَاهَا، فَقَالَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: هَذَا خَطَأٌ، وَأَنَا أَحْكُمُ عَلَى نَفْسِي فِي هَذَا دِرْهَمًا، فَأَتَى عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرَ: إنَّكُمْ يَا أَهْلَ حِمْصَ أَكْثَرُ شَيْءٍ دَرَاهِمَ، تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ أَنَّ كَعْبًا سَأَلَ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ الْجَرَادِ يَقْتُلُهُ الْمُحْرِمُ، فَقَالَ: تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ. الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: " الضَّبُعُ صَيْدٌ، وَفِيهِ الشَّاةُ"، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَتَلَ سَبُعًا، وَأَهْدَى كَبْشًا، وَقَالَ: إنَّا ابْتَدَأْنَاهُ2، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا. الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ الْمُحْرِمُ لَحْمَ صَيْدٍ مَا لَمْ يصده أو يصاد 3 لَهُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ4 عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ، وَأَنْتُمْ حُرُمٌ، مَا لَمْ تَصِيدُوهُ، أَوْ يصاد لَكُمْ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ لَا نَعْرِفُ لَهُ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ:
هَذَا أَحْسَنُ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "كِتَابِ الْأُضْحِيَّةِ" 1: وَالْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ يُقَالُ: إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَابِرٍ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيّ: عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَى عنه مالك، انتهى. رواه ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، قَالَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ3، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مُتَّصِلًا مُسْنَدًا، ثُمَّ أَخْرَجَ أَحَادِيثَهُمْ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَهَذَا لَا يُعَلِّلُ حَدِيثَ مَالِكٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، وَيَعْقُوبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الإسكندراني. فَإِنَّهُمْ وَصَلُوهُ وَهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْ جِهَةِ الشَّافِعِيِّ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "مُسْنَدِهِ" بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ مُتَّصِلًا عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَابْنُ يَحْيَى أَحْفَظُ مِنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ، وَلَكِنْ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ، وَأَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي "صَحِيحَيْهِمَا"، وَالْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ ثِقَةٌ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَابِرٍ فِيمَا قِيلَ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "الْمَرَاسِيلِ": سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَامَّةٌ أَحَادِيثُهُ مَرَاسِيلُ، لَمْ يُدْرِكْ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَّا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، وَأَنَسًا، وَسَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ، أَوْ مَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُمْ، لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَابِرٍ، وَقَالَ فِي "كِتَابِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ": قَالَ أَبِي: وَجَابِرٌ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَدْرَكَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَجَابَ صَاحِبُ الْكِتَابِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ: بِأَنَّ مَعْنَاهُ: أَوْ يُصَادَ لَكُمْ بِأَمْرِكُمْ، وَكَذَلِكَ قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ، قَالَ: قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: هَلْ أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ بِذَلِكَ فَقَطْ، وَلَمْ يَقُلْ: هَلْ صِيدَ لِأَجْلِكُمْ؟. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" 4 عَنْ يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام نَحْوَهُ، سَوَاءٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِيُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ هَذَا، وَضَعَّفَهُ عَنْ
الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَأَغْلَظَ فِيهِ الْقَوْلَ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْد حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، بِهِ سَوَاءً. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ عُثْمَانَ بْنِ خَالِدٍ الْعُثْمَانِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصَّيْدُ يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ مَا لَمْ يَصِدْهُ، أَوْ يُصَدْ لَهُ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَ عُثْمَانُ هَذَا عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا عَنْ مَالِكٍ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَكُلُّ أَحَادِيثِ عُثْمَانَ هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: مِنْهَا حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ، أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ1 - إلَّا أَبَا دَاوُد - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ، أَنَّهُ أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ عليه السلام حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ، أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عليه السلام، قَالَ: فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِي وَجْهِهِ، قَالَ: " إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْك إلَّا أَنَّا حُرُمٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَجْهُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَنَا أَنَّهُ إنَّمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ لِمَا ظَنَّ أَنَّهُ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ، أَوْ تَرَكَهُ عَلَى التَّنَزُّهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ 2 عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: يَا زَيْدُ، هَلْ عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهْدِيَ إلَيْهِ عُضْوُ صَيْدٍ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ، وَقَالَ: إنَّا حُرُمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 3 عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ نَوْفَلٍ - وَكَانَ خَلِيفَةَ عُثْمَانَ عَلَى الطَّائِفِ - صَنَعَ لِعُثْمَانَ طَعَامًا فِيهِ مِنْ الْحَجَلِ، وَالْيَعَاقِيبِ، وَلَحْمِ الْوَحْشِ، فَبَعَثَ إلَى عَلِيٍّ، فَجَاءَهُ الرَّسُولُ، وَهُوَ يَخْبِطُ لا باعر لَهُ، فَجَاءَ، وَهُوَ يَنْفُضُ الْخَبْطَ عَنْ يَدَيْهِ، فَقَالُوا لَهُ: كُلْ، فَقَالَ: أَطْعِمُوهُ قَوْمًا حَلَالًا، فَإِنَّا حُرُمٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنْشُدُ مَنْ كان ههنا مِنْ أَشْجَعَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى إلَيْهِ رَجُلٌ حِمَارَ وَحْشٍ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ"4، لَمْ يَقُلْ: أَنْشُدُ مَنْ كان ههنا، إلَى آخِرِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: فَقَالَ عَلِيٌّ: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ
مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَقَدْ خَالَفَ عَلِيًّا فِي ذَلِكَ عُمَرُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةُ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ: ثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ اسْتَفْتَاهُ فِي لَحْمِ الصَّيْدِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهِ، قَالَ: فَلَقِيت عُمَرَ، فَأَخْبَرْته بِمَسْأَلَةِ الرَّجُلِ، فَقَالَ: بِمَا أَفْتَيْته؟ قُلْت: بِأَكْلِهِ، فَقَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَفْتَيْته بِغَيْرِ ذَلِكَ لَعَلَوْتُك بِالدِّرَّةِ، إنَّمَا نُهِيت أَنْ تَصْطَادَهُ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِمَاسٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فِي لَحْمِ الصَّيْدِ يَصِيدُهُ الْحَلَالُ، ثُمَّ يُهْدِيهِ لِلْمُحْرِمِ: مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، قَالَ: وَأَمَّا مَعْنَى الْآيَةِ، فَمَعْنَاهُ: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ قَتْلُ صَيْدِ الْبَرِّ، بِدَلِيلِ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} الآية، ولم يقل: لاتأكلوا، قَالَ: وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَيْضًا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ الصَّيْدَ يُحَرِّمُهُ الْإِحْرَامُ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَيُحَرِّمُهُ الْحَرَمُ عَلَى الْحَلَالِ، وَكَأَنَّ مَنْ صَادَ صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَذَبَحَهُ فِي الْحِلِّ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ في الحرام، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي أَكْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ الْحَرَمُ لَا يَمْنَعُ مِنْ لَحْمِ الصَّيْدِ الَّذِي صِيدَ فِي الْحِلِّ، كَمَا يَمْنَعُهُ مِنْ الصَّيْدِ الْحَيِّ، كَانَ النَّاظِرُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ الْإِحْرَامُ أَيْضًا، يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ الصَّيْدُ الْحَيُّ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ لَحْمُهُ، إذَا تَوَلَّى الْحَلَالُ ذَبْحَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ1، وَالشَّافِعِيُّ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي إبَاحَةِ أَكْلِ الْمُحْرِمِ مَا صِيدَ لِأَجْلِهِ، وَأَحْمَدُ مَعَ مَالِكٍ فِي تَحْرِيمِهِ، وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِأَحْمَدَ بِحَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ، وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ، وَبِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَمِنْ جِهَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَانُوا تَذَاكَرُوا لَحْمَ الصَّيْدِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ، فَقَالَ عليه السلام: " لَا بَأْسَ بِهِ"، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ"، أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: تَذَاكَرْنَا لَحْمَ الصَّيْدِ يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ، وَالنَّبِيُّ عليه السلام نَائِمٌ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ عليه السلام، فقال: "فيما تَتَنَازَعُونَ؟ " فَقُلْنَا: فِي لَحْمِ الصَّيْدِ يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ، فَأَمَرَنَا بأكله، انتهى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": رَوَى الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خُسْرو الْبَلْخِيّ فِي "مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ" عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، قَالَ: كُنَّا نَحْمِلُ الصَّيْدَ صَفِيفًا، وَكُنَّا نَتَزَوَّدُهُ، وَنَأْكُلُهُ، وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الْعَوَّامِ فِي "كِتَابِ فَضَائِلِ أَبِي حَنِيفَةَ"، وَاخْتَصَرَهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"2،
فَقَالَ: مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ كَانَ يَتَزَوَّدُ صَفِيفَ الظِّبَاءِ فِي الْإِحْرَامِ، انْتَهَى. قَالَ فِي "الصِّحَاحِ": الصَّفِيفُ مَا يُصَفُّ من اللحم على الجمر لينشوي. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" 1 عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَنَحْنُ حُرُمٌ، فَأُهْدِيَ إلَيْهِ طَيْرٌ، وَطَلْحَةُ رَاقِدٌ، فَمِنَّا مَنْ أَكَلَ، وَمِنَّا مَنْ تَوَرَّعَ، فَلَمَّا انْتَبَهَ أُخْبِرَ، فَوَافَقَ مَنْ أَكَلَهُ، وَقَالَ: أَكَلْنَاهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَقَالَ فِيهِ: عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَلَسْت أُنْكِرُ سَمَاعَ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ، فَمَرَّةٌ رَوَاهُ عَنْهُ، وَمَرَّةٌ رَوَاهُ عَنْ مُعَاذٍ عَنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا جَوَّدَ إسْنَادَهُ وَوَصَلَهُ، إلَّا ابْنَ جُرَيْجٍ، وَلَا نَعْلَمُهُ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْأَصْحَابِ أَيْضًا: حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي "صَحِيحَيْهِمَا"2، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا، وَخَرَجْنَا مَعَهُ، قَالَ: فَانْصَرَفَ مِنْ أَصْحَابِهِ جَمَاعَةٌ، فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ، فَقَالَ: خُذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ، حَتَّى تَلْقَوْنِي، قَالَ: فَأَخَذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ، إلَّا أَبُو قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ، إذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ، فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا، فَنَزَلْنَا، فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا، فَقُلْنَا: نَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ؟ فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا، فَقَالَ: " هَلْ مَعَكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ"، أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: " فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا"، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: 3 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَ: فَأَهَلُّوا بِعُمْرَةٍ غَيْرِي، قَالَ: فَاصْطَدْت حِمَارَ وَحْشٍ، فَأَطْعَمْت أَصْحَابِي وَهُمْ مُحْرِمُونَ، ثُمَّ أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْبَأْتُهُ أَنَّ عِنْدَنَا مِنْ لَحْمِهِ، فَقَالَ: " كُلُوهُ"، وَهُمْ مُحْرِمُونَ، انْتَهَى. وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ4، قَالَ: "مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ "، فَقُلْت: نَعَمْ، فَنَاوَلْته الْعَضُدَ، فَأَكَلَهَا حَتَّى تَعَرَّقَهَا، وَهُوَ مُحْرِمٌ، ذَكَرَهُ فِي "الْأَطْعِمَةِ - فِي الْهِبَةِ" قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: فَقَالَ:
"هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ؟ " قَالُوا: مَعَنَا رِجْلُهُ، قَالُوا: فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"1 أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابِي، وَلَمْ أُحْرِمْ أَنَا، فَرَأَيْت حِمَارَ وَحْشٍ، فَحَمَلْت عَلَيْهِ، فَاصْطَدْته، فَذَكَرْت شَأْنَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرْت لَهُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَحْرَمْت، وَأَنِّي إنَّمَا اصْطَدْته لَك، فَأَمَرَ النَّبِيُّ عليه السلام أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا، وَلَمْ يَأْكُلْ، حِينَ أَخْبَرْته أَنِّي اصْطَدْته لَهُ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"2، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ: قَوْلُهُ: اصْطَدْته لَك، وَقَوْلُهُ: لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ مَعْمَرٍ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ مَعْمَرٌ غَلَطٌ، فَإِنَّ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَكَلَ مِنْهُ، وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ3: قُلْت: هَذِهِ الْعَضُدُ قَدْ شَوَيْتهَا وَأَنْضَجْتهَا، فَأَخَذَهَا فَنَهَشَهَا عليه السلام، وَهُوَ حَرَامٌ، حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" 4 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَلَمَةَ الضَّمْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ أَفْنَاءِ الرَّوْحَاءِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ إذَا حِمَارٌ مَعْقُورٌ فِيهِ سَهْمٌ قَدْ مَاتَ، فَقَالَ عليه السلام: "دَعُوهُ، فَيُوشِكُ صَاحِبُهُ أَنْ يَأْتِيَهُ"، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَهْزٍ، هُوَ الَّذِي عَقَرَ الْحِمَارَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هِيَ رَمْيَتِي، فَشَأْنُكُمْ بِهِ، فَأَمَرَ عليه السلام أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَقْسِمَهُ بَيْنَ الرِّفَاقِ، وَهُمْ مُحْرِمُونَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ
الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" 1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مَكَّةَ قَامَ النَّبِيُّ عليه السلام فِيهِمْ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وأنها أحلت سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ بَقِيَتْ حَرَامًا 2 إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا، إلَّا لِمُنْشِدٍ"، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إلَّا الْإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فَقَالَ عليه السلام: "إلَّا الْإِذْخِرَ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ فَتَحَ مَكَّةَ: "إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ، إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا"، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إلَّا الْإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ، وَلِبُيُوتِهِمْ، فقال: "إلا الْإِذْخِرَ"، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رَوَى الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم كَانُوا يُحْرِمُونَ، وَفِي بُيُوتِهِمْ صُيُودٌ، وَدَوَاجِنُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ إرْسَالُهَا، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، هُوَ قَالَ: كُنَّا نَحُجُّ، وَنَتْرُكُ عِنْدَ أَهْلِنَا أَشْيَاءَ مِنْ الصَّيْدِ، مَا نُرْسِلُهَا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عَلِيًّا رَأَى مَعَ أَصْحَابِهِ دَاجِنًا مِنْ الصَّيْدِ، وَهُمْ مُحْرِمُونَ، فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِرْسَالِهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: حَدِيثُ: "لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا". الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: اسْتَثْنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِذْخِرَ، تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا الْبَابِ بَابَيْنِ، لَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ: "بَابُ مُجَاوَزَةِ الْوَقْتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ"، و"بَابُ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ" وَبَعْدَهُمَا "باب الإِحصار"، نذكره.
باب الإحصار
بَابُ الْإِحْصَارِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام حَلَقَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَ مُحْصَرًا بِهَا، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ، قُلْت: تَقَدَّمَ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "الشَّهَادَاتِ"1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْقَابِلَ، وَلَا يَحْمِلَ سِلَاحًا، وَلَا يُقِيمَ فِيهَا إلَّا مَا أَحَبُّوا، فَاعْتَمَرَ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ، فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ، فَلَمَّا أَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا، أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ، فَخَرَجَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْهُ2، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ النَّبِيُّ عليه السلام هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ3 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُحْصِرَ النَّبِيُّ عليه السلام، فَحَلَقَ، وَجَامَعَ نِسَاءَهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلًا، وَحَلَقَ أَصْحَابُهُ، تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ4، وَمَرْوَانَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لِأَصْحَابِهِ: قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا، إلَى أَنْ قَالَ: فَخَرَجَ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بَدَنَةً، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا، الْحَدِيثَ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" 5 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ تَمَّامٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْر حَدَّثَنِي مَيْمُونُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْر عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْت نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَمَّا حَبَسَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةٍ عَنْ الْبَيْتِ، نَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، ثُمَّ رَجَعُوا حَتَّى اعْتَمَرُوا الْعَامَ الْقَابِلَ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُحْصَرَ بِالْحَجِّ إذَا تَحَلَّلَ، فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ، قُلْت: ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ لَا غَيْرُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام، وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانُوا عُمَّارًا، قُلْت: تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" أَيْضًا عَلَى مَالِكٍ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ فِي الْفِتْنَةِ مُعْتَمِرًا، فَقَالَ: إنْ صُدِدْت عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، انْتَهَى. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ"1 حَدَّثَنَا فَهْدٌ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ شَدَّادٍ الْعَبْدِيُّ صَاحِبُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: لُدِغَ صَاحِبٌ لَنَا، وَهُوَ مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ، فَذَكَرْنَاهُ لِابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: يَبْعَثُ بِهَدْيٍ، وَيُوَاعِدُ أَصْحَابَهُ مَوْعِدًا، فَإِذَا نُحِرَ عَنْهُ حَلَّ، انْتَهَى. وَبِهِ إلَى جَرِيرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ثُمَّ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ، انْتَهَى.
باب الفوات
بَابُ الْفَوَاتِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: " مَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ بِلَيْلٍ، فَقَدْ فَاتَهُ الحج، فليحل بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ عَنْ رَحْمَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ ابن لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ، وَنَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَلْيُحِلَّ بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ"، انْتَهَى. وَرَحْمَةُ بْنُ مُصْعَبٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَضَعَّفَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْرَجَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عِيسَى التَّمِيمِيِّ النَّهْشَلِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَاتٍ فَوَقَفَ بِهَا وَالْمُزْدَلِفَةِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَلْيُحِلَّ بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ"، انْتَهَى. وَيَحْيَى بْنُ عِيسَى النَّهْشَلِيُّ، قَالَ النَّسَائِيُّ فِيهِ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": كَانَ مِمَّنْ سَاءَ حِفْظُهُ، وَكَثُرَ وَهْمُهُ، حَتَّى خَالَفَ الْأَثْبَاتَ، فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ ضَعِيفًا، لَيْسَ بِشَيْءٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: الْقَائِلِينَ بِهَدْيِ الْفَوَاتِ، وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" لِمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ فِي وُجُوبِ هَدْيِ الْفَوَاتِ بِثَلَاثَةِ آثَارٍ: أَحَدُهَا: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ1 مِنْ جِهَتِهِ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ النَّحْرِ مِنْ الْحَاجِّ، وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَلْيَأْتِ الْبَيْتَ، فَلْيَطُفْ بِهِ سَبْعًا، وَيَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا والمروة، ثُمَّ لْيَحْلِقْ، أَوْ يُقَصِّرْ إن شاء، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيَنْحَرْ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ، فَلْيَحْلِقْ أَوْ يُقَصِّرْ، ثُمَّ لِيَرْجِع إلَى أَهْلِهِ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فَلْيَحُجَّ إنْ اسْتَطَاعَ، وَلْيُهْدِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، انْتَهَى. الْأَثَرُ الثَّانِي: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ 2 عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ خَرَجَ حَاجًّا حَتَّى إذَا كَانَ بِالْبَادِيَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ، ثُمَّ قَدْ حَلَلْت، فَإِذَا أَدْرَكَك الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، فَاحْجُجْ، وَاهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ، انْتَهَى. الْأَثَرُ الثَّالِثُ: رَوَاهُ مَالِكٌ أَيْضًا أَخْبَرَنَا نَافِعٌ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعِدَّةَ، كُنَّا نَرَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: اذْهَبْ إلَى مَكَّةَ فَطُفْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَك، وَانْحَرُوا هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَكُمْ، ثُمَّ احْلِقُوا، وَاقْصُرُوا، وَارْجِعُوا، فَإِذَا جَاءَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَاهْدُوا، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ: "مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْحَجَّ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَيَجْعَلُهَا عُمْرَةً، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَقَالَ: إنَّهُ مُرْسَلٌ وَضَعِيفٌ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَكْرَهُ الْعُمْرَةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ: - يَعْنِي يَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ - قُلْت: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ3 عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ عَنْ
مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَلَّتْ الْعُمْرَةُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا، إلَّا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمَانِ بَعْدَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: قَالَ الْبَحْرُ - يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ - خَمْسَةُ أَيَّامٍ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، اعْتَمِرْ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا مَا شِئْته، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُهُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "الْعُمْرَةُ فَرِيضَةٌ كَفَرِيضَةِ الْحَجِّ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" 1 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ أَبِي يَحْيَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْكُوفِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَرِيضَتَانِ، لَا يَضُرُّك بِأَيِّهِمَا بَدَأْت"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: الصَّحِيحُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ قَوْلِهِ، انْتَهَى. فِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ ضَعَّفُوهُ، وَلَكِنْ لَهُمْ آخَرُ فِي طَبَقَتِهِ ثِقَةٌ، وَقَالَ فِيهِ الْمَكِّيُّ أَيْضًا، فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ هَذَا قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَرْضَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ: خَرَقْنَا حَدِيثَهُ، قَالَ: وَرَوَاهُ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَوْقُوفًا، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: هَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ زَيْدٍ مَوْقُوفًا، قَالَ: وَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ مَرْفُوعًا، وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: "أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَأَنْ تَحُجَّ وَتَعْتَمِرَ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" لَيْسَ فِيهِمَا: وَتَعْتَمِرُ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِيهَا شُذُوذٌ، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" لِلدَّارَقُطْنِيِّ، وَإِنَّمَا قَالَ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "كِتَابِهِ" الْمُخَرَّجُ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الْجَوْزَقِيُّ الْحَافِظُ فِي "صَحِيحِهِ"، وَهُوَ حَدِيثٌ فِيهِ طُولٌ، ذَكَرَ فِيهِ الْإِيمَانَ، وَالْإِسْلَامَ، وَالْإِحْسَانَ، وَهُوَ حَدِيثُ جِبْرِيلَ عليه السلام، وَفِي آخِرِهِ: وَمَا عَرَفْته حَتَّى وَلَّى، وَلَمْ يَعْزُهُ الشَّيْخُ بِشَيْءٍ، وَعَزَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ" لِلدَّارَقُطْنِيِّ فِي "سُنَنِهِ" كَذَلِكَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، وَلَا الْعُمْرَةَ، وَلَا الظَّعْنَ، قَالَ: "اُحْجُجْ عَنْ أَبِيك، وَاعْتَمِرْ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ:1 حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ"، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ فِي إيجَابِ الْعُمْرَةِ حَدِيثًا أَصَحَّ مِنْ هَذَا، قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْعُمْرَةِ، إذْ الْأَمْرُ فِيهِ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبِيهِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى جَوَازِ فِعْلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَنْهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: سَبَقَهُ إلَى هَذَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ" فَقَالَ: وَفِي دَلَالَتِهِ عَلَى وُجُوبِ الْعُمْرَةِ نَظَرٌ، فَإِنَّهَا صِيغَةُ أَمْرٍ لِلْوَلَدِ، بِأَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبِيهِ وَيَعْتَمِرَ، لَا أَمْرٍ لَهُ بِأَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ عَنْ نَفْسِهِ، وَحَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ عَنْ أَبِيهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ، فَلَا يَكُونُ صِيغَةُ الْأَمْرِ فِيهَا لِلْوُجُوبِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ وَاجِبَتَانِ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَابْنُ لَهِيعَةَ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"3، وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: " عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ، الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ"، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ" رحمه الله: وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" 4 مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ حَبِيبٍ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْعُمْرَةِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا ذِكْرُ الْعُمْرَةِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا فِي "التَّحْقِيقِ" أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 5 عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَفِيهِ أَنَّ الْعُمْرَةَ
الْحَجُّ الْأَصْغَرُ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ"، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد 1 هَذَا قَالَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ: إنَّهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. الْآثَارُ: أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إلَّا عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَاجِبَتَانِ، مَنْ اسْتَطَاعَ إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا، فَمَنْ زَادَ بَعْدَهَا شَيْئًا فَهُوَ خَيْرٌ وَتَطَوُّعٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأُخْبِرْت عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ كَوُجُوبِ الْحَجِّ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا، انْتَهَى. وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، انْتَهَى. وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"، فَقَالَ: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ أَحَدٌ إلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ 2 أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ إلَّا أَهْلَ مَكَّةَ، فَإِنَّ عُمْرَتَهُمْ طَوَافُهُمْ، فَلْيَخْرُجُوا إلَى التَّنْعِيمِ، ثُمَّ لِيَدْخُلُوهَا، فَوَاَللَّهِ ما دخلها رسول الّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُنَاظَرَةِ مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ: الْوُجُوبُ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُ قَرَنَهَا بِالْحَجِّ، فَقِيلَ لَهُ: قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ عليه السلام الْخَثْعَمِيَّةَ أَنْ تَقْضِيَ الْحَجَّ عَنْ أَبِيهَا، وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِقَضَاءِ الْعُمْرَةِ، فَقَالَ: قَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ فِي الْحَدِيثِ، فَيُحْفَظُ بَعْضُ الْحَدِيثِ دُونَ بَعْضٍ، وَقَدْ يُحْفَظُ كُلُّهُ، فَيُؤَدِّي بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ السُّؤَالِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "الْحَجُّ فَرِيضَةٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ"، قُلْت: غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ، وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: الْحَجُّ فَرِيضَةٌ، وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" 3 حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى الْخُشَنِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَمِّهِ إسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وَعُمَرُ بْنُ قَيْسٍ مُتَكَلِّمٌ فِيهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "جَامِعِهِ" عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ؟ قَالَ: "لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرُوا هُوَ أَفْضَلُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا غَيْرُ، قَالَ شَيْخُنَا الْمُنْذِرِيُّ: وَفِي تَصْحِيحِهِ لَهُ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْحَجَّاجَ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي "صَحِيحَيْهِمَا"، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: تَرَكَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَيَحْيَى بْنُ الْقَطَّانِ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، وَضَعَّفَاهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفًا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَفَعَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: وَعُبَيْدُ اللَّهِ هَذَا الَّذِي رَوَاهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْمِصْرِيُّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ غَيْرُهُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، انْتَهَى. وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ضَعِيفٌ، قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي "الْمِيزَانِ": وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدٌ عَنْهُ عَنْ جَابِرٍ. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ أَبِي عِصْمَةَ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَ نُوحٍ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَابْنِ عَدِيٍّ، وَابْنِ مَعِينٍ، قَالَ: وَهَذَا يُعْرَفُ بِالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَلَعَلَّ أَبَا عِصْمَةَ سَرَقَهُ مِنْهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": رَوَى عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ثَنَا جَرِيرٌ، وَأَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: قَالَ ابْنُ حَزْمٍ2: هَذَا كَذِبٌ، مِنْ بَلَايَا عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ الَّتِي تَفَرَّدَ بِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ مُرْسَلٌ، رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَاهَانَ الْحَنَفِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَاهَانُ ضَعِيفٌ، وَأَوْهَمَ ابْنُ قَانِعٍ أَنَّهُ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، انْتَهَى. وَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ: بِأَنَّ عَبْدَ الْبَاقِي بْنَ قَانِعٍ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَبَقِيَّةُ الْإِسْنَادِ ثِقَاتٌ، وَقَوْلُهُ فِي أَبِي صَالِحٍ مَاهَانَ الْحَنَفِيِّ: إنَّهُ ضَعِيفٌ، لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَرَوَى
عَنْهُ جَمَاعَةٌ مَشَاهِيرُ، قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: أَبُو صَالِحٍ مَاهَانُ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ، رَوَى عَنْهُ عَمَّارٌ الذَّهَبِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَأَبُو إسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ إسْحَاقَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الشَّيْخُ: وَرَوَاهُ ابْنُ قَانِعٍ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَحِيرٍ الْعَطَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَمِنْ دُونِ سَالِمٍ ثَلَاثَةٌ مَجَاهِيلُ لَا يُعْرَفُونَ، قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ الْحَارِثِ عَنْ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ: " مَنْ مَشَى إلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَحَجَّةٍ، وَمَنْ مَشَى إلَى صَلَاةِ تَطَوُّعٍ، فَأَجْرُهُ كَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ"، وَأَعَلَّهُ بِضَعْفِ الْقَاسِمِ، قَالَ: وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ حَفْصِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: حَفْصُ بْنُ غَيْلَانَ مَجْهُولٌ، وَمَكْحُولٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ الشَّيْخُ: قَوْلُهُ: حَفْصُ بْنُ غَيْلَانَ 1 مَجْهُولٌ، عَجِيبٌ مِنْهُ، فَإِنَّهُ أَبُو مُعِيدٍ - بِيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ - شَامِيٌّ مَشْهُورٌ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَوَى عَنْهُ الْوَضِينُ بْنُ عَطَاءٍ، وَزَيْدُ بْنُ يَحْيَى، وَعَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَيُرْوَى عَنْ مَكْحُولٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَنَصْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، انْتَهَى: مِنْ "الْإِمَامِ".
باب الحج عن الغير
بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَنْ نَفْسِهِ، وَالْآخَرُ: عَنْ أُمَّتِهِ، مِمَّنْ أَقَرَّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَشَهِدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَلَاغِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ، وَمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بن أسيد العفاري، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. فَحَدِيثُ عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" 2 مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَذَبَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ شهد له بِالتَّوْحِيدِ، وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ، وَذَبَحَ الْآخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ الْأَخِيرِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الطبراني في "معجمه الوسط" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ الْقِتْبَانِيُّ ثَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ، وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ - فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ" عَنْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَقَرَّبَ أَحَدَهُمَا، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ مِنْك، وَلَك، اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ"، ثُمَّ قَرَّبَ الْآخَرَ، فَقَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك، وَلَك، اللَّهُمَّ هَذَا عَمَّنْ وَحَّدَك مِنْ أُمَّتِي"، انْتَهَى. وَقَالَ: مَشْهُورٌ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ 1 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ذَبَحَ النَّبِيُّ عليه السلام يَوْمَ النَّحْرِ كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ: {إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي} الْآيَةَ، " اللَّهُمَّ لَك، وَمِنْك، عَنْ مُحَمَّدٍ، وَأُمَّتِهِ، بِسْمِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ"، ثُمَّ ذَبَحَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، إلَّا أَنِّي لَمْ أَجِدْ فِي مَتْنِ الْحَاكِمِ قَوْلَهُ: أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُسْنَدِهِ" 2 أَتَمَّ مِنْهُمْ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانَ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سلمة أنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَتَى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ عَظِيمَيْنِ أَقْرَنَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَأَضْجَعَ أَحَدَهُمَا، وَقَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ"، ثُمَّ أَضْجَعَ الْآخَرَ، وَقَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَأُمَّتِهِ مِمَّنْ شَهِدَ لَك بِالتَّوْحِيدِ، وَشَهِدَ لِي بِالْبَلَاغِ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا". وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ: فَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ خَصِيَّيْنِ، وَقَالَ: أَحَدُهُمَا عَمَّنْ شَهِدَ لِلَّهِ
بِالتَّوْحِيدِ، وَلَهُ بِالْبَلَاغِ، وَالْآخَرُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَفَانَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَالْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا" 1 وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَجِّ" عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا ضَحَّى اشْتَرَى كَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، فَإِذَا صَلَّى وَخَطَبَ النَّاسَ أَتَى بِأَحَدِهِمَا، وَهُوَ قَائِمٌ فِي مُصَلَّاهُ، فَذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ، وَيَقُولُ: " عَنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ"، فَيُطْعِمُهُمَا جَمِيعًا الْمَسَاكِينَ، وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ، فَمَكَثْنَا سِنِينَ لَيْسَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يُضَحِّي، قَدْ كَفَاهُ اللَّهُ الْمُؤْنَةَ وَالْغُرْمَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، لَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، فَقَالَ: زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ لَهُ مَنَاكِيرُ، وَابْنُ عَقِيلٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنَ أَسِيدٍ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي الْفَضَائِلِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَرِّبُ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَيَذْبَحُ أَحَدَهُمَا، وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ"، وَيُقَرِّبُ الْآخَرَ، فَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ أُمَّتِي ممن شَهِدَ لَك بِالتَّوْحِيدِ وَلِي بِالْبَلَاغِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُسْنَدِهِ" 2 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَاسْمُهُ: زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَقَالَ عِنْدَ الْأَوَّلِ: "عَنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ"، وَقَالَ عِنْدَ الثَّانِي: "عَمَّنْ آمَنَ بِي وَصَدَّقَنِي مِنْ أُمَّتِي"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُسْنَدِهِ" أَيْضًا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، قَرَّبَ أَحَدَهُمَا، فَقَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك، هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ"، ثُمَّ قَرَّبَ الْآخَرَ فَقَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك، هَذَا عَمَّنْ وَحَّدَك مِنْ أُمَّتِي"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ أبي سحم الْمُبَارَكِ بْنِ سُحَيْمٍ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ بِنَحْوِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"4: سَأَلْت
أَبِي، وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَسَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هَذَا كُلُّهُ مِنْ ابْنِ عَقِيلٍ، فَإِنَّهُ لَا يَضْبِطُ حَدِيثَهُ، وَاَلَّذِينَ رَوَوْا عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مِنْ وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ، فَقَالَ فِي أَحَدِهِمَا: "اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ"، وَقَالَ فِي الْآخَرِ: "اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا إنَّمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ عَنْهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ مَرَّةً: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَقُلْ: أَوْ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ عَنْهُ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَلَعَلَّهُ سَمِعَهُ مِنْ هَؤُلَاءِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ حج الضرورة عَنْ الْغَيْرِ: اُسْتُدِلَّ عَلَى جواز حج الضرورة عَنْ الْغَيْرِ، وَحَجِّ النَّفْلِ قَبْلَ الْفَرْضِ، بِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"، وَأَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، والباقون عن أخيه الفاضل بن عباس عن امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ، قَالَ: حُجِّي عَنْهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ عليه السلام رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ نُبَيْشَةَ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمُلَبِّي عَنْ نُبَيْشَةَ، هَلْ حَجَجْتَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَذِهِ عَنْ نُبَيْشَةَ، وَحُجَّ عَنْ نَفْسِك، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهَذَا وَهْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام سَمِعَ رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ شُبْرُمَةَ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "مَنْ شُبْرُمَةُ؟ " قَالَ: أَخٌ لِي، قَالَ: "هَلْ حَجَجْتَ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "فَحُجَّ عَنْ نَفْسِك، ثُمَّ اُحْجُجْ عَنْ شُبْرُمَةَ"، قَالَ: وَقَدْ رَجَعَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ ذَلِكَ، وَحَدَّثَ بِهِ عَلَى الصَّوَابِ، مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ غَيْرِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: " مَنْ شُبْرُمَةُ؟ " إلَى آخِرِهِ. قَالَ: وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى.
حَدِيثُ الْمَانِعِينَ: وَهُوَ حَدِيثُ شُبْرُمَةَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام سَمِعَ رَجُلًا، إلَى آخِرِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَقَوْلُهُ: اجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِك أَمْرُ وُجُوبٍ، وَقَوْلُهُ: ثُمَّ حَجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ أَمْرُ إبَاحَةٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ ضَعِيفَةٍ، أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهَا لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الطُّرُقَ الصَّحِيحَةَ أَيْضًا قَدْ أُعِلَّتْ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَحَدِيثُ شُبْرُمَةَ عَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا، وَاَلَّذِي أَسْنَدَهُ ثِقَةٌ، فَلَا يَضُرُّهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ يَرْوِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَصْحَابُ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ يَخْتَلِفُونَ عَلَيْهِ، فَقَوْمٌ يَرْفَعُونَهُ: مِنْهُمْ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَقَوْمٌ يَقِفُونَهُ: مِنْهُمْ غُنْدَرٌ، وَحُسْنُ بْنُ صَالِحٍ، وَالرَّافِعُونَ ثِقَاتٌ، فَلَا يَضُرُّهُمْ 2 وَقْفُ الْوَاقِفِينَ، إمَّا لِأَنَّهُمْ حَفِظُوا مَا لَمْ يَحْفَظْ أُولَئِكَ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْوَاقِفِينَ رَوَوْا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَأْيَهُ، وَالرَّافِعِينَ رَوَوْا عَنْهُ رِوَايَتَهُ، وَالرَّاوِي قَدْ يُفْتِي بِمَا يَرْوِيهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ": وَعَلَّلَ هَذَا الْحَدِيثَ بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الِاخْتِلَافُ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، فَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ يَرْفَعُهُ، وَهُوَ مُحْتَجٌّ بِهِ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، وَتَابَعَهُ عَلَى رَفْعِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، لَيْسَ فِي الْبَابِ أَصَحُّ مِنْهُ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: أَصَحُّ وَأَثْبَتُ النَّاسِ سَمَاعًا مِنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَرَوَاهُ غُنْدَرٌ عَنْ سَعِيدٍ، فَوَقَفَهُ، وَرَوَاهُ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ سَمِعَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ شُبْرُمَةَ، فَذَكَرَهُ مَوْقُوفًا، وَفِيهِ مَعَ زِيَادَةِ الْوَقْفِ اسْتِبْعَادُ تَعَدُّدِ الْقَضِيَّةِ، بِأَنْ تَكُونَ وَقَعَتْ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ عليه السلام، وَفِي زَمَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى سِيَاقٍ وَاحِدٍ، وَاتِّفَاقِ لَفْظٍ، وَالثَّانِي الْإِرْسَالُ، فَإِنَّ سَعِيدَ بن المنصور رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَوَاهُ أَيْضًا حَدَّثَنَا هُشَيْمِ أَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى ثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ قَتَادَةَ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: حَدَّثَنَا، وَلَا سَمِعْت، وَهُوَ إمَامٌ فِي التَّدْلِيسِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُفْلِسِ فِي "كِتَابِهِ": وَقَدْ ضَعَّفَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: إنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ بِالْبَصْرَةِ، فَيَجْعَلُ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا يُسْنِدُهُ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام، وَكَانَ يُحَدِّثُ بِهِ بِالْكُوفَةِ، فَيَجْعَلُ الْكَلَامَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ عليه السلام قَالُوا أَيْضًا: فَقَتَادَةُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: حَدَّثَنَا، وَلَا سَمِعْت، وَهُوَ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ، قَالُوا: وَأَيْضًا فَقَدْ رُوِيَ
هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ هُشَيْمِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ 1 عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ أَبِي لَيْلَى، فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: عَنْ عَائِشَةَ، وَأَرْسَلَهُ، وَرَوَاهُ أَبُو قِلَابَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبُو قِلَابَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْئًا، قَالُوا: فَالْخَبَرُ بِذَلِكَ غَيْرُ ثَابِتٍ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَقَدْ تَابَعَ عَبْدَةَ بْنَ سُلَيْمَانَ عَلَى رَفْعِهِ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ سَعِيدٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حُيَيِّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ 2 مَوْقُوفًا، وَلَمْ يَذْكُرْ عَزْرَةَ فِي إسْنَادِهِ3، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ الْمِصْرِيُّ عَنْ قَتَادَةَ، وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ سَعِيدَ بن جبير حدثه، وكذلك مَعْدُودٌ فِي أَوْهَامِهِ، فَإِنَّ قَتَادَةَ لَمْ يَلْقَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فِيمَا قَالَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ الْمُصَنِّفُ: ثُمَّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَبِذَلِكَ تَشْهَدُ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي الْبَابِ، لِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ، فَإِنَّهُ عليه السلام، قَالَ فِيهِ: "حُجِّي عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرِي"، قُلْت: هَذَا وَهْمٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ حَدِيثَ الْخَثْعَمِيَّةِ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الِاعْتِمَارِ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"، ورواه أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ مِنْ حَدِيثِ أخيه الفضل بن عباس، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ، قَالَ: حُجِّي عَنْهُ، وكذلك فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: هَلْ يَقْضِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ 4 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ النَّبِيِّ عليه السلام، فَالْبَعْضُ جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ الْفَضْلِ، وَالْبَعْضُ جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَلَمْ يُحَسِّنْ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،
قَالَ التِّرْمِذِيُّ1: وَسَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، فَقَالَ لِي: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَمِعَهُ مِنْ الْفَضْلِ، وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ، فَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كُرَيْبٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي حُصَيْنُ بْنُ عَوْفٍ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي أَدْرَكَهُ الْحَجُّ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحُجَّ إلَّا مُعْتَرِضًا، فَصَمَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: " حُجَّ عَنْ أَبِيك"، انْتَهَى. قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ: مُحَمَّدُ بْنُ كُرَيْبٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رِوَايَةُ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُرْسَلَةٌ، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَمْ يَسْمَعْ ابْنُ سِيرِينَ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" حَدِيثًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ، أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ - رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ - قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، وَلَا الْعُمْرَةَ، وَلَا الظَّعْنَ، قَالَ: "حُجَّ عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرْ"، انتهى. وقال التِّرْمِذِيُّ3: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَاسْمُ أَبِي رَزِينٍ لَقِيطُ بْنُ عَامِرٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" 4 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيِّ ثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ سَوْدَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ، لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ فَقَالَ عليه السلام: "أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْته، أَكَانَ يُجْزِئُ عَنْهُ؟ " فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "حُجَّ عَنْهُ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" وَعَبْدُ الْعَزِيزِ 5 بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ
أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ حَدَّثَ عَنْهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: كَانَ ثِقَةً، وَوَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ أَيْضًا، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ" أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، وَرَوَى لَهُ فِي "صَحِيحِهِ"، وَيُوسُفُ بْنُ الزُّبَيْرِ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ غَيْرِ جَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ زُرَيْقٍ سَمِعْت عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ عَنْ أَبِي الْغَوْثِ بْنِ الْحُصَيْنِ الْخَثْعَمِيِّ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَتَمَالَكُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَتَرَى أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: " نَعَمْ حُجَّ عَنْهُ"، قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِنَا، وَلَمْ يُوصِ بِحَجٍّ، أَفَيُحَجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَتُؤْجَرُونَ، قَالَ: وَيُتَصَدَّقُ عَنْهُ وَيُصَامُ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالصَّدَقَةُ أَفْضَلُ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. أَحَادِيثُ الْحَجِّ عن الميت: أخرجه الْبُخَارِيُّ 1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ: "اقْضُوا اللَّهَ الَّذِي لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ"، انْتَهَى. وفي لفظ فِي "الْحَجِّ": إنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ، وَرَوَاهُ فِي "كِتَابِ النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ"، قَالَ: أتى رجل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ، بِمِثْلِهِ، وَقَالَ: " فَاقْضِ اللَّهَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ". حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بريدة عن أبيه أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إنَّ أُمِّي ماتت ولم تحج، أوَ أحج عَنْهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَزَادَ فِيهِ: الصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"2 حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْغَوْثِ بْنِ حُصَيْنٍ - رَجُلٌ مِنْ الْفَرْعِ - أَنَّهُ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَجَّةٍ كَانَتْ عَلَى أَبِيهِ، مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، فَقَالَ عليه السلام: "حُجَّ عَنْ أَبِيك"، قَالَ عليه السلام: وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ يُقْضَى عَنْهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"3 والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عَبَّادِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ عليه السلام، فَقَالَ: هَلَكَ أَبِي، وَلَمْ يَحُجَّ، فَقَالَ: " أَرَأَيْت
لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْته عَنْهُ، أَيُتَقَبَّلُ مِنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاحْجُجْ عَنْهُ، انْتَهَى. وَحَمَّادُ بْنُ رَاشِدٍ قَالَ فِي "الْإِمَامِ": قَالَ أَحْمَدُ: شَيْخٌ ثِقَةٌ صَدُوقٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ مَعِينٍ، صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَأَنْكَرَ عَلَى الْبُخَارِيِّ إدْخَالَهُ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، قَالَ الشَّيْخُ: وَعَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ ثَلَاثَةٌ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، أَحَدُهُمْ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَالثَّانِي: مُؤَذِّنُ مَسْجِدِ صَنْعَاءَ، وَالثَّالِثُ: التَّمِيمِيُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ 1 عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْبَصْرِيُّ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَمَرْتُ امْرَأَةَ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ الْجُهَنِيِّ أَنْ تَسْأَلَ النَّبِيَّ عليه السلام أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجَّ، أَفَيُجْزِئُ عَنْ أُمِّهَا أَنْ تَحُجَّ عَنْهَا؟ فَقَالَ عليه السلام: نَعَمْ، لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّهَا دَيْنٌ فَقَضَتْهُ عَنْهَا، أَلَمْ يَكُنْ يجزئ عنها؟ فلتحجج عَنْ أُمِّهَا، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: " إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ"، الْحَدِيثَ. قُلْت: رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ فِي "الْوَصَايَا"، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الْأَحْكَامِ 2 - فِي الْوَقْفِ" مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إذَا مَاتَ ابن آدم انقطع إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، أَوْ عِلْمٌ يَنْتَفِعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يدعوا لَهُ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ، كُتِبَتْ لَهُ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ"، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ سَبَلَانُ ثَنَا أَبُو معاوية بْنُ إسْحَاقَ عَنْ جَمِيلِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ خَرَجَ حَاجًّا فَمَاتَ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ الْحَاجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ خَرَجَ مُعْتَمِرًا فَمَاتَ كُتِبَ لَهُ أجر المعتمر إلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَاتَ، كُتِبَ لَهُ أَجْرُ الْغَازِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ شَاهِينَ فِي "كِتَابِ التَّرْغِيبِ" - لَهُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ1 الْفِلَسْطِينِيِّ عَنْ عَطَاءٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ بِسَنَدِ أَبِي يَعْلَى، وَالطَّبَرَانِيِّ، سَوَاءً.
باب الهدي
بَابُ الْهَدْيِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام سُئِلَ عَنْ الْهَدْيِ، فَقَالَ: "أَدْنَاهُ شَاةٌ"، قُلْت: غَرِيبٌ وَلَمْ أَجِدْهُ إلَّا مِنْ قَوْلِ عَطَاءٍ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "المعرفة" من طريق الشافعية أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عن عَطَاءً، قَالَ: أَدْنَى مَا يُهْرَاقُ مِنْ الدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ شَاةٌ، مُخْتَصَرٌ. وَاسْتَشْهَدَ لَهُ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ الضُّبَعِيِّ، قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْمُتْعَةِ فَأَمَرَنِي بِهَا، وَسَأَلْته عَنْ الْهَدْيِ، فَقَالَ: فِيهَا جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ، أَوْ شَاةٌ، أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ، قَالَ: وكان ناساً كَرِهُوهَا، فَنِمْت، فَرَأَيْت فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ إنْسَانًا يُنَادِي: حَجٌّ مَبْرُورٌ، وَعُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، فَأَتَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ فَحَدَّثْته، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي "بَابِ مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ"2، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قِصَّةَ الْهَدْيِ، وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ حَدِيثِ الْكِتَابِ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام أَكَلَ مِنْ لَحْمِ هَدْيِهِ، وَحَسَا مِنْ الْمَرَقَةِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، فَطُبِخَتْ، فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا - يَعْنِي عَلِيًّا، وَالنَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَى أَحْمَدُ3، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا" مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الوداع مئة بدنة، ونحر مِنْهَا ثَلَاثِينَ بَدَنَةً، ثُمَّ أَمَرَ عَلِيًّا فَنَحَرَ
مَا بَقِيَ مِنْهَا، وَقَالَ لَهُ: اقْسِمْ لَحْمَهَا وَجِلَالَهَا وَجُلُودَهَا بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا تُعْطِ جَزَّارًا مِنْهَا شَيْئًا، وَخُذْ لَنَا مِنْ كُلِّ بَعِيرٍ بِضْعَةً مِنْ لَحْمٍ، ثُمَّ اجْعَلْهَا فِي قِدْرٍ وَاحِدَةٍ، حَتَّى نَأْكُلَ مِنْ لَحْمِهَا، وَنَحْسُوَ مِنْ مَرَقِهَا، فَفَعَلَ، انْتَهَى. وَهُوَ سَنَدٌ ضَعِيفٌ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا أُحْصِرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَبَعَثَ الْهَدَايَا عَلَى يَدَيْ نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ لَهُ: لَا تَأْكُلْ أَنْتَ، وَلَا رُفْقَتُك مِنْهَا شَيْئًا، قُلْت: حَدِيثُ نَاجِيَةَ لَيْسَ فِيهِ قَوْلُهُ: لَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَلَا رُفْقَتُك مِنْهَا شَيْئًا، كَمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ 1 مِنْ حَدِيثِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مَعَهُ بِهَدْيٍ، قَالَ: إنْ عَطِبَ فَانْحَرْهُ، ثُمَّ اُصْبُغْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ، ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. ثُمَّ وَجَدْته فِي "الْمَغَازِي" لِلْوَاقِدِيِّ، ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ وَائِلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَحَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ آخَرُونَ، فَقَالَ: وَكُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ، فَذَكَرَ الْقَضِيَّةَ، وَفِيهَا أَنَّهُ عليه السلام اسْتَعْمَلَ عَلَى هَدْيِهِ نَاجِيَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيَّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ بِهَا، قَالَ: وَكَانَتْ سَبْعِينَ بَدَنَةً، فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ، وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَحْوِ وَرَقَةٍ، وَقَالَ نَاجِيَةُ الْأَسْلَمِيُّ: عَطِبَ مَعِي بَعِيرٌ مِنْ الْهَدْيِ، فَجِئْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْوَاءِ، فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: " انْحَرْهَا وَاصْبُغْ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا، وَلَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك مِنْهَا شَيْئًا، وَخَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ"، مُخْتَصَرٌ. وَرَوَى فِي آخِرِ الْكِتَابِ: حَدَّثَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: كُنْت عَلَى هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت مَا عَطِبَ مِنْهَا كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: "انْحَرْهُ، وَأَلْقِ قَلَائِدَهُ فِي دَمِهِ، لَا تَأْكُلْ أَنْتَ"، إلَى آخِرِهِ فِي أَحَادِيثَ أُخْرَى: مِنْهَا حَدِيثُ ذُؤَيْبٍ أَبِي قَبِيصَةَ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذُؤَيْبًا الْخُزَاعِيَّ أَبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ بِالْبُدْنِ مَعَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: "إنْ عَطِبَ منها شيئاً فَخَشِيت عَلَيْهِ مَوْتًا فَانْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي "تَارِيخِهِ - فِي بَابِ الصَّحَابَةِ - فِي تَرْجَمَةِ ذُؤَيْبٍ" وَقَالَ:
سَمِعْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: قَتَادَةُ لَمْ يُدْرِكْ سِنَانَ بْنَ سَلَمَةَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ مُعَنْعَنٌ فِي مُسْلِمٍ، وَابْنِ مَاجَهْ، إلَّا أَنَّ مُسْلِمًا ذَكَرَ لَهُ شَوَاهِدَ، - وَلَمْ يُسَمِّهِ فِيهَا ذُؤَيْبًا، بَلْ قَالَ: رَجُلًا - وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً، وبعث معه بثمان عشر بَدَنَةً، فَقَالَ: أَرَأَيْت إنْ أُزْحِفَ عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْهَا، قَالَ: "تَنْحَرُهَا، ثُمَّ تَصْبُغُ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْهَا عَلَى صَفْحَتِهَا، وَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِك، أَوْ قَالَ: مِنْ أَهْلِك وَرُفْقَتِك"، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: وبعث معه بستة عشر بَدَنَةً، وَهُوَ لَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، قَالَ النَّوَوِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قَضِيَّتَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: عِوَضَ رَجُلًا، فُلَانًا الْأَسْلَمِيَّ، وَلَمْ أَجِدْ فِي الْحَدِيثَيْنِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِمَا أَنَّ هَذَا كَانَ فِي الْإِحْصَارِ، وَلَا أَنَّ الْبَعْثَ كَانَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْ شَارِحِي - مُسْلِمٍ - لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"1، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ عليه السلام مَعِي بِهَدْيٍ، وَقَالَ: "إذَا عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَانْحَرْهُ، ثُمَّ اضْرِبْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ، ثُمَّ اضْرِبْ صَفْحَتَهُ، وَلَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَلَا أَهْلُ رُفْقَتِك، وَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ"، انْتَهَى. وَزَادَ فِيهِ الطَّبَرَانِيُّ: بِهَدْيِ تَطَوُّعٍ، وَفِي لَفْظِ أَحْمَدَ قَالَ: سَأَلْت النَّبِيَّ عليه السلام عَنْ الْهَدْيِ يَعْطَبُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ: انْحَرْهُ، إلَى آخِرِهِ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، وَفِجَاجُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ"، انْتَهَى. بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَمِثْلُهُ لَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ، إلَّا أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، وَلِاخْتِلَافِ لَفْظِهِمَا فَرَّقَهُمَا ابْنُ عَسَاكِرَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ تَرْجَمَةِ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ فِي "أَطْرَافِهِ" فَجَعَلَهُمَا حَدِيثَيْنِ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَالصَّوَابُ مَا فَعَلَهُ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي "أَطْرَافِهِ" فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّينِ الْمُنْذِرِيُّ قَلَّدَ ابْنَ عَسَاكِرَ، فَلَمْ يَعْزُهُ فِي "مُخْتَصَرِ السُّنَنِ" لِابْنِ مَاجَهْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مُتَابَعَةً، فِيمَا أَرَى، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ، انْتَهَى. فَالْحَدِيثُ حَسَنٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْحَدِيثِ فِي "مُسْلِمٍ" أَخْرَجَهُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "نحرت ههنا، وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ". وَأَمَّا حَدِيثُ أبي هريرة: فأخرجه أَبُو دَاوُد فِي "الصَّوْمِ" 1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "فِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ، وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ، وَكُلُّ جَمْعٍ مَوْقِفٌ"، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ: أَبُو زُرْعَةَ لَمْ يَلْقَ أَبَا هُرَيْرَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: لَا نَعْلَمُهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ الحصين عن عكرمة عن بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ، وَهَدْيُهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ: "هَذَا الْمَنْحَرُ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ، فَنَحَرَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام نَحَرَ الْإِبِلَ، وَذَبَحَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ: ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا، فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، الْحَدِيثَ، وَذَبَحَ الْبَقَرَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْت: مَا هَذَا؟ قَالُوا ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ، مُخْتَصَرٌ. وَذَبَحَ الْغَنَمَ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْته وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، انْتَهَى. وَيُنْظَرُ أَحَادِيثُ "الْحَجِّ - وَالْأَضَاحِيِّ - وَالذَّبَائِحِ". الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَحَرَ الْهَدَايَا قِيَامًا، وَأَصْحَابُهُ كَانُوا يَنْحَرُونَهَا قِيَامًا مَعْقُولَةَ اليد اليسرى، قلت: أخرجه الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَنَحْنُ مَعَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ بَدَنَاتٍ قِيَامًا، مُخْتَصَرٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَمُسْلِمٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كُنْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ بِمِنًى، فَمَرَّ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ، وَهِيَ بَارِكَةٌ، فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: كُنْت عَلَى هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةٍ، إلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا بَلَغْنَا مَنْزِلَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى أَرْسَلَ إلَيَّ: أَنْ سُقْ الْهَدْيَ إلَى النَّحْرِ، قَالَ: فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْحَرُ الْهَدْيَ بِيَدِهِ، وَأَنَا أُقَدِّمُهَا إلَيْهِ، تَمْشِي عَلَى ثَلَاثٍ قَوَائِمَ، وَهِيَ مَعْقُولَةُ وَاحِدَةٍ، مُخْتَصَرٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابن الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى، قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا، انْتَهَى. وَجَهِلَ مَنْ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، فَإِنَّ الْمُخْبِرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ هُوَ ابْنُ جُرَيْجٍ، فَالْحَدِيثُ مِنْ مُسْنَدِ جَابِرٍ، كَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ "الْأَطْرَافِ"، وَكُتُبِ الْأَحْكَامِ وَغَيْرُهُمْ، لَكِنْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام، فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ"، بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد: الْقَائِلِ: وَأَخْبَرَنِي، هُوَ ابْنُ جُرَيْجٍ، فَيَكُونُ ابْنُ جُرَيْجٍ رَوَاهُ عَنْ تَابِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَسْنَدَهُ، وهو أبو الزُّبَيْرِ، وَالْآخَرُ: أَرْسَلَهُ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" مُرْسَلًا عَنْ ابْنِ سَابِطٍ فَقَطْ، مَفْصُولًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَاعْتَرَضَ هَذَا الْجَاهِلُ أَيْضًا عَلَى صَاحِبِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: وَلَوْ اسْتَدَلَّ عَلَى عَقْلِ يَدِهَا الْيُسْرَى بِفِعْلِ النَّبِيِّ عليه السلام لَكَانَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ بِفِعْلِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَهَذَا اعْتِرَاضٌ بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ، فَيَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْحَرَهَا قَائِمًا، لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَحَرَ الْهَدَايَا قِيَامًا، وَأَصْحَابُهُ كَانُوا يَنْحَرُونَهَا قِيَامًا، مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى، انْتَهَى. فَعَقْلُ الْيَدِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ إلَّا مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَنَحَرَ نَيِّفًا وَسِتِّينَ بِنَفْسِهِ، وَوَلَّى الْبَاقِيَ عَلِيًّا، قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، الْحَدِيثَ. وَتَقَدَّمَ فِيهِ أَيْضًا: وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ بِبُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَى أَنْ قَالَ: فَكَانَ جِمَاعُ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ، وَاَلَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةً، وَرَوَى أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" 2 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِائَةَ بَدَنَةٍ، فَنَحَرَ مِنْهَا ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، ثُمَّ أَمَرَ عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا بَقِيَ مِنْهَا، مُخْتَصَرٌ. وَهُوَ مُسْنَدٌ ضَعِيفٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ قَرِيبًا، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 3 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَهْدَى مِائَةَ بَدَنَةٍ، فَأَمَرَنِي بِلُحُومِهَا، فَقَسَمْتهَا، ثُمَّ أَمَرَنِي بِجِلَالِهَا فَقَسَمْتهَا، ثُمَّ جُلُودِهَا فَقَسَمْتهَا. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام لِعَلِيٍّ: "تَصَدَّقْ بِجِلَالِهَا وخطامها، فلا تُعْطِ أَجْرَ الْجَزَّارِ مِنْهَا"، قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ 1 - إلَّا التِّرْمِذِيَّ - مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَقْسِمَ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا، قال: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِجُلُودِهَا وَجِلَالِهَا، وَفِي لَفْظٍ: إنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَ بُدْنَهُ كُلَّهَا، لُحُومَهَا وَجِلَالَهَا وَجُلُودَهَا فِي الْمَسَاكِينِ، وَلَا يُعْطِيَ فِي جِزَارَتِهَا مِنْهَا شَيْئًا، انْتَهَى. وَلَمْ يَقُلْ الْبُخَارِيُّ فِيهِ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا، وَقَالَ فِيهِ: أَهْدَى النَّبِيُّ عليه السلام، مِائَةَ بَدَنَةٍ، فَأَمَرَنِي بِلُحُومِهَا فَقَسَمْتهَا، ثُمَّ أَمَرَنِي بِجِلَالِهَا فَقَسَمْتهَا، ثُمَّ بِجُلُودِهَا فَقَسَمْتهَا، انْتَهَى. قَالَ السَّرَقُسْطِيُّ فِي "غَرِيبِهِ": جِزَارَتُهَا - بِضَمِّ الْجِيمِ، وَكَسْرِهَا - فَبِالْكَسْرِ الْمَصْدَرُ، وَبِالضَّمِّ اسْمٌ لِلْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْعُنُقِ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْجَزَّارِينَ كَانُوا يَأْخُذُونَهَا فِي أَجْرِهِمْ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ: ارْكَبْهَا وَيْلَك، قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ 2 عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْته رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبِيَّ عليه السلام، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَاقُونَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ: " ارْكَبْهَا"، فَقَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: " ارْكَبْهَا وَيْلَك"، والثانية، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، انْتَهَى. وَصَاحِبُ الْكِتَابِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ رُكُوبِ الْهَدْيِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ، قَالَ: وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا مُحْتَاجًا، قُلْت: قَدْ وَرَدَ اشْتِرَاطُ الْحَاجَةِ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" أَخْرَجَهُ عَنْ مَعْقِلٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، سَأَلْت جَابِرًا عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ، فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا"، وَأَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ، فَقَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ عليه السلام يَقُولُ: "ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا أُلْجِئْتَ إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَإِذَا عَطِبَتْ الْبَدَنَةُ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا نَحَرَهَا،
وَصَبَغَ نَعْلَهَا بِدَمِهَا، وَضَرَبَ بِهَا صَفْحَةَ سَنَامِهَا، وَلَمْ يَأْكُلْ هُوَ وَلَا غيره من الأغنياء، وبذلك أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيَّ، قُلْت: تَقَدَّمَ حَدِيثُ نَاجِيَةَ فِي "الْحَدِيثِ الثَّالِثِ"، وَلَيْسَ فِيهِ قَوْلُهُ: وَلَا تَأْكُلْ مِنْهُ أَنْتَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ رَفِيقِك، ثُمَّ وَجَدْنَاهُ فِي "الْمَغَازِي" لِلْوَاقِدِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الْحَدِيثِ الثَّالِثِ"، وَإِنَّمَا هُوَ فِي حَدِيثِ ذُؤَيْبٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِعًى بِهَدْيِ تَطَوُّعٍ، وَقَالَ: إذَا عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَانْحَرْهُ، ثُمَّ اضْرِبْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهُ، وَلَا تَأْكُلْ أَنْتَ ولا أهل رفيقك، وَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: تَطَوُّعٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ سُلَيْمِ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَشَّابِ1 حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَدَنَةِ التَّطَوُّعِ: "إذَا عَطِبَتْ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَرَمَ فَانْحَرْهَا، وَاغْمِسْ يَدَك فِي دَمِهَا، وَاضْرِبْ صَفْحَتَهَا، وَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا، فَإِنْ أَكَلْت مِنْهَا عَظَّمْتهَا"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِسُلَيْمٍ هَذَا، وَأَسْنَدَ عَنْ النَّسَائِيّ، وَابْنِ مَعِينٍ، أَنَّهُمَا قَالَا: هُوَ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ"2 عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ مَعَهُ الْهَدْيُ تَطَوُّعًا فَيَعْطَبُ، قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ، قال: "ينحرها، ثُمَّ يُلَطِّخُ نَعْلَهَا بِدَمِهَا، ثُمَّ يَضْرِبُ بِهِ جَنْبَيْهَا، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْحَافِظُ تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي "فَوَائِدِهِ" حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ الْحَلَبِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُعَافَى بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ: "مَنْ أَهْدَى بَدَنَةً طَوْعًا، فَعَطِبَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَدَلٌ، وَإِنْ كَانَ نَذْرًا فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" مِنْ جِهَةِ تَمَّامٍ، وَسَكَتَ عنه.
كتاب النكاح
كِتَابُ النكاح مدخل ... كتاب النِّكَاحِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيِّ ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَمَا كَانَ مِنْ نِكَاحٍ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ تَشَاجَرُوا، فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالتِّسْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَقُلْ فِيهِ: وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ - إلَّا ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ -: سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بن عبد الوهاب الحجبي عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ الرَّقِّيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَلَا يَصِحُّ فِي ذِكْرِ الشَّاهِدَيْنِ غَيْرُ هَذَا الْخَبَرِ1، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ 2 أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ الْبَصْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْبَغَايَا اللَّاتِي يَنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ يُوسُفُ: رَفَعَ عَبْدُ الْأَعْلَى هَذَا الْحَدِيثَ فِي "التَّفْسِيرِ"، وَوَقَفَهُ فِي "كِتَابِ الطَّلَاقِ"، وَلَمْ يَرْفَعْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ سَعِيدٍ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ، قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ، هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، وَالصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَوْلُهُ: لَا نِكَاحَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، انْتَهَى. وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَنَسٍ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، كُلُّهَا مَدْخُولَةٌ، سَيَأْتِي ذِكْرُهَا فِي "أَحَادِيثِ الْوَلِيِّ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" مَوْقُوفًا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحْرِزٍ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْبَغَايَا، الْحَدِيثَ، وَلِمَالِكٍ فِي ذِكْرِ اشْتِرَاطِ الْإِعْلَانِ حَدِيثٌ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ 3 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ عَنْ يَزِيدَ
بْنِ هَارُونَ عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَعِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ خَالِدِ بْنِ إلْيَاسَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ.
فصل في بيان المحرمات
فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ 1 فِي "كِتَابِ الشَّهَادَاتِ" عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدَ عَلَى ابْنَةِ حَمْزَةَ، فَقَالَ: "إنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي، إنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَأَنَّهُ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: مَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّحِمِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْهَا - إلَّا ابْنَ مَاجَهْ - وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ 2: أَنَّ عَمَّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ - يُسَمَّى: أَفْلَحَ - اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا فَحَجَبَتْهُ، فَأَخْبَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهَا: "لَا تَحْتَجِبِي مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ الْبَاقِينَ: مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَفِي لَفْظٍ: مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعَنَّ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انكح أختي، قال: "أوتحبين ذَلِكَ؟ قُلْت: نَعَمْ، لَسْت لَك بِمُخْلِيَةٍ، وَأُحِبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِي خَيْرِ أُخْتِي، قَالَ: فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي، قُلْت: فَإِنِّي أُخْبِرْت أَنَّك تَخْطُبُ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ، وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ"، زَادَ الْبُخَارِيُّ:
قَالَ عُرْوَةُ: وَثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ، كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا حِينَ أَرْضَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أهله بشرحبية، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيت؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ، غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الطَّلَاقِ" 1 وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "النِّكَاحِ" عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجَيَشَانِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ الضَّحَّاكَ بْنَ فَيْرُوزَ، فَحَدَّثَ عَنْ أبي فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَسْلَمْت وَتَحْتِي أُخْتَانِ، فَقَالَ عليه السلام: "طَلِّقْ أَيَّتَهمَا شِئْت"، انْتَهَى. وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: "اخْتَرْ أَيَّتَهمَا شِئْت"، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَبُو وَهْبٍ الْجَيَشَانِيَّ، اسْمُهُ: الدَّيْلَمُ بْنُ هَوْشَعٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجَيَشَانِيَّ عَنْ ابْنِ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ أَبِي لهب الجيشاني عن أبي خراش الرُّعَيْنِيِّ عَنْ الدَّيْلَمِيِّ، نَحْوَهُ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: " لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا"، قُلْت: رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ 2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاللَّفْظُ لَهُمْ - خَلَا مُسْلِمًا - عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا الْعَمَّةُ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا، وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا، وَلَا تُنْكَحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى، وَلَا الصُّغْرَى على الكبرى"، اتنهى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" كُلُّهُمْ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ مُسْلِمًا رحمه الله لَمْ يُخَرِّجْهُ هَكَذَا بِتَمَامِهِ، وَلَكِنَّهُ فَرَّقَهُ حَدِيثَيْنِ، فَأَخْرَجَ صَدْرَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا"، انْتَهَى. وَأُخْرِجَ بَاقِيهِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "لَا تُنْكَحُ الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ الْأَخِ، وَلَا بِنْتُ الْأُخْتِ عَلَى الْخَالَةِ"، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" هَذَا الْحَدِيثَ لِمُسْلِمٍ، لِكَوْنِهِ فَرَّقَهُ، وَهُوَ يَتَسَاهَلُ
فِي أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، وَقَالَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَلَمْ أَجِدْ الْبُخَارِيَّ ذَكَرَهُ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ نَحْوَهُ عَنْ جَابِرٍ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَادَ فِيهِ: فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ" عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى قَرَابَتِهَا مَخَافَةَ الْقَطِيعَةِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ، غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ، وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ". قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى مَجُوسِ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ، فَمَنْ أَسْلَمَ قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ، وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "النِّكَاحِ"، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "كِتَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ"، وَلَفْظُهُ فِيهِ: وَلَا تُؤْكَلُ لَهُمْ ذَبِيحَةٌ، وَلَا تُنْكَحُ فِيهِمْ امْرَأَةٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا مُرْسَلٌ، وَمَعَ إرْسَالِهِ فَفِيهِ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَهُوَ ابْنُ الرَّبِيعِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَهُوَ مِمَّنْ سَاءَ حِفْظُهُ بِالْقَضَاءِ: كَشَرِيكٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ - هُوَ الْوَاقِدِيُّ - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَكَمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى مَجُوسِ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَبَوْا عَرَضَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ، وَبِأَنْ لَا تُنْكَحَ نِسَاؤُهُمْ، وَلَا تُؤْكَلَ ذَبَائِحُهُمْ، وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَالْوَاقِدِيُّ مُتَكَلِّمٌ فِيهِ، وَرَوَى مَالِكٌ فِي "مُوَطَّئِهِ" 2 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ"، انْتَهَى. وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي فِي "بَابِ الْجِزْيَةِ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي وَضْعِ الْجِزْيَةِ عَلَى المجوس أمسّ منه ههنا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَعَادَهُ فِي "الذَّبَائِحِ". الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ"، قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ 3 - إلَّا الْبُخَارِيَّ - عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرْسَلَهُ إلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ يَسْأَلُهُ - وَأَبَانُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْحَاجِّ - وَهُمَا مُحْرِمَانِ: إنِّي أَرَدْت أَنْ أُنْكِحَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ ابْنَةَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ أَبَانُ: سَمِعْت أَبِي عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ،
وَلَا يُنْكَحُ"، زَادَ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد فِي رِوَايَةٍ: وَلَا يَخْطُبْ، وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": وَلَا يُخْطَبُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. الْآثَارُ: رَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 1 عَنْ دَاوُد بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ أَبَا غَطَفَانَ الْمُرِّيِّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ طَرِيفًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَرَدَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نِكَاحَهُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام تَزَوَّجَ بِمَيْمُونَةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" 2 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ محرم، انتهى. وزاد الْبُخَارِيُّ: وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ، وَمَاتَتْ بِسَرِفَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ، وَمَاتَتْ بِسَرِفَ، انْتَهَى. وَلَهُ عَنْهُ أَيْضًا، قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَلَمْ يَصِلْ سَنَدُهُ بِهِ، ذَكَرَهَا فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ 3 فِي "النِّكَاحِ"، وَالْبَاقُونَ فِي "الْحَجِّ"، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه السلام تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ": إنَّمَا أَرَادَتْ نِكَاحَ مَيْمُونَةَ، وَلَكِنَّهَا لَمْ تُسَمِّهَا، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ الْمُعَارِضَةُ: رَوَى مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 4 عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي مَيْمُونَةُ بنت الحارث عن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ5،
قَالَ: وَكَانَتْ خَالَتِي، وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى بِلَفْظِ مُسْلِمٍ. وَفِي لَفْظٍ لَهُ: وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ، انْتَهَى. زَادَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" بَعْدَ أَنْ رَجَعْنَا مِنْ مَكَّةَ، انْتَهَى. ثُمَّ أَسْنَدَ أَبُو دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: وَهَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَزْوِيجِ مَيْمُونَةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ 1 عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ أَنَّهُ عليه السلام نَكَحَ مَيْمُونَةَ، وَهُمَا حَلَالَانِ، قَالَ عَمْرٌو: فَقُلْت لِلزُّهْرِيِّ: وَمَا يَدْرِي ابْنُ الْأَصَمِّ، أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى عَقِبَيْهِ، أَتَجْعَلُهُ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ؟! انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ثَنَا مَطَرٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّهُ عليه السلام تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ، وَبَنَى عَلَيْهَا وَهُوَ حَلَالٌ، وَكُنْت أَنَا الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"
عَنْ ابْنِ خزيمة بمسنده عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ غَيْرَ حَمَّادٍ عَنْ مَطَرٍ1، وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ رَبِيعَةَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ، لِأَنَّهُ عليه السلام تَزَوَّجَهَا فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، وَظَهَرَ أَمْرُ تَزْوِيجِهَا، وَهُوَ مُحْرِمٌ ثُمَّ بَنَى بِهَا، وَهُوَ حَلَالٌ بِسَرِفَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، وَمَاتَتْ مَيْمُونَةُ بِسَرِفَ حَيْثُ بَنَى بِهَا، وَدُفِنَتْ بِسَرِفَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ تَعَارُضٌ، وَلَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهَمَ، لِأَنَّهُ أَحْفَظُ وَأَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَكِنْ عِنْدِي أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، أَيْ دَاخِلٌ فِي الْحَرَمِ، كَمَا يُقَالُ: أَنْجَدَ، وَأَتْهَمَ، إذَا دَخَلَ نَجْدًا، وَتِهَامَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، فَبَعَثَ مِنْ الْمَدِينَةِ أَبَا رَافِعٍ، وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى مَكَّةَ لِيَخْطُبَا مَيْمُونَةَ لَهُ، ثُمَّ خَرَجَ وَأَحْرَمَ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَسَعَى وَحَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ، وَتَزَوَّجَ بِهَا، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلَاثًا، ثُمَّ سَأَلَهُ أَهْلُ مَكَّةَ الْخُرُوجَ، فَخَرَجَ حَتَّى بَلَغَ سَرِفَ، فَبَنَى بِهَا، وَهُمَا حَلَالَانِ، فَحَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ نَفْسَ الْعَقْدِ، وَحَكَتْ مَيْمُونَةُ عَنْ نَفْسِهَا الْقِصَّةَ عَلَى وَجْهِهَا، وَهَكَذَا أَخْبَرَ أَبُو رَافِعٍ، وَكَانَ الرَّسُولُ بَيْنَهُمَا، فَدَلَّ ذَلِكَ - مَعَ نَهْيِهِ عليه السلام عَنْ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَإِنْكَاحِهِ - عَلَى صِحَّةِ مَا ادَّعَيْنَاهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حدثنا أحمد بن عمرو البزار ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَخْلَدٍ الْوَاسِطِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَلَّامٍ أَبِي الْمُنْذِرِ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ، وَهُوَ حَلَالٌ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ طَرِيقًا 2 أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَفِي لَفْظٍ: وَهُمَا حَرَامَانِ، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ. حَدِيثٌ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 3 نَقْلًا عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ، وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ 1 فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ ابْنَةَ الْحَارِثِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ": وَعَنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ أَجْوِبَةٌ، أَصَحُّهَا أَنَّهُ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، هَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ، قَالَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: لَمْ يَرْوِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا مُحْرِمًا غَيْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحْدَهُ، وَرَوَتْ مَيْمُونَةُ، وَأَبُو رَافِعٍ، وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، وَهُمْ أَعْرَفُ بِالْقَضِيَّةِ لِتَعَلُّقِهِمْ بِهِ، وَهُمْ أَضْبَطُ وَأَكْثَرُ، الثَّانِي: أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي الْحَرَمِ وَهُوَ حَلَالٌ، وَيُقَالُ لِمَنْ هُوَ فِي الحرام: مُحْرِمٌ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا، قَالَ الشَّاعِرُ: قَتَلُوا ابْنَ عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا ... وَدَعَا فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ مَخْذُولًا أَيْ فِي الْحَرَمِ، انْتَهَى. قُلْت: وَجَدْت فِي "صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ" مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ: أَحْرَمَ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَأَنْشَدَ الْبَيْتَ الْمَذْكُورَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: أَنَّهُ عليه السلام تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ، يَدْفَعُ هَذَا التَّفْسِيرَ، أَوْ يُبْعِدُهُ، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَهُوَ مُحْرِمٌ، أَيْ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، ثُمَّ أَنْشَدَ الْبَيْتَ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ أَنَّهُ رَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ إسْحَاقَ الْمَوْصِلِيِّ، قَالَ: سَأَلَ هَارُونُ الرَّشِيدُ الْأَصْمَعِيَّ بِحَضْرَةِ الْكِسَائِيّ، عَنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ: قَتَلُوا ابْنَ عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا فَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: لَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَلَا أَنَّهُ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، وَلَا أَنَّهُ في الحرام، فَقَالَ الْكِسَائِيُّ: وَيْحَك، فَمَا مَعْنَاهُ؟ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: فَمَا أَرَادَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ بِقَوْلِهِ: قَتَلُوا كِسْرَى بِلَيْلٍ مُحْرِمًا ... فَتَوَلَّى لَمْ يُمَتَّعْ بِكَفَنِ أَيُّ إحْرَامٍ لِكِسْرَى؟ فَقَالَ الرَّشِيدُ: فَمَا الْمَعْنَى؟ قَالَ: كُلُّ مَنْ لَمْ يَأْتِ شَيْئًا يُوجِبُ عَلَيْهِ عُقُوبَةً فَهُوَ مُحْرِمٌ، لَا يَحِلُّ مِنْهُ شَيْءٌ، فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ: أَنْتَ لَا تُطَاقُ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالثَّالِثُ مِنْ الْأَجْوِبَةِ عَنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ: أَنَّ الصَّحِيحَ عند الْأُصُولِيِّينَ تَقْدِيمُ الْقَوْلِ إذَا عَارَضَهُ الْفِعْلُ، لِأَنَّ الْقَوْلَ يَتَعَدَّى إلَى الْغَيْرِ، وَالْفِعْلَ قَدْ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، قَالَ: وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ "النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ": وَالْأَخْذُ بِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ أَوْلَى، لِأَنَّهُ كَانَ السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ مُبَاشِرًا لِلْحَالِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ حَاكِيًا، وَمُبَاشِرُ الْحَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَاكِيهِ، أَلَا تَرَى عَائِشَةَ كَيْفَ أَحَالَتْ عَلَى عَلِيٍّ حين سئلت عَنْ مَسْحِ الْخُفِّ، وَقَالَتْ: سَلُوا عَلِيًّا، فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام "لا ينكح الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ"، قُلْت: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ
فِي "سُنَنِهِ 1 - فِي الطَّلَاقِ" مِنْ حَدِيثِ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "طَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَقُرْءُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ، وَيَتَزَوَّجُ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ، وَلَا يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ"، انْتَهَى. وَمُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ - فِي سُورَةِ النِّسَاءِ" عِنْدَ قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى ثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ثَنَا سُفْيَانُ عن هشام الدسوائي عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُنْكَحَ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ، قَالَ: وَيُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ، وَمَنْ وَجَدَ طَوْلًا لِحُرَّةٍ فَلَا يَنْكِحْ أَمَةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" مختصراً عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْكِحَ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَنْكِحَ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ، انْتَهَى. الْآثَارُ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَا يَنْكِحْ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ، وَيَنْكِحُ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَا يَنْكِحْ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ، وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: يَتَزَوَّجُ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ، وَلَا يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ بُرْدٍ 2 عَنْ مَكْحُولٍ نَحْوَهُ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: "وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ عَائِشَةَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَتَتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ، وَلَا تَتَزَوَّجُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ، وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَيَنْكِحُ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ"، وَمَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ بسند صحيح عند عَبْدِ الرَّزَّاقِ: وَيَنْكِحُ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" والدارقطني3، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا" عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إذَا نُكِحَتْ الْحُرَّةُ عَلَى
الْأَمَةِ فَلِهَذِهِ الثُّلُثَانِ، وَلِهَذِهِ الثُّلُثُ، أَنَّ الْأَمَةَ لَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَزَوَّجَ عَلَى الْحُرَّةِ، انْتَهَى. وَالْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو فِيهِ مَقَالٌ، وَعَبَّادٌ الْأَسَدِيُّ ضَعِيفٌ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَحَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ. قَوْلُهُ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ عَلِيٍّ، وَابْنَتِهِ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ قُثَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ عَلِيٍّ، وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ قُثَمٍ مَوْلَى الْعَبَّاسِ، قَالَ: تَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بِنْتَ عَلِيٍّ، وَامْرَأَةَ عَلِيٍّ النَّهْشَلِيَّةَ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ" تَعْلِيقًا2، فَقَالَ فِي "بَابِ مَا يَحِلُّ مِنْ النِّسَاءِ وَمَا يَحْرُمُ": قَالَ: وَجَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ. لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ 3 فِي "الطَّبَقَاتِ" أَخْبَرَنَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ تَزَوَّجَ لَيْلَى امْرَأَةَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْنَبَ بِنْتَ عَلِيٍّ مِنْ غَيْرِهَا، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدِ أن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ، وَابْنَتَهُ - يَعْنِي مِنْ غَيْرِهَا - انْتَهَى. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: سئل عَنْ ذَلِكَ مُحَمَّدَ بْنَ سيرين فلم يرى بِهِ بَأْسًا، وَقَالَ: نُبِّئْت أَنَّ جَبَلَةَ - رَجُلًا كَانَ بِمِصْرَ - جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةَ رَجُلٍ وَابْنَتَهُ مِنْ غَيْرِهَا، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، يُقَالُ لَهُ: جَبَلَةُ كَانَ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ رَجُلٍ، وَابْنَتَهُ مِنْ غَيْرِهَا، قَالَ أَيُّوبُ: وَكَانَ الْحَسَنُ يَكْرَهُهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ أَنَّهُمَا كَرِهَاهُ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: قُلْنَا: ثَبَتَ النَّسْخُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - يَعْنِي نَسْخَ الْمُتْعَةِ - قُلْت: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ 4 عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَامَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ: إنَّ نَاسًا أَعْمَى اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، كَمَا أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ
يُفْتُونَ بِالْمُتْعَةِ، يَعْرِضُ بِرَجُلٍ، فَنَادَاهُ: إنَّك لَجِلْفٌ جَافٌّ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتْ الْمُتْعَةُ تُفْعَلُ فِي عَهْدِ إمَامِ الْمُتَّقِينَ - يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَجَرِّبْ بِنَفْسِك، فو الله لَئِنْ فَعَلْتهَا لَأَرْجُمَنَّك بِأَحْجَارِك، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ سَيْفِ اللَّهِ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَجُلٍ، جَاءَهُ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَاهُ فِي الْمُتْعَةِ، فَأَمَرَهُ بِهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ: مَهْلًا، قَالَ: مَا هِيَ؟ وَاَللَّهِ لَقَدْ فُعِلَتْ فِي عَهْدِ إمَامِ الْمُتَّقِينَ، قَالَ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ: إنَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِمَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا، كَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، ثُمَّ أَحْكَمَ اللَّهُ الدِّينَ، وَنَهَى عَنْهَا، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي رَبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: قَدْ كُنْت اسْتَمْتَعْت فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ بِبُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ، ثُمَّ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُتْعَةِ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَسَمِعْت رَبِيعَ بْنَ سَبْرَةَ يُحَدِّثُ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَنَا جَالِسٌ، انْتَهَى. أحاديث التحريم والنسخ: أخرجه مُسْلِمٌ 1 عَنْ إيَاسِ بْنِ مسلمة بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: رَخَّصَ رسول الله عليه وسلم عَامَ أَوْطَاسٍ فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثًا، ثُمَّ نَهَى عَنْهَا، انتهى. قال البيقهي 2: وَعَامُ أَوْطَاسٍ، وَعَامُ الْفَتْحِ وَاحِدٌ، لِأَنَّهَا بَعْدَ الْفَتْحِ بِيَسِيرٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: أَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُتْعَةِ، فَانْطَلَقْت أَنَا وَرَجُلٌ إلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، كَأَنَّهَا بَكْرَةٌ عَيْطَاءُ، فَعَرَضْنَا عَلَيْهَا أَنْفُسَنَا، فَقَالَتْ: مَا تُعْطِي؟، فَقُلْت: رِدَائِي، وَقَالَ صَاحِبِي: رِدَائِي، وَكَانَ رِدَاءُ صَاحِبِي أَجْوَدَ مِنْ رِدَائِي، وَكُنْت أَشَبَّ مِنْهُ، فَإِذَا نَظَرَتْ إلَى رِدَاءِ صَاحِبِي أَعْجَبَهَا، وَإِذَا نَظَرَتْ إلَيَّ أَعْجَبْتُهَا، ثُمَّ قَالَتْ: أَنْتَ وَرِدَاؤُك يَكْفِينِي، فَمَكَثَ مَعَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ الَّتِي يَتَمَتَّعُ بِهِنَّ، فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ، فَأَذِنَ لَنَا فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ، الْحَدِيثَ. وَفِي لَفْظٍ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُتْعَةِ عَامَ الْفَتْحِ حِينَ دَخَلْنَا مَكَّةَ، ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى نَهَانَا عَنْهَا، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " يا أيها النَّاسُ، إنِّي كُنْت أَذِنْت لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنْ النِّسَاءِ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ، وَقَالَ: أَلَا إنَّهَا حَرَامٌ، مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَانَ أَعْطَى شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ، انْتَهَى. وَطَوَّلَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، فَقَالَ: ذَكَرَ الْبَيَانَ بِأَنَّ الْمُصْطَفَى
عليه السلام حَرَّمَ الْمُتْعَةَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ سَبْرَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَضَيْنَا عُمْرَتَنَا قَالَ لَنَا: "اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ"، قَالَ: وَالِاسْتِمْتَاعُ عِنْدَنَا يَوْمَئِذٍ التَّزَوُّجُ، فَعَرَضْنَا بِذَلِكَ النِّسَاءَ أَنْ نَضْرِبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُنَّ أَجَلًا، قَالَ: فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " افْعَلُوا"، فَخَرَجْت أَنَا، وَابْنُ عَمٍّ لِي، مَعِي بُرْدَةٌ وَمَعَهُ بُرْدَةٌ، وَبُرْدُهُ أَجْوَدُ مِنْ بُرْدِي، وَأَنَا أَشَبُّ مِنْهُ، فَأَتَيْنَا امْرَأَةً فَعَرَضْنَا ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَأَعْجَبَهَا شَبَابِي، وَأَعْجَبَهَا بُرْدُ ابْنِ عَمِّي، فَقَالَتْ: بُرْدٌ كَبُرْدٍ، فَتَزَوَّجْتُهَا، وَكَانَ الْأَجَلُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا عَشْرًا، فَلَبِثْتُ عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ غَادِيًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُهُ بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْبَابِ قَائِمًا يَخْطُبُ النَّاسَ، وَهُوَ يَقُولُ: "أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي كُنْت أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ فِي هَذِهِ النِّسَاءِ، أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 1 مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَتَذَاكَرْنَا مُتْعَةَ النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ: قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، انْتَهَى. وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ الحازمي في "كتاب النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ"2 عَلَى نَسْخِ الْمُتْعَةِ، وَبِحَدِيثِ عَلِيٍّ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ الْآتِي. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ3 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: إنَّ عَلِيًّا سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَلِينُ فِي الْمُتْعَةِ، فَقَالَ: مَهْلًا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ، وَمُسْلِمٌ فِي "النِّكَاحِ"، وَفِي "الذَّبَائِحِ"، وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ - خَلَا أَبَا دَاوُد - قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ" 4: هَذِهِ رِوَايَةٌ مُشْكِلَةٌ، فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ لَا يَعْرِفُهُ
أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ، وَرُوَاةُ الْأَثَرِ: أَنَّ الْمُتْعَةَ حُرِّمَتْ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، فَقَالَ فِيهِ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ عَامَ خَيْبَرَ، وَعَنْ الْمُتْعَةِ، وَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ: أَيْ وَنَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهُوَ إذًا تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ فِي لَفْظِ ابْنِ شِهَابٍ، لَا فِي لَفْظِ مَالِكٍ، لِأَنَّ مَالِكًا قَدْ وَافَقَهُ عَلَى لَفْظِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ رُوَاةِ ابْنِ شِهَابٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: لَمْ أَجِدْ رِوَايَةَ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" إلَّا بِلَفْظِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، انْتَهَى. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، انْتَهَى. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِهِ، أَنَّ عَلِيًّا سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَلِينُ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ، فَقَالَ: مَهْلًا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ1، وَيُنْظَرُ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، فَأَغْرَبُ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ رِوَايَةُ مَنْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، ثُمَّ رِوَايَةُ الْحَسَنِ: إنَّ ذَلِكَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَالْمَشْهُورُ فِي ذَلِكَ رِوَايَةُ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ عَامَ الْفَتْحِ، وَهُوَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ". وَفِيهِ حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد 2 مِنْ حَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَيْضًا: أَنَّ تَحْرِيمَهَا كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَرِوَايَةُ مَنْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ أَوْطَاسٍ مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةِ عَامِ الْفَتْحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: رِوَايَةُ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَخْرَجَهَا الْحَازِمِيُّ فِي "النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ" 3 عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ، حَتَّى إذَا كُنَّا عِنْدَ الْعَقَبَةِ مِمَّا يَلِي الشَّامَ جَاءَتْ نِسْوَةٌ، فَذَكَرْنَا تَمَتُّعَنَا، وَهُنَّ تَطُفْنَ فِي رِحَالِنَا، فَجَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إلَيْهِنَّ، وَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةُ؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نِسْوَةٌ تَمَتَّعْنَا مِنْهُنَّ، قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ، وَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ، وَقَامَ فِينَا خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ، فَتَوَادَعْنَا يَوْمَئِذٍ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، وَلَمْ نَعُدْ، وَلَا نَعُودُ لَهَا أَبَدًا، فَبِهَا سُمِّيَتْ يَوْمَئِذٍ: ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُد ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ ثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "حَرَّمَ أَوْ هَدَمَ الْمُتْعَةَ، النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعِدَّةُ، وَالْمِيرَاثُ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": إسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَلَيْسَ فِيهِ مَنْ يُنْظَرُ فِي أَمْرِهِ، إلَّا أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ بْنِ مَنِيعٍ النَّيْسَابُورِيُّ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ رَوَوْا عَنْهُ نَحْوَ الْعَشَرَةِ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ1 أَيْضًا نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ إيَاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُتْعَةِ، قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَتْ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ، فَلَمَّا أُنْزِلَ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعِدَّةُ، وَالْمِيرَاثُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ نُسِخَتْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ"2 مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ تُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ". حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَامَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ: إنَّ نَاسًا أَعْمَى اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، كَمَا أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ يُفْتُونَ بِالْمُتْعَةِ، يَعْرِضُ بِرَجُلٍ3، فَنَادَاهُ، فَقَالَ: إنَّك لَجِلْفٌ جَافٌّ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتْ الْمُتْعَةُ تُفْعَلُ فِي عَهْدِ إمَامِ الْمُتَّقِينَ - يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَجَرِّبْ بِنَفْسِك، فَوَاَللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتهَا لَأَرْجُمَنَّك بِأَحْجَارِك، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ بْنِ سَيْفِ اللَّهِ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَجُلٍ جَاءَهُ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَاهُ، فَأَمَرَهُ بِهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ: مَهْلًا، قَالَ: مَا هِيَ؟ وَاَللَّهِ لَقَدْ فُعِلَتْ فِي عَهْدِ إمَامِ الْمُتَّقِينَ، قَالَ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ: إنَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِمَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا، كَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، ثُمَّ أَحْكَمَ اللَّهُ الدِّينَ، وَنَهَى عَنْهَا، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي رَبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: كُنْت اسْتَمْتَعْت فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ بِبُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ، ثُمَّ نَهَانَا عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ": وَقَدْ كَانَتْ الْمُتْعَةُ مُبَاحَةً مَشْرُوعَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا أَبَاحَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسَّبَبِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: كُنَّا نغزوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: أَلَا نَسْتَخْصِي، فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ، إلَى أَجَلٍ، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ، انْتَهَى. أَوْ لِلسَّبَبِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إنَّمَا كَانَتْ الْمُتْعَةُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْبَلْدَةَ لَيْسَ لَهُ بِهَا مَعْرِفَةٌ، فَيَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يُقِيمُ، فَتَحْفَظُ لَهُ مَتَاعَهُ، وَتُصْلِحُ لَهُ شَيْئَهُ، حَتَّى إذَا نَزَلَتْ الْآيَةُ {إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكُلُّ فَرْجٍ سِوَاهُمَا حَرَامٌ، انْتَهَى. قَالَ الْحَازِمِيُّ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَهَا لَهُمْ وَهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ، وَكَذَلِكَ نَهَاهُمْ عَنْهَا غَيْرَ مَرَّةٍ، وَأَبَاحَهَا لَهُمْ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ بِحَسَبِ الضَّرُورَاتِ، حَتَّى حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ فِي آخِرِ سِنِيهِ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَكَانَ تَحْرِيمَ تَأْبِيدٍ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، إلَّا طَائِفَةً مِنْ الشِّيعَةِ، وَيُحْكَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: وَأَمَّا مَا يُحْكَى فِيهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّلُ إبَاحَتَهَا لِلْمُضْطَرِّ إلَيْهَا، بِطُولِ الْغُرْبَةِ، وَقِلَّةِ الْيَسَارِ، وَالْجُدَّةِ، ثُمَّ تَوَقَّفَ، وَأَمْسَكَ عَنْ الْفَتْوَى بِهَا، ثُمَّ أَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ الْخَطَّابِيِّ ثَنَا ابْنُ السَّمَّاكِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ السَّوَّاقُ ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الْمِنْهَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: لَقَدْ سَارَتْ بِفُتْيَاك الرُّكْبَانُ، وَقَالَتْ فِيهَا الشُّعَرَاءُ، قَالَ: وَمَا قَالُوا؟ قُلْت: قَالُوا: قَدْ قُلْت لِلشَّيْخِ لَمَّا طَالَ مَجْلِسُهُ: ... يَا صَاحِ هَلْ لَك فِي فُتْيَا ابْنِ عَبَّاسِ هَلْ لَك فِي رُخْصَةِ الْأَطْرَافِ آنِسَةٍ ... تَكُونُ مَثْوَاك حَتَّى مَصْدَرِ النَّاسِ؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَاَللَّهِ مَا بِهَذَا أَفْتَيْت، وَمَا هِيَ إلَّا كَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، لَا تَحِلُّ إلَّا لِلْمُضْطَرِّ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ مُخَالِفَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَدِمَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مُعْتَمِرًا فَجِئْنَاهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَسَأَلَهُ الْقَوْمُ عَنْ أَشْيَاءَ، ثُمَّ ذَكَرُوا الْمُتْعَةَ، فَقَالَ: نَعَمْ اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رضي الله عَنْهُمَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقَبْضَةِ مِنْ التَّمْرِ، وَالدَّقِيقِ الْأَيَّامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبي بَكْرٍ، حَتَّى نَهَى عَنْهُ عُمَرُ فِي شَأْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: كُنْت عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَتَاهُ آتٍ، فَقَالَ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ اخْتَلَفَا فِي الْمُتْعَتَيْنِ، فَقَالَ جَابِرٌ: فَعَلْنَاهُمَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ، فَلَمْ نَعُدْ لَهُمَا، انتهى. قوله: وابن عَبَّاسٍ صَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمْ: فَتَقَرَّرَ الْإِجْمَاعُ، قُلْت: رَوَى التِّرْمِذِيُّ
فِي "جَامِعِهِ"1 حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُقْبَةَ أَخُو قَبِيصَةَ بْنِ عُقْبَةَ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إنَّمَا كَانَتْ الْمُتْعَةُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْبَلْدَةَ، لَيْسَ لَهُ بِهَا مَعْرِفَةٌ، فَيَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يُقِيمُ، فَتَحْفَظُ لَهُ مَتَاعَهُ، وَتُصْلِحُ لَهُ شَيْئَهُ، حَتَّى إذَا نَزَلَتْ الْآيَةُ {إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكُلُّ فَرْجٍ سِوَاهُمَا فَهُوَ حَرَامٌ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْءٌ مِنْ الرُّخْصَةِ فِي الْمُتْعَةِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ: حَيْثُ أَخْبَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
باب في الأولياء والأكفاء
بَابُ فِي الْأَوْلِيَاءِ والأكفاء أَحَادِيثُ الْأَصْحَابِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ 2. - إلَّا الْبُخَارِيَّ - عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: " الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ، وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا"، انْتَهَى. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ شَارَكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلِيِّ، ثُمَّ قَدَّمَهَا بِقَوْلِهِ: أَحَقُّ، وَقَدْ صَحَّ الْعَقْدُ مِنْهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ مِنْهَا، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَثْبَتَ لَهَا حَقًّا، وَجَعَلَهَا أَحَقَّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ إلَّا الْمُبَاشَرَةُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا بِإِذْنِهَا. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إنَّ أَبِي أَنْكَحَنِي رَجُلًا، وَأَنَا كَارِهَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِيهَا: "لَا نِكَاحَ لَك، اذْهَبِي، فَانْكِحِي مَنْ شِئْت"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَالْجَوَابُ: إنَّ الْمَوْجُودَ فِي "الصَّحِيحِ" 3 إنَّ أَبَاهَا أَنْكَحَهَا، وَهِيَ
كَارِهَةٌ، فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ حَدِيثِ خَنْسَاءَ بنت خدام، وَأَمَّا قَوْلُهُ: انْكِحِي مَنْ شِئْت، فَرَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ مُرْسَلًا. هَذَا، وَالْمُرْسَلُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَلَوْ قُلْنَا: إنَّهُ حُجَّةٌ، فَالْمُرَادُ تَخْيِيرُ الْأَكْفَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اخْتِلَافٌ، رَوَاهُ إسْرَائِيلُ، وَشَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَقَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ 2 أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَزَيْدُ حُبَابٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ، وَرَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ 3 عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَى شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي مُرْسَلًا - وَأَسْنَدَهُ 4 بَعْضُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، وَلَا يَصِحُّ، وَرِوَايَةُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ"، عِنْدِي أَصَحُّ، لِأَنَّ سَمَاعَهُمْ مِنْ أَبِي إسْحَاقَ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَإِنْ كَانَ شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ أَحْفَظَ، وَأَثْبَتَ مِنْ جَمِيعِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْ أَبِي إسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ، فَإِنَّ رِوَايَةَ هَؤُلَاءِ عِنْدِي أَشْبَهُ وَأَصَحُّ، لِأَنَّ شُعْبَةَ، وَالثَّوْرِيَّ سَمِعَا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ثَنَا أَبُو دَاوُد ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْت سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَسْأَلُ أَبَا إسْحَاقَ أَسَمِعْت أَبَا بُرْدَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ"؟ قَالَ: نَعَمْ، فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ سَمَاعَ شُعْبَةَ، وَالثَّوْرِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَإِسْرَائِيلُ هُوَ ثَبْتٌ فِي أَبِي إسْحَاقَ، انْتَهَى كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 5 عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَكُنْ لِلشَّيْخَيْنِ إخْلَاءُ الصَّحِيحَيْنِ مِنْهُ، فَإِنَّ النُّعْمَانَ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، وَقَدْ وَصَلَهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ جَمِيعًا، وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الثِّقَاتِ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ جَدِّهِ، فَوَصَلُوهُ، فَأَمَّا إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ الثِّقَةُ الْحُجَّةُ فِي حَدِيثِ جَدِّهِ أَبِي إسْحَاقَ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي وَصْلِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ الْقَاسِمِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، وَأَبِي غَسَّانَ مَالِكِ بْنِ إسْمَاعِيلَ، وأحمد بن الخالد الْوَهْبِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ1، وَطَلْقِ بْنِ غَنَّامٍ، كُلُّهُمْ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ بِهِ سَنَدًا، قَالَ: وَهَذِهِ الْأَسَانِيدُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ، وَقَدْ وَصَلَهُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ أَيْضًا جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ مَنْ ذَكَرْنَاهُمْ، مِنْهُمْ: الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ رضي الله تعالى عنه، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَرَقَبَةُ بْنُ مَصْقَلَةَ، وَمُطَرِّفُ بْنُ طَرِيفٍ الْحَارِثِيُّ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلَالِيُّ، وَزَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَغَيْرُهُمْ، قَالَ: وَقَدْ وَصَلَهُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ جَمَاعَةٌ غَيْرُ أَبِي إسْحَاقَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ بِهِ مُسْنَدًا، وَعَنْ أَبِي حُصَيْنٍ 2 عُثْمَانَ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ بِهِ مُسْنَدًا، قَالَ: وَلَسْت أَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي عَدَالَةِ يُونُسِ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي وَقَعَ عَلَى أَبِيهِ مِنْ جِهَةِ أَصْحَابِهِ لَا مِنْ جِهَةِ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، وَالْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وعمران بن الحصين، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَكْثَرُهَا صَحِيحَةٌ، وَقَدْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنهم، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"،
وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ - فِي تَرْجَمَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى"، ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَلَقِيت الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَقُلْت لَهُ: إنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى حَدَّثَنَا بِهِ عَنْك، قَالَ: فَأَثْنَى عَلَى سُلَيْمَانَ خَيْرًا، وَقَالَ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ وَهِمَ عَلَيَّ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا حَدِيثٌ جَلِيلٌ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ فِي إبْطَالِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ الْكِبَارُ مِنْ النَّاسِ، مِنْهُمْ: يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَلَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَزَادَ فِيهِ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ثُمَّ لَقِيت الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ1، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: ثُمَّ لَقِيت الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْهُ، فَأَنْكَرَهُ، فَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ مِنْ أَجْلِ هَذَا، وَذُكِرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَذْكُرْ هَذَا عَنْ الزُّهْرِيِّ إلَّا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَضَعَّفَ يَحْيَى رِوَايَةَ إسْمَاعِيلَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، انْتَهَى. وَحِكَايَةُ ابْنِ جُرَيْجٍ هَذِهِ أَسْنَدَهَا الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" أَيْضًا2، فَقَالَ: وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهُ ابْنَ شِهَابٍ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": وَقَدْ أَوْهَمَ هَذَا الْخَبَرَ مَنْ لَمْ يُحْكِمْ صِنَاعَةَ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ بِحِكَايَةٍ حَكَاهَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ لَقِيت الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْخَبَرِ، لِأَنَّ الضَّابِطَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدْ يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ يَنْسَاهُ، فَإِذَا سُئِلَ عَنْهُ لَمْ يَعْرِفْهُ، فَلَا يَكُونُ نِسْيَانُهُ دَالًّا عَلَى بُطْلَانِ الْخَبَرِ، وَهَذَا الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ الْبَشَرِ صَلَّى فَسَهَا، فَقِيلَ له: أقصرت الصلات أَمْ نَسِيت؟ فَقَالَ: "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ"، فَلَمَّا جَازَ عَلَى مَنْ اصْطَفَاهُ اللَّهُ لِرِسَالَتِهِ فِي أَعَمِّ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ حِينَ نَسِيَ، فَلَمَّا سَأَلُوهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ نِسْيَانُهُ دَالًّا عَلَى بُطْلَانِ الْحُكْمِ الَّذِي نَسِيَهُ، كَانَ جَوَازُ النِّسْيَانِ عَلَى مَنْ دُونَهُ مِنْ أُمَّتِهِ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا بِمَعْصُومِينَ أَوْلَى، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ 3 بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: وَقَدْ صَحَّتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَثْبَاتِ بِسَمَاعِ الرُّوَاةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، فَلَا تُعَلَّلُ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَقَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَقَدْ يَنْسَى
الثِّقَةُ الْحَافِظُ الْحَدِيثَ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَ بِهِ، وَقَدْ اتَّفَقَ ذَلِكَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ ثَنَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: وَذَكَرَ عِنْدَهُ حِكَايَةَ ابْنِ عُلَيَّةَ فِي حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ"، فَقَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ لَهُ كُتُبٌ مُدَوَّنَةٌ، وَلَيْسَ هَذَا فِيهَا - يَعْنِي حِكَايَةَ ابْنِ عُلَيَّةَ - انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَقَدْ أَعَلَّ مَنْ يُسَوِّي الْأَخْبَارَ عَلَى مَذْهَبِهِ هَذَا الْحَدِيثَ بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ عَنْهُ فَأَنْكَرَهُ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُمَا ضَعَّفَا رِوَايَةَ ابْنِ عُلَيَّةَ هَذِهِ، قَالَ: فَهَذَانِ إمَامَانِ قَدْ وَهَّنَا هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَعَ وُجُوبِ قَبُولِ خَبَرِ الصَّادِقِ، وَإِنْ نَسِيَ مَنْ أَخْبَرَ عَنْهُ، الثَّانِي: أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها رُوِيَ عَنْهَا مَا يُخَالِفُهُ، فَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَمِثْلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ؟! فَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: إنَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا كُنْت لِأَرُدَّ أَمْرًا قَضَيْته، فَاسْتَقَرَّتْ حَفْصَةُ عِنْدَ الْمُنْذِرِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"، كَمَا تَرَاهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَنَحْنُ نَحْمِلُ قَوْلَهُ: زَوَّجَتْ - أَيْ مَهَّدَتْ أَسْبَابَ التَّزْوِيجِ - وَأُضِيفَ النِّكَاحُ إلَيْهَا لِاخْتِيَارِهَا ذَلِكَ، وَإِذْنِهَا فِيهِ، ثُمَّ أَشَارَتْ عَلَى مَنْ وَلِيَ أَمْرَهَا عِنْدَ غَيْبَةِ أَبِيهَا حَتَّى عَقْدِ النِّكَاحِ. قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ مَا أَخْبَرْنَا، وَأُسْنِدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: كُنْت عِنْدَ عَائِشَةَ يُخْطَبُ إلَيْهَا الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِهَا، فَتَشْهَدُ، فَإِذَا بَقِيَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، قَالَتْ لِبَعْضِ أَهْلِهَا: زَوِّجْ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ، وَفِي لَفْظٍ: فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا يَنْكِحْنَ، قَالَ: إذَا كَانَ مَذْهَبُهَا مَا رُوِيَ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: زَوَّجَتْ، مَا ذَكَرْنَاهُ، فَلَا يُخَالِفُ مَا رَوَتْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَالْعَجَبُ مِنْ هَذَا الْمُحْتَجِّ بِحِكَايَةِ ابْنِ عُلَيَّةَ فِي رَدِّ هَذِهِ السُّنَّةِ، وَهُوَ يَحْتَجُّ بِرِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَهُوَ يَرُدُّهَا ههنا عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِمِثْلِهِ، وَيَحْتَجُّ أَيْضًا بِرِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ فِي غَيْرِ موضع، ويردها ههنا عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِمِثْلِهِ، فَيَقْبَلُ رِوَايَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةً إذَا وَافَقَتْ مَذْهَبَهُ، وَلَا يَقْبَلُ رِوَايَتَهُمَا مُجْتَمِعَةً، إذَا خَالَفَتْ مَذْهَبَهُ، وَمَعَهُمَا رِوَايَةُ ثِقَةٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَاحْتَجَّ أَيْضًا لِمَذْهَبِهِ بِتَزْوِيجِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، أُمَّهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ صَغِيرٌ، قَالَ: وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَائِزًا بِغَيْرِ وَلِيٍّ لَأَوْجَبَتْ الْعَقْدَ بِنَفْسِهَا، وَلَمْ تَأْمُرْ غَيْرَهَا، فَلَمَّا أَمَرَتْ بِهِ غَيْرَهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهَا - عَلَى مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ - دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ، وَقَوْلُ مَنْ زَعَمَ: إنَّهُ زَوَّجَهَا بِالْبُنُوَّةِ يُقَابَلُ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: بَلْ زَوَّجَهَا بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ بَنِي أَعْمَامِهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْهُ،
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَأُمُّ سَلَمَةَ هِيَ هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، فَتَزَوُّجُهُ بِهَا كَانَ بِوَلِيٍّ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ نِكَاحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى وَلِيٍّ، وَتَزْوِيجُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَإِنْكَارُ الزُّهْرِيِّ الْحَدِيثَ لَا يَطْعَنُ في روايته، لأن الثقات قَدْ يَرْوِي وَيَنْسَى، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ 1: كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يُحَدِّثُ نَاسًا، ثُمَّ يَقُولُ: لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيثِي وَلَا أَعْرِفُهُ، وَرُوِيَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ حَدِيثٌ فَأَنْكَرَهُ، فَقَالَ لَهُ رَبِيعَةُ: أَنْتَ حَدَّثْتنِي بِهِ عَنْ أَبِيك، فَكَانَ سُهَيْلُ يَقُولُ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ عَنِّي، وَقَدْ جَمَعَ الدَّارَقُطْنِيُّ جزءً فِيمَنْ حَدَّثَ وَنَسِيَ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الزُّهْرِيَّ نَسِيَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَقُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ إسْحَاقَ، فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِهِ عَنْهُ، فَحَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْهُ، وَحَدِيثُ.. (*) قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى لَيْسَ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ، بَلْ هُوَ صَدُوقٌ، وَقَالَ فِيهِ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَلِفَ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ، فَرُوِيَ كما تقدم في حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ له"، والحجاج ضعيف، رواه ابْنُ مَاجَهْ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ ثَنَا أَبِي عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ سَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ، وَنُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَكِيمٍ، وَقَالُوا فِيهِ: وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، وَأَبُوهُ ضَعِيفَانِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي الْخَصِيبِ عَنْ هِشَامٍ بِهِ مَرْفُوعًا: لَا بُدَّ فِي النِّكَاحِ مِنْ أَرْبَعَةٍ: الْوَلِيِّ، وَالزَّوْجِ، وَالشَّاهِدَيْنِ، وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا، وَأَبُو الْخَصِيبِ اسْمُهُ: نَافِعُ بْنُ مَيْسَرَةَ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 3 عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ زَوَّجَ أُخْتًا لَهُ، فَطَلَّقَهَا الرَّجُلُ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَخْطُبُهَا، فَقَالَ: زَوَّجْتُك كَرِيمَتِي فَطَلَّقْتهَا، ثُمَّ أَنْشَأْت تَخْطُبُهَا؟! فَأَبَى أَنْ يُزَوِّجَهُ، وَهَوِيَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ 1 عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ"، وَالْحَجَّاجُ ضَعِيفٌ، وَفِي سماعه عن عِكْرِمَةَ نَظَرٌ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَلَكِنْ رُوِيَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْهُ، لَكِنَّ الطَّبَرَانِيَّ رَوَاهُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ بِهِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خَيْثَمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إلَّا أَنَّهُ مَحْفُوظٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ إلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي يعقوب عن بْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَمِيلِ بْنِ الْحَسَنِ الْجَهْضَمِيِّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ الْعُقَيْلِيُّ ثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُزَوِّجْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ الْجَرْمِيِّ ثَنَا مَخْلَدٍ بْنُ الْحُسَيْنِ ثَنَا هِشَامٌ بِهِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَجَمِيلٌ، وَمُسْلِمٌ هَذَانِ لَا يُعْرَفَانِ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": أَمَّا جَمِيلٌ فَهُوَ ابْنُ الْحَسَنِ الْأَزْدِيُّ الْعَتَكِيُّ الْأَهْوَازِيُّ مَشْهُورٌ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ أَبِي دَاوُد، وَخَلَفٌ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُهُ، وَمُسْلِمٌ الْجَرْمِيِّ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرحمن، قال ابن أبي حاتم: هُوَ مِنْ الثِّقَاتِ، رَوَى عَنْ مَخْلَدٍ بْنِ حُسَيْنٍ، وَرَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ أَيْضًا هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: سَأَلْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ رِوَايَةِ مَخْلَدٍ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، قُلْت: تَذَكَّرْت لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، كَانَ عِنْدَنَا شَيْخٌ يَرْفَعُهُ عَنْ مَخْلَدٍ، وَرَوَاهُ بَحْرُ بْنُ نَضْرٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ أَشْبَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَحَادِيثَ وَاهِيَةً ضَعِيفَةً، أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الوسط" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ الرِّيبُونِيُّ ثَنَا عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الرَّقِّيِّ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ بَكْرِ بْنِ بَكَّارَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحْرِزٍ
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحْرِزٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَهُمَا مَعْلُولَانِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحْرِزٍ، وَفِي الْأَوَّلِ أَيْضًا بَكْرُ بْنُ بَكَّارَ، وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 1 عَنْ ثَابِتِ بْنِ زُهَيْرٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، قَالَهُ ابْنُ عَدِيٍّ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ 2 بْنِ مُحَمَّدٍ أَبِي عَلِيٍّ الْكِنْدِيِّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْجَرَّاحِ الْحَسَّانِيُّ ثَنَا أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ: قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ إلَّا أَحْمَدُ هَذَا، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عبيد فِي "الْكَامِلِ" عَنْ عُمَرَ بن صبيح بْنِ عِمْرَانَ التَّمِيمِيِّ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ الْأَصْبَغِ بْنِ ثُمَامَةَ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيٍّ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ"، وَضَعَّفَهُ مَعْمَرُ بْنُ صُبَيْحٍ، قَالَ: وَقَدْ اضْطَرَبَ فِيهِ، فَمَرَّةً رَوَاهُ هَكَذَا، وَمَرَّةً رَوَاهُ عَنْ مُقَاتِلٍ عَنْ قَبِيصَةَ عَنْ مُعَاذٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ عن إسماعيل بن يوسف الْبَصْرِيِّ ثَنَا هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُجَاشِعِيُّ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَقَالَ: إسْمَاعِيلُ هَذَا يَسْرِقُ الْحَدِيثَ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ أَبِي دَاوُد، وَأَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ 3 الْعَرْزَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى الْعَرْزَمِيِّ، فَرُوِيَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَمَرَّةً كَمَا أَخْبَرْنَا، فَأُسْنِدَ عَنْ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَمَرَّةً كَمَا أَخْبَرْنَا، فَأُسْنِدَ عَنْهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَهَذِهِ الِاخْتِلَافَاتُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهَا غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ النَّصِيبِيُّ ثَنَا حَمْزَةُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فرّق بينهما، وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ رَاهْوَيْهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ"، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: تَفَرَّدَ بِهِ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَفِي لَفْظِهِ التَّفْرِيقُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ فِي إبْطَالِ النِّكَاحِ، دُونَ لَفْظِ التَّفْرِيقِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ إجْبَارِ الْبِكْرِ الْبَالِغِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: لَيْسَ لِلْوَلِيِّ إجْبَارُ الْبِكْرِ البالغ عَلَى النِّكَاحِ، وَخَالَفَهُمْ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ. لِأَصْحَابِنَا حَدِيثٌ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ1، وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ حُسَيْنٍ ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْمُخَرَّجُ له فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ2، وَقَالَ: أَخْطَأَ فِيهِ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَلَى أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلًا، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ أَيُّوبَ مَوْصُولًا، وَزَيْدٌ مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ" 3 سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثِ حُسَيْنٍ، فَقَالَ: هُوَ خَطَأٌ، إنَّمَا هُوَ كَمَا رَوَى الثِّقَاتُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَقُلْت لَهُ: الْوَهَمُ مِمَّنْ؟ فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ حُسَيْنٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ غَيْرُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ: قَدْ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ أَيْضًا، كَمَا رَوَاهُ حُسَيْنٌ، فَبَرِئَتْ عُهْدَتُهُ، وَزَالَتْ تَبِعَتُهُ، ثُمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ، قال: ورواه أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْد هَكَذَا عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَيُّوبَ مَوْصُولًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ أَيُّوبَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، قَالَ: وَلَيْسَتْ هَذِهِ خَنْسَاءَ بنت خدام الَّتِي زَوَّجَهَا أَبُوهَا، وَهِيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْهُ، فَرَدَّ عليه السلام نِكَاحَهُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، فَإِنَّ تِلْكَ ثَيِّبٌ، وَهَذِهِ بِكْرٌ، وَهُمَا ثِنْتَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى
أَنَّهُمَا ثِنْتَانِ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ نِكَاحَ بِكْرٍ، وَثَيِّبٍ أَنْكَحَهُمَا أَبُوهُمَا وَهُمَا كَارِهَتَانِ، انْتَهَى. قُلْت: أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 حَدِيثَ خَنْسَاءَ، وَفِيهِ أَنَّهَا كَانَتْ بِكْرًا، رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَنْسَاءَ، قَالَتْ: أَنْكَحَنِي أَبِي وَأَنَا كَارِهَةٌ، وَأَنَا بِكْرٌ، فَشَكَوْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "لَا تُنْكِحْهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": وَقَعَ فِي كِتَابِ النَّسَائِيّ أَنَّهَا كَانَتْ بِكْرًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا كَانَتْ ثَيِّبًا، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَتَزَوَّجَتْ خَنْسَاءُ بِمَنْ هَوِيَتْهُ، وَهُوَ أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، صَرَّحَ بِهِ فِي "سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ"، فَوَلَدَتْ لَهُ السَّائِبَ بْنَ أَبِي لُبَابَةَ، فَأَمَّا الْجَارِيَةُ الْبِكْرُ فَهِيَ غَيْرُ الْخَنْسَاءِ، رَوَى حَدِيثَهَا ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ، وَعَائِشَةُ، عِنْدَ أَبِي دَاوُد، مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 3 عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِيُطَيِّبَ قَلْبَهَا. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 4 عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ، وَهِيَ بِكْرٌ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهَا، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا وَهَمٌ مِنْ شُعَيْبٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ: لَمْ يَسْمَعْهُ الْأَوْزَاعِيُّ مِنْ عَطَاءٍ، وَالْحَدِيثُ فِي الْأَصْلِ مُرْسَلٌ لَفْظًا، إنَّمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلٌ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 5 عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ بِكْرًا، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِكَاحَهَا، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى6، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَزِعُ النِّسَاءَ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ ثَيِّبًا وَأَبْكَارًا بَعْدَ أَنْ يُزَوِّجَهُنَّ الْآبَاءُ إذَا كَرِهْنَ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مِنْ نَافِعٍ، إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: بَاطِلٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": سُئِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ
عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: يَرْوِيهِ صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظٍ آخَرَ، وَبَيَّنَ فِيهِ أَنَّ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ سَمِعَهُ مِنْ نَافِعٍ، وَأَتَى بِهِ بِطُولِهِ عَلَى الصَّوَابِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ عَنْ عُمَرَ، وَمَنْ قَالَ فِيهِ: عُمَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ فَقَدْ وَهِمَ، وَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْر عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ، وَالصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ نافع، وفي الْأَحَادِيثِ بَيَانُ أَنَّ التَّزْوِيجَ كَانَ مِنْ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ أَخِي عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ لِأَبِيهِ، وَهُوَ عَمُّهَا، وَهُوَ أَصَحُّ مِمَّنْ قَالَ: زَوَّجَهَا أَبُوهَا، لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهَا عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَهُوَ خَالُ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ الذِّمَارِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامٍ صَاحِبِ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ نِكَاحَ بِكْرٍ وَثَيِّبٍ أَنْكَحَهُمَا أَبُوهُمَا، وَهُمَا كَارِهَتَانِ، فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِكَاحَهُمَا، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هَذَا، هُوَ ابْنُ جُوتِيٍّ الطَّبَرِيُّ1، وَهُوَ ضَعِيفٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ عَنْ الذِّمَارِيِّ، فَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ مُسْلِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ الذِّمَارِيِّ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهِمَ فِيهِ الذِّمَارِيُّ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَالصَّوَابُ عَنْ يَحْيَى عَنْ الْمُهَاجِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَهُوَ فِي "جَامِعِ الثَّوْرِيِّ"، كَمَا ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مُرْسَلًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ غَيْرُ الثَّوْرِيِّ عَنْ هِشَامٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ2، وَأَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ فَتَاةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي مِنْ خَسِيسَتِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ الْأَمْرَ إلَيْهَا، فَقَالَتْ: إنِّي قَدْ أَجَزْت مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْت أَنْ تُعَلِّمَ النِّسَاءَ أَنْ لَيْسَ إلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ 3: هَذَا مُرْسَلٌ، ابْنُ بُرَيْدَةَ، لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ، وَإِنْ صَحَّ، فَإِنَّمَا جَعَلَ الْأَمْرَ إلَيْهَا لِوَضْعِهَا فِي غَيْرِ كُفْءٍ، انْتَهَى. قُلْت: هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ
أَيُّوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ الثري ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَتْ فَتَاةٌ، الْحَدِيثَ، سَوَاءٌ، وَيُنْظَرُ مُسْنَدُ أَحْمَدَ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَجُمْهُورُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ زَوَّجَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ 1 وَقَوْلهَا: زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ، يَكُونُ ابْنَ عَمِّهَا. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" 2 عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ قَسَّمَ النِّسَاءَ قِسْمَيْنِ: ثَيِّبًا، وَأَبْكَارًا، ثُمَّ خَصَّ الثَّيِّبَ بِأَنَّهَا أَحَقُّ مِنْ وَلِيِّهَا، مَعَ أَنَّهَا هِيَ وَالْبِكْرُ اجْتَمَعَا فِي ذِهْنِهِ، فَلَوْ أَنَّهَا كَالثَّيِّبِ فِي تَرَجُّحِ حَقِّهَا عَلَى حَقِّ الْوَلِيِّ، لَمْ يَكُنْ لِإِفْرَادِ الثَّيِّبِ بِهَذَا مَعْنًى، وَصَارَ هَذَا كَقَوْلِهِ: فِي سَائِمَةِ الغنم الزكاة، ففإن قَالُوا: قَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا بِلَفْظِ: الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا، وَالْأَيِّمُ: هِيَ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا، بِكْرًا كَانَتْ، أَوْ ثَيِّبًا، قُلْنَا: الْمُرَادُ بِالْأَيِّمِ أَيْضًا الثَّيِّبُ، لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْبِكْرَ، عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الثَّيِّبَ، إذْ لَيْسَ قِسْمٌ ثَالِثٌ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": لَا دَلَالَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ لَيْسَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا، إلَّا مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ، وَالْحَنَفِيَّةُ لَا يَقُولُونَ بِهِ، ثُمَّ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِهِ - كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ - لَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى إجْبَارِ كُلِّ بِكْرٍ، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ لَا عُمُومَ لَهُ، فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ هِيَ دُونَ الْبُلُوغِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ قَدْ خَالَفَهُ مَنْطُوقُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ، وَالِاسْتِئْذَانُ مُنَافٍ لِلْإِجْبَارِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّفْرِيقُ فِي الْحَدِيثِ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ، لِأَنَّ الثَّيِّبَ تُخْطَبُ إلَى نَفْسِهَا، فَتَأْمُرُ الْوَلِيَّ بِتَزْوِيجِهَا، وَالْبِكْرُ تُخْطَبُ إلَى وَلِيِّهَا، فَيَسْتَأْذِنُهَا، وَلِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فِي كَوْنِ الثَّيِّبِ إذْنُهَا الْكَلَامُ، وَالْبِكْرُ إذْنُهَا الصُّمَاتُ، لِأَنَّ البكر لما كانت تستحيي أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي أَمْرِ نِكَاحِهَا، لَمْ تُخْطَبْ إلَى نَفْسِهَا، وَالثَّيِّبُ تُخْطَبُ إلَى نَفْسِهَا لِزَوَالِ حَيَاءِ الْبِكْرِ عَنْهَا، فَتَتَكَلَّمُ بِالنِّكَاحِ، وَتَأْمُرُ وَلِيَّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا، فَلَمْ يَقَعْ التَّفْرِيقُ فِي الْحَدِيثِ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ لِأَجْلِ الْإِجْبَارِ، وَعَدَمِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انتهى كلامه. قَالَ أَصْحَابُنَا: يَمْلِكُ الْوَلِيُّ إجْبَارَ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ عَلَى النِّكَاحِ، وَخَالَفَهُمْ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، لَهُمَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمُ مَرْفُوعًا: " الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَحَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "لَا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ3، وَحَدِيثُ
خَنْسَاءَ بنت خدام أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، وَكَانَتْ ثَيِّبًا، فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِكَاحَهُ، انْتَهَى. انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ 1 عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ"، انْتَهَى 2. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 3 وَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْهُ صَالِحٌ مِنْ نَافِعٍ، إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْهُ، اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ إسْحَاقَ، وَسَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ صَالِحٍ، وَكَأَنَّ مَعْمَرًا أَخْطَأَ فِيهِ، قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ: وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ مَعْمَرًا أَخْطَأَ فِيهِ، قَالَ النَّسَائِيُّ: لَعَلَّ صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْحَاقَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فَقَالَ: ذِكْرُ الْخَبَرِ الْمُدْحِضِ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، ثُمَّ ذَكَرَهُ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ عَنْ نَافِعٍ، وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، قَالَ صَالِحٌ: إنَّمَا سَمِعْته مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ رَضِيَتْ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ" 4، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ:
"أَنْ تَسْكُتَ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ؟ قَالَ:"نَعَمْ"، قُلْت: فَإِنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْمَرُ، فَتَسْتَحِي، فَتَسْكُتُ، قَالَ: "سُكُوتُهَا إذْنُهَا"، انْتَهَى. وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ فِي "الْإِكْرَاهِ"، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: قَالَتْ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَارِيَةِ يُنْكِحُهَا أَهْلُهَا أَتُسْتَأْمَرُ أَمْ لَا؟ قَالَ: " نَعَمْ تُسْتَأْمَرُ"، قُلْت: فَإِنَّهَا تَسْتَحِي، قَالَ: "ذَلِكَ إذْنُهَا، إذَا هِيَ سَكَتَتْ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ - خَلَا الْبُخَارِيَّ - عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا" انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ2: "الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ قَرِيبًا. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "النِّكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ"، قُلْت:......... 3 الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ"، قُلْت: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ4، فَإِنْ
دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، وَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، انْتَهَى. وَفِيهِ كَلَامٌ تَقَدَّمَ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَكُلُّهَا مَعْلُولَةٌ. فَصْلٌ فِي الْكَفَاءَةِ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "أَلَا لَا تُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ، وَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا" 1 عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُنْكِحُوا النِّسَاءَ إلَّا الْأَكْفَاءَ، وَلَا يُزَوِّجْهُنَّ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ، وَلَا مَهْرَ دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، أَحَادِيثُهُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، انْتَهَى. وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: أَحَادِيثُ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ مَوْضُوعَةٌ كَذِبٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَهُوَ كَمَا قَالَ، لَكِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَيُدَلِّسُ عَلَى الضُّعَفَاءِ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَهُ، وَعَنْ أَبِي يَعْلَى رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، وَقَالَ: مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ، لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ إلَّا عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابَيْهِمَا" وَأَعَلَّاهُ بِمُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَأَسْنَدَ الْعُقَيْلِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ وَصَفَهُ بِالْوَضْعِ وَالْكَذِبِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ 2: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِمُرَّةَ، وَفِي اعْتِبَارِ الْأَكْفَاءِ أَحَادِيثُ لَا تَقُومُ بِأَكْثَرِهَا الْحُجَّةُ، وَأَمْثَلُهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ: ثَلَاثَةٌ لَا تُؤَخِّرُهَا، وَفِيهِ: وَالْأَيِّمُ إذَا وَجَدَتْ كُفُؤًا، انْتَهَى. قُلْت: هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ 3 فِي "الصَّلَاةِ - فِي الْجَنَائِزِ" حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: "يَا عَلِيُّ، ثَلَاثٌ لَا تُؤَخِّرْهَا: الصَّلَاةُ إذَا آنَتْ، وَالْجِنَازَةُ إذَا حَضَرَتْ، وَالْأَيِّمُ إذا وجدت لها كفؤاً"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "الْجَنَائِزِ": حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَمَا أَرَى
إسْنَادَهُ مُتَّصِلًا، انْتَهَى. قُلْت: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ 1 - فِي النِّكَاحِ" كَذَلِكَ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. إلَّا أَنِّي وَجَدْته، قَالَ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ، عَوَّضَ: سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ، فَلْيُنْظَرْ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِاشْتِرَاطِهَا، وَلَا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهِ، وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي اشْتِرَاطِهَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" 2: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَصْلُ الْكَفَاءَةِ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ، لِأَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا خَيَّرَهَا، لِأَنَّ زَوْجَهَا لم يكن كفؤاً، انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" عَلَى اشْتِرَاطِهَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ: "تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَأَنْكِحُوا الْأَكْفَاءَ"، وَهَذَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، اسْتَوْفَيْنَاهَا، وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي "كِتَابِ الْإِسْعَافِ - بِأَحَادِيثِ الْكَشَّافِ - فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لِأَصْحَابِنَا فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْكَفَاءَةِ بِمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ فَتَاةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي مِنْ خَسِيسَتِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ الْأَمْرَ إلَيْهَا، فَقَالَتْ: إنِّي قَدْ أَجَزْت مَا صنع أبي، ولكن أَرَدْت أَنْ تُعَلِّمَ النِّسَاءَ أَنْ لَيْسَ إلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، ابْنُ بُرَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ، انْتَهَى. قُلْت: هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ سَوَاءٌ، وَيُنْظَرُ مُسْنَدُ أَحْمَدَ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ بعض، بَطْنٌ بِبَطْنٍ، وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ، وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، رَجُلٌ بِرَجُلٍ"، قُلْت: رَوَى الْحَاكِمُ 3 حَدَّثَنَا الْأَصَمُّ ثَنَا الصَّغَانِيُّ ثَنَا شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ ثَنَا بَعْضُ إخْوَانِنَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ، وَرَجُلٌ بِرَجُلٍ، وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ، وَرَجُلٌ بِرَجُلٍ، إلَّا حَائِكٌ أَوْ حَجَّامٌ"، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَذَا مُنْقَطِعٌ، إذْ لَمْ يُسَمِّ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ بَعْضَ أَصْحَابِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ الْأَيْلِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ سَوَاءٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ مَوْضُوعٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ جريج عن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، مِثْلُهُ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ"، وَأَعَلَّهُ بِعِمْرَانَ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ، وَقَالَ: إنَّهُ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الْأَثْبَاتِ، لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِعِمْرَانَ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمَا، وَقَالَ: الضَّعْفُ عَلَى حَدِيثِهِ بَيِّنٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، ضَعِيفُهُ جِدًّا، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: النَّاسُ أَكْفَاءٌ، قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ، وَعَرَبِيٌّ لِعَرَبِيٍّ، وَمَوْلًى لِمَوْلًى، إلَّا حَائِكٌ أَوْ حَجَّامٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ" مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: بَقِيَّةُ مَغْمُوزٌ بِالتَّدْلِيسِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ مَطْعُونٌ فِيهِ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ بِهِ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، وَأَعَلَّهُ بِعَلِيِّ بْنِ عُرْوَةَ، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ "صَاحِبُ التَّنْقِيحِ": وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ الطَّرَائِفِيُّ مِنْ أَهْلِ حَرَّانَ، يَرْوِي عَنْ الْمَجَاهِيلِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ بِمُرَّةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" 1 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ ثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ، وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ خَالِدَ بْنَ مَعْدَانُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ لَمْ أَجِدْ لَهُ ذِكْرًا، انْتَهَى.
باب المهر
بَاب الْمَهْر الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "لَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْكَفَاءَةِ حَدِيثُ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عن عطاء، وعمرو بن دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُنْكِحُوا النِّسَاءَ إلَّا الْأَكْفَاءَ، وَلَا يُزَوِّجُهُنَّ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ، وَلَا مَهْرَ دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ"، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ1، تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. الْآثَارُ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ دَاوُد الْأَوْدِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَلَا يَكُونُ الْمَهْرُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: دَاوُد الْأَوْدِيُّ ضَعِيفٌ، كَانَ يَقُولُ بِالرَّجْعَةِ، ثُمَّ إنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلِيٍّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا فِي "الْحُدُودِ" عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَهُ، وَجُوَيْبِرٌ أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ الضَّحَّاكِ بِسَنَدِهِ، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: لَا يَكَادُ يُعْرَفُ، انتهى كلامه. حديث الخصوم: أخرج الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْت أَهَبُ لَك نَفْسِي، فَنَظَرَ إلَيْهَا، وَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا، وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا بِشَيْءٍ، جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنْ لَمْ يَكُنْ لَك بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: "هَلْ مَعَك شَيْءٌ؟ " قَالَ: لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " اذْهَبْ إلَى أَهْلِك فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا"، فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ مَا وَجَدْت شَيْئًا، فَقَالَ عليه السلام: "اُنْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ"، فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْت شَيْئًا، وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إزَارِي، فَلَهَا نِصْفُهُ، فَقَالَ
عليه السلام: "مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِك؟! إنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك مِنْهُ شَيْءٌ"، فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ، ثُمَّ قَامَ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا أُمِرَ بِهِ، فَدُعِيَ، فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ لَهُ: "مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: سُورَةُ كَذَا وَكَذَا، عَدَّدَهَا، فقال: تقرأهن عَنْ ظَهْرِ قَلْبِك؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبْ، فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 1 حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ جِبْرِيلَ الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا يَزِيدُ ثَنَا مُوسَى بْنُ مُسْلِمِ بْنِ رُومَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ أَعْطَى فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ مِلْءَ كَفَّيْهِ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا، فَقَدْ اسْتَحَلَّ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ صَالِحِ بْنِ رُومَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: لَا يُعَوَّلُ عَلَى مَنْ أَسْنَدَهُ، قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي "الْمِيزَانِ": إسْحَاقُ هَذَا لَا يُعْرَفُ، وَضَعَّفَهُ الْأَزْدِيُّ، وَمُسْلِمُ بْنُ رُومَانَ يُقَالُ: إنَّ اسْمَهُ صَالِحٌ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَعَنْهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ فَقَطْ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ عَلَى نَعْلَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ، لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ فَاحِشَ الْخَطَأِ فَتُرِكَ 3. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَدُّوا الْعَلَائِقَ، قِيلَ: مَا الْعَلَائِقُ؟ قَالَ: مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ، وَلَوْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ"، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَمَعَ إرْسَالِهِ فِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَبُو مُحَمَّدٍ لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الضَّعْفِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا 4 عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يَضُرُّ أَحَدَكُمْ، بِقَلِيلٍ مِنْ مَالِهِ تَزَوَّجَ أَمْ بِكَثِيرٍ، بَعْدَ أَنْ يُشْهِدَ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَأَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ اسْمُهُ عُمَارَةُ بْنُ جُوَيْنٍ، قال حماد بن يزيد: كَانَ كَذَّابًا، وَقَالَ السَّعْدِيُّ: كَذَّابٌ مُفْتَرٍ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: والمتعة ثلاثة أَثْوَابٍ مِنْ كِسْوَةِ مِثْلِهَا، وَهِيَ: دِرْعٌ، وَخِمَارٌ، وَمِلْحَفَةٌ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ 1 عَنْ ابْنِ عباس. والله أعلم الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "لَهَا مَهْرُ مِثْلِ نِسَائِهَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ فِي "سُنَنِهِمْ" 2 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَاللَّفْظُ لِلتِّرْمِذِيِّ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَهَا مِثْلُ صَدَاقِ نِسَائِهَا، لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ، فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ، فَقَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ - امْرَأَةٍ مِنَّا - مِثْلَ مَا قَضَيْت، فَفَرِحَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ رَجَعَ بِمِصْرَ، وَقَالَ بِحَدِيثِ بِرْوَعَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ 3 عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ عَنْ مَنْصُورٍ بِهِ، وَقَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ، وَلَمْ يُسَمِّهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِنَحْوِهِ، وَقَالَ: فَقَامَ أُنَاسٌ مِنْ أَشْجَعَ، وَلَمْ يُسَمِّهِمْ، وَبِهَذَا السَّنَدِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا 4 عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ، وَأَبِي حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أفتى فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، فَمَاتَ عَنْهَا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَقَالَ: أَقُولُ: إنَّ لَهَا صَدَاقًا كَصَدَاقِ نِسَائِهَا، لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ، فَقَامَ نَاسٌ مِنْ أَشْجَعَ فِيهِمْ الْجَرَّاحُ، وَأَبُو سِنَانٍ، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ - وَإِنَّ زَوْجَهَا هِلَالُ بْنُ مُرَّةَ الْأَشْجَعِيُّ - كَمَا قَضَيْت، قَالَ: فَفَرِحَ ابْنُ مَسْعُودٍ
فَرَحًا شَدِيدًا حِينَ وَافَقَ قَضَاؤُهُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ وَالْمَتْنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": أَحْسَنُ أَسَانِيدِهِ حَدِيثُ قَتَادَةَ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ اسْمَ الرَّاوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 1 وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَعَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" 2 بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، سَوَاءٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَمَّوْهُ مَعْقِلَ بْنَ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيَّ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3، وَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ أَحْفَظْهُ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ، فَمَرَّةً يُقَالُ: مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ، وَمَرَّةً يُقَالُ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ، وَمَرَّةً عَنْ بَعْضِ أَشْجَعَ، وَلَا يُسَمَّى، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحَدِيثِ، فَإِنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ إسْنَادُهَا صَحِيحٌ، وَفِي بَعْضِهَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَشْجَعَ شَهِدُوا بِذَلِكَ، فَإِنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ سَمَّى وَاحِدًا، وَبَعْضُهُمْ سَمَّى آخَرَ، وَبَعْضُهُمْ سَمَّى اثْنَيْنِ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يُسَمِّ، وَبِمِثْلِهِ لَا يُرَدُّ الْحَدِيثُ، وَلَوْلَا ثِقَةُ مَنْ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَا كَانَ لِفَرَحِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِرِوَايَتِهِ مَعْنًى، وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ إمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، قَدْ رَوَاهُ، وَذَكَرَ سَنَدَهُ، وَقَالَ: هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ سَمَّى فِيهِ مَعْقِلَ بْنَ سِنَانٍ، وَهُوَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ، وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ - وَهُوَ أَحَدُ الْحُفَّاظِ - مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَذَكَرَ سَنَدَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرَهُ. وَسَمَّاهُ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ الْأَشْجَعِيَّ.
فَصْلٌ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "إلَّا مَنْ أَرْبَى، فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي بَابِ ذِكْرِ أَهْلِ نَجْرَانَ" حَدَّثَنَا عَفَّانَ ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ثنا مجالد ين سَعِيدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَى أَهْلِ نَجْرَانَ - وَهُمْ نَصَارَى - أَنَّ مَنْ بَايَعَ مِنْكُمْ بِالرِّبَا فَلَا ذِمَّةَ لَهُ، انْتَهَى. وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"1 حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا سَعْدَانُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ، فَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا: "بسم الله الرحمن الرحيم، هَذَا مَا كَتَبَ مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ نَجْرَانَ - إذْ كَانَ لَهُ حُكْمُهُ عَلَيْهِمْ - أَنَّ فِي كُلِّ سَوْدَاءَ، وَصَفْرَاءَ، وَبَيْضَاءَ، وَحَمْرَاءَ، وَثَمَرَةٍ، وَرَقِيقٍ أَلْفَيْ حُلَّةٍ، فِي كُلِّ صَفَرٍ أَلْفُ حُلَّةٍ، وَفِي كُلِّ رَجَبٍ أَلْفُ حُلَّةٍ، عَلَى أَنْ لَا يُحْشَرُوا، وَلَا يُعْشَرُوا، وَلَا يَأْكُلُوا الرِّبَا، فَمَنْ أَكَلَ مِنْهُمْ الرِّبَا فَذِمَّتِي مِنْهُ بَرِيئَةٌ"، مُخْتَصَرٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا غَلَّظَ عَلَيْهِمْ أَكْلَ الرِّبَا دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْمَعَاصِي، مَعَ أَنَّهُمْ يُمَكَّنُونَ مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، كَالشِّرْكِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، لِأَنَّ فِي مَنْعِهِمْ مِنْهُ كَفَّ الْمُسْلِمِينَ عَنْ أَكْلِ الرِّبَا، ولولا المسلمين لَكَانُوا فِي الرِّبَا كَسَائِرِ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ الْمَعَاصِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
باب نكاح الرقيق
بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ 2 عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهِ فَهُوَ عَاهِرٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ بِهِ، وَقَالَ:
حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. هَكَذَا وَجَدْته فِي عِدَّةِ نُسَخٍ، وَشَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ فِي "أَطْرَافِهِ" إلَّا التَّحْسِينُ فَقَطْ، تَابِعًا لِابْنِ عَسَاكِرَ فِي "أَطْرَافِهِ"، وَكَذَلِكَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" مُقَلِّدًا "لِلْأَطْرَافِ"، كَمَا هُوَ عَادَتُهُ، فَاعْلَمْ ذَلِكَ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا يَصِحُّ، إنَّمَا هُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَابِرٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ 1: فَلَهُ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: عِنْدَ أَبِي دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إذَا نَكَحَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. الطَّرِيقُ الْآخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ مَرْوَانَ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ كَانَ عَاهِرًا"، انْتَهَى. وهذه الطريق الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ"، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، فَقَالَ: رَأَيْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ، وَالْحُمَيْدِيَّ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِهِ، وَهُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَاخْتُلِفَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، فَرَوَاهُ مِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ 2 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَهِمَا فِي رَفْعِهِ، وَالصَّوَابُ مَا رَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ، وَحَجَّاجٌ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ مَوْقُوفًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَخَذَ عَبْدًا لَهُ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَبْطَلَ صَدَاقَهُ، وضربه حداً، انتهى. الحديث الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: لِبَرِيرَةَ، حِينَ عَتَقَتْ: "مَلَكْت بُضْعَك فَاخْتَارِي"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 3 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِبَرِيرَةَ: "اذْهَبِي، فَقَدْ عَتَقَ مَعَك بُضْعُك"، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِبَرِيرَةَ لَمَّا أُعْتِقَتْ: "قَدْ عَتَقَ بُضْعُك مَعَك"، فَاخْتَارِي، انْتَهَى.
وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ: أَرَادَ أَهْلُهَا أَنْ يَبِيعُوهَا وَيَشْتَرِطُوا وَلَاءَهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَعَتَقَتْ"، فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَوْجِهَا، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَكَانَ النَّاسُ يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهَا، وَتُهْدِي لَنَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ"، انْتَهَى. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "النِّكَاحِ - وَالطَّلَاقِ"، وَمُسْلِمٌ فِي "الْعِتْقِ"، وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ كَذَلِكَ فِي "الطَّلَاقِ" - خَلَا التِّرْمِذِيَّ - فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ فِي "الرَّضَاعِ" عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ، هَلْ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا حِينَ خُيِّرَتْ؟ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا، وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ: لَهَا الْخِيَارُ فِي الْعَبْدِ، دُونَ الْحُرِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْأَحَادِيثُ فِي أَنَّهُ كَانَ حُرًّا: رَوَى الْجَمَاعَةُ - إلَّا مُسْلِمًا - مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي اشْتَرَيْت بَرِيرَةَ لِأَعْتِقَهَا، وَإِنَّ أَهْلَهَا يَشْتَرِطُونَ وَلَاءَهَا، فَقَالَ: "أَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"، قَالَ: فَاشْتَرَتْهَا فَأَعْتَقَتْهَا، قَالَتْ: وَخُيِّرَتْ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَقَالَتْ: لَوْ أُعْطِيت كَذَا وَكَذَا مَا كُنْت مَعَهُ، قَالَ الْأَسْوَدُ: وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا، انْتَهَى بِلَفْظِ الْبُخَارِيِّ 2. ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ الْأَسْوَدِ مُنْقَطِعٌ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَأَيْته عَبْدًا أَصَحُّ، انْتَهَى. هَكَذَا أَخْرَجَهُ فِي "كِتَابِ الْفَرَائِضِ" عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بِهِ، وَفِي آخِرِهِ: قَالَ الْحَكَمُ: وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَوْلُ الْحَكَمِ مُرْسَلٌ، انْتَهِي. وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: إنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا حِينَ أُعْتِقَتْ، وَأَنَّهَا خُيِّرَتْ، فَقَالَتْ: مَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مَعَهُ، وَإِنَّ لِي كَذَا وَكَذَا، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ فِي "الطَّلَاقِ" عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بِهِ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: قَالَتْ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا، فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ فِي "الرَّضَاعِ" عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بِهِ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "الطَّلَاقِ" أَنَّهَا أَعْتَقَتْ بَرِيرَةَ، فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ لَهَا زَوْجٌ حُرٌّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا فِي "الطَّلَاقِ" عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بِهِ، وَرَوَاهُ فِي "كِتَابِ الْكُنَى" مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ أَنَّهُمَا سَأَلَا عَائِشَةَ عَنْ زَوْجِ بَرِيرَةَ، فَقَالَتْ: كَانَ حُرًّا يَوْمَ أُعْتِقَتْ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 1 عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ سَمِعْت الْقَاسِمَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ لِلْعِتْقِ، فَاشْتَرَطُوا وَلَاءَهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ"، وَأُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمٌ، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ: " هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ"، وَخُيِّرَتْ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا، قَالَ شُعْبَةُ: ثُمَّ سَأَلْته عَنْ زَوْجِهَا، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، انْتَهَى. وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي "الْهِبَةِ"2، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: زَوْجُهَا حُرٌّ، قَالَ شُعْبَةُ: ثُمَّ سَأَلْته عَنْ زَوْجِهَا، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، أَحُرٌّ أَمْ عَبْدٌ؟، مُخْتَصَرٌ 3. أحاديث فِي أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ - إلَّا مُسْلِمًا - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ: مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا، يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ: "يَا عَبَّاسُ، أَلَا تَعْجَبُ مِنْ شِدَّةِ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، وَمِنْ شِدَّةِ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا؟ " فَقَالَ لَهَا عليه السلام: "لَوْ رَاجَعْتِيهِ؟ " قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَأْمُرُنِي بِهِ؟ فَقَالَ عليه السلام: "إنَّمَا أَنَا شَافِعٌ"، قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْخُلْعِ"4،
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "الرَّضَاعِ" عَنْ أَيُّوبَ، وَقَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الطَّلَاقِ" عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "الطَّلَاقِ" عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ فِي "الْقَضَاءِ" عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ بِهِ، وَزَادَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْحُرَّةِ، هَكَذَا عَزَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" لِلدَّارَقُطْنِيِّ، وَلَمْ أَجِدْهُ1، فَلْيُرَاجَعْ، لَكِنَّهُ فِي ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، مُحِيلًا عَلَى مَا قَبْلَهُ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ، وَزَادَ: قَالَ: وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا، فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا، انْتَهَى. وَهَذَا الْأَخِيرُ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ قَطْعًا، لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ قَالَ: فَاعِلُهُ مَذْكُورٌ، الثَّانِي: أَنَّ النَّسَائِيّ 2 رَوَاهُ مُصَرِّحًا بِهِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ عُرْوَةُ: وَلَوْ كَانَ حُرًّا مَا خَيَّرَهَا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، بِلَفْظِ النَّسَائِيّ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ، وَقَالَ لَهَا عليه السلام: إنْ قَرِبَك فَلَا خِيَارَ لَك، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ 3 عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ بَرِيرَةَ خَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ 4 عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ
عَبْدًا، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ1، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ وَجَبَ التَّوْفِيقُ فِيهَا، فَنَقُولُ: إنَّا وَجَدْنَا الْحُرِّيَّةَ تَعْقُبُ الرِّقَّ، وَلَا يَنْعَكِسُ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كان حراً عند ما خُيِّرَتْ، عَبْدًا قَبْلَهُ، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ عَبْدٌ، فَلَا يَنْفِي الْخِيَارَ لَهَا تَحْتَ الْحُرِّ، إذْ لَمْ يَجِئْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إنَّمَا خَيَّرَهَا، لِكَوْنِهِ عَبْدًا، قَالَ: وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَيْضًا، فَقَدْ رَأَيْنَا الْأَمَةَ فِي حَالِ رِقِّهَا لِمَوْلَاهَا، أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ عَلَيْهَا لِلْحُرِّ والعبد، ورأيناها بعد ما يُعْتِقُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ عَلَيْهَا عَقْدَ نِكَاحٍ، لَا لِحُرٍّ وَلَا لِعَبْدٍ، فَاسْتَوَى حُكْمُ مَا إلَى الْمَوْلَى فِي الْعَبِيدِ، وَالْأَحْرَارِ، وَمَا لَيْسَ إلَيْهِ فِيهِمَا، وَرَأَيْنَاهَا إذَا أُعْتِقَتْ بَعْدَ عَقْدِ الْمَوْلَى عَلَيْهَا نِكَاحَ الْعَبْدِ، يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ، فَجَعَلْنَاهُ كَذَلِكَ فِي جَانِبِ الْحُرِّ قِيَاسًا وَنَظَرًا، ثُمَّ أُسْنِدَ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ قَالَ: لِلْأَمَةِ الْخِيَارُ إذَا أُعْتِقَتْ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ قُرَشِيٍّ، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ لَهَا: الْخِيَارُ فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ مِثْلَ ذَلِكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ طَاوُسٍ كَذَلِكَ بِاللَّفْظَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ2، قَالَ: تُخَيَّرُ، حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: تُخَيَّرُ، وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، انْتَهَى.
باب نكاح أهل الشرك
بَابُ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ قَوْلُهُ: وَإِذَا تَزَوَّجَ الْكَافِرُ بِغَيْرِ شُهُودٍ، أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ، وَذَلِكَ فِي دِينِهِمْ جَائِزٌ، ثُمَّ أَسْلَمَا أُقِرَّا عَلَيْهِ، قُلْت: فِي صِحَّةِ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ أَحَادِيثُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"3: اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى صِحَّةِ أَنْكِحَةِ الْمُشْرِكِينَ بِحَدِيثِ الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ رَجَمَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الزِّنَا،
قَالَ: لأن الناكح لَوْ لَمْ يُحِلَّهَا لَهُ لَمَا جَرَى الْإِحْصَانُ عَلَيْهِمَا، انْتَهَى. وَحَدِيثُ الْيَهُودِيَّيْنِ صَحِيحٌ ثَابِتٌ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 1 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَسَيَأْتِي فِي "الْحُدُودِ". حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ، لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا، انْتَهَى. وَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ: بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ: بَعْدَ سَنَتَيْنِ، وَرِوَايَتَانِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ، وَسَمِعْت عَبْدَ بْنَ حُمَيْدٍ يَقُولُ: سَمِعْت يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ يَقُولُ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا أَجْوَدُ إسْنَادًا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ عليه السلام رَدَّهَا لَهُ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَلَكِنْ لَا يُعْرَفُ وَجْهُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَعَلَّهُ جَاءَ مِنْ دَاوُد بْنِ حُصَيْنٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الْمَذْكُورُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، زَادَ التِّرْمِذِيُّ: وَمَهْرٍ جَدِيدٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: أَسْلَمَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ بِسَنَةٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَبُو الْعَاصِ فَرَدَّهَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، انْتَهَى. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إنْ صَحَّ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عِدَّتُهَا تَطَاوَلَتْ - لِاعْتِرَاضِ سَبَبٍ - حَتَّى بَلَغَتْ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ضَعِيفٌ بِالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، فَإِنَّهُ مَعْرُوفٌ بِالتَّدْلِيسِ، وَحُكِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَسْمَعْهُ الْحَجَّاجُ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ3، وَلَا أَعْلَمُ رَوَاهُ مَعَهُ إلَّا مَنْ هُوَ دُونَهُ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ
أَنَّهُ قَالَ: هُوَ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ، قَالَ: لِأَنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ رُجُوعَهَا إلَيْهِ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ عِدَّتِهَا، وَأَمَّا حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": لَوْ صَحَّ الْحَدِيثَانِ لَقُلْنَا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً، وَلَكِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ الْحُفَّاظُ، فَتَرَكْنَاهُ، وَأَخَذْنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَادَّعَى بَعْضُ مَنْ يُسَوِّي الْأَخْبَارَ عَلَى مَذْهَبِهِ1 نَسْخَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِحَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ أَنَّ أَبَا الْعَاصِ أُخِذَ أَسِيرًا يَوْمَ بَدْرٍ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنَتَهُ، وَكَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ، قَالَ: وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ يَوْمَ بَدْرٍ1، وَإِنَّمَا أسلم بعد ما أَخَذَتْ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَا مَعَهُ، فَأَتَى الْمَدِينَةَ، فَأَجَارَتْهُ زَيْنَبُ فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِوَارَهَا، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهَا: أَيْ بُنَيَّةُ، أَكْرِمِي مَثْوَاهُ، وَلَا يَدْنُ إلَيْك، فَإِنَّك لَا تَحِلِّينَ لَهُ، وَكَانَ هَذَا بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الِامْتِحَانِ فِي الْهُدْنَةِ، ثُمَّ إنَّهُ رَجَعَ، بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ بَضَائِعِ أَهْلِ مَكَّةَ إلَى مَكَّةَ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَخَرَجَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِي قِصَّةِ بَدْرٍ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا أَسَرَهُ يَوْمَ بَدْرٍ أَطْلَقَهُ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِ ابْنَتَهُ، وَكَانَتْ بِمَكَّةَ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي، فَإِنْ قَالَ: إنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَدَّهَا عَلَيْهِ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ، وَفِي رِوَايَةٍ سَنَتَيْنِ، وَالْعِدَّةُ لَا تَبْقَى فِي الْغَالِبِ هَذِهِ الْمُدَّةَ، قُلْنَا: النِّكَاحُ كَانَ بَاقِيًا إلَى وَقْتِ نُزُولِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَهِيَ آيَةُ الْمُمْتَحِنَةِ، فلم يؤثر فيه إسْلَامُهَا، وَبَقَاؤُهُ عَلَى الْكُفْرِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ الْآيَةُ تَوَقَّفَ نِكَاحُهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، ثُمَّ كَانَ إسْلَامُ أَبِي الْعَاصِ
بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ يَسِيرٍ، بِحَيْثُ يُمْكِنُ عِدَّتُهَا لَمْ تَنْقَضِ فِي الْغَالِبِ1، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الرَّدُّ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ كَانَ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ: وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَكَابِرِهِمْ 2 فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَلِمَ بِتَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى رُجُوعَ الْمُؤْمِنَاتِ إلَى الْكُفَّارِ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، فَقَالَ: رَدَّهَا عَلَيْهِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ ابْنُ عَبَّاسٍ بِتَحْرِيمِ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى الْكُفَّارِ حِينَ عَلِمَ بِرَدِّ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ، فَقَالَ: رَدَّهَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بَيْنَهُمَا فَسْخُ نِكَاحٍ، قَالَ: وَهَذَا فِيهِ سُوءُ ظَنٍّ بِالصَّحَابَةِ، وَرُوَاةِ الْأَخْبَارِ حَيْثُ نَسَبَهُمْ إلَى رِوَايَةِ الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ سَمَاعِهِمْ لَهُ، بَلْ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ مَعَاذَ اللَّهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي فِي الشِّرْكِ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَفِي الْإِسْلَامِ تَطْلِيقَةً، فَأَلْزَمَهُ الطَّلَاقَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَيُوسُفُ مَتْرُوكٌ، وَيَحْيَى ضَعِيفٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ" أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أُمَّ حَكِيمٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ كَانَتْ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ، وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ، فَرَحَلَتْ إلَيْهِ امْرَأَتُهُ بِالْيَمَنِ، وَدَعَتْهُ إلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَ، وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَايَعَهُ، فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ذَلِكَ، انْتَهَى. وَرُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ 3 ابْنَةُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ زَمَنَ الْفَتْحِ، فَلَمْ يُفَرِّقْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا، وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ حَتَّى أَسْلَمَ صَفْوَانُ، وَكَانَ بَيْنَ إسْلَامِهِمَا نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ، مُخْتَصَرٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ هُشَيْمِ حَدَّثَنِي الْمَدِينِيُّ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا وَلَدَنِي شَيْءٌ مِنْ سِفَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا وَلَدَنِي إلَّا نِكَاحٌ كَنِكَاحِ الْإِسْلَامِ"، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: خَرَجْت مِنْ نِكَاحٍ غَيْرِ سِفَاحٍ، قَالَ فِي "التنفيح": الْوَاقِدِيُّ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَفِي الْأَوَّلِ الْمَدِينِيُّ، وَهُوَ إنْ كَانَ وَالِدَ عَلِيٍّ فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَكَذَا إنْ كَانَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى، وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: هُوَ عِنْدِي فُلَيْحِ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو الْحُوَيْرِثِ اسْمُهُ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى، قُلْت: لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ حَدِيثًا، وَهُوَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، وَمَوْقُوفٌ، فَالْمَوْقُوفُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ 1 - فِي الْجَنَائِزِ" تَعْلِيقًا، فَقَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْإِسْلَامُ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى، انْتَهَى. وَالْمَرْفُوعُ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيّ، وَمِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ. فَحَدِيثُ عُمَرَ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط"، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" 2 عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ هَذَا الدِّينَ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى" أَخْرَجَاهُ فِي حَدِيثِ الضَّبِّ الَّذِي كَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيّ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَشْرَجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْإِسْلَامُ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَشْرَجٍ، وَأَبُوهُ مَجْهُولَانِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ: فَرَوَاهُ نَهْشَلٌ فِي "تَارِيخِ وَاسِطَ" حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى ثَنَا عِمْرَانُ بْنُ أَبَانَ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنْ أَبِي الأسود الديلي عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْإِيمَانُ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى"، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ ارْتَدُّوا، ثُمَّ أَسْلَمُوا، وَلَمْ تَأْمُرْهُمْ الصَّحَابَةُ بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ، قُلْت غَرِيبٌ.
باب القسم
بَابُ الْقَسْمِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: " من كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا فِي الْقَسْمِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَالَ إلَى إحداهما جاء يوم القيمامة وَشِقُّهُ مَائِلٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ، وَرَوَاهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى" وَسَأَلَتْ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ مُرْسَلًا، قَالَ أَبُو عِيسَى: وَحَدِيثُ هَمَّامٍ أَشْبَهُ، وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ رَاهْوَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالْمِائَةِ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَا طَرِيقًا عَنْهُ، إلَّا هَذِهِ الطَّرِيقَ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "كِتَابِ تَارِيخِ أَصْبَهَانَ - فِي تَرْجَمَةِ الْمُحَمَّدِينَ"، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بن أحمد بن جشنس الْمُعَدَّلُ - وَكَانَ ثِقَةً أَمِينًا - ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَنَسٍ الدَّوْرَقِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ الْحَارِثِيُّ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ سَوَاءً. الْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْدِلُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ نِسَائِهِ، وَكَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تُؤَاخِذْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ" - يَعْنِي زِيَادَةَ الْمَحَبَّةِ -. قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ 2 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ، وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ" - يَعْنِي الْقَلْبَ - انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ، هَكَذَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ مُرْسَلًا، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ، الْحَدِيثُ، وَالْمُرْسَلُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ" 1: قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ عَلَى هَذَا، وَرَوَاهُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ. أَحَادِيثُ الْخُصُومُ: اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَوْ شِئْت أَنْ أَقُولَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: السُّنَّةُ إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْبِكْرَ عَلَى امْرَأَتِهِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى امْرَأَتِهِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِلثَّيِّبِ ثَلَاثًا، وَلِلْبِكْرِ سَبْعًا"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، وَقَالَ لَهَا: "لَيْسَ بِك عَلَى أَهْلِك هَوَانٌ، إنْ شِئْت سَبَّعْت لَك، وَإِنْ سَبَّعْت لَك سَبَّعْت لِنِسَائِي"، انْتَهَى 3. قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا حُرَّةً، وَالْأُخْرَى أَمَةً، فَلِلْحُرَّةِ الثُّلُثَانِ مِنْ الْقَسْمِ، وَلِلْأَمَةِ الثُّلُثُ، بِذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" 4 والدارقطني،
ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا" عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إذَا نَكَحَتْ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ فَلِهَذِهِ الثُّلُثَانِ، وَلِهَذِهِ الثُّلُثُ، إنَّ الْأَمَةَ لَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُزَوَّجَ عَلَى الْحُرَّةِ، انْتَهَى. وَالْمِنْهَالُ عن عَمْرٍو فِيهِ مَقَالٌ، وَعَبَّادٌ الْأَسَدِيُّ ضَعِيفٌ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَحَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ الْحُرَّةَ إنْ أَقَامَتْ عَلَى ضَرَّاتٍ، فَلَهَا يَوْمَانِ، وَلِلْأَمَةِ يوم، انتهى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ. قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ 1 مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا، "بِحَدِيثِ الْإِفْكِ". الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، وَيَجْعَلَ يَوْمَ نَوْبَتِهَا لِعَائِشَةَ، قُلْت: مَفْهُومُ هَذَا أَنَّهُ عليه السلام طَلَّقَ سَوْدَةَ، وَلَمْ نَجِدْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ، فَرَوَى الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا رَأَيْت امْرَأَةً أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلَاخِهَا3 مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ مِنْ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَةٌ، فَلَمَّا كَبِرَتْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ جَعَلْت يَوْمِي مِنْك لِعَائِشَةَ، فَكَانَ عليه السلام يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ: يَوْمُهَا، وَيَوْمُ سَوْدَةَ، انْتَهَى. وَلِلْبُخَارِيِّ فِي "الْهِبَةِ" عَنْهَا: فَكَانَ عليه السلام يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا، غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ، تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعُ نِسْوَةٍ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ، وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ، انْتَهَى. وَفِي "مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ" عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَتْ سَوْدَةُ حِينَ أَسَنَّتْ وَفَرَقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَوْمِي هُوَ لِعَائِشَةَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ عَائِشَةُ:
فِيهَا وَفِي أَشْبَاهِهَا أَنْزَلَ اللَّهُ {وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَحَدِيثُ الْكِتَابِ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيِّ ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ سَوْدَةَ، فَلَمَّا خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ أَمْسَكَتْ بِثَوْبِهِ، فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ مَالِي فِي الرِّجَالِ مِنْ حاجة، ولكن وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْشَرَ فِي أَزْوَاجِك، قَالَ: فَرَاجَعَهَا وَجَعَلَ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، انْتَهَى. وَهُوَ مُرْسَلٌ.
كتاب الرضاع
كِتَابُ الرَّضَاعِ كتاب الرضاع ... كتاب الرضاع الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ، وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ"، قُلْت: رَوَاهُ مُسْلِمٌ 2 مُفَرَّقًا فِي حَدِيثَيْنِ، فَرَوِيَ صَدْرَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ: "لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ، وَلَا الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ"، انْتَهَى. وَرَوِيَ بَاقِيه مِنْ حَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ: دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِي، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كَانَتْ لِي امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجْت عَلَيْهَا أُخْرَى، فَزَعَمَتْ امْرَأَتِي الْأُولَى أَنَّهَا أَرْضَعَتْ امْرَأَتِي الْحُدْثَى رَضْعَةً، أَوْ رَضْعَتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَانِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" حَدِيثًا وَاحِدًا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ، وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَانِ"، انْتَهَى. رَوَاهُ فِي النَّوْعِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَرَوَى صَدْرَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُسْتَنْكَرُ سَمَاعُ ابْنِ الزُّبَيْرِ 3 لِهَذَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ وَخَالَتِهِ، لِأَنَّهُ مَرَّةً رَوَى
مَا سَمِعَ، وَمَرَّةً رَوَى عَنْهُمَا، قَالَ: وَهَذَا شَيْءٌ مُسْتَفَاضٌ فِي الصَّحَابَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "جَامِعِهِ"1: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ"، وَأَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ الطَّاحِيِّ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ أَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْخُصُومِ: أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ "عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ"3، فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسٌ، وَصَارَ إلَى خَمْسِ رَضَعَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، انْتَهَى. وَأَحْمَدُ مَعَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الرَّضَاعَ لَا يُحَرِّمُ إلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ فَصَاعِدًا، وَدَلِيلُهُمَا الْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَانِ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ النِّكَاحِ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 4 عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا رَضَاعَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ غَيْرُ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَلَفْظُهُ: قَالَ: لَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَالْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ يَغْلَطُ عَنْ الثِّقَاتِ، وَأَرْجُو أَنَّهُ لَا يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يُعْرَفُ بِهِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ مُسْنَدًا، وَغَيْرُ الْهَيْثَمِ يُوقِفُهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَدِيٍّ، وَنَقَلَ كَلَامَهُ هَذَا، ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ الْهَيْثَمُ هَذَا، وَقَالَ: وَثَّقَهُ أَحْمَدُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَالرَّاوِي عَنْ الْهَيْثَمِ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ بُرْدٍ الْأَنْطَاكِيُّ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ":
وَأَبُو الْوَلِيد بْنُ بُرْدٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ بُرْدٍ، وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: صَالِحٌ، وَالْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ وَثَّقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، والعجلي، وَابْنُ حِبَّانَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَكَانَ مِنْ الْحُفَّاظِ، إلَّا أَنَّهُ وَهِمَ فِي رَفْعِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، هَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. قُلْت: وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ بِهِ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ، قَالَ: لَا رَضَاعَ إلَّا فِي الْحَوْلَيْنِ فِي الصِّغَرِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. فَحَدِيثُ عَلِيٍّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الصُّوفِيُّ الْبَغْدَادِيُّ بِمِصْرَ - سَنَةَ ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ - ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ التَّبَّانُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ، وَلَا يُتْمَ بَعْدَ حِلْمٍ"، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" 1 حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لا رضاع بعد فصال"، انْتَهَى. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ جُوَيْبِرٍ بِهِ مَوْقُوفًا، قَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ": وَهُوَ الصَّوَابُ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْد عَنْ الثَّوْرِيِّ بِهِ مَرْفُوعًا، وَأَعَلَّهُ بِأَيُّوبَ هَذَا، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، مَرَّةً عَنْ مَعْمَرٍ فَرَفَعَهُ، وَمَرَّةً عَنْ الثَّوْرِيِّ فَوَقَفَهُ، انْتَهَى. أما حَدِيثُ جَابِرٍ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" 2 حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ، وَلَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِحَرَامٍ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُمَا قَالَا: الرِّوَايَةُ عَنْ حَرَامٍ حَرَامٌ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ تَمَامَ الدَّلَالَةِ مِنْ الْحَدِيثِ مِنْ قوله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} .
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام لِعَائِشَةَ: "لِيَلِجْ عَلَيْك أَفْلَحُ، فَإِنَّهُ عَمُّك مِنْ الرَّضَاعَةِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ أَفْلَحُ بْنُ أَبِي الْقُعَيْسِ فَاسْتَتَرْت مِنْهُ، فَقَالَ: تَسْتَتِرِينَ مِنِّي وَأَنَا عَمُّك؟، قَالَتْ: قُلْت: مِنْ أَيْنَ؟ قَالَ: أَرْضَعَتْك امْرَأَةُ أَخِي، قَالَتْ: إنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ، وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْته، فَقَالَ: إنَّهُ عَمُّك، فَلْيَلِجْ عَلَيْك، انْتَهَى.
كتاب الطلاق
كِتَابُ الطلاق السنة في الطلاق ... كتاب الطَّلَاقِ قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لَا يَزِيدُوا فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً، ثُمَّ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام لِابْنِ عُمَرَ: "إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا، فَتُطَلِّقَهَا لِكُلِّ قُرْءٍ تَطْلِيقَةً"، قُلْت: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 1 مِنْ حَدِيثِ مُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ رُزَيْقٍ 2 أَنَّ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ حَدَّثَهُمْ عَنْ الْحَسَنِ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَهِيَ حَائِضٌ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُتْبَعَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ عند القرءَين، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَا ابْنَ عُمَرَ مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ، قَدْ أَخْطَأْت السُّنَّةَ، وَالسُّنَّةُ أن تستقبل الطهر، قتطلق لِكُلِّ قُرْءٍ"، فَأَمَرَنِي فَرَاجَعْتهَا، فَقَالَ: إذَا هِيَ طَهُرَتْ فَطَلِّقْ عِنْدَ ذَلِكَ، أَوْ أَمْسِكْ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت لَوْ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا أَكَانَ يَحِلُّ لِي أَنْ أُرَاجِعَهَا؟ فَقَالَ: " لَا، كَانَتْ تَبِينُ مِنْك، وَتَكُونُ مَعْصِيَةً"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَأَعَلَّهُ بِمُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ، وَقَالَ: رَمَاهُ أَحْمَدُ بِالْكَذِبِ، انْتَهَى. قُلْت: لَمْ يُعِلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" إلَّا بِعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَقَالَ: إنَّهُ أَتَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِزِيَادَاتٍ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ، لَا يُقْبَلُ مَا تَفَرَّدَ بِهِ، انْتَهَى. قُلْت: قَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ الْحِمْصِيُّ ثَنَا أَبِي ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ رُزَيْقٍ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": عَطَاءٌ
الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ صَالِحًا، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ رَدِيءَ الْحِفْظِ، كَثِيرَ الْوَهْمِ، فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَسَنُ بِسَمَاعِهِ مِنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُهُ صَالِحٍ: الْحَسَنُ سَمِعَ مِنْ ابْن عُمَرَ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَقِيلَ لِأَبِي زُرْعَةَ: الْحَسَنُ لَقِيَ ابْنَ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام لِعُمَرَ: "مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا"، وَكَانَ قَدْ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ 1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضُ، فَتَطْهُرُ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ حَائِضٌ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: قَالَ: طَلَّقْت امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً مُسْتَقْبَلَةً، سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا مِنْ حَيْضَتِهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَذَلِكَ الطَّلَاقُ لِلْعِدَّةِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ"، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً، فَحُسِبَتْ 2 مِنْ طَلَاقِهَا، وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللَّه، كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الطَّلَاقِ - وَفِي التَّفْسِيرِ - وَفِي الْأَحْكَامِ"، والباقون في "الطلاق". فصل الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: " كُلُّ طَلَاقٍ وَاقِعٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَأَعَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي "الْحَجْرِ" بِلَفْظِ: المعتوه، عوض: المجنون، وأخرجه التِّرْمِذِيُّ 3 عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ، إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا يَجُوزُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ، انْتَهَى. وَرُوِيَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَابِسِ1 بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهِ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"2 فَقَالَ: وَقَالَ عَلِيٌّ: فَذَكَرَهُ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَا يَجُوزُ عَلَى الْغُلَامِ طَلَاقٌ حَتَّى يَحْتَلِمَ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ فِي طَلَاقِ الْمُكْرَهِ: لِأَصْحَابِنَا فِي وُقُوعِهِ حَدِيثٌ، رَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ"3 أَخْبَرَنَا مَسْعَدَةُ بْنُ سَعْدٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ثَنَا الْغَازِيُّ بْنُ جَبَلَةَ الْجُبْلَانِيُّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ غَزْوَانَ الطَّائِيِّ أَنَّ رَجُلًا كَانَ نَائِمًا فَقَامَتْ امْرَأَتُهُ، فَأَخَذَتْ سِكِّينًا، فَجَلَسَتْ عَلَى صَدْرِهِ، فَوَضَعَتْ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهِ، فَقَالَتْ: لَتُطَلِّقَنِّي ثَلَاثًا، أَوْ لَأَذْبَحَنَّكَ، فَنَاشَدَهَا اللَّهَ، فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ لَهُ ذلك، وقال: " لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ"، انْتَهَى. قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ ثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ الْغَازِيِّ بْنِ جَبَلَةَ عَنْ صَفْوَانَ الْأَصَمِّ الطَّائِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ رَجُلًا كَانَ نَائِمًا مَعَ امْرَأَتِهِ، الْحَدِيثُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا لَكِنَّهُ أَحْسَنُ إسْنَادًا مِنْ الْمُسْنَدِ، فَإِنَّهُ سَالِمٌ مِنْ بَقِيَّةَ، وَمِنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ، وَفِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَهُوَ يُرْوَى عَنْ شَامِيٍّ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْغَازِيِّ بْنِ جَبَلَةَ، وَهُوَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِهِ، وَلَا يَدْرِي مِمَّنْ الْجِنَايَةُ فِيهِ، أَمِنْهُ أَمْ مِنْ صَفْوَانَ الْأَصَمِّ؟، حَكَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ - يَعْنِي الْغَازِيَّ بْنَ جَبَلَةَ - وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ فِي "طَلَاقِ الْمُكْرَهِ"، وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": قَالَ الْبُخَارِيُّ: لِصَفْوَانَ الْأَصَمِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي "طَلَاقِ الْمُكْرَهِ" حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. الْآثَارُ: أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" 4 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَجَازَ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ،
وَأَخْرَجَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُمْ أَجَازُوهُ، وَأَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ قَوْلُ الْحَسَنِ: لَيْسَ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ بِشَيْءٍ، فَقَالَ: يَرْحَمُهُ اللَّهُ إنَّمَا كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ يُكْرِهُونَ الرَّجُلَ عَلَى الْكُفْرِ وَالطَّلَاقِ، فَذَلِكَ الَّذِي لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا مَا صَنَعَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ بَيْنَهُمْ فَهُوَ جَائِزٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي قِلَابَةَ، وَشُرَيْحٍ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" الشافعي، وَأَحْمَدُ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ 1 عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ سَمِعْت رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إغْلَاقٍ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: أَظُنُّهُ الْغَضَبُ - يَعْنِي الْإِغْلَاقَ - قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْإِغْلَاقُ الْإِكْرَاهُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَقَدْ فَسَّرَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا بِالْغَضَبِ، قَالَ شَيْخُنَا: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَعُمُّ الْإِكْرَاهَ، وَالْغَضَبَ، وَالْجُنُونَ، وَكُلَّ أَمْرٍ انْغَلَقَ عَلَى صَاحِبِهِ عِلْمُهُ وَقَصْدُهُ، مَأْخُوذٌ مِنْ غَلَقَ الْبَابَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ تَقَدَّمَ فِي "الصَّلَاةِ" بِجَمِيعِ طُرُقِهِ، وَأَصَحُّهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْآثَارُ: رَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" 2 عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَابِتٍ الْأَحْنَفِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ وَلَدٍ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَدَعَانِي ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَإِذَا بِسِيَاطٍ مَوْضُوعَةٍ،
وَقَيْدَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ، وَعَبْدَيْنِ قَدْ أَجْلَسَهُمَا، وَقَالَ لِي: تَزَوَّجْت أُمَّ وَلَدِ أَبِي بِغَيْرِ رِضَائِي، فَأَنَا لَا أَزَالَ أَضْرِبُك حَتَّى تَمُوتَ، ثُمَّ قَالَ: طَلِّقْهَا وَإِلَّا فَعَلْت، فَقُلْت: هِيَ طَالِقٌ أَلْفًا، فَلَمَّا خَرَجْت مِنْ عِنْدِهِ أَتَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِطَلَاقٍ، ارْجِعْ إلَى أَهْلِك، فَأَتَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: أخرجه الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" 1 عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُدَامَةَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْجُمَحِيِّ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا تَدَلَّى بِحَبْلٍ فَوَقَفَتْ امْرَأَتُهُ عَلَى رَأْسِ الْحَبْلِ، وَحَلَفَتْ لَتَقْطَعَنَّهُ، أَوْ لِتُطَلِّقْنِي ثَلَاثًا، فَذَكَّرَهَا اللَّهَ، فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَلَمَّا ظَهَرَ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إلَى أَهْلِك، فَلَيْسَ هَذَا بِطَلَاقٍ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَخْطَأَ أَبُو عُبَيْدٍ، فَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بِهِ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَقَالَ فِيهَا: فَرَفَعَ إلَى عُمَرَ فَأَبَانَهَا مِنْهُ، وَقَدْ تَنَبَّهَ لَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، فَقَالَ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بِخِلَافِهِ وَالْخَبَرُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ مُنْقَطِعٌ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": قُدَامَةُ الْجُمَحِيُّ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْسَ لِمُكْرَهٍ طَلَاقٌ، وَكَذَا عَنْ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْأَحَادِيثُ فِي طَلَاقِ السَّكْرَانِ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَنَّ عُمَرَ أَجَازَ طَلَاقَ السَّكْرَانِ بِشَهَادَةِ نِسْوَةٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ2، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، قَالُوا: يجوز طلاقه، أخرج عَنْ الْحَكَمِ قَالَ: مَنْ طَلَّقَ فِي سُكْرٍ مِنْ اللَّهِ، فَلَيْسَ طَلَاقُهُ بِشَيْءٍ، وَمَنْ طَلَّقَ فِي سُكْرٍ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَطَلَاقُهُ جَائِزٌ، وَأَخْرَجَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُجِيزُ طَلَاقَ السَّكْرَانِ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يُجِيزُهُ حتى أَبَانُ بِذَلِكَ، وَأَخْرَجَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَطَاوُسٍ كَانُوا لَا يُجِيزُونَهُ، وَأَخْرَجَ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ سُئِلَا عن طلاق السكران، فقالا: إذَا طَلَّقَ السَّكْرَانُ جَازَ طَلَاقُهُ، وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ، قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ". قُلْت: غريب مرفوعاً، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" 1 مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، أَخْرَجَهُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: الطَّلَاقُ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ، قَالَ: وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" مَوْقُوفًا عَلَى عُثْمَانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" 2 أَنْبَأَ ابن جريج، كَتَبَ إلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أُمِّ سلمة أن غلاماً طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ، فَاسْتَفْتَتْ أُمُّ سَلَمَةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ"، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". أَثَرٌ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" 3 عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إذَا طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، حُرَّةً كَانَتْ، أَوْ أَمَةً، وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: وَفِي "الْمُوَطَّإِ" أَيْضًا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ نُفَيْعًا - مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ عَبْدًا - كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ، فَطَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَأَمَرَهُ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَلَقِيَهُ عِنْدَ الدَّرَجِ آخِذًا بِيَدِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَسَأَلَهُمَا، فَابْتَدَرَاهُ جَمِيعًا، فَقَالَا: حَرُمَتْ عَلَيْك، حَرُمَتْ عَلَيْك، انْتَهَى. وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَحَدِيثُ عَائِشَةَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ 1 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ، وَقُرْؤُهَا حَيْضَتَانِ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا حَدِيثٌ مَجْهُولٌ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا، إلَّا مِنْ حَدِيثِ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ، وَمُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ لَا يُعْرَفُ لَهُ فِي الْعِلْمِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" قَدْ أَخْرَجَ لَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" حَدِيثًا آخَرَ، رَوَاهُ مُظَاهِرٌ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ عَشْرَ آيَاتٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، مِنْ آخَرِ - آلِ عِمْرَانَ - انْتَهَى. قُلْت: وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الوسط"، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ"، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَنَقَلَ ابْنُ عَدِيٍّ تَضْعِيفَ مُظَاهِرٍ هَذَا عَنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ فَقَطْ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِحَدِيثِ: طَلَاقُ الْأَمَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا لَهُ حَدِيثًا آخَرَ، وَمَا أَظُنُّ لَهُ غَيْرَهُمَا، وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ حَدِيثَ: طَلَاقُ الْأَمَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" - أَعْنِي حَدِيثَ عَائِشَةَ - بِسَنَدِ السُّنَنِ وَمَتْنِهِ، وَصَحَّحَهُ، ذَكَرَهُ فِي "كِتَابِ الطَّلَاقِ"، وَنَقَلَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي "مِيزَانِهِ" تَضْعِيفَ مُظَاهِرٍ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَالْبُخَارِيِّ، وَنُقِلَ تَوْثِيقُهُ عَنْ ابْنِ حِبَّانَ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ": مُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَلَهُ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ، وَلَا يُعْرَفَانِ إلَّا عَنْهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا"2، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ مُظَاهِرٍ هَذَا مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ - يَعْنِي الدَّارَقُطْنِيّ - بِسَنَدِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: سُئِلَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عِدَّةِ الْأَمَةِ، فَقَالَ: النَّاسُ يَقُولُونَ: حَيْضَتَانِ، وَإِنَّا لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَدْ رواه صغدي بْنُ سِنَانٍ عَنْ مُظَاهِرٍ، فَقَالَ فِيهِ: طَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، إنْ ثَبَتَ، وَلَكِنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ ضَعَّفُوهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ عَبْدًا، انْتَهَى.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ عُمَرَ بْنِ شَبِيبٍ الْمُسْلِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءً، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ شَبِيبٍ الْمُسْلِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ نَافِعٌ، وَسَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَقَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَأَيْضًا فَعَطِيَّةُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 2 فَقَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمَ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ بِسَنَدِهِ: قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: فَذَكَرْته لِمُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ، فَقُلْت: حَدِّثْنِي كَمَا حَدَّثْت ابْنَ جُرَيْجٍ، فَحَدَّثَنِي مُظَاهِرٌ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "طلاق الأمة ثنتان، وقرءها حَيْضَتَانِ" قَالَ: وَمُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ من متقدمي مشائخنا بِجَرْحٍ، فَإِذًا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ يُعَارِضُ هَذَا، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ مُعَتِّبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا حَسَنٍ مَوْلَى بَنِي نَوْفَلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ اسْتَفْتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فِي مملوك كان تَحْتَهُ مَمْلُوكَةٌ، فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمَّ أُعْتِقَا بَعْدَ ذَلِكَ، هَلْ يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَخْطُبَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَضَى بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الطَّلَاقِ" عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِهِ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 3 عَنْ سَلْمِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ الرَّجُلِ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَسَلْمُ بْنُ سَالِمٍ، كَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يُكَذِّبُهُ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، انْتَهَى. أَثَرٌ: عَنْ عُمَرَ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ 4 أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى أَبِي طَلْحَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: يَنْكِحُ الْعَبْدُ امْرَأَتَيْنِ، وَيُطَلِّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ بِحَيْضَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَحِيضُ فَشَهْرَيْنِ، أَوْ شَهْرًا وَنِصْفًا، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ".
باب إيقاع الطلاق
باب إيقاع الطلاق الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ"، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا، وَلَقَدْ أَبْعَدَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ إذْ اسْتَشْهَدَ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى ذَوَاتَ الْفُرُوجِ أَنْ يَرْكَبْنَ السُّرُوجَ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّ الْفَرْجَ مِنْ الْأَعْضَاءِ الَّتِي يُعَبَّر بِهِ عَنْ جُمْلَةِ الْمَرْأَةِ، كَالْوَجْهِ، وَالْعُنُقِ، بِحَيْثُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِسْنَادِهِ إلَيْهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَدِيٍّ: أَجْنَبِيٌّ عَنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الشَّيْخَ قَلَّدَ هَذَا الْجَاهِلَ، فَالْمُقَلِّدُ ذَهِلَ، وَالْمُقَلَّدُ جَهِلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَدِيٍّ: أَخْرَجَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ الْقُرَشِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَوَاتَ الْفُرُوجِ أَنْ يَرْكَبْنَ السُّرُوجَ، انْتَهَى. وَضَعَّفَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي عَلِيٍّ الْقُرَشِيَّ، وَقَالَ: إنَّهُ مَجْهُولٌ يَرْوِي عَنْهُ بَقِيَّةُ، وَرُبَّمَا قَالَ بَقِيَّةُ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ الْمَهْرِيُّ، وَرُبَّمَا قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ الْقُرَشِيُّ، لَا يَنْسِبُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
فصل في تشبيه الطلاق
فَصْلٌ فِي تَشْبِيهِ الطَّلَاقِ الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 فِي "الصَّوْمِ" مِنْ حَدِيثِ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا"، وَخَنَسَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا - وَعَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ - وَالشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا" - يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ - انْتَهَى. وَأَخْرَجَاهُ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا، عَشْرًا، وَعَشْرًا، وَتِسْعًا"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ عَلَى الْأُخْرَى، وَقَالَ: " الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا" وَأَمْسَكَ فِي الثَّالِثَةِ إصْبَعًا، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، فَغَابَ عَنَّا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْنَا مَسَاءَ الثَّلَاثِينَ، فَقُلْت لَهُ: إنَّك حَلَفْت أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، فَقَالَ: "الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا"، وَأَمْسَكَ فِي الثَّالِثَةِ الْإِبْهَامَ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي حديث: "الشهر تسعة وَعِشْرُونَ": أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ، قَالَ: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ "شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ: رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ"، أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَيْ إنْ كَانَا نَاقِصَيْنِ فِي الْعَدَدِ فَلَا يَنْقُصَانِ فِي الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا خُصَّا بِالذِّكْرِ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِحُكْمِ الصَّوْمِ، وَالْعِيدِ، وَالْحَجِّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَلَمْ يَعْرِفْ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ هَذَا الْحَدِيثَ إلَّا لِمُسْلِمٍ خَاصَّةً، وَقَلَّدَ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا ذُهُولٌ.
باب تفويض الطلاق
بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا، قُلْت: فِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. فَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إذَا مَلَّكَهَا أَمْرَهَا فَتَفَرَّقَا قَبْلَ أَنْ تَقْضِي بِشَيْءٍ، فَلَا أَمْرَ لَهَا، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ مُجَاهِدٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: إذَا خَيَّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَمْ تَخْتَرْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لَهَا، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" حدثني الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، قَالَا: أَيُّمَا رَجُلٍ مَلَّكَ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا وَخَيَّرَهَا، ثُمَّ افْتَرَقَا مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ: فَلَيْسَ لَهَا خِيَارٌ، وَأَمْرُهَا إلَى زَوْجِهَا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ ضَعِيفٌ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ فِي "الْمَعْرِفَةِ".
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ فِي الرَّجُلِ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ: لَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا، انْتَهَى. وَالْحَجَّاجُ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَحْوَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ تَعَلَّقَ بَعْضُ مَنْ يَجْعَلُ لَهَا الْخِيَارَ - وَلَوْ قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ - بِحَدِيثِ تَخْيِيرِ عَائِشَةَ، وَهُوَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ": "إنِّي ذَاكِرٌ لَك أَمْرًا، فَلَا عَلَيْك أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْك"، وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُخَيِّرْهَا فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ بِنَفْسِهَا، وَإِنَّمَا خَيَّرَهَا عَلَى أَنَّهَا إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَحْدَثَ لَهَا طَلَاقًا، لقوله تعالى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} . الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: لَا، بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَاعْتَبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَابًا مِنْهَا، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي، فَقَالَ: " إنِّي ذَاكِرٌ لَك أَمْرًا، فَلَا عَلَيْك أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك"، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، ثُمَّ قَالَ: " إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِي: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} إلَى قَوْلِهِ: {أَجْرًا عَظِيمًا} فَقُلْت: فَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟! فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْت، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَرَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاخْتَرْنَاهُ، فَلَمْ يَعْدُدْهُ عَلَيْنَا شَيْئًا، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: فَلَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ طَلَاقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ الْأَيْمَانِ فِي الطَّلَاقِ الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: {لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ} ; قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ 2 فِي " سُنَنِهِ " عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ , وَلَا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ} انْتَهَى. {حَدِيثٌ آخَرُ} : أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ} انْتَهَى. وَجُوَيْبِرٌ ضَعِيفٌ
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 1، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَسَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ: أَيُّ شَيْءٍ أَصَحُّ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ؟ فَقَالَ: حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" بِلَفْظِ: " لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ، وَلَا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ 2 - فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ": وَقَدْ صَحَّ حَدِيثُ: "لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ" عَلَى شَرْطِهِمَا، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَأَخْرَجَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ هِلَالٍ ثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَاسِطِيِّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ عَنْ سعدي بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: يَوْمَ أَتَزَوَّجُ فُلَانَةَ، فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثَةً، قَالَ: "طَلَّقَ مَا لَا يَمْلِكُ"، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": حَدِيثٌ بَاطِلٌ، وَأَبُو خَالِدٍ الْوَاسِطِيِّ هُوَ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، وَهُوَ وَضَّاعٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى: كَذَّابٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ ثَنَا هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: " لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ سَلَمَةَ الْأَزْدِيِّ ثَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بِهِ نَحْوَهُ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَالْوَلِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ الْأَزْدِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذٍ بِنَحْوِهِ، قال في "التنقيح" لابأس بِرِوَايَتِهِ، غَيْرَ أَنَّ طَاوُسًا عَنْ مُعَاذٍ مُنْقَطِعٌ، وَأَخْرَجَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سعدي بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ، وَزَادَ وَلَوْ سَمَّيْت الْمَرْأَةَ بِعَيْنِهَا، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَيَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: " لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" ثَنَا وَكِيعٌ بِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " لَا طَلَاقَ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَعِلَّتُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، فَإِنَّهُ شَيْخٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْيَمَامِيُّ، مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ1: إنَّمَا لَمْ يُخْرِجْ الشَّيْخَانِ فِي "كتابهما" هَذَا الْحَدِيثُ لِأَنَّهُمَا وَجَدَا مَدَارَهُ عَلَى إسْنَادَيْنِ وَاهِيَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، وَالثَّانِي: عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ مِنْهُمَا الِاسْتِقْصَاءُ فِي طَلَبِ هَذِهِ الْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ، انْتَهَى. - يَعْنِي أَسَانِيدَهُ الَّتِي أَخْرَجَهَا -. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 2 عَنْ عَلِيِّ بْنِ قَرِينٍ ثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانُ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، قَالَ: قَالَ عَمٌّ لِي: اعْمَلْ لِي عَمَلًا حَتَّى أُزَوِّجَك ابْنَتِي، فَقُلْت: إنْ تَزَوَّجْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أَتَزَوَّجَهَا، فَأَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْته، فَقَالَ لِي: " تَزَوَّجْهَا، فَإِنَّهُ لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ"، قَالَ: فَتَزَوَّجْتهَا، فَوَلَدَتْ لِي سَعْدًا وَسَعِيدًا، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ
"التَّنْقِيحِ" وَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ، وَعَلِيُّ بْنُ قَرِينٍ كَذَّبَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَسْرِقُ الْحَدِيثَ، وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ كَمَذْهَبِنَا، وَمَالِكٌ فَصَلَ بَيْنَ أَنْ يُعَيِّنَ الْمَرْأَةَ فَيَصِحَّ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يَصِحَّ، وَحَدِيثُ مُعَاذٍ الْمُتَقَدِّمُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ. فَإِنَّ فِيهِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَلَوْ سَمَّيْت الْمَرْأَةَ بِعَيْنِهَا، إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ التَّخْيِيرِ، وَالْحَمْلُ مَأْثُورٌ عَنْ السَّلَفِ، كَالشَّعْبِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَغَيْرِهِمَا، قُلْت: حَكَى أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ1، قَالَ: قَوْلُهُ: لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ، هُوَ الرَّجُلُ، يُقَالُ لَهُ: تَزَوَّجْ فُلَانَةَ، فَيَقُولُ: هِيَ طَالِقٌ، فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، فَإِنَّمَا طَلَّقَهَا حِينَ تَزَوَّجَهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ": أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، وَكُلُّ أَمَةٍ أَشْتَرِيهَا فَهِيَ حُرَّةٌ، هُوَ كَمَا قَالَ، فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ: أَوَلَيْسَ قَدْ جَاءَ: لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ، وَلَا عِتْقَ إلَّا بَعْدَ مِلْكٍ؟ قَالَ: إنَّمَا ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ امْرَأَةُ فُلَانٍ طَالِقٌ، وَعَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ سَالِمٍ، وَالْقَاسِمِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالشُّعَبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالْأَسْوَدِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَكْحُولٍ فِي رَجُلٍ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ يَوْمَ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، قَالُوا: هُوَ كَمَا قَالَ: وَفِي لَفْظٍ: يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: حَدِيثُ الِاسْتِبْرَاءِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ رُوَيْفِعٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ. أَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ شَرِيكٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ: " لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً"، انْتَهَى. ورَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" وَقَالَ:
صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" بِشَرِيكٍ، وَقَالَ: إنَّهُ مُدَلِّسٌ، وَهُوَ مِمَّنْ سَاءَ حِفْظُهُ بِالْقَضَاءِ، انْتَهَى، ذَكَرَهُ فِي "النِّكَاحِ". وَأَمَّا حَدِيثُ رُوَيْفِعٍ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا فِي "النِّكَاحِ" عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي مَرْزُوقٍ عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يحل لامرء يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ السَّبْيِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُوطَأَ الْحَامِلُ حَتَّى تَضَعَ، أَوْ الْحَامِلُ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِالْحَيْضَةِ، انْتَهَى.
فصل في الاستثناء
فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ، وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِهِ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ". قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ1 مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. بِلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَرُوِيَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرُ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: كَانَ أَيُّوبُ أَحْيَانًا يَرْفَعُهُ، وَأَحْيَانًا لَا يَرْفَعُهُ، انْتَهَى. وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد فِيهِ: فَقَدْ اسْتَثْنَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن معمر عن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلَتْ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لِي: هَذَا حَدِيثٌ خَطَأٌ، أَخْطَأَ فِيهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، اخْتَصَرَهُ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ سُلَيْمَانَ قَالَ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ"، الْحَدِيثُ، وَفِيهِ: "لَوْ قَالَ:
إنْ شَاءَ اللَّهُ لَكَانَ كَمَا قَالَ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: فَقَدْ اسْتَثْنَى، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ: أَخْطَأَ فِيهِ مَعْمَرٌ، وَاخْتَصَرَهُ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ، إلَى آخِرِهِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْبُخَارِيِّ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ إسْحَاقَ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ الْكَعْبِيِّ 1 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ لِغُلَامِهِ أَنْتَ حُرٌّ، أَوْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِإِسْحَاقِ الْكَعْبِيِّ، نَقَلَ شَيْخُنَا شَمْسُ الدِّينِ الذَّهَبِيُّ تَضْعِيفَهُ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدًا وَثَّقَهُ، قَالَ: وَذَكَرَ ابْنُ عَدِيٍّ لَهُ عَشَرَةَ أَحَادِيثَ: مِنْهَا هَذَا، انْتَهَى. قُلْت: لَمْ يَذْكُرْ لَهُ ابْنُ عَدِيٍّ غَيْرَ حَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا: هَذَا، وَالْآخَرُ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يُمَيِّزُ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ وَأَصْفِيَاءَهُ، حَتَّى تَطْهُرَ الْأَرْضُ مِنْ الْمُنَافِقِينَ"، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ بِسَنَدَيْهِمَا مُنْكَرَانِ، لَا يَرْوِيهِمَا إلَّا إسْحَاقُ هَذَا، وَلَمْ أَرَ لَهُ مِنْ الْحَدِيثِ إلَّا مِقْدَارَ عَشَرَةٍ، أَوْ أَقَلَّ، وَمِقْدَارُ مَا رَأَيْته مَنَاكِيرُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ مَكْحُولًا يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَا خَلَقَ اللَّهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ الْعَتَاقِ، وَلَا أَبْغَضَ إلَيْهِ مِنْ الطَّلَاقِ، فَمَنْ أَعْتَقَ وَاسْتَثْنَى، فَالْعَبْدُ حُرٌّ، وَلَا اسْتِثْنَاءَ لَهُ، وَإِذَا طَلَّقَ وَاسْتَثْنَى فَلَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: فِي إسْنَادِهِ حُمَيْدٍ بْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ3: هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَمَكْحُولٌ عَنْ مُعَاذٍ مُنْقَطِعٌ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": مَكْحُولٌ لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا، وَابْنَ عَيَّاشٍ، وَحُمَيْدَ، وَمَكْحُولٌ كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": الْحَمْلُ فِيهِ عَلَى حُمَيْدٍ، تَكَلَّمَ فِيهِ أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ عَدِيٍّ، وَالْأَزْدِيُّ، انْتَهَى.
باب الرجعة
بَابُ الرَّجْعَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ". قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَمِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ. فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْفَرَائِضِ - وَالْحُدُودِ"، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الرَّضَاعِ"، وَالنَّسَائِيُّ، فِي "الطَّلَاقِ"، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: "الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ" أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: أَخْرَجُوهُ - إلَّا التِّرْمِذِيَّ - عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا، قَالَتْ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلَامٍ، فَقَالَ سعد: أوصاني عُتْبَةُ إذَا قَدِمْتُ مَكَّةَ أَنْ أَنْظُرَ إلَى ابْنِ أمة زمعة، أفأقبضه، فَإِنَّهُ ابْنُهُ؟ وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي ابْنُ أَمَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي، فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَهًا بَيِّنًا لِعُتْبَةَ، فَقَالَ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد 2 فِي "اللِّعَانِ" حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فُلَانًا ابْنِي عَاهَرْت بِأُمِّهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا دَعْوَةَ فِي الْإِسْلَامِ، ذَهَبَ أَمْرُ الْجَاهِلِيَّةِ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ"، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عُثْمَانَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد 3 أَيْضًا حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَبَاحٍ، قَالَ: زَوَّجَنِي أَهْلِي أَمَةً لَهُمْ رُومِيَّةً، فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا، فَوَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ مِثْلِي، فَسَمَّيْتُهُ عَبْدَ اللَّهِ، ثُمَّ وَقَعْتُ عَلَيْهَا، فَوَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ مِثْلِي، فَسَمَّيْتُهُ عُبَيْدَ اللَّهِ، ثُمَّ طَبِنَ لَهَا غُلَامٌ، لِأَهْلِي رُومِيٌّ، يُقَالُ لَهُ:
يُوحَنَّا: فَرَاطَنَهَا بِلِسَانِهِ، فَوَلَدَتْ غُلَامًا، كَأَنَّهُ وَزَغَةٌ مِنْ الْوَزَغَاتِ، فَقُلْت لَهَا: مَا هَذَا؟! قَالَتْ: هَذَا لِيُوحَنَّهْ. فَرَفَعْنَا إلَى عُثْمَانَ، أَحْسِبُهُ قَالَ: مَهْدِيٌّ، قَالَ: فَسَأَلَهُمَا فَاعْتَرَفَا، فَقَالَ لَهُمَا: أَتَرْضَيَانِ أَنْ أَقْضِيَ بَيْنَكُمَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَضَى أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ، وَأَحْسِبُهُ قَالَ: فَجَلَدَهَا وَجَلَدَهُ، وَكَانَا مَمْلُوكَيْنِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "الْوَصَايَا" 1 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ"، مُخْتَصَرٌ. وَسَيَأْتِي فِي "الْكَفَالَةِ - وَالْوَصَايَا"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فصل فيما تحل به المطلقة
فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَةَ الْآخَرِ". قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" 2 مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَدَخَلَ بِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُوَاقِعَهَا أَتَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ؟ قَالَ: "لَا، حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ مِنْ عُسَيْلَتِهَا مَا ذَاقَ الْأَوَّلُ"، انْتَهَى. وَرَوَى الْجَمَاعَةُ 3 إلَّا - أَبَا دَاوُد - عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كُنْت عِنْدَ رِفَاعَةَ، فَطَلَّقَنِي، فَأَبَتَّ طَلَاقِي، فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَتَبَسَّمَ عليه السلام، وَقَالَ: " أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ رِفَاعَةَ، فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، الْحَدِيثُ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الشَّهَادَاتِ - وَالطَّلَاقِ"، وَذَكَرَهُ فِي "اللِّبَاسِ"4، وَزَادَ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ: عَائِشَةَ، فَصَارَ ذَلِكَ سُنَّةً بَعْدَهُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد فِي "الطَّلَاقِ"، وَالْبَاقُونَ فِي "النِّكَاحِ"، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ5، كَذَبَتْ، وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الْأَدِيمِ، وَلَكِنَّهَا نَاشِزٌ، تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى رِفَاعَةَ، فَقَالَ عليه السلام: "فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ تَحِلِّينَ لَهُ حَتَّى يَذُوقَ
مِنْ عُسَيْلَتِكِ"، قَالَ: وَكَانَ مَعَ رِفَاعَةَ ابْنَانِ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: " بَنُوك هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهَا: هَذَا، وَأَنْتِ تَزْعُمِينَ مَا تَزْعُمِينَ؟! فو الله لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنْ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ"، انْتَهَى. وَهُوَ كَذَلِكَ فِي "الْمُوَطَّأِ" 1 أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ شموال طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ ثَلَاثًا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَكَحَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا، فَفَارَقَهَا، فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا، فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: "لَا تَحِلُّ لَك حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ"، انْتَهَى. وَرَوَى الطبراني في "معجمه الوسط" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَمَةَ ثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَتْ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْظَةَ يُقَالُ لَهَا: تَمِيمَةُ بِنْتُ وَهْبٍ، تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَطَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا رِفَاعَةُ - رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ - ثُمَّ فَارَقَهَا، فَأَرَادَتْ أَنْ تَرْجِعَ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هُوَ مِنْهُ إلَّا كَهُدْبَةِ ثَوْبِي، فَقَالَ: "وَاَللَّهِ يَا تَمِيمَةُ لَا تَرْجِعِينَ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ رَجُلٌ غَيْرَهُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، إلَّا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْمَتْنُ عَكْسُ مَتْنِ الصَّحِيحِ، وَرَوَى أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا مَرْوَانُ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ الْمَكِّيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْعُسَيْلَةُ: هِيَ الْجِمَاعُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 وَالْمَكِّيُّ مَجْهُولٌ. قَوْلُهُ: وَلَا خِلَافَ فِيهِ لِأَحَدٍ سِوَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي - سُنَنِ - سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: النَّاسُ يَقُولُونَ: حَتَّى يُجَامِعَهَا، وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ: إذَا تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا صَحِيحًا، فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ، وَاسْتُغْرِبَ هَذَا مِنْ سَعِيدٍ، حَتَّى قِيلَ: إنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَبْلُغْهُ، كَمَا اُسْتُغْرِبَ مِنْ الْحَسَنِ، أَنَّهُ يَشْتَرِطُ الْإِنْزَالَ، نَظَرًا إلَى مَعْنَى الْعُسَيْلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ 3 مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي قَيْسٍ، وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَرْوَانَ الْأَوْدِيُّ عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ الْأَوْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ فِي عَزْوِهِ لِأَبِي دَاوُد، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَبِي الْوَاصِلِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرَهُ. وَحَدِيثُ عَلِيٍّ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 1 عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُد فِيهِ شَكٌّ، فَقَالَ: أَرَاهُ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِالْحَارِثِ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ 2 عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِنَحْوِهِ سَوَاءٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِقَائِمٍ، فَإِنَّ مُجَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ قَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ 3 عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قال لِي أَبُو مُصْعَبٍ: مِشْرَحُ بْنُ هَاعَانَ، قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هُوَ الْمُحَلِّلُ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ"، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": إسْنَادُهُ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ مَا أَرَاهُ سَمِعَ مِنْ مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ" 4: سَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، فَذَكَرَهُ، فَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْ اللَّيْثُ مِنْ مِشْرَحٍ شَيْئًا، وَلَا رَوَى عَنْهُ، انْتَهَى. قُلْت: قَوْلُهُ: فِي الْإِسْنَادِ: قَالَ لِي أَبُو مُصْعَبٍ: يَرُدُّ ذَلِكَ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"5 مُعَنْعَنًا عَنْ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ مِشْرَحٍ بِهِ، وَكَذَلِكَ حَسَّنَهُ عَبْدُ الْحَقِّ، لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَأَبُو صَالِحٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مِنْ عِنْدِ ابْنِ مَاجَهْ، فَإِنَّ شَيْخَ ابْنِ مَاجَهْ يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي "تَارِيخِ الْمِصْرِيِّينَ"، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِعِلْمٍ وَضَبْطٍ، وَأَبُوهُ عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ ثِقَةٌ، أَخْرَجَ لَهُ
الْبُخَارِيُّ، وَأَمَّا مِشْرَحُ بْنُ هَاعَانَ فَوَثَّقَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ وَثَّقَهُ، وَالْعِلَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا أَبِي حَاتِمٍ: لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهَا ابْنُ الْقَطَّانِ، وَلَا غَيْرُهُ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا1 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا عَامِرٍ عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ سَوَاءٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مَسَانِيدِهِمْ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأخنس عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِهِ، سَوَاءٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وعثمان بن محمد الأخنس وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَسَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ. حَدِيثٌ آخَرُ فِي الْبَابِ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 3 عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ الْمَدَنِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا أَخٌ لَهُ لِيُحِلَّهَا لِأَخِيهِ، هَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؟ قَالَ: لَا، إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ، كُنَّا نَعُدُّ هَذَا سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى، وَصَحَّحَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهَةِ النِّكَاحِ الْمَشْرُوطِ بِهِ التَّحْلِيلُ، وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَلَكِنْ يُقَالُ: لَمَّا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا دَلَّ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ، لِأَنَّ الْمُحَلِّلَ هُوَ الْمُثْبِتُ لِلْحِلِّ، فَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمَا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا، ثُمَّ أَعَادَهُ الْمُصَنِّفُ مُسْتَدِلًّا بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ، يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلَاثَ، وَفِيهِ أَثَرٌ جَيِّدٌ، رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، إذْ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَدَخَلَ بِهَا، ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا، ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَأَرَادَ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى كَمْ هِيَ عِنْدَهُ، فَالْتَفَتَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا؟ قَالَ: يَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي الْوَاحِدَةَ، وَالثِّنْتَيْنِ، وَالثَّلَاثَ، وَاسْأَلْ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: فَلَقِيتُ ابْنَ عُمَرَ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: مِثْلَ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"1 مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَتَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ، ثُمَّ فَارَقَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ، قَالَ: هِيَ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ، انْتَهَى. وَرَوَى مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ2 يَقُولُ: هِيَ عَلَى مَا بَقِيَ، انْتَهَى.
باب الإيلاء
بَابُ الْإِيلَاءِ قَوْلُهُ: عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَالْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ فِي "الْإِيلَاءِ" يَقَعُ بِهِ تَطْلِيقَةٌ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، قُلْت: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"3 ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَا يَقُولَانِ فِي الْإِيلَاءِ: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا، وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: آلَى النُّعْمَانُ مِنْ امْرَأَتِهِ، وَكَانَ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَضَرَبَ فَخِذَهُ، وَقَالَ: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَاعْتَرِفْ بِتَطْلِيقَةٍ، انْتَهَى. وَفِي "الْمُوَطَّأِ" 4 عَنْ عَلِيٍّ خِلَافُ هَذَا، مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا آلَى الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، فَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ حَتَّى يُطَلِّقَ أَوْ يَفِيءَ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَلِيًّا، وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، قَالُوا: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ، وَهِيَ أَحَقُّ
بِنَفْسِهَا، وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ 1 عَنْ عَطَاءٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَكْحُولٍ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 حَدِيثَ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَيْمُونِيُّ، قَالَ: ذَكَرْت لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدِيثَ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عُثْمَانَ هَذَا، فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا هُوَ، قَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ خِلَافُهُ، قِيلَ لَهُ: مَنْ رَوَاهُ؟ قَالَ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ عُثْمَانَ، أَنَّهُ يُوقَفُ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ، وَهُوَ أَمْلَكُ بِرَدِّهَا، مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا، انْتَهَى. وَابْنُ إسْحَاقَ صَرَّحَ فِيهِ بالحديث، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، قَالَا: إذَا آلى فلم يفيء حَتَّى إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَمَسْرُوقٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَقَبِيصَةَ، وَسَالِمٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ، وَفِي الْبُخَارِيِّ3 عَنْ ابْنِ عُمَرَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابن عمر أنه قال: يَقُولُ: الْإِيلَاءُ الَّذِي سَمَّى اللَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَجَلِ، إلَّا أَنْ يُمْسِكَ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يَعْزِمَ بِالطَّلَاقِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ لِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حدثني مالك بن نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ حَتَّى يُطَلِّقَ، ولا يقع عليها الطَّلَاقُ، حَتَّى يُطَلِّقَ، وَيُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعَائِشَةَ، وَاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَفِي "مُوَطَّأِ مَالِكٍ" أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ كَانَ يَقْضِي فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ، وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ، قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى هَذَا كَانَ رَأْيُ ابْنِ شِهَابٍ، مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ بِنَحْوِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا إيلَاءَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ شَهْرًا، أَوْ شَهْرَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً - مَا لَمْ يَبْلُغْ الْحَدَّ - فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ إيلَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَوَقَّتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
باب الخلع
بَابُ الْخُلْعِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ"، قُلْت: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا" 2 مِنْ حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْخُلْعَ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِعَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ الثَّقَفِيِّ، وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، قَالَ: تَرَكُوهُ، وَعَنْ النَّسَائِيّ، قَالَ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَعَنْ شُعْبَةَ قَالَ: احْذَرُوا حَدِيثَهُ، وَسَكَتَ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، إلَّا أَنَّهُ أَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافَهُ مِنْ رِوَايَةِ طَاوُسٍ عَنْهُ، قَالَ: الْخُلْعُ فُرْقَةٌ، وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ، وَهَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَقَالَ: لَوْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ، حَلَّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا، ذَكَرَ اللَّهُ الطَّلَاقَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَفِي آخِرِهِ، وَالْخُلْعَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْخُلْعَ تَطْلِيقَةً، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. أَثَرٌ: رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جُمْهَانَ مَوْلَى الْأَسْلَمِيِّينَ عَنْ أُمِّ بَكْرٍ الْأَسْلَمِيَّةِ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَسِيد، فَأَتَيَا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: هِيَ تَطْلِيقَةٌ، إلَّا أَنْ تَكُونَ سَمَّيْتَ شَيْئًا، فَهُوَ مَا سَمَّيْتَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ3، وَنَقَلَ عَنْ
أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ 1 عَنْ جُمْهَانَ هذا، قال: لَا أَعْرِفُهُ، وَضَعَّفَ الْحَدِيثَ مِنْ أَجْلِهِ، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِمَذْهَبِنَا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ2، عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَصَحَّحَهُ، قَالَ: إلَّا أن عبد الرزاق أرسله عَنْ مَعْمَرٍ، انْتَهَى. وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ"، وَقَالَ: الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ: الْخُلْعُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ، إذْ لَوْ كَانَ طَلَاقًا لَمْ تَعْتَدَّ فِيهِ بِحَيْضَةٍ، قَالَ: وَعَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ هَذَا هُوَ الْجُنْدِيُّ الْيَمَانِيُّ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَيْسَ بشيء، ورد هذا الْحَدِيثَ مِنْ أَجْلِهِ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ"3 عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رُبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذٍ جَاءَتْ هِيَ وَعَمَّتُهَا إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: عِدَّتُهَا عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ، قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، وَابْنَ شِهَابٍ، كَانُوا يَقُولُونَ: عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ: "أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا"، وَقَدْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ جِهَتِهَا، قُلْت: رُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ عَطَاءٍ، وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ. فَحَدِيثُ عَطَاءٍ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ" عَنْهُ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْكُو زَوْجَهَا، فَقَالَ: "أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ الَّتِي أَصْدَقَكِ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، وَزِيَادَةً، قَالَ: "أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 4 عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْوَلِيدُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ أَبِي الزُّبَيْرِ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 1 فِي "سُنَنِهِ" عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ كَانَتْ عِنْدَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، وَكَانَ أَصْدَقَهَا حَدِيقَةً، فَكَرِهَتْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ الَّتِي أَعْطَاكِ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، وَزِيَادَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا، وَلَكِنْ حَدِيقَتُهُ"، قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخَذَهَا وَخَلَّى سَبِيلَهَا، انْتَهَى. قَالَ: سَمِعَهُ أَبُو الزُّبَيْرِ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنْ الْمُخْتَلِعَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا"، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" 2 حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ مَرْوَانَ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ جَمِيلَةَ بِنْتَ سَلُولَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا أَعْتِبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ، وَلَا خُلُقٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ لَا أُطِيقُهُ بُغْضًا، فَقَالَ عليه السلام: "أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَمَرَهُ عليه السلام أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا حَدِيقَتَهُ، وَلَا يَزْدَادَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيِّ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بِهِ، وَالْحَدِيثُ فِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ"3 لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الزِّيَادَةِ، أَخْرَجَهُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ، وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ مُنْقَطِعَةٍ: وَلَكِنِّي لَا أُطِيقُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ عليه السلام: "أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ عليه السلام: "اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَتْ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاَللَّهِ لَوْلَا مَخَافَةُ اللَّهِ لَبَصَقْتُ فِي وَجْهِهِ إذَا دَخَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ عليه السلام: "أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، فَرَدَّتْهَا عَلَيْهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ بِلَفْظِ ابْنِ مَاجَهْ هَذَا، وَسَمَّاهَا حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّةَ، وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ خُلْعٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ أَيْضًا: جَمِيلَةُ، وَتَقَدَّمَ اسْمُهَا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، زَيْنَبُ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد 4 مِنْ حَدِيثِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ سَمَّاهَا: جَمِيلَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
باب الظهار
بَابُ الظِّهَارِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام لِلَّذِي وَاقَعَ فِي ظِهَارِهِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ: "اسْتَغْفِرْ اللَّهَ، وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ 1 عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، فَقَالَ عليه السلام: " مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ؟ " قَالَ: رَأَيْت خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ، وَفِي لَفْظٍ: بَيَاضَ سَاقَيْهَا، قَالَ: "فَاعْتَزِلْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ عَنْك"، انْتَهَى. وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ رَجُلًا، فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْحَكَمِ بِهِ مُرْسَلًا، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ هُوَ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ الْحَكَمِ بِهِ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ بِهِ مُرْسَلًا، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا، وَقَالَ: وَالْمُرْسَلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْمَعَافِرِيُّ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحًا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، قَالَ: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، فَقَدْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، مَشْهُورٌ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 2 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقَالَ: إنِّي ظَاهَرْتُ مِنْ امْرَأَتِي، ثُمَّ وَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} ؟! " قَالَ: أَعْجَبَتْنِي، قَالَ: "أَمْسِكْ حَتَّى تُكَفِّرَ"، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، وَقَالَ: لَمْ يَحْتَجَّ الشَّيْخَانِ بِإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، وَلَا بِالْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، وَالْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ صَدُوقٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ: لَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ إلَّا بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ 3 عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ سُلَيْمَانَ
بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُظَاهِرِ يُوَاقِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، قَالَ: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلَمْ أَجِدْ ذِكْرَ الِاسْتِغْفَارِ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ فِي "الْمُوَطَّأِ"1 مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَلَفْظُهُ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ يُظَاهِرُ مِنْ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ يَمَسُّهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، قَالَ: يَكُفُّ عَنْهَا حَتَّى يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ، وَيُكَفِّرَ، قَالَ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ ما سمعت، انتهى. فصل في الكفارة الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ 2 - فِي الْعَتَاقِ" عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ"، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي "كِتَابِ الْمُكَاتَبِ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ، وَسَهْلِ بْنِ صَخْرٍ: "لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ"، قُلْت: هَكَذَا وَقَعَ فِي "الْهِدَايَةِ"، وَصَوَابُهُ: وَسَلَمَةُ بْنُ صخر، والحديث غريب، عند الطَّبَرَانِيِّ فِي "مُعْجَمِهِ" فِي حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: " فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا ثَلَاثِينَ صَاعًا"، قَالَ: لَا أَمْلِكُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ تُعِينَنِي، فَأَعَانَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَأَعَانَهُ النَّاسُ حَتَّى بَلَغَ، انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو دَاوُد 3 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ خُوَيْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، قَالَتْ: ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ فَجِئْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْكُوهُ إلَيْهِ، وَهُوَ يُجَادِلُنِي فِيهِ، وَيَقُولُ: اتَّقِي اللَّهَ، فَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ عَمِّك، فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى أُنْزِلَ الْقُرْآنُ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُك فِي زَوْجِهَا} الْآيَةُ، فَقَالَ عليه السلام: يُعْتِقُ رَقَبَةً، قَالَتْ: لَا يَجِدُ، قَالَ: فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَتْ: إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصُومَ، قَالَ: يُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، قَالَتْ: لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ يَتَصَدَّقُ بِهِ، قَالَ: فَإِنِّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ من التمر، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ، قَالَ. أَحْسَنْتِ، اذْهَبِي فَأَطْعِمِي بِهَا عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَارْجِعِي إلَى ابْنِ عَمِّك، قَالَ: وَالْعَرَقُ: سِتُّونَ صَاعًا، انْتَهَى. ثم أخرج عن ابن إسحاق بهذا الإِسناد، نحوه، إلا أنه قال: والعرق: مكتل يسع ثلاثين صاعاً، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: الْعَرَقُ زِنْبِيلٌ، يَأْخُذُ خَمْسَةَ عَشْرَ صَاعًا، انْتَهَى. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ شَاهِدَةٌ لَنَا.
باب اللعان
بَابُ اللِّعَانِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "أَرْبَعَةٌ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِمْ: الْيَهُودِيَّةُ، وَالنَّصْرَانِيَّة تَحْتَ الْمُسْلِمِ، وَالْمَمْلُوكَةُ تَحْتَ الْحُرِّ، وَالْحُرَّةُ تَحْتَ الْمَمْلُوكِ". قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ ابْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَرْبَعَةٌ مِنْ النِّسَاءِ لَا مُلَاعَنَةَ بَيْنَهُمْ: النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ، وَالْيَهُودِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ، وَالْمَمْلُوكَةُ تَحْتَ الْحُرِّ، وَالْحُرَّةُ تَحْتَ الْمَمْلُوكِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، وَقَالَ: عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: " أَرْبَعَةٌ لَيْسَ بَيْنَهُمْ لِعَانٌ: لَيْسَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْأَمَةِ لِعَانٌ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْعَبْدِ لِعَانٌ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْيَهُودِيَّةِ لِعَانٌ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ لِعَانٌ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالْوَقَّاصِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، قَالَ: وَعُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ جِدًّا، وَتَابَعَهُ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَرَوَى عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ - وَهُمَا إمَامَانِ - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَوْلَهُ: وَلَمْ يَرْفَعَاهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أخرجه عن عمر بْنِ مَطَرٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيد: أَنْ لَا لِعَانَ بَيْنَ أَرْبَعٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، قَالَ: وَعَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ، وَحَمَّادُ بْنُ عَمْرٍو، وَزَيْدُ بْنُ رُفَيْعٍ ضُعَفَاءُ، انْتَهَى. وقال البهيقي فِي الْمَعْرِفَةِ3: هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ الرَّمْلِيُّ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَرْبَعَةٌ لَا مُلَاعَنَةَ بَيْنَهُمْ: النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ"، إلَى آخِرِهِ، قَالَ: وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ مَعْرُوفٌ بِكَثْرَةِ الْغَلَطِ4،
وَابْنُهُ عُثْمَانُ، وَابْنُ زُرَيْعٍ ضَعِيفَانِ، وَرَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَرَوَاهُ عَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَعَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ، وَحَمَّادُ بْنُ عَمْرٍو، وَزَيْدُ بْنُ رُفَيْعٍ ضُعَفَاءُ، وَرَوَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ - وَهُمَا إمَامَانِ - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَوْقُوفًا، وَفِي ثُبُوتِهِ مَوْقُوفًا أَيْضًا نَظَرٌ، فَإِنَّ رَاوِيَهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ عَمْرُو بْنُ هَارُونَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ مَوْقُوفًا، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَنَحْنُ إنَّمَا نَحْتَجُّ بِرِوَايَاتِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ إذَا كَانَ الرَّاوِي عَنْهُ ثِقَةً، وَانْضَمَّ إلَيْهِ مَا يُؤَكِّدُهُ وَلَمْ نَجِدْ لِهَذَا الْحَدِيثِ طَرِيقًا صَحِيحًا إلَى عَمْرٍو1، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ: تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِتَلَاعُنِهِمَا، لِأَنَّهُ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ بِالْحَدِيثِ، كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: " الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا"، وَسَيَأْتِي، وَهُوَ قول مالك. والله أعلم. الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا إنْ أَمْسَكْتهَا، قُلْت: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيُّ جَاءَ إلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِمُ أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَيَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَرِهَ عليه السلام الْمَسَائِلَ، وَعَابَهَا، حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ، فَقَالَ: يَا عَاصِمُ مَاذَا قَالَ لَك رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ عَاصِمٌ: لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ الَّتِي سَأَلْته عَنْهَا، فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاَللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا، فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ وَسَطَ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَيَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ عليه السلام: "قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيك، وَفِي صَاحِبَتِك قُرْآنًا، فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا"، قَالَ سَهْلٌ: فَتَلَاعَنَا، وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا فَرَغَا، قَالَ
عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا عُوَيْمِرٌ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ فِيهِ: فَطَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ، فَأَنْفَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مَا صُنِعَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةً، قَالَ سَهْلٌ: حَضَرْتُ هَذَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَضَتْ السُّنَّةُ بَعْدُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، انْتَهَى. وَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَقَعْ بِاللِّعَانِ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ 1 - أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَّقَ عليه السلام بَيْنَهُمَا، وَأُلْحِقَ الْوَلَدُ بِأُمِّهِ، أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" - دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِتَفْرِيقِهِ عليه السلام فَائِدَةٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" 2: قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ، وَعُوَيْمِرٌ حِينَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا كَانَ جَاهِلًا بِأَنَّ اللِّعَانَ فُرْقَةٌ، فَصَارَ كَمَنْ شَرَطَ الضَّمَانَ فِي السَّلَفِ، وَهُوَ يَلْزَمُهُ، شَرَطَ، أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ، وَتَفْرِيقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ تَفْرِيقُ حُكْمٍ لَا لِفُرْقَةِ الزَّوْجِ، وَقَوْلُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَالزُّهْرِيِّ فِي الْحَدِيثِ: فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، أَيْ الْفُرْقَةُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَلِعَانِهِ، قَالَ: وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ قُوتٌ، وَلَا سُكْنَى مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا مُتَوَفَّى عَنْهَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَقَوْلُهُ عليه السلام: " لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا"، لَيْسَ مَعْنَاهُ الْفِرْقَةَ، وَلَكِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِالْمَهْرِ، وَلِهَذَا فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي؟ قَالَ: " لَا مَالَ لَك، إنْ كُنْت صَدَقْتَ عَلَيْهَا، فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا، فَذَلِكَ أَبْعَدُ لَك مِنْهَا"، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا"، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 3 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفِهْرِيِّ، وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَطَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ، فَأَنْفَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ سَهْلٌ: حَضَرْت هَذَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَضَتْ السُّنَّةُ بَعْدُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 4 عَنْ فَرْوَةَ بْنِ أَبِي الْمَغْرَاءِ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْمُتَلَاعِنَانِ إذَا تَفَرَّقَا لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا"، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": إسْنَادُهُ جَيِّدٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا 1 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ، قَالَا: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ الْمُتَلَاعِنَانِ أَبَدًا، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هَانِئٍ، هُوَ أَبُو نُعَيْمٍ النَّخَعِيّ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُمَا، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ2، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلِيٍّ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ مَسْعُودٍ لَمْ يَرْوِيَاهُ مَرْفُوعًا أَصْلًا. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَفَى وَلَدَ امْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ هِلَالٍ، وَأَلْحَقَهُ بِهَا، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 3 عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَجَاءَ مِنْ أَرْضِهِ عِشَاءً، فَوَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ رَجُلًا، فَرَأَى بِعَيْنِهِ، وَسَمِعَ بِأُذُنِهِ، فَلَمْ يُهِجْهُ حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي جِئْتُ إلَى أَهْلِي عِشَاءً، فَرَأَيْتُ بِعَيْنَيَّ وَسَمِعْت بِأُذُنَيَّ، فَبَعَثَ عليه السلام، فَأُتِيَ بِامْرَأَتِهِ، فَوَعَظَهُمَا وَذَكَّرَهُمَا، ثُمَّ لَاعَنَ بَيْنَهُمَا، إلَى أَنْ قَالَ: فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا، وَقَضَى أَنْ لَا يدعى ولدهما لِأَبٍ، وَلَا تَرْمِي، وَلَا يرمى ولدها، ومن رماهما، أَوْ رَمَى وَلَدَهَا، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَقَضَى أَنْ لَا بَيْتَ لَهَا عَلَيْهِ، وَلَا قُوتَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يَتَفَرَّقَانِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ، وَلَا مُتَوَفًّى عَنْهَا، قَالَ عِكْرِمَةُ: فَكَانَ وَلَدُهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرَ، وَلَا يُدْعَى لِأَبٍ4، مُخْتَصَرٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِعَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ5، قَالَ الْبُخَارِيُّ: عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ رَوَى عَنْ ابْنِ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيِّ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ أَشْيَاءَ رُبَّمَا نَسِيَهَا، فَجَعَلَهَا عَنْ عِكْرِمَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ السَّاجِيُّ: ضَعِيفٌ مُدَلِّسٌ، وَكَانَ يُنْسَبُ إلَى الْقَدَرِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ ضَعِيفٌ قَدَرِيٌّ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ قَدَرِيًّا دَاعِيَةً إلَى الْقَدَرِ، وَكُلُّ مَا رَوَى عَنْ عِكْرِمَةَ سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ دَاوُد، فَدَلَّسَهَا عَلَى عِكْرِمَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ وَثَّقَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ:
لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ ضَعِيفَ الْحَدِيثِ، يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. وَفِي قَوْلِهِ: فَرَأَيْت بِعَيْنَيَّ وَسَمِعْت بِأُذُنَيَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ كَانَ لِرَمْيِهَا بِالزِّنَا لَا ينفي الْحَمْلِ، وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ1 قَالَ: ذُكِرَ التَّلَاعُنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ: وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ - يَعْنِي زَوْجَ الْمَرْأَةِ - مُصْفَرًّا، قَلِيلَ اللَّحْمِ، سَبْطَ الشَّعْرِ، كان الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ خَدْلًا، كَثِيرَ اللَّحْمِ، فَقَالَ عليه السلام: "اللَّهُمَّ بَيِّنِ"، فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِاَلَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ، فَلَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا، وَفِي هَذَا أَنَّ اللِّعَانَ كَانَ بَعْدَ الْوَضْعِ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" 2 عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا، فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا، وَأَلْحَق الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَفَى الْوَلَدَ عَنْ هِلَالٍ، وَقَدْ قَذَفَهَا حَامِلًا، قُلْت: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" 3 فِي حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ الْمُتَقَدِّمِ، عِنْدَ أَبِي دَاوُد ثَنَا عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} ، إلَى أَنْ قَالَ: فَجَاءَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ بِعَيْنَيَّ، وَسَمِعْتُ بِأُذُنَيَّ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِامْرَأَتِهِ، فَوَعَظَهُمَا وَذَكَّرَهُمَا، ثُمَّ لَاعَنَ بَيْنَهُمَا، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ قُوتٌ، وَلَا سُكْنَى، وَلَا نَفَقَةٌ، وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا، فَكَانَتْ حَامِلًا مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ، وَلَا مُتَوَفًّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَأَمَرَ أَنْ لَا يُدْعَى وَلَدُهَا لِلْأَبِ، وَلَا يُرْمَى وَلَدُهَا، فَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدَهَا جُلِدَ الْحَدَّ، قَالَ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ: فَحَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ أَنَّهُ رَأَى هَذَا الْغُلَامَ أَمِيرَ مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ، يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِهَا، لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ، مُخْتَصَرٌ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" 4 عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، لَيْسَ فِيهِ: فَأَنْكَرَهُ، وَلَفْظُهُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أن عويمر الْعَجْلَانِيُّ جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي شَأْنِهِ مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَمْرِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "قَدْ قَضَى اللَّهُ فِيك، وَفِي امْرَأَتِك"، قَالَ: فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنَا شَاهِدٌ، فَلَمَّا فَرَغَا، قَالَ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا إنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
حِينَ فَرَغَا مِنْ التَّلَاعُنِ، فَقَالَ عليه السلام: "ذَلِكَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ"، وَكَانَتْ حَامِلًا، فَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى لِأُمِّهِ، انْتَهَى. زَادَ مُسْلِمٌ: قَالَ سَهْلٌ: وَكَانَتْ حَامِلًا، فَكَانَ ابْنُهَا يُنْسَبُ إلَى أُمِّهِ، ثُمَّ جَرَتْ السُّنَّةُ أَنَّهُ يَرِثُهَا، وَتَرِثُ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا، الْحَدِيثُ. وَقَوْلُهُ: فَكَانَ ابْنُهَا، إلَى آخِرِهِ، هُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْعَجْلَانِيُّ وَامْرَأَتِهِ، وَكَانَتْ حُبْلَى، وَقَالَ زَوْجُهَا: مَا قَرَبْتُهَا مُنْذُ عَفَارِ النَّخْلِ، وَعَفَارُ النَّخْلِ: أَنَّهَا كَانَتْ لَا تُسْقَى بَعْدَ الْإِبَارِ شَهْرَيْنِ، فَقَالَ عليه السلام: "اللَّهُمَّ بَيِّنْ"، فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمَكْرُوهِ، إلَى آخِرِهِ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ - فِي تَرْجَمَةِ عُوَيْمِرٍ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ - هُوَ الْوَاقِدِيُّ - حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: شَهِدْتُ عُوَيْمِرَ بْنَ الْحَارِثِ الْعَجْلَانِيُّ، وَقَدْ رَمَى امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ ابْنِ السَّحْمَاءِ، وَأَنْكَرَ حَمْلَهَا، فَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ حَامِلٌ، فَرَأَيْتُهُمَا يَتَلَاعَنَانِ قَائِمَيْنِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ وَلَدَتْ، فَأُلْحِقَ الْوَلَدُ بِالْمَرْأَةِ، وَجَاءَتْ بِهِ أَشْبَهَ النَّاسِ بِشَرِيكِ ابْنِ السَّحْمَاءِ، وَكَانَ عُوَيْمِرٌ قَدْ لَامَهُ قَوْمُهُ، وَقَالُوا: امْرَأَةٌ لَا نَعْلَمُ عَلَيْهَا إلَّا خَيْرًا، فَلَمَّا جَاءَ الشَّبَهُ بِشَرِيكٍ عَذَرُوهُ، وَعَاشَ الْمَوْلُودُ بَعْدَ ذَلِكَ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ، وَعَاشَتْ أُمُّهُ بَعْدَهُ يَسِيرًا، وَصَارَ شَرِيكٌ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ بِحَالٍ سُوءٍ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ أَحْدَثَ تَوْبَةً، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي غَيْرُ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ عُوَيْمِرًا قَالَ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قَرَبْتُهَا مُنْذُ عَفَارِ النَّخْلِ، فَقَالَ عليه السلام: "اللَّهُمَّ بَيِّنْ"، وَقَالَ: "اُنْظُرُوا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا، فَهُوَ لِزَوْجِهَا، وإن جاءت كذا، فهو الذي تُتَّهَمُ بِهِ، فَأَتَتْ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَكْرُوهِ، فَأَلْحَقَ عليه السلام الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ، وَقَالَ: "لَا يُدْعَى لِأَبٍ، وَلَكِنْ يُدْعَى لِأُمِّهِ، وَمَنْ رَمَاهُ، أَوْ رَمَى أُمَّهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ"، وَقَضَى أَنَّهُ لَا قُوتَ لَهَا عَلَيْهِ، وَلَا سُكْنَى، وَلَا عِدَّةَ، وَلَمْ يَجْلِدْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُوَيْمِرًا فِي قَذْفِهِ شَرِيكَ ابْنَ السَّحْمَاءِ، وَشَهِدَ عُوَيْمِرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَشَرِيكُ ابْنُ السَّحْمَاءِ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَفِي هَذَا أَنَّ الْوَلَدَ عَاشَ سَنَتَيْنِ، وَفِي خَبَرِ هِلَالٍ أَنَّهُ عَاشَ حَتَّى صَارَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرٍ، فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِالتَّعَارُضِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا تَلَاعَنَا عَلَى نَفْيِ الْحَمْلِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْفِيهِ، وَعِنْدَنَا لَا يَنْفِيهِ، وَاسْتَدَلَّ بِاَلَّذِي قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُمَا إذَا تَلَاعَنَا عَلَى نَفْيِ الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ يُنْفَى قَوْلًا وَاحِدًا.
باب العنين
بَابُ الْعِنِّينِ قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ: يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً، قُلْت: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ فَلَهَا طُرُقٌ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْعِنِّينِ أَنْ يُؤَجَّلَ سَنَةً، قَالَ مَعْمَرٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ التَّأْجِيلَ مِنْ يَوْمِ تَخَاصُمِهِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَجَّلَ الْعِنِّينَ سَنَةً، انْتَهَى. زَادَ فِي لَفْظٍ: وَقَالَ: إنْ أَتَاهَا، وَإِلَّا فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا، وَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا، انْتَهَى. وَقَرَنَ فِي هَذَا بَيْنَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْهُ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ زَوْجَهَا لَا يَصِلُ إلَيْهَا، فَأَجَّلَهُ حَوْلًا، فَلَمَّا انْقَضَى حَوْلٌ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا خَيَّرَهَا، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا عُمَرُ، وَجَعَلَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً، فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى شُرَيْحٍ أَنْ يُؤَجَّلَ الْعِنِّينُ سَنَةً مِنْ يَوْمِ يُرْفَعُ إلَيْهِ، فَإِنْ اسْتَطَاعَهَا، وَإِلَّا فَخَيِّرْهَا، فَإِنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ، وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الشَّعْبِيِّ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ خَالِدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً، فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً، فَإِنْ أَصَابَهَا، وَإِلَّا فَهِيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ عُمَيْلَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ قَبِيصَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً، فَإِنْ جَامَعَ، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ بِهِ،
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الرُّكَيْنِ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ أَبِي، وَحُصَيْنَ بْنَ قَبِيصَةَ يُحَدِّثَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَذَكَرَهُ، هَكَذَا وَجَدْته. أَثَرٌ آخَرُ: عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الرُّكَيْنِ عَنْ أَبِي حَنْظَلَةَ النُّعْمَانِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ أَجَّلَ الْعِنِّينَ سَنَةً، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الرُّكَيْنِ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً، وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ الرُّكَيْنِ عَنْ أَبِي طَلْقٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ نَحْوُهُ، وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الرُّكَيْنِ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ نُعَيْمٍ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَجَّلَ الْعِنِّينَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ رَافَعَتْهُ، قَالَ: وَكَذَلِكَ، قَالَ: سُفْيَانُ، وَمَالِكٌ: مِنْ يَوْمِ تَرَافُعِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُمْ قَالُوا: يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً، انْتَهَى. حَدِيثٌ: قَالَ عليه السلام: "فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 2 تَعْلِيقًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ" - أَوْ قَالَ: "مِنْ الْأُسُودِ" - انْتَهَى.
باب العدة
باب العدة الْحَدِيثُ الأول: قال عليه السلام: "عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي "الطَّلَاقِ" فِي الْحَدِيثِ الْخَامِسِ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ هُنَا عَلَى أَنَّ الْقُرْءَ اسْمٌ لِلْحَيْضِ. قَوْلُهُ: قَالَ عُمَرُ: لَوْ اسْتَطَعْت لَجَعَلْتهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"3 أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ الثَّقَفِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ، قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: لَوْ اسْتَطَعْت أَنْ أَجْعَلَ عِدَّةَ الْأَمَةِ حَيْضَةً
وَنِصْفًا فَعَلْت، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: لَوْ جَعَلْتهَا شَهْرًا وَنِصْفًا، فَسَكَتَ عُمَرُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ "الْمَعْرِفَةِ". قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ: أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى، نَزَلَتْ بَعْدَ الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1 فِي "تَفْسِيرِ سُورَةِ الطَّلَاقِ - وَفِي أَوَائِلِ الْبَقَرَةِ" عَنْهُ، قَالَ: أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ، وَلَا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَةَ؟ لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ: مَنْ شَاءَ لَاعَنْتُهُ: لَأُنْزِلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ: مَنْ شَاءَ حَالَفْته أَنَّ {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ} نَزَلَتْ بَعْدَ آيَةِ الْمُتَوَفَّى، فَإِذَا وَضَعَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا حَمْلَهَا، فَقَدْ حَلَّتْ، وَقَرَأَ {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} الْآيَةَ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي "مُسْنَدِ أَبِيهِ" مِنْ حَدِيثِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الله بن عمر، وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قُلْت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا، أَوْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا؟ فَقَالَ: هِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا، انْتَهَى. وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ مَتْرُوكٌ بِمَرَّةٍ، وَرَوَاهُ الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "تَفْسِيرَيْهِمَا - فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ" مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَابْنُ لَهِيعَةَ أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: أَجَلُ كُلِّ حَامِلٍ أَنْ تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا، انْتَهَى. وَعَبْدُ الْكَرِيمِ مَعَ ضَعْفِهِ لَمْ يُدْرِكْ أُبَيًّا. قَوْلُهُ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَحَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ، قُلْت: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 2 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ الَّتِي يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَهِيَ حَامِلٌ، فَقَالَ: إذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا فَقَدْ حَلَّتْ، فَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّ عُمَرَ، قَالَ: لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَمْ يُدْفَنْ بَعْدُ لَحَلَّتْ، انْتَهَى. وَعَنْ مَالِكٍ
رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ بِهِ، سَوَاءٌ، وَرَوَاهُ هُوَ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ، قَالَ: سَمِعْت رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَاك يَقُولُ: لَوْ وَضَعَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ذَا بَطْنِهَا، وَهُوَ عَلَى السَّرِيرِ لَقَدْ حَلَّتْ، انْتَهَى. وَفِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: مِنْهَا حَدِيثُ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَ: إنَّ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، وَأَنَّهَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: أَنَّهَا وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: فَمَكَثَتْ قَرِيبًا مِنْ عَشْرِ لَيَالٍ، ثُمَّ جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "انْكِحِي"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةِ فَسَأَلَهَا عَنْ حَدِيثِهَا، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهِيَ حَامِلٌ فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لَلْخُطَّابِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ - رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ - فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَرَاك مُتَجَمِّلَةً، لَعَلَّكِ تُرَجِّينَ النِّكَاحَ؟ وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْك أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وعشراً: قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي، حِينَ أَمْسَيْت، فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ، فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْت حِينَ وَضَعْت حَمْلِي، وَأَمَرَنِي بِالتَّزْوِيجِ إنْ بَدَا لِي، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ تَتَزَوَّجَ حِينَ وَضَعَتْ، وَإِنْ كَانَتْ فِي دَمِهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَطْهُرَ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سُبَيْعَةَ، أَنَّهَا نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، إلَى آخِرِهِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ"، وَقَالَ: إن هذا خطأ، ففإن سُبَيْعَةَ لَمْ تَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَا رَوَاهُ أَحَدٌ عَنْهَا، وَإِنَّمَا هِيَ صَاحِبَةُ الْقِصَّةِ، كَأَبِي جَهْمٍ فِي قصة الأبنجانية، وَذِي الْيَدَيْنِ فِي قِصَّةِ السَّهْوِ، فَلَوْ رَوَى رَاوٍ حَدِيثَ السَّهْوِ عَنْ ذِي اليدين، أو حديث الأبنجانية عَنْ أَبِي الْجَهْمِ، لَكَانَ مُخْطِئًا، فَكَذَلِكَ هَذَا، وَإِنَّمَا روايه أُمُّ سَلَمَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ لَفْظَ "الصَّحِيحَيْنِ" فِيهِ مِنْ جِهَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، انْتَهَى. وَهَذَا وَهَمٌ فَاحِشٌ،
فَقَدْ أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِهَا، كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ1، وَلَيْسَ لَهَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ فِي "مُسْنَدِهَا"، وَكَذَلِكَ الْحُمَيْدِيُّ فِي "الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ". حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا"2، قَالَ الْأَوَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، وَقَالَ الثَّانِي: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، قَالَا: ثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ أُمُّ كُلْثُومٍ، وَكَانَ فِيهِ شِدَّةٌ عَلَى النِّسَاءِ، فَكَرِهَتْهُ، فَسَأَلَتْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَهِيَ حَامِلٌ، فَأَبَى، فَلَمَّا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ أَلَحَّتْ عَلَيْهِ فِي تَطْلِيقِهِ، فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ خَرَجَ، فَأَدْرَكَهُ إنْسَانٌ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهَا وَضَعَتْ، فَقَالَ: خَدَعَتْنِي خَدَعَهَا اللَّهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: " سَبَقَ كِتَابُ اللَّهِ فِيهَا، اُخْطُبْهَا"، فَقَالَ: إنَّهَا لَا تَرْجِعُ إلَيَّ أَبَدًا، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ ثَلَاثُ حِيَضٍ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ لِأَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ عِدَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ ثَلَاثُ حِيَضٍ فِي عِتْقٍ أَوْ وَفَاةٍ، وَقَالَ الشافعي: حيضة واحدة، لكن رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَمَرَ أُمَّ وَلَدٍ أُعْتِقَتْ أَنْ تَعْتَدَّ ثَلَاثَ حِيَضٍ، وَكَتَبَ إلَى عُمَرَ فَكَتَبَ بِحُسْنِ رَأْيِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ قَالَا: ثَلَاثُ حِيَضٍ إذَا مَاتَ عَنْهَا - يَعْنِي أُمَّ الْوَلَدِ - وَأَخْرَجَهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَرَوَى أَيْضًا حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْت الْقَاسِمَ، وَذُكِرَ لَهُ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ فَرَّقَ بَيْنَ نِسَاءٍ وَرِجَالِهِنَّ، كُنَّ أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ وَنُكِحْنَ بَعْدَ حَيْضَةٍ، أَوْ حَيْضَتَيْنِ، حَتَّى يَعْتَدِدْنَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! إنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} أَتُرَاهُنَّ مِنْ الْأَزْوَاجِ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ القسم الخامس عن قيبصة بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: لَا تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا، عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ الْمُتَوَفَّى عنها أربعة أشهر وعشراً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ،
ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ 1: وَقَبِيصَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَمْرٍو، وَفِي لَفْظٍ لَهُ، قَالَ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ عِدَّةُ الْحُرَّةِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وعشراً، وَإِذَا عَتَقَتْ ثَلَاثُ حِيَضٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَقَبِيصَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَمْرٍو، وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ، وَفِي الْوَفَاةِ عَقِيبَ الْوَفَاةِ، قُلْت: أَمَّا حديث علي أخرجه الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ2، قَالَ: الْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ يَمُوتُ أَوْ تَطْلُقُ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ يَمُوتُ أَوْ تَطْلُقُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْخَالِدِ الْحَرَّانِيِّ ثَنَا أَبِي أَنْبَأَ زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ، وَمَسْرُوقٍ، وَعَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَذَكَرَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَغَرِيبٌ، وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمُنْذِرِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، يَحْسَبُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ يَمُوتُ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو معاوية عن عبد اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: عِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا، وَمِنْ يَوْمِ يَمُوتُ عَنْهَا، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، وَأُخْرِجَ نَحْوُهُ عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعِكْرِمَةَ، وَنَافِعٍ، وَأَبِي قِلَابَةَ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، وَمَكْحُولٍ، بِأَسَانِيدَ جَيِّدَةٍ.
فَصْلٌ الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، إلَّا عَلَى زَوْجِهَا، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ حَفْصَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. فَحَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 1 - إلَّا التِّرْمِذِيَّ - عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، إلَّا عَلَى زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَمَسُّ طِيبًا، إلَّا إذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ: وَقَدْ رُخِّصَ لِلْمَرْأَةِ فِي طُهْرِهَا إذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ قُسْطٍ، أَوْ أَظْفَارٍ. وَحَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 2 - إلَّا ابْنَ مَاجَهْ - عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّهَا لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ فَدَعَتْ بِطِيبٍ، فَدَهَنَتْ جَارِيَةً، ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إلَّا عَلَى زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَحَدِيثُ حَفْصَةَ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 3 عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، إلَّا عَلَى زَوْجِهَا، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا"، انْتَهَى. حَدِيثٌ مُرْسَلٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ" عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى زَوْجِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَعَلَى مَنْ سِوَاهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَتِهِ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ. وَحَدِيثُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 4 عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَتْ:
دَخَلْت عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا، فَدَعَتْ بِطِيبٍ، فَمَسَّتْ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، إلَى آخِرِ لَفْظِ أُمِّ حَبِيبَةَ سَوَاءٌ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 1 عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إلَّا عَلَى زَوْجِهَا"، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَكِنَّ الصَّرِيحَ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 قَالَتْ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا، أَفَنَكْحُلُهَا؟ فَقَالَ عليه السلام: "لَا"، مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا، ثُمَّ قَالَ: "إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ"، مُخْتَصَرٌ. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَلَا، حَتَّى يَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، وَلَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَمَسُّ طِيبًا، وَهَذَا ظَاهِرُهُ فِي وُجُوبِ الْإِحْدَادِ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِيهِ، وَرُخِّصَ لِلْمَرْأَةِ فِي طُهْرِهَا نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ، أَوْ أَظْفَارٍ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْوُجُوبِ أَيْضًا. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى الْمُعْتَدَّةَ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ، وَقَالَ: "الْحِنَّاءُ طِيبٌ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي "جِنَايَاتِ الْحَجِّ"، حَدِيثُ الْحِنَّاءُ طِيبٌ، وَحَدِيثُ نَهْيِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ الْحِنَّاءِ، أَخَرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"3 عَنْ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ أَسِيد عَنْ أُمِّهَا عَنْ مَوْلَاةٍ لَهَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا فِي عِدَّتِي مِنْ وَفَاةِ أَبِي سَلَمَةَ: "لَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ، وَلَا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ خِضَابٌ"، قُلْت: فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَمْتَشِطُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: " بِالسِّدْرِ، تُغَلِّفِينَ بِهِ رَأْسَكِ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد، وَقَالَ: لَيْسَ لِهَذَا الْحَدِيثِ إسْنَادٌ يُعْرَفُ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَ الْمُصَنِّفِ حَدِيثَانِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ، كَمَا ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ فِي "الْغَايَةِ"، وَعَزَاهُ لِلنَّسَائِيِّ، وَلَفْظُهُ: نَهَى الْمُعْتَدَّةَ عَنْ الْكُحْلِ وَالدُّهْنِ وَالْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ، وَقَالَ: الْحِنَّاءُ طِيبٌ، انْتَهَى. وَهُوَ وَهَمٌ مِنْهُ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، عَلَى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ، كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ، كَمَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ حَدِيثًا وَاحِدًا، وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد هَذَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَقْصُودِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ مُطَابِقٌ، إلا أني ما وحدته. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَأْذَنْ لِلْمُعْتَدَّةِ فِي الِاكْتِحَالِ وَالدُّهْنِ،
قُلْت: أَمَّا الِاكْتِحَالُ، فَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" 1 مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا: أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، فَخَافُوا عَلَى عَيْنَيْهَا، فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي الْكُحْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا، حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أشهر وعشراً"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمْ: قال: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا، أَفَنَكْحُلُهَا؟ فَقَالَ عليه السلام: "لَا"، مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا، ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا هي أربعة أشهر وعشراً"، انْتَهَى. وَلَمْ يُرِدْ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِالْمُعْتَدَّةِ غَيْرَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَلَكِنَّهُ قَصَدَ التَّعْمِيمَ، وأما الدهن فغريب2. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "السِّرُّ النِّكَاحُ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي قوله تعالى: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} لَا يَأْخُذْ عَلَيْهَا عَهْدًا وَمِيثَاقًا أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ، وَنَقَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} قَالَ: يَقُولُ: إنَّك مِنْ حَاجَتِي، انْتَهَى. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: السِّرُّ 3 أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا عَهْدًا وَمِيثَاقًا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا، وَلَا تَنْكِحَ غَيْرَهُ. حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، نَحْوَهُ. قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: التَّعْرِيضُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: إنِّي فيك راغب، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ نَجْتَمِعَ، قُلْت: خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 4 فِي "النِّكَاحِ" وَلَفْظُهُ: وَقَالَ لِي طَلْقٌ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عباس: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ} يَقُولُ: إنِّي أُرِيدُ التَّزْوِيجَ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّهُ تَيَسَّرَ لِي امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ، وَقَالَ الْقَاسِمُ: يَقُولُ: إنَّكِ عَلَيَّ كَرِيمَةٌ، وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إلَيْكِ خَيْرًا، أَوْ نَحْوَ هَذَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ،
قَالَ: يَقُولُ: إنِّي لَأُرِيدُ التَّزْوِيجَ، انْتَهَى. وَخَبَرُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ 1 {إلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} قَالَ: يَقُولُ: إنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ نَجْتَمِعَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام لِلَّذِي قُتِلَ زَوْجُهَا: "اُسْكُنِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ فِي "السنن الأربعة" 2 عن سعيد بْنِ إسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبٍ عَنْ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ، وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ، وَأَنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا، حَتَّى إذَا كَانَ بِطَرَفِ الْقَدُومِ لَحِقَهُمْ، فَقَتَلُوهُ، قَالَتْ: فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَرْجِعَ إلَى أَهْلِي، فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْ لِي مَسْكَنًا يَمْلِكُهُ، وَلَا نَفَقَةً، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نَعَمْ"، قَالَتْ: فَانْصَرَفْتُ حَتَّى إذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَمَرَنِي - فَنُودِيتُ لَهُ، فَقَالَ: كَيْفَ قُلْتِ؟ قَالَتْ: فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، الَّتِي ذَكَرْت لَهُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي، قَالَ: "اُمْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ"، قَالَتْ: فَاعْتَدَدْت فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ أَرْسَلَ إلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرْته فَاتَّبَعَهُ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" 3 أَخْبَرَنَا سَعْدُ بْنُ إسْحَاقَ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّانِي وَالثَّمَانِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ إسْحَاقَ بْنِ سَعْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ حَدَّثَتْنِي زَيْنَبُ بِهِ، قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَحْفُوظٌ، وَهُمَا اثْنَانِ: سَعْدُ بْنُ إسْحَاقَ، وَهُوَ أَشْهَرُهُمَا، وَإِسْحَاقُ بْنُ سَعْدِ بْنِ كَعْبٍ، وَقَدْ رَوَى عنهما جميعاً يحيى ن سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَدْ ارْتَفَعَتْ عَنْهُمَا الْجَهَالَةُ، انْتَهَى كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي "التَّقَصِّي": رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ، فَقَالَ: سَعِيدُ بْنُ إسْحَاقَ، وَغَيْرُهُ مِنْ الرُّوَاةِ، يَقُولُ: سَعْدُ بْنُ إسْحَاقَ،
وَهُوَ الْأَشْهَرُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: زَيْنَبُ بِنْتُ كَعْبٍ مَجْهُولَةٌ، لَمْ يَرْوِ حَدِيثَهَا غَيْرُ سَعْدِ بْنِ إسْحَاقَ، وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ، قَالَ: وَلَيْسَ عِنْدِي كَمَا قَالَ، بَلْ الْحَدِيثُ صَحِيحٌ، فَإِنَّ سَعْدَ بْنَ إسْحَاقَ ثِقَةٌ، وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ، وَزَيْنَبُ كَذَلِكَ ثِقَةٌ، وَفِي تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ إيَّاهُ تَوْثِيقُهَا وَتَوْثِيقُ سَعْدِ بْنِ إسْحَاقَ، وَلَا يَضُرُّ الثِّقَةَ أَنْ لَا يَرْوِيَ عَنْهُ إلَّا وَاحِدٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّهُ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ يُشْكِلُ عَلَى الْمَذْهَبِ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 1 عَنْ مَحْبُوبِ بْنِ مُحْرِزٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ النَّخَعِيّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ أَبِي مَالِكٍ النَّخَعِيّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: ومحبوب بن المحرز أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَعَطَاءٌ مُخْتَلِطٌ، وَأَبُو مَالِكٍ أَضْعَفُهُمْ، فَلِذَلِكَ أَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِهِ، وَذَكَرَ الجميع أصوب لاحتمال أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ مِنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
باب ثبوت النسب
بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي الْبُيُوعِ" حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ مِنْ وِلَادَاتِ النِّسَاءِ وَعُيُوبِهِنَّ، وَيَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا فِي الِاسْتِهْلَالِ، وَامْرَأَتَانِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، فَذَكَرَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 - فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْوَاسِطِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ الْأَعْمَشِ، بَيْنَهُمَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَهُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَائِنِيُّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَائِنِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهِ، وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ فِي "كِتَابِ الشَّهَادَاتِ". قَوْلُهُ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: الْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَلَوْ بِظِلِّ مِغْزَلٍ،
قُلْت: أخرجه الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا"1 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ ثَنَا دَاوُد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ جَمِيلَةَ بِنْتِ سَعْدٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا تَزِيدُ الْمَرْأَةُ فِي الْحَمْلِ عَلَى سَنَتَيْنِ، قَدْرَ مَا يَتَحَوَّلُ ظِلُّ عَمُودِ الْمِغْزَلِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ قَالَتْ: لَا يَكُونُ الْحَمْلُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا، وَمِنْ جِهَتِهِ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قُلْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: إنِّي حُدِّثْتُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَا تَزِيدُ الْمَرْأَةُ فِي حَمْلِهَا عَلَى سَنَتَيْنِ قَدْرَ ظِلِّ الْمِغْزَلِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَنْ يَقُولُ هَذَا؟ هَذِهِ جَارَتُنَا امْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ امْرَأَةُ صِدْقٍ، وَزَوْجُهَا رَجُلُ صِدْقٍ، حَمَلَتْ ثَلَاثَةَ أَبْطُنٍ فِي اثني عَشْرَةَ سَنَةً، كُلَّ بَطْنٍ فِي أَرْبَعِ سِنِينَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَوْلُ عُمَرَ: إنَّ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ، يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا قَالَهُ لِبَقَاءِ الْحَمْلِ أَرْبَعَ سِنِينَ، انْتَهَى.
باب حضانة الولد ومن أحق به
بَابُ حضانة الولد ومن أَحَقُّ بِهِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حواء، وثدي لَهُ سِقَاءً، وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي، فَقَالَ عليه السلام: "أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجِي"، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد في "سننه"2 حدثنا محمود بْنُ خَالِدٍ السُّلَمِيُّ ثَنَا الْوَلِيدُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو - يَعْنِي الْأَوْزَاعِيَّ - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بطني له وعاء، وثدي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي، وَأَرَادَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنِّي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" بِهِ سَوَاءٌ.
قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ أَشَارَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه بِقَوْلِهِ: رِيقُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ شَهْدٍ وَعَسَلٍ عِنْدَك يَا عُمَرُ، قَالَهُ حِينَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وَالصَّحَابَةُ حَاضِرُونَ مُتَوَافِرُونَ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ طَلَّقَ أُمَّ عَاصِمٍ، ثُمَّ أَتَى عَلَيْهَا، وَفِي حِجْرِهَا عَاصِمٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهَا، فَتَجَاذَبَاهُ بَيْنَهُمَا حَتَّى بَكَى الْغُلَامُ، فَانْطَلَقَا إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: يَا عُمَرُ مَسْحُهَا، وَحِجْرُهَا، وَرِيحُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْك، حَتَّى يَشِبَّ الصَّبِيُّ فَيَخْتَارَ لِنَفْسِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: طَلَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ امْرَأَتَهُ الْأَنْصَارِيَّةَ أُمَّ ابْنِهِ عَاصِمٍ، فَلَقِيَهَا تَحْمِلُهُ بِمُحَسِّرٍ، وَقَدْ فُطِمَ، وَمَشَى، فَأَخَذَ بِيَدِهِ لِيَنْتَزِعَهُ مِنْهَا، وَنَازَعَهَا إيَّاهُ، حَتَّى أَوْجَعَ الْغُلَامَ، وَبَكَى، وَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِابْنِي مِنْكِ، فَاخْتَصَمَا إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَضَى لَهَا بِهِ، وَقَالَ: رِيحُهَا وَحِجْرُهَا وَفِرَاشُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْكَ، حَتَّى يَشِبَّ، وَيَخْتَارَ لِنَفْسِهِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: خَاصَمَتْ امْرَأَةُ عُمَرَ عُمَرَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ طَلَّقَهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هِيَ أَعْطَفُ، وَأَلْطَفُ، وَأَرْحَمُ، وَأَحْنَى، وَأَرْأَفُ، وَهِيَ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ 1 - فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ" أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كَانَتْ عِنْدَ عُمَرَ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَوَلَدَتْ لَهُ عَاصِمًا، ثُمَّ فَارَقَهَا عُمَرُ، فركب يوماً إلى قبا، فَوَجَدَ ابْنَهُ يَلْعَبُ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَخَذَهُ بِعَضُدِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الدَّابَّةِ، فَأَدْرَكَتْهُ جَدَّةُ الْغُلَامِ فَنَازَعَتْهُ إيَّاهُ، فَأَقْبَلَا حَتَّى أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: ابْنِي، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: ابْنِي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَمَا رَاجَعَهُ عُمَرُ الْكَلَامَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ، سَوَاءٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَزَادَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا تُولَهُ وَالِدَةٌ عَنْ وَلَدِهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ طَلَّقَ جَمِيلَةَ 2 بِنْتَ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَفْلَحِ،
فَتَزَوَّجَتْ، فَجَاءَ عُمَرُ، فَأَخَذَ ابْنَهُ، فَأَدْرَكَتْهُ الشَّمُوسُ بِنْتُ أَبِي عامر الأنصاري، وهي أم جميلة، فأخذته، فَتَرَافَعَا إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لِعُمَرَ: خَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ابْنِهَا، فَأَخَذَتْهُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي " قَالَ عليه السلام: "الْخَالَةُ وَالِدَةٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: فَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، وَهُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا خَرَجْنَا مِنْ مَكَّةَ أَتَتْنَا بِنْتُ حَمْزَةَ تُنَادِي: يَا عَمِّ يَا عَمِّ، فَتَنَاوَلْتُهَا بِيَدِهَا، فَدَفَعْتُهَا إلَى فَاطِمَةَ، فَقُلْت: دُونَكِ بِنْتَ عَمِّكِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ اخْتَصَمْنَا فِيهَا: أَنَا، وَجَعْفَرٌ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَقَالَ: جَعْفَرٌ بِنْتُ عَمِّي، وَخَالَتُهَا عِنْدِي - يَعْنِي أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ - وَقَالَ زَيْدٌ: بِنْتُ أَخِي، وَقُلْت: أَنَا أَخَذْتُهَا، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا أَنْتَ يَا جَعْفَرُ فَأَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي، وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَلِيُّ، فَمِنِّي وَأَنَا مِنْك، وَأَمَّا أَنْتَ يَا زَيْدُ، فَأَخُونَا وَمَوْلَانَا، وَالْجَارِيَةُ عِنْدَ خَالَتِهَا، فَإِنَّ الْخَالَةَ وَالِدَةٌ"، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: " ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ الْبَرَاءِ بِلَفْظِ: الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِلَفْظِ: الْخَالَةُ أُمٌّ، فَالْبُخَارِيُّ أَخْرَجَهُ 1 فِي "الشَّهَادَاتِ"، وَفِي "غَزْوَةِ خَيْبَرَ - فِي بَابِ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ" عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ، قَالَ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، إلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا، فَقَالُوا لَهُ: قُلْ لِصَاحِبِك: اُخْرُجْ عَنَّا، فَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَبِعَتْهُمْ ابْنَةُ حَمْزَةَ: يَا عَمِّ يَا عَمِّ، فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ، فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: دُونَك ابْنَةَ عَمِّكِ، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَجَعْفَرٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي، فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: "الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأم"، مختصر. وأخرجه أَبُو دَاوُد 2 عَنْ عُجَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَفِيهِ: فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَعْفَرٍ، تَكُونُ عِنْدَ خَالَتِهَا، وَقَالَ: إنَّمَا الْخَالَةُ أُمٌّ، مُخْتَصَرٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" 3 حَدَّثَنَا أَبُو الشَّيْخِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَصْبَهَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيُّ، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ النَّسَائِيّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ ثَنَا قَيْسُ
بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْخَالَةُ وَالِدَةٌ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ" عَنْ يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ ثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْمَدَنِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْخَالَةُ وَالِدَةٌ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِيُوسُفَ هَذَا، وَوَصَفَهُ بِالْكَذِبِ، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ، رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ 1 - فِي تَرْجَمَةِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ" فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إنَّ ابْنَةَ حَمْزَةَ لَتَطُوفُ بَيْنَ الرِّجَالِ، إذْ أَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِهَا، فَأَلْقَاهَا إلَى فَاطِمَةَ فِي هَوْدَجِهَا، قَالَ: فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ، وَجَعْفَرٌ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَأَيْقَظُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: ابْنَةُ عَمِّي، وَأَنَا أَخْرَجْتُهَا، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي، وَخَالَتُهَا عِنْدِي، وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي، فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَعْفَرٍ، وَقَالَ: "الْخَالَةُ وَالِدَةٌ"، فَقَامَ جَعْفَرٌ فَحَجَلَ حَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ دَارَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذَا يَا جَعْفَرُ؟! قَالَ: شَيْءٌ رَأَيْتُ الْحَبَشَةَ تَصْنَعُهُ بِمُلُوكِهِمْ إذَا أَرْضَوْهُمْ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ، رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي "كِتَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ" بِسَنَدِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْعَمُّ أَبٌ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُ أَبٌ، وَالْخَالَةُ وَالِدَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهَا أُمٌّ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام خَيَّرَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ 2 عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ، سُلَيْمٍ، وَيُقَالُ: سَلْمَانُ مَوْلًى مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، رَجُلِ صِدْقٍ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَارِسِيَّةٌ مَعَهَا ابْنٌ لَهَا، فَادَّعَيَاهُ، وَقَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَقَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ - وَرَطَنَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ - زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اسْتَهِمَا عَلَيْهِ - وَرَطَنَ لَهَا بِذَلِكَ - فَجَاءَ زَوْجُهَا، فَقَالَ: مَنْ يُحَاقُّنِي فِي وَلَدِي، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اللَّهُمَّ إنِّي لَا أَقُولُ هَذَا، إلَّا أَنِّي سَمِعْت امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا قَاعِدٌ عِنْدَهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي، وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ، وَقَدْ نَفَعَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَهِمَا عَلَيْهِ"، فَقَالَ زَوْجُهَا: مَنْ يُحَاقُّنِي فِي وَلَدِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا أَبُوك، وَهَذِهِ أُمُّك،
فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْت"، فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ فِي "الطَّلَاقِ" هَكَذَا، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الْأَحْكَامِ" مُخْتَصَرًا، بِدُونِ الْقِصَّةِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَبُو مَيْمُونَةَ اسْمُهُ سُلَيْمٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، بِلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ، وَزَادَ فِيهِ: وَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ" بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا الْحَدِيثُ يَرْوِيهِ هِلَالُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ، سَلْمَى - مَوْلًى مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ - رَجُلِ صِدْقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبُو مَيْمُونَةَ هَذَا لَيْسَ مَجْهُولًا، فَقَدْ كَنَّاهُ هِلَالُ بْنُ أُسَامَةَ بِأَبِي مَيْمُونَةَ، وَسَمَّاهُ سَلْمَى، وَذَكَرَ أَنَّهُ مَوْلًى مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ رَجُلُ صِدْقٍ، وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ فِي الرَّاوِي حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ، وَأَيْضًا فَقَدْ رَوَى عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ الْمَذْكُورِ أَبُو النَّضْرِ، قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ: وَرَوَى عَنْهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ هَذَا الْحَدِيثَ نَفْسَهُ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ ابْنَهَا، فَقَالَ عليه السلام: اسْتَهِمَا فِيهِ، فَقَالَ عليه السلام لِلْغُلَامِ: "تَخَيَّرْ أَيَّهُمَا شِئْت"، قَالَ: فَاخْتَارَ أُمَّهُ، فَذَهَبَتْ بِهِ، انْتَهَى. قَالَ: فَجَاءَ مِنْ هَذَا جَوْدَةُ الْحَدِيثِ وَصِحَّتُهُ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُخَيِّرُوا، قُلْت: تَقَدَّمَ قَرِيبًا لِمَالِكٍ، وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ دَفَعَ الْغُلَامَ لِأُمِّهِ لَمَّا اخْتَصَمَ فِيهِ عُمَرُ، وَأُمُّهُ، وَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تُولَهُ وَالِدَةٌ عَنْ وَلَدِهَا"، وَقَدْ وَرَدَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ يَقُولُ: اخْتَصَمَ أَبٌ وَأُمٌّ فِي ابْنٍ لَهُمَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَخَيَّرَهُ، فَاخْتَارَ أُمَّهُ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "اللَّهُمَّ اهْدِهِ"، فَوُفِّقَ لِاخْتِيَارِ الْأَنْظَرِ بِدُعَائِهِ عليه السلام، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الطَّلَاقِ"، وَالنَّسَائِيُّ 1 فِي "الْفَرَائِضِ" عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ، أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَأَبَتْ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ، فَجَاءَ بِابْنٍ لَهُمَا صَغِيرٍ لَمْ يَبْلُغْ، فَأَجْلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأب ههنا، والأم ههنا، وَقَالَ: " اللَّهُمَّ اهْدِهِ"، فَذَهَبَ إلَى أَبِيهِ، انْتَهَى.
وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَأَبَتْ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: ابْنَتِي، وَهِيَ فَطِيمٌ، وَقَالَ رَافِعٌ: ابْنَتِي، فَأَقْعَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُمَّ نَاحِيَةً، وَالْأَبَ نَاحِيَةً، وَأَقْعَدَ الصَّبِيَّةَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ لَهُمَا: "اُدْعُوَاهَا"، فَمَالَتْ الصَّبِيَّةُ إلَى أبيها، فَقَالَ عليه السلام: "اللَّهُمَّ اهدها"، فمالت إلى أمها، فَأَخَذَهَا، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ به، والنسائي عن المعافا بْنِ عِمْرَانَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بِهِ، وَبِسَنَدِ أَبِي دَاوُد وَمَتْنِهِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بِهِ، وَسَمَّى فِيهِ الْبِنْتَ الْمَذْكُورَةَ عَمِيرَةَ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بِهِ، وَقَالَ: فِيهِ تَشَبُّهٌ بِالْفَطِيمِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ابْنِ عُلَيَّةَ ثَنَا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَوَيْنِ اخْتَصَمَا فِي وَلَدٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحَدُهُمَا كَافِرٌ، فَخَيَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَجَّهَ إلَى الْكَافِرِ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اهْدِهِ"، فَتَوَجَّهَ إلَى الْمُسْلِمِ، فَقَضَى لَهُ بِهِ، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَفِي لَفْظِ أَحْمَدَ: فِي وَلَدٍ صَغِيرٍ، وَفِيهِ، وَفِي لَفْظِ السُّنَنِ مَا يَدْفَعُ حَمْلَ الْمُصَنِّفِ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ كَانَ بَالِغًا، وَأَبُو سَلَمَةَ هَذَا عَدَّهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ" 3 مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ نَزَلُوا الْبَصْرَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" هَذَا الْحَدِيثُ يَرْوِيهِ عِيسَى بْنُ يُونُسَ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، وَعَلِيُّ بْنُ غُرَابٍ، كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّ أَبِيهِ رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ، فَإِنَّهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ ثِقَةٌ، وَأَبُوهُ جَعْفَرٌ كَذَلِكَ، قَالَهُ الْكُوفِيُّ، وَرِوَايَةُ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَرِوَايَةُ أَبِي عَاصِمٍ، وَعَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي "سُنَنِهِ"، وَسُمِّيَتْ الْبِنْتُ الْمَذْكُورَةُ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَاصِمٍ: عَمِيرَةَ، وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ غُلَامًا، وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ جَارِيَةً، فَلَعَلَّهُمَا قَضِيَّتَانِ خُيِّرَ فِي إحْدَاهُمَا غُلَامٌ، وَفِي الْأُخْرَى جَارِيَةٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ أَبَوَيْهِ اخْتَصَمَا فِيهِ، الْحَدِيثَ، هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَكَذَا رَوَاهُ يعقوب الدروقي عَنْ إسْمَاعِيلَ أَيْضًا، وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ الْبَتِّيِّ، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ جَدَّهُ أَسْلَمَ، وَأَبَتْ امْرَأَتُهُ
أَنْ تُسْلِمَ، وَبَيْنَهُمَا وَلَدٌ صَغِيرٌ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، رَوَاهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْهُ، وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ لَا تَصِحُّ، لِأَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ سَلَمَةَ، وَأَبَاهُ وَجَدَّهُ لَا يُعْرَفُونَ، وَلَوْ صَحَّتْ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ تَجْعَلَهُ خِلَافًا لِرِوَايَةِ أَصْحَابِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَإِنَّهُمْ ثِقَاتٌ، وَهُوَ، وَأَبُوهُ ثِقَتَانِ، وَجَدُّهُ رَافِعُ بْنُ سِنَانٍ مَعْرُوفٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. فَصْلٌ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُسْنَدِهِ"1 حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْأَزْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذِئَابٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ صَلَّى بِمِنًى أَرْبَعًا، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلْدَةٍ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا يُصَلِّي صَلَاةَ الْمُقِيمِ"، وَإِنِّي تَأَهَّلْت مُنْذُ قَدِمْت مَكَّةَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" كَذَلِكَ، وَلَفْظُهُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِبَلَدٍ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ، وَإِنَّمَا أَتْمَمْتُ لِأَنِّي تَزَوَّجْت بِهَا مُنْذُ قَدِمْتُهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَلَفْظُهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلَدٍ فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ مُقِيمٍ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ - فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ"، وَلَمْ يَصِلْ سَنَدَهُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ، وَعِكْرِمَةُ الْأَزْدِيُّ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
باب النفقة
بَابُ النَّفَقَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فِي "الْحَجِّ". الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام لِامْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ: " خُذِي مِنْ مَالِ زَوْجِكِ مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 2 - خَلَا التِّرْمِذِيَّ - عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ هِنْدًا أُمَّ مُعَاوِيَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إلَّا مَا أَخَذْت مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَقَالَ عليه السلام: "خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد فِي "الْبُيُوعِ"، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ فِي "الْقَضَاءِ" وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الْأَحْكَامِ"، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي أَوَّلِ النَّوْعِ الثَّالِثِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، وَفِيهِ: أَنَا آخُذُ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ؟ قَالَ: خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، قَالَتْ: طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا، فَلَمْ يَفْرِضْ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 1 - إلَّا الْبُخَارِيَّ - عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، قَالَتْ: طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا فَخَاصَمْته إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ، فَلَمْ يَجْعَلْ لِي سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً، وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا: وَعِنْدَ النَّسَائِيّ 2 فِيهِ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ الْأَحْمَسِيِّ ثَنَا الشَّعْبِيُّ بِهِ: إنَّمَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ إذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، ذَكَرَهُ فِي "بَابِ الرُّخْصَةِ - فِي التطليق بثلاث"، وَعِنْدَ أَحْمَدَ3، وَالطَّبَرَانِيِّ فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ بِهِ، نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَفْظُ الطَّبَرَانِيِّ: فَقَالَ لَهَا: " اسْمَعِي يَا بِنْتَ قَيْسٍ إنَّمَا النَّفَقَةُ لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا مَا كَانَتْ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى"، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: " فَإِذَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى"، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي هِيَ: إنَّمَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ لِمَنْ كَانَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ، إنَّمَا زَادَهَا مُجَالِدٌ وَحْدَهُ مِنْ دُونِ أَصْحَابِ الشَّعْبِيِّ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ مُسْلِمٌ بِدُونِهَا، وَرَوَاهَا عَنْ مُجَالِدٍ هُشَيْمِ4، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، فَحَدِيثُ هُشَيْمِ 5 عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ فِي "كِتَابِهِ":
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل ثنا الحميدي ثَنَا سُفْيَانُ ثَنَا مُجَالِدٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ بِهِ، وَحَدِيثُ عَبْدَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثَنَا مُجَالِدٌ بِهِ، وَقَدْ تَأْتِي هَذِهِ الزِّيَادَةُ1 فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّعْبِيِّ، فِيهِمْ مُجَالِدٌ، فَيُتَوَهَّمُ أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ رِوَايَةِ الْجَمِيعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ وَحْدَهُ، وَهُشَيْمٌ يُدَلِّسُهَا فِيهِمْ، وَلَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ اجْتَمَعُوا يَوْمًا عَلَى أَنْ لَا يَأْخُذُوا عَنْهُ التَّدْلِيسَ، فَفَطِنَ لِذَلِكَ يَوْمًا، فَجَعَلَ يَقُولُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ يَذْكُرُهُ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، وَمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُمْ: هَلْ دَلَّسْت لَكُمْ الْيَوْمَ؟ قَالُوا: لَا فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مُغِيرَةَ حَرْفًا وَاحِدًا مِمَّا ذَكَرْته، إنَّمَا قُلْت: حَدَّثَنِي حُصَيْنٌ، وَمُغِيرَةُ غَيْرُ مَسْمُوعٍ، وَقَدْ فَصَلَهَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ عَنْ رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَعَزَاهَا إلَى مُجَالِدٍ مِنْهُمْ، كَمَا هُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، فَلَمَّا ثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عَنْ مُجَالِدٍ وَحْدَهُ تَحَقَّقَ فِيهَا الرَّيْبُ، وَوَجَبَ لَهَا الضَّعْفُ بِضَعْفِ مُجَالِدٍ الْمُتَفَرِّدِ بِهَا، وَلَكِنْ وَرَدَتْ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ الْأَحْمَسِيِّ ثَنَا الشَّعْبِيُّ بِهِ، وَسَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ الْأَحْمَسِيُّ لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ بِرِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْهُ، وَرِوَايَتِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَقَالَ: إنَّهُ شَيْخٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ رَدَّهُ عُمَرُ رضي الله عنه، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا، وَلَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي صَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ، حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ، إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لِلْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثَ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ"، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَائِشَةُ، وَجَابِرٌ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رضي الله عنهم. أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَ الشَّعْبِيُّ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَةَ"، فَأَخَذَ الْأَسْوَدُ كَفًّا مِنْ حَصًى، فَحَصَبَهُ بِهِ، فَقَالَ: وَيْحَك تُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا، قَالَ عُمَرُ: لَا نَتْرُكُ كِتَابَ رَبِّنَا. وَلَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ، لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} الْآيَةَ، انْتَهَى. وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ 3 فِيهِ: وَكَانَ عُمَرُ يَجْعَلُ لَهَا النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 1 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا لِفَاطِمَةَ خَيْرٌ أَنْ تَذْكُرَ هَذَا - يَعْنِي قَوْلَهَا: لَا سُكْنَى لَك، وَلَا نَفَقَهُ - انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: قَالَتْ مَا لِفَاطِمَةَ، أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ - يَعْنِي فِي قَوْلِهَا: لَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ - وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" - أَعْنِي حَدِيثَ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ - فَقَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ 2 أَنَّهُ قَالَ - وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ - لَا نُجِيزُ قَوْلَ امْرَأَةٍ فِي دِينِ اللَّهِ، لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةُ، زَادَ ابْنُ فُضَيْلٍ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا لِفَاطِمَةَ فِي أَنْ تَذْكُرَ هَذَا خَيْرٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 3 عَنْ حَرْبِ بْنِ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ"، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَا ذُكِرَ فِيهِ السَّمَاعُ، أَوْ كَانَ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَحَرْبُ بْنُ أَبِي الْعَالِيَةِ أَيْضًا لَا يُحْتَجُّ بِهِ، ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةِ الدُّورِيِّ عَنْهُ، وَضَعَّفَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَالْأَشْبَهُ وَقْفُهُ عَلَى جَابِرٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: فَغَرِيبٌ4، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا حَجَّاجٌ ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَعُمَرَ قَالَا: الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ، انْتَهَى. وَفِي حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ 5 فَلَمَّا مَضَتْ عِدَّتُهَا أَنْكَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَأَرْسَلَ إلَيْهَا مَرْوَانُ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ يَسْأَلُهَا عَنْ الْحَدِيثِ، فَحَدَّثَتْهُ بِهِ، فَقَالَ مَرْوَانُ: لَمْ يُسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثُ إلَّا مِنْ امْرَأَةٍ، سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي
وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ حِينَ بَلَغَهَا قَوْلُ مَرْوَانَ: فَبَيْنِي وَبَيْنَكُمْ الْقُرْآنُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} الْآيَةَ، هَذَا لِمَنْ كَانَتْ لَهُ رَجْعَةٌ، فَأَيُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثَّلَاثِ، فَكَيْفَ تَقُولُونَ: لَا نَفَقَةَ لَهَا، إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، فَعَلَامَ تَحْبِسُونَهَا؟!، انْتَهَى. وَهَذَا صَرِيحٌ أَنَّ النَّفَقَةَ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ خَرَجَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَفِي لَفْظٍ: إلَى الْيَمَنِ، وَفِي لَفْظٍ: فَخَرَجَ إلَى غَزْوَةِ نَجْرَانَ، فَأَرْسَلَ إلَى امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقِهَا، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ لَهَا: "لَا نَفَقَةَ لَكِ، فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الِانْتِقَالِ"، فَأَذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ: إلَى أَيْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "إلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ" - وَكَانَ أَعْمَى - تضع ثيابها عنده وَلَا يَرَاهَا، فَلَمَّا مَضَتْ عِدَّتُهَا أَنْكَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، الْحَدِيثَ. تَفَرَّدَ بِهَذَا السِّيَاقِ مُسْلِمٌ، قاله عبد الحق. فصل قَوْلُهُ: وَلَا تَجِبُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ نَفَقَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَلَا عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَخِيهِ النَّصْرَانِيِّ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِرْثِ بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ عِنْدَ الْمِلْكِ، لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَرَابَةِ، وَالْمَحْرَمِيَّةِ بِالْحَدِيثِ، قُلْت: يُشِيرُ بِالنَّصِّ إلَى قوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} ، وَيُشِيرُ بِالْحَدِيثِ إلَى قَوْلِهِ عليه السلام: "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ"، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي "الْعِتْقِ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: وَلَا يُشَارِكُ الْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ أَحَدٌ، لِأَنَّ لَهُمَا تَأْوِيلًا فِي مَالِ الْوَلَدِ بِالنَّصِّ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: "أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك"، رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَسَيَأْتِي فِي "بَابِ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَمَّتِهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ" رَوَاهُ أَصْحَابُ "السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ"1، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ 2 مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: "إنَّ أَوْلَادَكُمْ هِبَةُ اللَّهِ لَكُمْ، {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} ، وَأَمْوَالُهُمْ لَكُمْ إذَا احْتَجْتُمْ إلَيْهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ"، وَقَالَ:
حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، إنَّمَا اتَّفَقَا عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ: " أَطْيَبُ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ"، انْتَهَى. وَهَذَا وَهَمٌ، فَإِنَّ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يَرْوِيَاهُ، وَلَا أَحَدُهُمَا، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد 1 فِي "الْبُيُوعِ" عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا عَفَّانَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شعيب به. فصل الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام فِي الْمَمَالِيكِ: "إنَّهُمْ إخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْد، قَالَ: مَرَرْت بِأَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ بُرْدٌ مِثْلُهُ، فَقُلْت: يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا كَانَتْ حُلَّةً، فَقَالَ: إنَّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ إخْوَانِي كَلَامٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَشَكَانِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: " يَا أَبَا ذَرٍّ إنَّك امْرُؤٌ فِيك جَاهِلِيَّةٌ، هُمْ إخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ، فَأَعِينُوهُمْ"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ 2 فِي "الْعِتْقِ - وَالْأَيْمَانِ"، وَمُسْلِمٌ فِي "الْأَيْمَانِ - وَالنُّذُورِ"، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْأَدَبِ" وَزَادَ: وَمَنْ لَمْ يُلَائِمْكُمْ مِنْهُمْ فَبِيعُوهُ، وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ، انْتَهَى. وَسَنَدُهُ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْد بِهِ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ، عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ، عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْد. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: وَنَهَى عليه السلام عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3، فِي "الِاسْتِقْرَاضِ"، وَمُسْلِمٌ فِي "الْقَضَاءِ" عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ:
قَالَ لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ثَلَاثًا: عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأِ" عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا: يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ"، انْتَهَى. وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ سَوَاءٌ، وَلَفْظُهُ: وَيَكْرَهُ لَكُمْ، عِوَضَ: يَسْخَطُ، أَخْرَجَهُ أَيْضًا فِي "الْقَضَاءِ".
كتاب العتق
كِتَابُ الْعِتْقِ فضل العتق ... كتاب العتق الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "أَيُّمَا مُسْلِمٍ أَعْتَقَ مُؤْمِنًا أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" 1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: "مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنْ النَّارِ، حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ"، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الْأَحْكَامِ"، وَالْبَاقُونَ فِي "الْعِتْقِ". حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السَّمْطِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ رَجُلًا مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ أَعْتَقَتْ امْرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فِكَاكَهَا مِنْ النَّارِ"، زَادَ أَبُو دَاوُد: "وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ، إلَّا كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ، يُجْزِئُ مَكَانَ كُلِّ عَظْمَيْنِ مِنْهُمَا عَظْمٌ مِنْ عِظَامِهِ"، مُخْتَصَرٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ 3 عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
"أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ، يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ، وَأَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ، يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُمَا عُضْوًا مِنْهُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، قَالَ: وَفِقْهُ الْحَدِيثِ أَنَّ عِتْقَ الذُّكُورِ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الْإِنَاثِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: " لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الطَّلَاقِ" عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَاخْتَصَرَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِقِصَّةِ الطَّلَاقِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا نَذْرَ إلَّا فِيمَا أُطِيعَ اللَّهُ فِيهِ، وَلَا يَمِينَ فِي غَضَبٍ، وَلَا طَلَاقَ، وَلَا عَتَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ" انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَعِلَّتُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، فَإِنَّهُ شَيْخٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْيَمَامِيُّ، مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ البخاري: منكر حديث، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي "تَفْسِيرِهِ" حَدَّثَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبراهيم البوشنجي ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ أَبُو بَكْرٍ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا طَلَاقَ لِمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ، وَلَا عِتْقَ لِمَا لَا يَمْلِكُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ. فَصْلٌ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ عَتَقَ"، انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ غَيْرَ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ الرَّمْلِيِّ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ2: وَلَمْ يُتَابَعْ ضَمْرَةُ
عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ خَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إنَّهُ وَهْمٌ فَاحِشٌ، وَالْمَحْفُوظُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ، وَعَنْ هِبَتِهِ، وَضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ صَاحِبَا الصَّحِيحِ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": تَفَرَّدَ بِهِ ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَضَمْرَةُ ثِقَةٌ، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ إذَا أَسْنَدَهُ ثِقَةٌ، وَلَا يَضُرُّ انْفِرَادُهُ بِهِ، وَلَا إرْسَالُ مَنْ أَرْسَلَهُ، وَلَا وَقْفُ مَنْ وَقَفَهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ الصَّوَابُ، وَلَوْ نَظَرْنَا الْأَحَادِيثَ لَمْ نَجِدْ مِنْهَا مَا رُوِيَ مُتَّصِلًا، وَلَمْ يُرْوَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُنْقَطِعًا، أَوْ مُرْسَلًا أَوْ مَوْقُوفًا، إلَّا الْقَلِيلُ، وَذَلِكَ لِاشْتِهَارِ الْحَدِيثِ، وَانْتِقَالِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ، قَالَ: فَجَعْلُ ذَلِكَ عِلَّةً فِي الْإِخْبَارِ، لَا مَعْنَى لَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِ السُّنَنِ": وَضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفِلَسْطِينِيُّ، وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، وَلَمْ يُخَرِّجَا لَهُ فِي "الصَّحِيحِ"، كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهْمٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ 1 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، فَهُوَ حُرٌّ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادٍ، وَسَعِيدٍ، وَالْبَاقُونَ عَنْ جَمَاعَةِ عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ أَبُو دَاوُد: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ إلَّا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَقَدْ شَكَّ فِيهِ، فَإِنَّ مُوسَى بْنَ إسْمَاعِيلَ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: عَنْ سَمُرَةَ - فِيمَا يَحْسِبُ - حَمَّادٌ، وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ مُرْسَلًا عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشُعْبَةُ أَحْفَظُ مِنْ حَمَّادٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مُسْنَدًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَقَالَ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": وَسَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، إلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، ويروي قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدِ السُّنَنِ، وَقَالَ: إذَا انْفَرَدَ بِهِ حَمَّادٌ، وَشَكَّ فِيهِ، وَخَالَفَهُ مَنْ هُوَ أحفظ منه وجب التَّوَقُّفُ فِيهِ، وَقَدْ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إلَى تَضْعِيفِهِ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: هَذَا عِنْدِي مُنْكَرٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2 مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ بِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، وَقَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا، وَسَكَتَ عَنْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ فَهُوَ حُرٌّ، انْتَهَى.
وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَشَاهِدُهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْمَحْفُوظُ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِسَبَبِ انفراد جماعة، وَشَكِّهِ فِيهِ، وَمُخَالَفَةِ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ حَمَّادٍ، وَذَكَر أَبُو دَاوُد فِيهِ عَنْ سَمُرَةَ فِيمَا يَحْسِبُ حَمَّادٌ، وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدٌ 1 عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَتَادَةُ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، وَقَدْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ 2 مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَبِإِسْنَادٍ سَاقِطٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، انْتَهَى. وَمَوْقُوفُ عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عُمَرَ قَالَ: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ، انْتَهَى. وَأُعِلَّ بِأَنَّ قَتَادَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ، فَإِنَّ مَوْلِدَهُ بَعْدَ وَفَاةِ عُمَرَ بِنَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ 3 عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَطَّافٍ عَنْ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ بِأَخِيهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَ أَخِي هَذَا، فَقَالَ: " إنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ حِينَ مَلَكْته"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الْعَرْزَمِيُّ تَرَكَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى الْقَطَّانُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَالْكَلْبِيُّ مَتْرُوكٌ أَيْضًا، وَهُوَ الْقَائِلُ: كُلُّ مَا حَدَّثْت بِهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فَهُوَ كَذِبٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا مِمَّا لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، لِإِجْمَاعِهِمْ على ترك رِوَايَةَ الْكَلْبِيِّ، وَالْعَرْزَمِيِّ، وَرُوِيَ عَنْ حَفْصِ بْنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَفْصٌ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ حِينَ خَرَجُوا إلَيْهِ مُسْلِمِينَ: "هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْجِهَادِ"4، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الْمَنَاقِبِ" عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَاللَّفْظُ
لِأَبِي دَاوُد، قَالَ: خَرَجَ عَبْدَانِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ الصُّلْحِ، فَقَالَ مَوَالِيهِمْ: يَا مُحَمَّدُ، وَاَللَّهِ مَا خَرَجُوا إلَيْك رَغْبَةً فِي دِينِك، وَإِنَّمَا خَرَجُوا هَرَبًا مِنْ الرِّقِّ، فَقَالَ نَاسٌ: صَدَقُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رُدَّهُمْ إلَيْهِمْ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: " مَا أَرَاكُمْ تَنْتَهُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ حتى يبعث الله إليكم مَنْ يَضْرِبُ رِقَابَكُمْ عَلَى هَذَا"، وَأَبَى أَنْ يَرُدَّهُمْ، وَقَالَ: "هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ رِبْعِيٍّ عَنْ عَلِيٍّ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي الْجِهَادِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. قَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي "غَزْوَةِ الطَّائِفِ - من كتاب الْمَغَازِي": وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ أَيُّمَا عَبْدٍ نَزَلَ مِنْ الْحِصْنِ إلَيْنَا فَهُوَ حُرٌّ، فَنَزَلَ أَبُو بَكْرَةَ، وَاسْمُهُ: نُفَيْعٌ، وَكَانَ عَبْدًا لِلْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ، نَزَلَ فِي بَكْرَةٍ مِنْ الْحِصْنِ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ بِأَبِي بَكْرَةَ، وَوَرْدَانُ عَبْدٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ الثَّقَفِيِّ، وَالْمُنْبَعِثُ عَبْدٌ لِعُثْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، وَالْأَزْرَقُ عَبْدٌ لِكَلَدَةَ الثَّقَفِيِّ، وَيُحَنَّسُ النَّبَّالُ عَبْدٌ لِيَسَارِ بْنِ مَالِكٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ جَابِرٍ عَبْدٌ لِخَوْشَةَ الثَّقَفِيِّ، وَيَسَارٌ عَبْدٌ لِعُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَنَافِعٌ عَبْدٌ لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ، وَمَرْزُوقٌ عَبْدٌ لِعُثْمَانَ، كُلُّ هَؤُلَاءِ أَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَفَعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُمَوِّنُهُ، وَيُقْرِئُهُ، وَيُعَلِّمُهُ الشَّرِيعَةَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرَةَ إلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، فَلَمَّا أَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ تَكَلَّمُوا فِي هَؤُلَاءِ أَنْ يُرَدُّوا إلَى الرِّقِّ، فَقَالَ عليه السلام: " أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللَّهِ، لَا سَبِيلَ إلَيْهِمْ"، مُخْتَصَرٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا"، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَيْنِ خَرَجَا مِنْ الطَّائِفِ فَأَسْلَمَا، فَأَعْتَقَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحَدُهُمَا: أَبُو بَكْرَةَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي الْجِهَادِ" حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ ثنا أبو عثمان عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُحَاصِرٌ أَهْلَ الطَّائِفِ بِثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ عَبْدًا، فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُمْ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ: "الْعُتَقَاءُ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَاصَرَ الطَّائِفَ، خَرَجَ إلَيْهِ أَرِقَّاءُ مِنْ أَرِقَّائِهِمْ، فَأَسْلَمُوا، فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَسْلَمَ مَوَالِيهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلَاءَ إلَيْهِمْ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَعَبْدُ رَبِّهِ بْنُ الْحَكَمِ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، وَلَا يُعْرَفُ رَوَى عَنْهُ إلَّا الَّذِي رَوَى عَنْهُ هَذَا الْمُرْسَلَ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيُّ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُكْرَمٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ خَرَجَ إلَيْهِ مِنْ عَبِيدِ الطَّائِفِ، ثُمَّ وَفَدَ أَهْلُ الطَّائِفِ، فَأَسْلَمُوا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ رُدَّ عَلَيْنَا رَقِيقَنَا الَّذِينَ أَتَوْك، فَقَالَ: لَا، "أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللَّهِ"، وَرَدَّ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ وَلَاءَ عَبْدِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
باب العبد يعتق بعضه
بَابٌ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "فِي الرَّجُلِ يَعْتِقُ نَصِيبَهُ إنْ كَانَ غَنِيًّا، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي حِصَّةِ الْآخَرِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ 1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَخَلَاصُهُ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْعِتْقِ - وَفِي الشَّرِكَةِ"، وَمُسْلِمٌ فِي "الْعِتْقِ - وَفِي النُّذُورِ"، وَأَبُو دَاوُد فِي "الْعِتْقِ"، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الْأَحْكَامِ"، وَالنَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى - فِي الْعِتْقِ"، وَأَلْفَاظُهُمْ فِيهِ مُتَقَارِبَةٌ، وَفِي لَفْظٍ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، وَيُسْتَسْعَى فِي نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ، غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد2: وَرَوَاهُ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ السِّعَايَةَ، وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حزم، وَمُوسَى بْنُ خَلَفٍ عَنْ قَتَادَةَ، فَذَكَرَا فِيهِ السِّعَايَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: رَوَى شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَمْرَ السِّعَايَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ النَّسَائِيّ: أَثْبَتُ أَصْحَابِ قَتَادَةَ شُعْبَةُ، وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَقَدْ اتَّفَقَ شُعْبَةُ، وَهِشَامٌ عَلَى خِلَافِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ3، وَرِوَايَتُهُمَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ هَمَّامًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ، فَجَعَلَ الْكَلَامَ الْأَخِيرَ: - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدُ، غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ - قَوْلَ قَتَادَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: أَحَادِيثُ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ كَتَبَهَا إمْلَاءً، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ4: رَوَى
هَذَا الْحَدِيثَ شُعْبَةُ، وَهِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ، وَهُمَا أَثْبَتُ، فَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ الِاسْتِسْعَاءَ، وَوَافَقَهُمَا هَمَّامٌ، وَفَصَلَ الِاسْتِسْعَاءَ مِنْ الْحَدِيثِ، فَجَعَلَهُ مِنْ رَأْيِ قَتَادَةَ، قَالَ: وَسَمِعْت أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ يَقُولُ: مَا أَحْسَنَ مَا رَوَاهُ هَمَّامٌ وَضَبَطَهُ، فَصَلَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ، فَجَعَلَا الِاسْتِسْعَاءَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَحْسَبُهُمَا وَهِمَا فِيهِ لِمُخَالَفَةِ شُعْبَةَ، وَهِشَامٍ، وَهَمَّامٍ إيَّاهُمَا، انْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: اضْطَرَبَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فِي "السِّعَايَةِ"، فَمَرَّةً يَذْكُرُهَا، وَمَرَّةً لَا يَذْكُرُهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَتْنِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ قَتَادَةَ، وَتَفْسِيرِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ هَمَّامٌ وَبَيَّنَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ"، انْتَهَى. قُلْت: فِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: قَالَ أَيُّوبُ 1: لَا أَدْرِي مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ، أَوْ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي قَوْلَهُ: فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ - وَفِي لَفْظٍ: قَالَ2: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ كُلَّهُ، إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ قَدْرَ ثَمَنِهِ، وَيُعْطِي شركائهم حِصَصَهُمْ، وَيُخَلِّي سَبِيلَ الْمُعْتَقِ"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي "الشَّرِكَةِ"، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَقَدْ اجْتَمَعَ ههنا شُعْبَةُ مَعَ فَضْلِ حِفْظِهِ وَعَمَلِهِ، بِمَا سَمِعَ قَتَادَةَ، وَمَا لَمْ يَسْمَعْ، وَهِشَامٌ مَعَ فَضْلِ حِفْظِهِ، وَهَمَّامٌ مَعَ صِحَّةِ كِتَابَتِهِ، وَزِيَادَةِ مَعْرِفَتِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ عَلَى خِلَافِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ إدْرَاجِ السِّعَايَةِ فِي الْحَدِيثِ، وَفِي هَذَا مَا يُضَعِّفُ ثُبُوتَ الِاسْتِسْعَاءِ بِالْحَدِيثِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي رَوَاهُ عَنْ هَمَّامٍ، وَزَادَ فِيهِ ذِكْرَ الِاسْتِسْعَاءِ، وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ، وَمَيَّزَهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ السِّعَايَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ عِنْدَ إعْسَارِ الشَّرِيكِ بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ دُونَ إجْبَارِهِ عَلَيْهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ، وَفِي إجْبَارِهِ عَلَى السَّعْيِ فِي قِيمَتِهِ، وهو لا يريد مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَقَدْ تَكَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي حَدِيثِ سَعِيدٍ هَذَا، وَضَعَّفُوا ذِكْرَ الِاسْتِسْعَاءِ، وَقَالُوا: الصَّوَابُ أَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِسْعَاءِ مِنْ رَأْيِ قَتَادَةَ، كَمَا رَوَاهُ هَمَّامٌ عَنْهُ، فَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِهِ، وَفِي قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ نَظَرٌ، فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ مِنْ الْأَثْبَاتِ فِي قَتَادَةَ، وَلَيْسَ هُوَ بِدُونِ هَمَّامٍ، وَقَدْ تَابَعَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى ذِكْرِ الِاسْتِسْعَاءِ3، وَرَفْعِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ جَرِيرُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ،
وَحَجَّاجُ بْنُ حَجَّاجٍ، وَمُوسَى بْنُ خَلَفٍ، وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَيَحْيَى بْنُ صَبِيحٍ الْخُرَاسَانِيُّ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: زَعَمَ أَبُو مَعْبَدٍ حَفْصُ بْنُ غَيْلَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عن ابن عمر "ح" وعن عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا، وَلَهُ وَفَاءٌ، فَهُوَ حُرٌّ، وَضَمِنَ نَصِيبَ شُرَكَائِهِ بِقِيمَةِ عَدْلٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدُ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ دَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ رَقِيقٍ، فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ بَقِيَّتَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدُ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِدَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ، وَضَعَّفَهُ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الضُّعَفَاءِ الَّذِينَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُمْ، انْتَهَى.
باب التدبير
بَابُ التَّدْبِيرِ حَدِيثٌ: قَالَ عليه السلام فِي الْمُدَبَّرِ: "لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ، وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 بِنَقْصِ: وَلَا يُورَثُ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدَةَ بْنِ حَسَّانَ عَنْ أَيُّوبَ
عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُدَبَّرُ لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ، وَهُوَ حُرٌّ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يسنده غير عبيدة ين حَسَّانَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ ظَبْيَانَ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ"، انْتَهَى. وَعَلِيُّ بْنُ ظَبْيَانَ ضَعِيفٌ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَيُّوبُ، وَاخْتَلَفَ عَنْهُمَا، فَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ ظَبْيَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَغَيْرُ ابْنِ ظَبْيَانَ يَرْوِيهِ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ عُبَيْدَةُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَغَيْرُ عُبَيْدَةَ بْنِ حَسَّانَ يَرْوِيهِ مَوْقُوفًا، وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ": سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ ظَبْيَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ"، فَقَالَ1 أَبُو زُرْعَةَ: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَرَوَاهُ خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ، مِنْ قَوْلِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": عُبَيْدَةُ هَذَا قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْجَزَرِيُّ رَاوِيهِ عَنْهُ مَجْهُولُ الْحَالِ، وَقَدْ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِثِقَةِ حَمَّادٍ، وَضَعْفِ عُبَيْدَةَ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ " فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَدَفَعَهَا إلَيْهِ، قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْت جَابِرًا يَقُولُ: عَبْدًا قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ أَوَّلَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ، وَقَالَ فِيهِ: وَكَانَ مُحْتَاجًا، كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَبَاعَهُ عليه السلام بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: "اقْضِ بِهَا دَيْنَك"، وَوَقَعَ فِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيِّ3، والدارقطني أَنَّهُ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا غَيْرَهُ، فَبَاعَهُ عليه السلام فِي دَيْنِهِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ 4: هَذَا خَطَأٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ سَيِّدَ الْعَبْدِ كَانَ حَيًّا يَوْمَ بِيعَ الْمُدَبَّرُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" مِنْ رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا مَرِضَتْ، فَتَطَاوَلَ مَرَضُهَا، فَذَهَبَ بَنُو أَخِيهَا إلَى رَجُلٍ، فَذَكَرُوا لَهُ مَرَضَهَا، فَقَالَ: إنَّكُمْ تُخْبِرُونِي خَبَرَ امْرَأَةٍ مَطْبُوبَةٍ، قَالَ: فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ، فَإِذَا جَارِيَةٌ لَهَا سَحَرَتْهَا، وَكَانَتْ قَدْ دَبَّرَتْهَا، فَدَعَتْهَا، ثُمَّ سَأَلَتْهَا مَاذَا أَرَدْت؟ قَالَتْ: أَرَدْت أَنْ تَمُوتِي حَتَّى أُعْتَقَ، قَالَتْ: فَإِنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ تُبَاعِي مِنْ أَشَدِّ الْعَرَبِ مَلَكَةً، فَبَاعَتْهَا، وَأَمَرَتْ بِثَمَنِهَا، فَجُعِلَ فِي مِثْلِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي كِتَابِ الطِّبِّ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَلَنَا عَنْ ذَلِكَ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّا نَحْمِلُهُ عَلَى الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ، وَالْمُدَبَّرُ الْمُقَيَّدُ عِنْدَنَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، إلَّا أَنْ يُثْبِتُوا أَنَّهُ كَانَ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا، وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَوْنُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ لَيْسَ عِلَّةً فِي جَوَازِ بَيْعِهِ، لِأَنَّ الْمَذْهَبَ فِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ زِيَادٍ الْأَعْرَجِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجُلٍ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَتَرَكَ دَيْنًا، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ، قَالَ: يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ نحوه سواء، الأول مُرْسَلٌ، يَشُدُّهُ هَذَا الْمَوْقُوفُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّا نَحْمِلُهُ عَلَى بَيْعِ الْخِدْمَةِ وَالنَّفَقَةِ، لَا بَيْعِ الرَّقَبَةِ، بِدَلِيلِ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 1 عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَهُ أَنَّ عَطَاءً، وَطَاوُسًا يَقُولَانِ عَنْ جَابِرٍ فِي الَّذِي أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَانَ أَعْتَقَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَقْضِيَ دَيْنَهُ، فَبَاعَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: شَهِدْت الْحَدِيثَ مِنْ جَابِرٍ، إنَّمَا أَذِنَ فِي بَيْعِ خِدْمَتِهِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَبُو جَعْفَرٍ هَذَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الثِّقَاتِ، وَلَكِنَّ حَدِيثَهُ هَذَا مُرْسَلٌ، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَبِي مَرْيَمَ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ الْكُوفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي قِصَّةِ هَذَا الْمُدَبَّرِ، وَفِيهِ: وَإِنَّمَا أَذِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْعِ خِدْمَتِهِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَعَبْدُ الْغَفَّارِ هَذَا يُرْمَى بِالْكَذِبِ، وَكَانَ غَالِيًا فِي التَّشَيُّعِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هُوَ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَعَبْدُ الْغَفَّارِ مِنْ غُلَاةِ الشِّيعَةِ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَمَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ، وَعَلَى ذَلِكَ نُقِلَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، قُلْت: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجمحي عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وَلَدُ الْمُدَبَّرِ بِمَنْزِلَتِهِ، وَأَخْرَجَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ نَحْوَهُ.
باب الاستيلاد
بَابُ الِاسْتِيلَادِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ 1 - فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ذُكِرَتْ أُمُّ إبْرَاهِيمَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي الْبُيُوعِ"2، وَسَكَتَ عَنْهُ، إلا أنه قال: أبي بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ، وَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، وَحُسَيْنٍ، فَإِنَّهُمَا ضَعِيفَانِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَقَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، قَالَ قَاسِمُ بْن أَصْبَغَ فِي "كِتَابِهِ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو خَيْثَمَةَ الْمِصِّيصِيِّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - هُوَ الرَّقِّيِّ - عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا وَلَدَتْ مَارِيَةُ إبْرَاهِيمَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي "التَّمْهِيدِ" وَمِنْ جِهَةِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" وَخَلَّطَ فِي إسْنَادِهِ تَخْلِيطًا بَيَّنَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ"، وَحَرَّرَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" بِسَنَدِ ابْنِ مَاجَهْ، وَأَعَلَّهُ بِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، وَقَالَ: إنَّهُ فِي جُمْلَةِ مَنْ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَعَنْ النَّسَائِيّ أَنَّهُ قَالَ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَإِلَى ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا 3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْحُسَيْنِ بِهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا ضَعِيفٌ عَنْ حُسَيْنٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَكَرِيَّا الْمَدَائِنِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي سَارَةُ عَنْ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدٌ هَذَا فِيهِ لِينٌ، وَابْنُ أَبِي سَارَةُ مَجْهُولٌ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ حُسَيْنٍ الْمَذْكُورِ، وَأَبُو أُوَيْسٍ فِيهِ لِينٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا 4 عَنْ شَرِيكٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": هَكَذَا رَوَاهُ شَرِيكٌ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو أُوَيْسٍ الْمَدَنِيُّ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَرَوَاهُ أبو بكر من أَبِي سَبْرَةَ عَنْ حُسَيْنٍ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي أُمِّ إبْرَاهِيمَ حِينَ وَلَدَتْهُ: "أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا"، وَكَذَلِكَ
رَوَاهُ أَبُو أُوَيْسٍ عَنْ حُسَيْنٍ، إلَّا أَنَّهُ أَرْسَلَهُ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عباس، ولم يثبت فيها شَيْءٌ، وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا، وَإِنْ كَانَ سِقْطًا، وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عُمَرَ، وَرَوَاهُ خَصِيفٌ الْجَزَرِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ، فَعَادَ الْحَدِيثُ إلَى قَوْلِ عُمَرَ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ، وَأَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ خَطَّابِ بْنِ صَالِحٍ مَوْلَى الْأَنْصَارِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ سَلَّامَةَ بِنْتِ مَعْقِلٍ - امْرَأَةٍ مِنْ خَارِجَةِ قَيْسِ عَيْلَانَ - قَالَتْ: قَدِمَ بِي عَمِّي فِي "الْجَاهِلِيَّةِ" فَبَاعَنِي مِنْ الْحُبَابِ بْنِ عَمْرٍو أَخِي أَبِي الْيُسْرِ بْنِ عَمْرٍو، فَوَلَدْت لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحُبَابِ، ثُمَّ هَلَكَ، فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ: الْآنَ وَاَللَّهِ تُبَاعِينَ فِي دَيْنِهِ، فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ مِنْ خَارِجَةِ قَيْسِ عَيْلَانَ، قَدِمَ بِي عَمِّي الْمَدِينَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَبَاعَنِي مِنْ الْحُبَابِ بْنِ عَمْرٍو - أَخِي أَبِي الْيُسْرِ بْنِ عَمْرٍو - فَوَلَدْت لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ: الْآنَ وَاَللَّهِ تُبَاعِينَ فِي دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ وَلِيُّ الْحُبَابِ؟ قِيلَ: أَخُوهُ أَبُو الْيُسْرِ بْنُ عَمْرٍو، فَبَعَثَ إلَيْهِ، فَقَالَ: أَعْتِقُوهَا، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِرَقِيقٍ قَدِمَ عَلَيَّ فَأْتُونِي أُعَوِّضُكُمْ مِنْهَا"، قَالَتْ: فَأَعْتَقُونِي، وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقِيقٌ فَعَوَّضَهُمْ مِنِّي غُلَامًا، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو أُوَيْسٍ، حَدِيثُ أَبِي أُوَيْسٍ، رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ثَنَا أَبِي عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَإِنَّهَا حُرَّةٌ إذَا مَاتَ، إلَّا أَنْ يُعْتِقَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَأَنْ لَا يُبَعْنَ فِي دَيْنٍ، وَلَا يُجْعَلْنَ مِنْ الثُّلُثِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 2 عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَقَالَ: " لَا يُبَعْنَ، وَلَا يُوهَبْنَ، وَلَا يُورَثْنَ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا سَيِّدُهَا مادام حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ"، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَى آخِرِهِ، وَهَذَا أَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ نَجِيحٍ الْمَدِينِيِّ 3 وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ، وَالسَّعْدِيِّ، وَالْفَلَّاسِ،
وَابْنِ مَعِينٍ، وَلَيَّنَهُ هُوَ، وَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَمَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيِّ ثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ الْقَسْمَلِيُّ، وَهُوَ ثِقَةٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ، فَقَالَ عَنْهُ: يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ثِقَةٌ، وَهُوَ الَّذِي رَفَعَهُ، وَقَالَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ إسْحَاقَ، وَفُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عمر لم يتجاوزه، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَعِنْدِي أَنَّ الَّذِي أَسْنَدَهُ خَيْرٌ مِمَّنْ وَقَفَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ1، فِي ذِكْرِ التَّرْجِيحَاتِ" الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ مَنْسُوبًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصًّا وَقَوْلًا، وَالْآخَرُ يُنْسَبُ إلَيْهِ اسْتِدْلَالًا وَاجْتِهَادًا، فَيَكُونُ الْأَوَّلُ مُرَجَّحًا نَحْوُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَقَالَ: " لَا يُبَعْنَ"، إلَى آخِرِهِ، فَهَذَا أَوْلَى بِالْعَمَلِ بِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: قَوْلُهُ عليه السلام، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ حُجَّةٌ، وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ لَيْسَ فِيهِ تَنْصِيصٌ مِنْهُ عليه السلام فَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَنْ كَانَ يَرَى هَذَا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ اجْتِهَادًا مِنْهُ، فَكَانَ تَقْدِيمُ مَا نُسِبَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصًّا أَوْلَى، وَنَظِيرُهُ حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ فِي الْمُزَارَعَةِ: كُنَّا نُخَابِرُ، وَكُنَّا نُكْرِي الْأَرْضَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُمْ ذَلِكَ مُسْنَدًا إلَى إذْنِهِ عليه السلام، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ 2 عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، قَالَ: كُنَّا نَبِيعُهُنَّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ النَّسَائِيُّ: زَيْدٌ الْعَمِّيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَصَحَّحَهُ، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ، وَأَعَلَّهُ بِزَيْدٍ الْعَمِّيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَغَيْرُ زَيْدٍ يَرْوِيهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرٍ, قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا حَمَّادٌ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: بِعْنَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ نَهَانَا فَانْتَهَيْنَا، قَالَ الْحَاكِمُ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ4: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْنَا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ هَذَا خَفِيَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ
الصَّحَابَةِ، أَوْ يَكُونَ النَّهْيُ وَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، هَذَا، ثُمَّ قَالَ: يُرْوَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ , وَلَا يَصِحُّ مُسْنَدًا ; وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي " كِتَابِهِ " , وَقَالَ: إنَّمَا يُرْوَى مِنْ قَوْلِ عُمَرَ , رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" 1 مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ بكير عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: أَيُّمَا وَلِيدَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهَا، وَلَا يَهَبُهَا، وَلَا يُوَرِّثُهَا، وَهُوَ يَسْتَمْتِعُ مِنْهَا، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ، وَغَلِطَ فِيهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ فَرَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَهُوَ وَهْمٌ لَا يَحِلُّ رِوَايَتُهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ 2 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَفْرِيقِيِّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ أَعْتَقَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَقَالَ: أَعْتَقَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَالْأَفْرِيقِيُّ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، قَالَ ابن القطان: سعيد عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعٌ، وَنَقَلَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ - فِي بَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ" عَنْ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ عِنْدَنَا حُجَّةٌ، فَإِنَّهُ رَآهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْت عَلِيًّا يَقُولُ: اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا يُبَعْنَ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدُ أَنْ يُبَعْنَ، قَالَ عَبِيدَةُ: فَقُلْت لَهُ: فَرَأْيُك وَرَأْيُ عُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ رَأْيِك وَحْدَك فِي الْفُرْقَةِ، قَالَ: فَضَحِكَ عَلِيٌّ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: وَقَدْ سُرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ الْقَائِفِ فِي أُسَامَةَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"3، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْفَرَائِضِ"، وَمُسْلِمٌ فِي "الرَّضَاعِ"، وَأَبُو دَاوُد فِي "اللِّعَانِ"، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الْوَلَاءِ"، وَالنَّسَائِيُّ فِي "الطَّلَاقِ"، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الْأَحْكَامِ" كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
ذَاتَ يَوْمٍ مَسْرُورًا فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ، وَعِنْدِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَرَأَى أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَزَيْدًا، وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ، وَقَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا، وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: هَذِهِ أَقْدَامٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ أُسَامَةُ أَسْوَدَ، وَكَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، قَالَتْ: دَخَلَ قَائِفٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِدٌ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَسُرَّ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي وَلَدٍ، فَدَعَا عُمَرُ الْقَائِفَةَ، وَاقْتَدَى فِي ذَلِكَ بِبَصَرِ الْقَائِفَةِ، وَأَلْحَقَهُ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَسُرُورُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رُوِيَ - لِأَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَطْعَنُونَ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ، وَكَانَ قَوْلُ الْقَائِفِ مُقْطِعًا لِطَعْنِهِمْ، فَسُرَّ بِهِ. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَتَبَ إلَى شُرَيْحٍ فِي هَذِهِ الحادثة، لبسا، فليس عَلَيْهِمَا، وَلَوْ بَيَّنَا لَبُيِّنَ لَهُمَا، وَهُوَ ابْنُهُمَا يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ، وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُ ذلك، قلت: الحارثة هِيَ أَمَةٌ كَانَتْ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَتَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِنَقْصٍ يَسِيرٍ، أَخْرَجَهُ عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ فِي رَجُلَيْنِ وَطِئَا جَارِيَةً فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَجَاءَتْ بِغُلَامٍ، فَارْتَفَعَا إلَى عُمَرَ، فَدَعَا لَهُ ثَلَاثَةً مِنْ الْقَافَةِ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى أَنَّهُ أَخَذَ الشَّبَهَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَكَانَ عُمَرُ قَائِفًا يَقُوفُ، فَقَالَ: قَدْ كَانَتْ الْكَلْبَةُ يَنْزُوا عَلَيْهَا الأسود الأصفر وَالْأَحْمَرُ، فَيُؤَدِّي إلَى كُلِّ كَلْبٍ شَبَهٌ، وَلَمْ أَكُنْ أَرَى هَذَا فِي النَّاسِ حَتَّى رَأَيْت هَذَا، فَجَعَلَهُ عُمَرُ لَهُمَا يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ، وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ مُنْقَطِعٌ، وَمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: رَأَى الْقَائِفَةُ، وَعُمَرُ جَمِيعًا شَبَهَهُ فِيهِمَا، وَشَبَهَهُمَا فِيهِ، فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ بَيْنَكُمَا يَرِثُكُمَا وَتَرِثَانِهِ، قَالَ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِابْنِ الْمُسَيِّبِ، فَقَالَ: نَعَمْ، هُوَ لِلْآخِرِ مِنْهُمَا، انْتَهَى. وَأَمَّا أَثَرُ عَلِيٍّ: فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" 1 عَنْ سِمَاكٍ عَنْ مَوْلَى لِبَنِي مَخْزُومٍ، قَالَ: وَقَعَ رَجُلَانِ عَلَى جَارِيَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَعَلِقَتْ الْجَارِيَةُ فَلَمْ يُدْرَ مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ، فَأَتَيَا عَلِيًّا، فَقَالَ: هُوَ بَيْنَكُمَا يَرِثُكُمَا وَتَرِثَانِهِ، وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْكُمَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: أَتَاهُ رَجُلَانِ وَقَعَا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ، فَقَالَ: الْوَلَدُ بَيْنَكُمَا، وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْكُمَا، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: يَرْوِيهِ سِمَاكٌ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ لَمْ
يُسَمِّهِ، وَقَابُوسُ - وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ - عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا خِلَافُ هَذَا، ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد1 حَدَّثَنَا خُشَيْشُ بْنُ أَصْرَمَ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ عليه السلام بِثَلَاثَةٍ - وَهُوَ بِالْيَمَنِ - وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلَ اثْنَيْنِ، أَتُقِرَّانِ لِهَذَا بِالْوَلَدِ؟ قَالَا: لَا، حَتَّى سَأَلَهُمْ جَمِيعًا، فَجَعَلَ كُلَّمَا سَأَلَ اثْنَيْنِ قَالَا: لَا، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِاَلَّذِي صَارَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ، قَالَ: فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي "السُّنَنِ"، انْتَهَى.
كتاب الأيمان
كِتَابُ الأيمان من حلف يمينا كاذبا ... كتاب الْأَيْمَانِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: " مَنْ حَلَفَ كَاذِبًا أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: خَاصَمَ رَجُلٌ مِنْ الْحَضْرَمِيِّينَ رَجُلًا مِنَّا، يُقَالُ لَهُ: الْجَفْشِيشُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَرْضٍ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ: " جِئْ بِشُهُودِك عَلَى حَقِّك، وَإِلَّا حَلَفَ لَك"، فَقَالَ: أَرْضِي أَعْظَمُ شَأْنًا مِنْ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: "إنَّ يَمِينَ الْمُسْلِمِ مَا وَرَاءَهَا أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ"، فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ، فَقَالَ عليه السلام: "إنْ هُوَ حَلَفَ كَاذِبًا لَيُدْخِلُهُ اللَّهُ النَّارَ"، فَذَهَبَ الْأَشْعَثُ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: أَصْلِحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، قَالَ: فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، وَأَدْخَلَهُ النَّارَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ: لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ مَصْبُورَةٍ 3 كَاذِبًا، فَلْيَتَبَوَّأْ بِوَجْهِهِ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ"، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ، لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِهِ، قُلْت: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" 1 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} ، قَالَتْ: هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ: لَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهِ مَوْقُوفًا، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" عَنْ حَسَّانَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ الصَّائِغُ عَنْ عَطَاءٍ: اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "هُوَ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ: كَلًّا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ دَاوُد بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ عَنْ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ مَوْقُوفًا عَلَى عَائِشَةَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَمَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ كُلُّهُمْ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. وَرَوَى الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ" حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَغْوُ الْيَمِينِ مَا لَمْ يَعْقِدْ الْحَالِفُ عَلَيْهِ قَلْبَهُ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَرَوَى عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَتْ: هُوَ حَلِفُ الرَّجُلِ عَلَى عِلْمِهِ، ثُمَّ لَا تَجِدُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَيْسَ فِيهِ كَفَّارَةٌ، وَعُمَرُ بْنُ قَيْسٍ ضَعِيفٌ، وَرِوَايَةُ الثِّقَاتِ - كما مضى - يشير إلَى حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ، قَالَ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَهَذَا مَجْهُولٌ، وَرِوَايَةُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَصَحُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ يَرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يَحْلِفُ عَلَى الْحَرَامِ، فَلَا يُؤَاخِذُهُ اللَّهُ بِتَرْكِهِ، وَأَخْرَجَ عَنْ النَّخَعِيّ، وَالْحَسَنِ قَالَا: هُوَ الرَّجُلُ يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ، ثُمَّ يَنْسَى، وَعَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا قَالَ: هُوَ الْخَطَأُ غَيْرُ الْعَمْدِ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ: وَاَللَّهِ إنَّهُ لَكَذَا وَكَذَا، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ صَادِقٌ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْيَمِينُ"، قُلْت: هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَجْعَلُ عِوَضَ الْيَمِينِ، الْعَتَاقَ، وَمِنْهُمْ صَاحِبُ "الْخُلَاصَةِ"، وَالْغَزَالِيُّ فِي "الْوَسِيطِ"، وَغَيْرُهُمَا، وَكِلَاهُمَا غَرِيبٌ، وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الطَّلَاقِ"، وَالتِّرْمِذِيُّ
فِي "النِّكَاحِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَرْدَكَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ". انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي أَوَّلِ الطَّلَاقِ"، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَابْنُ أَرْدَكَ مِنْ ثِقَاتِ الْمَدَنِيِّينَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا"، وَقَدْ غَلَّطَ النَّوَوِيُّ الْغَزَالِيَّ فِي "تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ"، فَقَالَ" وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي "الْوَسِيطِ": النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَلَيْسَ بِصَوَابٍ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ: وَالرَّجْعَةُ، عِوَضُ الْعَتَاقِ، وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيُّ، انْتَهَى. قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ رَوَى الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَجُوزُ اللَّعِبُ فِي ثَلَاثٍ: الطَّلَاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالْعَتَاقُ، فَمَنْ قَالَهُنَّ فَقَدْ وَجَبْنَ"، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ غالب بن عبد اللَّهِ الْجَزَرِيِّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "ثَلَاثٌ لَيْسَ فِيهِنَّ لَعِبٌ، مَنْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْهُنَّ لَاعِبًا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ: الطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالنِّكَاحُ"، انْتَهَى. وَضُعِّفَ غَالِبُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ طَلَّقَ وَهُوَ لَاعِبٌ، فَطَلَاقُهُ جَائِزٌ، وَمَنْ أَعْتَقَ وَهُوَ لَاعِبٌ، فَعِتْقُهُ جَائِزٌ، وَمَنْ نَكَحَ وَهُوَ لَاعِبٌ، فَنِكَاحُهُ جَائِزٌ"، انْتَهَى. وَفِيهِ أَثَرَانِ أَيْضًا أَخْرَجَهُمَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا: ثَلَاثٌ لَا لَعِبَ فِيهِنَّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا: أَرْبَعٌ، وزاد: النذر، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَعَبْدُ الرحمن بن أدرك - وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ: إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَحَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، والدراوردي، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ - فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، انْتَهَى. قُلْت: ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ" 1، وَاسْتَدَلَّ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِلشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدُ فِي عَدَمِ انْعِقَادِ يَمِينِ الْمُكْرَهِ بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 2 عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، وَأَبِي أُمَامَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ عَلَى مَقْهُورٍ يَمِينٌ" انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: عَنْبَسَةُ ضَعِيفٌ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، بَلْ مَوْضُوعٌ، وَفِيهِ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِمْ، انْتَهَى.
باب ما يكون يمينا، وما لا يكون يمينا
بَابُ مَا يَكُونُ يَمِينًا، وَمَا لَا يَكُونُ يَمِينًا الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 1 - إلَّا النَّسَائِيّ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَكَ عُمَرَ - وَهُوَ فِي ركب" وهو يحلف بأبيه، فَقَالَ: "إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَسْكُتْ"، وَلَفْظُ "الصَّحِيحَيْنِ": "أَوْ لِيَصْمُت"، وَعَجِبْت مِنْ الشَّيْخِ زَكِيِّ الدِّينِ كَيْفَ عَزَاهُ لِلنَّسَائِيِّ، وَتَرَكَ التِّرْمِذِيَّ، وَالنَّسَائِيُّ لَمْ يَذْكُرْهُ، وَالتِّرْمِذِيُّ ذَكَرَهُ بِرُمَّتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ"، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا، فَقَالَ: "لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ 2 عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ، فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ بُكَيْر بِهِ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ بُكَيْر بِهِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ وَكِيعٌ، وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، فَوَقَفُوهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ 3 عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَفَّارَةُ النَّذْرِ إذَا لَمْ تُسَمَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، لَمْ يَقُلْ فِيهِ: إذَا لَمْ يُسَمَّ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 4 عَنْ غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ جَعَلَ عَلَيْهِ نَذْرًا فِيمَا لَمْ يُسَمِّهِ، فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ"، مُخْتَصَرٌ. قَالَ: وَغَالِبُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ضَعِيفٌ، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هُوَ مُجْمَعٌ عَلَى تَرْكِهِ، وَلَيْتَ هَذَا الْحَدِيثَ - لَوْ صَحَّ - مِنْ قَوْلِ عَطَاءٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "عِلَلِهِ" 5: سَأَلْت
أَبِي، وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ كَاسِبٍ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ، فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ"، فَقَالَا: رَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ مُغِيرَةَ، فَوَقَفَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قُلْت لَهُمَا: فَالْوَهْمُ مِمَّنْ؟ قَالَا: مَا نَدْرِي، مَنْ مُغِيرَةُ، أَوْ مَنْ ابْنُ كَاسِبٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا اُخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ عَنْ عُقْبَةَ مَرْفُوعًا: كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَهُوَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَحْمُولٌ عَلَى نذر اللجاج الَّذِي يَخْرُجُ مَخْرَجَ الْأَيْمَانِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَلَنَا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ، وَهِيَ كَالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ، قُلْت: وَرُوِيَتْ أَيْضًا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. فَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ سَمِعْت عَطَاءً يَقُولُ: بَلَغَنَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ، وَكَذَلِكَ نَقْرَأَهَا، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، وَالْأَعْمَشِ، قَالَا: فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ، قَالَ أَبُو إسْحَاقَ: وَكَذَلِكَ نَقْرَأَهَا، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أُبَيٍّ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ 1 - فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ" عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
فصل في الكفارة
فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، وَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلِيَأْتِ بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ، ثُمَّ لِيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ،
وَلِيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ إذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْت غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك"، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْحِنْثِ، وَالتَّكْفِيرِ لِمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَلَمْ أَجِدْهُ بِلَفْظِ: ثُمَّ لِيُكَفِّرْ، إلَّا عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ قَاسِمِ بْنِ ثابت بن حازم السَّرَقُسْطِيِّ فِي "كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ"، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَلَاءِ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ الْهَمْدَانِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ الْكُوفِيُّ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ أَبُو إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَمَ عِنْدَهُ، فَسَأَلَ صِبْيَتُهُ أُمَّهُمْ الطَّعَامَ، فَقَالَتْ: حَتَّى يَجِيءَ أَبُوكُمْ، فَنَامَ الصِّبْيَةُ، فَجَاءَ أَبُوهُمْ، فَقَالَ: اشْتَهَيْت الصِّبْيَةَ، فَقَالَتْ: لَا، كُنْت أَنْتَظِرُ مَجِيئَك، فَحَلَفَ أَنْ لَا يَطْعَمَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: أَيْقِظِيهِمْ، وجيء بِالطَّعَامِ، فَسَمَّى اللَّهَ، وَأَكَلَ، ثُمَّ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ بِاَلَّذِي صَنَعَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِهِ، ثُمَّ لِيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ"، انْتَهَى. قَالَ السَّرَقُسْطِيُّ: اشْتَهَيْت - أَيْ أَطْعَمَتْهُمْ شَهْوَتَهُمْ. فَائِدَةٌ: الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ، وَعَدَمِ الْجَوَازِ، وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَالثَّانِي مَذْهَبُنَا، وَاسْتِنْبَاطُ ذَلِكَ مِنْ تَتَبُّعِ أَلْفَاظِهِ، وَاخْتِلَافِ رِوَايَاتِهِ، فَنَقُولُ: اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، روى عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ فِي لَفْظٍ: الْحِنْثُ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ، وَفِي لَفْظٍ: الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ، قَالَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ". فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: " فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ". وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَخْرَجَاهُ أيضاً تقديم الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ، وَانْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ بِتَقْدِيمِ الْحِنْثِ عَلَى الْكَفَّارَةِ. وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: "إنِّي وَاَللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا كَفَّرْت عَنْ يَمِينِي، وَأَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: "إلَّا أَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْت عَنْ يَمِينِي"، وَوُهِمَ الْمُنْذِرِيُّ
فِي "مُخْتَصَرِ السُّنَنِ" فَقَالَ: لَمْ يَذْكُرْهُ مُسْلِمٌ إلَّا بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ - يَعْنِي تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ - بَلْ ذَكَرَهُ بِاللَّفْظِ الْآخَرِ، وَلَفْظُهُ: " إلَّا أَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَتَحَلَّلْتهَا"، وَفِي لَفْظٍ: فَلْيَأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ، قَالَ: إنِّي وَاَللَّهِ مَا نَسِيتهَا. وَحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا 1 بِاللَّفْظَيْنِ، فَرِوَايَةُ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ فِيهَا حُجَّةٌ للشافعية، لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ بِالْفَاءِ، وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، وَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُوبَ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ، الثَّانِي: أَنَّهُمْ مُعَارِضُونَ بِرِوَايَةِ تَقْدِيمِ الْحِنْثِ، وَلِذَلِكَ عَقَدَ لَهَا النَّسَائِيّ "بَابَ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ الْحِنْثِ"2، وَقَدْ تَقْوَى رِوَايَةُ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ بِفِعْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ3، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَسَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ كَانُوا يُكَفِّرُونَ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ نَحْوَهُ، الثَّالِثُ: أَنَّهُ عَقَّبَ الْجُمْلَتَيْنِ، وَالْوَاوُ بَيْنَهُمَا لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا، كَمَا قِيلَ ذَلِكَ فِي "آيَةِ الْوُضُوءِ"، بَقِيَ الْإِشْكَالُ فِي رِوَايَةِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْعَطْفِ - بِثُمَّ - وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَقَعَتْ فِي ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ: أَحَدُهَا: مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، وَالثَّانِي: مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ، وَالثَّالِثُ: مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ سَلَمَةَ. فَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ4، قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: حَدَّثَنَا محمد بن يحيى القطعي، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ إذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْت غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك، ثُمَّ آتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ"، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 5 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيِّ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ لَا يَحْنَثُ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى كَفَّارَةَ الْيَمِينِ، فَقَالَ: "لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إلَّا كَفَّرْت عَنْ
يَمِينِي، ثُمَّ أَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَهَذَا فِي "الْبُخَارِيِّ" 1 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ إذَا حَلَفَ، إلَى آخِرِهِ، بِتَقْدِيمِ الْحِنْثِ، وَعَطْفِ الْكَفَّارَةِ بِالْوَاوِ. وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" 2 عَنْهَا أَنَّ عَبْدًا لَهَا اسْتَعْتَقَهَا، فَقَالَتْ: لَا أَعْتَقَهَا اللَّهُ مِنْ النَّارِ إنْ أَعْتَقَتْهُ، فَمَكَثَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ! سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ لِيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ"، فَأَعْتَقَتْ الْعَبْدَ، ثُمَّ كَفَّرَتْ عَنْ يَمِينِهَا"، انْتَهَى. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهَا قَدَّمَتْ الْحِنْثَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ مِنْ نُسْخَةٍ أُخْرَى، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُعَارَضَةٌ بِحَدِيثِ تَقْدِيمِ الْحِنْثِ، مَعَ الْعَطْفِ بِثُمَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ تَقْتَضِي وُجُوبَ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَعَجِبْت مِنْ الْبُخَارِيِّ 3 كَيْفَ تَرْجَمَ فِي كِتَابِهِ "بَابَ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ"، فَذَكَرَ فِيهَا حَدِيثَ أَبِي مُوسَى بِلَفْظِ: إنِّي لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إلَّا أَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَتَحَلَّلْتهَا، وَحَدِيثَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ بِلَفْظِ: فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مُطَابِقٍ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عِنْدَهُ فِي الْحَدِيثَيْنِ، فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا فِي "التَّرْجَمَةِ". فائدة أخرى: وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى إنِّي لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ أَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ، وَكَذَا فِيهِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، ثُمَّ رَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَحَادِيثِ الْكَفَّارَةِ، ولكن وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد 4 عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: " وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَدَعْهَا، وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، فَإِنَّ تَرْكَهَا كَفَّارَتُهَا"، مُخْتَصَرٌ. قَالَ أَبُو دَاوُد: الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا: " وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، إلَّا مَا لَا يُعْبَأُ بِهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ، قَالَ: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَيْضًا، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَفِي وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، وَأَنَّهَا مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ، فَقَالَ عليه السلام: "لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْت قَاضِيَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاقْضِ اللَّهَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ"، انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: إنَّ أُمِّي. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 2 عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ"، انْتَهَى. وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ "بَابَ النَّذْرِ فِي الطَّاعَةِ". حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 3 فِي "حَدِيثِ الْقَضَاءِ" عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ"، وَفِي لَفْظٍ: "لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ"، مُخْتَصَرٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 4 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْت فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَ: " فَأَوْفِ بِنَذْرِك"، زَادَ الْبُخَارِيُّ: فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 5 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ أَبُو قُدَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْت أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِك بِالدُّفِّ، قَالَ: "أَوْفِي بِنَذْرِك"، قَالَتْ: إنِّي نَذَرْت أَنْ أَذْبَحَ بِمَكَانِ كَذَا - لِمَكَانٍ كَانَ يَذْبَحُ فِيهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ - قَالَ: " لِصَنَمٍ، أَوْ وَثَنٍ؟ " قَالَتْ: لَا، قال: " أوفي بِنَذْرِك"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "الْمَنَاقِبِ" عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت نَذَرْت إنْ رَدَّكَ اللَّهُ صَالِحًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْك بِالدُّفِّ، الْحَدِيثَ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَقَالَ فِيهِ: أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِك بِالدُّفِّ، فَقَالَ عليه السلام: " إنْ كُنْت نَذَرْت فَافْعَلِي، وَإِلَّا فَلَا"، قَالَتْ: بَلْ نَذَرْت،
فَقَعَدَ عليه السلام، وَقَامَتْ، فَضَرَبَتْ بِالدُّفِّ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَعِنْدِي أَنَّهُ ضَعِيفٌ، لِضَعْفِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: كَانَ مُرْجِئًا، وَلَكِنْ قَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ بِهِ، وَزَادَ: فَضَرَبَتْ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ، وَهِيَ تَضْرِبُ، فَأَلْقَتْ الدُّفَّ، وَجَلَسَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ عليه السلام: " إنِّي لَأَحْسَبُ الشَّيْطَانَ يَفْرَقُ مِنْك يَا عُمَرُ"، قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَبِمَعْنَاهُ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ 1 عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ حَلَفَ فَاسْتَثْنَى، فَإِنْ شَاءَ مَضَى، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، غَيْرَ حِنْثٍ"، انْتَهَى. بِلَفْظِ النَّسَائِيّ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: "فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ مَضَى وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ"، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ، ونحوه، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَدْ اسْتَثْنَى"، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: " فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرَ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَقَالَ: إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ كَانَ أَيُّوبَ أَحْيَانًا يَرْفَعُهُ، وَأَحْيَانًا لَا يَرْفَعُهُ، انْتَهَى. قُلْت: رَفَعَهُ غَيْرُهُ، كَمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ حَلَفَ، فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَدْ اسْتَثْنَى"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": رَوَاهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَقَدْ تَابَعَهُ أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى الْمَكِّيُّ عَنْ نَافِعٍ، فَرَفَعَهُ أَيْضًا، قَالَ: وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ، فَرَوَاهُ عُمَرُ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ هِقْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، انْتَهَى. وَبِسَنَدِ السُّنَنِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ بِالْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ: لَمْ يَحْنَثْ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ مَضَى، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَقَدْ اسْتَثْنَى، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": رَوَاهُ سُفْيَانُ، وَوُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ مَرْفُوعًا، ثُمَّ شَكَّ أَيُّوبُ فِي رَفْعِهِ، فَتَرَكَهُ، قَالَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَرَوَاهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
مَوْقُوفًا: مَنْ قَالَ وَاَللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَرَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا مَوْقُوفًا، وَقَالَ فِيهِ: ثُمَّ وَصَلَ الْكَلَامَ بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ فِي إثْرِ يَمِينِهِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ لِي: هَذَا حَدِيثٌ أَخْطَأَ فِيهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، فَاخْتَصَرَهُ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُد، قَالَ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً"، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، انْتَهَى. وَظَاهِرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الِاتِّصَالِ، فَإِنَّهَا كُلَّهَا بِالْفَاءِ، وَهِيَ لِلتَّعْقِيبِ مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ، وَاسْتَشْكَلَ عَلَى هَذَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً، تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ، فَأَطَافَ بِهِنَّ، فَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ نِصْفَ إنْسَانٍ، فَقَالَ عليه السلام: لَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ دَرْكًا لِحَاجَتِهِ"، انْتَهَى. وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ النَّسَائِيُّ "بَابَ إذَا حَلَفَ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَالَهَا: هَلْ يَكُونُ اسْتِثْنَاءً؟ " ثُمَّ سَاقَهُ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مِنْ سُلَيْمَانَ عليه السلام إنَّمَا هُوَ الطَّوَافُ، وَقَدْ فَعَلَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامًا، فَلَيْسَ دَاخِلًا فِي الْيَمِينِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَأَيْضًا فَقَدْ لَا يَكُونُ مِنْ شَرِيعَتِهِمْ اشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ، أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ، لَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِكَلَامِهِ، وَفِيهِ تَعَسُّفٌ، وَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ فِي لَفْظٍ لَهُمَا: فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ، الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ: "وَأَيْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ"، وَأَشْكَلَ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 2 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، ثُمَّ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ"، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ يَرْفَعُهُ، قَالَ: "وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَزَادَ فِيهِ
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ شَرِيكٍ، قَالَ: ثُمَّ لَمْ يَغْزُهُمْ، وَقَدْ أَسْنَدَ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" مُسْنَدًا، وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ شَرِيكٌ، وَمِسْعَرٌ، فَأَسْنَدَاهُ مَرَّةً، وَأَرْسَلَاهُ أُخْرَى، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ أَبِي يَعْلَى سَوَاءً، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَدِيٍّ، ثُمَّ قَالَ: وَعَبْدُ الْوَاحِدِ هَذَا لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، وَالصَّحِيحُ مُرْسَلٌ، انْتَهَى. أَثَرٌ: في اشتراط الاتصال، أخرج الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ عُمَرَ بْنِ مُدْرِكٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا ابن أبي الزناد عن أبيه عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُلُّ اسْتِثْنَاءٍ غَيْرُ مَوْصُولٍ فَصَاحِبُهُ حَانِثٌ، انْتَهَى. وَعُمَرُ بْنُ مُدْرِكٍ ضَعِيفٌ، وَفِي "الْمَعْرِفَةِ" لِلْبَيْهَقِيِّ: وَرَوَى سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ اسْتِثْنَاءٍ مَوْصُولٍ فَلَا حِنْثَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَكُلُّ اسْتِثْنَاءٍ غَيْرِ مَوْصُولٍ، إلَى آخِرِهِ. أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" 2 عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا نَسِيت} قَالَ: إذَا شِئْت الِاسْتِثْنَاءَ فَاسْتَثْنِ إذَا ذَكَرْت، وَهِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَسْتَثْنِيَ إلَّا بِصِلَةِ الْيَمِينِ، انْتَهَى. وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الرِّوَايَاتِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ، وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي أَحَادِيثِ الْأُصُولِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاتِّصَالِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ، إلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللًه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ماله ضَرَبَ اللَّهُ عُنُقَهُ؟ قَالَ: فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عليه السلام: "فِي سَبِيلِ اللَّهِ" قَالَ: فَقُتِلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مُخْتَصَرٌ. وَهَذَا الرَّجُلُ لَمْ يُسَمَّ فِي الْحَدِيثِ، فَكَوْنُهُ عليه السلام قَالَ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعْدَ قَوْلِ الرَّجُلِ إيَّاهَا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِانْفِصَالَ غَيْرُ قَاطِعٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
باب اليمين في الخروج والإتيان والركوب
بَابُ الْيَمِينِ فِي الْخُرُوجِ وَالْإِتْيَانِ وَالرُّكُوبِ حَدِيثٌ عَنْهُ عليه السلام: قَالَ: "مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ" الْحَدِيثَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ1، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الشُّرْبِ"، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "التِّجَارَاتِ"، وَالْبَاقُونَ فِي "الْبُيُوعِ" كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعَ، وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ، فَثَمَرُهُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعَ"، انْتَهَى.
باب اليمين في الكلام
بَابُ الْيَمِينِ فِي الْكَلَامِ حَدِيثُ: "إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي "بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ" وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِنَاجِحٍ فِي الدَّلِيلِ، عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ لَا تُسَمَّى كَلَامًا فِي الْعُرْفِ وَالشَّرْعِ، لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِكَلَامِ النَّاسِ، فَتَأَمَّلْهُ.
باب اليمين في العتق
بَابُ الْيَمِينِ فِي الْعِتْقِ حَدِيثٌ: قَالَ عليه السلام: "لَنْ يُجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ، إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 2 - إلَّا الْبُخَارِيَّ - فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ فِي "الْعِتْقِ"، وَأَبُو دَاوُد فِي "الْأَدَبِ"، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الْبِرِّ وَالصِّلَةِ"، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الْأَدَبِ" كُلُّهُمْ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ، إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ"، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
باب اليمين في الصلاة والصوم والحج
بَابُ الْيَمِينِ في الصلاة والصوم والحج حَدِيثٌ: عَنْ عَلِيٍّ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ: عَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ، أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ، قَالَ: عَلَيْهِ حَجَّةٌ، أَوْ عُمْرَةٌ مَاشِيًا، وإن شاء ركب وأهراق دَمًا، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْمَعْرِفَةِ" مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ، فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ: عَلَيْهِ الْمَشْيُ، قَالَ: يَمْشِي، فَإِنْ عَجَزَ رَكِبَ، وَأَهْدَى بَدَنَةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيٍّ، فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ، قَالَ: يَمْشِي فَإِذَا أُعْيِيَ رَكِبَ، وَيُهْدِي جَزُورًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ، وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 1 عَنْ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً إلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ، وَنَهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ، وَقَالَ: " إنَّ الْمُثْلَةَ أَنْ يَنْذِرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا، فَمِنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا، فَلْيُهْدِ هَدْيًا، وَلْيَرْكَبْ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ ثَنَا هَمَّامٌ ثَنَا قَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَنِيٌّ عَنْ نَذْرِ أُخْتِك، لِتَرْكَبْ، وَلِتُهْدِ بَدَنَةً"، انْتَهَى. حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ: تَقَدَّمَ فِي "الصَّلَاةِ"، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَبْوَابٍ، لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ "بَابُ الْيَمِينِ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ" - "بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ" - "بَابُ الْيَمِينِ فِي تَقَاضِي الدَّرَاهِمِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كتاب الحدود
كِتَابُ الْحُدُودِ مدخل ... كتاب الحدود الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام، لِلَّذِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ: "ائْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِك"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَبِمَعْنَاهُ مَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" 1 حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ الْجَرْمِيِّ ثَنَا مَخْلَدٍ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَوَّلُ لعان فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ شَرِيكَ ابْنَ سَحْمَاءَ قَذَفَهُ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ بِامْرَأَتِهِ، فَرَفَعَتْهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرْبَعَةُ شُهُودٍ، وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِك"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنِّي لَصَادِقٌ، وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ عَلَيْك مَا يُبْرِئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آيَةَ اللِّعَانِ، وَلَاعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "اللِّعَانِ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ، أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ ابن سحماء، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْبَيِّنَةَ، وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِك"، الْحَدِيثَ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 فِي "اللِّعَانِ" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا، أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟! قَالَ: "نَعَمْ"، انْتَهَى. زَادَ فِي رِوَايَةٍ: قَالَ: كَلًّا، وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ، إنْ كُنْت لَأُعْجِلُهُ بِالسَّيْفِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْمَعُوا إلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ، إنَّهُ لَغَيُورٌ، وَإِنِّي أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي"، انْتَهَى. أَثَرٌ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ 3 - فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ" عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ خَيْبَرِيٍّ، وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، فَقَتَلَهُ، أَوْ قَتَلَهَا، فَأَشْكَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْقَضَاءُ فِيهِ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، فَسَأَلَ أَبُو مُوسَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إنَّ هَذَا لَشَيْءٌ مَا هُوَ بِأَرْضِي، عَزَمْت عَلَيْك لَتُخْبِرَنِّي! فَقَالَ أَبُو مُوسَى: كَتَبَ إلَيَّ فِي ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَبُو حَسَنٍ إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَالسَّتْرُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: لِمُسْلِمٍ: فِي "الْبِرِّ وَالصِّلَةِ" عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ: "لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، انْتَهَى. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْأَدَبِ"2، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الْحُدُودِ"، وَالنَّسَائِيُّ فِي "الرَّجْمِ" عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَشْتُمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، فَإِنَّ اللَّهَ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، غَرِيبٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ نَشِيطٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ كَثِيرٍ أَبِي الْهَيْثَمِ، مَوْلَى عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ رَأَى عَوْرَةً فَسَتَرَهَا، كَانَ كَمَنْ أَحْيَا مَوْءُودَةً"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مَاعِزًا أَتَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَرَّ عِنْدَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ، وَقَالَ لِهَزَّالٍ: "لَوْ سَتَرْته بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا لَك"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَصَحَّحَهُ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَيَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، وَأَبُوهُ نُعَيْمٌ ذَكَرَهُ فِي "الثِّقَاتِ" أَيْضًا، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ، فَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ صُحْبَتُهُ، فَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" 5 حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ بْنِ كَاسِبٍ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عُثْمَانَ الْجُمَحِيُّ ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام اسْتَفْسَرَ مَاعِزًا عَنْ الْكَيْفِيَّةِ وَالْمَزْنِيَّةِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 1 عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ قَالَ: كَانَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أَبِي، فَأَصَابَ جَارِيَةً مِنْ الْحَيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ مَا صَنَعْت، لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ لَك، قَالَ: فَأَتَاهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إلَى آخِرِهِ، إنَّ مَاعِزًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْت، فَأَقِمْ عَلِيَّ كِتَابَ اللَّهِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَعَادَ حَتَّى قَالَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ عليه السلام: "إنَّك قَدْ قُلْتهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَبِمَنْ؟ " قَالَ: بِفُلَانَةَ، قَالَ: "هَلْ ضَاجَعْتهَا؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "هَلْ بَاشَرْتهَا؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "هَلْ جَامَعْتهَا؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ، فَأُخْرِجَ إلَى الْحَرَّةِ، فَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ، خَرَجَ يَشْتَدُّ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٌ، وَقَدْ عَجَزَ أَصْحَابُهُ، فَنَزَعَ لَهُ بِوَظِيفِ بَعِيرٍ، فَرَمَاهُ بِهِ فَقَتَلَهُ. ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ أَنْ يَتُوبَ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ؟! "، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَرَوَى حَدِيثَ مَاعِزٍ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ فِيهِ: فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ فَرُجِمَ، فَلَمْ يُقْتَلْ حَتَّى رَمَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِلِحَى بَعِيرٍ، فَقَتَلَهُ، فَأَصَابَ رَأْسَهُ، الْحَدِيثَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: فِي الِاسْتِفْسَارِ عَنْ الْكَيْفِيَّةِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الصَّامِتِ ابْنِ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ الْأَسْلَمِيُّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ أَصَابَ امْرَأَةً حَرَامًا، أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ فَأَقْبَلَ فِي الْخَامِسَةِ، فَقَالَ: "أَنِكْتَهَا؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "حَتَّى غَابَ ذَلِكَ مِنْك، فِي ذَلِكَ مِنْهَا؟ " قَالَ: نَعَمْ، "كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ، والرشاد فِي الْبِئْرِ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا؟ " قَالَ: نَعَمْ، أَتَيْت مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ حَلَالًا، قَالَ: "فَمَا تُرِيدُ بِهَذَا الْقَوْلِ؟ " قَالَ: أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اُنْظُرْ إلَى هَذَا الَّذِي سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَدَعْهُ نَفْسُهُ حَتَّى رُجِمَ رَجْمَ الْكَلْبِ، فَسَكَتَ عَنْهُمَا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً حَتَّى مَرَّ بِجِيفَةِ حِمَارٍ شَائِلٍ بِرِجْلِهِ، فَقَالَ: "أَيْنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ؟ " فَقَالَا: نَحْنُ ذَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "انْزِلَا فَكُلَا مِنْ جِيفَةِ هَذَا الْحِمَارِ"، قَالَا: وَمَنْ يَأْكُلُ مِنْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: "فَمَا نِلْتُمَا مِنْ عِرْضِ أَخِيكُمَا
آنِفًا أَشَدُّ مِنْ أَكْلٍ مِنْهُ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهُ الْآنَ لَفِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ يَنْغَمِسُ فِيهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" كَذَلِكَ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هَضَّاضٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْهَضَّاضِ ابْنِ أَخِي أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ هُوَ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الصَّامِتِ، وَقَالَ فِيهِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْهَضَّاضِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الصَّامِتِ: لَا أَرَاهُ مَحْفُوظًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ابْنُ الْهَضَّاضِ أَصَحُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "ادرءُوا الحدود ما استطعتم". قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ 1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهَا مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَيَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَهُوَ أَصَحُّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ يَزِيدَ بِهِ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، فَقَالَ: يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ فِيهِ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "عِلَلِهِ الْكَبِيرِ": قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، ذَاهِبٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا" مَرْفُوعًا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْمَوْقُوفُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ مُخْتَارٍ التَّمَّارِ عَنْ أَبِي مَطَرٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "ادْرَءُوا الْحُدُودَ"، انْتَهَى. وَمُخْتَارٌ التَّمَّارُ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ أَبِي إسْرَائِيلَ ثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْفَضْلِ الْمَخْزُومِيُّ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" 1 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَرَّاحِ ثَنَا وَكِيعٌ بِهِ مَرْفُوعًا: ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا وَجَدْتُمْ لَهَا مَدْفَعًا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبَسَ رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ نُبَيْشَةَ. فَحَدِيثُ مُعَاوِيَةَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 2 فِي "الْقَضَاءِ"، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الدِّيَاتِ"، وَالنَّسَائِيُّ فِي "السَّرِقَةِ" عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبَسَ رَجُلًا فِي تُهْمَةٍ، زَادَ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، قَالَ: وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَيَأْتِي بَعْدُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ الْوَهَمُ وَالْإِيهَامُ": اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، فَحَكَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ شَيْخٌ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَعَنْ أَبِي زُرْعَةَ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: صَالِحٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ، وَجَعَلَهُ الْحَاكِمُ فِي أَقْسَامِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَقَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ، لَا يُحْتَجُّ بِهِ، لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَبَهْزٌ ثِقَةٌ عِنْدَ مَنْ عَلِمَهُ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ الْجَارُودِ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ رِوَايَتَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: رَوَى عَنْهُ ثقات الناس: كالزهري، روى عَنْهُ حَدِيثَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ أَرَ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا، وَأَرْجُو أَنَّهُ إذَا حَدَّثَ عَنْهُ ثِقَةٌ، فَلَا بَأْسَ بِحَدِيثِهِ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ السَّبْتِيُّ: إسْنَادُ بَهْزٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ صَحِيحٌ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: سَأَلْت ابْنَ مَعِينٍ، هَلْ رَوَى شُعْبَةُ عَنْ بَهْزٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَوَى عَنْهُ حَدِيثَ: "أَتَرْعَوْنَ عَنْ ذِكْرِ الْفَاجِرِ"، وَقَدْ كَانَ شُعْبَةُ مُتَوَقِّفًا عَنْهُ، فَلَمَّا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ كَتَبَهُ، وَأَبْرَأَهُ مِمَّا اتَّهَمَهُ بِهِ، قُلْت: فَكَمْ لَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ؟ قَالَ: أَحَادِيثُ، قُلْت لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: مَا تَقُولُ فِي بَهْزٍ؟ قَالَ: سَأَلْت غُنْدَرًا عَنْهُ، فَقَالَ: كان شعبة مسّه، لم يُبَيِّنْ مَعْنَاهُ، فَكَتَبْت عَنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ3. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4، وَالْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَأَبُو يَعْلَى عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ خُثَيْمِ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبَسَ رَجُلًا
فِي تُهْمَةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً اسْتِظْهَارًا، أَوْ احْتِيَاطًا، انْتَهَى. سَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، فَقَالَ: إبْرَاهِيمُ بْنُ خُثَيْمِ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "عِلَلِهِ الْكَبِيرِ": كَانَ إبْرَاهِيمُ بْنُ خُثَيْمِ كَالْمَجْنُونِ، يَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ، وَضَعَّفَهُ جِدًّا، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابَيْهِمَا" عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ زَكَرِيَّا الْوَاسِطِيِّ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبَسَ رَجُلًا فِي تُهْمَةٍ، انْتَهَى. قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: إبْرَاهِيمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْوَاسِطِيُّ مَجْهُولٌ، وَحَدِيثُهُ خَطَأٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ: إبْرَاهِيمُ بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "كِتَابِ الضُّعَفَاءِ": رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْوَاسِطِيُّ، وَهُوَ يَرْوِي أَشْيَاءَ مَوْضُوعَةً، وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَهُوَ مِمَّا يَتَفَرَّدُ بِهِ مَعْمَرٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ نُبَيْشَةَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ" 1 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ ذَكْوَانَ الْبَصْرِيُّ ثَنَا أَبُو هَمَّامٍ الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَازِمِيُّ عَنْ الْمُعَلَّى بْنِ رَاشِدٍ عَنْ جَدَّتِهِ عَنْ نُبَيْشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ، انْتَهَى. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرْنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي غِفَارٍ حَتَّى نَزَلَا مَنْزِلًا بِضَجَنَانَ، مِنْ مِيَاهِ الْمَدِينَةِ، وَعِنْدَهُمَا نَاسٌ مِنْ غَطَفَانَ، مَعَهُمْ ظَهْرٌ لَهُمْ، فَأَصْبَحَ الْغَطَفَانِيُّونَ، وَقَدْ فَقَدُوا بَعِيرَيْنِ مِنْ إبِلِهِمْ، فَاتَّهَمُوا الْغِفَارِيِّينَ، فَأَتَوْا بِهِمْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرُوا لَهُ أَمْرَهُمْ، فَحَبَسَ أَحَدَ الْغِفَارِيِّينَ، وَقَالَ لِلْآخَرِ: " اذْهَبْ فَالْتَمِسْ"، فَلَمْ يَكُ يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ بِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَحَدِ الْغِفَارِيِّينَ - حَسِبْت أَنَّهُ قَالَ لِلْمَحْبُوسِ -: اسْتَغْفِرْ لِي، فَقَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ عليه السلام: "وَلَك، وَقَتَلَك فِي سَبِيلِهِ"، قَالَ: فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ فِي الْبَابِ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 2 عن بقية بن صفوان عن عَمْرٍو عَنْ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ قَوْمًا سُرِقَ لَهُمْ مَتَاعٌ، فَاتَّهَمُوا أُنَاسًا مِنْ الْحَاكَّةِ، فَأَتَوْا النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، صَاحِبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَبَسَهُمْ أَيَّامًا، ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُمْ، فَأَتَوْا النُّعْمَانَ، فَقَالُوا: خَلَّيْت سَبِيلَهُمْ بِغَيْرِ ضَرْبٍ، وَلَا امْتِحَانٍ،
فَقَالَ النُّعْمَانُ: إنْ شِئْتُمْ ضَرَبْتهمْ، فَإِنْ خَرَجَ مَتَاعُكُمْ فَذَاكَ، وإلا أخذت من ظهورهم مِثْلَهُ، فَقَالُوا: هَذَا حُكْمُك؟ قَالَ: هَذَا حُكْمُ اللَّهِ، وَحُكْمُ رَسُولِهِ، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": أَحْسَنُ حَدِيثِ بَقِيَّةَ مَا كَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ أَنَّهُ عليه السلام أَخَّرَ إقَامَةَ الْحَدِّ، إلَى أَنْ تَمَّ الْإِقْرَارُ مِنْهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، قُلْت: أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَنَادَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي زَنَيْت، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْت، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، حَتَّى ثَنَّى ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أَبْكِ جُنُونٌ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "فَهَلْ أُحْصِنْت؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ"، فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ، فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ، فَرَجَمْنَاهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: رَأَيْت مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ جِيءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلٌ قَصِيرٌ أَعْضَلُ لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ زَنَى، فَقَالَ عليه السلام، "فَلَعَلَّك كَذَا؟ " قَالَ: لَا وَاَللَّهِ، إنَّهُ قَدْ زَنَى، قَالَ: فَرَجَمَهُ، ثُمَّ خَطَبَ، فَقَالَ: " أَلَا كُلَّمَا نَفَرْنَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَخَلَّفَ أَحَدُهُمْ، لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التيس، يمنح إحداهن الكبثة، أَمَا وَاَللَّهِ إنْ يُمَكِّنِّي من أحدهم لأنكلته"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا 3 عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، فَقَالَ: "أَحَقٌّ مَا بَلَغَنِي عَنْك؟ " قَالَ: وَمَا بَلَغَك عَنِّي؟ قَالَ: "بَلَغَنِي أَنَّك فَجَرْت بِأَمَةِ آلِ فُلَانٍ؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَرَدَّهُ حَتَّى شَهِدَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِرَجْمِهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا 4 عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْت، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي، فَقَالَ عليه السلام: "ارْجِعْ"، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَتَاهُ أَيْضًا فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ بِالزِّنَا، فَقَالَ لَهُ: "ارْجِعْ"، ثُمَّ عَادَ الثَّالِثَةَ، فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ بِالزِّنَا، ثُمَّ رَجَعَ الرَّابِعَةَ فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحُفِرَ لَهُ حُفْرَةٌ، فَجُعِلَ فِيهَا إلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهُ، قَالَ بُرَيْدَةَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَصْحَابَ نَبِيِّ اللَّهِ أَنَّ مَاعِزًا لَوْ جَلَسَ فِي رَحْلِهِ بَعْدَ اعْتِرَافِهِ
ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَطْلُبْهُ، وَإِنَّمَا رَجَمَهُ عِنْدَ الرَّابِعَةِ، انْتَهَى. وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد1، وَالنَّسَائِيُّ فِيهِ: قَالَ: كُنَّا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْغَامِدِيَّةَ، وَمَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ لَوْ رَجَعَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِمَا لَمْ يَطْلُبْهُمَا، وَإِنَّمَا رَجَمَهُمَا بَعْدَ الرَّابِعَةِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْتَرَفَ بِالزِّنَا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ اعْتَرَفَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، حَتَّى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "أَبِكَ جُنُونٌ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "هَلْ أُحْصِنْت؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، زَادَ الْبُخَارِيُّ: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا، وَصَلَّى عَلَيْهِ، انْتَهَى. أَخْرَجَاهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، وَسَيَأْتِي فِي "حَدِيثِ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَامِدِيَّةِ". حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ فِي حِجْرِ أَبِي، فَأَصَابَ جَارِيَةً مِنْ الْحَيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبِرْهُ بِمَا صَنَعْت، لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ لَك، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَخْرَجٌ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْت فَأَقِمْ عَلِيَّ كِتَابَ اللَّهِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، إلَى أَنْ أَتَاهُ الرَّابِعَةَ، فَقَالَ لَهُ: " إنَّك قَدْ قُلْتهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَبِمَنْ؟ قَالَ: بِفُلَانَةَ، قَالَ: هَلْ ضَاجَعْتهَا، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ بَاشَرْتهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ جَامَعَتْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ"، فَوَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ، فَخَرَجَ يَشْتَدُّ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٌ، فَنَزَعَ لَهُ بِوَظِيفِ بَعِيرٍ، فَقَتَلَهُ، وَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَزَادَ فِيهِ أَحْمَدُ: قَالَ هِشَامٌ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بن معين عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ حِينَ رَآهُ: "وَاَللَّهِ يَا هَزَّالُ لَوْ كُنْت سَتَرْته بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا لَك مِمَّا صَنَعْت بِهِ"، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": إسْنَادُهُ صَالِحٌ، وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ مِنْ قَبْلِ حِفْظِهِ، وَيَزِيدُ بن معين رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثقات"، وأبوه نُعَيْمٍ ذَكَرَهُ فِي "الثِّقَاتِ" أَيْضًا، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ، فَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ صُحْبَتُهُ، فَآخِرُ هَذَا الْحَدِيثِ مُرْسَلٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" 4 حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ
عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُغِيرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمِقْدَامِ عَنْ ابْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: "إنَّهُ زَنَى، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ ثَنَّى، ثُمَّ ثَلَّثَ، ثُمَّ رَبَّعَ، فَأَمَرَنَا فَحَفَرْنَا لَهُ، فَرُجِمَ"، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَحَجَّاجٌ فِيهِ كَلَامٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ هُوَ الطَّائِفِيُّ، وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَرَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمِقْدَامِ بْنُ الْمُوَرِّدِ طَائِفِيٌّ أَيْضًا، لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِجَرْحٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ1، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا"، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حدثنا وَكِيعٍ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَرَفَ، وَأَنَا عِنْدَهُ مَرَّةً، فَرَدَّهُ، ثُمَّ جَاءَ فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ الثَّانِيَةَ، فَرَدَّهُ، ثُمَّ جَاءَ، فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ الثَّالِثَةَ، فَرَدَّهُ، قَالَ: فَقُلْت لَهُ: إنْ اعْتَرَفْت الرَّابِعَةَ رَجَمَك، قَالَ: فَاعْتَرَفَ الرَّابِعَةَ فَحَبَسَهُ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ، فقال: لَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: فِيهِ حَدِيثُ الْعَسِيفِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا: إنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْشُدُك اللَّهَ إلَّا قَضَيْت لِي بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ الْخَصْمُ الْآخَرُ، وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ: نَعَمْ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَأْذَنْ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُلْ "، قَالَ: إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّي أُخْبِرْت أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فافتديت منه مائة شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْت أَهْلَ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبَ علم، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ عَلَيْك، وَعَلَى ابْنِك جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا"، قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَتْ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا3: وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً، وَغَرَّبَهُ عَامًا، قَالُوا: فَعَلَّقَ رَجْمَهَا بِاعْتِرَافِهَا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْأَرْبَعَ. حَدِيثٌ آخَرُ: وَهُوَ حَدِيثُ الْغَامِدِيَّةِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 4 عَنْ بُرَيْدَةَ فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ، قَالَ: أَتَتْ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنْ الْأَزْدِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي، قَالَ: "وَيْحَكِ ارْجِعِي، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَتُوبِي"، قَالَتْ: أَتُرِيدُ أَنْ ترددني، كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا؟ قَالَ: "وَمَا ذَاكَ"، قَالَتْ: إنِّي حُبْلَى مِنْ الزِّنَا،
فَقَالَ لَهَا: " حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِك"، قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: قَدْ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ، قَالَ: "إذًا لَا نَرْجُمُهَا، وَنَدْعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا، لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ"، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: إلَيَّ رَضَاعَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَرَجَمَهَا، انْتَهَى. قَالُوا: وَلَيْسَ فِيهِ إقْرَارُهَا أَرْبَعَ مرات، قالوا: وإنما ردد النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، لِأَنَّهُ عليه السلام ظَنَّ أَنَّ فِي عَقْلِهِ شَيْئًا، لَا لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ، قَالُوا: وَقَدْ جَاءَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ1، قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَصِيرٍ أَشْعَثَ ذِي عضلاة، عَلَيْهِ إزَارٌ، وَقَدْ زَنَى، فَرَدَّهُ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ اعْتَرَفَ بِالزِّنَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالُوا: وَهَذَا يُضْعِفُ الْقَوْلَ بِاشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ، وَالْجَوَابُ: أَمَّا حَدِيثُ الْعَسِيفِ، فَمَعْنَاهُ: " وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ"، الِاعْتِرَافَ الْمَعْهُودَ بِالتَّرَدُّدِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْغَامِدِيَّةِ: فَالرَّاوِي قَدْ يَخْتَصِرُ الْحَدِيثَ، ولا يلزم عن عَدَمِ الذِّكْرِ عَدَمُ الْوُقُوعِ، وَأَيْضًا فَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ رَدَّهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ سُلَيْمٍ ثَنَا شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ أَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَهُوَ يَرُدُّهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: " اذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي"، الْحَدِيثَ، وَيُرَاجَعُ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ عليه السلام ردد مَاعِزًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ بِعَقْلِهِ شَيْئًا، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُ عليه السلام سَأَلَ عَنْ عَقْلِهِ بعد اعتراف الرَّابِعَةَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَدِيثِ جَابِرٍ الْمُخَرَّجَيْنِ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، فَلَوْ كَانَ تَكْرَارُ الْأَرْبَعَةِ إنَّمَا هُوَ لِاخْتِبَارِ عَقْلِهِ، لَمَا كَانَ فِي السُّؤَالِ عَنْهُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ فَائِدَةٌ، وَكَيْفَ! وَقَدْ رَدَّهُ عليه السلام بَعْدَ أَنْ أُخْبِرَ بِعَقْلِهِ، كَمَا أَوْرَدَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، أَنَّ مَاعِزًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ مِنْ الْغَدِ، فَرَدَّهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إلَى قَوْمِهِ، "هَلْ تَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا؟ " فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إلَّا وَفِي الْعَقْلِ، مِنْ صَالِحِينَا، فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ أَيْضًا، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا بِعَقْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً وَرَجَمَهُ، مُخْتَصَرٌ. فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَرْبَعَةَ مُعْتَبَرَةٌ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد فِي حَدِيثِ هَزَّالٍ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ لِمَاعِزٍ: " إنَّك قَدْ قُلْتهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: "إنَّك شَهِدْت عَلَى نَفْسِك أَرْبَعَ مَرَّاتٍ"2، وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: "أَلَيْسَ أَنَّك قَدْ قُلْتهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ؟ " فَرَتَّبَ الرَّجْمَ عَلَى الْأَرْبَعِ، وَإِلَّا فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ قَالَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ" عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ اعْتِرَافِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: إنْ اعْتَرَفَتْ الرَّابِعَةَ رَجَمَك، وَهَذَا أَصْرَحُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ، لَوْلَا أَنَّ في إسناده جابر الْجُعْفِيَّ،
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ وَرَدَ فِي "الصَّحِيحِ" أَنَّهُ رَدَّهُ مَرَّتَيْنِ، وَثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ رَدَّهُ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ مَرَّتَيْنِ، وَاخْتَصَرَ الرَّاوِي مِنْهَا مَرَّتَيْنِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ فَاعْتَرَفَ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ، ثُمَّ قَالَ: رُدُّوهُ، فَاعْتَرَفَ مَرَّتَيْنِ، حَتَّى اعْتَرَفَ أَرْبَعًا، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ، فَارْجُمُوهُ، انْتَهَى. فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمَرَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي "الصَّحِيحِ" هُمَا مِنْ الْأَرْبَعِ، وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ الثَّلَاثِ، أَيْ مَعَهَا رَابِعَةٌ، وَتَتَّفِقُ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام طَرَدَ مَاعِزًا فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَتَّى تَوَارَى عَلَيْهِ بِحِيطَانِ الْمَدِينَةِ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَبِمَعْنَاهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنَّ الْأَبْعَدَ زَنَى، فَقَالَ لَهُ: " وَيْلَك، وَمَا يُدْرِيكَ مَا الزِّنَا؟ " فَأَمَرَ بِهِ، فَطُرِدَ، وَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَمَرَ بِهِ، فَطُرِدَ، وَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَمَرَ بِهِ، فَطُرِدَ، وَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَتَاهُ الرَّابِعَةَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: " أَدْخَلْت وَأَخْرَجْت؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ، مُخْتَصَرٌ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام لِمَاعِزٍ: " لَعَلَّك مَسَسْتَهَا، أَوْ قَبَّلْتهَا؟ "، قُلْت: رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 2 عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الْعَدَنِيِّ ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَاعِزًا أَتَى إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ لَهُ: إنِّي أَصَبْت فَاحِشَةً، فَمَا تَأْمُرُنِي؟ فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْتَغْفِرَ لَك، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ: "لَعَلَّك قَبَّلْتهَا؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "فَمَسَسْتهَا؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "فَفَعَلْت بِهَا كَذَا، أَوْ لَمْ تَكُنْ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" فَقَالَ: وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْعَدَنِيُّ ضَعَّفُوهُ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ 3 بِلَفْظِ: "لَعَلَّك قَبَّلْت، أَوْ غَمَزْت، أَوْ نَظَرْت؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "أَفَنِكْتَهَا؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ، انْتَهَى. وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي "مُسْنَدِهِ": " لَعَلَّك قَبَّلْت، أَوْ لَمَسْت، أَوْ نَظَرْت"، الْحَدِيثَ.
فَصْلٌ الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام رَجَمَ مَاعِزًا، وَقَدْ أُحْصِنَ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ لَهُ: هَلْ أُحْصِنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ عليه السلام: " اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ"، وَلِلْبُخَارِيِّ 1 عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لَهُ: " أَبِكَ جُنُونٌ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "هَلْ أُحْصِنْتَ؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ، فَرُجِمَ بِالْمُصَلَّى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ: "وزنى بَعْدَ إحْصَانٍ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَأَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ 2 فِي "الْفِتَنِ" وَالنَّسَائِيُّ فِي "تَحْرِيمِ الدَّمِ"، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الْحُدُودِ" عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَسْعَدَ بْنِ سَهْلٍ أَبِي أُمَامَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الدَّارِ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاَللَّهِ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلا بإِحدى ثلاث: زنى بَعْدَ إحْصَانٍ، وَارْتِدَادٍ بَعْدَ إسْلَامٍ، وَقَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ؟ " قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: فَعَلَامَ تَقْتُلُونِي، الْحَدِيثَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَرَفَعَهُ، وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَغَيْرُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَوَقَفُوهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "عِلَلِهِ الْكُبْرَى": سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، فَرَفَعَهُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا بِهِ دَاوُد بْنُ شَبِيبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ مَرْفُوعًا، قَالَ أَبُو عِيسَى: وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ مَرْفُوعًا، حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَرَوَوْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مَوْقُوفًا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ بِسَنَدِ السُّنَنِ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ فِي "الْحُدُودِ"، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئِ مُسْلِمٍ إلَّا مِنْ إحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٍ بَعْدَ إيمان، وزنى بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ"، انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ 1 - فِي كِتَابِ الْجِرَاحِ" وَهُوَ الْقِصَاصُ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ، رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، بِلَفْظِ الشَّافِعِيِّ سَوَاءٌ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: "أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ مُتَعَمِّدًا، فَيُقْتَلُ بِهِ"، قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عُثْمَانَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ 2 - أَوَّلَ الْحُدُودِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْبَاهِلِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئِ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ، فَإِنَّهُ يُرْجَمُ، وَرَجُلٌ خَرَجَ مُحَارِبًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ، أَوْ يُصْلَبُ، أَوْ يُنْفَى فِي الْأَرْضِ، وَرَجُلٌ قَتَلَ نَفْسًا، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهَا"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 3 عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا قِلَابَةَ مَا يَقُولُ فِي الْقَسَامَةِ، فَذَكَرَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: قَالَ أَبُو قِلَابَةَ، فَقُلْت: وَاَللَّهِ مَا قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا قَطُّ إلَّا فِي إحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: "رَجُلٌ قَتَلَ بِجَرِيرَةِ نَفْسِهِ، فَقُتِلَ، أَوْ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ رَجُلٌ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ"، الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ، وَفِي لَفْظٍ، قَالَ: "مَا عَلِمْت نَفْسًا حَلَّ قَتْلُهَا فِي الْإِسْلَامِ، إلَّا رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ"، الْحَدِيثَ. وَمَعْنَى الْحَدِيثِ فِي "الْكُتُبِ السِّتَّةِ" 4 أَخْرَجُوهُ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ، الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ"، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَعَلَى ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، قُلْت: رَوَى الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 5 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةَ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا، وَوَعَيْنَاهَا، وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَجَمْنَا مِنْ بَعْدِهِ، وَإِنِّي حَسِبْت إنْ طَالَ بِالنَّاسِ الزَّمَانُ، أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، فَالرَّجْمُ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إذَا كَانَ مُحْصَنًا، إنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ حَمْلٌ،
أَوْ اعْتِرَافٌ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَكَتَبْتُهَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 1 عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ - حِينَ رَجَمَ الْمَرْأَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ - قَالَ: رَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِي سَمَاعِ الشَّعْبِيِّ مِنْ عَلِيٍّ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ، مَعَ أَنَّ سِنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِإِدْرَاكِ عَلِيٍّ، فَإِنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قُتِلَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ، وَالشَّعْبِيُّ - إنْ صَحَّ عُمْرُهُ - كَانَ إذْ مَاتَ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَمَوْتُهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ، كَمَا قَالَ مُجَالِدٌ: فَقَدْ كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ، فَيَكُونُ إذْ قُتِلَ عَلِيٌّ ابْنَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَامًا، وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ، أَوْ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَةٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ قِيلَ: فَقَدْ زَادَ عَامٌ، أَوْ نَقَصَ عَامٌ، وَإِنْ صَحَّ أَنَّ سِنَّهُ كَانَ يوم مات سبعاً وسبعون، كَمَا قَدْ قِيلَ فِيهِ أَيْضًا: نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ، فَيَكُونُ ابْنَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَإِنْ صَحَّ أَنَّهُ مَاتَ ابْنَ سَبْعِينَ سَنَةً، كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُد، فَقَدْ صَغُرَ سِنُّهُ عَنْ التَّحَمُّلِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ سَمَاعُهُ مِنْ عَلِيٍّ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ، سَمِعَ الشَّعْبِيُّ مِنْ عَلِيٍّ؟ قَالَ: سَمِعَ مِنْهُ حَرْفًا، مَا سَمِعَ غَيْرَ هَذَا، ذَكَرَهُ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"، وَحَدِيثُهُ عَنْهُ قَلِيلٌ مُعَنْعَنٌ، فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا، لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ، وَحَدِيثُهُ فِي رجم المحصنة، ومنهم ما يُدْخِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيٍّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَفِيهِ أَنَّهُ كَانَ حَاضِرَ الْوَاقِعَةِ، وَكَانَ فِيمَنْ رَجَمَ شُرَاحَةَ، وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا. قَوْلُهُ: وَيَبْتَدِئُ الشُّهُودُ بِرَجْمِهِ، ثُمَّ الْإِمَامُ، ثُمَّ النَّاسُ، كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا ابْتَدَأَ الْإِمَامُ النَّاسَ، كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: جِيءَ بِشُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةِ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهَا: لَعَلَّ رَجُلًا وَقَعَ عَلَيْك، وَأَنْتِ نَائِمَةٌ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: لَعَلَّهُ اسْتَكْرَهَك؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: لَعَلَّ زَوْجَك مِنْ هَؤُلَاءِ، فَأَنْتِ تَكْتُمِينَهُ؟ يُلَقِّنُهَا، لَعَلَّهَا تَقُولُ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهَا فَحُبِسَتْ، فَلَمَّا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا أَخْرَجَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَضَرَبَهَا مِائَةً، وَحَفَرَ لَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الرَّحْبَةِ، وَأَحَاطَ النَّاسُ بِهَا، وَأَخَذُوا الْحِجَارَةَ، فَقَالَ: لَيْسَ هَكَذَا الرَّجْمُ، إذًا يُصِيبُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، صُفُّوا كَصَفِّ الصَّلَاةِ، صَفًّا خَلْفَ صَفٍّ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّمَا امْرَأَةٍ جِيءَ بِهَا، وَبِهَا حَبَلٌ، أَوْ اعْتَرَفَتْ، فَالْإِمَامُ أَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ، ثُمَّ النَّاسُ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ جِيءَ بِهَا، أَوْ رَجُلٍ زَانٍ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا، فَالشُّهُودُ أَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ، ثُمَّ النَّاسُ، ثُمَّ رَجَمَهَا، ثُمَّ أَمَرَهُمْ، فَرَجَمَ صَفٌّ، ثُمَّ صَفٌّ، ثُمَّ صَفٌّ، ثُمَّ قَالَ: افْعَلُوا بِهَا مَا تَفْعَلُونَ بِمَوْتَاكُمْ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ لِشُرَاحَةَ زَوْجٌ غَائِبٌ بِالشَّامِ، وَأَنَّهَا حَمَلَتْ فَجَاءَ بها مولاها إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ زَنَتْ، فَاعْتَرَفَتْ، فَجَلَدَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَحَفَرَ لَهَا إلَى السُّرَّةِ، وَأَنَا شَاهِدٌ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ الرَّجْمَ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ كَانَ شَهِدَ عَلَى هَذِهِ أَحَدٌ لَكَانَ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي الشَّاهِدُ، يَشْهَدُ، ثُمَّ يَتْبَعُ شَهَادَتَهُ حَجَرُهُ، وَلَكِنَّهَا أَقَرَّتْ، فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَرْمِيهَا، فَرَمَاهَا بِحَجَرٍ، ثُمَّ رَمَى النَّاسُ، وَأَنَا فِيهِمْ، قَالَ: فَكُنْت وَاَللَّهِ فِيمَنْ قَتَلَهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ عَلِيًّا كَانَ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ الشُّهُودُ عَلَى الزِّنَا، أَمَرَ الشُّهُودَ أَنْ يَرْجُمُوا، ثُمَّ رَجَمَ هُوَ، ثُمَّ رَجَمَ النَّاسُ، وَإِذَا كَانَ بِإِقْرَارٍ بَدَأَ هُوَ فَرَجَمَ، ثُمَّ رَجَمَ النَّاسُ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ الزِّنَا زِنَاءَانِ: زِنَا سِرٍّ، وَزِنَا عَلَانِيَةٍ، فَزِنَا السِّرِّ أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ، فَيَكُونَ الشُّهُودُ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي، ثُمَّ الْإِمَامُ، ثُمَّ النَّاسُ، وَزِنَا الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَظْهَرَ الْحَبَلُ، أَوْ الِاعْتِرَافُ، فَيَكُونَ الْإِمَامُ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي، قَالَ: وَفِي يَدِهِ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ، فَرَمَاهَا بِحَجَرٍ، فَأَصَابَ صِمَاخَهَا، فَاسْتَدَارَتْ،، وَرَمَى النَّاسُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: وَرَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَامِدِيَّةَ بِحَصَاةٍ، مِثْلِ الْحِمَّصَةِ، وَكَانَتْ قَدْ اعْتَرَفَتْ بِالزِّنَا، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ زَكَرِيَّا أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: سَمِعْت شَيْخًا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ امْرَأَةً، فَحَفَرَ لَهَا إلَى الثَّنْدُوَةِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَحَدَّثْت عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ سُلَيْمٍ أَبُو عِمْرَانَ بِإِسْنَادِهِ نَحْوُهُ، وَزَادَ: ثُمَّ رَمَاهَا بِحَصَاةٍ مِثْلِ الْحِمَّصَةِ، قَالَ: "ارْمُوا وَاتَّقُوا الْوَجْهَ"، فَلَمَّا طُفِئَتْ أَخْرَجَهَا، فَصَلَّى عَلَيْهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "الرَّجْمِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ عَنْ حِبَّانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي عِمْرَانَ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت شَيْخًا يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِتَمَامِهِ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، قَالَ الْبَزَّارُ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَمَّى هَذَا الشَّيْخَ، وَتُرَاجَعُ أَلْفَاظُهُمْ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ النَّسَائِيّ، وَلَمْ يُعِلَّهُ بِغَيْرِ الِانْقِطَاعِ. الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ فِي مَاعِزٍ: "اصْنَعُوا بِهِ كَمَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ"،
قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ" حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ علقمة بن مرصد عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: لَمَّا رُجِمَ مَاعِزٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: "اصْنَعُوا بِهِ مَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ، مِنْ الْغُسْلِ، وَالْكَفَنِ، وَالْحَنُوطِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ " انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على الغامدية بعد ما رُجِمَتْ، قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ 1 - إلَّا الْبُخَارِيَّ - مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ حُبْلَى مِنْ الزِّنَا، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيَّهَا، فَقَالَ: أَحْسِنْ إلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا، فَفَعَلَ، فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَقَدْ زَنَتْ؟ فَقَالَ: " لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْت تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ؟ "، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ مُشْتَمِلًا عَلَى قِصَّةِ مَاعِزٍ، وَالْغَامِدِيَّةِ مَعًا، وَفِيهِ: ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصُلِّيَ عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ، وَفِيهِ بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": لَيْسَ لَهُ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: منكر الحديث، يجئ بِالْعَجَائِبِ، مُرْجِئٌ، مُتَّهَمٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَلَا عَيْبَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي إخْرَاجِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ أَتَى بِهِ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ، لِيُبَيِّنَ اطِّلَاعَهُ عَلَى طُرُقِ الْحَدِيثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ الصَّلَاةِ عَلَى مَاعِزٍ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ 2 - فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ" حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَ قِصَّةَ مَاعِزٍ، وَفِي آخِرِهِ: ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا، وَصَلَّى عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": قِيلَ لِلْبُخَارِيِّ: قَوْلُهُ: وَصَلَّى عَلَيْهِ، قَالَهُ غَيْرُ مَعْمَرٍ؟ قَالَ: لَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد 3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ، وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "الْجَنَائِزِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، وَمُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، وَنُوحِ بْنِ حَبِيبٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ، وَقَالُوا فِيهِ كُلُّهُمْ: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": وَقَدْ أَعَلَّ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ بِأَنَّ مَحْمُودَ بْنَ غَيْلَانَ شَيْخَ الْبُخَارِيِّ، تَفَرَّدَ بِهَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَدْ خَالَفَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ جَمَاعَةٌ: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَنُوحُ بْنُ حَبِيبٍ، وَحُمَيْدَ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَحْمَدُ بن منصور الرمادي، وإسحاق بن إبراهيم الدبري، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ، قَالَ: فَهَؤُلَاءِ ثَمَانِيَةٌ، قَدْ خَالَفُوا مَحْمُودَ بْنَ غَيْلَانَ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَفِيهِمْ هَؤُلَاءِ الْحُفَّاظُ: إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَحُمَيْدَ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَحَدِيثُ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْلِمٍ"1، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَهُ، وَأَحَالَ عَلَى حَدِيثِ عُقَيْلٍ قَبْلَهُ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الصَّلَاةِ، قَالَ: وَإِذَا حُمِلَتْ الصَّلَاةُ فِي حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ عَلَى الدُّعَاءِ اتَّفَقَتْ الْأَحَادِيثُ - يَعْنِي حَدِيثَ مَاعِزٍ، وَالْغَامِدِيَّةِ - انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ أَبُو قُرَّةَ الزَّبِيدِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ رَجْمِ مَاعِزٍ، وَطَوَّلَ فِي الْأُولَيَيْنِ، حَتَّى كَادَ النَّاسُ يَعْجِزُونَ مِنْ طُولِ الصَّلَاةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَلَمْ يُقْتَلْ، حَتَّى رَمَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِلِحَى بَعِيرٍ، فَأَصَابَ رَأْسَهُ، فَقَتَلَهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ، مُخْتَصَرٌ. وَهَذَا اللَّفْظُ يُبْعِدُ تَأْوِيلَ الصَّلَاةِ بِالدُّعَاءِ، لِأَنَّ النَّاسَ صَلَّوْا عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ، وَعَطْفُ النَّاسِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُشْعِرٌ بِأَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَصَلَاتِهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ حَدَّثَنِي نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ عَلَى مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" بِأَنَّ فِيهِ مَجَاهِيلَ، وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: مَا نَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَى أَحَدٍ، إلَّا عَلَى الْغَالِّ، وَقَاتِلِ نَفْسِهِ، قَالَ: وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ، فَصَلَاتُهُ عَلَى الْغَامِدِيَّةِ كَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 3 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مالك أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنَّهُ زَنَى، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي " الْخُلَاصَةِ ": إسْنَادُهُ صَحِيحٌ , وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا , قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ رِوَايَةَ
الْإِثْبَاتِ مُقَدَّمَةٌ، لِأَنَّهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ، أَوْ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُصَلِّ هُوَ بِنَفْسِهِ عَلَيْهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ كَسَرَ ثَمَرَةَ السَّوْطِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ حَنْظَلَةَ السَّدُوسِيِّ، قَالَ: سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ يُؤْمَرُ بِالسَّوْطِ، فَيُقْطَعُ ثَمَرَتُهُ، ثُمَّ يُدَقُّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، حَتَّى يَلِينَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِهِ، قُلْنَا لِأَنَسٍ: فِي زَمَانِ مَنْ كَانَ هَذَا؟ قَالَ: فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مَاجِدٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ بِابْنِ أَخٍ لَهُ إلَيْهِ، فَقَالَ: إنَّهُ سَكْرَانُ، فَقَالَ: تَرْتِرُوهُ، وَمَزْمِزُوهُ، وَاسْتَنْكِهُوهُ، فَفَعَلُوا، فَرَفَعَهُ إلَى السِّجْنِ، ثُمَّ عَادَ بِهِ مِنْ الْغَدِ، وَعَادَ بِسَوْطٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِثَمَرَتِهِ فَدُقَّتْ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، حَتَّى صَارَتْ دُرَّةً، ثُمَّ قَالَ لِلْجَلَّادِ: اجْلِدْ، وَأَرْجِعْ يَدَك، وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ": أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْت حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَوْطٍ شَدِيدٍ لَهُ ثَمَرَةٌ، فَقَالَ: "سَوْطٌ دُونَ هَذَا"، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ لَيِّنٍ، فَقَالَ: "سَوْطٌ فَوْقَ هَذَا"، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ بَيْنَ سَوْطَيْنِ، فَقَالَ: "هَذَا"، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ أَصَابَ حَدًّا، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" 1 قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَوْطٍ، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ، فَقَالَ: "فَوْقَ هَذَا"، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ يُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ، فَقَالَ: "بَيْنَ هَذَيْنِ"، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِّبَ بِهِ وَلَانَ، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، ثُمَّ قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَةِ شَيْئًا، فَلْيَسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ، نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ"، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّجْرِيدِ فِي الْحُدُودِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ، كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرْنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ فِي حَدٍّ، فضربه، وعليه كساء، فسطا بي قَاعِدًا، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ رَجُلٍ أَنَّ عَلِيًّا ضَرَبَ جَارِيَةً، فَجُرِّدَتْ وَتَحْتَ ثِيَابِهَا دِرْعُ حَدِيدٍ، أَلْبَسَهَا إيَّاهُ أَهْلُهَا، وَنَفَاهَا إلَى الْبَصْرَةِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَأَلْت الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَنْ الْمَحْدُودِ أَتُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ فَرْوًا، أَوْ
مَحْشُوًّا، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَا يَحِلُّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ التَّجْرِيدُ، وَلَا مَدٌّ، وَلَا غَلٌّ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام لِلَّذِي أَمَرَهُ بِضَرْبِ الْحَدِّ: "اتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ"، قُلْت: غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وروي موقوفاً عن عليّ، ورواه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ سَكْرَانَ، أَوْ فِي حَدٍّ، فَقَالَ: اضْرِبْ، وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ، وَاتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ بِرَجُلٍ فِي حَدٍّ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هُنَيْدَةُ بْنُ خَالِدٍ الْكِنْدِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَهُ، وَالنَّهْيُ عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "الْبِرِّ"، وَلَهُ فِي "اللِّبَاسِ" عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ، وَعَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَضْرِبَ الصُّورَةَ، انْتَهَى. وَإِذَا كَانَ ضَرْبُ الْوَجْهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ حَالَةَ الْقَتْلِ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ شَيْخٍ حَدَّثَ عَنْ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ امْرَأَةً، فَحَفَرَ لَهَا إلَى الثَّنْدُوَةِ، ثُمَّ قَالَ: "ارْمُوا، وَاتَّقُوا الْوَجْهَ"، فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَنْهِيًّا عَنْهُ حَالَةَ الْجَلْدِ. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ: "اضْرِبْ الرَّأْسَ، فَإِنَّ فِيهِ شَيْطَانًا"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ انْتَفَى مِنْ أَبِيهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اضْرِبْ الرَّأْسَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِي الرَّأْسِ، انْتَهَى. وَالْمَسْعُودِيُّ ضَعِيفٌ. أَثَرٌ آخَرُ: نَحْوُهُ عَنْ عُمَرَ، رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي "أَوَائِلِ مُسْنَدِهِ 2 - فِي بَابِ الْفُتْيَا"، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النُّعْمَانِ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: صَبِيغٌ،
قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُمَرُ - وَقَدْ أَعَدَّ لَهُ عَرَاجِينَ النَّخْلِ - فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ صَبِيغٌ، فَأَخَذَ عُمَرُ عُرْجُونًا مِنْ تِلْكَ الْعَرَاجِينِ، فَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ، وَجَعَلَ عُمَرُ يَضْرِبُهُ حَتَّى دَمِيَ رَأْسُهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَسْبُك، قَدْ ذَهَبَ الَّذِي كُنْت أَجِدُ فِي رَأْسِي، انْتَهَى. قَوْلُهُ: قَالَ عَلِيٌّ: يُضْرَبُ الرِّجَالُ فِي الْحُدُودِ قِيَامًا، وَالنِّسَاءُ قُعُودًا، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: يُضْرَبُ الرَّجُلُ قَائِمًا، وَالْمَرْأَةُ قَاعِدَةً فِي الْحَدِّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ. الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ إلَى ثُنْدُوَتِهَا، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 1 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ سُلَيْمٍ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: سَمِعْت شَيْخًا يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ أبي بكرة عن أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ امْرَأَةً، فَحَفَرَ لَهَا إلَى الثَّنْدُوَةِ، انْتَهَى. وَفِيهِ مَجْهُولٌ، وَحَدِيثُهَا فِي "مُسْلِمٍ" مِنْ رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ، وَفِيهِ: ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إلَى صَدْرِهَا، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ "الْهِدَايَةِ" حَفَرَ لَهَا إلَى ثَدْيِهَا، وَالثَّدْيُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَابْنُ فَارِسٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَرَّاءُ، وَثَعْلَبٌ غَيْرَ التَّذْكِيرِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الثَّدْيُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الثَّدْيُ لِلْمَرْأَةِ، وَيُقَالُ: لِلرَّجُلِ ثُنْدُوَةٌ - بِفَتْحِ الثَّاءِ - بِلَا هَمْزَةٍ، - وَبِضَمِّهَا مَعَ الْهَمْزَةِ - وَهَذَا مُشْعِرٌ بِتَخْصِيصِ الثَّنْدُوَةِ بِالرَّجُلِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي "الصَّحِيحِ" أَنَّ رَجُلًا وَضَعَ ذُبَابَ سَيْفِهِ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فِي "الْحَجِّ" فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْ، وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ذَكَرَ اسْتِعْمَالَ الثَّنْدُوَةِ فِي الْمَرْأَةِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد اسْتِعْمَالُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا حَفَرَ لِشُرَاحَةَ، قُلْت: تَقَدَّمَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ شُرَاحَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَهُ، وفيه: وحفر لها، وزاد أَحْمَدُ: إلَى السُّرَّةِ. قَوْلُهُ: وَإِنْ تَرَكَ الْحَفْرَ لَا يَضُرُّهُ، لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ، قُلْت: هَذَا ذُهُولٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ، وَتَنَاقُضٌ، فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ أَنَّهُ عليه السلام حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ، وَهُوَ فِي "مُسْلِمٍ". الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام مَا حَفَرَ لِمَاعِزٍ، قُلْت: رَوَاهُ مُسْلِمٌ 2 مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْمِ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ خَرَجْنَا بِهِ إلَى الْبَقِيعِ، فَوَاَللَّهِ
مَا أَوْثَقْنَاهُ وَلَا حَفَرْنَا لَهُ، وَلَكِنَّهُ قَامَ لَنَا، قَالَ: فَرَمَيْنَاهُ بِالْعِظَامِ، وَالْمَدَرِ، وَالْخَزَفِ، فَاشْتَدَّ، وَاشْتَدَدْنَا خَلْفَهُ، حَتَّى أَتَى عُرْضَ الْحَرَّةِ، فَانْتَصَبَ لَنَا، فَرَمَيْنَاهُ بِجَلَامِيدِ الْحَرَّةِ، حَتَّى سَكَتَ، قَالَ: فَمَا اسْتَغْفَرَ لَهُ، وَلَا سَبَّهُ، انْتَهَى. وَوَقَعَ أَيْضًا فِي "مُسْلِمٍ" أَنَّهُ حَفَرَ لَهُ مِنْ رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ، وَفِيهِ: فَلَمَّا كَانَتْ الرَّابِعَةُ حُفِرَتْ لَهُ حُفْرَةٌ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، وَفِي "مُسْنَدِ" أَحْمَدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ عليه السلام حَفَرَ لَهُ، وَفِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَلَمَّا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْبَيْهَقِيّ سَكَتَ عَنْهُمَا، قَالَ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَأَمَّا الْحَفْرُ لِلْمَرْجُومِ فَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: فَمَا حَفَرْنَا لَهُ، وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحُفِرَ لَهُ، فَجُعِلَ فِيهَا إلَى صَدْرِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "أَرْبَعٌ إلَى الْوُلَاةِ"، وَذَكَرَ مِنْهَا الْحُدُودَ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: "أَرْبَعَةٌ إلَى السُّلْطَانِ: الصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالْحُدُودُ، وَالْقِصَاصُ"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ، قَالَ: "الْجُمُعَةُ، وَالْحُدُودُ، وَالزَّكَاةُ، وَالْفَيْءُ إلَى السُّلْطَانِ"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، قَالَ: "إلَى السُّلْطَانِ: الزَّكَاةُ، وَالْجُمُعَةُ، وَالْحُدُودُ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ 1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ مُخْتَصَرًا، وَمُطَوَّلًا، أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الزِّنَا؟ " فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ، إنَّ فِيهَا الرَّجْمَ، فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ، فَنَشَرُوهَا، فَجَعَلَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، ثُمَّ جَعَلَ يَقْرَأُ مَا قَبْلَهَا، وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَك، فَرَفَعَهَا فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا، انْتَهَى. وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد 2 مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ سَمِعْت رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةُ يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: زَنَى رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مِنْ الْيَهُودِ، وَقَدْ أَحْصَنَا حِينَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَقَدْ كَانَ الرَّجْمُ مَكْتُوبًا عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ، الْحَدِيثَ. وَفِيهِ رَجُلٌ
مَجْهُولٌ، وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ قَدْ أَحْصَنَا، انْتَهَى. وَعِنْدَهُ فِيهِ أَيْضًا: فَوَضَعَ ابْنُ صُورَيَاءَ الْأَعْوَرُ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ. الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: " مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ"، قُلْت: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ"، انْتَهَى. قَالَ إسْحَاقُ: رَفَعَهُ مَرَّةً، فَقَالَ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَفَهُ مَرَّةً، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ إسْحَاقَ، وَيُقَالُ: إنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى. وَهَذَا لَفْظُ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ"، كَمَا تَرَاهُ، لَيْسَ فِيهِ رُجُوعٌ، وَإِنَّمَا أَحَالَ التَّرَدُّدَ عَلَى الرَّاوِي فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَفِيفِ بْنِ سَالِمٍ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُحْصِنُ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا"، انْتَهَى. قَالَ الدارقطني: وهم عفيف رَفْعِهِ، وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. قال ابن القطان فِي "كِتَابِهِ": وَعَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ الْمَوْصِلِيُّ ثِقَةٌ، قَالَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِذَا رَفَعَهُ الثِّقَةُ لَمْ يَضُرَّهُ وَقْفُ مَنْ وَقَفَهُ، وَإِنَّمَا عِلَّتُهُ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي نَافِعٍ عَنْ عَفِيفٍ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَبُو سَلَمَةَ الْمَوْصِلِيُّ، وَلَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ مَوْضِعًا لِلْحَدِيثِ، وَذَكَرَ لَهُ فِيمَا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، قَالَ: هُوَ مُنْكَرٌ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ": هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ، فَرَوَاهُ عَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَالَفَهُ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، فَرَوَاهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ أَصَحُّ، وَرُوِيَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَكَانَ الْمُرَادُ بِالْإِحْصَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إحْصَانَ الْقَذْفِ، وَإِلَّا فَابْنُ عُمَرَ هُوَ الرَّاوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا، وَهُوَ لَا يُخَالِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْهُ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَا يُحْصِنُ الْمُسْلِمُ الْيَهُودِيَّةَ، وَلَا النَّصْرَانِيَّةَ،
وَلَا الْحُرُّ الْأَمَةَ، وَلَا الْحُرَّةُ العبد"، قلت: غريب، وروى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَمِنْ طَرِيقِهِ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"1، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَتَزَوَّجْهَا، فَإِنَّهَا لَا تُحْصِنُك"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ضَعِيفٌ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ لَمْ يُدْرِكْ كَعْبًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ بُكَيْر الْغَسَّانِيُّ، الْغَالِبُ عَلَى حَدِيثِهِ الْغَرَائِبُ، قَلَّ مَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهَا الثِّقَاتُ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَتُكْتَبُ أَحَادِيثُهُ، فَإِنَّهَا صَالِحَةٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ بِهِ، فَذَكَرَهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَمُنْقَطِعٌ، فَانْقِطَاعُهُ فِيمَا بَيْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَضَعْفُهُ مِنْ جِهَةِ عُتْبَةَ بْنِ تَمِيمٍ، فَإِنَّهُ مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ بَقِيَّةُ، وَهُوَ مِمَّنْ عُرِفَ ضَعْفُهُ، وَلَا يُعْلَمُ رَوَى عَنْ عُتْبَةَ بْنِ تَمِيمٍ إلَّا بَقِيَّةُ، وَإِسْمَاعِيلُ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَعُتْبَةُ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ غَيْرَ عُتْبَةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ، مُنْقَطِعٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ كَعْبٍ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ لَمْ يُدْرِكْ كَعْبًا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: فِيمَا أَخْبَرَنِي عَنْهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَرَوَاهُ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ كَعْبٍ، وَهُوَ أَيْضًا مُنْقَطِعٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا يُحْصِنُ الْأَمَةَ الْحُرُّ، وَلَا الْعَبْدَ الْحُرَّةُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَجْمَعْ فِي الْمُحْصَنِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ، قُلْت: فِيهِ حَدِيثُ الْعَسِيفِ، وَحَدِيثُ مَاعِزٍ. فَحَدِيثُ الْعَسِيفِ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ2 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَقَالَ الْآخَرُ، وَكَانَ أَفْقَهَهُمَا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَأْذَنْ لِي أَنْ أَتَكَلَّمَ، قَالَ: تَكَلَّمْ، قَالَ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْت
مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَبِجَارِيَةٍ لِي، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي إنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا غَنَمُك وَجَارِيَتُك فَرَدٌّ إلَيْك، وَعَلَى ابْنِك جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا"، قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا فَرُجِمَتْ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ مَاعِزٍ: تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَفِيهِ الرَّجْمُ، وَلَيْسَ فِيهِ الْجَلْدُ، حَتَّى إنَّ الْأُصُولِيِّينَ اسْتَدَلُّوا عَلَى تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ بِأَنَّهُ عليه السلام رَجَمَ مَاعِزًا، وَلَمْ يَجْلِدْهُ، لِأَنَّ آيَةَ الْجَلْدِ شَامِلَةٌ لِلْمُحْصَنِ، وَغَيْرِهِ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ1 عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ، جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ"، انْتَهَى. وَحَدِيثُ شُرَاحَةَ: تَقَدَّمَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ، وَأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَلَدَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْحَدِيثُ فِي "الْبُخَارِيِّ" لَيْسَ فِيهِ الْجَلْدُ، وَلَفْظُهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ 2 حِينَ رَجَمَ الْمَرْأَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَالَ: رَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِهِ" 3 رَوَى حَدِيثَ مَاعِزٍ جَمَاعَةٌ: كَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَنَفَرٌ تَأَخَّرَ إسْلَامُهُمْ، وَحَدِيثُ عُبَادَةَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَبَيْنَ الزَّمَانَيْنِ مُدَّةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": ذَهَبَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ: إنَّ الثَّيِّبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ دُونَ الْجَلْدِ، وَرَأَوْا حَدِيثَ عُبَادَةَ مَنْسُوخًا، وَتَمَسَّكُوا بِأَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ: مِنْهَا حَدِيثُ الْعَسِيفِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا، فَغَدَا عَلَيْهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَرَجَمَهَا، فَهَذَا الْحَدِيثُ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ، لِأَنَّ رَاوِيَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْجَلْدِ فِيهِ بِذِكْرٍ، انْتَهَى. الثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمْ بِإِحْصَانِهِ، فَجَلَدَهُ، ثُمَّ عَلِمَ بِإِحْصَانِهِ فَرَجَمَهُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ
مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ جُرَيْجٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابن الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا زَنَى، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجُلِدَ، ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَحْصَنَ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا زَنَى، فَلَمْ يَعْلَمْ بِإِحْصَانِهِ، فَجُلِدَ، ثُمَّ عَلِمَ بِإِحْصَانِهِ فَرُجِمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ النَّسَائِيُّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرَ ابْنِ وَهْبٍ، وَوَقْفُهُ هُوَ الصَّوَابُ، وَرَفْعُهُ خَطَأٌ، انْتَهَى. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ، ورمي بالحجارة، والبكر بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَنَفْيُ سَنَةٍ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 2 عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ فِيمَنْ زَنَى، وَلَمْ يُحْصِنْ، بِجِلْدِ مِائَةٍ وَتَغْرِيبِ عَامٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَرَّبَ، ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تِلْكَ السُّنَّةُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِيمَنْ زَنَى، وَلَمْ يُحْصِنْ، بِنَفْيِ عَامٍ، وَبِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ الْعَسِيفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَفِيهِ: " وَعَلَى ابْنِك جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ"، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ3: وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً، وَغَرَّبَهُ عَامًا، ذَكَرَهُ فِي "الْأَيْمَانِ"، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ كَشَطْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام: "الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ" - يَعْنِي حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْمَذْكُورَ - انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ"، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي الْبِكْرِ يَزْنِي بِالْبِكْرِ، قَالَ: يُجْلَدَانِ مِائَةً، وَيُنْفَيَانِ سَنَةً،
قَالَ: وَقَالَ عَلِيٌّ: حَسْبُهُمَا مِنْ الْفِتْنَةِ أَنْ يُنْفَيَا، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: غَرَّبَ عُمَرُ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فِي الشَّرَابِ إلَى خَيْبَرَ، فَلَحِقَ بِهِرَقْلَ فَتَنَصَّرَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ مُسْلِمًا، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ النَّفْيُ الْمَرْوِيُّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، قُلْت: رَوَى التِّرْمِذِيُّ1 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ، وَيَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ، قَالَا: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ الله بن نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ , وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ , وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ , هَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ , فَرَفَعُوهُ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ إدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ , الْحَدِيثَ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ بِهِ، وَهَكَذَا رُوِيَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، نَحْوَ هَذَا، وَهَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، لَمْ يَقُولُوا فِيهِ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ بِهِ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" مِنْ جِهَةِ النَّسَائِيّ، وَقَالَ: رِجَالُهُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُسْأَلُ عَنْهُ، لِثِقَتِهِ وَشُهْرَتِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ هَكَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ الْعَلَاءِ عَنْ ابْنِ إدْرِيسَ عَنْهُ، جَمَاعَةٌ ذَكَرَهُمْ الدَّارَقُطْنِيُّ، مِنْهُمْ: مَسْرُوقُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ، وَيَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ، وَجَحْدَرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ ابْنِ إدْرِيسَ رَوَاهَا يُوسُفُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ عَنْ ابْنِ إدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرْسَلًا، لَمْ يَذْكُرْ ابْنَ عُمَرَ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ عَنْ ابْنِ إدْرِيسَ، رَوَاهَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، الْحَدِيثَ. لَمْ يَقُلْ فِيهِ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ جَمِيعَ ذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْأَخِيرَةَ هِيَ الصَّوَابُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَعِنْدِي أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ ابْنِ إدْرِيسَ فِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ جَمِيعُ مَا ذَكَرَ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" 2 عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عبيد الله أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةٍ بِكْرٍ، فَأَحْبَلَهَا، ثُمَّ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا، وَلَمْ يَكُنْ أَحْصَنَ، فَأَمَرَ
بِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَجُلِدَ الْحَدَّ، ثُمَّ نُفِيَ إلَى فَدَكَ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي الطَّلَاقِ" أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَذَكَرَ أَنَّ ضَيْفًا لَهُ افْتَضَّ أُخْتَهُ، اسْتَكْرَهَهَا عَلَى نَفْسِهَا، فَسَأَلَهُ، فَاعْتَرَفَ، فَضَرَبَهُ أَبُو بَكْرٍ الْحَدَّ، وَنَفَاهُ سَنَةً إلَى فَدَكَ، وَلَمْ يَضْرِبْهَا لِأَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا، ثُمَّ زَوَّجَهَا إيَّاهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَدْخَلَهُ عَلَيْهَا، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ ابْنِ يَسَارٍ مَوْلًى لِعُثْمَانَ، قَالَ: جَلَدَ عُثْمَانُ امْرَأَةً فِي زِنًا، ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا مَوْلًى لَهُ، يُقَالُ لَهُ: الْمَهْرِيُّ إلَى خَيْبَرَ، نَفَاهَا إلَيْهَا، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: فِي "مُوَطَّإِ مَالِكٍ" 1 عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدًا كَانَ يَقُومُ عَلَى رَقِيقِ الْخُمُسِ، وَأَنَّهُ اسْتَكْرَهَ جَارِيَةً مِنْ تِلْكَ الرَّقِيقِ، فَوَقَعَ بِهَا، فَجَلَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَنَفَاهُ، وَلَمْ يَجْلِدْ الْوَلِيدَةَ، لِأَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ للغامدية: بعد ما وَضَعَتْ: "ارْجِعِي حَتَّى يَسْتَغْنِيَك وَلَدُك"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ فِي "مُسْلِمٍ" 2 عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: جَاءَتْ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي زَنَيْت فَطَهِّرْنِي، وَأَنَّهُ رَدَّهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَعَلَّك تريد أن ترددني كَمَا رَدَّدْت مَاعِزًا، فَوَاَللَّهِ إنِّي لَحُبْلَى، فَقَالَ: " إمَّا لَا، فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي" 3، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقَالَتْ: هَذَا يَا رَسُولَ الله، وقد فَطَمْته، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إلَى صَدْرِهَا، فَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنْ الْأَزْدِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي، فَقَالَ: "وَيْحِك ارْجِعِي، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَتُوبِي إلَيْهِ"، قَالَتْ: أراك تريد أن ترددني كَمَا رَدَّدْت مَاعِزًا؟ قَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ " قَالَتْ: إنَّهَا حُبْلَى مِنْ الزِّنَا، قَالَ: "أَنْتِ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهَا: "اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِك"، قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، حَتَّى وَضَعَتْ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
قَدْ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ، قَالَ: إذًا لَا نَرْجُمُهَا، وَنَدْعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: إلَيَّ رَضَاعُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَرَجَمَهَا، انْتَهَى. وَفِي هَذَا مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ رَجَمَهَا حِينَ وَضَعَتْ، وَفِي الْأَوَّلِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ تَرَكَهَا حَتَّى فَطَمَتْ وَلَدَهَا، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، وَفِيهِ مَقَالٌ، وَيَتَقَوَّى الثَّانِي بِرِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ أَيْضًا، وَفِيهَا أَنَّهُ عليه السلام رَجَمَهَا بَعْدَ أَنْ وَضَعَتْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا امْرَأَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا وُجِدَ لِوَلَدِهَا كَفِيلٌ، وَالْأُخْرَى لَمْ يُوجَدْ لَهَا كَفِيلٌ، فَوَجَبَ إمْهَالُهَا حَتَّى يَسْتَغْنِيَ وَلَدُهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
باب الوطء الذي يوجب الحد
باب الوطء الذي يوجب الحد الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي "الْخِلَافِيَّاتِ" لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، وَفِي "مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَأَنْ أُعَطِّلَ الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُقِيمَهَا بِالشُّبُهَاتِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُعَاذًا، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، وَعُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، قَالُوا: إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْك الْحَدُّ فَادْرَأْهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: ادْفَعُوا الْحُدُودَ بِكُلِّ شُبْهَةٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِإِسْحَاقِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، فَإِنَّهُ مَتْرُوكٌ. قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ خَلِيَّةٌ، أَوْ بَرِيَّةٌ، أَوْ أَمْرُك بِيَدِك، وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ، وَقَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ، لَا يُحَدُّ، لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِيهِ، فمن مذهب عمر أنها تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، قُلْت: مَذْهَبُ عُمَرَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ: إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا ابْنُ التَّيْمِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ: إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ
جَاءَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ امْرَأَتِي كَلَامٌ، فَقَالَتْ: لَوْ أَنَّ الَّذِي بِيَدِك مِنْ أَمْرِي بِيَدِي لَعَلِمْت كَيْفَ أَصْنَعُ، قَالَ: فَقُلْت لَهَا: قَدْ جَعَلْت أَمْرَك بِيَدِك، فَقَالَتْ: أَنَا طَالِقٌ ثَلَاثًا، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَرَاهَا وَاحِدَةً، وَأَنْتَ أَحَقُّ بِالرَّجْعَةِ، وَسَأَلْت أَمِيرَ المؤمنين عُمَرَ، فَقَالَ: مَاذَا قُلْت؟ قَالَ: قُلْت: أَرَاهَا وَاحِدَةً، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، قَالَ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، وَزَادَ: وَلَوْ رَأَيْتَ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ تُصِبْ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" بِالْأَسَانِيدِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَمُتُونُهَا بِلَفْظِهَا، سَوَاءٌ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَا يَقُولَانِ فِي الْمَرْأَةِ: إذَا خَيَّرَهَا زَوْجُهَا فَاخْتَارَتْهُ، فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ، وَزَوْجُهَا أَمْلَكُ بِهَا، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي الطَّلَاقِ" أَيْضًا أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ فِي الْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ، وَالْبَتَّةِ، وَالْبَائِنَةِ: هِيَ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، قَالَ: وَقَالَ عَلِيٌّ: هِيَ ثَلَاثٌ، وَقَالَ شُرَيْحٌ: لَهُ مَا نَوَى، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا، قَالَ: هِيَ وَاحِدَةٌ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، قَالَ: هِيَ وَاحِدَةٌ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَجَاءَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَتِيقٍ، وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: مَا شَأْنُك؟ قَالَ: إنِّي مَلَّكْت امْرَأَتِي أَمْرَهَا فَفَارَقَتْنِي، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: ارْتَجِعْهَا إنْ شِئْت، فَإِنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ، وَأَنْتَ أَمْلَكُ بِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" 1 كَمَا تَرَاهُ. أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، فِي الْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ، وَالْبَتَّةِ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُهَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ: إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ"، كَمَا تَرَاهُ.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ يَقُولُ: إذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَهِيَ عَلَيْهِ حَرَامٌ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: إذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَالزَّوْجُ أَمْلَكُ بِهَا، وَإِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أَمْلَكُ بِنَفْسِهَا، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا ابْنُ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَمَّنْ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ بَرِيَّةٌ: إنَّهَا وَاحِدَةٌ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا بِيَدِهَا، وَالْقَضَاءُ مَا قَضَتْ، إلَّا أَنْ يُنْكِرَ الرَّجُلُ فَيَقُولَ: لَمْ أُرِدْ إلَّا وَاحِدَةً، وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَكُونُ أَمْلَكَ بِهَا مَا كَانَتْ فِي عِدَّتِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ"1 عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ. أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ بِنَحْوِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعُمَرَ قَالَا، فِي الْبَرِيَّةِ، وَالْخَلِيَّةِ: هِيَ تَطْلِيقَةٌ، وَهُوَ أَمْلَكُ بِرَجْعَتِهَا، وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: هِيَ ثَلَاثٌ ثَلَاثٌ. أَثَرٌ آخَرُ: فِي "الْمُوَطَّإِ" 2 عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إنِّي جَعَلْت أَمْرَ امْرَأَتِي بِيَدِهَا، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا، فَمَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَرَاهُ كَمَا قَالَتْ، قَالَ الرَّجُلُ: لَا تَفْعَلْ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَنَا أَفْعَلُ أَنْتَ فَعَلْته؟ انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 3 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا دَاوُد بْنُ رُشَيْدٍ ثَنَا أَبُو حَفْصٍ الْأَبَّارُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ، فِي الْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ، وَالْبَتَّةِ، وَالْبَائِنِ، وَالْحَرَامِ: ثَلَاثٌ، لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ، فَقَالَ: هِيَ وَاحِدَةٌ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عُمَرَ نَحْوَهُ، وَفِيهِ قِصَّةٌ. أَثَرٌ آخَرُ: فِي "مُوَطَّإِ مَالِكٍ" 1 أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ: إنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ، انْتَهَى. مَالِكٌ 2 عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ كَانَ يَقْضِي فِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ، أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ، انْتَهَى. الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ: حَدِيثٌ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ 3 فِي "الطَّلَاقِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: قُلْت لِأَيُّوبَ: هَلْ عَلِمْت أَحَدًا قَالَ فِي "أَمْرُك بِيَدِك": إنَّهَا ثَلَاثٌ؟ قَالَ: لَا، إلَّا الْحَسَنَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ غُفْرًا، إلَّا مَا حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى ابْنِ سَمُرَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "ثَلَاثٌ"، قَالَ أَيُّوبُ: فَلَقِيت كَثِيرَ مَوْلَى ابْنِ سَمُرَةَ، فَسَأَلْته، فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَرَجَعْت إلَى قَتَادَةَ، فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: نَسِيَ، انْتَهَى. وَقَالَ حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَسَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهَذَا، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ حَافِظًا، صَاحِبَ حَدِيثٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 4 عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا طَلَّقَ أَلْبَتَّةَ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: "أَتَتَّخِذُونَ آيَاتِ اللَّهِ هُزْوًا وَلَعِبًا؟! " مَنْ طَلَّقَ أَلْبَتَّةَ أَلْزَمْنَاهُ ثَلَاثًا، لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "إسْنَادِهِ": إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الْكُوفِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَطَرٍ عَنْ عَبْدِ الْغَفُورِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْوَاسِطِيِّ، وَكُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ رُكَانَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 5 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ أَلْبَتَّةَ، فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَرَدْت؟ " قَالَ: وَاحِدَةً، قَالَ: أَلْبَتَّةَ، قَالَ: أَلْبَتَّةَ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: " هِيَ عَلَى مَا أَرَدْت"، وَرَدَّهَا إلَيْهِ، زَادَ أَبُو دَاوُد، فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَانِ عُمَرَ، وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ بَيْتِهِ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ رَوَاهُ عَنْ بَعْضِ بَنِي أَبِي رَافِعٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ حَدَّثَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ نافع عن عُجَيْرٍ عَنْ رُكَانَةَ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَكُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ، وَالزُّبَيْرُ أَضْعَفُهُمْ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ أَبِيهِ لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، الْحَدِيثَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. فَحَدِيثُ جَابِرٍ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"1 حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا عِيسَى بن يوسف ثَنَا يُوسُفُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي قَالَ: "أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وقال فِي "التَّنْقِيحِ": وَيُوسُفُ بْنُ إسْحَاقَ مِنْ الثِّقَاتِ الْمُخَرَّجِ لَهُمْ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" قَالَ: وَقَوْلُ الدَّارَقُطْنِيِّ فِيهِ: غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ عِيسَى عَنْ يُوسُفَ لَا يَضُرُّهُ، فَإِنَّ غَرَابَةَ الْحَدِيثِ وَالتَّفَرُّدَ بِهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الصِّحَّةِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "حَدِيثِ الِاسْتِخَارَةِ": غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْمَوَالِي عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ جَابِرٍ، وَفِي حَدِيثِ "رَحِمَ الله رجل سَمْحًا إذَا بَاعَ": تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو غَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَفِي حَدِيثِ "كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ": تَفَرَّدَ بِهِ عَلِيٌّ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَكُلُّهَا مُخَرَّجَةٌ فِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ"، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ"، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" عَنْ عُبَيْدِ بْنِ خَلَصَةَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْمَدَنِيُّ عَنْ الْمُنْكَدِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِيهِ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ ماله، فَقَالَ عليه السلام: "اُدْعُهُ لِيَهْ"، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ عليه السلام: "إنَّ ابْنَك يَزْعُمُ أَنَّك تَأْخُذُ مَالَهُ"، فَقَالَ: سَلْهُ، هَلْ هُوَ إلَّا عَمَّاتُهُ، أَوْ قَرَابَاتُهُ، أَوْ مَا أُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِي وَعِيَالِي؟ فَقَالَ: فهبط جبريل عليه السلام، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الشَّيْخَ قَالَ فِي نَفْسِهِ شِعْرًا، لَمْ تَسْمَعْهُ أُذُنَاهُ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "قُلْت فِي نَفْسِك شِعْرًا لَمْ تَسْمَعْهُ أُذُنَاك فَهَاتِهِ"، فَقَالَ: لَا يَزَالُ يَزِيدُنَا اللَّهُ تَعَالَى بِك بَصِيرَةً وَيَقِينًا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: غَذَوْتُك مَوْلُودًا، وَمُنْتُكَ يَافِعًا، ... تُعَلُّ بِمَا أَحْنِي عَلَيْك وَتَنْهَلُ إذَا لَيْلَةٌ ضَافَتْك بِالسُّقْمِ لَمْ أَبِتْ ... لِسُقْمِك إلَّا سَاهِرًا أَتَمَلْمَلُ تَخَافُ الرَّدَى نَفْسِي عَلَيْك، وَإِنَّهَا ... لَتَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ حَتْمٌ مُوَكَّلُ كَأَنِّي أَنَا الْمَطْرُوقَ دُونَك بِاَلَّذِي ... طُرِقْت بِهِ دُونِي، فَعَيْنِي تَهْمِلُ فَلَمَّا بَلَغْت السِّنَّ وَالْغَايَةَ الَّتِي ... إلَيْهَا مَدَى مَا فِيكَ كُنْت أُؤَمِّلُ جَعَلْت جَزَائِي غِلْظَةً وَفَظَاظَةً ... كَأَنَّك أَنْتَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ فَلَيْتَك إذْ لَمْ تَرْعَ حَقَّ أُبُوَّتِي ... فَعَلْت كَمَا الْجَارُ الْمُجَاوِرُ يَفْعَلُ قَالَ: فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَخَذَ بِمَنْكِبِ ابْنِهِ، وَقَالَ لَهُ: "اذْهَبْ فَأَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك" وَعَقَدَ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بَابًا فِي "الدَّلَائِلِ" فَقَالَ: "بَابُ إخْبَارِهِ عليه السلام الشَّعْرَ ثُمَّ ذَكَرَهُ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَاصِمُ أَبَاهُ في ديْن له عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ أَبِي إسْمَاعِيلَ الْحَوْرَانِيِّ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، فَذَكَرَهُ، بِلَفْظِ ابْنِ مَاجَهْ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَرَوَاهُ غَيْرُ أَبِي إسْمَاعِيلَ، فَأَرْسَلَهُ، وَلَا نَعْلَمُ أَسْنَدَهُ إلَّا أَبُو إسْمَاعِيلَ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "ضُعَفَائِهِ" بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ إسْمَاعِيلَ، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، لَا يُتَابَعُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ حَدِيثِهِ، قَالَ: وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ ابْنِ مَاجَهْ، قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ
يُرْوَى عَنْ عُمَرَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" بِسَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، وَضَعَّفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَثَّقَهُ عَنْ شُعْبَةَ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى الطَّرَابُلُسِيِّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ ذِي حِمَايَةَ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَامِعٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِرَجُلٍ: "أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ فِي "مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ"، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ ذِي حِمَايَةَ، وَكَانَ مِنْ الثِّقَاتِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" بِمُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى، وَضَعَّفَهُ تَضْعِيفًا يَسِيرًا، وَقَالَ: إنَّ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ مَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي سُمَيَّةَ ثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ قَرَأْت عَلَى الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حُرَيْزٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا مَيْمُونُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يَرْوِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَعُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِيهِ لِينٌ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَمَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ، وَقَالَتْ النِّسَاءُ: إنَّهَا زَوْجَتُك، فَوَطِئَهَا، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، قَضَى بِذَلِكَ عَلِيٌّ رضي الله عنه، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 1 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مِثْلُهُ، وَرَوَاهُ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ دَاوُد بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَإِنَّمَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ
بْنُ إسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، وَقَالَ: مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقَتْلَ، وَرُوِيَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ"، وَهُوَ حَدِيثٌ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ غَيْرَ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، وَهُوَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، انْتَهَى. وَبِسَنَدِ السُّنَنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظِ: مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو صَدُوقٌ، لَكِنَّهُ رَوَى عَنْ عِكْرِمَةَ مَنَاكِيرَ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ الْمَخْزُومِيِّ، كُنْيَتُهُ أَبُو عُثْمَانَ، وَاسْمُ أَبِي عَمْرٍو مَيْسَرَةُ، احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَرَوَى عَنْهُ مَالِكٌ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي "الْمِيزَانِ": قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو ثِقَةٌ، يُنْكَرُ عَلَيْهِ حَدِيثُ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ"، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ الْجَمَاعَةُ، وَرَوَى عَنْهُ مَالِكٌ، وَلَيَّنَهُ جَمَاعَةٌ، فَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَهُوَ لَيْسَ بِضَعِيفٍ، وَلَا مُسْتَضْعَفٍ، وَلَا هُوَ فِي الثِّقَةِ كَالزُّهْرِيِّ، بَلْ دُونِهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَلَهُ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: الَّذِي أَشَارَ إليه الترمذي، أخرجه الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلٍ إلَّا عَنْ عَاصِمٍ عَنْهُ، انْتَهَى، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" 1 بِلَفْظِ: فَارْجُمُوا الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ، وَعَاصِمٌ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، انْتَهَى. الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 2 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ سُهَيْلٍ بِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، فَقَالَ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الْعُمَرِيَّ سَاقِطٌ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَيُرْوَى: فَارْجُمُوا الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ
الْعُمَرِيِّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الَّذِي يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَارْجُمُوا الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ"، انْتَهَى. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"1 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا مَحْفُوظُ بْنُ نصر الهمذاني ثَنَا عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ، وَزَيْدَ بْنَ الْحَسَنِ يَذْكُرُونَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ فَجَرَ بِغُلَامٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَعْرُوفِ النَّسَبِ، فقال عثمان: ويحكم أيها الشُّهُودُ؟ أَحْصَنَ؟ قَالُوا: تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدُ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِعُثْمَانَ رضي الله عنهما: لَوْ دَخَلَ بِهَا لَحَلَّ عَلَيْهِ الرَّجْمُ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَدْخُلْ فَاجْلِدْهُ الْحَدَّ، فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الَّذِي ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ، فَأَمَرَ بِهِ عُثْمَانُ، فَجُلِدَ مِائَةً، انْتَهَى. وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي "أَحْكَامِ الْقُرْآنِ" عَلَى أَنَّ اللِّوَاطَ زِنًا وَفِيهِ الْحَدُّ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ فِي الْقُرْآنِ فَاحِشَةً، فَقَالَ: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ: مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْت فَاحِشَةً فَطَهِّرْنِي، الْحَدِيثَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْفَاحِشَةُ الزِّنَا، ذَكَرَهُ فِي "الصِّحَاحِ"، وَغَيْرِهِ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي "كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ" فِي قوله تعالى: {وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} : أَجْمَعَ المفسرون أنها الزِّنَا، قُلْت: وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَطْعِ النَّبَّاشِ، بِقَوْلِهِ عليه السلام: "يَأْتِي زَمَانٌ يَكُونُ الْبَيْتُ فِيهِ بِالْعَبْدِ"، أَوْ قَالَ: "بِالْوَصِيفِ" - يَعْنِي بِالْبَيْتِ - الْقَبْرَ، قَالُوا: وَالْبَيْتُ يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ الْقَبْرِ، وَتَرْجَمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ - بَابَ قَطْعِ النَّبَّاشِ"، ثُمَّ أَخْرَجَهُ، وَسَيَأْتِي فِي "كِتَابِ السَّرِقَةِ". الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ عَلِيًّا رَجَمَ لُوطِيًّا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ 2 عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: أُتِيَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِسَبْعَةٍ فِي لِوَاطَةٍ: أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ قَدْ أَحْصَنُوا، وَثَلَاثَةٌ لَمْ يُحْصِنُوا، فَأَمَرَ بِالْأَرْبَعَةِ فَرُضِخُوا بِالْحِجَارَةِ، وَأَمَرَ بِالثَّلَاثَةِ فَضُرِبُوا الْحَدَّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ
أَنَّ عُثْمَانَ أَشْرَفَ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الدَّارِ، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِأَرْبَعٍ، فَذَكَرَهَا، وَذَكَرَ الرَّابِعَ: رجل عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا، لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي مُوجَبِهِ مِنْ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ، وَهَدْمِ الْجِدَارِ، وَالتَّنْكِيسِ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ، قُلْت: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ"1 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ دَاوُد بْنِ بَكْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ كَتَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ وَجَدَ رَجُلًا فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْعَرَبِ، يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، فَجَمَعَ أَبُو بَكْرٍ الصَّحَابَةَ، فَسَأَلَهُمْ، فَكَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ فِي ذَلِكَ قَوْلًا عَلِيٌّ، قَالَ: هَذَا ذَنْبٌ لَمْ يَعْصِ بِهِ إلَّا أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ، صَنَعَ اللَّهُ بِهَا مَا قَدْ عَلِمْتُمْ، نَرَى أَنْ نُحَرِّقَهُ بِالنَّارِ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الرِّدَّةِ - فِي آخِرِ رِدَّةِ بَنِي سُلَيْمٍ" فَقَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: كَتَبَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أُخْبِرُك أَنِّي أُتِيت بِرَجُلٍ قَامَتْ عِنْدِي الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ يُوطَأُ فِي دُبُرِهِ، كَمَا تُوطَأُ الْمَرْأَةُ، فَدَعَا أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَشَارَهُمْ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ: أَحْرِقْهُ بِالنَّارِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تَأْنَفُ أَنَفًا لَا يَأْنَفُهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا: اجْلِدُوهُ، فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنْ حَرِّقْهُ بِالنَّارِ، فَحَرَّقَهُ خَالِدٌ، فَقَالَ القائل فيه شعراً: فَمَا حَرَّقَ الصِّدِّيقُ جَدِّي وَلَا أَبِي ... إذَا الْمَرْءُ أَلْهَاهُ الْخَنَا عَنْ حَلَائِلِهِ أَثَرٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا غَسَّانُ بْنُ مُضَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا حَدُّ اللُّوطِيِّ؟ قَالَ: يُنْظَرُ أَعْلَى بِنَاءٍ فِي الْقَرْيَةِ فَيُرْمَى مِنْهُ مُنَكَّسًا، ثُمَّ يُتْبَعُ بِالْحِجَارَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ 2 ثَنَا غَسَّانُ بْنُ مُضَرَ بِهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ تُذْبَحُ الْبَهِيمَةُ وَتُحْرَقُ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَبِمَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ 3 عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ، وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ"، قَالَ: قُلْت لَهُ: مَا شَأْنُ الْبَهِيمَةِ؟ قَالَ: مَا أَرَاهُ قَالَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ
كَرِهَ أَنْ يُؤْكَلَ لَحْمُهَا، أَوْ يُنْتَفَعَ بِهَا، وَقَدْ عَمِلَ بِهَا هَذَا الْعَمَلَ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ إبراهيم ابن إسماعيل عن أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ بِهِ، وَالْبَاقُونَ عَنْ عَمْرِو بن أبي عمرو عَنْ عِكْرِمَةَ بِهِ، وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ فِيهِ: "وَمَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ فَاقْتُلُوهُ"، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 1 بِالسَّنَدَيْنِ، وَعَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ، فَقَالَ أَحْمَدُ: ثِقَةٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ، وَضَعَّفَ أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، لَيْسَ عَلَى الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ حَدٌّ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ الْأَوَّلِ، انْتَهَى. وَلَفْظُهُ قَالَ: مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَيْنَاهُ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَلَا أَرَى عَمْرَو بْنَ أَبِي عَمْرٍو يَقْصُرُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ فِي الْحِفْظِ، كَيْفَ! وَقَدْ تَابَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَعِكْرِمَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ مِنْ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2 عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ، وَمَنْ وَجَدْتُمُوهُ يأتي البهيمة فَاقْتُلُوهُ، وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ مَعَهُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ فِي ذِكْرِ الْبَهِيمَةِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابن عباس، ذكر النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ: " اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" أَعْنِي حَدِيثَ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ أَهْلُهَا بِالْعَدُوِّ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَإِلَى عُمَّالِهِ أَنْ لَا يُقِيمُوا حَدًّا عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، حتى يخرجوا إلى أرض الْمُصَالَحَةِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ هَذَا الشَّيْخُ؟ وَمَكْحُولٌ لَمْ يَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، انْتَهَى. وَهَذَا الْأَخِيرُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهِ، وَزَادَ: لِئَلَّا تَحْمِلَهُ حَمِيَّةُ الشَّيْطَانِ أَنْ يَلْحَقَ بِالْكُفَّارِ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ فُلَانِ بْنِ رُومَانَ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ نَهَى أَنْ يُقَامَ عَلَى أَحَدٍ حَدٌّ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي السَّفَرِ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: فِي الْغَزْوِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ الْأَوْزَاعِيُّ يَرَوْنَ أَنْ لَا يُقَامَ الْحَدُّ فِي الْغَزْوِ بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ، وَمَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ مَنْ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالْعَدُوِّ، فَإِذَا رَجَعَ الْإِمَامُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، انْتَهَى. وَبُسْرُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَيُقَالُ: ابْنُ أَبِي أَرْطَاةَ اُخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": أَهْلُ الْمَدِينَةِ يُنْكِرُونَ سَمَاعَ بُسْرِ بْنِ أَبِي أَرْطَاةَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يَقُولُ: بُسْرُ بْنُ أَبِي أَرْطَاةَ رَجُلُ سُوءٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَذَلِكَ لِمَا اُشْتُهِرَ مِنْ سُوءِ فِعْلِهِ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْحَرَّةِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"2: قَالَ الْوَاقِدِيُّ: بُسْرُ بْنُ أَبِي أَرْطَاةَ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَغِيرًا، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ، انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ لِلشَّافِعِيِّ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ بِدَارِ الْحَرْبِ، بِإِطْلَاقِ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي حَدِّ الزنى، وَقَطْعِ السَّارِقِ، وَجَلْدِ الْقَاذِفِ، وَبِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أُقِيمُوا حُدُودَ اللَّهِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَلَا تُبَالُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ"، وَرَوَيْنَاهُ بِإِسْنَادٍ مَوْصُولٍ فِي "السُّنَنِ"، انْتَهَى.
باب الشهادة على الزنا
بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا خَالِ قَوْلُهُ: وَإِنْ نَقَصَ عَدَدُ الشُّهُودِ عَنْ أَرْبَعَةٍ حُدُّوا، لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ، قُلْت: فِيهِ أَثَرٌ رَوَاهُ الْإِمَامُ الْقَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ السَّرَقُسْطِيُّ فِي "كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ" حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثَنَا الْوَلِيدُ أَبُو الطُّفَيْلِ، قَالَ: أَقْبَلَ رَهْطٌ مَعَهُمْ امْرَأَةٌ حَتَّى نَزَلُوا مَكَّةَ، فَخَرَجُوا لِحَوَائِجِهِمْ، وتخلف رجل مع امرأة، فَلَمَّا رَجَعُوا وَجَدُوهُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، وَعَلَى مَكَّةَ يَوْمَئِذٍ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ الْخُزَاعِيُّ، فَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ يَهُبُّ فِيهَا، كَمَا يَهُبُّ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَقَالَ الرَّابِعُ: لَمْ أَرَ الْمِرْوَدَ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَلَكِنْ رَأَيْت اسْتَهُ يَضْرِبُ اسْتَهَا، وَرِجْلَاهَا عَلَيْهِ، كَأُذُنَيْ الْحِمَارِ، فَكَتَبَ نَافِعٌ إلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: إنْ شَهِدَ الرَّابِعُ بِمَا شهد الثلاثة فارجمها، إنْ كَانَا أَحْصَنَا، وَإِلَّا فَاجْلِدْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ إلَّا بِمَا قَالَ، فَاجْلِدْ الشهود الثلاث، وَخَلِّ سَبِيلَ الْمَرْأَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ: الْهَبُّ الِاهْتِزَازُ.
أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ 1 فِي فَضَائِلِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ" عَنْ أَبِي عَتَّابٍ سَهْلِ بْنِ حَمَّادٍ ثَنَا أَبُو كَعْبٍ - صَاحِبُ الْحَرِيرِ - عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ بَابِ الصَّغِيرِ الَّذِي فِي الْمَسْجِدِ، أَبُو بَكْرَةَ، وَأَخُوهُ نَافِعٌ، وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ، فَجَاءَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَمْشِي فِي ظِلَالِ الْمَسْجِدِ، وَالْمَسْجِدُ يَوْمِئِذٍ مِنْ قَصَبٍ، وَالْمُغِيرَةُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ، أَمَّرَهُ عَلَيْهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَانْتَهَى إلَى أَبِي بَكْرَةَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرَةَ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ 2 لَيْسَ لَك ذَلِكَ، اجْلِسْ فِي بَيْتِك، وَابْعَثْ إلَيَّ مَنْ شِئْت، فَتَحَدَّثَ مَعَهُ، قَالَ: يَا أَبَا بَكْرَةَ وَلَا بَأْسَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمُغِيرَةُ مِنْ بَابِ الْأَصْغَرِ، حَتَّى تَقَدَّمَ إلَى بَابِ أُمِّ جَمِيلٍ، امْرَأَةٍ مِنْ قَيْسٍ فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: وَاَللَّهِ لَا صَبْرَ لِي عَلَى هَذَا، ثُمَّ بَعَثَ غُلَامًا لَهُ، وَقَالَ لَهُ: ارْقَ الْغَرْفَةَ، وَانْظُرْ مِنْ الْكُوَّةِ، فَذَهَبَ، فَنَظَرَ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ رَجَعَ، فَقَالَ: وَجَدْتهمَا فِي لِحَافٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ لِلْقَوْمِ: قُومُوا مَعِي، فَقَامُوا، فَبَدَأَ أَبُو بَكْرَةَ، فَنَظَرَ، ثُمَّ اسْتَرْجَعَ، ثُمَّ قَالَ لِأَخِيهِ: اُنْظُرْ، فَنَظَرَ، قَالَ لَهُ: مَا رَأَيْت؟ قَالَ: الزِّنَا مُحْصَنًا، ثُمَّ قَالَ لِشِبْلٍ: اُنْظُرْ، فَنَظَرَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: يَا زِيَادُ، اُنْظُرْ، فَنَظَرَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: أُشْهِدُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ كَتَبَ أَبُو بَكْرَةَ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِمَا رَأَى، فَبَعَثَ عُمَرُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ - أَمِيرًا عَلَى الْبَصْرَةِ - أَنْ يُرْسِلَ إلَيْهِ الْمُغِيرَةَ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرَةَ، وَشُهُودُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوسَى أَرْسَلَ بِالْمُغِيرَةِ، وَأَبِي بَكْرَةَ، وَشُهُودِهِ، وَقَالَ لِلْمُغِيرَةِ: وَيْلٌ لَك إنْ كَانَ مَصْدُوقًا عَلَيْك، وَطُوبَى لَك إنْ كَانَ مَكْذُوبًا عَلَيْك، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ، قَالَ لِأَبِي بَكْرَةَ: هَاتِ مَا عِنْدَك، قَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْت الزِّنَا مُحْصَنًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ أَخُوهُ نَافِعٌ، فَقَالَ: نَحْوَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ شِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ النجلي، فَقَالَ: نَحْوَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ زِيَادٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا رَأَيْت؟ قَالَ: رَأَيْتهمَا فِي لِحَافٍ، وَسَمِعْت نَفَسًا عَالِيًا، وَلَا أَدْرِي مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، فَكَبَّرَ عُمَرُ، وَفَرِحَ إذْ نَجَا الْمُغِيرَةُ، وَضَرَبَ الْقَوْمَ الْحَدَّ، إلَّا زِيَادًا، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "تَفْسِيرِهِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ بِالزِّنَا، وَنَكَلَ زِيَادٌ، فَحَدَّ عُمَرُ الثَّلَاثَةَ، ثُمَّ سَأَلَهُمْ أَنْ يَتُوبُوا، فَتَابَ اثْنَانِ، فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ أَنْ يَتُوبَ، فَكَانَتْ شَهَادَتُهُ لَا تُقْبَلُ حَتَّى مَاتَ، وَعَادَ مِثْلَ النَّصْلِ مِنْ الْعِبَادَةِ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" 3 عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ
عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: شَهِدَ أَبُو بَكْرَةَ، وَنَافِعٌ، وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَيْهِ كَمَا يَنْظُرُونَ إلَى الْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَنَكَلَ زِيَادٌ، فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا رَجُلٌ لَا يَشْهَدُ إلَّا بِحَقٍّ، ثُمَّ جَلَدَهُمْ عُمَرُ الْحَدَّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ 1 - فِي تَرْجَمَةِ الْمُغِيرَةِ" أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَزَادَ: قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ سَبْعَةَ عَشَرَ، ثُمَّ وَلَّاهُ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ الْكُوفَةَ، يَعْنِي الْمُغِيرَةَ، انْتَهَى.
باب حد الشرب
بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ حَدِيثٌ: رُوِيَ عَنْهُ عليه السلام: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ الشَّرِيدِ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَمِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ شُرَحْبِيلَ بْنِ أَوْسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ غُطَيْفٍ. فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ 2 - إلَّا التِّرْمِذِيَّ - عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ خَالِهِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إنْ سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إنْ سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ فَاقْتُلُوهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالْخَمْسِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَقَالَ: مَعْنَاهُ إذَا اسْتَحَلَّ، وَلَمْ يَقْبَلْ التَّحْرِيمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ"، الْحَدِيثَ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ". وَحَدِيثُ مُعَاوِيَةَ: أَخْرَجُوهُ - إلَّا النَّسَائِيَّ 3 - عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ
عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ"، إلَى آخِرِهِ: وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: "إذَا شَرِبُوا الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُمْ"، الْحَدِيثَ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يَقُولُ: حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": هُوَ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى". وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ 1 فِي "الْأَشْرِبَةِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ"، إلَى آخِرِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، مُحِيلًا عَلَى حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا حَمَّادٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ يَزِيدَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: بِهَذَا الْمَعْنَى، وَأَحْسَبُهُ قَالَ فِي الْخَامِسَةِ: "إنْ شَرِبَهَا فَاقْتُلُوهُ"، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَكَذَا حَدِيثُ أَبِي غُطَيْفٍ فِي الْخَامِسَةِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ قَبِيصَةَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 2 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ ثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَنْبَأَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ، فَاقْتُلُوهُ"، فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ، وَرَفَعَ الْقَتْلَ، وَكَانَتْ رُخْصَةً، قَالَ سُفْيَانُ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَعِنْدَهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، وَمُخَوَّلُ بْنُ رَاشِدٍ، فَقَالَ لَهُمَا: كُونَا وَافِدَيْ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَقَبِيصَةُ فِي صُحْبَتِهِ خِلَافٌ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى" 3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ: ثُمَّ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الرَّابِعَةِ، فَجَلَدَهُ، وَلَمْ يَقْتُلْهُ، انْتَهَى. وَزَادَ فِي لَفْظٍ: فَرَأَى الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْحَدَّ قَدْ وَقَعَ، وَأَنَّ الْحَدَّ قَدْ رُفِعَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِالنُّعْمَانِ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ ثَلَاثًا، فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ، فَلَمَّا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ الْحَدَّ، فَكَانَ نَسْخًا، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا: " مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَاجْلِدُوهُ"، إلَى آخِرِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْخَبَرُ سَمِعَهُ أَبُو صَالِحٍ مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَمِنْ أَبِي سَعِيدٍ مَعًا، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 1 مِنْ طَرِيقِ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنْبَأَ مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ قُرَّةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا عَفَّانَ ثَنَا هَمَّامٌ ثَنَا قَتَادَةُ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ الْحَسَنِ بِهِ، وَزَادَ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يَقُولُ: ائْتُونِي بِرَجُلٍ شَرِبَ الْخَمْرَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَكُمْ عَلَيَّ أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ لَفْظُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: ائْتُونِي بِرَجُلٍ قَدْ جُلِدَ فِيهِ ثَلَاثًا، فَلَكُمْ عَلَيَّ، الْحَدِيثَ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ رَاهْوَيْهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". وَحَدِيثُ جَرِيرٍ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2 مِنْ حَدِيثِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". وَحَدِيثُ شُرَحْبِيلَ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 3 عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي كَبْشَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْفُوعًا، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ شُرَحْبِيلُ بْنُ أَوْسٍ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، الْحَكَمُ بْنُ نافع ثنا حريز بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنِي نِمْرَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ أَوْسٍ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ. وَحَدِيثُ غُطَيْفٍ: فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"4، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ حَدِيثِ
إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عِيَاضِ بْنِ غُطَيْفِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ غطيف، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ"، انْتَهَى. لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقَتْلَ، قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَى غُطَيْفٌ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ. وَحَدِيثُ الشَّرِيدِ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْد مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى الْحَدِّ مِنْ الْخَمْرِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَسْخِ الْقَتْلِ، لَكِنَّهُ أَعَادَهُ فِي "الْأَشْرِبَةِ"، وَذَكَرَ نَسْخَ الْقَتْلِ. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: "فَإِنْ وَجَدْتُمْ رَائِحَةَ الْخَمْرِ فَاجْلِدُوهُ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ الْجَابِرِ عَنْ أَبِي مَاجِدٍ الْحَنَفِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ بِابْنِ أَخٍ لَهُ سَكْرَانَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: تَرْتِرُوهُ، وَمَزْمِزُوهُ، وَاسْتَنْكِهُوهُ، فَفَعَلُوا، فَرَفَعَهُ إلَى السِّجْنِ، ثُمَّ عَادَ بِهِ مِنْ الْغَدِ، وَدَعَا بِسَوْطٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِثَمَرَتِهِ فَدُقَّتْ بَيْنَ حَجَرَيْنِ حَتَّى صَارَتْ دُرَّةً، ثُمَّ قَالَ لِلْجَلَّادِ: اجْلِدْ، وَارْجِعْ تِلْكَ، وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَابِرِ بِهِ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي "صَحِيحَيْهِمَا" 2 عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَاَللَّهِ لَقَرَأْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " أحسنت"، فبينا هُوَ يُكَلِّمُهُ إذْ وَجَدَ مِنْهُ رَائِحَةَ الْخَمْرِ، فَقَالَ: أَتَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَتُكَذِّبُ بِالْكِتَابِ؟! فَضَرَبَهُ الْحَدَّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"3 بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ ضَرَبَ رَجُلًا وَجَدَ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ، وَفِي لَفْظٍ: رِيحَ شَرَابٍ الْحَدَّ تَامًّا، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَحَدُّ الشُّرْبِ، ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا إجْمَاعَ إلَّا بِرَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ شَرَطَ قِيَامَ الرَّائِحَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَاهُ، قُلْت: تقدم كل ذلك. قوله: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى أَعْرَابِيٍّ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ ذِي لَعْوَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا شَرِبَ مِنْ إدَاوَةِ عُمَرَ نَبِيذًا فَسَكِرَ، فَضَرَبَهُ الْحَدَّ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا لَا يَثْبُتُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ"، وَزَادَ فِيهِ: فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: إنَّمَا شَرِبْتُهُ مِنْ إدَاوَتِك، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّمَا جَلَدْنَاك عَلَى السُّكْرِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِسَعِيدِ بْنِ ذِي لَعْوَةَ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": قَالَ الْبُخَارِيُّ: سَعِيدُ بْنُ ذِي لَعْوَةَ عَنْ عُمَرَ فِي النَّبِيذِ يُخَالِفُ النَّاسَ فِي حَدِيثِهِ، لَا يُعْرَفُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَعِيدُ بْنُ حَدَّانَ، وَهُوَ وَهْمٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: سَعِيدٌ هَذَا مَجْهُولٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا أَعْلَمُ رَوَى عَنْهُ غَيْرَ الشَّعْبِيِّ، وَأَبِي إسْحَاقَ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ حَسَّانِ بْنِ مُخَارِقٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَايَرَ رَجُلًا فِي سَفَرٍ، وَكَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا أَفْطَرَ أَهْوَى إلَى قِرْبَةٍ لِعُمَرَ مُعَلَّقَةٍ فِيهَا نَبِيذٌ فَشَرِبَ مِنْهَا، فَسَكِرَ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ الْحَدَّ، فَقَالَ: إنَّمَا شَرِبْتُ مِنْ قِرْبَتِك، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنَّمَا جَلَدْنَاك لِسُكْرِك، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَأَصْحَابَهُ شَرِبُوا شَرَابًا، وَأَنَا سَائِلٌ عَنْهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ حَدَدْتُهُمْ، قَالَ السَّائِبُ: فَأَنَا شَهِدْتُ عُمَرَ حَدَّهُمْ، انْتَهَى. يُنْظَرُ "الْأَطْرَافُ". طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ أَنَّ رَجُلًا عَبَّ فِي شَرَابِ نَبِيذٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِطَرِيقِ الْمَدِينَةِ، فَسَكِرَ، فَتَرَكَهُ عُمَرُ حَتَّى أَفَاقَ، ثُمَّ حَدَّهُ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ عِمْرَانَ بْنِ دَاوُد عَنْ خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ سَكِرَ مِنْ نَبِيذِ تَمْرٍ، فَجَلَدَهُ، انْتَهَى. وَعِمْرَانُ بْنُ دَاوُد - بِفَتْحِ الدَّالِ وَالْوَاوِ - فِيهِ مَقَالٌ، وَأَخْرَجَهُ فِي "الْأَشْرِبَةِ" عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ الْقَطَّانِ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِهِ، وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ النَّجْرَانِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَكْرَانَ فَضَرَبَهُ الْحَدَّ، وَقَالَ لَهُ "مَا شَرَابُك؟ " قَالَ: تَمْرٌ وَزَبِيبٌ، فَقَالَ: "لَا تَخْلِطُوهُمَا جَمِيعًا، يَكْفِي أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ"، انْتَهَى. أَثَرٌ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 3 عَنْ وَكِيعٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا شَرِبَ مِنْ إدَاوَةِ عَلِيٍّ نَبِيذًا بِصِفِّينَ، فَسَكِرَ، فَضَرَبَهُ الْحَدَّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ بِنَحْوِهِ، وَقَالَ: فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فِي السُّكْرِ مِنْ النَّبِيذِ ثَمَانُونَ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَحَدُّ الْخَمْرِ وَالسُّكْرِ ثَمَانُونَ سَوْطًا فِي الْحُرِّ، لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، قُلْتُ: فِيهِ أَحَادِيثُ، فَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"1 مِنْ حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كُنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، فَنَقُومُ إلَيْهِ بِأَيْدِينَا، وَنِعَالِنَا، وَأَرْدِيَتِنَا. حَتَّى كَانَ آخِرُ إمْرَةِ عُمَرَ، فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ، حَتَّى إذْ عَتَوَا وَفَسَقُوا، جَلَدَ ثَمَانِينَ، انْتَهَى. حَدِيثُ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ، وَالنِّعَالِ، ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَدَنَا النَّاسُ مِنْ الرِّيفِ وَالْقُرَى، قَالَ: مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ الْخَمْرِ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَرَى أَنْ تَجْعَلَهُ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ، قَالَ: فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ، انْتَهَى. هَكَذَا وَقَعَ فِي "مُسْلِمٍ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ هُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى عُمَرَ بِالثَّمَانِينَ، وَوَقَعَ فِي "الْمُوَطَّإِ"3، وَغَيْرِهِ أَنَّ الَّذِي أَشَارَ عَلَى عُمَرَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ اسْتَشَارَ فِي الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَرَى أَنْ نَجْلِدَهُ ثَمَانِينَ، فَإِنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ، فَاجْعَلْهُ حَدَّ الْفِرْيَةِ، فَجَلَدَ عُمَرُ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ، انْتَهَى. وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ". طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"4، وَصَحَّحَهُ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الشُّرَّابَ كَانُوا يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَيْدِي، وَالنِّعَالِ، وَالْعِصِيِّ حَتَّى تُوُفِّيَ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَجْلِدُهُمْ أَرْبَعِينَ حَتَّى تُوُفِّيَ، إلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: إنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افترى، وعلى المفترون ثَمَانُونَ جَلْدَةً، فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ فَجُلِدَ ثَمَانِينَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ". طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ شَاوَرَ النَّاسَ فِي جَلْدِ الْخَمْرِ، وَقَالَ: إنَّ النَّاسَ قَدْ شَرِبُوهَا وَاجْتَرَءُوا عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ:
إنَّ السَّكْرَانَ إذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، فَاجْعَلْهُ حَدَّ الْفِرْيَةِ، فَجَعَلَهُ عُمَرُ حَدَّ الْفِرْيَةِ ثَمَانِينَ، انْتَهَى. الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الثَّمَانِينَ: رَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ أَبِي إسْرَائِيلَ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ الْأَفْرِيقِيُّ عَنْ جَمِيلِ بْنِ كُرَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ شَرِبَ بَسْقَةَ خَمْرٍ، فَاجْلِدُوهُ ثَمَانِينَ"، انْتَهَى. وَأَشَارَ إلَيْهِ بِالتَّضْعِيفِ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ"، فَقَالَ: وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ لَا يَثْبُتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: مَنْ شَرِبَ بَسْقَةَ خَمْرٍ فَاجْلِدُوهُ ثَمَانِينَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ رِشْدِينَ ثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُد أَبُو صَالِحٍ الْحَرَّانِيِّ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أبيه عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدَ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ. حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَوْفٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي "مُسْلِمٍ"1 عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَضَرَبَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ الْأَرْبَعِينَ، وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ، فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ، فَهَذَا لَمْ يَقَعْ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدًّا، وَإِلَّا لَمَا تَجَاوَزَتْهُ الصَّحَابَةُ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ زَجْرًا وَعُقُوبَةً، فَبَلَغَ ضَرْبُهُ نَحْوَ الْأَرْبَعِينَ، فَلَمَّا فَهِمَتْ الصَّحَابَةُ ذَلِكَ أَلْحَقُوهُ بِأَخَفِّ الْحُدُودِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: مَا كُنْت أُقِيمُ عَلَى أَحَدٍ حَدًّا فَيَمُوتُ فِيهِ، فَأَجِدُ مِنْهُ فِي نَفْسِي، إلَّا صَاحِبَ الْخَمْرِ، لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ وَدَيْتُهُ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُنَّهُ، انْتَهَى.
باب حد القذف
بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: "مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ" تَقَدَّمَ فِي "حَدِّ الزِّنَا". الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "الْخَالُ أَبٌ"، قُلْت: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَفِي "الْفِرْدَوْسِ" لِأَبِي شُجَاعٍ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: "الْخَالُ وَالِدُ مَنْ لَا وَالِدَ لَهُ"، انْتَهَى. قَوْلُهُ: لِمَكَانِ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - يَعْنِي فِي مُكَاتَبٍ مَاتَ، وَتَرَكَ وَفَاءً، هَلْ يَمُوتُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا؟ - سَيَأْتِي فِي "الْمُكَاتَبِ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. مَسْأَلَةٌ: اُسْتُدِلَّ لِلْقَائِلِينَ بِالْحَدِّ فِي التَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ"1 مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْهُ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلَيْنِ اسْتَبَّا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: وَاَللَّهِ مَا أَبِي بِزَانٍ، وَلَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ، فَاسْتَشَارَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ قَائِلٌ: مَدَحَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، وَقَالَ آخَرُونَ: قَدْ كَانَ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ مَدْحٌ غَيْرُ هَذَا، نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ الْحَدَّ، فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ ثَمَانِينَ، انْتَهَى. وَاسْتُدِلَّ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ، بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي قَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ، فَقَالَ: هَلْ لَك مِنْ إبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: فَهَلْ فِيهَا مَنْ أَوْرَقَ؟ قَالَ: إنَّ فِيهَا لَوُرْقًا، قَالَ: فَأَنَّى أتاها ذلك؟ قال: لعله نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ: وَكَذَلِكَ هذا الولد، لعله نَزَعَهُ عِرْقٌ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالْبُخَارِيُّ 2 عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ "بَابَ إذَا عَرَّضَ بِنَفْيِ الْوَلَدِ"، وَزَادَ فِي لَفْظٍ: وَإِنِّي أَنْكَرْته، يُعَرِّضُ بِأَنْ يَنْفِيَهُ، وَفِي آخِرِهِ: وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ أَيْضًا بِحَدِيثِ: لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ 3 فِي سُنَنَيْهِمَا - فِي النِّكَاحِ"، قَالَا: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَرْوَزِيِّ ثَنَا فضل بْنُ مُوسَى عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ، قَالَ: " غَرِّبْهَا، قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَتْبَعَهَا نَفْسِي، قَالَ: فَاسْتَمْتِعْ بِهَا"، انْتَهَى بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد.
فصل في التعزير
فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: " مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ، فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ 1 عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَقَالَ: الْمَحْفُوظُ مُرْسَلٌ، قال فِي "التَّنْقِيحِ": وَرَوَاهُ ابْنُ نَاجِيَةَ فِي "فَوَائِدِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُصَيْنٍ الْأَصْبَحِيُّ ثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ ثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ خَالِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ بَلَغَ حَدًّا"، الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" مُرْسَلًا، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ بَلَغَ حَدًّا"، الْحَدِيثَ. قَوْلُهُ: وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ - يَعْنِي بُلُوغَ التَّعْزِيرِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا - قُلْت: غَرِيبٌ، وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي "شَرْحِ السُّنَّةِ" عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. والله أعلم. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ أَبِي بُرْدَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ، إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "لَا عُقُوبَةَ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ، إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ"، انْتَهَى. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْعَسَّالُ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّامِيُّ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَعْزِيرَ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ"، انْتَهَى.
كتاب السرقة
كِتَابُ السرقة مدخل ... كتاب السَّرِقَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله لَهُمَا: إنَّ الْقَطْعَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَأَقَلُّ مَا نُقِلَ فِي تَقْدِيرِهِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمْ تُقْطَعْ يَدُ سَارِقٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِجَنِّ، حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ، وَكِلَاهُمَا ذُو ثَمَنٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ سَارِقًا فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ، إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا، انْتَهَى. وَفِي "الْمُوَطَّإِ" 2 مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أُتْرُنْجَةً، فَأَمَرَ بِهَا عُثْمَانُ، فَقُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ، فَقَطَعَ عُثْمَانُ يَدَهُ، انْتَهَى. قَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ إلَيَّ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، سَوَاءٌ ارْتَفَعَ الصَّرْفُ، أَوْ اتضع، وذلك لأن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَقَطَعَ عُثْمَانُ فِي أُتْرُنْجَةٍ قِيمَتُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْته إلَيَّ، انْتَهَى. وَفِي "مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ" عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اقْطَعُوا فِي رُبْعِ دِينَارٍ، وَلَا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ"، فكان ربع دينار يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، وَالدِّينَارُ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَجَوَابُهُ فِيهِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ"، زَادَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ الْأَعْمَشُ: كَانُوا يَرَوْنَ، أَنَّهُ بَيْضُ الْحَدِيدِ، وَالْحَبْلُ، كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ مِنْهُ مَا يُسَاوِي دَرَاهِمَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ، أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ"، قُلْت: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي "شَرْحِ الْآثَارِ" 4 حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ ثَنَا شَرِيكٌ
عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَيْمَنَ بْنِ أُمِّ أَيْمَنَ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ أَيْمَنَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَّا فِي حَجَفَةٍ"، وَقُوِّمَتْ يَوْمَئِذٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا، أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، انْتَهَى. ورواه الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ النَّسَائِيَّ رَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ، وَلَيْسَ فِيهِ عَنْ أُمِّ أَيْمَنَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٌ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ أُمِّ أَيْمَنَ رَفَعَهُ، قَالَ: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَثَمَنُهُ يَوْمَئِذٍ دِينَارٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"1: قَوْلُهُ: فِي هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أُمِّ أَيْمَنَ خَطَأٌ، إنَّمَا قَالَهُ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي، وَخَلَطَ فِي إسْنَادِهِ، وَشَرِيكٌ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، فِيمَا يُخَالِفُ فِيهِ أَهْلَ الْحِفْظِ وَالثِّقَةِ، لِمَا ظَهَرَ مِنْ سُوءِ حِفْظِهِ، انْتَهَى. قُلْت: وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَيْمَنَ، قَالَ: لَمْ تُقْطَعْ الْيَدُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَثَمَنُهُ يَوْمَئِذٍ دِينَارٌ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَاخْتُلِفَ فِي أَيْمَنَ هَذَا الَّذِي فِي "مُسْنَدِ النَّسَائِيّ" هَلْ هُوَ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ؟ أَوْ غَيْرُهُ، أَوْ هُمَا رَجُلَانِ، فَابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ صَحَابِيٌّ، وَحَدِيثُهُ مُسْنَدٌ، وَالْآخَرُ ابْنُ امْرَأَةِ كَعْبٍ، تَابِعِيٌّ، وَحَدِيثُهُ مُرْسَلٌ، فَأَسْنَدَ الْحَاكِمُ عَقِيبَ حَدِيثِهِ هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَيْمَنُ هَذَا لَيْسَ بِابْنِ أُمِّ أَيْمَنَ الصَّحَابِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ أَيْمَنُ بْنُ امْرَأَةِ كَعْبٍ، وَوَافَقَهُ الْحَاكِمُ2 عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: لَيْسَ هُوَ بِابْنِ أُمِّ أَيْمَنَ الصَّحَابِيِّ، ذَاكَ أُمُّهُ حَاضِنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَخُو أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِأُمِّهِ، انْتَهَى. قُلْت: خَالَفَهُمَا الطَّبَرَانِيُّ، فَقَالَ فِي "تَرْجَمَةِ أَيْمَنَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ": أَيْمَنُ بْنُ أُمِّ أَيْمَنَ، اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَهُوَ أَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ أَخُو بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَهُوَ أَخُو أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِأُمِّهِ، وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ أَنَّهُ سَمَّى فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَيْمَنَ بْنَ عُبَيْدٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ لَهُ حَدِيثَ السَّرِقَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ عَنْ أَيْمَنَ الْحَبَشِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَدْنَى مَا يُقْطَعُ فِيهِ السَّارِقُ ثَمَنُ الْمِجَنِّ" قَالَ: وَكَانَ يُقَوَّمُ دِينَارًا، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ"، قَالَ الشَّافِعِيُّ: قُلْت لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: هَذِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْطَعَ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا، فَكَيْفَ قُلْتَ: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا؟ قَالَ: قَدْ رَوَى شَرِيكٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَيْمَنَ ابْنِ أُمِّ أَيْمَنَ أَخِي أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِأُمِّهِ، فَقُلْت لَهُ: لَا عِلْمَ لَك بِأَصْحَابِنَا، أَيْمَنُ أَخُو أُسَامَةَ قُتِلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، قَبْلَ أَنْ يُولَدَ مُجَاهِدٌ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "الْمَرَاسِيلِ": أَخْبَرَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِيمَا كَتَبَ إلَيَّ، قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: قَدْ رَوَى شَرِيكٌ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ عَنْ أَيْمَنَ - وَكَانَ فَقِيهًا - قَالَ: يُقْطَعُ السَّارِقُ فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا، قَالَ أَبِي: هُوَ مُرْسَلٌ، وَأَرَى أَنَّهُ وَالِدُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ، وَلَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي "كِتَابِهِ": أَيْمَنُ الْحَبَشِيُّ مَوْلَى بَنِي مخزوم، روى عن سعيد، وَعَائِشَةَ، وَجَابِرٍ، وَعَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ، وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: أَيْمَنُ مَوْلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقِيلَ: مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي "السَّرِقَةِ"، وَلَهُ عَنْ تُبَيْعٍ عَنْ كَعْبٍ، وَعَنْهُ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، قَالَ النَّسَائِيُّ: مَا أَحْسَبُ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ هَذَيْنِ التَّرْجَمَتَيْنِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ حبان، فجعلاهما واحداً، قال ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ 1: أَيْمَنُ الْحَبَشِيُّ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، رَوَى عَنْ عَائِشَةَ، وَجَابِرٍ، وَتَبِيع رَوَى عَنْهُ مُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ ذَلِكَ، وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ أَيْمَنَ وَالِدِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، فَقَالَ: مَكِّيٌّ ثِقَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ": أَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ الْحَبَشِيُّ مَوْلًى لِآلِ ابْنِ أَبِي عَمْرٍو الْمَخْزُومِيِّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، رَوَى عَنْهُ مُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، وَكَانَ أَخَا أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِأُمِّهِ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: أَيْمَنُ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ، مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نُسِبَ إلَى أُمِّهِ، قَالَ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً فَقَدْ وُهِمَ حَدِيثُهُ فِي الْقَطْعِ مُرْسَلٌ، انْتَهَى. كَذَا ذَكَرَهُ فِي التَّابِعِينَ، وَكَذَا فَعَلَ الدَّارَقُطْنِيُّ2، فَإِنَّهُ قَالَ فِي "كِتَابِ الْحُدُودِ - مِنْ سُنَنِهِ": أَيْمَنُ لَا صُحْبَةَ لَهُ، وَهُوَ مِنْ التَّابِعِينَ، وَلَمْ يُدْرِكْ زَمَانَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ، وَهُوَ الَّذِي يَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ثَمَنَ الْمِجَنِّ دِينَارٌ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ، وَعَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ فِي الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ: ابْنُ إسْحَاقَ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَابْنُ مَنْدَهْ، وَابْنُ قَانِعٍ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَغَيْرُهُمْ، فَذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، قَالَ: وَهُوَ الَّذِي عَنَى الْعَبَّاسُ بِقَوْلِهِ: نَصَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِي الدَّارِ سَبْعَةً ... وَقَدْ فَرَّ مَنْ قَدْ فَرَّ عنه، وأقشعوا وَثَامِنُنَا لَاقَى الْحِمَامَ بِنَفْسِهِ ... بِمَا مَسَّهُ فِي الدِّينِ، لَا يَتَوَجَّعُ وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ بِلَالِ بْنِ أَبِي الْحِرْبَاءِ بْنِ قَيْسٍ، وَأُمُّهُ أُمُّ أَيْمَنَ
حَاضِنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَوْلَاتُهُ، وَهُوَ أَخُو أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِأُمِّهِ، وَكَانَ فِيمَنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَرِيبٍ مِنْهُ1: أُمُّ أَيْمَنَ مَوْلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَاضِنَتُهُ، اسْمُهَا بَرَكَةُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ، فَأَعْتَقَهَا لَمَّا تَزَوَّجَ بِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، فَتَزَوَّجَتْ بِعُبَيْدِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَيْمَنَ، صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُتِلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ شَهِيدًا، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْكَلْبِيُّ لِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ فَوَهَبَتْهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْتَقَهُ، وَزَوَّجَهُ أُمَّ أَيْمَنَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أُسَامَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي "مُعْجَمِهِ": أَيْمَنُ بْنُ أُمِّ أَيْمَنَ، وَهُوَ أَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَهُوَ أَخُو أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِأُمِّهِ، وَأُمُّهُ أُمُّ أَيْمَنَ مَوْلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَوَى لَهُ حَدِيثَ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ رَوَى أَيْمَنُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ هَذَا، وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ فِي "مُعْجَمِهِ": أَيْمَنُ الْحَبَشِيُّ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ مَوْلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُقَالُ: إنَّهُ ابْنُ عُبَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هِلَالِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ رَوَى لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ - فِي الْجِهَادِ"2: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَ مِنْ شَأْنِ أُمِّ أَيْمَنَ أَنَّهَا كَانَتْ وَصِيفَةً لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَبَشِيَّةً، فَلَمَّا وَلَدَتْ آمِنَةُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ما تُوُفِّيَ أَبُوهُ، فَكَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ تَحْضُنُهُ حَتَّى كَبِرَ عليه السلام، فَأَعْتَقَهَا، ثُمَّ أَنْكَحَهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أُسَامَةَ، وَتُوُفِّيَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ عَقِيبَ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَنَسٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ الْحَبَشِيُّ، وَهُوَ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَيْمَنُ هَذَا هُوَ أَخُو أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِأُمِّهِ، وَكَانَ أَيْمَنُ هَذَا مِمَّنْ بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَلَمْ يَنْهَزِمْ، انْتَهَى. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي "تَارِيخِهِ" 3 فَقَالَ: أَيْمَنُ الْحَبَشِيُّ، وَرَوَى لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ: وَأَيْمَنُ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ، ثُمَّ رَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، قَالَ: أَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ هُوَ أَيْمَنُ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ، ذَكَرَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَدِيثَ مَعْلُولٌ، فَإِنْ كَانَ أَيْمَنُ صَحَابِيًّا فَعَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ لَمْ يُدْرِكَاهُ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَإِنْ تَابِعِيًّا فَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ، وَلَكِنَّهُ يَتَقَوَّى بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ، وَالْمَوْقُوفَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 4 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ الْعَسْقَلَانِيُّ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فِي مِجَنٍّ، قِيمَتُهُ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 5 عَنْ يَحْيَى بْنِ مُوسَى
الْبَلْخِيّ عَنْ ابْنِ نُمَيْرٍ بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: كَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَوَّمُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ بِهِ مُرْسَلًا، لَيْسَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَنْ حُمَيْدٍ بْنِ مَسْعَدَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ قَوْلَهُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1 عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ بِهِ بِلَفْظِ النَّسَائِيّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَشَاهِدُهُ حَدِيثُ أَيْمَنَ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَيْمَنَ، قَالَ: لَمْ تُقْطَعْ الْيَدُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَثَمَنُهُ يَوْمَئِذٍ دِينَارٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا 2 أَخْبَرَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ بِهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي دُونِ ثَمَنِ الْمِجَنِّ"، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَكَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، وَأَخْرَجَهُ هُوَ، وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ مَرْفُوعًا: " لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ"، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ مُدَلِّسٌ، وَلَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ عَمْرٍو، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" بِهَذَا الْإِسْنَادِ، جَامِعًا بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ" حَدِيثَ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ، قُطِعَتْ يَدُ صَاحِبِهِ"، وَكَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، مُخْتَصَرٌ. وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي "اللُّقَطَةِ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ" 3 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُوحِ بْنِ حَرْبٍ ثَنَا خَالِدُ بْنُ مِهْرَانَ ثَنَا أَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا قَطْعَ إلَّا فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَبُو مُطِيعٍ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، انْتَهَى.
الْآثَارُ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي دِينَارٍ، أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَأَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فِي "كِتَابِهِ الْجَامِعِ"، فَقَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَهُوَ مُرْسَلٌ، ورواه الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْقَاسِمُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ، وَغَيْرُهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أُتِيَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِرَجُلٍ سَرَقَ ثَوْبًا، فَقَالَ لِعُثْمَانَ قَوِّمْهُ، فَقَوَّمَهُ ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ، فَلَمْ يَقْطَعْهُ، انْتَهَى.
باب ما يقطع فيه وما لا يقطع
بَابُ مَا يُقْطَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُقْطَعُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ عَنْ عائشة، قال: كَانَتْ الْيَدُ لَا تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ - وَمُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قالت: لَمْ تَكُنْ يَدُ السَّارِقِ تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ، وَزَادَ فِي "مُسْنَدِهِ": وَلَمْ تُقْطَعْ فِي أَدْنَى مِنْ ثَمَنِ حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُرْسَلًا أَيْضًا، فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ السَّارِقُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْطَعُ فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَلَمْ يَكُنْ يُقْطَعُ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامٍ بِهِ مُرْسَلًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثَنَا هِشَامٌ بِهِ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" مُسْنَدًا، أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَبِيصَةَ الْفَزَارِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إنَّ السَّارِقَ، إلَى آخِرِهِ بِاللَّفْظِ الثَّانِي، وَلَمْ يَقُلْ فِي عَبْدِ اللَّهِ هَذَا شَيْئًا، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَلَمْ أَجِدْ لِلْمُتَقَدِّمِينَ فِيهِ كَلَامًا، فَذَكَرْتُهُ لِأُبَيِّنَ أَنَّ فِي رِوَايَاتِهِ نَظَرًا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "لَا قَطْعَ فِي الطَّيْرِ"، قُلْت: غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" مَوْقُوفًا عَلَى عُثْمَانَ، قَالَ الْأَوَّلُ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَقَالَ الثَّانِي: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَا: ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي رَجُلٍ سَرَقَ دَجَاجَةً، فَأَرَادَ أَنْ يقطعه، فقال له أبو سَلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: قَالَ عُثْمَانُ: لَا قَطْعَ فِي الطَّيْرِ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِرَجُلٍ قَدْ سَرَقَ طَيْرًا، فَاسْتَفْتَى فِي ذَلِكَ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ، فَقَالَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا قَطَعَ فِي الطَّيْرِ، وَمَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَطْعٌ، فَتَرَكَهُ عُمَرُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى سَارِقِ الْحَمَّامِ قَطْعٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَرَادَ الطَّيْرَ وَالْحَمَّامَ الْمُرْسَلَةَ فِي غَيْرِ حِرْزٍ، قَالَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ: ظَنَّهُ الْحَمَامَ - بِالتَّخْفِيفِ - وَإِنَّمَا هُوَ الْحَمَّامُ - بِالتَّشْدِيدِ - انْتَهَى. قُلْت: بَوَّبَ عَلَيْهِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ "بَابُ الرَّجُلِ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ، فَيَسْرِقُ" حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سَارِقِ الْحَمَّامِ، قَالَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ بِلَالِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْحَمَّامَ، وَتَرَكَ بُرْنُسًا لَهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَسَرَقَهُ، فَوَجَدَهُ صَاحِبُهُ، فَجَاءَ بِهِ إلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، إلَى آخِرِهِ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ 2 عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ، أَنَّ غُلَامًا سَرَقَ وَدِيًّا مِنْ حَائِطٍ، فَرَفَعَ إلَى مَرْوَانَ، فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ، فَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْحَادِي وَالتِّسْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ، وَأَعَادَهُ فِي النَّوْعِ الْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": هَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ، فَلَمْ يَذْكُرْ وَاسِعَ بْنَ حِبَّانَ، وَلَمْ يُتَابِعْ سُفْيَانَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إلَّا حَمَّادُ بْنُ دَلِيلٍ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مِثْلُ رِوَايَةِ سُفْيَانَ، وَأَمَّا غَيْرُ حَمَّادٍ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ، لَمْ يَذْكُرْ وَاسِعَ بْنَ حِبَّانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ رَافِعٍ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ رَافِعٍ، لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ وَاسِعًا، انْتَهَى.
أَمَّا حَدِيثُ مَالِكٍ فَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1، وَتَابَعَ مَالِكًا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُنْقَطِعَةِ حَمَّادُ بْنُ دَلِيلٍ2، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُد أَيْضًا، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ النَّسَائِيّ، وَزُهَيْرٌ، وَشُعْبَةُ، وَحَدِيثُهُمَا عِنْدَ النَّسَائِيّ أَيْضًا، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ مُنْقَطِعًا، فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى سُفْيَانَ3، وَمِنْهُمْ أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ ابن أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ"، انْتَهَى. وَتَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ الثَّمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، مَا كَانَ مُعَلَّقًا فِي النَّخْلِ قبل أن يجد وَيُحَرَّزَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي قَرِيبًا: "وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ، فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ"، وَزَادَ النَّسَائِيّ فِيهِ لَفْظَ: وَالْكَثَرُ: الْجُمَّارُ الَّذِي فِي النَّخْلِ، وَلَمْ يَرْوِهِ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" إلَّا بِالطَّرِيقِ الْمَقْطُوعَةِ، وَبِالطَّرِيقَيْنِ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ 4 حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَخِيهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "لَا قَطْعَ فِي الطَّعَامِ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنِّي لَا أَقْطَعُ فِي الطَّعَامِ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد، وَلَمْ يُعِلَّهُ بِغَيْرِ الْإِرْسَالِ، وَأَقَرَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ عَلَى ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وعمرو عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ سَرَقَ طَعَامًا، فَلَمْ يَقْطَعْهُ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، وَالسَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى عَنْ الْحَسَنِ، نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الْحَسَنِ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ: قَالَ سُفْيَانُ: هُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يَفْسُدُ مِنْ نَهَارِهِ، كَالثَّرِيدِ وَاللَّحْمِ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ، فَإِذَا آوَاهُ الْجَرِينُ، أَوْ الْجِرَانُ، قُطِعَ"، قُلْت: غَرِيبٌ هَذَا اللَّفْظُ، وَبِمَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ،
وَابْنُ مَاجَهْ 1 عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ، فَقَالَ: "مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرِ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ، فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ فِي "اللُّقَطَةِ" أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ، وَعَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَخْنَسِ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ فِي "الزَّكَاةِ" عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَخْنَسِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، وَهِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا تَرَى فِي الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ؟ فَقَالَ: "لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ قَطْعٌ، إلَّا مَا آوَاهُ الْجَرِينُ، فَمَا أُخِذَ مِنْ الْجَرِينِ، فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ، فَفِيهِ الْقَطْعُ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ غَرَامَةُ مِثْلِهِ، وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ"، مُخْتَصَرٌ. وَبِهَذَا السَّنَدِ وَالْمَتْنِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"2، وَقَالَ: قَالَ إمَامُنَا إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: إذَا كَانَ الرَّاوِي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ثِقَةً فَهُوَ كَأَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "الْحُدُودِ" عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَمْرٍو بِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ فِي "الْبُيُوعِ" 3 عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ بِهِ مُخْتَصَرًا، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ السَّرِقَةَ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَوَقَّفَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ قَطْعٌ، حَتَّى يَأْوِيَ الْجَرِينَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ نَحْوُهُ سَوَاءٌ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: مَنْ أَخَذَ مِنْ الثَّمَرِ شَيْئًا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ حَتَّى يَأْوِيَ الْجَرِينَ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ قُطِعَ، انْتَهَى. وَرَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ4" قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكِّيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ، ولا جريسة في حبل، فَإِذَا آوَاهُ الْمُرَاحُ أَوْ الْجَرِينُ، فَالْقَطْعُ فِيمَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "لَا قَطْعَ عَلَى مُخْتَلِسٍ، وَلَا مُنْتَهِبٍ، وَلَا خَائِنٍ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.
فَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ، وَلَا مُنْتَهِبٍ، وَلَا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُهُ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ"، وَابْنُ الْقَطَّانِ بَعْدَهُ، فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُمَا، وَفَرَّقَهُ أَبُو دَاوُد، فَرَوَاهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، لَيْسَ عَلَى الْمُنْتَهِبِ قَطْعٌ، وَمَنْ انْتَهَبَ نُهْبَةً مَشْهُورَةً، فَلَيْسَ مِنَّا، وَقَالَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: لَيْسَ عَلَى الْخَائِنِ، وَلَا عَلَى الْمُخْتَلِسِ قَطْعٌ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ لَمْ يَسْمَعْهُمَا ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَبَلَغَنِي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا سَمِعَهُمَا ابن جريج من يس الزَّيَّاتِ، وَقَدْ رَوَاهُمَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ سَوَاءً، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا أَيْضًا، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْمُنْتَهِبَ، فَزَالَتْ الْعِلَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا أَبُو دَاوُد، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"2: سَأَلْت أَبِي، وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَيْسَ عَلَى الْخَائِنِ"، الْحَدِيثَ. فَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْ ابْنُ جُرَيْجٍ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي الزبير، فقال: إنه سمع من يس الزَّيَّاتِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، فدلسه عليه، ويس لَيْسَ بِالْقَوِيِّ انْتَهَى. وَتَرَدَّدَ النَّسَائِيُّ فِيهِ3، فَقَالَ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عِيسَى بْنُ يُونُسَ، وَالْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، وَابْنُ وَهْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَمَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، وَسَلَمَةُ بْنُ سَعِيدٍ، فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ مِنْهُمْ: حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، وَلَا أَرَاهُ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، انْتَهَى. قُلْنَا: فِي سَنَدِ ابْنِ حِبَّانَ مَا يَنْفِي ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَتَصْحِيحُ التِّرْمِذِيِّ لَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَحَقَّقَ إيصَالَهُ، وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَدِيثُهُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ عَلَى مُخْتَلِسٍ، وَلَا مُنْتَهِبٍ، وَلَا خَائِنٍ قَطْعٌ"، انْتَهَى. وَالْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ صَدُوقٌ، قَالَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: فِي "الْمُخْتَلِسِ" رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" 4 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ جَعْفَرٍ المصري ثنا الفضل بْنُ فَضَالَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شهاب عن إبراهيم
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَيْسَ عَلَى الْمُخْتَلِسِ قَطْعٌ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الْمُسَاوِرِ ثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: أملا عَلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ مِنْ حِفْظِهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَيْسَ عَلَى مُنْتَهِبٍ، وَلَا مُخْتَلِسٍ، وَلَا خَائِنٍ قَطْعٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ إلَّا يُونُسُ، وَلَا عَنْ يُونُسَ إلَّا ابْنُ وَهْبٍ، تَفَرَّدَ بِهِ، أَبُو مَعْمَرٍ، انْتَهَى. وَاسْتُشْكِلَ حَدِيثُ الْمَخْزُومِيَّةِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 1 عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، كَانَتْ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ، تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ، وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ: أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدُهَا، وَأَخْرَجَهُ السِّتَّةُ 3 عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ 4 عَنْ إسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَفْظُ الْعَارِيَّةِ لَيْسَتْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ"، وَقَالَ فِي "أَحْكَامِهِ": قَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي قِصَّةِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَاَلَّذِينَ قَالُوا: سَرَقَتْ أَكْثَرُ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا: اسْتَعَارَتْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 5 عَنْ جَابِرٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ، فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَاذَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عليه السلام: "لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"، فَقُطِعَتْ، انْتَهَى. وَأَخَذَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ الْعَارِيَّةِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهِ، لِأَنَّهُ خَائِنٌ، وَالْخَائِنُ من يؤتمن على شيء، فيخون به، فَسَقَطَ الْقَطْعُ، لِأَنَّ صَاحِبَهُ أَعَانَ عَلَى نَفْسِهِ بِإِتْمَامِهِ، وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ ذِكْرَ الْعَارِيَّةِ وَقَعَ فِيهِ لِقَصْدِ التَّعْرِيفِ، لَا أَنَّهُ سَبَبُ الْقَطْعِ، بِدَلِيلِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي صُرِّحَ فِيهَا بِالسَّرِقَةِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْمَرَ بْنَ رَاشِدٍ تَفَرَّدَ بِذِكْرِ الْعَارِيَّةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الرُّوَاةِ، وَأَنَّ اللَّيْثَ رَاوِيَ السَّرِقَةِ تابعه عليه جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: يُونُسُ
بْنُ يَزِيدَ، وَأَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرُهُمْ، فَرَوَوْهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ، كَرِوَايَةِ اللَّيْثِ، وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ وَافَقَ مَعْمَرًا فِي رِوَايَةِ الْعَارِيَّةِ، لَكِنْ لَا يُقَاوَمُ مَنْ ذَكَرَ، فَظَهَرَ أَنَّ ذِكْرَ الْعَارِيَّةِ إنَّمَا كَانَ تَعْرِيفًا لَهَا بِخَاصِّ صِفَتِهَا، إذْ كَانَتْ كَثِيرَةَ الِاسْتِعَارَةِ، حَتَّى عُرِفَتْ بِذَلِكَ، كَمَا عُرِفَتْ بِأَنَّهَا مَخْزُومِيَّةٌ، وَاسْتَمَرَّ بها هذا الصنيع حتى سَرَقَتْ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِهَا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" 1 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ أُمِّهِ عَائِشَةَ بِنْتِ مَسْعُودِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهَا، قَالَ: لَمَّا سَرَقَتْ الْمَرْأَةُ تِلْكَ الْقَطِيفَةَ مِنْ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمْنَا ذَلِكَ، وَكَانَتْ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ، فَجِئْنَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُكَلِّمُهُ، وَقُلْنَا: نَحْنُ نَفْدِيهَا بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَقَالَ عليه السلام: تَطْهُرُ خَيْرٌ لَهَا، فَأَتَيْنَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَقُلْنَا لَهُ: كَلِّمْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ: "مَا إكْثَارُكُمْ عَلَيَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟! وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ": وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ، قَالَ: وَقِيلَ: هِيَ أُمُّ عَمْرٍو بِنْتُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ أُخْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ، انْتَهَى. وَلَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شهاب، قال: كان عرة يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: اسْتَعَارَتْ امْرَأَةٌ - يَعْنِي حُلِيًّا - عَلَى أَلْسِنَةِ أُنَاسٍ يُعْرَفُونَ، وَلَا تُعْرَفُ هِيَ، فَبَاعَتْهُ، فَأُخِذَتْ، فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ بِقَطْعِ يَدِهَا، وَهِيَ الَّتِي شَفَّعَ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَالَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ السَّرَقُسْطِيُّ فِي "كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ": وَعِنْدِي أَنَّ رِوَايَةَ مَعْمَرٍ صَحِيحَةٌ، لِأَنَّهُ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْ أَصْحَابُهُ، وَلِمُوَافَقَتِهِ حَدِيثَ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ، وَتَجْحَدُهُ، فَخَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَالْمَرْأَةُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ عليه السلام: "هَلْ مِنْ امْرَأَةٍ تَائِبَةٍ إلَى اللَّهِ، وَرَسُولِ اللَّهِ؟ " فَلَمْ تَقُمْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ، وَلَمْ تَتَكَلَّمْ، فَقَالَ عليه السلام: قُمْ يَا فُلَانُ، فَاقْطَعْ يَدَهَا" - لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ – فَقَطَعَهَا، وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ، فِيمَنْ عَصَاهُ، وَرَغِبَ عَنْ أَمْرِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ"، قُلْت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ" فَقَالَ: أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ إجَازَةً، ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ - يَعْنِي ابْنَ سُفْيَانَ -: وَفِيمَا أَجَازَ لِي عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيِّ عَنْ بِشْرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ عِمْرَانَ
بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَمَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ"، انْتَهَى بِحُرُوفِهِ. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ" فِي هَذَا الْإِسْنَادِ مَنْ يُجْهَلُ حَالُهُ، كَبِشْرِ بْنِ حَازِمٍ، وَغَيْرِهِ، وَرَوَى أَيْضًا أَنْبَأَنِي أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ إجَازَةً، ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٌ ثَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَارِقُ أَمْوَاتِنَا كَسَارِقِ أَحْيَائِنَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 1 فَقَالَ: "بَابُ قَطْعِ النَّبَّاشِ"، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَيْفَ أَنْتَ إذَا أَصَابَ النَّاسَ مَوْتٌ، يَكُونُ الْبَيْتُ فِيهِ بِالْوَصِيفِ؟ - يَعْنِي الْقَبْرَ - قُلْت: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، أَوْ مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ، قَالَ: " عَلَيْك بِالصَّبْرِ"، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو دَاوُد، لِأَنَّهُ سَمَّى الْقَبْرَ بَيْتًا، وَالْبَيْتُ حِرْزٌ، وَالسَّارِقُ مِنْ الْحِرْزِ يُقْطَعُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّتَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْآثَارُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ": قَالَ هُشَيْمِ: ثَنَا سُهَيْلٌ، قَالَ: شَهِدْت ابْنَ الزُّبَيْرِ قَطَعَ نَبَّاشًا، قَالَ الْبُخَارِيُّ: 2 وَسُهَيْلٌ هَذَا هُوَ سُهَيْلُ بْنُ ذَكْوَانَ أَبُو السِّنْدِيِّ الْمَكِّيُّ، قَالَ عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ: كُنَّا نَتَّهِمُهُ بِالْكَذِبِ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ وَجَدَ قَوْمًا يَخْتَفُونَ الْقُبُورَ بِالْيَمَنِ، عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَتَبَ فِيهِمْ إلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَرُ: أَنْ اقْطَعْ أَيْدِيَهُمْ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَمَسْرُوقٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالُوا: يُقْطَعُ النَّبَّاشُ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام: "لَا قَطْعَ عَلَى الْمُخْتَفِي"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا شَيْخٌ لَقِيُته بِمِنًى عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْسَ عَلَى النَّبَّاشِ قَطْعٌ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أُتِيَ مَرْوَانُ بِقَوْمٍ يَخْتَفُونَ - أَيْ يَنْبُشُونَ الْقُبُورَ - فَضَرَبَهُمْ، وَنَفَاهُمْ، وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ بِهِ، وَزَادَ: وَطَوَّفَ بِهِمْ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أُخِذَ نَبَّاشٌ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ مَرْوَانُ عَلَى
الْمَدِينَةِ، فَسَأَلَ مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ، فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يُضْرَبَ، وَيُطَافَ بِهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: "فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ، أُرَاهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ"، انْتَهَى. وَالْوَاقِدِيُّ فِيهِ مَقَالٌ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ فِي "الْحَدِيثِ الثَّالِثِ عَشَرَ".
فصل في الحرز
فَصْلٌ فِي الحرز ... فصل في الْحِرَازِ قَوْلُهُ: وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ - يَعْنِي فِي السَّارِقِ مِنْ الْمَغْنَمِ - أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ ابْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْرَصِ، وَهُوَ يزيد بْنُ دِثَارٍ، قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ بِرَجُلٍ سَرَقَ مِنْ الْمَغْنَمِ، فَقَالَ: لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ، وَهُوَ خَائِنٌ، فَلَمْ يَقْطَعْهُ، وَكَانَ قَدْ سَرَقَ مِغْفَرًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ - فِي تَرْجَمَةِ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْرَصِ" عَنْ الثَّوْرِيِّ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا. وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" 2 حَدَّثَنَا جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الْخُمُسِ سَرَقَ مِنْ الْخُمُسِ، فَرُفِعَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقْطَعْهُ، وَقَالَ: " مَالُ اللَّهِ سَرَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَقَدْ رُوِيَ مرسل، انْتَهَى. قُلْت: هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محرز أَخْبَرَنِي مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِعَبْدٍ، الْحَدِيثَ. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ رَجُلًا سَرَقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ، مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ، وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 3 عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، فَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ أُخْتِ صَفْوَانَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ، وَصَلَّى،
ثُمَّ لَفَّ رِدَاءً لَهُ مِنْ بُرْدٍ، فَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، فَنَامَ، فَأَتَاهُ لِصٌّ فَاسْتَلَّهُ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ، فَأَخَذَهُ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ هَذَا سَرَقَ رِدَائِي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَسَرَقْتَ رِدَاءَ هَذَا؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "اذْهَبَا بِهِ، فَاقْطَعَا يَدَهُ"، فَقَالَ صَفْوَانُ: مَا كُنْت أُرِيدُ أَنْ تَقْطَعَ يَدَهُ فِي رِدَائِي، قَالَ: "فَلَوْلَا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ؟! "، انْتَهَى. وَزَادَ النَّسَائِيّ، فَقَطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِسَنَدِ أَبِي دَاوُد رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1، وَلَفْظُهُ قَالَ: كُنْت نَائِمًا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيَّ خميصة لي ثمن ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، فَجَاءَ رَجُلٌ فَاخْتَلَسَهَا مِنِّي، فَأُخِذَ الرَّجُلُ، فَجِيءَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُقْطَعَ، فَقُلْتُ: مِنْ أَجْلِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا؟ أَنَا أَبِيعُهُ، وَأَهَبُهُ ثَمَنَهَا، قَالَ: "فَهَلَّا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ؟! "، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَحُمَيْدَ ابْنُ أُخْتِ صَفْوَانَ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ، إلَّا سِمَاكٌ، وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، وَعِنْدَ النَّسَائِيّ فِيهِ طُرُقٌ أُخْرَى2، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَةِ النَّسَائِيّ: وَرَوَاهُ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ حُمَيْدٍ ابْنِ أُخْتِ صَفْوَانَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَشِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ صَفْوَانَ، وَرَوَاهُ أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ صَفْوَانَ، ذَكَرَ هَذِهِ الطُّرُقَ النَّسَائِيّ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ أن صفوان، وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا أَعْلَمُهُ يَتَّصِلُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ، انْتَهَى. وَبَيَّنَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ" فَقَالَ: أَمَّا حَدِيثُ سِمَاكٍ فَضَعِيفٌ بِحُمَيْدٍ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي غَيْرِ هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، فَقَالَ: إنَّهُ حُمَيْدٍ بْنُ حُجَيْرِ ابْنُ أُخْتِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، ثُمَّ سَاقَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَهُوَ كَمَا قُلْنَا: مَجْهُولُ الْحَالِ، وَأَمَّا طَرِيقُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَشِيرٍ، فالظاهر أنها منقطعة، فَإِنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَعِكْرِمَةُ لَا أَعْرِفُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ صَفْوَانَ، وَإِنَّمَا يَرْوِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ دُونِ عَبْدِ الْمَلِكِ إلَى النَّسَائِيّ ثِقَاتٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَثَّقَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَيَحْيَى الْقَطَّانُ، وَقَالَ سُفْيَانُ: كَانَ شيخ صدوق، وَأَمَّا طَرِيقُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فَتُشْبِهُ أَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: سَمَاعُ طَاوُسٍ مِنْ صَفْوَانَ مُمْكِنٌ، لِأَنَّهُ أَدْرَكَ زَمَانَ عُثْمَانَ، وَذَكَرَ يَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ شَيْخًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": حَدِيثُ صَفْوَانَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْهُ، انْتَهَى.
فصل في كيفية القطع
فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ يَمِينَ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ النَّخَعِيّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الله الْعَرْزَمِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ، وَثِيَابُهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، فَجَاءَ سَارِقٌ فَأَخَذَهَا، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقَرَّ السَّارِقُ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْطَعَ، فَقَالَ صَفْوَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُقْطَعُ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ فِي ثَوْبِي؟ ! فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفَلَا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ"، ثُمَّ قَالَ عليه السلام: "اشْفَعُوا مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْوَالِي، فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْوَالِي فَعَفَا، فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ"، ثُمَّ أَمَرَ بِقَطْعِهِ مِنْ الْمَفْصِلِ، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ"، فَقَالَ: الْعَرْزَمِيُّ مَتْرُوكٌ، وَأَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هَانِئٍ النَّخَعِيّ لَا يُتَابَعُ عَلَى مَا لَهُ مِنْ حَدِيثٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى 2 الْوَشَّاءُ التِّنِّيسِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَارِقًا مِنْ الْمَفْصِلِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَخَالِدٌ ثِقَةٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَمَةَ لَا أَعْرِفُ لَهُ حَالًا. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: سَمِعْت عَدِيَّ بْنَ عَدِيٍّ يُحَدِّثُ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ رَجُلًا مِنْ الْمَفْصِلِ، انْتَهَى. وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَأَخْرَجَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَطَعَا مِنْ الْمَفْصِلِ، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُفَسِّرَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الْمُجْمَلَةِ، كَحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد في "سننه"3 عن حجاج بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ يَدَ سَارِقٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِالْحَجَّاجِ، وَزَادَ ابْنُ الْقَطَّانِ جَهَالَةَ حَالِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَحَدِيثٌ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي بَيْضَةٍ مِنْ حَدِيدٍ، قِيمَتُهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ عَبْدُ الْحَقِّ، ثُمَّ ابْنُ الْقَطَّانِ بِالْمُخْتَارِ هَذَا، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: يُكْنَى بِأَبِي إسْحَاقَ، وَيُعْرَفُ بِالتَّمَّارِ، وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ رَوَاهُ الْمُخْتَارُ عَنْ أَبِي مَطَرٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَأَبُو مَطَرٍ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ وَلَا اسْمُهُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "فَاقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 1 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَارِقٍ سَرَقَ شَمْلَةً، فَقَالَ عليه السلام: "مَا أَخَالُهُ سَرَقَ"، فَقَالَ السَّارِقُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: " اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ، ثُمَّ احْسِمُوهُ، ثُمَّ ائْتُونِي بِهِ" فَقُطِعَ، ثُمَّ حُسِمَ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَقَالَ: "تُبْ إلَى اللَّهِ"، فَقَالَ: تُبْت إلَى اللَّهِ، فَقَالَ: "تَابَ اللَّهُ عَلَيْك"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2، وَقَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. قُلْت: كَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ الثَّوْرِيِّ بِهِ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، وَالثَّوْرِيُّ بِهِ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "غَرِيبِ الْحَدِيثِ" حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ بِهِ أَيْضًا مُرْسَلًا، قَالَ: وَلَمْ يُسْمَعْ بِالْحَسْمِ فِي قَطْعِ السَّارِقِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي "كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ"، وَقَالَ: الْحَسْمُ أَنْ يَكْوِيَ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَيَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى جَدِّهِ، فَإِنَّهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن خصيفة، وهو ثِقَةٌ، بِلَا خِلَافٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ 3 عَنْ حُجِّيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ مِنْ الْمَفْصِلِ وَحَسَمَهَا، قَالَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَإِلَى أَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا أُيُورُ الْحُمُرِ، انْتَهَى. وَحُجِّيَّةُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: شِبْهُ الْمَجْهُولِ. الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ"، قُلْت: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد 4 عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جِيءَ بِسَارِقٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "اُقْتُلُوهُ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، فَقَالَ: "اقْطَعُوهُ"، فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: "اُقْتُلُوهُ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، قَالَ: "اقْطَعُوهُ"، فَقُطِعَ،
ثُمَّ جِيءَ بِهِ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: "اُقْتُلُوهُ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّمَا سَرَقَ، قَالَ: "اقْطَعُوهُ"، فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ الرَّابِعَةَ، فَقَالَ: "اُقْتُلُوهُ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، قَالَ: "اقْطَعُوهُ"، فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ الْخَامِسَةَ، فَقَالَ: "اُقْتُلُوهُ"، قَالَ جَابِرٌ: فَانْطَلَقْنَا بِهِ، فَقَتَلْنَاهُ، ثُمَّ اجْتَرَرْنَاهُ، فَأَلْقَيْنَاهُ فِي بِئْرٍ، وَرَمَيْنَا عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ، انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَمُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ ثَنَا أَبِي ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عن محمد ين الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، وَمُحَمَّدُ ابن يزيد فِيهِ مَقَالٌ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عَائِذِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَعَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ شِيعِيٌّ لَهُ مَنَاكِيرُ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى ثَنَا هِشَامٌ بِهِ، وَسَعِيدُ بْنُ يَحْيَى هُوَ ابْنُ صَالِحٍ اللَّخْمِيُّ، فِيهِ مَقَالٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنْبَأَ يُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ اللَّخْمِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلِصٍّ، فَقَالَ: "اُقْتُلُوهُ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، قَالَ: "اُقْتُلُوهُ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، قَالَ: "اقْطَعُوهُ"، فَقُطِعَ، ثُمَّ سَرَقَ، فَقُطِعَتْ رِجْلُهُ، ثُمَّ سَرَقَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، حَتَّى قُطِعَتْ قَوَائِمُهُ كُلُّهَا، ثُمَّ سَرَقَ الْخَامِسَةَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ بِهَذَا، حِينَ قَالَ: اُقْتُلُوهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "كِتَابِ الْحِلْيَةِ - فِي تَرْجَمَةِ أصحاب الصفة" 3 عن حرام بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ سَرَقَ مَتَاعًا، فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ سَرَقَ، فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، فَإِنْ سَرَقَ، فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ سَرَقَ، فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، فَإِنْ سَرَقَ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: تفرد به حرام بْنُ عُثْمَانَ، وَهُوَ مِنْ الضَّعْفِ بِالْمَحَلِّ الْعَظِيمِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: تَقَدَّمَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ، أُرَاهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ عَادَ، فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ"، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ هَذَا فِي "الْحَدِيثِ التَّاسِعِ"، وَالْوَاقِدِيُّ فِيهِ مَقَالٌ.
قَوْلُهُ: وَيُرْوَى مُفَسَّرًا، كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَرَقَ مَمْلُوكٌ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْفُو عَنْهُ، ثُمَّ سَرَقَ الْخَامِسَةَ، فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ السَّادِسَةَ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ، ثُمَّ السَّابِعَةَ، فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ الثَّامِنَةَ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ، وَقَالَ عليه السلام: "أَرْبَعٌ بِأَرْبَعٍ"، انْتَهَى. وَوَهَمَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" فَعَزَاهُ لِلنَّسَائِيِّ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ"، وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِوَجْهٍ عِنْدَ النَّسَائِيّ، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: هَذَا لَا يَصِحُّ لِلْإِرْسَالِ، وَضَعْفِ الْإِسْنَادِ، وَقَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي "مِيزَانِهِ": إنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا، وَضَعَّفَ الْفَضْلَ بْنَ الْمُخْتَارِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ تَوْثِيقٍ. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَابِطٍ، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَبْدٍ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا عَبْدٌ قَدْ سَرَقَ، وَوُجِدَتْ سَرِقَتُهُ مَعَهُ، وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا عَبْدُ بَنِي فُلَانٍ، أَيْتَامٌ لَيْسَ لَهُمْ مَالٌ غَيْرَهُ، فَتَرَكَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّانِيَةَ، فَتَرَكَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّالِثَةَ، فَتَرَكَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الرَّابِعَةَ، فَتَرَكَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الْخَامِسَةَ، فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ السَّادِسَةَ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ، ثُمَّ السَّابِعَةَ، فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ الثَّامِنَةَ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: " أَرْبَعٌ بِأَرْبَعٍ"، انْتَهَى. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" بِسَنَدِهِ، وَمَتْنِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِهِ. قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ طَعَنَ فِيهِ الطَّحَاوِيُّ ... (*) الْآثَارُ: رَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" 2 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَمَنِ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدِمَ، فَنَزَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصديق، فشكى إلَيْهِ أَنَّ عَامِلَ الْيَمَنِ ظَلَمَهُ، فَكَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ، فَيَقُولُ: أَبُو بَكْرٍ: وَأَبِيك مَا لَيْلُك بِلَيْلِ سَارِقٍ، ثُمَّ إنَّهُمْ فَقَدُوا عِقْدًا لِأَسْمَاءِ بِنْتِ عُمَيْسٍ، امْرَأَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَطُوفُ مَعَهُمْ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ عَلَيْك بِمَنْ بَيَّتَ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ الصَّالِحِ، فَوَجَدُوا الْحُلِيَّ عِنْدَ صَائِغٍ، زَعَمَ أَنَّ الْأَقْطَعَ جَاءَهُ بِهِ، فَاعْتَرَفَ الْأَقْطَعُ، أَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى، وَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ لَدُعَاؤُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ سَرِقَتِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي " مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ،
قَالَتْ: قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَجُلٌ أقطع، فشكى إلَيْهِ أَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ فِي سَرِقَةٍ، وَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا زِدْت عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُوَلِّينِي شَيْئًا مِنْ عَمَلِهِ، فَخُنْته فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَطَعَ يَدِي، وَرِجْلِي، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إنْ كُنْتَ صَادِقًا فَلَأُقِيدَنَّكَ مِنْهُ، فَلَمْ يَلْبَثُوا إلَّا قَلِيلًا حَتَّى فَقَدَ آلُ أَبِي بَكْرٍ حُلِيًّا لَهُمْ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَرَفَعَ يَدَهُ، وَقَالَ: أَظْهِرْ مَنْ سَرَقَ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ الصَّالِحِ، قَالَ: فَمَا انْتَصَفَ النَّهَارُ حَتَّى عَثَرُوا عَلَى الْمَتَاعِ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: وَيْلَك! إنَّك لَقَلِيلُ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ، فَقَطَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ الثَّانِيَةَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَكَانَ اسْمُهُ جبر، أو جبير، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: لَجُرْأَتُهُ عَلَى اللَّهِ أَغْيَظُ عِنْدِي مِنْ سَرِقَتِهِ، انْتَهَى. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ في "موطأه"1: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَيُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إنَّمَا كَانَ الَّذِي سَرَقَ حُلِيَّ أَسْمَاءَ أَقْطَعَ الْيَدِ الْيُمْنَى، فَقَطَعَ أَبُو بَكْرٍ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَكَانَتْ تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ أَعْلَمُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: إنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنْ اللَّهِ أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَأْكُلُ بِهَا، وَيَسْتَنْجِي بِهَا، وَرِجْلًا يَمْشِي عَلَيْهَا، قُلْت: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ"، وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: إذَا سَرَقَ السَّارِقُ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى، فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ ضَمَّنَهُ السِّجْنَ، حَتَّى يُحْدِثَ خَيْرًا، إنِّي أَسْتَحْيِي مِنْ اللَّهِ أَنْ أَدَعَهُ لَيْسَ لَهُ يَدٌ يَأْكُلُ بِهَا، وَيَسْتَنْجِي بِهَا، وَرِجْلٌ يَمْشِي عَلَيْهَا، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ لَا يَقْطَعُ إلَّا الْيَدَ وَالرِّجْلَ، وَإِنْ سَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ سَجَنَهُ، وَيَقُولُ: إنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنْ اللَّهِ أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَأْكُلُ بِهَا، وَيَسْتَنْجِي، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ يَدًا وَرِجْلًا، فَإِذَا أُتِيَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: إنِّي لَأَسْتَحْيِي أَنْ أَدَعَهُ لَا يَتَطَهَّرُ لِصَلَاتِهِ، وَلَكِنْ احْبِسُوهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ 3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أُتِيَ بِسَارِقٍ، فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ، فَقَالَ: أَقْطَعُ يَدَهُ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ يَتَمَسَّحُ؟ وَبِأَيِّ شَيْءٍ يَأْكُلُ؟ أَقْطَعُ رِجْلَهُ! عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَمْشِي؟ إنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنْ اللَّهِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ، وَخَلَّدَهُ فِي السِّجْنِ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ
إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ السَّارِقِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ بِمِثْلِ قَوْلِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَهُمْ فِي سَارِقٍ، فَأَجْمَعَا عَلَى مِثْلِ قَوْلِ عَلِيٍّ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: إذَا سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، وَلَا تَقْطَعُوا يَدَهُ الْأُخْرَى، وَذَرُوهُ يَأْكُلُ بِهَا، وَيَسْتَنْجِي بِهَا، وَلَكِنْ احْبِسُوهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ النَّخَعِيّ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: لَا يُتْرَكُ ابْنُ آدَمَ مِثْلُ الْبَهِيمَةِ لَيْسَ لَهُ يَدٌ يَأْكُلُ بِهَا، وَيَسْتَنْجِي بِهَا، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَبِهَذَا حَاجَّ عَلِيٌّ بَقِيَّةَ الصَّحَابَةِ فَحَجَّهُمْ، قُلْت: فِي "التَّنْقِيحِ" قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَضَرْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ مَقْطُوعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، قَدْ سَرَقَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: اقْطَعْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: قَتَلْتُهُ إذًا، وَمَا عَلَيْهِ الْقَتْلُ، بِأَيِّ شَيْءٍ يَأْكُلُ الطَّعَامَ؟! بِأَيِّ شَيْءٍ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ؟! بِأَيِّ شَيْءٍ يَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَتِهِ؟! بِأَيِّ شَيْءٍ يَقُومُ عَلَى حَاجَتِهِ؟!، فَرَدَّهُ إلَى السِّجْنِ أَيَّامًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ، فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ، فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِمْ الْأَوَّلِ، وَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَجَلَدَهُ جَلْدًا شَدِيدًا، ثُمَّ أَرْسَلَهُ، وَقَالَ سَعِيدٌ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ، قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِأَقْطَعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، قَدْ سَرَقَ، فَأَمَرَ أَنْ تُقْطَعَ رِجْلُهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ} الْآيَةَ، فَقَدْ قَطَعْتَ يَدَ هَذَا، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَقْطَعَ رِجْلَهُ، فَتَدَعَهُ لَيْسَ لَهُ قَائِمَةٌ يَمْشِي عَلَيْهَا، إمَّا أَنْ تُعَزِّرَهُ، وَإِمَّا أَنْ تُودِعَهُ السِّجْنَ، فَاسْتَوْدَعَهُ السِّجْنَ، انْتَهَى. وَهَذَا الثَّانِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ". الْحَدِيثُ الرَّابِعُ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَا غرم على السارق بعد ما قُطِعَتْ يَمِينُهُ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَبِمَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَغْرَمُ صَاحِبُ السَّرِقَةِ إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ"، انْتَهَى: قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَلَيْسَ بِثَابِتٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" بِلَفْظِ: لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَ قَطْعِ يَمِينِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ: وَالْمِسْوَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُدْرِكْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَإِنْ صَحَّ إسْنَادُهُ فَهُوَ مُرْسَلٌ، قَالَ: وَسَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَصَدَقَ فِيمَا قَالَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" بِلَفْظِ: لَا يَضْمَنُ السَّارِقُ سَرِقَتَهُ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ، قَالَ: وَالْمِسْوَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ
لَمْ يَلْقَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ" قَالَ: لَا يُرْوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَّصِلٍ، لِأَنَّ الْمِسْوَرَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": إسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَفِيهِ مَعَ الِانْقِطَاعِ بَيْنَ الْمِسْوَرِ وَجَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، انْقِطَاعٌ آخَرُ بَيْنَ الْمُفَضَّلِ. وَيُونُسَ، فَقَدْ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ الْفُرَاتِ عَنْ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ، فَجَعَلَ فِيهِ الزُّهْرِيَّ بَيْنَ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، وَسَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ الْجَهْلُ بِحَالِ الْمِسْوَرِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ "فِي كِتَابِ الْعِلَلِ" 1: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يَغْرَمُ السَّارِقُ إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ"، فَقَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَمِسْوَرٌ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ" 2: هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ قَاضِي مِصْرَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعْدٍ، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعْدٍ، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَخِيهِ الْمِسْوَرِ، فَإِنْ كَانَ سَعْدٌ هَذَا هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ: لَا نَعْرِفُ لَهُ فِي التَّوَارِيخِ أَخًا مَعْرُوفًا بِالرِّوَايَةِ يُقَالُ لَهُ: الْمِسْوَرُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ، فَلَا نَعْرِفُهُ، وَلَا نَعْرِفُ أَخَاهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَأَيْت حَدِيثًا لِسَعْدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَإِنَّ كان هذا الانتساب صَحِيحًا، وَثَبَتَ كَوْنُ الْمِسْوَرِ أَخًا لِسَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلَا رُؤْيَةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ صَبِيًّا صَغِيرًا، وَمَاتَ أَبُوهُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، فَإِنَّمَا كَانَ أَدْرَكَ أَوْلَادَهُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ، وَإِنَّمَا رِوَايَةُ ابْنَيْهِ الْمَعْرُوفَيْنِ: صَالِحٍ، وَسَعْدٍ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَهَذَا الَّذِي عَرَفْنَاهُ بِحَفَدَتِهِ - وَفِيهِ نَظَرٌ - لَا يُعْرَفُ لَهُ رُؤْيَةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ عَنْ جَدِّهِ، وَلَا عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَهُوَ مَعَ الْجَهَالَةِ مُنْقَطِعٌ، وَبِمِثْلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا تُتْرَكُ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ تَذْهَبُ بَاطِلًا، وَقَدْ قَالَ عليه السلام: "عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ"، انْتَهَى كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ. وَقَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ سَعِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَالْمَعْرُوفُ سَعْدٌ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: مِسْوَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أخو صالح، وسعد ابني إبْرَاهِيمَ رَوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مُرْسَلًا، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هَذَا مَجْهُولٌ، وَقِيلَ: إنَّهُ الزُّهْرِيُّ قَاضِي الْمَدِينَةِ، وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إنَّ الزُّهْرِيَّ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَخٌ مَعْرُوفٌ بِالرِّوَايَةِ يُقَالُ لَهُ: الْمِسْوَرُ، وَاَللَّهُ أعلم.
كتاب السير
كِتَابُ السير مدخل ... كتاب السِّيَرِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "الْجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي نُشْبَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثٌ مِنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ: الْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا تُكَفِّرُهُ بِذَنْبٍ، وَلَا تُخْرِجُهُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِعَمَلٍ، وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ، لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ، وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ، وَالْإِيمَانُ بِالْأَقْدَارِ"، انْتَهَى. وَبَقِيَّةُ السَّنَدِ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي نُشْبَةَ بِهِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": يَزِيدُ بْنُ أَبِي نُشْبَةَ فِي مَعْنَى الْمَجْهُولِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي نُشْبَةَ هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْبُيُوعِ"2، وَالنَّسَائِيُّ فِي "الْعَارِيَّةِ" عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَارَ مِنْهُ دُرُوعًا يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَالَ: أَغَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: "بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي الْبُيُوعِ"3، وَقَالَ: وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَارَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَدْرُعًا وَسِلَاحًا فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْحَادِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَتَتْك رُسُلِي فَأَعْطِهِمْ ثَلَاثِينَ بَعِيرًا، وَثَلَاثِينَ دِرْعًا"، قَالَ: قُلْت: أَعَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد4، وَالنَّسَائِيُّ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي "كِتَابِ الْعَارِيَّةِ" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ يُغْزِي الْأَعْزَبَ عَنْ ذِي الْحَلِيلَةِ، وَيُعْطِي الشَّاخِصَ فَرَسَ الْقَاعِدِ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي أَبْوَابٍ فِي الْجِهَادِ" حَدَّثَنَا حَفْصُ
بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُغْزِي الْعَزَبَ، وَيَأْخُذُ فرس الْمُقِيمُ فَيُعْطِيهِ الْمُسَافِرَ، انْتَهَى. وَبَوَّبَ لَهُ "بَابَ مَا قَالُوا فِي الْعَزَبِ يُغْزِي، وَيَتْرُكُ الْمُتَزَوِّجَ"، ثُمَّ ذَكَرَ الحديث، رواه ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ1 فِي تَرْجَمَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يُغْزِي الأعزب عن ذي الجليلة، وَيُغْزِي الْفَارِسَ عَنْ الْقَاعِدِ، انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
باب كيفية القتال
بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَاتَلَ قَوْمًا حَتَّى دَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا حَتَّى دَعَاهُمْ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا أَبُو حُبَابٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ يحيى بن هانئ عن عروة بن فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ، قَالَ: أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ بِمُقْبِلِ قَوْمِي مُدْبِرَهُمْ؟ قَالَ: " نَعَمْ"، فَلَمَّا وَلَّيْت دَعَانِي، فَقَالَ: " لَا تُقَاتِلْهُمْ حَتَّى تَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ"، مُخْتَصَرٌ. حديث آخر: روى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ عَنْ يَحْيَى بْنِ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ حِينَ بَعَثَهُ: " لَا تُقَاتِلْ قَوْمًا حَتَّى تَدْعُوَهُمْ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط" مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَلِيًّا إلَى قَوْمٍ يُقَاتِلُهُمْ، وَقَالَ لَهُ، إلَى آخِرِهِ، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ إسْحَاقَ، إلَّا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ سَلْمَانَ أَنَّهُ انْتَهَى إلَى حِصْنٍ، أَوْ مَدِينَةٍ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: دَعُونِي
أَدْعُوهُمْ كَمَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعوهم، فقال لهم: إنَّمَا كُنْت رَجُلًا مِنْكُمْ فَهَدَانِي اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَسْلَمْتُمْ فَلَكُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيْنَا، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَأَدُّوا الْجِزْيَةَ وَأَنْتُمْ صَاغِرُونَ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ نَابَذْنَاكُمْ عَلَى سَوَاءٍ، إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ أَمَرَ النَّاسَ، فَغَدَوْا إليهم فَفَتَحُوهَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى وُجُوبِ الدَّعْوَةِ قَبْلَ الْقِتَالِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ، وَقَالَ لَهُ: إنَّك تَقْدُمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، الْحَدِيثَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: إنَّهُ سَقَطَ الْوُجُوبُ بِحَدِيثِ أَنَّهُ عليه السلام أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَتَبْقَى السُّنَّةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْت بِهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ"، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا 2 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ، وَنَفْسَهُ إلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ؟ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاَللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنقاتلنهم عَلَى مَنْعِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: فَوَاَللَّهِ مَا هُوَ إلَّا أَنْ رَأَيْت اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْت أَنَّهُ الْحَقُّ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِنَاقًا، أَخْرَجَهُ فِي الزَّكَاةِ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا 1 عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ"، انْتَهَى. زَادَ الْبُخَارِيُّ: إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، بِلَفْظِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَادَ: ثُمَّ قَرَأَ {إنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَنَسٍ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 3 عَنْهُ فِي "الصَّلَاةِ" قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ"، انْتَهَى. وَفِيهِ حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 4 عَنْ طَارِقِ بْنِ أَشَيْمَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، حَرَّمَ اللَّهُ مَالَهُ وَدَمَهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ"، وَفِي لَفْظٍ مَنْ وَحَّدَ اللَّهَ، أَخْرَجَهَا كُلَّهَا مُسْلِمٌ فِي "الْإِيمَانِ". الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أُمَرَاءَ الْجُيُوشِ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْكُفَّارِ إذَا امْتَنَعُوا مِنْ الْإِسْلَامِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 5 - إلَّا الْبُخَارِيَّ - عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: "اُغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ، اُغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيت عَدُوَّك مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ - أَوْ خِلَالٍ - فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ: اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ
وَالْفَيْءِ شَيْءٌ، إلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلُوهُمْ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ، وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوك أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَك وَذِمَّةَ أَصْحَابِك، فَإِنَّكُمْ إنْ تَخْفِرُوا ذِمَّتَكُمْ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تَخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَإِذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك، فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا، ثُمَّ اقضوا فيهم بعدُ ما شِئْتُمْ"، انْتَهَى. زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ: قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ عَلْقَمَةُ: فَذَكَرْت هَذَا الْحَدِيثَ لِمُقَاتِلِ بْنِ حِبَّانَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ هيضم عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا، وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ الْحَكَمِ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي الْجَنُوبِ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: مَنْ كَانَتْ لَهُ ذِمَّتُنَا، فَدَمُهُ كَدَمِنَا، وَدِيَتُهُ كَدِيَتِنَا، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: خَالَفَهُ أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ، فَرَوَاهُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْجَنُوبِ، وَأَبُو الْجَنُوبِ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. قُلْت: وَحَدِيثُ أَبَانَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا قَيْسُ بْنُ رَبِيعٍ الْأَسَدِيُّ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ عن حسين بْنِ مَيْمُونٍ بِهِ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام فِي وَصِيَّةِ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: "فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ: "اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ". قَوْلُهُ: وَلَوْ قَاتَلَ قَبْلَ الدَّعْوَةِ أَثِمَ، لِلنَّهْيِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ بِمُقْبِلِ قَوْمِي مُدْبِرَهُمْ؟ قَالَ: " نَعَمْ"، فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي، فَقَالَ: "لَا تُقَاتِلْهُمْ حَتَّى تَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ"، مُخْتَصَرٌ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: "لَا تُقَاتِلْ قَوْمًا حَتَّى تَدْعُوَهُمْ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ، وَالسَّادِسُ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارُّونَ، وَعَهِدَ إلَى أُسَامَةَ أَنْ يُغِيرَ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا، ثُمَّ يُحَرِّقَ، قُلْت: حَدِيثُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ ابْنِ عوف، قَالَ: كَتَبْتُ إلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنْ الدُّعَاءِ قَبْلَ الْقِتَالِ، فَكَتَبَ إلَيَّ:
إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، قَدْ أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارُّونَ، وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى على الماء، فقتل مقاتلهم، وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ، وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أُسَامَةَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ 1 عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَهِدَ إلَيْهِ، فقال: اغز عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا، وَحَرِّقْ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ": غَارُّونَ - بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ - هَكَذَا قَيَّدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ الْفَارِسِيُّ: أَظُنُّهُ غَادُونَ، بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمُخَفَّفَةِ، فَإِنْ صَحَّتْ رِوَايَةُ الرَّاءِ فَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ ذُو غِرَّةٍ، أَيْ أَتَاهُمْ الْجَيْشُ عَلَى غِرَّةٍ مِنْهُمْ، فَإِنَّ الْغَارَّ هُوَ الَّذِي يَغُرُّ غَيْرَهُ، وَلَا وَجْهَ لَهُ هُنَا، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ تَكَلُّفٌ، فَقَدْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ، وَغَيْرُهُ: الْغَافِلُ، انْتَهَى. وَأُبْنَى - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، بَعْدَهَا نُونٌ، وَأَلِفٌ مَقْصُورَةٌ - مَوْضِعٌ مِنْ فِلَسْطِينَ بَيْنَ عَسْقَلَانَ وَالرَّمْلَةِ، وَيُقَالُ: يُبْنَى - بِيَاءٍ مَضْمُومَةٍ آخِرَ الْحُرُوفِ - انْتَهَى. وَزَعَمَ الْحَازِمِيُّ فِي "النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ" أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمَ نَاسِخٌ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا الدَّعْوَةُ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَكَّارَ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغَارَ عَلَى خَيْبَرٍ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَهُمْ غَارُّونَ، فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ، وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ، انْتَهَى. قَالَ: وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، فَقَالَ: الْأَحَادِيثُ الْأُوَلُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْأَمْرِ بِدُعَاءِ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ، وَأَمَّا بَنُو الْمُصْطَلِقِ، وَأَهْلُ خَيْبَرَ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ كَانَتْ بَلَغَتْهُمْ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ: " فَإِنْ أَبَوْا فَادْعُهُمْ إلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ"، إلَى أَنْ قَالَ: " فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَقَاتِلْهُمْ"، قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نصب المناجيق عَلَى الطَّائِفِ، قُلْت: ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "الِاسْتِئْذَانِ" 2 مُعْضَلًا، وَلَمْ يَصِلْ سَنَدَهُ بِهِ، فَقَالَ: قَالَ قُتَيْبَةُ: ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى الطَّائِفِ، قَالَ قُتَيْبَةُ: قُلْت لِوَكِيعٍ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ قَالَ: صَاحِبُكُمْ عُمَرُ بْنُ هَارُونَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نَصَبَ المناجيق عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ" 1 أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مَكْحُولٍ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي "ضُعَفَائِهِ" مُسْنَدًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خِرَاشٍ عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي صَادِقٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: نَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي": وَقَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ يَوْمَئِذٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَى أَنْ تَنْصِبَ عَلَيْهِمْ المنجنيق، فَإِنَّا كُنَّا بِأَرْضِ فَارِسَ ننصب المناجيق عَلَى الْحُصُونِ، فَنُصِيبُ مِنْ عَدُوِّنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْجَنِيقَ طَالَ الْمَقَامُ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَمِلَ مَنْجَنِيقًا بِيَدِهِ، فَنَصَبَهُ عَلَى حِصْنِ الطَّائِفِ، وَيُقَالُ: قَدِمَ بِالْمَنْجَنِيقِ يَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَقِيلَ: غَيْرُهُ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّقَ الْبُوَيْرَةَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ" عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطع نخل بنو النَّضِيرِ، وَحَرَّقَ - وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ - وَفِيهَا نَزَلَتْ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا} الْآيَةَ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْمَغَازِي" عَنْ آدَمَ2، وَفِي "التَّفْسِيرِ" عَنْ قُتَيْبَةَ، وَمُسْلِمٌ فِي "الْمَغَازِي" عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ، أَرْبَعَتُهُمْ عَنْهُ بِهِ، وَأَبُو دَاوُد فِي "الْجِهَادِ"، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ فِي "السِّيَرِ"، وَفِي "التَّفْسِيرِ" عَنْ قُتَيْبَةَ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الْجِهَادِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ عليه السلام: "لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ"، قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ - إلَّا التِّرْمِذِيَّ - فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد3، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، انْتَهَى. وَزَادَ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ فِيهِ، قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهُ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى أَنْ
يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، وَيَخَافُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ"، قَالَ أَيُّوبُ: فَقَدْ نَالَهُ الْعَدُوُّ، وَخَاصَمُوكُمْ بِهِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: فَإِنِّي أَخَافُ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ". وَاخْتَلَفَ الْحُفَّاظُ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ - أَعْنِي قَوْلَهُ: مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ - هَلْ هِيَ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ؟، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ" هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ، غَيْرَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى، وَيَحْيَى بْنَ بُكَيْر أَخْرَجَاهَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، فَإِنْ صَحَّ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مَالِكًا شَكَّ فِي رَفْعِهَا مَرَّةً، فَوَقَفَهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: غَلَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، فَزَعَمَ أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِ السُّنَنِ": هَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ، فَأَفْرَدَ الزِّيَادَةَ مِنْ قَوْلِهِ، وَوَافَقَ الْقَعْنَبِيَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيُّ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْر، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَالْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ، فَأَدْرَجَهَا فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى الْقَعْنَبِيِّ فِي ذَلِكَ، فَمَرَّةً يُبَيِّنُ أَنَّهَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَمَرَّةً يُدْرِجُهَا فِي الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ عَنْ مَالِكٍ، فَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَلْبَتَّةَ، وَقَدْ رَفَعَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحْتَمَلُ أَنَّ مَالِكًا شَكَّ، هَلْ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَا، فَجَعَلَ لِتَحَرِّيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ كَلَامِهِ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَإِلَّا فَهِيَ صَحِيحَةٌ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ، انْتَهَى. وَذَهِلَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، فَعَزَاهُ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، لِمَالِكٍ فِي "الْمُوَطَّإِ" فَقَطْ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى الْجَيْشِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ ضَيَاعُهُ، وَالشَّافِعِيَّةُ مَعَنَا فِي ذَلِكَ، وَأَخَذَ الْمَالِكِيَّةُ بِإِطْلَاقِهِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُيُوشِ وَالسَّرَايَا عَمَلًا بِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَهُوَ - وَإِنْ كَانَ نَيْلُ الْعَدُوِّ لَهُ فِي الْجَيْشِ الْعَظِيمِ نَادِرًا - فَنِسْيَانُهُ وَسُقُوطُهُ لَيْسَ نَادِرًا، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْآنِ فِي الْحَدِيثِ الْمُصْحَفُ. وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ: "بَابُ السَّفَرُ بِالْمَصَاحِفِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ" يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ سَافَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: " لَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا"، قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ. قَوْلُهُ: وَالْمُثْلَةُ الْمَرْوِيَّةُ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّهْيِ الْمُتَأَخِّرِ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ فِي "كِتَابِ الْحُدُودِ" مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً، وَفِي لَفْظٍ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَاسْتَوْخَمُوا الْأَرْضَ، وَسَقِمَتْ أَبْدَانُهُمْ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَلَا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إبِلِهِ، فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَخَرَجُوا، فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَصَحُّوا، ثُمَّ مَالُوا عَلَى الرِّعَاءِ، فَقَتَلُوهُمْ، وَارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَاسْتَاقُوا ذَوْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ فِي إثْرِهِمْ، وَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَّلَ أَعْيُنَهُمْ، وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا، وَفِي لَفْظٍ: وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ، وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا، وَفِي لَفْظٍ: فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ كَحَّلَهُمْ بِهَا، وَفِي لَفْظٍ: وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَعَضُّونَ الْحِجَارَةَ، وَفِي آخِرِهِ، قَالَ قَتَادَةُ: وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا2، قَالَ قَتَادَةُ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبَيْهَقِيِّ: قَالَ أَنَسٌ: فَمَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذَا خُطْبَةً، إلَّا نَهَى فِيهَا عَنْ الْمُثْلَةِ، انْتَهَى. قَالَ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَحَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ إمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّسْخِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَقَتَادَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ بِهِمْ مَا فَعَلَ بِالرِّعَاءِ، وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: إنَّمَا سَمَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَ أُولَئِكَ لِأَنَّهُمْ سَمَّلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ فِي "سِيرَتِهِ": مِنْ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الْآيَةَ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَبَى ذَلِكَ، لِمَا وَقَعَ مِنْ الْخِلَافِ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لَهَا قِصَّةً أُخْرَى، وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا يُشْعِرُهُ لَفْظَةَ "إنَّمَا" مِنْ الِاقْتِصَارِ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ، عَلَى مَا فِي الْآيَةِ، وَأَمَّا مَنْ زَادَ عَلَى الْحِرَابَةِ جِنَايَاتٍ أُخَرَ، كَمَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ حَيْثُ زَادُوا بِالرِّدَّةِ، وَسَمْلِ أَعْيُنِ
الرِّعَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي خَبَرِهِمْ أَنَّهُمْ قَطَعُوا يَدَ الرَّاعِي وَرِجْلِهِ، وَغَرَزُوا الشَّوْكَ فِي لِسَانِهِ وَعَيْنَيْهِ حَتَّى مَاتَ، فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَمْنَعُ مِنْ التَّغْلِيظِ عَلَيْهِمْ، وَالزِّيَادَةِ فِي عُقُوبَتِهِمْ، فَهَذَا لَيْسَ بِمُثْلَةٍ، وَالْمُثْلَةُ مَا كَانَ ابْتِدَاءً عن غير جزع، وَقَدْ جَاءَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ"، إنَّمَا سَمَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَهُمْ لِأَنَّهُمْ سَمَّلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ، وَلَوْ أَنَّ شَخْصًا جَنَى عَلَى قَوْمٍ جِنَايَاتٍ فِي أَعْضَاءٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَاقْتَصَّ مِنْهُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، لَمَا كَانَ التَّشْوِيهُ الَّذِي حَصَلَ مِنْ الْمُثْلَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ فِي نُزُولِ الْآيَةِ الْأَقْوَالُ، وَتَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ، فَلَا نَسْخَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَحَادِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ فِي "كِتَابِ الْحَجِّ - فِي مَسْأَلَةِ الْإِشْعَارِ - مِنْ بَابِ التَّمَتُّعِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْت: مِمَّا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ بِالْآيَةِ مَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي إسْحَاقُ عَنْ صَالِحٍ مولى التوءَمة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا قَطَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْدِيَ أَصْحَابِ اللِّقَاحِ، وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَّلَ أَعْيُنَهُمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إلَى آخِرِ الآية، قالوا: فَلَمْ تُسَمَّلْ بَعْدَ ذَلِكَ عَيْنٌ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ: مَا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْثًا، إلَّا نَهَاهُمْ عَنْ الْمُثْلَةِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ وَالذَّرَارِيِّ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ 1 - إلَّا ابْنُ مَاجَهْ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتُولَةً، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلشَّيْخَيْنِ: فَأَنْكَرَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد 2 عَنْ خالد بن الفزر حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا طِفْلًا، وَلَا صَغِيرًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا، وَأَحْسِنُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"، انْتَهَى. وخالد بن الفزر، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِذَاكَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ مُعَارَضَةُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا 3 عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اُقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَبْقَوْا شَرْخَهُمْ"، انْتَهَى. قَالَ: وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، وَالْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ مُنْقَطِعٌ فِي غَيْرِ حَدِيثِ الْعَقِيقَةِ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: يُشْكِلُ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ 1 عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدَّارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ، فَيُصَابُ مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ وَنِسَائِهِمْ، فَقَالَ عليه السلام: "هُمْ مِنْهُمْ"، وَفِي لَفْظٍ: "هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ"، انْتَهَى. زَادَ أَبُو دَاوُد: قَالَ الزُّهْرِيُّ: ثُمَّ نَهَى رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، انْتَهَى. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، نَقَلَهُ الْحَازِمِيُّ فِي "النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ" عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الزُّهْرِيِّ، الثَّانِي: أَنَّ حَدِيثَ الصَّعْبِ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي تَبْيِيتِ الْعَدُوِّ إذَا أُغِيرَ عَلَيْهِ، فَقَتَلَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، ضَرُورَةَ التَّوَصُّلِ إلَى الْعَدُوِّ، وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَالْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَالْمَنْعُ مِنْ قَتْلِهِمْ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ غَنِيمَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَجُوزُ إتْلَافُهَا، الثَّانِي: أَنَّ الشَّارِعَ لَيْسَ مِنْ غَرَضِهِ إفْسَادُ الْعَالَمِ، وَإِنَّمَا غَرَضُهُ إصْلَاحُهُ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِهْلَاكِ الْمُقَاتَلَةِ، وَمَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى امْرَأَةً مَقْتُولَةً، فَقَالَ: "هَاهْ، مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ، فَلِمَ قُتِلَتْ؟! "، قُلْت: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد2، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْمُرَقِّعِ بْنِ صَيْفِيٍّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّهِ رَبَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ صَيْفِيٍّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَيْءٍ، فَبَعَثَ رَجُلًا، فَقَالَ: "اُنْظُرْ على مَ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ؟ " فَجَاءَ، فَقَالَ: امْرَأَةٍ قَتِيلٍ، فَقَالَ: " مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ"، وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَبَعَثَ رَجُلًا، فَقَالَ: "قُلْ لِخَالِدٍ: لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً، وَلَا عَسِيفًا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْمُرَقِّعِ عَنْ جَدِّهِ رَبَاحٍ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَفِي لَفْظِهِ: فَقَالَ: "هَاهْ، مَا كَانَتْ تُقَاتِلُ"، الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، فَصَارَ الْحَدِيثُ صَحِيحًا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. فَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ تَقَدَّمَ عِنْدَ النَّسَائِيّ، وَابْنِ مَاجَهْ، وَحَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْمُرَقِّعِ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 1 عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْمُرَقِّعِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَرْنَا عَلَى امْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ، قَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا النَّاسُ، فَقَالَ: مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ، ثُمَّ قَالَ لِرَجُلٍ: " انْطَلِقْ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَقُلْ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُك لَا تَقْتُلَنَّ ذُرِّيَّةً، وَلَا عَسِيفًا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَيْضًا أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَقَالَ: هَذَا الْخَبَرُ سَمِعَهُ الْمُرَقِّعُ بْنُ صَيْفِيٍّ عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ، وَسَمِعَهُ مِنْ جَدِّهِ رَبَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَالْخَبَرَانِ مَحْفُوظَانِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ" 2: سَأَلْت أَبِي، وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْمُرَقِّعِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، الْحَدِيثَ، فَقَالَا: هَذَا خَطَأٌ، فَقَالَ: إنَّهُ مِنْ وَهْمِ الثَّوْرِيِّ، إنَّمَا هُوَ الْمُرَقِّعُ بْنُ صَيْفِيٍّ عَنْ جَدِّهِ رَبَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ، أَخِي حَنْظَلَةَ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَذَا يَرْوِيهِ مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَزِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": مُرَقِّعُ بْنُ صَيْفِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، وَيُقَالُ: رباح، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَرَبَاحُ أَصَحُّ، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَأَبِيهِ عُمَرُ، وَأَقَامَ إسْنَادَهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَبِيهِ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُرَقِّعٍ عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَهُوَ وَهْمٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ أَحَدٌ يُقَالُ لَهُ: رَبَاحٌ، إلَّا هَذَا، مَعَ اخْتِلَافٍ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
باب الموادعة
بَابُ الْمُوَادَعَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَادَعَ أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَضَعَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"3 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُمْ اصْطَلَحُوا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ، يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ، وَعَلَى أَنَّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً، وَأَنَّهُ لَا إسْلَالَ، وَلَا إغْلَالَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" مُطَوَّلًا بِقِصَّةِ الْفَتْحِ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا ابْنُ إسْحَاقَ بِهِ، قَالَا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ، لَا يُرِيدُ قِتَالًا، وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ سَبْعِينَ بَدَنَةً،
وَكَانَ النَّاسُ سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ، فَكَانَتْ كُلُّ بَدَنَةٍ عَنْ عَشَرَةٍ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ: "اُكْتُبْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: لَا أَعْرِفُ هَذَا، وَلَكِنْ اُكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ، فَقَالَ عليه السلام: " اُكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ، هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو"، فَقَالَ سُهَيْلٌ: لَوْ شَهِدْت أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ لَمْ أُقَاتِلْك، وَلَكِنْ اُكْتُبْ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ، يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضِ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي "الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرٍو، فَذَكَرَ قِصَّةَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَفِيهَا: فَكَتَبَ: بِاسْمِك اللَّهُمَّ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ، يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، عَلَى أَنَّهُ لَا إسْلَالَ وَلَا إغْلَالَ، وَأَنَّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً، الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ - فِي أَبْوَابِ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ" عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مُرْسَلًا، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَفِي آخِرِهَا: فَكَانَ الصُّلْحُ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ سَنَتَيْنِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَوْلُهُمَا: سَنَتَيْنِ يُرِيدُ أَنَّ بَقَاءَهُ حَتَّى نَقَضَ الْمُشْرِكُونَ عَهْدَهُمْ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ حِينَئِذٍ لِفَتْحِ مَكَّةَ، فَأَمَّا الْمُدَّةُ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا عَقْدُ الصُّلْحِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْفُوظُ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ، وَهِيَ عَشْرُ سِنِينَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ" فِي كَلَامِهِ عَلَى غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَجُوزُ الصُّلْحُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ؟ وَحُجَّةُ الْمَانِعِينَ أَنَّ مَنْعَ الصُّلْحِ هُوَ الْأَصْلُ، بِدَلِيلِ آيَةِ الْقِتَالِ، وَقَدْ وَرَدَ التَّحْدِيدُ بِالْعَشْرِ فِي حَدِيثِ ابْنِ إسْحَاقَ، فَحَصَلَتْ الْإِبَاحَةُ فِي هَذَا الْقَدْرِ، وَيَبْقَى الزَّائِدُ عَلَى الْأَصْلِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ فِي "سِيرَتِهِ، عُيُونِ الْأَثَرِ": لَيْسَ فِي مُطْلَقِ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ مَا يَمْنَعُ الصُّلْحِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَا فِي "سُورَةِ بَرَاءَةَ" مِنْ ذَلِكَ، مِمَّا نَزَلَ بَعْدَ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ، فَفِي "التَّخْصِيصِ" بِذَلِكَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَأَمَّا تَحْدِيدُ هَذِهِ الْمُدَّةِ بِعَشْرِ سِنِينَ، فَأَهْلُ النَّقْلِ مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ كَانَ سَنَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَائِذٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ مُدَّةَ الصُّلْحِ كَانَتْ إلَى سَنَتَيْنِ، انْتَهَى. وَفِي - كِتَابِ شَيْخِنَا عَلَاءِ الدِّينِ - مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مِسْوَرٍ، وَمَرْوَانَ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ: وَخَرَجَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَقَعَ الصُّلْحُ، عَلَى أَنْ يُوضَعَ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ، وَهَذَا لَيْسَ فِي "الصَّحِيحِ"، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد، كَمَا تَقَدَّمَ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقَضَ الصُّلْحَ بَعْدَ الْمُوَادَعَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ، قُلْت: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ - فِي بَابِ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَا: كَانَ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ أَنَّهُ مَنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قريش وعهده دَخَلَ، فَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ، فَمَكَثُوا فِي الْهُدْنَةِ نَحْوَ السَّبْعَةِ أَوْ الثَّمَانِيَةَ عَشْرَةَ شَهْرًا، ثُمَّ إنَّ بَنِي بَكْرٍ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ، وَثَبُوا عَلَى خُزَاعَةَ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا، بِمَاءٍ لَهُمْ، يُقَالُ لَهُ: الْوَتِيرُ، قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ، وَقَالَتْ قُرَيْشٌ: هَذَا لَيْلٌ، وَمَا يَعْلَمُ بِنَا مُحَمَّدٌ، وَلَا يَرَانَا أَحَدٌ، فَأَعَانُوا بَنِي بَكْرٍ بِالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ، وَقَاتَلُوا خُزَاعَةَ مَعَهُمْ، لِلضِّغْنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَكِبَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ، يُخْبِرُ الْخَبَرَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَنْشَدَهُ: اللَّهُمَّ إنِّي ناشد محمدا ... خلف أَبِينَا وَأَبِيهِ، الْأَتْلَدَا إنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوك الْمَوْعِدَا ... وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُؤَكَّدَا هُمْ بَيَّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدَا ... فَقَتَلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدَا فَانْصُرْ رَسُولَ اللَّهِ نَصْرًا عُتَّدَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نُصِرْت يَا عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ"، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ فَتَجَهَّزُوا، وَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُعْمِيَ عَلَى قُرَيْشٍ خَبَرَهُمْ، حَتَّى يَبْغَتَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ، وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ نَحْوَ هَذَا، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَمْ تَكُنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُمْ مُدَّةٌ؟ قَالَ: "أَلَمْ يَبْلُغْكَ مَا صَنَعُوا بِبَنِي كَعْبٍ؟ "، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ - وَالصَّغِيرِ" مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مُرْسَلًا عَنْ عُرْوَةَ، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" مُرْسَلًا عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرِينَ، وَفِيهِ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مُدَّةٌ؟ قَالَ: " إنَّهُمْ غَدَرُوا، وَنَقَضُوا الْعَهْدَ، فَأَنَا غَازِيهِمْ"، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "فِي الْعُهُودِ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ"، قُلْت: هَكَذَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ، وَالْمَوْجُودُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ مَوْقُوفًا مِنْ كَلَامِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ1، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي أَبُو الْفَيْضِ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ الرُّومِ عَهْدٌ، وَكَانَ يَسِيرُ نَحْوَ بِلَادِهِمْ، حَتَّى إذَا انْقَضَى الْعَهْدُ غَزَاهُمْ، فَجَاءَ رَجُلٌ
عَلَى فَرَسٍ، أَوْ بِرْذَوْنٍ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ، فَنَظَرُوا، فَإِذَا عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ، فَلَا يَشُدُّ عُقْدَةً، وَلَا يَحُلُّهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُهَا، أَوْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ"، فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ بِالنَّاسِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، ثُمَّ أَعَادَهُ الْمُصَنِّفُ، وَزَادَ: وَحَمْلِهِ إلَيْهِمْ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَالْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ حَدِيثِ بَحْرِ بْنِ كُنَيْزٍ السَّقَّاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ اللَّقِيطِيِّ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَفْعُهُ وَهْمٌ، وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ، وَقَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ اللَّقِيطِيُّ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، وَبَحْرُ بْنُ كُنَيْزٍ لَمْ يَكُنْ بِالْقَوِيِّ، وَقَدْ رَوَى سَالِمُ بْنُ رَزِينٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي "كِتَابِهِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ الْقَرْقَسَانِيِّ ثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ بِهِ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءٌ، قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَيَّنَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَقَالَ: وَهُوَ عِنْدِي لَا بَأْسَ بِرِوَايَاتِهِ، وَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نَحْوَ ذَلِكَ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ فِيهِ غَفْلَةٌ، وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هُوَ صَدُوقٌ، وَلَكِنَّهُ حَدَّثَ بِأَحَادِيثَ مُنْكَرَةٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": قَدْ يُفْهَمُ مِنْ حَدِيثِ خَبَّابُ بْنِ الْأَرَتِّ كُنْتُ قَيْنًا بِمَكَّةَ، فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلَ سَيْفًا، فَجِئْت أَتَقَاضَاهُ، الْحَدِيثَ، إبَاحَةُ بَيْعِ السِّلَاحِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ، وَهُوَ فَهْمٌ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ قَبْلَ فَرْضِ الْجِهَادِ، وَفُرِضَ الْجِهَادُ، وَالْأَمْرُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ إخْرَاجِ أَهْلِ مَكَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ ثُمَامَةَ أَنْ يَمِيرَ أَهْلَ مَكَّةَ، وَهُمْ حَرْبٌ عَلَيْهِ، قُلْت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ - فِي آخِرِ بَابِ حَدِيثِ الْإِفْكِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَ قِصَّةَ إسْلَامِ ثُمَامَةَ بِلَفْظِ "الصَّحِيحَيْنِ"، وَفِي آخِرِهِ: فَقَالَ: إنِّي وَاَللَّهِ مَا صَبَوْتُ، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ، وَصَدَّقْتُ مُحَمَّدًا، وَآمَنْتُ بِهِ، وَأَيْمُ الَّذِي نَفْسُ ثُمَامَةَ بِيَدِهِ لَا يَأْتِيكُمْ حَبَّةٌ مِنْ الْيَمَامَةِ - وَكَانَتْ رِيفَ مَكَّةَ مَا بَقِيتُ - حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْصَرَفَ
إلَى بَلَدِهِ، وَمَنَعَ الْحَمْلَ إلَى مَكَّةَ حَتَّى جَهِدَتْ قُرَيْشٌ، فَكَتَبُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ بِأَرْحَامِهِمْ أَنْ يَكْتُبَ إلَى ثُمَامَةَ يُخَلِّيَ إلَيْهِمْ حَمْلَ الطَّعَامِ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُخْتَصَرٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي "أَوَاخِرِ السِّيرَةِ" فَقَالَ: وَحُدِّثْتُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَسْلَمَ: وَاَللَّهِ يَا مُحَمَّدُ لَقَدْ كَانَ وَجْهُك أَبْغَضَ الْوُجُوهِ إلَيَّ، فَلَقَدْ أَصْبَحَ الْيَوْمَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إلَيَّ، وَقَالَ فِي الدِّينِ وَالْبَلَدِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ ثُمَامَةُ مُعْتَمِرًا حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ، فَقَالُوا لَهُ: صَبَأْتَ يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُ خَيْرَ الدِّينِ، دِينَ مُحَمَّدٍ، وَاَللَّهِ لَا تَصِلُ إلَيْكُمْ حَبَّةٌ مِنْ الْيَمَامَةِ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْيَمَامَةِ، فَمَنَعَ أَهْلَهَا أَنْ يَحْمِلُوا إلَى مَكَّةَ شَيْئًا، فَكَتَبُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنَّك تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّك قَدْ قَطَعْتَ أَرْحَامَنَا، فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَمْلِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الرِّدَّةِ" فَقَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن أبي جهيم عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيِّ بِالْبَحْرَيْنِ، لِلَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ، مُنْصَرِفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوكَ، وَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا فِيهِ: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوك إلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَك مَا تَحْتَ يَدَيْك، وَاعْلَمْ أَنَّ دِينِي سَيَظْهَرُ إلَى مُنْتَهَى الْخُفِّ وَالْحَافِرِ"، وَخَتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ، وَدَفَعَهُ إلَيْهِ، فَخَرَجَ الْعَلَاءُ فِي نَفَرٍ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ، حَتَّى قَدِمَ عَلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى، فَدَفَعَ إلَيْهِ الْكِتَابَ، فَقَرَأَهُ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مَا دَعَا إلَيْهِ حَقٌّ، وَأَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَكْرَمَ مَنْزِلَهُ، ثُمَّ رَجَعَ الْعَلَاءُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا رَأَى مِنْ الْمُنْذِرِ، وَسُرْعَةِ إسْلَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَرَرْت بِثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ الْحَنَفِيِّ، فَقَالَ: أَنْتَ رَسُولُ مُحَمَّدٍ؟ فَقُلْت: نَعَمْ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا تَصِلُ إلَى مُحَمَّدٍ أَبَدًا، وَأَرَادَ قَتْلِي، فَمَنَعَهُ عَمُّهُ عَامِرُ بْنُ سَلَمَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ اهْدِ عَامِرًا، وَأَمْكِنِّي مِنْ ثُمَامَةَ"، فَأَسْلَمَ عَامِرٌ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ كُلَّ مَنْ خَرَجَ إلَى وَجْهٍ، إنْ ظَفِرْت بِثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ فَخُذْهُ، فَخَرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةً فِي بَعْثٍ مِنْ الْبُعُوثِ، وَقَدْ أَوْصَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا كَانَ بِبَطْنِ نَخْلٍ إذَا هُمْ بِقَوْمٍ يَصْطَنِعُونَ طَعَامًا، وَفِيهِمْ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ، فَأَخَذَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةً، فَأَوْثَقَهُ فِي جَامِعَةٍ، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ أَبِي نَائِلَةَ، وَأَرْبَعَةِ نَفَرٍ مَعَهُ، فَلَمَّا أَتَى بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ فَرُبِطَ إلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ وَأَطْلَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَذَهَبَ إلَى حَائِطِ أَبِي طَلْحَةَ فَاغْتَسَلَ، وَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ، ثُمَّ جَاءَ فَوَقَفَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، وَاَللَّهِ لَقَدْ كُنْت وَمَا وَجْهٌ إلَيَّ أَبْغَضَ مِنْ وَجْهِك، وَلَا دِينٌ أَبْغَضَ إلَيَّ مِنْ دِينِك، وَلَا بَلَدٌ أَبْغَضَ إلَيَّ مِنْ بَلَدِك، فَلَقَدْ أَصْبَحْت وَمَا وَجْهٌ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ وَجْهِك، وَلَا دِينٌ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ دِينِك، وَلَا بَلَدٌ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ بَلَدِك، وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ خَرَجَ
إلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا، فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: وَاَللَّهِ يَا ثُمَامَةُ مَا كُنَّا نَظُنُّ لَوْ أَنَّ حَنِيفَةَ بِأَسْرِهَا تَبِعَتْ مُحَمَّدًا أَنْ تَتْبَعَهُ أَنْتَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ بُرٌّ، وَلَا تَمْرٌ حَتَّى تُسْلِمُوا، أَوْ يَأْذَنَ فِيهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْيَمَامَةِ، فَحَبَسَ عَنْ قُرَيْشٍ الْمِيرَةَ، حَتَّى جَهَدُوا، فَقَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَأَلَهُ بِالرَّحِمِ إلَّا أَرْسَلْت إلَى ثُمَامَةَ أَنْ يُخَلِّيَ الْحَمْلَ إلَيْنَا، فَإِنَّا قَدْ هَلَكْنَا جوعاً، ففعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا إلَى ثُمَامَةَ أَنْ خَلِّ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ الْمِيرَةِ، فَلَمَّا جَاءَهُ الْكِتَابُ قَالَ: سَمْعًا وَطَاعَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُخْتَصَرٌ، وَحَدِيثُ ثُمَامَةَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" لَيْسَ فِيهِ أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثُمَامَةَ أَنْ يَرُدَّ الْمِيرَةَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، أَخْرَجَاهُ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، الْحَدِيثَ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ 1 فِي "الْمَغَازِي - فِي بَابِ وَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ"، وَمُسْلِمٌ فِي "بَابِ تَرْكِ الْأَسَارَى وَالْمَنِّ عَلَيْهِمْ" بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ، يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: "مَاذَا عِنْدَك يَا ثُمَامَةُ؟ " قَالَ: خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ، إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْت تُرِيدُ الْمَالَ، فَسَلْ تُعْطَ مَا شِئْت، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِثْلَهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُطْلِقَ، فَذَهَبَ ثُمَامَةُ إلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا مُحَمَّدُ وَاَللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إلَيَّ مِنْ وَجْهِك، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُك أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَيَّ، وَلَا كَانَ دِينٌ أَبْغَضَ إلَيَّ مِنْ دِينِك، فَقَدْ أَصْبَحَ دِينُك أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إلَيَّ، وَلَا كَانَ بَلَدٌ أَبْغَضَ إلَيَّ مِنْ بَلَدِك، فَأَصْبَحَ بَلَدُك أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَك أَخَذَتْنِي، وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَأَمَرَهُ عليه السلام أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قِيلَ لَهُ: أَصَبَوْت؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاَللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. فَصْلٌ الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ"، قُلْت: احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: "وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ" عَلَى جَوَازِ أَمَانِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ، أَوْ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ لِأَهْلِ مَدِينَةٍ أَوْ حِصْنٍ، وَهُوَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْجِهَادِ"، وَمُسْلِمٌ
فِي "الْحَجِّ" 1 عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: مَا كَتَبْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا الْقُرْآنَ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمَدِينَةُ حَرَمٌ فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ نَحْوَهُ 2 مِنْ حديث أنس، وأخرجه مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَدِينَةُ حَرَمٌ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أجمعين، ولا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ"، انْتَهَى. وَذَهِلَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، فَذَكَرَ حَدِيثَ عَلِيٍّ مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ فَقَطْ، أَخْرَجَاهُ 3 عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: انْطَلَقْت أَنَا وَالْأَشْتَرُ إلَى عَلِيٍّ عليه السلام، فَقُلْنَا: هَلْ عَهِدَ إلَيْك رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً؟ قَالَ: لَا، إلَّا مَا في كتابي هذا، فَأَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ، فَإِذَا فِيهِ: الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، أَلَا لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ، ومن أحدث محدثاً، أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي كِتَابِ قَسْمِ الْفَيْءِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا 4 مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، مُحِيلًا عَلَى حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مُفَسَّرًا، وَلَفْظُهُ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ، وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ، أَلَا لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ"، انْتَهَى. وأخرجه الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ - فِي الْحُدُودِ" 5 عَنْ مَالِكِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: وُجِدَ فِي قَائِمِ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابَانِ: إنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عُتُوًّا فِي الْأَرْضِ رَجُلٌ ضَرَبَ
غَيْرَ ضَارِبِهِ، أَوْ رَجُلٌ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ، وَرَجُلٌ تَوَلَّى غَيْرَ أَهْلِ نِعْمَتِهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ كَفَرَ بالله وبرسله، لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا، وَفِي الْآخَرِ: المؤمنون تتكافأ دمائهم، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ، وَلَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ، انْتَهَى. وَمَالِكٌ هَذَا هُوَ ابْنُ أَبِي الرِّجَالِ، أَخُو حَارِثَةَ، وَمُحَمَّدٍ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ أَخَوَيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَحَادِيثُ الْبَابِ - حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ: أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"1 عَنْهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلَانَ بْنَ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ عليه السلام: " قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ، وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ"، مُخْتَصَرٌ، وَرَوَاهُ أَبُو الْوَلِيدِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله الأرزقي فِي "كِتَابِ تَارِيخِ مَكَّةَ" مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي مُرَّةَ، مَوْلَى عَقِيلٍ عَنْ أُمِّ هَانِئِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَتْ: ذَهَبْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْت لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجَرْت حَمَوَيْنِ لِي مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَأَرَادَ عَلِيٌّ أَنْ يَقْتُلَهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ، قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ، وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ"، ثُمَّ اغْتَسَلَ وَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، وَذَلِكَ ضُحًى يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَكَانَ الَّذِي أَجَارَتْ أُمُّ هَانِئٍ يَوْمَ الْفَتْحِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، كِلَاهُمَا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" سَوَاءٌ، وَهَذَا مُطَابِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ "الْخُلَاصَةِ" مِنْ حَدِيثِ أَمِّ هَانِئٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: رُوِيَ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهَا أَجَارَتْ رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَلَمْ تُمَكِّنْ عَلِيًّا مِنْ قَتْلِهِمَا، وَأَجَازَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَانَهَا، انْتَهَى. وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهَا أَجَارَتْ أَخَاهَا عَقِيلًا، وَسَيَأْتِي. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد 2 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ لِتُجِيرَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَيَجُوزُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ حَازِمٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إنَّ الْمَرْأَةَ لَتَأْخُذُ لِلْقَوْمِ - يَعْنِي تُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ - انْتَهَى. وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ "بَابُ أَمَانِ الْمَرْأَةِ"، وَقَالَ فِي "عِلَلِهِ الْكَبِيرِ": وَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَكَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ سَمِعَ مِنْ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ رَبَاحٍ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْوَلِيدُ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَارَتْ أَبَا الْعَاصِ، فأجاز النبي صلى الّه عليه وسلم جِوَارَهَا، وَأَنَّ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ أَجَارَتْ أَخَاهَا عَقِيلًا، فَأَجَازَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِوَارَهَا وَقَالَ: " يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ ثَنَا مُوسَى بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا الْعَاصِ لَمَّا لَحِقَ بِالْمَدِينَةِ أَرْسَلَ إلَى زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ خُذِي لِي أَمَانًا مِنْ أَبِيك، فَخَرَجَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَقَالَتْ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَا زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنِّي قَدْ أَجَرْت أَبَا الْعَاصِ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ، قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي لَمْ أَعْلَمْ بِهَذَا حَتَّى سَمِعْتُمُوهُ، أَلَا وَإِنَّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "أَمَانُ الْعَبْدِ أَمَانٌ"، رَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ فُضَيْلٍ بْنِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيُّ، قَالَ: شَهِدْت قَرْيَةً مِنْ قُرَى فَارِسَ، يُقَالُ لَهَا: شَاهِرْنَا1، فَحَاصَرْنَاهَا شَهْرًا، حَتَّى إذَا كُنَّا ذَاتَ يَوْمٍ وَطَمِعْنَا أَنْ نُصَبِّحَهُمْ، انْصَرَفْنَا عَنْهُمْ عِنْدَ الْمَقْتَلِ، فَتَخَلَّفَ عَبْدٌ مِنَّا، فَاسْتَأْمَنُوهُ، فَكَتَبَ إلَيْهِمْ فِي سَهْمٍ أَمَانًا، ثُمَّ رَمَى بِهِ إلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَجَعْنَا إلَيْهِمْ خَرَجُوا فِي ثِيَابِهِمْ، وَوَضَعُوا أَسْلِحَتَهُمْ، فَقُلْنَا: مَا شَأْنُكُمْ؟ فَقَالُوا: أَمَّنْتُمُونَا، وَأَخْرَجُوا إلَيْنَا السَّهْمَ، فِيهِ كِتَابُ أَمَانِهِمْ، فَقُلْنَا: هَذَا عَبْدٌ، وَالْعَبْدُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، قَالُوا: لَا نَدْرِي عَبْدَكُمْ مِنْ حُرِّكُمْ، وَقَدْ خَرَجْنَا بِأَمَانٍ، فَكَتَبْنَا إلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَرُ: إنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَانُهُ أَمَانُهُمْ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَزَادَ: وَأَجَازَ عُمَرُ أَمَانَهُ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَفُضَيْلُ بْنُ يَزِيدَ الرَّقَاشِيُّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، قَالَ: وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا، لَيْسَ لِلْعَبْدِ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ، إلَّا خُرْثِيُّ الْمَتَاعِ، وَأَمَانُهُ جَائِزٌ، وَأَمَانُ الْمَرْأَةِ جَائِزٌ، إذَا هِيَ أَعْطَتْ الْقَوْمَ الْأَمَانَ، انْتَهَى. وَأَحَادِيثُ ذِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، مِنْ هَذَا الْبَابِ
باب الغنائم وقسمتها
بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَإِذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً عَنْوَةً، فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ قَسَمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ"1، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانًا 2 لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إلَّا قَسَمْتهَا كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، وَلَكِنْ أَتْرُكُهَا لَهُمْ خِزَانَةً، يَقْتَسِمُونَهَا، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ: لَوْلَا أَنْ تترك آخِرَ النَّاسِ لَا شَيْءَ لَهُمْ، مَا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ قَرْيَةً إلَّا قَسَمْتهَا سُهْمَانًا، كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ سُهْمَانًا، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ فِي "بَابِ الْقَسَامَةِ" أَنَّهُ عليه السلام أَقَرَّ خَيْبَرَ عَلَى أَهْلِهَا، وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاجِ، قِيلَ: إنَّ الطَّحَاوِيَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَلْيُنْظَرْ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ 3 - فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ" عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ، نِصْفًا لِنَوَائِبِهِ، وَنِصْفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَيَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ قَسَمَهَا عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا، جَمْعُ كُلِّ منهم مِائَةُ سَهْمٍ، فَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُسْلِمِينَ النِّصْفُ مِنْ ذَلِكَ، وَعَزَلَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ لِمَنْ نَزَلَ بِهِ مِنْ الْوُفُودِ، وَالْأُمُورِ، وَنَوَائِبِ النَّاسِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَيْبَرَ قَسَمَهَا سِتَّةً وَثَلَاثِينَ سَهْمًا جَمْعًا، فَعَزَلَ لِلْمُسْلِمِينَ الشَّطْرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، يَجْمَعُ كُلُّ سَهْمٍ مِائَةً،
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ لَهُ سَهْمٌ، كَسَهْمِ أَحَدِهِمْ، وَعَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَهُوَ الشَّطْرُ لِنَوَائِبِهِ، وَمَا يَنْزِلُ بِهِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ ذَلِكَ الْوَطِيحَ، وَالْكَتِيبَةَ، وَالسَّلَالِمَ، وتوابعها، فلما صارت الأمور بِيَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُمَّالٌ يَكْفُونَهُمْ عَمَلَهَا، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ، فَعَامَلَهُمْ، انْتَهَى. زَادَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ": فَعَامَلَهُمْ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، حَتَّى كَانَ عُمَرُ، فَكَثُرَ الْعُمَّالُ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَقَوُوا على العمل، فأجلا عُمَرُ الْيَهُودَ إلَى الشَّامِ، وَقَسَمَ الْأَمْوَالَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إلَى الْيَوْمِ، انْتَهَى. وَبَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، يَرْوِي عَنْ أَنَسٍ، وَغَيْرِهِ يَرْوِي هَذَا الْخَبَرَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَبَعْضُ أَصْحَابِ يَحْيَى يَقُولُ فِيهِ: عَنْ بَشِيرٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرْسِلُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُرَقِّعِ، قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ قَسَمَهَا عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، فَجَعَلَ لِكُلِّ مِائَةٍ سَهْمًا، وَهِيَ مُخْضَرَّةٌ مِنْ الْفَوَاكِهِ، فَوَقَعَ النَّاسُ عَلَى الْفَاكِهَةِ، فَأَخَذَتْهُمْ الْفَاكِهَةُ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنَّ الْحُمَّى قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ، فَإِذَا هِيَ أَخَذَتْكُمْ فَبَرِّدُوا لَهَا الْمَاءَ فِي الشِّنَانِ، ثُمَّ صُبُّوهَا عَلَيْكُمْ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ - يَعْنِي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ - قَالَ: فَفَعَلُوا، فَذَهَبَتْ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ فِي "سِيرَتِهِ عُيُونِ الْأَثَرِ": اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَدِينَةِ إذَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، هَلْ تُقْسَمُ أَرْضُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ، أَوْ تُوقَفُ؟ فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقْسِمَهَا كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْضِ خَيْبَرَ، أَوْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا، وَيَضَعَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاجَ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ، فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَبِالْأَوَّلِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، وَبِالثَّانِي أَخَذَ مَالِكٌ، نَفْعًا لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الْبُخَارِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خَيْبَرَ قُسِمَتْ كُلَّهَا سُهْمَانًا، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ شِهَابٍ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ عَنْوَةً بَعْدَ الْقِتَالِ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ نَحْوُهُ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ، فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً، وَجَمَعَ السَّبْيَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي "مَغَازِيهِ": وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي أَرْضِ خَيْبَرَ أَنَّهَا كَانَتْ عَنْوَةً، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ جَمِيعَ أَرْضِهَا عَلَى الْغَانِمِينَ، وَهُمْ أَهْلُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَرَوَى مُوسَى
بْنُ عُقْبَةَ، وَغَيْرُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ بَعْضَهَا كَانَ عَنْوَةً، وَبَعْضَهَا كَانَ صُلْحًا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا وَهْمٌ، وَإِنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْحِصْنَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسْلَمَهُمَا أَهْلَهُمَا فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ، وَهُمَا الْوَطِيحُ وَالسَّلَالِمُ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَاصَرَ أَهْلَ خَيْبَرَ فِي حِصْنِهِمْ الْوَطِيحِ، وَالسَّلَالِمِ، حَتَّى إذَا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ سَأَلُوهُ أَنْ يُسَيِّرَهُمْ، وَأَنْ يَحْقِنَ لَهُمْ دِمَاءَهُمْ، فَفَعَلَ، فَحَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمْوَالَ وجمع الْحُصُونِ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَيْنِك الْحِصْنَيْنِ، فَلَمَّا نَزَلَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَلَى ذَلِكَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَامِلَهُمْ فِي الْأَمْوَالِ عَلَى النِّصْفِ، وَقَالُوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْكُمْ، فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّصْفِ، عَلَى أَنَّا إذَا شِئْنَا أَنْ نُخْرِجَكُمْ أَخْرَجْنَاكُمْ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ أَهْلُ ذَيْنِك الْحِصْنَيْنِ مَغْنُومَيْنِ ظُنَّ أَنَّ ذَلِكَ صُلْحٌ، وَلَعَمْرِي إنَّهُ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ لَضَرْبٌ مِنْ الصُّلْحِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَتْرُكُوا أَرْضَهُمْ، إلَّا بِالْحِصَارِ وَالْقِتَالِ، فَكَانَ حُكْمُ أَرْضِهِمَا كَحُكْمِ سَائِرِ أَرْضِ خَيْبَرَ كُلِّهَا عَنْوَةً غَنِيمَةً مَقْسُومَةً بَيْنَ أَهْلِهَا قَالَ وَرُبَّمَا شُبِّهَ عَلَى هَذَا الْقَائِلُ بِحَدِيثِ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ عليه السلام قَسَمَ خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ، نِصْفًا لَهُ، وَنِصْفًا لِلْمُسْلِمِينَ، قَالَ: وَهَذَا إنْ صَحَّ، فَمَعْنَاهُ أَنَّ النِّصْفَ لَهُ مَعَ سَائِرِ مَنْ وَقَعَ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ مَعَهُ، لِأَنَّهَا قُسِمَتْ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا، فَوَقَعَ سَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَائِفَةٍ مَعَهُ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَوَقَعَ سَائِرُ النَّاسِ فِي بَاقِيهَا، وَكُلُّهُمْ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، ثُمَّ خَيْبَرَ، وَلَيْسَتْ الْحُصُونُ الَّتِي أَسْلَمَهَا أَهْلُهَا بَعْدَ الْحِصَارِ وَالْقِتَالِ صُلْحًا، وَلَوْ كَانَتْ صُلْحًا لَمَلَكَهَا أَهْلُهَا، كَمَا يَمْلِكُ أَهْلُ الصُّلْحِ أَرْضَهُمْ، وَسَائِرَ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: فَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، دُونَ مَا قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْهُ، انْتَهَى كَلَامُ أَبِي عُمَرَ. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ: وَيَتَرَجَّحُ مَا قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَغَيْرُهُ: إنَّ بَعْضَ خَيْبَرَ كَانَ صُلْحًا، بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ خَيْبَرَ كَانَ بَعْضُهَا عَنْوَةً وَبَعْضُهَا صُلْحًا، وَالْكَتِيبَةُ أَكْثَرُهَا كَانَ عَنْوَةً، وَفِيهَا صُلْحٌ، قُلْت لِمَالِكٍ: وَمَا الْكَتِيبَةُ؟ قَالَ: أَرْضُ خَيْبَرَ، وَهِيَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ عِذْقٍ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افتتح بَعْضَ خَيْبَرَ عَنْوَةً، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَبَعْضِ وَلَدِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً، قَالُوا: بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ تَحَصَّنُوا، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ، وَيُسَيِّرَهُمْ، فَفَعَلَ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ فَدَكَ، فَنَزَلُوا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، قَالَ: وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَحْسِبُهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ، فَغَلَبَ عَلَى النَّخْلِ وَالْأَرْضِ، وَأَلْجَأَهُمْ إلَى قَصْرِهِمْ، فَصَالَحُوهُ عَلَى أَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّفْرَاءَ وَالْبَيْضَاءَ وَالْحَلَقَةَ، وَلَهُمْ مَا حَمَلَتْ رِكَابُهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَكْتُمُوا، وَلَا يُغَيِّبُوا شَيْئًا، فَإِنْ فَعَلُوا فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ، وَلَا عَهْدَ، فَغَيَّبُوا مِسْكًا لِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ كَانَ قُتِلَ قَبْلَ خَيْبَرَ، كَانَ احْتَمَلَهُ مَعَهُ يَوْمَ بَنِي النَّضِيرِ حِينَ أُجْلِيَتْ النَّضِيرُ، فِيهِ حُلِيُّهُمْ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْيَةَ بْنِ عَمْرٍو: " أَيْنَ مِسْكُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ؟ " قَالَ: أَذْهَبَتْهُ الْحُرُوبُ وَالنَّفَقَاتُ، فَوَجَدُوا الْمِسْكَ، فَقَتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَيْ أَبِي الْحَقِيقِ، وَسَبَى نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ، وَأَرَادَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ دَعْنَا نَعْمَلْ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ، وَلَنَا الشَّطْرُ مَا بَدَأَ لَكُمْ، وَلَكُمْ الشَّطْرُ، وَزَادَ الْبَلَاذِرِيُّ فِيهِ: قَالَ: فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْيَةَ بْنَ عَمْرٍو إلَى الزُّبَيْرِ، فَمَسَّهُ بِعَذَابٍ، فَقَالَ: رَأَيْت حُيَيًّا يَطُوفُ فِي هَذِهِ الْخَرِبَةِ، فَفَتَّشُوهَا، فَوَجَدُوا الْمِسْكَ، فَقَتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَيْ أَبِي الْحَقِيقِ، وَأَحَدُهُمَا زَوْجُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَسَبَى نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ، وَقَسَمَ أَمْوَالَهُمْ، لِلنَّكْثِ الَّذِي نَكَثُوا، فَفِي هَذَا أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا، وَأَنَّ الصُّلْحَ اُنْتُقِضَ، فَصَارَتْ عَنْوَةً، ثُمَّ خَمَّسَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَسَمَهَا، وَفِي رِوَايَةِ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ الْمُرْسَلَةِ: أَنَّهُ عليه السلام عَزَلَ شَطْرَهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ مِنْهَا الْوَطِيحُ، وَالسَّلَالِمُ، وَالْكَتِيبَةُ الَّتِي كَانَ بَعْضُهَا صُلْحًا وَبَعْضُهَا عَنْوَةً، وَقَدْ تَكُونُ غَلَبَ عَلَيْهَا حُكْمُ الصُّلْحِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقْسِمْ فِيمَا قَسَمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَالْوَطِيحُ، وَالسَّلَالِمُ، لَمْ يَجْرِ لَهُمَا ذِكْرٌ صَرِيحٌ فِي الْعَنْوَةِ، فَصَارَ هَذَا الْقَوْلُ قَوِيًّا، انْتَهَى كَلَامُ أَبِي الْفَتْحِ رحمه الله. قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا، وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ، وَعَلَى أَرَاضِيهِمْ الْخَرَاجَ، هَكَذَا فَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه بِسَوَادِ الْعِرَاقِ بِمُوَافَقَةٍ مِنْ الصحابة، ولم يحمل مَنْ خَالَفَهُ، قُلْت: رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ - فِي تَرْجَمَةِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ "ح" وَأَخْبَرَنَا مُخْبِرٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُيَسَّرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَّهَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَى خَرَاجِ السَّوَادِ، وَرِزْقُهُ كُلَّ يَوْمٍ رُبْعُ شَاةٍ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَمْسَحَ السَّوَادَ عَامِرَهُ وَغَامِرَهُ، وَلَا يَمْسَحَ سَبْخَةً، وَلَا تَلًّا، وَلَا أَجَمَةً، وَلَا مُسْتَنْقَعَ مَاءٍ، وَلَا مَا لَا يَبْلُغُهُ الْمَاءُ، فَمَسَحَ عُثْمَانُ كُلَّ شَيْءٍ دُونَ الْجَبَلِ - يَعْنِي حُلْوَانَ - إلَى أَرْضِ الْعَرَبِ - وَهُوَ أَسْفَلُ الْفُرَاتِ - وَكَتَبَ إلَى عُمَرَ: إنِّي وَجَدْت كُلَّ شَيْءٍ بَلَغَهُ الْمَاءُ مِنْ عَامِرٍ وَغَامِرٍ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفَ جَرِيبٍ، وَكَانَ ذِرَاعُ عُمَرَ الَّذِي مَسَحَ بِهِ السَّوَادَ ذِرَاعًا وَقَبْضَةً، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: أَنْ افْرِضْ الْخَرَاجَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ، عَمَلَهُ صَاحِبُهُ، أَوْ لَمْ يَعْمَلْهُ، دِرْهَمًا وَقَفِيزًا، وَافْرِضْ عَلَى الْكَرْمِ، وَعَلَى كُلِّ جَرِيبٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى الرِّطَابِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَأَطْعِمْهُمْ النَّخْلَ وَالشَّجَرَ، وَقَالَ: هَذَا قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى عِمَارَةِ بِلَادِهِمْ، وَفَرَضَ عَلَى رِقَابِهِمْ، عَلَى الْمُوسِرِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى مَنْ دُونَ ذَلِكَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى مَنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَقَالَ: دِرْهَمٌ لَا يُعْوِزُ رَجُلًا فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَرَفَعَ عَنْهُمْ الرِّقَّ بِالْخَرَاجِ الَّذِي وَضَعَهُ فِي رِقَابِهِمْ، وَجَعَلَهُمْ أَكَرَةً فِي الْأَرْضِ، فَحُمِلَ مِنْ خَرَاجِ سَوَادِ الْكُوفَةِ إلَى عُمَرَ
فِي أَوَّلِ سَنَةٍ، ثَمَانُونَ أَلْفَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ حُمِلَ مِنْ قَابِلٍ، مِائَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ" حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ أَنْبَأَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ 1 عَنْ الشَّعْبِيِّ "ح" وَأَنْبَأَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ "ح"، قَالَ الْهَيْثَمُ: وَأَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ، قَالُوا: وَجَّهَ عُمَرُ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ، الْحَدِيثَ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَتَلَ مِنْ الْأُسَارَى، قُلْت: فِي الْبَابِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ خَطَلٍ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ مِغْفَرٌ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ، زَادَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا نَرَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ "الْأَرْبَعَةِ" 3 عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْهُ، قَالَ: كُنْت فِيمَنْ أُخِذَ مِنْ سَبْيِ قُرَيْظَةَ، فَكَانُوا يَقْتُلُونَ مَنْ أَنْبَتَ، وَيَتْرُكُونَ مَنْ لَمْ يُنْبِتْ، فَكُنْت فِيمَنْ تُرِكَ، انْتَهَى. وَيُنْظَرُ "أَطْرَافُ الصَّحِيحِ". حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" أَخْبَرَنَا أبو علي الرودباري ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ ثَنَا ابْنُ أَبِي مُرَّةَ ثَنَا الْمُقْرِي ثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، فَقَطَعُوا أَكْحَلَهُ، فَحَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّارِ، فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، فَتَرَكَهُ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَحَسَمَهُ أُخْرَى، فَانْتَفَخَتْ، فَلَمَّا رَأَى سَعْدٌ ذَلِكَ، قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُخْرِجْ نَفْسِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَاسْتَمْسَكَ عِرْقَهُ، فَمَا قَطَرَ قَطْرَةً حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَكَمَ أَنْ يُقْتَلَ رِجَالُهُمْ، وتسبى نساءهم، وَذَرَارِيِّهِمْ يَسْتَعِينُ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدٍ: " لَقَدْ أَصَبْت حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ"، وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَتْلِهِمْ انْفَتَقَ عَرَقُهُ، فَمَاتَ، انْتَهَى. وَيُنْظَرُ "الْأَطْرَافُ"، وَأَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، فَذَكَرَ قِصَّةَ قُرَيْظَةَ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ اسْتَنْزَلُوا - يَعْنِي أُسَارَى قُرَيْظَةَ - فَحَبَسَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فِي دَارِ
زَيْنَبَ بِنْتِ الْحَارِثِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَوْضِعٍ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ، فَخَنْدَقَ فِيهِ خَنْدَقًا، ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهِمْ فَكَانَ يُؤْتَى بِهِمْ أَرْسَالًا، فَتُضْرَبُ أَعْنَاقُهُمْ فِي ذَلِكَ الْخَنْدَقِ، وَالْمُكَثِّرُ لَهُمْ يَقُولُ: مَا بَيْنَ الثَّمَانِمِائَةِ وَالتِّسْعِمِائَةِ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَةً مِنْ قُرَيْشٍ صَبْرًا: الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"، وَقَالَ: هَكَذَا يَقُولُ هُشَيْمِ: الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَهُوَ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا هُوَ طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ، وَهُوَ أَخُو الْمُطْعِمِ، وَأَهْلُ الْمَغَازِي يُنْكِرُونَ قَتْلَ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ يَوْمَئِذٍ، وَيَقُولُونَ: مَاتَ بِمَكَّةَ قَبْلَ بَدْرٍ، وَاَلَّذِي قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَخُو طُعَيْمَةَ، وَلَمْ يُقْتَلْ صَبْرًا، وَإِنَّمَا قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ، ويصدق هذا الحديث الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ حِينَ كَلَّمَهُ فِي الْأُسَارَى: "شَيْخٌ لَوْ كَانَ أَتَانَا شَفَّعْنَاهُ" - يَعْنِي أَبَاهُ مُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ - فَكَيْفَ يَكُونُ مَقْتُولًا يَوْمَئِذٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِيهِ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَفِي "السِّيَرِ الْكَبِيرِ" أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ - يَعْنِي فِدَاءَ أسرى المشركين بمال يأخذ مِنْهُمْ - إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ، اسْتِدْلَالًا بِأُسَارَى بَدْرٍ، قُلْت: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ1 عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُشْرِكِينَ، وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَثُمِائَةٍ وَسَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، إلَى أَنْ قَالَ: فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: " مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً، فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، وَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أرى أن نضرب أَعْنَاقُهُمْ، فَهَوَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوِ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ وَجَدَ عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا يَبْكِي، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: "أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُك مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} إلَى قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا} فَأَحَلَّ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ، مُخْتَصَرٌ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد2، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حَبِيبٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ فِدَاءَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعَمِائَةٍ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَرَوَاهُ أَبُو بَحْرٍ الْبَكْرَاوِيُّ عَنْ شُعْبَةَ، وَأَبُو الْعَنْبَسِ هَذَا هُوَ الْأَكْثَرُ، لَا يُسَمَّى، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: اسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ: "إنَّ اللَّهَ قَدْ أَمْكَنَكُمْ مِنْهُمْ"، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ، قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ عَادَ عليه السلام، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَمْكَنَكُمْ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا هُمْ إخْوَانُكُمْ بِالْأَمْسِ"، فَقَالَ عُمَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ عليه السلام، ثُمَّ عَادَ عليه السلام، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى أَنْ تَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَأَنْ تَقْبَلَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ، قَالَ: فَذَهَبَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ مِنْ الْغَمِّ، ثُمَّ عَفَا عَنْهُمْ، وَقَبِلَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} الْآيَةَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِدَاءَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعَةَ آلَافٍ لِكُلِّ رَجُلٍ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، سَأَلْت نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ، كَيْفَ كَانَ الْفِدَاءُ يَوْمَ بَدْرٍ؟ قَالَ: أَرْفَعُهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ إلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ، إلَى أَلْفَيْنِ، إلَى أَلْفٍ، إلَى قَوْمٍ لَا مَالَ لَهُمْ، مَنَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ الْمُطَّلِبَ بْنَ أَبِي وَدَاعَةَ، أُسِرَ أَبُوهُ أَبُو وَدَاعَةَ يَوْمَئِذٍ، فَفَدَاهُ ابْنُهُ الْمُطَّلِبُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، مُخْتَصَرٌ. حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ: وَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي وَجْزَةَ، أَسَرَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَدِمَ فِي فِدَائِهِ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَافْتَدَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، انْتَهَى. وَحَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: وَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ أَبُو عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَهُوَ أَخُو مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِأَبِيهِ، وَأُمِّهِ، وَقَعَ فِي يَدِ مُحْرِزِ بْنِ فَضْلَةَ، فَقَالَ مُصْعَبٌ لِمُحْرِزٍ: اُشْدُدْ يَدَيْك بِهِ، فَإِنَّ لَهُ أُمًّا بِمَكَّةَ كَثِيرَةَ الْمَالِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَزِيزٍ: هَذِهِ وَصَاتُك بِي يَا أَخِي؟ فَقَالَ: إنَّ مُحْرِزًا أَخِي دُونَك، فَبَعَثَتْ أُمُّهُ عَنْهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، قَالَ: وَالسَّائِبُ بْنُ أَبِي حُبَيْشِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أَسَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَائِذِ بْنِ أَسَدٍ أَسَرَهُ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَسَالِمُ بْنُ سَمَاحَ أَسَرَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَدِمَ فِي فِدَائِهِمْ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي حُبَيْشٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ لِكُلِّ رَجُلٍ، قَالَ: وَخَالِدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَأُمَيَّةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَسَرَهُ بِلَالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَدِمَ فِي فِدَائِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، فَافْتَدَاهُمْ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ لِكُلِّ رَجُلٍ، قَالَ: وَالْوَلِيدُ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَسَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، فَقَدِمَ فِي فِدَائِهِ أَخَوَاهُ خَالِدٌ، وَهِشَامٌ ابْنَا الْوَلِيدِ، فَافْتَدَيَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، ثُمَّ خَرَجَا بِهِ، حَتَّى بَلَغَا بِهِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَرَجَعَ الْوَلِيدُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْلَمَ، قَالَ: وَقَيْسُ بْنُ السَّائِبِ أَسَرَهُ عَبْدَةُ بْنُ الْحِسْحَاسِ، فَقَدِمَ فِي فِدَائِهِ أَخُوهُ فَرْوَةُ
بْنُ السَّائِبِ، فَافْتَدَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فِيهَا عَرَضٌ، قَالَ: وَأَبُو الْمُنْذِرِ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ أُسِرَ، فَافْتَدَى بِأَلْفَيْنِ، وَعَبْدُ اللَّهِ أَبُو عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ أَسَرَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَافْتَدَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، قَالَ: وَفَرْوَةُ بْنُ خُنَيْسِ1 بْنِ حُذَافَةَ أَسَرَهُ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ، قَدِمَ فِي فِدَائِهِ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، فَافْتَدَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، قَالَ: وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ شَمْسٍ أَسَرَهُ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُمِ، فَقَدِمَ فِي فِدَائِهِ مُكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ، وَكَانَ لِسُهَيْلٍ مَالٌ بِمَكَّةَ، فَقَالَ لَهُمْ مُكْرَزٌ: احْبِسُونِي مَكَانَهُ، وَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَخَلَّوْا سَبِيلَ سُهَيْلٍ وَحَبَسُوا مُكْرَزَ بْنَ حَفْصٍ. وَبَعَثَ سُهَيْلٌ بِالْمَالِ مَكَانَهُ مِنْ مَكَّةَ. مُخْتَصَرٌ مِنْ كَلَامٍ طَوِيلٍ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ فِي الْمُفَادَاةِ بِالْأُسَارَى: وَاسْتُدِلَّ لِلشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ فِي جَوَازِ الْمُفَادَاةِ بِالْأَسَارَى بِأَحَادِيثَ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 2 عَنْ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ، أَمَّرَهُ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَزَوْنَا فَزَارَةَ، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَاءِ سَاعَةٌ، أَمَرَنَا أَبُو بَكْرٍ فَعَرَّسْنَا، ثُمَّ شَنَّ الْغَارَةَ، ثُمَّ نَظَرْت إلَى عُنُقٍ فِيهِمْ الذَّرَارِيُّ، فَخَشِيتُ أَنْ يَسْبِقُونِي إلَى الْجَبَلِ، فَرَمَيْتُ بِسَهْمٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْجَبَلِ، فَلَمَّا رَأَوْا السَّهْمَ وَقَفُوا، فَجِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ، وَفِيهِمْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ، عَلَيْهَا قَشْعٌ مِنْ أُدْمٍ، وَالْقَشْعُ: النِّطَعُ، مَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَسُقْتُهُمْ حَتَّى أَتَيْت بِهِمْ أَبَا بَكْرٍ، فَنَفَّلَنِي ابْنَتَهَا، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّوقِ، فَقَالَ لِي: " يَا سَلَمَةَ، هَبْ لِي الْمَرْأَةَ لِلَّهِ أَبُوك"، فَقُلْتُ: هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَاَللَّهِ مَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا، فَبَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَكَّةَ، فَفَدَى بِهَا نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، كَانُوا أُسِرُوا بِمَكَّةَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ 3 عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، انْتَهَى. بِلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَطَوَّلَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد بِقِصَّةِ الْعَضْبَاءِ، أَخْرَجَاهُ فِي "كِتَابِ النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ". الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَّ عَلَى بَعْضِ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ، قُلْت: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" 4 مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ جَارِيَتَيْنِ مِنْ سَبْيِ حُنَيْنٍ، فَوَضَعَهُمَا فِي بَعْضِ بُيُوتِ مَكَّةَ، قَالَ: فَمَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَبْيِ حُنَيْنٍ، فَجَعَلُوا يَسْعَوْنَ
فِي السِّكَكِ، قَالَ عُمَرُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، اُنْظُرْ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: مَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّبْيِ، قَالَ: اذْهَبْ، فَأَرْسِلْ الْجَارِيَتَيْنِ، مُخْتَصَرٌ، هَذَا مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ، وَاَلَّذِي بَعْدَهُ حَدِيثُ الْكِتَابِ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَأْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 1 عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: " لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"2 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بِمَالٍ، وَبَعَثَ فِيهِ بِقِلَادَةٍ كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: " إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا فَافْعَلُوا"، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَفَعَلُوا، وَأَطْلَقُوهُ، وَرَدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي الْمَغَازِي" وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّيَ زَيْنَبَ إلَيْهِ، فَفَعَلَ، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ"3 حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي الْمُنْذِرُ بْنُ سَعْدٍ مَوْلَى بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ كَانَ فِيمَنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَسَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيُّ، فَلَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسَارَاهُمْ قَدِمَ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ أَخُوهُ عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ، وَبَعَثَتْ مَعَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ بِقِلَادَةٍ لَهَا، كَانَتْ لِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، فَأَدْخَلَتْهَا عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْقِلَادَةِ، فَبَعَثَتْ بِهَا فِي فِدَاءِ زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِلَادَةَ عَرَفَهَا، فَرَّقَ لَهَا، وَتَرَحَّمَ عَلَى خَدِيجَةَ، وَقَالَ: " إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا مَتَاعَهَا فَافْعَلُوا"، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَطْلَقُوا أَبَا الْعَاصِ، وَرَدُّوا عَلَى زَيْنَبَ قِلَادَتَهَا، وَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهَا إلَيْهِ، فَوَعَدَهُ ذَلِكَ وَفَعَلَ، انْتَهَى. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَهَذَا عِنْدَنَا أَثْبَتُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّ زَيْنَبَ هَاجَرَتْ مَعَ أَبِيهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "النِّكَاحِ" أَنَّ زَيْنَبَ هَاجَرَتْ مَعَ أَبِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي "السِّيرَةِ - فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الْكُبْرَى": قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمَّنْ سَمَّى لَنَا مِنْ
أُسَارَى بَدْرٍ مِمَّنْ مُنَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ فِدَاءٍ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ، مَنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِدَائِهِ، وَرَدَّهُ عَلَيْهَا، وَالْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ أَسَرَهُ أَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَلَحِقَ بِقَوْمِهِ، وَصَيْفِيُّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بَقِيَ فِي يَدَيْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ فِي فِدَائِهِ أَخَذُوا عَلَيْهِ لِيَبْعَثُوا إلَيْهِمْ بِفِدَائِهِ، فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ، فَلَمْ يَفِ لَهُمْ بِشَيْءٍ، وَأَبُو عَزَّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ جُمَحَ الْجُمَحِيُّ، كَانَ مُحْتَاجًا ذَا بَنَاتٍ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنَّ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُظَاهِرَ عَلَيْهِ أَحَدًا، وَامْتَدَحَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبْيَاتٍ ذَكَرَهَا، ثُمَّ أَعَادَ خَبَرُهُ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَزَادَ: فَقَالَ لَهُ يَوْمًا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِلْنِي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاَللَّهِ لَا تَمْسَحُ عَارِضَيْك بِمَكَّةَ بَعْدَهَا، تَقُولُ: خَدَعْت مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ، يَا زُبَيْرُ اضْرِبْ عُنُقَهُ"، فَضَرَبَ الزُّبَيْرُ عُنُقَهُ، انْتَهَى. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ أَبَا عَزَّةَ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ الْجُمَحِيَّ، وَكَانَ شَاعِرًا، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ لِي خَمْسُ بَنَاتٍ لَيْسَ لَهُنَّ شَيْءٌ، وَأَنَا أُعْطِيك مَوْثِقًا لَا أُقَاتِلُك، وَلَا أُكَثِّرُ عَلَيْك أَبَدًا، فَتَصَدَّقْ بِي عَلَيْهِنَّ يَا مُحَمَّدُ، فَأَعْتَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ جَاءَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، فَقَالَ لَهُ: اُخْرُجْ مَعَنَا، وَضَمِنَ لَهُ إنْ قُتِلَ أَنْ يَجْعَلَ بَنَاتِهِ مَعَ بَنَاتِهِ، وَإِنْ عَاشَ أَعْطَاهُ مَالًا كَثِيرًا، فَخَرَجَ مَعَهُمْ، وَجَعَلَ يَدْعُو الْعَرَبَ وَيَحْشُرُهَا، فَأُسِرَ، وَلَمْ يُؤْسَرْ مِنْ قُرَيْشٍ غَيْرُهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إنَّمَا أُخْرِجْت كُرْهًا، وَلِي بَنَاتٌ فَامْنُنْ عَلَيَّ، قَالَ: " لَا وَاَللَّهِ لَا تَمْسَحُ عَارِضَيْك بِمَكَّةَ، تَقُولُ: سَخِرْت بِمُحَمَّدٍ مَرَّتَيْنِ، يَا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ اضْرِبْ عُنُقَهُ"، فَقَدَّمَهُ عَاصِمٌ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ، انْتَهَى. وَحَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ يَحْيَى1 عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قَالَ: وَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ رَجُلَانِ: السَّائِبُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَعُبَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، وَكَانَ لَا مَالَ لَهُمَا، وَلَمْ يَقْدُمْ فِي فِدَائِهِمَا أَحَدٌ، فَأَرْسَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ فِدْيَةٍ، انْتَهَى. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِي عُفَيْرٍ، قَالَ: وَعَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ صَارَ فِي سَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقُرْعَةِ، كَانَ أَسَرَهُ عَلِيٌّ، فَأَرْسَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ فِدْيَةٍ، انْتَهَى. قَالَ: وَوَهْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ خَلَفٍ أَسَرَهُ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ الزُّرَقِيُّ، فَقَدِمَ أَبُوهُ فِي فِدَائِهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبِ بْنِ خَلَفٍ، فَأَسْلَمَ، فَأَرْسَلَ لَهُ ابْنَهُ بِغَيْرِ فِدَاءٍ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثْتُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَ جُيُوشًا إلَى الشَّامِ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ: إنِّي أُوصِيك بِعَشْرٍ: لَا تَقْتُلَنَّ
صَبِيًّا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا، وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلَا تَعْقِرَنَّ شَاةً، وَلَا بَقَرَةً، إلَّا لِمَأْكَلَةٍ، وَلَا تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا، وَلَا تُغَرِّقَنَّ نَخْلًا، وَلَا تُحَرِّقَنَّهُ، وَلَا تَجْبُنْ1، وَلَا تَغْلُلْ، انْتَهَى. وَهُوَ فِي "مُوَطَّإِ مَالِكٍ 2 - فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ"، وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعَثَ جُيُوشًا، إلَى آخِرِهِ. قَوْلُهُ: بِخِلَافِ التَّحْرِيقِ، قَبْلَ الذَّبْحِ، فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: فَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْثٍ، فَقَالَ لَنَا: " إنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا، فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ"، فَلَمَّا خَرَجْنَا دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " إنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا، فَاقْتُلُوهُمَا وَلَا تَحْرِقُوهُمَا، فَإِنَّهُ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إلَّا اللَّهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَسَمَّى الرَّجُلَيْنِ، فَقَالَ فِيهِ: فَقَالَ: "إنْ وَجَدْتُمْ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ. وَنَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَحَرِّقُوهُمَا بِالنَّارِ"، قَالَ: وَكَانَا قَدْ نَخَسَا بِزَيْنَبِ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَتْ مِنْ مَكَّةَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ تَزَلْ ضَنِيَّةً حَتَّى مَاتَتْ، فَلَمَّا خَرَجْنَا دَعَانَا، الْحَدِيثَ، وَطَوَّلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ"، وَفِيهِ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ خَرَجَتْ ابْنَتُهُ زَيْنَبُ تُرِيدُ أَنْ تَلْحَقَ بِأَبِيهَا مُخْتَفِيَةً، فَأَدْرَكَهَا هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَنَافِعُ بْنُ قَيْسٍ الْفِهْرِيُّ، فَرَوَّعَاهَا بِالرُّمْحِ، وَهِيَ فِي هَوْدَجِهَا حَتَّى صَرَعَاهَا، وَأَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا، وَأُهْرِيقَتْ دَمًا، وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي الْعَاصِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ" طَوَّلَهُ، وَقَالَ فِيهِ: وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَتَلَ أَخَوَيْ هَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ يَوْمَ بَدْرٍ، زَمْعَةَ، وَعَقِيلَ ابْنَيْ الْأَسْوَدِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا 3 فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ أَنَّ عَلِيًّا أَتَى بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أُحْرِقْهُمْ، لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ"، وَلَقَتَلَتْهُمْ، لِقَوْلِهِ عليه السلام: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 4 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَى حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتْ الْحُمَّرَةُ، فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا، رُدُّوهُ عَلَيْهَا"، وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا، فَقَالَ: "مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟ " قُلْنَا: نَحْنُ، قَالَ: "إنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ"، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ، وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ عَنْهُ فِي "جَامِعِهِ".
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حِبَّانَ، قَالَ: كُنْت عِنْدَ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، فَأَخَذَتْ بُرْغُوثًا فَأَلْقَتْهُ فِي النَّارِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَنْعِ جَوَازِ قَسْمِ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، قَالَ: لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي مَعْنَى الْقِسْمَةِ، فَكَمَا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ كَذَلِكَ لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: " الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ"، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْمَشْهُورُ وَقْفُهُ عَلَى عُمَرَ، قُلْت: غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى عُمَرَ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ غَزَوْا نَهَاوَنْدَ، فَأَمَدَّهُمْ أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَعَلَيْهِمْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَظَهَرُوا، فَأَرَادَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ أَنْ لَا يَقْسِمُوا لِأَهْلِ الْكُوفَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الْأَجْدَعُ، تُرِيدُ أَنْ تُشَارِكَنَا فِي غَنَائِمِنَا؟! وَكَانَتْ أُذُنُهُ جُدِعَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: خَيْرَ أُذُنَيْ سَبَبْت، ثُمَّ كَتَبَ إلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَرُ: إنَّ الْغَنِيمَةَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وقل: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ بَخْتَرِيِّ بْنِ مُخْتَارٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَبَخْتَرِيٌّ هَذَا لَا أَعْلَمُ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْقِسْمَةِ لِمَنْ غَابَ عَنْ الْوَقْعَةِ: لِمَذْهَبِنَا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فِي "الصَّحِيحَيْنِ"1 عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْهُ قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إلَيْهِ، أَنَا وَأَخَوَانِ لِي، أَنَا أَصْغَرُهُمْ: أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ، وَالْآخَرُ أَبُو رُهْمٍ، فِي بِضْعٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً، فَأَلْقَتْنَا إلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأَصْحَابَهُ عِنْدَهُ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثنا ههنا، وَأَمَرَنَا بِالْإِقَامَةِ، فَأَقِيمُوا مَعَنَا، فَأَقَمْنَا حَتَّى قَدِمْنَا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَنَا، وَلَمْ يُسْهِمْ لِأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ، إلَّا أَصْحَابَ سَفِينَتِنَا، مُخْتَصَرٌ. وَحَمَلَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّهُمْ شَهِدُوا قَبْلَ جواز الْغَنَائِمِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ": إنَّمَا أَعْطَاهُمْ
مِنْ خُمُسِ خُمُسِهِ عليه السلام لِيَسْتَمِيلَ بِهِ قُلُوبَهُمْ، وَلَمْ يُعْطِهِمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا فَتْحَهُ، انْتَهَى. حَدِيثُ الْخَصْمِ: وَلِلشَّافِعِيَّةِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَبَانًا عَلَى سَرِيَّةٍ مِنْ الْمَدِينَةِ قِبَلَ نَجْدٍ، فَقَدِمَ أَبَانُ، وَأَصْحَابُهُ عَلَى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر، بعد ما افْتَتَحَهَا، إلَى أَنْ قَالَ: فَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ، مُخْتَصَرٌ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام فِي طَعَامِ خَيْبَرَ: "كُلُوهَا، وَاعْلِفُوهَا، وَلَا تَحْمِلُوهَا"،قُلْت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ" أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ ثَنَا الْوَاقِدِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ: "كُلُوا، وَاعْلِفُوا، وَلَا تَحْتَمِلُوا"، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" بِغَيْرِ هَذَا السَّنَدِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا انْتَهَيْنَا إلَى الْحِصْنِ، وَالْمُسْلِمُونَ جِيَاعٌ، إلَى أَنْ قَالَ: فَوَجَدْنَا وَاَللَّهِ فِيهِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ مَا لَمْ يَظُنَّ أَنَّ هُنَاكَ من الشعير، والثمر، وَالسَّمْنِ، وَالْعَسَلِ، وَالزَّيْتِ، وَالْوَدَكِ، وَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُوا، وَاعْلِفُوا، وَلَا تَحْتَمِلُوا"، يَقُولُ: وَلَا تَخْرُجُوا بِهِ إلَى بِلَادِكُمْ، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَأْخُذُونَ مُدَّةَ مَقَامِهِمْ طَعَامَهُمْ، وَعَلْفَ دَوَابِّهِمْ، لَا يَمْتَنِعُ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ، مُخْتَصَرٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَيُعَارِضُهُ حَدِيثٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 2 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ ابْنَ حَرْشَفٍ الْأَزْدِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ الْقَاسِمِ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كُنَّا نَأْكُلُ الْجَزَرَ فِي الْغَزْوِ، وَلَا نَقْسِمُهُ، حَتَّى إنْ كُنَّا لَنَرْجِعُ إلَى رِحَالِنَا، وَأَخْرِجَتُنَا مِنْهُ مَمْلُوءَةٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَسَنَدُ الْآخَرِ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ "فِي كِتَابِهِ": وَابْنُ حَرْشَفٍ هَذَا لَا أَعْرِفُهُ مَوْجُودًا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الرِّجَالِ الَّتِي هِيَ مَظَانُّ ذِكْرِهِ، فَهُوَ مَجْهُولٌ جِدًّا، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ، قَالَ: دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ، فَالْتَزَمْته، ثُمَّ قُلْت: لَا أُعْطِي مِنْ هَذَا الْيَوْمِ أَحَدًا شَيْئًا، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَسَّمُ، انْتَهَى. وَزَادَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ في "مسنده": وقال له عليه السلام: "هُوَ لَك"، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ
فِي "كِتَابِهِ": وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مُفِيدَةٌ، لأنها نص من إبَاحَةٍ لَهُ، وَهِيَ صَحِيحَةُ الْإِسْنَادِ، فَإِنَّهُ رَوَاهَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْعَبْسِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ هِلَالٍ الْعَدَوِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، فَذَكَرَهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا1، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ، وَالْعِنَبَ، فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُجَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: قُلْت: هَلْ كُنْتُمْ تُخَمِّسُونَ - يَعْنِي الطَّعَامَ - فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي زُرْعَةَ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْعَانِيُّ ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْعَاقِلِيُّ 3 ثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "عَشْرٌ مُبَاحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فِي مَغَازِيهِمْ: الْعَسَلُ، وَالْمَاءُ، وَالْمِلْحُ، وَالطَّعَامُ، وَالْخَلُّ، وَالزَّبِيبُ، وَالْجِلْدُ الطَّرِيُّ، وَالْحَجَرُ، وَالْعُودُ مَا لَمْ يَنْحِتْ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ مَوْقُوفٌ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ هَانِئِ بْنِ كُلْثُومٍ أَنَّ صَاحِبَ جَيْشِ الشَّامِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ: إنَّا فَتَحْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ، فَكَرِهْت أَنْ أَتَقَدَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلا بأمرك، فكتب إليهم، دَعْ النَّاسَ يَأْكُلُونَ وَيَعْلِفُونَ، فَمَنْ بَاعَ شَيْئًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَفِيهِ خُمُسُ اللَّهِ، وَسِهَامُ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ"، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ يس الزَّيَّاتِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ في "الكامل"، وأعله بيس، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، وَقَالَ: عَامَّةُ أَحَادِيثِهِ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ إنَّمَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَمُرْسَلُ عُرْوَةَ قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ"، قَالَ: وَهُوَ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ1 بَابُ إذَا أَسْلَمَ القوم فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَهُمْ مَالٌ وَأَرْضُونَ، فَهِيَ لَهُمْ" وَسَاقَ بِسَنَدِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ، يُقَالُ لَهُ: هَنِيُّ عَلَى الْحِمَى، فَقَالَ: يَا هَنِيُّ اُضْمُمْ جَنَاحَك عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِينَ، فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ، وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغَنِيمَةِ، وَإِيَّايَ، وَنَعْمَ ابن العوف، وَنَعْمَ ابْنَ عَفَّانِ، فَإِنَّهُمَا إنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى نَخْلٍ، وَزَرْعٍ، وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغَنِيمَةِ إنْ تهلك ماشيتهما، يأتيني ببينة، فَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا لَا أَبَا لَك، فَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَأَيْمُ اللَّهِ إنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أني قد ظلمتهم، وإنها لَبِلَادُهُمْ، قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عليه وفي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْت عَلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِهِمْ شِبْرًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ2 فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ" عَنْ أَبَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ صَخْرِ بْنِ الْعَيْلَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا ثَقِيفًا، فَلَمَّا أَنْ سَمِعَ بِذَلِكَ صَخْرٌ رَكِبَ فِي خَيْلٍ يَمُدُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ انْصَرَفَ، وَلَمْ يَفْتَحْ، فَجَعَلَ صَخْرٌ حِينَئِذٍ عَهْدَ الله وذمته لَا يُفَارِقَ هَذَا الْقَصْرَ حَتَّى يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ صَخْرٌ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ ثَقِيفًا قَدْ نَزَلَتْ عَلَى حُكْمِك يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا مُقْبِلٌ إلَيْهِمْ، وَهُمْ فِي خَيْلٍ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ جَامِعَةً، فَدَعَا لِأَحْمَسَ عَشْرَ دَعَوَاتٍ، " اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأَحْمَسَ فِي خَيْلِهَا وَرِجَالِهَا"، فَأَتَاهُ الْقَوْمُ، فَتَكَلَّمَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّ صَخْرًا أَخَذَ عَمَّتِي، وَدَخَلَتْ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ، فَدَعَاهُ، فَقَالَ: " يَا صَخْرُ إنَّ الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ، فَادْفَعْ إلَى الْمُغِيرَةِ عَمَّتَهُ"، فَدَفَعَهَا إلَيْهِ، وَسَأَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاءً لِبَنِي سُلَيْمٍ، قَدْ هَرَبُوا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَتَرَكُوا ذَلِكَ الْمَاءَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَنْزِلْنِيهِ أَنَا وَقَوْمِي، قَالَ: نَعَمْ، فَأَنْزَلَهُ، وَأَسْلَمَ - يَعْنِي السُّلَمِيِّينَ - فَأَتَوْا صَخْرًا، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرْفَعَ إلَيْهِمْ الْمَاءَ، فَأَبَى، فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَسْلَمْنَا، وَأَتَيْنَا صَخْرًا لِيَدْفَعَ إلَيْنَا مَاءَنَا، فَأَبَى عَلَيْنَا، فَدَعَاهُ، فَقَالَ: " يَا صَخْرُ إنَّ الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَادْفَعْ إلَى الْقَوْمِ مَاءَهُمْ"، قَالَ: نَعَمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَرَأَيْت وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ
عِنْدَ ذَلِكَ حُمْرَةً حَيَاءً مِنْ أَخْذِهِ الْجَارِيَةَ وَأَخْذِهِ الْمَاءَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالدَّارِمِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَأَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: صَدُوقٌ، صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ مِمَّنْ فحش غلطه وخطأه، وَانْفَرَدَ بِالْمَنَاكِيرِ، وَصَخْرُ بْنُ الْعَيْلَةِ، وَيُقَالُ: ابْنُ أَبِي الْعَيْلَةِ، لَهُ صُحْبَةٌ، وَالْعَيْلَةُ أُمُّهُ - بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ، بَعْدَهَا يَاءٌ آخِرُ الْحُرُوفِ - انْتَهَى.
فصل في كيفية القسمة
فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَسَمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، قُلْت: أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً فَغَنِمُوا خَمَّسَ الْغَنِيمَةَ، فَضَرَبَ ذَلِكَ الْخُمُسَ فِي خَمْسَةٍ، ثُمَّ قَرَأَ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الْآيَةَ، فَجَعَلَ سَهْمَ اللَّهِ وَسَهْمَ الرَّسُولِ وَاحِدًا، وَلِذِي الْقُرْبَى سَهْمًا، ثُمَّ جَعَلَ هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ قُوَّةً فِي الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ، وَجَعَلَ سَهْمَ الْيَتَامَى، وَسَهْمَ الْمَسَاكِينِ، وَسَهْمَ ابْنِ السَّبِيلِ لَا يُعْطِيهِ غَيْرَهُمْ، ثُمَّ جَعَلَ الْأَرْبَعَةَ أَسْهُمَ الْبَاقِيَةَ، لِلْفَرَسِ، سَهْمَانِ، وَلِرَاكِبِهِ سَهْمٌ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي "تَفْسِيرِهِ - فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ" فَقَالَ: حَدَّثَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْقَاطِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ وَرْقَاءَ عَنْ نَهْشَلٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً فَغَنِمُوا خَمَّسَ الْغَنِيمَةَ، فَضَرَبَ ذَلِكَ الْخُمُسَ فِي خَمْسَةٍ، ثُمَّ قَرَأَ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} ، وَقَالَ: قَوْلُهُ: {فَأَنَّ لِلَّهِ} مِفْتَاحُ كَلَامِ اللَّهِ، مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِلَّهِ، ثُمَّ جَعَلَ سَهْمَ اللَّهِ وَسَهْمَ الرَّسُولِ وَاحِدًا، وَلِذِي الْقُرْبَى سَهْمًا، فَجَعَلَ هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ قُوَّةً فِي الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ، وَجَعَلَ سَهْمَ الْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينِ، وَابْنِ السَّبِيلِ لَا يُعْطِيهِ غَيْرَهُمْ، وَجَعَلَ الْأَرْبَعَةَ أَسْهُمَ الْبَاقِيَةَ لِلْفَرَسِ سهمين، وَلِرَاكِبِهِ سَهْمٌ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ، انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتْ الْغَنِيمَةُ تُقْسَمُ على خمس أَخْمَاسٍ، فَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا، وَخُمُسٌ وَاحِدٌ يقسم على أربعة، ربع لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ، وَلِذِي الْقُرْبَى - يَعْنِي قَرَابَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا كَانَ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَهُوَ لِقَرَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَأْخُذْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخُمُسِ شَيْئًا، وَالرُّبْعُ الثَّانِي لِلْيَتَامَى، وَالرُّبْعُ الثَّالِثُ لِلْمَسَاكِينِ، وَالرُّبْعُ الرَّابِعُ لِابْنِ السَّبِيلِ، وَهُوَ الضَّيْفُ الْفَقِيرُ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْمُسْلِمِينَ، انتهى. وروى الطبراني فِي "تَفْسِيرِهِ - فِي سُورَةِ الْحَشْرِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} الْآيَةَ،
قَالَ: كَانَتْ الْغَنِيمَةُ تُخَمَّسُ بِخَمْسَةِ أَخْمَاسٍ، فَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا، وَيُخَمَّسُ الْخُمُسُ الْبَاقِي عَلَى خَمْسَةِ أَخْمَاسٍ، فَخُمُسٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَخُمُسٌ لِقَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ، وَخُمُسٌ لِلْيَتَامَى، وَخُمُسٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَخُمُسٌ لِابْنِ السَّبِيلِ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ رضي الله عنهما هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ، سَهْمَ اللَّهِ وَالرَّسُولِ، وَسَهْمَ قَرَابَتِهِ، فَحَمَلَا عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَدَقَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ - إلَّا النَّسَائِيّ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا، انْتَهَى. بِلَفْظِ الْبُخَارِيِّ1، وَعَجِبْتُ مِنْ شَيْخِنَا عَلَاءِ الدِّينِ كَيْفَ عَزَاهُ لِأَبِي دَاوُد فَقَطْ! مَعَ أَنَّ غَيْرَهُ عَزَاهُ لِلصَّحِيحَيْنِ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "المغازي - في غزوة خبير" أَنَّهُ عليه السلام قَسَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وللرجل سَهْمًا، قَالَ: وَفَسَّرَهُ نَافِعٌ، فَقَالَ: إذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ، انْتَهَى. وَوَقَعَ لِعَبْدِ الْحَقِّ ههنا، وَهْمٌ فِي "كِتَابِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ" فَإِنَّهُ ذَكَرَ تَفْسِيرَ نَافِعٍ هَذَا عَقِيبَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَهُ، فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثَيْنِ: أَحَدَهُمَا فِي "الْجِهَادِ": أَنَّهُ عليه السلام جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا، انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ، وَبَوَّبَ لَهُ "بَابَ سِهَامِ الْفَرَسِ"، وَالْآخَرَ ذَكَرَهُ فِي "الْمَغَازِي - فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ" أَنَّهُ عليه السلام قَسَمَ يَوْمَ خيبر للفرس سهمين، وللرجل سَهْمًا، وَأَعْقَبَهُ بِتَفْسِيرِ نَافِعٍ الْمَذْكُورِ، فَجَعَلَ عَبْدُ الْحَقِّ تَفْسِيرَ نَافِعٍ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي الْجِهَادِ، وَلَيْسَ كَمَا فَعَلَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ تَفْسِيرَ نَافِعٍ إنَّمَا يَمْشِي فِي حَدِيثِ خَيْبَرَ، كَمَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ 2 فِيهِ أَنَّهُ قَسَمَ فِي النَّفْلِ للفرس سهمين، وللرجل سَهْمًا، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي رِوَايَةِ النَّفْلِ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد 3 فِيهِ: أَنَّهُ عليه السلام أَسْهَمَ لِرَجُلٍ وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمًا لَهُ، وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ، وَهُوَ لَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ4، أَنَّهُ قَسَمَ فِي النَّفْلِ لِلْفَرَسِ بِسَهْمَيْنِ، وللرجل بِسَهْمٍ، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ5، أَنَّهُ أَسْهَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: لِلْفَرَسِ سهمان، وللرجل سَهْمٌ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 6 عَنْ الْمَسْعُودِيِّ حَدَّثَنِي أبو عَمْرَةَ
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ، وَمَعَنَا فَرَسٌ، فَأَعْطَى كُلَّ إنْسَانٍ مِنَّا سَهْمًا، وَأَعْطَى الْفَرَسَ سَهْمَيْنِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي عَمْرَةَ نَحْوَهُ، وَزَادَ: فَكَانَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، انْتَهَى. وَالْمَسْعُودِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فِيهِ مَقَالٌ، وَقَدْ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"1، عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ مَوْلَى أَبِي رُهْمٍ عَنْ أَبِي رُهْمٍ، قَالَ: شَهِدْت أَنَا، وَأَخِي خَيْبَرَ، وَمَعَنَا فَرَسَانِ، فَقَسَمَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله وسلم سِتَّةَ أَسْهُمٍ: لِلْفَرَسَيْنِ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ، وَلَنَا سَهْمَيْنِ، فَبِعْنَا نَصِيبَنَا بِبِكْرَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": قَيْسٌ ضَعَّفَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ، وَأَبُو رُهْمٍ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ بِهِ، وَإِسْحَاقُ ضَعِيفٌ. حديث آخر: أخرجه الطَّبَرَانِيُّ، والدارقطني أَيْضًا 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنِّي جَعَلْتُ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلْفَارِسِ سَهْمًا، فَمَنْ نَقَصَهُمَا نَقَصَهُ اللَّهُ"، وَمُحَمَّدُ بْنُ حُمْرَانَ الْقَيْسِيُّ، قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَذَكَرَهُ أَبُو حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ: يُخْطِئُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَهُ أَفْرَادٌ وَغَرَائِبُ، مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بِشْرٍ السَّكْسَكِيُّ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: لَا شَيْءَ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، والدارقطني: ضَعِيفٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ". حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، والدارقطني أَيْضًا 3 عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي قُرَيْبَةُ عَنْ أُمِّهَا كَرِيمَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِقْدَادِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا، انْتَهَى. زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي لَفْظِهِ: يَوْمَ خَيْبَرَ، وَمُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ فِيهِ لِينٌ، وَشَيْخَتُهُ قُرَيْبَةُ، تَفَرَّدَ هُوَ عَنْهَا. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ ثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفَارِسِ ثلاثة أسهم،
وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمَانِ لِفَرَسِهِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ ثَنَا فُلَيْحِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الزُّبَيْرَ سَهْمًا، وَفَرَسَهُ سَهْمَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَفُلَيْحٌ، وَالْمُنْذِرُ لَيْسَا بِمَشْهُورَيْنِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ": فُلَيْحِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ الْقُرَشِيُّ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلٌ، رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الزُّبَيْرِ، قَالَ: أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمَيْنِ لِفَرَسِي، وَسَهْمًا لِي، وَسَهْمًا لِأُمِّي مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الزُّبَيْرِ نَحْوَهُ، لَمْ يَقُلْ فِيهِ: يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٍ لَهُ، وَسَهْمٍ لِأُمِّهِ، وَهِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ ثَنَا مُحَاضِرٌ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ نَحْوَهُ، لَمْ يَقُلْ فِيهِ: يَوْمَ بَدْرٍ، وَلَا خَيْبَرَ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: شَهِدْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَاةً، فَأَعْطَى الْفَارِسَ مِنَّا ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا، انْتَهَى. وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، وَأَبُوهُ يَزِيدُ ضَعِيفَانِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ جَابِرٍ، نَحْوَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا3، عَنْ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ يَحْيَى بْنِ النَّضْرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا 4 عَنْ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ شَهِدَ حُنَيْنًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْهَمَ لِفَرَسِهِ سَهْمَيْنِ، وَلَهُ سَهْمًا، انْتَهَى. وَالْوَاقِدِيُّ مَجْرُوحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الوسط" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا هِشَامُ بْنُ يُونُسَ اللُّؤْلُؤِيُّ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نافع ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لَهُ يَوْمَ خَيْبَرَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمًا لَهُ، وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: وَرَوَاهُ النَّاسُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا تَفَرَّدَ بِهِ هِشَامُ بْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ - فِي بَابِ غَزْوَةِ قُرَيْظَةَ" بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: لَمْ تَقَعْ الْقِسْمَةُ وَلَا السَّهْمُ، إلَّا فِي غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ، كَانَتْ الْخَيْلُ يَوْمَئِذٍ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ فَرَسًا، فَفِيهَا أَعْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَانِ الْخَيْلِ، وَسَهْمَانِ الرِّجَالِ، فَعَلَى سُنَنِهَا جَرَتْ الْمَقَاسِمُ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْفَارِسِ، وَفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: لَهُ سَهْمٌ، وَلِفَرَسِهِ سَهْمَانِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا، مُخْتَصَرٌ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ بَيْنَ أَهْلِ الْمَغَازِي. الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ، وَالرَّاجِلَ سَهْمًا، قُلْت: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَمِّعِ بْنِ يَزِيدَ الأنصاري، قال: سمعت أبي يَعْقُوبَ بْنَ مُجَمِّعٍ، يَذْكُرُ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمِّهِ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ أَحَدُ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ قَرَءُوا الْقُرْآنَ، قَالَ: شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا عَنْهَا إذَا النَّاسُ يَهُزُّونَ الْأَبَاعِرَ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: مَا لِلنَّاسِ؟ قَالُوا: أُوحِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجْنَا مَعَ النَّاسِ نَوْجِفُ، فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا عَلَى رَاحِلَتِهِ عِنْدَ كُرَاعِ الْغَمِيمِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، قَرَأَ عَلَيْهِمْ: {إنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا} ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إنَّهُ لَفَتْحٌ"، فَقُسِّمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَكَانَ الْجَيْشُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، فِيهِمْ ثَلَثُمِائَةِ فَارِسٍ، فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ، وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا وَهْمٌ، إنَّمَا كَانُوا مِائَتَيْ فَارِسٍ، فَأَعْطَى الْفَرَسَ سَهْمَيْنِ، وَأَعْطَى صَاحِبَهُ سَهْمًا، قَالَ: وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عليه السلام أَعْطَى الْفَارِسَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ أَصَحُّ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"،
وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سَنَنَيْهِمَا"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي كِتَابِ قَسْمُ الْفَيْءِ"، وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَعِلَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ الْجَهْلُ بِحَالِ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَمِّعٍ، وَلَا يُعْرَفُ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ ابْنِهِ، وَابْنُهُ مُجَمِّعٌ ثِقَةٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بن زيد أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"1 حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ عِمْرَانَ السَّدُوسِيُّ الْمِصْرِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الشَّاذَكُونِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ عَنْ عَمَّتِهِ قُرَيْبَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أُمِّهَا كَرِيمَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى فَرَسٍ، يُقَالُ لَهُ: سُبْحَةٌ، فَأَسْهَمَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَيْنِ: لِفَرَسِهِ سَهْمٌ، وَلَهُ سَهْمٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ خَارِجَةَ، قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: شَهِدْت بَنِي قُرَيْظَةَ فَارِسًا، فَضَرَبَ لِي بِسَهْمٍ، وَلِفَرَسِي بِسَهْمٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي "تَفْسِيرِهِ - فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّرِّيِّ ثَنَا الْمُنْذِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي أَبِي ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَخْرَجَ الْخُمُسَ مِنْهَا، ثُمَّ قَسَمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ، وَالرَّاجِلَ سَهْمًا، انْتَهَى. وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْآتِي بَعْدَ "الْحَدِيثِ الثَّانِيَ عَشَرَ". الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: " لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ"، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا، وَأَخْطَأَ مَنْ عَزَاهُ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي الَّذِي بَعْدَ هَذَا. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ عَشَرَ: رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ قَالَا: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2، وَقَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ: هَذَا عِنْدِي وَهْمٌ مِنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، لِأَنَّ
أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ1، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ بِشْرٍ، وَغَيْرَهُمَا رَوَوْهُ عَنْ ابْنِ نُمَيْرٍ خِلَافَ هَذَا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ كَرَامَةَ، وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ خِلَافَ هَذَا - يَعْنِي أَنَّهُ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ - ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عمر عن نافع عن ابن عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ: هَكَذَا لَفْظُ نُعَيْمٍ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالنَّاسُ يُخَالِفُونَهُ، قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ: وَلَعَلَّ الْوَهْمَ مِنْ نُعَيْمٍ، لِأَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسْهِمُ لِلْخَيْلِ: لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: تَابَعَهُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ الحمن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ عَنْ الْعُمَرِيِّ بِالشَّكِّ فِي الْفَارِسِ، وَالْفَرَسِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ الْعُمَرِيِّ كَذَلِكَ، وَقَالَ: أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ، أَوْ لِلْفَرَسِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا قَالَ، وَخَالَفَهُ النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ: وَقَدْ تَقَدَّمَ، انْتَهَى. قُلْت: وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي أَوَّلِ "كِتَابِهِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رُؤْبَةَ، قَالَا: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَمِينٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْسِمُ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أَسْهَمَ لِفَرَسَيْنِ، قُلْت: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنِي أَبِي حَرْبُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَبِي عَمْرَةَ بَشِيرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُحْصِنٍ، قَالَ: أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَرَسَيَّ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ، وَلِي سَهْمًا، فَأَخَذْت خَمْسَةَ أَسْهُمٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ أَخْبَرَنِي صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ الزُّبَيْرَ حَضَرَ خَيْبَرَ بِفَرَسَيْنِ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ، انْتَهَى. وَأَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ، كَمَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ"، فَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرَوَى مَكْحُولٌ أَنَّ الزُّبَيْرَ حَضَرَ خَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَهُ عليه السلام خَمْسَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ: لَهُ، وَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ لِفَرَسَيْهِ، فَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ إلَى قَبُولِ هَذَا عَنْ مَكْحُولٍ مُنْقَطِعًا، وَهِشَامٌ أَثْبَتُ فِي حَدِيثِ أَبِيهِ،
وَأَحْرَصُ لَوْ زِيدَ أَنَّهُ يَقُولُ بِهِ، وَأَهْلُ الْمَغَازِي لَمْ يَرْوُوا أَنَّهُ عليه السلام أَسْهَمَ لِفَرَسَيْنِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ حَضَرَ خَيْبَرَ بِثَلَاثَةِ أفراس لنفسه: السكيب، وَالضَّرْبِ، وَالْمُرْتَجِزِ، وَلَمْ يَأْخُذْ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ هِشَامٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بَعْدَهُ تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الزُّبَيْرِ، قَالَ: أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمَيْنِ لِفَرَسِي، وَسَهْمًا لِي، وَسَهْمًا لِأُمِّي، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي "الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَحْيَى عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْمَرٍ، قَالَ: كَانَ مَعَ الزُّبَيْرِ يَوْمَ خَيْبَرَ فَرَسَانِ، فَأَسْهَمَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: ثَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلى عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنْ أَسْهِمْ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلْفَرَسَيْنِ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ، وَلِصَاحِبِهَا سَهْمًا، فَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَمَا كَانَ فَوْقَ الْفَرَسَيْنِ، فَهُوَ جَنَائِبُ، انْتَهَى. قَالَ سَعِيدٌ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْسِمُ لِلْخَيْلِ، وَكَانَ لَا يُسْهِمُ لِلرَّجُلِ فَوْقَ فَرَسَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ أَفْرَاسٍ، انْتَهَى. وَقَالَ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ": 1 لَمْ أَسْمَعْ بِالْقَسْمِ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ أَوْسٍ قَادَ فَرَسَيْنِ فَلَمْ يُسْهِمْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ، قُلْت: غَرِيبٌ، بَلْ جَاءَ عَنْهُ عَكْسُهُ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي "كِتَابِ الصَّحَابَةِ - فِي تَرْجَمَتِهِ"، فَقَالَ: رَوَى عَلِيُّ بْنُ قَرِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْمَدَنِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَعْصَعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ قَادَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسَيْنِ، فَضَرَبَ عليه السلام لَهُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ، انْتَهَى. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي - فِي غُزَاةِ خَيْبَرَ" حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ محمد عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَادَ فِي خَيْبَرَ ثَلَاثَةَ أَفْرَاسٍ: لِزَازٌ، وَالظَّرَبُ، والسكب، وَقَادَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ أَفْرَاسًا، وَقَادَ خِرَاشُ بْنُ الصِّمَّةِ فَرَسَيْنِ، وَقَادَ الْبَرَاءُ بْنُ أَوْسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْجَعْدِ فَرَسَيْنِ، وَقَادَ أَبُو عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَرَسَيْنِ، قَالَ: فَأَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ مَنْ كَانَ لَهُ فَرَسَانِ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ: أَرْبَعَةً لِفَرَسَيْهِ، وَسَهْمًا لَهُ، وَمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ، لَمْ يُسْهِمْ لَهُ، وَيُقَالُ: إنَّهُ لَمْ يُسْهِمْ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ، وَأَثْبَتَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِفَرَسٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يُسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لِنَفْسِهِ، إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ، مُخْتَصَرٌ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى أسلمة بْنَ الْأَكْوَعِ سَهْمَيْنِ، وَهُوَ رَاجِلٌ،
قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 1 فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي "بَابِ بَيْعَةِ الْحُدَيْبِيَةِ" عَنْ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، إلَى أَنْ قَالَ - يَعْنِي سَلَمَةَ -: فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قال رسول الله عليه وسلم: " خَيْرُ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ"، ثُمَّ أَعْطَانِي سَهْمَيْنِ: سَهْمَ الْفَارِسِ وَسَهْمَ الرَّاجِلِ، فَجَمَعَهُمَا إلَيَّ جَمِيعًا، مُخْتَصَرٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَقَالَ: كَانَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ فِي تِلْكَ الْغُزَاةِ رَاجِلًا، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَ الرَّاجِلِ، لِمَا يَسْتَحِقُّهُ، وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ سَهْمَ الْفَارِسِ أَيْضًا مِنْ خُمُسِ خُمُسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُ مِنْ سِهَامِ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى كلامه. ورواه أبو عبيدة الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ إيَاسٍ بِهِ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: وَكَانَ سَلَمَةُ قَدْ اسْتَنْقَذَ لِقَاحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: فَحَدَّثْت بِهِ سُفْيَانَ، فَقَالَ: خَاصٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قال أبو عبيدة: وَهَذَا عِنْدِي أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ أَعْطَاهُ مِنْ سَهْمِهِ الَّذِي كَانَ خَاصًّا بِهِ عليه السلام، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُسَمِّ نَفْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ هِبَةً، أَوْ عَطِيَّةً، أَوْ نِحْلَةً، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُسْهِمُ لِلنِّسَاءِ، وَلَا لِلصِّبْيَانِ، وَلَا لِلْعَبِيدِ، وَكَانَ يَرْضَخُ لَهُمْ، قُلْت: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ 2 عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، قَالَ: كَتَبَ نَجْدَةُ بْنُ عَامِرٍ الْحَرُورِيُّ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ الْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ يَحْضُرَانِ الْمَغْنَمَ، هَلْ يُقْسَمُ لَهُمَا؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ، إلَّا أَنْ يُحْذَيَا، مُخْتَصَرٌ. وَفِي لَفْظٍ، فَكَتَبَ إلَيْهِ: وَسَأَلْت عَنْ الْمَرْأَةِ، وَالْعَبْدِ، هَلْ كَانَ لَهُمَا سَهْمٌ مَعْلُومٌ إذَا حَضَرُوا النَّاسَ؟ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سَهْمٌ مَعْلُومٌ، إلَّا أَنْ يُحْذَيَا مِنْ غَنَائِمِ الْقَوْمِ، مُخْتَصَرٌ وَفِي لَفْظٍ: إنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ، هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ، وَهَلْ كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ: قَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِنَّ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى، وَيُحْذَيْنَ مِنْ الْغَنِيمَةِ، فأمل بِسَهْمٍ، فَلَمْ يَكُنْ يَضْرِبْ لَهُنَّ، مُخْتَصَرٌ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ: عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، قَالَ: كَتَبَ نَجْدَةُ الْحَرُورِيُّ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ النِّسَاءِ، هَلْ كُنَّ يَشْهَدْنَ الْحَرْبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَلْ كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ؟ قَالَ: فَأَنَا كَتَبْت كِتَابَ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَى نَجْدَةَ، قَدْ كُنَّ يَحْضُرْنَ الْحَرْبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا أَنْ يُضْرَبَ لَهُنَّ بِسَهْمٍ فَلَا، وَقَدْ كَانَ يُرْضَخُ لَهُنَّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: عَرَضَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْقِتَالِ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي، قَالَ نَافِعٌ: فَقَدِمْت عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ، فَحَدَّثْته هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: إنَّ هَذَا الْحَدَّ بَيْنَ الصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ، فَكَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ كَانَ ابْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، زَادَ مُسْلِمٌ: وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَاجْعَلُوهُ فِي الْعِيَالِ، انْتَهَى: وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: فَاسْتَصْغَرَنِي، مَكَانَ لَمْ يُجِزْنِي. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ، قَالَ: شَهِدْت، خَيْبَرَ مَعَ سَادَاتِي، فَكَلَّمُوا فِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَنِي، فَقُلِّدْتُ سَيْفًا، فَإِذَا أَنَا أَجُرُّهُ، فَأُخْبِرَ أَنِّي مَمْلُوكٌ، فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ مخالفة لما تقدم: أخرج أَبُو دَاوُد3، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ رَافِعِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَشْرَجِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أَبِيهِ أَنَّهَا خَرَجَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ، سَادِسَ سِتِّ نِسْوَةٍ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ إلَيْنَا، فَجِئْنَا، فَرَأَيْنَا فِي وَجْهِهِ الْغَضَبَ، فَقَالَ: " مَعَ مَنْ خَرَجْتُنَّ؟ وَبِإِذْنِ مَنْ خَرَجْتُنَّ؟ " فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجْنَا نَغْزِلُ الشِّعْرَ، وَنُعِينُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَعَنَا دَوَاءٌ لَلْجَرْحَى، وَنُنَاوِلُ السِّهَامَ، وَنَسْقِي السَّوِيقَ، فَقَالَ: "قُمْنَ" حَتَّى إذَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَيْبَرَ أَسْهَمَ لَنَا، كَمَا أَسْهَمَ لِلرِّجَالِ، قَالَ: فَقُلْت لَهَا: يَا جَدَّةُ، وَمَا كَانَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: تَمْرًا، انْتَهَى. وَجَدَّةُ حَشْرَجٍ هِيَ أُمُّ زِيَادٍ الْأَشْجَعِيَّةُ، وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ، قَالَ: يُسْهَمُ لَهُنَّ، قَالَ: وَأَحْسَبُهُ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، فَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عليه السلام اسْتَطَابَ أَنْفُسَ أَهْلِ الْغَنِيمَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عليه السلام إنَّمَا أَعْطَاهُمْ مِنْ الْخُمُسِ الَّذِي هُوَ حَقُّهُ، دُونَ حُقُوقِ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ 4: قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: وَيُسْهَمُ لِلْمَرْأَةِ، وَالصَّبِيِّ، لِأَنَّهُ عليه السلام أَسْهَمَ لِلصِّبْيَانِ بِخَيْبَرَ، وَأَسْهَمَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ بِكُلِّ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، وَأَسْهَمَ عليه السلام
لِلنِّسَاءِ بِخَيْبَرَ، وَأَخَذَ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ حَشْرَجٍ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ بِهَذَا، انْتَهَى. وَلَمَّا ذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" حَدِيثَ حَشْرَجِ بْنِ زِيَادٍ أَتْبَعَهُ، أَنْ قَالَ: وَحَشْرَجٌ لَا أَعْلَمُ رَوَى عَنْهُ إلَّا رَافِعَ بْنَ سَلَمَةَ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَحَالُ رَافِعِ بْنِ سَلَمَةَ لَا يُعْرَفُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ: كَزَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، وَمُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، وَسَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ: وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ هَذَا الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ: وَرَافِعٌ، وَحَشْرَجٌ مَجْهُولَانِ، وَأَصَابَ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: فِي "مَرَاسِيلِ" أَبِي دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُهَاجِرٍ الشُّعَيْثِيِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لِلنِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ، وَالْخَيْلِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَمَعَ إرْسَالِهِ فَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُهَاجِرٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، قَالَ دُحَيْمٌ: كَانَ ثِقَةً، وَضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وقال: لا يحتج به، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَانَ بِالْيَهُودِ عَلَى الْيَهُودِ، وَلَمْ يُعْطِهِمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا - يَعْنِي لَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ - قُلْت: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ" أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدٍ قَالَا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا حَكَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ: قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال: استعان رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِ قَيْنُقَاعِ، فَرَضَخَ لَهُمْ، وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي "الْمَغَازِي - فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ": حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ فِطْرٍ الْحَارِثِيِّ عن حرام بن سعيد بْنِ مُحَيِّصَةُ، قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشْرَةٍ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ غَزَا بِهِمْ أَهْلَ خَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَهُمْ كَسُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُقَالُ: أَحْذَاهُمْ، وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ، انْتَهَى. حَدِيثٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي "جَامِعِهِ"1 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَسْهَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ قَاتَلُوا مَعَهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ" حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، وَالْقَعْنَبِيُّ ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حيوة بن شريج عَنْ الزُّهْرِيِّ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: زَادَ هَنَّادٌ: مِثْلَ سُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْزُو بِالْيَهُودِ، فَيُسْهِمُ لَهُمْ كَسِهَامِ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَمُنْقَطِعٌ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": مَرَاسِيلُ الزُّهْرِيِّ ضَعِيفَةٌ، كَانَ يَحْيَى الْقَطَّانُ لَا يَرَى إرْسَالَ الزُّهْرِيِّ،
وَقَتَادَةَ شَيْئًا، وَيَقُولُ: هِيَ بِمَنْزِلَةِ الرِّيحِ، انْتَهَى. وَرِوَايَةُ سِهَامِ الْمُسْلِمِينَ يَدْفَعُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّضْخِ، إلَّا أَنَّهَا ضَعِيفَةٌ. أَحَادِيثُ مُعَارِضَةٌ لِمَا تقدم: أخرجه الْجَمَاعَةُ 1 - إلَّا الْبُخَارِيَّ - عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ عليه السلام خَرَجَ إلَى بَدْرٍ حَتَّى إذَا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرِ 2 لَحِقَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جِئْت لِأَتْبَعكَ، وَأُصِيبَ معك، فقال له عليه السلام: "تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "ارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ"، قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى حَتَّى إذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام، كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، قَالَتْ: ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ: "فَانْطَلِقْ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخر: روى الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ 3 مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ أَنْبَأَ مُسْتَلِمُ بْنُ سَعِيدٍ الْوَاسِطِيُّ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خُبَيْبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ خبيب بن يساف، قَالَ: أَتَيْت أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُرِيدُ غَزْوًا، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا نَسْتَحِي أَنْ يَشْهَدَ قَوْمُنَا مَشْهَدًا لَا نَشْهَدُهُ مَعَهُمْ، فَقَالَ: "أَسْلِمَا"، فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: قَالَ: "فَإِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ"، قَالَ: فَأَسْلَمْنَا وَشَهِدْنَا مَعَهُ، قَالَ: فَقَتَلْت رَجُلًا، وَضَرَبَنِي ضَرْبَةً، وَتَزَوَّجْت ابْنَتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَكَانَتْ تَقُولُ: لَا عَدِمْت رَجُلًا وَشَّحَك هَذَا الْوِشَاحَ، فَأَقُولُ: لَا عَدِمْت رَجُلًا عَجَّلَ أَبَاك إلَى النَّارِ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَخُبَيْبٌ صَحَابِيٌّ مَعْرُوفٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مسانيدهم"، والطبري فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَمُسْتَلِمٌ ثِقَةٌ، وَخُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى إذَا خَلَفَ ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ نَظَرَ وَرَاءَهُ، فَإِذَا كَتِيبَةٌ حَسْنَاءُ، فَقَالَ: "مَنْ هَؤُلَاءِ؟ " قَالُوا: هَذَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ فِي مَوَالِيهِ مِنْ الْيَهُودِ: وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، فَقَالَ: "هَلْ أَسْلَمُوا؟ " قَالُوا: لَا، إنَّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، قَالَ: "قُولُوا لَهُمْ: فَلْيَرْجِعُوا، فَإِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" وَلَفْظُهُ: فَقَالَ: " مَنْ هَؤُلَاءِ؟ " قَالُوا" يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ حُلَفَاءُ ابْنُ أُبَيٍّ مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ عليه السلام: "لَا نَسْتَنْصِرُ بِأَهْلِ الشِّرْكِ عَلَى أَهْلِ الشِّرْكِ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ": وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى مَنْعِ الِاسْتِعَانَةِ بِالْمُشْرِكِينَ، وَمِنْهُمْ أَحْمَدُ مُطْلَقًا، وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَالُوا: إنَّ مَا يُعَارِضُهُ لَا يُوَازِيهِ فِي الصِّحَّةِ، فَتَعَذَّرَ ادِّعَاءُ النَّسْخِ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَغْزُوا مَعَهُ، وَيَسْتَعِينَ بِهِمْ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي الْمُسْلِمِينَ قلة بحيث تدعو الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِمْ فِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الَّذِي رَوَى مَالِكٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ مُشْرِكًا أَوْ مُشْرِكَيْنِ، وَأَبَى أن نستعين بِمُشْرِكٍ، كَانَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، ثُمَّ إنَّهُ عليه السلام اسْتَعَانَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ بَعْدَ بَدْرٍ بِسَنَتَيْنِ بِيَهُودِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَاسْتَعَانَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ سَنَةَ ثَمَانٍ بِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَهُوَ مُشْرِكٌ، فَالرَّدُّ الَّذِي فِي حَدِيثِ مَالِكٍ إنْ كَانَ لِأَجْلِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ، كَمَا لَهُ رَدُّ الْمُسْلِمِ لِمَعْنًى يَخَافُهُ، فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ مُخَالِفًا لِلْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ أَنَّهُ مُشْرِكٌ فَقَدْ نَسَخَهُ مَا بَعْدَهُ مِنْ اسْتِعَانَتِهِ بِالْمُشْرِكِينَ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، إذَا خَرَجُوا طَوْعًا، وَيُرْضَخُ لَهُمْ، وَلَا يُسْهَمُ لَهُمْ، وَلَا يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَسْهَمَ لَهُمْ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَعَلَّهُ عليه السلام إنَّمَا رَدَّ الْمُشْرِكَ الَّذِي رَدَّهُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، رَجَاءَ إسْلَامِهِ، قَالَ: وَذَلِكَ وَاسِعٌ لِلْإِمَامِ، أَنْ يَرُدَّ الْمُشْرِكَ، وَيَأْذَنَ لَهُ، انْتَهَى. وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ كُلُّهُ نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ الرَّاشِدِينَ قَسَمُوا الْخُمُسَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، سَهْمٍ لِلْيَتَامَى، وَسَهْمٍ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٍ لِابْنِ السَّبِيلِ، قُلْت: رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْخُمُسَ الَّذِي كَانَ يُقْسَمُ عَلَى عَهْدِهِ عليه السلام عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ: لِلَّهِ وَالرَّسُولِ سَهْمٌ، وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى سَهْمٌ، وَلِلْمَسَاكِينِ سَهْمٌ، وَلِابْنِ السَّبِيلِ سَهْمٌ، ثُمَّ قَسَمَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٍ لِلْيَتَامَى، وَسَهْمٍ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٍ لِابْنِ السَّبِيلِ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي "فَصْلِ كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ" عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ الْخُمُسَ كَانَ يُقْسَمُ عَلَى خَمْسَةِ أَخْمَاسٍ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يُقْسَمُ عَلَى أَرْبَعَةٍ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "يَا مَعْشَرَ بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِهَ لَكُمْ
غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ وَأَوْسَاخَهُمْ، وَعَوَّضَكُمْ مِنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الزَّكَاةِ"، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْت أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ حَنَشٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَ نَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ ابْنَيْهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمَا: "انْطَلِقَا إلَى عَمِّكُمَا لَعَلَّهُ يَسْتَعِينُ بِكَمَا عَلَى الصَّدَقَاتِ"، فَأَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَاهُ بِحَاجَتِهِمَا، فَقَالَ لَهُمَا: "لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْءٌ، وَلَا غُسَالَةُ الْأَيْدِي، إنَّ لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ لَمَا يُغْنِيكُمْ، أَوْ يَكْفِيكُمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "تَفْسِيرِهِ - فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ" حَدَّثَنَا أَبِي ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ الْمِصِّيصِيِّ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ بِهِ، بِلَفْظِ: رَغِبْت لَكُمْ عَنْ غُسَالَةِ أَيْدِي النَّاسِ، إنَّ لَكُمْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ لَمَا يُغْنِيكُمْ، انْتَهَى. وَهَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: يَأْتِي بِمَنَاكِيرَ، وَرَوَى الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ ثَنَا أبي شريك عن حصيف عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ آلُ مُحَمَّدٍ عليه السلام لَا تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ، فَجَعَلَ لَهُمْ خُمُسَ الْخُمُسِ، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْلُ بَيْتِهِ لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ، فَجَعَلَ لَهُمْ خُمُسَ الْخُمُسِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام "إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مَعِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ"، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ 1 عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى مِنْ خَيْبَرَ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ جِئْت أَنَا، وَعُثْمَانُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ بَنُو هَاشِمٍ، لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ، لِمَكَانِك مِنْهُمْ، فَمَا بَالُ إخْوَانِنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ، وَتَرَكْتَنَا، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْك بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ: "إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ، وَإِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْخَرَاجِ"، وَالنَّسَائِيُّ فِي "قَسْمِ الْفَيْءِ"، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الْجِهَادِ" وَالْحَدِيثُ فِي "الْبُخَارِيِّ" لَيْسَ فِيهِ: وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، أَخْرَجَهُ فِي "الْخُمُسِ"2، وَفِي مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ، وَفِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ خَرَّجَهُ فِي "غَزْوَةِ خَيْبَرَ" عن يونس عن الأزهري عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ، قَالَ: مَشَيْت أَنَا، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ وَتَرَكْتَنَا، وَنَحْنُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْك، فَقَالَ: "إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ،
وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ"، قَالَ جُبَيْرٌ: وَلَمْ يَقْسِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِي الْخُمُسِ، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ شَمْسٍ، وَهَاشِمٌ، وَالْمُطَّلِبُ إخْوَةٌ لِأُمٍّ، وَأُمُّهُمْ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ، وَكَانَ نَوْفَلٌ أَخَاهُمْ لِأَبِيهِمْ، انْتَهَى. وَيُنْظَرُ الْمَوْضِعَانِ الْآخَرَانِ، وَرَوَاهُ بِسَنَدِ السُّنَنِ وَمَتْنِهَا أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مَسَانِيدِهِمْ"، قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ رَوَاهُ هَكَذَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، وَحَدِيثُ سَعِيدٍ أَصَحُّ، وَلَا يُحْفَظُ هَذَا اللَّفْظُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَّا مِنْ رِوَايَةِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِهِ "مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ" عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ. وَحَدِيثُ يُونُسَ أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَذَكَرْت لِمُطَرِّفِ بْنِ مَازِنٍ أَنَّ يُونُسَ، وَابْنَ إسْحَاقَ رَوَيَا حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، فَقَالَ، هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ مَعْمَرٌ، كَمَا وَصَفْت لَك، وَلَعَلَّ الزُّهْرِيَّ رَوَاهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "الْمَغَازِي - فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ" حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، فَذَكَرَهُ، وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "أَوَّلِ كِتَابِ الْمَدْخَلِ" بِسَنَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "كِتَابِ الْقَسْمِ" مِنْ حَدِيثِ عُقَيْلٍ، وَيُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، كَمَا نَقَلْنَاهُ، وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُمَا، فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيهِ: إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، لَيْسَ فِي "الْبُخَارِيِّ"، إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَصْلَ الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: فَأَمَّا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْخُمُسِ، فَإِنَّهُ لِافْتِتَاحِ الْكَلَام، تَبَرُّكًا بِاسْمِهِ، وَسَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَقَطَ بِمَوْتِهِ، كَمَا سَقَطَ الصَّفِيُّ، لِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِرِسَالَتِهِ، وَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ، وَالصَّفِيُّ شَيْءٌ كَانَ عليه السلام يَصْطَفِيهِ بِنَفْسِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ، مِثْلَ دِرْعٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ جَارِيَةٍ، قُلْت: قَوْلُهُ: فَأَمَّا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْخُمُسِ فَإِنَّهُ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ، هَذَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ. فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ"، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ وَرْقَاءَ عَنْ نَهْشَلٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} ثُمَّ قَالَ: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} ، مِفْتَاحُ كَلَامٍ، ولله مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَكَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً فَغَنِمُوا خَمَّسَ الْغَنِيمَةَ، فَضَرَبَ ذَلِكَ الْخُمُسَ فِي خَمْسَةٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ1، فِي كِتَابِ قَسْمِ الْفَيْءِ" عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ الْجَدَلِيِّ، قَالَ: سَأَلْت الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الْآيَةَ، قَالَ: هَذَا مِفْتَاحُ كَلَامٍ، لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ، انْتَهَى. وَسَكَتَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الصَّفِيِّ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنْبَأَ سُفْيَانُ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمٌ يُدْعَى الصَّفِيَّ إنْ شَاءَ عَبْدًا، وَإِنْ شَاءَ أَمَةً، وَإِنْ شَاءَ فَرَسًا يَخْتَارُهُ قَبْلَ الْخُمُسِ، انْتَهَى. وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: سَأَلْت مُحَمَّدًا - يَعْنِي ابْنَ سِيرِينَ - عَنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالصَّفِيِّ، قَالَ: كَانَ يُضْرَبُ لَهُ سَهْمٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ، وَالصَّفِيُّ يُؤْخَذُ لَهُ رَأْسٌ مِنْ الْخُمُسِ، قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، انْتَهَى. وَهُوَ أَيْضًا مُرْسَلٌ، وَأَخْرَجَ فِي "مَرَاسِيلِهِ" أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَتْ الْغَنَائِمُ تُجْمَعُ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا سَهْمٌ يُسَمَّى الصَّفِيَّ، جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ يَقْسِمُ السِّهَامَ، الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا فِي "سُنَنِهِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا غَزَا كَانَ لَهُ سَهْمٌ صَافٍ، يَأْخُذُهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَتْ صَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ السَّهْمِ، وَكَانَ إذَا لَمْ يَغْزُ بِنَفْسِهِ ضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: كَانَتْ صَفِيَّةُ مِنْ الصَّفِيِّ، انتهى. رواه الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي قَسْمِ الْفَيْءِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَعْطَى الْفُقَرَاءَ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى، قُلْت: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ مِنْ "سُنَنِهِ"3 عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ حَدَّثَنَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْسِمْ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَلَا لِبَنِي نَوْفَلٍ مِنْ الْخُمُسِ شَيْئًا، كَمَا قَسَمَ لِبَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَقْسِمُ الْخُمُسَ نَحْوَ قَسْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُعْطِي قُرْبَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا كَانَ يُعْطِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ عُمَرُ يُعْطِيهِمْ، وَمَنْ كَانَ بَعْدَهُ مِنْهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا4، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مَيْمُونٍ الْخِنْدَفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى سَمِعْت عَلِيًّا قَالَ: اجْتَمَعْت أَنَا، وَالْعَبَّاسُ، وَفَاطِمَةُ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ رَأَيْتَ أَنْ تُوَلِّيَنِي حَقَّنَا مِنْ هَذَا الْخُمُسِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَأَقْسِمْهُ حَيَاتَك، كيلا يُنَازِعَنِي أَحَدٌ بَعْدَك: فَافْعَلْ؟ قَالَ: فَفَعَلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَقَسَمْتُهُ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وِلَايَةَ أَبِي بَكْرٍ، حَتَّى كَانَتْ آخِرُ سَنَةٍ مِنْ سِنِي عُمَرَ، فَإِنَّهُ أَتَاهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَعَزَلَ حَقَّنَا، ثُمَّ أَرْسَلَهُ إلَيَّ، فقلت: بنا الْعَامَ غِنًى، وَبِالْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ حَاجَةٌ، فَارْدُدْهُ عَلَيْهِمْ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ لَمْ يَدْعُنِي إلَيْهِ أَحَدٌ بَعْدَ عُمَرَ، فلقيت العباس بعد ما خَرَجْت مِنْ عِنْدِ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ حَرَمْتَنَا الْغَدَاةَ شَيْئًا لَا يُرَدُّ عَلَيْنَا، وَكَانَ رَجُلًا دَاهِيًا1، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَحُسَيْنُ بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ المنذري: لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، وَذَكَرَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ" هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَفِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَقْسِمْ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَسَمَ لَهُمْ، وَحَدِيثُ جُبَيْرٍ صَحِيحٌ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ لَا يَصِحُّ، انتهى.
فصل في التنقيل
فَصْلٌ في التنقيل الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 2 - إلَّا النَّسَائِيّ - عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، قَالَ: فَرَأَيْت رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَاسْتَدَرْت لَهُ حَتَّى أَتَيْته مِنْ وَرَائِهِ، فَضَرَبْته بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْت مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَأَرْسَلَنِي، فَلَحِقْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقُلْت: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللَّهِ، ثُمَّ إنَّ النَّاسَ رَجَعُوا، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَلَهُ سَلَبُهُ" قَالَ: فَقُمْت، ثُمَّ قُلْت: مَنْ يَشْهَدْ لِي، ثُمَّ جَلَسْت، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ"، قال: فقمت، فقلت: مَنْ يَشْهَدْ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْت، ثُمَّ قَالَ مِثْلَ ذلك الثالثة، فَقُمْت فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مالك يَا أَبَا قَتَادَةَ؟ " فَاقْتَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ مِنْ حَقِّهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لَاهَا اللَّهِ، إذَنْ لَا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ
مِنْ أُسْدِ اللَّهِ، يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ، وَعَنْ رَسُولِهِ، فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَدَقَ فَأَعْطِهِ إيَّاهُ" قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَأَعْطَانِيهِ، فَبِعْت الدِّرْعَ، فَابْتَعْت بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 1 عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: أَلَمْ تَعْلَمْ يَا خَالِدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ؟ قَالَ: بَلَى، مُخْتَصَرٌ، وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَوْفٍ، وَخَالِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ، وَلَمْ يُخَمِّسْ السَّلَبَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"2 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: "مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ"، فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا، وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ، وَلَقِيَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ، وَمَعَهَا خِنْجَرٌ، فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هَذَا مَعَك؟ قَالَتْ: أَرَدْت إنْ دَنَا مِنِّي بَعْضُهُمْ، أَبْعَجُ بِهِ بَطْنَهُ، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَبُو طَلْحَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ - فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ - وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، لَمْ يَذْكُرَا فِيهِ قِصَّةَ أُمِّ سُلَيْمٍ، وَزَادَ فِيهِ، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ضَرَبْت رَجُلًا عَلَى حَبْلِ الْعَاتِقِ، وَعَلَيْهِ دِرْعٌ، فَأَجْهَضْت عَنْهُ3، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا أَخَذْتهَا، فَأَرْضِهِ مِنْهَا، فَأَعْطِنِيهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْأَلُ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ، أَوْ سَكَتَ، فَسَكَتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: وَاَللَّهِ لَا يَفِيئُهَا اللَّهُ عَلَى أَسَدٍ مِنْ أسده، ويعطيكما فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: "صَدَقَ عُمَرُ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ ابْنِ سَمُرَةَ عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ"، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ كُتُبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ - أَعْنِي قَوْلَهُ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ" - قَالَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ: وَهُوَ وَهْمٌ، وَإِنَّمَا قَالَهُ عليه السلام يَوْمَ حُنَيْنٍ، كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي "مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ"، وَاَلَّذِي قَالَهُ عليه السلام يَوْمَ بَدْرٍ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ ذَلِكَ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" 4 مِنْ حَدِيثِ دَاوُد عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ:
"مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا"، قَالَ: فَتَقَدَّمَ الْفِتْيَانُ، وَلَزِمَ الْمَشْيَخَةُ الرَّايَاتِ، فَلَمْ يَبْرَحُوهَا، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، قَالَ الْمَشْيَخَةُ: كُنَّا رِدْءً لَكُمْ لَوْ انْهَزَمْتُمْ لَفِئْتُمْ إلَيْنَا، فَلَا تَذْهَبُوا بِالْمَغْنَمِ، وَنَبْقَى، وَأَبَى الْفِتْيَانُ، وَقَالُوا: جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ} إلَى قَوْلِهِ: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} ، انْتَهَى. وَقَالَ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ"1: وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ" إلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ، انْتَهَى. قُلْت: وَرَدَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَهُ يَوْمَ بَدْرٍ أَيْضًا، لَكِنَّهُ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفٍ، رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي "تَفْسِيرِهِ - فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ"، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ ثَنَا آدَم ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ"، فَجَاءَ أَبُو الْيُسْرِ بِأَسِيرَيْنِ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا وَاَللَّهِ مَا كَانَ بِنَا جُبْنٌ عَنْ الْعَدُوِّ، وَلَا ضِنٌّ بِالْحَيَاةِ أَنْ نَصْنَعَ مَا صَنَعَ إخْوَانُنَا، وَلَكِنَّا رَأَيْنَاك قَدْ أَفْرَدْت، فَكَرِهْنَا أَنْ نَدَعَك بِمَضْيَعَةٍ، قَالَ: فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُوَزِّعُوا تِلْكَ الْغَنَائِمَ بَيْنَهُمْ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَغَازِي" حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَأَلْت مُوسَى بْنَ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، كَيْفَ فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي الْأَسْرَى، وَالْأَسْلَابِ، وَالْأَنْفَالِ؟ فَقَالَ: نَادَى مُنَادِيهِ يَوْمَئِذٍ، "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَهُوَ لَهُ"، فَكَانَ يُعْطِي مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا سَلَبَهُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ فِي "سِيرَتِهِ عُيُونِ الْأَثَرِ - فِي بَابِ قِصَّةِ بَدْرٍ": وَالْمَشْهُورُ فِي قَوْلِهِ عليه السلام: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ" إنَّمَا كَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَأَمَّا يَوْمَ بَدْرٍ فَوَقَعَ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، ثُمَّ سَاقَهُ بِسَنَدِهِ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، قَالَ: وَالْكَلْبِيُّ ضَعِيفٌ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَخْصُوصَةٌ بِمَزِيدِ ضَعْفٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام لِحَبِيبِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: "لَيْسَ لَك مِنْ سَلَبِ قَتِيلِك إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِك"، قُلْت: هَكَذَا وَقَعَ فِي "الْهِدَايَةِ" حَبِيبُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَصَوَابُهُ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةً، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الكبير 2 - والوسط" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، قَالُوا: ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ
ثَنَا عَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ ثَنَا مُوسَى بْنُ سَيَّارٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أمية، قال: نزلنا دابق، وَعَلَيْنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَبَلَغَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةً أَنَّ بَنَّةَ 1 صَاحِبَ قُبْرُصَ، خَرَجَ يُرِيدُ بِطَرِيقِ أَذْرَبِيجَانَ، وَمَعَهُ زُمُرُّدٌ، وَيَاقُوتٌ، وَلُؤْلُؤٌ، وَغَيْرُهَا، فَخَرَجَ إلَيْهِ فَقَتَلَهُ، وَجَاءَ بِمَا مَعَهُ، فَأَرَادَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يُخَمِّسَهُ، فَقَالَ لَهُ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةً: لَا تَحْرِمْنِي رِزْقًا رَزَقَنِيهِ اللَّهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ، فَقَالَ مُعَاذٌ: يَا حَبِيبُ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمامه، انتهى. وهو معلوم بِعَمْرِو بْنِ وَاقِدٍ، وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: كُنَّا مُعَسْكِرِينَ بِدَابِقٍ، فَذَكَرَ لِحَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةً الْفِهْرِيِّ أَنَّ بَنَّةَ الْقُبْرُصِيَّ، خَرَجَ بِتِجَارَةٍ مِنْ الْبَحْرِ، يُرِيدُ بِهَا بِطَرِيقِ أَرْمِينِيَةَ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةً، فَقَاتَلَهُ، فَقَتَلَهُ، فَجَاءَ بِسَلَبِهِ، يَحْمِلُهُ عَلَى خَمْسَةِ أَبْغَالٍ مِنْ الدِّيبَاجِ، وَالْيَاقُوتِ، وَالزَّبَرْجَدِ، فَأَرَادَ حَبِيبٌ أَنْ يَأْخُذَهُ كُلَّهُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ يَقُولُ: بَعْضَهُ، فَقَالَ حَبِيبٌ لِأَبِي عُبَيْدَةَ: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ"، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِلْأَبَدِ، وَسَمِعَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِذَلِكَ، فَأَتَى أَبَا عُبَيْدَةَ، وَحَبِيبٌ يُخَاصِمُهُ، فَقَالَ معاذ لحبيب: ألا تتق اللَّهَ، وَتَأْخُذُ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِك، فَإِنَّمَا لَك مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِك، وَحَدَّثَهُمْ بِذَلِكَ مُعَاذٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَأَعْطَوْهُ بَعْدَ الْخُمُسِ، فَبَاعَهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ - فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ" بِهَذَا الْإِسْنَادِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ مَكْحُولٍ وَمَنْ فَوْقَهُ، وَرَاوِيهِ عَنْ مَكْحُولٍ مَجْهُولٌ، وَهَذَا إسْنَادٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. وَهَذَا السَّنَدُ وَارِدٌ عَلَى الطَّبَرَانِيِّ، فَإِنَّهُ قال في "معجمه الوسط": لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مُعَاذٍ، وَحَبِيبٍ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. وَلَوْ قَالَ: لَا نَعْلَمُ، لَكَانَ أَسْلَمَ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، نَظَرْت عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةً أَسْنَانُهُمَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا عَمِّ أَتَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْت: نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُك بِهِ؟ قَالَ: أُخْبِرْت أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْته لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا، قَالَ: فَتَعَجَّبْت مِنْهُ، وَقَالَ لِي الْآخَرُ مِثْلَ ذلك، فلما أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْت إلَى أَبِي جَهْلٍ يَرْفُلُ فِي النَّاسِ، فَقُلْت لَهُمَا: هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ، قال: فابتدراه، فضرباه بسيفهما حَتَّى قَتَلَاهُ،
ثُمَّ ذَهَبَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: "أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ " فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْته، فقال: "هل مسحتما سيفكما"، قَالَا: لَا؟ فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: "كِلَاكُمَا قَتَلَهُ"، ثُمَّ قَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَالرَّجُلَانِ: مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَمُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ، وَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّ السَّلَبَ لَوْ كَانَ لِلْقَاتِلِ لَقَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا، وَكَوْنُهُ عليه السلام دَفَعَهُ إلَى أَحَدِهِمَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ مُفَوَّضٌ إلَى الْإِمَامِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، فَإِنَّ غَنِيمَةَ بَدْرٍ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَصِّ الْكِتَابِ يُعْطِي مِنْهَا مَنْ يَشَاءُ، وَقَدْ قَسَمَ لِجَمَاعَةٍ لَمْ يَشْهَدُوا، ثُمَّ نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي الْغَنِيمَةِ بَعْدَ بَدْرٍ، وَقَضَى عليه السلام بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ، وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَثْخَنَهُ، وَالْآخَرُ جرحه بعدُه، فَقَضَى بِسَلَبِهِ لِلْأَوَّلِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد1، وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: خَرَجْت مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وَرَافَقَنِي مَدَدِي مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَلَقِينَا جُمُوعَ الرُّومِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ أَشْقَرَ عَلَيْهِ سَرْجٌ مُذْهَبٌ، وَسِلَاحٌ مُذْهَبٌ، فَجَعَلَ الرُّومِيُّ يُغْرِي بِالْمُسْلِمِينَ، وَقَعَدَ لَهُ الْمَدَدِيُّ خَلْفَ صَخْرَةٍ، فَمَرَّ بِهِ الرُّومِيُّ، فَعَرْقَبَ فَرَسَهُ، فَخَرَّ، وَعَلَاهُ فَقَتَلَهُ، وَحَازَ فَرَسَهُ وَسِلَاحَهُ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعَثَ إلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَأَخَذَ مِنْهُ سَلَبَ الرُّومِيِّ، قَالَ عَوْفٌ: فَأَتَيْت خَالِدًا فَقُلْت لَهُ: يَا خَالِدُ أَمَا عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي اسْتَكْثَرْته، قُلْت: لَتَرُدَّنَّهُ، أَوْ لِأُعَرِّفَنكهَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ، قَالَ عَوْفٌ: فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَصَصْت عَلَيْهِ قِصَّةَ الْمَدَدِيِّ، وَمَا فَعَلَ خَالِدٌ، فَقَالَ عليه السلام: " يَا خَالِدُ مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَكْثَرْته، فَقَالَ عليه السلام: " يَا خَالِدُ رُدَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذْت مِنْهُ"، قَالَ عَوْفٌ: فَقُلْت: دُونَك يَا خَالِدُ أَلَمْ أَفِ لك؟! فقال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَمَا ذَلِكَ؟ " قَالَ: فَأَخْبَرْته بِهِ، قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: "يَا خَالِدُ لَا تَرُدَّ عَلَيْهِ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي أُمَرَائِي، لَكُمْ صَفْوَةُ أَمْرِهِمْ، وَعَلَيْهِمْ كَدَرُهُ"، انْتَهَى. وَاعْتَذَرَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ: إنَّمَا مَنَعَ عليه السلام خَالِدًا فِي الثَّانِيَةِ أَنْ يَرُدَّ عَلَى عَوْفٍ سَلَبَهُ، زَجْرًا لِعَوْفٍ، لِئَلَّا يَتَجَرَّأَ النَّاسُ عَلَى الْأَئِمَّةِ، لِأَنَّ خَالِدًا كَانَ مُجْتَهِدًا فِي صُنْعِهِ، لِمَا رَأَى فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، فَأَمْضَى عليه السلام اجْتِهَادَهُ، وَالْيَسِيرُ مِنْ الضَّرَرِ يَحْتَمِلُ الْكَثِيرَ مِنْ النَّفْعِ، قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عليه السلام قَدْ عَوَّضَهُ مِنْ الْخُمُسِ الَّذِي هُوَ لَهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثَنَا أَبُو إسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ محمد ين عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ قُتِلَ أَخِي عُمَيْرٌ، وَقَتَلْت سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، وَأَخَذْت سَيْفَهُ، فَأَتَيْت بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَاطْرَحْهُ فِي الْقَبْضِ، قَالَ: فَرَجَعْت وَبِي مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ مِنْ قَتْلِ أَخِي، وَأَخْذِ سَلَبِي، قَالَ: فَمَا جَاوَزْت إلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ "سُورَةُ الْأَنْفَالِ" فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذْهَبْ فَخُذْ سَيْفَك"، انْتَهَى. قَالَ الْحَازِمِيُّ: وَزَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ، لِأَنَّ هَذَا كَانَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَامَ حُنَيْنٍ: " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ"، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ 1 - فِي فَضَائِلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ حَدِيثِ زَحْرِ بْنِ حِصْنٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي حُمَيْدٍ بْنُ مهلب، قال: قال خريم بْنُ أَوْسٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " هَذِهِ الْحِيرَةُ الْبَيْضَاءُ قَدْ رُفِعَتْ لِي، وَهَذِهِ الشَّيْمَاءُ بِنْتُ نُفَيْلَةَ الْأَزْدِيَّةُ قَدْ رُفِعَتْ لِي على بغلة شهباء، معتجزة بِخِمَارٍ أَسْوَدَ"، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنْ نَحْنُ دَخَلْنَا الْحِيرَةَ، وَوَجَدْنَاهَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، فَهِيَ لِي؟ قَالَ: " نَعَمْ، هِيَ لَك"، ثُمَّ ارْتَدَّتْ الْعَرَبُ، فَسَارَ خَالِدٌ إلَى مُسَيْلِمَةَ، وَسِرْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنْ مُسَيْلِمَةَ وَأَصْحَابِهِ، أَقْبَلْنَا إلَى نَاحِيَةِ الْبَصْرَةِ، فَلَقِينَا هُرْمُزَ بِكَاظِمَةَ فِي جَمْعٍ عَظِيمٍ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَعْدَى لِلْعَرَبِ مِنْهُ، فَبَرَزَ لَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَدَعَاهُ إلَى الْبِرَازِ، فَبَرَزَ لَهُ هُرْمُزُ، فَقَتَلَهُ خَالِدٌ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَنَفَلَهُ سَلَبَهُ، فَبَلَغَتْ قَلَنْسُوَةُ هُرْمُزَ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَكَانَتْ الْفُرْسُ إذَا شَرَفَ فِيهِمْ الرَّجُلُ، جَعَلُوا قَلَنْسُوَتَهُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ سِرْنَا عَلَى طَرِيقِ الطَّفِّ حَتَّى دَخَلْنَا الْحِيرَةَ، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ تَلَقَّانَا شَيْمَاءُ بِنْتُ نُفَيْلَةَ الْأَزْدِيَّةُ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ بِخِمَارٍ أَسْوَدَ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَتَعَلَّقْت بِهَا، وَقُلْت: هَذِهِ وَهَبَهَا لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَانِي خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَالْتَمَسَ مِنِّي الْبَيِّنَةَ، فَأَتَيْته بِشَاهِدَيْنِ، فَسَلَّمَهَا إلَيَّ، وَجَاءَنِي أَخُوهَا عَبْدُ الْمَسِيحِ، فَقَالَ لِي: بِعْنِيهَا، فَقُلْت: وَاَللَّهِ لَا أَبِيعُهَا إلَّا بعشرة مِائَةٍ، وَلَا أَنْقُصُهَا شَيْئًا، فَدَفَعَ إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقِيلَ لِي: لَوْ قُلْت لَهُ: مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ لَدَفَعَ إلَيْك، فَقُلْت: وَاَللَّهِ مَا كُنْت أَظُنُّ أَنَّ مَالًا أَكْثَرَ مِنْ
عَشْرِ مِائَةٍ، انْتَهَى. بِلَفْظِ الطَّبَرَانِيِّ، وَسَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: وَبَلَغَنِي فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ كانا محمد بن سلمة، وَابْنَ عُمَرَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ مَوْقُوفٌ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ1 فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَلَيْلَ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ بَارَزَ مِهْرَانَ فَقَتَلَهُ، فَقُوِّمَتْ مِنْطَقَتُهُ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا، فَكَتَبُوا إلَى عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَيْسَ هَذَا مِنْ السَّلَبِ الَّذِي يُخَمَّسُ، وَلَمْ يُنَفِّلْهُ، وَجَعَلَهُ مَغْنَمًا، انْتَهَى.
باب استيلاء الكفار
باب استيلاء الكفار الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "إنْ وَجَدْتَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لَك بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لَك بِالْقِيمَةِ"، قُلْت: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ2، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنَيْهِمَا" عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فِيمَا أَحْرَزَ الْعَدُوُّ فَاسْتَنْقَذَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ، إنْ وَجَدَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ قَدْ قُسِمَ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ، انْتَهَى. قَالَ: وَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. حديث آخر: أخرجه الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ يس الزَّيَّاتِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: أَصَابَ الْعَدُوُّ نَاقَةَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَعَرَفَهَا صَاحِبُهَا، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، فَأَمَرَهُ عليه السلام أَنْ يَأْخُذَهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ صَاحِبُهَا مِنْ الْعَدُوِّ، وَإِلَّا يُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "مَرَاسِيلِهِ" عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، قَالَ: وَجَدَ رَجُلٌ مَعَ رَجُلٍ نَاقَةً لَهُ، فَارْتَفَعَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ، وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْعَدُوِّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنْ شِئْت أَنْ تَأْخُذَهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ، فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِلَّا فَخَلِّ عَنْ نَاقَتِهِ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أُسْنِدَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رواية يس الزَّيَّاتِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سمرة، ويس ضَعِيفٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ، وَلَسْت أَعْرِفُ هَذَا السَّنَدَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الله بن أبي فرهود عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ وَجَدَ مَالَهُ فِي الْفَيْءِ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ فَهُوَ له، ومن وجده بعد ما قُسِمَ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَإِسْحَاقُ هَذَا مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ رِشْدِينَ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا، ونحوه، وَقَالَ: رِشْدِينُ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَهُ الطبراني في "المعجم الوسط" عن يس الزَّيَّاتِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ فِي الْفَيْءِ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ، فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ أَنْ يُقْسَمَ، فَهُوَ أحق به بِالثَّمَنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "كِتَابِ الْكَامِلِ"، وضعف يس الزَّيَّاتُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، وَقَالَ: عَامَّةُ أَحَادِيثِهِ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ شَطْرَ الْحَدِيثِ فِي "الْبُخَارِيِّ" أَخْرَجَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: ذَهَبَ فَرَسٌ لَهُ، فَأَخَذَهُ الْعَدُوُّ، فظهر عليهم المسلمون، فردوه عَلَيْهِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَقَ عَبْدٌ لَهُ، فَلَحِقَ بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" عَنْ نَافِعٍ بِهِ، وَزَادَ فِيهِ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُمَا الْمَقَاسِمُ، انْتَهَى. وَعَجِيبٌ مِنْ عَبْدِ الْحَقِّ كَيْفَ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: إنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَصِلْ سَنَدَهُ بِهِ، وَالْبُخَارِيُّ 2 ذَكَرَهُ مُنْقَطِعًا، ثُمَّ وَصَلَهُ، وَهَذَا لَفْظُهُ، قَالَ: "بَابُ إذَا غَنِمَ الْمُشْرِكُونَ مَالِ الْمُسْلِمِ، ثُمَّ وَجَدَهُ الْمُسْلِمُ" قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: ذَهَبَ فَرَسٌ لَهُ، فَأَخَذَهُ الْعَدُوُّ، إلَى آخِرِ اللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ عَبْدًا لِابْنِ عُمَرَ أَبَقَ، فَلَحِقَ بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَرَدَّهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَّ فَرَسًا لِابْنِ عُمَرَ عَادَ، فَلَحِقَ بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ، فَرَدَّهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، انْتَهَى. فَتَرَكَ الْحَدِيثَ الْمُتَّصِلَ، وَذَكَرَ الْمُنْقَطِعَ، وَقَالَ: لَمْ يَصِلْ الْبُخَارِيُّ سَنَدَهُ بِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ فِيهِ نُسْخَةٌ أُخْرَى، فَإِنِّي لَمْ أَعْتَمِدْ عَلَى النُّسْخَةِ، وَعَلَّقْت هُنَا لِأَتَذَكَّرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْآثَارُ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 3 عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: مَا أَصَابَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ، فَرَأَى رَجُلٌ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا قُسِمَ، ثُمَّ ظَهَرُوا عَلَيْهِ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، إنَّمَا هُوَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، وَفِي رِوَايَةٍ: هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ بِالثَّمَنِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهَذَا مُرْسَلٌ.
أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَ ذَلِكَ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ قَالَ: رِوَايَةُ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيٍّ صَحِيحَةٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا احْتَجَّ بِهِ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى بَعِيرًا قَدْ أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ أَنَّ صَاحِبَهُ يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ، فَتَمِيمُ بْنُ طَرَفَةَ لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَالْمُرْسَلُ لَا تَثْبُتُ بِهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي عمن أخذ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابن عباس عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَبْدٍ، وَبَعِيرٍ أَحْرَزَهُمَا الْعَدُوُّ، ثُمَّ ظَفِرَ بِهِمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبِهِمَا: " إنْ أَصَبْتَهُمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُمَا لَك بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ أَصَبْتَهُمَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُمَا لَك بِالْقِيمَةِ"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَكَذَا وَجَدْتُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّرَّادِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعِيرٍ وُجِدَ، وَهَذَا حَدِيثٌ يُعْرَفُ بِالْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَرَوَاهُ مَسْلَمَةُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ آخَرَ مَجْهُولٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، رَوَاهُ إسْحَاقُ بن أبي فروة، ويس بْنُ مُعَاذٍ الزَّيَّاتُ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمَا فِي لَفْظِهِ، وَكِلَاهُمَا مَتْرُوكٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ مَا أَحْرَزَ الْعَدُوُّ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ فَهُوَ لَهُ، وَمَا قُسِمَ، فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ إلَّا بِالْقِيمَةِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا إنَّمَا رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَمْرٍو عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلًا، وَكِلَاهُمَا لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، وَلَا قَارَبَ ذَلِكَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ رَجَاءٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ عُمَرَ، وَهُوَ أَيْضًا مُرْسَلٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عمرو، وعن عَلِيٍّ نَحْوُهُ، قَالَ: وَرِوَايَةُ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيٍّ ضَعِيفَةٌ، عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، يَقُولُونَ: هِيَ مِنْ كِتَابٍ، وَأَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ، وَيَرْوُونَ فِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ بِإِسْنَادِهِ، وَابْنُ لَهِيعَةَ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّ عَبِيدًا مِنْ عَبِيدِ الطَّائِفِ أَسْلَمُوا وَخَرَجُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِتْقِهِمْ، قُلْتُ: رَوَى أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَيْنِ خَرَجَا مِنْ الطَّائِفِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَا، فَأَعْتَقَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحَدُهُمَا أَبُو بَكْرَةَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْتِقُ مَنْ أَتَاهُ مِنْ الْعَبِيدِ إذَا أَسْلَمُوا، وَقَدْ أَعْتَقَ يَوْمَ الطَّائِفِ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَبُو بَكْرَةَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَاصَرَ الطَّائِفَ خَرَجَ إلَيْهِ أَرِقَّاءٌ مِنْ أَرِقَّائِهِمْ، فَأَسْلَمُوا، فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَلَمَّا أَسْلَمَ مَوَالِيهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلَاءَ إلَيْهِمْ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَعَبْدُ رَبِّهِ بْنُ الْحَكَمِ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، وَلَا يُعْرَفُ رَوَى عَنْهُ إلَّا هَذَا الَّذِي رَوَى عَنْهُ هَذَا الْمُرْسَلَ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُكْرَمٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: لَمَّا حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ خَرَجَ إلَيْهِ رَقِيقٌ مِنْ رَقِيقِهِمْ: أَبُو بَكْرَةَ، وَكَانَ عَبْدُ الْحَارِثِ بْنُ كَلَدَةَ والمنبعث، ويحنس، وَوَرْدَانُ فِي رَهْطٍ مِنْ رَقِيقِهِمْ، فَأَسْلَمُوا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ رُدَّ عَلَيْنَا رَقِيقَنَا الَّذِينَ أَتَوْك، فَقَالَ: " لَا، أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"، وَرَدَّ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ وَلَاءَ عَبْدِهِ، انْتَهَى. وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الْعِتْقِ" وَغَيْرِهِ.
باب المستأمن
بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ: خَالٍ فَصْلٌ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ، وَكَذَا عُمَرُ، وَكَذَا مُعَاذٌ رضي الله عنهما، وَوَضَعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَمْ يُخَمِّسْ، قُلْت: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي "كِتَابِ الْخَرَاجِ" 1 عَنْ ابْنٍ لِعَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ أَنَّ مَنْ سَأَلَ عَنْ مَوَاضِعِ الْفَيْءِ فَهُوَ مَا حَكَمَ فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَرَآهُ الْمُؤْمِنُونَ عَدْلًا مُوَافِقًا لِقَوْلِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جَعَلَ اللَّهُ الْحَقَّ عَلَى لسان عمر وقلبه" فَرَضَ الْأَعْطِيَةَ، وَعَقَدَ لِأَهْلِ الْأَدْيَانِ ذِمَّةً، بِمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْجِزْيَةِ، لَمْ يَضْرِبْ فِيهَا بِخُمُسٍ وَلَا مَغْنَمٍ، انْتَهَى. وَهُوَ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ فِيهِ مَجْهُولًا2، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: "السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ"، تَقَدَّمَ فِي "أَوَائِلِ النِّكَاحِ"
باب العشر والخراج
بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ لَمْ يَأْخُذُوا الْخَرَاجَ مِنْ أَرَاضِي الْعَرَبِ، قُلْت: ... قَوْلُهُ: وَعُمَرُ رضي الله عنه حِينَ فَتَحَ السَّوَادَ، وَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَيْهَا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَوَضَعَ عَلَى مِصْرَ حِينَ افْتَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَكَذَا اجْتَمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الشَّامِ، قُلْت: رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ"1 حَدَّثَنَا هُشَيْمِ بْنُ بَشِيرٍ أَنْبَأَ الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ السَّوَادَ، قَالُوا لِعُمَرَ: اقْسِمْهُ بَيْنَنَا، فَإِنَّا فَتَحْنَاهُ عَنْوَةً، قَالَ: فَأَبَى، وَقَالَ: مَا لِمَنْ جَاءَ بَعْدَكُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟! قَالَ: فَأَقَرَّ أَهْلَ السَّوَادِ فِي أَرْضِهِمْ، وَضَرَبَ عَلَى رُءُوسِهِمْ الْجِزْيَةَ، وَعَلَى أَرَاضِيِهِمْ الْخَرَاجَ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي كِتَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَعَثَ عَمَّارَ بن ياسر، وعبد بْنَ مَسْعُودٍ، وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إلَى الْكُوفَةِ، فَجَعَلَ عَمَّارًا عَلَى الصَّلَاةِ وَالْقِتَالِ، وَجَعَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى الْقَضَاءِ، وَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَجَعَلَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَى مِسَاحَةِ الْأَرْضِ، وَجَعَلَ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ شَاةً، ثُمَّ قَالَ: مَا أَرَى قَرْيَةً يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ شَاةٌ إلَّا سَيُسْرِعُ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: إنِّي أَنْزَلْتُكُمْ فِي هَذَا الْمَالِ، وَنَفْسِي كَوَالِي الْيَتِيمِ، - مَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ، وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ - قَالَ: فَمَسَحَ عُثْمَانُ سَوَادَ الْكُوفَةِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَجَعَلَ عَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْعِنَبِ ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْقَضْبِ سِتَّةَ دارهم، وعلى جريب مِنْ الْبُرِّ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وعلى جريب من الشعير درهمان، وَجَعَلَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، كُلَّ عَامٍ، وَلَمْ يَضْرِبْ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَأَخَذَ مِنْ تُجَّارِهِمْ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ فَرَضِيَ بِهِ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي أَوَاخِرِ الزَّكَاةِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: وَضَعَ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ عَلَى كُلِّ جَرِيبِ أَرْضٍ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ، عَامِرٍ، أَوْ غَامِرٍ دِرْهَمًا، وَقَفِيزًا مِنْ طَعَامٍ، وَعَلَى الْبَسَاتِينِ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ مِنْ طَعَامٍ، وَعَلَى الرِّطَابِ عَلَى كُلِّ جَرِيبِ أَرْضٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَخَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ مِنْ طَعَامٍ، وَعَلَى كُلِّ جَرِيبِ أَرْضٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ، وَلَمْ يَضَعْ عَلَى النَّخْلِ شَيْئًا، جَعَلَهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ قَتَادَةَ
عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَى مِسَاحَةِ الْأَرْضِ، قَالَ: فَوَضَعَ عُثْمَانُ عَلَى الْجَرِيبِ مِنْ الْكَرْمِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْقَضْبِ سِتَّةَ دراهم - بعني الرَّطْبَةَ - وَعَلَى جَرِيبِ الْبُرِّ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الشَّعِيرِ دِرْهَمَيْنِ، انْتَهَى. وَأَمَّا وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ، فَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ - فِي تَرْجَمَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ يُخْبِرُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ مَشْيَخَةٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ افْتَتَحَ مِصْرَ عَنْوَةً، وَاسْتَبَاحَ مَا فِيهَا، وَعَزَلَ مِنْهُ مَغَانِمَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ صَالَحَ بَعْدُ عَلَى وَضْعِ الْجِزْيَةِ فِي رِقَابِهِمْ، وَوَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَى أَرْضِهِمْ، ثُمَّ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِذَلِكَ، مُخْتَصَرٌ. أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: كَانَ عَمْرُو بْنُ العاص يبعث جزية أَهْلِ مِصْرَ وَخَرَاجِهَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، كُلَّ سَنَةٍ بَعْدَ حَبْسِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَقَدْ اسْتَبْطَأَهُ عُمَرُ فِي الْخَرَاجِ سَنَةً، فَكَتَبَ إلَيْهِ بِكِتَابٍ يَلُومُهُ، وَيُشَدِّدُ عَلَيْهِ، مُخْتَصَرٌ. وَأَمَّا وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَى أَرْضِ الشَّامِ فَمَعْرُوفٌ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَحَ مَكَّةَ عَنْوَةً، وَتَرَكَهَا لِأَهْلِهَا، وَلَمْ يُوَظِّفْ الْخَرَاجَ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ، اسْتَدَلَّ بِهَا الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ، فَقَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ، فَبَعَثَ الزُّبَيْرَ عَلَى إحْدَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ، وَبَعَثَ خَالِدًا عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْأُخْرَى، وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الجسر، وَأَخَذُوا بَطْنَ الْوَادِي، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَتِيبَةٍ، قَالَ: فَنَظَرَ إلَيَّ وَقَالَ: " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ"، قُلْت: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " اهْتِفْ لِي بِالْأَنْصَارِ، فَلَا يَأْتِينِي إلَّا أَنْصَارِيٌّ"، فَهَتَفَ بِهِمْ، فَجَاءُوا، فَأَطَافُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَبَّشَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشَهَا، فَقَالَ لَهُمْ: " أَلَا تَرَوْنَ إلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ، وَأَتْبَاعِهِمْ؟ "!، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ - فَضَرَبَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى - وَقَالَ: " اُحْصُدُوهُمْ حَصْدًا، حَتَّى تُوَافُونِي بِالصَّفَا"، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَانْطَلَقْنَا، فَمَا شَاءَ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، إلَّا قَتَلَهُ، وَمَا تَوَجَّهَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَيْنَا شَيْئًا، وَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّفَّا، وَجَاءَتْ الْأَنْصَارُ، فَأَطَافُوا بِالصَّفَا، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ، لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ"، فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: أَمَّا الرَّجُلُ، فَأَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، وَرَغْبَةٌ فِي قَرَابَتِهِ، وَنَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
"قُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، وَرَغْبَةٌ فِي قَرَابَتِهِ، كَلًّا إنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ هَاجَرْتُ إلَى اللَّهِ، وَإِلَيْكُمْ، فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ"، قَالُوا: وَاَللَّهِ مَا قُلْنَا إلَّا ضِنًّا بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، قَالَ: " فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" وَقَالَ: هَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً لَا صُلْحًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهَا أَجَارَتْ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: " قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ، وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ"، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": اُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً، إذْ لَوْ فُتِحَتْ صُلْحًا لَوَقَعَ بِهِ الْأَمَانُ الْعَامُّ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى أَمَانِ أُمِّ هَانِئٍ، وَلَا تَجْدِيدِهِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" 2 عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" 3 عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْغَدِ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ: "إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا تَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرًا، وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ"، انْتَهَى. وَبِهَذَا الْحَدِيثِ اسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ". قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ وَضَعُوا الْعُشْرَ عَلَى أَرْضِ الْبَصْرَةِ، قُلْت: ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: وَالْخَرَاجُ الَّذِي وَضَعَهُ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ من كل جَرِيبٍ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ قَفِيزٌ هَاشِمِيٌّ، وَهُوَ الصَّاعُ، وَدِرْهَمٌ، وَمِنْ جَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَمِنْ جَرِيبِ الْكَرْمِ الْمُتَّصِلِ، وَالنَّخِيلِ الْمُتَّصِلِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ عُمَرَ، فَإِنَّهُ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ حَتَّى يَمْسَحَ سَوَادَ الْعِرَاقِ، وَجَعَلَ حُذَيْفَةَ عَلَيْهِ مُشْرِفًا، فَمَسَحَ، فَبَلَغَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ أَلْفَ جَرِيبٍ، وَوَضَعَ عَلَى
ذَلِكَ مَا قُلْنَا، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ إجْمَاعًا، قُلْت: تَقَدَّمَ حَدِيثُ عُمَرَ قَرِيبًا، وَفِيهِ بَعْضُ تَغْيِيرٍ، وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ" حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ، فَمَسَحَ السَّوَادَ، فَوَجَدَهُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفِ جَرِيبٍ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ؟ فَقَالَا: بَلْ حَمَّلْنَاهَا مَا تُطِيقُ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ1 - فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ - فِي بَابِ الْبَيْعَةِ لِعُثْمَانَ" عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بِالْمَدِينَةِ، وَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ، وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: كَيْف فَعَلْتُمَا: أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ؟ قَالَا: حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ مَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ، قَالَ: أَنْظِرَا أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَاهَا مَا لَا تُطِيقُ؟ قَالَا: لَا، فَقَالَ عُمَرُ: لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ لَأَدَعَن أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَحْتَجْنَ إلَى أَحَدٍ بَعْدِي، قَالَ: فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ إلَّا رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَهُوَ حَدِيثُ مَقْتَلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَبَيْعَةِ عُثْمَانَ. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَزِدْ حِينَ أُخْبِرَ لِزِيَادَةِ الطَّاقَةِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي كِتَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ الْبُنَانِيَّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: أَرْضُ كَذَا وَكَذَا يُطِيقُونَ مِنْ الْخَرَاجِ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: لَيْسَ إلَيْهِمْ سَبِيلٌ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم اشْتَرَوْا أَرَاضِيَ الْخَرَاجِ، وَكَانُوا يُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا، قُلْت: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ": قَالَ أَبُو يوسف: القول ما قاله أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهُ كَانَ لِابْنِ مَسْعُودٍ، وَخَبَّابِ بْنِ الأرت، والحسين بْنِ عَلِيٍّ، وَلِشُرَيْحٍ أَرْضُ الْخَرَاجِ، حَدَّثَنَا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ السُّلَمِيُّ، أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إنِّي اشْتَرَيْت أَرْضًا مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ فِيهَا مِثْلُ صَاحِبِهَا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَسْلَمَتْ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ نَهَرِ الْمَلِكِ، فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنْ اخْتَارَتْ أَرْضَهَا، فَأَدَّتْ مَا عَلَى أَرْضِهَا فَخَلُّوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَرْضِهَا، وَإِلَّا فَخَلُّوا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَرْضِهِمْ، انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ
بْنِ شِهَابٍ أَنَّ دِهْقَانَةً مِنْ أَهْلِ نَهَرِ الْمَلِكِ أَسْلَمَتْ، فَقَالَ عُمَرُ: ادْفَعُوا إلَيْهَا أَرْضَهَا تُؤَدِّي عَنْهَا الْخَرَاجَ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا": حَدَّثَنَا هُشَيْمِ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ 1 عَنْ زُبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ أَنَّ دِهْقَانًا أَسْلَمَ عَلَى عَهْدِ عَلِيٍّ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إنْ أَقَمْت فِي أَرْضِكَ رَفَعْنَا الْجِزْيَةَ عَنْ رَأْسِك، فَأَخَذْنَاهَا مِنْ أَرْضِك، وَإِنْ تَحَوَّلْتَ عَنْهَا فَنَحْنُ أَحَقُّ بِهَا، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ قَالَا: إذَا أَسْلَمَ وَلَهُ أَرْضٌ وَضَعْنَا عَنْهُ الْجِزْيَةَ، وَأَخَذْنَا خَرَاجَهَا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَجْتَمِعُ عشر ولا خراج فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ يَحْيَى بْنِ عَنْبَسَةَ ثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَجْتَمِعُ عَلَى مُسْلِمٍ خَرَاجٌ وَعُشْرٌ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا مِنْ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، من قَوْلَهُ: فَجَاءَ يَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ، فَأَبْطَلَ فِيهِ، وَوَصَلَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ مَكْشُوفُ الْأَمْرِ فِي ضَعْفِهِ، لِرِوَايَاتِهِ عَنْ الثِّقَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ دَجَّالٌ يَضَعُ الْحَدِيثَ، لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يَحْيَى هَذَا دَجَّالٌ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَهُوَ كَذِبٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَنْ بَعْدَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ"، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ، وَيَحْيَى هَذَا مُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِ. الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي أَوَاخِرِ الزَّكَاةِ" حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُغِيرَةِ - خَتَنٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ - عَنْ أَبِي حَمْزَةَ السَّكُونِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ، وَخَرَاجٌ فِي أَرْضٍ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ عَنْ أَبِي الْمُنِيبِ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي مَالٍ، انْتَهَى. فَائِدَةٌ: قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ" 2 الْأَرَاضِي الْعُشْرِيَّةُ هِيَ الَّتِي لَيْسَتْ بِأَرْضِ خَرَاجٍ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: أَرْضٌ أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا، فَهُمْ مَالِكُونَ لَهَا كَالْمَدِينَةِ وَالطَّائِفِ، وَالْيَمَنِ، وَالْبَحْرَيْنِ،
وَكَذَلِكَ مَكَّةُ، إلَّا أَنَّهَا كَانَتْ فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَنَّ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يُعَرِّضْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يغنم أموالهم، قال: حدثت عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي مَكَّةَ: لَا تَحِلُّ غَنِيمَتُهَا. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: كُلُّ أَرْضٍ أُخِذَتْ عَنْوَةً، ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَرَ أَنْ يَجْعَلَهَا فَيْئًا مَوْقُوفًا، وَلَكِنَّهُ رَأَى أَنْ يَجْعَلَهَا غَنِيمَةً فَخَمَّسَهَا، وَقَسَمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا بَيْنَ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا خَاصَّةً، كَفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ، فَهِيَ أَيْضًا مِلْكُهُمْ، لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ الْعُشْرِ، وَكَذَلِكَ الثُّغُورُ كُلُّهَا إذَا قُسِمَتْ بَيْنَ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا خَاصَّةً، وَعَزَلَ عَنْهَا الْخُمُسَ لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ. وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ: كُلُّ أَرْضٍ عَادِيَةٍ لَا رَبَّ لَهَا، وَلَا عَامِرَ، أَقْطَعَهَا الْإِمَامُ رَجُلًا إقْطَاعًا مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ أَوْ غَيْرِهَا، كَفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ، فِيمَا أَقَطَعُوا مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ، وَالْيَمَامَةِ، وَالْبَصْرَةِ، وَمَا أشبهها. النوع الرَّابِعُ: كُلُّ أَرْضٍ مَيِّتَةٍ اسْتَخْرَجَهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَأَحْيَاهَا بِالنَّبَاتِ، وَالْمَاءِ. فَهَذِهِ الْأَرْضُونَ الَّتِي جَاءَتْ فِيهَا السُّنَّةُ بِالْعُشْرِ، أَوْ نِصْفِ الْعُشْرِ، وَكُلُّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْأَحَادِيثِ، فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ فَهُوَ صَدَقَةٌ، إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا، كَزَكَاةِ الْمَاشِيَةِ، وَالصَّامِتُ يُوضَعُ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي "سُورَةِ بَرَاءَةٌ" خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ النَّاسِ، وَمَا سِوَى هَذِهِ من البلاد، فلا تخلوا مِنْ أَنْ تَكُونَ أَرْضَ عَنْوَةٍ صُيِّرَتْ فَيْئًا كَأَرْضِ السَّوَادِ، وَالْجِبَالِ، وَالْأَهْوَازِ، وَفَارِسَ، وَكَرْمَانَ، وَأَصْبَهَانَ، وَالرَّيِّ، وَأَرْضِ الشَّامِ، سِوَى مُدُنِهَا، وَمِصْرَ، وَالْمَغْرِبِ، أَوْ يَكُونَ، أَرْضَ صُلْحٍ، مِثْلُ: نَجْرَانَ، وَأَيْلَةَ، وَأَذْرَحَ، وَدُومَةَ الْجَنْدَلِ، وَفَدَكَ، وَمَا أَشْبَهَهَا، مِمَّا صَالَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُلْحًا، أَوْ فَعَلَتْهُ الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ، وَكَبِلَادِ الْجَزِيرَةِ، وَبَعْضِ أَرْمِينِيَةَ، وَكَثِيرٍ مِنْ كُوَرِ خُرَاسَانَ، فَهَذَانِ النَّوْعَانِ مِنْ الْأَرَضِينَ، الصُّلْحُ، وَالْعَنْوَةُ الَّتِي تَصِيرُ فَيْئًا يَكُونَانِ عَامًّا لِلنَّاسِ فِي الْأَعْطِيَةِ، وَأَرْزَاقِ الذُّرِّيَّةِ، وَمَا يَنُوبُ الْإِمَامُ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ1: الْأَرْضُ الْمُفْتَتَحَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا الْأَرَاضِي الَّتِي أَسْلَمَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَهِيَ لَهُمْ مِلْكٌ، وَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ لَا شيء عليهم غيرها، وَأَرْضٌ اُفْتُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى خَرَاجٍ مَعْلُومٍ، فَهُمْ عَلَى مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ، لَا يَلْزَمُهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَأَرْضٌ أُخِذَتْ عَنْوَةً فَهِيَ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهَا، فَقِيلَ: سَبِيلُهَا سَبِيلُ الْغَنِيمَةِ، تُخَمَّسُ وَتُقْسَمُ، فَيَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَالْخُمُسُ الْبَاقِي لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى، وَقِيلَ: النَّظَرُ فِيهَا لِلْإِمَامِ إنْ شَاءَ جَعَلَهَا غَنِيمَةً، فَيُخَمِّسُهَا وَيَقْسِمُهَا، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهَا مَوْقُوفَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا بَقُوا، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بِالسَّوَادِ، انْتَهَى كَلَامُهُ مُحَرَّرًا.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: اسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ" لِلشَّافِعِيِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْعُشْرِ، وَالْخَرَاجِ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ1 عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَنَّ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عثرياً2 العشور، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفَ الْعُشْرِ، انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: وَهَذَا عَامٌّ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ، وَغَيْرِهَا، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْعَثَرِيُّ الَّذِي يُؤْتَى بِمَاءِ الْمَطَرِ إلَيْهِ حَتَّى يُسْقِيَهُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَثَرِيًّا، لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ فِي مَجْرَى السَّيْلِ عَاثُورًا، فَإِذَا صَدَمَهُ الْمَاءُ زَادَ، فَدَخَلَ فِي تِلْكَ الْمَجَارِي حَتَّى يبلغ النَّخْلَ وَيَسْقِيَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْإِمَامِ" لِلشَّافِعِيِّ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: سَأَلْت عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الْمُسْلِمِ يَكُونُ فِي يَدِهِ أَرْضُ الْخَرَاجِ، فَيُسْأَلُ الزَّكَاةَ، فَيَقُولُ: إنَّمَا عَلَى الْخَرَاجِ، فَقَالَ: الْخَرَاجُ عَلَى الْأَرْضِ، وَالْعُشْرُ عَلَى الْحَبِّ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ، قَالَ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ زَكَاةِ الْأَرْضِ الَّتِي عَلَيْهَا الْجِزْيَةُ، فَقَالَ: لَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَعْدَهُ يُعَامِلُونَ عَلَى الْأَرْضِ، وَيَسْتَكْرُونَهَا، وَيُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ مِمَّا خَرَجَ مِنْهَا، فَنَرَى هَذِهِ الْأَرْضَ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: الْأَوَّلُ فَتْوَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالثَّانِي فِيهِ إرْسَالٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي "الزَّكَاةِ". قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَالْجَوْرِ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا، وَكَفَى بِإِجْمَاعِهِمْ حُجَّةً. قَوْلُهُ: ولا يتكرر الخارج بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ فِي سَنَتِهِ، لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمْ يُوَظِّفْهُ مُكَرَّرًا، قُلْت: تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ وَضْعِ الخارج عَلَى السَّوَادِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي أَوَاخِرِ الزَّكَاةِ" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ عَلَى الْمَتَاجِرِ، فَكُنْت أَعْشِرُ مَنْ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَخَرَجَ إلَيْهِ رَجُلٌ، فَأَعْلَمَهُ، فَكَتَبَ إلَى أَنْ لَا يُعَشَّرَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً - يَعْنِي فِي السَّنَةِ - انْتَهَى. وَرَوَى أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ غَالِبٍ أَبِي الْهُذَيْلِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: جَاءَ نَصْرَانِيٌّ إلَى عُمَرَ، فَقَالَ: إنَّ عَامِلَك عَشَّرَ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ:
مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَأَنَا الشيخ الحنفي، فَكَتَبَ إلَى عَامِلِهِ أَنْ لَا يَعْشُرَ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، انْتَهَى. وَرَوَى أَيْضًا حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ وُلَاةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ، أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُثَنُّونَ الصَّدَقَةَ، لَكِنْ يَبْعَثُونَ عَلَيْهَا كُلَّ عَامٍ فِي الْخِصْبِ، وَالْجَدْبِ، لِأَنَّ أَخْذَهَا سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا ثُنْيَا فِي الصَّدَقَةِ"، انْتَهَى.
باب الجزية
بَابُ الْجِزْيَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ بَنِي نَجْرَانَ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْ حُلَّةٍ1. قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "كِتَابِ الْخَرَاجِ"2 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ، النِّصْفُ فِي صَفَرٍ، وَالْبَقِيَّةُ فِي رَجَبٍ، يُؤَدُّونَهَا إلَى الْمُسْلِمِينَ، وَعَارِيَّةِ ثَلَاثِينَ دِرْعًا، وَثَلَاثِينَ فَرَسًا، وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا، وَثَلَاثِينَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ السِّلَاحِ، يَغْزُونَ بِهَا، وَالْمُسْلِمُونَ ضَامِنُونَ لَهَا حَتَّى يَرُدُّوهَا عَلَيْهِمْ إنْ كَانَ بِالْيَمَنِ، كَيْدٌ، أَوْ غَدْرَةٌ، عَلَى أَنْ لَا تُهْدَمَ لَهُمْ بِيعَةٌ، وَلَا يُخْرَجَ لَهُمْ قُسٌّ، وَلَا يُفْتَنُوا عَنْ دِينِهِمْ، مَا لَمْ يُحْدِثُوا حَدَثًا، أَوْ يَأْكُلُوا الرِّبَا، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: فِي سَمَاعِ السُّدِّيَّ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَظَرٌ، وَإِنَّمَا قِيلَ: إنَّهُ رَآهُ، وَرَأَى ابْنَ عُمَرَ، وَسَمِعَ مِنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام لِمُعَاذٍ: "خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ، وَحَالِمَةٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ 3 "فِي الزَّكَاةِ" عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ:
حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَيُرَاجَعَانِ، فَإِنَّ ابْنَ مَاجَهْ رَوَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قِصَّةَ الْحَالِمِ، وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ "الْأَطْرَافِ" عَزَوْهُ إلَيْهِ أَيْضًا، لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَعْتَبِرُونَ أَصْلَ الْحَدِيثِ، وَأَنْصَفَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي "الْمُنْتَقَى" إذْ قَالَ بَعْدَ أَنْ عَزَاهُ لِأَصْحَابِ السُّنَنِ، وَلَيْسَ لِابْنِ مَاجَهْ ذِكْرُ الْحَالِمِ، وَوَهَمَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي "الْإِلْمَامِ" فَعَزَاهُ لِأَصْحَابِ السُّنَنِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ، وَأَقْوَى مِنْهُ فِي الْوَهْمِ مَا فَعَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ فِي كِتَابٍ وَضَعَهُ عَلَى التَّنْبِيهِ لِأَبِي إسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ، فَذَكَرَ فِي "بَابِ الْجِزْيَةِ" عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: "خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا، أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ"، ثُمَّ قَالَ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَفْظَةُ الْحَالِمَةِ: رُوِيَتْ فِيهِ أَيْضًا مُرْسَلًا وَمُسْنَدًا، فَالْمُسْنَدُ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ دِينَارًا، أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 2 - فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ"، وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ دَائِرَةٍ عَلَى الْأَعْمَشِ بِهِ، وَأَمَّا الْمُرْسَلُ فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إلَى اليمن، وأمره أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ دِينَارًا أَوْ قِيمَتَهُ مَعَافِرِيَّ، قَالَ: وَكَانَ مَعْمَرٌ يَقُولُ: هَذَا غَلَطٌ، قَوْلُهُ: حَالِمَةٍ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ شَيْءٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ، قَالَ: كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ: عَلَى كُلِّ حَالِمٍ أو حالمة دِينَارٌ أَوْ قِيمَتُهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: بِمَعْنَاهُ، رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ "فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ" 3 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ أَنَّهُ مَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ، فَإِنَّهُ لَا يُفْتَنُ عَنْهَا، وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ ذَكَرٍ، أَوْ أُنْثَى، عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ دِينَارٌ وَافٍ، أَوْ قِيمَتُهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: بِمَعْنَاهُ، رَوَاهُ ابْنُ زَنْجُوَيْهِ النَّسَائِيّ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ" حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ثَنَا عَوْفٌ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: "مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ فَلَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ، وَمَنْ أَبَى فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، عَلَى كُلِّ حَالِمٍ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ دِينَارٌ وَافٍ أَوْ قِيمَتُهُ مِنْ الْمَعَافِرِ، فِي كُلِّ عَامٍ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: بِمَعْنَاهُ: رَوَاهُ ابْنُ زَنْجُوَيْهِ أَيْضًا حَدَّثَنَا هَاشِمُ بن القاسم حدثني المرجا بْنُ رَجَاءٍ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَفْصٍ عَنْ أَبِي إيَاسٍ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَجُوسِ هَجَرَ، أَمَّا بَعْدُ: "مَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذبيحتنا فله مثل مالنا، وَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَيْنَا، وَمَنْ أَبَى فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ عَلَى كُلِّ رَأْسٍ دِينَارٌ، عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَمَنْ أَبَى فَلْيَأْذَنْ بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ 1: وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِيمَا نَرَى مَنْسُوخٌ، إذْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَوِلْدَانُهُمْ يُقْتَلُونَ مَعَ رِجَالِهِمْ، وَالْمَحْفُوظُ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي لَا ذِكْرَ لِلْحَالِمَةِ فِيهِ، لِأَنَّهُ الْأَمْرُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَبِهِ كَتَبَ عُمَرُ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الْحَالِمَةِ مَحْفُوظًا فَوَجْهُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ، كَمَا رَوَى الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ أَنَّ خَيْلًا أَصَابَتْ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ عليه السلام: "هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ"، ثُمَّ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الذُّرِّيَّةِ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ زَنْجُوَيْهِ: وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ مَا أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ، قَالَ: سَأَلْت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ نَقْتُلُهُمْ مَعَهُمْ؟ قَالَ: " نَعَمْ، فَإِنَّهُمْ مِنْهُمْ"، ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِهِمْ يَوْمَ خَيْبَرَ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَمَذْهَبُنَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، قُلْت: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي الْإِمَارَةِ" حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: وَضَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْجِزْيَةِ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، انْتَهَى. وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ" حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا مِنْدَلٌ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ عُمَرَ وَضَعَ، إلَى آخِرِهِ. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ 2 - فِي تَرْجَمَةِ عُمَرَ" أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ
ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ أَنَّ عُمَرَ وَضَعَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِيمَا فُتِحَ مِنْ الْبِلَادِ، فَوَضَعَ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْوَسَطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ" 1 حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ، فَوَضَعَ عَلَيْهِمْ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَاثْنَيْ عَشَرَ، انْتَهَى. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ ... 2. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ الْجِزْيَةَ عَلَى الْمَجُوسِ، قُلْتُ: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" 3 عَنْ مُجَالِدٍ، وَهُوَ ابْنُ عَبْدَةَ الْمَكِّيُّ، قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ: فَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ، وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" 4 أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ، وَأَنَّ عُمَرَ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ فَارِسَ، وَأَنَّ عُثْمَانَ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ الْبَرْبَرِ، انْتَهَى. وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بن الحسن في "موطأه"، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "غَرَائِبِ مَالِكٍ"، والطبراني في "معجمه" عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي كَبْشَةَ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَصِلْ إسْنَادَهُ غَيْرُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي كَبْشَةَ الْبَصْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ النَّاسُ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، لَيْسَ فِيهِ السَّائِبُ، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، والدارقطني فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: هَذَا حَدِيثٌ قَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، لَمْ يَقُولُوا: عَنْ جَدِّهِ، وَجَدُّهُ هُوَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ فِيهِ: عَنْ جَدِّهِ
إلَّا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ عَنْ مَالِكٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَقُلْ فِيهِ: عَنْ جَدِّهِ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُ أَبِي عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ، وَكَانَ ثِقَةً، وَهُوَ فِي "الْمُوَطَّإِ" عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ، انْتَهَى. قُلْت: هَكَذَا رَوَاهُ فِي "الْمُوَطَّإِ" مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرٍ بِهِ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ جَعْفَرٍ بِهِ، وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ جَعْفَرٍ بِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ لَمْ يَلْقَ عُمَرَ، وَلَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ، وَكَانَ ثِقَةً، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ جَدِّهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ لَمْ يَلْقَ عُمَرَ، وَلَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ يَتَّصِلُ مِنْ وُجُوهٍ حِسَانٍ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَى هَذَا مِنْ وَجْهٍ مُتَّصِلٍ، إلَّا أَنَّ فِي إسْنَادِهِ مَنْ يُجْهَلُ حَالُهُ، قَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الشَّامِيُّ ثَنَا أَبُو رَجَاءٍ - وَكَانَ جَارًا لِحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: كُنْت عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: مَنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْمَجُوسِ؟ فَوَثَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إنَّمَا الْمَجُوسُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَاحْمِلُوهُمْ عَلَى مَا تحملون عليه من أَهْلَ الْكِتَابِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: قَالَ فَرْوَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: عَلَامَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ الْمَجُوسِ وَلَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ؟ فَقَامَ إلَيْهِ الْمُسْتَوْرِدُ، فَأَخَذَ بِلَبَّتِهِ، وَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ تَطْعَنُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ - يَعْنِي عَلِيًّا - وَقَدْ أَخَذُوا مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ، فَذَهَبَ بِهِ إلَى الْقَصْرِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ عَلِيٌّ، وَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْمَجُوسِ، كَانَ لَهُمْ عِلْمٌ يَعْلَمُونَهُ، وَكِتَابٌ يَدْرُسُونَهُ، وَأَنَّ مَلِكَهُمْ سَكِرَ، فَوَقَعَ عَلَى ابْنَتِهِ، أَوْ أُمِّهِ، فَاطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ، فَلَمَّا صَحَا أَرَادُوا أَنْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَامْتَنَعَ مِنْهُمْ فَدَعَا أَهْلَ مَمْلَكَتِهِ، فَقَالَ: تَعْلَمُونَ دِينًا خَيْرًا مِنْ دِينِ آدَمَ، وَقَدْ كَانَ يَنْكِحُ بَنِيهِ مِنْ بَنَاتِهِ؟ فَأَنَا عَلَى دِينِ آدَمَ، وَمَا يَرْغَبُ بِكُمْ عَنْ دِينِهِ؟ فَبَايَعُوهُ، وَقَاتَلُوا الَّذِينَ خَالَفُوهُمْ حَتَّى قَتَلُوهُمْ، فَأَصْبَحُوا، وَقَدْ أَسْرِيَ عَلَى كِتَابِهِمْ، فَرُفِعَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، وَذَهَبَ الْعِلْمُ الَّذِي فِي صُدُورِهِمْ، وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَقَدْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَسَعِيدُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ مَجْرُوحٌ، قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: لَا أَسْتَحِلُّ أَرْوِي عَنْهُ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ الْفَلَّاسُ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: كَانَ ثِقَةً، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ:
هُوَ مُدَلِّسٌ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَقَالَ: أَخْطَأَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ: نَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عِيسَى بْنُ عَاصِمٍ، هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ فُضَيْلٍ، وَالْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ عَنْ عِيسَى بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ: كُنْت أَتَوَهَّمُ أَنَّ الْخَطَأَ مِنْ الشَّافِعِيِّ، فَوَجَدْتُ غَيْرَهُ تَابَعَهُ، فَعَلِمْتُ أَنَّ الْخَطَأَ مِنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ ثُمَّ أَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُد، وَأَبِي زُرْعَةَ أَنَّهُمَا قَالَا: مَا عَلِمْنَا لِلشَّافِعِيِّ حَدِيثًا أَخْطَأَ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْله: رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه اسْتَرَقَّ نِسْوَانَ بَنِي حَنِيفَةَ وَصِبْيَانَهُمْ، لَمَّا ارْتَدُّوا، وَقَسَّمَهُمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، قُلْت: رَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الرِّدَّةِ" لَهُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَنَسٍ الطَّفْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، فَذَكَرَ وَقْعَةَ الْيَمَامَةِ، وَهِيَ قِصَّةُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، وَأَصْحَابِهِ بَنِي حَنِيفَةَ بِطُولِهَا، وَفِيهَا: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه أَرْسَلَ إلَيْهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَتَلَهُمْ، وَقَتَلَ مُسَيْلِمَةَ، وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ، فَتَحَصَّنُوا فِي الْحُصُونِ، وَقُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ أَبُو دُجَانَةَ الْأَنْصَارِيُّ، وَجُرِحَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَكَانَتْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، إلَى أَنْ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ: ثُمَّ إنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الصَّفْرَاءَ، وَالْبَيْضَاءَ، وَالْكُرَاعَ، وَالسِّلَاحَ، وَنِصْفَ السَّبْيِ، ثُمَّ دَخَلَ حُصُونَهُمْ صُلْحًا، فَأَخْرَجَ السِّلَاحَ، وَالْكُرَاعَ، وَالْأَمْوَالَ، وَالسَّبْيَ، فَجَمَعَ السِّلَاحَ عَلَى حِدَةٍ، وَالْكُرَاعَ عَلَى حِدَةٍ، وَالدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ قَسَمَ السَّبْيَ قِسْمَيْنِ، وَأَقْرَعَ عَلَى الْقِسْمَيْنِ، فَخَرَجَ سَهْمُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَفِيهِ مَكْتُوبٌ: لِلَّهِ، ثُمَّ جَزَّأَ الَّذِي صَارَ لَهُ مِنْ السَّبْيِ عَلَى خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ، وَكَتَبَ عَلَى كُلِّ سَهْمٍ مِنْهَا: لِلَّهِ، وَجَزَّأَ الْكُرَاعَ هَكَذَا، وَوَزَنَ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ، فَعَزَلَ الْخُمُسَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَقَسَّمَ عَلَى النَّاسِ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ، وَأَسْهَمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا، وَعَزَلَ الْخُمُسَ حَتَّى قَدِمَ بِهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قَالَ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى الْخُمُسِ أَبَا نَائِلَةَ، فَفَرَّقَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فِي مَوَاضِعِ الْخُمُسِ مَا فَرَّقَ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَتْ: قَدْ رَأَيْت أُمَّ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - وَكَانَتْ مِنْ سَبْيِ بَنِي حَنِيفَةَ - فَلِذَلِكَ سَمَّتْهُ الْحَنَفِيَّةَ، وَسُمِّيَ ابْنُهَا الْمَذْكُورُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتْ أُمُّ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِنْ ذَلِكَ السَّبْيِ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ لِلْخَصْمِ: رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، فَذَكَرَ قِصَّةَ إسْلَامِ أَهْلِ حَضْرَمَوْتَ، وَيُسَمُّونَ أَهْلَ كِنْدَةَ، وَأَنَّهُ وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ ثَمَانِيَةَ
عَشَرَ رَجُلًا أَحَدُهُمْ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَأَنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ الْبَيَاضِيُّ، وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا فِي فَرَائِضِ الصَّدَقَاتِ، وَصَارَ مَعَهُمْ عَامِلًا عَلَى حَضْرَمَوْتَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَلِيَ أَبُو بَكْرٍ أَرْسَلَ إلَى زِيَادٍ بِكِتَابٍ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ، وَيُوصِيهِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَيَسْأَلُهُمْ أَنْ يُبَايِعُوهُ، فَقَرَأَ زِيَادٌ عَلَيْهِمْ الْكِتَابَ، فَنَكَصُوا عَنْ الْبَيْعَةِ، وَارْتَدُّوا، وَمِمَّنْ نَكَصَ عَنْ الْبَيْعَةِ الْأَشْعَثُ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ، فَصَاحَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ بِأَصْحَابِهِ الْمُسْلِمِينَ، فَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ، وَوَقَعَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ شَدِيدٌ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي جَرِيرُ بْنُ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: بَرَزَ يَوْمئِذٍ مِنْهُمْ رَجُلٌ فَبَرَزْتُ إلَيْهِ، وَكَانَ شُجَاعًا، قَالَ: فَتَنَاوَلْنَا بِالرُّمْحَيْنِ مُعْظَمَ النَّهَارِ، فَلَمْ يَظْفَرْ أَحَدُنَا بِصَاحِبِهِ، ثُمَّ صِرْنَا إلَى السَّيْفَيْنِ بَقِيَّةَ النَّهَارِ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدُنَا عَلَى الْآخَرِ، ونحن فارسان، فلما أسلموا تَفَرَّقُوا، وَتَوَجَّهَ زِيَادٌ إلَى بَيْتِهِ، بَعْدَ أَنْ بَعَثَ عيوناً في غُرَّتِهِمْ، فَجَاءَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَأَخْبَرَهُ بِغُرَّةٍ مِنْهُمْ، فَسَارَ إلَيْهِمْ لَيْلًا فِي مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَإِذَا هُمْ هدأوا وَنَامُوا، فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ، فَقَتَلَهُمْ، وَذَبَحَ مُلُوكَهُمْ وَأَشْرَافَهُمْ، وَبَعَثَ إلَى أَبِي بَكْرٍ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إلَى الْمُهَاجِرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، وَكَانَ عَامِلًا عَلَى صَنْعَاءَ، اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا، أَنْ يَسِيرَ إلَى زِيَادٍ بِمَنْ حَضَرَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُ عَلَى زِيَادٍ اشْتَدَّ أَمْرُهُمَا، وَحَاصَرَا النُّجَيْرَ أَيَّامًا حِصَارًا شَدِيدًا، فَلَمَّا جَهَدَهُمْ الْحِصَارُ، قَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: وَاَللَّهِ إنَّ الْمَوْتَ بِالسَّيْفِ لَأَهْوَنُ مِنْ الْمَوْتِ بِالْجُوعِ، فَدَعُونِي أَنْزِلُ إلَى هَؤُلَاءِ، فَآخُذُ لِي وَلَكُمْ الْأَمَانَ مِنْهُمْ، فَقَالُوا لَهُ: افْعَلْ، وَأَرْسَلَ الْأَشْعَثُ إلَى زِيَادٍ يَسْأَلُهُ الْأَمَانَ، وَأَجَابَهُ، فَنَزَلَ إلَيْهِ، فَأَرَادَ زِيَادٌ قَتْلَهُ، فَقَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ: لَا تَقْتُلْنِي، وَابْعَثْ لِي إلَى أَبِي بَكْرٍ، يَرَى فِي رَأْيَهُ، فَإِنَّهُ يَكْرَهُ قَتْلَ مِثْلِي، وَأَنَا أَفْتَحُ لَك النُّجَيْرَ، فَآمَنَهُ زِيَادٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَهْلِهِ، وَمَالِهِ، وَفَتَحَ لَهُ الْأَشْعَثُ النُّجَيْرَ، وَدَخَلَ زِيَادٌ إلَى النُّجَيْرِ، فَأَخْرَجَ مِنْ مُقَاتِلَتِهِمْ خَلْقًا كَثِيرًا، فَعَمَدَ إلَى أَشْرَافِهِمْ، وَكَانُوا سَبْعَمِائَةٍ رَجُلٍ، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَرَكَ جُثَثَهُمْ لِلسِّبَاعِ، لَمْ يُوَارِ مِنْهَا شَيْئًا، وَسَبَى مِنْ مُقَاتِلِيهِمْ ثَمَانِينَ رَجُلًا، وَأَخَذَ الذُّرِّيَّةَ وَالنِّسَاءَ، فَعَزَلَهُمْ عَلَى حِدَةٍ، وَبَعَثَ زِيَادٌ بِالْجَمِيعِ إلَى أَبِي بَكْرٍ، وَأَرْسَلَ مَعَهُمْ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ فِي وِثَاقٍ مِنْ حَدِيدٍ، فَلَمَّا دَخَلَ الْأَشْعَثُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَنْتَ الَّذِي فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا، وَفَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ يُعَدِّدُ لَهُ ذُنُوبَهُ، فَقَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، دَعْ عَنْك مَا مَضَى، وَاسْتَقْبِلْ الْأُمُورَ إذَا أَقْبَلْتَ، فَوَاَللَّهِ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ مَا كَفَرْتُ بَعْدَ إسْلَامِي، وَلَكِنْ شَحَحْتُ بِمَالِي، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَلَسْتَ الَّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا، وَتَقُولُ كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ الْأَشْعَثُ: نَعَمْ، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ، وَلَكِنْ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ تُبْت مِمَّا صَنَعْتُ، وَرَجَعْتُ إلَى مَا خَرَجْت مِنْهُ، فَأَطْلِقْ سراحي، وَاسْتَبْقِنِي لِحَرْبِك، وَزَوِّجْنِي أُخْتَك، فَأَطْلَقَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَبِلَ تَوْبَتَهُ، وَزَوَّجَهُ أُخْتَهُ أُمَّ فَرْوَةَ،
بِنْتَ أَبِي قُحَافَةَ، قَالَ: وَقَسَّمَ أَبُو بَكْرٍ سَبْيَ النُّجَيْرِ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ، فَفَرَّقَ الْخُمُسَ فِي النَّاسِ، وَتَرَكَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ، قَالَ: وَقَدِمَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ النُّجَيْرِ يَطْلُبُونَ أَنْ يُفَادُوا سَبْيَهُمْ، وَقَالُوا: وَاَللَّهِ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ مَا رَجَعْنَا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ شَحَحْنَا بِأَمْوَالِنَا، وَقَدْ رَجَعَ مَنْ وَرَاءَنَا إلَى مَا خَرَجُوا مِنْهُ، وَبَايَعُوا لَك رَاضِينَ، فَقَالَ: بَعْدَ مَاذَا؟ بَعْدَ أَنْ وَطِئْتُكُمْ بِالسَّيْفِ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: لَمَّا كَلَّمَ الْوَفْدُ أَبَا بَكْرٍ أن يفادوا أسراهم، أجابوا إلَى ذَلِكَ، وَخَطَبَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ: أَيُّهَا النَّاسُ، رُدُّوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَسْرَاهُمْ، لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ أَنْ يُغَيِّبَ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَقَدْ جَعَلْنَا الْفِدَاءَ عَلَى كُلِّ رَأْسٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَمِائَةٍ دِرْهَمٍ، قَالَ: فَجَمَعَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه مَا تَحَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ، مَعَ مَا اسْتَخْرَجَهُ زِيَادٌ مِنْ حِصْنِ النُّجَيْرِ مِنْ الْأَمْوَالِ، فَجَعَلَهُ مَغْنَمًا، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ يَشْهَدُ لِمَذْهَبِنَا: رَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي "كِتَابِ الرِّدَّةِ" أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَذَكَرَ قِصَّةَ إسْلَامِ أَهْلِ دَبَا، وَأَزْدِ عُمَانَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَلَيْهِمْ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ مُصَدِّقًا، وَكَتَبَ مَعَهُ فَرَائِضَ الصَّدَقَاتِ، قَالَ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعُوا الصَّدَقَةَ، وارتدوا، فدعاهم إلى التوبة، وَأَسْمَعُوهُ شَتْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ حُذَيْفَةُ: أَسْمِعُونِي فِي أَبِي وَأُمِّي، وَلَا تُسْمِعُونِي فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَوْا إلَّا ذَلِكَ، فَكَتَبَ حُذَيْفَةُ إلَى أبو بَكْرٍ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، فَاغْتَاظَ غَيْظًا شَدِيدًا، وَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ فِي نَحْوِ أَلْفَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى هَزَمَهُمْ وَدَخَلُوا مَدِينَةَ دَبَا فَتَحَصَّنُوا فِيهَا، وَحَاصَرَهُمْ الْمُسْلِمُونَ نَحْوَ شَهْرٍ، فَلَمَّا جَهَدَهُمْ الْحِصَارُ، طَلَبُوا الصُّلْحَ، فَشَرَطَ عَلَيْهِمْ حُذَيْفَةُ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ الْمَدِينَةِ عُزْلًا، مِنْ غَيْرِ سِلَاحٍ، فَفَعَلُوا، وَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ حِصْنَهُمْ، فَقَتَلَ عِكْرِمَةُ مِنْ أَشْرَافِهِمْ مِائَةَ رَجُلٍ، وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ، وَأَقَامَ عِكْرِمَةُ بِدَبَا عَامِلًا عَلَيْهَا لِأَبِي بَكْرٍ، وَقَدِمَ حُذَيْفَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بِالسَّبْيِ، وَكَانُوا سَبْعَمِائَةِ نفر، منهم ثلثمائة مُقَاتِلٍ، وَأَرْبَعُمِائَةٍ مِنْ الذُّرِّيَّةِ وَالنِّسَاءِ، فِيهِمْ أَبُو الْمُهَلَّبِ أَبُو صُفْرَةَ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ، فَسَجَنَهُمْ أَبُو بَكْرٍ فِي دَارِ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، وَاسْتَشَارَ فِيهِمْ، فَكَانَ رَأْيُ الْمُهَاجِرِينَ قَتْلَهُمْ، أَوْ تَفْدِيَتَهُمْ بِإِغْلَاءِ الْفِدَاءِ، وَكَانَ رَأْيُ عُمَرَ أَنْ لَا قَتْلَ عَلَيْهِمْ، وَلَا فِدَاءَ، فَلَمْ يَزَالُوا مَحْبُوسِينَ حَتَّى تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ نَظَرَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَا سَبْيَ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَرْسَلَهُمْ بِغَيْرِ فِدَاءٍ، وَقَالَ: هُمْ أَحْرَارٌ حَيْثُ أَدْرَكْتُمُوهُمْ، مُخْتَصَرٌ، وقد يقال: إنَّ عُمَرَ لَمْ يَتَحَقَّقْ رِدَّتَهُمْ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْقِصَّةِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا اسْتَشَارَ فِيهِمْ، قَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ إنَّهُمْ قَوْمٌ مُؤْمِنُونَ، وَإِنَّمَا شَحُّوا بِأَمْوَالِهِمْ، قَالَ: وَالْقَوْمُ يَقُولُونَ: وَاَللَّهِ مَا رَجَعْنَا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا شَحَحْنَا بِالْمَالِ، فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدَعَهُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَلَمْ يَزَالُوا، الْحَدِيثُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: حَدِيثُ مُعَاذٍ "خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ دِينَارًا" تَقَدَّمَ فِي "الْحَدِيثِ الثَّانِي". قَوْلُهُ: إنَّ عُثْمَانَ لَمْ يُوَظِّفْ الْجِزْيَةَ عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ، وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، قُلْت: الْمُرَادُ بِعُثْمَانَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّهُ وَضَعَ عَلَيْهِمْ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ، وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَاثْنَيْ عَشَرَ، وَرَوَى ابْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ" حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْعَبْسِيُّ، صِلَةُ بْنُ زُفَرَ، قَالَ: أَبْصَرَ عُمَرُ شَيْخًا كَبِيرًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَسْأَلُ، فَقَالَ لَهُ: مالك؟ قَالَ: لَيْسَ لِي مَالٌ، وَأَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَنْصَفْنَاك، أَكَلْنَا شَيْبَتَك، ثُمَّ نَأْخُذُ مِنْك الْجِزْيَةَ، ثُمَّ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ أَنْ لَا يَأْخُذُوا الْجِزْيَةَ مِنْ شَيْخٍ كَبِيرٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "لَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ جِزْيَةٌ"، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْخَرَاجِ"، وَالتِّرْمِذِيُّ 1 فِي "الزَّكَاةِ" عَنْ جَرِيرٍ عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ جِزْيَةٌ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَسُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ هَذَا، فَقَالَ: يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ رَوَى قَابُوسُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" 2 فِي "الْوَكَالَةِ"، وَسَكَتَ عَنْهُ، قُلْت: وَقَدْ وَرَدَ بِاللَّفْظِ الَّذِي فَسَّرَهُ بِهِ سُفْيَانُ، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الوسط: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْخَطِيبُ ثَنَا عِيسَى بْنُ أَبِي حَرْبٍ الصَّفَّارُ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْر ثَنَا عُمَرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ أَسْلَمَ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّ ابْنُ الْقَطَّانِ حَدِيثَ السُّنَنِ - فِي كِتَابِهِ - بِقَابُوسَ، فَقَالَ: وَقَابُوسُ عِنْدَهُمْ ضَعِيفٌ، وَرُبَّمَا تَرَكَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَهُ، وَكَانَ قَدْ افْتَرَى عَلَى رَجُلٍ، فَحُدَّ، فَتُرِكَ لِذَلِكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. فَصْلٌ الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا كَنِيسَةَ"، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا بُنْيَانَ كَنِيسَةٍ"، وَضَعَّفَهُ، وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ 3 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ
حَدَّثَنِي تَوْبَةُ بْنُ التمر الْحَضْرَمِيُّ قَاضِي مِصْرَ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا كَنِيسَةَ"، انْتَهَى: وَحَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا كَنِيسَةَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا خِصَاءَ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ سُفْيَانَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَامِعٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ أَبِي الْمَهْدِيِّ سَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاتبنى كَنِيسَةٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا يُبْنَى مَا خَرِبَ مِنْهَا"، انْتَهَى. وَمِنْ جِهَةِ ابْنِ عَدِيٍّ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ"، وَأَعَلَّهُ تَبَعًا لِابْنِ عَدِيٍّ بِسَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ أَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَفِيهِ مِنْ الضُّعَفَاءِ غَيْرُ سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَامِعٍ 1 أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعَطَّارُ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَيْسَ بِصَدُوقٍ، وَامْتَنَعَ أَبُو حَاتِمٍ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ أَيْضًا ضَعِيفٌ، بَلْ مَتْرُوكٌ، حَكَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ كَانَ يُكَذِّبُهُ، فلعل العلة غَيْرُ سَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَأَبُو الْمَهْدِيِّ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، لَكِنَّ حَدِيثَهُ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ"، قُلْتُ: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ثَنَا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ: " لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ"، وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي كِتَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَجْتَمِعُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ - أَوْ قَالَ: بِأَرْضِ الْحِجَازِ - دِينَانِ"، وَرَوَاهُ فِي "الزَّكَاةِ"، وَزَادَ فِيهِ: فَقَالَ عُمَرُ لِلْيَهُودِ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَأْتِ بِهِ، وَإِلَّا فَإِنِّي مُجْلِيكُمْ، قَالَ: فَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي "السِّيرَةِ" عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ آخِرَ مَا عَهِدَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُتْرَكَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "عِلَلِهِ": وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" 2 قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ" قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَفَحَصَ عَنْ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ"،
فَأَجْلَى يَهُودَ خَيْبَرَ، وَأَجْلَى يَهُودَ نَجْرَانَ، وَفَدَكَ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ: كَانَ مِنْ آخِرِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ: "قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي - أَوَاخِرِ الْكِتَابِ - وَأَسْنَدَ أَبُو دَاوُد 1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَا بَيْنَ الْوَادِي إلَى أَقْصَى الْيَمَنِ، إلَى تُخُومِ الْعِرَاقِ، إلَى الْبَحْرِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": قَالَ مَالِكٌ: جَزِيرَةُ الْعَرَبِ الْمَدِينَةُ نَفْسُهَا، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا الْحِجَازُ، وَالْيَمَنُ، وَالْيَمَامَةُ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْهُ مُلْكُ فَارِسَ، وَالرُّومِ، وَحَكَى الْبُخَارِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: هِيَ مَكَّةُ، وَالْمَدِينَةُ: وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هِيَ مِنْ أَقْصَى عَدَنَ أَبْيَنَ إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ فِي الطُّولِ، وَأَمَّا الْعَرْضُ، فَمِنْ جُدَّةَ، وَمَا وَالَاهَا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ إلَى أَطْرَافِ الشَّامِ، وَسُمِّيَتْ الْجَزِيرَةُ جَزِيرَةً لِانْحِسَارِ الْمَاءِ عَنْ مَوْضِعِهَا، وَالْجَزْرُ هُوَ الْقَطْعُ، لِأَنَّهَا جَزَرَتْ عَنْهَا الْمِيَاهُ الَّتِي حَوَالَيْهَا، كَبَحْرِ الْبَصْرَةِ، وَعُمَانَ، وَعَدَنَ، وَالْفُرَاتِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ حَوَالَيْهَا بَحْرُ الْحَبَشِ، وَبَحْرُ فَارِسَ، وَدِجْلَةُ، وَالْفُرَاتُ، وقال الزهري: سُمِّيَتْ جَزِيرَةً لِأَنَّ بَحْرَ فَارِسَ، وَبَحْرَ السَّوَادِ أَحَاطَ بِجَانِبَيْهَا - يَعْنِي الْجَنُوبِيَّ - وَأَحَاطَ بِالْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ دِجْلَةُ، وَالْفُرَاتُ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْجِزْيَةِ"، وَمُسْلِمٌ فِي "آخِرِ الْوَصَايَا" 2 كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ، قَالَ: "ائْتُونِي أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدِي"، فَتَنَازَعُوا، وَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ أَهَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ، فَقَالَ: "دَعُونِي أُوصِيكُمْ بِثَلَاثٍ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ"، قَالَ: وَسَكَتَ عَنْ الثَّالِثَةِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَنَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الزَّكَاةِ، لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه صَالَحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي "آخِرِ بَابِ زَكَاةِ الْخَيْلِ". قَوْلُهُ: قَالَ عُمَرُ: هَذِهِ جِزْيَةٌ، فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ، تَقَدَّمَ أَيْضًا فِيهِ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام: "مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ" تَقَدَّمَ فِي "بَابِ مَنْ يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ، وَمَنْ لَا يَجُوزُ".
باب أحكام المرتدين
بَابُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "كِتَابِ الْجِهَادِ - فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ" 1 عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِزَنَادِقَةٍ، فَأَحْرَقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أُحْرِقْهُمْ، لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ"، وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِهِ عليه السلام: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ"، انْتَهَى. وَوَهَمَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" 2 فَرَوَاهُ فِي "كِتَابِ الْفَضَائِلِ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" بِدُونِ الْقِصَّةِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ" عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ، إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ تَوْبَةَ عَبْدٍ كَفَرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "معجمه الوسط" عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ الْحَسَنِ، وَشَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، سَوَاءٌ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ، قُلْت: تَقَدَّمَتْ الْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ 3 - فِي الْحُدُودِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى الْجَزَرِيِّ ثَنَا عَفَّانَ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ إذَا ارْتَدَّتْ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا كَذَّابٌ، يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى عَفَّانَ، وَغَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا رَوَاهُ شُعْبَةُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا هُرْمُزُ بْنُ مُعَلَّى ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْفَزَارِيِّ 1 عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: "أَيُّمَا رَجُلٍ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَادْعُهُ، فَإِنْ تَابَ، فَاقْبَلْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ، فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ فَادْعُهَا فَإِنْ تَابَتْ، فَاقْبَلْ مِنْهَا، وَإِنْ أَبَتْ فَاسْتَتِبْهَا"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ" عَنْ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَبِي عَمْرٍو الْأَسَدِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدَّتْ فَلَمْ يَقْتُلْهَا، انْتَهَى. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَرْوِيهِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ غَيْرُ حَفْصٍ، وَضُعِّفَ حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَعَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ فِي "سِيرَتِهِ - عُيُونُ الْأَثَرِ": حَدِيثُ: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ"، وَحَدِيثُ: أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ، عَامَّانِ مُتَعَارِضَانِ، وَكُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ يَخُصُّ أَحَدَ الْحَدِيثَيْنِ بِالْآخَرِ، وَلَكِنَّ حَدِيثَ: مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ، فِيهِ مَعَ الْعُمُومِ قُوَّةٌ أُخْرَى، وَهِيَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالرِّدَّةِ وَالتَّبْدِيلِ، انْتَهَى. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ": وَلَمْ يُصِبْ مَنْ قَاسَ الْمُرْتَدَّةَ عَلَى نِسَاءِ الْحَرْبِ، فَإِنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُسْتَرَقُّ، وَلَا تُسْبَى كَمَا تُسْبَى نِسَاءُ الْحَرْبِ، فَلِذَلِكَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ نِسَاءِ الْحَرْبِ، لِيَكُنّ مَالًا لِلْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَوَكِيعٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: النِّسَاءُ لَا يُقْتَلْنَ إذَا هُنَّ ارْتَدَدْنَ عَنْ الْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ يُحْبَسْنَ، وَيُدْعَيْنَ إلَى الْإِسْلَامِ، وَيُجْبَرْنَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي "كِتَابِ الْآثَارِ" أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ بِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي أَوَاخِرِ الْقِصَاصِ" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"2، إلَّا أَنَّهُ
قَالَ: عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَاصِمٍ، فَلْيُحَرَّرْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَسْنَدَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، قَالَ: كَانَ الثَّوْرِيُّ يَعِيبُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ 1 حَدِيثًا كَانَ يَرْوِيهِ، وَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ النَّخَعِيّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ بِهِ. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمَرَ فِي أُمِّ وَلَدٍ تَنَصَّرَتْ، أَنْ تُبَاعَ فِي أَرْضٍ ذَاتِ مُؤْنَةٍ عَلَيْهَا، وَلَا تُبَاعُ فِي أَهْلِ دِينِهَا، فَبِيعَتْ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ، مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِهَا، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 2 عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: الْمُرْتَدَّةُ تُسْتَتَابُ وَلَا تُقْتَلُ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَخِلَاسٌ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَحْوَهُ عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ 3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ارْتَدَّتْ امْرَأَةٌ عَنْ الْإِسْلَامِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْرِضُوا عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ، فَعُرِضَ عَلَيْهَا فَأَبَتْ، أَنْ تُسْلِمَ، فَقُتِلَتْ، انْتَهَى. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُذَيْنَةَ جَرَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، فَقَالَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ بِحَالٍ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ": مَتْرُوكٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُطَارِدِ بْنِ أُذَيْنَةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَلَمْ أَرَ لِلْمُتَقَدِّمِينَ فِيهِ كَلَامًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا 4 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ارْتَدَّتْ امْرَأَةٌ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُسْتَتَابَ، فَإِنْ تَابَتْ، وَإِلَّا قُتِلَتْ، انْتَهَى. وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ هَذَا، قَالَ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ فِيهِ: يَضَعُ الْحَدِيثَ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا 5 عَنْ مَعْمَرِ بْنِ بَكَّارَ السَّعْدِيِّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ
عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المنكر عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ مَرْوَانَ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ، فَإِنْ رَجَعَتْ، وَإِلَّا قُتِلَتْ، انْتَهَى. وَمَعْمَرُ بْنُ بَكَّارَ فِي حَدِيثِهِ وَهْمٌ، قَالَهُ الْعُقَيْلِيُّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ ملحق بالأول. الآثار: أخرجه الدَّارَقُطْنِيُّ 1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه قَتَلَ أُمَّ قِرْفَةَ الْفَزَارِيَّةَ فِي رِدَّتِهَا قِتْلَةَ مُثْلَةٍ، شَدَّ رِجْلَيْهَا بِفَرَسَيْنِ، ثُمَّ صَاحَ بِهِمَا، فَشَقَّاهَا، لَكِنْ قِيلَ: إنَّ سَعِيدًا هَذَا لَمْ يُدْرِكْ أَبَا بَكْرٍ، فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه أَسْلَمَ فِي صِبَاهُ، وَصَحَّحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إسْلَامَهُ، وَافْتِخَارُهُ بِذَلِكَ مَشْهُورٌ، قُلْت: اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي إسْلَامِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، فَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ" عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: أَسْلَمَ عَلِيٌّ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِي سِنِينَ، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ 2 - فِي الْفَضَائِلِ" مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ أَنَّ عَلِيًّا أَسْلَمَ، وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ عُمْرُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ الرَّايَةَ إلَى عَلِيٍّ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": هَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَلَهُ أَقَلُّ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ، بَلْ نَصٌّ فِي أَنَّهُ أَسْلَمَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ، أَوْ ثَمَانِي سِنِينَ، وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا 3 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَفِيفٍ عَنْ جَدِّهِ عَفِيفِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كُنْت امْرَأً تَاجِرًا، وَكُنْت صَدِيقًا لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَدِمْتُ لِتِجَارَةٍ، فَنَزَلْتُ عَلَى الْعَبَّاسِ بِمِنًى، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَنَظَرَ إلَى الشَّمْسِ حِينَ مَالَتْ، فَقَامَ يُصَلِّي، ثُمَّ جَاءَتْ امْرَأَةٌ، فَقَامَتْ تُصَلِّي، ثُمَّ جاء غلاماً قَدْ رَاهَقَ الْحُلُمَ، فَقَامَ يُصَلِّي، فَقُلْت: لِلْعَبَّاسِ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا مُحَمَّدُ ابْنُ أَخِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَى أَمْرِهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَهَذَا الْغُلَامُ ابْنُ عَمِّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: عَفِيفٌ فَلَوَدِدْت أَنِّي أَسْلَمْت يَوْمَئِذٍ، فَيَكُونُ لِي رُبْعُ الْإِسْلَامِ، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ - فِي تَرْجَمَةِ عَلِيٍّ": أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ صَلَّى عَلِيٌّ، وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَنْبَسَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: أَسْلَمَ عَلِيٌّ وَهُوَ ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ،
أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلِيًّا إلَى الْإِسْلَامِ، وَهُوَ ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ، وَيُقَالُ: دُونَ التِّسْعِ، وَلَمْ يَعْبُدْ وَثَنًا قَطُّ لِصِغَرِهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: أَسْلَمَ عَلِيٌّ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِي سِنِينَ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا، أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، قَالَ: وَاسْتِقْرَاءُ الْحَالِ يُبْطِلُ رِوَايَةَ الْخَمْسَةَ عَشْرَ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ يَوْمَ الْبَعْثِ ثَمَانِي سِنِينَ فَقَدْ عَاشَ بَعْدُ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَبَقِيَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ الثَّلَاثِينَ، فَهَذِهِ مُقَارِبَةُ السِّتِّينَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مِقْدَارِ عُمْرِهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُتِلَ عَلِيٌّ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، قَالَ: فَمَتَى قُلْنَا: إنَّهُ كَانَ لَهُ يَوْمَ إسْلَامِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ صَارَ عُمْرُهُ ثَمَانِيًا وَسِتِّينَ، وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ إسْلَامِ الصَّبِيِّ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: "أَسْلِمْ"، فَنَظَرَ إلَى أَبِيهِ، وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنْ النَّارِ"، انْتَهَى. قَالَ: وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَ الْإِسْلَامَ عَلَى ابْنِ صَيَّادٍ، وَهُوَ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ، وَمَنْ قَالَ: "لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ"، قَالَ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ صِحَّةُ إسْلَامِ ابْنِ سَبْعِ سِنِينَ، فَقَالَ: إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ سَبْعَ سِنِينَ جَازَ إسْلَامُهُ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ إذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ"، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ اُنْتُظِرَ بِهِ حَتَّى يَبْلُغَ، فَإِنْ أَسْلَمَ، وَإِلَّا قُتِلَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَحَادِيثُ إمْهَالِ الْمُرْتَدِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ" مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ ثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِوَفْدٍ قَدِمُوا عَلَيْهِ مِنْ بَنِي ثَوْرٍ: هَلْ مِنْ مُغَرِّبَةِ1 خَبَرٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، أَخَذْنَا رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ كَفَرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ، فَقَدَّمْنَاهُ، فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ، فَقَالَ: هَلْ أَدْخَلْتُمُوهُ جَوْفَ بَيْتٍ، فَأَلْقَيْتُمْ إلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا، ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَاسْتَتَبْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ، أَوْ يُرَاجِعُ أَمْرَ اللَّهِ؟ اللَّهُمَّ لَمْ أَشْهَدْ، وَلَمْ آمُرْ، وَلَمْ أَرْضَ، إذَا بَلَغَنِي، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ - فِي الْأَقْضِيَةِ"، قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي "كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ" حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدٍ الْقَارِي بِهِ، فَذَكَرَهُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَمْ أَسْمَعْ التَّوْقِيتَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ، "وَالْمُغَرِّبَةُ" - بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَكَسْرِهَا - لُغَتَانِ، وَأَصْلُهُ الْبُعْدُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: شَأْوٌ مُغَرِّبٌ، وَدَارُ فُلَانٍ غَرْبَةٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ - فِي تَرْجَمَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ"، قَالَ: يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَسْلَمَ، وَإِلَّا قُتِلَ، انْتَهَى.
باب البغاة
بَابُ الْبُغَاةِ قَوْلُهُ: وَكَشَفَ الْإِمَامُ عَنْ شُبْهَتِهِمْ، لِأَنَّ عَلِيًّا فَعَلَ كَذَلِكَ بِأَهْلِ حَرُورَاءَ، قُلْت: رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "سُنَنِهِ الْكُبْرَى - فِي خَصَائِصِ عَلِيٍّ" فَقَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنِي أَبُو زميل سمك الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا خَرَجَتْ الْحَرُورِيَّةُ اعْتَزَلُوا فِي دَارٍ، وَكَانُوا سِتَّةَ آلَافٍ، فَقُلْت لِعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَبْرِدْ بِالصَّلَاةِ، لَعَلِّي أُكَلِّمُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، قَالَ: إنِّي أَخَافُهُمْ عَلَيْك، قُلْتُ: كَلًّا، فَلَبِسْتُ ثِيَابِي، وَمَضَيْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ فِي دَارٍ، وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِيهَا، فَقَالُوا: مَرْحَبًا بِك يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَا جَاءَ بِك؟ قُلْت: أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَمِنْ عِنْدِ ابْنِ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِهْرِهِ، وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ، فَهُمْ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ مِنْكُمْ، وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ لِأُبَلِّغكُمْ مَا يَقُولُونَ، وَأُبَلِّغَهُمْ مَا تَقُولُونَ، فَانْتَحَى لِي نَفَرٌ مِنْهُمْ، قُلْتُ، هَاتُوا مَا نَقَمْتُمْ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَابْنِ عَمِّهِ، وَخَتَنِهِ، وَأَوَّلِ مَنْ آمَنَ بِهِ، قَالُوا: ثَلَاثٌ، قُلْت: مَا هِيَ؟ قَالُوا: إحْدَاهُنَّ أَنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنْ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ} ، قُلْت: هَذِهِ وَاحِدَةٌ، قَالُوا: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَإِنَّهُ قَاتَلَ، وَلَمْ يَسْبِ، وَلَمْ يَغْنَمْ، فَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا لَقَدْ حَلَّتْ لَنَا نِسَاؤُهُمْ، وَأَمْوَالُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ لَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ، قُلْتُ: هَذِهِ أُخْرَى، قَالُوا: وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَإِنَّهُ مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ أَمِيرُ الْكَافِرِينَ، قُلْتُ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ غَيْرُ هَذَا؟ قَالُوا: حَسْبُنَا هَذَا، قُلْتُ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إنْ قَرَأْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَحَدَّثْتُكُمْ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ مَا يَرُدُّ قَوْلَكُمْ هَذَا، تَرْجِعُونَ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكُمْ: إنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ، فَأَنَا أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ أَنْ قَدْ صَيَّرَ اللَّهُ حُكْمَهُ إلَى الرِّجَالِ فِي أَرْنَبٍ ثَمَنُهَا رُبْعُ دِرْهَمٍ، قَالَ تَعَالَى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} ، إلَى قَوْلِهِ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَالَ فِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} أُنْشِدُكُمْ اللَّهَ أَحُكْمُ الرِّجَالِ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ أَحَقُّ، أَمْ فِي أَرْنَبٍ ثَمَنُهَا رُبْعُ دِرْهَمٍ؟ فَقَالُوا: اللَّهُمَّ بَلْ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ، وَإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ، قُلْت: أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ،
قُلْتُ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إنَّهُ قَاتَلَ، وَلَمْ يَسْبِ، وَلَمْ يَغْنَمْ، أَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عَائِشَةَ، فَتَسْتَحِلُّوا مِنْهَا مَا تَسْتَحِلُّونَ مِنْ غَيْرِهَا وَهِيَ أُمُّكُمْ، لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَإِنْ قُلْتُمْ: لَيْسَتْ بِأُمِّنَا فَقَدْ كَفَرْتُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} ، فَأَنْتُمْ بَيْنَ ضَلَالَتَيْنِ، فَأْتُوا مِنْهُمَا بِمَخْرَجٍ، أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ الْأُخْرَى؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قُلْت: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ كِتَابًا، فَقَالَ: " اُكْتُبْ: هَذَا ما قضى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ"، فَقَالُوا: وَاَللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاك عَنْ الْبَيْتِ، وَلَا قَاتَلْنَاك، وَلَكِنْ اُكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فقال: " وإني لَرَسُولُ اللَّهِ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، يَا عَلِيُّ اُكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ"، فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ، وَقَدْ مَحَا نَفْسَهُ، وَلَمْ يَكُنْ مَحْوُهُ ذَلِكَ مَحْوًا مِنْ النُّبُوَّةِ، أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ الْأُخْرَى؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ، وَبَقِيَ سَائِرُهُمْ، فَقُتِلُوا عَلَى ضَلَالَتِهِمْ، قَتَلَهُمْ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي أَوَاخِرِ الْقِصَاصِ" حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ بِهِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَرَجَعَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ أَلْفًا، وَبَقِيَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، فَقُتِلُوا عَلَى ضَلَالَتِهِمْ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" - وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"1، وَقَالَ فِيهِ: وَكَانُوا سِتَّةَ آلَافٍ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ، وَبَقِيَ سَائِرُهُمْ، قُتِلُوا عَلَى ضلالة، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاعُ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عِيَاضِ بْنِ عَمْرٍو الْقَارِئِ، قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ، فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، وَنَحْنُ عِنْدَهَا جُلُوسٌ، مَرْجِعُهُ مِنْ الْعِرَاقِ، لَيَالِي قُوتِلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه، فَقَالَتْ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَلْ أَنْتَ صَادِقِي عَمَّا أَسْأَلُك عنه؟ قال: ومالي لَا أَصْدُقُك يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: فَحَدِّثْنِي عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ، قَالَتْ: فَحَدِّثْنِي عَنْ قِصَّتِهِمْ، قُلْت: إنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه لَمَّا كَاتَبَ مُعَاوِيَةَ، وَحَكَّمَ الْحَكَمَيْنِ خَرَجَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ مِنْ قُرَّاءِ النَّاسِ، فَنَزَلُوا بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا: حَرُورَاءَ من جانب الكوفة، إلَى أَنْ قَالَ: فَبَعَثَ عَلِيٌّ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى إذَا تَوَسَّطْنَا عَسْكَرَهُمْ قَامَ ابْنُ الْكَوَّاءِ، فَخَطَبَ، فَقَالَ: يَا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ، هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ، فَأَنَا أَعْرِفُهُ، مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا نَعْرِفُهُ بِهِ، هَذَا مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ وَفِي قَوْمِهِ {قَوْمٌ خَصِمُونَ} فَرُدُّوهُ إلَى صَاحِبِهِ، وَلَا تُوَاضِعُوهُ كِتَابَ اللَّهِ، فَقَامَ خُطَبَاؤُهُمْ، فَقَالُوا: وَاَللَّهِ لَنُوَاضِعَنَّهُ كِتَابَ اللَّهِ، فَإِنْ جَاءَ بِحَقٍّ نَعْرِفُهُ لَنَتَّبِعَنَّهُ، وَإِنْ جَاءَ بِبَاطِلٍ لَنُبَكِّتَنَّهُ بِبَاطِلِهِ، فَوَاضَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ الْكِتَابَ،
وَوَاضَعُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، فِيهِمْ ابْنُ الْكَوَّاءِ، حَتَّى أَدْخَلَهُمْ الْكُوفَةَ عَلَى عَلِيٍّ، وَبَعَثَ عَلِيٌّ إلَى بَقِيَّتِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِنَا وَأَمْرِ النَّاسِ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ، فَقِفُوا حَيْثُ شِئْتُمْ حَتَّى تَجْتَمِعَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا تَسْفِكُوا دَمًا حَرَامًا، أَوْ تَقْطَعُوا سَبِيلًا، أَوْ تَظْلِمُوا ذِمَّةً، فَإِنَّكُمْ إنْ فَعَلْتُمْ نَبَذْنَا إلَيْكُمْ الْحَرْبَ عَلَى سَوَاءٍ، إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ، مُخْتَصَرٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" أَيْضًا1، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. قَوْلُهُ: لِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه يَوْمَ الْجَمَلِ: وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ وَلَا يُكْشَفُ سِتْرٌ، وَلَا يُؤْخَذُ مَالٌ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي آخِرِ "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ السُّدِّيَّ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ: لَا تَتْبَعُوا مُدْبِرًا، وَلَا تُجْهِزُوا على جريج، وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا هَزَمَ طَلْحَةَ وَأَصْحَابَهُ أَمَرَ مُنَادِيَهُ، فَنَادَى: أَنْ لَا يُقْتَلَ مُقْبِلٌ وَلَا مُدْبِرٌ، وَلَا يُفْتَحُ بَابٌ، وَلَا يُسْتَحَلُّ فَرْجٌ، وَلَا مَالٌ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَمَرَ عَلِيٌّ مُنَادِيَهُ فَنَادَى يَوْمَ النُّصْرَةِ: لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ، وَلَا يُدَفَّفُ عَلَى جريج، وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ، أَوْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ مَتَاعِهِمْ شَيْئًا، انْتَهَى. وَهَذَا الْأَخِيرُ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي أَوَاخِرِ الْقِصَاصِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ جَعْفَرٍ بِهِ، وَزَادَ: وَكَانَ عَلِيٌّ لَا يَأْخُذُ مَالًا لِمَقْتُولٍ، وَيَقُولُ: مَنْ اغْتَرَفَ شَيْئًا فَلْيَأْخُذْهُ، انْتَهَى. وَفِي "تَارِيخِ وَاسِطَ" لِبَحْشَلٍ 2: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فَرَجِ بْنِ كُرْدِيٍّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ بْنُ عَوَانَةَ ثَنَا أَبِي عن أبي محنف عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ: لَا تَتْبَعُوا مُدْبِرًا، ولا تجهزوا على جريج، وَلَا تَقْتُلُوا أَسِيرًا، وَإِيَّاكُمْ وَالنِّسَاءَ، وَإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ، وَسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ بِالْجَرِيدَةِ، أَوْ الهراوة، فيغير بِهَا هُوَ، وَعَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ، انْتَهَى. وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3، وَالْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ كَوْثَرَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " هَلْ تَدْرِي يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ كَيْفَ حَكَمَ اللَّهُ فِيمَنْ بَغَى مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , قَالَ: لَا تُجْهِزُ عَلَى جَرِيحِهَا , وَلَا تَقْتُلُ أَسِيرَهَا،
وَلَا تَطْلُبُ هَارِبًا , وَلَا تَقْسِمُ فِيهَا "، انتهى. وَسَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، وَأَعَلَّهُ بِكَوْثَرَ بْنِ حَكِيمٍ، وَقَالَ: إنَّهُ مَتْرُوكٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ" مُتَعَقِّبًا عَلَى الْحَاكِمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا قَسَّمَ السِّلَاحَ فِيمَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ بِالْبَصْرَةِ، وَكَانَتْ قِسْمَتُهُ لِلْحَاجَةِ لَا لِلتَّمْلِيكِ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "آخِرِ مُصَنَّفِهِ - فِي بَابِ وَقْعَةِ الْجَمَلِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ فِطْرٍ عَنْ مُنْذِرٍ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ عَلِيًّا قَسَّمَ يَوْمَ الْجَمَلِ فِي الْعَسْكَرِ مَا أَجَافُوا عَلَيْهِ مِنْ كُرَاعٍ وَسِلَاحٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ - فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ" أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَذَكَرَ يَوْمَ الْجَمَلِ، قَالَ: لَمَّا هُزِمُوا قَالَ عَلِيٌّ: لا تجهزوا على جريج، وَلَا تَتْبَعُوا مُدْبِرًا، وَقَسَّمَ فِيهِمْ بَيْنَهُمْ مَا قُوتِلَ بِهِ مِنْ سِلَاحٍ وَكُرَاعٍ، وَأَخَذْنَا مَا جَلَبُوا بِهِ عَلَيْنَا مِنْ كُرَاعٍ أَوْ سِلَاحٍ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا مَسْعُودُ بْنُ سَعْدٍ الْجُعْفِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: لَمَّا انْهَزَمَ أَهْلُ الْجَمَلِ، قَالَ عَلِيٌّ: لَا تَطْلُبُوا مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الْعَسْكَرِ، وَمَا كَانَ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ سِلَاحٍ، فَهُوَ لَكُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ أُمُّ وَلَدٍ، وَأَيُّ امْرَأَةٍ قُتِلَ زَوْجُهَا فَلْتَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، تَحِلُّ لَنَا دِمَاؤُهُمْ , وَلَا تَحِلُّ لَنَا نِسَاؤُهُمْ؟ فَخَاصَمُوهُ، فَقَالَ: هَاتُوا نِسَاءَكُمْ وَاقْرَعُوا عَلَى عَائِشَةَ، فَهِيَ رَأْسُ الْأَمْرِ وَقَائِدُهُمْ، قَالَ: فَخَصَمَهُمْ عَلِيٌّ، وَعَرَفُوا، وَقَالُوا: نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رَوَى الزُّهْرِيُّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ - يَعْنِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الْبَاغِي إذَا قَتَلَ الْعَادِلَ - قُلْت: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي أَوَاخِرِ الْقِصَاصِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ هِشَامٍ كَتَبَ إلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ عِنْدِ زَوْجِهَا، وَشَهِدَتْ عَلَى قَوْمِهَا بِالشِّرْكِ، وَلَحِقَتْ بِالْحَرُورِيَّةِ، فَتَزَوَّجَتْ، ثُمَّ إنَّهَا رَجَعَتْ إلَى أَهْلِهَا تَائِبَةً، قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَكَتَبَ إلَيْهِ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْفِتْنَةَ الْأُولَى ثَارَتْ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا كَثِيرٌ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ لَا يُقِيمُوا عَلَى أَحَدٍ حَدًّا فِي فَرْجٍ اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، وَلَا قِصَاصَ فِي دَمٍ اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، وَلَا يُرَدُّ مَالٌ اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، إلَّا أَنْ يُوجَدَ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ، فَيُرَدَّ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تُرَدَّ عَلَى زَوْجِهَا، وَأَنْ يُحَدَّ مَنْ افْتَرَى عَلَيْهَا، انْتَهَى.
كتاب اللقيط
كِتَابُ اللَّقِيطِ قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما أَنَّ نَفَقَةَ اللَّقِيطِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، قُلْت: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ، فَأَخْرَجَهَا مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ 1 - فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ" عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُنَيْنٍ أَبِي جَمِيلَةَ - رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ - أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَجِئْت بِهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: مَا حَمَلَك عَلَى أَخْذِ هَذِهِ النَّسَمَةِ؟ فَقَالَ: وَجَدْتُهَا ضَائِعَةً، فَأَخَذْتُهَا، فَقَالَ لَهُ عَرِيفُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ، قَالَ: كَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ عُمَرُ: اذْهَبْ بِهِ فَهُوَ حُرٌّ، وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ، انْتَهَى. وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ"، وَقَالَ: وَغَيْرُ الشَّافِعِيِّ يَرْوِيهِ عَنْ مَالِكٍ، وَيَقُولُ فِيهِ: وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، انْتَهَى. قُلْت: هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" ثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو جَمِيلَةَ أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَتَاهُ بِهِ، فَاتَّهَمَهُ عُمَرُ، فَأُثْنِيَ عَلَيْهِ خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ حُرٌّ، وَوَلَاؤُهُ لَك، وَنَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا حَدَّثَهُ أَنَّهُ جَاءَ إلَى أَهْلِهِ، وَقَدْ الْتَقَطَ مَنْبُوذًا، فَذَهَبَ إلَى عُمَرَ رضي الله عنه، فَذَكَرَهُ لَهُ، فَقَالَ: عَسَى الْغُوَيْرُ أَبُؤْسًا2، فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا الْتَقَطَ إلَّا وَأَنَا غَائِبٌ، وَسَأَلَ عَنْهُ عُمَرُ، فَأُثْنِي عَلَيْهِ خَيْرًا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَلَاؤُهُ لَك وَنَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي أَبُو جَمِيلَةَ بِلَفْظِ الْأَوَّلِ، عَنْ مَالِكٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ بِنَحْوِهِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ بِنَحْوِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ"، وَبَعْضُهُمْ رَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ، قَالَ: وَالصَّوَابُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا جَوَيْرِيَةَ بْنُ أَسْمَاءَ، وَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً حَسَنَةً، وَبَيَّنَ قَوْلَهُ فِيهِ، وَذَكَرَ أَبُو جَمِيلَةَ أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَجَّ مَعَهُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، قَالَ: وَهِيَ زِيَادَةٌ صَحِيحَةٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ - فِي تَرْجَمَةِ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ" أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ الواقدي: وأخبرنا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إذَا أَتَى بِاللَّقِيطِ فَرَضَ لَهُ مَا يُصْلِحُهُ رِزْقًا يَأْخُذُهُ وَلِيُّهُ كُلَّ شَهْرٍ، وَيُوصِي بِهِ خَيْرًا، وَيَجْعَلُ رَضَاعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَنَفَقَتَهُ، مُخْتَصَرٌ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ ذُهْلِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَجَدَ لَقِيطًا، فَأَتَى بِهِ إلَى عَلِيٍّ، فَأَلْحَقَهُ عَلِيٌّ عَلَى مِائَةٍ، انْتَهَى.
كتاب اللقطة
كِتَابُ اللُّقَطَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ الْتَقَطَ شَيْئًا فَلْيُعَرِّفْهُ سَنَةً"، فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ" عَنْ يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ ثَنَا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سُمِيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: لَا تَحِلُّ اللُّقَطَةُ، فَمَنْ الْتَقَطَ شَيْئًا فَلْيُعَرِّفْ سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ، فَلْيَرُدَّهُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ، فَإِنْ جَاءَ فَيُخَيِّرُهُ بَيْنَ الْأَجْرِ وَبَيْنَ الَّذِي لَهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ 1 عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: " عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ اسْتَنْفِقْهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ"، انْتَهَى. أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" بِهَذَا اللَّفْظِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ ثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ - يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ - عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ أَصَابَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ، ثُمَّ لَا يَكْتُمُ، وَلْيُعَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ من شاء"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْحَاقَ
يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ الْقَطْعُ"، قَالَ: وَكَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، قَالَ: وَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً، انْتَهَى. لَكِنْ وَرَدَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"1 فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ وَجَدَ صُرَّةً فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ، فَأَتَى بِهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: " عَرِّفْهَا حَوْلًا"، فَعَرَّفَهَا، فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: " عَرِّفْهَا حَوْلًا"، فَعَرَّفَهَا، فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، فَقَالَ لَهُ: " اعْرِفْ عَدَدَهَا"، الْحَدِيثُ. وَفِي لَفْظٍ: عَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: عَرِّفْهَا عَامًا وَاحِدًا، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التحقيق": ولا تخلو هَذِهِ الرِّوَايَاتُ مِنْ غَلَطِ بَعْضِ الرُّوَاةِ، بِدَلِيلِ أَنَّ شُعْبَةَ قَالَ فِيهِ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ عَرِّفْهَا عَامًا وَاحِدًا، أَوْ يَكُونُ عليه السلام عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ تَعْرِيفُهَا كَمَا يَنْبَغِي: فَلَمْ يَحْتَسِبْ لَهُ بِالتَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام فِي الْحَرَمِ: "وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدِهَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 2 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: "إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ، إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاؤُهُ"، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا الْإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ، فَقَالَ عليه السلام: " إلَّا الْإِذْخِرَ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا أَيْضًا 3 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَأَنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَأَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إمَّا أَنْ يُفْدَى، وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَ"، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إلَّا الْإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي قُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فَقَالَ عليه السلام: " إلَّا الْإِذْخِرَ"، فَقَامَ أَبُو شَاهٍ - رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ - فَقَالَ: اُكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ عليه السلام: "اُكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ" قَالَ الْوَلِيدُ: فَقُلْت لِلْأَوْزَاعِيِّ: مَا قَوْلُهُ: اُكْتُبُوا؟ قَالَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: الْخُطْبَةُ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ آخَرَ لَهُمَا: وَلَا يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَهَا إلَّا مُنْشِدٌ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الْعِلْمِ - وَالْحَجِّ - وَاللُّقَطَةِ"، وَمُسْلِمٌ فِي "الْحَجِّ".
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "احْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي "كُتُبِهِمْ"1، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ فِي "اللُّقَطَةِ"، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "الْقَضَاءِ"، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الْأَحْكَامِ" كُلُّهُمْ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعَثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: "اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا فَشَأْنُك بِهَا، قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: هِيَ لَك، أَوْ لِأَخِيك، أَوْ لِلذِّئْبِ، قَالَ: فَضَالَّةُ الْإِبِلِ؟ قَالَ: مالك وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا، وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَرْعَى الشَّجَرَ، فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَعَرَفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ"، قُلْت: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ 2 عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي اللُّقَطَةِ: "عَرِّفْهَا، وَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُك بِعَدَدِهَا وَوِعَائِهَا وَوِكَائِهَا، فَأَعْطِهِ إيَّاهَا، وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا"، وَفِي رِوَايَةٍ: "وَإِلَّا فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِك"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، وَفِيهِ: فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا، فَأَعْطِهَا إيَّاهُ، وَإِلَّا فَهِيَ لَك، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَفَ عَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا، فَادْفَعْهَا إلَيْهِ، وَلَفْظُ النَّسَائِيّ، وَابْنِ حِبَّانَ: فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يخبرك بعددها ووكاءها، وَوِعَائِهَا، فَأَعْطِهِ إيَّاهَا، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، وَفِيهِ: فَإِنْ جَاءَ بَاغِيهَا، فَعَرَفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا، فَادْفَعْهَا إلَيْهِ، قَالَ أَبُو دَاوُد 3: هَذِهِ زِيَادَةٌ زَادَهَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَزَيْدَ بْنَ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَحَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ ذَكَرُوا هَذِهِ الزِّيَادَةَ، فَثَبَتَ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: حَدِيثُ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، يَأْتِي فِي "الدَّعْوَى" إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "فَإِنْ لَمْ يَأْتِ صَاحِبُهَا فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ" تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " مَنْ الْتَقَطَ شَيْئًا فَلْيُعَرِّفْهُ سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ فَلْيَرُدَّهُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ"، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَزَّارُ، وَفِيهِ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ: "فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ، وَإِلَّا فَانْتَفِعْ بِهَا"، وَكَانَ مِنْ الْمَيَاسِيرِ، قُلْت: حَدِيثُ أُبَيٍّ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"1، وَفِيهِ: احْفَظْ عددها ووعائها وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا، الْحَدِيثُ، وَقَوْلُهُ: وَكَانَ مِنْ الْمَيَاسِيرِ، لَيْسَ مِنْ مَتْنِ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" 2 مَا يَرُدُّهُ، أَخْرَجَا عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءُ، فَمَا تَرَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اجْعَلْهَا فِي فُقَرَاءِ قَرَابَتِك"، فَجَعَلَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أُبَيٍّ، وَحَسَّانَ، انْتَهَى. فهذا صريح بأن أُبَيًّا كَانَ فَقِيرًا، لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَضَايَا الْأَحْوَالِ مَتَى تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ سَقَطَ مِنْهَا الِاسْتِدْلَال، قَالَ التِّرْمِذِيُّ3، عَقِيبَ حَدِيثِ أُبَيٍّ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، قَالُوا: لِصَاحِبِ اللُّقَطَةِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا إذَا كَانَ غَنِيًّا، وَلَوْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ لَا تَحِلُّ، إلَّا لِمَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، لَمْ تَحِلَّ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ أَمَرَهُ عليه السلام بِأَكْلِ الدِّينَارِ حِينَ وَجَدَهُ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهُ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ"4 عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ، وَحَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ يَبْكِيَانِ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيهِمَا؟ قَالَتْ: الْجُوعُ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ، فَوَجَدَ دِينَارًا بِالسُّوقِ، فَجَاءَ فَاطِمَةَ، فَأَخْبَرَهَا، فَقَالَتْ: اذْهَبْ إلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ، فَخُذْ لَنَا دَقِيقًا، فَجَاءَ الْيَهُودِيُّ فَاشْتَرَى بِهِ دَقِيقًا، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: أَنْتَ خَتَنُ هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَخُذْ دِينَارَك وَالدَّقِيقُ لَك، فَخَرَجَ عَلِيٌّ حَتَّى جَاءَ بِهِ إلَى فَاطِمَةَ، فَأَخْبَرَهَا، فَقَالَتْ: اذْهَبْ بِهِ إلَى فُلَانٍ الْجَزَّارِ، فَخُذْ لَنَا بِدِرْهَمٍ لَحْمًا، فَذَهَبَ، فَرَهَنَ الدِّينَارَ بِدِرْهَمٍ بِلَحْمٍ، فَجَاءَ بِهِ، فَعَجَنَتْ، وَخَبَزَتْ، وَأَرْسَلَتْ إلَى أَبِيهَا، فَجَاءَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَذْكُرُ لَك، فَإِنْ رَأَيْتَهُ حَلَالًا لَنَا أَكَلْنَاهُ، مِنْ شَأْنِهِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: " كُلُوا باسم الله"، فأكلوا، فبيناهم مَكَانَهُمْ إذَا غُلَامٌ يُنْشِدُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ الدِّينَارَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ، فَدُعِيَ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: سَقَطَ مِنِّي فِي السُّوقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَلِيُّ اذْهَبْ إلَى الْجَزَّارِ، فَقُلْ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ لَك: أَرْسِلْ إلَيَّ بِالدِّينَارِ، وَدِرْهَمُك عَلَيَّ"، فَأَرْسَلَ بِهِ، فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَاسْتُشْكِلَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ عَلِيًّا أَنْفَقَ الدِّينَارَ قَبْلَ تَعْرِيفِهِ، قَالَ: وَأَحَادِيثُ التَّعْرِيفِ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ إسْنَادًا، وَلَعَلَّ تَأْوِيلَهُ أَنَّ التَّعْرِيفَ لَيْسَ لَهُ صِيغَةٌ يُعْتَدُّ بِهَا.
فَمُرَاجَعَتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَلَإِ الْخَلْقِ إعْلَانٌ بِهِ، فَهَذَا يُؤَيِّدُ الِاكْتِفَاءَ بِالتَّعْرِيفِ مَرَّةً وَاحِدَةً، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"، وَفِيهِ أَنَّهُ عَرَّفَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ شَرِيكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَجَدَ دِينَارًا فِي السوق، فأتى النبي صلى الله عليه مسلم، فَقَالَ: " عَرِّفْهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ" , قَالَ: فَعَرَّفَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ , فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهُ , فَرَجَعَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ , فَقَالَ: شَأْنُك بِهِ , قَالَ: فَبَاعَهُ عَلِيٌّ، فَابْتَاعَ مِنْهُ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ شَعِيرًا، وَبِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ تَمْرًا، وَقَضَى ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، وَابْتَاعَ بِدِرْهَمٍ لَحْمًا وَبِدِرْهَمٍ زَيْتًا، وَكَانَ الدِّينَارُ بِأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ جَاءَ صَاحِبُهُ فَعَرَفَهُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: قَدْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْتُهُ، فَانْطَلَقَ صَاحِبُ الدِّينَارِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ: " رُدَّهُ إلَيْهِ"، فَقَالَ: قَدْ أَكَلْته، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ: " إذَا جَاءَنَا شَيْءٌ أَدَّيْنَاهُ إلَيْك"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ وَالْبَزَّارُ فِي "مَسَانِيدِهِمْ" قَالَ الْبَزَّارُ: وَأَبُو بَكْرٍ هَذَا هُوَ عِنْدِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، انتهى. ذكره عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
كتاب الإباق
كِتَابُ الْإِبَاقِ قَوْلُهُ: وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَصْلِ الْجُعْلِ. إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ الْأَرْبَعِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ مَا دُونَهَا. قُلْت: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ"1 أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي رَبَاحٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: أَصَبْت غِلْمَانًا أُبَّاقًا بَالِغِينَ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: الْأَجْرُ وَالْغَنِيمَةُ، قُلْت: هَذَا الْأَجْرُ، فَمَا الْغَنِيمَةُ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا مِنْ كُلِّ رَأْسٍ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ: هُوَ أَمْثَلُ مَا فِي الْبَابِ. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ قَتَادَةَ، وَأَبِي هَاشِمٍ أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي جُعْلِ الْآبِقِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ: أَعْطَيْت الْجُعْلَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ جعل في الجعل الْآبِقِ دِينَارًا، أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَعَلَ فِي جُعْلِ الْآبِقِ دِينَارًا، أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ مُرْسَلٌ: أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفَيْهِمَا" عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الْعَبْدِ الْآبِقِ يُؤْخَذُ خَارِجَ الْحَرَمِ بِدِينَارٍ، أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، انْتَهَى.
كتاب المفقود
كِتَابُ الْمَفْقُود قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله: إذَا تَمَّ لَهُ أَرْبَعُ سِنِينَ يُفَرِّقُ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، ثُمَّ تَتَزَوَّجُ مَنْ شَاءَتْ، لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه هَكَذَا فَعَلَ فِي الَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الْجِنُّ بِالْمَدِينَةِ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي كِتَابِ النِّكَاحِ" حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ أَنَّ رَجُلًا انْتَسَفَتْهُ1 الْجِنُّ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَتَتْ امْرَأَتُهُ عُمَرَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ أَمَرَ وَلِيَّهُ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، ثُمَّ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا تَزَوَّجَتْ، فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا خُيِّرَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَالصَّدَاقِ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ الْفَقِيدِ الَّذِي فُقِدَ، قَالَ: دَخَلْت الشِّعْبَ، فَاسْتَهْوَتْنِي الْجِنُّ، فَمَكَثْتُ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ أَتَتْ امْرَأَتِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَ سِنِينَ مِنْ حِينِ رَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَيْهِ، ثُمَّ دَعَا وَلِيَّهُ فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَتْ، فَخَيَّرَنِي عُمَرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّدَاقِ الَّذِي أَصْدَقَهَا، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيَّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: فَقَدَتْ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا، فَمَكَثَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ ذَكَرَتْ أَمْرَهَا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَ سِنِينَ مِنْ حِينِ رَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَيْهِ، فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا، وَإِلَّا تَزَوَّجَتْ، فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَ أَنْ مَضَتْ السَّنَوَاتُ الْأَرْبَعُ، وَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ بِذِكْرُ، ثُمَّ جَاءَ زَوْجُهَا بَعْدُ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ امْرَأَتَك تَزَوَّجَتْ بَعْدَك بِأَمْرِ عُمَرَ، فَأَتَى عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ: أَعِدْنِي عَلَى مَنْ غَصَبَنِي أَهْلِي، وَحَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، فَفَزِعَ عُمَرُ لَهُ لِذَلِكَ، وَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا فُلَانٌ، ذَهَبَتْ بِي الْجِنُّ، فَكُنْتُ أَتِيهُ فِي الْأَرْضِ، فَجِئْتُ فَوَجَدْتُ امْرَأَتِي قَدْ تَزَوَّجَتْ، زَعَمُوا أَنَّك أَمَرْتَهَا بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنْ شِئْت رَدَدْنَا إلَيْك امْرَأَتَك وَإِنْ شِئْت زَوَّجْنَاك غَيْرَهَا، قَالَ: بَلْ زَوِّجْنِي غَيْرَهَا، ثُمَّ جَعَلَ عُمَرُ يَسْأَلُهُ عَنْ الْجِنِّ، وَهُوَ يُخْبِرُهُ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ" 1 عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: أَتَتْ امْرَأَةٌ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَتْ: اسْتَهْوَتْ الْجِنُّ زَوْجَهَا، فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ أَمَرَ وَلِيَّ الَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الْجِنُّ أَنْ يُطَلِّقَهَا، ثُمَّ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، انْتَهَى. وَفِي الْبَابِ آثَارٌ أُخْرَى: رَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" 2 عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بن المسيب عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ فَقَدَتْ زَوْجَهَا، فَلَمْ تَدْرِي أَيْنَ هُوَ، فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، ثُمَّ تَحِلُّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بِهِ، وَزَادَ: وَتَنْكِحُ إنْ بَدَا لَهَا، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، قَالَا فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ: تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَتَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: تَذَاكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ الْمَفْقُودَ، فَقَالَا جَمِيعًا: تَتَرَبَّصُ امْرَأَتُهُ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا وَلِيُّ زَوْجِهَا، ثُمَّ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ ثَنَا مُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ: تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا وَلِيُّ زَوْجِهَا، ثُمَّ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ: "هِيَ امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 عَنْ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ"، انْتَهَى. وَوَجَدْتُهُ فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى: حَتَّى يَأْتِيَهَا الْخَبَرُ، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "كِتَابِ الْعِلَلِ" 2: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ: "هِيَ امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ"، فَقَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، يَرْوِي عَنْ الْمُغِيرَةِ مَنَاكِيرَ أَبَاطِيلَ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَأَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، وَقَالَ: إنَّهُ مَتْرُوكٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَسَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ أَشْهَرُ فِي الْمَتْرُوكِينَ مِنْهُ، وَدُونَهُ صَالِحُ بْنُ مَالِكٍ، وَلَا يُعْرَفُ، وَدُونَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، وَلَا يُعْرَفُ حَالُهُ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ، قَالَ: هِيَ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ، فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَسْتَبِينَ مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَعُمَرُ رَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ عن الحاكم بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ: هِيَ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ، فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَأْتِيَهَا مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ، فَذَكَرَهُ سَوَاءً، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قال: تتربص حتى تَعْلَمَ أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَافَقَ عَلِيًّا عَلَى أَنَّهَا تَنْتَظِرُهُ أَبَدًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ كُلِّهِمْ قَالُوا: لَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مَوْتُهُ، انْتَهَى.
كتاب الشركة
كِتَابُ الشَّرِكَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يتعاملون بها، فقررهم عَلَيْهَا وَلَمْ يَنْهَهُمْ، قُلْت: فِي الْبَابِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ 1 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ قَائِدِ السَّائِبِ عَنْ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْتَ شَرِيكِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكُنْتَ خَيْرَ شَرِيكٍ، لَا تُدَارِي، وَلَا تُمَارِي، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ السَّائِبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَارَكَهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فِي التِّجَارَةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الْفَتْحِ جَاءَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَرْحَبًا بِأَخِي وَشَرِيكِي، كَانَ لَا يُدَارِي وَلَا يُمَارِي، يَا سَائِبُ قَدْ كُنْت تَعْمَلُ أَعْمَالًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا تُقْبَلُ مِنْك، وَهِيَ الْيَوْمَ تُقْبَلُ مِنْك، وَكَانَ ذَا سَلَفٍ وَصَدَقَةٍ"، انْتَهَى. قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ": حَدِيثُ السَّائِبِ: كُنْت شَرِيكِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكُنْت خَيْرَ شَرِيكٍ لَا تُدَارِي وَلَا تُمَارِي، كَثِيرُ الِاضْطِرَابِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ عَنْ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّائِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، وَهَذَا اضْطِرَابٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ، وَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَالسَّائِبُ بْنُ أَبِي السَّائِبِ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَمِمَّنْ حَسُنَ إسْلَامُهُ مِنْهُمْ، وَاضْطَرَبَ فِي مَتْنِهِ أَيْضًا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي السَّائِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي السَّائِبِ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي "كِتَابِهِ غَرِيبُ الْحَدِيثِ": إنَّ - تُدَارِي - مَهْمُوزٌ مِنْ الْمُدَارَاةِ، وَهِيَ الْمُدَافَعَةُ، - وَتُمَارِي - غَيْرُ مَهْمُوزٍ مِنْ الْمُمَارَاةِ، وَهِيَ الْمُجَادَلَةُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْبُيُوعِ" 2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزِّبْرِقَانِ عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَا خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَصَحَّحَهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": وَهُوَ حَدِيثٌ إنَّمَا يَرْوِيهِ أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبُو حَيَّانَ هُوَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ، أَحَدُ الثِّقَاتِ، وَلَكِنْ أَبُوهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ،
وَلَا يُعْرَفُ مَنْ رَوَى عَنْهُ غير أبيه، وَيَرْوِيهِ عَنْ أَبِي حَيَّانَ أَبُو هَمَّامٍ مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، وَحَكَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ لُوَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ أَبِي هَمَّامٍ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَيْسَرَةَ النَّهَاوَنْدِيُّ ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرْسَلٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ" 1: السَّائِبُ ابْنُ أَبِي السَّائِبِ اسْمُهُ صَيْفِيُّ بْنُ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَلَهُ وَلَدٌ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ صَحَابِيٌّ أَيْضًا، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ حَدِيثَ الشَّرِكَةِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "فَاوِضُوا، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ - فِي التِّجَارَاتِ" عَنْ صَالِحِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ صُهَيْب، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلَاثٌ فِيهِنَّ الْبَرَكَةُ: الْبَيْعُ إلَى أَجَلٍ، وَالْمُقَارَضَةُ، وَأَخْلَاطُ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ لِلْبَيْتِ لَا لِلْبَيْعِ"، انْتَهَى. وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ مَاجَهْ "الْمُفَاوَضَةُ" عِوَضَ "الْمُقَارَضَةِ"، وَرَوَاهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِ "غَرِيبِ الْحَدِيثِ"، وَضَبَطَ الْمُعَارَضَةَ - بِالْعَيْنِ وَالضَّادِ - فَسَّرَ الْمُعَارَضَةَ بِأَنَّهَا بَيْعُ عَرَضٍ بِعَرَضٍ مِثْلِهِ، قَالَ: وَالْعَرَضُ هُوَ مَا سِوَى النُّقُودِ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا، قَالَ: وَالْعَرَضُ - بِفَتْحِ الرَّاءِ - حُطَامُ الدُّنْيَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عليه السلام: "لَيْسَ الغنى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، إنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ"، وَقَوْلُهُ: يَبِيعُ أَقْوَامٌ دِينَهُمْ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا، وَقَوْلُهُ: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} . الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ"، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْأَصْحَابِ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ. وَبَعْدَهُ - فَصْلَانِ - ليس فيهما شيء. والله اعلم.
كتاب الوقف
كِتَابُ الْوَقْفِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام لِعُمَرَ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَرْضٍ لَهُ تُدْعَى ثَمْغٍ: "تَصَدَّقْ بِأَصْلِهَا لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ، وَلَا تُورَثُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ1، فَالْبُخَارِيُّ فِي "أَوَاخِرِ الشَّهَادَاتِ"، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد فِي "الْوَصَايَا"، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي "الْأَحْكَامِ"، وَالنَّسَائِيُّ فِي "كِتَابِ الْأَجْنَاسِ" كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَصَابَ عُمَرُ بِخَيْبَرَ أَرْضًا، فَأَتَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ، فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ، قَالَ: " إنْ شِئْت حَبَّسْت أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْت بِهَا"، فَتَصَدَّقَ عُمَرُ أَنَّهُ لَا تُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلَا تُوهَبُ، وَلَا تُورَثُ فِي الْفُقَرَاءِ. وَالْقُرْبَى، وَالرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالضَّيْفِ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوَّلٍ فِيهِ، انْتَهَى. وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ، لَا تُبَاعُ، وَلَا تُوهَبُ، وَلَا تُورَثُ، وَلَكِنْ يُنْفِقُ ثَمَرَهُ"، فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، الْحَدِيثُ. وَقَالَ فِيهِ: إنَّ هَذَا الْمَالَ كَانَ نَخْلًا، وَزَادَ أَبُو دَاوُد: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: نَسَخَهَا لِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - يَعْنِي نُسْخَةَ الصَّدَقَةِ - بسم الله الرحمن الرحيم هَذَا مَا كَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ فِي ثَمْغٍ، فَقَصَّ مِنْ خَبَرِهِ نَحْوَ حَدِيثِ نَافِعٍ، وَقَالَ: وَإِنْ شَاءَ وَلِيُّ ثَمْغٍ 2 اشْتَرَى مِنْ ثَمَرِهِ رَقِيقًا لِعَمَلِهِ، وَكَتَبَ مُعَيْقِيبٌ، - وَشَهِدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ -: بسم الله الرحمن الرحيم هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إنْ حَدَثَ لي حدث أن ثمغ، وَصِرْمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ، وَالْعَبْدَ الَّذِي فِيهِ، وَالْمِائَةَ سَهْمٍ الَّتِي بِخَيْبَرَ، وَرَقِيقَهُ الَّذِي فيه، والماء الَّتِي أَطْعَمَهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَادِي، تَلِيهِ حَفْصَةُ مَا عَاشَتْ، ثُمَّ يَلِيهِ ذُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَنْ لَا يُبَاعَ، وَلَا يُشْتَرَى، يُنْفِقُهُ حَيْثُ رَأَى مِنْ السَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ، وَذِي الْقُرْبَى، وَلَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ، أَوْ آكُلُ، أَوْ اشْتَرَى رَقِيقًا مِنْهُ، انْتَهَى. آكُلُ بِالْمَدِّ، أَيْ أُطْعِمُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
فِي "سُنَنِهِ 1 - فِي الْفَرَائِضِ" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَخِيهِ عِيسَى بْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ"، انْتَهَى. وَابْنُ لَهِيعَةَ، وَأَخُوهُ عِيسَى ضَعِيفَانِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ سِلَاحٍ أَوْ كُرَاعٍ، انْتَهَى. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ ثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ حَنَشٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا حَبْسَ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَعَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ: جاء محمد يبيع الحبيس، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي الْبُيُوعِ" حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، وَابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: جَاءَ مُحَمَّدٌ يبيع الحبيس، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ. قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ وَقْفُ الْعَقَارِ، لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَفُوهُ، قُلْت: أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ 2 - فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ" عَنْ الْوَاقِدِيِّ حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ هُنَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ الْمَخْزُومِيُّ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ الْأَرْقَمِ حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ الْأَرْقَمِ الْمَخْزُومِيُّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَنَا ابْنُ سَبْعِ الْإِسْلَامِ، أَسْلَمَ أَبِي سَابِعَ سَبْعَةٍ، وَكَانَتْ دَارُهُ عَلَى الصَّفَا، وَهِيَ الدَّارُ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ فِيهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَفِيهَا دَعَا النَّاسَ إلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَ فِيهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ: مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَسُمِّيَتْ دَارُ الْإِسْلَامِ، وَتَصَدَّقَ بِهَا الأرقم على ولده، وقرأت نُسْخَةَ صَدَقَتِهِ: بسم الله الرحمن الرحيم، هَذَا مَا قَضَى الْأَرْقَمُ فِي رَبْعِهِ مَا حَازَ الصَّفَا، أَنَّهَا صَدَقَةٌ بِمَكَانِهَا مِنْ الْحَرَمِ، لَا تُبَاعُ، وَلَا تُورَثُ، شَهِدَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ بِذَلِكَ، وَفُلَانُ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: فَلَمْ تَزَلْ هَذِهِ الدَّارُ صَدَقَةً قَائِمَةً فِيهَا وَلَدُهُ، يَسْكُنُونَ، وَيُؤَاجِرُونَ، وَيَأْخُذُونَ عَلَيْهَا، مُخْتَصَرٌ. وَسَكَتَ عَنْهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ حَدِيثِ بَشِيرٍ السُّلَمِيُّ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ اسْتَنْكَرُوا الْمَاءَ، وَكَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا: رُومَةُ، وَكَانَ يَبِيعُ مِنْهَا الْقِرْبَةَ بِمُدٍّ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِعْنِيهَا بِعَيْنٍ فِي الْجَنَّةِ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي وَلَا لِعِيَالِي غَيْرُهَا، لَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَاشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَجْعَلُ لِي مِثْلَ الَّذِي جَعَلْتَهُ لَهُ، عَيْنًا فِي الْجَنَّةِ إنْ اشْتَرَيْتُهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: اشْتَرَيْتُهَا وَجَعَلْتُهَا لِلْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِهِ "غَرِيبُ الْحَدِيثِ" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ 1 وَقَفَ دَارًا لَهُ عَلَى الْمَرْدُودَةِ مِنْ بَنَاتِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ: الْمَرْدُودَةُ هِيَ الْمُطَلَّقَةُ، وَالْفَاقِدُ الَّتِي مَاتَ زَوْجُهَا، وَفِي الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 2 عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ خَتَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخِي جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، قَالَ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا أَمَةً، وَلَا شَيْئًا إلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ الَّتِي كَانَ يَرْكَبُهَا، وَسِلَاحَهُ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا لِابْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً، انْتَهَى. وَفِي "الْخِلَافِيَّاتِ" لِلْبَيْهَقِيِّ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ: تَصَدَّقَ أَبُو بَكْرٍ بِدَارِهِ بِمَكَّةَ عَلَى وَلَدِهِ، فَهِيَ إلَى الْيَوْمِ، وَتَصَدَّقَ عُمَرُ بِرَبْعِهِ عِنْدَ الْمَرْوَةِ، وَبِالثَّنِيَّةِ عَلَى وَلَدِهِ، فَهِيَ إلَى الْيَوْمِ، وَتَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِأَرْضِهِ، وَدَارُهُ بِمِصْرَ، وَبِأَمْوَالِهِ بِالْمَدِينَةِ عَلَى وَلَدِهِ، فَذَلِكَ إلَى الْيَوْمِ، وَتَصَدَّقَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ بِدَارِهِ بِالْمَدِينَةِ، وَبِدَارِهِ بِمِصْرَ عَلَى وَلَدِهِ، فَذَلِكَ إلَى الْيَوْمِ، وَعُثْمَانُ بِرُومَةَ، فَهِيَ إلَى الْيَوْمِ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِالْوَهْطِ مِنْ الطَّائِفِ، وَدَارِهِ بِمَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ عَلَى وَلَدِهِ، فَذَلِكَ إلَى الْيَوْمِ، قَالَ: وَمَا لَا يَحْضُرُنِي كَثِيرٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "وَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ حَبَسَ أَدْرُعًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ 3 فِي "الزَّكَاةِ" عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَمَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَالْعَبَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إلَّا أَنْ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ، فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، فَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ عَلَيَّ، وَمِثْلُهَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟ "، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ الْوَفَاةُ، قَالَ: لَقَدْ طَلَبْتُ الْقَتْلَ، فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي إلَّا أَنْ أَمُوتَ عَلَى فِرَاشِي، وَمَا مِنْ عَمَلِي أَرْجَى مِنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَا مُتَّرِسٌ بِهَا، ثُمَّ قَالَ: إذَا أَنَا مِتَّ فَانْظُرُوا سِلَاحِي، وَفَرَسِي، فَاجْعَلُوهُ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَطَلْحَةُ رضي الله عنه حَبَسَ دُرُوعَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَيُرْوَى أَكْرَاعَهُ، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ صَدَقَتِهِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْمُرَادُ وَقْفُهُ، قُلْت: غَرِيبٌ أَيْضًا، وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي "بَابِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي اعْتَرَضَ بِهَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ" حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَخْبَرَنِي حَجْرُ الْمَدَرِيُّ، قَالَ فِي صَدَقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَأْكُلُ مِنْهَا أَهْلُهَا بِالْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ صَدَقَةٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ. أَمَّا حَدِيثُ الْمِقْدَامِ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ 1 فِي "التِّجَارَاتِ" عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ بَحِيرِ بن سعد عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانُ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي عن المقدام كَرِبَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ كَسْبِ الرَّجُلِ كَسْبٌ أَطْيَبَ مِنْ عَمَلِ يَدَيْهِ، وَمَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَهْلِهِ، وَوَلَدِهِ، وَخَادِمِهِ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ فِي "عِشْرَةِ النِّسَاءِ" عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ بَحِيرٍ بِهِ، بِلَفْظِ: " مَا أَطْعَمْتَ نَفْسَكَ فَهُوَ لَك صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ زَوْجَتَك فَهُوَ لَك صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْت وَلَدَك فَهُوَ لَك صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ خَادِمَك فَهُوَ لَك صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ عَنْ دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ أَنَّ أَبَا الْهَيْثَمِ حَدَّثَهُ عَنْ أبي سعيد الخدري أن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَيُّمَا رَجُلٍ كَسَبَ مَالًا مِنْ حَلَالٍ، فَأَطْعَمَ نَفْسَهُ وَكَسَاهَا، فَمَنْ دُونَهُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، فَإِنَّ لَهُ بِهِ زَكَاةً"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - 2 فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ"، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَإِنَّهُ لَهُ زَكَاةٌ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا 3 "فِي أَوَاخِرِ الْبُيُوعِ"، وَكَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ - فِي الْبُيُوعِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادِ بْنِ مَاهَانَ ثَنَا عِيسَى بْنُ إبْرَاهِيمَ الْبِرْكِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ
بْنُ الْحَسَنِ الْهِلَالِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَمَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا وَقَى بِهِ عِرْضَهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَنْفَقَ الْمُؤْمِنُ مِنْ نَفَقَةٍ، فَإِنَّ خَلَفَهَا عَلَى اللَّهِ ضَامِنٌ، إلَّا مَا كَانَ فِي بُنْيَانٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ"، فَقُلْت لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ: مَا يَعْنِي - وَقَى بِهِ عِرْضَهُ - قَالَ: أَنْ يُعْطِيَ الشَّاعِرَ وَذَا اللِّسَانِ الْمُتَّقَى، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ" حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" عَنْ بِشْرِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ نَفَقَةً فَهِيَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَنْ أَنْفَقَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ"، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي "الْكَامِلِ"، وَأَعَلَّهُ بِبِشْرِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَضَعَّفَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ، وَوَافَقَهُمْ عَلَى ضَعْفِهِ، وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ1-فِي الزَّكَاةِ" عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ: "ابْدَأْ بِنَفْسِك، فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِك شَيْءٌ، فَلِذِي قَرَابَتِك، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِك شَيْءٌ، فَهَكَذَا وَهَكَذَا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ2عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَصَدَّقُوا، فَقَالَ رَجُلٌ: عِنْدِي دِينَارٌ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِك، قَالَ: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِك، قَالَ: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِك، قَالَ: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِك، قَالَ: عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ، قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ. تم الجزء الثالث بتوفيق الله تعالى من كتاب نصب الراية للحافظ الزيلعي ويليه الجزء الرابع، أوله كتاب البيوع وفقنا الله لتكميله، وهو الموفق
كتاب البيوع
المجلد الرابع كتاب البيوع مدخل ... بسم الله الرحمن الرحيم كِتَابُ الْبُيُوعِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا". قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَمِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْبَيِّعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ" انْتَهَى بِلَفْظِ الصَّحِيحَيْنِ1 وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: قَالَ: "إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وكانا جميعاً، ويخير أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، فَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ يَتَبَايَعَا، وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: "إذَا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْبَيْعِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مِنْ بَيْعِهِ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يَكُونُ بَيْعُهُمَا عَلَى الْخِيَارِ، فَإِنْ كَانَ بَيْعُهُمَا عَلَى خِيَارٍ فَقَدْ وَجَبَ"، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا بَايَعَ رَجُلًا، فَأَرَادَ أَنْ لَا يُقِيلَهُ، قَامَ فَمَشَى هُنَيْهَةً، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: قَالَ: "كُلُّ بَيِّعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد2 قَالَ: "الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ، قَالَ: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يَخْتَارَا"، قَالَ:
فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا ابْتَاعَ بَيْعًا، وَهُوَ قَاعِدٌ قَامَ لِيَجِبَ لَهُ، انْتَهَى. وَلَفْظُ النَّسَائِيّ، قَالَ: "الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا"، انْتَهَى. وَهُوَ لَفْظُ الْكِتَابِ، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ، قَالَ: " إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَكَانَا جَمِيعًا، أَوْ يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، فَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا، مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا"، قَالَ مُسْلِمٌ: وُلِدَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَعَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ2 قَالُوا ثَلَاثَتُهُمْ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ بِلَفْظِ: "أَيُّمَا رَجُلٍ ابْتَاعَ مِنْ رَجُلٍ بَيْعَةً، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ مَكَانِهِمَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ3 عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4 عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الْوَضِيءِ عَبَّادِ بْنِ نُسَيْبٍ، قَالَ: غَزَوْنَا غَزْوَةً، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا، فَبَاعَ صَاحِبٌ لَنَا فَرَسًا بِغُلَامٍ، ثُمَّ أَقَامَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا، فَلَمَّا أَصْبَحَا مِنْ الْغَدِ قَامَ الرَّجُلُ إلَى فَرَسِهِ يَسْرُجُهُ، فَنَدِمَ، فَأَتَى الرَّجُلُ وَأَخَذَهُ بِالْبَيْعِ، فَأَبَى الرَّجُلُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ، فَقَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَك أَبُو بُرْدَةَ، صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتيا أبو بُرْدَةَ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ، فَقَالَا لَهُ هَذِهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: أَتَرْضَيَانِ أَنْ أَقْضِيَ بَيْنَكُمَا بِقَضَاءِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا"، قَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ: حَدَّثَ جَمِيلٌ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَرَاكُمَا افْتَرَقْتُمَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مُخْتَصَرًا، بِدُونِ الْقِصَّةِ، " الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا"، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُ النَّاسِ الْحَدِيثَ عَلَى التَّفَرُّقِ فِي الْكَلَامِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا مُحَالٌ لَا يَجُوزُ فِي اللِّسَانِ، إنَّمَا يَكُونَانِ قَبْلَ التَّسَاوُمِ، غَيْرَ مُتَسَاوِمَيْنِ، ثُمَّ يَكُونَانِ مُتَسَاوِمَيْنِ قَبْلَ التَّبَايُعِ، ثُمَّ يَكُونَانِ بَعْدَ التَّسَاوُمِ مُتَبَايِعَيْنِ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ الْمُتَبَايِعَيْنِ حَتَّى يَتَبَايَعَا، وَيَتَفَرَّقَا فِي الْكَلَامِ عَلَى التبايع، قال: ولم احْتَمَلَ اللَّفْظُ مَا قَالَهُ، وَمَا قُلْنَاهُ، فَالْقَوْلُ بِقَوْلِ رَاوِي الْحَدِيثِ أَوْلَى، لِأَنَّ لَهُ فَضْلَ السَّمَاعِ، وَالْعِلْمَ بِاللِّسَانِ، وَبِمَا سَمِعَ، هَذَا ابْنُ عُمَرَ كَانَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ، ثُمَّ مَشَى قَلِيلًا، وَرَجَعَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَزَعَمَ بَعْضُ مَنْ يُسَوِّي الْأَخْبَارَ عَلَى مَذْهَبِهِ1 أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: مَا أَدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ حَيًّا فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُبْتَاعِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى تَمَامَ الْبَيْعِ بِالْقَوْلِ، قَبْلَ الْفُرْقَةِ، قَالَ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ لَا يُنَافِي مَذْهَبَهُ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ، وَقَدْ قِيلَ: إذَا تَفَرَّقَا وَلَمْ يَخْتَرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا انْفَسَخَ، فَقَدْ عَلْمِنَا انْتِقَالَ الْمِلْكِ بِالصَّفْقَةِ، ثُمَّ كَانَ هُوَ يَرَى الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْبَائِعِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَغَيْرُهُ يَرَاهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ مَعَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهِ، حَتَّى يَتَفَرَّقَا، أَوْ يُخَيَّرَا فِي قَوْلِهِ وَقَوْلِنَا، وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُبْتَاعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ حَتَّى يَكُونَ مِنْ ضَمَانِهِ فِي قَوْلِنَا أَيْضًا، لَمْ يَمْنَعْ ثُبُوتَ الْخِيَارِ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَقْبِضْهُ عِنْدَهُ، فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ قَوْلَنَا: إنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ لُزُومُ الْبَيْعِ لَمْ يَمْنَعْ قَوْلَهُ: إنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُبْتَاعِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ، قَالَ: وَزَعَمَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ أَنَّهُمَا كَانَا قَدْ تَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا، لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ قَامَ يَسْرُجُ فَرَسَهُ، وَقَوْلُ أَبِي بَرْزَةَ حِينَ وَجَدَهُمَا مُتَنَاكِرَيْنِ، أَحَدُهُمَا يَدَّعِي الْبَيْعَ، وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ: مَا أَرَاكُمَا تَفَرَّقْتُمَا، أَيْ الْفُرْقَةُ الَّتِي بِهَا يَتِمُّ الْبَيْعُ، وَهِيَ الْفُرْقَةُ بِالْكَلَامِ، فَسَوَّى الْحَدِيثَ هَكَذَا عَلَى مَذْهَبِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُمَا كَانَا بَاتَا مَعًا عِنْدَ الْفَرَسِ، وَحِينَ قَامَ الْبَائِعُ إلَى فَرَسِهِ لِيَسْرُجَهَا لَمْ يَفْتَرِقْ بِهِمَا الْمَجْلِسُ، وَفِي رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: فَأَتَى الرَّجُلُ يعني المبتاع فأخذه المبيع، وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ جَمِيلٍ، أَلَيْسَ قَدْ بِعْتَنِيهَا؟ قال: مالي فِي هَذَا الْبَيْعِ مِنْ حَاجَةٍ، قَالَ: لَيْسَ لَك ذَلِكَ، لَقَدْ بِعْتَنِي، فَإِنَّمَا تَنَازَعَا فِي لُزُومِ الْبَيْعِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ أَنَّ صَاحِبَهُ أَنْكَرَ الْبَيْعَ لَا فِي الْحَالِ، وَلَا حِينَ أَتَيَا أَبَا بَرْزَةَ، فَالزِّيَادَةُ فِي الْحَدِيثِ لِيَسْتَقِيمَ التَّأْوِيلُ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ: رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا لَا يَثْبُتُ عَنْ عُمَرَ، فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ الزَّعْفَرَانِيِّ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: الْمُتَبَايِعَانِ
بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَئِنْ ثَبَتَ عَنْهُ فَهُوَ مَجْهُولٌ وَمُنْقَطِعٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُرْوَى عَنْ مُطَرِّفٍ، فَتَارَةً عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ، وَتَارَةً عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عُمَرَ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقِيلَ: عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ عَنْ عُمَرَ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَجْهُولٌ وَمُنْقَطِعٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ إلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَ دِرْعَهُ. قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا لَهُ مِنْ حَدِيدٍ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ، وَأَعْطَاهُ دِرْعًا لَهُ رَهْنًا، انْتَهَى. وهذا اليهودي اسمه أبي الشَّحْمِ، هَكَذَا وَقَعَ مُسَمًّى فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ، أَخْرَجَهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهَنَ دِرْعًا عِنْدَ أَبِي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي ظَفَرٍ فِي شَعِيرٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: " إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ2 مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ نَحْوُهُ، وَقَالَ فِيهِ: فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَاحِدٌ بِعَشَرَةٍ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَا وُزِنَ، فَمِثْلٌ بِمِثْلٍ، إذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا وَمَا كِيلَ، فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَرْوِهِ هَكَذَا غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَادَةَ، وَأَنَسٍ بِغَيْرِ هَذَا اللفظ، انتهى.
انْتَهَى الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: " مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا نَخْلٌ، فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ، وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا، فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: "مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَمَا يُؤَبَّرُ فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِي بَاعَهَا، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ"، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِقِصَّةِ النَّخْلِ فَقَطْ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حتى يزهر، وَعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ، وَتَأْمَنَ الْعَاهَةَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ2 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ، وَعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ، وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ، انْتَهَى. لَكِنَّ التِّرْمِذِيَّ فَرَّقَهُ حَدِيثَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ، وَقَالَ فِيهِ، حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَيُسْتَعْمَلُ زَهَا، وَأَزْهَى، ثُلَاثِيًّا وَرُبَاعِيًّا، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: يُقَالُ: زَهَا النَّخْلُ يَزْهُو زَهْوًا، إذَا بَدَتْ فِيهِ الْحُمْرَةُ أَوْ الصُّفْرَةُ، وَأَزْهَى لُغَةٌ حَكَاهَا أَبُو زَيْدٍ، وَلَمْ يَعْرِفْهَا الْأَصْمَعِيُّ، انْتَهَى. وَوَقَعَ رُبَاعِيًّا فِي الصَّحِيحِ، وَثُلَاثِيًّا عِنْدَ مُسْلِمٍ، كِلَاهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ3 عَنْ هُشَيْمِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَعَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ، قِيلَ: مَا يَزْهُو؟ قَالَ: يَحْمَارُّ أَوْ يَصْفَارُّ، انْتَهَى: وَأَخْرَجَ فِي الزَّكَاةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَكَانَ إذَا سئل عن صَلَاحُهَا، قَالَ: "حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُهَا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ4
وَابْنُ مَاجَهْ عن حماد عن سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ، وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لانعرفه مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ: وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يُفْرَكَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ1: إنْ كَانَ بِخَفْضِ الرَّاءِ بِإِضَافَةِ الْإِفْرَاكِ إلَى الْحَبِّ وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَافَقَ رِوَايَةَ: حَتَّى يَشْتَدَّ، وَإِنْ كَانَ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، خَالَفَ رِوَايَةً: حَتَّى يَشْتَدَّ، وَاقْتَضَى تَنْقِيَتَهُ عَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ، قَالَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ: لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ مُحَدِّثِي زَمَانِنَا ضَبَطَهُ، انْتَهَى.
باب خيار الشرط
بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ. الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّ حَبَّانَ بْنَ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ كَانَ يُغْبَنُ فِي الْبِيَاعَاتِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا بَايَعْت فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ، وَلِيَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ"، قُلْت: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إسحاق بن نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ حَبَّانُ بْنُ مُنْقِذٍ رَجُلًا ضَعِيفًا، وَكَانَ قَدْ سُفِعَ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةً، فَجَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِيمَا اشْتَرَاهُ، وَكَانَ قَدْ ثَقُلَ لِسَانُهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بِعْ، وَقُلْ: لَا خِلَابَةَ"، فَكُنْت أَسْمَعُهُ يَقُولُ: لَا خِلَابَةَ، لَا خِلَابَةَ، وَكَانَ يَشْتَرِي الشَّيْءَ، وَيَجِيءُ بِهِ إلَى أَهْلِهِ فَيَقُولُونَ لَهُ: إنَّ هَذَا غَالٍ، فَيَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَيَّرَنِي فِي بَيْعِي، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا، وَلَكِنْ لَمَّا شَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُصَرَّاةِ خِيَارَ ثَلَاثٍ فِي الْبَيْعِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ خِيَارَ ثَلَاثٍ فِيمَا ابْتَاعَ، انْتَهَيْنَا إلَى مَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْت رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يَشْكُو إلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَزَالُ يُغْبَنُ فِي الْبُيُوعِ، فَقَالَ عليه السلام: "إذَا بَايَعَتْ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ، ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَإِنْ رَضِيَتْ فَأَمْسِكْ، وَإِنْ سَخِطْت فَارْدُدْ"، وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثْت بِهِ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، قَالَ: كَانَ جَدِّي مُنْقِذُ بْنُ عَمْرٍو قَدْ أُصِيبَ فِي رَأْسِهِ، فَكَانَ يُغْبَنُ فِي الْبَيْعِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ1 رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بِانْفِرَادِهَا فِي بَابِ الْحَجْرِ مِنْ أَبْوَابِ الْأَحْكَامِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يحيى بن حيان، قَالَ هُوَ جَدِّي مُنْقِذُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَانَ رَجُلًا قَدْ أَصَابَتْهُ آمَّةٌ فِي رَأْسِهِ، فَكَسَرَتْ لِسَانَهُ، وَكَانَ لَا يَدَعُ عَلَى ذَلِكَ التِّجَارَةَ، فَكَانَ لَا يَزَالُ يُغْبَنُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "إذَا أَنْتَ بَايَعَتْ، فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ، ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَإِنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ، وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْهَا عَلَى صَاحِبِهَا"، انْتَهَى. وَهِيَ مُرْسَلَةٌ، وَجَهِلَ مَنْ عَزَاهُ لِأَبِي دَاوُد، وَأَبُو دَاوُد لَمْ يَذْكُرْهُ فِي سُنَنِهِ وَلَا فِي مَرَاسِيلِهِ وَلَمْ يَعْزُهُ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي أَطْرَافِهِ إلَّا لِابْنِ مَاجَهْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 كَذَلِكَ، وَزَادَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، قَالَ: مَا عَلِمْت ابْنَ الزُّبَيْرِ جَعَلَ الْعُهْدَةَ ثَلَاثًا إلَّا كَذَلِكَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ في تاريخه الوسط فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ قَالَ: كَانَ جَدِّي مُنْقِذُ بْنُ عَمْرٍو أَصَابَتْهُ آمَّةٌ فِي رَأْسِهِ، فَكَسَرَتْ لِسَانَهُ، وَنَازَعَتْ عَقْلَهُ، وَكَانَ لَا يَدَعُ التِّجَارَةَ، فَلَا يَزَالُ يُغْبَنُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إذَا بِعْت فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ، وَأَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ"، وَعَاشَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَكَانَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ يَبْتَاعُ فِي السُّوقِ، فَيَصِيرُ إلَى أَهْلِهِ فَيَلُومُونَهُ، فَيَرُدُّهُ، وَيَقُولُ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَنِي بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا، فَيَمُرُّ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ: صَدَقَ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ مُنْقِذٍ، وَذَكَرَهُ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ، فَلَمْ يَصِل سَنَدَهُ بِهِ، فَقَالَ: قَالَ عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ: ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بِهِ، سَوَاءٌ، وَذَهَلَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ فَأَنْكَرَ عَلَى عَبْدِ الْحَقِّ حِينَ عَزَاهُ إلَى تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ، وَقَالَ: إنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَصِلْ سَنَدَهُ بِهِ، ثُمَّ أَنْكَرَ عَلَيْهِ كَوْنَهُ لَمْ يُعِلَّهُ بِابْنِ إسْحَاقَ، وَكَانَ ابْنُ الْقَطَّانِ لَمْ يَقِفْ عَلَى تَارِيخِ البخاري الوسط، وَابْنُ إسْحَاقَ الْأَكْثَرُ عَلَى تَوْثِيقِهِ، وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ الْبُخَارِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي بَابِ الرَّدِّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو: " قُلْ: لَا خِلَابَةَ، إذَا بِعْت بَيْعًا، فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا"، انتهى.
طُرُقٌ أُخْرَى لِلْحَدِيثِ مُسْنَدَةٌ: قَالَ الطبراني في معجمه الوسيط: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ رِشْدِينَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ وَاسِعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ أَنَّهُ كَلَّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي الْبُيُوعِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَجِدُ لَكُمْ أَوْسَعَ مِمَّا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ إنَّهُ كَانَ ضَرِيرَ الْبَصَرِ. فَجَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُهْدَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِيمَا اشْتَرَى، فَإِنْ رَضِيَ أَخَذَ، وَإِنْ سَخِطَ تَرَكَ، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 كَذَلِكَ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ بِهِ، وَتُلْحَقُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ بِالْأُولَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ2 مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ، لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْخِيَارِ، أَخْرَجُوهُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ، وَكَانَ يُبَايِعُ، وَأَنَّ أَهْلَهُ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اُحْجُرْ عَلَيْهِ، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله لا أصبر عن الْبَيْعِ، فَقَالَ: "إذَا بَايَعْتَ، فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ بَعِيرًا، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْخِيَارَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْعَ، وَقَالَ: "الْخِيَارُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَعَلَّهُ بِأَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، وَقَالَ: إنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْسَرَةَ ثَنَا أَبُو عَلْقَمَةَ الْفَرْوِيُّ ثَنَا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْخِيَارُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ"، انْتَهَى. وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْسَرَةَ إنْ كَانَ هُوَ الْحَرَّانِيِّ الْغَنَوِيُّ، فَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِأَصْحَابِنَا فِي اشْتِرَاطِ الثَّلَاثِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا، ثُمَّ بِحَدِيثِ حِبَّانَ الْمُتَقَدِّمِ، وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِأَنَّ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْسَرَةَ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَعَنْ حَدِيثِ حِبَّانَ بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ، قَالَ: ثُمَّ التَّقْدِيرُ بِالثَّلَاثِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، لِأَنَّ النَّظَرَ يَحْصُلُ فِيهَا غَالِبًا، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، كَمَا قُدِّرَتْ حِجَارَةُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالثَّلَاثِ، ثُمَّ تَجِبُ الزِّيَادَةُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَجَازَ الْخِيَارَ إلَى شَهْرَيْنِ، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا.
باب خيار الرؤية
بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ. الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ، فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ"، قُلْت: رُوِيَ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا، فَالْمُسْنَدُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ دَاهِرِ بْنِ نُوحٍ ثَنَا عُمَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ الْكُرْدِيُّ ثَنَا وَهْبُ الْيَشْكُرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ"، قَالَ عُمَرُ الْكُرْدِيُّ: وَأَخْبَرَنِي فُضَيْلٍ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ، قَالَ عُمَرُ أَيْضًا: وَأَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الْهَيْثَمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَعُمَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هَذَا يُقَالُ لَهُ: الْكُرْدِيُّ يَضَعُ الْأَحَادِيثَ، وَهَذَا بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ، لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا يَرْوِي عَنْ ابْنِ سِيرِينَ مِنْ قَوْلِهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَالرَّاوِي عَنْ الْكُرْدِيِّ دَاهِرُ بْنُ نُوحٍ، وَهُوَ لَا يُعْرَفُ، وَلَعَلَّ الْجِنَايَةَ مِنْهُ، انْتَهَى. وَأَمَّا الْمُرْسَلُ فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، والدارقطني2 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، وَهُوَ فِي سُنَنَيْهِمَا حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بن عبد الله أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مَكْحُولٍ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ اشْتَرَى، إلَى آخِرِهِ"، وَزَادَ: "إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ"، قَالَ الدراقطني: هَذَا مُرْسَلٌ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ مَا لَمْ يَرَهُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، ورواه مُسْلِمٌ3، وَبِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ لَهُ عليه السلام: " لَا تَبِعْ مَا ليس عندك"، ورواه الْأَرْبَعَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه بَاعَ أَرْضًا بِالْبَصْرَةِ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَقِيلَ لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ: إنَّك قَدْ غُبِنْت، فَقَالَ: لِي الْخِيَارُ، لِأَنِّي اشْتَرَيْت مَا لَمْ أَرَهُ، وَقِيلَ لِعُثْمَانَ: إنَّك قَدْ غُبِنْت، فَقَالَ: لِي الْخِيَارُ، لِأَنِّي بِعْت مَا لَمْ أَرَهُ، فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، فَقَضَى بِالْخِيَارِ
لِطَلْحَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، قُلْت أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ1، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ طَلْحَةَ اشْتَرَى مِنْ عُثْمَانَ مَالًا. فَقِيلَ لِعُثْمَانَ: إنَّك قَدْ غُبِنْت، فَقَالَ عُثْمَانُ: لِي الْخِيَارُ لِأَنِّي بِعْت مَا لَمْ أَرَهُ، وَقَالَ طَلْحَةُ: لِي الْخِيَارُ، لِأَنِّي اشْتَرَيْت مَا لَمْ أَرَهُ، فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، فَقَضَى أَنَّ الْخِيَارَ لِطَلْحَةَ، وَلَا خِيَارَ لِعُثْمَانَ، انتهى.
باب البيع الفاسد
بَابُ خيار العيب.. خال باب الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: حَدِيثُ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا، تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِيلَادِ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَبَلِ، وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ: فَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْمَضَامِينِ، وَالْمَلَاقِيحِ، وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ، قَالَ: وَالْمَضَامِينُ مَا فِي أَصْلَابِ الْإِبِلِ، وَالْمَلَاقِيحُ مَا فِي بُطُونِهَا، وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ وَلَدُ وَلَدِ هَذِهِ النَّاقَةِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسماعيل السكوتي ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ، وَالْمَلَاقِيحِ، وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ ثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءً، وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ بِهِ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَصَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ لَيْسَ بِالْحَافِظِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: يُشْبِهُ الْمَرْفُوعَ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ2، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: لَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ، وَإِنَّمَا نَهَى مِنْ الْحَيَوَانِ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ الْمَضَامِينِ، وَالْمَلَاقِيحِ، وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ، فَالْمَضَامِينُ مَا فِي بُطُونِ إنَاثِ الْإِبِلِ، وَالْمَلَاقِيحُ مَا فِي ظُهُورِ الْجَمَالِ، وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الصَّحِيحَيْنِ، وَشَطْرُ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الحبلة، وكان بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إلَى أَنْ يُنْتِجَ النَّاقَةَ، ثم ينتج التي فِي بَطْنِهَا، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ أَنْ تُنْتِجَ النَّاقَةُ، ثُمَّ تَحْمِلَ الَّتِي نَتَجَتْ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: ثُمَّ تُنْتِجَ الَّتِي نَتَجَتْ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبَزَّارِ فِي مُسْنَدِهِ: وَهُوَ نِتَاجُ النِّتَاجِ، وَأَخْرَجَهُ الْبَاقُونَ2 مِنْ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ، وَشَطْرُهُ الْأَوَّلُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَهْضَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ، الْحَدِيثَ، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْآبِقِ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ، وَعَنْ لَبَنٍ فِي ضَرْعٍ، وَسَمْنٍ فِي لَبَنٍ، قُلْت: رُوِيَ مَوْقُوفًا، وَمَرْفُوعًا مُسْنَدًا، وَمُرْسَلًا. فَالْمَرْفُوعُ الْمُسْنَدُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ الضَّبِّيُّ ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ ثَنَا عَمْرُو بْنُ فَرُّوخَ ثَنَا حَبِيبُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةٌ حَتَّى تُطْعَمَ، وَلَا يُبَاعَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ، وَلَا لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ3 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ فَرُّوخَ بِهِ , قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَرْسَلَهُ وَكِيعٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ فَرُّوخَ , ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ فَرُّوخَ بِهِ مُرْسَلًا، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ عَمْرُو بْنُ فَرُّوخَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. وَنَقَلَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ تَوْثِيقَ عَمْرِو بْنِ فَرُّوخَ عَنْ أَبِي دَاوُد، وَابْنِ مَعِينٍ، وَأَبِي حَاتِمٍ. وَأَمَّا الْمُرْسَلُ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَمْرِو بْنِ فَرُّوخَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَلَا حَبِيبَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ بِسَنَدِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَاعَ لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ، أَوْ سَمْنٌ فِي لَبَنٍ، انْتَهَى.
وَتُرَاجَعُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ فَرُّوخَ عن حبيب الزُّبَيْرِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ. وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيِّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا يُبَاعُ أَصْوَافُ الْغَنَمِ عَلَى ظُهُورِهَا، وَلَا أَلْبَانُهَا فِي ضُرُوعِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي ضُرُوعِ الْغَنَمِ، وَالصُّوفِ عَلَى ظُهُورِهَا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ مَرْفُوعًا، وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ. قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ، زَادَ مُسْلِمٌ فِي لَفْظٍ: وعن الثني، إلَّا أَنْ يُعْلَمَ، انْتَهَى. وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي لَفْظٍ: وَزَعَمَ جَابِرٌ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ بَيْعُ الرُّطَبِ فِي النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، وَالْمُحَاقَلَةَ فِي الزَّرْعِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ، يَبِيعُ الزَّرْعَ الْقَائِمَ بِالْحَبِّ كَيْلًا، وَفِي لَفْظٍ لَهُ، قَالَ: وَالْمُحَاقَلَةُ أَنْ يُبَاعَ الْحَقْلُ بِكَيْلٍ مِنْ الطَّعَامِ مَعْلُومٍ، وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ النَّخْلُ بِأَوْسَاقٍ مِنْ التَّمْرِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2، عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ التَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ، وَالْمُحَاقَلَةُ كِرَاءُ الْأَرْضِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 عَنْهُ، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا4 عَنْهُ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُخَابَرَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا، وَهُوَ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا، فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، قُلْت: النَّهْيُ عَنْ الْمُزَابَنَةِ تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الْعَرَايَا فَأَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ2 عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، شَكَّ دَاوُد، قَالَ: دُونَ خَمْسَةٍ، أَوْ فِي خَمْسَةٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَقَالَ: ذَلِكَ الرِّبَا تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ، إلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ، النَّخْلَةِ، وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا كَيْلًا، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: ذَلِكَ الزَّبْنُ، عِوَضُ: الرِّبَا، وَالْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ لَيْسَ فِيهِ: تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ، وَلَا الزَّبْنُ، وَأَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا، وَفِي لَفْظٍ رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ يُؤْخَذَ بِمِثْلِ خَرْصِهَا تَمْرًا، يَأْكُلَهَا أَهْلُهَا رُطَبًا، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْعَرَايَا، إلَّا أَنَّهُ خَالَفَنَا فِي إبَاحَتِهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، قَالَ الْإِمَامُ مُوَفَّقُ الدِّينِ فِي الْكَافِي: رَوَى مَحْمُودُ بْنُ لِبِيدٍ، قَالَ: قُلْت لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: مَا عَرَايَاكُمْ3 هَذِهِ؟ فَسَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ
شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَبْتَاعُونَ بِهِ رُطَبًا يَأْكُلُونَهُ، وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ مِنْ التَّمْرِ، فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يبتاعوا العرية بخرصها مِنْ التَّمْرِ، يَأْكُلُونَهُ رُطَبًا، قَالَ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَوُهِمَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَا فِي السُّنَنِ، بَلْ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَمْ أَجِدْ لَهُ سَنَدًا بَعْدَ الْفَحْصِ الْبَالِغِ، وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ فِي بَابِ الْعَرَايَا بِغَيْرِ إسْنَادٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ وَلُبْسَتَيْنِ، نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ، وَالْمُلَامَسَةِ: لَمْسِ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أو بالنهار، وَلَا يُقَلِّبُهُ إلَّا بِذَلِكَ، وَالْمُنَابَذَةُ: أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ ثَوْبَهُ، وَيَنْبِذَ الْآخَرُ إلَيْهِ ثَوْبَهُ، وَيَكُونُ بِذَلِكَ بَيْعُهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ، وَلَا تَرَاضٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ، زَادَ مُسْلِمٌ: أَمَّا الْمُلَامَسَةُ، فَأَنْ يَلْمِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَ صَاحِبِهِ، بِغَيْرِ تَأَمُّلٍ، وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ، وَلَمْ يَنْظُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَى ثَوْبِ صَاحِبِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِ الْمُزَابَنَةِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا. قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرَاعِي، وَلَا إجَارَتُهَا، وَالْمُرَادُ الْكَلَأُ، أَمَّا الْبَيْعُ فَلِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ لِاشْتِرَاكِ النَّاسِ فِيهِ بِالْحَدِيثِ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: الْكَلَإِ، وَالنَّارِ، وَالْمَاءِ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ2 حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَهْضَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ، وَعَنْ بَيْعِ مَا فِي ضُرُوعِهَا، وَعَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ، وَعَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقَسَّمَ، وَعَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ، وَعَنْ ضَرْبَةِ الْقَانِصِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَابْنُ أبي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، والدارقطني فِي سُنَنِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ، وَمِنْ جِهَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ. وَقَالَ: إسْنَادٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَشَهْرٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَيَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ الرَّازِيُّ شَيْخُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ضَعِيفٌ، وَهُوَ يَرْوِي عَنْ جَهْضَمٍ بِهِ، قَالَ ابْنُ القطان: وَسَنَدُ الدَّارَقُطْنِيِّ يُبَيِّنُ أَنَّ سَنَدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مُنْقَطِعٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَهْضَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَمَامِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى , الْحَدِيثَ , فَقَالَ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ: هَذَا شَيْخٌ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. قُلْت: وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ الْحَارِثِ أَبُو الْأَشْهَبِ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا بِتَمَامِهِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَعَنْ بَيْعِ الْعَبْدِ، وَهُوَ آبِقٌ، عِوَضَ قَوْلِهِ: وَشِرَاءِ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام: "لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ2 فَأَبُو دَاوُد فِي التَّرَجُّلِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي النِّكَاحِ، وَالْبَاقُونَ فِي اللِّبَاسِ، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنْ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ شَعْرِ الْإِنْسَانِ، وَالِانْتِفَاعِ بِهِ لِكَرَامَتِهِ، وَهُوَ غَيْرُ نَاجِحٍ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: حَدِيثُ: لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ، تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَاتِ. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَتْ عَائِشَةُ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ، وَقَدْ بَاعَتْ بستمائة بعد ما اشْتَرَتْ بِثَمَانِمِائَةٍ: بِئْسَ مَا اشْتَرَيْت، وَشَرَيْت، أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْطَلَ حَجَّهُ وَجِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ لَمْ يَتُبْ، قُلْت: أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فِي نِسْوَةٍ، فَسَأَلَتْهَا امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ فَبِعْتهَا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِثَمَانِمِائَةٍ إلَى الْعَطَاءِ، ثُمَّ ابْتَعْتهَا مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ، فَنَقَدْته السِّتَّمِائَةِ، وَكَتَبْت عَلَيْهِ ثَمَانَمِائَةٍ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: بِئْسَ مَا اشْتَرَيْت، وَبِئْسَ مَا اشْتَرَى، أَخْبِرِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ
جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَّا أَنْ يَتُوبَ، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لِعَائِشَةَ: أَرَأَيْت إنْ أَخَذْت رَأْسَ مَالِي وَرَدَدْت عَلَيْهِ الْفَضْلَ، فَقَالَتْ: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا1 عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أُمِّهِ الْعَالِيَةِ، قَالَتْ: كُنْت قَاعِدَةً عِنْدَ عَائِشَةَ، فَأَتَتْهَا أُمُّ مُحِبَّةَ، فَقَالَتْ: إنِّي بِعْت زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ جَارِيَةً إلَى عَطَائِهِ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أُمُّ مُحِبَّةَ، وَالْعَالِيَةُ مَجْهُولَتَانِ لَا يُحْتَجُّ بِهِمَا، انْتَهَى. وَأُمُّ مُحِبَّةَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْحَاءِ هَكَذَا ضَبَطَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ، وَقَالَ: إنَّهَا امْرَأَةٌ تَرْوِي عَنْ عَائِشَةَ، رَوَى حَدِيثَهَا أَبُو إسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ عَنْ امْرَأَتِهِ الْعَالِيَةِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا يُونُسُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ أُمِّهِ الْعَالِيَةِ بِنْتِ أَيْفَعَ عَنْ أُمِّ مُحِبَّةَ عَنْ عَائِشَةَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ هِيَ، وَأُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَقَالَتْ أُمُّ وَلَدِ زَيْدٍ لِعَائِشَةَ: إنِّي بِعْت مِنْ زَيْدٍ غُلَامًا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً، وَاشْتَرَيْت بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا، فَقَالَتْ: أَبْلِغِي زَيْدًا أَنْ قَدْ أَبْطَلْت جِهَادَك مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَّا أَنْ تَتُوبَ، بِئْسَ مَا اشْتَرَيْت، وَبِئْسَ مَا شَرَيْت، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: هَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ قَالَ: لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ، وَكَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ، قَالَ فِي الْعَالِيَةِ: هِيَ مَجْهُولَةٌ، لَا يُحْتَجُّ بِهَا، فِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ، وَلَوْلَا أَنَّ عند أم المؤمنين عِلْمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ لَمْ تَسْتَجِزْ أَنْ تَقُولَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ بِالِاجْتِهَادِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالُوا: الْعَالِيَةُ امْرَأَةٌ مَجْهُولَةٌ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهَا، قُلْنَا: بَلْ هِيَ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ جَلِيلَةُ الْقَدْرِ، ذَكَرَهَا ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ2 فَقَالَ: الْعَالِيَةُ بِنْتُ أَيْفَعَ بْنِ شَرَاحِيلَ امْرَأَةُ أَبِي إسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ سَمِعَتْ مِنْ عَائِشَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: وَفِي تَحْرِيمِ الْعِينَةِ أَحَادِيثُ، وَالْعِينَةُ بَيْعُ سِلْعَةٍ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَشْتَرِيهَا بِأَنْقَصَ مِنْهُ حَالًّا: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ3 عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ،
وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ قَالَ الْبَزَّارُ: وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا هُوَ عِنْدِي إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَهَذَا وَهْمٌ مِنْ البزار، وإنما اسْمُ هَذَا الرَّجُلِ إسْحَاقُ بْنُ أَسَدٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيُّ، يَرْوِي عَنْ عَطَاءٍ، رَوَى عَنْهُ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، وَهُوَ يَرْوِي عَنْهُ هَذَا الْخَبَرَ، وَبِهَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَلَيْسَ هَذَا بِإِسْحَاقِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، ذَاكَ مَدِينِيٌّ، وَيُكَنَّى أَبَا سُلَيْمَانَ، وَهَذَا خُرَاسَانِيٌّ، وَيُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَيَّهُمَا كَانَ فَالْحَدِيثُ مِنْ أَجْلِهِ لَا يَصِحُّ، وَلَكِنْ لِلْحَدِيثِ طَرِيقٌ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَتَى عَلَيْنَا زَمَانٌ، وَمَا يَرَى أَحَدُنَا أَنَّهُ أَحَقُّ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، ثُمَّ أَصْبَحَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ أَحَبُّ إلَى أَحَدِنَا مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إذَا ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَتَبَايَعُوا بِالْعِينَةِ، وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِمْ ذُلًّا، فَلَمْ يَرْفَعْهُ عَنْهُمْ حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُمْ"، انْتَهَى. قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ صحيح، ورجاله ثِقَاتٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ أَبِي جُنَابٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي معجمه الوسط حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أيوب القربي ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الذُّهْلِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: قَدِمْت مكة فوجدت بها أبا حَنِيفَةَ، وَابْنَ أَبِي لَيْلَى، وَابْنَ شُبْرُمَةَ، فَسَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ رَجُلٍ بَاعَ بَيْعًا، وَشَرَطَ شَرْطًا، فَقَالَ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَسَأَلْته، فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ شُبْرُمَةَ، فَسَأَلْته فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ جَائِزٌ، فَقُلْت: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ! ثَلَاثَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَأَتَيْت أَبَا حَنِيفَةَ فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا قَالَا، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، الْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا قَالَا، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ فَأُعْتِقَهَا، الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ شُبْرُمَةَ فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا قَالَا، حَدَّثَنِي مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: بِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَةً، وَشَرَطَ لِي حُمْلَانَهَا إلَى الْمَدِينَةِ
الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ جَائِزٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ فِي كِتَابِ عُلُومِ الْحَدِيثِ فِي بَابِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَارِضَةِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْحَاقَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ زَاذَانَ الضَّرِيرُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الذُّهْلِيُّ بِهِ، وَمِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَعِلَّتُهُ ضَعْفُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، اشْتَرَتْهَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ، فَأَجَازَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، وَصَحَّحَ الْبَيْعَ وَالشَّرْطَ، وَإِنَّمَا بَيَّنَ فِيهِ بُطْلَانَ شَرْطِ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ، وَلَمْ يَذْكُرْ بُطْلَانَ شَرْطِ الْعِتْقِ، وَأَقَرَّهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ عَلَيْهِ. الْحَدِيثُ الثَّانِيَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الله بن عمر بْنِ الْعَاصِ، وَمِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ. فَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ1 إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحٍ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَاخْتَصَرَهُ ابْنُ مَاجَهْ، فَذَكَرَ مِنْهُ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَبَيْعَ مَا لَيْسَ عندك فقط، ولم يصب الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ إذْ عَزَا الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ لِابْنِ مَاجَهْ، مَعَ أَنَّ أَصْحَابَ الْأَطْرَافِ بَيَّنُوهُ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ التِّرْمِذِيُّ إنَّمَا صَحَّحَهُ لِتَصْرِيحِهِ فِيهِ بِذِكْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَيَكُونُ مَذْهَبُهُ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إنَّمَا هُوَ الشَّكُّ فِي إسْنَادِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِذَا صَرَّحَ بِذِكْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو انْتَفَى ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ: هَذِهِ رِوَايَةٌ مُسْتَغْرَبَةٌ جِدًّا عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ شُعَيْبًا إنَّمَا يَرْوِي عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو لَا عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ أَبَاهُ مُحَمَّدًا مَاتَ قَبْلَ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: إنَّمَا رُدَّتْ أَحَادِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، لِأَنَّ الْهَاءَ مِنْ جَدِّهِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَعُودَ عَلَى عمرو، فيكون الجد محمد، فَيَكُونُ الْخَبَرُ مُرْسَلًا، أَوْ تَعُودُ عَلَى شُعَيْبٍ، فَيَكُونُ الْجَدُّ عَبْدَ اللَّهِ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُسْنَدًا مُتَّصِلًا، لِأَنَّ شُعَيْبًا سَمِعَ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَسِّرَ الْجَدَّ بِأَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو إلَّا بِحُجَّةٍ،
وَقَدْ يُوجَدُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَيَرْتَفِعُ النِّزَاعُ، وَقَدْ يُوجَدُ بِتَكْرَارٍ عَنْ أَبِيهِ، فَيَرْتَفِعُ النِّزَاعُ أَيْضًا، وَمِنْ الْأَحَادِيثِ مَا يَكُونُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ غَيْرِ أَبِيهِ، وَهِيَ أَيْضًا صَحِيحَةٌ، كَحَدِيثِ الْبَلَاطِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ المسلمين، هكذا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، وَدَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرُهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَقَدْ رَوَاهُ عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِزِيَادَاتِ أَلْفَاظٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَسْمَعُ مِنْك أَحَادِيثَ، أَفَتَأْذَنُ لَنَا أَنْ نَكْتُبَهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ"، فَكَانَ أَوَّلُ مَا كَتَبَ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ: لَا يَجُوزُ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَاحِدٍ، وَلَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ جَمِيعًا، وَلَا بَيْعُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَمَنْ كَانَ مُكَاتَبًا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَضَاهَا إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَهُوَ عَبْدٌ، أَوْ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَقَضَاهَا إلَّا أُوقِيَّةً، فَهُوَ عَبْدٌ، انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا خَطَأٌ، وَعَطَاءٌ هَذَا هُوَ الْخُرَاسَانِيُّ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَ لَهُ سَمَاعًا مِنْهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2, وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ، وَفَسَّرَهُ، فَقَالَ: أَمَّا السَّلَفُ وَالْبَيْعُ، فَالرَّجُلُ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: أَبِيعُك عَبْدِي هَذَا بِكَذَا وَكَذَا عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا وَكَذَا، وَأَمَّا الشَّرْطَانِ فِي الْبَيْعِ، فَالرَّجُلُ يَبِيعُ الشَّيْءَ حَالًّا بِأَلْفٍ، وَمُؤَجَّلًا بِأَلْفَيْنِ، وَأَمَّا الرِّبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، فَالرَّجُلُ يَشْتَرِي الشَّيْءَ، فَيَبِيعُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ بِرِبْحٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ3 حَدَّثَنَا أَسْلَمُ بْنُ سَهْلٍ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَلَّامٍ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زادان عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ فِي الْبَيْعِ: عَنْ سَلَفٍ وَبَيْعٍ، وَشَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ، وَبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك، وَرِبْحِ ما لم
يُضْمَنْ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّإِ بَلَاغٌ، قَالَ أَبُو مَصْعَبٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ. قُلْت: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا حَسَنٌ، وَأَبُو النَّضْرِ، وَأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، قَالُوا: ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ، قَالَ أَسْوَدُ: قَالَ شَرِيكٌ: قَالَ سِمَاكٌ: هُوَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ بَيْعًا فَيَقُولَ: هُوَ نَقْدًا بِكَذَا، وَنَسِيئَةً بِكَذَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَسْوَدَ بْنِ عَامِرٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الطبراني في معجمه الوسط حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ الطَّائِيُّ ثَنَا ابْنُ السِّمَاكِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: لَا تَحِلُّ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي ضُعَفَائِهِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي صَفْوَانَ الثَّقَفِيِّ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سِمَاكٍ بِهِ مَرْفُوعًا: الصَّفْقَةُ فِي الصَّفْقَتَيْنِ رِبًا، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ هَذَا، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَى رَفْعِهِ، وَالْمَوْقُوفُ أَوْلَى، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ ثَنَا سُفْيَانُ بِهِ مَوْقُوفًا، وَهَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ بِهِ مَوْقُوفًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ مَوْقُوفًا، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمَعْنَى صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَبِيعُك هَذَا نَقْدًا بِكَذَا، وَنَسِيئَةً بِكَذَا، وَيَفْتَرِقَانِ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحُهُ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ سِمَاكٍ بِهِ مَوْقُوفًا: الصَّفْقَةُ فِي الصَّفْقَتَيْنِ رِبًا، وَأَعَادَهُ فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالْمِائَةِ. مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي كَذَلِكَ، بِلَفْظِ: لَا تَحِلُّ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ: وَفَسَّرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: أَبِيعُك هَذَا الثَّوْبَ نَقْدًا بِعَشَرَةٍ، وَنَسِيئَةً بِعِشْرِينَ، وَلَا يُفَارِقُهُ عَلَى أَحَدِ الْبَيْعَيْنِ، فَإِذَا فَارَقَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَا بَأْسَ إذَا كَانَتْ الْعُقْدَةُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُك دَارِي هَذِهِ بِكَذَا، عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي غُلَامَك بِكَذَا، فَإِذَا وَجَبَ
لِي غُلَامُك وَجَبَتْ لَك دَارِي، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ فَسَّرَهُ بِأَنْ يَقُولَ: أَبِيعُك عَبْدِي هَذَا عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا، أَوْ دَارِي هَذِهِ عَلَى أَنْ أَسْكُنَهَا شَهْرًا، قَالَ: فَإِنَّ الْخِدْمَةَ وَالسُّكْنَى إنْ كَانَ يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ يَكُونُ إجَارَةً فِي بَيْعٍ، وَإِلَّا فَهُوَ إعَارَةٌ فِي بَيْعٍ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَفْقَتَيْنِ، الْحَدِيثَ، وَالْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّإِ بَلَاغٌ، قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ1: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، انْتَهَى.
فصل في أحكام البيع
فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْبَيْعِ قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى الْحَصَادِ، وَالدِّيَاسِ، وَالْقِطَافِ، وَقُدُومِ الْحَاجِّ، لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ، وَلَوْ كَفَلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ محتملة فِي الْكَفَالَةِ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ يَسِيرَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ، لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِيهَا، قُلْت: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَبِيعُوا إلَى الْعَطَاءِ، ولا إلى الأبدار، وَلَا إلَى الدِّيَاسِ، انْتَهَى.
فصل فيما يكره
فَصْلٌ فِيمَا يُكْرَهُ الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَا تَنَاجَشُوا"، قُلْت: أَخْرَجَاهُ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ لِلْبَيْعِ، وَلَا يَبِعْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أن يحلبها، إن رضيا أمسكها، وإن سخطا رَدَّهَا، وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَسْتَامُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ"، قُلْت: أَخْرَجَاهُ3 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ"، وَفِي لَفْظٍ: "لَا يَبِعْ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ،
إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَأَنْ تَسْأَل الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا، وَعَنْ النَّجْشِ، وَالتَّصْرِيَةِ، وَأَنْ يَسْتَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَبِيعُ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي"، قُلْت: أَخْرَجَاهُ1 عَنْ أَنَسٍ قَالَ: نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، زَادَ مُسْلِمٌ: وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ" انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ولا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ دَعُوا النَّاسَ، يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَتَلَقَّى الرُّكْبَانُ، وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، قَالَ: فَقُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ، قُلْت: رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ: فَأَبُو دَاوُد فِي الزَّكَاةِ2، وَابْنُ مَاجَهْ فِي التِّجَارَاتِ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَفِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا فِي بَيْتِك شَيْءٌ؟ قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ يُلْبَسُ بَعْضُهُ، وَيُبْسَطُ بَعْضُهُ، وَقَعْبٌ يُشْرَبُ فِيهِ الْمَاءُ، قَالَ: آتِنِي بِهِمَا، فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: " مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ " فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: "مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ"؟ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إيَّاهُ، وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ، وَقَالَ: "اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إلَى أَهْلِك، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا، فَأْتِنِي بِهِ"، فَأَتَاهُ بِهِ، فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودًا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "اذْهَبْ فَاحْتُطِبَ، وَبِعْ، وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا"، فَذَهَبَ الرَّجُلُ
يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ، فَجَاءَ، وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَاشْتَرِي بِبَعْضِهَا ثَوْبًا، وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذَا خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةَ نُكْتَةً فِي وَجْهِك يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِثَلَاثَةٍ، لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ شُمَيْطِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ بِهِ، مُخْتَصَرًا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ حِلْسًا وَقَدَحًا فِيمَنْ يَزِيدُ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ بِهِ، مُخْتَصَرًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَفِيِّ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: الْأَخْضَرُ بْنُ عَجْلَانَ: ثِقَةٌ، وَأَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ بِهِ، وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ بِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ بِهِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ حِلْسًا، وَقَدَحًا، فِيمَنْ يَزِيدُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَهَذَا اللَّفْظُ يُعْطِي أَنَّ أَنَسًا لَمْ يُشَاهِدْ الْقِصَّةَ، وَلَا سَمِعَ مَا فِيهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ تلك الرواية مرسلة أولاً، قَالَ: وَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِأَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ، فَإِنِّي لَا أَعْرِفُ أَحَدًا نَقَلَ عَدَالَتَهُ، فَهُوَ مَجْهُولُ الْحَالِ، وَإِنَّمَا حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ عَلَى عَادَتِهِ فِي قَبُولِ الْمَشَاهِيرِ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ لَيْسُوا مِنْ مَشَاهِيرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ شُمَيْطٍ، وَعَمُّهُمَا الْأَخْضَرُ بْنُ عَجْلَانَ، وَالْأَخْضَرُ، وَابْنُ أَخِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ ثِقَتَانِ، وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَلَا يُعْرَفُ حَالُهُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبُيُوعِ1 وَفِي السِّيَرِ عَنْ حُيَيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، لِأَنَّ
حُيَيِّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يُخَرَّجْ لَهُ فِي الصَّحِيحِ شَيْءٌ، بَلْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَحَادِيثُهُ مَنَاكِيرُ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. قَالَ: وَلِأَجْلِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ لَمْ يُصَحِّحْهُ التِّرْمِذِيُّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِقِصَّةٍ فِيهِ، وَلَفْظُهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، قَالَ: كُنَّا فِي الْبَحْرِ، وَعَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الْفَزَارِيُّ، وَمَعَنَا أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ، فَمَرَّ بِصَاحِبِ الْمَقَاسِمِ، وَقَدْ أَقَامَ السَّبْيَ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَبْكِي، فَقَالَ، مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ قَالُوا: فَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا، فَانْطَلَقَ أَبُو أَيُّوبَ، فَأَتَى بِوَلَدِهَا حَتَّى وَضَعَهُ فِي يَدِهَا، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ، مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت؟ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ فَرَّقَ"، الْحَدِيثَ. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي آخر الباب الخامس والسبعون، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ ثَنَا بَقِيَّةُ ثَنَا خَالِدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: فِيهِ انْقِطَاعٌ، لِأَنَّ الْعَلَاءَ بْنَ كَثِيرٍ الإسكندراني لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي أَيُّوبَ، وَأَبُو عُتْبَةَ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِمْصِيُّ، مَحِلُّهُ الصِّدْقُ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَقَدْ زَالَ مَا يُخْشَى مِنْ تَدْلِيسِ بَقِيَّةَ، إذْ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ، وَخَالِدُ بْنُ حُمَيْدٍ الإسكندراني وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْعَلَاءُ الإسكندراني أَيْضًا صَدُوقٌ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أخرجه الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ1 فِي السنن أخبرنا القاسم ينن كَثِيرٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُنَادَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ بِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْبَلَوِيِّ عَنْ حُرَيْثِ بْنِ سُلَيْمٍ الْعُذْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّنْ فَرَّقَ فِي السَّبْيِ بَيْنَ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ، فَقَالَ: "مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحِبَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، انْتَهَى. وَالْوَاقِدِيُّ فِيهِ مَقَالٌ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ فِي كِتَابِ السِّيَرِ عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ أَبَا أَسَدٍ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ مِنْ الْبَحْرَيْنِ، فَنَظَرَ عليه السلام إلَى امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ تَبْكِي، فَقَالَ: "مَا شَأْنُك"؟ قَالَتْ: بَاعَ ابْنِي، فَقَالَ عليه السلام لِأَبِي أَسَدٍ: "أَبِعْت ابْنَهَا"؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: " فِيمَنْ؟ " قَالَ: فِي بَنِي عَبْسٍ، فَقَالَ عليه السلام: "ارْكَبْ أَنْتَ بِنَفْسِك، فَأْتِ بِهِ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ طُلَيْقِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَلْعُونٌ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا"، انْتَهَى. وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ عَنْ طَلِيقِ بْنِ عِمْرَانَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: لَعَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا، وَبَيْنَ الْأَخِ وَأَخِيهِ، وَفِي لَفْظٍ: نَهَى أَنْ يُفَرَّقَ، الْحَدِيثَ. وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ اخْتِلَافًا عَلَى طَلِيقٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ عَنْ طَلِيقٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ عَنْ طَلِيقٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيه عَنْ طَلِيقٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى طَلِيقٍ، فَرَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ عَنْ طَلِيقٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى، وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ التَّيْمِيِّ عَنْ طَلِيقٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَغَيْرُ ابْنِ عَيَّاشٍ يَرْوِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ التَّيْمِيِّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ طَلِيقًا لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، وَهُوَ خُزَاعِيٌّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 فِي الْجِهَادِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ جَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا، فَنَهَاهُ عليه السلام عَنْ ذَلِكَ. وَرَدَّ الْبَيْعَ، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد بِأَنَّ مَيْمُونَ بن أبي شَبِيبٍ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْبُيُوعِ وَفِي الْجِهَادِ، وَقَالَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَبَ لِعَلِيٍّ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ صَغِيرَيْنِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "مَا فَعَلَ الْغُلَامَانِ"؟ فَقَالَ: بِعْت أَحَدَهُمَا، فَقَالَ لَهُ: "أَدْرِكْ أَدْرِكْ"، قَالَ: وَيُرْوَى "اُرْدُدْ اُرْدُدْ". قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ4 عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ
أَبِي شَبِيبٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: وَهَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ، فَبِعْت أَحَدَهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَلِيُّ مَا فَعَلَ غُلَامُك"؟ فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: "رُدَّهُ رُدَّهُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1: مَيْمُونُ بْنُ أَبِي شَبِيبٍ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا، فَإِنَّهُ قُتِلَ بِالْجَمَاجِمِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عيينة عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَأَمَرَنِي بِبَيْعِ أَخَوَيْنِ، فَبِعْتُهُمَا، وَفَرَّقْتُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "أَدْرِكْهُمَا، فَارْتَجِعْهُمَا، وَبِعْهُمَا جَمِيعًا، وَلَا تُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَرِوَايَةُ شُعْبَةَ لَا عيب بها، وهي أول مَا اُعْتُمِدَ فِي هَذَا الْبَابِ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَبِيعَ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ، فَبِعْتُهُمَا، فَفَرَّقْتُهُمَا، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَدْرِكْهُمَا، فَارْتَجِعْهُمَا، وَلَا تَبِعْهُمَا إلَّا جَمِيعًا"، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: هَذَا إسْنَادٌ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ، إلَّا أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ الْحَكَمِ شَيْئًا، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ والدارقطني، وَغَيْرُهُمْ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ، وَبَيْنَهُمَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ ثَنَا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ صَاحِبِ لَهُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ. قَوْلُهُ: وَفِيهِ تَرْكٌ لِلرَّحْمَةِ عَلَى الصِّغَارِ، وَقَدْ أَوْعَدَ عَلَيْهِ، قُلْت: فِي الْبَابِ حَدِيثٌ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا، رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ضُمَيْرَةَ. فَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَبِ3 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ ابْنِ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَلَمْ يَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ، وَسَمَّى ابْنَ عَامِرٍ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ. وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبِرِّ وَالصِّلَةِ1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ، وَقَالَ فِيهِ: عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بن عمرو، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا2 عَنْ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَقَالَ: إنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَكِلَاهُمَا فِيهِ مَقَالٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا3 عَنْ زَرْبِيٍّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، قَالَ: وَزَرْبِيٌّ لَهُ مَنَاكِيرُ عَنْ أَنَسٍ، وَغَيْرِهِ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَبُو يَاسِرٍ عَمَّارٌ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَطِيَّةَ ثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عَبَّادٍ ثَنَا عَبْدُ الْحَكَمِ ثَنَا أَنَسٌ، فَذَكَرَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: فَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي الْمُشْكِلِ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ الْخَيْرِ الزِّيَادِيُّ4 عَنْ أَبِي قَبِيلٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَمِنْ جِهَةِ الطَّحَاوِيِّ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَمَالِكُ بْنُ الْخَيْرِ الزِّيَادِيُّ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ: مِنْهُمْ ابْنُ وَهْبٍ، وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، وَزَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، وَبِهَذَا
الِاعْتِبَارِ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ، وَهُوَ مِمَّنْ لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ بِلَفْظِ: "لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي". وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ: فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ ثنا يزيد بن هارون أنبأ الوليد بن جميل عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة مرفوعاً نَحْوَ الْأَوَّلِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي مُعْجَمِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ أَبِي صَخْرٍ عَنْ ابْنِ قُسَيْطٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 فِي آخِرِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الوسط حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمَّارُ ثَنَا سَهْلُ بْنُ تَمَّامِ بْنِ بَزِيعٍ ثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِلَفْظِ حَدِيثِ أَنَسٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ وَاثِلَةَ: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّوْفَلِيُّ الْمَدِينِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ثَنَا مِسْعَرُ بْنُ عِيسَى ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَطَاءِ بْنِ سَلِيلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ وَاثِلَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَلَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا". وَأَمَّا حَدِيثُ ضُمَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ أَيُّوبَ الْأَهْوَازِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَلَمْ يَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّنَا، وَلَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنًا حَتَّى يُحِبَّ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ". الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام فَرَّقَ بَيْنَ مَارِيَةَ وَسِيرِينَ، قُلْت: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ثَنَا بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَهْدَى الْمُقَوْقَسُ الْقِبْطِيُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَارِيَتَيْنِ، وَبَغْلَةً كَانَ يَرْكَبُهَا، فَأَمَّا إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ فَتَسَرَّاهَا، فَوَلَدَتْ لَهُ إبْرَاهِيمَ، وَهِيَ مَارِيَةُ، أُمُّ إبْرَاهِيمَ، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَوَهَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ، وَهِيَ أُمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: هَذَا حَدِيثٌ وَهِمَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، فَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ لَيْسَ عِنْدَهُ عَنْ بَشِيرِ بْنِ مُهَاجِرٍ،
وَلَكِنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ مُهَاجِرٍ حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، وَدَلَّهُمْ بْنُ دَهْثَمٍ، انْتَهَى. قُلْت: هَكَذَا رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ ثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ بِسَنَدٍ آخَرَ مُرْسَلٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى الْمُقَوْقَسِ صَاحِبِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة بِكِتَابٍ، فَقَبَّلَ الْكِتَابَ، وَأَكْرَمَ حَاطِبًا، وَأَحْسَنَ نُزُلَهُ، وَسَرَّحَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْدَى لَهُ مَعَ حَاطِبٍ كِسْوَةً، وَبَغْلَةً مَسْرُوجَةً، وَخَادِمَتَيْنِ1: إحْدَاهُمَا أُمُّ إبْرَاهِيمَ، وَأَمَّا الْأُخْرَى: فَوَهَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجهم بن قيثم الْعَبْدِيِّ. وَهِيَ أُمُّ زَكَرِيَّا بْنِ جَهْمٍ الَّذِي كَانَ خَلِيفَةَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى مِصْرَ، انْتَهَى. وَهَذَا مُخَالِفٌ2 لِمَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ أَنَّ الْأُخْرَى أَهْدَاهَا لِحَسَّانَ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَدِيثٍ آخَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَقِيبَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بِشْرٍ أَحْمَدْ بْنِ مُحَمَّدٍ الدُّولَابِيِّ ثَنَا أَبُو الْحَارِثِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْفِهْرِيُّ ثَنَا هَارُونُ بْنُ يَحْيَى الْحَاطِبِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُقَوْقَسِ مَلِكِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة، فَجِئْته بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَنِي فِي مَنْزِلِهِ، وَأَقَمْت عِنْدَهُ، ثُمَّ بَعَثَ إلَيَّ، وَقَدْ جَمَعَ بَطَارِقَتَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَهَذِهِ هَدَايَا أَبْعَثُ بِهَا مَعَك إلَى مُحَمَّدٍ، قَالَ: فَأَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ جَوَارٍ مِنْهُنَّ أُمُّ إبْرَاهِيمَ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَاحِدَةٌ وَهَبَهَا عليه السلام لِأَبِي جُهَيْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ، وَوَاحِدَةٌ وَهَبَهَا لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ، مُخْتَصَرٌ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ3 فِي الْجِهَادِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَغَزَوْنَا فَزَارَةَ، إلَى أَنْ قَالَ: فَجِئْت بِهِمْ إلَى أَبِي بَكْرٍ، وَفِيهِمْ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ
الْعَرَبِ، فَنَفَلَنِي أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا، فَقَدِمْت الْمَدِينَةَ: فَقَالَ لِي عليه السلام: "يَا سَلَمَةَ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ"، قُلْت: هِيَ لَك، فَفَدَى بِهَا أُسَارَى بِمَكَّةَ، مُخْتَصَرٌ. وَالْحَدِيثُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ: التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْكِبَارِ، وَبِهِ بَوَّبَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد1 بَابَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُدْرِكَاتِ، وَفِيهِ التَّنْفِيلُ، وَالْفِدَاءُ بِالْأُسَارَى، وَبِهِ بَوَّبَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، والدارقطني، فِي سُنَنِهِ2 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَسَّانَ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَمِعْت مَكْحُولًا يَقُولُ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَى مَتَى؟ قَالَ: "حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلَامُ، وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَهَذَا خَطَأٌ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْضُوعًا، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحْمَدُ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَسَّانَ هُوَ الْوَاقِعِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، رواه عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ بِالْكَذِبِ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ سَعِيدٍ غَيْرُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ شَيْخُنَا شَمْسُ الدِّينْ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُسْتَدْرَكِ: بَلْ هُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَسَّانَ كَذَّابٌ، انْتَهَى.
باب الإقالة
بَابُ الْإِقَالَةِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " مِنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ، أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ3 عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا بَيْعَتَهُ أقال اللَّهُ عَثْرَتَهُ"، زَادَ ابْنُ مَاجَهْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِيهِ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، دُونَ الْحَاكِمِ، وَنَادِمًا عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ.
باب المرابحة والتولية
بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَةَ ابْتَاعَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بَعِيرَيْنِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَلِّنِي أَحَدَهُمَا"، فَقَالَ: هُوَ لَك بِغَيْرِ شَيْءٍ، فَقَالَ: "أَمَّا بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَلَا"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: التَّوْلِيَةُ وَالْإِقَالَةُ سَوَاءٌ، لَا بَأْسَ بِهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا مُسْتَفَاضًا بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: "مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا، فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَيَسْتَوْفِيَهُ، إلَّا أَنْ يُشْرِكَ فِيهِ، أَوْ يُوَلِّيَهُ، أَوْ يُقِيلَهُ"، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ: فِي الْبُخَارِيِّ1 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَفِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ إحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، فَقَالَ عليه السلام: "بِالثَّمَنِ"، الْحَدِيثَ. لَيْسَ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، أَخْرَجَهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَلَفْظُهُ: فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ إحْدَى الرَّاحِلَتَيْنِ، فَقَالَ: خُذْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَارْكَبْهَا، فَقَالَ عليه السلام: "قَدْ أَخَذْتُهَا بِالثَّمَنِ" 2 الْحَدِيثَ. وَفِي الطَّبَقَاتِ لِابْنِ سَعْدٍ3 وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ اشْتَرَاهُمَا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ نَعَمِ بَنِي قُشَيْرٍ، فَأَخَذَ إحْدَاهُمَا، وَهِيَ الْقَصْوَاءُ، الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَطَاوُسٍ، قَالُوا: التَّوْلِيَةُ بَيْعٌ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَزَادَ: وَلَا بَيْعَ حَتَّى يَقْبِضَ، انْتَهَى.
فَصْلٌ الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: ابْتَعْتُ زَيْتًا فِي السُّوقِ، فَلَمَّا اسْتَوْجَبْته لَقِيَنِي رَجُلٌ، فَأَعْطَانِي فِيهِ رِبْحًا حَسَنًا، فَأَرَدْت أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِهِ، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا زَيْدُ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: لَا تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْته حَتَّى تَحُوزَهُ إلَى رَحْلِك، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تَبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: فِي سَنَدِهِ عُبَيْدٌ، فَإِنَّ ابْنَ إسْحَاقَ صَرَّحَ فِيهِ بِالتَّحَدُّثِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرَ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِصْمَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ ابْتَاعَ هَذِهِ الْبُيُوعَ وَأَبِيعُهَا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا، وَمَا يَحْرُمُ؟ قَالَ: " لَا تَبِيعَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَقْبِضَهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، وَهُوَ قِسْمُ النَّوَاهِي، وَلَفْظُهُ: قَالَ: " إذَا ابْتَعْت بَيْعًا، فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَهَذَا الْخَبَرُ مَشْهُورٌ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا ابْنُ عِصْمَةَ، وَهُوَ خَبَرٌ غَرِيبٌ، انْتَهَى. وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ ذِكْرَ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ سِوَى الطَّعَامِ حُكْمُهُ حُكْمُ الطَّعَامِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عامر الأحوال عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ ابْنِ عِصْمَةَ بِهِ، وَبِسَنَدِ النَّسَائِيّ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا2 قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: وَقَدْ رَوَاهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ فِي كِتَابِهِ عَنْ هَمَّامٍ ثَنَا يَحْيَى أَنَّ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ حَدَّثَهُ أَنَّ يُوسُفَ حَدَّثَهُ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ حَدَّثَهُ، فَذَكَرَهُ، هَكَذَا ذَكَرَ يَعْلَى سَمَاعَ يُوسُفَ بْنَ مَاهَكَ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ يَرْوِيهِ عَنْ يَحْيَى، فَيُدْخِلُ بَيْنَ يُوسُفَ، وَحَكِيمٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِصْمَةَ، وَكَذَلِكَ هُوَ بَيْنَهُمَا فِي غَيْرِ حَدِيثٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ ضَعِيفٌ جِدًّا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هَكَذَا رَوَاهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَكُونَ سَقَطَ مِنْ الْإِسْنَادِ ابْنُ عِصْمَةَ، وَرِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ تُبَيِّنُ ذَلِكَ، قَالَ: وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ رِوَايَةَ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ، وَقَالَ: إنَّ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ ثِقَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَ سَمَاعَ
يُوسُفَ مِنْ حَكِيمٍ، فَيَصِيرُ سَمَاعُ يُوسُفَ مِنْ ابْنِ عِصْمَةَ عَنْ حَكِيمٍ لَغْوًا، لِأَنَّهُ إذَا سَمِعَهُ مِنْ حَكِيمٍ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِ حَكِيمٍ عَنْ حَكِيمٍ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ مَجْهُولٌ، وَصَحَّحَ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ يُوسُفَ نَفْسِهِ عَنْ حَكِيمٍ، لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ بَيْنَ يُوسُفَ، وَحَكِيمٍ فِيهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِصْمَةَ، وَهُوَ الْجُشَمِيُّ حِجَازِيٌّ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا الْحَدِيثَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَكِلَاهُمَا مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ هَذَا بِالنُّصَيْبِيِّ، أَوْ غَيْرِهِ، مِمَّنْ يُسَمَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِصْمَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَا أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مِثْلَهُ، انْتَهَى. وَقَدْ اسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِمَذْهَبِنَا فِي مَنْعِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ غَيْرَ الْعَقَارِ بِثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ حَمَلَ أَصْحَابُنَا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى غَيْرِ الْمُتَمَيِّزِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ لِمَذْهَبِهِ فِي الْجَوَازِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ2 عَنْ سِمَاكٍ عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنْت أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ، فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ، وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ، وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، فَأَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ حُجْرَتَهُ، فَأَخَذْت بِثَوْبِهِ، فَسَأَلْته، فَقَالَ: " إذَا أَخَذْت وَاحِدًا مِنْهُمَا بِالْآخَرِ، فَلَا يُفَارِقُك وَبَيْنَك وَبَيْنَهُ بَيْعٌ"، انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، والدارقطني، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ سِمَاكٍ3، وَرَوَى دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ
هَذَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. قَوْلُهُ: وَمِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ نَافِعٍ عَنْ سَعِيدٍ قَوْلُهُ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي دَاوُد، قَالَ: كُنْت عِنْدَ شُعْبَةَ، فَجَاءَهُ خَالِدُ بْنُ طَلِيقٍ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: فَسَأَلْته عَنْ حَدِيثِ سِمَاكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اقْتِضَاءِ الذَّهَبِ مِنْ الْوَرِقِ، وَالْوَرِقِ مِنْ الذَّهَبِ، فَقَالَ لَهُ شُعْبَةُ: أَصْلَحَك اللَّهُ، حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَرْفَعْهُ، وَحَدَّثَنِي دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَرْفَعْهُ، وَرَفَعَهُ سِمَاكٌ، وَأَنَا أَهَابُهُ، انْتَهَى. مِنْ التَّنْقِيحِ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ، صَاعُ الْبَائِعِ، وَصَاعُ الْمُشْتَرِي، قُلْت رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ، صَاعُ الْبَائِعِ، وَصَاعُ الْمُشْتَرِي، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ ثَنَا مُسْلِمٌ الْجَرْمِيِّ ثَنَا مَخْلَدٍ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ سَوَاءً، وَزَادَ فِيهِ: فَيَكُونُ لِصَاحِبِهِ الزِّيَادَةُ، وَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ الْقُشَيْرِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِلَفْظِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَا يَرْوِيهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ غَيْرُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، وَعَنْ خَالِدٍ أَحْمَدُ بْنُ بَكْرٍ الْبَالِسِيُّ، وَأَنَا أَخَاف أَنْ يَكُونَ الْبَلَاءُ فِيهِ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ بَكْرٍ لَا مِنْ خَالِدٍ، فَإِنَّ أَحْمَدَ
ضَعِيفٌ، ثُمَّ ضَعَّفَ خَالِدًا، وَقَالَ: إنَّ أَحَادِيثَهُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، وَمَعَ ضَعْفِهِ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ للمتقديمن فِيهِ كَلَامًا، فَأَرَدْت أَنْ أُبَيِّنَ ضَعْفَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ مُعَلَّى بْنِ هِلَالٍ الطَّحَّانِ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُبَاعُ طَعَامٌ حَتَّى يُكَالَ بِالصَّاعَيْنِ، صَاعِ الْبَائِعِ، وَصَاعِ الْمُشْتَرِي"، انْتَهَى. وَأَسْنَدَ إلَى الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدَ، وَالسَّعْدِيِّ فِي مُعَلَّى بْنِ هِلَالٍ أَنَّهُ كَذَّابٌ وَضَّاعٌ، وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. حَدِيثٌ آخَرُ، مُرْسَلٌ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِلَفْظِ حَدِيثِ جَابِرٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: فِي الْبَابِ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ كَانَا يَبْتَاعَانِ التَّمْرَ، وَيَجْعَلَانِهِ فِي غَرَائِرَ، ثُمَّ يَبِيعَانِهِ بِذَلِكَ الْكَيْلِ، فَنَهَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَاهُ حَتَّى يَكِيلَاهُ لِمَنْ ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا، انْتَهَى.
باب الربا
بَابُ الرِّبَا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ، مِثْلٌ بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا" وَعَدَّ الْأَشْيَاءَ السِّتَّةَ: الْحِنْطَةَ، وَالشَّعِيرَ، وَالتَّمْرَ، وَالْمِلْحَ، وَالذَّهَبَ، وَالْفِضَّةَ، عَلَى هَذَا الْمِثَالِ، وَيُرْوَى بِرِوَايَتَيْنِ: رَفْعِ مِثْلٍ وَنَصْبِهِ. قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ. فَحَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ، فَقَدْ أَرْبَى، الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ بِلَالٍ: فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى ثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ بِلَالٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءٌ، لَيْسَ فِيهِ: فَمَنْ زَادَ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ رَوَاهُ قَيْسٌ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، إلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ"، انْتَهَى. لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. حَدِيثٌ آخَرُ: اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِأَصْحَابِنَا، أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ3 عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَوَادَ بْنَ غَزِيَّةَ، وَأَمَّرَهُ عَلَى خَيْبَرَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ تَمْرٌ جَنِيبٌ يَعْنِي الطَّيِّبَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا"؟ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا نَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ مِنْ الْجَمْعِ، فَقَالَ عليه السلام: " لَا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ بِعْ هَذَا، وَاشْتَرِ بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ"، انْتَهَى. قَالَ: وَوَجْهُ الْحُجَّةِ أَنَّهُ اشْتَرَطَ الْمُمَاثَلَةَ، وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْكَيْلِ، ثُمَّ قَاسَ عَلَيْهِ الْمِيزَانَ، أَيْ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْأَشْبَهُ فِي قَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ إنَّهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ4 عَنْ الْمُبَارَكِ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا رِبَا إلَّا فِي ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ مَا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ، أَوْ يُؤْكَلُ، أَوْ يُشْرَبُ"، انْتَهَى. اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ فِي الرِّبَا فِي الْمَطْعُومَاتِ وَهُوَ مُرْسَلٌ،
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ رَوَاهُ الْمُبَارَكُ بْنُ مُجَاهِدٍ، وَوَهَمَ عَلَى مَالِكٍ فِي رَفْعِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ سَعِيدٍ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَلَيْسَتْ هَذِهِ عِلَّتُهُ، وَإِنَّمَا عِلَّتُهُ أَنَّ الْمُبَارَكَ بْنَ مُجَاهِدٍ ضَعِيفٌ، وَمَعَ ضَعْفِهِ فَقَدْ انْفَرَدَ عَنْ مَالِكٍ بِرَفْعِهِ، وَالنَّاسُ رَوَوْهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ بِهِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ الْمُسَيِّبِ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْبَيْهَقِيُّ لِرَفْعِهِ أَصْلًا. حَدِيثٌ آخَرُ: اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيُّ بِحَدِيثٍ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ" , رَوَاهُ مُسْلِمٌ1 قَالَ: وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ الطَّعَامَ مُشْتَقٌّ مِنْ الطَّعْمِ، فَهُوَ يَعُمُّ الْمَطْعُومَ2. وَأَمَّا حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ" فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 وَلَكِنْ أَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الرَّاوِيَ اخْتَصَرَهُ، فَيَكُونُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الرِّبَا فِي صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ، أَوْ تَمْرٍ بِحِنْطَةٍ، فَقَالَ: "إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ"، فَأَدَّاهُ دُونَ مَسْأَلَةِ السَّائِلِ، قَالَ: وَنَظِيرُ ذَلِكَ حَدِيثُ: "مَنْ قَطَعَ سِدْرًا صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ"، قَالَ: فَحَمَلَهُ الْمُزَنِيّ عَلَى سِدْرٍ لِقَوْمٍ، هَجَمَ إنْسَانٌ عَلَى قَطْعِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَأَدْرَكَ رَاوِي الْحَدِيثِ جَوَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُدْرِكْ الْمَسْأَلَةَ، قَالَ: وَحَمَلَهُ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ عَلَى سِدْرٍ فِي فَلَاةٍ، يَسْتَظِلُّ بِهَا النَّاسُ وَالْبَهَائِمُ، فَقَطَعَهُ إنْسَانٌ عَبَثًا بِغَيْرِ حَقٍّ، قَالَ: وَهَذَا مَعَ أَنَّ أَسَانِيدَهُ مُضْطَرِبَةٌ مَعْلُولَةٌ ذَكَرْنَاهَا فِي السُّنَنِ، وَمَدَارُهَا عَلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ كَانَ يَقْطَعُهَا مِنْ أَرْضِهِ، قَالَ: وَكِبَارُ الصَّحَابَةِ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ بِرِبَا الْفَضْلِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَقْدَمُ صُحْبَةً مِنْ أُسَامَةَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو سَعِيدٍ أَكْثَرُ حِفْظًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُهُمْ بِذَلِكَ، فَالْحُجَّةُ فِيمَا رَوَاهُ الْأَكْبَرُ وَالْأَحْفَظُ وَالْأَقْدَمُ أَوْلَى، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَمَعْنَاهُ يُؤْخَذُ مِنْ إطْلَاقِ حَدِيثِ ابْنِ سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ هَاءَ وَهَاءَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ
فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ بِلَفْظِ: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ"، إلَى آخِرِهِ سَوَاءٌ، قِيلَ: وَرَوَاهُ الْبَرْقَانِيُّ فِي الَّذِي خَرَّجَهُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ: الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ رِبًا، الْحَدِيثُ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا2 عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، إلَّا سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ، وَأَمَرَنِي أَنْ نَشْتَرِيَ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ، كَيْفَ شِئْنَا، وَنَشْتَرِيَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا، قَالَ: فَسَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: "يَدًا بِيَدٍ"؟ فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْت، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ سُؤَالُ الرَّجُلِ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ: "يَدًا بِيَدٍ"، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: "يَدًا بِيَدٍ" أَيْ عَيْنًا بِعَيْنٍ، وَكَذَا رَوَاهُ عُبَادَةَ بْنُ الصَّامِتِ. قُلْت: تَقَدَّمَ حَدِيثُ: "يَدًا بِيَدٍ" فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ، وَقَوْلُهُ: "عَيْنًا بِعَيْنٍ" هُوَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ أَيْضًا عِنْدَ مُسْلِمٍ: إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ، فَقَدْ أَرْبَى، وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَاحْتَجَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَجْوِيزِهِ التَّفَرُّقَ قَبْلِ الْقَبْضِ، فِي بَيْعِ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا، بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، كَالْمَكِيلِ بِالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَبِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَالْبَرَاءِ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا، أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَبِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ اصْطَرَفَ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ صَرْفًا بِمَكَّةَ، بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَأَخَذَ طَلْحَةُ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي مِنْ الْغَابَةِ، وَعُمَرُ يَسْمَعُ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، والشعير بالشعير رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ"، انْتَهَى. أَخْرَجَاهُ أَيْضًا، قَالَ: وَفِي لَفْظٍ أَخْرَجَهُ الْبَرْقَانِيُّ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ: "وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ"، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي مَنْعِهِ بَيْعَ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَرْوَانَ ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ، تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ مَرْوَانَ عَنْ مَالِكٍ، وَالصَّوَابُ فِيهِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: يَزِيدُ بْنُ مَرْوَانَ كَذَّابٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الْأَثْبَاتِ، لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ بِحَالٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ السُّلَمِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ نَحْوَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ2: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَمَنْ أَثْبَتَ سَمَاعَ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ عَدَّهُ مَوْصُولًا، وَمَنْ لَمْ يُثْبِتْهُ فَهُوَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ثَابِتِ بْنِ زُهَيْرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ3 وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ نَحْوَهُ، وَفِي لَفْظٍ، نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيِّ بِالْمَيِّتِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ4 مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُبَاعَ حَيٌّ بِمَيِّتٍ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا مُرْسَلٌ يُؤَكِّدُ مُرْسَلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا بِسَنَدِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ قال بخلاف ذلك، وإرسال ابْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ.
فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَاعَ كَالِئٌ بِكَالِئٍ يَعْنِي دَيْنًا بِدَيْنٍ، انْتَهَى، وَلَفْظُ الْبَزَّارِ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَعَنْ بَيْعِ كَالِئٍ بِكَالِئٍ، وَعَنْ بَيْعِ عَاجِلٍ بآجل، فَالْغَرَرُ أَنْ تَبِيعَ مَا لَيْسَ عِنْدَك، وَالْكَالِئُ بِالْكَالِئِ دَيْنٌ بِدِينٍ، وَالْعَاجِلُ بِالْآجِلِ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلٍ، فَتُعَجِّلُ عَنْهَا بِخَمْسِمِائَةٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِمُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، وَنَقَلَ تَضْعِيفَهُ عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: فَقِيلَ لِأَحْمَدَ: إنَّ شُعْبَةَ يَرْوِي عَنْهُ، قَالَ: لَوْ رَأَى شُعْبَةُ مَا رَأَيْنَا مِنْهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَالضَّعْفُ عَلَى حَدِيثِهِ بَيِّنٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِهِ، بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِالْأَسْلَمِيِّ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، والدارقطني فِي سُنَنِهِ1 عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، وَقَالَ: هُوَ النَّسِيئَةُ بِالنَّسِيئَةِ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَغَلَّطَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إنَّمَا هُوَ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَزَّارُ التُّسْتَرِيُّ أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يُوسُفَ الْمُسَيْكِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى زُنْبُورٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ سَهْلِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ، وَنَهَى أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَبِيعُ هَذَا بِنَقْدٍ، وَأَشْتَرِيهِ بِنَسِيئَةٍ، حَتَّى يَبْتَاعَهُ، ويحرزه، وعن كالي بكالي، دَيْنٍ بِدِينٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: سُئِلَ عليه السلام عَنْ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ، فَقَالَ: "أَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ"؟ فَقِيلَ: نَعَمْ، فَقَالَ عليه السلام: "فَلَا إذَنْ"، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَدَارُهُ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ النَّقَلَةِ. قُلْت: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ سعد بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟
قَالَ: الْبَيْضَاءُ، قَالَ: فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ عَنْ شِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ، فَقَالَ عليه السلام: "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ"؟ قَالَ: نَعَمْ، فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَلَفْظُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، فَقَالَ: "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ "؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "فَلَا إذَنْ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ النَّقْلِ عَلَى إمَامَةِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَأَنَّهُ مُحْكِمٌ لِكُلِّ مَا يَرْوِيهِ فِي الْحَدِيثِ، إذْ لَمْ يُوجَدْ فِي رِوَايَاتِهِ إلَّا الصَّحِيحُ، خُصُوصًا فِي حَدِيثِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالشَّيْخَانِ لَمْ يُخَرِّجَاهُ لِمَا خَشِيَا مِنْ جَهَالَةِ زَيْدٍ أَبِي عَيَّاشٍ، وَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا فِي رِوَايَتِهِ إيَّاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا، وَسَكَتَ عَنْهُمَا، وَفِي لَفْظِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ زِيَادَةٌ، وَسَيَأْتِي. قَالَ الْخَطَّابِيَّ: وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إسناد هذا الْحَدِيثِ، وَقَالَ: زَيْدٌ أَبُو عَيَّاشٍ مَجْهُولٌ، وَمِثْلُ هَذَا الْإِسْنَادِ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ، فَإِنَّ أَبَا عَيَّاشٍ هَذَا مَوْلًى لِبَنِي زُهْرَةَ مَعْرُوفٌ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، وَهُوَ لَا يَرْوِي عَنْ رَجُلٍ مَتْرُوكِ الْحَدِيثِ بِوَجْهٍ، وَهَذَا مِنْ شَأْنِ مَالِكٍ وَعَادَتِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: زَيْدٌ أَبُو عَيَّاشٍ مَجْهُولٌ، وَكَيْفَ يَكُونُ مَجْهُولًا، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ اثْنَانِ ثِقَتَانِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، وَعِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ: وَهُمَا مِمَّنْ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَقَدْ عَرَفَهُ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ، فَالْإِمَامُ مَالِكٌ قَدْ أخرج حديثه في موطأه، مَعَ شِدَّةِ تَحَرِّيهِ فِي الرِّجَالِ، وَنَقْدِهِ، وَتَتَبُّعِهِ لِأَحْوَالِهِمْ، وَالتِّرْمِذِيُّ قَدْ صَحَّحَ حَدِيثَهُ، وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي كِتَابِ الْكُنَى، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ النَّسَائِيّ فِي كِتَابِ الْكُنَى، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ الْكَرَابِيسِيُّ فِي كِتَابِ الْكُنَى، وَذَكَرُوا أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمَا عَلِمْت أَحَدًا ضَعَّفَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: زَيْدٌ أَبُو عَيَّاشٍ مَجْهُولٌ، فَإِنْ كَانَ هُوَ لَمْ يَعْرِفْهُ، فَقَدْ عَرَفَهُ1 أَئِمَّةُ النَّقْلِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ سَوَاءً، قُلْت: وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ، فَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى
عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ نَسِيئَةً، هَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1 عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ أَبَا عَيَّاشٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ نَسِيئَةً، انْتَهَى. وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: خَالَفَهُ مَالِكٌ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَالضِّحَاكُ بْنُ عُثْمَانَ، وَسَلَمَةُ بن يزيد، فَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ لَمْ يَقُولُوا فِيهِ: نَسِيئَةً، وَاجْتِمَاعُ هَؤُلَاءِ الأربعة عل خِلَافِ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ يَدُلُّ عَلَى ضَبْطِهِمْ لِلْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ عِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ2، عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ أَيْضًا نَحْوَ رِوَايَةِ مَالِكٍ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، انْتَهَى. قُلْت: فَحَدِيثُ مَالِكٍ تَقَدَّمَ، وَحَدِيثُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عِنْدَ النَّسَائِيّ، وَالْحَاكِمِ3 وَاعْلَمْ أَنَّ شَيْخَنَا عَلَاءَ الدِّينِ نَسَبَ الْمُصَنِّفَ إلَى الْوَهْمِ فِي قَوْلِهِ: وَمَدَارُهُ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ زَيْدٌ أَبُو عَيَّاشٍ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَشَيْخُنَا قَلَّدَ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: زَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ أَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ، وَيُقَالُ: المخزومي، وَيُقَالُ: مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ الْمَدَنِيُّ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ4 وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: مَجْهُولٌ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ5 عَنْ يَحْيَى بْنِ أُنَيْسَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَاعَ الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ الْجَافِّ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ أَنْ يُبَاعَ الرُّطَبُ بِالْيَابِسِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ مَتْرُوكَانِ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، مُرْسَلٌ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ1 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ رُطَبٍ بِتَمْرٍ، فَقَالَ: "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ"؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "لَا يُبَاعُ رُطَبٌ بِيَابِسٍ"، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَهَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ، وَهُوَ شَاهِدٌ لِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرُّطَبَ تَمْرٌ لِقَوْلِهِ عليه السلام حِينَ أَهْدَى لَهُ عَامِلُ خَيْبَرَ رُطَبًا: "أَوَ كُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا"؟، قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ، فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ " قَالَ: لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ الْجَمْعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ، بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرَوْا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ"، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَفْعَلُ، بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ3، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا"، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ احْتَجَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، بِنَاءً عَلَى تَسْمِيَتِهِ فِي الْحَدِيثِ تَمْرًا، وَقَدْ كَشَفْتُ طُرُقَ الْحَدِيثِ، وَأَلْفَاظَهُ، فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ ذِكْرَ الرُّطَبِ، وَالْبُخَارِيُّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ4 فِي الْبُيُوعِ، وَفِي الْوَكَالَةِ، وَفِي الْمَغَازِي، وَفِي الِاعْتِصَامِ، وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا. قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الرُّطَبَ إنْ كَانَ تَمْرًا جَازَ الْبَيْعُ بِأَوَّلِ الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ تَمْرٍ فَبِآخِرِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام: " إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ"، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْمُتَقَدِّمِ، أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ عُبَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام: " لَا رِبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ". قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ فِي كِتَابِ السِّيَرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا لِأَنَّ بَعْضَ الْمَشْيَخَةِ حَدَّثَنَا عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَا رِبَا بَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ"، أَظُنُّهُ قَالَ: "وَأَهْلِ الْإِسْلَامِ"، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا لَيْسَ بِثَابِتٍ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
باب الاستحقاق
باب الحقوق....خال باب الاستحقاق حَدِيثُ: "لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ1 فِي الطَّلَاقِ، وَاللَّفْظُ لِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هذا الباب، انتهى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ بِجَمِيعِ طُرُقِهِ، وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ.
باب السلم
بَابُ السَّلَمِ قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ السَّلَفَ الْمَضْمُونَ إلَى أَجَلٍ، وَأَنْزَلَ فِيهِ أَطْوَلَ آيَةٍ فِي كِتَابِهِ، وَتَلَا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} قُلْت: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ السَّلَفَ الْمَضْمُونَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ، وَأَذِنَ فِيهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى
أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} الْآيَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، وَرَأَيْت بَعْضَ مُصَنِّفِي زَمَانِنَا عَزَا هَذَا الْحَدِيثَ لِلْبُخَارِيِّ، وَهُوَ غَلَطٌ، وَلَمْ يُخَرِّجْ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ لِأَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ شَيْئًا، وَاسْمُهُ مُسْلِمٌ. الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ، وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَقَوْلُهُ: وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ هُوَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ، لَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي كَلَامِهِ، وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الْخَامِسِ، وَلَكِنْ رَأَيْت فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْقُرْطُبِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَثَرَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا اللَّفْظِ، فَقَالَ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْأَجَلِ فِي السَّلَمِ الْحَدِيثُ الَّذِي قَالَ فِيهِ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك، وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ، قَالَ: لِأَنَّ السَّلَمَ لَمَّا كَانَ بَيْعَ مَعْلُومٍ فِي الذِّمَّةِ كَانَ بَيْعَ غَائِبٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَجَلٌ كَانَ هُوَ الْبَيْعَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى الشَّرْعُ السَّلَمَ مِنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك، لِأَنَّهُ بَيْعٌ تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ، فَإِنَّ صَاحِبَ رَأْسِ الْمَالِ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ يَشْتَرِيَ التَّمْرَ، وَصَاحِبُ التَّمْرِ يَحْتَاجُ إلَى ثَمَنِهِ لِيُنْفِقَهُ عَلَيْهِ، فَظَهَرَ أَنَّ صَفْقَةَ السَّلَمِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْحَاجِيَّةِ، وَقَدْ سَمَّاهُ الْفُقَهَاءُ: بَيْعَ الْمَحَاوِيجِ، فَإِذَا كَانَ حَالًّا بَطَلَتْ هَذِهِ الْحِكْمَةُ، وَارْتَفَعَتْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ، وَلَمْ يَكُنْ لِاسْتِثْنَائِهِ مِنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك فَائِدَةٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ مُرَكَّبٌ، فَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ، أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعِ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجُوهُ أَيْضًا عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك"، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ، وَأَمَّا الرُّخْصَةُ فِي السَّلَمِ، فَأَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يَسْتَلِفُونَ فِي الثَّمَرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ، فَقَالَ: "مَنْ أَسْلَفَ
فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ"، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي أَوْفَى، قَالَ: إنْ كُنَّا لَنُسْلِفُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ فِي الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَسَأَلْت ابْنَ أَبِي أَبْزَى فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: " مَنْ أَسْلَفَ مِنْكُمْ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ، وَالسَّنَتَيْنِ، وَالثَّلَاثَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ: فَلَا يُسْلِفْ إلَّا فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَاهُ إذَا أَسْلَفَ أَحَدُكُمْ فِي كَيْلٍ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَإِنْ أَسْلَفَ فِي وَزْنٍ، فَلْيُسْلِفْ فِي وَزْنٍ مَعْلُومٍ، وَإِذَا سَمَّى أَجَلًا، فَلْيُسَمِّ أَجَلًا مَعْلُومًا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، والدارقطني فِي سُنَنِهِ2 عَنْ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ جُوتَى ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ الزَّمَّارِيَّ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ السَّلَفِ فِي الْحَيَوَانِ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. قال صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ جُوتَى قَالَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ: مُنْكَرُ الحديث جداً، ويأتي عَنْ الثِّقَاتِ بِالْمَوْضُوعَاتِ، لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ إلَّا عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: رَوَى أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: اسْتَدَلَّ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: دَفَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ إلَى زَيْدِ بْنِ خُوَيْلِدَةَ الْبَكْرِيِّ مَالًا مُضَارَبَةً، فَأَسْلَمَ زَيْدٌ إلَى عِتْرِيسِ بْنِ عُرْقُوبٍ الشَّيْبَانِيِّ فِي قَلَائِصَ، فَلَمَّا حَلَّتْ أَخَذَ بَعْضًا، وَبَقِيَ بَعْضٌ، فَأَعْسَرَ عِتْرِيسٌ، وَبَلَغَهُ أَنَّ الْمَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ، فَأَتَاهُ يَسْتَرْفِقُهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَفْعَلَ زَيْدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: اُرْدُدْ مَا أَخَذْت، وَخُذْ رَأْسَ مَالِك، وَلَا تُسْلِمَن مَالَنَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: فِيهِ انْقِطَاعٌ، انْتَهَى3.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ لِمَذْهَبِهِ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَرِيشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا، فَنَفِدَتْ الْإِبِلُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ، فَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، مُضْطَرِبُ الْإِسْنَادِ، فَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَرِيشٍ عَنْ ابْنِ عَمْرٍو، هَكَذَا أَوْرَدَهُ أَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، فَأَسْقَطَ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ، وَقَدَّمَ أَبَا سُفْيَانَ عَلَى مُسْلِمِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ فِيهِ: عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَرِيشٍ، ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَرَوَاهُ عَفَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَرِيشٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَرِيشِ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، فَأَسْقَطَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، وَقَدَّمَ أَبَا سُفْيَانَ، كَمَا فَعَلَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي مُسْلِمِ بْنِ جُبَيْرٍ: مُسْلِمُ بْنُ كَثِيرٍ، وَمَعَ هَذَا الِاضْطِرَابِ فَعَمْرُو بْنُ حَرِيشٍ مَجْهُولُ الْحَالِ، وَمُسْلِمُ بْنُ جُبَيْرٍ لَمْ أَجِدْ لَهُ ذِكْرًا، وَلَا أَعْلَمُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ، وَكَذَلِكَ مُسْلِمٌ مَجْهُولُ الْحَالِ أَيْضًا إذَا كَانَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبُو سُفْيَانُ فِيهِ نَظَرٌ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِحَدِيثٍ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً، رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ، وَابْنُ عُمَرَ. فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهُ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ بِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
فِي سُنَنِهِ1 وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ الْبَزَّارُ: لَيْسَ فِي الْبَابِ أَجَلُّ إسْنَادًا مِنْ هَذَا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: الصَّحِيحُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلٌ، هَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مَعْمَرٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ انْتَهَى. قُلْت: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ دَاوُد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارِ عَنْ مَعْمَرٍ بِهِ مُسْنَدًا. وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ: فَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ2 عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً غَيْرُ ثَابِتٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَكْثَرُ الْحُفَّاظِ لَا يُثْبِتُونَ سَمَاعَ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ فِي غَيْرِ حَدِيثِ الْعَقِيقَةِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْحَيَوَانُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ، لا يصلح نسأ، وَلَا بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ رَاشِدٍ الْأَدَمِيُّ ثَنَا دَاوُد بْنُ مِهْرَانَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ الطَّاحِيِّ ثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، نَحْوَهُ سَوَاءً، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَمُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ هَذَا ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْت الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: إنَّمَا يُرْوَى عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ، وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ"، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَبِيعُ الْفَرَسَ بِالْأَفْرَاسِ،
وَالْبُخْتِيَّةَ بِالْإِبِلِ، قَالَ: " لَا بَأْسَ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ"، انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ الْأَوَّلَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مَحْمُولَةٌ على أن يكون النسأ فِيهَا مِنْ الطَّرَفَيْنِ، فَيَبِيعُ شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ، بِشَيْءٍ فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "لَا تُسْلِفُوا فِي الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ1 وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ رَجُلٍ نَجْرَانِيٍّ، قُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أُسْلِمُ فِي نَخْلٍ قَبْلَ أَنْ يُطْلِعَ؟ قَالَ: لَا، قُلْت: لِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ فِي حَدِيقَةِ نَخْلٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُطْلِعَ النَّخْلُ فَلَمْ تُطْلِعْ النَّخْلُ شَيْئًا ذَلِكَ الْعَامَ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: هُوَ لِي حَتَّى يُطْلِعَ، وَقَالَ الْبَائِعُ: إنَّمَا بِعْتُك النَّخْلَ هَذِهِ السَّنَةَ، فَاخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِلْبَائِعِ: "أَخَذَ مِنْ نَخْلِك شَيْئًا"؟ قَالَ: لَا، قَالَ: "بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَهُ؟ اُرْدُدْ عَلَيْهِ مَا أَخَذْت مِنْهُ، وَلَا تُسْلِمُوا فِي نَخْلٍ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ"، انْتَهَى. وَغَفَلَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ ابْنِ مَاجَهْ، فَلَمْ يَعْزُهُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: فِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد، وَقَالَ: إسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: سَأَلَتْ ابْنَ عُمَرَ عَنْ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ، فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَصْلُحَ، وعن بيع الورق نسأ بِنَاجِزٍ، وَسَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ، فقال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الطبراني في المعجم الوسط حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ ثَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِنْ أَحَالَك عَلَى مَلِيءٍ فَاحْتَلْ، وَلَا تَقْرَبُوا حَبَالَى السَّبْيِ حَتَّى يَضَعْنَ، وَلَا تُسْلِمُوا فِي ثَمَرَةٍ حَتَّى يَأْمَنَ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا الْعَاهَةَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ حَدَّثَنَا أبو زرعة عن عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ بِهِ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاحْتَجَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِلشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِي الْمَعْدُومِ وَقْتَ الْعَقْدِ، إذَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحِلِّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ: مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، إلَى آخِرِهِ، وَبِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 فِي صَحِيحِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ، مَوْلَى
بَنِي هَاشِمٍ، قَالَ أَرْسَلَنِي ابْنُ شَدَّادٍ، وَأَبُو بُرْدَةَ، وَقَالَا: انْطَلِقْ إلَى ابْنِ أَبِي أَوْفَى، فَقُلْ لَهُ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ، وَأَبَا بُرْدَةَ يُقْرِئَانِك السَّلَامَ، وَيَقُولَانِ: هَلْ كُنْتُمْ تُسْلِفُونَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ؟ قَالَ: نَعَمْ كُنَّا نُصِيبُ غَنَائِمَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنُسْلِفُهَا فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ وَالتَّمْرِ، فَقُلْت: عِنْدَ مَنْ كَانَ لَهُ زَرْعٌ، أَوْ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَرْعٌ؟ فَقَالَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَا: انْطَلِقْ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى فَاسْأَلْهُ، فَانْطَلَقَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى، انْتَهَى. وَكَانَ وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ اسْتَقْصَى شَرَائِطَ السَّلَمِ فِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ وُجُودَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَالْمَحِلِّ، وَمِنْ الثَّانِي تَرْكُ الِاسْتِقْصَاءِ، فَإِنَّهُ قَالَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَّا مُؤَجَّلًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ: وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ. قُلْت: يُشِيرُ إلَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلَ الْبَابِ: نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ، وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَهُ حَدِيثًا وَاحِدًا. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ"، قُلْت: تَقَدَّمَ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: " أَرَأَيْتَ لَوْ أَذْهَبَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ"؟! قُلْت: غَرِيبٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي طَعَامِ قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا. أَوْ ثَمَرَةِ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا، لِأَنَّهُ قَدْ يَعْتَرِيهِ آفَةٌ فَلَا قُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ عليه السلام حَيْثُ قَالَ: " أَرَأَيْتَ لَوْ أَذْهَبَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ؟ "، وَهَذَا اللَّفْظُ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْبَيْعِ، كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ، فَقُلْت لِأَنَسٍ: مَا زُهُوُّهَا؟ قَالَ: تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ، أَرَأَيْتُك إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيك؟. انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ بِعْت مِنْ أَخِيك تمراً فأصابه جَائِحَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، ثُمَّ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيك بِغَيْرِ حَقٍّ"، انْتَهَى. وَأَمَّا فِي السَّلَمِ فَلَا أَعْرِفُ وُرُودَ هَذَا، لَكِنْ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إنْ لَمْ يُثْمِرْهَا اللَّهُ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟ "، انْتَهَى. هَلْ يُؤْخَذُ بِإِطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ السلم أَيْضًا أَوْ يُصْرَفُ إلَى الْبَيْعِ، كَالْأَوَّلِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيُعَادُ فِيهِ التَّأَمُّلُ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الكالي بالكالي، تَقَدَّمَ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: "لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك، أَوْ رَأْسَ مَالِك" , قُلْت: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ أَبِي بَدْرٍ شُجَاعِ بْنِ الْوَلِيدِ ثَنَا زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ عَنْ سَعْدٍ الطَّائِيِّ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إلَى غَيْرِهِ"، انْتَهَى. وَعَزَاهُ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَنَسٍ، وَلَمْ أَجِدْهُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ، وَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ عَطِيَّةَ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، ولم يَذْكُرْ فِيهِ سَعْدًا، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيِّ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الدِّرْهَمِيِّ قَالَا: أَنَا أَبُو بَدْرٍ بِهِ، بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّفْظُ لِلدِّرْهَمِيِّ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ: فَلَا يَأْخُذُ إلَّا مَا أَسْلَمَ فِيهِ، أَوْ رَأْسَ مَالِهِ، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْجُلَّةُ قَدْ رَوَوْا عَنْهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ، وَالتِّرْمِذِيُّ يُحَسِّنُ حَدِيثَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ مَعَ ضَعْفِهِ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إذَا أَسْلَفْت فِي شَيْءٍ فَلَا تَأْخُذْ إلَّا رَأْسَ مَالِك، وَاَلَّذِي أَسْلَفْت فِيهِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ سَمِعْت أَبَا الشَّعْثَاءِ يَقُولُ نَحْوَهُ. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا محمد بن ميسرة عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ شُعَيْبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يُسْلِفُ لَهُ فِي الطَّعَامِ، وَيَقُولُ لِلَّذِي يُسْلِفُ لَهُ: لَا تَأْخُذْ بَعْضَ رَأْسِ مَالِنَا أَوْ بَعْضَ طَعَامِنَا، وَلَكِنْ خُذْ رَأْسَ مَالِنَا كُلَّهُ، أَوْ الطَّعَامَ وَافِيًا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ، تَقَدَّمَ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ
مسائل منثورة
مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ مِنْ السُّحْتِ مَهْرَ الْبَغِيِّ، وَثَمَنَ الْكَلْبِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عن قيس بن سعيد عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ مَهْرَ الْبَغِيِّ، وَثَمَنَ الْكَلْبِ، وَكَسْبَ الْحَجَّامِ مِنْ السُّحْتِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 بِسَنَدَيْنِ فِيهِمَا ضَعْفٌ: أَحَدُهُمَا: عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَمِّهِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ سُحْتٌ: أَجْرُ الْحَجَّامِ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ"، انْتَهَى. الثَّانِي: عَنْ الْمُثَنَّى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالْوَلِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالْمُثَنَّى ضَعِيفَانِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ: فَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْت السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السُّحْتُ ثَلَاثٌ: مَهْرُ الْبَغِيِّ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي آخِرِ كِتَابِ الْعِلَلِ2 وَقَالَ أَبِي: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ هَذَا هُوَ الْقَارِئُ، وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ أَخُوهُ فِيمَا أَظُنُّ، وَالنَّاسُ يَرْوُونَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ النَّوْفَلِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عن السائب عن يَزِيدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَمَنُ الْكَلْبِ سُحْتٌ، وَمَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ سُحْتٍ فَلَهُ النَّارُ" مُخْتَصَرٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ هَذَا، وَقَالَ: إنَّهُ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ لَا يَضْبِطُ مَا يَرْوِيهِ، وَعَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ النَّسَائِيّ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَجَرَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ يَزِيدَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ الصَّيْدِ، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا يَصِحُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَبُو الْمُهَزِّمِ تَكَلَّمَ فِيهِ شُعْبَةُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرِ مَرْفُوعًا نَحْوُ هَذَا3 وَلَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ أَيْضًا، انْتَهَى. وَحَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِصَحِيحٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ4 عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ غِيَاثٍ ثَنَا حَمَّادٌ ثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ، وَسُوَيْدُ بْنُ عَمْرٍو5 عَنْ حَمَّادٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ورواه عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ بِالشَّكِّ فِي ذِكْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، وَرَوَاهُ الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ عَنْ حَمَّادٍ، وَقَالَ فِيهِ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ خَالِيَةٌ عَنْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِنَّمَا الِاسْتِثْنَاءُ فِي أحاديث النَّهْيُ عَنْ الِاقْتِنَاءِ، فَلَعَلَّهُ شُبِّهَ عَلَى مَنْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ ثَمَنِهِ مِنْ الرُّوَاةِ الَّذِينَ هُمْ دُونَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الْهَيْثَمِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَرَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَمَنِ كَلْبِ الصَّيْدِ، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ جَيِّدٌ، فَأَنَّ الْهَيْثَمَ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ مِنْ أَثْبَاتِ التَّابِعِينَ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَدَائِنِيُّ ثَنَا أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الْهَيْثَمِ بِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي ثَمَنِ كَلْبِ الصَّيْدِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِأَبِي عَلِيٍّ الْكِنْدِيِّ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِاللَّجْلَاجِ، قَالَ: وَلَهُ أَشْيَاءُ يَنْفَرِدُ بِهَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَنِيفَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: اللَّجْلَاجُ لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ، وَقَدْ حَدَّثَ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ لِأَبِي حَنِيفَةَ كُلُّهَا مَنَاكِيرُ لَا تُعْرَفُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام فِي الْخَمْرِ: "إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا، وَأَكْلَ ثَمَنِهَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ، قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَمَّا يُعْصَرُ مِنْ الْعِنَبِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّ رَجُلًا أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ شُرْبَهَا"؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَسَارَّ إنْسَانًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بِمَ سَارَرْته"؟ قَالَ: أَمَرْته بِبَيْعِهَا، فَقَالَ: "إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا"، قَالَ: فَفَتَحَ الْمَزَادَةَ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهَا، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ يَقُولُ، وَهُوَ بِمَكَّةَ: "إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْأَصْنَامِ"، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهِ السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ، فَقَالَ: "لَا، هُوَ حَرَامٌ"، ثُمَّ قَالَ: "قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهُ، فَبَاعُوهُ، وَأَكَلُوا ثَمَنَهُ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ يُعَرِّضُ بِالْخَمْرِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يُنْزِلُ فِيهَا أَمْرًا، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ، وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ"، قَالَ: فَمَا لَبِثْنَا إلَّا يَسِيرًا حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ، فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ، وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ، فَلَا يَشْرَبْ، وَلَا يَبِعْ"، قَالَ: فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْهَا فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، فَسَفَكُوهَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ نَافِعِ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَّجِرُ فِي الْخَمْرِ زَمَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْ الشَّامِ، وَمَعَهُ زِقَاقُ خَمْرٍ، يُرِيدُ بِهَا التِّجَارَةَ، فَأَتَى
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَتَيْتُك بِشَرَابٍ جَيِّدٍ، فَقَالَ عليه السلام: " يَا كَيْسَانُ إنَّهَا قَدْ حُرِّمَتْ بَعْدَك"، قَالَ: أَفَأَبِيعُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "إنَّهَا حُرِّمَتْ، وَحُرِّمَ ثَمَنُهَا"، فَانْطَلَقَ كَيْسَانُ إلَى الزِّقَاقِ فَأَخَذَ بِأَرْجُلِهَا فَهَرَاقَهَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَهْدِي كُلَّ عَامٍ رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ جَاءَ بِهَا، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ، قَالَ: "أَشَعَرْتَ أَنَّهَا قَدْ حُرِّمَتْ بَعْدَك"؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أَبِيعُهَا، وَأَنْتَفِعُ بِثَمَنِهَا؟ قَالَ: "إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَثَمَنَهَا". حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ: لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً، رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَنَسٌ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْمُبَايَعَاتِ كَالْمُسْلِمِينَ، لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ: "فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ"، قُلْت: لَمْ أَعْرِفْ الْحَدِيثَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِي هَذَا الْمَعْنَى إلَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ، وَهُوَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ، وَهُوَ فِي كِتَابِ السِّيَرِ، وَلَيْسَ فِيهِمَا ذَلِكَ. قَوْلُهُ: عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا، وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنِّفِهِ فِي الْبُيُوعِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى الْجُعْفِيِّ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَّالَهُ يَأْخُذُونَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْخَمْرِ، فَنَاشَدَهُمْ ثَلَاثًا، فَقَالَ لَهُ بِلَالٌ: إنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ، قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا، وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا، فَإِنَّ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا، وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ كَذَلِكَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ، وَقَالَ فِيهِ: وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا، وَخُذُوا أَنْتُمْ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِنَّ الْيَهُودَ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْخَمْرَ، وَالْخَنَازِيرَ فِي جِزْيَةِ رُءُوسِهِمْ، وَخَرَاجِ أَرْضِهِمْ بِقِيمَتِهَا، ثُمَّ يَتَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ بَيْعَهَا، فَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ بِلَالٌ، وَنَهَى عَنْهُ عُمَرُ، ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ مِنْ أَثْمَانِهَا إذَا كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُتَوَلِّينَ لِبَيْعِهَا، لِأَنَّهَا مَالُهُمْ، وَلَيْسَتْ بِمَالٍ لِلْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى.
كتاب الصرف
كِتَابُ الصَّرْفِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ"، الْحَدِيثُ تَقَدَّمَ فِي الرِّبَا. الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ: "جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ" تَقَدَّمَ فِيهِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ اسْتَنْظَرَك أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ، فَلَا تُنْظِرْهُ، قُلْت: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ1 عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالذَّهَبِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ، وَالْآخَرُ نَاجِزٌ، وَإِنْ اسْتَنْظَرَك أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ، فَلَا تُنْظِرْهُ إلَّا يَدًا بِيَدٍ، هَاءَ وَهَاءَ، إنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ الرِّبَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: إنِّي أَخْشَى الرَّمَا، وَالرَّمَا هُوَ الرِّبَا، انْتَهَى بِحُرُوفِهِ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: إذَا صَرَفَ أَحَدُكُمْ مِنْ صَاحِبِهِ فَلَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَأْخُذَهَا، وَإِنْ اسْتَنْظَرَهُ حَتَّى يَدْخُلَ بَيْتَهُ، فَلَا يُنْظِرْهُ، إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرِّبَا، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْر عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْت يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ قَالَ: أَرْسَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ غُلَامًا لَهُ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ، فَصَرَفَهُ، فَأَنْظَرَ فِي الصَّرْفِ، فَرَجَعَ إلَيْهِ، فَضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا، وَقَالَ: اذْهَبْ، فَلَا تَصْرِفْهُ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ، فَثِبْ مَعَهُ، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا2. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ
الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ"، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الرِّبَا. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَابْنِ عُمَرَ: "إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ2 مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي، وَفِي رِوَايَةٍ: وَابْنُ عَمٍّ لِي، وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ: وَابْنُ عُمَرَ، فَلَمَّا أَرَدْنَا الِانْصِرَافَ، قَالَ لَنَا: "إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، وَيَؤُمُّكُمَا أَكْبَرُكُمَا"، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ الْحَدِيثَ عَلَى الصَّوَابِ، وَوَهَمَ فِيهِ فِي بَابِ الْأَذَانِ، فَقَالَ لِقَوْلِهِ عليه السلام لِابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: "إذَا سَافَرْتُمَا"، الْحَدِيثَ: وَقَدْ بَيَّنَّاهُ هُنَاكَ.
كتاب الكفالة
كِتَابُ الْكَفَالَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "الزَّعِيمُ غَارِمٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي أَوَاخِرِ الْبُيُوعِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِيهِ وَفِي الْوَصَايَا3 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، لَا تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا"، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الطَّعَامَ؟ قَالَ: "ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا"، ثُمَّ قَالَ: "الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ، وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ"، انْتَهَى. زَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْوَصَايَا: " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ حَجَرٌ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ التَّابِعَةُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا تُنْفِقُ امْرَأَةٌ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا"، إلَى آخِرِهِ. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ بِتَمَامِهِ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ،
والدارقطني فِي سُنَنِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ بِهِ: الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ، زَادَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ يَعْنِي الْكَفِيلَ انْتَهَى. وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، فَعَزَا هَذَا الْحَدِيثَ لِابْنِ مَاجَهْ، فَإِنَّ ابْنَ مَاجَهْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ سُنَنِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا قَوْلَهُ: "وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ"، فَرَوَاهُ فِي الْأَحْكَامِ بِلَفْظِ: الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، والمنحة مردودة فقط، ورواه فِي الْوَصَايَا بِلَفْظِ: " إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ" فَقَطْ، وَلَمْ يصب الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ إذْ قَالَ: وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مُخْتَصَرًا، فَإِنَّ التِّرْمِذِيَّ وَإِنْ كَانَ اخْتَصَرَهُ فِي الْبُيُوعِ، فَقَدْ طَوَّلَهُ فِي الْوَصَايَا، إلَّا أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: مُخْتَصَرًا حَالًا مِنْ ابْنِ مَاجَهْ فَقَطْ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: رِوَايَةُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الشَّامِيِّينَ جَيِّدَةٌ، وَشُرَحْبِيلُ مِنْ ثِقَاتِ الشَّامِيِّينَ، قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَوَثَّقَهُ أَيْضًا العجيلي، وَابْنُ حِبَّانَ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: إنِّي لَتَحْتَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيلُ عَلَيَّ لُعَابُهَا، فَسَمِعْته يَقُولُ: "إنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، لَا تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ"، إلَى آخِرِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ زِيَادٍ السَّكُونِيِّ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الزَّعِيمُ غَارِمٌ، وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ، وَالْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِإِسْمَاعِيلَ هَذَا، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، لَا يُتَابَعُ عَلَى عَامَّةِ مَا يَرْوِيهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: إسْمَاعِيلُ بْنُ زِيَادٍ، وَيُقَالُ: ابْنُ أَبِي زِيَادٍ شَيْخٌ دَجَّالٌ:، لَا يَحِلُّ ذِكْرُهُ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ، انْتَهَى. وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَنَا زَعِيمٌ لِمَنْ آمَنَ بِي، وَأَسْلَمَ، وَهَاجَرَ، بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ"، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: الزَّعِيمُ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْحَمِيلُ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالْكَفِيلُ لُغَةُ أَهْلِ مِصْرَ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "مَنْ تَرَكَ كَلًّا أَوْ عِيَالًا، فَإِلَيَّ"، قُلْت: رَوَى مُسْلِمٌ: وَالْبُخَارِيُّ1 فِي الْفَرَائِضِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
"مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا، فَإِلَيْنَا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ1 فِي الْفَرَائِضِ عَنْ المقدام بن معد يكرب، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيَّ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا، فَلِوَرَثَتِهِ، وَأَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، أَعْقِلُ مِنْهُ، وَأَرِثُهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِث، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد، قَالَ: "أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيْعَةً، فَإِلَيَّ"، الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي الْخَرَاجِ2 وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَحْكَامِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، مَنْ تَرَكَ مَالًا، فَلِأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضِيَاعًا، فَإِلَيَّ، وَعَلَيَّ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَذَهِلَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، فَعَزَاهُ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ لِابْنِ مَاجَهْ فَقَطْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ3 عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي عُمَرَ الْكَلَاعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ"، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْكَلَاعِيُّ، وَهُوَ مِنْ مَشَايِخِ بَقِيَّةَ الْمَجْهُولِينَ، وَرِوَايَاتُهُ مُنْكَرَةٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عُمَرَ الْكَلَاعِيِّ، وَأَعَلَّهُ بِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ مَجْهُولٌ، لَا أَعْلَمُ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ بَقِيَّةَ، كَمَا يُرْوَى عَنْ سَائِرِ الْمَجْهُولِينَ، وَأَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، وَغَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، انْتَهَى.
كتاب الحوالة
كِتَابُ الْحَوَالَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ". قُلْت: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَمَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في معجمه الوسط عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَمَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِهِ، بِلَفْظِ: "وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ"، انْتَهَى. وَرَوَى أَحْمَدُ أَيْضًا أَخْبَرَنَا سريج بْنُ النُّعْمَانِ ثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُحِلْت عَلَى مَلِيءٍ فَاتْبَعْهُ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا. قُلْت رَوَى الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ حَمْزَةَ أَنَا سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنْ عُمَارَةَ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْت عَلِيًّا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا"، انْتَهَى. وَمِنْ جِهَةِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ فِي الْبُيُوعِ، وَأَعَلَّهُ بِسَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ، وَقَالَ: إنَّهُ مَتْرُوكٌ، انتهى. ورواه أَبُو الْجَهْمِ فِي جُزْئِهِ الْمَعْرُوفِ حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ بِهِ، وَلَمْ يَعْزُهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ إلَّا – لِجُزْءِ - أَبِي الْجَهْمِ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ سَاقِطٌ، وَسَوَّارٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ الْحَلَّابِ ثَنَا عمر بْنُ مُوسَى بْنِ وَجِيهٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "السَّفْتَجَاتُ حَرَامٌ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِعُمَرَ بْنِ مُوسَى بْنِ وَجِيهٍ، وَضَعَّفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ، وَقَالَ: إنَّهُ فِي عِدَادِ مَنْ يَضَعُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَنَقَلَ كَلَامَهُ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ كُلَّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً، انْتَهَى.
كتاب أدب القاضي
كِتَابُ أَدَبِ الْقَاضِي. الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّدَ عَلِيًّا قَضَاءَ الْيَمَنِ حِينَ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الِاجْتِهَادِ. قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَحَدِيثُ عَلِيٍّ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ حَنَشٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُرْسِلُنِي، وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ، وَلَا عِلْمَ لِي
بِالْقَضَاءِ!؟ فَقَالَ: "إنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَك، وَيُثَبِّتُ لِسَانَك، فَإِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْك الْخَصْمَانِ، فَلَا تَقْضِيَنَّ حَتَّى تَسْمَعَ مِنْ الْآخَرِ، كَمَا سَمِعْت مِنْ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ أَحْرَى بِك أَنْ يَتَبَيَّنَ لَك الْقَضَاءُ"، قَالَ، فَمَا زِلْت قَاضِيًا، أَوْ مَا شَكَكْت فِي قَضَاءٍ بَعْدُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، وَاسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ فَيْرُوزَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ، وَأَنَا شَابٌّ أَقْضِي بَيْنَهُمْ، وَلَا أَدْرِي مَا الْقَضَاءُ، قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي بِيَدِهِ، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ، وَثَبِّتْ لِسَانَهُ"، قَالَ: فَمَا شَكَكْت بَعْدُ فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ: أَبُو الْبَخْتَرِيِّ لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْ عَلِيٍّ، وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مرة عن أبي البحتري حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَلِيًّا، انْتَهَى. وَرَأَيْت حَاشِيَتَهُ عَلَى الْمُسْتَدْرَكِ، قَالَ شُعْبَةُ: أَبُو الْبَخْتَرِيِّ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قُتِلَ فِي الْجَمَاجِمِ، لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا، انْتَهَى. وَاَلَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْبَزَّارُ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ غُنْدَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عن عمر، فَقَالَ: سَمِعْت أَبَا الْبَخْتَرِيِّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عَلِيًّا، فَذَكَرَهُ. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: هَذَا أَحْسَنُ إسْنَادٍ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِسَالَةٍ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَبْعَثُنِي وَأَنَا غُلَامٌ حَدِيثُ السِّنِّ، فَأُسْأَلُ عَنْ الْقَضَاءِ، وَلَا أَدْرِي مَا أُجِيبُ؟ قَالَ: "مَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ، أَنْ أَذْهَبَ بِهَا أَنَا، أَوْ أَنْتَ، فَقُلْت: إنْ كَانَ وَلَا بُدَّ، فَأَنَا أَذْهَبُ، قَالَ: "انْطَلِقْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُثَبِّتُ لِسَانَك، وَيَهْدِي قَلْبَك، إنَّ النَّاسَ يَتَقَاضَوْنَ إلَيْك، فَإِذَا أَتَاك الْخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِ لِوَاحِدٍ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ تَعْلَمَ لِمَنْ الْحَقُّ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَحْكَامِ عَنْ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ ثَنَا وَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا إلَى الْيَمَنِ،
فَقَالَ: "عَلِّمْهُمْ الشَّرَائِعَ، وَاقْضِ بَيْنَهُمْ"، فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ، فَدَفَعَ فِي صَدْرِهِ، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اهْدِهِ لِلْقَضَاءِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا فِي مَرَاسِيلِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المغيرة المدني المخزومي ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعُمَرِيِّ، قَالَ: لَمَّا اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَى الْيَمَنِ، قَالَ عَلِيٌّ: دَعَانِي، وَأَعَلَّهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ بِالْإِرْسَالِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَفِيهِ جَمَاعَةٌ مَجْهُولُونَ أَعْنِي لَا يُعْرَفُونَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، لَا يُعْرَفَانِ بِغَيْرِ هَذَا، وَالْعُمَرِيُّ هُوَ الزَّاهِدُ الْمَشْهُورُ، وَحَالُهُ فِي الْحَدِيثِ مَجْهُولَةٌ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ رِوَايَةً غَيْرَ هَذِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "مَنْ قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا، وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ، فَقَدْ خَانَ اللَّهَ، وَرَسُولَهُ، وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ"؛ قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ. فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ قَيْسٍ الرَّحَبِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى عِصَابَةٍ، وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ، فَقَدْ خَانَ اللَّهَ، وَرَسُولَهُ، وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا شَمْسُ الدِّينِ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَالَ: حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَضَعَّفَ حُسَيْنَ بْنَ قَيْسٍ عَنْ النَّسَائِيّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِهِ، وَأَعَلَّهُ بِحُسَيْنِ بْنِ قَيْسٍ، وَقَالَ: إنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا مِنْ كَلَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عن حمزة النصيبيني عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ تولى من أمر المسليمن شَيْئًا فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَأَعْلَمُ مِنْهُ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ"، مُخْتَصَرٌ. وَأَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ زِيَادٍ الْقُرَشِيِّ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ الطَّبَرَانِيِّ، قَالَ الْخَطِيبُ: وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ فِي حَدِيثِهِ نُكْرَةٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا أَعْرِفُهُ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ: فَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ خَالِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ ثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلَفٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ ضِرَارٍ
عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَيُّمَا رَجُلٍ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى عَشَرَةِ أَنْفُسٍ، وَعَلِمَ أَنَّ فِي الْعَشَرَةِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، فَقَدْ غَشَّ اللَّهَ، وَرَسُولَهُ، وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ"، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ تَقَلَّدُوا الْقَضَاءَ، وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً، قُلْت: تَقَدَّمَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ، أَنَّ عَلِيًّا تَقَلَّدَ الْقَضَاءَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا وَلَّى ولى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ الْقَضَاءَ، وَأَبَا عُبَيْدَةَ الْمَالَ، وَأَخْرَجَ أيضاً عن عَنْ أَبِي وَائِلٍ، أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ عَلَى الْقَضَاءِ، وَبَيْتِ الْمَالِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ أَخْبَرَنَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: لَمَّا اسْتَعْمَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَلَى الْقَضَاءِ فَرَضَ لَهُ رِزْقًا، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الِاجْتِهَادِ، وَالْقِيَاسِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ، فَأَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ وَأَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ2 عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ، قَالَ لَهُ: "كَيْفَ تَقْضِي إذَا عَرَضَ لَك قَضَاءٌ"؟ قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: "فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ"؟ قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: "فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَا فِي كِتَابِ اللَّهِ"؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي، وَلَا آلُو، فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرَهُ، وَقَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا عَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرْسَلًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ، إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ: الْحَارِثُ بْنُ عَمْرِو ابْنِ أَخِي الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ عَنْ مُعَاذٍ، رَوَى عَنْهُ أَبُو عَوْنٍ، وَلَا يَصِحُّ، وَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِهَذَا، مُرْسَلٌ، انْتَهَى. وَفِيهِ كِتَابُ عُمَرَ إلَى أَبِي مُوسَى، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ في سننيهما، وفيه: الفهم فيما يختلج فِي صَدْرِك، مِمَّا لَمْ يَبْلُغْك فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، اعْرِفْ الْأَشْبَاهَ وَالْأَمْثَالَ، ثُمَّ قِسْ الْأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ، فاعمد إلَى أَحَبِّهَا إلَى اللَّهِ، وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ فِيمَا تَرَى، الْحَدِيثَ، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ
قَرِيبًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالِاجْتِهَادُ هُوَ الْقِيَاسُ، وَأَخْرَجَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ اجْتَهَدُوا، وَقَاسُوا، فَأَخْرَجَ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ إذَا سُئِلَ عَنْ الشَّيْءِ، فَإِنْ كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ، وَكَانَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، وَكَانَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، أَوْ عُمَرَ، قَالَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ اجْتَهَدَ رَأْيَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ الْأَنْصَارُ: مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ، فَأَتَاهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ"؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: نَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ نَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَقَدْ قَاسَ عُمَرُ الْإِمَامَةَ فِي سَائِرِ الْأُمُورِ عَلَى إمَامَةِ الصَّلَاةِ، وَقَبِلَهُ مِنْهُ جَمِيعُ الصحابة المهاجرين وَالْأَنْصَارُ، وَأَخْرَجَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قِصَّةِ بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ، أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي، وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ فِي الْكَلَالَةِ أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي، فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ، وَعَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ كِتَابَهُ، وَتَرَكَ فِيهِ مَوْضِعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَسَنَّ نَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّنَنَ، وَتَرَكَ فِيهَا مَوْضِعًا لِلرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ جُعِلَ عَلَى الْقَضَاءِ، فَكَأَنَّمَا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَالتِّرْمِذِيُّ1 عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْبَاقُونَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَخْنَسِيِّ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا، فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ"، انْتَهَى. قَالَ: التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَبِالسَّنَدِ الثَّانِي رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَبِسَنَدِ التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ، والدارقطني. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ دَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ عَنْ عَطَاءِ
بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ اُسْتُقْضِيَ، فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا أَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، إلَّا مِنْ حَدِيثِ دَاوُد بْنِ الزِّبْرِقَانِ عَنْهُ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ أَعْنِي دَاوُد عَنْ النَّسَائِيّ، وَابْنِ مَعِينٍ. قَوْلُهُ: وَقَدْ جَاءَ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ الْقَضَاءِ آثَارٌ، وَقَدْ اجْتَنَبَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه وَصَبَرَ عَلَى الضَّرْبِ وَاجْتَنَبَهُ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ، وَقُيِّدَ مُحَمَّدٌ نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، أَوْ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا، حَتَّى تَقَلَّدَهُ: قُلْت: فِيهِ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ1 أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "يَا أَبَا ذَرٍّ إنِّي أُحِبُّ لَك مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ"، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَوَهَمَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فَرَوَاهُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَفِيهِ حَدِيثُ: مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ، فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَهُ. وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ، فَلَمْ يَقْضِ بِهِ، وَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ لَمْ يَعْرِفْ الْحَقَّ، فَقَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ، فَهُوَ فِي النَّارِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْأَحْكَامِ، وَزَادَ فِيهِ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا ذَنْبُ هَذَا الَّذِي يَجْهَلُ؟ قَالَ: "ذَنْبُهُ أَنْ لَا يَكُونَ قَاضِيًا حَتَّى يَعْلَمَ"، وَقَالَ فِيهِ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحِطَّانِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يُدْعَى بِالْقَاضِي العادل يوم القيامة، فليقى مِنْ شِدَّةِ الْحِسَابِ، مَا يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي عُمْرِهِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَيُوشِكَنَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ يَتَمَنَّى أَنَّهُ خَرَّ مِنْ الثُّرَيَّا، وَلَمْ يَلِ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا"، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا4 عَنْ سَعْدَانَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ وَلِيَ عَلَى عَشَرَةٍ، فَحَكَمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَحَبُّوا، أَوْ كَرِهُوا جِيءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
مَغْلُولَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ، فَإِنْ حَكَمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَلَمْ يَرْتَشِ فِي حُكْمِهِ، ولم يجف فَكَّ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ لَا غُلَّ إلَّا غُلُّهُ، وَإِنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَارْتَشَى فِي حُكْمِهِ، وَحَابَى فِيهِ شُدَّتْ يَسَارُهُ إلَى يَمِينِهِ، ثُمَّ رُمِيَ بِهِ فِي جَهَنَّمَ"، وَسَكَتَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَسَعْدَانُ بْنُ الْوَلِيدِ الْبَجَلِيُّ كُوفِيٌّ، قَلِيلُ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ عَنْهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ في مسنده عن معمر بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ كَانَ قَاضِيًا عَالِمًا فَقَضَى بِالْجَوْرِ، كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَمَنْ كَانَ قَاضِيًا، فَقَضَى بِجَهْلٍ، كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَمَنْ كَانَ قَاضِيًا عَالِمًا فَقَضَى بِعَدْلٍ، فَبِالْحَرِيِّ أَنْ يَنْقَلِبَ كَفَافًا"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ هَذَا مَجْهُولٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَرَى ابْنَ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيَّ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا يَسَارٌ أَبُو الْحَكَمِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَبِشْرِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا قَالَا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ بِشْرَ بْنَ عَاصِمٍ عَلَى عَمَلٍ: سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ أُتِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُوقَفَ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ، فَإِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَجَا، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا انْخَرَقَ بِهِ الْجِسْرُ، فَهَوَى فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا"، انْتَهَى. الْآثَارُ: رَوَى النَّسَائِيّ فِي كِتَابِ الْكُنَى أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ مَرْوَانَ بْنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عِمْرَانَ ثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارَ ثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي السَّائِبِ أَنَّهُ سَمِعَ مَكْحُولًا يَقُولُ: لَوْ خُيِّرْت بَيْنَ ضَرْبِ عُنُقِي، وَبَيْنَ الْقَضَاءِ لَاخْتَرْت ضَرْبَ عُنُقِي، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ1 فِي تَرْجَمَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَخْبَرَنَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا حماد ابن يزيد عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: اُسْتُعْمِلَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى الْقَضَاءِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يهنونه، فقال: أتهنونني بِالْقَضَاءِ، وَقَدْ جُعِلْت عَلَى رَأْسِ مُهْوَاةٍ مَنْزِلَتُهَا أَبْعَدُ مِنْ عَدَنَ أَبْيَنَ، وَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا فِي الْقَضَاءِ، لَأَخَذُوهُ بِالدُّوَلِ رَغْبَةً عَنْهُ وَكَرَاهِيَةً لَهُ، انْتَهَى2.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: " عَدْلُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ الْحُرَيْثِيُّ ثَنَا عَفَّانَ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَوْمٌ مِنْ إمَامٍ عَادِلٍ، أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً، وَحَدٌّ يُقَامُ فِي الْأَرْضِ بِحَقِّهِ أَزْكَى فِيهَا مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الوسط، وَرَوَاهُ فِي الْكَبِيرِ عَنْ عَفَّانَ بْنِ جُبَيْرٍ الطَّائِيِّ عَنْ أَبِي حَرِيزٍ الْأَزْدِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ بِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ زِيَادِ بْنِ مِخْرَاقٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْعَادِلُ فِي رَعِيَّتِهِ يَوْمًا وَاحِدًا أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الْعَابِدِ فِي أَهْلِهِ مِائَةَ سَنَةٍ، أَوْ خَمْسِينَ سَنَةً" شَكَّ هُشَيْمِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: فِيهِ حَدِيثُ: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ إمَامٌ عَادِلٌ"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 فِي الزَّكَاةِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ العادل، وشاب نشأ بعبادة اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ. وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: "حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ"، وَالْأَوَّلُ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: "وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ عِيَاضِ بْنِ حَمَّادٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: "أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ثَلَاثٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى، وَمُسْلِمٌ عَفِيفٌ
ذُو عِيَالٍ"، مُخْتَصَرٌ، أَخْرَجَهُ قُبَيْلَ الْفِتَنِ، وَوَهَمَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فَرَوَاهُ فِي الْأَحْكَامِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ الْمُقْسِطِينَ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ، وَأَهْلِهِمْ، وَمَا وَلُوا"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَدْنَاهُمْ مَجْلِسًا مِنْهُ إمَامٌ عَادِلٌ"، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ مُضَعَّفٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِيهِ: صَالِحٌ، فَالْحَدِيثُ بِهِ حَسَنٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْحَاقَ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ عَنْ أَبِي مُدِلَّةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْن أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَدُ اللَّهِ مَعَ الْقَاضِي حِينَ يَقْضِي"، وَقَالَ: فَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، انْتَهَى. وَفِي الطَّبَقَاتِ لِابْنِ سَعْدٍ3 عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ مَسْرُوقٌ قَاضِيًا، وَكَانَ لَا يَأْخُذُ عَلَى الْقَضَاءِ رِزْقًا، وَقَالَ: لَأَنْ أَقْضِيَ بِقَضِيَّةٍ فَأُوَافِقَ الْحَقَّ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ رِبَاطِ سَنَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ، وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ". قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ4 عَنْ إسْرَائِيلَ
عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَامِرٍ الثعلبي عن بلال عن أَبِي مُوسَى، وَيُقَالُ: ابْنُ مِرْدَاسٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَأَلَ الْقَضَاءَ، وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ إلَيْهِ مَلَكٌ فَسَدَّدَهُ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد فِيهِ: " مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ، وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ، وُكِلَ إلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْهُ، وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ عَنْ بِلَالِ بْنِ مِرْدَاسٍ الْفَزَارِيِّ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " مَنْ ابْتَغَى الْقَضَاءَ، وَسَأَلَ فِيهِ شُفَعَاءَ، وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ إسْرَائِيلَ، انْتَهَى. وَبِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَذَهِلَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ ابْنِ مَاجَهْ، فَعَزَاهُ لِلتِّرْمِذِيِّ فَقَطْ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَامِرٍ الثَّعْلَبِيِّ عَنْ بِلَالِ بْنِ مِرْدَاسٍ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: وَخَيْثَمَةُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ الْبَصْرِيُّ لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَبِلَالُ بْنُ مِرْدَاسٍ الْفَزَارِيُّ مَجْهُولُ الْحَالِ، رَوَى عَنْهُ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَامِرٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَعَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَامِرٍ ضَعِيفٌ، قَالَ: وَالْعَجَبُ مِنْ التِّرْمِذِيِّ، فَإِنَّهُ أَوْرَدَ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ إسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ بِلَالِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَنَسٍ، ثُمَّ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ الْمُتَقَدِّمَةِ: إنَّهَا أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ إسْرَائِيلَ1 قَالَ: وَإِسْرَائِيلُ أَحَدُ الْحُفَّاظِ، وَلَوْلَا ضَعْفُ عَبْدِ الْأَعْلَى كَانَ هَذَا الطَّرِيقُ خَيْرًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ الَّذِي فِيهِ خَيْثَمَةُ، وَبِلَالٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم تَقَلَّدُوا الْقَضَاءَ مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَالْحَقُّ كَانَ بِيَدِ عَلِيٍّ فِي نَوْبَتِهِ، وَالتَّابِعُونَ تَقَلَّدُوا الْقَضَاءَ مِنْ الْحَجَّاجِ وَكَانَ جَائِرًا، قُلْت: تَوَلَّى أَبُو الدَّرْدَاءِ الْقَضَاءَ بِالشَّامِ وَبِهَا مَاتَ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ اسْتَشَارَهُ فِيمَنْ يُوَلِّي بَعْدَهُ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِفُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، فَوَلَّاهُ الشَّامَ بَعْدَهُ، وَأَمَّا إنَّ الْحَقَّ كَانَ بِيَدِ عَلِيٍّ فِي نَوْبَتِهِ، فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمَّارٍ: "تَقْتُلُك الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ"، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ، وَقَتَلَهُ أَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِ الْإِرْشَادِ: وَعَلِيٌّ رضي الله عنه كَانَ إمَامًا حَقًّا فِي وِلَايَتِهِ، وَمُقَاتِلُوهُ بُغَاةٌ، وَحُسْنُ الظَّنِّ بِهِمْ يَقْتَضِي أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ قَصْدُ الْخَيْرِ، وَإِنْ أخطأوه، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَلِيًّا كَانَ مُصِيبًا فِي قِتَالِ أَهْلِ الْجَمَلِ، وَهُمْ طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَائِشَةُ، وَمَنْ مَعَهُمْ، وَأَهْلُ صِفِّينَ، وَهُمْ مُعَاوِيَةُ، وَعَسْكَرُهُ، وَقَدْ أَظْهَرَتْ عَائِشَةُ النَّدَمَ،
كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ عَنْ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ لِابْنِ عُمَرَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا مَنَعَك أَنْ تَنْهَانِي عَنْ مَسِيرِي؟! قَالَ: رَأَيْت رَجُلًا غَلَبَ عَلَيْك يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَتْ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ نَهَيْتَنِي مَا خَرَجْت، انْتَهَى. وَفِي الطَّبَقَاتِ لِابْنِ سَعْدٍ أَنَّ عُثْمَانَ أَفْرَدَ مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، فَلَمَّا وَلِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْخِلَافَةَ بعد عثمان، فال: مُعَاوِيَةُ: وَاَللَّهِ لَا أَلِي لَهُ شَيْئًا أَبَدًا، وَلَا أُبَايِعُهُ، وَلَا أَقْدُمُ عَلَيْهِ، حَتَّى كَانَتْ الْوَقْعَةُ بَيْنَهُمَا بِصِفِّينَ، فِي الْمُحَرَّمِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَرَجَعَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ بِأَصْحَابِهِ مُخْتَلِفِينَ عَلَيْهِ، وَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ إلَى الشَّامِ بِأَصْحَابِهِ مُتَّفِقِينَ عَلَيْهِ، وَأَقَرَّ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ عَلَى قَضَائِهِ بِالشَّامِ، مُخْتَصَرٌ. وَأَمَّا تَقَلُّدُ الْوِلَايَةِ مِنْ الْحَجَّاجِ: فَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا أَبُو دَاوُد عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ أَبُو بُرْدَةَ عَلَى قَضَاءِ الْكُوفَةِ، فَعَزَلَهُ الْحَجَّاجُ، وَجَعَلَ أَخَاهُ1 مَكَانَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ رَافِعٍ ثَنَا ضَمْرَةُ، قَالَ اسْتَقْضَى الْحَجَّاجُ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ أَبِي مُوسَى، وَأَجْلَسَ مَعَهُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، ثُمَّ قُتِلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمَاتَ الْحَجَّاجُ بَعْدَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَلَمْ يَقْتُلْ بَعْدَهُ أَحَدًا، انْتَهَى. وَفِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ لِلْحَافِظِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي بَابِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْأُمَوِيُّ، وَلِيَ الْقَضَاءَ فِي أَصْبَهَانَ لِلْحَجَّاجِ، ثُمَّ عَزَلَهُ الْحَجَّاجُ، وَأَقَامَ مَحْبُوسًا بِوَاسِطَ، فَلَمَّا هَلَكَ الْحَجَّاجُ رَجَعَ إلَى أَصْبَهَانَ، وَتُوُفِّيَ بِهَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ: وَطَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: طَلْحَةُ النَّدِيُّ ابْنُ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ تَقَلَّدَ الْقَضَاءَ مِنْ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ، يَرْوِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي بَكْرَةَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِلْحُكْمِ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ: لَيْسَ فِيهِ: الْحُكْمُ، رَوَاهُ فِي الطَّهَارَةِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ2 قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْ مَهْ، فَقَالَ عليه السلام: "لَا تُرْزِمُوهُ، دَعُوهُ"، فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إنَّهُ عليه السلام دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: "إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ، وَلَا الْقَذَرِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ، وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ"، قَالَ: وَأَمَرَ رَجُلًا مِنْ الْقَوْمِ فَدَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَشَنَّهُ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ الْمَسْجِدَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَفِي آخِرِهِ: فَقَالَ: "إنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ لَا يُبَالِ فِيهِ، وَإِنَّمَا بُنِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ، وَلِلصَّلَاةِ"، ثُمَّ أَمَرَ بِسَجْلٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُفْرِغَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْصِلُ الْخُصُومَاتِ فِي مُعْتَكَفِهِ، قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: فَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا التِّرْمِذِيُّ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سَجَفَ حُجْرَتِهِ، فَنَادَى: "يَا كَعْبُ"، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِك، قَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "قُمْ فَاقْضِهِ"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَشْخَاصِ2 وَفِي الشَّهَادَاتِ، وَمُسْلِمٌ فِي الْبُيُوعِ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْقَضَاءِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَحْكَامِ، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى، فِيهِ جَوَازُ الْحُكْمِ فِي الْمَسْجِدِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ3 عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي قِصَّةِ اللِّعَانِ أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، إلَى أَنْ قَالَ: فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنَا شَاهِدٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ ثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ فَيَّاضٍ عَنْ خَلَّادِ4 بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذْ أَتَى رَجُلٌ فَتَخَطَّى النَّاسَ، حَتَّى قَرُبَ إلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ عَلَيَّ الْحَدَّ، فَقَالَ لَهُ: "اجْلِسْ"، فَجَلَسَ، وَقَامَ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ عَلَيَّ الْحَدَّ، فَقَالَ: "اجْلِسْ"، فَجَلَسَ، وَقَامَ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ عَلَيَّ الْحَدَّ، فَقَالَ: " وَمَا حَدُّك"؟ قَالَ: أَتَيْت امْرَأَةً حَرَامًا، فَقَالَ عليه السلام لِعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ:
"انْطَلِقُوا، فَاجْلِدُوهُ مِائَةً"، وَلَمْ يَكُنْ تَزَوَّجَ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَجْلِدُ الَّتِي خَبُثَ بِهَا؟ فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "مَنْ صَاحِبَتُك"؟ قَالَ: فُلَانَةُ، فَدَعَاهَا، ثُمَّ سَأَلَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَذَبَ عَلَيَّ، وَاَللَّهِ إنِّي لَا أَعْرِفُهُ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "مَنْ شَاهِدُك"؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي شَاهِدٌ، فَأَمَرَ بِهِ، فَجُلِدَ حَدَّ الْفِرْيَةِ ثَمَانِينَ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَرُوِيَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي الْمَسَاجِدِ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ1 فِي بَابِ مَنْ قَضَى وَلَاعَنَ فِي الْمَسْجِدِ: وَلَاعَنَ عُمَرُ عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَضَى شُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَضَى مَرْوَانُ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِالْيَمِينِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَرَوَى النَّسَائِيّ فِي كِتَابِ الْكُنَى أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعِجْلِيّ أَبُو الْمُعَلَّى، قَالَ: أرأيت الشَّعْبِيَّ، وَابْنَ أَشْوَعَ يَقْضِيَانِ فِي الْمَسْجِدِ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ رَأَى أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ يقضي في السمجد عِنْدَ الْقَبْرِ، وَكَانَ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي وِلَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مسلم بن بابك، قَالَ: رَأَيْت سَعْدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ، فَكَانَ قَدْ وَلِيَ قَضَاءَ الْمَدِينَةِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إمْرَةَ الْمَدِينَةِ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَلَّى أَبَا طُوَالَةَ الْقَضَاءَ بِالْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ، انْتَهَى. قَالَ: وَأَبُو طُوَالَةَ يَرْوِي عَنْ أَنَسٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ2 ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: رَأَيْت شريحاً يقضي في السجد، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ3 ثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانُ، قَالَ: رَأَيْت الشَّعْبِيَّ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَاضِي الْكُوفَةِ، يَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام: "لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ ست حُقُوقٍ"، وَذَكَرَ مِنْهَا " شُهُودَ الْجِنَازَةِ، وَعَوْدَ الْمَرِيضِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4 فِي كِتَابِ الْأَدَبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَك فَانْصَحْ لَهُ"، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ: لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ، فَذَكَرَهَا لَيْسَ فِيهِ: وَإِذَا اسْتَنْصَحَك فَانْصَحْ لَهُ، ذَكَرَهُ فِي الْجَنَائِزِ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ مُسْلِمٍ سَوَاءٌ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَإِذَا عَطَسَ، فَحَمِدَ اللَّهُ، فَشَمِّتْهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدُ فِي الْأَدَبِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ الْأَفْرِيقِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كُنَّا غُزَاةً فِي الْبَحْرِ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ، فَانْضَمَّ مَرْكَبُنَا إلَى مَرْكَبِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، فَلَمَّا حَضَرَ غداءنا أَرْسَلْنَا إلَيْهِ، فَأَتَانَا، فَقَالَ: دَعَوْتُمُونِي وَأَنَا صَائِمٌ، فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدٌّ مِنْ أَنْ أُجِيبَكُمْ، لِأَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إنَّ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ سِتَّ خِصَالٍ وَاجِبَةٍ، إنْ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا فَقَدْ تَرَكَ حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ لِأَخِيهِ: يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إذَا لَقِيَهُ، وَيُجِيبُهُ إذَا دَعَاهُ، وَيُشَمِّتُهُ إذَا عَطَسَ، وَيَعُودُهُ إذَا مَرِضَ، وَيَحْضُرُهُ إذَا مَاتَ، وَيَنْصَحُهُ إذَا اسْتَنْصَحَهُ"، انْتَهَى. وَفِيهِ زِيَادَةُ ذِكْرِ الْوُجُوبِ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ ضِيَافَةِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ، قُلْت: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ، فَنَزَلَ عَلَى عَلِيٍّ فَأَضَافَهُ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ، إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُخَاصِمَ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: تَحَوَّلْ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نُضَيِّفَ الْخَصْمَ، إلَّا وَمَعَهُ خَصْمُهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ عَنْ جَارِيَةَ بْنِ هَرِمٍ أَبِي الشَّيْخِ الْفُقَيْمِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ بِهِ. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطبراني في معجمه الوسط1 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ ثَنَا مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ غُصْنٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ الرَّمْلِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُضَيَّفَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ الْوَاسِطِيُّ. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ عليه السلام: "إذَا اُبْتُلِيَ أَحَدُكُمْ بِالْقَضَاءِ، فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ، وَالْإِشَارَةِ، وَالنَّظَرِ". قُلْت: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ
عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اُبْتُلِيَ بالقضاء بين المسلمين، فليساوِ بَيْنَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ، وَالْإِشَارَةِ، وَالنَّظَرِ، وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ، أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ"، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ وَالْمَتْنِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ2 فَلْيَعْدِلْ بَيْنَهُمْ فِي لَحْظِهِ، وَإِشَارَتِهِ، وَمَقْعَدِهِ"، انْتَهَى. [بقية الأبواب والفصول ليس فيها شيء]
كتاب الشهادات
كِتَابُ الشَّهَادَاتِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام لِلَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ: "لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا لَك"، قُلْت: الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ، وَلَكِنَّهُ حَمَلَ مَاعِزًا عَلَى أَنْ اعْتَرَفَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالزِّنَا، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ3 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ أَنَّ مَاعِزًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَرَّ عِنْدَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ، وَقَالَ لِهَزَّالٍ: " لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا لَك"، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ هَزَّالًا أَمَرَ مَاعِزًا أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُخْبِرَهُ، انْتَهَى. بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَذَكَرَهُ النَّسَائِيّ بِتَمَامِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، وَلَفْظُهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِهَزَّالٍ: "لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِك كَانَ خَيْرًا لَك"، قَالَ: وَهَزَّالٌ هُوَ الَّذِي كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ ابْنِ هَزَّالٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَا هَزَّالُ لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِك كَانَ خَيْرًا لَك"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ
فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 وَزَادَ: قَالَ شُعْبَةُ: قَالَ يَحْيَى، فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ بِمَجْلِسٍ فِيهِ يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ، فَقَالَ يَزِيدُ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ، هَذَا حَدِيثُ جَدِّي، انْتَهَى. وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ لِهَزَّالٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طُرُقٍ، وَسَمَّى الْمَرْأَةَ فِي بَعْضِهَا، وَلَفْظُهُ عَنْ هَزَّالٍ قَالَ: كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا فَاطِمَةُ قَدْ أَمْلَكَتْ، وَكَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لَهُمْ، وَأَنَّ مَاعِزًا وَقَعَ عَلَيْهَا، فَأَخَذَهُ هَزَّالٌ، فَخَدَعَهُ، وَقَالَ لَهُ: انْطَلِقْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَدِيثَ، وَيُرَاجَعُ، وَبِسَنَدِ الطَّيَالِسِيِّ أَيْضًا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَلَفْظُهُ عَنْ هَزَّالٍ أَنَّهُ قَالَ لِمَاعِزٍ: اذْهَبْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ خَبَرَك، فَإِنَّك إنْ لَمْ تُخْبِرْهُ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ خَبَرَك، وَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى انْطَلَقَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، الْحَدِيثَ. وَفِي آخِرِهِ: ثُمَّ قَالَ عليه السلام لِهَزَّالٍ، وَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى رُكْبَتِهِ: "يَا هَزَّالُ لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِك كَانَ خَيْرًا لَك"، رواه ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ2 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَتَى مَاعِزٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ بِالزِّنَا، وَكَانَ مُحْصَنًا، فَأَمَرَ بِهِ عليه السلام، فَأُخْرِجَ إلَى الْحَرَّةِ، وَرُجِمَ بِالْحِجَارَةِ، فَفَرَّ يَعْدُو، فَأَدْرَكَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٌ بِوَظِيفِ حِمَارٍ، فَضَرَبَهُ حَتَّى قَتَلَهُ، وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ"؟ ثُمَّ قَالَ: "يَا هَزَّالُ بِئْسَ مَا صَنَعْت، لَوْ سَتَرْتَهُ بِطَرَفِ رِدَائِك لَكَانَ خَيْرًا لَك"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَدْرِ أَنَّ فِي الْأَمْرِ سَعَةً، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْأَةَ الَّتِي أَصَابَهَا، فَقَالَ لَهَا: "اذْهَبِي"، وَلَمْ يَسْأَلْهَا عَنْ شَيْءٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ3 مُرْسَلًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ ثَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ، يُقَالُ لَهُ هَزَّالٌ: " يَا هَزَّالُ لَوْ سَتَرْتَهُ بِرِدَائِك لَكَانَ خَيْرًا لَك"، قَالَ يَحْيَى: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ الْأَسْلَمِيُّ، فَقَالَ يَزِيدُ: هَذَا حَدِيثُ جَدِّي هَزَّالٍ. وَهَذَا الْحَدِيثُ حَقٌّ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَزَّالٌ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ حَدِيثًا وَاحِدًا، وَمَا أَظُنُّ لَهُ غَيْرَهُ، قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا هَزَّالُ لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِك كَانَ خَيْرًا لَك"، وَكَذَلِكَ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمِهِ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ: هَزَّالٌ الْأَسْلَمِيُّ أَبُو نُعَيْمِ بْنُ هَزَّالٍ، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ مَاعِزًا الْأَسْلَمِيَّ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقِرَّ عِنْدَهُ بِاَلَّذِي صَنَعَ، وَمَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيُّ أَسْلَمَ، وَصَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَوَاشِي السُّنَنِ:
نُعَيْمُ بْنُ هَزَّالٍ قِيلَ: لَا صُحْبَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا الصُّحْبَةُ لِأَبِيهِ هَزَّالٍ، وَهَزَّالٌ بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَتَشْدِيدِ الزَّايِ الْمَفْتُوحَةِ أَسْلَمِيٌّ لَهُ صُحْبَةٌ، سَكَنَ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ مَالِكٌ أَبُو مَاعِزٍ قَدْ أَوْصَى بِابْنِهِ مَاعِزًا، وَكَانَ فِي حِجْرِهِ يَكْفُلُهُ، وَمَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ الأسلمي له صحبة، ومعدود فِي الْمَدَنِيِّينَ، كَتَبَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا بِإِسْلَامِ قَوْمِهِ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَاعِزٍ حَدِيثًا وَاحِدًا، وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ أَنَّ الَّذِي كَتَبَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ غَيْرُ صَاحِبِ الذَّنْبِ، وَفِي الرُّوَاةِ أَيْضًا مَاعِزٌ التَّمِيمِيُّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ، وَرَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "إيمَانٌ بِاَللَّهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ، ثُمَّ حَجَّةٌ بَارَّةٌ"، وَصَاحِبُ الذَّنْبِ اسْمُهُ مَاعِزٌ، وَقِيلَ: اسْمُهُ غَرِيبٌ، وَمَاعِزٌ لَقَبُهُ، وَالْمَرْأَةُ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا اسْمُهَا فَاطِمَةُ جَارِيَةُ هَزَّالٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ1. الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ تَلْقِينِهِ عليه السلام الدَّرْءَ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ، قُلْت: أَمَّا تَلْقِينُهُ عليه السلام الدَّرْءَ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحُدُودِ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ، قَالَ لَهُ عليه السلام: "لَعَلَّك قَبَّلْت، أَوْ غَمَزْت، أَوْ نظرت"؟ قال: لا، قَالَ: "أَفَنِكْتَهَا"؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ2 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الْمُنْذِرِ مَوْلَى أَبِي ذَرٍّ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلِصٍّ قَدْ اعْتَرَفَ اعْتِرَافًا، وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَتَاعٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ"، قَالَ: بَلَى، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، فَأَمَرَ فَقُطِعَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، فَإِنَّ أَبَا الْمُنْذِرِ هَذَا مَجْهُولٌ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ. وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ: عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَارِقٍ سَرَقَ شَمْلَةً، فَقَالَ عليه السلام: " مَا إخَالُهُ سَرَقَ"، فَقَالَ السَّارِقُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: "اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ"، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ بِهِ مُرْسَلًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي السَّرِقَةِ فِي حَدِيثِ الْحَسْمِ.
وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْد الْأَصْبَهَانِيُّ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: أُتِيَ بِرَجُلٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ هَذَا سَرَقَ، قَالَ: "مَا إخَالُهُ فَعَلَ"، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّ هَذَا سَرَقَ، قَالَ: "مَا إخَالُهُ فَعَلَ"، حَتَّى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ شَهَادَاتٍ، فَقَالَ: "اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ". وَأَمَّا تَلْقِينُ الصَّحَابَةِ، فَفِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِهِ الْحَسَنِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي مسعود، وأبي الدرداء، وعمر بْنِ الْعَاصِ، وَأَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ. فَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ1 عَنْ عَامِرٍ2 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فَجَاءَ مَاعِزٌ، فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ مَرَّةً، ثُمَّ جَاءَ فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ الثَّانِيَةَ، فَرَدَّهُ، ثُمَّ جَاءَ، فَاعْتَرَفَ الثَّالِثَةَ، فَرَدَّهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إنَّك إنْ اعْتَرَفْت الرَّابِعَةَ رَجَمَك، قَالَ: فَاعْتَرَفَ الرَّابِعَةَ، فَحَبَسَهُ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: لَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عُمَرَ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مُعْمَرٌ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِرَجُلٍ، فَقَالَ لَهُ: أَسَرَقْت؟ فَقَالَ: لَا، فَتَرَكَهُ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بِسَارِقٍ قَدْ اعْتَرَفَ، فَقَالَ عُمَرُ: إنِّي لَأَرَى يَدَ رَجُلٍ مَا هِيَ بِيَدِ سَارِقٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاَللَّهِ مَا أَنَا بِسَارِقٍ، فَأَرْسَلَهُ عُمَرُ، وَلَمْ يَقْطَعْهُ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَلِيٍّ: رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: جيء بشراخة الْهَمْدَانِيَّةِ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهَا: لَعَلَّ رَجُلًا وَقَعَ عَلَيْك وَأَنْتِ نَائِمَةٌ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: لَعَلَّهُ اسْتَكْرَهَك؟ قَالَتْ: لَا، يُلَقِّنُهَا لَعَلَّهَا تَقُولُ: نَعَمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الحدود. وجه آخَرُ: رَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ ثَنَا شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو الْمُحَيَّاةِ التَّيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَطَرٍ، قَالَ: رَأَيْت عَلِيًّا أُتِيَ بِرَجُلٍ، قِيلَ: إنَّهُ سَرَقَ جَمَلًا، فَقَالَ لَهُ: مَا أَرَاك سَرَقْت، قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَلَعَلَّهُ شُبِّهَ عَلَيْك، قَالَ: بَلْ سَرَقْت، قَالَ: يَا قَنْبَرُ، اذْهَبْ بِهِ فَأَوْقِدْ النَّارَ، وَادْعُ الْجَزَّارَ، وَشُدَّ يَدَهُ حَتَّى أَجِيءَ، فَلَمَّا جَاءَ إلَيْهِ، قَالَ لَهُ: أَسَرَقْت؟ قَالَ: لَا، فَتَرَكَهُ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ بِشَيْخٍ كَانَ نَصْرَانِيًّا، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَعَلَّك ارْتَدَدْتَ لِتُصِيبَ مِيرَاثًا، ثُمَّ تَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ، فَلَعَلَّك خَطَبْت امْرَأَةً فَأَبَوْا أَنْ يُنْكِحُوكَهَا، فَأَرَدْت أَنْ تَزَوَّجَهَا، ثُمَّ تَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ إلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ: أَمَّا حَتَّى أَلْقَى الْمَسِيحَ، فَلَا، فَأَمَرَ بِهِ عَلِيٌّ، فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَدُفِعَ مِيرَاثُهُ إلَى وَلَدِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَرُوِيَ فِي السَّرِقَةِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً، يَقُولُ: كَانَ مَنْ مَضَى يُؤْتَى إلَيْهِ بِالسَّارِقِ، فَيَقُولُ: أَسَرَقْت؟ قُلْ: لَا، قُلْ: لَا، عِلْمِي أَنَّهُ سَمَّى أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِسَارِقَيْنِ، مَعَهُمَا سَرِقَتُهُمَا، فَخَرَجَ فَضَرَبَ النَّاسَ عَنْهُمَا، حَتَّى تَفَرَّقُوا عَنْهُمَا، وَلَمْ يَدَعَهُمَا، وَلَمْ يَسْأَلْهُمَا، انْتَهَى. وَحَدِيثُ الْحَسَنِ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ غَالِبٍ أَبِي الْهُذَيْلِ، قَالَ: سَمِعْت سُبَيْعًا أَبَا سَالِمٍ يَقُولُ: شَهِدْت الحسن بن علي، وأتي بِرَجُلٍ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: لَعَلَّك اخْتَلَسْت؟، لِكَيْ يَقُولَ: لَا، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ النَّاجِي عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أُتِيَ بِسَارِقٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ، فَقَالَ: أَسَرَقْت أَسَرَقْت؟ قُلْ: لَا، قل: لا، مرتين، أَوْ ثَلَاثًا، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مَوْلًى لِأَبِي مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: أُتِيَ بِرَجُلٍ سَرَقَ، فَقَالَ: أَسَرَقْت؟ قُلْ: وَجَدْتُهُ، قَالَ: وَجَدْتُهُ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: أُتِيَ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ بِامْرَأَةٍ سَرَقَتْ جَمَلًا، فَقَالَ: أَسَرَقْتِ؟ قَوْلِي: لَا، فَقَالَتْ لَا، فَتَرَكَهَا، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بِهِ. وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ: فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي كَبْشَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ سَرَقَتْ، يُقَالُ لَهَا: سَلَّامَةُ، فَقَالَ لَهَا: يَا سَلَّامَةُ، سَرَقْتِ؟ قَوْلِي: لَا، قَالَتْ: لَا، فَدَرَأَ عَنْهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي بِشْرٍ بِهِ: وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ بِهِ.
وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: رَوَاهُ ابْنُ يُونُسَ فِي تَارِيخِ مِصْرَ حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْر ثَنَا شُعْبَةُ ثَنَا عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ عَنْ رَجُلٍ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ1 مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنْ يَقْتُلَ، قَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: ادَّعَيْت أَمَانًا؟ ادَّعَيْت شَيْئًا! كَأَنَّهُ يُلَقِّنُهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّمَا يُجِيرُ عَلَى النَّاسِ أَدْنَاهُمْ"، فَلَمْ يَدَّعِ شَيْئًا، فَضَرَبَ عُنُقَهُ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي وَاقِدٍ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ2 عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَاهُ رَجُلٌ، وَهُوَ بِالشَّامِّ، فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، فَبَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ إلَى امْرَأَتِهِ، يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَتَاهَا وَعِنْدَهَا نِسْوَةٌ، فَذَكَرَ لَهَا الَّذِي قَالَ زَوْجُهَا لِعُمَرَ، وَأَخْبَرَهَا أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ، وَجَعَلَ يُلَقِّنُهَا لِتَنْزِعَ، فَأَبَتْ أَنْ تَنْزِعَ، وَتَمَّتْ عَلَى الِاعْتِرَافِ، فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ، فَرُجِمَتْ، انْتَهَى. وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَمَنْ سَتَرَ على مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحُدُودِ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ: مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ لَا شَهَادَةَ لِلنِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَالضَّحَّاكِ، قَالُوا: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الحسن بن عمارة بن الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالدِّمَاءِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ، فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شهاب عن الزُّهْرِيِّ، قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ، فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ، مِنْ وِلَادَاتِ النِّسَاءِ، وَعُيُوبِهِنَّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ في باب ثبوت النَّسَبِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ، إلَّا عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا هُنَّ، مِنْ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ، وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ، مِنْ حَمْلِهِنَّ وَحَيْضِهِنَّ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَأَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنْبَأَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ مَوْلَاهُمْ حَدَّثَهُمْ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا، قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَ هَذَا، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عن عُتْبَةَ مِثْلَهُ، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ تُقْبَلُ فِي الْوِلَادَةِ، وَالْبَكَارَةِ، وَمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، قَالَ: لِأَنَّ النِّسَاءَ جَمْعٌ مُحَلًّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، فَيَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ، وَالشَّافِعِيُّ يَشْتَرِطُ أَرْبَعًا، وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ كَمَذْهَبِنَا، وَلَنَا حَدِيثُ الْقَابِلَةِ، وَفِيهِ عَنْ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ، فَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عبد اللَّهِ بْنِ يَحْيَى أَنَّ عَلِيًّا أَجَازَ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا فِي الِاسْتِهْلَالِ، انْتَهَى. وَهَذَا سَنَدٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الْجُعْفِيَّ، وَابْنَ يَحْيَى فِيهِمَا مَقَالٌ. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْوَاسِطِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ الْأَعْمَشِ، بَيْنَهُمَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَهُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَائِنِيُّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَائِنِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهِ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: هُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، انْتَهَى. وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ إلَى الشَّافِعِيِّ، قَالَ: جَرَتْ بَيْنِي، وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مُنَاظَرَةٌ، عِنْدَ هَارُونَ الرَّشِيدِ، فَقُلْت لَهُ: أَيَّ شَيْءٍ أَخَذْت فِي شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا، قَالَ: بِقَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقُلْت لَهُ: إنَّمَا رَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، وَاَلَّذِي رَوَاهُ عَنْ ابْنِ يَحْيَى جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، وَكَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ غَيْلَانَ بْنِ جَامِعٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ،
وَسُوَيْدٌ هَذَا ضَعِيفٌ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْوَاسِطِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَائِنِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ، فِيمَا أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْهُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَائِنِيُّ مَجْهُولٌ، وَقَالَ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: لَوْ صَحَّ حَدِيثُ عَلِيٍّ فِي الْقَابِلَةِ لَقُلْنَا بِهِ، وَلَكِنْ فِي سَنَدِهِ خَلَلٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ: فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ أَخْبَرَنِي إسْحَاقُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجَازَ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ فِي الِاسْتِهْلَالِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْبُيُوعِ حَدَّثَنَا عبد الرحيم بن سليمان عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إلَّا مَحْدُودًا فِي فِرْيَةٍ"، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ، قُلْت: هُوَ فِي كِتَابِ عُمَرَ إلَى أَبِي مُوسَى رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي الْأَقْضِيَةِ1 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحَكَّمَةٌ، وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، فَافْهَمْ إذَا أُدْلِيَ إلَيْك، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لَا نَفَاذَ لَهُ، وَآسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِك، وَمَجْلِسِك، وَقَضَائِك، حَتَّى لَا يَيْأَسَ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِك، وَلَا يَطْمَعَ الشَّرِيفُ فِي حَيْفِك، الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا، لَا يَمْنَعُك قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ رَاجَعْتَ فِيهِ نَفْسَك، وَهُدِيتَ فِيهِ لِرُشْدِك، أَنْ تُرَاجِعَ الْحَقَّ، فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ، وَمُرَاجَعَةُ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ، الْفَهْمَ فِيمَا يَخْتَلِجُ فِي صَدْرِك، مِمَّا لَمْ يَبْلُغْك فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، اعْرِفْ الْأَشْبَاهَ وَالْأَمْثَالَ، ثُمَّ قِسْ الْأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَاعْمِدْ إلَى أَحَبِّهَا إلَى اللَّهِ، وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ، فِيمَا تَرَى، اجْعَلْ لِلْمُدَّعِي أَمَدًا يَنْتَهِي إلَيْهِ، فَإِنْ أَحْضَرَ بَيِّنَةً أَخَذَ بِحَقِّهِ، وَإِلَّا وَجَّهْتَ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَجْلَى لِلْعَمَى، وَأَبْلَغُ فِي الْعُذْرِ، الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إلَّا مَحْدُودًا فِي حَدٍّ، أَوْ مُجَرَّبًا فِي شَهَادَةِ زُورٍ، أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ، أَوْ قَرَابَةٍ، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى مِنْكُمْ السَّرَائِرَ، وَدَرَأَ عَنْكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ، ثُمَّ إيَّاكَ وَالْقَلَقَ، وَالضَّجَرَ، وَالتَّأَذِّي بِالنَّاسِ، وَالتَّنَكُّرَ لِلْخُصُومِ فِي مَوَاطِنِ الْحَقِّ الَّذِي يُوجِبُ اللَّهُ بِهَا الْأَجْرَ، وَيُحْسِنُ بِهَا الذِّكْرَ، فَإِنَّهُ مَنْ يُصْلِحُ نِيَّتَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ، يَكْفِهِ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ تَزَيَّنَ لِلنَّاسِ بِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ يَشِنْهُ اللَّهُ، فَمَا ظَنُّك بِثَوَابِ غَيْرِ اللَّهِ فِي عَاجِلِ رِزْقِهِ،
وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْك وَرَحْمَةُ الله وبركاته، انتهى. وعبيد اللَّهِ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ثَنَا إدْرِيسُ الْأَوْدِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَأَخْرَجَ الْكِتَابَ فَقَالَ: هَذَا كِتَابُ عُمَرَ، ثُمَّ قُرِئَ عَلَى سفيان: من ههنا إلَى أَبِي مُوسَى أَمَّا بَعْدُ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كُنَاسَةَ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ مَعْمَرٍ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ، فَذَكَرَهُ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: " إذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ، وَإِلَّا فَدَعْ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ مَشْمُولٍ ثَنَا أَبِي ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الشَّهَادَةِ، فَقَالَ: " هَلْ تَرَى الشَّمْسَ"؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ، أَوْ دَعْ"، انْتَهَى. قال الحاكم: حديث صححيح الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَقَالَ: بَلْ هُوَ حَدِيثٌ وَاهٍ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ مَشْمُولٍ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ كَذَلِكَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَأَعَلَّاهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ مَشْمُولٍ، وَأَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ تَضْعِيفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ، وَوَافَقَهُ، وَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، إسْنَادًا وَلَا مَتْنًا، انْتَهَى.
باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل
بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، وَلَا شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَلَا الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا، وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ، وَلَا الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، وَلَا الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ، وَلَا الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ" قُلْت: غَرِيبٌ، وَهُوَ فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ قَوْلِ شُرَيْحٍ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الِابْنِ لِأَبِيهِ، وَلَا الْأَبِ لِابْنِهِ، وَلَا الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا، وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ، وَلَا الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِي شَيْءٍ بَيْنَهُمَا، لَكِنْ فِي غَيْرِهِ، وَلَا الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ، وَلَا الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ
ثَنَا سُفْيَانُ بِهِ، وَأَخْرَجَا نَحْوَهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: رَوَاهُ الْخَصَّافُ بِإِسْنَادِهِ1 عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "لَا شَهَادَةَ لِلْقَانِعِ بِأَهْلِ الْبَيْتِ". قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بن شعيب به عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ شَهَادَةَ الْخَائِنِ، وَالْخَائِنَةِ، وَذِي الْغَمْرِ عَلَى أَخِيهِ، وَشَهَادَةَ الْقَانِعِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ، وَأَجَازَهَا لِغَيْرِهِمْ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَالْغَمْرُ الشَّحْنَاءُ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ في مصنفه، وعن عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَمُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُمَا، وَتَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ، وَقَدْ تَابَعَهُ غَيْرُهُ عَنْ سُلَيْمَانَ. انْتَهَى. قُلْت: وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَآدَمُ بْنُ فَائِدٍ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ، فَحَدِيثُ الْحَجَّاجِ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ3، وَحَدِيثُ آدَمَ بْنِ فَائِدٍ فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَكِلَاهُمَا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: الْقَانِعَ، وَلَفْظُهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ، وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا مَحْدُودٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا ذِي غَمْرٍ عَلَى آخَرَ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ4 عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ، وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا مَجْلُودٍ حَدًّا، وَلَا ذِي غَمْرٍ عَلَى أَخِيهِ، وَلَا مُجَرَّبٍ بِشَهَادَةِ الزُّورِ5 وَلَا الْقَانِعِ أَهْلَ الْبَيْتِ، وَلَا ظَنِينٍ فِي وَلَاءٍ، وَلَا قَرَابَةٍ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ الدِّمَشْقِيِّ، وَهُوَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا مِنْ قِبَلِ إسْنَادِهِ، وَالْغَمْرُ: الْعَدَاوَةُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
فِي سُنَنِهِ، وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْغَمْرُ: الْعَدَاوَةُ، وَالْقَانِعُ: التَّابِعُ لِأَهْلِ الْبَيْتِ، كَالْخَادِمِ لَهُمْ، وَالظَّنِينُ: الْمُتَّهَمُ فِي دِينِهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ: النَّائِحَةِ، وَالْمُغَنِّيَةِ. قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَنَائِزِ1 عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَانْطَلَقَ بِهِ إلَى ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ، فَوَجَدَهُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ، وَبَكَى، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَتَبْكِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ نَهَيْتَ عَنْ الْبُكَاءِ؟ قَالَ: "لَا، إنِّي لَمْ أَنْهَ عَنْ الْبُكَاءِ، وَلَكِنِّي نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ: صَوْتٍ عِنْدَ نَغْمَةِ لَعِبٍ، وَلَهْوٍ، وَمَزَامِيرِ شَيْطَانٍ، وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ. خَمْشِ وُجُوهٍ، وَشَقِّ جُيُوبٍ، وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى له، وَقَالَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى بِهِ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى بِهِ، وَقَالَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى بِهِ، وَكُلُّهُمْ ذَكَرُوهُ فِي مُسْنَدِ جَابِرٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ بِهِ، وَزَادَ فِيهِ: وَإِنَّمَا هَذِهِ رَحْمَةٌ، وَمَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ، يَا إبْرَاهِيمُ لَوْلَا أَنَّهُ قَوْلٌ حَقٌّ، وَوَعْدٌ صِدْقٌ، وَسَبِيلٌ مَأْتِيٌّ، وَقَضَاءٌ مَقْضِيٌّ، وَأَنَّ آخِرَنَا سَيَلْحَقُ بِأَوَّلِنَا لَحَزِنَّا عَلَيْك حُزْنًا أَشَدَّ مِنْ هَذَا، انْتَهَى. وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ الْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا عَنْ النَّضْرِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي، فَانْطَلَقَ بِي إلَى ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ، إلَى آخِرِهِ، ذَكَرَاهُ فِي مُسْنَدِ ابْنِ عَوْفٍ وَقَالَ الْبَزَّارُ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْر عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى بِهِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ضَعِيفٌ، وَلَعَلَّهُ اُعْتُضِدَ: وَرَنَّةُ الشَّيْطَانِ هِيَ الْغِنَاءُ، وَالْمَزَامِيرُ هَكَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي فَضَائِلِ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ2
عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي، الْحَدِيثَ، وَسَكَتَ عَنْهُ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ شَهَادَةَ النَّصَارَى بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْحُكْمَيْنِ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ، وَلَوْ قَالَ: أَهْلِ الْكِتَابِ، عِوَضَ: النَّصَارَى، لَكَانَ أَوْلَى، وَمُوَافِقًا لِلْحُكْمَيْنِ، أَعْنِي اتِّحَادَ الْمِلَّةِ وَاخْتِلَافَهَا، هَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ، بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، انْتَهَى. وَمُجَالِدٌ فِيهِ مَقَالٌ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَنَّهُمْ إذَا قُبِلُوا عِنْدَ اتِّحَادِ الْمِلَّةِ قُبِلُوا عِنْدَ اخْتِلَافِهَا، لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ: وَيُؤْخَذُ مِنْ بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ الْيَهُودُ، عِوَضَ: النَّصَارَى، وَاحْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، بِحَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْحُدُودِ2 بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: جَاءَتْ الْيَهُودُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْهُمْ زَنَيَا، فَقَالَ: ائْتُونِي بِأَعْلَمِ رَجُلَيْنِ مِنْكُمْ، فَأَتَوْهُ بِابْنَيْ صُورِيَّا، فَنَشَدَهُمَا، كَيْفَ تَجِدَانِ أَمْرَ هَذَيْنِ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَا: نَجِدُ فِيهِمَا إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا، كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ رُجِمَا، قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تَرْجُمُوهُمَا؟ قَالَا: ذَهَبَ سُلْطَانُنَا فَكَرِهْنَا الْقَتْلَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَهُودِ- قَوْلُهُ: فَدَعَا بِالْيَهُودِ، كَذَا بِخَطِّهِ، وَبِخَطِّهِ فِي الْهَامِشِ الشُّهُودُ عَلَيْهِ، فَجَاءَ أَرْبَعَةٌ فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا، كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ، فَأَمَرَ عليه السلام بِرَجْمِهِمَا، انْتَهَى. هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي نُسْخَةِ عَلَاءِ الدِّينِ بِخَطِّ يَدِهِ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَإِنَّمَا هُوَ: فَدَعَا بِالشُّهُودِ، كَشَفْتُهُ مِنْ نَحْوِ عِشْرِينَ نُسْخَةً، وَرَوَاهُ كَذَلِكَ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، والدارقطني فِي سُنَنِهِ3 وَكُلُّهُمْ قَالُوا: فَدَعَا بِالشُّهُودِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ، تَفَرَّدَ بِهِ مُجَالِدٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْوَصَايَا، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: فَدَعَا بِالشُّهُودِ، فَشَهِدُوا زِيَادَةٌ فِي الْحَدِيثِ، تَفَرَّدَ بِهَا مُجَالِدٌ، وَلَا يُحْتَجُّ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، انْتَهَى. قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا4 عَنْ هُشَيْمِ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ بِنَحْوِهِ مُرْسَلًا، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: فَدَعَا بِالشُّهُودِ، فَشَهِدُوا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ: يُشْكِلُ عَلَى أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ، وَهُوَ اخْتِلَافُ الْمِلَّةِ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ الْيَمَامِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مِلَّةٍ عَلَى مِلَّةٍ، إلَّا مِلَّةَ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ"، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَعُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَابْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِعُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَبِلَ شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْأَقْضِيَةِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ أَجَازَ شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ، عَلَى ابْنِ مَظْعُونٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ أَنَّ الْجَارُودَ شَهِدَ عَلَى قُدَامَةَ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَقَالَ عُمَرُ: هَلْ مَعَك شَاهِدٌ آخَرُ؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ عُمَرُ: يَا جَارُودُ مَا أَرَاك إلَّا مَجْلُودًا، قَالَ: يَشْرَبُ خَتْنُك، وَأُجْلَدُ أَنَا؟! فَقَالَ عَلْقَمَةُ الْخَصِيُّ لِعُمَرَ: أَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْخَصِيِّ؟ قَالَ: وَمَا بَالُ الْخَصِيِّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؟ قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُهُ يَقِيئُهَا، فَقَالَ عُمَرُ: مَا قَاءَهَا حَتَّى شَرِبَهَا، فَأَقَامَهُ، ثُمَّ جَلَدَهُ الْحَدَّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ حَدِيثَ قُدَامَةَ مُطَوَّلًا، لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ عَلْقَمَةَ، وَتَلْخِيصُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، وَهُوَ خَالُ حَفْصَةَ، فَقَدِمَ الْجَارُودُ سَيِّدُ عَبْدِ الْقَيْسِ مِنْ الْبَحْرَيْنِ عَلَى عُمَرَ، فَشَهِدَ عَلَى قُدَامَةَ أَنَّهُ شَرِبَ، فَسَكِرَ، قَالَ: مَنْ يَشْهَدُ مَعَك؟ قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ، فَدَعَاهُ، فَقَالَ: بِمَ تَشْهَدُ؟ قال: رأيته سكران يقئ، فَكَتَبَ عُمَرُ إلَى قُدَامَةَ يَطْلُبُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ الْجَارُودُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَقِمْ عَلَى هَذَا كِتَابَ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَاك إلَّا خَصْمًا، وَمَا شَهِدَ مَعَك إلَّا وَاحِدٌ، فَقَالَ الْجَارُودُ: أَنْشُدُك اللَّهَ، فَقَالَ عُمَرُ: لتسكن لِسَانَك، أَوْ لَأَسُوءُك، فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا ذَاكَ بِالْحَقِّ أَنْ يَشْرَبَ خَتْنُك الْخَمْرَ، وَتَسُوءَنِي أَنَا، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنْ كُنْتَ تَشُكُّ فِي شَهَادَتِنَا، فَأَرْسِلْ إلَى امْرَأَتِهِ هِنْدَ ابْنَةِ الْوَلِيدِ،
فَاسْأَلْهَا، فَأَرْسَلَ عُمَرُ إلَى هِنْدَ، فَشَهِدَتْ عَلَى زَوْجِهَا، فَحَدَّهُ عُمَرُ، وَغَضِبَ قُدَامَةُ عَلَى عُمَرَ زَمَانًا، وَحَجَّا مُتَغَاضِبَيْنِ، فَلَمَّا قَفَلَا مِنْ حَجِّهِمَا، وَنَزَلَ عُمَرُ بِالسُّقْيَا، فَنَامَ بِهَا، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ مَرْعُوبًا، فَقَالَ: عَجِّلُوا عَلَيَّ بِقُدَامَةَ، فَوَاَللَّهِ إنِّي لَأَرَى آتِيًا أَتَانِي، فَقَالَ لِي: يَا عُمَرُ سَالِمْ قُدَامَةَ، فَإِنَّهُ أَخُوك، فَأَبَى قُدَامَةُ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَأَمَرَ عُمَرُ أَنْ يَجُرُّوهُ إلَيْهِ، فَلَمَّا أُتِيَ بِهِ، كَلَّمَهُ عُمَرُ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَقْلَفِ، وَلَا تُقْبَلُ صَلَاتُهُ، وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، قُلْت: هَذَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَقْلَفِ1، وَلَا تُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ، وَلَا تُؤْكَلُ لَهُ ذَبِيحَةٌ، قَالَ: وَكَانَ الْحَسَنُ لَا يَرَى ذلك، انتهى. ورواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَكْرَهُ ذَبِيحَةَ الْأَرْغَلِ2 وَيَقُولُ: لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي الْبَابِ السِّتُّونَ مِنْهُ.
باب الشهادة على الشهادة
باب الاختلاف في الشهادة- فَصْلٌ: فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِرْثِ: لَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ. بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ: عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: لَا تَجُوزُ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَا يَجُوزُ عَلَى شَهَادَةِ الْمَيِّتِ إلَّا رَجُلَانِ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ الْأَزْرَقِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ عَلَى الشَّاهِدِ حَتَّى يَكُونَا اثْنَيْنِ، انْتَهَى.
فصل في شاهد الزور
فَصْلٌ فِي شَاهِدِ الزُّورِ قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ ضَرَبَ شَاهِدَ الزُّورِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا، وَسَخَّمَ وَجْهَهُ1. قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْحُدُودِ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ بِالشَّامِّ فِي شَاهِدِ الزُّورِ: يُضْرَبُ أَرْبَعِينَ سَوْطًا، وَيُسَخَّمُ وَجْهُهُ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ، وَيُطَالُ حَبْسُهُ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ2 أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ضَرَبَ شَاهِدَ الزُّورِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ أَخْبَرَنِي الْأَحْوَصُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمَرَ بِشَاهِدِ الزُّورِ أَنْ يُسَخَّمَ وَجْهُهُ، وَتُلْقَى عِمَامَتُهُ فِي عُنُقِهِ، وَيُطَافُ بِهِ فِي الْقَبَائِلِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: عَنْ شُرَيْحٍ رحمه الله أَنَّهُ كَانَ يُشَهِّرُ شَاهِدَ الزُّورِ وَلَا يَضْرِبُهُ، قَالَ: وَاَلَّذِي نُقِلَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُهُ إلَى سُوقِهِ إنْ كَانَ سُوقِيًّا، أَوْ إلَى قَوْمِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ سُوقِيٍّ بَعْدَ الْعَصْرِ، أَجْمَعَ مَا كَانُوا، وَيَقُولُ: إنَّ شُرَيْحًا يُقْرِئُكُمْ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ، فَاحْذَرُوهُ وَحَذِّرُوا النَّاسَ مِنْهُ، قُلْت: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَخَذَ شَاهِدَ زُورٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ، قَالَ لِلرَّسُولِ: قُلْ لَهُمْ: إنَّ شُرَيْحًا يُقْرِئُكُمْ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكُمْ: إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ أَرْسَلَ بِهِ إلَى مَسْجِدِ قَوْمِهِ، أَجْمَعَ مَا كَانُوا، فَقَالَ لِلرَّسُولِ مِثْلَ مَا قَالَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، انْتَهَى. وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ3 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، قَالَ: كَانَ شُرَيْحٌ يَبْعَثُ بِشَاهِدِ الزُّورِ إلَى مَسْجِدِ قَوْمِهِ،
أَوْ إلَى سُوقِهِ، وَيَقُولُ: إنَّا قَدْ زَيَّفْنَا شَهَادَةَ هَذَا، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ، كَانَ يَكْتُبُ اسْمَهُ عِنْدَهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ بَعَثَ بِهِ إلَى مَسْجِدِ قَوْمِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَوَالِي بَعَثَ بِهِ إلَى سُوقِهِ، يُعْلِمُهُمْ ذَلِكَ مِنْهُ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ الْجَعْدِ بْنِ ذَكْوَانَ، قَالَ: أُتِيَ شُرَيْحٌ بِشَاهِدِ زُورٍ، فَنَزَعَ عِمَامَتَهُ عَنْ رَأْسِهِ، وَخَفَقَهُ بِالدِّرَّةِ خَفَقَاتٍ، وَبَعَثَ بِهِ إلَى الْمَسْجِدِ يُعَرِّفُهُ النَّاسَ، انْتَهَى.
باب الرجوع عن الشهادة
بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ: قَالَ عليه السلام فِي نُقْصَانِ عَقْلِ النِّسَاءِ: "عَدَلَتْ شَهَادَةُ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ". قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ. فَحَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1 فِي الْوُضُوءِ، وَفِي الْعِيدَيْنِ، وَفِي الزَّكَاةِ، وَفِي الصَّوْمِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلَ النَّارِ"، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا لَنَا أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ؟! قَالَ: "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ، أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ"، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟! قَالَ: "أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ، فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ، فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ، وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ لَا تُصَلِّي، وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ، فَهَذَا نُقْصَانُ الدين". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ2 مُحِيلًا عَلَى مَا قَبْلَهُ، لَمْ يَذْكُرْ النَّصَّ فِيهِ، وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا، مُحِيلًا عَلَى مَا قَبْلَهُ، فَقَالَ بَعْدَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا: وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ"، إلَى آخِرِهِ سَوَاءٌ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ حَدِيثَ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، مُحِيلًا عَلَيْهِ، وَقَالَ بِمِثْلِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي النِّكَاحِ عَنْهُ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءً إلَّا أَنَّهُ قَالَ: " وَأَمَّا نُقْصَانُ دِينِهِنَّ، فَإِنَّ إحْدَاهُنَّ تَقْعُدُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً"، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
كتاب الوكالة
كِتَابُ الْوَكَالَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَّلَ بِالشِّرَاءِ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ. قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْبُيُوعِ1 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْنٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مَعَهُ بِدِينَارٍ يَشْتَرِي لَهُ أُضْحِيَّةً، فَاشْتَرَاهَا بِدِينَارٍ، وَبَاعَهَا بِدِينَارَيْنِ، فَرَجَعَ وَاشْتَرَى أُضْحِيَّةً بِدِينَارٍ، وَجَاءَ بِدِينَارٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَصَدَّقَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَعَا لَهُ أَنْ يُبَارِكَ فِي تِجَارَتِهِ، انْتَهَى. فِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَحَبِيبٌ لَمْ يَسْمَعْ عِنْدِي مِنْ حَكِيمٍ، انْتَهَى. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: حَدِيثُ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ2 عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ حَدَّثَنِي الْحَيُّ عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ، قَالَ: أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا يَشْتَرِي بِهِ أُضْحِيَّةً، أَوْ شَاةً، فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، فَأَتَاهُ بِشَاةٍ، وَدِينَارٍ، فَدَعَا به بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، فَكَانَ لَوْ اشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فِيهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي لَبِيدٍ، وَاسْمُهُ: لُمَازَةُ بْنُ زَبَّارٍ3عَنْ عُرْوَةَ، فَذَكَرَهُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ عَنْ عُرْوَةَ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ، وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ الْخَبَرَيْنِ مَعًا غَيْرُ مُتَّصِلَيْنِ، لِأَنَّ فِي أَحَدِهِمَا،
وَهُوَ خَبَرُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، رَجُلًا مَجْهُولًا لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، وَفِي خَبَرِ عُرْوَةَ أَنَّ الْحَيَّ حَدَّثُوهُ، وَمَا كَانَ هَذَا سَبِيلَهُ مِنْ الرِّوَايَةِ، لَمْ تَقُمْ بِهِ الْحُجَّةُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَأَمَّا تَخْرِيجُ الْبُخَارِيِّ لَهُ فِي صَحِيحِهِ فِي صَدْرِ حَدِيثِ الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخير فيحتمل أنه سمع مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَلَى التَّمَامِ، فَحَدَّثَ بِهِ كَمَا سَمِعَهُ، وَذَكَرَ فِيهِ إنْكَارَ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ، سَمَاعَهُ مِنْ عُرْوَةَ حَدِيثَ شِرَاءِ الشَّاةِ، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ الْحَيِّ عَنْ عُرْوَةَ، وَلَمْ يَسْمَعْ عَنْ عُرْوَةَ إلَّا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْخَيْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْخَيْلِ"، وَيُشْبِهُ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي الشِّرَاءِ، لَوْ كَانَ عَلَى شَرْطِهِ لَأَخْرَجَهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَكِتَابِ الْوَكَالَةِ كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ فِي الْحَدِيثِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى أَحْكَامٍ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي الْأَبْوَابِ الَّتِي تَصْلُحُ لَهُ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَذَكَرَ بَعْدَهُ حَدِيثَ الْخَيْلِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وأنس بن مالك، وأبو هُرَيْرَةَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ حَدِيثُ الْخَيْلِ فَقَطْ، إذْ هُوَ عَلَى شَرْطِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ عَنْ عُرْوَةَ، مُقْتَصِرًا عَلَى ذِكْرِ الْخَيْلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ الشَّاةِ، وَحَدِيثُ الشَّاةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي لَبِيدٍ عَنْ عُرْوَةَ طَرِيقٌ حَسَنَةٌ، انْتَهَى. قُلْت: لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ1 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا سُفْيَانُ ثَنَا شَبِيبُ بْنُ غَرْقَدَةَ، قَالَ: سَمِعْت الْحَيَّ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَأَتَاهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوْ اشْتَرَى التُّرَابَ رَبِحَ فِيهِ، قَالَ سُفْيَانُ2 لَوْ كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ جَاءَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ قَالَ: سَمِعَهُ شَبِيبٌ مِنْ عُرْوَةَ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ شَبِيبٌ: إنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ عُرْوَةَ، سَمِعْتُ الْحَيَّ يُخْبِرُونَهُ عَنْهُ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْخَيْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْخَيْلِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ بَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ رَدًّا عَلَى عَبْدِ الْحَقِّ فِي قَوْلِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، فَقَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ نِسْبَةَ هَذَا الْحَدِيثِ إلَى الْبُخَارِيِّ كَمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ مَا يُخَرِّجُهُ مِنْ صَحِيحِ الْحَدِيثِ خَطَأٌ، إذْ لَيْسَ مِنْ مَذْهَبِهِ تَصْحِيحُ حَدِيثٍ فِي إسْنَادِهِ مَنْ لَمْ يُسَمَّ، كَهَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّ الْحَيَّ الَّذِينَ حَدَّثُوا بِهِ شَبِيبًا لَا يُعْرَفُونَ، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ هَكَذَا مُنْقَطِعٌ، وَإِنَّمَا سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ جَارًا لِمَا هُوَ مَقْصُودُهُ فِي آخِرِهِ، مِنْ ذِكْرِ الْخَيْلِ، وَلِذَلِكَ
أَتْبَعَهُ الْأَحَادِيثَ بِذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، كُلُّهَا فِي الْخَيْلِ، فَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَقْصِدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ إنَّمَا هُوَ سَوْقُ أَخْبَارٍ تَتَضَمَّنُ أَنَّهُ عليه السلام أَخْبَرَ بِمُغَيَّبَاتٍ تكون بَعْدَهُ، فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ حَدِيثُ: الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِيمَا يُورِدُهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُعَلَّقَةِ، وَالْمُرْسَلَةِ، وَالْمُنْقَطِعَةِ، لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ مَذْهَبَهُ صِحَّتُهَا، بَلْ لَيْسَ هَذَا مَذْهَبَهُ إلَّا فِيمَا يُورِدُهُ بِإِسْنَادٍ مَوْصُولٍ، عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ شَرْطِهِ، وَإِنَّمَا اعْتَمَدَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إسْنَادَ سُفْيَانَ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْخَيْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْخَيْلِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، وَجَرَى فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ مِنْ قِصَّةِ الدِّينَارِ وَالشَّاةِ، مَا لَيْسَ مِنْ مَقْصُودِهِ، وَلَا عَلَى شَرْطِهِ عَنْ شَبِيبٍ عَنْ الْحَيِّ عَنْ عُرْوَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: وَفَاتَ ابْنَ الْقَطَّانِ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ عَبْدَ الْحَقِّ فِي كِتَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ فَرَّقَ الْحَدِيثَيْنِ شَطْرَيْنِ، فَذَكَرَ فَصْلَ الْخَيْلِ فِي الْجِهَادِ وَعَزَاهُ لِلصَّحِيحَيْنِ، وَذَكَرَ فَصْلَ الشَّاةِ فِي كِتَابِ الْمَنَاقِبِ، وَجَعَلَهُ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْبُخَارِيِّ، وَهَذَا أَيْضًا خَطَأٌ مِنْهُ، لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ فَصْلَ الشَّاةِ عَلَى شَرْطِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ كَانَ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ لَا يَذْكُرَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، أَوْ يَذْكُرَهُ فِي كِتَابِ التَّعَالِيقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: وَرُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام وَكَّلَ بِالتَّزَوُّجِ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي النِّكَاحِ1 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ثَنَا ثَابِتٌ حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إلَيْهَا يَخْطُبُهَا، فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ إنِّي امْرَأَةٌ مُصْبِيَةٌ، وَإِنِّي غَيْرَى، وَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي شَاهِدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا كَوْنُكِ غَيْرَى، فَسَأَدْعُو اللَّهَ، فَيُذْهِبُ غَيْرَتَكِ، وَأَمَّا كَوْنُك مُصْبِيَةً، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَكْفِيك صِبْيَانَكِ، وَأَمَّا أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَوْلِيَائِكِ لَيْسَ شَاهِدًا فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِكِ لَا شَاهِدٌ وَلَا غَائِبٌ إلَّا سَيَرْضَانِي"، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: قُمْ يَا عُمَرُ فَزَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالتِّسْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي فَضَائِلِ أُمِّ سَلَمَةَ2 وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَاسْمُ ابْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ سَعِيدٌ، وَلَمْ يُسَمِّهِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَسَمَّاهُ غَيْرُهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَهُ
وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. وَعَجِبْت مِنْ عَبْدِ الْحَقِّ كَيْفَ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي النِّكَاحِ، وَعَزَاهُ لِابْنِ سَنْجَرٍ فَقَطْ، وَأَهْمَلَ هَذِهِ الْكُتُبَ جَمِيعَهَا، وَقَالَ: وَابْنُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ لَا يُعْرَفُ، انْتَهَى. قُلْت: تَقَدَّمَ لِلْحَاكِمِ أَنَّ اسْمَهُ سَعِيدٌ، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَرِوَايَةُ ثَابِتٍ عَنْهُ تُقَوِّي أَمْرَهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ1 حَدَّثَنِي مَجْمَعُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ أُمَّ سَلَمَةَ إلَى ابْنِهَا عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، فَزَوَّجَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ صَغِيرٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ، لِأَنَّ عُمَرَ كَانَ لَهُ مِنْ الْعُمُرِ يَوْمَ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثُ سِنِينَ، فَكَيْفَ يُقَالُ لِمِثْلِ هَذَا: زَوِّجْ؟ وَبَيَانُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ، وَمَاتَ عليه السلام، وَلِعُمَرَ تِسْعُ سِنِينَ، فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهَا لِعُمَرَ: قُمْ فَزَوِّجْ، عَلَى الْمُدَاعَبَةِ لِلصَّغِيرِ، وَلَوْ صَحَّ أَنَّ الصَّغِيرَ زَوَّجَهَا، فَلِأَنَّهُ عليه السلام لَا يَحْتَاجُ إلَى وَلِيٍّ، لِأَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِكَفَاءَتِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ وَمَهْرٍ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَبُو هَارُونَ فِيهِ مَقَالٌ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: قَوْلُهُ: إنَّهُ عليه السلام مَاتَ وَلِعُمَرَ تِسْعُ سِنِينَ بَعِيدٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَهُ الْكَلَابَاذِيُّ، وَغَيْرُهُ، فَإِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ: إنَّهُ وُلِدَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ إلَى الْحَبَشَةِ، وَيُقَوِّي هَذَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ عليه السلام: "سَلْ هَذِهِ"، فَأَخْبَرَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّهُ عليه السلام يَصْنَعُ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ: "أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ"، انْتَهَى. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ عُمَرَ كَانَ كَبِيرًا، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ عُمَرَ الْمَقُولَ لَهُ: زَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا رَضِيَتْ، وَالْمُزَوِّجُ لَهَا هُوَ سَلَمَةُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَعَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ ابْنَةَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ، فَمَاتَا قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، فَكَانَ عليه السلام يَقُولُ: "هَلْ حَزِنَتْ سَلَمَةُ"، وَهُوَ كَانَ زَوَّجَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّهُ، انتهى. وروى ابن سعيد فِي الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ أُمِّ سَلَمَةَ3 أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ثَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ عَنْ حَبِيبِ
بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتِي مِنْ أَبِي سَلَمَةَ أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَنِي بَيْنَهُ وَبَيْنِي حِجَابٌ، فَخَطَبَ إلَيَّ نَفْسِي، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أَدْبَرَ مِنِّي سِنِّي، وَإِنِّي أُمُّ أَيْتَامٍ، وَإِنِّي امْرَأَةٌ شَدِيدَةُ الْغَيْرَةِ، فَقَالَ عليه السلام: "أَمَّا مَا ذَكَرْت مِنْ غَيْرَتِكِ فَسَيَدْفَعُهَا اللَّهُ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنْ أَيْتَامِكِ، فَعَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ"، قَالَتْ: فَأَذِنْتُ لَهُ فِي نَفْسِي، فَتَزَوَّجَنِي، انْتَهَى. وَهَذَا مَتْنٌ غَرِيبٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ1 عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إلَى خَيْبَرَ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ لَهُ: إنِّي أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إلَى خَيْبَرَ، فَقَالَ: "إذَا أَتَيْتَ وَكِيلِي فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فَإِنْ ابْتَغَى مِنْك آيَةً، فَضَعْ يَدَك عَلَى تَرْقُوَتِهِ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِابْنِ إسْحَاقَ، وَأَنْكَرَ عَلَى عَبْدِ الْحَقِّ سُكُوتَهُ عَنْهُ، فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه وكل عقيلاً، وبعد ما أَسَنَّ، وَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يَكْرَهُ الْخُصُومَةَ، وَكَانَ إذَا كَانَتْ لَهُ خُصُومَةٌ وَكَّلَ فِيهَا عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمَّا كَبِرَ عَقِيلٌ وَكَّلَنِي، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ وَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ بِالْخُصُومَةِ3. [بَقِيَّةُ الْأَبْوَابِ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ]
كتاب الدعوى
كِتَابُ الدَّعْوَى حَدِيثٌ وَاحِدٌ: قَالَ عليه السلام: "أَلَك بَيِّنَةٌ"؟ قَالَ: لَا، قَالَ: "فَلَكَ يَمِينُهُ". قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ4 فِي الْقَضَاءِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ، وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ كَانَتْ لِأَبِي، فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، فَقَالَ عليه السلام لِلْحَضْرَمِيِّ: "أَلَك بَيِّنَةٌ "؟ قَالَ: لَا، قَالَ: "فَلَكَ يَمِينُهُ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ فَاجِرٌ، لَا يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ
عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: " لَيْسَ لَك مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ"، فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ، فَقَالَ عليه السلام، لَمَّا أَدْبَرَ: " أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا، لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ، وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ أَرْضٌ، فَجَحَدَنِي، فَقَدَّمْته إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي عليه السلام: "أَلَك بَيِّنَةٌ"؟ قُلْت: لَا، فَقَالَ عليه السلام لِلْيَهُودِيِّ: "احْلِفْ"، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إذًا يَحْلِفُ وَيَذْهَبُ بِمَالِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ} إلَى آخِرِ الْآيَةِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي الرَّهْنِ2 وَمُسْلِمٍ فِي الْأَيْمَانِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ، يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللَّهَ، وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ"، قَالَ: فَدَخَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالُوا: كَذَا وَكَذَا، قَالَ صَدَقَ، فِي نَزَلَتْ، كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ أَرْضٌ بِالْيَمَنِ، فَخَاصَمْتُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " شَاهِدَاك، أَوْ يَمِينُهُ"، قُلْت: إذًا يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي، فَقَالَ عليه السلام: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إلَى قَوْلِهِ: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، انْتَهَى.
باب اليمين
بَابُ الْيَمِينِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ ودمائهم، لَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ"، انْتَهَى.
وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ1 بِلَفْظٍ لَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَخْرَجَاهُ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَعْنَاهُ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ: " شَاهِدَاك، أَوْ يَمِينُهُ"، فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَأَخْرَجَهُ هُوَ، والدارقطني2 عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، إلَّا فِي الْقَسَامَةِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، إلَّا فِي الْقَسَامَةِ"، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: مسلم بْنُ خَالِدٍ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وقد اختلف عليه فيه، فَقِيلَ عَنْهُ هَكَذَا، وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ، وَغَيْرُهُ: عَنْهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ: هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ يُعْرَفَانِ بِمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَفِي الْمَتْنِ زِيَادَةُ قَوْلِهِ: إلَّا فِي الْقَسَامَةِ، انْتَهَى. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مَنْصُورٍ الْجُمَحِيِّ عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ بَرَّةَ بِنْتِ أبي تجزئة، قَالَتْ: أَنَا أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْبَيْتِ، فَوَقَفَ عَلَى الْبَابِ، وَأَخَذَ بِعِضَادَتَيْ الْبَابِ، ثُمَّ أَشْرَفَ عَلَى النَّاسِ، وَهُمْ جُلُوسٌ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَقَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ، فَذَكَرَ خُطْبَةً، وَفِيهَا: وَالْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ"، مُخْتَصَرٌ. وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، قَالَ: لِأَنَّهُ قَسْمٌ، وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ، وَيُبْنَى عَلَى هَذَا مَسْأَلَةُ الْقَضَاءِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، فَقَالَ بِهِ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنِي قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ3، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، قَالَ عُمَرُ: وَفِي الحقوق، انتهى. قال النَّسَائِيّ: وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ ثِقَةٌ،
وَسَيْفُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثِقَةٌ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا1 وَوَثَّقَ الْبَيْهَقِيُّ سَيْفَ بْنَ سُلَيْمَانَ نَقْلًا عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ2 وَأَسْنَدَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يَرُدُّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِثْلَهُ، لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا غَيْرُهُ، مَعَ أَنَّ غَيْرَهُ يَشْهَدُهُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ3: وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ لَا يُخَالِفُ مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ شَيْئًا، لِأَنَّا نَحْكُمُ بِشَاهِدَيْنِ، وَبِشَاهِدٍ، وَامْرَأَتَيْنِ، وَلَا يَمِينَ، فَإِذَا كَانَ شَاهِدٌ حَكَمْنَا بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَلَيْسَ هَذَا بِخِلَافِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْرُمْ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ، وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَأْخُذَ مَا أَتَانَا، وَنَنْتَهِيَ عَمَّا نَهَانَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، لَا مَطْعَنَ لِأَحَدٍ فِي إسْنَادِهِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي صِحَّتِهِ، وَقَدْ رُوِيَ الْقَضَاءُ بِالْيَمِينِ، وَالشَّاهِدِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَعُمَارَةَ بْنِ حزم، وسُرّق، بأسانيد حسان، وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَعْلُولٌ بِالِانْقِطَاعِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: وَسَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: إنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. قُلْت: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَخَالَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، فَلَمْ يَذْكُرْ طَاوُسًا، وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ5 وَرِوَايَةُ الثِّقَاتِ لَا تُعَلَّلُ بِرِوَايَةِ الضُّعَفَاءِ، انْتَهَى. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ6: لَا أَعْلَمُ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِشَيْءٍ يَعْنِي فَيَصِيرُ فِيهِ انْقِطَاعَانِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمٌ قَدْ أَخْرَجَهُ فِي صَحِيحِهِ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ
عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَهُوَ يُرْمَى بِالِانْقِطَاعِ فِي مَوْضِعَيْنِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ لَا نَعْلَمُهُ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِشَيْءٍ، وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَضَى عليه السلام بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَا تَصِحُّ مِنْ جِهَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَهُوَ الْقُدَامِيُّ، يَرْوِي عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا أَعْلَمُ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِشَيْءٍ، وَهَذَا مَدْخُولٌ، فَإِنَّ قَيْسًا ثِقَةٌ، أَخْرَجَ لَهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: هُوَ أَثْبَتُ، وَإِذَا كَانَ الرَّاوِي ثِقَةً وَرَوَى حَدِيثًا عَنْ شَيْخٍ يَحْتَمِلُهُ سِنُّهُ، وَلَقِيَهُ، وَكَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالتَّدْلِيسِ، وَجَبَ قَبُولُهُ، وَقَدْ رَوَى قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ عَمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ سِنًّا، وَأَقْدَمُ مَوْتًا مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، كَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُجَاهِدِ بن جبر، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ مَنْ كَانَ فِي قَرْنِ قَيْسٍ، وَأَقْدَمَ لُقْيَا مِنْهُ، كَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، فَإِنَّهُ رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَرَوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ثُمَّ رَوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، فَكَيْفَ يُنْكِرُ رِوَايَةَ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ؟! غَيْرَ أَنَّهُ رَوَى مَا يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ، وَلَمْ يَجِدْ لَهُ مَطْعَنًا سِوَى ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَى جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا وَقَصَتْهُ نَاقَةٌ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَقَدْ عَلِمْنَا قَيْسًا رَوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ غَيْرَ حَدِيثِ: الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ، ثُمَّ قَدْ تَابَعَ قَيْسًا عَلَى رِوَايَتِهِ هَذِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد بِسَنَدِهِ1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ حَدِيثِ قَيْسٍ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ2 ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، انْتَهَى. الْجَوَابُ الثَّانِي3: أَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ، قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: قَوْلُ الصَّحَابِيِّ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَذَا، وَقَضَى بِكَذَا، لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ، لِأَنَّ الْحُجَّةَ فِي الْمَحْكِيِّ
لَا فِي الْحِكَايَةِ، وَالْمَحْكِيُّ قَدْ يَكُونُ خَاصًّا، وَأَيْضًا فَالْقَضَاءُ لَهُ مَعَانٍ، أَقْرَبُهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَصْلُ الْخُصُومَاتِ وَهَذَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْخُصُوصُ، إذْ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْحُكْمُ بِكُلِّ شَاهِدٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، بَلْ إنَّمَا يُقْضَى بِشَاهِدٍ خَاصٍّ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الرَّاوِي قَدْ اعْتَمَدَ عَلَى قَرِينَةِ الْحَالِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ حَقِيقَةُ الْجِنْسِ، لَا اسْتِغْرَاقُ الْجِنْسِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عليه السلام قَضَى بِجِنْسِ الشَّاهِدِ، وَجِنْسِ الْيَمِينِ. وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِمَا وَقَعَ فِي التِّرْمِذِيِّ، وَسُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيّ1 أَنَّهُ عليه السلام قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَيَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ3 عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِي الْحَقِّ بِشَاهِدَيْنِ، فَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ أَخَذَ حَقَّهُ، وَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ". بَقِيَّةُ أَحَادِيثِ الْخُصُومِ: فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْقَضَاءِ4 وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَحْكَامِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بلال عن ربيعة بإسناده نَحْوِهِ، وَزَادَ فِيهِ: قَالَ سُلَيْمَانُ: فَلَقِيت سُهَيْلًا فَسَأَلْته عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: مَا أَعْرِفُهُ، فَقُلْت: إنَّ رَبِيعَةَ أَخْبَرَنِي بِهِ عَنْك، فَقَالَ: إنْ كَانَ رَبِيعَةُ أَخْبَرَك بِهِ عَنِّي، فَحَدِّثْ بِهِ عَنْ رَبِيعَةَ عَنِّي، قَالَ: وَكَانَ سُهَيْلُ أَصَابَتْهُ عِلَّةٌ أَذْهَبَتْ بَعْضَ عَقْلِهِ، وَنَسِيَ بَعْضَ حَدِيثِهِ، فَكَانَ سُهَيْلٌ بَعْدُ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، قَالَ: وَقَضَى بِهِ عَلِيٌّ فِيكُمْ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ، وَهَكَذَا رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ جَعْفَرِ بن محمد عن َبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا , وَرَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ , وَيَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى. وَحَدِيثُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ2 حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، قَالَ: وَجَدْنَا فِي كِتَابِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ. وَحَدِيثُ سُرَّقٍ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ عَنْ سُرَّقٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ شَهَادَةَ رَجُلٍ، وَيَمِينَ الطَّالِبِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَلِيٍّ، الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ4 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَيَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَقَضَى بِهِ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِالْعِرَاقِ، انْتَهَى. وَهَذَا إسْنَادٌ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ لَمْ يُدْرِكْ جَدَّ أَبِيهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ أَطَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ، قَالَ: وَكَانَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ رُبَّمَا أَرْسَلَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَرُبَّمَا وَصَلَهُ عَنْ جَابِرٍ، لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الثِّقَاتِ حَفِظُوهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ، لِأَنَّهُمْ زَادُوا، وَهُمْ ثِقَاتٌ، وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ5 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، كَانُوا يَقْضُونَ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، وَيَمِينِ الْمُدَّعِي6.
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم أَجْمَعُوا عَلَى الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ، قُلْت: يُوجَدُ هَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْأَقْضِيَةِ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ بَاعَ غُلَامًا لَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَوَجَدَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَيْبًا، فَخَاصَمَهُ إلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: بِعْتَهُ بِالْبَرَاءَةِ؟ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ، فَرَدَّهُ عُثْمَانُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ ابْنِ جريج عن ابن مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ امْرَأَةً، فَأَبَتْ أَنْ تَحْلِفَ، فَأَلْزَمَهَا، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ الْحَارِثِ، قَالَ: نَكَلَ رَجُلٌ عِنْدَ شُرَيْحٍ عَنْ الْيَمِينِ، فَقَضَى شُرَيْحٌ عَلَيْهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا أَحْلِفُ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: قَدْ مَضَى قَضَائِي، انْتَهَى. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، قَالَا: اشْتَرَى عَبْدُ اللَّهِ غُلَامًا لِامْرِئٍ، فَلَمَّا ذَهَبَ إلَى مَنْزِلِهِ حُمَّ الْغُلَامُ، فَخَاصَمَهُ إلَى الشَّعْبِيِّ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ: بَيِّنَتُك أَنَّهُ دَلَّسَ عَلَيْك عَيْبًا؟ فَقَالَ: لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ، فَقَالَ لِلرَّجُلِ: احْلِفْ أَنَّك لَمْ تُبِعْهُ، فَأَبَى، فَقَالَ الرَّجُلُ: اُرْدُدْ الْيَمِينَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَضَى الشَّعْبِيُّ بِالْيَمِينِ عَلَيْهِ فَقَالَ: إمَّا أَنْ تَحْلِفَ، وَإِلَّا جَازَ عَلَيْك الْغُلَامُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُشْكِلِ الْآثَارِ1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِينَ، قَالَ: أَمَرَتْ امْرَأَةٌ وَلِيدَةً لَهَا أَنْ تَضْطَجِعَ عِنْدَ زَوْجِهَا، فَحَسِبَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: أَحْلِفُوهُ أَنَّهُ مَا شَعَرَ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ فَارْجُمُوهُ، وَإِنْ حَلَفَ فَاجْلِدُوهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَاجْلِدُوا امْرَأَتَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَاجْلِدُوا الْوَلِيدَةَ الْحَدَّ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا مُنْكِرًا عَلَيْهِ يَعْنِي في حكم بِالنُّكُولِ وَأَنَّهُ كَالْإِقْرَارِ.
باب في كيفية اليمين
بَابٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ: " مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ، أَوْ لِيَذَرْ" تَقَدَّمَ فِي الْأَيْمَانِ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام لِابْنِ صُورِيَّا الْأَعْوَرِ: "أَنْشُدُك بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَنَّ حُكْمَ الزِّنَا فِي كِتَابِكُمْ هَذَا"؟، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الْحُدُودِ1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيٌّ مُحَمَّمٌ، فَدَعَاهُمْ، فَقَالَ: "هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي"؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ لَهُ: "نَشَدْتُك بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، أَنْ هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ"؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا، وَلَوْلَا أَنَّك نَشَدْتنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْك بِحَدٍّ، حَدُّ الزَّانِي فِي كِتَابِنَا الرَّجْمُ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا، فَكُنَّا إذَا أَخَذْنَا الرَّجُلَ الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَقُلْنَا: تَعَالَوْا نَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، فَاجْتَمَعْنَا عَلَى التَّحْمِيمِ، وَالْجَلْدِ، وَتَرَكْنَا الرَّجْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ إني أول من أحيي أَمْرَك إذْ أَمَاتُوهُ"، فَأُمِرَ بِهِ، فَرُجِمَ، انْتَهَى. قَالَ الشُّرَّاحُ: وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَّا، وَكَانَ أَعْلَمَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ بِالتَّوْرَاةِ، وَقَدْ صُرِّحَ بِاسْمِهِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد2 عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ يَعْنِي لِابْنِ صُورِيَّا: "أُذَكِّرُكُمْ بِاَللَّهِ الَّذِي نَجَّاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَأَقْطَعَكُمْ الْبَحْرَ، وَظَلَّلَ عَلَيْكُمْ الْغَمَامَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، أَتَجِدُونَ فِي كِتَابِكُمْ الرَّجْمَ"؟ قَالَ: ذَكَّرْتَنِي بِعَظِيمٍ، وَلَا يَسَعُنِي أَنَّ أَكْذِبَك، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَجَعَلَهُ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُسْنَدًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَبُو دَاوُد إلَّا مُرْسَلًا، هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد3 عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَتْ الْيَهُودُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْهُمْ زَنَيَا، فَقَالَ: ائْتُونِي بِأَعْلَمِ رَجُلَيْنِ مِنْكُمْ، فَأَتَوْهُ بِابْنَيْ صُورِيَّا، فَنَشَدَهُمَا كَيْفَ تَجِدَانِ أَمْرَ هَذَيْنِ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَا: نَجِدُ فِيهَا، إلَى آخِرِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَقَوْلُهُ بِابْنَيْ صُورِيَّا، لَعَلَّهُ أَرَادَ عَبْدَ اللَّهِ بن صوري بِضَمِّ الصَّادِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ -
وَقِيلَ: بِكَسْرِهَا، وَكِنَانَةُ بْنُ صُورِيَّا بِضَمِّ الصَّادِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَالْمَدِّ فَيَكُونُ قَدْ ثَنَّاهُمَا عَلَى لَفْظِ أَحَدِهِمَا: أَوْ يَكُونُ عَبْدُ اللَّهِ أَيْضًا يُقَالُ فِيهِ: ابْنُ صُورِيَّا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا1 عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةُ، وَنَحْنُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي لِلْيَهُودِ: "أَنْشُدُكُمْ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى"؟، انْتَهَى. وَفِيهِ انْقِطَاعٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى: {إنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} قَالَ: هُمْ الْيَهُودُ زَنَتْ مِنْهُمْ امْرَأَةٌ، وَقَدْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى حَكَمَ فِي التَّوْرَاةِ فِي الزِّنَا الرَّجْمَ، فَنَفِسُوا أَنْ يَرْجُمُوهَا، وَقَالُوا: انْطَلِقُوا إلَى مُحَمَّدٍ، فَعَسَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ رُخْصَةٌ، فَاقْبَلُوهَا، فَأَتَوْهُ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ إنَّ امْرَأَةً مِنَّا زَنَتْ، فَمَا تَقُولُ فِيهَا؟ فَقَالَ عليه السلام: "كَيْفَ حُكْمُ اللَّهِ فِي التَّوْرَاةِ فِي الزَّانِي"؟ فَقَالُوا: دَعْنَا مِنْ التَّوْرَاةِ، فَمَا عِنْدَك فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: " ائْتُونِي بِأَعْلَمِكُمْ بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، فَأَتَوْهُ، فَقَالَ لَهُمْ: " بِاَلَّذِي نَجَّاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَبِاَلَّذِي فَلَقَ الْبَحْرَ فَأَنْجَاكُمْ، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، أَلَا أَخْبَرْتُمُونِي مَا حُكْمُ اللَّهِ فِي التَّوْرَاةِ فِي الزَّانِي"؟ فَقَالُوا: حُكْمُ اللَّهِ الرَّجْمُ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه يَعْنِي جَوَازَ الْفِدَاءِ عَنْ الْيَمِينِ بِالْمَالِ، قُلْت: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: بَلَغَنِي أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رُدَّتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَافْتَدَاهَا بِمَالٍ، وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَ قَدَرَ بَلَاءٍ، فَيُقَالُ: هَذَا بِيَمِينِهِ، وَقَالَ فِي آخِرِ الْبَابِ وَفِي كِتَابِ الْمُسْتَخْرَجِ لِأَبِي الْوَلِيدِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: وَفِيهِ إرْسَالٌ، أَنَّ رَجُلًا اسْتَقْرَضَ2 مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا تَقَاضَاهُ، قَالَ لَهُ: إنَّمَا
هِيَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، فَخَاصَمَهُ إلَى عُمَرَ، فَقَالَ: تَحْلِفُ1 أَنَّهَا سَبْعَةُ آلَافٍ؟ فَقَالَ عُمَرُ: أُنْصِفُك، فَأَبَى عُثْمَانُ أَنْ يَحْلِفَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: خُذْ مَا أَعْطَاك. انْتَهَى. وَفِي الْبَابِ عَنْ جَمَاعَةٍ، فَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ2 حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالَ: عَرَفَ حُذَيْفَةُ بَعِيرَهُ مَعَ رَجُلٍ فَخَاصَمَهُ، فَقَضَى لِحُذَيْفَةَ بِالْبَعِيرِ، وَأَنَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَفْتَدِي يَمِينِي مِنْك بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَأَبَى الرَّجُلُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: بِعِشْرِينَ، فَأَبَى، قَالَ: بِثَلَاثِينَ، فَأَبَى، قَالَ: بِأَرْبَعِينَ، فَأَبَى، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَتَظُنُّ أَنِّي لَا أَحْلِفُ عَلَى مَالِي، فَحَلَفَ عَلَيْهِ حُذَيْفَةُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ حَسَّانَ بْنِ ثُمَامَةَ، قَالَ: زَعَمُوا أَنَّ حُذَيْفَةَ عَرَفَ جَمَلًا لَهُ سُرِقَ، فَخَاصَمَ فِيهِ إلَى قَاضِي الْمُسْلِمِينَ، فَصَارَتْ عَلَى حُذَيْفَةَ يَمِينٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَفْتَدِيَ يَمِينَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَأَبَى الرَّجُلُ، فَقَالَ: عِشْرُونَ، فَأَبَى، فَقَالَ: ثَلَاثُونَ، فَأَبَى، فَقَالَ: أَرْبَعُونَ، فَأَبَى، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَأَتْرُكُ جَمَلِي؟! فَحَلَفَ أَنَّهُ جَمَلُهُ مَا بَاعَهُ، وَلَا وَهَبَهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 وَالطَّبَرَانِيُّ فِي معجمه الوسط عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عن أبيه أنه فدا يَمِينَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ: وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ لَوْ حَلَفْت لَحَلَفْت صَادِقًا، وَإِنَّمَا شَيْءٌ افْتَدَيْت بِهِ يَمِينِي، انْتَهَى. وَمُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى هَذَا هُوَ الصَّدَفِيُّ، ضَعَّفُوهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسِ، قَالَ: لَقَدْ افْتَدَيْت يَمِينِي مَرَّةً بِسَبْعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: فِي الصَّحِيحَيْنِ4 عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَأَلَهُ عَنْ الْقَسَامَةِ، فَذَكَرِ حَدِيثَ الْقَسَامَةِ، إلَى أَنْ قَالَ: وَقَدْ كَانَتْ هُذَيْلٌ خَلَعُوا خَلِيعًا لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَطَرَقَ أَهْلَ بَيْتٍ بِالْبَطْحَاءِ، فَانْتَبَهَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَحَذَفَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ، فَجَاءَتْ هُذَيْلٌ، وَأَخَذُوا الْيَمَانِيَ، فَرَفَعُوهُ إلَى عُمَرَ رضي الله عنه بِالْمَوْسِمِ، فَقَالُوا: قَتَلَ صَاحِبَنَا، فَقَالَ: يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْ هُذَيْلٍ مَا خَلَعُوهُ، قَالَ:
فَأَقْسَمَ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا، وَقَدِمَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ الشَّامِ فَسَأَلُوهُ أَنْ يُقْسِمَ، فَافْتَدَى يَمِينَهُ مِنْهُمْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَدْخَلُوا مَكَانَهُ رَجُلًا آخَرَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: سُئِلَ الزُّهْرِيُّ عَنْ الرَّجُلِ يَقَعُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، فَيُرِيدُ أَنْ يَفْتَدِيَ يَمِينَهُ، فَقَالَ: كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَقَدْ افْتَدَى عُبَيْدٌ السِّهَامُ وَكَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ يَمِينَهُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي إمَارَةِ مَرْوَانَ، وَالصَّحَابَةُ بِالْمَدِينَةِ كَثِيرٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ1 أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ مَسْرُوقًا افْتَدَى يَمِينَهُ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا، انْتَهَى.
باب التحالف
بَابُ التَّحَالُفِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ، وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا، تَحَالَفَا، وَتَرَادَّا"، قُلْت: يَأْتِي فِي الْحَدِيثِ بَعْدَهُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ، فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ الْبَائِعُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَهُ طُرُقٌ: فَأَبُو دَاوُد فِي الْبُيُوعِ2 عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ بَاعَ لِلْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ رَقِيقًا مِنْ رَقِيقِ الْخُمُسِ بِعِشْرِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَرْسَلَ عَبْدَ اللَّهِ إلَيْهِ فِي ثَمَنِهِمْ، فَقَالَ: إنَّمَا أَخَذْتُهُمْ بِعَشَرَةِ آلَافِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إنْ شِئْت حَدَّثْتُك بِحَدِيثٍ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْته يَقُولُ: "إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَالْقَوْلُ مَا يَقُولُ رَبُّ السِّلْعَةِ، أَوْ يَتَتَارَكَانِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْبُيُوعِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَفِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَمَعَ الِانْقِطَاعِ فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ قَيْسٍ مَجْهُولُ الْحَالِ، وَكَذَلِكَ أَبُوهُ قَيْسٌ، وَكَذَلِكَ جَدُّهُ مُحَمَّدٌ، إلَّا أَنَّهُ أَشْهَرُهُمْ، وَهُوَ
أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْأَشْعَثِ1 عِدَادُهُ فِي الْكُوفِيِّينَ، رَوَى عَنْهُ مُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ قَيْسٍ الْمَاصِرُ2 وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَرَوَى عَنْ عَائِشَةَ، وَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَمُنْقَطِعَةٌ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ3: عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو دَاوُد نَصَّهُ، وَإِنَّمَا أَحَالَ عَلَى اللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ، قَالَ: وَالْكَلَامُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَذَكَرَ ابْنُ مَاجَهْ فِيهِ النَّصَّ، وَزَادَ فِيهِ: وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ، فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ، أَوْ يَتَرَادَّانِ الْبَيْعَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالدَّارِمِيُّ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَأُعِلَّ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَالثَّانِي: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي لَيْلَى ضَعِيفٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ4 أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ لَا يَقْبَلُونَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ لِكَثْرَةِ أَوْهَامِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عُمَيْسٍ، وَمَعْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ الله الْمَسْعُودِيُّ، وَأَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ، كُلُّهُمْ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مُنْقَطِعًا، وَلَيْسَ فِيهِ: وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ، وَأَصَحُّ إسْنَادٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ رِوَايَةُ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِهِ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ5 عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، فَإِنَّ عَوْنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ مَسْعُودٍ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ6 عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَضَرْت أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ أَتَاهُ رَجُلَانِ تَبَايَعَا سِلْعَةً، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَخَذْتهَا بِكَذَا، وَقَالَ هَذَا: بِعْتهَا بِكَذَا، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أُتِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي مِثْلِ هَذَا، فَقَالَ: حَضَرْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أُتِيَ فِي مِثْلِ هَذَا، فَأَمَرَ الْبَائِعَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ، ثُمَّ يَخْتَارُ الْمُتَبَايِعُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ بِالْمِيمِ وَالرَّاءِ وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْبُيُوعِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، إنْ كَانَ الْمَحْفُوظُ فِي إسْنَادِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، انْتَهَى. وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ الْمُسْتَدْرَكِ بِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ مُرْسَلٌ، فَإِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ هُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُبَيْدٍ، وَهُوَ لَا يُعْرَفُ، وَفِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، وَكَأَنَّهُ وَهْمٌ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ: قَرَأْت عَلَى أَبِي، قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ فِي الْبَيْعَيْنِ فِي حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَقَالَ أَبِي: قَالَ حَجَّاجٌ الْأَعْوَرُ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عبيدة، كَذَا قَالَ ابْنُ عُبَيْدَةَ، فَصَارَ فِي رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَاَللَّه أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كُلُّهَا لَا تَثْبُتُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِهَا: إذَا اخْتَلَفَ الْبَيْعَانِ، وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ، وَفِي لَفْظٍ: وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقِيلَ: إنَّهُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: أَحَادِيثُ هَذَا الْبَابِ فِيهَا مَقَالٌ، فَإِنَّهَا مَرَاسِيلُ وَضِعَافٌ، أَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ2 وَلَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَالْقَاسِمُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَا عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَبِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ، فِيهَا ابْنُ عَيَّاشٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَابْنُ الْمَرْزُبَانِ، وَكُلُّهُمْ ضِعَافٌ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ لَهُ أَصْلٌ، بَلْ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ يُحْتَجُّ بِهِ، لَكِنْ فِي لَفْظِهِ اخْتِلَافٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. قُلْت: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا أَخْرَجَهُ فِي الْمُوَطَّإِ3 بَلَاغًا، قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ: بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَيُّمَا بَيِّعَيْنِ تَبَايَعَا، فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ، أَوْ يَتَرَادَّانِ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: حَدِيثُ الْقَسَامَةُ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُمْ سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
باب ما يدعيه الرجلان
بَابُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "اللَّهُمَّ أَنْتَ الْحَكَمُ بَيْنَهُمَا حين أقرع في البيتين"، قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ ثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عن بكير بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشُهُودٍ عُدُولٍ، وَفِي عِدَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَسَاهَمَ بَيْنَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اقْضِ بَيْنَهُمَا"، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو مُصْعَبٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ ثَنَا بُكَيْر بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: اخْتَصَمَ رَجُلَانِ، الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْبُيُوعِ أَيْضًا مُرْسَلًا، أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، فَذَكَرَهُ، وَبِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ الشُّهُودَ إذَا اسْتَوَوْا أُقْرِعَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، انْتَهَى. وَمِنْ جِهَتِهِ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، وَقَالَ: هَذَا مُرْسَلٌ وَضَعِيفٌ، قَالَ: إنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيَّ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَحَدِيثُ الْقَرْعِ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسِخَ، قُلْت: بَيَّنَهُ الطَّحَاوِيُّ1. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رَوَى تَمِيمُ بْنُ طَرَفَةَ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاقَةٍ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ، فَقَضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا، فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ فَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ الْبُيُوعِ، وَفِي أَوَاخِرِ الْحُدُودِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْبُيُوعِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، وَإِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ1 عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ ثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ بِهِ، وَقَالَ: هَذَا مُنْقَطِعٌ، انْتَهَى. وَعَزَاهُ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ لِمَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد، ووهم في ذَلِكَ، وَلَيْسَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد لِتَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ إلَّا حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي الْجِهَادِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ: إنْ وَجَدْته قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لَك بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَهُوَ مِنْ أَوْهَامِهِ الَّتِي اسْتَبَدَّ بِهَا. أَحَادِيثُ الْبَابِ: فِيهِ أَحَادِيثُ مُسْنَدَةٌ، عَنْ أَبِي مُوسَى، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. فَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْأَحْكَامِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انتهى. وقال المنذري: رجال إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَلَفْظُهُمْ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ، فَقَسَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ هُنَا حَدِيثًا آخَرَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا، أَوْ دَابَّةً إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَجَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى. وَهَذَا الْمَتْنُ مُخَالِفٌ لِلْمَتْنِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ. وَفِي الثَّانِي لَمْ يُقِمْ أَحَدٌ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، وَالْأَوَّلُ هُوَ حَدِيثُ الْكِتَابِ دُونَ الثَّانِي، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَوَاشِيهِ: قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ وَاحِدَةً، وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا وَاقِعَتَيْنِ، انْتَهَى. وَلِقُوَّةِ اشْتِبَاهِهِمَا فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ جَعَلَهُمَا ابْنُ عَسَاكِرَ فِي أَطْرَافِهِ حَدِيثًا وَاحِدًا، وَعَزَاهُ لِلثَّلَاثَةِ، وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ النَّسَائِيّ، وَابْنَ مَاجَهْ3 لَمْ يُخَرِّجَا الْأَوَّلَ أَعْنِي حَدِيثَ: أَقَامَا الْبَيِّنَةَ لَمْ يُخَرِّجَا إلَّا حَدِيثَ: لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا دَابَّةً، فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ، فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْفٍ الْحِمْصِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى حَدَّثَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعِيرٍ، فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ بِأَنَّهُ لَهُ، فَجَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ1 بْنِ يُوسُفَ الْعُقَيْلِيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ عن يس الزَّيَّاتِ عَنْ سِمَاكٍ بِهِ، نَحْوُهُ سَوَاءٌ. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: جَاءَ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ إلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي فَرَسٍ، أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَتَجَتْ عِنْدَهُ، فَقَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: مَا أَحْوَجُكُمَا إلَى مِثْلِ سِلْسِلَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ، كَانَتْ تَنْزِلُ فَتَأْخُذُ عُنُقَ الظَّالِمِ، انْتَهَى.
باب دعوى النسب
بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ حَدِيثُ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ "أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا" تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِيلَادِ. حَدِيثُ أَنَّهُ عليه السلام قَبِلَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ، تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ. قَوْله: وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ، بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْبُيُوعِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَلِيٍّ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ مِنْهُ أَوْلَادًا، ثُمَّ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ، قَالَ: تُرَدُّ عَلَيْهِ، وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ وَلَدُهَا فَيَغْرَمُ الَّذِي بَاعَهَا مَا غَرَّرَهَا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ ابْنِ قُسَيْطٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ أَمَةً أَتَتْ قَوْمًا فَغَرَّتْهُمْ، وَزَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا فَوَجَدُوهَا أَمَةً، فَقَضَى عُمَرُ بِقِيمَةِ أَوْلَادِهَا، فِي كُلِّ مَغْرُورٍ غُرَّةٌ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ أَنَّ أَمَةً أَتَتْ طَيِّئًا فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ، ثُمَّ إنَّ سَيِّدَهَا ظَهَرَ عَلَيْهَا، فَقَضَى عُثْمَانُ أَنَّهَا وَأَوْلَادَهَا لِسَيِّدِهَا، وَجَعَلَ لِزَوْجِهَا مَا أَدْرَكَ مِنْ مَتَاعِهِ، وَجَعَلَ فِيهِمْ السُّنَّةَ، فِي كُلِّ رَأْسٍ رَأْسَيْنِ2 انْتَهَى. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ جَارِيَةٍ أَتَتْ
قَوْمًا، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَرَغِبَ فِيهَا رَجُلٌ، فَتَزَوَّجَهَا، فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا، ثُمَّ عَلِمُوا أَنَّهَا أَمَةٌ، فَجَاءَ مَوْلَاهَا فَأَخَذَهَا، قَالَ: يَأْخُذُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ، وَيَفْدِي الْأَبُ أَوْلَادَهُ، بِغُرَّةٍ غُرَّةٍ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ شَيْبَةَ بْنِ نِصَاحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: فِي وَلَدِ كُلِّ مَغْرُورٍ غُرَّةٌ، انْتَهَى. وَفِي الْمُوَطَّإِ1 فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، أَوْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، قَضَى أَحَدُهُمَا فِي أَمَةٍ غَرَّتْ رَجُلًا بِنَفْسِهَا، فَذَكَرَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَتَزَوَّجَهَا، فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا، فَقَضَى أَنْ يَفْدِيَ وَلَدَهُ بِمِثْلِهِمْ، قَالَ مَالِكٌ: وَتِلْكَ الْقِيمَةُ عِنْدِي، انتهى.
كتاب الإقرار
كِتَابُ الإقرار باب إقرار المريض ... كتاب الْإِقْرَارِ حَدِيثُ- مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ تَقَدَّمَ فِي الْحُدُودِ. بَاب إقْرَار الْمَرِيضِ قَوْلُهُ: عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ، قُلْت: غَرِيبٌ. حَدِيثٌ: قَالَ عليه السلام: "لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِدَيْنٍ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 فِي كِتَابِ الْوَصَايَا عَنْ نُوحِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِدَيْنٍ"، انْتَهَى. وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَنُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ ضَعِيفٌ، نُقِلَ عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَأَسْنَدَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ فِي تَرْجَمَةِ أَشْعَثَ بْنِ شَدَّادٍ الْخُرَاسَانِيِّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ثَنَا نُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ بِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ رُوِيَ مُرْسَلًا أَيْضًا. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَسَنَدُ أَبِي نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بن حيان ثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقَدَّمِيُّ ثَنَا أَشْعَثُ بْنُ شَدَّادٍ الْخُرَاسَانِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ثَنَا نُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ إلَى آخَرِهِ، وَزَادَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَحَدَّثَنَا بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَلَمْ يَذْكُرْ جَابِرًا، انْتَهَى.
كتاب الصلح
كِتَابُ الصُّلْحِ حَدِيثٌ قَالَ عليه السلام: " الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْقَضَاءِ1 عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصُّلْحُ جَائِزٌ"، إلَى آخِرِهِ سَوَاءً، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْبُيُوعِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ، وَمَشَّاهُ غَيْرُهُ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ2 فِي الْأَحْكَامِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الصُّلْحُ جَائِزٌ" إلَى آخِرِهِ سَوَاءً، زاد الترمذي: والمسلون عَلَى شُرُوطِهِمْ، إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ بِتَمَامِهِ الْحَاكِمُ أَيْضًا فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ وَاهٍ. فَصْلٌ قَوْلُهُ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي الصُّلْحِ. فَصْلٌ قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه صَالَحَ تُمَاضِرَ الْأَشْجَعِيَّةَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَلَى رُبُعِ ثُمُنِهَا عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْبُيُوعِ أَخْبَرَنَا ابن عيينة عن عمر بْنِ دِينَارٍ، أَنَّ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخْرَجَهَا أَهْلُهُ مِنْ ثُلُثِ الثُّمُنِ بِثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، انْتَهَى. وَفِي الطَّبَقَاتِ لِابْنِ سَعْدٍ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ عَوْفٍ1 أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ بْنِ قَمَاذِينَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فِي سَبْعِمِائَةٍ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ الْهِجْرَةِ، فَدَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَأَبَوْا ثَلَاثًا، ثُمَّ أَسْلَمَ رَأْسُهُمْ الْأَصْبَغُ بْنُ عَمْرٍو الْكَلْبِيُّ، فَبَعَثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ تَزَوَّجْ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ، فَتَزَوَّجَهَا، وَرَجَعَ بِهَا، وَهِيَ أُمُّ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمْ تَلِدْ لَهُ غَيْرَهُ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا عَارِمُ2 بْنُ الْفَضْلِ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تُوُفِّيَ، وَكَانَ فِيمَا تَرَكَ، ذَهَبٌ، قُطِّعَ بِالْفُؤُوسِ، حَتَّى مَجِلَتْ مِنْهُ أَيْدِي الرِّجَالِ3، وَتَرَكَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ، فَأُخْرِجَتْ مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ مِنْ ثُمُنِهَا بِثَمَانِينَ أَلْفًا، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ ثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ عَنْ صَالِحِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: أَصَابَ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ رُبُعُ الثُّمُنِ، فَأُخْرِجَتْ بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَهِيَ إحْدَى الْأَرْبَعِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثَنَا كَامِلٌ أَبُو الْعَلَاءِ سَمِعْت أَبَا صَالِحٍ قَالَ: مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَتَرَكَ ثَلَاثَ نِسْوَةٍ، فَأَصَابَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِمَّا تَرَكَ ثَمَانُونَ أَلْفًا، ثَمَانُونَ أَلْفًا، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ4 ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ فِي تُمَاضِرَ سُوءُ خُلُقٍ، وَكَانَتْ عَلَى تَطْلِيقَتَيْنِ، فَلَمَّا مَرِضَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ طَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ، فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ رضي الله عنه مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، انْتَهَى.
كتاب المضاربة
كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ حَدِيثُ: أَنَّهُ عليه السلام بُعِثَ، وَالنَّاسُ يَتَعَامَلُونَ بِهَا، فَقَرَّرَهُمْ عَلَيْهَا، قُلْت: ... 5 قَوْلُهُ: وَرُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ تَعَامَلُوا بِهَا، قُلْت: رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ6 عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ ابْنَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، خَرَجَا إلَى الْعِرَاقِ، فَأَعْطَاهُمَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَلَى أَنْ يَبْتَاعَا بِهِ مَتَاعًا، ويبيعانه بِالْمَدِينَةِ، وَيُؤَدِّيَا رَأْسَ الْمَالِ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
وَالرِّبْحُ لَهُمَا، فَلَمَّا قَدِمَا الْمَدِينَةَ رَبِحَا، فَقَالَ عُمَرُ: أَكُلُّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ كَمَا أَسْلَفَكُمَا؟ قَالَا: لَا، فَقَالَ ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا، أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ، فَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ، وَقَالَ: مَا يَنْبَغِي هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ هَلَكَ الْمَالُ، أَوْ نَقَصَ لَضَمِنَّاهُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ جُلَسَائِهِ: لَوْ جَعَلْته قِرَاضًا، فَأَخَذَ عُمَرُ الْمَالَ وَنِصْفَ رِبْحِهِ، وَأَعْطَاهُمَا النِّصْفَ، انْتَهَى. وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 فِي الْبُيُوعِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَذَكَرَهُ. أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مَالِكٌ أَيْضًا2 عَنْ يَعْقُوبَ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ عَمِلَ فِي مَالٍ لِعُثْمَانَ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا، قَالَ مَالِكٌ: أَخْبَرَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَذَكَرَهُ. أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 عَنْ حَيْوَةَ، وَابْنِ لَهِيعَةَ قَالَا: ثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَشْرُطُ عَلَى الرَّجُلِ إذَا أَعْطَاهُ مَالًا مُقَارَضَةً، يَضْرِبُ لَهُ بِهِ، أَنْ لَا تَجْعَلَ مَالِي فِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ، وَلَا تَحْمِلْهُ فِي بَحْرٍ، وَلَا تَنْزِلْ بِهِ فِي بَطْنِ مَسِيلٍ، فَإِنْ فَعَلْت شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ ضَمِنْت مَالِي، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: لِلْبَيْهَقِيِّ4 أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُزَكِّي مَالَ الْيَتِيمِ، وَيُعْطِيهِ مُضَارَبَةً، وَيَسْتَقْرِضُ فِيهِ. أَثَرٌ آخَرُ: وَأَخْرَجَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِالْقِرَاضِ بَأْسًا. أَثَرٌ آخَرُ: وَضُعِّفَ سَنَدُهُ، أَنَّ الْعَبَّاسَ كَانَ إذَا دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً اشْتَرَطَ عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ لَا يَسْلُكَ بِهِ بَحْرًا، وَلَا يَنْزِلَ بِهِ وَادِيًا، وَلَا يَشْتَرِيَ بِهِ ذَاتَ كَبِدٍ رَطْبَةٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ ضَامِنٌ، فَرُفِعَ الشَّرْطُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَازَهُ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ
الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُعْطِيَ مَالَ يَتِيمٍ مُضَارَبَةً، وَكَانَ يَعْمَلُ بِهِ بِالْعِرَاقِ، وَلَا يُدْرَى كَيْفَ قَاطَعَهُ عَلَى الرِّبْحِ. أَثَرٌ آخَرُ: وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ أَعْطَى مَالًا مُقَارَضَةً يَعْنِي مُضَارَبَةً. أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أعطى زيد بن خليدة مَالًا مُقَارَضَةً.
كتاب الوديعة
كِتَابُ الْوَدِيعَةِ حَدِيثٌ: "لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ، وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ، غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا1 عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ حسان عن عمرو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ، غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ، وَلَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَمْرٌو، وَعُبَيْدَةُ ضَعِيفَانِ، وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا مِنْ قَوْلِ شُرَيْحٍ غَيْرَ مَرْفُوعٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ قَوْلِ شُرَيْحٍ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ إلَّا مِنْ قَوْلِ شُرَيْحٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: عُبَيْدَةُ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ، انْتَهَى. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ أُودِعَ وَدِيعَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، وَأَعَلَّهُ بِابْنِ لَهِيعَةَ، قَالَ: وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً، وَلَكِنْ فِي حَدِيثِهِ الْمَنَاكِيرُ، إذَا كَانَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا وَمُنْقَطِعًا، فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ جَدَّهُ الْأَعْلَى، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، فَشُعَيْبٌ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ، فَالْخَبَرُ مُنْقَطِعٌ، وَإِنْ أَرَادَ جَدَّهُ الْأَدْنَى، فَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ لَا صُحْبَةَ لَهُ، فَهُوَ مُرْسَلٌ، وَكِلَاهُمَا لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا تَقُولُ: إذَا سَمَّى جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو فَهُوَ صَحِيحٌ، وَقَدْ اعْتَبَرْت مَا قَالَهُ، فَلَمْ أَجِدْهُ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ الْمُتْقِنِينَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ يَقُولُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ، وَبَعْضُ الرُّوَاةِ، لِيُعْلِمَ أَنَّ جَدَّهُ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، فَأُدْرِجَ فِي الْإِسْنَادِ، فَلَيْسَ الْحُكْمُ عِنْدِي فِي عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، إلَّا مُجَانَبَةَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَالِاحْتِجَاجَ بِمَا رُوِيَ عَنْ الثِّقَاتِ غَيْرِ أَبِيهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كتاب العارية
كِتَابُ الْعَارِيَّةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَارَ دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 والنسائي عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَارَ مِنْهُ دُرُوعًا يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَالَ: أغصب يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: "بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْبُيُوعِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَارَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَدْرُعًا وَسِلَاحًا فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عن إسحاق عن عَبْدِ الْوَاحِدِ ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ: إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا فِي الْمَغَازِي2 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ الْمَسِيرَ إلَى حُنَيْنٍ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَسَأَلَهُ أَدْرَاعًا، مِائَةَ دِرْعٍ، وَمَا يُصْلِحُهَا مِنْ عُدَّتِهَا، فَقَالَ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: "بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ حَتَّى نُؤَدِّيَهَا إلَيْك"، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُخْتَصَرٌ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى مُرْسَلَةٌ فِي السُّنَنِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أُنَاسٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَا صَفْوَانُ، هَلْ عِنْدَك مِنْ سِلَاحٍ"؟ الْحَدِيثَ، وَعَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ نَاسٍ مِنْ آلِ صَفْوَانَ، قَالَ: اسْتَعَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ4 عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَارَ مِنْ صَفْوَانَ،
وَعَنْ هَاشِمٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، يَبْقَى الْإِشْكَالُ فِي الرِّوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا قَالَ: " بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ"، وَالْأُخْرَى قَالَ: " بَلْ عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ"، وَالرِّوَايَتَانِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، كِلَاهُمَا فِي عَارِيَّةِ صَفْوَانَ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الرِّوَايَتَيْنِ: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَارِيَّةَ مُنْقَسِمَةٌ إلَى مُؤَدَّاةٍ، وَمَضْمُونَةٍ، قَالَ: وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى الْمُعِيرِ، فَإِنْ شَرَطَ الضَّمَانَ كَانَتْ مَضْمُونَةً، وَإِلَّا فَهِيَ أَمَانَةٌ، قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَعَنْهُ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا فَرَّطَ فِيهَا، وَحُجَّتُهُ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ، انْتَهَى. قُلْت: بَلْ هُمَا وَاقِعَتَانِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي أَثْنَاءِ الْبُيُوعِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ بَعْضِ بَنِي صَفْوَانَ عَنْ صَفْوَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَارَ مِنْهُ عَارِيَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا بِضَمَانٍ، وَالْأُخْرَى بِغَيْرِ ضَمَانٍ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد1 وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ يَعْلَى بْنِ أمية، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَتَتْك رُسُلِي فَأَعْطِهِمْ ثَلَاثِينَ بَعِيرًا، وَثَلَاثِينَ دِرْعًا"، قَالَ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ، أَوْ عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ؟ قَالَ: "بَلْ مُؤَدَّاةٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْحَادِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: حَدِيثُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَذَلِكَ لِأَنَّ حَدِيثَ صَفْوَانَ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، وَلَمْ يَقُلْ: حَدَّثَنَا، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَأَمَّا أُمَيَّةُ بْنُ صَفْوَانَ فَخَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَهُمْ ثَلَاثَةٌ وُلُّوا الْقَضَاءَ، فَسَاءَ حِفْظُهُمْ بِالِاشْتِغَالِ عَنْ الْحَدِيثِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَشَرِيكٌ، وَقَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، ثُمَّ إنَّ شَرِيكًا مُدَلِّسٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ السَّمَاعَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ، فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ، يُقَالُ لَهُ: الْمَنْدُوبُ: فَرَكِبَ، فَلَمَّا رَجَعَ، قَالَ: "مَا رَأَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لبحراً"، انتهى. ورواه الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ، وَمُسْلِمٌ فِي الْفَضَائِلِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ الْحَوْطِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الضَّحَّاكِ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ الشِّفَاءِ
بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ: أَتَيْت رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسأله، فجعل يتعذر إلَيَّ، وَأَنَا أَلُومُهُ، فَحَضَرَتْ الصلاة، فخرجت عَلَى ابْنَتِي وَهِيَ تَحْتَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ، فَوَجَدْت شُرَحْبِيلَ فِي الْبَيْتِ، فَقُلْت: قَدْ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ، وَأَنْتَ فِي الْبَيْتِ؟ فَجَعَلْت أَلُومُهُ، فَقَالَ: يَا خَالَةُ لَا تَلُومِينِي، فَإِنَّهُ كَانَ لَنَا ثَوْبٌ، فَاسْتَعَارَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْت: بِأَبِي وَأُمِّي، كُنْت أَلُومُهُ مُنْذُ الْيَوْمِ، وَهَذِهِ حَالُهُ، وَلَا أَشْعُرُ؟ فَقَالَ شُرَحْبِيلُ: مَا كَانَ إلَّا دِرْعٌ دَفَعْنَاهُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ، وَالْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. فَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، إلَى أَنْ قَالَ: الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ الْجَرَّاحِ بن مليح البهراني ثَنَا حَاتِمُ بْنُ حُرَيْثٍ الطَّائِيُّ، سَمِعْت أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْحَدِيثِ فِي الْكَفَالَةِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ السَّكُونِيِّ قَاضِي الْمَوْصِلِ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الزَّعِيمُ غَارِمٌ، وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ، وَالْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِإِسْمَاعِيلَ هَذَا، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَعَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكَفَالَةِ. حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا1 فِي الْبُيُوعِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: أَسْلَمَ قَوْمٌ فِي أَيْدِيهِمْ عَوَارِيُّ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالُوا: قَدْ أَحْرَزَ لَنَا الْإِسْلَامُ مَا بِأَيْدِينَا مِنْ عَوَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "إنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُحْرِزُ لَكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ، الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، فَأَدَّى الْقَوْمُ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْعَوَارِيِّ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ: لِأَصْحَابِنَا فِي الْقَوْلِ بِعَدَمِ الضَّمَانِ حَدِيثُ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: الْعَارِيَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ، لَا ضَمَانَ فِيهَا، إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْعَارِيَّةِ ضَمَانٌ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ شَرِيكٍ، وَقَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي حصين عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَالْمَانِعُ مِنْ تَصْحِيحِهِ أَنَّ شَرِيكًا، وَقَيْسَ بْنَ الرَّبِيعِ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا، انْتَهَى. وَبِحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا3: عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كتبه: وَهَذَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِهِ لِإِغْرَامِ الْقِيَمِ فِي الْمُتْلَفَاتِ مِنْ الْعَوَارِيِّ، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ بِإِسْنَادِهِ، فَقَالَ فِيهِ: حَتَّى تُؤَدِّيَهُ، فَهُوَ بِزِيَادَةِ الْهَاءِ، مُوجِبٌ لِرَدِّ الْعَيْنِ بِحَسَبِ مَا كَانَتْ قَائِمَةً، كَقَوْلِهِ: "الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ"، ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَزَّارُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: الْعَارِيَّةُ تُغْرَمُ، وَأَخْرَجَ ابن عباس نحوه. والله أعلم.
كتاب الهبة
كِتَابُ الْهِبَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "تَهَادَوْا تَحَابُّوا"، قُلْت تَكَلَّفَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، فَعَزَاهُ لِلْفِرْدَوْسِ دُونَ غَيْرِهِ، وَهَذَا عَجْزٌ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَرُوِيَ مُرْسَلًا. فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ في كتابه الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ بَابُ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ ثَنَا ضِمَامُ بْنُ إسْمَاعِيلَ سَمِعْت مُوسَى بْنَ وَرْدَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تَهَادَوْا تَحَابُّوا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ فِي كِتَابِ الْكُنَى عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيْر الْحَضْرَمِيِّ عَنْ ضِمَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي الْبَابِ الْحَادِي وَالسِّتِّينَ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِضِمَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ، وَقَالَ: إنَّ أَحَادِيثَهُ لَا يَرْوِيهَا غَيْرُهُ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَمْرٍو: فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ عُلُومِ الْحَدِيثِ1 فَقَالَ: سَمِعْت أَبَا زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيَّ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ الله البوشبخي عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْر عَنْ ضِمَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: "تَهَادَوْا تَحَابُّوا"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: وَتَحَابُّوا إمَّا بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ مِنْ الْحُبِّ، وَإِمَّا بِالتَّخْفِيفِ مِنْ الْمُحَابَاةِ، انْتَهَى. قُلْت: يَتَرَجَّحُ الْأَوَّلُ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حَرْبٍ عَنْ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ وَدَاعٍ، أَوْ قَالَ: وادع، قال: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {تَهَادَوْا تَزِيدُوا فِي الْقَلْبِ حُبًّا} انْتَهَى. قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ فِي كَلَامِهِ عَلَى أَحَادِيثِ الشِّهَابِ: حَدِيثُ: {تَهَادَوْا تَحَابُّوا} , رَوَاهُ ضِمَامُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ، فَرَوَى عَنْهُ مُوسَى بْنُ وَرْدَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ أَبَا النَّذِيرِ، وَرَوَى عَنْهُ أَبُو قَبِيلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِضِمَامٍ فِيهِ طَرِيقَانِ: عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، وَعَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، رواه إسماعيل الرَّاشِدِيُّ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي يَأْتِي.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إسْحَاقَ الرَّاشِدِيِّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تهادوا تحابو"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الوسط حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثنا يحيى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ ثَنَا رَيْحَانُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا عَرْعَرَةُ بْنُ الْبِرِنْدِ ثَنَا الْمُثَنَّى أَبُو حَاتِمٍ الْعَطَّارُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْعَيْزَارِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَهَادَوْا تَحَابُّوا، وَهَاجِرُوا تُورِثُوا أَوْلَادَكُمْ مَجْدًا، وَأَقِيلُوا الْكِرَامَ عَثَرَاتِهِمْ"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيِّ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ زَيْدٍ الْخَطَّابِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي دَاوُد ثَنَا الْمُثَنَّى أَبُو حَاتِمٍ الْعَطَّارُ بِهِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمُرْسَلُ: فَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ1 عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَصَافَحُوا يَذْهَبْ الْغِلُّ، وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا، وَتَذْهَبْ الشَّحْنَاءُ"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الْمُهَاجَرَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ الْهِجْرَةِ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ2عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَوْ دُعِيت إلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لَأَجَبْته، وَلَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْت"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا3 عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ4 فِي الْوَلَاءِ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ نَجِيحِ السِّنْدِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "تَهَادَوْا، فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ، وَلَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسَنَ شَاةٍ"، انْتَهَى. وَقَالَ: غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَأَبُو مَعْشَرٍ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُضَعِّفُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَثِّقُهُ، فَالْحَدِيثُ مِنْ أَجْلِهِ حَسَنٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ قَوْلِ النَّخَعِيّ، رَوَاهُ فِي آخِرِ الْوَصَايَا مِنْ مُصَنَّفِهِ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ حَتَّى تُقْبَضَ، وَالصَّدَقَةُ تَجُوزُ قَبْلَ أَنْ تُقْبَضَ، انْتَهَى.
وَفِي الْبَابِ آثَارٌ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ1 فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ نَحَلَهَا جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا بِالْعَالِيَةِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: مَا مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبَّ إلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْك، وَلَا أَعَزَّ عَلَيَّ فَقْرًا مِنْك، وَإِنِّي كُنْت نَحَلْتُك جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا، فلو كنت حزيته كَانَ لَك، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ، وَإِنَّمَا هُوَ: هُمَا أَخَوَاك، وَأُخْتَاك، فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، قَالَتْ: يَا أَبَتِ وَاَللَّهِ لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا لَتَرَكْته، إنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ، فَمَنْ الْأُخْرَى؟ قَالَ: ذُو بَطْنٍ بِنْتُ خَارِجَةَ، أَرَاهَا جَارِيَةً، فَوُلِدَتْ جَارِيَةً أَخَوَاهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدٌ، وَبِنْتُ خَارِجَةَ هِيَ حَبِيبَةُ بِنْتُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ زَوْجَةُ أَبِي بَكْرٍ، كَانَتْ ذَلِكَ الْوَقْتَ خَارِجَةٌ، فَوَلَدَتْ أُمَّ كُلْثُومٍ، انْتَهَى. وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّأَهُ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِعَائِشَةَ: يَا بُنَيَّةَ إنِّي كُنْت نَحَلْتُك نَخْلًا مِنْ خَيْبَرَ، وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ آثَرْتُك عَلَى وَلَدِي، وَإِنَّك لَمْ تكوني حزيته فَرُدِّيهِ عَلَى وَلَدِي، فَقَالَتْ: لَوْ كَانَتْ لِي خَيْبَرُ بجدادها لَرَدَدْتهَا، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدٍ الْقَارِي أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَنْحَلُونَ أَوْلَادَهُمْ، فَإِذَا مَاتَ الِابْنُ قال الأب: مالي وَفِي يَدِي، وَإِذَا مَاتَ الأب، قال: مالي كُنْت نَحَلْت ابْنِي إلَى كذا وكذا، ألا لايحل إلَّا لِمَنْ حَازَهُ وَقَبَضَهُ، انْتَهَى2. أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: زَعَمَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ: أَيُّمَا رَجُلٍ نَحَلَ مَنْ قَدْ بَلَغَ الْحَوْزَ، فَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِ، فَتِلْكَ النِّحْلَةُ بَاطِلَةٌ، وَزَعَمَ أَنَّ عُمَرَ أَخَذَهُ مِنْ نَحْلِ أَبِي بَكْرٍ عَائِشَةَ، فَلَمْ يَبْنِهَا بِإِفْرَادِهِ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: حَدِيثُ أَكُلَّ أَوْلَادِكَ نَحَلْت مِثْلَ هَذَا؟، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ3 عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: إنَّ أَبَاهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنِّي نَحَلْت ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَكُلَّ وَلَدِك نَحَلْته مِثْلَ هَذَا"؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَارْجِعْهُ"، زَادَ مُسْلِمٌ فِي لَفْظٍ: "أَيَسُرُّك أَنْ يَكُونُوا لَك فِي الْبِرِّ سَوَاءٌ"؟ قَالَ بَلَى، قال: "فلا إذن"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي الْهِبَةِ، وَأَبُو دَاوُد في االبيوع، وَالنَّسَائِيُّ فِي النِّحَلِ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَحْكَامِ أَخْرَجُوهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَفِي لَفْظٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ: أَنَّ الَّذِي نَحَلَهُ أَبُو النُّعْمَانِ لِلنُّعْمَانِ كَانَ حَائِطًا مِنْ نَخْلٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ: الْحَائِطُ هُوَ الْمُخَرَّفُ ذُو النَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَالزَّرْعِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أُمُورٍ: مِنْهَا حُسْنُ الْأَدَبِ فِي أَنْ لَا يُفَضِّلَ أَحَدَ بَعْضِ وَلَدِهِ عَلَى بَعْضٍ فِي كُلٍّ، فَيَعْرِضُ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ يَمْنَعُهُ مِنْ بِرِّهِ، لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ جُبِلَتْ عَلَى الْقُصُورِ فِي الْبِرِّ إذَا أُوثِرَ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا أَنَّ نَحْلَ الْوَالِدِ بَعْضَ وَلَدِهِ دُونَ بَعْضٍ جَائِزٌ، وَإِلَّا لَكَانَ عَطَاؤُهُ وَتَرْكُهُ سَوَاءٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ فَضَّلَ أَبُو بَكْرٍ عَائِشَةَ بِنِحَلٍ، وَفَضَّلَ عُمَرُ ابْنَهُ عَاصِمًا بِشَيْءٍ أَعْطَاهُ، وَفَضَّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَلَدَ أُمِّ كُلْثُومٍ، وَمِنْهَا رُجُوعُ الْوَالِدِ فِي هِبَتِهِ لِلْوَلَدِ، انْتَهَى. وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ وُجُوبُ التَّسَاوِي بَيْنَ الْوَلَدِ، وَإِنْ نَحَلَ بَعْضَهُمْ وَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ، أَخْذًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، هَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ، وَاسْتَدَلَّ لِلْقَائِلَيْنِ بِعَدَمِ وجوب الرجوع بِمَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَاوُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ، فَلَوْ كُنْتُ مُفَضِّلًا أَحَدًا لَفَضَّلْتُ النِّسَاءَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ يَرْوِيهِ عَنْهُ غَيْرُ إسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ، وَهُوَ قَلِيلُ الْحَدِيثِ، وَرِوَايَاتُهُ بِإِثْبَاتِ الْأَسَانِيدِ لَا بَأْسَ بِهَا، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ شَيْئًا أَنْكَرُ مِمَّا ذَكَرْت مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَسَعِيدُ بْنُ يُوسُفَ تَكَلَّمَ فِيهِ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلْمُعْمَرِ لَهُ، وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَعْمَرَ رَجُلًا عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَقَدْ قَطَعَ". قوله: حقه فيها وهي لِمَنْ أُعْمِرَ وَلِعَقِبِهِ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي قَرِيبًا.
باب الرجوع في الهبة
بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ، إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ1 عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا، إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ، وَمَثَلُ االذي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا، كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ، فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ، ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالثَّمَانِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي عَدَالَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، إنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي سَمَاعِ أَبِيهِ مِنْ جَدِّهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، والدارقطني فِي سُنَنِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يَرْجِعُ فِي هِبَتِهِ إلَّا الْوَالِدُ مِنْ وَلَدِهِ زَادَ النَّسَائِيُّ: وَالْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ، كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ3: هَذَا الْحَدِيثُ يَرْوِيه عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ عَامِرٌ الْأَحْوَلُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَلَعَلَّ
الْإِسْنَادَيْنِ مَحْفُوظَانِ، وَرَوَاهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَجَّاجُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَائِدِ فِي هِبَتِهِ دُونَ ذِكْرِ الْوَالِدِ يَرْجِعُ فِي هِبَتِهِ، وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ مُرْسَلًا، وَتَابَعَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْخُصُومُ عَلَى مَنْعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ حَدِيثُ قَتَادَةَ1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ"، انْتَهَى. زَادَ أَبُو دَاوُد: قَالَ قَتَادَةُ: لَا نَعْلَمُ الْقَيْءَ إلَّا حَرَامًا، انْتَهَى. وَهُوَ أَقْوَى فِي الْحُجَّةِ مِنْ حَدِيثِ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: أَخْرَجَهُمَا الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ3 فِي الْأَحْكَامِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الرَّجُلُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يثبت مِنْهَا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَابْنُ أَبِي شيبة فيمصنفه، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَارِيَةَ ضَعَّفُوهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَلَهُ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: وَجَدْت فِي كِتَابِ أَبِي عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ وَهَبَ هِبَةً، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يثبت مِنْهَا، فَإِنْ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ، فَهُوَ كَاَلَّذِي يَقِيءُ ثُمَّ يَأْكُلُ قَيْئِهِ"، انْتَهَى. الطَّرِيقُ الثَّانِي: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي سُنَنِهِ4 عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَارْتَجَعَ فِيهَا، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا، وَلَكِنَّهُ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ بِمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ كَالْمُتَعَقِّبِ عَلَيْهِ: وَهُوَ لَمْ يَصِلْ إلَى الْعَرْزَمِيِّ إلَّا عَلَى لِسَانِ كَذَّابٍ، وَهُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ، فَلَعَلَّ الْجِنَايَةَ مِنْهُ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْبُيُوعِ1 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي عَزْرَةَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ثَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ فِيهِ عَلَى شَيْخِنَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَقَالَ: غَلِطَ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ، وَإِسْنَادُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَلْيَقُ إلَّا أَنَّ فِيهِ إبْرَاهِيمَ بْنَ إسْمَاعِيلَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَلَا يَبْعُدُ مِنْهُ الْغَلَطُ وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ2 عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ، فَرَجَعَ الْحَدِيثُ إلَى عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ: إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا، وَحُجَّتُنَا فِيهِ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: وَإِذَا كَانَتْ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ، بَلْ هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي أَثَرٍ عَنْ عُمَرَ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ، فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، إلَّا أَنْ يُثَابَ مِنْهَا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ"، انْتَهَى. زَادَ أَبُو دَاوُد قَالَ قَتَادَةُ: وَلَا نَعْلَمُ الْقَيْءَ إلَّا حَرَامًا، انْتَهَى. وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ، كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي غَالِبِ كُتُبِ أَصْحَابِنَا، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ، كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا"،
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْبُيُوعِ، والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، انْتَهَى. وَوَقَعَ لِلْحَاكِمِ مِثْلُ هَذَا فِي حَدِيثِ: عَلِيٍّ الْيَدُ مَا أَخَذَتْ، حَتَّى تُؤَدِّيَ، وَتَعَقَّبَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِلْمَامِ، وَقَالَ: بَلْ هُوَ عَلَى شَرْطِ التِّرْمِذِيِّ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ هَذَا ضَعِيفٌ، وَخَطَّأَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ وَقَالَ: بَلْ هُوَ ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ وَالضَّعِيفُ هُوَ وَالِدُ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى هَذَا، وَهُوَ الرَّقِّيِّ ثِقَةٌ، وَرُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَلَكِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَهُوَ مِنْ أَنْكَرْ مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أَجَازَ الْعُمْرَى، وَأَبْطَلَ شَرْطَ الْمُعْمِرِ، قُلْت. قَالَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: {الْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ} انْتَهَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ لَا تَعْمُرُوهَا , فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى , فَإِنَّهَا لِلَّذِي أَعْمَرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا , وَلِعَقِبِهِ} انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا3 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَعْمَرَتْ امْرَأَةٌ بِالْمَدِينَةِ حَائِطًا لَهَا ابْنًا لَهَا، ثُمَّ تُوُفِّيَ، وَتُوُفِّيَتْ بَعْدَهُ، وَتَرَكَ وَلَدًا لَهُ، وَلَهُ إخْوَةٌ بَنُونَ لِلْمُعْمِرَةِ، فَقَالَ وَلَدُ الْمُعْمِرَةِ: رَجَعَ الْحَائِطُ إلَيْنَا، وَقَالَ بَنُو الْمُعْمَرِ: بَلْ كَانَ لِأَبِينَا حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ، فَاخْتَصَمُوا إلَى طَارِقٍ مَوْلَى عُثْمَانَ، فَدَعَا جَابِرًا، فَشَهِدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَى لِصَاحِبِهَا، فَقَضَى بِذَلِكَ طَارِقٌ، ثُمَّ كَتَبَ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُ بِشَهَادَةِ جَابِرٍ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: صَدَقَ جَابِرٌ، فَأَمْضَى ذَلِكَ طَارِقٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْحَائِطَ لِبَنِي الْمُعْمَرِ حَتَّى الْيَوْمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ4 عَنْ عُرْوَةَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لَهُ وَلِعَقِبِهِ، يَرِثُهَا مَنْ يَرِثُ مِنْ عَقِبِهِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5 عَنْ طَارِقٍ الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:، قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَعْطَاهَا
ابْنُهَا حَدِيقَةً مِنْ نَخْلٍ، فَمَاتَتْ، فَقَالَ ابْنُهَا: إنَّمَا أَعْطَيْتهَا حَيَاتَهَا، وَلَهُ إخْوَةٌ، فَقَالَ عليه السلام: "هِيَ لَهَا حَيَاتَهَا وَمَوْتَهَا"، قَالَ: كُنْت تَصَدَّقْت بِهَا عَلَيْهَا، قَالَ: "ذَلِكَ أَبْعَدُ لَك مِنْهَا"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: رجال إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَطَارِقٌ الْمَكِّيُّ هُوَ قَاضِي مَكَّةَ، مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَهُوَ ثِقَةٌ، قَالَهُ أَبُو زُرْعَةُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا رَوْحٌ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَعْطَى أُمَّهُ حَدِيقَةً مِنْ نَخْلٍ حَيَاتَهَا، فَمَاتَتْ، فَجَاءَ إخْوَتُهُ، فَقَالُوا: نَحْنُ فِيهِ شَرْعٌ سَوَاءٌ، فَأَبَى، فَاخْتَصَمُوا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَسَمَهَا بَيْنَهُمْ مِيرَاثًا، انْتَهَى. قال في االتنقيح: ورواته كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعُمْرَى جَائِزَةٌ"، انْتَهَى. وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: إنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَك وَلِعَقِبِك، فَأَمَّا إذَا قَالَ: هِيَ لَك مَا عِشْت، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا، قَالَ مَعْمَرٌ: كَانَ الزُّهْرِيُّ يُفْتِي بِهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: حَدِيثٌ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، تَقَدَّمَ أَوَائِلَ الْبُيُوعِ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أَجَازَ الْعُمْرَى، وَرَدَّ الرُّقْبَى، قُلْت: غَرِيبٌ، وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي جَوَازِ الرُّقْبَى، قِيَاسًا عَلَى الْعُمْرَى، وَاسْتَدَلَّ لَهُمَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ بِأَحَادِيثَ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ3 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: لَا عُمْرَى وَلَا رُقْبَى، فَمَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا، أَوْ أَرْقَبَهُ، فَهُوَ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَمَاتَهُ، انْتَهَى. وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ حَدِيثًا مِنْ رِوَايَةِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ حَدِيثُ: بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ، بَيَّنَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيه عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا فِي الرُّقْبَى دُونَ الْعُمْرَى، وَرَوَاهُ مِسْعَرٌ عَنْ حَبِيبٍ بِهِ فِي الْعُمْرَى دُونَ الرُّقْبَى، وَرَوَاهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَكَامِلٌ أَبُو الْعَلَاءِ عَنْ حَبِيبٍ بِهِ مَوْقُوفًا، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، انْتَهَى. وَبِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ4 عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَرْقُبُوا، أَوْ لَا تَعْمُرُوا، فَمَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى، أَوْ أَرْقَبَ رُقْبَى، فَهِيَ سَبِيلُ الْمِيرَاثِ"، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلًا، وَأَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ1 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جابر، وفي مسنده وَمَتْنِهِ اخْتِلَافٌ. وَبِحَدِيثٍ: أَخْرَجَهُ أبو داود، والنسائي، وَابْنُ مَاجَهْ2 وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ حُجْرٌ الْمَدَرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا فَهُوَ لِمُعْمَرِهِ حَيَاتَهُ وَمَمَاتَهُ، وَلَا تَرْقُبُوا، فَمَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا فَهُوَ سَبِيلُهُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ بِهِ، بِلَفْظٍ: الْعُمْرَى لِلْوَارِثِ، وَبِلَفْظٍ: الْعُمْرَى جَائِزَةٌ. وَبِحَدِيثٍ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ3 عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى، فَهِيَ لِمَنْ أَعْمَرَهَا جَائِزَةٌ، وَمَنْ أَرْقَبَ رُقْبَى، فَهِيَ لِمَنْ أَرْقَبَهَا جَائِزَةٌ"، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ.
كتاب الإجارات
كِتَابُ الْإِجَارَاتِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ4 فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي بَابِ أَجْرِ الْأُجَرَاءِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ"، انْتَهَى. وَهُوَ مَعْلُولٌ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إسْرَائِيلَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءٌ،
وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ هَذَا، وَهُوَ وَالِدُ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ، وَالسَّعْدِيِّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَالْفَلَّاسِ، وَلَيَّنَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَمَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثَهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ فِي كِتَابِ الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بن سلم ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بن إسماعيل السكوني بِالْكُوفَةِ مِنْ كِتَابِهِ ثَنَا أحمد بن بديل ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبَانَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سُهَيْلٍ بِهِ، وَقَالَ: غَرِيبٌ لم نكتبه إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، فَعَزَاهُ لِلْبُخَارِيِّ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَرَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي كِتَابِ نَوَادِرِ الْأُصُولِ فِي الْأَصْلِ الثَّانِيَ عَشَرَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْأَزْدِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ رَيَّانَ الْكَلْبِيُّ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْحُسَيْنِ1 الْهِلَالِيِّ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ، رَوَاهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ زَنْجُوَيْهِ النَّسَائِيّ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُثْمَانَ الْغَطَفَانِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ"، إلَى آخِرِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ الْبَغْدَادِيُّ بِمِصْرَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ رَيَّانَ الْكَلْبِيُّ ثَنَا شَرْقِيُّ بْنُ قطامي عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: هَذَا حَدِيثٌ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَهُ طُرُقٌ، فَرَوَاهُ أَبُو إسْحَاقَ الْكُورِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْكُورِيُّ هَذَا ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدِينِيُّ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا هُوَ وَالِدُ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فِي الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ الْمُؤَذِّنُ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْحَدِيثُ يُعْرَفُ بِابْنِ عَمَّارٍ هَذَا، وَلَيْسَ بِالْمَحْفُوظِ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ، رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ رَيَّانَ الطَّائِيُّ عَنْ شرقي بن قطامي عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ،
وَشَرْقِيٌّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمَعْنَى الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1 عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي، ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا، فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ"، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْبُيُوعِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَوْ أَحَدِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَلْيُسَمِّ لَهُ أُجْرَتَهُ"، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: فَقُلْت لِلثَّوْرِيِّ يَوْمًا: أَسَمِعْت حَمَّادًا يُحَدِّثُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُسَمِّ لَهُ أُجْرَتَهُ"؟ قَالَ: نَعَمْ، وَحَدَّثَ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ"، انْتَهَى. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُبَيِّنْ لَهُ أُجْرَتَهُ"، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلَ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُ أَجْرَهُ، انْتَهَى. وَبِهَذَا اللَّفْظِ الْأَخِيرِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ، وَمِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، قَالَ: وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا سَعِيدٍ، انْتَهَى2. وَسَنَدُ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الْمُزَارَعَةِ مَوْقُوفًا عَلَى الْخُدْرِيِّ3: إذَا اسْتَأْجَرْت أَجِيرًا فَأَعْلِمْهُ أَجْرَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي أَطْرَافِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مَوْقُوفًا عَلَى الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، قَالَا: مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي الْبُيُوعِ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ4: سَأَلْت أَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُسْتَأْجَرَ حَتَّى يَعْلَمَ أَجْرَهُ، وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ
عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْقُوفًا، فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: الصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، فَإِنَّ الثَّوْرِيَّ أَحْفَظُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ شَهِدَتْ بِصِحَّتِهَا الْآثَارُ يَعْنِي الْإِجَارَةَ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَفِيهَا أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ: مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: "ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ"، انْتَهَى. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ اللَّدِيغِ، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي قَرِيبًا. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1 عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا رَعَى الْغَنَمَ"، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ، كُنْت أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا2 عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ الدِّيلِ، هَادِيًا خِرِّيتًا، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَدَفَعَا إلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بعد ثَلَاثَ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سُوَيْد بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: جَلَبْت أَنَا وَمَخْرَمَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ هَجَرَ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَاوَمَنَا سَرَاوِيلَ، وَعِنْدَهُ وَزَّانٌ يَزِنُ بِالْأَجْرِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "زِنْ وَأَرْجِحْ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ3 عَنْ حَنَشٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَصَابَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَاصَةٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا رضي الله عنه، فَخَرَجَ يَلْتَمِسُ عَمَلًا يُصِيبُ فِيهِ شَيْئًا لِيُغِيثَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى بُسْتَانًا لِرَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ، فَاسْتَقَى لَهُ تسعة عَشَرَ دَلْوًا، كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ فِي التَّنْقِيحِ بِحَنَشٍ، قَالَ: وَاسْمُهُ حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَدْ
ضَعَّفُوهُ إلَّا الْحَاكِمَ، فَإِنَّهُ وَثَّقَهُ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ ثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: جُعْت مَرَّةً بِالْمَدِينَةِ جُوعًا شَدِيدًا فَخَرَجْت أَطْلُبُ الْعَمَلَ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ، فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ تُرِيدُ الْمَاءَ، فَقَاطَعْتهَا كُلَّ ذَنُوبٍ بِتَمْرَةٍ، فَمَدَدْت سِتَّةَ عَشَرَ ذَنُوبًا حَتَّى قَحِلَتْ يَدَايَ، ثُمَّ أَتَيْتهَا فَقُلْت بِكَفِّي هَكَذَا بَيْنَ يَدَيْهَا فَعَدَّتْ لِي سِتَّ عَشْرَةَ تَمْرَةً، فَأَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْته، فَأَكَلَ مَعِي مِنْهَا، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: فِيهِ انْقِطَاعٌ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مُجَاهِدٌ عَنْ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ: وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مُجَاهِدٌ أَدْرَكَ عَلِيًّا، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ رِوَايَةً وَلَا سَمَاعًا، انْتَهَى كَلَامُهُ.
باب الإجارة الفاسدة
بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ"، قُلْت: غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وَلَمْ أَجِدْهُ إلَّا مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَهُ طُرُقٌ: أَحَدُهَا: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ثَنَا عَاصِمٌ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْهُ سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سيء، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ وَزَادَ فِيهِ: وَقَدْ رَأَى الصَّحَابَةُ جَمِيعًا أَنْ يَسْتَخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، انْتَهَى. وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ، وَقَالَا: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ غَيْرُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، وَغَيْرُ أَبِي بَكْرٍ يَرْوِيهِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، زَادَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرِوَايَةُ ابْنِ عَيَّاشٍ أَشْبَهُ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرَهُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ عِوَضُ سيء، قَبِيحٌ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِقَادِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالْمَسْعُودِيُّ ضَعِيفٌ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فِي الْمَدْخَلِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ ثَنَا أَبُو الْجَوَّابِ ثَنَا عَمَّارُ بْنُ زُرَيْقٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ، فَذَكَرَهُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام احْتَجَمَ، وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ، وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ، انْتَهَى. زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي لَفْظٍ: وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ، وَفِي لَفْظٍ: وَلَوْ عَلِمَ كَرَاهِيَةً لَمْ يُعْطِهِ، وَلِمُسْلِمٍ: وَلَوْ كَانَ سُحْتًا لَمْ يُعْطِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا غُلَامًا لِبَنِي بَيَاضَةَ، فَحَجَمَهُ، وَأَعْطَاهُ أَجْرَهُ مُدًّا وَنِصْفًا، وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ، فَحَطُّوا عَنْهُ نِصْفَ مُدٍّ، وَكَانَ عَلَيْهِ مُدَّانِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ، فَقَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَكَلَّمَ أَهْلَهُ فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَلِأَحْمَدَ فِي مَنْعِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْحِجَامَةِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ3 مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ مُحَيِّصَةُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ غُلَامٌ حَجَّامٌ، فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَسْبِهِ، فَقَالَ: أَلَا أُطْعِمُهُ أَيْتَامًا لِي؟ قَالَ: "لَا"، قَالَ: أَفَلَا أَتَصَدَّقُ بِهِ، قَالَ: "لَا"، فَرَخَّصَ لَهُ أَنْ يُعْلِفَهُ نَاضِحَهُ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ4 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ شَبَابَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةُ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ5 حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةُ، أَنَّ مُحَيِّصَةُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَسْبِ حَجَّامٍ لَهُ، فَنَهَاهُ عَنْهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُهُ، حَتَّى قَالَ: "أَعْلِفْهُ نَاضِحَك، أَوْ أَطْعِمْهُ رَقِيقَك"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ6 ثَنَا لَيْثٌ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي عُفَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ مُحَيِّصَةُ بْنِ مَسْعُودٍ
الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَهُ غُلَامٌ حَجَّامٌ، يُقَالُ لَهُ: نَافِعٌ أَبُو طَيْبَةَ، فَانْطَلَقَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنْ خَرَاجِهِ، فَقَالَ: "لَا تَقْرَبْهُ"، فَرَدَّدَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ فَقَالَ: "اعْلِفْ بِهِ النَّاضِحَ"، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ1 ثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَيُّوبَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: مُحَيِّصَةُ، بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَمَعَ الِاضْطِرَابِ فَفِيهِ مَنْ يُجْهَلُ حَالُهُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ مِنْ السُّحْتِ عَسْبَ التَّيْسِ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَمَعْنَاهُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ2 عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ، انْتَهَى. وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ ثَمَنِ عَسْبِ الْفَحْلِ، وَوَهَمَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فَرَوَاهُ فِي الْبُيُوعِ وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَأَعْجَبُ مِنْهُ أَنَّ الْمُنْذِرِيَّ عَزَاهُ فِي مُخْتَصَرِهِ لِلتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَلَمْ يَعْزِهِ لِلْبُخَارِيِّ، وَالْبُخَارِيُّ ذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَةِ، وَالْبَاقُونَ فِي الْبُيُوعِ، وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَعَسْبِ التَّيْسِ، انْتَهَى. وَعَزَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ لِلنَّسَائِيِّ، وَمَا وَجَدْته، وَنَقَلَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ عَنْ مَالِكٍ إبَاحَةَ أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ3 عَنْ إبْرَاهِيمَ بن حميد الرواسي عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ كِلَابٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ، فَنَهَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نُطْرِقُ الْفَحْلَ، فَنُكْرَمُ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي الْكَرَامَةِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ حُمَيْدٍ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَرَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.
فَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ1 حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شِبْلٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ، وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ، وَلَا تَغْلُوا فِيهِ. وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ"، انْتَهَى، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي بَابِ التَّرَاوِيحِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ الدَّسْتُوَائِيِّ بِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ جَدِّهِ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ كَذَلِكَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَكَذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ يَحْيَى عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءٌ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا خَطَأٌ، أَخْطَأَ فِيهِ حَمَّادُ بْنُ يَحْيَى، وَالصَّحِيحُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ نِبْرَاسَ الْبَصْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ سَوَاءً، وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الضَّحَّاكِ بْنِ نِبْرَاسٍ هَذَا: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَعَنْ النَّسَائِيّ قَالَ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: مِنْهَا حَدِيثُ الْقَوْسِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَمِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. فَحَدِيثُ عُبَادَةَ، لَهُ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 فِي الْبُيُوعِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي التِّجَارَاتِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ الْمَوْصِلِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: عَلَّمْت نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ، فَأَهْدَى إلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا، فَقُلْت: لَيْسَتْ بِمَالٍ، وَأَرْمِي بِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَسَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "إنْ أَرَدْت أَنْ يُطَوِّقَك اللَّهُ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْبُيُوعِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَالْحَاكِمُ قَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ فِي الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ، فَإِنَّهُ صَحَّحَ حَدِيثَهُ هُنَا. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ صَاحِبُ مَنَاكِيرَ، لَمْ يَخْتَلِفُوا
فِي تَرْكِهِ، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْهُ، وَتَنَاقُضٌ، وَالْمُغِيرَةُ يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَالْعِجْلِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُمْ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: الْأَسْوَدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ مَجْهُولُ الْحَالِ، وَلَا نَعْرِفُ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابن حبان فيكتاب الضُّعَفَاءِ: الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ الْمَوْصِلِيُّ يَرْوِي عَنْ عَطَاءٍ، وَعُبَادَةُ بْنُ نُسَيٍّ، كُنْيَتُهُ أَبُو هِشَامٍ، رَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ، وَوَكِيعٌ كَانَ يَنْفَرِدُ عَنْ الثِّقَاتِ، بِمَا لَا يُشْبِهُ حَدِيثَ الْأَثْبَاتِ لَا يُحْتَجُّ بِمَا خَالَفَ فِيهِ الْأَثْبَاتَ. وَإِنَّمَا يُحْتَجُّ بِمَا وَافَقَ فِيهِ الثِّقَاتِ، انْتَهَى. الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ ثِقَةٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ حَدَّثَنِي عُبَادَةَ بْنُ نُسَيٍّ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَدِمَ الرَّجُلُ مُهَاجِرًا دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ مِنَّا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ، فَدَفَعَ إلَيَّ رَجُلًا كَانَ مَعِي، وَكُنْت أَقْرَأْته الْقُرْآنَ، فَانْصَرَفْت يَوْمًا إلَى أَهْلِي، فَرَأَى أَنَّ عَلَيْهِ حَقًّا، فَأَهْدَى إلَيَّ قَوْسًا مَا رَأَيْت أَجْوَدَ مِنْهَا عُودًا، وَلَا أَحْسَنَ مِنْهَا عِطَافًا، فَأَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَيْته، فَقَالَ: "جَمْرَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْك تَقَلَّدْتهَا، أَوْ تَعَلَّقْتهَا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَبْدِ الْقُدُّوسِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ بِشْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي التِّجَارَاتِ2 عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلْمٍ عَنْ عَطِيَّةَ الْكَلَاعِيِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: عَلَّمْت رَجُلًا الْقُرْآنَ، فَأَهْدَى إلَيَّ قَوْسًا، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنْ أَخَذْتهَا أَخَذْت قَوْسًا مِنْ نَارٍ"، قَالَ: فَرَدَدْتهَا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: هَذَا حَدِيثٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، فَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَنْ عُبَادَةَ، وَقِيلَ: عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَهُ مَتْرُوكٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُمْ، فَإِنَّهُ لَوْ قَبِلَ الْهَدِيَّةَ، وَكَانَتْ غَيْرَ مَشْرُوطَةٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ هَذَا الْوَعِيدَ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا، ذَهَبَ إلَى جَوَازِ الْأَخْذِ فِيهِ عَلَى مَا لَا يَتَعَيَّنُ فَرْضُهُ عَلَى مُعَلِّمِهِ، وَمَنَعَهُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ تَعْلِيمُهُ، وَحَمَلَ عَلَى ذَلِكَ اخْتِلَافَ الْآثَارِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَرْزُقُ الْمُعَلِّمِينَ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ: أَنْ أَعْطِ النَّاسَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: حَدِيثُ أُبَيٍّ
هَذَا رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، ذَكَرَهَا بَقِيٍّ بْنُ مَخْلَدٍ، وَغَيْرُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلْمٍ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ، رَوَى لَهُ ابْنُ مَاجَهْ هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ، وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَوْرٍ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانُ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي آخِرِ الْبَابِ التَّاسِعَ عَشَرَ، مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ قَادِمٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ يَتَأَكَّلُ بِهِ النَّاسَ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَجْهُهُ عَظْمٌ، لَيْسَ عَلَيْهِ لَحْمٌ"، انْتَهَى. وَأَسْنَدَ عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى بَابِ قَوْمٍ بِالْبَصْرَةِ، فَاسْتَسْقَى مِنْهُمْ، فَلَمَّا أُخْرِجَ إلَيْهِ الْكُوزُ رَدَّهُ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ بَعْضُ صِبْيَانِ هَذِهِ الدَّارِ قَرَأَ عَلَيَّ فَيَكُونُ ثَوَابِي مِنْهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ فِي: التَّنْقِيحِ: قَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ أَخَذَ قَوْسًا عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، قَلَّدَهُ اللَّهُ قَوْسًا مِنْ نَارٍ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ إلَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: رُوِيَ عَنْهُ أَبِي، وَسَأَلْته عَنْهُ، فَقَالَ: صَدُوقٌ، مَا بِحَدِيثِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: ضَعِيفٌ، وَبَقِيَّةُ السَّنَدِ صَحِيحٌ، رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ بِهَذَا السَّنَدِ فِي الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْبَابِ حَدِيثًا آخَرَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " لَا تَسْتَأْجِرُوا الْمُعَلِّمِينَ"، وَفِي إسْنَادِهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: وَهُوَ دَجَّالٌ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَهَذَا مِنْ صُنْعِهِ، وَوَافَقَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ فِي الرُّخْصَةِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ لَدِيغٍ فِي جَبِينِهِ، فَدَاوَوْهُ فَلَمْ يَنْفَعْهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا بِكُمْ، لَعَلَّهُ يَكُونُ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ يَنْفَعُ، فَأَتَوْنَا، فَقَالُوا: أَيُّهَا الرَّهْطُ إنَّ سَيِّدَنَا لَدِيغٌ، فَابْتَغَيْنَا لَهُ كُلَّ شَيْءٍ، فَلَمْ يَنْفَعْهُ، فَهَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْقِي، لَكِنْ وَاَللَّهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، لَا نَرْقِي حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ، فَانْطَلَقَ، فَجَعَلَ يَتْفُلُ عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
يَعْنِي فَاتِحَةَ الْكِتَابِ حَتَّى بَرَأَ، فَكَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَقَامَ يَمْشِي مَا بِهِ قَلَبَةٌ، فَوَفُّوهُمْ جُعْلَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْتَسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ، فَنَنْظُرَ ما يأمرنا له، فَغَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: "أَصَبْتُمْ، اقْتَسِمُوا، وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1 فِي كِتَابِ الطِّبِّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ، أَوْ سَلِيمٌ، فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ، فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ؟ فَإِنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا، أَوْ سَلِيمًا، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، عَلَى شَاءٍ، فَجَاءَ بِالشَّاءِ إلَى الصَّحَابَةِ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: أَخَذْت عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا! حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ"، انْتَهَى. وَوَهَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ فَعَزَاهُ لِلصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْبُخَارِيِّ، نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَقَدْ أَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ: أَحَدِهَا: أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا كُفَّارًا، فَجَازَ أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ، وَالثَّانِي أَنَّ حَقَّ الضَّيْفِ وَاجِبٌ، وَلَمْ يُضَيِّفُوهُمْ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ الرُّقْيَةَ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ مَحْضَةٍ، فَجَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا، انْتَهَى. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ جَوَازَ الْأَجْرِ فِي الرُّقَى، يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيمِ بِالْأَجْرِ، وَالْحَدِيثُ إنَّمَا هُوَ فِي الرُّقْيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: وَفِي آخِرِ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ: "وَإِنْ اُتُّخِذْت مُؤَذِّنًا فَلَا تَأْخُذْ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ2 بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْنِي إمَامَ قَوْمِي، قَالَ: " أَنْتَ إمَامُهُمْ، وَاِتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذْ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ3 عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: إنَّ مِنْ آخِرِ مَا عَهِدَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَّخِذَ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ
عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ مُطَرِّفٍ بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ1 مُرْسَلًا، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ عَلَى الطَّائِفِ، وَقَالَ لَهُ: "صَلِّ بِهِمْ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ، وَلَا يَأْخُذُ مُؤَذِّنُك عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ عُثْمَانَ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ طَهْمَانَ الْقَطِيعِيِّ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْنِي إمَامَ قَوْمِي، قَالَ: " قَدْ فَعَلْت"، ثُمَّ قَالَ: " صَلِّ بِصَلَاةِ أَضْعَفِ الْقَوْمِ، وَلَا تَتَّخِذْ مُؤَذِّنًا يَأْخُذُ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ سَعِيدِ بْنِ طَهْمَانَ. أَثَرٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى الْبَكَّاءِ، قَالَ: سَمِعْت رَجُلًا، قَالَ لِابْنِ عُمَرَ: إنِّي أُحِبُّك فِي اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: وَأَنَا أُبْغِضُك فِي اللَّهِ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! أَنَا أُحِبُّك فِي اللَّهِ، وَأَنْتَ تُبْغِضُنِي فِي اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّك تَأْخُذُ عَلَى أَذَانِك أَجْرًا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَيَحْيَى الْبَكَّاءُ لَيْسَ بِذَاكَ الْمَعْرُوفِ، وَلَا لَهُ كَثِيرُ رِوَايَةٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّ التَّعَامُلَ بِاسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْلَهُ، وَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ، قُلْت2: الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ يَعْنِي قَفِيزَ الطَّحَّانِ. قُلْت: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا3 فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ أَبِي كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ الْبَجَلِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: نُهِيَ عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ، وَعَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ ثَنَا سُفْيَانُ بِهِ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ فِيهِ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
هَكَذَا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ، وَقَالَ: إنِّي تَتَبَّعْته فِي كِتَابِ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ كُلِّ الرِّوَايَاتِ، فَلَمْ أَجِدْهُ إلَّا هَكَذَا: نُهِيَ عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ، وَقَفِيزِ الطَّحَّانِ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لَعَلَّهُ يَعْتَقِدُ مَا يَقُولُهُ الصَّحَابِيُّ مَرْفُوعًا، قُلْت: إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَنْقُلَ لَنَا رِوَايَتَهُ لَا رَأْيَهُ، وَلَعَلَّ مَنْ يُبَلِّغُهُ يَرَى غَيْرَ مَا يَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا يُقْبَلُ فِيهِ فِعْلُهُ لَا قَوْلُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
باب ضمان الأجير
بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما: أَنَّهُمَا كَانَا يُضَمِّنَانِ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ، قُلْت: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ1 مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يضمن الصباغ والصابغ، وَقَالَ: لَا يَصْلُحُ لِلنَّاسِ إلَّا ذَلِكَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْأَوَّلُ فِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ أَبِي جَعْفَرٍ، وَعَلِيٍّ، وَالثَّانِي يُضَعِّفُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ، وَيَقُولُونَ: أَحَادِيثُ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ كِتَابٍ، قَالَ: وَرَوَاهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، وَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ ضَعِيفٌ، وَلَكِنْ إذَا ضُمَّتْ هَذِهِ الْمَرَاسِيلُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ قَوِيَتْ، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ2 أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ، قَالَ: أَتَى شُرَيْحًا رَجُلٌ، وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: دَفَعَ لِي هَذَا ثَوْبًا لِأَصْبُغَهُ، فَاحْتَرَقَ بَيْتِي، فَاحْتَرَقَ ثَوْبُهُ فِي بَيْتِي، قَالَ: ادْفَعْ إلَيْهِ ثَوْبَهُ، قَالَ: كَيْفَ أَدْفَعُ إلَيْهِ ثَوْبَهُ، وَقَدْ احْتَرَقَ بَيْتِي؟! قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ احْتَرَقَ بَيْتَهُ أَكُنْت تَدَعُ لَهُ أَجْرَك؟ انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ عَلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 حَدَّثَنَا الحسن بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرحمن الجمحي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا ضَمَانَ عَلَى مُؤْتَمَنٍ"، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: هَذَا إسْنَادٌ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ ضَعَّفُوهُ، انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا: يَضْمَنُ مُطْلَقًا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، الثَّانِي: لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَذْهَبُنَا، الثَّالِثُ: يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِصُنْعِهِ، وَلَا يَضْمَنُ بِغَيْرِ صُنْعِهِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَائِدَةٌ: قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ1 فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ بَابُ إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ بِالشَّطْرِ، فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ جَدَّدَا الإجارة بعد ما قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا جَوَيْرِيَةَ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا، وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ الْمَزَارِعَ كَانَتْ تُكْرَى عَلَى شَيْءٍ سَمَّاهُ نَافِعٌ لَا أَحْفَظُهُ، وَأَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ حَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ، وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ، انْتَهَى. وَكَانَ الْبُخَارِيُّ رحمه الله قَصَدَ التَّشْنِيعَ عَلَى أَصْحَابِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، إلَّا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِنَفْسِهِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ لِغَيْرِهِ، كَالْوَكِيلِ، وَالْوَصِيِّ، وَقَيِّمِ الْوَقْفِ، وَالْإِمَامِ، فَإِنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ إمَامُ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَقِيَّةُ الْأَبْوَابِ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ]
كتاب المكاتب
كِتَابُ الْمُكَاتَبِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "أَيُّمَا عَبْدٍ كُوتِبَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ، فَأَدَّاهَا إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَهُوَ عَبْدٌ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ2: أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْعِتْقِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْبُيُوعِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَحْكَامِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَيُّمَا عَبْدٍ كَاتَبَ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ، فَأَدَّاهَا إلَّا عَشْرَ أَوَاقٍ، فَهُوَ عَبْدٌ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ كَاتَبَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ، فَأَدَّاهَا إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَهُوَ عَبْدٌ"، انْتَهَى. بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ، فَأَدَّاهَا إلَّا عَشْرَ أَوَاقٍ، -أَوْ قَالَ: عَشَرَةَ دَرَاهِمَ-، ثُمَّ عَجَزَ فهو رقي ق"، انْتَهَى. وَقَالَ: غَرِيبٌ، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ: "أَيُّمَا عَبْدٍ كُوتِبَ عَلَى
مِائَةِ أُوقِيَّةٍ، فَأَدَّاهَا إلَّا عَشْرَ أَوَاقٍ، ثُمَّ عَجَزَ، فَهُوَ رَقِيقٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبَّاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، كِلَاهُمَا بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَسْمَعُ مِنْك أَحَادِيثَ أَفَتَأْذَنُ لَنَا أَنْ نَكْتُبَهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ"، فَكَانَ أَوَّلُ مَا كَتَبَ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ: لَا يَجُوزُ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ جَمِيعًا، وَلَا بَيْعُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَمَنْ كَانَ مُكَاتَبًا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَقَضَاهَا إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَهُوَ عَبْدٌ، أَوْ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ، فَقَضَاهَا إلَّا أُوقِيَّةً، فَهُوَ عَبْدٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَهُوَ عِنْدِي خَطَأٌ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ النَّسَائِيّ، ثُمَّ قَالَ: وَعَطَاءٌ هَذَا هُوَ الْخُرَاسَانِيُّ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو شَيْئًا، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَ لِعَطَاءٍ سَمَاعًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ النَّسَائِيَّ، وَابْنَ حِبَّانَ لم ينساه أَعْنِي عَطَاءً وَذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي أَطْرَافِهِ فِي تَرْجَمَةِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، لَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِهِ لِعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو شَيْئًا، وَكَأَنَّهُ وَهَمَ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ أَنَّهُ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، وَهُوَ جَاءَ مَنْسُوبًا فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْعَتَاقِ1 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ دِرْهَمٌ"، انْتَهَى. وَفِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، لَكِنَّهُ عَنْ شَيْخٍ شَامِيٍّ ثِقَةٍ، وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، أَوْ أُوقِيَّةٌ"، انْتَهَى. وَضُعِّفَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ عَنْ أَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَقَالُوا كُلُّهُمْ فِيهِ: إنَّهُ مَتْرُوكٌ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَلَعَلَّ الْبَلَاءَ فِيهِ مِنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ شَرِيكٍ، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ سُلَيْمَانَ، فَإِنَّهُ شَرٌّ مِنْ سُلَيْمَانَ، انْتَهَى. وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ2 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، مَوْقُوفًا: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ كِتَابَتِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مَوْقُوفًا على عمرو بن عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَائِشَةَ، لَمْ يَرْوِهِ مَرْفُوعًا أَصْلًا.
قَوْلُهُ: وَفِيهِ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ يَعْنِي فِي الْمُكَاتَبِ يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَأَنَّ زَيْدًا قَالَ: لَا يُعْتَقُ وَلَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ زَيْدٍ، فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، قَالَ فِي الْمُكَاتَبِ: هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ بِهِ سَوَاءٌ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ1 وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ2 تَعْلِيقًا، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هُوَ عَبْدٌ إنْ عَاشَ، وَإِنْ مَاتَ، وَإِنْ جُنَّ، مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ بِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ، إلَّا الشَّطْرَ فَلَا رِقَّ عَلَيْهِ، انْتَهَى3. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِخِلَافِ هَذَا، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْقَاسِمُ لَا يَثْبُتُ سَمَاعُهُ مِنْ ابْنِ سَمُرَةَ. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مُغِيرَةَ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: إذَا أَدَّى قَدْرَ ثَمَنِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِمُكَاتَبٍ لَهَا، يُكَنَّى أَبَا مَرْيَمَ: اُدْخُلْ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْك إلَّا أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ4 عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ
بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: اسْتَأْذَنْت عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: مَنْ هَذَا؟ قُلْت: سُلَيْمَانَ، قَالَتْ: كَمْ بَقِيَ عَلَيْك مِنْ مُكَاتَبَتِك؟ قُلْت: عَشْرَةُ أَوَاقٍ، قَالَتْ: اُدْخُلْ، فَإِنَّك عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْك دِرْهَمٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُثْمَانَ، قَالَ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ1 أَنَّ عَلِيًّا، قَالَ فِي الْمُكَاتَبِ يَعْجِزُ، قَالَ: يُعْتَقُ بِالْحِسَابِ، وَقَالَ زَيْدٌ: هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إذَا أَدَّى الثُّلُثَ، فَهُوَ غَرِيمٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي المخازق أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَابْنَ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ كَانُوا يَقُولُونَ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، فَخَاصَمَهُمْ زَيْدٌ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَدْخُلُ عَلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَحُدِّثْت أَنَّ عُثْمَانَ قَضَى بِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا بَقِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ خَمْسُ أَوَاقٍ، أَوْ خَمْسُ ذَوْدٍ، أَوْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، فَهُوَ غَرِيمٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَحْتَجِبْنَ عَنْ الْمُكَاتَبِ، مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ مِثْقَالٌ، أَوْ دِينَارٌ، انْتَهَى. [فَصْلٌ فِي الْمُكَاتَبَةِ الْفَاسِدَةِ، وَبَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ خَالِيَانِ]
فَصْلٌ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: حَدِيثُ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِيلَادِ، وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ، تَقَدَّمَ فِي الدَّعْوَى. [فَصْلٌ بَابُ مَنْ يُكَاتِبُ عَنْ الْعَبْدِ - بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ خَالِيَةٌ]
باب موت المكاتب وعجزه
بَابُ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزِهِ قَوْلُهُ: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: إذَا تَوَالَى عَلَى الْمُكَاتَبِ نَجْمَانِ، رُدَّ فِي الرِّقِّ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ1 فِي الْبُيُوعِ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ حُصَيْنٍ الْحَارِثِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إذَا تَتَابَعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ نَجْمَانِ فَلَمْ يُؤَدِّ نُجُومَهُ، رُدَّ فِي الرِّقِّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ مُكَاتَبَةً لَهُ عَجَزَتْ عَنْ نَجْمٍ، فَرَدَّهَا، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، وَابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَاتَبَ غُلَامًا لَهُ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ، فَأَدَّاهَا إلَّا مِائَةً، فَرَدَّهُ فِي الرِّقِّ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: قَالَ عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ فِي الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ وَلَهُ مَالٌ: يَقْضِي مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَيَعْتِقُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِ عَبْدٍ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا، قُسِّمَ مَا تَرَكَ عَلَى مَا أَدَّى، وَعَلَى مَا بَقِيَ، فَمَا أَصَابَ مَا أَدَّى فَلِلْوَرَثَةِ، وَمَا أَصَابَ مَا بَقِيَ فَلِمَوَالِيهِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ: يُؤَدَّى إلَى مَوَالِيه مَا بَقِيَ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ، وَلِوَرَثَتِهِ مَا بَقِيَ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: الْمُكَاتَبُ يَمُوتُ وَلَهُ وَلَدٌ أَحْرَارٌ، وَيَدَعُ أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ، قَالَ:
يُقْضَى عَنْهُ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَلِبَنِيهِ، فَقُلْت: أَبَلَغَك هَذَا عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: زَعَمُوا أَنَّ عَلَيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَقْضِي بِهِ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يُقْضَى عَنْهُ مَا عَلَيْهِ، ثُمَّ لِبَنِيهِ مَا بَقِيَ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: مَا أَرَاهُ لِبَنِيهِ، وَإِنَّمَا لِسَيِّدِهِ1 قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِقَوْلِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ نَقُولُ، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عُمَرَ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ يُونُسَ فِي تَارِيخِ مِصْرَ حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ ثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ثنا أبو الأحوص أَبِي إسْحَاقَ عَنْ قَابُوسَ بْنِ الْمُخَارِقِ، قَالَ: كُنْت عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ عَلَى مِصْرَ، لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَكَتَبَ مُحَمَّدٌ إلَى عَلِيٍّ فِي مُكَاتَبٍ مَاتَ، وَتَرَكَ مَالًا، فَكَتَبَ إلَيْهِ عَلِيٌّ: خُذْ مِنْهُ بَقِيَّةَ مُكَاتَبَتِهِ، فَادْفَعْهَا إلَى مَوَالِيهِ، وَمَا بَقِيَ فَلِعَصَبَتِهِ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْحُدُودِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ قَابُوسَ بْنِ مُخَارِقٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ كَتَبَ إلَى عَلِيٍّ يَسْأَلُهُ عَنْ مُسْلِمَيْنِ تَزَنْدَقَا، وَعَنْ مُسْلِمٍ زَنَى بِنَصْرَانِيَّةٍ، وَعَنْ مُكَاتَبٍ مَاتَ وَتَرَكَ بَقِيَّةً مِنْ كِتَابَتِهِ، وَأَوْلَادًا أَحْرَارًا، فَكَتَبَ إلَيْهِ علي: أما الذين تَزَنْدَقَا، فَإِنْ تَابَا، وَإِلَّا فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمَا، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ، فَأَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَادْفَعْ النَّصْرَانِيَّةَ إلَى أَهْلِ دِينِهَا، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ، فَيُؤَدِّي بَقِيَّةَ كِتَابَتِهِ، وَمَا بَقِيَ فَلِوَلَدِهِ الْأَحْرَارِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ: "هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ2 قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ: عَتَقَتْ فَخُيِّرَتْ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"، وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبُرْمَةٌ عَلَى النَّارِ، فَقُرِّبَ إلَيْهِ خُبْزٌ، وَإِدَامٌ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ، فَقَالَ: "أَلَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ"؟ فَقِيلَ: لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، وَأَنْتَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، قَالَ: "هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ"، انْتَهَى.
كتاب الولاء
كِتَابُ الْوَلَاءِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ، وَحَلِيفَهُمْ مِنْهُمْ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ. فَحَدِيثُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ: 1 رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خيثم عن إسماعيل عن عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ، وَابْنُ أُخْتِهِمْ مِنْهُمْ، وَحَلِيفُهُمْ مِنْهُمْ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيِّ ثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بِهِ، وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّةً، وَلَفْظُهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرَ: "اجْمَعْ لِي قَوْمَك"، فَجَمَعَهُمْ، فَلَمَّا حَضَرُوا بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ: قَدْ جَمَعْت لَك قَوْمِي، فَسَمِعَ ذَلِكَ الْأَنْصَارُ، فَقَالُوا: قَدْ نَزَلَ فِي قُرَيْشٍ الْوَحْيُ، فَجَاءَ الْمُسْتَمِعُ، وَالنَّاظِرُ، مَا يُقَالُ لَهُمْ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَقَالَ: "هَلْ فِيكُمْ مِنْ غَيْرِكُمْ"؟ قَالُوا: نَعَمْ، فِينَا حَلِيفُنَا، وَابْنُ أُخْتِنَا، وَمَوَالِينَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَلِيفُ الْقَوْمِ"، إلَى آخِرِهِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا حَدَّثَنَا عَفَّانَ ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خيثم بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا زُرَيْقُ بْنُ السخت ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "حَلِيفُ الْقَوْمِ مِنْهُمْ، وَابْنُ أُخْتِهِمْ مِنْهُمْ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: فَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ2 وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ
فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَاعِدًا مَعَهُمْ، فَدَخَلَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: "اُدْخُلُوا عَلَيَّ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيَّ إلَّا قُرَشِيٌّ"، قَالَ: فَتَسَالَلْتُ فَدَخَلَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَلْ مَعَكُمْ أَحَدٌ لَيْسَ مِنْكُمْ"؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَعَنَا ابْنُ الْأُخْتِ، وَالْمَوْلَى، وَالْحَلِيفُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ، وَحَلِيفُهُمْ مِنْهُمْ، وَمَوْلَاهُمْ مِنْهُمْ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَلِيفُ أَيْمَانٌ كَانُوا يَتَحَالَفُونَهَا عَلَى أَنْ يَلْزَمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعُمَرِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ بَشِيرٍ الشَّامِيُّ ثَنَا عُمَرُ أَبُو حَفْصٍ ثَنَا عُتْبَةُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَوْمًا لِقُرَيْشٍ: "هَلْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِنْكُمْ"؟ قَالُوا: ابْنُ أُخْتِنَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ، قَالَ: "ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ، وَحَلِيفُ الْقَوْمِ مِنْهُمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ1 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ الْعَبْدِيُّ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ، فَذَكَرَهُ. وَرَدَّ بَعْضُ النَّاسِ هَذَا الْقَوْلَ أَعْنِي التَّوَارُثَ بِالْحَلِفِ بِقَوْلِهِ عليه السلام: لَا حِلْفَ فِي الإسلام، أخرجه مسلم2 فيآخر الْفَضَائِلِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا لَمَّا اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ اشْتَرَطَ أَهْلُهَا أَنَّ وَلَاءَهَا لَهُمْ، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 فِي الْمُكَاتَبِ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد فِي الْعِتْقِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْوَلَاءِ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَحْكَامِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تَعْتِقُهَا، فَأَبَى أَهْلُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الولاء، فذكرت ذلك رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "لَا يَمْنَعُك ذَلِكَ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ: وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ4 فِي الْمُكَاتَبِ وَفِي الْفَرَائِضِ
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ مَاتَ مُعْتَقٌ لِابْنَةِ حَمْزَةَ عَنْهَا، وَعَنْ بِنْتٍ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أُمَامَةَ ابْنَةِ حَمْزَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَحَدِيثُ أُمَامَةَ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنَيْهِمَا1 فِي الْفَرَائِضِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنَةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَتْ: مَاتَ مَوْلًى لِي، وَتَرَكَ ابْنَةً لَهُ، فَقَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَهُ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنَتِهِ، فَجَعَلَ لِي النِّصْفَ وَلَهَا النِّصْفَ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّ ابْنَةَ حَمْزَةَ أَعْتَقَتْ مَمْلُوكًا لَهَا، فَمَاتَ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ وَمَوْلَاتَهُ، الْحَدِيثَ. قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى كَثِيرُ الْخَطَإِ، انْتَهَى. وَابْنَةُ حَمْزَةَ هذا اسْمُهَا أُمَامَةُ، صَرَّحَ بِهِ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 فَرَوَاهُ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، وَهُوَ أَخُو أُمَامَةَ بِنْتِ حَمْزَةَ لِأُمِّهَا عَنْ أُخْتِهِ أُمَامَةَ بِنْتِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ النَّسَائِيّ، وَسَكَتَ عَنْهُ، هَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ اسْمُهَا أُمَامَةُ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي أَطْرَافِهِ: إنْ لَمْ تَكُنْ ابْنَةُ حَمْزَةَ هَذِهِ أُمَامَةَ، فَلَا أَدْرِي مَنْ هِيَ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَتْ: مَاتَ مَوْلًى لِي وَتَرَكَ ابْنَتَهُ، فَقَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَهُ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنَتِهِ، فَجَعَلَ لِي النِّصْفَ وَلَهَا النِّصْفَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ ثَنَا أَبُو إسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ حَمْزَةَ، فَذَكَرَهُ، هَكَذَا وَجَدْته فِي هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ: اسْمُهَا فَاطِمَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا ابْنَةُ حَمْزَةَ؟ كَانَتْ أُخْتِي لِأُمِّي، وَأَنَّهَا لَأَعْتَقَتْ مَمْلُوكًا لَهَا، فَتُوُفِّيَ، وَتَرَكَ ابْنَتَهُ وَمَوْلَاتَهُ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيرَاثَهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، فَذَكَرَهُ، قَالَ الثَّوْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَيَّانٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، فَذَكَرَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 فِي الْفَرَائِضِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْمُنْقِرِيُّ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَوْلًى لِحَمْزَةَ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ، وَابْنَةَ حَمْزَةَ، فَأَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ النِّصْفَ، وَلِابْنَةِ حَمْزَةَ النِّصْفَ، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد هَذَا هُوَ الشَّاذَكُونِيُّ وَقَدْ ضَعَّفُوهُ، وَكَذَّبَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثُ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ عِنْدِي أَضْعَفُ مِنْ كُلِّ ضَعِيفٍ، انْتَهَى. وَفِي هَذَا الْمَتْنِ أَنَّ الْمَوْلَى لِحَمْزَةَ، وَفِي مَتْنِ النَّسَائِيّ أَنَّ الْمَوْلَى لِابْنَتِهِ، وَأَنَّهَا الَّتِي أَعْتَقَتْهُ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: تُوُفِّيَ مَوْلًى لِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَأَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنْتَ حَمْزَةَ النِّصْفَ، وَقَبَضَ النِّصْفَ، انْتَهَى. وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، لَا تُبَاعُ، وَلَا تُوهَبُ، وَلَا تُورَثُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ الْأَبَ يَجُرُّ وَلَاءَ ابْنِهِ، وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ مَالِكٍ2 عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ، وَلِلْعَبْدِ بَنُونَ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ، فقال الزبير: هو مَوَالِيَّ، وَقَالَ: مَوَالِي أُمِّهِمْ هُمْ مَوَالِينَا، فَاخْتَصَمُوا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَضَى لِلزُّبَيْرِ مَوْلَاهُمْ، انْتَهَى. مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ3 عَنْ أَبِيهِ عَنْ الزُّبَيْرِ، نَحْوُهُ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَلَهُ طُرُقٌ: أَحَدُهَا عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي عَنْ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ4 فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ وَقَالَ:
حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ1 بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ الشَّافِعِيُّ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنْ حِفْظِهِ، فَزَلَّ عَنْ ذِكْرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي إسْنَادِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّفْظِ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ، وَعَنْ هِبَتِهِ، هَكَذَا رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ مَالِكٌ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ وَهْمٌ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ فِي الْمَتْنِ وَالْإِسْنَادِ جَمِيعًا، وَأَصَحُّ مَا فِيهِ حَدِيثُ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ"، وَهُوَ مُرْسَلٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي كِتَابِ مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ الْإِخْمِيمِيِّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِهِ، قَالَ الْحَاكِمُ: هَكَذَا قَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ وَهْمٌ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ نَفْسِهِ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخَرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ في معجمه الوسط عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِهِ، وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ إلَّا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْقَاسِمِ الْأَسَدِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِعُبَيْدِ بْنِ الْقَاسِمِ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: كَانَ كَذَّابًا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ"، إلَى آخِرِهِ سَوَاءٌ، وَأَعَلَّهُ بِيَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَابْنِ مَعِينٍ،
قَالَ: وَأَخُوهُ زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ ثِقَةٌ، وَقَالَ فِي أَخِيهِ يَحْيَى هَذَا: إنَّهُ كَذَّابٌ، وَوَافَقَهُمْ ابْنُ عَدِيٍّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: رَوَى أَبُو إسْمَاعِيلَ الْفَارِسِيُّ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ"، لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الثَّوْرِيِّ بِهَذَا اللَّفْظِ غَيْرُهُ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ، وَهِبَتِهِ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الزَّرَّادِ1 عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ نَافِعٍ بِهِ، وَوَهَمَ ابْنُ زِيَادٍ فِي قَوْلِهِ: إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَخَالَفَهُ يَعْقُوبُ بْنُ كَاسِبٍ، فَرَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ بِهِ، وَهَذَا أَشْبَهُ2، ورواه أيوب عن سُلَيْمَانَ الْأَعْوَرُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ الْقَسْمَلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِهِ: لَا يُبَاعُ الْوَلَاءُ، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ، فَزَادَ فِيهِ: وَلَا يُورَثُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِهِ، وَقِيلَ فِيهِ: عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَلَا يَصِحُّ فِيهِ ذِكْرُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرَوَاهُ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ، وَهُوَ أَشْبَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَلَمْ أَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ: وَلَا يُورَثُ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلَّذِي اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ: "هُوَ أَخُوك، وَمَوْلَاك، إنْ شَكَرَك هُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَشَرٌّ لَك، وَإِنْ كَفَرَك، فَهُوَ خَيْرٌ لَك، وَشَرٌّ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا، كُنْت أَنْتَ عَصَبَتُهُ"، قُلْت: رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ3 أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ الْأَشْعَثِ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ، فَقَالَ: إنِّي اشْتَرَيْت هَذَا فَأَعْتَقْته، فَمَا تَرَى فِيهِ؟ قَالَ: " أَخُوك وَمَوْلَاك، إنْ شَكَرَك فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَشَرٌّ لَك، وَإِنْ كَفَرَك فَهُوَ شَرٌّ لَهُ، وَخَيْرٌ لَك"، قَالَ: فَمَا تَرَى فِي مَالِهِ؟ قَالَ: "إنْ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا فَلَكَ مَالُهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا، فَلَمْ يَقْضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ بَيْعٌ، وَحَلَفَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِعِتْقِهِ، فَاشْتَرَاهُ، فَأَعْتَقَهُ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إنْ شَكَرَك فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَشَرٌّ لَك، وَإِنْ كَفَرَك فَهُوَ شَرٌّ لَهُ، وَخَيْرٌ لَك"، قَالَ: فَكَيْفَ بِمِيرَاثِهِ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ، فَهُوَ لَك"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَرِثَ ابْنَةَ حَمْزَةَ عَلَى سَبِيلِ الْعُصُوبَةِ مَعَ قِيَامِ وَارِثٍ، قُلْت: تَقَدَّمَ قَرِيبًا بِجَمِيعِ طُرُقِهِ. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ تَقْدِيمُهُ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ يَعْنِي مَوْلَى الْعَتَاقَةِ، قُلْت: غَرِيبٌ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ كَانَ يُوَرِّثُ الْمَوَالِيَ دُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ خِلَافَ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ أَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ يُوَرِّثَانِ ذَوِي الْأَرْحَامِ دُونَ الْمَوَالِي، قُلْت: فِعْلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ فَقَالَ: كَانَ أَشَدَّهُمْ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ، أَوْ كَاتَبْنَ، أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ، أَوْ دَبَّرْنَ، أَوْ دَبَّرَ مَنْ دَبَّرْنَ، أَوْ جَرَّ وَلَاءَ مُعْتَقِهِنَّ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ الْوَلَاءَ لِلْكَبِيرِ مِنْ الْعَصَبَةِ، وَلَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ. قَالَ: كَانَ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ مِنْ الْوَلَاءِ، إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ، وَأَخْرَجَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: لَا تَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، أَوْ كَاتَبْنَ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ، وَزَيْدٍ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ مِنْ الْوَلَاءِ، إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: لَا تَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا كَاتَبْنَ، أَوْ أَعْتَقْنَ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَأَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَكَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُهُ، وَأَخْرَجَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، كَقَوْلِ الْحَسَنِ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْكَبِيرِ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عِدَّةِ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَغَيْرُهُمْ، قُلْت: تَقَدَّمَ قَرِيبًا لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ الْوَلَاءَ لِلْكَبِيرِ مِنْ الْعَصَبَةِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عُمَرَ، وَعَلِيًّا، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانُوا يَجْعَلُونَ الْوَلَاءَ لِلْكَبِيرِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي
مُسْنَدِهِ1 أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا أَشْعَثُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْوَلَاءُ لِلْكَبِيرِ، قَالَ: يَعْنُونَ بِالْكَبِيرِ مَا كَانَ أَقْرَبَ بِأُمٍّ وَأَبٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، وَزَادَ فِيهِ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَرَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ حَزْمٍ السَّرَقُسْطِيُّ فِي كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيٍّ، وَزَيْدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: الْوَلَاءُ لِلْكَبِيرِ، انْتَهَى. قال: ومعناه لا قعد النَّاسِ بِالْمُعْتَقِ يَوْمَ يَمُوتُ الْمُعْتِقُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرُ: قَالَ يَعْقُوبُ: الْوَلَاءُ لِلْكُبْرِ بِضَمِّ الْكَافِّ وَهُوَ أَكْبَرُ وَلَدِ الرَّجُلِ الْمُعْتِقِ، انْتَهَى. وَفِي الْمُوَطَّإِ2 مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْعَاصِ بْنَ هِشَامٍ هَلَكَ، وَتَرَكَ ثَلَاثَ بَنِينَ: اثْنَانِ لِأُمٍّ، وَرَجُلٌ لِعِلَّةٍ، فَهَلَكَ أَحَدُ اللَّذَيْنِ لِأُمٍّ، وَتَرَكَ مَالًا وَمَوَالِيَ، فَوَرِثَهُ أَخُوهُ الَّذِي لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، مَالَهُ وَمَوَالِيَهُ، ثُمَّ هَلَكَ الَّذِي وَرِثَ الْمَالَ، وَوَلَاءُ الْمَوَالِي، وَتَرَكَ ابْنًا، وَأَخًا لِأَبِيهِ، فَقَالَ ابْنُهُ: قَدْ أَحْرَزْت مَا كَانَ أَبِي أَحْرَزَ مِنْ الْمَالِ، وَوَلَاءِ الْمَوَالِي، وَقَالَ أَخُوهُ: لَيْسَ كَذَلِكَ، إنَّمَا أَحْرَزْت الْمَالَ، وَأَمَّا وَلَاءُ الْمَوَالِي فَلَا، أَرَأَيْت لَوْ هَلَكَ أَخِي الْيَوْمَ أَلَسْت أَرِثُهُ؟ فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَضَى لِأَخِيهِ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي، انْتَهَى. وَيُنْظَرُ فِي مُطَابَقَتِهِ لِلَفْظِ الْكِتَابِ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ أَسْلَمَ على يد رجل آخَرَ، وَوَالَاهُ، فَقَالَ: "هُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ، مَحْيَاهُ وَمَمَاتَهُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ فِي كُتُبِهِمْ3 فِي الْفَرَائِضِ، فَأَبُو دَاوُد عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَوْهَبٍ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السُّنَّةُ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ4 عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، وَابْنِ نُمَيْرٍ، وَوَكِيعٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، وَيُقَالُ: وَهْبٌ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَقَدْ أَدْخَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، وَبَيْنَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ، هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، وَهُوَ عِنْدِي لَيْسَ
بِمُتَّصِلٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ1 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ تَمِيمٍ نَحْوَهُ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُد عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ تَمِيمٍ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ تَمِيمٍ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن موهب الْقُرَشِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدِ الرَّجُلِ، فَقَالَ: "هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وهب هُوَ ابْنُ زَمْعَةَ، انْتَهَى. وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، فَقَالَ: لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ إلَّا ابْنُ مَاجَهْ فَقَطْ، ثُمَّ هُوَ وَهْمٌ مِنْ الْحَاكِمِ، فَإِنَّ ابْنَ زَمْعَةَ لَمْ يَرْوِ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَصَوَابُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَوْهَبٍ، وَكَذَا جَاءَ فِي كِتَابِ النَّسَائِيّ عَنْ عبد الله ان موهب، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالدَّارِمِيُّ4 وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ بِالسَّنَدِ الْمُنْقَطِعِ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْوَلَاءِ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ تَمِيمٍ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ5 تَعْلِيقًا فِي الْفَرَائِضِ فَقَالَ: بَابُ إذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ، وَيَذْكُرُ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَفْعَهُ، قَالَ: هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ، مَحْيَاهُ وَمَمَاتَهُ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ هَذَا الْخَبَرِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ بِسَنَدِ أَبِي دَاوُد، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بِسَنَدِ التِّرْمِذِيِّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ، هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ عِنْدَنَا بِثَابِتٍ، إنَّمَا يَرْوِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ عَنْ ابْنِ مَوْهَبٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَابْنُ مَوْهَبٍ6 لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ
عِنْدَنَا، وَلَا لَقِيَ تَمِيمًا فِيمَا نَعْلَمُ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا، وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ: هَذَا خَطَأٌ، ابْنُ مَوْهَبٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ تَمِيمٍ، وَلَا لَحِقَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ: وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ الرُّوَاةِ فِيهِ بِسَمَاعِ ابْنِ مَوْهَبٍ مِنْ تَمِيمٍ، وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَدْخَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَمِيمٍ قَبِيصَةَ، وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ السُّنَنِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَعِلَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ الْجَهْلُ بِحَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، وَكَانَ قَاضِي فِلَسْطِينَ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ، وَابْنِ نُمَيْرٍ، وَوَكِيعٍ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْهُ، فَأَدْخَلَ بَيْنَهُمَا قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ، وَهُوَ الْأَصْوَبُ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ هَذَا لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَالْحَدِيثُ مِنْ أَجْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ هَذَا لَا يَصِحُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ ضَعَّفَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: إنَّ رَاوِيَهُ عَبْدَ الْعَزِيزِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ، وَهُوَ شَيْخٌ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ، وَقَدْ اضْطَرَبَتْ رِوَايَتُهُ فِيهِ، قُلْت: عَبْدُ الْعَزِيزِ هَذَا مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ، رَوَى يَسِيرًا، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: ثِقَةٌ، وَقَالَ ابْنُ عَمَّارٍ: ثِقَةٌ، لَا اخْتِلَافَ فِيهِ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، والدارقطني فِي سُنَنِهِ1 مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى الصَّدَفِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ، فَوَلَاؤُهُ لَهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِمُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَوَافَقَهُمْ، وَقَالَ: فِي رِوَايَاتِهِ نَظَرٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَأَعَلَّهُ بِجَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَدِيٍّ، وَقَالَ: جَعْفَرٌ مَتْرُوكٌ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنِي كَثِيرُ
بْنُ مُرَّةَ النَّهْرَانِيُّ ثَنَا شَيْخٌ مِنْ بَاهِلَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ عَلَى يَدِي، وَلَهُ مَالٌ، وَقَدْ مَاتَ، قَالَ: "فَلَكَ مِيرَاثُهُ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ إسْحَاقَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ. أَثَرٌ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ1 فِي الدِّيَاتِ حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ، فَقَالَ: إنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ عَلَى يَدِي، فَمَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَتَحَرَّجْت مِنْهَا، فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ جَنَى جِنَايَةً عَلَى مَنْ تَكُونُ؟ قَالَ: عَلَيَّ، قَالَ: فَمِيرَاثُهُ لَك، انْتَهَى.
كتاب الإكراه
كِتَابُ الْإِكْرَاهِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: حَدِيثُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، لَمَّا اُبْتُلِيَ بِالْإِكْرَاهِ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَيْفَ وَجَدْت قَلْبَك"؟ فَقَالَ: مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ، قَالَ: "فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ"، قُلْت: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّحْلِ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، ثُمَّ تَرَكُوهُ، فَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ عليه السلام: "مَا وَرَاءَك"؟ قَالَ: شَرٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُرِكْت حَتَّى نِلْت مِنْك، وَذَكَرْت آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، قَالَ: "فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَك"؟ قَالَ: مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ، قَالَ: "فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ عَمَّارٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ بِهِ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ
إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ فِي مُسْنَدِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. وَلَمْ يَعْزُهُ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ إلَّا لِلِاسْتِيعَابِ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّ خُبَيْبًا رضي الله عنه صَبَرَ عَلَى الإكراه حَتَّى صُلِبَ، وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ، وَقَالَ فِيهِ: "هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَقَتْلُ خُبَيْبِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ1 فِي مَوَاضِعَ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ صُلِبَ، وَلَا أَنَّهُ أُكْرِهَ، وَلَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهُ سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ، وَلَا قَالَ فِيهِ: هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ، أَخْرَجَهُ فِي الْجِهَادِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إذَا كَانُوا بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ، ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ: يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ فَتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى أَتَوْا مَنْزِلًا نَزَلُوهُ، فَوَجَدُوا فِيهِ نَوَى تَمْرٍ تَزَوَّدُوهُ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يثرب، فتبعوا آثَارَهُمْ حَتَّى لَحِقُوهُمْ، فَلَمَّا انتهى عاصم، وأصحابه لجأوا إلَى فَدْفَدٍ، وَجَاءَ الْقَوْمُ فَأَحَاطُوا بِهِمْ، فَقَالُوا: لَكُمْ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ إنْ نَزَلْتُمْ إلَيْنَا أَنْ لَا نَقْتُلَ مِنْكُمْ رَجُلًا، قَالَ عَاصِمٌ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّك، فَقَاتَلُوهُمْ فَرَمَوْهُمْ، حَتَّى قَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ بِالنَّبْلِ، وَبَقِيَ خُبَيْبِ، وَزَيْدُ بْنُ الدِّثْنَةِ، وَرَجُلٌ آخَرُ، فَأَعْطَوْهُمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، فَنَزَلُوا إلَيْهِمْ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ حَلُّوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ الَّذِي مَعَهُمَا: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ، فأبى أن يصحبهم، فجروه، وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَقَتَلُوهُ، وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ، وَزَيْدٍ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ، فَاشْتَرَى خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ خُبَيْبِ قَتَلَ الْحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى إذَا أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ اسْتَعَارَ مُوسًى مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ لِيَسْتَحِدَّ بِهَا، فَأَعَارَتْهُ، قَالَتْ: فَغَفَلْت عَنْ صَبِيٍّ لِي قَدْ رَجَعَ إلَيْهِ، حَتَّى أَتَاهُ، فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ، فَلَمَّا رَأَيْته فَزِعْت فَزْعَةً عَرَفَ ذَلِكَ مِنِّي، وَفِي يَدِهِ الْمُوسَى، فَقَالَ: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟، مَا كُنْت لِأَفْعَلَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَانَتْ تَقُولُ: مَا رَأَيْت أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبِ، لَقَدْ رَأَيْته يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ، وَمَا بِمَكَّةَ يومئذ تمرة، وَإِنَّهُ لَمُوَثَّقٌ فِي الْحَدِيدِ، وَمَا كَانَ إلَّا رِزْقًا رَزَقَهُ اللَّهُ، فَخَرَجُوا بِهِ مِنْ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَ: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ:
لَوْلَا أَنْ تَرَوْا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ مِنْ الْمَوْتِ لَزِدْت، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ هُوَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا، ثُمَّ قَالَ: وَلَسْت أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ ثُمَّ قَامَ إلَيْهِ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إلَى عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ لِيَأْتُوا بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ، وَكَانَ عَاصِمٌ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنْ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَقِصَّةُ خُبَيْبِ كَانَتْ فِي غَزْوَةِ الرَّجِيعِ، وَغَزْوَةُ الرَّجِيعِ كَانَتْ بَعْدَ أُحُدٍ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ، لَكِنْ وَرَدَ أَنَّهُ أُكْرِهَ، ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي، فَقَالَ بَعْد أَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ الْبُخَارِيِّ مُطَوَّلًا: وَحَدَّثَنِي قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ زُمَامَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ معاوية الديلمي، قَالَ: لَمَّا صَلَّى خُبَيْبِ الرَّكْعَتَيْنِ حَمَلُوهُ إلَى خَشَبَةٍ، فَأَوْثَقُوهُ رِبَاطًا، ثُمَّ قَالُوا لَهُ: ارْجِعْ عَنْ الْإِسْلَامِ , قَالَ: لَا وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ , وَلَوْ أَنَّ لِي مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا. قَالَ: فَجَعَلُوا يَقُولُونَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ الْإِسْلَامِ , وَهُوَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا أَرْجِعُ أَبَدًا، فَقَالُوا لَهُ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَنَقْتُلَنَّكَ، قَالَ: إنَّ قَتْلِي فِي اللَّهِ لَقَلِيلٌ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي لَا أَرَى هُنَا إلَّا وَجْهَ عدو، وليس ههنا أَحَدٌ يُبْلِغُ رَسُولَك عَنِّي السَّلَامَ، فَبَلِّغْهُ أَنْتَ عَنِّي السَّلَامَ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ، إذْ قَالَ: "وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ"، فَقِيلَ لَهُ فِي ذلك، فقال: "هذا جبرئيل يُقْرِئُنِي السَّلَامَ مِنْ خُبَيْبِ"، قَالَ: ثُمَّ دَعَوْا مِنْ أَبْنَاءِ مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ أَرْبَعِينَ غُلَامًا، فَقَالُوا لَهُمْ، هَذَا الَّذِي قَتَلَ أَبَاكُمْ، فَطَعَنُوهُ بِرِمَاحِهِمْ حَتَّى قَتَلُوهُ، قَالَ: وَكَانَ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ يَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا أَنَا بِاَلَّذِي قَتَلْت خُبَيْبًا، إنْ كُنْت يَوْمَئِذٍ لَغُلَامًا صَغِيرًا، وَلَكِنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو مَيْسَرَةَ أَمْسَكَ بِيَدِي عَلَى الْحَرْبَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَطْعَنُهُ حَتَّى قَتَلَهُ، انْتَهَى. وَالْمَعْرُوفُ فِي قَوْلِهِ عليه السلام: "سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ" أَنَّهُ فِي حَمْزَةَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 فِي الْفَضَائِلِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ. فَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ3: أَحَدُهُمَا عَنْ حُمَيْدٍ الصَّفَّارِ عَنْ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ
إلَى إمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ، فَقَتَلَهُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَقَالَ: حُمَيْدٍ الصَّفَّارُ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، انْتَهَى. الثَّانِي: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَمْزَةُ"، وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّةً، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ عَلَيْهِ. وَحَدِيثُ عَلِيٍّ: أَخْرَجَهُ هُوَ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَزَوَّرٍ1 عَنْ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إنَّ أَفْضَلَ الْخَلْقِ يَوْمَ يَجْمَعُهُمْ اللَّهُ الرُّسُلُ، وَأَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ الرُّسُلِ الشُّهَدَاءُ، وَأَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: وَرَدَ نَحْوُ ذَلِكَ فِي بِلَالٍ، رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "نِعْمَ الْمَرْءُ بِلَالٌ، وَهُوَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ، وَالْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وَيُنْظَرُ بَقِيَّةَ السَّنَدِ وَالْمَتْنِ.
كتاب الحجر
كِتَابُ الْحَجْرِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: " كُلُّ طَلَاقٍ وَاقِعٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ"، قُلْتُ: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ2 فِي الطَّلَاقِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ، إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي الطَّلَاقِ. حَدِيثُ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ"، رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ، وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ. فَحَدِيثُ عَائِشَةَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادٍ
وَهُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبَرَ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْحُدُودِ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ1 فِي الطَّلَاقِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ الْمُسْتَدْرَكِ2 فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَلَمْ يُعِلَّهُ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا قَالَ: هُوَ أَقْوَى إسْنَادًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ، وَالْعِجْلِيُّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ سَعْدٍ، وَالْأَعْمَشُ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ. وَحَدِيثُ عَلِيٍّ لَهُ طُرُقٌ: فَأَمْثَلُهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ وَهُوَ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ حُصَيْنِ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِمَجْنُونَةِ بَنِي فُلَانٍ، وَقَدْ زَنَتْ، فَأَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِرَجْمِهَا، فَرَدَّهَا عَلِيٌّ، وَقَالَ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَرْجُمُ هَذِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أوَ ما تذكر قول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ"؟ قَالَ: صَدَقْتَ، فَخَلَّى عَنْهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْبُيُوعِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ أَبُو ظَبْيَانَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ، فَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ عَنْهُ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ، فَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ، وَتَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، وَخَالَفَهُ ابْنُ فُضَيْلٍ، وَوَكِيعٌ، فَرَوَاهُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ مَوْقُوفًا، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدَةَ4 عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ مَوْقُوفًا، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ أَبُو حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ مَوْقُوفًا، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ، فَقِيلَ:
عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا، قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، وَشَرِيكٌ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، وَرَوَاهُ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ مَرْفُوعًا، حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَأَبُو الْأَحْوَصِ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَوْلُ وَكِيعٍ، وَابْنِ فُضَيْلٍ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ أَبِي الضُّحَى، وَهُوَ مُسْلِمُ بْنُ صُبَيْحٍ بِضَمِّ الصَّادِ، وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ"، انْتَهَى. وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَابِعًا لِشَيْخِهِ زَكِيِّ الدِّينِ الْمُنْذِرِيِّ: أَبُو الضُّحَى لَمْ يُدْرِكْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، وَجَرِيرٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ قَدْ فَجَرَتْ، فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا، فَأَتَى عَلِيٌّ، فَأَخَذَهَا، فَخَلَّى سَبِيلَهَا، فَأُخْبِرَ عُمَرُ، فَقَالَ: اُدْعُوا لِي عَلِيًّا، فَجَاءَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَبْرَأَ"، وَأَنَّ هَذِهِ مَعْتُوهَةُ بَنِي فُلَانٍ، لَعَلَّ الَّذِي أَتَاهَا أَتَاهَا وَهِيَ فِي بَلَائِهَا، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَدْرِي، فَقَالَ عَلِيٌّ: وَأَنَا أَدْرِي، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الرَّجْمِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءٍ بِهِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَلَمْ يَرْجُمْهَا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ يَتَوَقَّفُ اتِّصَالُهَا عَلَى لِقَاءِ أَبِي ظَبْيَانَ لِعَلِيٍّ، وَعُمَرَ، لِأَنَّهُ حَكَى وَاقِعَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ شَاهَدَهَا، فَهِيَ مُحْتَمِلَةُ الِانْقِطَاعِ، وَلَكِنَّ الدَّارَقُطْنِيّ أَثْبَتَ لِقَاءَهُ لَهُمَا، فَسُئِلَ فِي عِلَلِهِ هَلْ لَقِيَ أَبُو ظَبْيَانَ عَلِيًّا، وَعُمَرَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَعَلَى تَقْدِيرِ الِاتِّصَالِ، فَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ: مَنْ سمع منه حديثاً حَدِيثًا، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيمًا قُبِلَ، فَلْيُنْظَرْ فِي هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ، وَحَالِ سَمَاعِهِمْ مِنْهُ، وَأَيْضًا فَهُوَ مَعْلُولٌ بِالْوَقْفِ، كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُصَيْنٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَكَسْرِ الصَّادِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ عَلِيٍّ، قَوْلُهُ: قَالَ النَّسَائِيُّ: وَأَبُو حُصَيْنٍ أَثْبَتُ مِنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ3 عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"يُرْفَعُ الْقَلَمُ عَنْ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ، وَالنَّائِمِ" انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، تَابِعًا لِشَيْخِهِ الْمُنْذِرِيِّ: الْقَاسِمُ هَذَا لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا، وَكَذَلِكَ فِي أَطْرَافِ ابْنِ عَسَاكِرَ. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1 فِي الْحُدُودِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الرَّجْمِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ، وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِلَ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَلَا نَعْرِفُ لِلْحَسَنِ سَمَاعًا مِنْ عَلِيٍّ، وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ، انتهى. وأخرجه االنسائي عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ. قَوْلَهُ: ثُمَّ قَالَ: وَحَدِيثُ يُونُسَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي أَطْرَافِهِ: قُلْت قَدْ رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ هُشَيْمِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ، فَرَفَعَهُ أَيْضًا، انْتَهَى. قُلْت: الرِّوَايَتَانِ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يَرْجُمَ مَجْنُونَةً، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الطِّفْلِ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَبْرَأَ، أَوْ يَعْقِلَ"، فَدَرَأَ عَنْهَا عُمَرُ، انْتَهَى. وَعَنْ هُشَيْمِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ الْمُصَابِ حَتَّى يُكْشَفَ عَنْهُ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 فِي الْحُدُودِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَصِحَّ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ"، انْتَهَى. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا حَمْدَانُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ، وَشَدَّادٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُسْلِمٍ الرَّازِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ عَلِيٍّ الزَّعْفَرَانِيُّ ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ بُرْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمْ ثَوْبَانُ، وَشَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ"، إلَى آخِرِ لَفْظِ السُّنَنِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ إلَّا حَدِيثَ عَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ وَالْمُكَاتَبُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ"، قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ1 فِي الطَّلَاقِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ الْغَافِقِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ سَيِّدِي زَوَّجَنِي أَمَتَهُ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، قَالَ: فَصَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ، وَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يُزَوِّجُ عَبْدَهُ أَمَتَهُ، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا، إنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ"، انْتَهَى. وَابْنُ لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمَهْرِيِّ، وَبَقِيَّةُ غَالِبُ شُيُوخِهِ مَجَاهِيلُ، وَهَذَا مِنْهُمْ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ مَمْلُوكٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ سَيِّدِي زَوَّجَنِي أَمَتَهُ، الْحَدِيثَ.
باب الحجر للفساد
بَابُ الْحَجْرِ لِلْفَسَادِ قَوْلُهُ: وَمِنْ مَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْقَارِنِ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا بَدَنَةٌ، وَهِيَ جَزُورٌ، أَوْ بَقَرَةٌ، وَلَا يُجْزِئُهُ شَاةٌ، قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ: لَا أَعْلَمُ الْهَدْيَ إلَّا مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يَنْحَرُ فِي الْحَجِّ إلَّا الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَمْ يَذْبَحْ لِذَلِكَ شَيْئًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ2 فِي الْحَجِّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ، بَدَنَةٌ، أَوْ بَقَرَةٌ، انْتَهَى. يَعْنِي قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ}
فصل في حد البلوغ
فَصْلٌ فِي حَدِّ الْبُلُوغِ قَوْلُهُ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} أَنَّ أَشُدَّ الصَّبِيِّ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَنُقِلَ عَنْ الْبَغَوِيّ1 أَنَّهُ قَالَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {حَتَّى إذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} نِهَايَةَ قُوَّتِهِ، وَغَايَةَ شَبَابِهِ، وَاسْتِوَائِهِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً إلَى أَرْبَعِينَ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي معجمه الوسط حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ لَبِيدٍ ثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا صَدَقَةُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خيثم عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى: {حَتَّى إذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} قَالَ: ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً، وَهُوَ الَّذِي رُفِعَ عَلَيْهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بن خيثم عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عباس في قوله: {حَتَّى إذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} قَالَ: تِسْعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً.
باب الحجر بسبب الدين
بَابُ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ: قَالَ عليه السلام: "لِصَاحِبِ الْحَقِّ يَدٌ وَلِسَانٌ"، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الصَّفَّارُ ثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ يد ولسان"، انْتَهَى. وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَبِي مُعَاوِيَةَ النَّيْسَابُورِيِّ ثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي عُتْبَةَ الْخَوْلَانِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِصَاحِبِ الْحَقِّ الْيَدُ وَاللِّسَانُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ3 فِي الِاسْتِقْرَاضِ، وَمُسْلِمٌ فِي الْبُيُوعِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يَتَقَاضَاهُ، فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: "دَعُوهُ، فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا"، انْتَهَى.
كتاب المأذون
كِتَابُ الْمَأْذُونِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ: قَالَ عليه السلام: "الزارع يتاجر ربه"، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا.
كتاب الغصب
كِتَاب الْغَصْب الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ"، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ، حَتَّى تُؤَدِّيَ"، ثُمَّ نَسِيَ الْحَسَنُ، فَقَالَ: هُوَ أَمِينُك لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْبُيُوعِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْعَارِيَّةِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَحْكَامِ1 وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِ قِصَّةُ الْحَسَنِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْبُيُوعِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، انْتَهَى. وَتَعَقَّبَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ فَقَالَ: وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، بَلْ هُوَ عَلَى شَرْطِ التِّرْمِذِيِّ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُثْبِتُ سَمَاعَ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْبُيُوعِ، وَقَالَ فِيهِ: حَتَّى يؤديه بِالْهَاءِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَهُوَ بِزِيَادَةِ الْهَاءِ مُوجِبٌ لِرَدِّ الْعَيْنِ مَا كَانَتْ قَائِمَةً، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ طَاهِرٍ، فِي كَلَامِهِ عَلَى أَحَادِيثِ الشِّهَابِ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يُخَرِّجَاهُ فِي الصَّحِيحِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ إلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ أَخِيهِ، لَاعِبًا، وَلَا جَادًّا، فَإِنْ أَخَذَهُ فَلْيَرُدَّهُ عَلَيْهِ"، قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ السَّائِبِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. فَحَدِيثُ يَزِيدَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ الْأَدَبِ فِي بَابِ الْمِزَاحِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي أَوَّلِ الْفِتَنِ2 عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ يَزِيدَ بْنِ السَّائِبِ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ جَادًّا، وَلَا لَاعِبًا، وَإِذَا أَخَذَ أَحَدُكُمْ عَصَا أَخِيهِ، فَلْيَرُدَّهَا عَلَيْهِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَالسَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ لَهُ صُحْبَةٌ، سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ غُلَامٌ، وَقُبِضَ عليه السلام، وَالسَّائِبُ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ، وَأَبُوهُ يَزِيدُ بْنُ السَّائِبِ هُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَى عَنْهُ أَحَادِيثَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَسَمَّى ابْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالْبُخَارِيُّ فِي كتابه المفرد في الأدب، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْفَضَائِلِ1 وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَابْنُهُ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَى عَنْهُ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: حَجَّ أَبِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ، قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: وَفِيهَا مَاتَ، وَهِيَ سَنَةُ إحْدَى وَتِسْعِينَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام فِي الشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ الْمَصْلِيَّةِ بِغَيْرِ رِضَاءِ صَاحِبِهَا: "أَطْعِمُوهَا الْأَسَارَى"، قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى. فَحَدِيثُ الرَّجُلِ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ2 فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ أَنْبَأَ عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى الْقَبْرِ يُوصِي الْحَافِرَ: " أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ"، فَلَمَّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَةٍ، فَجَاءَ وَجِيءَ بِالطَّعَامِ، فَوَضَعَ يَدَهُ، ثُمَّ وَضَعَ الْقَوْمُ، فَأَكَلُوا، فَنَظَرَ آبَاؤُنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُوكُ لُقْمَةً فِي فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: "إنِّي أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا"، فَأَرْسَلَتْ الْمَرْأَةُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَرْسَلْتُ إلَى الْبَقِيعِ لِيُشْتَرَى لِي شَاةٌ، فَلَمْ أَجِدْ، فَأَرْسَلْت إلَى جَارٍ لِي قَدْ اشْتَرَى شَاةً أَنْ أَرْسِلْ إلَيَّ بِثَمَنِهَا، فَلَمْ يُوجَدْ، فَأَرْسَلْتُ إلَى امْرَأَتِهِ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا إلَيَّ، فَقَالَ عليه السلام: "أَطْعِمِيهِ الْأَسَارَى"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو ثَنَا أَبُو إسْحَاقَ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَ، فَذَكَرَهُ، وَهَذَا سَنَدُ الصَّحِيحِ، إلَّا أَنَّ كُلَيْبَ بْنَ شِهَابٍ3 وَالِدَ عَاصِمٍ لَمْ يُخَرِّجَا لَهُ فِي الصَّحِيحِ، وَخَرَّجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْئِهِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَقَالَ فِيهِ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَلَا يَضُرُّهُ قَوْلُ أَبِي دَاوُد: عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ بِهِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ:
وَلَوْ كَانَ هَذَا اللَّحْمُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ الْأَوَّلِ، لَمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطْعَمَ لِلْأَسَارَى، وَلَكِنْ لَمَّا رَآهُ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْأَوَّلِ، وَصَارَ مَضْمُونًا عَلَى الَّذِي أَخَذَهُ، أَمَرَ بِإِطْعَامِهِ لِأَنَّ مَنْ ضَمِنَ شَيْئًا فَصَارَ لَهُ مِنْ وَجْهِ غَصْبٍ، فَإِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، وَلَا يَأْكُلَهُ، وَكَذَلِكَ رِبْحُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 فِي الضَّحَايَا عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ الرَّبِيعِ ثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ بِهِ، وَحُمَيْدَ بن الربيع هو الخزار بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ، وَزَايٍ مُكَرَّرَةٍ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: كَذَّابٌ، وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ فَقَالَ: وَثَّقَهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَقَدْ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ بِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي حَنِيفَةَ: مِنْ أَيْنَ أَخَذْت قَوْلَك فِي الرَّجُلِ يَعْمَلُ فِي مَالِ الرَّجُلِ بِغَيْرِ إذْنِهِ: إنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ؟ قَالَ: أَخَذْتُهُ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ هَذَا، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ الطَّائِيُّ ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ ثَنَا أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَارَ قَوْمًا مِنْ الْأَنْصَارِ فِي دَارِهِمْ، فَذَبَحُوا لَهُ شَاةً، فَصَنَعُوا لَهُ مِنْهَا طَعَامًا، فَأَخَذَ مِنْ اللَّحْمِ شَيْئًا لِيَأْكُلَهُ، فَمَضَغَهُ سَاعَةً لَا يَسِيغُهُ، فَقَالَ: "مَا شَأْنُ هَذَا اللَّحْمِ"؟ قَالَ: شَاةٌ لِفُلَانٍ ذَبَحْنَاهَا، حَتَّى يَجِيءَ نُرْضِهِ مِنْ ثَمَنِهَا، فَقَالَ عليه السلام: "أَطْعِمُوهَا الْأَسَارَى"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ في معجمه الوسط حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ الطَّائِيُّ ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ بِهِ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْغَاصِبَ يَمْلِكُ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ إذَا غَيَّرَهَا تَغَيُّرًا يُخْرِجُهَا عَنْ أَصْلِهَا، وَوَجْهُ الْحُجَّةِ أَنَّ مِلْكَ صَاحِبِهَا زَالَ عَنْهَا بِذَلِكَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ يَأْمُرُ بِرَدِّهَا عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ الْخَصْمُ بِحَدِيثِ: " لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهِ"، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي الْبُيُوعِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ حَارِثَةَ الضُّمَيْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ، قَالَ: شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى، فَسَمِعْته يَقُولُ: "لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ"، فَقُلْت لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ لَقِيتُ غَنَمَ ابْنِ عَمٍّ لِي، فَأَخَذْتُ مِنْهَا شَاةً، فَاجْتَزَرْتُهَا2 أَعَلَيَّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، قَالَ: "إنْ لَقِيتهَا تَحْمِلُ شَفْرَةً وَأَزْنَادًا، فَلَا تَمَسَّهَا"، انْتَهَى. وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَأُخْرِجَ نَحْوُهُ عَنْ أَنَسٍ بِإِسْنَادَيْنِ: فِي الْأَوَّلِ مَجَاهِيلُ، وَفِي الثَّانِي عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ"، قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ
سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ، وَمِنْ حَدِيثِ رَجُلٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ. فَحَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْخَرَاجِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْأَحْكَامِ1 وَالنَّسَائِيُّ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ ثَنَا أَيُّوبُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أحيى أَرْضًا مَيِّتَةً، فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا، انْتَهَى. قُلْتُ: مِنْهُمْ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ2 قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّقَصِّي: أَرْسَلَهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ هِشَامٌ: الْعِرْقُ الظَّالِمُ أَنْ يَغْرِسَ الرَّجُلُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، فَيَسْتَحِقَّهَا بِذَلِكَ، وَقَالَ مَالِكٌ: الْعِرْقُ الظَّالِمُ كُلُّ مَا أُخِذَ، وَاحْتُفِرَ، وَغُرِسَ بِغَيْرِ حَقٍّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هِشَامٍ، فَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَابَعَهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَقَالَ: يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الرَّجُلِ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، قَالَ عُرْوَةُ: فَلَقَدْ خَبَّرَنِي الَّذِي حَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي لَفْظٍ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ أَبُو سَعِيدٍ: أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَرْضٍ، غَرَسَ أَحَدُهُمَا فِيهَا نَخْلًا، وَالْأَرْضُ لِلْآخَرِ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَرْضِ لِصَاحِبِهَا، وَأَمَرَ صَاحِبَ النَّخْلِ أَنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ، وَقَالَ: "لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ"، قَالَ: فَلَقَدْ أَخْبَرَنِي الَّذِي حَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ رَأَى النَّخْلَ تُقْلَعُ أُصُولُهَا بِالْفُؤُوسِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ4 حَدَّثَنَا زَمْعَةُ عَنْ الزُّهْرِيِّ
عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائشة، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْبِلَادُ بِلَادُ اللَّهِ، وَالْعِبَادُ عِبَادُ الله، ومن أحيى مِنْ مَوَاتِ الْأَرْضِ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ"، انْتَهَى. وَمِنْ طريق الطيالسي الدارقطني فِي سُنَنِهِ، وَالْبَزَّارِ فِي مُسْنَدِهِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي معجمه الوسط عَنْ رَوَّادِ بْنِ الْجَرَّاحِ ثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا يُوسُفُ الْقَاضِي ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: إنَّهُ مِنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: فَأَخْرَجَهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ أحيى أَرْضًا مَوَاتًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا حَقُّ مُسْلِمٍ، فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ"، انْتَهَى: وَأَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِكَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَضَعَّفَاهُ عَنْ النَّسَائِيّ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ تَضْعِيفًا شَدِيدًا. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ1: وَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَلَهُ نَفَقَتُهُ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الزرع شي، فَقَضَى عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ بِنَفَقَةِ الزَّارِعِ، وَجَعَلَ الزَّرْعَ لِرَبِّ الْأَرْضِ"، قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزَّرْعِ وَالنَّخْلِ أَنَّ الزَّرْعَ إنَّمَا يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ سَنَةً، فَإِذَا انْقَضَتْ السَّنَةُ رَجَعَتْ الْأَرْضُ إلَى رَبِّهَا، وَصَارَ لِلْآخَرِ نَفَقَتُهُ، فَصَارَ هَذَا أَرْشَدَ مِنْ قَلْعِ الزَّرْعِ بَقْلًا، وَلَيْسَ النَّخْلُ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ مُؤَبَّدٌ فِي الْأَرْضِ، وَلَا وَقْتَ يُنْتَظَرُ لِقَلْعِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِتَأْخِيرِ نَزْعِهَا وَجْهٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
كتاب الشفعة
كِتَابُ الشُّفْعَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "الشُّفْعَةُ لِشَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ"، قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبْعَةٍ، أَوْ حَائِطٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ، وَلَمْ يُؤْذِنْهُ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: لَمْ يَقُلْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: لَمْ يَقْسِمْ، إلَّا ابْنُ إدْرِيسَ، وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ، انْتَهَى، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شِرْكٍ فِي أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ، لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يَعْرِضَ عَلَى شَرِيكِهِ، فَيَأْخُذَ أَوْ يَدَعَ، فَإِنْ أَبَى، فَشَرِيكُهُ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يُؤْذِنَهُ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ وَالْأَرْضِ، يُنْتَظَرُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا"، قُلْت: هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ حَدِيثَيْنِ، فَصَدْرُ الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْبُيُوعِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْأَحْكَامِ2 وَالنَّسَائِيُّ فِي الشُّرُوطِ، فَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِدَارِ الْجَارِ، وَالْأَرْضِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِمْ: جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ الدَّارِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ، انْتَهَى. وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْجَارِ الَّذِي يَكُونُ شَرِيكًا، دُونَ الْجَارِ الَّذِي لَيْسَ بِشَرِيكٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْبَرْنَا، وَأُسْنِدَ عَنْ عَمْرِو الشَّرِيدِ، قَالَ: كُنْت مَعَ سعيد بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، فَجَاءَ أَبُو رَافِعٍ
مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ1: اشْتَرِ مِنِّي بَيْتِي الَّذِي فِي دَارِكَ، فَقَالَ: لَا، إلَّا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ مُنَجَّمَةٍ، فَقَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ مَا بِعْتُكَهَا، لَقَدْ أُعْطِيتُ بِهَا بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ"، انْتَهَى. قُلْتُ: هَذَا مُعَارَضٌ بِمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْضِي لَيْسَ فِيهَا لِأَحَدٍ شِرْكٌ، وَلَا قِسْمٌ، إلَّا الْجِوَارُ، فَقَالَ: الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ مَا كَانَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ: وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ جَمَعَ بَيْنَ الطرفين، أَعْنِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَعَنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 وَقَالَ: وَهَمَ فِيهِ عِيسَى بْنُ يُونُسَ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، هَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَةُ، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَقَدْ مَالَا بِهَذَا الْقَوْلِ عَلَى عِيسَى بْنِ يُونُسَ، فَإِنَّهُ ثِقَةٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ جَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، أَعْنِي عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ سَمُرَةَ، وَقَدْ وَرَدَ مَا يُعَضِّدُ ذَلِكَ، قَالَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَبِهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا، فَذَكَرَهُ، قَالَ: وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ ثِقَةٌ، فَوَجَبَ تَصْحِيحُ ذَلِكَ عَنْهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ4 حَدَّثَنَا عَفَّانَ ثَنَا هَمَّامٌ أَنْبَأَ قَتَادَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْد الثَّقَفِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ مِنْ غَيْرِهِ"، انْتَهَى. وَبَقِيَّةُ الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ5 عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ، يُنْتَظَرُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ طريقهما واحد"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ عِنْدَ
أَهْلِ الْحَدِيثِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ شُعْبَةَ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ1 انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُخَافُ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْفُوظًا، وَأَبُو سَلَمَةَ حَافِظٌ، وَكَذَلِكَ أَبُو الزُّبَيْرِ، وَلَا يُعَارَضُ حَدِيثُهُمَا بِحَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَقَالَ يَحْيَى: لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ إلَّا عَبْدُ الْمَلِكِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ، تَفَرَّدَ بِهِ، وَيُرْوَى عَنْ جَابِرٍ خِلَافُ هَذَا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْمَشْهُورَةِ، وَهِيَ الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ إذَا كَانَ طَرِيقُهَا وَاحِدًا، وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْمَشْهُورُ لَمْ يُنْفَ فِيهِ اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ، إلَّا بِشَرْطِ تَصَرُّفِ الطُّرُقِ، فَيَقُولُ: إذَا اشْتَرَطَ الْجَارَانِ فِي الْمَنَافِعِ، كَالْبِئْرِ، أَوْ السَّطْحِ، أَوْ الطَّرِيقِ، فَالْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِ جَارِهِ، لِحَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَإِذَا لَمْ يَشْتَرِكَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَنَافِعِ، فَلَا شُفْعَةَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَشْهُورِ، وَطَعْنُ شُعْبَةَ فِي عَبْدِ الْمَلِكِ بِسَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ، لَا يَقْدَحُ فِيهِ، فَإِنَّهُ ثِقَةٌ، وَشُعْبَةُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْحُذَّاقِ فِي الْفِقْهِ، لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، إذَا ظَهَرَ تَعَارُضُهَا، إنَّمَا كَانَ حَافِظًا، وَغَيْرُ شُعْبَةَ إنَّمَا طَعَنَ فِيهِ تَبَعًا لِشُعْبَةَ، وَقَدْ احْتَجَّ بِعَبْدِ الْمَلِكِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَا إنَّمَا لَمْ يُخَرِّجَا حَدِيثَهُ هَذَا لِتَفَرُّدِهِ بِهِ، وَإِنْكَارِ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِ فِيهِ، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ رَأْيًا لِعَطَاءٍ، أَدْرَجَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْحَدِيثِ، وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَالْعِجْلِيُّ، وَقَالَ الْخَطِيبُ: لَقَدْ أَسَاءَ شُعْبَةُ، حَيْثُ حَدَّثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ، وَتَرَكَ التَّحْدِيثَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، فَإِنَّ الْعَرْزَمِيَّ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْأَثَرِ فِي سُقُوطِ روايته، وعبد الملك ثناءهم عَلَيْهِ مُسْتَفِيضٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا سَقَبُهُ؟ قَالَ: "شُفْعَتُهُ"، وَيُرْوَى: أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ، قُلْتُ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ2 عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ"، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَيُرْوَى: أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ، تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ: الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ يُنْتَظَرُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، الْحَدِيثَ، وَبِالرِّوَايَتَيْنِ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْجَارُ
أَحَقُّ بِسَقَبِهِ"، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الْمُحَارِبِيُّ، وَغَيْرُهُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ"، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ1 وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ قِيلَ لِعَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ: مَا السَّقَبُ؟ قَالَ: الْجِوَارُ، وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ قَالَ: الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ يَعْنِي شُفْعَتَهُ، انْتَهَى. قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ: الصَّقَبُ بِالصَّادِ، مَا قَرُبَ مِنْ الدَّارِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: سَقَبٌ، فَيَكُونُ السِّينُ عِوَضَ الصَّادِ، لِأَنَّ فِي آخِرِ الكلمة قاف، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي آخِرِ الْكَلِمَةِ خَاءٌ، أَوْ غَيْنٌ، أَوْ طَاءٌ، فَيَقُولُ: صَخْرٌ وَسَخْرٌ، وَصَدْغٌ وَسَدْغٌ، وَسَطْرٌ وَصَطْرٌ، فَإِنْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْحُرُوفُ الْأَرْبَعَةُ السِّينَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، فَلَا يُقَالُ: خَصْرٌ وَخَسْرٌ، وَلَا قَصْبٌ وَلَا قَسْبٌ، وَلَا غَرْسٌ وَلَا غَرْصٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ2. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: " الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ، وَضُرِبَتْ الطُّرُقُ، فَلَا شُفْعَةَ"، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ، وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ، فَلَا شُفْعَةَ، انتهى. لَفْظِ الْبُخَارِيِّ: إنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ، الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَكَذَلِكَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا، فَفِي نَفْيِ الشُّفْعَةِ بَعْدَ الْأَمْرَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِهَا قَبْلَ صَرْفِ الطُّرُقِ، وَإِنْ حُدَّتْ الْحُدُودُ فَقَدْ وَافَقَ مَا رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمِ: الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ، يُنْتَظَرُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ
طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ1: مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، قَالَ الطَّحَاوِيُّ2 الْأَثْبَاتُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ رَوَوْهُ مُرْسَلًا، ثُمَّ رَفَعُوهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَوْلُهُ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ، هُوَ رَأْيٌ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "الشَّرِيكُ أَحَقُّ مِنْ الْخَلِيطِ، وَالْخَلِيطُ أَحَقُّ مِنْ الشَّفِيعِ"، قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ، وَقَالَ، إنَّهُ حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الشَّفِيعُ أَوْلَى مِنْ الْجَارِ، وَالْجَارُ أَوْلَى مِنْ الْجُنُبِ"، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَهِشَامٌ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا بَأْسَ بِحَدِيثِهِ، انْتَهَى. قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ بِهِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ3 فِي أَثْنَاءِ الْبُيُوعِ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: الْخَلِيطُ أَحَقُّ مِنْ الشَّفِيعِ، وَالشَّفِيعُ أَحَقُّ مِنْ الْجَارِ، وَالْجَارُ مِمَّنْ سِوَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: الْخَلِيطُ أَحَقُّ مِنْ الْجَارِ، وَالْجَارُ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: الشَّرِيكُ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرِيكٌ، فَالْجَارُ، وَالْخَلِيطُ أَحَقُّ مِنْ الشَّفِيعِ، وَالشَّفِيعُ أَحَقُّ مِمَّنْ سِوَاهُ، انْتَهَى.
باب طلب الشفعة
بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ: قَالَ عليه السلام: "الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا"، قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ مِنْ قَوْلِ شُرَيْحٍ: إنَّمَا الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ السَّرَقُسْطِيُّ فِي كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ فِي بَابِ كَلَامِ التَّابِعِينَ وَهُوَ آخِرُ الْكِتَابِ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ4 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ"، انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ فِي الْأَحْكَامِ، رواه الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ رَوَاهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى، وَزَادَ فِيهِ: وَمَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ فَهُوَ حُرٌّ، وَهُوَ مَوْلَى اللَّهِ، وَرَسُولِهِ، وَالنَّاسُ عَلَى شروطهم ماوافق الْحَقَّ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ عِنْدَ الْبَزَّارِ فِي حَدِيثِ الشُّفْعَةِ، وَلَكِنَّهُ أَوْرَدَ حَدِيثَ الْعَبْدِ، بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ حَدِيثًا، وَأَوْرَدَ أَمْرَ الشُّرُوطِ حَدِيثًا، وَأَظُنُّ أَنَّ ابْنَ حَزْمٍ لَمَّا وَجَدَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِإِسْنَادٍ وَاحِدٍ لَفَّقَهُ حَدِيثًا، وَأَخَذَ تَشْنِيعًا عَلَى الْخُصُومِ الْآخِذِينَ لِبَعْضِ مَا رُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، التَّارِكِينَ لِبَعْضِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ بِلَفْظِ ابْنِ مَاجَهْ، وَضُعِّفَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَضُعِّفَ شَيْخُهُ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَاعْلَمْ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَارِثِ هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا، وَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا من ابن الْبَيْلَمَانِيَّ، وَأَبِيهِ، قَالَ فِيهِ الْفَلَّاسُ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ أَحْسَنَ مِنْ قَوْلِ الْبَزَّارِ فِيهِ: رَجُلٌ مَشْهُورٌ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَإِنَّمَا أَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
باب ما تجب فيه الشفعة
بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: " الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، عَقَارٍ، أَوْ رَبْعٍ"، قُلْتُ: رَوَى إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ1 أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الشَّرِيكُ شَفِيعٌ، وَالشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ"، انْتَهَى. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْآثَارِ2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ بْنُ رَاشِدٍ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ ثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ الْأَوْدِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، انْتَهَى. وَمِنْ جِهَةِ الطَّحَاوِيِّ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، وَزَادَ فِي إسْنَادِهِ: هُوَ القراطيسي يعني يزيد بْنَ عَدِيٍّ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَهُوَ وَهْمٌ فِيهِ، لَيْسَ فِي كِتَابِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَكِنَّهُ قَلَّدَ فِيهِ ابْنَ حَزْمٍ، وَقَدْ وَجَدْنَا لِابْنِ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ، مِثْلَ تَفْسِيرِهِ حَمَّادَ، بِأَنَّهُ ابْنُ زَيْدٍ، وَيَكُونُ ابْنُ سَلَمَةَ، وَالرَّاوِي عَنْهُ مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، وَتَفْسِيرُهُ شَيْبَانُ، بِأَنَّهُ ابْنُ فَرُّوخَ، وَإِنَّمَا هُوَ النَّحْوِيُّ، وَهُوَ قَبِيحٌ، فَإِنَّ طَبَقَتَهُمَا لَيْسَتْ وَاحِدَةً، وَتَفْسِيرُهُ دَاوُد عَنْ
الشَّعْبِيِّ، بِأَنَّهُ الطَّائِيُّ، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ قَدْ بَيَّنَّاهُ. وَضَمَّنَّاهُ بَابًا مُفْرَدًا، فِيمَا نَظَرْنَا بِهِ مَعَهُ كِتَابَ الْمُحَلَّى، والْقَرَاطِيسِيُّ إنَّمَا هُوَ يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، وَهَذَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ أَخُو زَكَرِيَّا بْنِ عَدِيٍّ، كُوفِيٌّ، نَزَلَ مِصْرَ، يَرْوِي عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَغَيْرِهِ، وَرَوَى عَنْهُ الرَّازِيَّانِ، قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَوَثَّقَهُ هُوَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَمَّا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ، وَهُوَ أَيْضًا ثِقَةٌ، جَلِيلٌ مِصْرِيٌّ، ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي تَارِيخِ الْمِصْرِيِّينَ تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَقَدْ رَأَى الشَّافِعِيَّ، وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي رَبْعٍ، أَوْ حَائِطٍ"، قُلْتُ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عن ابن الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يَسْتَأْمِرَ صَاحِبَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ بِهَذَا اللَّفْظِ إلَّا جَابِرٌ، انْتَهَى.
كِتَابُ الْقِسْمَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاشَرَ الْقِسْمَةَ فِي الْمَغَانِمِ وَالْمَوَارِيثِ، وَجَرَى التَّوَارُثُ بِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، قُلْت: أَمَّا قِسْمَةُ الْمَغَانِمِ، وَأَمَّا قِسْمَةُ الْمَوَارِيثِ، فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ1 عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ عَنْ ابْنَةٍ، وَابْنَةِ ابْنٍ، وَأُخْتٍ، فَقَالَ: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَسَيُتَابِعُنِي، فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أبي موسى، فقال لقد ضَلَلْت إذًا، وَمَا أَنَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ، أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِلِابْنَةِ النِّصْفُ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ، تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ، فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى، فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ امْرَأَةَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ سَعْدًا هَلَكَ، وَتَرَكَ ابْنَتَيْنِ،
كتاب القسمة
وَأَخَاهُ، فَعَمَدَ أَخُوهُ، فَقَبَضَ مَا تَرَكَ سَعْدٌ، وَإِنَّمَا تُنْكَحُ النِّسَاءُ عَلَى أَمْوَالِهِنَّ، فَقَالَ عليه السلام: "اُدْعُ لِي أَخَاهُ"، فَجَاءَ، فَقَالَ: ادْفَعْ إلَى ابْنَتَيْهِ الثُّلُثَيْنِ، وَإِلَى امْرَأَتِهِ الثُّمُنَ، وَلَك مَا بَقِيَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنَةِ حَمْزَةَ، قَالَتْ: مَاتَ مَوْلَى لِي، وَتَرَكَ ابْنَةً، فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَهُ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنَتَهُ، فَجَعَلَ لِي النِّصْفَ، وَلَهَا النِّصْفَ، انْتَهَى. وَفِيهِ كَلَامٌ، تَقَدَّمَ فِي الْوَلَاءِ.
كتاب المزارعة
كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ، أَوْ زَرْعٍ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ، أَوْ زَرْعٍ، وَفِي لَفْظٍ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ سَأَلَ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقِرَّهُمْ فِيهَا عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نُقِرُّكُمْ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا"، وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ1وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد فِي الْبُيُوعِ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَحْكَامِ، وَفِي لَفْظٍ2 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إخْرَاجَ الْيَهُودَ مِنْهَا، فَسَأَلَتْ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا عَلَى أَنْ يَكْفُوهُ عَمَلَهَا، وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ عليه السلام: "نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا"، فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ إلَى تَيْمَاءَ وَأَرْيِحَاءَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ3 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَتْ الْأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إخْوَانِنَا النَّخْلَ، قَالَ: "لَا"، قَالَ، فَتَكْفُونَنَا الْمُؤْنَةَ، وَنُشْرِكُكُمْ فِي الثَّمَرَةِ، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. فَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُخَابَرَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ، قَالَ عَطَاءٌ: فَسَّرَهَا لَنَا جَابِرٌ، قَالَ: أَمَّا الْمُخَابَرَةُ: فَالْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ يَدْفَعُهَا الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ، فَيُنْفِقَ فِيهَا، ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْ الثَّمَرِ، وَالْمُحَاقَلَةُ: بَيْعُ الزَّرْعِ الْقَائِمِ بِالْحَبِّ، كَيْلًا، وَالْمُزَابَنَةُ: بَيْعُ الرُّطَبِ فِي النَّخْلِ بِالتَّمْرِ، كَيْلًا، مُخْتَصَرٌ. وَحَدِيثُ رَافِعٍ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا نُخَابِرُ، وَلَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، حَتَّى زَعَمَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ، فَتَرَكْنَاهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِأَجْلِ خُصُومَاتٍ وَقَعَتْ بَيْنَهُمْ، بِدَلِيلِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ3 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَصَدْرًا مِنْ إمَارَةِ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ حَدَّثَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ، فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ إلَى رَافِعٍ، فَذَهَبْت مَعَهُ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: نَهَى عليه السلام عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ عَلِمْت أَنَّا كُنَّا نُكْرِي مَزَارِعَنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا عَلَى الْأَرْبِعَاءِ، وَبِشَيْءٍ مِنْ التِّبْنِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ سَمِعَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، قَالَ: كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُزْدَرَعًا، كُنَّا نُكْرِي الْأَرْضَ بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا مُسَمًّى لِسَيِّدِ الْأَرْضِ، فَرُبَّمَا يُصَابُ ذَلِكَ، وَتَسْلَمُ الْأَرْضُ، وَرُبَّمَا يَسْلَمُ ذَلِكَ، وَتُصَابُ الْأَرْضُ، فَنُهِينَا، وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ4 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ
أَنَا وَاَللَّهِ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ، إنَّمَا أَتَى رَجُلَانِ قَدْ اقْتَتَلَا، فَقَالَ عليه السلام: "إنْ كَانَ هَذَا شَأْنَكُمْ فَلَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ"، فَسَمِعَ رَافِعٌ قَوْلَهُ: "لَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ"، انْتَهَى. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. الثَّانِي: أَنَّهُمْ كَانُوا يُكْرُونَ بِمَا يَخْرُجُ عَلَى الْأَرْبِعَاءِ، وَهُوَ جَوَانِبُ الْأَنْهَارِ، وَمَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَذَلِكَ يُفْسِدُ الْعَقْدَ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَأَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَرْضَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا أَجْرًا مَعْلُومًا"، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُزَارَعَةِ فِي مُسْلِمٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَةِ، وَأَمَرَنَا بِالْمُؤَاجَرَةِ، وَقَالَ: "لَا بَأْسَ بِهَا"، انْتَهَى.
كتاب المساقاة
كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ حَدِيثُ: مُعَامَلَةِ أَهْلِ خَيْبَرَ تَقَدَّمَ.
كتاب الذبائح
كِتَابُ الذَّبَائِحِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "زكاة الْأَرْضِ يَبَسُهَا"، تَقَدَّمَ فِي الْأَنْجَاسِ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ، غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ، وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى مَجُوسِ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ، فَمَنْ أَسْلَمَ قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ، وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَمَعَ إرْسَالِهِ فَفِيهِ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَهُوَ ابْنُ الرَّبِيعِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَهُوَ مِمَّنْ سَاءَ حِفْظُهُ بِالْقَضَاءِ، كَشَرِيكٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ1 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَكَمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى مَجُوسٍ هَجَرَ
يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَبَوْا عَرَضَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ، بِأَنْ لَا تُنْكَحَ نساءهم، وَلَا تُؤْكَلَ ذَبَائِحُهُمْ، وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَالْوَاقِدِيُّ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ. قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا، فَمَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلِيٍّ أَنَّهُ يَحِلُّ، قُلْت: ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ أَنَّ قَصَّابًا ذَبَحَ شَاةً، وَنَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا، فَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ غُلَامًا لَهُ أَنْ يَقُومَ عِنْدَهُ، فَإِذَا جَاءَ إنْسَانٌ يَشْتَرِي، يَقُولُ لَهُ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لَكَ: إنَّ هَذِهِ شَاةٌ، لَمْ تُذَكَّ، فَلَا تَشْتَرِ مِنْهَا شَيْئًا، وَذُكِرَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَطَاوُسٍ، وَقَالُوا: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا نُسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ عَلَيْهِ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَقَالُوا: إنَّمَا هِيَ عَلَى الْمِلَّةِ، انْتَهَى. وَفِي الْمُوَطَّإِ1 مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ الَّذِي يَنْسَى أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى ذَبِيحَتِهِ، فَقَالَ: يُسَمِّي اللَّهَ وَيَأْكُلُ، وَلَا بَأْسَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: " الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَفِي مَعْنَاهُ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمُسْلِمُ يَكْفِيهِ اسْمُهُ، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ حِينَ يَذْبَحُ فَلْيُسَمِّ، وَلْيَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، ثُمَّ لْيَأْكُلْ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: لَيْسَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِيهِ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، وَكَانَ صَدُوقًا صَالِحًا، لَكِنَّهُ كَانَ شَدِيدَ الْغَفْلَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ لَكِنَّهُ أَخْطَأَ فِي رَفْعِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ3 وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ4 عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَغَيْرُهُ، فَزَادَا فِي إسْنَادِهِ أَبَا الشَّعْثَاءِ، وَوَقَفَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: مَعْقِلٌ هَذَا مَجْهُولٌ، وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، فَقَالَ: بَلْ هُوَ مَشْهُورٌ، وَهُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَزَرِيُّ، أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ فِيهِ، فَمَرَّةً وَثَّقَهُ،
وَمَرَّةً ضَعَّفَهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الضُّعَفَاءِ فَقَالَ: مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَزَرِيُّ يَرْوِي عَنْ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ، قَالَ يَحْيَى: ضَعِيفٌ، لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ الْجَزَرِيُّ هُوَ ابْنُ أَبِي فَرْوَةَ الرَّهَاوِيُّ، قَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، هَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْت: أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْحَجِّ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ حَدَّثَنَا عَيْنٌ يَعْنِي عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إنَّ فِي الْمُسْلِمِ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ ذَبَحَ وَنَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ، فَلْيَأْكُلْ، وَإِنْ ذَبَحَ الْمَجُوسِيُّ، وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ، فَلَا تَأْكُلْ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا1 عَنْ مَرْوَانَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرَّجُلُ مِنَّا يَذْبَحُ وَيَنْسَى أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ، قَالَ: "اسْمُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ"، وَفِي لَفْظٍ: "عَلَى فَمِ كُلِّ مُسْلِمٍ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَمَرْوَانُ بْنُ سَالِمٍ ضَعِيفٌ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ أَيْضًا بِهِ، وَقَالَ: هُوَ مَرْوَانُ بْنُ سَالِمٍ الْغِفَارِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَيْسَ بِمَرْوَانَ بْنِ سَالِمٍ الْمَكِّيِّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عن أحمد، والنسائي، وواقفهما، وَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابِعُهُ الثِّقَاتُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: مُرْسَلٌ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الصَّلْتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: "ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ"، انْتَهَى2 قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَفِيهِ مَعَ الْإِرْسَالِ أَنَّ الصَّلْتَ السَّدُوسِيَّ لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ، وَلَا يُعْرَفُ بِغَيْرِ هَذَا، وَلَا رَوَى عَنْهُ غَيْرُ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، انْتَهَى. وَلَمْ يُعِلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ إلَّا بِالْإِرْسَالِ، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِلْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ قَوْمًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ، لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَمْ لَا، فَقَالَ: "سَمُّوا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَكُلُوا"، قَالَتْ:
وَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبِ غَيْرِك، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي، وَأُسَمِّي، فَقَالَ: "إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك، وَسَمَّيْت، فَأَخَذَ، فَقَتَلَ، فَكُلْ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ"، قُلْت: إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ، لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَهُ، فَقَالَ: "لَا تَأْكُلْ فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ"، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي الصَّيْدِ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الذَّبْحِ: "اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ هَذِهِ، عَنْ أُمَّتِي مِمَّنْ شَهِدَ لَك بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَلِيَ بِالْبَلَاغِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الضَّحَايَا2 عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ، فَقَالَ لَهَا: "يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ"، ثُمَّ قَالَ: "اسْتَحِدِّيهَا بِحَجَرٍ"، فَفَعَلَتْ، فَأَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ، فَأَضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ"، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ، انْتَهَى. وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِالْوَاوِ، وَقَالَ: فَأَضْجَعَهُ وَذَبَحَهُ، وَقَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ"، وَلَيْسَ فِيهِ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا ضَحَّى اشْتَرَى كَبْشَيْنِ، أَمْلَحَيْنِ، أَقْرَنَيْنِ، فَإِذَا خَطَبَ وَصَلَّى، ذَبَحَ أَحَدَ الْكَبْشَيْنِ بِنَفْسِهِ بِالْمُدْيَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعًا، مَنْ شَهِدَ لَك بِالتَّوْحِيدِ، وَشَهِدَ لِي بِالْبَلَاغِ"، ثُمَّ أُتِيَ بِالْآخَرِ، فَذَبَحَهُ، وقال: "الله هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ"، ثُمَّ يُطْعِمُهُمَا الْمَسَاكِينَ، وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا، فَمَكَثْنَا سِنِينَ قَدْ كَفَانَا اللَّهُ الْغُرْمَ، وَالْمُؤْنَةَ، لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يُضَحِّي، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: جَرِّدُوا التَّسْمِيَةَ، قُلْت: غَرِيبٌ. قَوْلُهُ: وَمَا تَدَاوَلَتْهُ الْأَلْسُنُ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} ، قُلْت: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي
الْمُسْتَدْرَكِ فِي الذَّبَائِحِ1 مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} قَالَ: قِيَامًا عَلَى ثَلَاثَةِ قَوَائِمَ مَعْقُولَةٍ، يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَعِنْدَهُ فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَخْرَجَهُ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} قَالَ: إذَا أَرَدْت أَنْ تَنْحَرَ الْبَدَنَةَ، فَأَقِمْهَا، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، مِنْك وَلَك، ثُمَّ سَمِّ، ثُمَّ انْحَرْهَا، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ أَيْضًا، وَلَقَدْ حَجَّرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى نَفْسِهِ، فَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ2 فِي الضَّحَايَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، يَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ، وَيُسَمِّي، وَيُكَبِّرُ، وَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ، وَالْبُخَارِيِّ3 وَيَقُولُ: "بِسْمِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ"، انْتَهَى. إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الِاسْتِدْلَالَ بِالْقُرْآنِ مُفَسَّرًا بِقَوْلِ صَحَابِيٍّ، فَيَكُونُ حَسَنًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: " الذَّكَاةُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ4 عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَّامٍ الْعَطَّارِ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلُ الْخُزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدَيْلُ بْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ، يَصِيحُ فِي فِجَاجِ مِنًى: أَلَا إنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: هَذَا إسْنَادٌ ضَعِيفٌ بِمُرَّةَ: وَسَعِيدُ بْنُ سَلَّامٍ أَجْمَعَ الْأَئِمَّةُ عَلَى تَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَكَذَّبَهُ ابْنُ نُمَيْرٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: يُذْكَرُ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يُحَدِّثُ بِالْأَبَاطِيلِ، مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ عَبَّدَ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلَى عُمَرَ: الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت"، قُلْت: غَرِيبٌ، لَمْ يُحْسِنْ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ إذْ اسْتَشْهَدَ لَهُ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ5
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت أَحَدَنَا يُصِيبُ صَيْدًا، وَلَيْسَ مَعَهُ سِكِّينٌ، أَيُذْبَحُ بِالْمَرْوَةِ، وَشِقَّةِ الْعَصَا؟ فَقَالَ: "أَمْرِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت، وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ"، انْتَهَى. فَإِنَّ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الِاسْتِدْلَال عَلَى قَطْعِ الْعُرُوقِ الْأَرْبَعَةِ، أَوْ الثَّلَاثَةِ، قَالَ: لِأَنَّ الْأَوْدَاجَ جَمْعٌ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ، وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ عَلَى إرَاقَةِ الدَّمِ بِغَيْرِ السِّكِّينِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الذَّبْحِ بِاللِّيطَةِ، فَقَالَ: "كُلُّ مَا أَفْرَى الْأَوْدَاجَ، إلَّا سِنًّا أَوْ ظُفُرًا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ1 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ مَا أَفْرَى الْأَوْدَاجَ مَا لَمْ يَكُنْ قَرْضَ سِنٍّ، أَوْ جَزَّ ظُفُرٍ"، وَفِيهِ قِصَّةٌ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام: "كُلُّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ، مَا خَلَا الظُّفُرَ، وَالسِّنَّ، فَإِنَّهَا مُدَى الْحَبَشَةِ"، قُلْت: هُوَ مُلَفَّقٌ مِنْ حَدِيثَيْنِ، فَرَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ2 مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَكُونُ فِي الْمَغَازِي فَلَا تَكُونُ مَعَنَا مُدًى، فَقَالَ: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلُوا، مَا لَمْ يَكُنْ سِنًّا أَوْ ظُفُرًا"، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ، انْتَهَى. أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا، وَمُطَوَّلًا. الثَّانِي: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الذَّبْحِ بِاللِّيطَةِ، فَقَالَ: "كُلُّ مَا أَفْرَى الْأَوْدَاجَ إلَّا سِنًّا أَوْ ظُفُرًا"، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي السَّابِعِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ مِنْ جِهَةِ مُسْلِمٍ: هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: كُنَّا، الْحَدِيثَ، قَالَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ أَخُو سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: وَالشَّكُّ فِيهِ فِي شَيْئَيْنِ: فِي اتِّصَالِهِ، وَفِي قَوْلِهِ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، هَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ لَا؟ فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، وَالِدِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مُدًى، أَفَنَذْبَحُ بِالْمَرْوَةِ، وَشِقَّةِ الْعَصَا؟ فَقَالَ عليه السلام: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلُوهُ، مَا لَمْ يَكُنْ سِنًّا، أَوْ ظُفُرًا"،
قَالَ رَافِعٌ: وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ، قَالَ: فَهَذَا كَمَا تَرَى، فِيهِ زِيَادَةُ رِفَاعَةَ بَيْنَ عَبَايَةَ وَجَدِّهِ رَافِعٍ، وَفِيهِ إثْبَاتُ قَوْلِهِ: أَمَّا السِّنُّ مِنْ كَلَامِ رَافِعٍ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ، وَأَخِيهِ عَنْ أَبِيهِمَا ذِكْرٌ لِسَمَاعِ عَبَايَةَ مِنْ جَدِّهِ رَافِعٍ، إنَّمَا جَاءَا بِهِ مُعَنْعَنًا، فَبَيَّنَ أَبُو الْأَحْوَصِ أَنَّ بَيْنَهُمَا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ التِّرْمِذِيُّ قَدْ قَالَ: إنَّ عَبَايَةَ سَمِعَ مِنْ جَدِّهِ رَافِعٍ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَكُنْ أَيْضًا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ أَنَّ قَوْلَهُ: أُمًّا السِّنُّ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصًّا، فَبَيَّنَهُ أَبُو الْأَحْوَصِ مِنْ قَوْلِ رَافِعٍ، لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ، قَالَ: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: أَخْطَأَ أَبُو الْأَحْوَصِ، إلَّا كَانَ الْآخَرُ أَنْ يَقُولَ: أَخْطَأَ مَنْ خَالَفَهُ، لِأَنَّهُ ثِقَةٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: "أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت"، وَيُرْوَى: "أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ مُرَيِّ بْنِ قَطَرِيٍّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت أَحَدَنَا أَصَابَ صَيْدًا، وَلَيْسَ مَعَهُ سِكِّينٌ، أَنَذْبَحُ بِالْمَرْوَةِ، وَشِقَّةِ الْعَصَا؟ فَقَالَ: "أَمْرِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت، وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظِ النَّسَائِيّ: " أَنْهِرْ"، وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَيُرْوَى: "أَمْرِرْ"، قَالَ: وَالصَّوَابُ أَمْرِ سَاكِنَ الْمِيمِ، خَفِيفَ الرَّاءِ أَيْ أَسِلْهُ، انْتَهَى. قُلْت: وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأَنْفُ: أَمِرْ الدَّمَ بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ أَسِلْهُ، يُقَالُ: دَمٌ مَائِرٌ: أَيْ سَائِلٌ، قَالَ هَكَذَا رَوَاهُ النَّقَّاشُ، وَفَسَّرَهُ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ1 بِسُكُونِ الْمِيمِ جَعَلَهُ مِنْ مَرَيْت الضَّرْعَ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالْمَعْنَى، انْتَهَى. وَجَمَعَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثَةِ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ عِنْدَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى أَهْرِقْ. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ عليه السلام: " إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ2 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ شَرَاحِيلَ بْنِ آدَةَ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ"، انْتَهَى. أَخْرَجُوهُ فِي الذَّبَائِحِ إلَّا التِّرْمِذِيَّ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ فِي الْقِصَاصِ. الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً، وَهُوَ يُحِدُّ شَفْرَتَهُ، فَقَالَ: "لَقَدْ أَرَدْت أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ، هَلَّا حَدَدْتهَا قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا"؟! قُلْت: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 فِي الضَّحَايَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَهَا، وَهُوَ يُحِدُّ شَفْرَتَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ! هَلَّا حَدَدْت شَفْرَتَك قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا"؟!، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَأَعَادَهُ فِي الذَّبَائِحِ، وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ2 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ بِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْحَجِّ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً، الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ قُرَّةَ بن حيوئيل عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُحَدَّ الشِّفَارُ، وَأَنْ تُوَارَى عَنْ الْبَهَائِمِ، وَقَالَ: "إذَا ذَبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجَهِّزْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِابْنِ لَهِيعَةَ، وَمِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيُّ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ فِي هَذَا عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلٌ، وَاَلَّذِي أَسْنَدَهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. وَفِي الْمُوَطَّإِ مَالِكٌ عَنْ هشام عن عاصم عن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا أَحَدَّ شَفْرَةً، وَقَدْ أَخَذَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا، فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ: أَتُعَذِّبُ الرُّوحَ! هَلَّا فَعَلْت هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْخُذَهَا؟، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى أَنْ تُنْخَعَ الشَّاةُ إذَا ذُبِحَتْ، وَفَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَبْلُغَ بِالسِّكِّينِ النُّخَاعَ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَبِمَعْنَاهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الذَّبِيحَةِ أَنْ تُفَرَّسَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ،
وَأَعَلَّهُ بِشَهْرٍ، وَقَالَ: إنَّهُ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَلَا نَتَدَيَّنُ بِهِ، انْتَهَى. قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ1: الْفَرَسُ أَنْ يَذْبَحَ الشَّاةَ فَتُنْخَعَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ تَقَدَّمَ فِي النَّفَقَاتِ. قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ، وَذَلِكَ لِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ الْمُتَوَارَثَةِ، وَيُكْرَهُ الْعَكْسُ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ. الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ. فَحَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهَذَا لَفْظُهُ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَنْحَرُ النَّاقَةَ، وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ، أَوْ الشَّاةَ، فِي بَطْنِهَا الْجَنِينُ، أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُ؟ فَقَالَ: "كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ، فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ ابْنِ أَبِي الْوَدَّاكِ بِهِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَزَادَ: أَشْعَرَ، أَوْ لَمْ يُشْعِرْ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَيُونُسُ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَقَدْ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ الْقَدَّاحِ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ بن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ"، انْتَهَى. وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الْقَدَّاحِ فِيهِ مَقَالٌ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى ثَنَا حَمَّادُ بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَقَالَ: إسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: لَا يُحْتَجُّ بِإِسْنَادِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَعِلَّتُهُ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِسَنْدَلٍ، فَإِنَّهُ مَتْرُوكٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ الحاكم2 أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْوَاسِطِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَلَيْسَ فِيهِ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالسَّمَاعِ، فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْوَاسِطِيُّ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ، وَرَوَى لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ، عند الدارقطني عن عاصم بْنِ يُوسُفَ عَنْ مُبَارَكِ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ بِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَعِصَامٌ رَجُلٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: مُبَارَكُ بْنُ مُجَاهِدٍ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ: فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا3 عَنْ شُعْبَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي ليلى عن أخيه عيسى عن أبيه عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا4 قَالَ الْحَاكِمُ: رُبَّمَا تَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي أَيُّوبَ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا الْبَابَ قَضَى فِيهِ الْعَجَبَ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يُخَرِّجَاهُ فِي الصَّحِيحِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ5 عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْهُ، قَالَ: أَرَاهُ رَفَعَهُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، إلَّا أَنَّ شَيْخَ شَيْخِهِ أَحْمَدَ بْنَ الْحَجَّاجِ بْنِ الصَّلْتِ قَالَ: شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِهِ: هو آفتة.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا1 عَنْ مُوسَى بْنِ عُثْمَانَ الْكِنْدِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُوسَى هَذَا قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هُوَ مَجْهُولٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ2 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ أَبُو رَبِيعَةَ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَتَرَكَهُ يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنُ بْنُ مَهْدِيٍّ، رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا، فَذَكَرَهُ، قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: إذَا أَشْعَرَ الْجَنِينُ فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ، هَكَذَا قَالَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرُهُ مِنْ الثِّقَاتِ، وَلَيْسَ هَذَا هُوَ إسْمَاعِيلَ بْنَ مُسْلِمٍ الْبَصْرِيَّ الْعَبْدِيَّ، صَاحِبَ الْمُتَوَكِّلِ، ذَاكَ ثِقَةٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ: فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ3 عَنْ بِشْرِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي أُمَامَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ وُجُوهٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي أَيُّوبَ، وَغَيْرِهِمَا، وَأَعْلَى مَنْ رَوَاهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: عَنْ راشد بن سعد، عوض خَالِدِ بْنِ مَعْدَانُ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَلَيَّنَ بِشْرَ بْنَ عُمَارَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي حَدِيثُهُ إلَى الِاسْتِقَامَةِ أَقْرَبُ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ الْحَارِثِ عَنْهُ، وَالْحَارِثُ مَعْرُوفٌ، وَفِيهِ أَيْضًا مُوسَى بْنُ عُثْمَانَ الْكِنْدِيُّ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: مَجْهُولٌ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يُحْتَجُّ بِأَسَانِيدِهِ كُلِّهَا، وَأَقَرَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بَعْضُهُمْ لِغَرَضٍ لَهُ5: ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةَ أُمِّهِ، بِنَصْبِ ذَكَاةٍ الثَّانِيَةِ، لَتُوجِبَ ابْتِدَاءَ الذَّكَاةِ
فِيهِ إذَا خَرَجَ، وَلَا يَكْتَفِي بِذَكَاةِ أُمِّهِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالرَّفْعِ، كَمَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ، وَأَبْطَلَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ، لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِإِبَاحَتِهِ مِنْ غَيْرِ إحْدَاثِ ذَكَاةٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْجَنِينَ لَا يُؤْكَلُ إلَّا بِاسْتِئْنَافِ الذَّكَاةِ فِيهِ، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا أَحْسَبُ أَصْحَابَهُ، وَافَقُوهُ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
فصل فيما يحل أكله، وما لا يحل
فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَمَا لَا يَحِلُّ الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطُّيُورِ، وَأَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ. فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 فِي الصَّيْدِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَسْمَعْهُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، بَلْ بَيْنَهُمَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ سَعِيد بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ مَيْمُونٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَّا عَلِيَّ بْنَ الْحَكَمِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو بِشْرٍ2 وَالْحَكَمُ عَنْ مَيْمُونٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا سَعِيدًا بَيْنَهُمَا، انْتَهَى كَلَامُ الْبَزَّارِ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عَلِيٍّ الْأَرْقَطِ، أَنَّهُ قَالَ: أَظُنُّ بَيْنَ مَيْمُونٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَعْنِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: وَعَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ ثِقَةٌ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ، وَأَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الْقَطَّانِ. وَحَدِيثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْهُ3 مَرْفُوعًا: وَحَرَامٌ عَلَيْكُمْ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ وَخَيْلُهَا، وَبِغَالُهَا، وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ، مُخْتَصَرٌ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا.
وَحَدِيثُ عَلِيٍّ: فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ، مُخْتَصَرٌ، وَلَيْسَ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ1 وَشَطْرُ الْحَدِيثِ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ3 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ"، انْتَهَى. قَوْلُهُ: أَمَّا الضَّبُعُ فَلِمَا ذَكَرْنَا، يُرِيدُ بِهِ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، قُلْت: وَفِي تَحْرِيمِهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ4 فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ حِبَّانَ بْنِ جَزْءٍ عَنْ أَخِيهِ خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الضَّبُعِ، فقال: "أو يأكل الضَّبُعَ أَحَدٌ فِيهِ خَيْرٌ"؟، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ، وَلَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حديث إسماعيل عَنْ ابْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ فِيهِمَا، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ ابْنُ حَزْمٍ بأن إسماعيل بن مسلم ضَعِيفٌ، وَابْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ سَاقِطٌ، وَحِبَّانُ بْنُ جَزْءٍ مَجْهُولٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ بِهِ، فَقَالَ: وَمَنْ يَأْكُلُ الضَّبُعَ؟، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ السَّعْدِيِّ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، قَالَ: سَأَلَتْ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ أَنَّ نَاسًا مِنْ قَوْمِي يَأْكُلُونَ الضَّبُعَ، فَقَالَ: إنَّ أَكْلَهَا لَا يَحِلُّ، وَكَانَ عِنْدَهُ شَيْخٌ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَلَا أُخْبِرَك بِمَا سَمِعْت أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ فِيهِ؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُول: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي خَطْفَةٍ وَنُهْبَةٍ وَمُجَثَّمَةٍ، وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، قَالَ سَعِيدٌ: صَدَقَ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ5 فِي الْحَجِّ وَالْأَطْعِمَةِ، وَالنَّسَائِيُّ
فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَطْعِمَةِ كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، قَالَ: سَأَلْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الضَّبُعِ أَصَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: آكُلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَشَيْءٌ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ فِي عِلَلِهِ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا السَّنَدِ وَالْمَتْنِ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 عَنْ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الضَّبُعُ صَيْدٌ، فَإِذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ فَفِيهِ كَبْشٌ مُسِنٌّ، وَيُؤْكَلُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا دَاوُد2 رَوَاهُ بِسَنَدِ السُّنَنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْأَكْلَ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الضَّبُعِ، فَقَالَ: "هُوَ صَيْدٌ، وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ فِي الْأَطْعِمَةِ وَوَهَمَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ إذْ عَزَاهُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ لِلسُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَكِنْ أَخَذُوا مِنْ هَذَا اللَّفْظِ إبَاحَةَ أَكْلِهِ، زَاعِمِينَ أَنَّ الصَّيْدَ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ فِي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَوْ قَتَلَ السَّبُعَ أَوْ نَحْوَهُ، مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَعِنْدَنَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ، لِأَنَّ الصَّيْدَ اسْمٌ لِلْمُمْتَنِعِ المتوحش في أصل الخلقة، قَالُوا: لَوْ كَانَ هَذَا مُرَادًا لَخَلَا عَنْ الْفَائِدَةِ، إذْ كُلُّ أَحَدٍ يَعْرِفُ أَنَّ الضَّبُعَ مُمْتَنِعَةٌ مُتَوَحِّشَةٌ، وَإِنَّمَا سَأَلَ جَابِرٌ عَنْ أَكْلِهَا، سِيَّمَا وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِأَكْلِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ، قُلْنَا: هَذَا يَنْعَكِسُ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ لَمَّا سَأَلَهُ أَصَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ لَهُ: نَعَمْ، ثُمَّ سَأَلَهُ آكُلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَوْ كَانَ الصَّيْدُ هُوَ الْمَأْكُولَ لَمْ يُعِدْ السُّؤَالَ، وَاسْتَدَلَّ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} قَالَ: فَهَذَا يَقْتَضِي حِلَّ صَيْدِ الْبَحْرِ دَائِمًا، وَحِلُّ صَيْدِ الْبَرِّ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْإِحْرَامِ، وَفِي الْبَحْرِ مَا لَا يُؤْكَلُ، كَالتِّمْسَاحِ، وَفِي الْبَرِّ مَا لَا يُؤْكَلُ، كَالسِّبَاعِ، قَالَ: فَثَبَتَ أَنَّ الصَّيْدَ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ، انْتَهَى. وَلِأَصْحَابِنَا أَنْ يَقُولُوا: الصَّيْدُ فِي الْآيَةِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الِاصْطِيَادِ، وَتَكُونُ الْإِضَافَةُ بِمَعْنَى فِي أَيْ أُحِلَّ لَكُمْ الصَّيْدُ فِي الْبَحْرِ، وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ الصَّيْدُ فِي الْبَرِّ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُحْرِمَ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ لَحْمٍ اصْطَادَهُ حَلَالٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّيْدِ فِي الْآيَةِ الِاصْطِيَادُ لَا الْحَيَوَانُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ، فِي مَسْأَلَةِ أَكْلِ السَّمَكِ، وَقَالَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالصَّيْدِ فِي قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} الِاصْطِيَادُ، وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَشَارَ صَاحِبُ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّيْدِ: وَالصَّيْدُ لَا يَخْتَصُّ بِمَأْكُولِ اللَّحْمِ، قَالَ قَائِلُهُمْ:
صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِبٌ وَثَعَالِبُ ... وَإِذَا رَكِبْت فَصَيْدِي الْأَبْطَالُ وَهَذَا الْقَائِلُ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثَ السَّادِسَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَائِشَةَ عَنْ الضَّبِّ حِينَ سَأَلَتْهُ عَنْ أَكْلِهِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي الْأَطْعِمَةِ1 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ضَمْضَمَ بْنِ زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ، انْتَهَى. وَضَمْضَمُ بْنُ زُرْعَةَ شَامِيٌّ، وَرِوَايَةُ ابْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الشَّامِيِّينَ صَحِيحَةٌ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَضَمْضَمُ فِيهِمَا مَقَالٌ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: ليس إسناده بذاك، وقاال الْبَيْهَقِيُّ: لَمْ يَثْبُتْ إسْنَادُهُ، إنَّمَا تَفَرَّدَ بِهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَيْمُونَةَ وَهِيَ خَالَتُهُ، فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا، فَأَهْوَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إلَى الضَّبِّ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ: أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ، قُلْنَ: هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، فَقَالَ خَالِدٌ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لَا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فأجدني أعافه، فاحترزته"، فَأَكَلْته وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ، فَلَمْ يَنْهَنِي، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا3 عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَهْدَتْ خَالَتُهُ أُمُّ حَفِيدٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقِطًا وَسَمْنًا وَأَضُبًّا، فَأَكَلَ مِنْ الْأَقِطِ، وَالسَّمْنِ، وَتَرَكَ الْأَضُبَّ تَقَذُّرًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسِ: فَأُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا4 عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيهِمْ سَعْدٌ، فَذَهَبُوا يَأْكُلُونَ مِنْ لَحْمٍ، فَنَادَتْهُمْ امْرَأَةٌ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ، فَأَمْسَكُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُوا، وَأَطْعِمُوا، فَإِنَّهُ حَلَالٌ"، أَوْ قَالَ: "لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِي"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ1 حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ، قَالَتْ: أُهْدِيَ لَنَا ضَبٌّ، وَعِنْدِي رَجُلَانِ مِنْ قَوْمِي، فَصَنَعْته، ثُمَّ قَرَّبْته إلَيْهِمَا، فَأَكَلَا مِنْهُ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمَا يَأْكُلَانِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ، وَقَالَ: "مَا هذا"؟ فقلنا لَهُ: ضَبٌّ، فَوَضَعَ مَا فِي يَدِهِ، وَأَرَادَ الرَّجُلَانِ أَنْ يَضَعَا مَا فِي أَفْوَاهِهِمَا، فَقَالَ لَهُمَا عليه السلام: "لَا تَفْعَلَا، إنَّكُمْ أَهْلَ نَجْدٍ تَأْكُلُونَهَا، وَإِنَّا أَهْلَ تِهَامَةَ نَعَافُهَا"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: رَوَى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُحُومِ الْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ بَقِيَّةَ حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُحُومِ الْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ، انْتَهَى. بِلَفْظِ ابْنِ مَاجَهْ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد3 قَالَ: غَزَوْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، فَأَتَتْ الْيَهُودُ، فَشَكُّوا أَنَّ النَّاسَ قَدْ أَسْرَعُوا إلَى حَظَائِرِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا لَا تَحِلُّ أَمْوَالُ الْمُعَاهَدِينَ إلَّا بِحَقِّهَا، وَحَرَامٌ عَلَيْكُمْ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ، وَخَيْلُهَا، وَبِغَالُهَا، وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ"، انْتَهَى. وَعِنْدَهُ بَقِيَّةُ عَنْ ثَوْرٍ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: حَدَّثَنِي، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ صَالِحٍ بِهِ، بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، ثُمَّ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثَبَتَ عِنْدَنَا أَنَّ خَالِدًا لَمْ يَشْهَدْ خَيْبَرَ، وَأَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ، هُوَ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، والدارقطني فِي سُنَنِهِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا مَنْسُوخٌ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا أَعْلَمُ رَوَاهُ غَيْرَ شُعْبَةَ، وَيُشْبِهُ إنْ كَانَ صَحِيحًا أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا، لِأَنَّ قَوْلَهُ: فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ سُلَيْمَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ صَالِحٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ غزوان عن صالح له، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا4 عَنْ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ بِهِ، وَنُقِلَ عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُعْرَفُ صَالِحُ بْنُ يَحْيَى، وَلَا أَبُوهُ إلَّا بِجَدِّهِ، وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَسْلَمَ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ، انْتَهَى. ثم أخرجه عن عمر بْنِ هَارُونَ الْبَلْخِيّ ثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَذَكَرَهُ، قَالَ: لَمْ يَذْكُرْ فِي إسْنَادِهِ صَالِحًا، وَهَذَا إسْنَادٌ
مُضْطَرِبٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ: صَالِحُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: إسْنَادُهُ مُضْطَرِبٌ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ الثِّقَاتِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَقَدْ تَابَعَ شُعْبَةَ1 عَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاقِدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرٍ عَنْ ثَوْرٍ، فَقَالَ: عَنْ صَالِحٍ سَمِعَ جَدَّهُ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، ورواه عمر بن هارون البلخي عَنْ ثَوْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَالِدٍ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ صَالِحٍ سُلَيْمَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَصَالِحٌ هَذَا رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ: يُخْطِئُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: فِي تَحْرِيمِ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الذَّبَائِحِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمْ ذَبَحُوا يَوْمَ خَيْبَرَ الْحُمُرَ، وَالْبِغَالَ، وَالْخَيْلَ، فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحُمُرِ، وَالْبِغَالِ، وَلَمْ يَنْهَهُمْ عَنْ الْخَيْلِ، انْتَهَى2. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: رَوَى عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَرَ الْمُتْعَةَ، وَحَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْحَسَنِ ابْنِي مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ، وَمُسْلِمٌ فِي الذَّبَائِحِ، وَأَخْرَجَاهُ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا كَذَلِكَ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: عَامِ خَيْبَرَ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: زَمَنَ خَيْبَرَ. حَدِيثٌ مُخَالِفٌ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد4 فِي الْأَطْعِمَةِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عُبَيْدٍ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْ غَالِبِ5 بْنِ أَبْجَرَ، قَالَ: أَصَابَتْنَا سَنَةٌ، فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي شَيْءٌ أُطْعِمُ أَهْلِي إلَّا شَيْئًا مِنْ حُمُرٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، فَأَتَيْته فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَابَتْنَا السَّنَةُ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي مَا أُطْعِمُ أَهْلِي إلَّا سِمَانٌ حُمُرٌ، وَإِنَّك حَرَّمْت لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، فَقَالَ: "أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ حُمُرِك، فَإِنَّمَا حَرَّمْتُهَا مِنْ أَجْلِ جَوَّالِ الْقَرْيَةِ"، انْتَهَى. وَفِي إسْنَادِهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ
يَقُولُ: عَنْ عُبَيْدٍ أَبِي الْحَسَنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عُبَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَعْقِلٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ ابْنِ مَعْقِلٍ، وَغَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ، وَيُقَالُ: أَبْجَرُ بْنُ غَالِبٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول: غَالِبُ بْنُ ذُرَيْحٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: غَالِبُ بْنُ ذِيخُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ أُنَاسٍ مِنْ مُزَيْنَةُ عَنْ غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ أُنَاسٍ مِنْ مُزَيْنَةُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّ رَجُلَيْنِ سَأَلَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذِهِ الِاخْتِلَافَاتُ بَعْضُهَا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ، وَبَعْضُهَا فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَبَعْضُهَا فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ، وَقَالَ الْبَزَّارُ: وَلَا يُعْلَمُ لِغَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَبَعْضُ أَصْحَابِ عُبَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ يَقُولُ: عَنْ غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: عَنْ أَبْجَرَ بْنِ غَالِبٍ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: عَنْ غَالِبِ بْنِ ذُرَيْحٍ1 وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: عَنْ غَالِبِ بْنِ ذِيخُ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي مَتْنِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِكَ، وَأَطْعِمْ أَهْلَكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِكَ فَقَطْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ مَالِكَ فَقَطْ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: حَدِيثُ غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ إسْنَادُهُ مُضْطَرِبٌ، وَإِنْ صَحَّ، فَإِنَّمَا رَخَّصَ لَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، حَيْثُ تُبَاحُ الْمَيْتَةُ، كَمَا فِي لَفْظِهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: وَعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لَحْمِ الْخَيْلِ يَوْمَ خَيْبَرَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ وَفِي الذَّبَائِحِ، وَمُسْلِمٌ فِي الذَّبَائِحِ2 عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ، نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ، انْتَهَى. وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ. قَوْلُهُ: وَحَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ خَالِدٍ، وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحَرَّمِ، قُلْت، يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ خَالِدٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ لُحُومِ الْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ حَدِيثَ جابر صَحِيحٌ، وَحَدِيثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ إسْنَادًا وَمَتْنًا، كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ ادَّعَى نَسْخَهُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ، لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَأَذِنَ، وَفِي لَفْظٍ: وَرَخَّصَ، قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ3: وَالْإِذْنُ
وَالرُّخْصَةُ تَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الْمَنْعِ، وَلَوْ لَمْ يَرِدْ هَذَا اللَّفْظُ لَتَعَذَّرَ الْقَطْعُ بِالنَّسْخِ، لِعَدَمِ التَّارِيخِ، فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا، فَأَكَلْنَاهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَكَلْنَا لَحْمَ فَرَسٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ، ثُمَّ نَقَلَ الْحَازِمِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِيهِ نَسْخٌ، وَلَكِنْ الِاعْتِمَادُ عَلَى أَحَادِيثِ الْإِبَاحَةِ لِصِحَّتِهَا، وَكَثْرَةِ رِوَايَتِهَا، قَالُوا: وَحَدِيثُ خَالِدٍ إنَّمَا وَرَدَ فِي قَضِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَهُوَ أَنَّ سَبَبَ التَّحْرِيمِ فِي الْخَيْلِ، وَفِي الْبِغَالِ، وَالْحَمِيرُ مُخْتَلِفٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ لِذَاتِهَا، وَعَنْ الْخَيْلِ لِأَنَّهُمْ سَارَعُوا فِي طَبْخِهَا يَوْمَ خَيْبَرَ قَبْلَ أَنْ تُخَمَّسَ، فَأَمَرَ عليه السلام بِإِكْفَائِهَا، تَغْلِيظًا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْا نَهْيَهُ عليه السلام من تَنَاوُلِ لُحُومِ الْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ اعْتَقَدُوا أَنَّ سَبَبَ التَّحْرِيمِ وَاحِدٌ، حَتَّى نَادَى مُنَادِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ الله تعالى ورسوله ينهاكم عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، فَإِنَّهَا رِجْسٌ، فَحِينَئِذٍ فَهِمُوا أَنَّ سَبَبَ التَّحْرِيمِ مُخْتَلِفٌ، وَأَنَّ الْحُكْمَ بِتَحْرِيمِ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَأَنَّ الْخَيْلَ إنَّمَا كَانَ نَهْيًا عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ يُخَمَّسْ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: أَذِنَ، وَرَخَّصَ، دَفْعًا لِهَذِهِ الشُّبْهَةِ، إلَّا أَنَّهُ رَافِعٌ لِحُكْمٍ أَوَّلَ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد، أَنَّ النَّاسَ قَدْ أَسْرَعُوا إلَى حَظَائِرِهِمْ، الْحَدِيثَ. الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أَكَلَ مِنْ الْأَرْنَبِ حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهِ مَشْوِيًّا، وَأَمْرَ أَصْحَابَهُ بِالْأَكْلِ مِنْهُ، قُلْت: كَأَنَّهُمَا حَدِيثَانِ: فَالْأَوَّلُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ1 فِي كِتَابِ الْهِبَةِ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا، فَأَدْرَكْتهَا، فَأَخَذْتهَا، فَأَتَيْت بِهَا أَبَا طَلْحَةَ، فَذَبَحَهَا، وَبَعَثَ بِوَرِكِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ: فَخِذَيْهَا، فَقَبِلَهُ، قُلْت: وَأَكَلَ مِنْهُ؟ قَالَ: وَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: قَبِلَهُ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَحَجَّاجٌ، قَالَا: ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، بِلَفْظِهِ سَوَاءٌ، وَفِي آخِرِهِ: قَالَ حَجَّاجٌ: قَالَ شُعْبَةٌ: فَقُلْت لَهُ: أَكَلَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ أَكَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لِي بَعْدُ: قَبِلَهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الذَّبَائِحِ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْأَكْلَ، وَلَا ذَكَرَ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ2 فِي الصَّوْمِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ بِأَرْنَبٍ قَدْ شَوَاهَا، فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَأْكُلْ، وَأَمَرَ الْقَوْمَ أَنْ يَأْكُلُوا، وَزَادَ فِي لَفْظٍ: وَقَالَ: "فَإِنِّي لَوْ اشْتَهَيْتهَا
أَكَلْتهَا"، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، مُرْسَلًا، وَبِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ وَالْمَتْنِ، َرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ سَمِعَ هَذَا الْخَبَرَ مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَمِعَهُ عَنْ ابْنِ الْحَوْتَكِيَّةِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَالطَّرِيقَانِ جَمِيعًا مَحْفُوظَانِ، انْتَهَى.1 وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ: وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ طَلْحَةَ، فَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ ابْنِ الْحَوْتَكِيَّةِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَرَوَى عَنْهُ عَنْ ابْنِ الْحَوْتَكِيَّةِ عَنْ عُمَرَ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عُمَرَ هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ عَنْ أَبِي تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنِ وَاضِحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ الْحَوْتَكِيَّةِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْنَبٍ يُهْدِيهَا إلَيْهِ، فَقَالَ: "مَا هَذِهِ"؟ قَالَ: هَدِيَّةٌ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْكُلُ مِنْ الْهَدِيَّةِ حَتَّى يَأْمُرَ صَاحِبَهَا، فَيَأْكُلَ مِنْهَا مِنْ أَجْلِ الشَّاةِ الَّتِي أُهْدِيَتْ إلَيْهِ بِخَيْبَرَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلْ"، قَالَ: إنِّي صَائِمٌ، قَالَ: "تَصُومُ مَاذَا"؟ قَالَ: ثَلَاثًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، قَالَ: "فَاجْعَلْهَا الْبِيضَ الْغُرَّ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ بِهِ سَوَاءً، وَزَادَ: فَأَهْوَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إلَى الْأَرْنَبِ لِيَأْخُذَ مِنْهَا، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَمَا إنِّي رَأَيْتهَا تُدْمِي، فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، انْتَهَى. وَهُوَ فِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ أَمَا إنِّي رَأَيْتهَا تُدْمِي، أَيْ تَحِيضُ، فَقَالَ لِلْقَوْمِ: "كُلُوا"، وَلَمْ يَأْكُلْ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوَانَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ صَادَ أَرْنَبَيْنِ، فَمَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُعَلِّقُهُمَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَتَيْت غَنَمَ أَهْلِي، فَاصْطَدْت هَاتَيْنِ، فَلَمْ أَجِدْ حَدِيدَةً أُذْكِيهِمَا بِهَا، وَإِنِّي ذَكَّيْتهمَا بِمَرْوَةِ، أَفَأَطْعَمُهُمَا؟ قَالَ: "نَعَمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْقُطْعِيُّ الْبَصْرِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ قَوْمِهِ صَادَ أَرْنَبَيْنِ، الْحَدِيثَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَتَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ، وَقَالَ: دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَتَابَعَهُ حُصَيْنٌ، وَسَأَلْت الْبُخَارِيَّ عَنْهُ، فَقَالَ: حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوَانَ أَصَحُّ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 فِي الضَّحَايَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أُهْدِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْنَبٌ وَأَنَا نَائِمَةٌ، فَخَبَّأَ لِي مِنْهَا الْعَجُزَ، فَلَمَّا قُمْت، أَطْعَمَنِي، انْتَهَى. وَيَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ ضَعِيفٌ. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام فِي الْبَحْرِ: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ دَوَاءٍ يُتَّخَذُ فِيهِ الضُّفْدَعُ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الطِّبِّ وَفِي الْأَدَبِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الصَّيْدِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ الْقُرَشِيِّ أَنَّ طَبِيبًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الضُّفْدَعِ يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ، فَنَهَى عَنْ قَتْلِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 فِي الْفَضَائِلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَعَادَهُ فِي الطِّبِّ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ أَقْوَى مَا وَرَدَ فِي الضُّفْدَعِ، وَسَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ هُوَ الْقَارِظِيُّ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَدَنِيٌّ، يُحْتَجُّ بِهِ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَوَاشِيهِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِ الضُّفْدَعِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الْحَيَوَانِ، إمَّا لِحُرْمَتِهِ، كَالْآدَمِيِّ، وَإِمَّا لِتَحْرِيمِ أَكْلِهِ كَالصُّرَدِ، وَالْهُدْهُدِ وَالضُّفْدَعِ، لَيْسَ بِمُحْتَرَمٍ، فَكَانَ النَّهْيُ مُنْصَرِفًا إلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَجَهِلَ مَنْ عَزَا هَذَا الْحَدِيثَ لِلْبَيْهَقِيِّ، وَتَرَكَ سُنَنَ أَبِي دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ بَيْعِ السَّرَطَانِ، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ: أَمَّا الْمَيْتَتَانِ
فَالسَّمَكُ، وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ، فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ1 فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُحِلَّتْ لَنَا"، إلَى آخِرِهِ سَوَاءً. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ، وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَالَ: إنَّهُ كَانَ يُقَلِّبُ الْأَخْبَارَ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، حَتَّى كَثُرَ ذَلِكَ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ رَفْعِ الْمَوْقُوفَاتِ، وَإِسْنَادِ الْمَرَاسِيلِ، فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَيْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِمَا، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَقَطْ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفَانِ، إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ وَثَّقَ عَبْدَ اللَّهِ، أَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ إلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ، وَأَخَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأُسَامَةُ ضَعِيفَانِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُورُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْإِخْوَةِ الثَّلَاثَةِ، وَأَسْنَدَ ابْنُ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثَتُهُمْ ضُعَفَاءُ، لَيْسَ حَدِيثُهُمْ بِشَيْءٍ، وَأَسْنَدَ عَنْ السَّعْدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هُمْ ضُعَفَاءُ فِي غَيْرِ خَرِبَةٍ فِي دِينِهِمْ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَابْنُ وَهْبٍ يَرْوِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ مَوْقُوفًا قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَهُوَ موقوف في حكم الموفوع، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ: وَقَدْ رَوَاهُ الْمِسْوَرُ بْنُ الصَّلْتِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَالَفَهُ ابْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فَرَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابن عمر موفوعاً، وَغَيْرُ ابْنِ زَيْدٍ يَرْوِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَهَذِهِ الطَّرِيقُ رَوَاهَا الْخَطِيبُ بِإِسْنَادٍ إلَى الْمِسْوَرِ بْنِ الصَّلْتِ، وَالْمِسْوَرُ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. قُلْت: وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ، قَالَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ ثَنَا دَاوُد بْنُ رَاشِدٍ ثَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا أَبُو هِشَامٍ الْأَيْلِيُّ، قَالَ: سَمِعْت زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَحِلُّ مِنْ الْمَيْتَةِ اثْنَتَانِ، وَمِنْ الدَّمِ اثْنَانِ: فَأَمَّا الْمَيْتَةُ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمُ، فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: رَوَى جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ فَكُلُوا وَمَا لَفَظَهُ الْمَاءُ فَكُلُوا، وَمَا طَفَا فَلَا تَأْكُلُوا"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ3 عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا أَلْقَاهُ
الْبَحْرُ، أَوْ جَزَرَ عَنْهُ، فَكُلُوهُ، وَمَا مَاتَ فِيهِ، وَطَفَا، فَلَا تَأْكُلُوهُ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ، فَقَالَ: وَيَحْيَى بْنُ سليم كثير الوهم، سيء الْحِفْظِ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ سُلَيْمٍ أَخْرَجَ لَهُ الشَّيْخَانِ، فَهُوَ ثِقَةٌ، وَزَادَ فِيهِ الرَّفْعَ، وَنَقَلَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، قَالَ: هُوَ ثِقَةٌ، وَلَكِنْ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهِ، انْتَهَى. وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ هَذَا هُوَ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ، رَوَى لَهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَظَنَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ غَيْرَهُ، فَقَالَ: هُوَ مَتْرُوكٌ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، بَلْ ذَاكَ آخَرُ لَيْسَ فِي طَبَقَتِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ أَيْضًا عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا، وَيَحْيَى متروك لا يحتج له، وَرَوَاهُ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَلَا يُحْتَجُّ بِمَا تَفَرَّدَ بِهِ بَقِيَّةُ، فَكَيْفَ بِمَا يُخَالَفُ فِيهِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وَأَيُّوبُ، وَحَمَّادٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ، وَقَدْ أُسْنِدَ مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَا اصْطَدْتُمُوهُ وَهُوَ حَيٌّ، فَكُلُوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ مَيْتًا طَافِيًا فَلَا تَأْكُلُوهُ"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلَتْ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، وَيُرْوَى عَنْ جَابِرٍ خِلَافَ هَذَا، وَلَا أَعْرِفُ لِابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ شَيْئًا، انْتَهَى. وَقَوْلُ الْبُخَارِيِّ: لَا أَعْرِفُ لِابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ شَيْئًا، هُوَ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي اشْتِرَاطِ ثُبُوتِ السَّمَاعِ، لِلْإِسْنَادِ الْمُعَنْعَنِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ مُسْلِمٌ، وَزَعَمَ أَنَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَكْفِي لِلِاتِّصَالِ إمْكَانُ اللِّقَاءِ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَدْرَكَ زَمَانَ أَبِي الزُّبَيْرِ بِلَا خِلَافٍ، فَسَمَاعُهُ مِنْهُ مُمْكِنٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ هَذَا صَحَّحَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ حَدِيثَهُ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ1 سَأَلْت أَبَا زُرْعَةَ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، وَنُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَا حَسَرَ عَنْهُ الْبَحْرُ، فَكُلْ، وَمَا أَلْقَى الْبَحْرُ، فَكُلْ، وَمَا طَفَا عَلَى الْمَاءِ، فَلَا تَأْكُلْ"، فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هَذَا خَطَأٌ، إنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى جَابِرٍ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَاهِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ أَبِي أحمد الزبيري ثنا سفيان الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عن جابر موفوعاً، نَحْوَهُ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ غَيْرُ أَبِي أَحْمَدَ، وَخَالَفَهُ وَكِيعٌ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَمُؤَمَّلٌ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَغَيْرُهُمْ عَنْ الثَّوْرِيِّ، فَرَوَوْهُ مَوْقُوفًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَيُّوبُ
السِّخْتِيَانِيُّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَزُهَيْرٌ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَوْقُوفًا، وَرُوِيَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا، وَلَا يَصِحُّ رَفَعَهُ، يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَوَقَّفَهُ غَيْرُهُ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ بِهِ مَوْقُوفًا، وَقَالَ: هو الصحيح، وأخرجه أَيْضًا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "كُلُوا مَا حَسَرَ عَنْهُ الْبَحْرُ، وَمَا أَلْقَاهُ، وَمَا وَجَدْتُمُوهُ طَافِيًا فَوْقَ الْمَاءِ، أَوْ مَيْتًا، فَلَا تَأْكُلُوهُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ وَهْبٍ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ وَهْبٍ بِهِ، وَضَعَّفَهُ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِي عَنْهُ غَيْرَ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، انْتَهَى. وَمِنْ حِجَجِ الْخُصُومِ فِي إبَاحَةِ أَكْلِ الطَّافِي حَدِيثُ الْعَنْبَرِ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ جَابِرٍ، وَحَدِيثٌ: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ"، وَحَدِيثُ: "أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ، وَدَمَانِ"، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَحَدِيثُ الْعَنْبَرِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ، نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً، فَكُنَّا نَمُصُّهَا كَمَا يَمُصُّ الصَّغِيرُ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنْ الْمَاءِ فَيَكْفِينَا إلَى اللَّيْلِ، وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الْخَبَطَ، ثُمَّ نُبِلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأْكُلُهُ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَأَلْقَى لَنَا الْبَحْرُ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا: الْعَنْبَرُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيْتَةٌ، ثُمَّ قَالَ: لَا بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَدْ اُضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا، قَالَ: فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا، وَنَحْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا، وَلَقَدْ كُنَّا نَغْتَرِفُ الدُّهْنَ مِنْ وَقْبِ عَيْنَيْهِ بِالْقِلَالِ، وَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَأَقْعَدَهُمْ فِي وَقْبِ عينيه، وَأَخَذَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَأَقَامَهُ، ثُمَّ رَحَّلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا، فَمَرَّ مِنْ تَحْتِهَا، وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ2 فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ، فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ، فَتُطْعِمُونَا"؟ قَالَ: فَأَرْسَلْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ فَأَكَلَهُ، انْتَهَى. وَفِيهِ حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فِي آخِرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ
قَالَ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ قُوتُ كُلِّ رَجُلِ مِنَّا كُلَّ يَوْمِ تَمْرَةً، فَكَانَ يَمُصُّهَا، ثُمَّ يَصُرُّهَا فِي ثَوْبِهِ، وَكُنَّا نَخْتَبِطُ بِقِسِيِّنَا، وَنَأْكُلُ حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا، إلَى أَنْ قَالَ: وشكى النَّاسُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُوعَ، فَقَالَ: "عَسَى اللَّهُ أَنْ يُطْعِمَكُمْ"، فَأَتَيْنَا سَيْفَ الْبَحْرِ، فَزَخَرَ الْبَحْرُ زَخْرَةً، فَأَلْقَى دَابَّةً، فَأَوْرَيْنَا عَلَى شِقِّهَا النَّارَ، فَاطَّبَخْنَا، وَاشْتَوَيْنَا، وَأَكَلْنَا، وَشَبِعْنَا، قَالَ جَابِرٌ: فَدَخَلْت أَنَا، وَفُلَانٌ، وَفُلَانٌ، حَتَّى عَدَّ خَمْسَةً فِي حِجَاجِ عَيْنِهَا مَا يَرَانَا أَحَدٌ، حَتَّى خَرَجْنَا، ثُمَّ أَخَذْنَا ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهَا، فَقَوَّسْنَاهُ، ثُمَّ دَعَوْنَا بِأَعْظَمَ رَجُلٍ فِي الرَّكْبِ، وَأَعْظَمَ جَمَلٍ فِي الرَّكْبِ، وَأَعْظَمَ كِفْلٍ فِي الرَّكْبِ، فَدَخَلَ تَحْتَهُ مَا يُطَأْطِئُ رَأْسَهُ، مُخْتَصَرٌ، وَهَذِهِ وَاقِعَةٌ أُخْرَى غَيْرُ تِلْكَ، فَإِنَّ هَذِهِ كَانَتْ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ الْأُولَى، قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ. قَوْلُهُ: وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ مَذْهَبِنَا يَعْنِي كَرَاهَةَ أَكْلِ الطَّافِي، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الصَّيْدِ كَرَاهِيَتَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَذَا عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي الشَّعْثَاءَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَطَاوُسٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 إبَاحَتَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي أَيُّوبَ. قَوْلُهُ: سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ الْجَرَادِ يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ مِنْ الْأَرْضِ، وَفِيهَا الْمَيْتُ، وَغَيْرُهُ، فَقَالَ: كُلْهُ كُلَّهُ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ2 أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: الْحِيتَانُ وَالْجَرَادُ ذَكِيٌّ كُلُّهُ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الْحُوتُ ذَكِيٌّ كُلُّهُ، وَالْجَرَادُ ذَكِيٌّ كُلُّهُ، انْتَهَى. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ3 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَنْمَاطِيُّ ثَنَا دَاوُد بْنُ رُشَيْدٍ ثَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أبي هاشم الْأَيْلِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "كُلُّ دَابَّةٍ مِنْ دَوَابِّ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ لَيْسَ لَهَا دَمٌ يَنْعَقِدُ، فَلَيْسَ لَهَا ذَكَاةٌ"، انْتَهَى.
كتاب الأضحية
كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ"، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ رَأَى هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ مِنْكُمْ، وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ، وَأَظْفَارِهِ"، انْتَهَى. وَوَهَمَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، فَرَوَاهُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ، لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْإِرَادَةِ، وَالْإِرَادَةُ تُنَافِي الْوُجُوبَ، وَبِذَلِكَ أَيْضًا اسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، وَلَكِنْ تَعَقَّبَهُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا حِينَ احْتَجَّ عَلَى دَاوُد فِي اخْتِيَارِهِ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ، بِقَوْلِهِ عليه السلام: "مَا حَقُّ امْرِئٍ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ، وَلَهُ مَالٌ، يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ إلَّا وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ"، قَالَ: وَالْإِرَادَةُ تُنَافِي االوجوب، فَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَدْ تَعَلَّقَ عَلَى الْإِرَادَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 وَسَكَتَ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ يَحْيَى بْنِ أَبِي حَيَّةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ، وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ: الْوِتْرُ، وَالنَّحْرُ، وَصَلَاةُ الضُّحَى "، انْتَهَى. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: سَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَفِيهِ أَبُو جَنَابٍ الْكَلْبِيُّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ، والدارقطني، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْوِتْرِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " كُتِبَ عَلَيَّ النَّحْرُ، وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ"، الْحَدِيثَ، وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى، وَهُوَ ضَعِيفٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، انْتَهَى. الْآثَارُ: قَالَ السَّرَقُسْطِيُّ فِي كِتَابِهِ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا سُفْيَانُ
عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: إنِّي لَأَدَعُ الْأُضْحِيَّةَ وَأَنَا مِنْ أَيْسَرِكُمْ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهَا حَتْمٌ وَاجِبٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "مَنْ وَجَدَ سَعَةً، وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا"، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ، وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، والدارقطني فِي سُنَنِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَجِّ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَأَخْرَجَهُ فِي الضَّحَايَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ بِهِ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ، فَذَكَرَهُ مَوْقُوفًا، قَالَ: هَكَذَا وَقَفَهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَعَبْدُ الله بن يزيد المقرئ فَوْقَ الثِّقَةِ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ إلَّا عَبْدَ اللَّهِ بن عياش القتبائي، فَإِنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ، قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ بِهِ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ بِهِ مَوْقُوفًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، انْتَهَى. وذهل شيخنا علاء الين مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، فَعَزَا هَذَا الْحَدِيثَ لِلدَّارَقُطْنِيِّ فَقَطْ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، كَمَا فِي حَدِيثِ: مَنْ أَكَلَ الثُّومَ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ3 عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عِنْدِي جَذَعَةً، قَالَ: "اذْبَحْهَا، وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ"، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْوَاجِبِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَمَعْنَاهُ يُجْزِئُ فِي إقَامَةِ السُّنَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا. حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ محنف بْنِ سُلَيْمٍ: عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةٌ وَعَتِيرَةٌ،
وَسَيَأْتِي، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَهَذَا مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ، إذْ لَا يُسَنُّ الْعَتِيرَةُ أَصْلًا، وَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ كَانَتْ عَلَى الشَّخْصِ الْوَاحِدِ، لَا عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْبَيْتِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ شَرِيكٍ ثَنَا عُبَيْدٌ الْمُكْتِبُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "نَسَخَ الْأَضْحَى كُلَّ ذَبْحٍ، وَرَمَضَانُ كُلَّ صَوْمٍ"، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ بِمُرَّةَ، وَالْمُسَيِّبُ بْنُ شَرِيكٍ مَتْرُوكٌ، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: قَالَ الْفَلَّاسُ: أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ حَدِيثِ الْمُسَيِّبِ بْنِ شَرِيكٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ هُرَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَدِينُ وَأُضَحِّي؟ قَالَ: "نَعَمْ، فَإِنَّهُ دَيْنٌ مَقْضِيٌّ"، انْتَهَى. قَالَ: وَهُرَيْرٌ ضَعِيفٌ، وَلَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ. قَوْلُهُ: وَالْعَتِيرَةُ مَنْسُوخَةٌ، وَهِيَ شَاةٌ تُقَامُ فِي رَجَبٍ عَلَى مَا قِيلَ، قُلْتُ: رَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ3 مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ"، انْتَهَى. زَادَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: "فِي الْإِسْلَامِ"، وَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ: وَالْفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ، كَانَ ينتج لهم، فيذبحوه لِطَوَاغِيتِهِمْ، وَالْعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ، انْتَهَى. وَأَسْنَدَ أَبُو دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: الْفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ، فَيَذْبَحُونَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالْعَتِيرَةُ ذَبِيحَةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي رَجَبٍ يُعَظِّمُونَهُ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَالْفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ، كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ، فَيَذْبَحُونَهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ4 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ شَرِيكٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ الْيَقْظَانِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نَسَخَتْ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ، وَنَسَخَ صَوْمُ رَمَضَانَ كُلَّ صَوْمٍ، وَنَسَخَ غُسْلُ الْجَنَابَةِ كُلَّ غُسْلٍ، وَنَسَخَتْ الْأَضَاحِيُّ كُلَّ ذَبِيحٍ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَاهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الْمُسَيِّبُ بْنُ شَرِيكٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ الْيَقْظَانِ مَتْرُوكَانِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي أَوَاخِرِ النِّكَاحِ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْحَجِّ، وَالْبَاقُونَ فِي الضَّحَايَا، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد2 فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْحَجِّ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "البقر عن سبعة، والجزور عَنْ سَبْعَةٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءً، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ جُمَيْعٍ4 عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءً، وَيُشْكِلُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي مَنْعِهِمْ الْبَدَنَةَ عَنْ عَشَرَةٍ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ5 وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَلْيَاءَ بْنِ أَحْمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَ الْأَضْحَى، فَاشْتَرَكْنَا فِي الْبَقَرَةِ سَبْعَةً، وَفِي الْجَزُورِ عَشَرَةً، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَحَدِيثُ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فِي اشْتِرَاكِهِمْ وَهُمْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَزُورِ عَنْ سَبْعَةٍ أَصَحُّ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ، وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ سَبْعِينَ بَدَنَةً عَنْ سَبْعِمِائَةِ رَجُلٍ، كُلُّ بَدَنَةٍ عَنْ عَشَرَةٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ6: وَقَدْ رَوَاهُ مَعْمَرٌ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ
الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَعَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ رِوَايَةُ جَابِرٍ، وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَمَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَكُلُّهُمْ شَهِدُوا الْحُدَيْبِيَةَ، وَكَأَنَّهُمْ نَحَرُوا السَّبْعِينَ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَنَحَرُوا الْبَقَرَ عَنْ الْبَاقِينَ، عَنْ كُلِّ سَبْعَةٍ بَقَرَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي: رِوَايَةُ مَنْ رَوَى الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ أَثْبَتُ مِنْ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْ عَشَرَةٍ، فَإِنَّ الْهَدْيَ كَانَ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ بَدَنَةً، وَالْقَوْمُ كَانُوا سِتَّ عَشْرَةَ مِائَةً، انْتَهَى: وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: نَحَرْنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ سَبْعِينَ بَدَنَةً، الْبَدَنَةُ عَنْ عَشَرَةٍ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِيَشْتَرِكْ الْبَقَرُ فِي الْهَدْيِ"، انْتَهَى. وَقَالَ صَحِيحٌ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ2 عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَ النَّحْرَ، فَاشْتَرَكْنَا فِي الْبَقَرَةِ عَنْ سَبْعَةٍ، وَفِي الْجَزُورِ عَنْ عَشَرَةٍ، انْتَهَى. وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَيُشْكِلُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا فِي مَنْعِهِمْ الشَّاةَ لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، بالأحاديث المتقدمة أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشٍ عَنْهُ، وَعَنْ أُمَّتِهِ، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ3 عَنْ أَبِي عَقِيلٍ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ حُمَيْدٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ صَغِيرٌ، فَمَسَحَ رَأْسَهُ، وَدَعَا لَهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَهُوَ خِلَافُ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا لَا تُجْزِئُ إلَّا عَنْ الْوَاحِدِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ، وَعَتِيرَةٌ"، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ4 عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ أَبِي رَمْلَةَ ثَنَا مِخْنَفُ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ:
كُنَّا وُقُوفًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أضحاة، وعتيرة، أتدرون مالعتيرة؟ هِيَ الَّتِي يَقُولُ النَّاسُ: إنَّهَا الرَّجَبِيَّةُ"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ النَّسَائِيّ فِي الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ، وَالْبَاقُونَ فِي الضَّحَايَا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَوْنٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَعِلَّتُهُ الْجَهْلُ بِحَالِ أَبِي رَمْلَةَ، وَاسْمُهُ عَامِرٌ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِهَذَا، يَرْوِيهِ عَنْهُ ابْنُ عَوْنٍ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ أَيْضًا ابْنُهُ حَبِيبُ بْنُ مِخْنَفٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ أَيْضًا، كَأَبِيهِ1 انْتَهَى. قُلْتُ: رَوَاهُ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: انْتَهَيْت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَهُوَ يَقُولُ: "هَلْ تَعْرِفُونَهَا"؟ فَلَا أَدْرِي مَا رَجَعُوا إلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ أَنْ يَذْبَحُوا شَاةً فِي رَجَبٍ، وَفِي كُلِّ أَضْحَى شَاةً"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: إنْ صَحَّ هَذَا، فَالْمُرَادُ بِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَرَنَ بَيْنَ الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَتِيرَةِ، غَيْرُ وَاجِبَةٍ بِالْإِجْمَاعِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَيُرْوَى: عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ، قُلْتُ: رِوَايَةٌ غَرِيبَةٌ، وَجَهِلَ مَنْ اسْتَشْهَدَ بِحَدِيثِ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ إذَا كَانَا مُسَافِرَيْنِ، قُلْتُ: غَرِيبٌ. قَوْلُهُ: وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ جُمُعَةٌ، وَلَا أُضْحِيَّةٌ، قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَجَهِلَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ، وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ إنَّمَا حَدِيثُ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: لَا جُمُعَةَ، وَلَا تَشْرِيقَ، وَلَا أَضْحَى، وَلَا فِطْرَ، إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ، لم يَتَقَدَّمْ غَيْرُهُ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَلْيُعِدْ ذَبِيحَتَهُ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ"، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: ضَحَّى خَالِي أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عِنْدِي جَذَعَةً مِنْ الْمَعْزِ، فَقَالَ: "ضَحِّ بِهَا، وَلَا تَصْلُحُ لِغَيْرِك"، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ ضَحَّى قَبْلَ
الصَّلَاةِ، فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1 عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَلْيُعِدْ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ الْأُضْحِيَّةُ"، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 بِمَعْنَاهُ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ، قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ"، انْتَهَى. احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَبِاَلَّذِي قَبْلَهُ عَلَى الشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٍ فِي مَنْعِهِمَا الْأُضْحِيَّةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ نَحْرِ الْإِمَامِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِمَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ3 عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ الْبَجَلِيِّ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أَضْحَى، قَالَ: فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ بِاللَّحْمِ، وَذَبَائِحِ الْأَضْحَى، فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا ذُبِحَتْ، قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَقَالَ عليه السلام: "مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ حَتَّى صَلَّيْنَا، فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ"، انْتَهَى. وَاحْتَجَّ لَهُمَا بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ4 عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي، أَبُو الزُّبَيْرِ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمَدِينَةِ، فَتَقَدَّمَ رِجَالٌ فَنَحَرُوا، وَظَنُّوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَحَرَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ أَنْ يُعِيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ، وَلَا تَنْحَرُوا حَتَّى يَنْحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ كُلُّهَا أَيَّامُ ذَبْحٍ"، قُلْتُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرحمن5 عن أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "كُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ"، إلَى آخِرِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِتَمَامِهِ فِي الْحَجِّ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ: ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ لَمْ يَلْقَ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ انْقِطَاعًا، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ6 عَنْ أَبِي مُعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ مَرْفُوعًا،
وَأَبُو مُعَيْدٍ بِمُثَنَّاةٍ، فِيهِ لِينٌ، وَأَخْرَجَهُ هُوَ، وَالْبَزَّارُ عَنْ سُوَيْد بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا، قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ قَالَ فِيهِ: عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ إلَّا سُوَيْد بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ لَيْسَ بِالْحَافِظِ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ هُوَ الصَّوَابُ، مَعَ أَنَّ ابْنَ أَبِي حُسَيْنٍ لَمْ يَلْقَ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى لَمْ يُدْرِكْ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى الصَّدَفِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ كُلُّهَا ذَبْحٌ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى عَنْ النَّسَائِيّ، وَالسَّعْدِيِّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَوَافَقَهُمْ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ1 قَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ بِهَذَا الإسناد، انتهى. وقبل: مُعَاوِيَةُ مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ، أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا، وَتَقَدَّمَ نَحْوُهُ فِي الْحَجِّ فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ وَالسِّتِّينَ، وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ2 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْأَضْحَى، يَوْمَانِ بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى، انْتَهَى. مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام: "لَا يُجْزِئُ فِي الضَّحَايَا أَرْبَعَةٌ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ3 عَنْ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ فَيْرُوزَ، قَالَ: سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ عَمَّا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ مِنْ الْأَضَاحِيّ، فَقَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصَابِعِي أَقْصَرُ مِنْ أَصَابِعِهِ، وَأَنَامِلِي أَقْصَرُ مِنْ أَنَامِلِهِ، فَقَالَ: "أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الضَّحَايَا: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلَعُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِي"، انْتَهَى.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: الْعَجْفَاءُ، عِوَضُ: الْكَسِيرِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ عَنْ الْبَرَاءِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْحَجِّ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عن عمرو بن االحارث عن عبيد الله بْنِ فَيْرُوزَ عَنْ الْبَرَاءِ. وَقَالَ: الْعَجْفَاءُ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا1 عَنْ أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْد ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْبَرَاءِ، بِمِثْلِهِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، إنَّمَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ عَنْ الْبَرَاءِ، وَهُوَ مِمَّا أُخِذَ عَلَى مسلم، لاختلاف الناقلين فِيهِ، وَأَصَحُّهُ حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ إنْ سَلِمَ مِنْ أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْد، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَأَيُّوبُ بْنُ سُوَيْد ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، انْتَهَى. قلت: وعلى الحاكم ههنا اعْتِرَاضَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ حَدِيثَ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ عَنْ الْبَرَاءِ لَمْ يَرْوِهِ مُسْلِمٌ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ صَحَّحَ حَدِيثَ أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْد، ثُمَّ جَرَّحَهُ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: "اسْتَشْرِفُوا الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ. فَحَدِيثُ عَلِيٍّ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ2 عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَوْهُ أَيْضًا3 إلَّا أَبَا دَاوُد عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجِّيَّةَ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عَلِيٍّ بِنَحْوِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالثَّمَانِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ أَيْضًا، وَقَالَ: لَمْ يَحْتَجَّ الشَّيْخَانِ بِحُجِّيَّةِ بْنِ عَدِيٍّ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ عَلِيٍّ. وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ: فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ4، وَالطَّبَرَانِيُّ في معجمه الوسط
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الْمُلَائِيِّ الْقُرَشِيِّ ثَنَا أَبُو سِنَانٍ سَعِيدُ بْنُ سِنَانٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ، انْتَهَى. بِلَفْظِ الْبَزَّارِ، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَشْرِفُوا الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا يُرْوَى عَنْ حُذَيْفَةَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْبَزَّارُ: وَزَادَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: "وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ" أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَسَيَأْتِي فِي الْوَصَايَا. الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ، أَمْلَحَيْنِ، مَوْجُوءَيْنِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءَ. أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ2 مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وأبي هريرة، أن االنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ، سَمِينَيْنِ، أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، الْحَدِيثَ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، فَذَكَرَهُ، وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ الْأَخِيرِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، الْحَدِيثَ، وَقَالَ: مَشْهُورٌ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ: فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا، وَالطَّبَرَانِيُّ
فِي مُعْجَمِهِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: ضَحَّى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ، أَمْلَحَيْنِ، مَوْجُوءَيْنِ، خَصِيَّيْنِ، الْحَدِيثَ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ: فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ، قَالَ: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ جَذَعَيْنِ، مَوْجُوءَيْنِ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَوَاشِيهِ: الْمَحْفُوظُ مَوْجُوءَيْنِ1 أَيْ مَنْزُوعَيْ الْأُنْثَيَيْنِ قَالَهُ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيُّ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ، وَغَيْرُهُ: الْوِجَاءُ بِالْكَسْرِ، وَالْمَدِّ رَضُّ عِرْقِ الْأُنْثَيَيْنِ، قاال الْهَرَوِيُّ: وَالْأُنْثَيَانِ بِحَالِهِمَا، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ مَوْجِيَّيْنِ بِغَيْرِ هَمْزٍ، عَلَى التَّخْفِيفِ، وَيَكُونُ مِنْ وَجَيْتُهُ وَجِيًا، فَهُوَ مَوْجِيٌّ، قَالَ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِي أسماعنا، انْتَهَى. وَذَهَلَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ عَنْ السُّنَنِ فَعَزَا هَذَا الْحَدِيثَ لِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ فَقَطْ. قَوْلُهُ: لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم التَّضْحِيَةُ بِغَيْرِ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، قُلْت: أَمَّا الْإِبِلُ، فَفِي مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ بِيَدِهِ يَوْمَ النَّحْرِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً، وَأَمَّا الْبَقَرُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ2 عَنْ جَابِرٍ، وَعَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ، وَأَمَّا الْغَنَمُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافُهُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "ضَحُّوا بِالثَّنَايَا، إلَّا أَنْ يُعْسَرَ عَلَى أَحَدِكُمْ، فَلْيَذْبَحْ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً، إلَّا أَنْ يُعْسَرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "نِعْمَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ4 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ كِدَامِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي كِبَاشٍ، قَالَ: جَلَبْت غَنَمًا جَذَعًا إلَى الْمَدِينَةِ، فَكَسَدَتْ عَلَيَّ، فَلَقِيت أَبَا هُرَيْرَةَ، فَسَأَلْته، فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "نِعْمَ، أَوْ نِعْمَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ"، قَالَ: فَانْتَهَبَهُ النَّاسُ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، قَالَ وَكِيعٌ: الْجَذَعُ يَكُونُ ابْنَ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ وَاقِدٍ، فَرَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ، فَوَقَفَهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ اسْمِ أَبِي كِبَاشٍ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا، فَصَارَتْ لِي جَذَعَةٌ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَارَتْ لِي جَذَعَةٌ، فَقَالَ: "ضَحِّ بِهَا"، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مختصره: وقد رقع لَنَا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْر عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَفِيهِ: وَلَا رُخْصَةَ لِأَحَدٍ فِيهَا بَعْدَك، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ إذَا كَانَتْ مَحْفُوظَةً كَانَتْ رُخْصَةً لَهُ، كَمَا رَخَّصَ لِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ، حِينَ قَالَ: عِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ، فَقَالَ عليه السلام: "اذْبَحْهَا، وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك"، أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، قَالَ: وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 قَالَ: قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ ضَحَايَا، فَأَعْطَانِي عَتُودًا جَذَعًا، قَالَ: فَرَجَعْتُ بِهِ إلَيْهِ، فَقُلْت: إنَّهُ جَذَعٌ، قَالَ: "ضَحِّ بِهِ"، فَضَحَّيْتُ بِهِ، وَفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: حَدِيثُ عُقْبَةَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ، لِقَوْلِهِ: "وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك"، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَفِي هذا نظر، فإن ففي حَدِيثِ عُقْبَةَ أَيْضًا: وَلَا رُخْصَةَ لِأَحَدٍ فِيهَا بَعْدَك، وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ الْمُتَقَدِّمُ مِنْهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِ، وَقَدْ أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى أن الرخضة أَيْضًا لِعُقْبَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، كَمَا كَانَتْ لِأَبِي بُرْدَةَ، انْتَهَى. قُلْت: وَفَاتَهُمْ حديث أبي زيد الْأَنْصَارِيِّ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ أَخْطَبَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَارٍ مِنْ دُورِ الأنصار، فوجد ريح قتارة فَقَالَ: "مَنْ هَذَا الَّذِي ذَبَحَ"؟ فَخَرَجَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنَّا، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ لِأُطْعِمَ أَهْلِي، وَجِيرَانِي، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ، فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، مَا عِنْدِي إلَّا جَذَعٌ، أَوْ حَمَلٌ مِنْ الضَّأْنِ، قَالَ: "اذْبَحْهَا، وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إبْرَاهِيمَ دُحَيْمٌ عَنْ أَنَسِ
بْنِ عِيَاضٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى، مَوْلَى الْأَسْلَمِيِّينَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ بِلَالٍ بِنْتِ هِلَالٍ عَنْ أَبِيهَا هِلَالٍ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يَجُوزُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ أُضْحِيَّةً"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام ضَحَّى عَنْ أُمَّتِهِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ. الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ، فَكُلُوا مِنْهَا وَادَّخِرُوا"، قُلْت: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ1 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: "كُلُوا، وَتَزَوَّدُوا، وَادَّخِرُوا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا تَأْكُلُوا لَحْمَ الْأَضَاحِيّ، فَوْقَ ثَلَاثٍ"، فَشَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لَهُمْ عِيَالًا، وَحَشَمًا، وَخَدَمًا، فَقَالَ: "كُلُوا، وَأَطْعِمُوا، وَاحْبِسُوا، وَادَّخِرُوا"، انْتَهَى. وَوَهَمَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، فَرَوَاهُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الْأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ، وَيَجْعَلُونَ فِيهَا الْوَدَكَ، قَالَ: "وَمَا ذَاكَ"؟ قَالُوا: نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الْأَضَاحِيّ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَقَالَ: "إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، فَكُلُوا، وَادَّخِرُوا، وَتَصَدَّقُوا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ2 قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ ضَحَّى منكم، فلا يصحبن بَعْدَ ثَالِثَةٍ، وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ"، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فعلنا عام الْمَاضِيَ؟ قَالَ: "كُلُوا، وَأَطْعِمُوا، وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ، فَأَرَدْت أَنْ تُعِينُوا فِيهَا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد3 عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّا كُنَّا نَهَيْنَاكُمْ عَنْ لُحُومِهَا أَنْ تَأْكُلُوهَا فَوْقَ ثَلَاثٍ، لِكَيْ تَسَعَكُمْ، جَاءَ اللَّهُ بِالسَّعَةِ، فَكُلُوا، وَادَّخِرُوا، وَاتَّجِرُوا، أَلَا وَإِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّةٍ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ"، قُلْتُ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ4 فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَجِّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ الْمِصْرِيِّ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِهِ سَوَاءً، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، ولم يخرجاه، ورواه االبيهقي فِي سُنَنِهِ.
الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام لِعَلِيٍّ: "تَصَدَّقْ بِجَلَالِهَا وَخِطَامِهَا، وَلَا تُعْطِ أَجْرَ الْجَزَّارِ مِنْهَا"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بَدَنَتِهِ، وَأُقَسِّمَ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا، وَقَالَ: "نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا"، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهَدْيِ، وَالْمُصَنِّفُ احْتَجَّ بِهِ، وَبِاَلَّذِي قَبْلَهُ عَلَى كَرَاهِيَةِ بَيْعِ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ، مَعَ جَوَازِهِ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَقَدْ احْتَجَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِظَاهِرِ هَذَا الثَّانِي عَلَى التَّحْرِيمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام لِفَاطِمَةَ: "قَوْمِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَكِ، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. أَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ: فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِفَاطِمَةَ: "قُومِي إلَى أُضْحِيَّتِك فَاشْهَدِيهَا، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْتِيهِ، وَقُولِي: " {إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ} إلى قوله: {مِنَ الْمُسْلِمِينَ} "، قَالَ: عِمْرَانُ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَك، وَلِأَهْلِ بَيْتِك خَاصَّةً، أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ: "لَا، بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لِلْمُسْتَدْرَكِ: أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ ضَعِيفٌ جِدًّا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَذَكَرَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا2 مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا فَاطِمَةُ قُومِي إلَى أُضْحِيَّتِك فَاشْهَدِيهَا فَإِنَّ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا أَنْ يُغْفَرَ لَك مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِكِ"، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ خَاصَّةً، أَوْ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ: "لَا، بَلْ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَعَطِيَّةُ وَاهٍ، قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ لَهُ طَرِيقًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَعَمْرُو بْنُ قَيْسٍ كَانَ مِنْ أَفَاضِلِ الْكُوفَةِ وَعُبَّادِهِمْ، مِمَّنْ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَأَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمُ بْنُ أَيُّوبَ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ التَّرْغِيبِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَا فَاطِمَةُ"، إلَى آخِرِهِ، قَالَ أَبُو الْفَتْحِ: وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ هُوَ أَبُو حَمَّادِ بْنُ زَيْدٍ، انْتَهَى.
كتاب الكراهية
كتاب الكراهية النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة ... كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام فِي الَّذِي يَشْرَبُ مِنْ إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: "إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ فِضَّةٍ، إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "مَنْ شَرِبَ فِي إنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: "الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ"، وَلَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ الْأَكْلَ، وَلَا ذَكَرَ الذَّهَبَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَشْرِبَةِ، وَمُسْلِمٌ فِي أَوَّلِ اللِّبَاسِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَارِي ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِنَحْوِهِ، وَزَادَ: فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، أَوْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَيَحْيَى الْجَارِي فِيهِ مَقَالٌ، أَخْرَجَاهُ فِي الطَّهَارَةِ قَالَ فِي الْإِمَامِ: الْآنِيَةُ جَمْعُ إنَاءٍ، نَحْوُ حِمَارٍ وَأَحْمِرَةٍ، لَا كَمَا يَظُنُّ الْعَامَّةُ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ، وَهُوَ غَلَطٌ، وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ فِي صِفَةِ الْحَوْضِ: آنِيَةٌ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أُتِيَ بِشَرَابٍ فِي إنَاءِ فِضَّةٍ،، فَلَمْ يَقْبَلْهُ، وَقَالَ: نَهَانَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ، قُلْت: غَرِيبٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ حُذَيْفَةَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: اسْتَسْقَى حُذَيْفَةُ، فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ فِي إنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ، فَقَالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ، وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي
صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1 في الأشربة وفي الأطعمة وَاللِّبَاسِ، وَمُسْلِمٌ فِي الْأَطْعِمَةِ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْأَشْرِبَةِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَشْرِبَةِ وَاللِّبَاسِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الزِّينَةِ وَفِي الْوَلِيمَةِ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ"، قُلْت: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ2 بِمَعْنَاهُ الصَّحِيحِ فِي النِّكَاحِ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عِيَاضٍ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا، وَيُدْعَى إلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ"، انْتَهَى. هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ إلَّا التِّرْمِذِيَّ مَوْقُوفًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، يُدْعَى إلَيْهَا الْأَغْنِيَاءُ، وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ دَعْوَةً فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي النِّكَاحِ، وَأَبُو دَاوُد فِي الْأَطْعِمَةِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْوَلِيمَةِ، وَلَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 فِي الْأَطْعِمَةِ حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ عَنْ دُرُسْتَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ طَارِقٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا، وَخَرَجَ مُغِيرًا"، انْتَهَى. وَأَبَانُ بْنُ طَارِقٍ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هُوَ شَيْخٌ مَجْهُولٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا يُعْرَفُ إلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا الْحَدِيثُ إلَّا بِهِ، وَدُرُسْتُ بْنُ زِيَادٍ أَيْضًا لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَقِيلَ: هُوَ دُرُسْتُ بْنُ حَمْزَةَ، وَقِيلَ: بَلْ هُمَا اثْنَانِ ضَعِيفَانِ، قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ، لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى وَلِيمَةٍ فَلْيُجِبْهَا، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ"، انْتَهَى.
فصل في اللبس
فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَقَالَ: "إنَّمَا يَلْبَسُهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ"، قُلْت: هُمَا حَدِيثَانِ: فَالْأَوَّلُ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ حُذَيْفَةَ، وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فَحُذَيْفَةُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ، وَلَا الدِّيبَاجَ، وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ"، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ1 قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، وَفِيهِ: وَعَنْ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ، وَالثَّانِي: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رأى حلة سيراء عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلِلْوَفْدِ إذَا قَدِمُوا عَلَيْك، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ"، ثُمَّ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا حُلَلٌ، فَأَعْطَى عُمَرَ مِنْهَا حُلَّةً، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتَنِيهَا، وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا"، فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا، انْتَهَى. وَهَذَا الْأَخُ، كَانَ أَخَا عُمَرَ مِنْ أُمِّهِ. صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ عِنْدَ النَّسَائِيّ، قَالَ: فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مِنْ أُمِّهِ مُشْرِكًا، قِيلَ: إنَّ اسْمَهُ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، فَأَمَّا أَخُوهُ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ فَإِنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ، رَوَاهُ فِي الْجُمُعَةِ وَاللِّبَاسِ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ: مِنْهُمْ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّهُ عليه السلام خَرَجَ وَبِإِحْدَى يَدَيْهِ حَرِيرٌ، وَبِالْأُخْرَى ذَهَبٌ، وَقَالَ: "هَذَانِ حَرَامَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي، حَلَالٌ لِإِنَاثِهِمْ"، قُلْت: حَدِيثُ عَلِيٍّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ فِي اللِّبَاسِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الزِّينَةِ3
وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ، وَأَخَذَ ذَهَبًا، فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: "إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي"، زَادَ ابْنُ مَاجَهْ: "حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ". انْتَهَى. وَلِحَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ جِهَةِ اللَّيْثِ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ قُتَيْبَةُ عَنْهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي أَفْلَحَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ هَكَذَا، هَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي الصَّعْبَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ هَمْدَانَ، يُقَالُ لَهُ: أَفْلَحُ عَنْ ابْنِ زُرَيْرٍ، وَرَوَاهُ عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ أَبِي الصَّعْبَةِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ هَمْدَانَ يُقَالُ لَهُ: أَبُو أَفْلَحَ1 عَنْ ابْنِ زُرَيْرٍ، هَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَقَالَ: وَحَدِيثُ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، إلَّا قَوْلَهُ: عَنْ أَفْلَحَ، فَإِنَّ أَبَا أَفْلَحَ، أَوْلَى بِالصَّوَابِ، انْتَهَى. الْوَجْهُ الثَّانِي: مِنْ جِهَةِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي الصَّعْبَةِ عَنْ أَبِي أَفْلَحَ الْهَمْدَانِيِّ، رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَمِنْ جِهَتِهِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَمِنْ جِهَتِهِ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ: عَنْ أَبِي الْأَفْلَحِ بِالتَّعْرِيفِ، وَذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ جِهَةِ النَّسَائِيّ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرِجَالُهُ مَعْرُوفُونَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هَكَذَا قَالَ: وَأَبُو أَفْلَحَ مَجْهُولٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زُرَيْرٍ مَجْهُولُ الْحَالِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زُرَيْرٍ ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ2 وَوَثَّقَهُ، وَقَالَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إحْدَى وَثَمَانِينَ، فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُهُ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ إلَّا لِلنَّسَائِيِّ فَقَطْ، وَقَلَّدَ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ، وَكَأَنَّهُ نَظَرَ أَحْكَامَ عَبْدِ الْحَقِّ، فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَتِهِ فَقَطْ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "حُرِّمَ لِبَاسُ الْحَرِيرِ، وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي، وَأُحِلَّ لِإِنَاثِهِمْ"، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعُقْبَةَ بْنِ عامر، وأم هاني، وَأَنَسٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي رَيْحَانَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَالْبَرَاءِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: وَخَبَرُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ
عَنْ أَبِي مُوسَى فِي هَذَا الْبَابِ مَعْلُولٌ لَا يَصِحُّ، انتهى. وقال االدارقطني فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: وَقَدْ رَوَاهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي مُرَّةَ، مَوْلَى عَقِيلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى، وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: وَهَذَا أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي هِنْدٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي مُوسَى شَيْئًا، وَرَوَاهُ سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى، وَوَهَمَ فِي مَوْضِعَيْنِ، فِي قَوْلِهِ: سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، وَإِنَّمَا هُوَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، وَفِي تَرْكِهِ نَافِعًا مِنْ الْإِسْنَادِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ فِي بَابِ مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَاخْتَلَفَ عَنْهُ، فَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ، لِإِنَاثِ أُمَّتِي، وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا"، وَتَابَعَهُ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَكِلَاهُمَا وَهَمَ، فَقَدْ رَوَى طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: قُلْت لِابْنِ عُمَرَ: سَمِعْتَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَرِيرِ شَيْئًا: قَالَ: لَا، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وَهَمِهِمَا، وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى، وَسَعِيدٌ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي مُوسَى، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مُسْنَدِ أَبِي مُوسَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: فَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ الْأَفْرِيقِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي إحْدَى يَدَيْهِ ثَوْبٌ مِنْ حَرِيرٍ، وَفِي الْأُخْرَى ذَهَبٌ، فَقَالَ: "إنَّ هَذَيْنِ مُحَرَّمٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي، حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ1 عَنْ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عُمَرَ، بِنَحْوِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو سَوَاءً، قَالَ الْبَزَّارُ: وَعَمْرُو بْنُ جَرِيرٍ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ غَيْرِ عُمَرَ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ حَدِيثًا ثَابِتًا، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ2 أَيْضًا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ الصَّائِغُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ سَوَاءٌ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ بِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ1 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثَنَا عَبَّادٌ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ثَنَا ابْنُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَخْبَرَتْنِي أُنَيْسَةُ بِنْتُ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ حِلٌّ لِإِنَاثِ أُمَّتِي، حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِهَا"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ قِيرَاطٍ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ بنت وائلة عَنْ أَبِيهَا، بِنَحْوِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، سَوَاءً. وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ: فَرَوَاهُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ فِي تَارِيخِ مِصْرَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَمَّادِ زُغْبَةُ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ ثَوْبَانَ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي رُقَيَّةَ سَمِعْتُ مَسْلَمَةً بْنَ مَخْلَدٍ سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، بِلَفْظِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، إلَّا مَوْضِعَ إصْبَعَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ، أَوْ أَرْبَعَةٍ، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ، فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، إلَّا مَوْضِعَ إصْبَعَيْنِ، أَوْ ثَلَاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْفَعْهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ غَيْرُ قَتَادَةَ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، فَلَعَلَّهُ بَلَّغَهُ عَنْهُ، وَقَدْ رَوَاهُ بَيَانٌ، وَدَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ، وَابْنُ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ سُوَيْد عَنْ عمر، من قَوْلُهُ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ النَّسَائِيّ مَوْقُوفًا، وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ3 إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ، وَنَحْنُ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ بِأَذْرَبِيجَانَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْحَرِيرِ، إلَّا هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْنِ اللَّتَيْنِ تَلِيَانِ الْإِبْهَامَ، قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: فِيمَا عَلِمْنَا4 أَنَّهُ يَعْنِي الْإِعْلَامَ، انْتَهَى. زَادَ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ فِيهِ: إلَّا هَكَذَا، وَهَكَذَا، إصْبَعَيْنِ، وَثَلَاثَةً، وَأَرْبَعَةً.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ جُبَّةً مَكْفُوفَةً بِالْحَرِيرِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَبِي عُمَرَ، مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي السُّوقِ، وَقَدْ اشْتَرَى ثَوْبًا شَامِيًّا، فَرَأَى فِيهِ خَيْطًا أَحْمَرَ، فَرَدَّهُ، فَأَتَيْت أَسْمَاءَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لها، فقال: يَا جَارِيَةُ نَاوِلِينِي جُبَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْرَجَتْ لِي جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ كِسْرَوَانِيَّةٍ، لَهَا لِينَةُ دِيبَاجٍ، وَفَرْجَاهَا مَكْفُوفَانِ بِالدِّيبَاجِ، فَقَالَتْ: كَانَتْ هَذِهِ عِنْدَ عَائِشَةَ، حَتَّى قُبِضَتْ، فَلَمَّا قُبِضَتْ، أَخَذْتُهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا للمرضى نستشفي بِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ: فَأَخْرَجَتْ لِي جُبَّةً مَكْفُوفَةَ الْجَيْبِ، وَالْكُمَّيْنِ، وَالْفَرْجَيْنِ بِالدِّيبَاجِ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ في كتابه المفرد في الأدب، وَلَفْظُهُ: قَالَ: أَخْرَجَتْ لِي أَسْمَاءُ جُبَّةً مِنْ طَيَالِسَةٍ عَلَيْهَا لِينَةُ، شِبْرٍ مِنْ دِيبَاجٍ، وَأَنَّ فَرْجَيْهَا مَكْفُوفَانِ بِهِ، فَقَالَتْ: هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُهَا لِلْوَفْدِ وَلِلْجُمُعَةِ، انْتَهَى. وَفِي الْبَابِ: حَدِيثُ خَصِيفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُصْمَتِ مِنْ الْحَرِيرِ، فَأَمَّا الْعَلَمُ وَشَبَهُهُ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. قَالَ السَّرَقُسْطِيُّ: الْمُصْمَتُ الْمُبْهَمُ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: إيَّاكُمْ وَزِيَّ الْأَعَاجِمِ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ يَقُولُ: أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ، وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ، أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّزِرُوا، وَارْتَدُوا، وَانْتَعِلُوا، وَارْمُوا بِالْخِفَافِ، وَاقْطَعُوا السَّرَاوِيلَاتِ، وَعَلَيْكُمْ بِلِبَاسِ أَبِيكُمْ إسْمَاعِيلَ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ، وَزِيَّ الْعَجَمِ، وَعَلَيْكُمْ بِالشَّمْسِ، فَإِنَّهَا حَمَّامُ الْعَرَبِ، اخشوشنوا، وَاخْلَوْلِقُوا، وَارْمُوا الْأَغْرَاضَ، وَانْزُوا نَزْوًا، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا عَنْ الْحَرِيرِ، إلَّا هَكَذَا، وَضَمَّ إصْبَعَيْهِ: السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي الْبَابِ التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ، عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ إلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ ثَنَا أَبُو النَّضْرِ ثَنَا شُعْبَةُ بِهِ، سَوَاءً، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ: وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ، وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَلَبُوسَ الْحَرِيرِ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْأَثَرِ لِلصَّاحِبَيْنِ عَلَى كَرَاهِيَةِ تَوَسُّدِ الْحَرِيرِ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ لَكَانَ أَوْلَى، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: نَهَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا،
وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ أَجِدْ الْحُمَيْدِيَّ ذَكَرَهُ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى مِرْفَقَةِ حَرِيرٍ، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا. ويُشْكِلُ عَلَى الْمَذْهَبِ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ, قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ, وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا, وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ, وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ, انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. قَوْلُهُ: وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى بِسَاطِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِرْفَقَةُ حَرِيرٍ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الثِّقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهِيَ فِي أَوَّلِ الطَّبَقَةِ الْخَامِسَةِ مِمَّنْ مَاتَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ رَاشِدٍ، مَوْلَى لِبَنِي عَامِرٍ، قَالَ: رَأَيْت عَلَى فِرَاشِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِرْفَقَةَ حَرِيرٍ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي الْمِقْدَامِ عَنْ مُؤَذِّنِ بَنِي وَادِعَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى مِرْفَقَةِ حَرِيرٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: اُنْظُرْ كَيْفَ تُحَدِّثُ عَنِّي، فَإِنَّك حَفِظْتَ عَنِّي كَثِيرًا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: رَوَى الشَّعْبِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي لِبَاسِ الْحَرِيرِ عِنْدَ الْقِتَالِ، قُلْت: غَرِيبٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ عَنْ عِيسَى بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ الْهَاشِمِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لِبَاسِ الْحَرِيرِ عِنْدَ الْقِتَالِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ بِعِيسَى هَذَا، وَقَالَ: إنَّهُ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ، بَلْ مَتْرُوكٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَبَقِيَّةُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَعِيسَى ضَعِيفٌ، وَمُوسَى بْنُ أَبِي حَبِيبٍ ضَعِيفٌ أَيْضًا، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ1 فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَلْبَسُونَ الْحَرِيرَ فِي الْحَرْبِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَلْبَسُونَ الْخَزَّ، قُلْت: فِيهِ آثَارٌ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ2 فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: رَأَيْت عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يَلْبَسُ الْخَزَّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مُطْرَفَ خَزٍّ، انْتَهَى1 وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، قَالَ: رَأَيْت عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ جُبَّةَ خَزٍّ، وَكِسَاءَ خَزٍّ، وَأَنَا أَطُوفُ بِالْبَيْتِ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي الْبَابِ التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْعَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ، قَالَ: رَأَيْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ، وَعَلَيْهِ كِسَاءُ خَزٍّ، انْتَهَى2 وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ ثَنَا الْمُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ السُّدِّيَّ، قَالَ: رَأَيْت الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةُ خَزٍّ، وَقَدْ أَخْرَجَ شَعْرَهُ مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ سَمِعَ صَفْوَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ يَقُولُ: اسْتَأْذَنَ سَعْدٌ عَلَى ابْنِ عَامِرٍ، وَتَحْتَهُ مَرَافِقُ مِنْ حَرِيرٍ، فَأَمَرَ بِهَا، فَرُفِعَتْ فَدَخَلَ سَعْدٌ، وَعَلَيْهِ مُطْرَفُ خَزٍّ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَامِرٍ، اسْتَأْذَنْتَ عَلَيَّ، وَتَحْتِي مَرَافِقُ مِنْ حَرِيرٍ، فَأَمَرَ بِهَا فَرُفِعَتْ، فَقَالَ لَهُ: نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ يَا ابْنَ عَامِرٍ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ سِتَّةً3 مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُونَ الْخَزَّ، سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ4 فِي الشُّعَبِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ
عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ الْخَزَّ، وَقَالَ: إنَّمَا يُكْرَهُ الْمُصْمَتُ مِنْ الْحَرِيرِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ عَنْ عِمْرَانَ الْقَطَّانِ أَخْبَرَنِي عَمَّارٌ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي قَتَادَةَ مُطْرَفَ خَزٍّ، وَرَأَيْتُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ مُطْرَفَ خَزٍّ، وَرَأَيْت عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، مَا لَا أُحْصِي، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: رَأَيْت عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى مُطْرَفَ خَزٍّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ1 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمَّانِيُّ عَنْ أَبِي سَعْدٍ الْبَقَّالِ، قَالَ: رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى، وَعَلَيْهِ بُرْنُسُ خَزٍّ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ لِأَبِي بَكْرَةَ مُطْرَفُ خَزٍّ، سَدَاهُ حَرِيرٌ، فَكَانَ يَلْبَسُهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ2 أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَ عُيَيْنَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ ثَنَا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ ثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يُونُسَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، قَالَ: رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَابْنَ عباس، وأبا هرير، وَأَبَا قَتَادَةَ يَلْبَسُونَ مَطَارِفَ الْخَزِّ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي قَتَادَةَ، وَاسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَوَيْرِيَةَ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ رُبَّمَا لَبِسَ مُطْرَفَ الْخَزِّ، ثَمَنُهُ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى ثَنَا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: رَأَيْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً3 وَكَانَ جَلْدًا مُعْتَدِلًا، وَكَانَ عَلَيْهِ كِسَاءُ خَزٍّ، وَجُبَّةُ خَزٍّ، وَقَطِيفَةُ خَزٍّ، مُلْتَحِفًا بِهَا عَلَيْهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ إسْحَاقُ أَيْضًا: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ الْمُلَائِيُّ ثَنَا فطر بْنُ خَلِيفَةَ، مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ مُطْرَفَ خَزٍّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي كِتَابِ الْكُنَى أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ ثَنَا أَبُو جَارِيَةَ بْنُ بَلْجٍ1 قَالَ: رَأَيْتُ لُبَيَّ بن لبا2 رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ مُطْرَفُ خَزٍّ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ3 أَخْبَرَنَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيَّ أَنَّ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو الْمُزَنِيّ كَانَ يَلْبَسُ الْخَزَّ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي4 ثَنَا إدْرِيسُ بْنُ أَبِي الرَّبَابِ ثَنَا رُدَيْحُ بْنُ عَطِيَّةَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ، قَالَ: رَأَيْت أَبَا أُبَيٍّ ابْنَ أُمِّ حَرَامٍ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ صَلَّى مَعَ الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ كِسَاءُ خَزٍّ، انْتَهَى. وَابْنُ أُمِّ حَرَامٍ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَهُوَ ابْنُ امْرَأَةِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: وَرُوِيَ فِيهِ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عِيسَى بْنِ الْمُنْذِرِ ثَنَا أَبِي ثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ، قَالَ: أَدْرَكْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُقَالُ لَهُ: الْأَفْطَسُ، فَرَأَيْت عَلَيْهِ ثَوْبَ خَزٍّ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ1 فِي تَرْجَمَةِ عُثْمَانَ أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ ثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى حَدَّثَنِي الْأَعْرَجُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مُطْرَفَ خَزٍّ، ثمنه مائتي دِرْهَمٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ2 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الدَّشْتَكِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلًا بِبُخَارَى عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ، عَلَيْهِ عِمَامَةُ خَزٍّ سَوْدَاءُ، وَقَالَ: كَسَانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، فَقَالَ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، وَأَبُوهُ، وَالرَّجُلُ الَّذِي ادَّعَى الصُّحْبَةَ، كُلُّهُمْ لَا يُعْرَفُونَ، أَمَّا سَعْدٌ وَالِدُ عَبْدِ اللَّهِ فَلَا يُعْرَفُ، رَوَى عَنْهُ غَيْرُ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ، وَأَمَّا أَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ فَقَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَلَهُ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الدَّشْتَكِيُّ، مَرْوَزِيٌّ، صَدُوقٌ، وَلَهُ ابْنٌ اسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، وَهُوَ شَيْخٌ لِأَبِي دَاوُد، وَعَنْهُ يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ، انْتَهَى. الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ3 عَنْ خَصِيفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ الْحَرِيرِ، فَأَمَّا الْعَلَمُ مِنْ الْحَرِيرِ، وَسَدَا الثَّوْبِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. وَخُصَيْفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. حَدِيثٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ4 عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ، أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يستحلون الخز وَالْحَرِيرَ"، وَذَكَرَ كَلَامًا، قَالَ: يمسخ منهم آخرين قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ5 تَعْلِيقًا، فَقَالَ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ: وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: ثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنَمٍ بِهِ، قِيلَ: وَرَوَاهُ الْبَرْقَانِيُّ، وَالْإِسْمَاعِيلِيّ فِي صَحِيحَيْهِمَا الْمُخْرَجَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا بِوَجْهَيْنِ: يَسْتَحِلُّونَ الْحَرَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ قَالَ: وَهُوَ الزِّنَا، وَرُوِيَ بِخَاءٍ، وَزَايٍ قَالَ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَرَأَيْت فِي حَاشِيَتِهِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْحِرُ
بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَأَصْلُهُ حَرَحٌ، فَنَقَصُوا فِي الْوَاحِدِ، وَأَثْبَتُوا فِي الْجَمْعِ، فَقَالُوا: حِرٌ، وَثَلَاثُ أَحْرَاحٍ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إلَّا بِالْخَاتَمِ، وَالْمِنْطَقَةِ، وَحِلْيَةِ السَّيْفِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ جَاءَ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ آثَارٌ، قُلْت: أَمَّا الْخَاتَمُ فَأَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، لَهُ فَصٌّ حَبَشِيٌّ، وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجُوهُ2 إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إلَى بَعْضِ الْأَعَاجِمِ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إلَّا بِخَاتَمٍ، فَاِتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَكَانَ فِي يَدِهِ حَتَّى قُبِضَ، وَفِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ، وَفِي يَدِ عُمَرَ حَتَّى قُبِضَ، وَفِي يَدِ عُثْمَانَ حَتَّى سَقَطَ مِنْهُ فِي بِئْرِ أَرِيسَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَنُزِحَتْ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ السَّيْفِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْجِهَادِ3 وَالنَّسَائِيُّ فِي الزِّينَةِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِضَّةً، وَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ كَانَ نَعْلُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ، وَقَبِيعَةُ سَيْفِهِ فِضَّةً، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ حِلَقُ فِضَّةٍ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَهَكَذَا رَوَى هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَبَعْضُهُمْ رَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ هَمَّامٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ عِنْدُ النَّسَائِيّ4 أَخْرَجَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ عَنْ هَمَّامٍ، وَجَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. وَالصَّوَابُ قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدٍ مُرْسَلًا، وَمَا رَوَاهُ عَنْ هَمَّامٍ غَيْرُ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ، انْتَهَى. وَهَذَا الْمُرْسَلُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ5 عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَتْ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: الَّذِي أَسْنَدَهُ ثِقَةٌ، وَهُوَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ:
هَذَا حَدِيثٌ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَتَادَةَ، فَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ حِلْيَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَرَوَاهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَنَضْرُ بْنُ ظَرِيفٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَخِي الْحَسَنِ مُرْسَلًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ1 عَنْ طَالِبِ بْنِ حُجَيْرٍ عَنْ هُودِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جَدِّهِ مَزِيدَةَ الْعَصْرِيِّ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَعَلَى سَيْفِهِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ2، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَإِنَّمَا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْمَسَانِيدَ عَلَى عَادَتِهِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ عِنْدِي ضَعِيفٌ لَا حَسَنٌ، فَإِنَّ هُودَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ بَصْرِيٌّ، لَا مَزِيدَ فِيهِ عَلَى مَا فِي الْإِسْنَادِ مِنْ رِوَايَةٍ عَنْ جَدِّهِ، وَرِوَايَةُ طَالِبِ بْنِ حُجَيْرٍ عَنْهُ، فَهُوَ مَجْهُولُ الْحَالِ، وَطَالِبُ بْنُ حُجَيْرٍ أَبُو حُجَيْرٍ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَى عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ، وَسُئِلَ عَنْهُ الرَّازِيَّانِ. فَقَالَا: شَيْخٌ، يَعْنِيَانِ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا هُوَ صَاحِبُ رِوَايَةٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا. وَقَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِهِ وَصَدَقَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي تَضْعِيفِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ مُنْكَرٌ، فِيهِ طَالِبُ بْنُ حُجَيْرٍ، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ، فَمَا عَلِمْنَا فِي حِلْيَةِ سَيْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ ثَنَا أَبُو الْحَكَمِ حَدَّثَنِي مَرْزُوقٌ الصَّيْقَلُ، أَنَّهُ صَقَلَ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا الْفَقَارِ، وَكَانَتْ لَهُ قَبِيعَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَحِلَقٌ مِنْ فِضَّةٍ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَأَبُو الْحَكَمِ هَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْرِيفِ بِحَالِهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْجِهَادِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: رَأَيْتُ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمَتُهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَنَعْلُهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَبَيْنَ ذَلِكَ حِلَقٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَهُوَ عِنْدُ هَؤُلَاءِ يَعْنِي بَنِي الْعَبَّاسِ، انْتَهَى. الْآثَارُ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ سَيْفُ الزُّبَيْرِ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ، وَكَانَ سَيْفُ عُرْوَةَ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي بَيْتِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَيْفًا قَبِيعَتُهُ مِنْ فِضَّةٍ، فَقُلْتُ: سَيْفُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: سَيْفُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ تَقَلَّدَ سَيْفَ عُمَرَ يَوْمَ قَتْلِ عُثْمَانَ، وَكَانَ مُحَلًّى، قُلْتُ: كَمْ كَانَتْ حِلْيَتُهُ؟ قَالَ: أَرْبَعُمِائَةٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا الْمِنْطَقَةُ فَفِي كِتَابُ عُيُونِ الْأَثَرِ لِلشَّيْخِ أَبِي الْفَتْحِ بْنِ سَيِّدِ النَّاسِ الْيَعْمُرِيِّ، قَالَ: وَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْطَقَةٌ مِنْ أَدِيمٍ مَنْشُورٍ ثَلَاثٌ، حِلَقُهَا وَإِبْزِيمهَا1، وَطَرَفُهَا فِضَّةٌ، انْتَهَى. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: قَالَ: مَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ أَغَارُوا عَلَى الذَّهَبِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَخَذُوا مَا أَخَذُوا مِنْ الذَّهَبِ، بَقِيَ مَعَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، رَجَعَ بِهِ حَيْثُ غَشِيَنَا الْمُشْرِكُونَ، وَاخْتَلَطُوا، إلَّا رَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَفْلَحِ، جَاءَ بِمِنْطَقَةٍ وَحْدَهَا فِي الْعَسْكَرِ، فِيهَا خَمْسُونَ دِينَارًا، شَدَّهَا عَلَى حَقْوَيْهِ، مِنْ تَحْتِ ثِيَابِهِ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ جَاءَ بِصُرَّةٍ فِيهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِثْقَالًا، فَنَفَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُخَمِّسْهُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى رَجُلٍ خَاتَمَ صُفْرٍ، فَقَالَ: "مَا لِي أَجِدُ مِنْك رَائِحَةَ الْأَصْنَامَ"؟ وَرَأَى عَلَى آخَرَ خَاتَمَ حَدِيدٍ، فَقَالَ: "مَا لِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ"؟. قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 فِي كِتَابِ الْخَاتَمِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي اللِّبَاسِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الزِّينَةِ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ السُّلَمِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: "مَا لِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ"؟ ثُمَّ جَاءَهُ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ شِبْهٍ، فَقَالَ: "مَا لِي أَجِدُ مِنْك رِيحَ الْأَصْنَامِ"؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ؟ قَالَ: "اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ، وَلَا تُتِمَّهُ مِثْقَالًا"، انْتَهَى. زَادَ التِّرْمِذِيُّ: ثُمَّ جَاءَهُ، وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: "مَا لِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"؟ وَقَالَ: صُفْرٌ، عِوَضُ: شِبْهٍ، وَقَالَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ، يُكَنَّى أَبَا طِيبَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالثَّمَانِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَذَكَرَ أَحْمَدُ فِيهِ زِيَادَةَ التِّرْمِذِيِّ، دُونَ الْبَاقِينَ. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: وَرَأَى عَلَى آخَرَ، لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ رَجُلٌ وَاحِدٌ، كَمَا هُوَ فِي الْحَدِيثِ.
الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا الْبُخَارِيَّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْقِسِيِّ، وَالْمُعَصْفَرِ، وَعَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ2 عَنْ هُبَيْرَةَ بن بريم عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ، وَعَنْ الْقِسِيِّ، وَعَنْ الْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ، وَعَنْ الْجِعَةِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهُ وَهُوَ قِسْمُ النَّوَاهِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الِاسْتِئْذَانِ، وَالْبَاقُونَ فِي اللِّبَاسِ، وَلَقَدْ أَبْعَدَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ إذْ اسْتَشْهَدَ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي يَدِ رَجُلٍ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ، وَقَالَ: " يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ"، فَقِيلَ للرجل بعد ما ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذْ خَاتَمَك انْتَفِعْ بِهِ، قَالَ: لَا وَاَللَّهِ، لَا آخُذُهُ أَبَدًا، وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاَلَّذِي قَلَّدَهُ الشَّيْخُ قَالَ: حَدِيثُ عَلِيٍّ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا جَهْلٌ فَاحِشٌ، فَهُوَ فِي الصَّحِيحِ وَفِي السُّنَنِ بِلَفْظِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَيْتَهُ اسْتَشْهَدَ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ4 عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ، انْتَهَى. وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، وَفِيهِ: وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمَ، أَوْ عَنْ تَخَتُّمٍ بِالذَّهَبِ، أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ5. الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ، فَأَنْتَنَ، فَأَمَرَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ. قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 فِي الْخَاتَمِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي اللِّبَاسِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الزِّينَةِ عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ أَنَّ جَدَّهُ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ، فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ، فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ، انْتَهَى. هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ بِهِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ بِهِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ عَرْفَجَةَ بِنَحْوِهِ، وَزَادَ: قَالَ يَزِيدُ: فَقُلْتُ لِأَبِي الْأَشْهَبِ: أَدْرَكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ طَرَفَةَ جَدَّهُ عَرْفَجَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ عَرْفَجَةَ، قَالَ: أُصِيبَ أَنْفِي، فَذَكَرَهُ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يزيد الواسطي بن أَبِي الْأَشْهَبِ نَحْوُهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، إنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ، رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو الْأَشْهَبِ، وَقَدْ رَوَاهُ سَلَمُ بْنُ زُرَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ، نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي الْأَشْهَبِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ شَدُّوا أَسْنَانَهُمْ بِالذَّهَبِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لَهُمْ، انْتَهَى. وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابُ مَا جَاءَ فِي شَدِّ الْأَسْنَانِ بِالذَّهَبِ وَرِوَايَةُ سَلَمِ بْنِ زُرَيْرٍ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيّ عَنْهُ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ طَرَفَةَ عَنْ جَدِّهِ عَرْفَجَةَ، فَذَكَرَهُ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ طَرَفَةَ عَنْ عَرْفَجَةَ بْنِ أَسْعَدَ وَكَانَ جَدَّهُ وَحَدَّثَنِي أَنَّهُ رَأَى جَدَّهُ، قَالَ: أُصِيبَتْ أَنْفُهُ، الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ أَنَّ جَدَّهُ عَرْفَجَةَ بْنُ أَسْعَدَ أُصِيبَ أَنْفُهُ، الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثامن والتسعين، منن الْقِسْمِ الْأَوَّلِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ ثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ أَنَّ جَدَّهُ عَرْفَجَةَ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ جَعْفَرُ بْنُ حَيَّانَ بِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْأَشْهَبِ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ، فَالْأَكْثَرُ يَقُولُ: عَنْهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ بْنِ عَرْفَجَةَ عَنْ جَدِّهِ، وَابْنُ عُلَيَّةَ يَقُولُ: عَنْهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طُرْفَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَرْفَجَةَ، قَالَ: فَعَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَدِّثِينَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ مُنْقَطِعَةً، فَإِنَّهَا مُعَنْعَنَةٌ، وَقَدْ زَادَ فِيهَا ابْنُ عُلَيَّةَ وَاحِدًا، وَلَا يَدْرِي هَذَا قَوْلُهُمْ: إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ طَرَفَةَ سَمِعَ جَدَّهُ، وقول يزبد بْنِ زُرَيْعٍ: إنَّهُ سَمِعَ مِنْ جَدِّهِ، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: إنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ، وَقَدْ أَدْخَلَ بَيْنَهُمَا فِيهِ الْأَبَ،
وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ طَرَفَةَ الْمَذْكُورَ لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا يُعْرَفُ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ أَبِي الْأَشْهَبِ، وَإِنْ اُحْتِيجَ فِيهِ إلَى أَبِيهِ طرفة على ما قال ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ كَانَ الْحَالُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَعْرُوفِ الْحَالِ، وَلَا مَذْكُورًا فِي رُوَاةِ الْأَخْبَارِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ مَرْفُوعَةٌ، وَمَوْقُوفَةٌ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ زَكَرِيَّا ثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ السَّمَّانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَاهُ سَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشُدَّهَا بِذَهَبٍ، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ إلَّا أَبُو الرَّبِيعِ السَّمَّانُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ قَانِعٍ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جَابِرٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ زُرَارَةَ ثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، قَالَ: انْدَقَّتْ ثَنِيَّتِي يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَتَّخِذَ ثَنِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ، انْتَهَى. الْآثَارُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ هَارُونَ الْقَزَّازُ الْمَكِّيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدَانَ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَطُوفُ بِهِ بَنُوهُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ عَلَى سَوَاعِدِهِمْ، وَقَدْ شَدُّوا أَسْنَانَهُ بِذَهَبٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ1 عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيِّ عَمَّنْ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَنَّهُ ضَبَّبَ أَسْنَانَهُ بِذَهَبٍ، انْتَهَى. وَلَيْسَ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى النَّسَائِيّ فِي كِتَابِ الْكُنَى حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ ثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو سُهَيْلٍ، مَوْلَى مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ مُوسَى بن طلحة بن عبد اللَّهِ قَدْ شَدَّ أَسْنَانَهُ بِذَهَبٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ2 فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ سُئِلَ عَنْ شَدِّ الْأَسْنَانِ بِالذَّهَبِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، قَدْ شَدَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ أَسْنَانَهُ بِالذَّهَبِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ سَعْدٍ أَيْضًا3: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو قَطَنٍ، قَالَ: رَأَيْت بَعْضَ أَسْنَانِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ مَشْدُودَةً بِالذَّهَبِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنِ بْنِ أَرْطَبَانَ،
مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دُرَّةَ، يُكَنَّى أَبَا عَوْنٍ، كَانَ ثِقَةً وَرِعًا عَابِدًا، تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ أَبِي جَعْفَرٍ، سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَةً، وَكَانَ بِلَالٌ1 قَدْ ضَرَبَهُ بِالسِّيَاطِ، لِكَوْنِهِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَرَبِيَّةً، فَقِيلَ لَهُ يَوْمًا: إنَّ بِلَالًا فَعَلَ وَفَعَلَ، فَقَالَ: دَعُونَا، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ مَظْلُومًا، فَلَا يَزَالُ يَقُولُ حَتَّى يَكُونَ ظَالِمًا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِذَلِكَ يَعْنِي رَبْطَ الْخَيْطِ فِي الْإِصْبَعِ لِيُذَكِّرَهُ الْحَاجَةَ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَانَ يَرْبِطُ في إصبعه خيطاً ليذكره بِهِ الْحَاجَةَ، فَرَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى أَبِي الْفَيْضِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَشْفَقَ مِنْ الْحَاجَةِ أَنْ يَنْسَاهَا رَبَطَ فِي إصْبَعِهِ خَيْطًا لِيَذْكُرَهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي ضُعَفَائِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ، وَأَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَالْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ فِي سَالِمٍ هَذَا أَنَّهُ مَتْرُوكٌ، وَأَسْنَدَهُ الْعُقَيْلِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ فَقَطْ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ سَالِمٌ هَذَا يَضَعُ الْحَدِيثَ، لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ، وَلَا الرِّوَايَةُ عَنْهُ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى: سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: سَالِمُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، وَيُقَالُ: سَالِمُ بْنُ غَيْلَانَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ2: سَأَلْت أَبِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدِيثٌ بَاطِلٌ، وَسَالِمٌ هَذَا ضَعِيفٌ، وَهَذَا مِنْهُ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطبراني في معجمه الوسط عَنْ بِشْرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيِّ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ أَوْثَقَ فِي خَاتَمِهِ خَيْطًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِبِشْرٍ هَذَا، وَقَالَ: إنَّهُ عِنْدِي مِمَّنْ يَضَعُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ غِيَاثِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْكُوفِيِّ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَطَ فِي إصْبَعِهِ خَيْطًا، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: "شَيْءٌ أَسْتَذْكِرُ بِهِ"، انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ، وَنَقَلَ فِي الْأَوَّلِ كَلَامَ ابْنِ حِبَّانَ فِي سَالِمٍ، وَنَقَلَ
فِي الثَّانِي كَلَامَ ابْنِ عَدِيٍّ فِي بِشْرٍ، وَنَقَلَ فِي الثَّالِثِ عَنْ السَّعْدِيِّ، وَابْنِ حِبَّانَ فِي غِيَاثٍ هَذَا أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَعَنْ أَحْمَدَ، وَالْبُخَارِيِّ أَنَّهُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسِ بْنِ كَامِلٍ ثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَاصِمٍ ثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ ثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ رَافِعٍ بِنَحْوِهِ. حَدِيثٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ: أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ حَوَّلَ خَاتَمَهُ، أَوْ عِمَامَتَهُ، أَوْ عَلَّقَ خَيْطًا لِيُذَكِّرَهُ، فَقَدْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ، إنَّ اللَّهَ هُوَ يُذَكِّرُ الْحَاجَاتِ"، انْتَهَى، وَأَعَلَّهُ بِبِشْرٍ هَذَا.
فصل في الوطء، والنظر، والمس
فَصْلٌ فِي الْوَطْءِ، وَالنَّظَرِ، وَالْمَسِّ قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: هِيَ الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ، قُلْت: الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الطبري فِي تَفْسِيرِهِ1 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثَنَا مُسْلِمٌ الْمُلَائِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: هِيَ الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ ثَنَا مُسْلِمٌ الْمُلَائِيُّ بِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ نَحْوَهُ سَوَاءً وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي النِّكَاحِ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَأَبِي صَالِحٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِنْ قَوْلِهِمْ، وأاخرجه عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ قَتَادَةَ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فَغَرِيبٌ. مَا خَالَفَ ذَلِكَ: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُقْبَةَ الْأَصَمِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ، قَالَ: وَعُقْبَةُ الْأَصَمُّ تُكُلِّمَ فِيهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الطبري فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طُرُقٍ جَيِّدَةٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: هِيَ الثِّيَابُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ نَظَرَ إلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْ شَهْوَةٍ
صُبَّ فِي عَيْنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". قلت: غريب، والمعروف: " ن اسْتَمَعَ إلَى حَدِيثِ قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ1 فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مرفوعاً: " ن تَحَلَّمَ بِحِلْمٍ لَمْ يَرَهُ، كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ، وَمَنْ اسْتَمَعَ إلَى حَدِيثِ قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ، وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ" انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، قُلْت: غَرِيبٌ. قَوْلُهُ: وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ، قُلْتُ: غَرِيبٌ أَيْضًا. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ اسْتَأْجَرَ عَجُوزًا لِتُمَرِّضَهُ، وَكَانَتْ تَغْمِزُ رِجْلَهُ، وَتُفَلِّي رَأْسَهُ، قُلْت: غَرِيبٌ أَيْضًا. الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "أَبْصِرْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا"، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ2 فِي النِّكَاحِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اُنْظُرْ إلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: "أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا"، أَيْ أَحْرَى أَنْ تَدُومَ الْمَوَدَّةُ بَيْنَكُمَا، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٍ، وَأَنَسٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سلمة، وَأَبِي حُمَيْدٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ بَكْرٍ بِهِ. أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 عَنْ أَبِي حَازِمٍ سَلْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَطَبَ رَجُلٌ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اذْهَبْ فَانْظُرْ إلَيْهَا، فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد4 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عن جابر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ،
فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ"، فَخَطَبْتُ جَارِيَةً، فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا، حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا مَا دَعَانِي إلَى نِكَاحِهَا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ وَاقِدًا هَذَا لَا يُعْرَفُ حَالُهُ1 وَوَاقِدٌ الْمَعْرُوفُ إنَّمَا هُوَ وَاقِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ الْأَشْهَلِيُّ، الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَدَاوُد بْنُ الْحُصَيْنِ أَيْضًا، وَمُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمَدَنِيِّينَ، وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْهُ، وَهُوَ مَدَنِيٌّ ثِقَةٌ، قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ، فَأَمَّا وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَلَا أَعْرِفُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالتِّسْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 فِي النِّكَاحِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالدَّارِمِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، والدارقطني فِي سُنَنِهِ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ خَطَبَ امْرَأَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اذْهَبْ فَانْظُرْ إلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بن سلمة: فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَيْضًا فِي النَّوْعِ السَّادِسِ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً، قَالَ: خَطَبْتُ امْرَأَةً، فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا، حَتَّى نَظَرْتُ إلَيْهَا فِي نَخْلٍ لَهَا، فَقِيلَ لَهُ: أَتَفْعَلُ هَذَا وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إذَا أَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ مِنْكُمْ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا"، انْتَهَى، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ صِرْمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ عَمِّهِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً، فَمَرَّتْ ابْنَةُ الضَّحَّاكِ بْنِ خَلِيفَةَ، فَجَعَلَ يُطَارِدُهَا بِبَصَرِهِ، الْحَدِيثَ. إلَى آخِرِهِ. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ صِرْمَةَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْكِتَابِ، انْتَهَى. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: إبْرَاهِيمُ بْنِ صِرْمَةَ ضَعَّفَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ عَمِّهِ سُهَيْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً، بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا، وَسَمَّى الْمَرْأَةَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، نُبَيْهَةَ بِنْتَ الضَّحَّاكِ، وَسَمَّاهَا عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نُبَيْشَةَ، وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَى بُثَيْنَةَ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ1 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحَلْوَانِيُّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا إذَا كَانَ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَيْهَا لِلْخِطْبَةِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى الْأَنْصَارِيِّ بِهِ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ عَشَرَ: رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ"، قُلْت: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَتَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَفِيهِ ضَعْفٌ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ عَشَرَ: وَأَبْدَى الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ سُرَّتَهُ، فَقَبَّلَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قُلْت: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابن عَوْنٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إسْحَاقَ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ، فَلَقِيَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ لِلْحَسَنِ: اكْشِفْ لِي عَنْ بَطْنِك جُعِلْتُ فِدَاك حَتَّى أُقَبِّلَ حَيْثُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُهُ، قَالَ: فَكَشَفَ عَنْ بَطْنِهِ، فَقَبَّلَ سُرَّتَهُ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ مَا كَشَفَهَا، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ ابْنُ حِبَّانَ أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ بِهِ، وَسَنَدُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ بِهِ، وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ خِلَافُ هَذَا، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ2 ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إسْحَاقَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَقِيَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنهم، فَقَالَ لَهُ: ارْفَعْ ثَوْبَك حَتَّى أُقَبِّلَ حَيْثُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ، فَرَفَعَ عَنْ بَطْنِهِ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى سُرَّتِهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِجَرْهَدٍ: "أَمَا عَلِمْت أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ"؟،
قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 فِي الْحَمَّامِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَرْهَدٍ عن أبيه، قال: كان جَرْهَدٍ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ أَنَّهُ قَالَ: جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَنَا، وَفَخِذِي مُنْكَشِفَةٌ، فَقَالَ: "أَمَا عَلِمْت أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ"؟ ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الِاسْتِئْذَانِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ زُرْعَةَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ جَرْهَدٍ عَنْ جَدِّهِ جَرْهَدٍ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَرْهَدٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَدْ انْكَشَفَ فَخِذُهُ، فَقَالَ: "إنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَمَا أَرَى إسْنَادَهُ بِمُتَّصِلٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جَرْهَدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ وَهُوَ كَاشِفٌ عَنْ فَخِذِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "غَطِّ فَخِذَك، فَإِنَّهَا مِنْ الْعَوْرَةِ"، انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا: حَدِيثٌ حَسَنٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرْهَدٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْفَخِذُ عَوْرَةٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَبِسَنَدِ أَبِي دَاوُد رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَزُرْعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَرْهَدٍ الْأَسْلَمِيُّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ زُرْعَةُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ جَرْهَدٍ فَقَدْ وَهَمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي آخِرِ الطَّهَارَةِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ حَدَّثَنِي آلُ جَرْهَدٍ عَنْ جَرْهَدٍ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ عَنْ زُرْعَةَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ جَرْهَدٍ عَنْ جَدِّهِ جَرْهَدٍ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ لَهُ عِلَّتَانِ: إحْدَاهُمَا: الِاضْطِرَابُ الْمُؤَدِّي لِسُقُوطِ الثِّقَةِ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: زُرْعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: زُرْعَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: زُرْعَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَرْهَدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: زُرْعَةُ عَنْ آلِ جَرْهَدٍ عَنْ جَرْهَدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَإِنْ كُنْت لَا أَرَى الِاضْطِرَابَ فِي الْإِسْنَادِ عِلَّةً، فَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَ مَنْ يَدُورُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ ثِقَةً، فَحِينَئِذٍ لَا يَضُرُّهُ اخْتِلَافُ النَّقَلَةِ عَلَيْهِ إلَى مُرْسَلٍ وَمُسْنَدٍ، أَوْ رَافِعٍ وَوَاقِفٍ، أَوْ وَاصِلٍ، وَقَاطِعٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الَّذِي اضْطَرَبَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ غَيْرَ ثِقَةٍ، أَوْ غَيْرَ مَعْرُوفٍ، فَالِاضْطِرَابُ يُوهِنُهُ،
أَوْ يَزِيدُهُ وَهْنًا وَهَذِهِ حَالُ هَذَا الْخَبَرِ، وَهِيَ الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ زُرْعَةَ، وَأَبَاهُ غَيْرُ مَعْرُوفَيْ الْحَالِ، وَلَا مَشْهُورَيْ الرِّوَايَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد1 عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَكْشِفْ فَخِذَك، وَلَا تَنْظُرْ إلَى فخذ حي ولاميت"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدِيثٌ فِيهِ نَكَارَةٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي الْجَنَائِزِ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ حَبِيبٍ بِهِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد تَقْتَضِي أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ حَبِيبٍ، وَأَنَّ بَيْنَهُمَا رَجُلًا مَجْهُولًا، انْتَهَى. وَبِسَنَدِ ابْنِ مَاجَهْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 فِي اللِّبَاسِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، وَفِيهِ أَخْبَرَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَيُرَاجَعُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَقَدْ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ، وَقَالَ: إنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ حَبِيبٍ، وَلَا حَبِيبٌ مِنْ عَاصِمٍ، وَعَاصِمٌ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيّ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ عَدِيٍّ، وَابْنُ حِبَّانَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ4 عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّاتِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْفَخِذُ عَوْرَةٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ فَرَأَى فَخِذَهُ مَكْشُوفَةً، فَقَالَ: "غَطِّ فَخِذَك، فَإِنَّ فَخِذَ الرَّجُلِ مِنْ عَوْرَتِهِ"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَأَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ اُخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ، فَقِيلَ: زَاذَانُ، وَقِيلَ: دِينَارٌ، وَقِيلَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، ضَعَّفَهُ شَرِيكٌ، وَيَحْيَى فِي رِوَايَةٍ، وَوَثَّقَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَقَالَ أَحْمَدُ: رَوَى عَنْهُ إسْرَائِيلُ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً، مَنَاكِيرَ جِدًّا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: فَحُشَ خَطَؤُهُ، وَكَثُرَ وَهَمُهُ، حَتَّى سَلَكَ غَيْرَ مَسْلَكِ الْعُدُولِ فِي الرِّوَايَاتِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ5 حَدَّثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ الْعَلَاءِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي كَثِيرٍ مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله بن حجش، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّ عَلَيَّ مَعْمَرٌ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى بَابِ دَارِهِ، وَفَخِذُهُ مَكْشُوفَةٌ، فَقَالَ لَهُ: "يَا مَعْمَرُ غَطِّ فَخِذَك، فَإِنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ"، انْتَهَى. وَهَذَا مُسْنَدُ صَالِحٍ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ سِتِّ طُرُقٍ، دَائِرَةٍ عَلَى الْعَلَاءِ قَبْلُ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْفَضَائِلِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ. حَدِيثٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ، فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، ثُمَّ حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ، حَتَّى إنِّي لَأَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ فَخِذِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ، فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ: فَانْحَسَرَ الْإِزَارُ، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ، وَأَنَّ الْمُرَادَ انْحَسَرَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، لِضَرُورَةِ الْإِجْرَاءِ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي النِّكَاحِ وَفِي الْمَغَازِي. الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "غُضَّ بَصَرَك إلَّا عَنْ أَمَتِك وَامْرَأَتِك"، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ2 أَبُو دَاوُد فِي الْحَمَّامِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الِاسْتِئْذَانِ، وَالنَّسَائِيُّ، فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي النِّكَاحِ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا، وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: " احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك"، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ: "إنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَرَيَنَّهَا، فَلَا تَرَيَّنَهَا"، قَالَ: قُلْتَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا، قَالَ: "اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَى مِنْ النَّاسِ"، انتهى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي اللِّبَاسِ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ3 أَخْبَرَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ
عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ ابْنِ أَنْعُمٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: أَتَى عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَسْتَحْيِي أَنْ يَرَى أَهْلِي عَوْرَتِي، قَالَ: "وَلِمَ! وَقَدْ جَعَلَك اللَّهُ لَهُمْ لِبَاسًا، وَجَعَلَهُمْ لَك لِبَاسًا"؟ قَالَ: أَكْرَهُ ذَلِكَ، قَالَ: "فَإِنَّهُنَّ يَرَيْنَهُ مِنِّي، وَأَرَاهُ مِنْهُنَّ"، قَالَ: أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أَنَا"، قَالَ، فَمَنْ بَعْدَك إذًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! فَلَمَّا أَدْبَرَ عُثْمَانُ قَالَ عليه السلام: "إنَّ ابْنَ مَظْعُونٍ لَحَيِيٌّ سِتِّيرٌ"، انْتَهَى. وَسَعْدُ بْنُ مَسْعُودٍ هَذَا مِصْرِيٌّ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَقَالَ: رَوَى عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَفْرِيقِيُّ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَيَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، أَمُسْنَدٌ هُوَ، أَمْ مُرْسَلٌ؟، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي النِّكَاحِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ بِهِ. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، فَلْيَسْتَتِرْ مَا اسْتَطَاعَ، وَلَا يَتَجَرَّدَانِ تَجَرُّدَ الْعِيرِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيُّ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ. فَحَدِيثُ عُتْبَةَ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ1 فِي النِّكَاحِ حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ الْوَاسِطِيُّ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ الْقَاسِمِ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَرَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيُّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ، وَلَا يَتَجَرَّدُ تَجَرُّدَ الْعِيرِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى ثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَابِرٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ سَرْجِسَ: فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّمِينِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيُلْقِ عَلَى عَجُزِهِ وَعَجُزِهَا شَيْئًا، وَلَا يَتَجَرَّدَانِ تَجَرُّدَ الْعِيرَيْنِ"، انْتَهَى. قَالَ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَصَدَقَةُ يُضَعَّفُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ بِهِ، وَيُرَاجَعُ النَّسَائِيّ، وَأَعَلَّهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ بِصَدَقَةَ، وَقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بَعْدَهُ بِزُهَيْرٍ، وَقَالَ: إنَّهُ ضَعِيفٌ، قُلْتُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْهُنَائِيُّ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا، وَابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ مِنْدَلِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ النَّسَائِيّ، قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ الْأَعْمَشِ هَكَذَا إلَّا مِنْدَلٌ، وَأَخْطَأَ فِيهِ،
وَذَكَرَ شَرِيكٌ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْأَعْمَشِ، وَعِنْدَهُ عَاصِمٌ، وَمِنْدَلٌ، فَحَدَّثَ بِهِ عَاصِمٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ"، الْحَدِيثَ مُرْسَلٌ، انْتَهَى. قُلْتُ: هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي النِّكَاحِ حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ بِهِ كَذَلِكَ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِمِنْدَلٍ، وأسند تضعيفه عن ابن مَعِينٍ، وَالسَّعْدِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ: قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: أَخْطَأَ فِيهِ مِنْدَلٌ، انْتَهَى. والسعدي، والنسائي، وَنَقَلَ الْعُقَيْلِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ أَنَّهُ كَذَبَ فِيهِ مِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ، وَقَالَ: أَنَا أُخْبِرْتُ بِهِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، انْتَهَى. قُلْتُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا أَبُو غَسَّانَ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا، بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ سَوَاءً. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ الطبراني في معجمه الوسط1 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَمَّادِ زُغْبَةَ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ عَنْ أَبِي الْمُنِيبِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، فَلْيَسْتَتِرْ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَتِرْ اسْتَحْيَتْ الْمَلَائِكَةُ فَخَرَجَتْ، وَبَقِيَ الشَّيْطَانُ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، كَانَ لِلشَّيْطَانِ فِيهِ نَصِيبٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السِّجِسْتَانِيُّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ بِهِ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَلَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ الْحَوْطِيُّ ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ ثَنَا عُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانُ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، فَلْيَسْتَتِرْ، وَلَا يَتَجَرَّدَانِ تَجَرُّدَ الْعِيرَيْنِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: لَمْ يَذْكُرْ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرَهُ، فَقَالَ فِي الِاسْتِئْذَانِ2 بَابُ مَا جَاءَ فِي الِاسْتِتَارِ عِنْدَ الْجِمَاعِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَيْزَكٍ الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ ثَنَا ابن مُحَيَّاةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّي، فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى أَهْلِهِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ
هَذَا الْوَجْهِ، وَأَبُو مُحَيَّاةَ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ يَعْلَى، انْتَهَى. وَفِي دُخُولِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ نَظَرٌ، يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَعْنِي النَّظَرَ إلَى الْعَوْرَةِ يُورِثُ النِّسْيَانَ، لِوُرُودِ الْأَثَرِ: قُلْت: غَرِيبٌ، وَوَرَدَ أَنَّهُ يُورِثُ الْعَمَى فِي حَدِيثَيْنِ ضَعِيفَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ زَوْجَتَهُ، فَلَا يَنْظُرْ إلَى فَرْجِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْعَمَى"، انْتَهَى. وَجَعَلَاهُ مِنْ مُنْكَرَاتِ بَقِيَّةَ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ بَقِيَّةَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ بَعْضُ الضُّعَفَاءِ، أَوْ الْمَجْهُولِينَ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَقَالَ: قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ بَقِيَّةُ يَرْوِي عَنْ كَذَّابِينَ وَثِقَاتٍ، وَيُدَلِّسُ، وَكَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يُسْقِطُونَ الضُّعَفَاءَ مِنْ حَدِيثِهِ، وَيُسَوُّونَهُ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ هَذَا مِنْ بَعْضِ الضُّعَفَاءِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، ثُمَّ دُلِّسَ عَنْهُ، فَالْتَزَقَ بِهِ، وَهَذَا مَوْضُوعٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ بَقِيَّةُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، فَقَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَبَقِيَّةُ كَانَ يُدَلِّسُ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْفَتْحِ الْأَزْدِيِّ ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَقْدِسِيَّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُشَيْرِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ، فَلَا يَنْظُرْ إلَى الْفَرْجِ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْعَمَى، وَلَا يُكْثِرْ الْكَلَامَ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْخَرَسَ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْأَزْدِيُّ: إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ سَاقِطٌ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: الْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ، لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَحْصِيلِ مَعْنَى اللَّذَّةِ، قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ، وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ" قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 فِي كِتَابِ الْقَدْرِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ
وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذلك الفرح، أَوْ يُكَذِّبُهُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا رَأَيْت شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ النُّطْقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى، وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا"، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ قَزَعَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا، أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُ: "ثَلَاثًا"، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظَةِ: "يَوْمَيْنِ"، وَأَخْرَجَا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ، فَوْقَ ثَلَاثٍ"، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: "ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ"، وَأَخْرَجَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةِ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا"، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ"، وَفِي لَفْظٍ: "يَوْمٍ"، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد2: "بَرِيدًا"، وَهِيَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ السَّفَرِ مَعَ النِّسَاءِ لِلْمَحَارِمِ، وَبِاَلَّذِي بَعْدَهُ للخلوة بهن، قال المنذرري فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ: لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ تَبَايُنٌ، وَلَا اخْتِلَافٌ، وَبَاقِي الْكَلَامِ تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا"، قُلْتُ: غريب بذا اللَّفْظِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ: قَوْلُهُ: "لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ"، وَهُوَ مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ. فَحَدِيثُ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 فِي أَوَائِلِ الْفِتَنِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ، فَقَالَ: يا أيها النَّاسُ، قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا،
فَقَالَ: "أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ، حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ، أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، إلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَعَادَهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَحَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، "وَلَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا"، مُخْتَصَرٌ. وَحَدِيثُ عَامِرٍ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةِ عَنْ أَبِيهِ، مَرْفُوعًا نَحْوُهُ. وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ في معجمه الوسط عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. وَحَدِيثُ الْكِتَابِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ1 مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَبِيتَنَّ رَجُلٌ عِنْدَ امْرَأَةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَاكِحًا، أَوْ ذَا مَحْرَمٍ". قَوْلُهُ: وَكَانَ عُمَرُ إذَا رَأَى جَارِيَةً مُتَنَقِّبَةً عَلَاهَا بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ: أَلْقِي عَنْكِ الْخِمَارَ، يَا دَفَارِ، تَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ؟!، قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ حَدَّثَتْهُ، قَالَتْ: خَرَجَتْ امْرَأَةٌ مُخْتَمِرَةً، مُتَجَلْبِبَةً، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ؟ فَقِيلَ لَهُ جَارِيَةٌ لِفُلَانٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِيهِ فَأَرْسَلَ إلَى حَفْصَةَ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكِ عَلَى أَنْ تُخْمِرِي هَذِهِ المرأة، وَتُجَلْبِبِيهَا حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَقَعَ بِهَا، لَا أَحْسِبُهَا إلَّا مِنْ الْمُحْصَنَاتِ، لَا تُشَبِّهُوا الْإِمَاءَ بِالْمُحْصَنَاتِ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْآثَارُ بِذَلِكَ عَنْ عُمَرَ صَحِيحَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: الْخِصَاءُ مُثْلَةٌ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خِصَاءُ الْبَهَائِمِ مُثْلَةٌ، ثُمَّ تَلَا: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ فِي
أَوَاخِرِ كِتَابِ الْفَضَائِلِ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ: الْخِصَاءُ مُثْلَةٌ، ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ نَظَرَ الْخَصِيِّ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ كَالْفَحْلِ، وَلَيْسَ بِدَلِيلٍ نَاجِحٍ. قَوْلُهُ: وَقَالَ سَعِيدٌ، وَالْحَسَنُ، وَغَيْرُهُمَا: وَلَا تَغُرَّنَّكُمْ سُورَةُ النُّورِ فَإِنَّهَا فِي الْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ، قُلْتُ: غَرِيبٌ بِهَذَا اللفظ، ومعناه مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ثَنَا يُونُسُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ طَارِقٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: لَا تَغُرَّنَّكُمْ الْآيَةُ {إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} إنَّمَا عَنَى بِهِ الْإِمَاءَ، وَلَمْ يَعْنِ بِهِ الْعَبِيدَ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَمْلُوكُ عَلَى مَوْلَاتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ الْعَزْلِ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا، وَقَالَ لِمَوْلَى أَمَةٍ: "اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت"، قُلْتُ: هُمَا حَدِيثَانِ: فَالْأَوَّلُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ1 فِي النِّكَاحِ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عِيسَى عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحْرِزِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَنْ يَعْزِلَ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ إسْحَاقُ الطَّبَّاعُ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الزهري عن مُحْرِزِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: وَوَهَمَ فِيهِ أَيْضًا، خلفه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، فَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، وَوَهَمَ فِيهِ أَيْضًا، وَالصَّوَابُ عَنْ حَمْزَةَ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلٌ، لَيْسَ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا2 فِي النِّكَاحِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنَّ لِي جَارِيَةً أَطُوفُ عَلَيْهَا، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ، فَقَالَ: "اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت، فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا"، فَلَبِثَ الرَّجُلُ، ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ: إنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَمَلَتْ، قَالَ: "قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهَا سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا"، انْتَهَى.
فصل في الاستبراء
فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ: "أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ"، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 فِي النِّكَاحِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أبي الْوَدَّاكِ عَنْ الْخُدْرِيِّ، وَرَفَعَهُ أَنَّهُ قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ: "لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ بِشَرِيكٍ، وَقَالَ: إنَّهُ مُدَلِّسٌ، وَهُوَ مِمَّنْ سَاءَ حِفْظُهُ بِالْقَضَاءِ، وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ فِي السِّيَرِ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى مُرْسَلَةٌ، قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ دَاوُد، قَالَ: قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ: إنَّ أَبَا مُوسَى نَهَى يَوْمَ فَتْحِ تُسْتَرَ، أَنْ لَا تُوطَأَ الْحَبَالَى، وَلَا يُشَارَكَ الْمُشْرِكُونَ فِي أَوْلَادِهِمْ، فَإِنَّ الْمَاءَ يَزِيدُ فِي الْوَلَدِ، هُوَ شَيْءٌ قَالَهُ بِرَأْيِهِ، أَوْ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أَوْطَاسٍ أَنْ تُوطَأَ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، أَوْ حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ نِسَاءً يَوْمِ أَوْطَاسٍ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَقَعُوا عَلَى حَامِلٍ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا عَلَى غَيْرِ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى أَبُو دَاوُد2 حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي مَرْزُوقٍ عَنْ حَنْشٍ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَامَ فِينَا خَطِيبًا، فَقَالَ: أَمَا إنِّي لَا أَقُولُ لَكُمْ إلَّا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ: "لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يَسْقِي مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ يَعْنِي إتْيَانَ الْحَبَالَى وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ السَّبْيِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبِيعَ مَغْنَمًا حَتَّى يَقْسِمَ"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ: "حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: الْحَيْضَةُ لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالْمِائَةِ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَيُرَاجَعُ. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُوطَأَ الْحَامِلُ حَتَّى تَضَعَ، أَوْ الْحَائِلُ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ الْجُنْدِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُوطَأَ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، أَوْ حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُقَبِّلُ نِسَاءَهُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُضَاجِعُهُنَّ وَهُنَّ حُيَّضٌ، قُلْتُ: هُمَا حَدِيثَانِ: فَالْأَوَّلُ: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ2 عَنْ الْأَسْوَدِ، وَعَلْقَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ3 فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لِإِرْبِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجُوهُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ فِي شَهْرِ الصَّوْمِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا4 بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ5 عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد6 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ مِصْدَعٍ أَبِي يَحْيَى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ، وَيَمُصُّ لِسَانَهَا، انْتَهَى. وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابُ الصَّائِمِ يَبْتَلِعُ الرِّيقَ، وَهُوَ مُنَازَعٌ فِي ذَلِكَ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمَصِّ الِابْتِلَاعُ، فَقَدْ يُمْكِنُ أَنَّهُ يَمُصُّهُ وَيَمُجُّهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَيَمُصُّ لِسَانَهَا لَا يَقُولُهُ إلَّا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَوْسٍ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِيهِ أَيْضًا: بَصَرِيٌّ ضَعِيفٌ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ ابْنَ دِينَارٍ، وَابْنَ أَوْسٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِمَا، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: بَلَغَنِي عَنْ أَبِي دَاوُد، قَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ صَحِيحٍ، انْتَهَى كَلَامُ عَبْدِ الْحَقِّ. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ بِمِصْدَعٍ فَقَطْ، وَقَالَ: قَالَ السَّعْدِيُّ: كَانَ مِصْدَعٌ زَائِغًا حَائِدًا عَنْ الطَّرِيقِ
يَعْنِي فِي التَّشَيُّعِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ: مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَوْسٍ، وَمِصْدَعٌ ضُعَفَاءُ بِمُرَّةَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ أَيْضًا1 عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ إحْدَانَا إذَا كَانَتْ حَائِضًا أَنْ تَتَّزِرَ، ثُمَّ يُضَاجِعُهَا، وَفِي لَفْظٍ: ثُمَّ يُبَاشِرَهَا، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعَةٌ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ حِضْت، فَانْسَلَلْتُ، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حَيْضَتِي، فَقَالَ: "أَنَفِسْتِ"؟ قُلْتُ: نعم، فدعاني، فاضجعت مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام عَانَقَ جَعْفَرًا حِينَ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ، وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، قُلْتُ: رُوِيَ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا: أَمَّا الْمُسْنَدُ: فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي جُحَيْفَةَ، وَعَائِشَةَ. فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ إلَى بِلَادِ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ مِنْهَا اعْتَنَقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، قَالَ الْحَاكِمُ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْفَضَائِلِ عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ قَدِمَ جَعْفَرٌ مِنْ الْحَبَشَةِ، فَتَلَقَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ، وَقَالَ: "وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَفْرَحُ، بِفَتْحِ خَيْبَرَ، أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ"؟ انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ سُفْيَانَ4 ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَزَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَدِيثَ، وَقَالَ: هَذَا مُرْسَلٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ فِي بَابِ غَزْوَةِ خَيْبَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي إسْمَاعِيلَ الْعَلَوِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِيرُونِيُّ5 ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي طَيْبَةَ حَدَّثَنِي مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ الرُّعَيْنِيُّ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: فِي إسْنَادِهِ إلَى الثَّوْرِيِّ مَنْ لَا يُعْرَفُ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّبِيعِيُّ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَكَمِ الْحِبَرِيُّ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعُرَنِيّ ثَنَا أَجْلَحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الوسط وَالصَّغِيرِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَرِّحٍ الْحَرَّانِيِّ ثَنَا عَمِّي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُسَرِّحٍ ثَنَا مَخْلَدٍ بْنُ يَزِيدَ ثَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَقَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: "مَا أَدْرِي إنَّا بِقُدُومِ جَعْفَرٍ أَسَرُّ، أَوْ بِفَتْحِ خَيْبَرَ"؟، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ خَرَجَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَانَقَهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرٌ، وَأَصْحَابُهُ اسْتَقْبَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَبَّلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَرَوَاهُ أَبُو قَتَادَةَ الْحَرَّانِيِّ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ، فَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عمرة عن عائشة، رواه أَبُو قَتَادَةَ الْحَرَّانِيِّ عَنْهُ، وَخَالَفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، فَرَوَاهُ عَنْ يَحْيَى عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ، انْتَهَى. وَأَمَّا الْمُرْسَلُ: فَعَنْ الشَّعْبِيِّ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ. فَحَدِيثُ الشَّعْبِيِّ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَبِ1 عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَقَّى جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَالْتَزَمَهُ، وَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ فِي مَرَاسِيلِهِ أَيْضًا، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن مسهر به، ومن طَرِيقِهِ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ. وَحَدِيثُ ابْنِ جَعْفَرٍ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي يُونُسَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرٌ مِنْ الْحَبَشَةِ أَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: "مَا أَنَا بِفَتْحِ خَيْبَرَ أَشَدُّ فَرَحًا مِنِّي بِقُدُومِ جَعْفَرٍ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رَوَاهُ الشَّعْبِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، انْتَهَى. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي الْبَابِ الْحَادِي وَالسِّتِّينَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ عَبْدَانَ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنِي خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ ثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيُّ ثَنَا خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرٌ مِنْ الْحَبَشَةِ اسْتَقْبَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَ شَفَتَيْهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَكَذَا وَجَدْتُهُ، وَالْمَعْرُوفُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: فِي الْبَابِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ1 فِي الِاسْتِئْذَانِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمَدِينِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، فَأَتَاهُ فَقَرَعَ الْبَابَ. فَقَامَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرْيَانًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ، وَاَللَّهِ مَا رَأَيْته عُرْيَانًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، قَالَتْ: بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فَزَارَةَ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ قِرْفَةَ، جَهَّزَتْ ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْ وَلَدِهَا، وَوَلَدِ وَلَدِهَا، وَقَالَتْ: اذْهَبُوا إلَى الْمَدِينَةِ فَاقْتُلُوا مُحَمَّدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ أَثْكِلْهَا بِوَلَدِهَا"، وَبَعَثَ إلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي بَعْثٍ، فَالْتَقَوْا، فَقَتَلَ زَيْدٌ بَنِي فَزَارَةَ، وَقَتَلَ أُمَّ قِرْفَةَ وَوَلَدَهَا، فَأَقْبَلَ زَيْدٌ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، الْحَدِيثَ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ2 أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ الْعَدَوِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَهْمٍ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: أَسْلَمَ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّحَّامِ بَعْدَ عَشَرَةٍ، وَكَانَ يَكْتُمُ إسْلَامَهُ، ثُمَّ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ في أربعين نفر مِنْ أَهْلِهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْمُكَامَعَةِ، وَهِيَ الْمُعَانَقَةُ، وَعَنْ الْمُكَاعَمَةِ، وَهِيَ التَّقْبِيلُ، قُلْتُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي النِّكَاحِ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْمِصْرِيُّ أَخْبَرَنِي عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ الْحِمْيَرِيُّ عَنْ أَبِي الْحُصَيْنِ الْهَيْثَمِ
عَنْ عَامِرٍ الْحَجَرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رَيْحَانَةَ صَاحِبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْمُهُ: شَمْعُونٌ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ مُكَامَعَةِ، أَوْ مُكَاعَمَةِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ، وَعَنْ مُكَامَعَةِ، أَوْ مُكَاعَمَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ فِي مُسْنَدِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي أَوَّلِ غَرِيبِهِ حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ، رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْمُكَاعَمَةِ وَالْمُكَامَعَةِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْمُكَاعَمَةُ: أَنْ يَلْثِمَ الرَّجُلُ فَاهَ صَاحِبِهِ، مَأْخُوذٌ مِنْ كَعَامِ الْبَعِيرِ، وَهِيَ أَنْ يَشُدَّ فَاهُ إذَا هَاجَ، وَالْمُكَامَعَةُ أَنْ يُضَاجِعَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ قِيلَ لِزَوْجِ الْمَرْأَةِ كَمِيعٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَخْرَجَ مِنْهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ حَدِيثَ الْمُكَامَعَةِ فَقَطْ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 فِي اللِّبَاسِ. وَالنَّسَائِيُّ فِي الزِّينَةِ: عَنْ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي الْحُصَيْنِ الْهَيْثَمِ بْنِ شُفَيٍّ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَشَرَةٍ: عَنْ الْوَشْرِ، وَالْوَشْمِ، وَالنَّتْفِ، وَمُكَامَعَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ بِغَيْرِ شِعَارٍ، وَمُكَامَعَةِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ شِعَارٍ، وَأَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ فِي أَسْفَلِ ثِيَابِهِ حَرِيرًا، مِثْلُ الْأَعَاجِمِ، وَأَنْ يَجْعَلَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ حَرِيرًا، وعن النهبى، وَرُكُوبِ النُّمُورِ، وَلَبُوسِ الْخَاتَمِ إلَّا لِذِي سُلْطَانٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدِّمِ، سَوَاءً: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَى عَنْ رُكُوبِ النُّمُورِ، انْتَهَى, وَأَخْطَأَ الْمُنْذِرِيُّ فِي عَزْوِهِ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ لِابْنِ مَاجَهْ، وَلَكِنَّهُ قَلَّدَ أَصْحَابَ الْأَطْرَافِ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ2 فِي الِاسْتِئْذَانِ مِنْ حَدِيثِ حَنْظَلَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ السَّدُوسِيِّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: "لَا"، قَالَ: أَفَيَلْتَزِمُهُ، وَيُقَبِّلُهُ؟ قَالَ: "لَا"، قَالَ: فَيَأْخُذُهُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ حَنْظَلَةُ السَّدُوسِيُّ، وَكَانَ قَدْ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، ذَكَرَهُ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ. أَحَادِيثُ الْإِبَاحَةِ: مِنْهَا مَا فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَائِشَةَ: قُومِي، فَقَبِّلِي رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَدِيثَ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد3 فِي الْجِهَادِ وَالْأَدَبِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْجِهَادِ،
وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَدَبِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كان في بيته مِنْ سَرَايَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر القصة، قَالَ: فَدَنَوْنَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلْنَا يَدَهُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ مَاجَهْ الْقِصَّةَ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ1 وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: مَا رَأَيْت أَحَدًا أَشْبَهَ سَمْتًا، وَدَلًّا، وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاطِمَةَ ابْنَتِهِ، قَالَتْ: وَكَانَتْ إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، قَامَ إلَيْهَا فَقَبَّلَهَا، وَأَجْلَسَهَا فِي مَحَلِّهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهَا، قَامَتْ إلَيْهِ، فَقَبَّلَتْهُ، وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَحَلِّهَا، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: حَسَنٌ صَحِيحٌ2. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الِاسْتِئْذَانِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي السِّيَرِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَدَبِ3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْيَهُودِ قَبَّلُوا يَدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَكَانَ إنْكَارُهُ لَهُ مِنْ جِهَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ، فَإِنَّ فِيهِ مَقَالًا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى أَبُو دَاوُد4 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنُ الطَّبَّاعِ عَنْ مَطَرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْنَقِ حَدَّثَتْنِي أُمُّ أَبَانَ بِنْتُ الْوَازِعِ بْنِ زَارِعٍ عَنْ جَدِّهَا الزَّارِعِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: فَجَعَلْنَا نَتَبَادَرُ مِنْ رَوَاحِلِنَا، وَنُقَبِّلُ يَدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَهُ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ في كتابه المفرد في الأدب حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا مَطَرٌ بِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ5 فِي الْجَنَائِزِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَهُوَ مَيِّتٌ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ وَقَبَّلَهُ، ثُمَّ بَكَى، حَتَّى رَأَيْتُ دُمُوعَهُ تَسِيلُ عَلَى وَجْنَتَيْهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: إنَّ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يَحْتَجَّا بِعَاصِمِ
بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَشَاهِدُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَعَائِشَةَ أَنَّ الصِّدِّيقَ قبل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ مَيِّتٌ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي "الْفَضَائِلِ" بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، وَقَالَ: سَنَدُهُ وَاهٍ. - حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد 1 عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، قَالَ: بَيْنَا هُوَ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ يُضْحِكُهُمْ، وَكَانَ فِيهِ مِزَاحٌ، فَطَعَنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خَاصِرَتِهِ، فَقَالَ: أَصْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: اصْطَبِرْ، قَالَ: إنَّ عَلَيْك قَمِيصًا، وَلَيْسَ عَلِيَّ قَمِيصٌ، فَرفع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْ قَمِيصِهِ فَاحْتَضَنَهُ، وَجَعَلَ يُقَبِّلُ كَشْحَهُ، وَقَالَ: إنَّمَا أَرَدْتُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْتَهَى. - حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ 2 - فِي الْبِرِّ وَالصِّلَةِ" عَنْ صَالح بن حَيَّان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رجلا أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرِنِي شَيْئا أزداد بِهِ يَقِينًا، فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ إلَى تِلْكَ الشَّجَرَةِ، فَادْعُهَا، فَذَهَبَ إلَيْهَا، فَقَالَ: إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُوكِ، فَجَاءَتْ حَتَّى سَلَّمَتْ عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثُمَّ قَالَ لَهَا: ارْجِعِي، فَرَجَعَتْ، قَالَ: ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ، وَقَالَ: لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ، فَقَالَ: صَالح بن حَيَّان مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَقَالَ فِيهِ: فَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَقَالَ: لَا يُعْلَمُ فِي تَقْبِيلِ الرَّأْسِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَأَعْجَبُ مِنْهُ كَيْفَ غَفَلَ عَنْ - حَدِيثِ الْإِفْكِ - قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": وَقَدْ صَنَّفَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ - الْمَعْرُوفُ بِابْن الْمُقْرِئ - جُزْء فِي الرُّخْصَةِ فِي تَقْبِيلِ الْيَدِ، ذَكَرَ فِيهِ أَحَادِيثَ وآثار عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. - الْحَدِيثُ الثَّلَاثُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: - "مَنْ صَافَحَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، وَحَرَّكَ يَدَهُ، تَنَاثَرَتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ"، قُلْتُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمه الْوسط" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ رِشْدِينَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر ثَنَا مُوسَى بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ سُوَيْد الْجُمَحِيِّ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ عَنْ يَعْقُوبَ الحرقي عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا لَقِيَ الْمُؤْمِنَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَأَخَذَهُ بِيَدِهِ فَصَافَحَهُ، تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا، كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَرِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ" فِي الْبَابِ الْحَادِي وَالسِّتِّينَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ إِبْرَاهِيم عَن عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ حُذَيْفَةَ، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ سَوَاءً، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَحَّبَ بِي، وَأَخَذَ بِيَدِي، ثُمَّ قَالَ لِي: "يَا بَرَاءُ أَتَدْرِي لِمَ أَخَذْتُ بِيَدِكَ"؟ قَالَ: خَيْرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "لَا يَلْقَى مُسْلِمٌ مُسْلِمًا، فَيُرَحِّبُ بِهِ، وَيَأْخُذُ بِيَدِهِ إلَّا تَنَاثَرَتْ الذُّنُوبُ بَيْنَهُمَا، كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَرُ"، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْمُصَافَحَةِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ1 وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ، إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْأَجْلَحُ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو حُجِّيَّةَ، فِيهِ مَقَالٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَنَزَةَ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي ذَرٍّ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَك عَنْ حَدِيثٍ، هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَافِحُكُمْ إذَا لَقِيتُمُوهُ؟ قَالَ: مَا لَقِيْتُهُ قَطُّ إلَّا صَافَحَنِي، مُخْتَصَرٌ، وَفِيهِ مَجْهُولٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مِنْ تَمَامِ التَّحِيَّةِ الْأَخْذُ بِالْيَدِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: غَرِيبٌ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْهُ، فَلَمْ يَعُدَّهُ مَحْفُوظًا، انْتَهَى. وَفِيهِ أَيْضًا مَجْهُولٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مِنْ تَمَامِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ أَنْ يَضَعَ أَحَدُكُمْ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، وَمِنْ تَمَامِ التَّحِيَّةِ الْمُصَافَحَةُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: إسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. الْآثَارُ: فِي الصَّحِيحَيْنِ4 فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَامَ إلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي، وَهَنَّأَنِي، وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: أَكَانَتْ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، انْتَهَى.
فصل في البيع
فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ الْحَدِيثُ الْحَادِي والثلاثون: قال عليه السلام: "الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ"، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ1 فِي التِّجَارَاتِ عَنْ عَلِيِّ بن سالم عن ثَوْبَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالدَّارِمِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي الْبَابِ السَّابِعِ وَالسَّبْعِينَ، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ، وَأَعَلَّهُ بِعَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ، وَقَالَ: لَا يُتَابِعُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَقَدْ رُوِيَ بِغَيْرِ هَذَا السَّنَدِ وَالْمَتْنِ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يَحْتَكِرُ إلَّا خَاطِئٌ"، انْتَهَى. وَحَدِيثُ مَعْمَرٍ هَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ2 بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَرَوَى حَدِيثَ عُمَرَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْبُيُوعِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْجَالِبُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَالِمِ بْنِ ثَوْبَانَ بِهِ: الْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ، انْتَهَى. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: عَلِيُّ بْنُ سَالِمِ بْنِ ثَوْبَانَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَوَجَدْت الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَنْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْر عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، مِثْلُهُ سَوَاءً، ذَكَرَهُ فِي بَابِ جَلَبَ، فلينظر في ذلك، وليحر مِنْ نُسْخَةٍ أُخْرَى، فَلَعَلَّهُ غَلَطٌ، وَلَكِنِّي عَلَّقْتُهُ لِأَتَذَكَّرَهُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ، وَعَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، قُلْتُ: هُمَا حَدِيثَانِ: فَالْأَوَّلُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: "لَا تَلَقَّوْا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَاهُ، فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ"، انْتَهَى. الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ4 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَتَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ، وَلَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ، وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ"، قُلْتُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1، والدارقطني فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ، والطبراني في معجمه الوسط، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ أَصْبَغَ بْنِ زَيْدٍ ثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ، وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ، وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ بَاتَ فِيهِمْ امْرِئٌ جَائِعٌ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ"، انْتَهَى. وَكُلُّهُمْ رَوَوْهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ أَصْبَغَ بْنِ زَيْدٍ بِهِ، إلَّا الْحَاكِمَ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَصْبَغَ بْنِ زَيْدٍ، وَأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَسَاقَ لَهُ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ: مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ، وَقَالَ: لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ: قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ عَشَرَةُ أَنْفُسٍ، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُسْتَدْرَكِ: عَمْرُو بْنُ الْحُصَيْنِ تركوه، وأصبغ بن يزيد فِيهِ لِينٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ2: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ أَصْبَغَ بن يزيد بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، فَقَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَأَبُو بِشْرٍ لَا أَعْرِفُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِي الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ"، قِيلَ لِسَعِيدٍ: فَإِنَّك تَحْتَكِرُ، قَالَ سَعِيدٌ: إنَّ مَعْمَرًا الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، كَانَ يَحْتَكِرُ، انْتَهَى. وَمَعْمَرٌ هَذَا هُوَ مَعْمَرُ بْنُ أَبِي مَعْمَرٍ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيِّ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَا تُسَعِّرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ، الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ. فَحَدِيثُ أَنَسٍ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْبُيُوعِ، وَابْنُ مَاجَهْ3 فِي التِّجَارَاتِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَثَابِتٍ، وَحُمَيْدَ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلَا
السِّعْرُ، فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ، الْقَابِضُ الباسط الرزاق، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلِمَةٍ مِنْ دَمٍ، وَلَا مَالٍ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: الْمُسَعِّرُ، هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي نُسْخَتَيْنِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ1 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَزِيزٍ الْمَوْصِلِيُّ ثَنَا غَسَّانُ بْنُ الرَّبِيعِ ثَنَا أَبُو إسْرَائِيلَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا، الْحَدِيثَ. إلَّا أَنَّهُ قَالَ: "فِي عَرْضٍ، وَلَا مَالٍ". وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ ثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِلَفْظِ حَدِيثِ أبي حجيفة. وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: فَرَوَاهُ الطبراني في معجمه الوسط3 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ التَّمَّارُ ثَنَا أَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى ثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ: "إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ، إنِّي لَأَرْجُو اللَّهَ أَنْ أَلْقَاهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دِينٍ، وَلَا دُنْيَا"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً: حَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ4 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْغَافِقِيِّ، وَأَبِي عَلْقَمَةَ5 مَوْلَاهُمْ، أَنَّهُمَا سَمِعَا ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وآكل ثمنها، ومعتصرها، وجاملها، وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ"، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: سُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْغَافِقِيِّ، فَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي تَارِيخِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ، وَأَنَّهُ كَانَ أَمِيرَ الْأَنْدَلُسِ، قتله الرُّومُ بِالْأَنْدَلُسِ سَنَةَ خَمْسَةَ عَشْرَ وَمِائَةٍ، وَأَبُو عَلْقَمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّهُ رَوَى عن ابْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ: وَأَنَّهُ كَانَ عَلَى قَضَاءِ أَفْرِيقِيَّةَ، وَكَانَ أَحَدَ فُقَهَاءِ الْمَوَالِي، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْأَشْرِبَةِ1 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ الْخَوْلَانِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي تَوْبَةَ الْمِصْرِيِّ، سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْخَمْرَ، وَغَارِسَهَا، لَا يَغْرِسُهَا إلَّا لِلْخَمْرِ، وَلَعَنَ مُجْتَنِيَهَا، وَلَعَنَ حَامِلَهَا إلَى الْمَعْصَرَةِ، وَعَاصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَمُدِيرَهَا"، انْتَهَى. وَفِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَمْلِ الْمَقْرُونِ بِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ، فَلْيُتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا حديث أنس: فأاخرجه التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ شَبِيبِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً، فَذَكَرَهُ، إلَّا أَنَّ فِيهِ، عِوَضَ: الْخَمْرِ، وَالْمُشْتَرَاةَ لَهُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالْمِائَةِ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، عَنْ مَالِكِ بْنِ سَعِيدٍ التُّجِيبِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "أتاني جبرئيل، فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْخَمْرَ"، فَذَكَرَهُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، إلَّا أن فيه عوض: آكل ثَمَنِهَا، وَالْمُسْقَاةَ لَهُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَشَاهِدُهُ حَدِيثُ عُمَرَ، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَ عُمَرَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إساعيل بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ ثَنَا عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، سَوَاءً.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَكَّةُ حَرَامٌ، لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا، وَلَا تُورَثُ"، قُلْتُ: أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْبُيُوعِ، وَكَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَكَّةُ مُنَاخٌ لَا يُبَاعُ رِبَاعُهَا، وَلَا يُؤَاجَرُ بُيُوتُهَا"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الإسناد، ولم يخرجه وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْمَاعِيلُ بْنُ مُهَاجِرٍ ضَعِيفٌ، وَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَأَعَلَّهُ بِإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُهَاجِرٍ، قَالَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَأَعَلَّهُ بِإِسْمَاعِيلَ، وأبيه، قالا فِي إسْمَاعِيلَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: إسْمَاعِيلُ بْنُ مُهَاجِرٍ هَذَا هُوَ الْبَجَلِيُّ الْكُوفِيُّ، وَهُوَ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَكَذَلِكَ أَبُوهُ ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَبُوهُ أَقْوَى مِنْهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، والدارقطني أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ، فَحَرَامٌ بَيْعُ رِبَاعِهَا، وَثَمَنِهَا"، وَقَالَ: "مَنْ أَكَلَ مِنْ أَجْرِ بُيُوتِ مَكَّةَ شَيْئًا، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ نَارًا"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ، قَالَ: مَكَّةُ حَرَامٌ، وَحَرَامٌ بَيْعُ رِبَاعِهَا، وَأَجْرُ بُيُوتِهَا، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ الْحَاكِمُ، وَجَعَلَهُ شَاهِدًا لِحَدِيثِ ابْنِ مُهَاجِرٍ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَوَهَمَ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ أَبِي زِيَادٍ الْقَدَّاحُ، وَالثَّانِي فِي رَفْعِهِ، وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ حَدَّثَنِي أَبُو نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر، قَالَ: الَّذِي يَأْكُلُ كِرَاءَ بُيُوتِ مَكَّةَ إنَّمَا يَأْكُلُ فِي بَطْنِهِ نَارًا، انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ الْقَطَّانِ حَدِيثَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْهُ، وَقَالَ: عِلَّتُهُ ضَعْفُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَوَهَمَ فِي قَوْلِهِ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يزيد، وإنما هُوَ ابْنُ أَبِي زِيَادٍ، وَوَهَمَ أَيْضًا فِي رَفْعِهِ، وَخَالَفَهُ النَّاسُ، فَرَوَاهُ عِيسَى بْنُ يُونُسَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عن ابن عمروقوله. وَقَدْ رَوَاهُ الْقَاسِمُ2 بْنُ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الصَّوَابِ، وَقَالَ فِيهِ: ابْنُ أَبِي زِيَادٍ، فَلَعَلَّ الْوَهَمَ مِنْ صَاحِبِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي آخِرِ الْحَجِّ3 عَنْ أَيْمَنَ بْنِ نَابِلٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَرَفَعَ الْحَدِيثَ،
قَالَ: مَنْ أَكَلَ كِرَاءَ بُيُوتِ مَكَّةَ أَكَلَ الرِّبَا، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَكَّةُ حَرَامٌ، حَرَّمَهَا اللَّهُ لَا تَحِلُّ بَيْعُ رِبَاعِهَا، وَلَا إجَارَةُ بُيُوتِهَا"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُبَاعَ شَيْءٌ مِنْ رِبَاعِ مَكَّةَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ آجَرَ أَرْضَ مَكَّةَ، فَكَأَنَّمَا أَكَلَ الرِّبَا"، قُلْتُ: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عبد الله بن عمر عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ أَكَلَ مِنْ أُجُورِ بُيُوتِ مَكَّةَ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ نَارًا"، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَيْمَنَ بْنِ نَابِلٍ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَرَفَعَهُ، قَالَ: "مَنْ أَكَلَ كِرَاءَ بُيُوتِ مَكَّةَ فَقَدْ أَكَلَ نَارًا"، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْحَجِّ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: كَانَ عَطَاءٌ يَنْهَى عَنْ الْكِرَاءِ فِي الْحَرَمِ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْهَى أَنْ تُبَوَّبَ دُورُ مَكَّةَ، لَأَنْ يَنْزِلَ الْحَاجُّ فِي عَرَصَاتِهَا، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَوَّبَ دَارِهِ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَنْظَرَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنِّي امْرُؤٌ تَاجِرٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَّخِذَ بَابًا يَحْبِسُ لِي ظَهْرِي، قَالَ: فَذَلِكَ إذًا، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَتَّخِذُوا لِدُورِكُمْ أَبْوَابًا، لِيَنْزِلَ الْبَادِي حَيْثُ شَاءَ، قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ: لَقَدْ اُسْتُخْلِفَ مُعَاوِيَةُ، وَمَا لِدَارٍ بِمَكَّةَ بَابٌ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عَطَاءً يَقُولُ: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} ، قَالَ: يَنْزِلُونَ حَيْثُ شَاءُوا، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ فِي الْبُيُوعِ ثَنَا الْحَاكِمُ بِسَنَدِهِ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، قَالَ: كُنَّا بِمَكَّةَ، وَمَعِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ لِي أَحْمَدُ يَوْمًا: تَعَالَ أُرِيك رَجُلًا لَمْ تَرَ عَيْنَاك مِثْلَهُ يَعْنِي الشَّافِعِيَّ فَذَهَبْت مَعَهُ، فَرَأَيْتُ مِنْ إعْظَامِ أَحْمَدَ لِلشَّافِعِيِّ، فَقُلْت لَهُ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، قَالَ: هَاتِ، فَقُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي أُجُورِ بُيُوتِ مَكَّةَ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، قُلْتُ، وَكَيْفَ! وَقَدْ قَالَ عُمَرُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَجْعَلُوا عَلَى دُورِكُمْ أَبْوَابًا، لِيَنْزِلَ الْبَادِي حَيْثُ شَاءَ، وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ يَنْزِلَانِ، وَيَخْرُجَانِ، وَلَا يُعْطِيَانِ أَجْرًا، فَقَالَ: السُّنَّةُ فِي هَذَا أَوْلَى بِنَا، فَقُلْتُ: أَوَ فِي هَذَا سُنَّةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا"؟ لِأَنَّ عَقِيلًا وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ، وَلَمْ يَرِثْهُ عَلِيٌّ، وَلَا جَعْفَرٌ، لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، فَلَوْ كَانَتْ الْمَنَازِلُ بِمَكَّةَ لَا تُمْلَكُ، كَيْفَ كَانَ يَقُولُ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا، وَهِيَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ؟ قَالَ: فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ أَحْمَدُ، وَقَالَ: لَمْ يَقَعْ هَذَا بِقَلْبِي، فَقَالَ إسْحَاقُ لِلشَّافِعِيِّ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سَوَاءً الْعَاكِفُ
فِيهِ وَالْبَادِ} ؟ فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ: اقْرَأْ أَوَّلَ الْآيَةِ {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ، سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} ، إذْ لَوْ كَانَ كَمَا تَزْعُمُ، لَمَا جَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْشُدَ فِيهَا ضَالَّةً، وَلَا يَنْحَرَ فِيهَا بَدَنَةً، وَلَا يَدَعَ فِيهَا الْأَرْوَاثَ، وَلَكِنْ هَذَا افي الْمَسْجِدِ خَاصَّةً، قَالَ: فَسَكَتَ إسْحَاقُ، انْتَهَى. وَبِحَدِيثِ: "هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا"، اسْتَدَلَّ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَلَى جَوَازِ إجَارَةِ بُيُوتِ مَكَّةَ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ: أَلَا تَنْزِلُ مَنْزِلَكَ مِنْ الشِّعْبِ؟ قَالَ: "فَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا"، وَكَانَ عَقِيلٌ قَدْ بَاعَ مَنْزِلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْزِلَ إخْوَتِهِ مِنْ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ بِمَكَّةَ، فَقِيلَ لَهُ: فَانْزِلْ فِي بَعْضِ بُيُوتِ مَكَّةَ فَأَبَى، وَقَالَ: "لَا أَدْخُلُ الْبُيُوتَ"، فَلَمْ يَزَلْ مُضْطَرِبًا بِالْحَجُونِ، لَمْ يَدْخُلْ بَيْتًا، وَكَانَ يَأْتِي إلَى الْمَسْجِدِ مِنْ الْحَجُونِ، انْتَهَى. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ: وَقَدْ اشْتَرَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الدُّورَ مِنْ النَّاسِ الَّذِينَ ضَيَّقُوا الْكَعْبَةَ، وَأَلْصَقُوا دُورَهُمْ بِهَا، ثُمَّ هَدَمَهَا، وَبَنَى الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ كَانَ عُثْمَانُ، فَاشْتَرَى دُورًا بِأَغْلَى ثَمَنٍ، وَزَادَ فِي سِعَةِ الْمَسْجِدِ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رِبَاعَ مَكَّةَ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا بَيْعًا وَشِرَاءً، إذَا شَاءُوا، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ فِي سِيرَتِهِ عُيُونُ الْأَثَرِ: وَهَذَا الْخِلَافُ هُنَا يُبْتَنَى عَلَى خِلَافٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ مَكَّةَ هَلْ فُتِحَتْ عَنْوَةً، أَوْ أُخِذَتْ بِالْأَمَانِ؟ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهَا مُؤَمَّنَةٌ، وَالْأَمَانُ كَالصُّلْحِ يَمْلِكُهَا أهلها، فيجوز لهم كراءها وبيعها وشراءها، لِأَنَّ الْمُؤَمَّنَ يَحْرُمُ دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِيَالُهُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا إلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ، وَقَالَ: "مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ، فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ" إلَّا الَّذِينَ اسْتَثْنَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ، وَإِنْ وُجِدُوا مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَّهَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا إلَى مَكَّةَ، وَقَالَ: "مَنْ دَخَلَ دَارَ حَكِيمٍ، فَهُوَ آمِنٌ وَهِيَ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ، فَهُوَ آمن وهي بأعلا مَكَّةَ"، فَكَانَ هَذَا أَمَانًا مِنْهُ لِكُلِّ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَأَكْثَرُ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، لِأَنَّهَا أُخِذَتْ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ فِي مَكَّةَ، أَنَّهَا مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ فِيهَا قَسْمٌ، وَلَا غَنِيمَةٌ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ أَهْلِهَا أُخِذَ لِمَا عَظَّمَ اللَّهُ مِنْ حُرْمَتِهَا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَالْأَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا بَلْدَةٌ مُؤَمَّنَةٌ، آمَنَ أَهْلَهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَتْ
أَمْوَالُهُمْ تَبَعًا لَهُمْ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: بَيْعُ رِبَاعِ مَكَّةَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا إنْ فُتِحَتْ عَنْوَةً، فَتَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَإِنْ فُتِحَتْ صُلْحًا فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى أَهْلِهَا فَيَجُوزُ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ: مَكَّةُ مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ، رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنَ مَاهَكَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَبْنِي لَك بَيْتًا؟ يَعْنِي بِمَكَّةَ قَالَ: "لَا، إنَّمَا هِيَ مُنَاخٌ لِمَنْ سَبَقَ"، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 عَقِيبَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: وَقَدْ صَحَّتْ الرِّوَايَاتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ صُلْحًا، فَمِنْهَا مَا حَدَّثَنَا وَأَسْنَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَارَ إلَى مَكَّةَ لِيَفْتَحَهَا، قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: "اهْتِفْ بِالْأَنْصَارِ"، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَجِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءُوا، كَأَنَّمَا كَانُوا عَلَى مِيعَادٍ، ثُمَّ قَالَ: " اُسْلُكُوا هَذِهِ الطَّرِيقَ، فَسَارُوا، فَفَتَحَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ"، وَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ الَّذِي يَلِي الصَّفَا، فَصَعِدَ الصَّفَا، فَخَطَبَ النَّاسَ، وَالْأَنْصَارُ أَسْفَلُ مِنْهُ، فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِقَوْمِهِ، وَرَغْبَةٌ فِي قَرَابَتِهِ، قَالَ: "فَمَنْ أَنَا إذًا؟! كَلًّا وَاَللَّهِ، إنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ حَقًّا، فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ"، قَالُوا: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قُلْنَا ذَلِكَ إلَّا مَخَافَةَ أن يعاودنا، قَالَ: "أَنْتُمْ صَادِقُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ"، قَالَ: فَوَاَللَّهِ مَا مِنْهُمْ إلَّا مَنْ بُلَّ نَحْرُهُ بِالدُّمُوعِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ أَرَاضِيَ مَكَّةَ كَانَتْ تُسَمَّى السَّوَائِبَ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَنْ احْتَاجَ إلَيْهَا سَكَنَهَا، وَمَنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا أَسْكَنَ غَيْرَهُ، قُلْتُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ2 فِي الْحَجِّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ نَضْلَةَ، قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَمَا تُدْعَى رِبَاعُ مَكَّةَ إلَّا السَّوَائِبُ، مَنْ احْتَاجَ سَكَنَ، وَمَنْ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَمُسْنَدِهِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، والدارقطني فِي سُنَنِهِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ الْأَدَمِيّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عُثْمَانَ بِهِ، وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ رَوَاهُ أَبُو الْوَلِيدِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِهِ تَارِيخِ مَكَّةَ، وَحَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ بِهِ، قَالَ: كَانَتْ الدُّورُ وَالْمَسَاكِنُ بِمَكَّةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم مَا تُكْرَى، وَلَا تُبَاعُ،
وَلَا تُدْعَى إلَّا السَّوَائِبُ، مَنْ احتاج إليها سَكَنَ، وَمَنْ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ، قَالَ يَحْيَى: فَقُلْت لِعُمَرَ: إنَّك تُكْرِي، قَالَ: قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْمَيْتَةَ لِلْمُضْطَرِّ إلَيْهَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا1 عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ نَضْلَةَ الْكِنَانِيِّ، قَالَ: كَانَتْ بُيُوتُ مَكَّةَ تُدْعَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ السَّوَائِبَ، لَا تُبَاعُ، مَنْ احْتَاجَ سَكَنَ، وَمَنْ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ، انْتَهَى.
مسائل متفرقة
مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ قَوْلُهُ: عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: جَرِّدُوا الْقُرْآنَ، وَيُرْوَى جَرِّدُوا الْمَصَاحِفَ، قُلْتُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: جَرِّدُوا الْقُرْآنَ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةً عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرَهُ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: جرردوا الْقُرْآنَ، لَا تُلْحِقُوا بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي أَوَاخِرِ الصَّوْمِ أَخْبَرَنِي الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ: قَوْلُهُ: جَرِّدُوا الْقُرْآنَ يُحْتَمَلُ فِيهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَيْ جَرِّدُوهُ فِي التِّلَاوَةِ، لَا تَخْلِطُوا بِهِ غَيْرَهُ، وَالثَّانِي أَيْ جَرِّدُوهُ فِي الْخَطِّ مِنْ النَّقْطِ، وَالتَّعْشِيرِ، انْتَهَى. قُلْت: الثَّانِي أَوْلَى، لِأَنَّ الطَّبَرَانِيَّ أَخْرَجَ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عن ابن مسعود، أانه كَانَ يَكْرَهُ التَّعْشِيرَ فِي الْمُصْحَفِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ بِهِ: جَرِّدُوا الْقُرْآنَ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانَ إبْرَاهِيمُ يَذْهَبُ بِهِ إلَى نَقْطِ الْمَصَاحِفِ، وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَرِهَ التَّعْشِيرَ فِي الْمَصَاحِفِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ هُوَ أَبْيَنُ، وَهُوَ أَنَّهُ أَرَادَ لَا تَخْلِطُوا بِهِ غَيْرَهُ مِنْ الْكُتُبِ، لِأَنَّ مَا خَلَا الْقُرْآنَ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا يُؤْخَذُ عَنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ عَلَيْهَا، وَقَوَّى هَذَا الْوَجْهَ بِمَا أَخْرَجَهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: لَمَّا خَرَجْنَا إلَى الْعِرَاقِ خَرَجَ مَعَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُشَيِّعُنَا، وَقَالَ لَنَا: إنَّكُمْ تَأْتُونَ أَهْلَ قَرْيَةٍ لَهُمْ دَوِيٌّ بِالْقُرْآنِ كَدَوِيِّ النحل، فَلَا تَشْغَلُوهُمْ بِالْأَحَادِيثِ فَتَصُدُّوهُمْ، وَجَرِّدُوا الْقُرْآنَ، قَالَ: فَهَذَا مَعْنَاهُ، أَيْ لَا تَخْلِطُوا مَعَهُ غَيْرَهُ، انْتَهَى. وَرِوَايَةُ جَرِّدُوا الْمَصَاحِفَ غَرِيبَةٌ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أَنْزَلَ وَفْدَ ثَقِيفٍ فِي مَسْجِدِهِ، وَهُمْ كُفَّارٌ، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1 فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ فِي بَابِ خَبَرِ الطَّائِفِ عَنْ أَبِي دَاوُد عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْزَلَهُمْ الْمَسْجِدَ، لِيَكُونَ أَرَقَّ لِقُلُوبِهِمْ، فَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ لَا يُحْشَرُوا، وَلَا يُعْشَرُوا، وَلَا يُجْبُوا2، فَقَالَ عليه السلام: "لَكُمْ أَنْ لَا تُحْشَرُوا، وَلَا تُعْشَرُوا، وَلَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَيْسَ فِيهِ رُكُوعٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَفَّانَ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِهِ، وَكَذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، قِيلَ: إنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ الْحَسَنِ، أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ، أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ لَهُمْ قُبَّةً فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ، لِيَنْظُرُوا إلَى صَلَاةِ الْمُسْلِمِينَ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُنْزِلُهُمْ الْمَسْجِدَ وَهُمْ مُشْرِكُونَ؟ فَقَالَ: "إنَّ الْأَرْضَ لَا تَنْجُسُ، إنَّمَا يَنْجُسُ ابْنُ آدَمَ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدٌ مِنْ ثَقِيفٍ فِي رَمَضَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ لَهُمْ قُبَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا صَامُوا مَعَهُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْأَرْبَعُونَ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ الْبَغْلَةَ وَاقْتَنَاهَا، قُلْتُ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ3 فِي الْجِهَادِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ فَقَالَ الْبَرَاءُ: وَاَللَّهِ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يفر، وكانت هوزان يَوْمِئِذٍ رُمَاةً، وَإِنَّا لَمَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ انْكَشَفُوا، فَأَكْبَبْنَا عَلَى الْغَنَائِمِ، فَاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَإِنَّ أبا سفيان آخِذٌ بِلِجَامِهَا يَقُودُهُ، وَهُوَ يَقُولُ: "أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ" انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ4 عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ خَتَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخِي جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ،
قَالَ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا أَمَةً، وَلَا شَيْئًا إلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ الَّتِي كَانَ يَرْكَبُهَا، وَسِلَاحَهُ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا لِابْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً، انْتَهَى. وَلَمْ يُخْرِجْ مُسْلِمٌ لِعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ شَيْئًا، وَفِي سِيرَةِ ابْنِ إسْحَاقَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْكَبُ بَغْلَتَهُ الدُّلْدُلَ فِي أَسْفَارِهِ، وَعَاشَتْ بَعْدَهُ حَتَّى كَبِرَتْ، وَزَالَتْ أَسْنَانُهَا، وَكَانَ يُجِشُّ لَهَا الشَّعِيرَ، وَمَاتَتْ بِالْبَقِيعِ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ1 فِي الْجِهَادِ أَيْضًا عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَلَزِمْتُ أَنَا، وَأَبُو سُفْيَانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ نُفَارِقْهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ بَيْضَاءَ، أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ الْجُذَامِيُّ، فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ، وَالْكُفَّارُ، وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ، قِبَلَ الْكُفَّارِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ عليه السلام، وَالْعَبَّاسُ آخِذٌ بِرِكَابِهِ، إلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ"، ثُمَّ أَخَذَ عليه السلام بِيَدِهِ حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ فِي وُجُوهِ الْكُفَّارِ، ثُمَّ قَالَ: "انْهَزِمُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ"، قَالَ: فَمَا هُوَ إلَّا أَنْ رَمَاهُمْ بِحَصَيَاتِهِ، فَمَا زِلْتُ أَرَى أَمْرَهُمْ مُدْبِرًا حَتَّى هَزَمَهُمْ اللَّهُ، قَالَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَرْكُضُ خَلْفَهُمْ عَلَى بَغْلَتِهِ، مُخْتَصَرٌ، وَأَخْرَجَ فِي الْفَضَائِلِ2 عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: لَقَدْ قُدْتُ بِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ بَغْلَتَهُ الشَّهْبَاءَ، حَتَّى أَدْخَلْتُهُمْ حُجْرَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذَا قُدَّامَهُ، وَهَذَا خَلْفَهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ فِي آخِرِ التَّوْبَةِ قُبَيْلَ الْفِتَنِ3 عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ، وَنَحْنُ مَعَهُ، فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ: وَقَالَ: "نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ"، مُخْتَصَرٌ. الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام عَادَ يَهُودِيًّا بِجِوَارِهِ، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ4 فِي الْجَنَائِزِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَخْدِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: "أَسْلِمْ"، فَنَظَرَ إلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْجَنَائِزِ، أَيْضًا. وَزَادَ: فَلَمَّا مَاتَ قَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَوَهَمَ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي الْجَنَائِزِ وَفِي الطِّبِّ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَلَفْظُهُ:
كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَضَعُ لَهُ وُضُوءَهُ، وَيُنَاوِلُهُ بَغْلَتَهُ، وَلَيْسَ فِي أَلْفَاظِهِمْ: أَنَّهُ كَانَ جَارَهُ، لَكِنْ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ جَارًا لَهُ يَهُودِيًّا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ جَارٌ يَهُودِيٌّ فَمَرِضَ، فَعَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الشَّهَادَتَيْنِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ فِي الثَّالِثَةِ: قُلْ مَا قَالَ لَك، فَفَعَلَ، ثُمَّ مَاتَ، فَأَرَادَتْ الْيَهُودُ أَنْ تَلِيَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نَحْنُ أَوْلَى بِهِ"، وَغَسَّلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَفَّنَهُ، وَحَنَّطَهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَنَا: "قُومُوا بِنَا نَعُودُ جَارَنَا الْيَهُودِيَّ"، قَالَ: فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "كَيْفَ أَنْتَ يَا فُلَانُ"، ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ الشَّهَادَتَيْنِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ فِي الثَّالِثَةِ: يَا بُنَيَّ اشْهَدْ، فَشَهِدَ، فَقَالَ عليه السلام: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعْتَقَ بِي نَسَمَةً مِنْ النَّارِ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ في كتاب عمل يوم وليلة. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ فَعَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي آخِرِ الْبَابِ الثَّالِثِ وَالسِّتِّينَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ ثَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الصَّوَافُّ ثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مَيْسَرَةَ الْقَيْسِيُّ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا عَادَ رَجُلًا عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَجْلِسْ عِنْدَهُ، وَقَالَ: " كَيْفَ أَنْتَ يَا يَهُودِيُّ، كَيْفَ أَنْتَ يَا نَصْرَانِيُّ"، بِدِينِهِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ دُعَائِهِ عليه السلام: "اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِمَعَاقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك، وَمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِك، وَبِاسْمِك الْأَعْظَمِ، وَجَدِّك الْأَعْلَى، وَكَلِمَاتِك التَّامَّةِ"، قُلْتُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ أَنْبَأَ أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ ثَنَا عَامِرُ بْنُ خِدَاشٍ ثَنَا عُمَرُ بْنُ هَارُونَ الْبَلْخِيّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً تُصَلِّيهِنَّ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، وَتَتَشَهَّدُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا تَشَهَّدْتُ فِي آخِرِ صَلَاتِك، فَأَثْنِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاقْرَأْ وَأَنْتَ سَاجِدٌ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ سَبْعَ مَرَّاتٍ،
وَقُلْ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِمَعَاقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك، وَمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِك، وَاسْمِك الْأَعْظَمِ، وَكَلِمَاتِك التَّامَّةِ، ثُمَّ سَلْ حَاجَتَك، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَك، ثُمَّ سَلِّمْ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَا تُعَلِّمُوهَا السُّفَهَاءَ، فَإِنَّهُمْ يَدْعُونَ بِهَا، فَيُسْتَجَابُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ الْمَوْضُوعَاتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَتَكِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَشْرَسَ ثَنَا عَامِرُ بْنُ خِدَاشٍ بِهِ، سَنَدًا وَمَتْنًا، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ بِلَا شَكٍّ، وَإِسْنَادُهُ مُخَبَّطٌ كَمَا تَرَى، وَفِي إسْنَادِهِ عُمَرُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِيهِ: كَذَّابٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمُعْضِلَاتِ، وَيَدَّعِي شُيُوخًا لَمْ يَرَهُمْ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي السُّجُودِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَعَزَاهُ السُّرُوجِيُّ لِلْحِلْيَةِ وَمَا وَجَدْتُهُ فِيهَا. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَهْوُ الْمُؤْمِنِ بَاطِلٌ، إلَّا ثلاث: تَأْدِيبُهُ لِفَرَسِهِ، وَمُنَاضَلَتُهُ عَنْ قَوْسِهِ، وَمُلَاعَبَتُهُ مَعَ أَهْلِهِ"، قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَحَدِيثُ عُقْبَةَ: رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ1 فِي الْجِهَادِ، فَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَّامٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَّامٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَزْرَقِ عَنْ عُقْبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ لَيُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ الثَّلَاثَةَ الْجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ، وَالرَّامِيَ بِهِ، وَمُنْبِلَهُ، وَارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا، لَيْسَ مِنْ اللَّهْوِ ثَلَاثٌ: تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتُهُ أَهْلَهُ، وَرَمْيُهُ بِقَوْسِهِ وَنَبْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ الرمي بعد ما عَلِمَهُ، فَإِنَّهَا نِعْمَةٌ تَرَكَهَا"، أَوْ قَالَ: "كَفَرَهَا" انْتَهَى. وَلَمْ يَعْزُهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ إلَّا لِلنَّسَائِيِّ فَقَطْ، وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي أَنَّهُ كَانَ يُقَلِّدُ أَصْحَابَ الْأَطْرَافِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ يَعْزُو مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الصَّحَابِيِّ، فَبِالْأَوْلَى أَنْ يَعْزُوَ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي التَّابِعِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ مِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ دَائِرَةٍ عَلَى عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وجابر بن عمير الأنصاري يَرْمِيَانِ، فَمَلَّ أَحَدُهُمَا، فَقَالَ الْآخَرُ: أَكَسِلْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
"كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ لَهْوٌ، وَلَعِبٌ"، وَفِي لَفْظٍ: "وَهُوَ سَهْوٌ وَلَغْوٌ، إلَّا أَرْبَعَةً: مُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمَشْيُ الرَّجُلِ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ، وَتَعَلُّمُ الرَّجُلِ السِّبَاحَةَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْجَزَرِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ خَالِدِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ الْمَكِّيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ إسْحَاقَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ جَابِرِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَسَاكِرَ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 فِي الْجِهَادِ عَنْ سُوَيْد بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "كُلُّ شَيْءٍ مِنْ لَهْوِ الدُّنْيَا بَاطِلٌ، إلَّا ثَلَاثَةً: انْتِضَالُك بِقَوْسِك، وَتَأْدِيبُك فَرَسَك، وَمُلَاعَبَتُك أَهْلَك، فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَقِّ"، مُخْتَصَرٌ. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، فَقَالَ: سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ سَأَلْت أَبِي، وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: فَذَكَرَهُ، فَقَالَا: هَذَا خَطَأٌ، وَهَمَ فِيهِ سُوَيْد إنَّمَا هُوَ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، فَذَكَرَهُ، هَكَذَا رَوَاهُ اللَّيْثُ، وَحَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، وَجَمَاعَةٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مُرْسَلًا، قَالَ أَبِي: وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَيْضًا مُرْسَلٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ، فَرَوَاهُ الطبراني في معجمه الوسط مِنْ حَدِيثِ الْمُنْذِرِ بْنِ زِيَادٍ الطَّائِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ لَهْوٍ يُكْرَهُ، إلَّا مُلَاعَبَةَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَمَشْيَهُ بَيْنَ الْهَدَفَيْنِ، وَتَعْلِيمَهُ فَرَسَهُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ، وَأَعَلَّهُ بِالْمُنْذِرِ، وَقَالَ: إنَّهُ يُقَلِّبُ الْأَسَانِيدَ، وَيَنْفَرِدُ بِالْمَنَاكِيرِ عَنْ الْمَشَاهِيرِ، لَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ، وَالنَّرْدَشِيرِ، فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي دَمِ خِنْزِيرٍ"، قُلْتُ: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ2 وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الشِّطْرَنْجِ، أَخْرَجَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ، فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ، وَدَمِهِ"، انْتَهَى. قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي أَطْرَافِهِ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الْأَدَبِ، وَلَمْ أَجِدْهُ إلَّا فِي كِتَابِ الشِّعْرِ. أَحَادِيثُ الشِّطْرَنْجِ: أخرج العقيلي في ضعفاءه عن مظهر بْنِ الْهَيْثَمِ ثَنَا شِبْلٌ الْمِصْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ، فَقَالَ: "مَا هَذِهِ الْكُوبَةُ؟ أَلَمْ أَنْهَ عَنْهَا؟! لَعَنَ اللَّهُ مَنْ يَلْعَبُ بِهَا"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِمُطَهِّرِ بْنِ الْهَيْثَمِ، وَقَالَ: لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ، وَقَالَ: وَشِبْلٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مَجْهُولَانِ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ، وَأَعَلَّهُ بِمُطَهِّرٍ، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ مَا لَا يُشْبِهُ حَدِيثَ الْأَثْبَاتِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ ثَنَا حِزَامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثلثمائة وَسِتِّينَ نَظْرَةً، لَا يَنْظُرُ فِيهَا إلَى صَاحِبِ الشَّاهِ يَعْنِي الشِّطْرَنْجَ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُصَغَّرُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا، لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ حِبَّانَ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ قَالَ: وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُصَغَّرُ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: تَرَكْتُ حَدِيثَهُ، وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، والدارقطني: مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَا أَلْهَاك عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ مَيْسِرٌ"، قُلْتُ: غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ مِنْ قَوْلِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ثَنَا حَفْصٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كُلُّ مَا أَلْهَى عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهُوَ مَيْسِرٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي الْبَابِ الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُصَيْنِ بْنُ بَشْرَانَ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: هَذِهِ النَّرْدُ تَكْرَهُونَهَا، فَمَا بَالُ الشِّطْرَنْجِ؟ قَالَ: كُلُّ مَا أَلْهَى عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَعَنْ الصَّلَاةِ، فَهُوَ الْمَيْسِرُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ هَدِيَّةَ سَلْمَانَ، حِينَ كَانَ عَبْدًا، قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ، وَمِنْ حديث بريدة, ومن حديث ابن عباس. أَمَّا حَدِيثُ سَلْمَانَ: فَلَهُ طُرُقٌ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ،
مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي قُرَّةَ الْكِنْدِيِّ عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: كَانَ أَبِي مِنْ الْأَسَاوِرَةِ، وَكُنْت أَخْتَلِفُ إلَى الْكُتَّابِ، وَكَانَ مَعِي غُلَامَانِ، إذَا رَجَعَا مِنْ الْكُتَّابِ دَخَلَا عَلَى قَسٍّ، فَأَدْخُلُ مَعَهُمَا، فَلَمْ أَزَلْ أَخْتَلِفُ إلَيْهِ مَعَهُمَا، حَتَّى صِرْتُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْهُمَا، وَكَانَ يَقُولُ لِي: يَا سَلْمَانُ إذَا سَأَلَك أَهْلُك مَنْ حَبَسَك؟ فَقُلْ: مُعَلِّمِي، وَإِذَا سَأَلَك مُعَلِّمُك مَنْ حَبَسَك؟ فَقُلْ: أَهْلِي، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَلَمَّا مَاتَ وَاجْتَمَعَ إلَيْهِ الرُّهْبَانُ، وَالْقِسِّيسُونَ سَأَلْتُهُمْ، فَقُلْتُ: يَا مَعْشَرَ الْقِسِّيسِينَ! دُلُّونِي عَلَى عَالِمٍ أَكُونُ مَعَهُ، قَالُوا: مَا نَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ، أَعْلَمَ مِنْ رَجُلٍ كَانَ يَأْتِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَإِنْ انْطَلَقْتَ الْآنَ وَجَدْت حِمَارَهُ عَلَى بَابٍ بيت الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ، فَإِذَا أَنَا بِحِمَارٍ، فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ، حَتَّى خَرَجَ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: اجْلِسْ، حَتَّى أَرْجِعَ إلَيْك، قَالَ: فَلَمْ أَرَهُ إلَى الْحَوْلِ، وَكَانَ لَا يَأْتِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ إلَّا فِي السَّنَةِ مَرَّةً فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ، فَلَمَّا جَاءَ، قُلْتُ لَهُ: مَا صَنَعْتَ فِي أَمْرِي؟ قَالَ: وأنت إلى الآن ههنا بَعْدُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْ يَتِيمٍ خَرَجَ فِي أَرْضِ تِهَامَةَ، وَإِنْ تَنْطَلِقْ الْآنَ تُوَافِقْهُ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَعِنْدَ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ الْيَمِينِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، مِثْلُ الْبَيْضَةِ، لَوْنُهُ لَوْنُ جِلْدِهِ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ تَرْفَعُنِي أَرْضٌ، وَتَخْفِضُنِي أُخْرَى حَتَّى أَصَابَنِي قَوْمٌ مِنْ الْأَعْدَاءِ، فَأَخَذُونِي، فَبَاعُونِي حَتَّى وَقَعْتُ بِالْمَدِينَةِ، فَسَمِعْتُهُمْ يَذْكُرُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ الْعَيْشُ عَزِيزًا، فَسَأَلْتُ قَوْمِي أَنْ يَهَبُوا لِي يَوْمًا، فَفَعَلُوا، فَانْطَلَقْتُ، فَاحْتَطَبْتُ، فَبِعْتُهُ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ، ثُمَّ صَنَعْتُ بِهِ طَعَامًا، وَاحْتَمَلْتُهُ حَتَّى جِئْتُ بِهِ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ عليه السلام: "مَا هَذَا"؟ قُلْتُ: صَدَقَةٌ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: "كُلُوا"، وَأَبَى هُوَ أَنْ يَأْكُلَ، فَقُلْت فِي نَفْسِي: هَذِهِ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ مَكَثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ اسْتَوْهَبْتُ قَوْمِي يَوْمًا آخَرَ، فَفَعَلُوا، فَانْطَلَقْت، فَاحْتَطَبْتُ، فَبِعْتُهُ بِأَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، فصعنت طَعَامًا، وَأَتَيْته بِهِ فَقَالَ: "مَا هَذَا"؟ قُلْتُ: هَدِيَّةٌ، فَقَالَ بِيَدِهِ: "بِسْمِ اللَّهِ كُلُوا"، فَأَكَلَ، وَأَكَلُوا مَعَهُ، وَقُمْتُ إلَى خَلْفِهِ، فَوَضَعَ رِدَاءَهُ عَنْ كَتِفِهِ، فَإِذَا خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، كَأَنَّهُ بَيْضَةٌ، قُلْتُ: أَشْهَدْ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: "وَمَا ذَاكَ"؟ فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثِي، ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْقِسُّ الَّذِي أَخْبَرَنِي أَنَّكَ نَبِيٌّ، أَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: "لَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ إلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ"، قُلْتُ: إنَّهُ زَعَمَ أَنَّك نَبِيٌّ، قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا نَفْسُ مُسْلِمَةٌ"، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ ثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ أَنَّهُ سَأَلَ سَلْمَانَ، كَيْفَ كَانَ بَدْءُ
إسْلَامِك؟ فَقَالَ سَلْمَانُ: كُنْتُ يَتِيمًا مِنْ رَامَهُرْمُزَ، فَذَكَرَهُ مُطَوَّلًا، إلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ لِي يَعْنِي الرَّاهِبَ الَّذِي لَازَمَهُ سَلْمَانُ يَا سَلْمَانُ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَاعِثٌ رَسُولًا اسْمُهُ أَحْمَدُ، يَخْرُجُ بِتِهَامَةَ عَلَامَتُهُ، أَنَّهُ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمٌ، وَهَذَا زَمَانُهُ، فَقَدْ تَقَارَبَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ، فَكُلَّمَا سَأَلْتُ عَنْهُ، قَالُوا لِي: أَمَامَك، حَتَّى لَقِيَنِي رَكْبٌ مِنْ كَلْبٍ، فَأَخَذُونِي، فَأَتَوْا بي بلادهم، باعوني لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَجَعَلَتْنِي فِي حَائِطٍ لَهَا، وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذْتُ شَيْئًا مِنْ تَمْرِ حَائِطِي، فَجَعَلْتُهُ عَلَى شَيْءٍ، وَأَتَيْتُهُ فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَحَوْلَهُ أَصْحَابُهُ، وَأَقْرَبُهُمْ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: "مَا هَذَا"؟ قُلْتُ: صَدَقَةٌ، فَقَالَ لِلْقَوْمِ: "كُلُوا"، وَلَمْ يَأْكُلْ، ثُمَّ لَبِثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَذَهَبْتُ، فَصَنَعْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا وَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: "مَا هَذَا"؟ قُلْتُ: هَدِيَّةٌ، فَقَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ"، وَأَكَلَ، وَأَكَلَ الْقَوْمُ، وَدُرْتُ خَلْفَهُ، فَفَطِنَ لِي، فَأَلْقَى ثَوْبَهُ، فَرَأَيْت الْخَاتَمَ فِي نَاحِيَةِ كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ دُرْتُ، فَجَلَسْت بَيْنَ يَدَيْهِ، قُلْت: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّك رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: "مَنْ أَنْتَ"؟ قُلْت: مَمْلُوكٌ، قَالَ: لِمَنْ؟ قُلْتُ: لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، جَعَلَتْنِي فِي حَائِطٍ لَهَا، فَسَأَلَنِي، فَحَدَّثْتُهُ جَمِيعَ حَدِيثِي، فَقَالَ عليه السلام لِأَبِي بَكْرٍ: "يَا أَبَا بَكْرٍ اشْتَرِهِ"، فَاشْتَرَانِي أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْتَقَنِي، مُخْتَصَرٌ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: بَلْ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْقُدُّوسِ عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ حَدَّثَنِي أَبُو الطُّفَيْلِ حَدَّثَنِي سَلْمَانُ، فَذَكَرَهُ بِزِيَادَاتٍ وَنَقْصٍ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَابْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ سَاقِطٌ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ2 فِي الْبَابِ التَّاسِعَ عَشَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ فُورَكٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ أَخِي زِيَادٍ ثَنَا سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ ثَنَا مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ الرَّاسِبِيُّ أَبُو مُعَاذٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: وُلِدْتُ بِرَامَهُرْمُزَ، وَنَشَأْتُ بِهَا، وَكَانَ أَبِي مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، وكان لأمي غنى، وَعَيْشٌ، قَالَ: فَأَسْلَمَتْنِي أُمِّي إلَى الْكُتَّابِ، فَكُنْتُ أَنْطَلِقُ إلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَعَ غِلْمَانِ فَارِسَ، وَكَانَ فِي طَرِيقِنَا جَبَلٌ فِيهِ كَهْفٌ، فَمَرَرْتُ يَوْمًا وَحْدِي، فَإِذَا أَنَا فِيهِ بِرَجُلٍ طِوَالٍ عَلَيْهِ ثِيَابُ شَعْرٍ، فَأَشَارَ إلَيَّ فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقَالَ لِي: أَتَعْرِفُ الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ؟ قُلْتُ لَهُ: لَا، وَلَا سَمِعْتُ بِهِ، قَالَ: هُوَ رُوحُ اللَّهِ، مَنْ آمَنَ بِهِ أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْ غَمِّ الدُّنْيَا إلَى نَعِيمِ الْآخِرَةِ، وَقَرَأَ عَلَيَّ شَيْئًا مِنْ الْإِنْجِيلِ، قَالَ: فَعَلَقَهُ قَلْبِي وَدَخَلَتْ حَلَاوَةُ الْإِنْجِيلِ فِي صَدْرِي، وَفَارَقْتُ أَصْحَابِي، وَجَعَلْتُ كُلَّمَا ذَهَبْت وَرَجَعْت قَصَدْت نَحْوَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: فَخَرَجْتُ
إلَى الْقُدْسِ، فَلَمَّا دَخَلْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ إذَا أَنَا بِرَجُلٍ فِي زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ، عَلَيْهِ الْمُسُوحُ، قَالَ: فَجَلَسْتُ إلَيْهِ، وَقُلْتُ لَهُ: أَتَعْرِفُ فُلَانًا الَّذِي كَانَ بِمَدِينَةِ فَارِسَ؟ فَقَالَ لِي: نَعَمْ أَعْرِفُهُ، وَأَنَا أَنْتَظِرُ نَبِيَّ الرَّحْمَةِ الَّذِي وَصَفَهُ لِي، قُلْتُ: كَيْفَ وَصَفَهُ لَك؟ قَالَ: وَصَفَهُ لِي، فَقَالَ: إنَّهُ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، يَخْرُجُ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ، يَرْكَبُ الْحِمَارَ وَالْبَغْلَةَ، الرَّحْمَةُ فِي قَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِ، يَكُونُ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ عِنْدَهُ سَوَاءً، لَيْسَ لِلدُّنْيَا عِنْدَهُ مَكَانٌ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، كَبَيْضَةِ الْحَمَامَةِ، مَكْتُوبٌ فِي بَاطِنِهِ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَفِي ظَاهِرِهِ تَوَجَّهْ حَيْثُ شِئْتَ، فَإِنَّك مَنْصُورٌ، يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، لَيْسَ بِحَقُودٍ وَلَا حَسُودٍ، لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا وَلَا كَافِرًا، فَمَنْ صَدَّقَهُ وَنَصَرَهُ كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَهُ فِي الْأَمْرِ الَّذِي يُعْطَاهُ، قَالَ سَلْمَانُ: فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ، وَقُلْت: لَعَلِّي أَقْدِرُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَخَرَجْتُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ غَيْرَ بَعِيدٍ، فَمَرَّ بِي أَعْرَابٌ مِنْ كَلْبٍ، فَاحْتَمَلُونِي إلَى يَثْرِبَ، وَسَمَّوْنِي مَيْسَرَةَ، قَالَ: فَبَاعُونِي لِامْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا: حُلَيْسَةُ بِنْتُ فُلَانٍ حليف لبني النجار بثلثمائة دِرْهَمٍ، وَقَالَتْ لِي: سِفْ هَذَا الْخَوْصَ1 وَاسْعَ عَلَى بَنَاتِي، قَالَ: فَمَكَثْتُ عَلَى ذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَسَمِعْتُ بِهِ، وَأَنَا فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ أَلْتَقِطُ الْخِلَالَ2 فَجِئْتُ إلَيْهِ أَسْعَى حَتَّى دَخَلْت عَلَيْهِ فِي بَيْتِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، فَوَضَعْت بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْخِلَالِ، فَقَالَ لِي: "مَا هَذَا"؟ قُلْت: صَدَقَةٌ، قَالَ: "إنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ"، فَرَفَعْته مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ تَنَاوَلْت مِنْ إزَارِي شَيْئًا آخَرَ، فَوَضَعْته بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: "مَا هَذَا"؟ قُلْت: هَدِيَّةٌ، فَأَكَلَ مِنْهُ، وَأَطْعَمَ مَنْ حَوْلَهُ، ثُمَّ نَظَرَ إلَيَّ فَقَالَ لِي: "أَحُرٌّ أَنْتَ أَمْ مَمْلُوكٌ"؟ قُلْت: مَمْلُوكٌ، قَالَ: "فَلِمَ وَصَلْتنِي بِهَذِهِ الْهَدِيَّةِ"؟ قُلْت: كَانَ لِي صَاحِبٌ مِنْ أَمْرِهِ كَيْتَ وَكَيْتَ، وَذَكَرْت لَهُ قِصَّتِي كُلَّهَا، فَقَالَ لِي: "إنَّ صَاحِبَك كَانَ مِنْ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِي حَقِّهِمْ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ، وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ} " الْآيَةَ، ثُمَّ قَالَ لِي عليه السلام: "هَلْ رَأَيْت فِي مَا قَالَ لَكَ"؟ قُلْت: نَعَمْ، إلَّا شَيْئًا بَيْنَ كَتِفَيْك، قَالَ: فَأَلْقَى عليه السلام رِدَاءَهُ عَنْ كَتِفِهِ، فَرَأَيْت الْخَاتَمَ مِثْلَ مَا قَالَ، فَقَبَّلْته، ثُمَّ قُلْت: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ عليه السلام لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: "يَا عَلِيُّ اذْهَبْ مَعَ سَلْمَانَ إلَى حُلَيْسَةَ، فَقُلْ لَهَا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ لَك: إمَّا أَنْ تَبِيعِينَا هَذَا، وَإِمَّا تُعْتِقِيهِ، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكِ خِدْمَتُهُ"، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا لَمْ تُسْلِمْ، قَالَ: " يَا سَلْمَانَ أَلَمْ تَدْرِ مَا حَدَثَ بَعْدَك عَلَيْهَا، دَخَلَ عَلَيْهَا ابْنُ عَمٍّ لَهَا، فَعَرَضَ
عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَتْ"، قَالَ سَلْمَانُ: فَانْطَلَقْت إلَيْهَا أَنَا، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَوَافَيْنَاهَا، تَذْكُرُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَهَا عَلِيٌّ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ لَهُ: اذْهَبْ إلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ شِئْت فَأَعْتِقْهُ، وَإِنْ شِئْت فَهُوَ لَك، قَالَ: فَأَعْتَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصِرْتُ أَغْدُو إلَيْهِ وَأَرُوحُ، وَتَعُولُنِي حُلَيْسَةُ، مُخْتَصَرٌ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى مُرْسَلَةٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ ثَنَا قُتَيْبَةُ بن سعد ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ سَلْمَانَ كَانَ قَدْ خَالَطَ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِ دَانْيَالَ بِأَرْضِ فَارِسَ، قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَسَمِعَ بِذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصِفَتِهِ مِنْهُمْ، فَإِذَا فِي حَدِيثِهِمْ: يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَأَرَادَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ، فَسَجَنَهُ أَبُوهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ هَلَكَ أَبُوهُ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الشَّامِ، فَكَانَ هُنَاكَ فِي كَنِيسَةٍ، ثُمَّ خَرَجَ يَلْتَمِسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخذه أهل يتماء فَاسْتَرَقُّوهُ، ثُمَّ قَدِمُوا بِهِ إلى الْمَدِينَةَ، فَبَاعُوهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمِئِذٍ بِمَكَّةَ، لَمْ يُهَاجِرْ، فَلَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ أَتَاهُ سَلْمَانُ بِشَيْءٍ، فَقَالَ لَهُ: "مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ"؟ قَالَ: صَدَقَةٌ، فَلَمْ يَأْكُلْ عليه السلام مِنْهُ، ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ الْغَدِ بِشَيْءٍ آخَرَ، فَقَالَ لَهُ: "مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ"؟ قَالَ: هَدِيَّةٌ فَأَكَلَ عليه السلام مِنْهُ، وَنَظَرَ سَلْمَانُ إلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ، وَقَبَّلَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ، وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، فَقَالَ لَهُ: "كَاتِبْهُمْ يَا سَلْمَانُ"، فَكَاتَبَهُمْ سَلْمَانُ عَلَى مِائَتَيْ وَدِيَّةٍ، فَرَمَاهُ الْأَنْصَارُ مِنْ وَدِيَّةٍ وَوَدِيَّتَيْنِ، حَتَّى أَوْفَاهُمْ، انْتَهَى. وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَائِدَةٍ عَلَيْهَا رُطَبٌ، فَقَالَ لَهُ: " مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ"؟ قَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقْتُ بِهَا عَلَيْك، وَعَلَى أَصْحَابِك، قَالَ: "إنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ"، حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ جَاءَ بِمِثْلِهَا، فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: " يَا سَلْمَانُ مَا هَذَا"؟ قَالَ: هَدِيَّةٌ، فَقَالَ: "كُلُوا"، وَأَكَلَ، وَنَظَرَ إلَى الْخَاتَمِ فِي ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "لِمَنْ أَنْتَ"؟ قَالَ: لِقَوْمٍ، قَالَ: "فَاطْلُبْ إلَيْهِمْ أَنْ يُكَاتِبُوك عَلَى كَذَا وَكَذَا، نَخْلَةً أَغْرِسُهَا لَهُمْ، وَتَقُومُ عَلَيْهَا أَنْتَ، حَتَّى تُطْعِمَ"، قَالَ: فَفَعَلُوا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَغَرَسَ ذَلِكَ النَّخْلَ كُلَّهَا بِيَدِهِ، وَغَرَسَ عُمَرُ مِنْهَا نَخْلَةً، فَأَطْعَمَتْ كُلُّهَا فِي السَّنَةِ إلَّا تِلْكَ النَّخْلَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ غَرَسَ هَذِهِ"؟ فَقَالُوا: عُمَرُ، فَغَرَسَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، فَحَمَلَتْ مِنْ سَنَتِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إلَّا عَنْ بُرَيْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا1 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ، وَكُنْتُ أَحَبَّ الْخَلْقِ إلَيْهِ، وَكُنْتُ أَجْتَهِدُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ، أُوقِدُ النَّارَ، لَا أَتْرُكُهَا تَخْمَدُ أَبَدًا اجْتِهَادًا فِي دِينِي، فَأَرْسَلَنِي أَبِي يَوْمًا إلَى ضَيْعَةٍ لَهُ فِي بَعْضِ عَمَلِهِ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ، وَهُمْ يُصَلُّونَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَاذَا يَصْنَعُونَ، فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِينِهِمْ، وَرَغِبْتُ عَنْ دِينِي، فَلَمَّا رَجَعْت إلَى أَبِي أَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، فَأَخَافَنِي، وَجَعَلَ فِي رِجْلِي قَيْدًا، وَحَبَسَنِي فِي بَيْتٍ أَيَّامًا، ثُمَّ أُخْبِرْتُ بِقَوْمٍ مِنْ النَّصَارَى خَرَجُوا تُجَّارًا إلَى الشَّامِ، قَالَ: فَأَلْقَيْتُ الْقَيْدَ مِنْ رِجْلِي، وَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، فَسَأَلْتُ عَنْ الْأُسْقُفِ مِنْ النَّصَارَى، فَدَلُّونِي عَلَيْهِ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ، فَجِئْتُ إلَيْهِ، وَخَدْمَتُهُ وَلَازَمْتُهُ، وَكُنْت أُصَلِّي مَعَهُ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ وَكَانَ رَجُلَ سُوءٍ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ، فَإِذَا جَمَعُوا لَهُ شَيْئًا اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهُ شَيْئًا، فَلَمَّا جَاءُوا لِيَدْفِنُوهُ أَخْبَرْتُهُمْ بِخَبَرِهِ، وَدَلَلْتُهُمْ عَلَى مَوْضِعِ كَنْزِهِ، فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً، فَصَلَبُوهُ، وَرَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ، ثُمَّ جَاءُوا بِآخَرَ، فَوَضَعُوهُ مَكَانَهُ، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا، وَلَا أَرْغَبَ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا أَدْأَبَ فِي الْعِبَادَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا مِنْهُ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَسَأَلْتُهُ، فَأَوْصَى بِي إلَى رَجُلٍ بِنَصِيبِينَ، فَلَحِقْت بِهِ، فَلَازَمْتُهُ، فَوَجَدْته عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَسَأَلْتُهُ، فَأَوْصَى بِي إلَى رَجُلٍ فِي عَمُّورِيَّةَ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، فَلَحِقْتُ بِهِ، وَلَازَمْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى هَدْيِ أَصْحَابِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لِي: وَاَللَّهِ يَا بُنَيَّ مَا أَعْلَمُ أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى أَمْرِنَا أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّك زمن نَبِيٍّ، يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، يُبْعَثُ بِدِينِ إبْرَاهِيمَ، بِهِ عَلَامَاتٌ، لَا تَخْفَى، يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتُ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلَادِ، فَافْعَلْ، ثُمَّ مَاتَ وَدُفِنَ، قَالَ: فَمَكَثْتُ بِعَمُّورِيَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّارٌ، فَقُلْتُ لَهُمْ: تَحْمِلُونِي إلَى أَرْضِ الْعَرَبِ، وَأُعْطِيكُمْ بَقَرِي وَغَنَمِي؟ وَقَدْ اكْتَسَبْتُ بَقَرًا وَغَنَمًا، فَقَالُوا: نَعَمْ، فَأَعْطَيْتهمْ، وَحَمَلُونِي، حَتَّى إذَا قَدِمُوا بِي عَلَى وَادِي الْقُرَى، ظَلَمُونِي، فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ، فَكُنْتُ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، إذْ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَابْتَاعَنِي مِنْهُ، وَحَمَلَنِي إلَى الْمَدِينَةِ، فَأَقَمْتُ بِهَا، وَبَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِمَكَّةَ، فَأَقَامَ بِهَا مَا أَقَامَ، لَا أَسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ، مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ شَغْلِ الرِّقِّ، حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَذَهَبْتُ إلَيْهِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّك رَجُلٌ صَالِحٌ، وَأَصْحَابُك غُرَبَاءُ، ذَوُو حَاجَةٍ، وَهَذَا شَيْءٌ عِنْدِي لِلصَّدَقَةِ، رَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ، ثُمَّ قَرَّبْتُهُ إلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: "كُلُوا،
وَأَمْسَكَ يَدَهُ، وَلَمْ يَأْكُلْ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ وَاحِدَةٌ، وَمَضَيْتُ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ الْغَدِ، وَمَعِي شَيْءٌ آخَرُ، فَقُلْتُ لَهُ: إنِّي رَأَيْتُك لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ، أَكْرَمْتُك بِهَا، فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ، فَأَكَلُوا، قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَاتَانِ ثِنْتَانِ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُهُ يَوْمًا وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَدْبَرْت أَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهِ، هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي، فَعَرَفَ الَّذِي أُرِيدُ، فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إلَى الْخَاتَمِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَقَبَّلْتُهُ، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيثِي، فَأَعْجَبَهُ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَسْمَعَهُ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ قَالَ لِي: "يَا سَلْمَانُ كَاتِبِ عَنْ نَفْسِك"، قال: فكاتبت مولاتي عن نفسي بثلثمائة نَخْلَةٍ، وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، وَرَجَعْتُ إلَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: "أَعِينُوا أَخَاكُمْ"، فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يُعِينُنِي بِثَلَاثِينَ وَدِيَّةً، وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ وَدِيَّةً، وَالرَّجُلُ بِعَشْرٍ، وَالرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ، حتى جمعوا لي ثلثمائة وَدِيَّةٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعِي، فَجَعَلْتُ أُقَرِّبُ لَهُ الْوِدِّيَّ، وَهُوَ يَغْرِسُهُ بِيَدِهِ، قَالَ: وَبَقِيَ عَلَيَّ الْمَالُ، فَأَتَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ لِي: "يَا سَلْمَانُ خُذْ هَذِهِ، فَأَدِّهَا بِمَا عَلَيْك"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِمَّا عَلَيَّ؟ قَالَ: "خُذْهَا، فَإِنَّهَا سَتُؤَدِّي عَنْك"، قَالَ سَلْمَانُ: فَوَاَلَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ لَقَدْ وَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا بِيَدِي أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، وَأَوْفَيْتهمْ حَقَّهُمْ، وَعَتَقَ سَلْمَانُ، وَشَهِدْتُ الْخَنْدَقَ حُرًّا، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَشْهَدٌ، مُخْتَصَرٌ مِنْ كَلَامٍ طَوِيلٍ، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، وَابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ1 فِي تَرْجَمَةِ سَلْمَانَ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ مُخْتَصَرًا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَعَامٍ، وَأَنَا مَمْلُوكٌ، فَقُلْت لَهُ: هَذَا صَدَقَةٌ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَأْكُلُوا، وَلَمْ يَأْكُلْ، ثُمَّ أَتَيْته بِطَعَامٍ آخَرَ، فَقُلْت، هَذَا هَدِيَّةٌ لَك، أُكْرِمُك بِهِ، فَإِنِّي لَا أَرَاك تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَأْكُلُوا، وَأَكَلَ مَعَهُمْ، انْتَهَى. وَكَانَ هَذَا الْإِسْنَادُ دَاخِلًا فِي مُسْنَدِ سَلْمَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَبِلَ هَدِيَّةَ بَرِيرَةَ، وَكَانَتْ مُكَاتَبَةً، قُلْت: حَدِيثُ بَرِيرَةَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ: أَرَادَ أَهْلُهَا أَنْ يَبِيعُوهَا، وَيَشْتَرِطُوا وَلَاءَهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "اشْتَرِيهَا، وَاعْتِقِيهَا، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ"، وَعَتَقَتْ، فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَوْجِهَا، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَكَانَ النَّاسُ يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهَا، وَتُهْدِي لَنَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2
فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، وَمُسْلِمٌ فِي الْعِتْقِ، وَأَبُو دَاوُد فِي الطَّلَاقِ، والنسائي فيه، وفي عتق أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الرَّضَاعِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الطَّلَاقِ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ، وَأَخْرَجَا نَحْوَهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 فِي الزَّكَاةِ، وَلَمْ أَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْهَدِيَّةَ وَقَعَتْ حِينَ كَانَتْ مُكَاتَبَةً، وَلَكِنْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الطَّلَاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: جَاءَتْ وَلِيدَةٌ لِبَنِي هِلَالٍ، يُقَالُ لَهَا: بَرِيرَةُ تَسْأَلُ عَائِشَةَ فِي كِتَابَتِهَا، فَسَامَتْ عَائِشَةُ بِهَا أَهْلَهَا، فَقَالُوا: لَا نَبِيعُهَا إلَّا وَلَنَا وَلَاؤُهَا، فَتَرَكَتْهَا، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبَوْا أَنْ يَبِيعُوهَا إلَّا وَلَهُمْ وَلَاؤُهَا، قَالَ: "لَا يَمْنَعُك ذَاك، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"، فَابْتَاعَتْهَا عَائِشَةُ، فَأَعْتَقَتْهَا، وَخَيَّرَتْ بَرِيرَةَ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَقَسَمَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً، فهدت لِعَائِشَةَ مِنْهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ طَعَامٍ"؟ قَالَتْ: لَا إلَّا مِنْ الشَّاةِ الَّتِي أَعْطَيْتَ بَرِيرَةَ، فَنَظَرَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: "قَدْ وَقَعَتْ مَوْقِعَهَا، هِيَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهِيَ لَنَا مِنْهَا هَدِيَّةٌ"، فَأَكَلَ مِنْهَا، قَالَ: زَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّهَا ابْتَاعَتْهَا مُكَاتَبَةً عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوَاقٍ، وَلَمْ تُعْطِ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ كَذَلِكَ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْمُكَاتَبِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ ابْتَاعَتْ بَرِيرَةَ مُكَاتَبَةً عَلَى ثَمَانِ أَوَاقٍ، لَمْ تَقْضِ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّهُ أَجَابَ رَهْطٌ مِنْ الصَّحَابَةِ دَعْوَةَ مَوْلَى أَبِي أَسِيد، قُلْت: غَرِيبٌ، وَتُنْظَرُ تَرْجَمَةُ أَسِيد2 مَوْلَى أَبِي أَسِيد السَّاعِدِيِّ فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ إجَابَةِ الْعَبْدِ، وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَنَائِزِ، وَابْنُ مَاجَهْ3 فِي الزُّهْدِ عَنْ مُسْلِمٍ
الْأَعْوَرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُ الْمَرِيضَ، وَيَتْبَعُ الْجِنَازَةَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَلَقَدْ كَانَ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَيَوْمَ قُرَيْظَةَ عَلَى حِمَارٍ، خِطَامُهُ حَبْلٌ مِنْ لِيفٍ، وَتَحْتَهُ إكَافٌ مِنْ لِيفٍ، اانتهى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ كَيْسَانَ الْأَعْوَرِ، وَهُوَ يُضَعَّفُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْأَطْعِمَةِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ التَّدَاوِيَ، مُبَاحٌ وَقَدْ وَرَدَ بِإِبَاحَتِهِ الْحَدِيثُ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. فَحَدِيثُ أُسَامَةَ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ1 عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ، قال: أتيت االنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمْ الطَّيْرُ، فَسَلَّمْتُ، ثُمَّ قَعَدْتُ، فجاء الأعراب من ههنا وههنا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَدَاوَى؟ فَقَالَ: "تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءِ الْهَرَمِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَلَفْظُ ابْنِ رَاهْوَيْهِ فِيهِ: فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً إلَّا الْمَوْتَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا أَفْضَلُ مَا أُعْطِيَ الْعَبْدُ؟ قَالَ: "خُلُقٌ حَسَنٌ"، قَالَ: فَلَمَّا قَامُوا مِنْ عِنْدِهِ جَعَلُوا يُقَبِّلُونَ يَدَهُ، قَالَ شَرِيكٌ: فَضَمَمْت يَدَهُ إلَيَّ، فَإِذَا هِيَ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ، انْتَهَى. وَبِلَفْظِ السُّنَنِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ المفرد في الأدب، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 فِي كِتَابِ الْعِلْمِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَعِلَّتُهُ عِنْدَهُمَا أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ شَرِيكٍ لَا يَرْوِي عَنْهُ غَيْرُ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، قَالَ: وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى، نَذْكُرُهَا فِي كِتَابِ الطِّبِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَرَوَاهُ فِي كِتَابِ الطِّبِّ3 عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ بِهِ، وَقَالَ: صَحِيحُ الإسناد،
وَقَدْ رواه عشر مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَثِقَاتِهِمْ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، مالك بن مغول، وعمرو بْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، وَأَبُو حَمْزَةَ مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ السُّكَّرِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَعُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ، وَشَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّحْوِيُّ، وَوَرْقَاءُ بن عمر اليشكري، وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيُّ، وَإِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ السَّبِيعِيُّ، ثُمَّ أَخْرَجَ أَحَادِيثَهُمْ الْجَمِيعُ، ثُمَّ قَالَ: فَانْظُرْ هَلْ يُتْرَكُ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى اشْتِهَارِهِ، وَكَثْرَةِ رُوَاتِهِ، بِأَنْ لَا يُوجَدَ لَهُ عَنْ الصَّحَابِيِّ إلَّا تَابِعِيٌّ وَاحِدٌ؟ قَالَ: وَسَأَلَنِي الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ، لِمَ أَسْقَطَ الشَّيْخَانِ حَدِيثَ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ مِنْ الْكِتَابَيْنِ؟ فَقُلْتُ لَهُ: لِأَنَّهُمَا لَمْ يجدا لأسامة بن شرك رَاوِيًا غَيْرَ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، فَقَالَ لِي أَبُو الْحَسَنُ، وَكَتَبَهُ لِي بِخَطِّهِ: قَدْ أَخْرَجَا جَمِيعًا حَدِيثَ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ"، الْحَدِيثَ، وَلَيْسَ لِعَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ رَاوٍ غَيْرُ قَيْسٍ، وَأَخْرَجَا أَيْضًا حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ، وَلَيْسَ لَهُ رَاوٍ غَيْرُ الْحَسَنِ، وَأَخْرَجَا أَيْضًا حَدِيثَ مَجْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَلَيْسَ لِزَاهِرٍ رَاوٍ غَيْرُ مَجْزَأَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ مِرْدَاسٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ أسلافا"، وليس لمرادس رَاوٍ غَيْرُ قَيْسٍ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا حَدِيثَيْنِ عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ لِعَبْدِ اللَّهِ رَاوٍ غَيْرُ زُهْرَةَ، وَحَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ أَصَحُّ، وَأَشْهَرُ، وَأَكْثَرُ رُوَاةً مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، مَعَ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ شَرِيكٍ قَدْ رَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ الْأَقْمَرِ، وَمُجَاهِدٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ الْمُسْتَدْرَكِ1 فِي حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا، إنَّ اللَّهَ إذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً أَحَبَّ أَنْ تُرَى عَلَيْهِ: لَمْ يُخْرِجْ الشَّيْخَانِ هَذَا الْحَدِيثَ، لِأَنَّ مَالِكَ بْنَ نَضْلَةَ لَيْسَ لَهُ رَاوٍ غَيْرُ ابْنِهِ أَبِي الْأَحْوَصِ، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَلَيْسَ لَهُ رَاوٍ غَيْرُ ابْنِهِ، وَكَذَلِكَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ، وَلَيْسَ لَهُ رَاوٍ غَيْرُ ابْنِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ2 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ
ثَعْلَبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا، وَلَا تَتَدَاوَوْا بِحَرَامٍ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ قَالَا: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا حَرْبُ بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ الْعَمِّيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ خَلَقَ الدَّاءَ خَلَقَ الدَّوَاءَ، فَتَدَاوَوْا"، انْتَهَى. وَعَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدَيْهِمَا، قَالَ الْأَوَّلُ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، وَقَالَ الثَّانِي: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَا: ثَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا أيها النَّاسُ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَخْلُقْ دَاءً إلَّا وَقَدْ خَلَقَ لَهُ شِفَاءً، إلَّا السَّامَ، وَالسَّامُ الْمَوْتُ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو بِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ طَلْحَةَ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي الْبَابِ التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُتَوَكِّلِ ثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ ثَنَا أَبُو وَكِيعٍ الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَتَدَاوَى؟ قَالَ: "نَعَمْ، تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إلَّا وَأَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ تَابَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَيُّوبُ بْنُ عَائِذٍ عَنْ قَيْسٍ فِي رَفْعِهِ، انْتَهَى. قُلْت: كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ الْمُفْرَدِ فِي الطِّبِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ الْكُوفِيِّ رضي الله عنه، وَأَيُّوبَ بْنِ عَائِذٍ الطَّائِيِّ عَنْ قَيْسٍ بِهِ مَرْفُوعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ الْقُضَاعِيُّ فِي مُسْنَدِ الشِّهَابِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الصَّفَّارُ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَتَّابٍ ثَنَا ابْنُ أَبِي سَمِينَةَ ثَنَا بَكْرُ بْنُ بَكَّارَ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَدَاوَوْا، فَإِنَّ الَّذِي أَنْزَلَ الدَّاءَ أَنْزَلَ الدَّوَاءَ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ الطِّبِّ مِنْ حَدِيثِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءً. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام بَعَثَ عَتَّابَ بْنِ أَسِيد إلَى مَكَّةَ، وَفَرَضَ
لَهُ، وَبَعَثَ عَلِيًّا إلَى الْيَمَنِ، وَفَرَضَ لَهُ، قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ ثَنَا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيد عَلَى مَكَّةَ، وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَامِلُهُ عَلَيْهَا. وَمَاتَ عَتَّابٌ بِمَكَّةَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى عَمْرِو بْنِ أَبِي عَقْرَبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَتَّابَ بْنَ أَسِيد وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إلَى الْكَعْبَةِ يَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا أَصَبْتُ فِي عَمَلِي هَذَا الَّذِي وَلَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا ثَوْبَيْنِ مُعَقَّدَيْنِ، فَكَسَوْتُهُمَا مَوْلَايَ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ عَتَّابٍ2 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي خِلَافَتِهِ يَقُولُ: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَتَّابُ بْنُ أَسِيد عَامِلُهُ عَلَى مَكَّةَ، كَانَ وَلَّاهُ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَيْهَا حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ الشَّيْبَانِيُّ ثَنَا خَالِدُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَسِيد عَنْ مَوْلًى لَهُمْ، أُرَاهُ ابْنَ كَيْسَانَ، قَالَ: قَالَ عَتَّابُ بْنُ أَسِيد: مَا أَصَبْت مُنْذُ وُلِّيتُ عَمَلِي هَذَا إلَّا ثَوْبَيْنِ مُعَقَّدَيْنِ، كَسَوْتُهُمَا مَوْلَايَ كَيْسَانَ، انْتَهَى. وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ عليه السلام فَرَضَ لَهُ سَنَةً أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَتَكَلَّمُوا فِي الْمَالِ الَّذِي رَزَقَهُ، وَلَمْ تَكُنْ يَوْمَئِذٍ الدَّوَاوِينُ، وَلَا بَيْتُ الْمَالِ، فَإِنَّ الدَّوَاوِينَ وُضِعَتْ زَمَنَ عُمَرَ، فَقِيلَ: رِزْقُهُ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: مِنْ الْمَالِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ، وَالْجِزْيَةُ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ. وَذَكَرَ أَبُو الرَّبِيعِ بْنُ سَالِمٍ أَنَّهُ عليه السلام فَرَضَ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا، وَفِي الْبُخَارِيِّ3 فِي بَابِ رِزْقِ الْحُكَّامِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا، وَكَانَ شُرَيْحٌ يَأْخُذُ عَلَى الْقَضَاءِ أَجْرًا، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَأْكُلُ الْوَصِيُّ بِقَدْرِ عِمَالَتِهِ، وَأَكَلَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، انْتَهَى. وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَزَقَ شُرَيْحًا، وَسَلْمَانَ بْنَ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيَّ عَلَى الْقَضَاءِ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ4 فِي تَرْجَمَةِ شُرَيْحٍ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَلِيًّا رَزَقَ شُرَيْحًا خَمْسَمِائَةٍ، انْتَهَى. وَرَوَى فِي تَرْجَمَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَخْبَرَنَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتِ عَلَى الْقَضَاءِ، وَفَرَضَ لَهُ رِزْقًا، انْتَهَى. وَرَوَى فِي تَرْجَمَةِ أَبِي بَكْرٍ5 أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ ثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، قَالَ: لَمَّا اُسْتُخْلِفَ
أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه أَصْبَحَ غَادِيًا إلَى السُّوقِ يَحْمِلُ ثِيَابًا عَلَى رَقَبَتِهِ، لِيَتَّجِرَ فِيهَا، فَلَقِيَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَقَالَا لَهُ: إلَى أَيْنَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، وَقَدْ وُلِّيتَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أُطْعِمُ عِيَالِي، قَالَا لَهُ: انْطَلِقْ حَتَّى نَفْرِضَ لَك شَيْئًا، فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا فَفَرَضُوا لَهُ كُلَّ يَوْمٍ شَطْرَ شَاةٍ، فَقَالَ عُمَرُ: إلَيَّ الْقَضَاءُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَإِلَيَّ الْفَيْءُ، قَالَ عُمَرُ: فَلَقَدْ كَانَ يَأْتِي عَلَيَّ الشَّهْرُ مَا يَخْتَصِمُ فِيهِ إلَيَّ اثْنَانِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا اُسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ جَعَلُوا لَهُ أَلْفَيْنِ، فَقَالَ: زِيدُونِي، فَإِنَّ لِي عِيَالًا، وَقَدْ شَغَلْتُمُونِي عَنْ التِّجَارَةِ، قَالَ: فَزَادُوهُ خَمْسَمِائَةٍ، قَالَ: فَإِمَّا كَانَتْ أَلْفَيْنِ فَزَادُوهُ خَمْسَمِائَةٍ، أَوْ كَانَتْ أَلْفَيْنِ، وَخَمْسِمِائَةٍ، وَزَادُوهُ خَمْسَمِائَةٍ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَوْمَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَكَانَ رَجُلًا تَاجِرًا يَغْدُو كُلَّ يَوْمٍ إلَى السُّوقِ، فَيَبِيعُ وَيَبْتَاعُ، فَلَمَّا بُويِعَ لِلْخِلَافَةِ، قَالَ: وَاَللَّهِ مَا يَصْلُحُ لِلنَّاسِ إلَّا التَّفَرُّغُ لَهُمْ، وَالنَّظَرُ فِي شَأْنِهِمْ، وَلَا بُدَّ لِعِيَالِي مِمَّا يُصْلِحُهُمْ، فَتَرَكَ التِّجَارَةَ، وَاسْتَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مَا يُصْلِحُهُ، وَيُصْلِحُ عِيَالَهُ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَكَانَ الَّذِي فَرَضُوا لَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ سِتَّةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، قَالَ لَهُمْ: رُدُّوا مَا عندنا إلى بيت مال المسلمين، وإن أَرْضِي الَّتِي هِيَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا لِلْمُسْلِمِينَ، بِمَا أَصَبْتُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَدَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ وَاَللَّهِ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ، مُخْتَصَرٌ، وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَجُلًا سَمْحًا شَابًّا جَمِيلًا: مِنْ أَفْضَلِ شَبَابِ قَوْمِهِ، وَكَانَ لَا يَمْسِكُ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ يُدَانُ حَتَّى أَغْلَقَ مَالَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْلُبُ إلَيْهِ أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ غُرَمَاؤُهُ مِنْ الدَّيْنِ، فَأَبَوْا، فَلَوْ تُرِكَ لِأَحَدٍ مِنْ أَجْلِ أَحَدٍ لَتَرَكُوا لِمُعَاذٍ مِنْ أَجْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَاعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ ماله فِي دَيْنِهِ، حَتَّى قَامَ مُعَاذٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي عَامِ فَتْحِ مَكَّةَ، بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ الْيَمَنِ أَمِيرًا لِيُجِيزَهُ، فَمَكَثَ مُعَاذٌ بِالْيَمَنِ أَمِيرًا، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ اتَّجَرَ فِي مَالِ اللَّهِ، فَمَكَثَ حَتَّى أَصَابَ، وَقُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدِمَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ: دَعْ لَهُ مَا يَعِيشُ بِهِ، وَخُذْ سَائِرَهُ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إنَّمَا بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُجِيزَهُ، وَلَسْتُ بِآخِذٍ مِنْهُ شَيْئًا إلَّا أَنْ يُعْطِيَنِي، فَانْطَلَقَ عُمَرُ إلَى مُعَاذٍ، فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ مِثْلَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، فتركه، ثم أتى مُعَاذٌ إلَى أَبِي بَكْرٍ، فقال: قد أَطَعْت عُمَرَ، وَأَنَا فَاعِلٌ مَا أَمَرَنِي بِهِ، إنِّي رَأَيْت فِي الْمَنَامِ أَنِّي فِي حَوْمَةِ مَاءٍ، وَقَدْ خَشِيتُ الْغَرَقَ، فَخَلَّصَنِي مِنْهُ عُمَرُ، ثُمَّ أَتَى بِمَالِهِ، وَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُمْ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: وَاَللَّهِ لَا آخُذُهُ مِنْك، قَدْ وَهَبْتُهُ لَك، فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا
حِينَ طَابَ، وَحَلَّ، قَالَ: فَخَرَجَ مُعَاذٌ عِنْدَ ذَلِكَ إلَى الشَّامِ، قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، يَقُولُ: لَمَّا بَاعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَ مُعَاذٍ أَوْقَفَهُ لِلنَّاسِ، فَقَالَ: "مَنْ باع هَذَا شَيْئًا فَهُوَ بَاطِلٌ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ فِي الْبُيُوعِ، وَبَعْثُ عَلِيٍّ إلَى الْيَمَنِ تَقَدَّمَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي، وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا: أَنَّهُ فَرَضَ لَهُ.
كتاب إحياء الموات
كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "من أحيى أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَمِنْ حَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَمِنْ حَدِيثِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَحَدِيثُ عَائِشَةَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ1 فِي الْمُزَارَعَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ"، فَهُوَ أَحَقُّ قَالَ عُرْوَةُ: قَضَى بِهِ عُمَرُ فِي خِلَافَتِهِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ الْمُصَنِّفِ، فَقَالَ: حدثنا زُهَيْرٌ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أحيى أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ أَبِي يَعْلَى، وَمِنْ طَرِيقِ الطَّيَالِسِيِّ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَلَيَّنَ زَمْعَةَ، وَقَالَ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 فِي الْخَرَاجِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْأَحْكَامِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْمَوَاتِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "من أحيى أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، إلَّا عَبْدَ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ هِشَامٍ، انْتَهَى. وَهَذَا الْمُرْسَلُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مِثْلَهُ، وَزَادَ: قَالَ عُرْوَةُ: فَلَقَدْ خَبَّرَنِي الَّذِي حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَرَسَ أَحَدُهُمَا نَخْلًا فِي أَرْضِ الْآخَرِ، فَقَضَى لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِأَرْضِهِ، وَأَمَرَ صَاحِبَ النَّخْلِ أَنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ مِنْهَا، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتهَا، فَإِنَّهَا لَتُضْرَبُ أُصُولُهَا بِالْفُؤُوسِ، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَنَا رَأَيْت الرَّجُلَ يَضْرِبُ فِي أُصُولِ النَّخْلِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا عَنْ اللَّيْثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، مُرْسَلًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ2 فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ أَخْبَرْنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، فَذَكَرَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من أحيى أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: من أحيى أَرْضًا مَيْتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ، وَمَا أَكَلَتْ الْعَافِيَةُ مِنْهَا، فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ في صحيحه فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى أن الذمي إذا أحيى أَرْضًا مَيْتَةً لَمْ تَكُنْ لَهُ، لِأَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلْمُسْلِمِ، وَأَعَادَهُ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَقَالَ: إنَّ هَذَا الْخِطَابَ إنَّمَا وَرَدَ لِلْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إنَّمَا تَكُونُ مِنْهُمْ، قَالَ: وَالْعَافِيَةُ طِلَابُ الرِّزْقِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، مَرْفُوعًا. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَمْرٍو: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في معجمه الوسط حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاهِبِ الْحَارِثِيُّ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ فَضَالَةَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ1 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ الْحَوْطِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْأَرْضُ أَرْضُ اللَّهِ، وَالْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ، مَنْ أحيى أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ لَهُ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ ثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُد ثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ الْجُمَحِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ حَدِيثِ فَضَالَةَ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِكَثِيرٍ، وَضَعَّفَهُ عَنْ أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ جِدًّا. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ رَبَاحٍ مَوْلَى ابْنِ طَاوُسٍ يُحَدِّثُ عَنْهُ بِالْأَبَاطِيلِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: عُمَرُ بْنُ رَبَاحٍ هُوَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ الْعَبْدِيُّ دَجَّالٌ، وَكَذَلِكَ نَقَلَ عَنْ الْفَلَّاسِ، وَوَافَقَهُمَا. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ"، قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ ضَعْفٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ السِّيَرِ. قَوْلُهُ: عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِمُحْتَجِرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ حَقٌّ، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: من أحيى أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِمُحْتَجِرٍ حَقٌّ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ، انْتَهَى. وَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ ضَعِيفٌ، وَسَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ فِيهِ كَلَامٌ، وَرَوَى حُمَيْدٍ بْنُ زَنْجُوَيْهِ النَّسَائِيّ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَبَّادٍ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عن ابن نَجِيحٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ نَاسًا مِنْ جُهَيْنَةَ أَرْضًا، فَعَطَّلُوهَا وَتَرَكُوهَا، فَأَخَذَهَا قَوْمٌ آخَرُونَ، فَأَحْيَوْهَا، فَخَاصَمَ فِيهَا
الْأَوَّلُونَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ قَطِيعَةً مِنِّي، أَوْ مِنْ أَبِي بكر لم أردها، وَلَكِنَّهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: "مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ، فَعَطَّلَهَا ثَلَاثَ سِنِينَ، لَا يُعَمِّرُهَا، فَعَمَّرَهَا غَيْرُهُ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا"، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَفِي الْأَخِيرِ وَرَدَ الْخَبَرُ، قُلْت: قَالَ السِّغْنَاقِيُّ1 فِي الشَّرْحِ الْأَخِيرِ هُوَ حَفَرَ الْبِئْرَ، وَرَدَّ فِيهِ الْخَبَرَ، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام: "مَنْ حَفَرَ مِنْ بِئْرٍ مِقْدَارَ ذِرَاعٍ، فَهُوَ مُحْتَجِرٌ"، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَا رَأَيْته، وَلَا أَعْرِفُهُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مِمَّا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ: أَخْرَجَهُ ابن ماجه في سنننه2 عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ بِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَضَعَّفَهُ، فَقَالَ: وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ الرَّازِيُّ: كَانَ يَكْذِبُ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَقْبَحِ الْأَشْيَاءِ، لِأَنَّ ابْنَ مَاجَهْ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ اثْنَيْنِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، فَذَكَرَهُ، هُوَ مِنْ رِوَايَةِ أَحَدِهِمَا، ثُمَّ إنَّهُ وَهَمَ فِيهِ، فَإِنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ هَذَا هُوَ الْخَفَّافُ، وَهُوَ صَدُوقٌ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ، وَاَلَّذِي نَقَلَ فِيهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هُوَ ابْنُ الضَّحَّاكِ، وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْخَفَّافِ، مع أن الخفاف لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ , فَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ إسْمَاعِيلَ , وَلَكِنْ يَكْفِي فِي تَضْعِيفِ الْحَدِيثِ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قُلْت: صَرَّحَ بنسبة الخفاف إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ إسْحَاقَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَأَمَّا تَضْعِيفُهُ بِإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ فَقَدْ تَابَعَهُ أَشْعَثُ، كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ إنَّمَا تَمَحَّلَ فِي تَضْعِيفِ هَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ احْتَجَّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَحْمَدَ
فِي قَوْلِهِ: إنَّ حَرِيمَهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَاحْتُجَّ لِأَحْمَدَ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْمُقْرِي ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي الْخَصِيبِ ثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَرِيمُ الْبِئْرِ الْبَدِيِّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَحَرِيمُ الْبِئْرِ الْعَادِيَّةِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّحِيحُ مُرْسَلٌ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَمَنْ أَسْنَدَهُ فَقَدْ وَهَمَ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْمُقْرِي، وَضَعَ نَحْوًا مِنْ سِتِّينَ نُسْخَةً، وَوَضَعَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُسْنَدَةِ، وَالنُّسَخِ مَا لَا يُضْبَطُ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ مُرْسَلًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَرِيمُ الْبِئْرِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ جَوَانِبِهَا كُلِّهَا لِأَعْطَانِ الْإِبِلِ، وَالْغَنَمِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، أَوْ الشَّارِبِ، وَلَا يَمْنَعُ فَضْلَ مَاءٍ، لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَحَرِيمُ بِئْرِ الْعَطَنِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَحَرِيمُ بِئْرِ النَّاضِحِ سِتُّونَ ذِرَاعًا"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَرِيمُ الْبِئْرِ الْعَادِيَّةِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَحَرِيمُ بِئْرِ الْبَدِيِّ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا"، قَالَ سَعِيدٌ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ: وحريم قليب الزرع ثلثمائة ذِرَاعٍ، وَزَادَ الزُّهْرِيُّ: وَحَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، فَهَذَا حَرِيمُ مَا يَأْذَنُ بِهِ السُّلْطَانُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْمُ فِي أَرْضٍ أَسْلَمُوا عَلَيْهَا وَابْتَاعُوهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي أَثْنَاءِ الْبُيُوعِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ بِدُونِ زِيَادَةِ الزُّهْرِيِّ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي أَوَاخِرِ الْبُيُوعِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرِيمَ الْبِئْرِ الْمُحْدَثَةِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَحَرِيمَ الْبِئْرِ الْعَادِيَّةِ خَمْسِينَ ذِرَاعًا، قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: وَأَرَى أَنَا حَرِيمَ بِئْرِ الزَّرْعِ ثلثمائة ذِرَاعٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَرِيمُ الْبِئْرِ الْبَدِيِّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَحَرِيمُ الْبِئْرِ الْعَادِيَّةِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَحَرِيمُ العين السائحة ثلثمائة
ذِرَاعٍ، وحريم عين الزرع ثلثمائة ذِرَاعٍ"، انْتَهَى. وَابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ضَعِيفٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْمُقْرِي ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي الْخَصِيبِ ثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عن إبراهيم بن عَبْلَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلٌ، وَمَنْ أَسْنَدَهُ فَقَدْ وَهَمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "حَرِيمُ قَلِيبِ الْعَادِيَّةِ خَمْسُونَ ذراعاً، وحرريم قَلِيبِ الْبَادِي خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا"، انْتَهَى. قَالَ: وَأَسْنَدَهُ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "حَرِيمُ الْبِئْرِ الْعَادِيَّةِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَحَرِيمُ الْبِئْرِ الْمُحْدَثَةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا"، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: وَالْمُرْسَلُ أَشْبَهُ. قَوْلُهُ: وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِخَمْسَةِ أَذْرُعٍ، بِهِ وَرَدَ الْحَدِيثُ يَعْنِي حَرِيمَ الشَّجَرَةِ الَّتِي تُغْرَسُ فِي أَرْضِ الْمَوَاتِ، قُلْت: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ2 فِي آخِرِ الْأَقْضِيَةِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي طوالة، وعمرو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: اخْتَصَمَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ فِي حَرِيمِ نَخْلَةٍ، فِي حَدِيثِ أَحَدِهِمَا: فَأَمَرَ بِهَا فَذُرِعَتْ، فَوُجِدَتْ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ، وَفِي حَدِيثِ الْآخَرِ: فَوُجِدَتْ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ، فَقَضَى بذاك، قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: فَأَمَرَ بِجَرِيدَةٍ مِنْ جَرِيدِهَا، فَذُرِعَتْ، انْتَهَى. سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ3 وَلَفْظُهُ: قَالَ: اخْتَصَمَ رَجُلَانِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَخْلَةٍ، فَقَطَعَ مِنْهَا جَرِيدَةً، ثُمَّ ذَرَعَ بِهَا النَّخْلَةَ، فَإِذَا فِيهَا خَمْسَةُ أَذْرُعٍ، فَجَعَلَهَا حَرِيمَهَا، انْتَهَى. وَمِنْ جِهَةِ الطَّحَاوِيِّ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو دَاوُد: خَمْسَةُ أَذْرُعٍ، أَوْ سَبْعَةٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ4 فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي النَّخْلَةِ أَنَّ حَرِيمَهَا مَبْلَغُ جَرِيدِهَا، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ حَرِيمَ النَّخْلَةِ مَدَّ جَرِيدِهَا، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرِيمِ النَّخْلَةِ طُولَ عَسِيبِهَا، انْتَهَى. فَصْلٌ فِي الْمِيَاه الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: " النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ، وَالْكَلَإِ، وَالنَّارِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ رَجُلٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. فَحَدِيثُ الرَّجُلِ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1 فِي الْبُيُوعِ عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي خداش ابن حِبَّانَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا، أَسْمَعُهُ يَقُولُ: "الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْكَلَإِ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْأَقْضِيَةِ، وَأَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ أَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُمَا قَالَا فِي حَرِيزٍ: ثِقَةٌ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد، قَالَ: لَا أَعْلَمُ رَوَى عَنْ أَبِي خِدَاشٍ إلَّا حَرِيزُ بْنَ عُثْمَانَ، وَقَدْ قِيلَ فِيهِ: مَجْهُولٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَتَرْكُ ذِكْرِ أَسْمَائِهِمْ فِي الْإِسْنَادِ لَا يَضُرُّ إنْ لَمْ يُعَارِضْهُ ما هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ فِي الْأَحْكَامِ عَنْ عبد الله بن خداش عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ، وَالْكَلَإِ، وَالنَّارِ، وَثَمَنُهُ حَرَامٌ"، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: عَبْدُ اللَّهِ بن خداش عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَضَعَّفَهُ أَيْضًا أَبُو زُرْعَةَ، وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، انتهى كلامه. وأقرره ابْنُ الْقَطَّانِ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ ثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ، وَالْكَلَإِ، وَالنَّارِ"، انْتَهَى. فَصْلٌ فِي كَرْيِ الْأَنْهَارِ قَوْلُهُ: عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَوْ تُرِكْتُمْ لَبِعْتُمْ أَوْلَادَكُمْ، قُلْت: غَرِيبٌ.
كتاب الأشربة
كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"، انْتَهَى. وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ: "وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ"، وَكَذَلِكَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي أَوَّلِ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَكَذَلِكَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ كَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا، لَكِنَّهُ عَلَى الظَّنِّ، وَلَفْظُهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ"، انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ طَعَنَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ ابْنَ مَعِينٍ طَعَنَ فِي ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ: مِنْهَا هَذَا، وَحَدِيثُ: مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ، وَحَدِيثُ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَهَذَا الْكَلَامُ كُلُّهُ لَمْ أَجِدْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتِبَ الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ: النَّخْلَةِ، وَالْعِنَبَةِ". قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ3 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ: النَّخْلَةِ، وَالْعِنَبَةِ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: الْكَرْمَةُ وَالنَّخْلَةُ، وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، فَعَزَاهُ لِلْبُخَارِيِّ أَيْضًا، وَقَلَّدَ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ، فَالْمُقَلَّدُ ذَهِلَ، وَالْمُقَلِّدُ جَهِلَ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ لِلْقَائِلِ بِأَنَّ الْخَمْرَ اسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ أُخْرَى، سَتَأْتِي قَرِيبًا فِي أَحَادِيثِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنْ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ. وَمِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ: كُنْت سَاقِيَ الْقَوْمِ يَوْمَ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ، وَمَا شَرَابُهُمْ إلَّا الْفَضِيخُ: الْبُسْرُ، وَالتَّمْرُ، أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَمِنْهَا قَوْلُ عُمَرَ: الْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ
قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَا ذكروه أَنَّ الْخَمْرَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، فَلَا يُنَافِي كَوْنَ الِاسْمِ خَاصًّا فِيهِ، فَإِنَّ النَّجْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ الظُّهُورِ، وَهُوَ خَاصٌّ بِالنَّجْمِ الْمَعْرُوفِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْغَلَبَةِ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ اسْمًا لِكُلِّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، فَقَدْ غَلَبَ عَلَى الَّتِي مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ، وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ1 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَقَدْ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ، وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْءٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ، وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْءٌ يَعْنِي بِهِ مَاءَ الْعِنَبِ فَإِنَّهُ مَشْهُورٌ بِاسْمِ الْخَمْرِ، وَلَا يَمْنَعُ هَذَا أَنْ يُسَمَّى غَيْرُهُ خَمْرًا، انْتَهَى. وَهَذِهِ مُصَادَمَةٌ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ بَيْتِهِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيذِ، فَقَالَتْ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ الْخَمْرَ لِاسْمِهَا، وَإِنَّمَا حَرَّمَهَا لِعَاقِبَتِهَا، فَكُلُّ شَرَابٍ يَكُونُ عَاقِبَتُهُ، كَعَاقِبَةِ الْخَمْرِ، فَهُوَ حَرَامٌ، كَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ، انْتَهَى. وَفِيهِ مَجْهُولٌ: وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ، قَالَ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَإِنَّ بِالْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ لَخَمْسَةَ أَشْرِبَةٍ، وما فِيهَا شَرَابُ الْعِنَبِ، فَهُوَ إخْبَارٌ مِنْهُ بِعِلْمِهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ4 عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ عَلَيْنَا حِينَ حُرِّمَتْ، وَمَا نَجِدُ خَمْرَ الْأَعْنَابِ إلَّا قَلِيلًا، وَعَامَّةُ خَمْرِنَا الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ، انْتَهَى. فَهَذَا اللَّفْظُ يُوَضِّحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ الْقِلَّةُ لَا الْعَدَمُ. قَوْلُهُ: وَقَدْ جَاءَتْ السَّنَةُ مُتَوَاتِرَةً أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ الْخَمْرَ، وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ، قُلْت: الْأَحَادِيثُ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ5 عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ يَوْمَ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ، وما شرابهم إلا الفضيح: الْبُسْرُ، وَالتَّمْرُ، فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي، فَقَالَ: اُخْرُجْ، فَانْظُرْ، فَخَرَجْتُ، فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي: أَلَا إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، قَالَ: فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اُخْرُجْ فَأَهْرِقْهَا، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّقَصِّي: هَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ مَرْفُوعٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ مِثْلَهُ، مِمَّا شُوهِدَ فِيهِ نُزُولُ الْقُرْآنِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ6: فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي: أَلَا إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، ذَكَرَهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ7 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ، قَالَ:
سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ بَيْعِ الْخَمْرِ، فَقَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدِيقٌ مِنْ ثَقِيفٍ، أَوْ مِنْ دَوْسٍ، فَلَقِيَهُ يَوْمَ الْفَتْحِ بِرَاوِيَةِ خَمْرٍ يُهْدِيهَا إلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا فُلَانُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا"؟ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ عَلَى غُلَامِهِ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَبِعْهَا، فَقَالَ عليه السلام: "يَا فُلَانُ بِمَاذَا أَمَرْتَهُ"؟ قَالَ: أَمَرْتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا، فَقَالَ: "إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا"، فَأَمَرَ بِهَا فَأُفْرِغَتْ فِي الْبَطْحَاءِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْخَمْرَ، وَالْمَيْسِرَ، وَالْكُوبَةَ، وَالْغُبَيْرَاءَ". حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ آتِيَهُ بِمُدْيَةٍ، قَالَ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَخَرَجَ بِأَصْحَابِهِ إلَى أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ، وَفِيهَا زِقَاقُ الْخَمْرِ، فَشَقَّ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ الزِّقَاقِ بِحَضْرَتِهِ، ثُمَّ أَعْطَانِيهَا، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَمْضُوا مَعِي، وَيُعَاوِنُونِي، وَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْأَسْوَاقَ كُلَّهَا، فَلَا أَجِدُ فِيهَا زِقَّ خَمْرٍ إلَّا شَقَقْتُهُ، فَفَعَلْتُ، فَلَمْ أَتْرُكْ فِي أَسْوَاقِهَا زِقًّا إلَّا شَقَقْتُهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ1 بِقِصَّةٍ فِيهِ، وَقَالَ فِيهِ: ثُمَّ دَعَا بِسِكِّينٍ، فَقَالَ: "اشْحَذُوهَا"، فَفَعَلُوا، ثُمَّ أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَّقَ بِهَا الزِّقَاقَ، فَقَالَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الزِّقَاقِ مَنْفَعَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "أَجَلْ، وَلَكِنِّي إنَّمَا أَفْعَلُ ذَلِكَ غَضَبًا لِلَّهِ، لِمَا فِيهَا مِنْ سَخَطِهِ"، وَبَقِيَّةُ السَّنَدِ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِهِ ذَمُّ الْمُسْكِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّمَرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ، إنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلَا قَبْلَكُمْ يَتَعَبَّدُ، وَيَعْتَزِلُ النَّاسَ، فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ، فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ جَارِيَتَهَا، فَقَالَتْ: إنَّا نَدْعُوَك لِشَهَادَةٍ، فَدَخَلَ مَعَهَا، فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهَا، حَتَّى أَفْضَى إلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ، عِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ، فَقَالَتْ: إنِّي وَاَللَّهِ مَا دَعَوْتُك لِشَهَادَةٍ، وَلَكِنْ دَعَوْتُك لِتَقَعَ عَلَيَّ، أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ، أَوْ تَشْرَبَ هَذَا الْخَمْرَ، فَسَقَتْهُ كَأْسًا، فَقَالَ، زِيدُونِي، فَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا، وَقَتَلَ النَّفْسَ، فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا لَا تَجْتَمِعُ هِيَ وَالْإِيمَانُ أَبَدًا إلَّا أَوْشَكَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُخْرِجَ صَاحِبَهُ"، انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مَوْقُوفًا عَلَى عُثْمَانَ، وَهُوَ أَصَحُّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ1 عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَحْمِلُ الْخَمْرَ مِنْ خَيْبَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَيَبِيعُهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَحَمَلَ مِنْهَا بِمَالٍ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَوَضَعَهَا حَيْثُ انْتَهَى عَلَى تَلٍّ، وَسَجَّاهَا بأكيسة، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! بَلَغَنِي أَنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، قَالَ: "أَجَلْ"، قَالَ: هَلْ لِي أَنْ أَرُدَّهَا عَلَى مَنْ ابْتَعْتُهَا مِنْهُ؟ قَالَ: "لَا"، قَالَ: أَفَأُهْدِيهَا إلَى مَنْ يُكَافِئُنِي مِنْهَا؟ قَالَ: "لَا"، قَالَ: فَإِنَّ فِيهَا مَالًا لِيَتَامَى فِي حِجْرِي، قَالَ: " إذَا أَتَانَا مَالُ الْبَحْرَيْنِ فَأْتِنَا، نُعَوِّضُ أَيْتَامَك مِنْ مَالِهِمْ"، ثُمَّ نَادَى بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! الْأَوْعِيَةُ يُنْتَفَعُ بِهَا؟ قَالَ: "فَحَلُّوا أَوْكِيَتَهَا"، فَانْصَبَّتْ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ فِي بَطْنِ الْوَادِي، انْتَهَى. وَبَقِيَّةُ السَّنَدِ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكُوفِيُّ ثَنَا يَعْقُوبُ الْعَمِّيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ جَارِيَةَ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ: لُعِنَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةٌ، تَقَدَّمَ فِي الْكَرَاهِيَةِ بِجَمِيعِ طُرُقِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مُدْمِنُ خَمْرٍ كَعَابِدِ وَثَنٍ"، انْتَهَى. وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ، وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا: "شَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ الْوَثَنِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا تَشْرَبْ الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ خَبَّابُ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إيَّاكَ وَالْخَمْرَ، فَإِنَّ خَطِيئَتَهَا تُفَرِّعُ الْخَطَايَا، كَمَا أَنَّ شَجَرَتَهَا تُفَرِّعُ الشَّجَرَ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ
فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ لَمْ يَتُبْ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَسَقَاهُ مِنْ نَهْرِ الْخَبَالِ"، قِيلَ: يَا أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَمَا نَهْرُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: نَهْرٌ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ نَحْوُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ نَحْوُهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ. قَوْلُهُ: وَالشَّافِعِيُّ يُعَدِّيهِ إلَيْهَا، وَهُوَ بَعِيدٌ، لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ، قُلْت: كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: " حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا"، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا، وَأَكْلَ ثَمَنِهَا"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ مِنْ الْبُيُوعِ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْتُلُوهُ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْحُدُودِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ يَعْنِي الْجَلْدَ. قَوْلُهُ: وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ يَعْنِي عَلَى تَحْرِيمِ السَّكَرِ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ التَّمْرِ، قُلْت: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: اشْتَكَى رَجُلٌ مِنَّا بَطْنَهُ، فَنَعَتَ لَهُ السَّكَرَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْعَلَ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ، انْتَهَى. أَخْبَرْنَا مَعْمَرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، وَزَادَ، قَالَ مَعْمَرٌ: وَالسَّكَرُ يَكُونُ مِنْ التَّمْرِ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ بِهِ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: السَّكَرُ خَمْرٌ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ حَرْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ السَّكَرِ، فَقَالَ: الْخَمْرُ، انْتَهَى. وَفِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي الْهُذَيْلِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنَّ الَّتِي أَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُكْسَرَ دِنَانُهُ، حِينَ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ، لَمِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَا كَانَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ يُنَقَّى بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَا يَفْسُدُ، فَهُوَ حَرَامٌ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَالِكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: النَّبِيذُ الَّذِي بَلَغَ فَسَدَ، وَأَمَّا مَا ازْدَادَ عَلَى طُولِ التَّرْكِ جَوْدَةً، فَلَا خَيْرَ فِيهِ، انْتَهَى. وَأُخْرِجَ نَحْوُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
قَوْلُهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ زِيَادٍ، قَالَ: سَقَانِي ابْنُ عُمَرَ شَرْبَةً مَا كِدْتُ أَهْتَدِي إلَى أَهْلِي، فَغَدَوْتُ إلَيْهِ مِنْ الْغَدِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: مَا زِدْنَاك عَلَى عَجْوَةٍ وَزَبِيبٍ، قُلْت: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرْنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ ابْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ أَفْطَرَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَسَقَاهُ شَرَابًا، فَكَأَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا الشَّرَابُ؟! مَا كِدْتُ أَهْتَدِي إلَى مَنْزِلِي، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا زِدْنَاك عَلَى عَجْوَةٍ وَزَبِيبٍ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ حُرْمَةُ نَقِيعِ الزَّبِيبِ، وَهُوَ النِّيءُ مِنْهُ، قُلْت: غَرِيبٌ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَالزَّبِيبِ وَالرُّطَبِ، وَالرُّطَبِ وَالْبُسْرِ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 وَبَاقِي السِّتَّةِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُنْبَذَ الزَّبِيبُ، وَالتَّمْرُ جَمِيعًا، وَنَهَى أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ2 إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ خَلِيطِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، وَعَنْ خَلِيطِ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ، وَعَنْ خَلِيطِ الزَّهْوِ وَالتَّمْرِ، وَقَالَ: "انْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ فِيهِ لِمُسْلِمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَنْبِذُوا الزَّهْوَ وَالرُّطَبَ جَمِيعًا، وَلَا تَنْبِذُوا الرُّطَبَ وَالزَّبِيبَ جَمِيعًا، وَلَكِنْ انْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ"، انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ فِيهِ: الرُّطَبَ، وَلَا الْبُسْرَ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ3 عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، وَالْبُسْرِ وَالتَّمْرِ، وَقَالَ: "يُنْبَذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْلَطَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا، وَأَنْ يُخْلَطَ التَّمْرُ وَالْبُسْرُ جَمِيعًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: نَهَى أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا، وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَخْلِطَ بُسْرًا بِتَمْرٍ، أَوْ زَبِيبًا بِتَمْرٍ، أَوْ زَبِيبًا بِبُسْرٍ، وَقَالَ: "مَنْ شَرِبَ مِنْكُمْ النَّبِيذَ فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيبًا فَرْدًا، أَوْ تَمْرًا فَرْدًا، أَوْ بُسْرًا فَرْدًا"، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الشِّدَّةِ، فَكَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ يَعْنِي النَّهْيَ عَنْ الْخَلِيطَيْنِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، قُلْت: الْمُرَادُ بِالشِّدَّةِ هُنَا الْقَحْطُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِنَبِيذِ خَلِيطِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَإِنَّمَا كُرِهَا لِشِدَّةِ الْعَيْشِ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، كَمَا كُرِهَ السَّمْنُ وَاللَّحْمُ، وَكَمَا كُرِهَ الْإِقْرَانُ، فَأَمَّا إذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ رُدَيْحٍ1 ثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي ميمون عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، وَأَبِي طلحة أنهما كانا يشربا نَبِيذَ الزَّبِيبِ، وَالْبُسْرِ يَخْلِطَانِهِ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا طَلْحَةَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ هَذَا، قَالَ: إنَّمَا نَهَى عَنْ الْعَوَزِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، كَمَا نَهَى عَنْ الْإِقْرَانِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِعُمَرَ بْنِ رُدَيْحٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ2 عَنْ أَبِي بَحْرٍ، عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ الْبَكْرَاوِيِّ عَنْ عَتَّابِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الحمااني، قَالَ: حَدَّثَتْنِي صَفِيَّةُ بِنْتُ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: دَخَلْتُ مَعَ نِسْوَةٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى عَائِشَةَ، فَسَأَلْنَاهَا عَنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، فَقَالَتْ: كُنْتُ آخُذُ قَبْضَةً مِنْ تَمْرٍ، وَقَبْضَةً مِنْ زَبِيبٍ، فَأُلْقِيه فِي إنَاءٍ، فَأَمْرُسُهُ، ثُمَّ أَسْقِيه النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. والْبَكْرَاوِيُّ فِيهِ مَقَالٌ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: "الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ". الْحَدِيثُ السَّابِعُ: "كُلُّ مُسْكِرٍ خمر". تقدما أول الباب الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام: "مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ خَوَّاتُ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. فَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ3 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ عَمْرٍو بِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ دَاوُد بن بكير عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، نَحْوُهُ سَوَاءٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالتِّسْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ بِهِ، وَدَاوُد بْنُ بَكْرِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا بَأْسَ بِهِ، لَيْسَ بِالْمَتِينِ، انْتَهَى. وَقَدْ تَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ: فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ الْمَوْصِلِيِّ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ الله بن الأشجع عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي أَوَّلِ الْقِسْمِ الثَّانِي، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: أَجْوَدُ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ سَعْدٍ، فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَوْصِلِيِّ، وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، وَقَدْ احْتَجَّ بِهِمَا الشَّيْخَانِ، انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ السَّكَرِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَلَيْسَ كَمَا يَقُولُ الْمُخَادِعُونَ3
بِتَحْرِيمِهِمْ آخِرَ الشَّرْبَةِ. دُونَ مَا تَقَدَّمَهَا، إذْ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ السُّكْرَ بِكُلِّيَّتِهِ لَا يَحْدُثُ عَنْ الشَّرْبَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَطْ، دُونَ مَا تَقَدَّمَهَا.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ"، انْتَهَى. وَعِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ آبَائِهِ تَرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ2 عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَمْرِو بْنِ سَالِمٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَا أَسْكَرَ الْفَرْقُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ"، وَفِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيِّ: فَالْحَسْوَةُ مِنْهُ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّابِعِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ. رِجَالُهُ كُلُّهُمْ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ إلَّا عَمْرَو بْنَ سَالِمٍ، وَهُوَ مَشْهُورٌ، لَمْ أَجِدْ لِأَحَدٍ فِيهِ كَلَامًا، انْتَهَى. قُلْت: قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَأَبُو عُثْمَانُ هَذَا لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ فَقَالَ: وَثَّقَهُ أَبُو دَاوُد، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى عَدِيدَةٍ، أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهَا، لِأَنَّهَا كُلَّهَا ضَعِيفَةٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: " مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ". انْتَهَى. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ ثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ ثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِهِ، وَرَوَاهُ فِي الْوَسَطِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ نافع به.
أَمَّا حَدِيثُ خَوَّاتُ بْنِ جُبَيْرٍ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتُ بْنِ جُبَيْرٍ2 حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ خَوَّاتُ بْنِ جُبَيْرٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءً، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، والدارقطني فِي سُنَنِهِ. وَالْعُقَيْلِيُّ فِي ضُعَفَائِهِ، وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ إسْحَاقَ هَذَا، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَالْحَدِيثُ مَعْرُوفٌ بِغَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ. وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ3 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْسٍ الْمَرْوَزِيِّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَدَنِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءً. قَوْلُهُ: وَيُرْوَى: مَا أَسْكَرَ الْجَرَّةُ مِنْهُ، فَالْجَرْعَةُ حَرَامٌ، قُلْت: هَذِهِ رِوَايَةٌ غَرِيبَةٌ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، " مَا أَسْكَرَ الفرق، فملؤ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ"، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ، فَالْحَسْوَةُ مِنْهُ حَرَامٌ. قَوْلُهُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِثَابِتٍ، ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَدَحِ الْأَخِيرِ: قُلْت: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ4 عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَطَرٍ ثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ عليه السلام: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" قَالَ: هِيَ الشَّرْبَةُ الَّتِي أَسْكَرَتْك، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَطَرٍ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَوْلُهُ: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"، قَالَ: هِيَ الشَّرْبَةُ الَّتِي أَسْكَرَتْك، قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ الْحَجَّاجِ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ، وَعَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ ضَعِيفٌ، وَحَجَّاجٌ ضَعِيفٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ، أَنَّهُ
ذَكَرَ لَهُ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ، كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ هِيَ الشَّرْبَةُ الَّتِي أَسْكَرَتْك، فَقَالَ: حَدِيثٌ بَاطِلٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: هَذَا إنَّمَا يَرْوِيهِ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَهُوَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَدْ ذُكِرَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ فَقَالَ: حَدِيثٌ بَاطِلٌ، قَالَ: وَسَبَبُهُ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، فَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيِّ: لَمَّا قَدِمَ ابْنُ الْمُبَارَكِ الْكُوفَةَ، فَذَكَرَ قِصَّةً رَوَاهَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيِّ عَنْ فُضَيْلٍ بْنِ عَمْرٍو عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: إذَا سَكِرَ مِنْ شَرَابٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَعُودَ فِيهِ أَبَدًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَكَيْفَ يَكُونُ عِنْدَ إبْرَاهِيمَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ هَكَذَا، ثُمَّ يُخَالِفُهُ؟ فَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِ مَا رَوَاهُ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: " حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا وَيُرْوَى بِعَيْنِهَا، قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ"، قُلْت: رَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ في كتب الضعفاء في ترجممة مُحَمَّدِ بْنِ الْفُرَاتِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُرَاتِ الْكُوفِيُّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أُسْبُوعًا، ثُمَّ اسْتَنَدَ إلَى حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ مَكَّةَ، فَقَالَ: "هَلْ مِنْ شَرْبَةٍ"؟، فَأُتِيَ بِقَعْبٍ مِنْ نَبِيذٍ، فَذَاقَهُ، فَقَطَّبَ، وَرَدَّهُ، فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ آلِ حَاطِبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا شَرَابُ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ: فَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ، ثُمَّ شَرِبَ، ثُمَّ قَالَ: "حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ الْفُرَاتِ، وَنُقِلَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى، وَأَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرٍ الْغَطَفَانِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْأَشْرِبَةِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: "حرم الله الخمر بعينه، وَالسُّكْرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ"، انْتَهَى.. قَالَ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا مَجْهُولٌ فِي الرِّوَايَةِ وَالنَّسَبِ، وَحَدِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طُرُقٍ، فَأَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ، انْتَهَى. قَالَ النَّسَائِيُّ: وَابْنُ شُبْرُمَةَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ ابْنِ شَدَّادٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ هُشَيْمِ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ، حَدَّثَنِي الثِّقَةُ عَنْ ابْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا، قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ، انْتَهَى. وَقَالَ: هُشَيْمِ بْنُ بَشِيرٍ كَانَ يُدَلِّسُ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِ ذِكْرُ السَّمَاعِ مِنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ ابْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا، قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، وَالْمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ، وَفِي لَفْظٍ:
وَمَا أَسْكَرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ، وَقَالَ هَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا أَبُو سُفْيَانَ الْحِمْيَرِيُّ ثَنَا هُشَيْمِ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي عَوْنٍ، مِسْعَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَشَرِيكٌ، وَلَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ ابْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَّا هُشَيْمِ، وَلَا عَنْ هُشَيْمِ إلَّا أَبُو سُفْيَانَ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَدِيثُ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ وَكَانَ وَاسِطِيًّا ثِقَةً حَدَّثَنَا زَيْدُ بن أخرم أَبُو طَالِبٍ الطَّائِيُّ ثَنَا أَبُو دَاوُد ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، فَذَكَرَهُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ ابْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَشُعْبَةُ يَقُولُ: وَالْمُسْكِرُ، وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي عَوْنٍ، فَاقْتَصَرْنَا عَلَى رِوَايَةِ مِسْعَرٍ، وَلَا نَعْلَمُ رَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ مِسْعَرٍ حَدِيثًا مُسْنَدًا إلَّا هَذَا الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا، الْقَلِيلُ مِنْهَا وَالْكَثِيرُ، وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ عَنْ سَعِيدِ بْن الْمُسَيِّبِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ مِسْعَرٍ عَنْ خَلَّادِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ بِهِ، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ مِسْعَرٍ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ بْنُ الحجاج، وسفيان، وإبراهيم ابنا عُيَيْنَةَ، وَرَفَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مِسْعَرٍ، فَقَالَ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَفَرَّدَ شُعْبَةُ عَنْ مِسْعَرٍ، فَقَالَ: وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ ابْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، إنَّمَا حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا، وَالْمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"، وَرَوَى طَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَلِيلُ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرَامٌ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِأَصْحَابِنَا بِأَحَادِيثَ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ2 عَنْ يَحْيَى بْنِ الْيَمَانِ الْعِجْلِيّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَطِشَ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ مِنْ السِّقَايَةِ، فَقَطَّبَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لَا"، عَلَيَّ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، فَصَبَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ،
وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ يَحْيَى بْنَ يَمَانٍ انْفَرَدَ بِهِ، دُونَ أَصْحَابِ سفيان، وهو سيء الْحِفْظِ، كَثِيرُ الْخَطَإِ، رَوَاهُ الْأَشْجَعِيُّ، وَغَيْرُهُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيِّ، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَبِيذٍ، نَحْوُ هَذَا مُرْسَلٌ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، فَعَلَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ يَمَانٍ هَذَا لَا يَصِحُّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ: أَخْطَأَ ابْنُ يَمَانٍ فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا ذَاكَرَهُمْ سُفْيَانُ عَنْ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ مُرْسَلًا، فَأَدْخَلَ ابْنُ اليمان حَدِيثًا فِي حَدِيثٍ، وَالْكَلْبِيُّ لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ1. وَبِحَدِيثٍ آخَرَ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا2 عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: رَأَيْت رَجُلًا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَفَعَ إلَيْهِ قَدَحًا فِيهِ نَبِيذٌ، فَوَجَدَهُ شَدِيدًا، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَرَامٌ هُوَ؟ فَعَادَ، فَأَخَذَ مِنْهُ الْقَدَحَ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ، فَصَبَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَهُ إلَى فِيهِ، فَقَطَّبَ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ آخَرَ، فَصَبَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إذَا اغْتَلَمَتْ عَلَيْكُمْ هَذِهِ الْأَوْعِيَةُ، فَاكْسِرُوا مُتُونَهَا بِالْمَاءِ"، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ نَافِعٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، خِلَافُ هَذَا، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثَ تَحْرِيمِ الْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، قَالَ: وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَالْعَدَالَةِ الْمَشْهُورُونَ بِصِحَّةِ النَّقْلِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَقُومُ مَقَامَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ نَافِعٍ شَيْخٌ مَجْهُولٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ يُعْرَفُ بِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نَافِعٍ، وَهُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، اخْتَلَفُوا فِي اسْمِهِ، وَاسْمِ أَبِيهِ، فَقِيلَ: هَكَذَا، وَقِيلَ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْقَعْقَاعِ، وَقِيلَ: مَالِكُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، انْتَهَى. وَبِحَدِيثٍ آخَر: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ3 عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اشْرَبُوا فِي الظُّرُوفِ، وَلَا تَسْكَرُوا"، قَالَ النَّسَائِيُّ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، غَلِطَ فِيهِ أَبُو الْأَحْوَصِ سَلَّامٍ بْنُ سُلَيْمٍ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِ سِمَاكٍ، وَسِمَاكٌ كَانَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: كَانَ أَبُو الْأَحْوَصِ يُخْطِئُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، خَالَفَهُ شَرِيكٌ فِي إسْنَادِهِ، وَلَفْظِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الدباء، والختم، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُزَفَّتِ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ1: وَهَمَ أَبُو الْأَحْوَصِ فَقَالَ: عَنْ سِمَاكٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، فَقَلَبَ مِنْ الْإِسْنَادِ مَوْضِعًا، وَصَحَّفَ مَوْضِعًا، أَمَّا الْقَلْبُ، فَقَوْلُهُ: عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، أَرَادَ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ، ثُمَّ احْتَاجَ أَنْ يَقُولَ: ابْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَقَلَبَ الْإِسْنَادَ بِأَسْرِهِ، وَأَفْحَشُ مِنْ ذَلِكَ تَصْحِيفُهُ لِمَتْنِهِ: اشْرَبُوا فِي الظُّرُوفِ وَلَا تَسْكَرُوا، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَبُو سِنَانٍ ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ، وَزُبَيْدٌ الْيَامِيُّ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، وَسِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ سُبَيْعٍ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، وَسَلَمَةُ بْنُ كَهَيْلٍ، كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ، فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ النَّبِيذِ إلَّا فِي سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا"، وَفِي حَدِيثِ بَعْضِهِمْ: وَاجْتَنِبُوا كُلَّ مُسْكِرٍ، لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: وَلَا تَسْكَرُوا، فَقَدْ بَانَ وَهْمُ أَبِي الْأَحْوَصِ، مِنْ اتِّفَاقِ هَؤُلَاءِ عَلَى خِلَافِهِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: حَدِيثُ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ خَطَأُ الْإِسْنَادِ، وَالْكَلَامِ، أَمَّا الْإِسْنَادُ، فَإِنَّ شَرِيكًا، وَأَيُّوبَ، وَمُحَمَّدًا ابْنَيْ جَابِرٍ رَوَوْهُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا رَوَاهُ النَّاسُ: "انْتَبِذُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا"، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَكَذَلِكَ أَقُولُ: هَذَا خَطَأٌ، وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، انْتَهَى. وَبِحَدِيثٍ آخَرَ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ بَهْرَامَ ثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عِنْدَنَا شَرَابًا لَنَا، أَفَلَا نَسْقِيك مِنْهُ؟ قَالَ: "بَلَى"، فَأُتِيَ بعقب، أَوْ قَدَحٍ فِيهِ نَبِيذٌ، فَلَمَّا أَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَرَّبَهُ إلَى فِيهِ، قَطَّبَ، ثُمَّ دَعَا الَّذِي جَاءَ بِهِ، فَقَالَ: "خُذْهُ فَأَهْرِقْهُ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا شَرَابُنَا، إنْ كَانَ حَرَامًا لَمْ نَشْرَبْهُ، فَأَخَذَهُ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ، وَسَقَى، وَقَالَ: "إذَا كَانَ هَكَذَا، فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: تَفَرَّدَ بِهِ الْقَاسِمُ بْنُ بَهْرَامَ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ بِحَالٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَوْعِيَةِ: "فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ ظَرْفٍ، فَإِنَّ الظَّرْفَ لَا تُحِلُّ شَيْئًا وَلَا تُحَرِّمُهُ، وَلَا تَشْرَبُوا الْمُسْكِرَ"، وَقَالَهُ بَعْدَ مَا أَخْبَرَ عَنْ النَّهْيِ عَنْهُ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ2 إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ
الْأَشْرِبَةِ إلَّا فِي ظُرُوفِ الْأَدَمِ، فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ، غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا"، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "نَهَيْتُكُمْ عَنْ الظُّرُوفِ، وَأَنَّ الظَّرْفَ لَا يُحِلُّ شَيْئًا، وَلَا يُحَرِّمُهُ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ لَمْ يُسَمِّهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنِّي نَهَيْتُكُمْ عَنْ نَبِيذِ الْأَوْعِيَةِ، أَلَا وَإِنَّ وِعَاءً لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَيْمَنَ. فَحَدِيثُ جَابِرٍ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ1 إلَّا الْبُخَارِيَّ فَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ جَابِرٍ، وَالْبَاقُونَ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الْوَلِيمَةِ، وَالْبَاقُونَ فِي الْأَطْعِمَةِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ "، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، لَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، إلَّا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، نِعْمَ الْأَدَمُ، أَوْ الْإِدَامُ الْخَلُّ، وَفِي لَفْظٍ: نِعْمَ الْأَدَمُ الْخَلُّ، مِنْ غَيْرِ شَكٍّ. وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 فِي الْفَضَائِلِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ عِنْدَكِ طَعَامٌ آكُلُهُ"؟ وَكَانَ جَائِعًا، فَقُلْت: إنَّ عِنْدِي لَكِسْرَةً يَابِسَةً، وَأَنَا أَسْتَحْيِي أَنْ أُقَرِّبَهَا إلَيْك، فَقَالَ: "هَلُمِّيهَا"، فَكَسَرْتُهَا، وَنَثَرْتُ عَلَيْهَا الْمِلْحَ، فَقَالَ: " هَلْ مِنْ إدَامٍ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدِي إلَّا شَيْءٌ مِنْ خَلٍّ، قَالَ: "هَلُمِّيهِ"، فَلَمَّا جئته به صب عَلَى طَعَامِهِ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ: "نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ، يَا أُمَّ هَانِئٍ لَا يَفْقَرُ بَيْتٌ فِيهِ خَلٌّ"، انتهى.
وَأَمَّا حديث أم أَيْمَنَ: فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: نَزَلَ بِجَابِرٍ ضيف، فجاءه بِخُبْزٍ وَخَلٍّ، فَقَالَ: كُلُوا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ، هَلَاكٌ بِالْقَوْمِ أَنْ يَحْتَقِرُوا مَا قُدِّمَ إلَيْهِمْ، وَهَلَاكٌ بِالرَّجُلِ أَنْ يَحْتَقِرَ مَا فِي بَيْتِهِ، يُقَدِّمُهُ لِأَصْحَابِهِ"، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ فَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا كَانَتْ لَهَا شَاةٌ تَحْتَلِبُهَا، فَفَقَدَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَا فَعَلَتْ الشَّاةُ"؟ قَالُوا: مَاتَتْ، قَالَ: "أَفَلَا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا"؟ فَقُلْنَا: إنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ عليه السلام: "إنَّ دِبَاغَهَا يُحِلُّهُ، كَمَا يُحِلُّ خَلٌ الْخَمْرَ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، يَرْوِي عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَحَادِيثَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: خَيْرُ خَلِّكُمْ، خَلُّ خَمْرِكُمْ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "خَيْرُ خَلِّكُمْ خَلُّ خَمْرِكُمْ" تَفَرَّدَ بِهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمُّونَ خَلَّ الْعِنَبِ خَلَّ الْخَمْرِ، قَالَ: وَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَخَلَّلَ بِنَفْسِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ أَيْضًا حَدِيثُ فَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى مَنْعِ تَخْلِيلِ الْخَمْرِ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ أَيُتَّخَذُ خَلًّا؟ قَالَ: "لَا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا، قَالَ: "أَهْرِقْهَا"، قَالَ: فَلَا نَجْعَلُهَا خَلًّا؟ قَالَ: "لَا"، انْتَهَى. قَالُوا: فلو كان التخلل جَائِزًا لَكَانَ فِيهِ تَضْيِيعُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَلَوَجَبَ فِيهِ الضَّمَانُ، قَالُوا: وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَرَاقُوهَا حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ التَّحْرِيمِ، كَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ، فَلَوْ جَازَ التَّخْلِيلُ لَنَبَّهَ عليه السلام، كَمَا نَبَّهَ أَهْلَ الشَّاةِ الْمَيْتَةِ عَلَى دِبَاغِهَا، وَأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، كَمَا وَرَدَ ذَلِكَ فِي سُؤْرِ الْكَلْبِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ الْأَمْرُ بِكَسْرِ الدنان، وتقطيع الزقاق، ررواه الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا مُعْتَمِرٌ ثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي اشْتَرَيْت خَمْرًا لِأَيْتَامٍ فِي حِجْرِي، فَقَالَ: "أَهْرِقْ الْخَمْرَ، وَكَسِّرْ الدِّنَانَ"، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا، وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَقَّ زِقَاقَ
الْخَمْرِ بِيَدِهِ فِي أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي أَحَادِيثِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَهَذَا صَرِيحٌ في الغليظ، لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافَ مَالِ الْغَيْرِ، وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ إرَاقَةُ الدِّنَانِ، وَالزِّقَاقِ، وَتَطْهِيرُهَا، وَلَكِنْ قَصَدَ بِإِتْلَافِهَا التَّشْدِيدَ، لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الرَّدْعِ، وقد روي عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَحْرَقَ بَيْتَ خَمَّارٍ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ1 أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ حَرَّقَ بَيْتَ رُوَيْشِدٍ الثَّقَفِيِّ، وَكَانَ حَانُوتًا لِشَرَابٍ، قَالَ: فَقَدْ رَأَيْته يَلْتَهِبُ نَارًا، انْتَهَى. وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَوَّضَ الْأَيْتَامَ عَنْ خَمْرِهِمْ مَالًا، كَمَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ2 حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكُوفِيُّ ثَنَا يَعْقُوبُ الْعَمِّيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ جَارِيَةَ عَنْ جَارِيَةَ، فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ قَالَ: إذَا أَتَانَا مَالُ الْبَحْرَيْنِ فَأْتِنَا، نُعَوِّضْ أَيْتَامَك مَالَهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي أَحَادِيثِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ.
كتاب الصيد
كِتَابُ الصَّيْدِ إرسال الكلب المعلم ... كتاب الصيد الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: "إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَك الْمُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ شَارَكَ كَلْبَك كَلْبٌ آخَرَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ إنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِك، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبِ غَيْرِك" , قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ3 عَنْهُ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي، وَأُسَمِّي فَقَالَ: "إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَك وَسَمَّيْتَ، فَأَخَذَ فَقَتَلَ فَكُلْ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ"، قُلْتُ: إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ آخَرَ، لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَهُ، فَقَالَ: "لَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِك، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ"، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: اُسْتُدِلَّ لِمَالِكٍ فِي إبَاحَةِ مَا أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ بِحَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد4 عَنْ دَاوُد بْنِ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيِّ عَنْ بِشْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي صَيْدِ الْكَلْبِ: "إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، وَكُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْك يَدُك"، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ: لَهُ أَبُو ثَعْلَبَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ لِي كلاباً مكلبة، فأفتني ففي صَيْدِهَا، فَقَالَ: "إنْ كَانَتْ لَك كِلَابٌ مُكَلَّبَةٌ، فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْك" قَالَ: ذَكِيٌّ، وَغَيْرُ ذَكِيٍّ؟ قَالَ: " ذَكِيٌّ، وَغَيْرُ ذَكِيٍّ"، قَالَ: وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ؟ قَالَ: "وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنِي فِي قَوْسِي، قَالَ: " كُلْ مَا رَدَّ عَلَيْك قَوْسُك"، قَالَ: ذَكِيٌّ، وَغَيْرُ ذَكِيٍّ؟ قَالَ: "ذَكِيٌّ، وَغَيْرُ ذَكِيٍّ"، قَالَ: وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنِّي؟ قَالَ: "وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنْك مَا لَمْ يَصِلْ2 أَوْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرًا غَيْرَ سَهْمِك"، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، قَالَ: وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّهُ عَلَّلَ التَّحْرِيمَ فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ بِكَوْنِهِ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَفِي حَدِيثِ دَاوُد، وَعُمَرَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَبَاحَهُ لِكَوْنِهِ أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ، انْتَهَى. قُلْت: يُعَكَّرُ هَذَا بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الدَّهَّانِ ثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَدْرَكْت كَلْبَك، وَقَدْ أَكَلَ نِصْفَهُ فَكُلْ"، انْتَهَى. وَقَالَ: غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ الْفُضَيْلِ عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ، فَلَا تَأْكُلْ، انْتَهَى. حَدِيثٌ لِأَحْمَدَ فِي تَحْرِيمِهِ أَكْلَ صَيْدِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ3 عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مغفل، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ، لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ"، انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: قَالَ أَحْمَدُ: الْحَسَنُ سَمِعَ مِنْ ابْنِ الْمُغَفَّلِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: فَأَمْرُهُ بِقَتْلِهِ، نَهْيٌ عَنْ إمْسَاكِهِ وَالِاصْطِيَادِ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَحَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ مُخْرَجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْأَكْلِ، وَحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ إذَا أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ، فَلَا تَأْكُلْ، أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ دَاوُد، وَحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، انْتَهَى.
فصل في الجوارح
فَصْلٌ فِي الْجَوَارِحِ قَوْلُهُ: وَتَعْلِيمُ الْكَلْبِ أَنْ يَتْرُكَ الْأَكْلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَتَعْلِيمُ الْبَازِي أَنْ يَرْجِعَ، وَيُجِيبَ إذَا دَعَوْتَهُ، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَفِي الْبُخَارِيِّ1: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنْ أَكَلَ الْكَلْبُ فَقَدْ أَفْسَدَهُ، إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ} فَيُضْرَبُ وَيُعَلَّمُ، حَتَّى يَتْرُكَ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ2 فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ ثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا أَبُو إسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الطَّيْرِ: إذَا أَرْسَلْته، فَقَتَلَ، فَكُلْ، فَإِنَّ الْكَلْبَ إذَا ضَرَبْته لَمْ يَعُدْ فَإِنَّ تَعْلِيمَ الطَّيْرِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى صَاحِبِهِ، وَلَيْسَ يُضْرَبُ، فَإِذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ وَنَتَفَ الرِّيشَ، فَكُلْ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ، فَتَغْلِبُ جِهَةُ الْحُرْمَةِ نَصَّا، أَوْ احْتِيَاطًا، قُلْت: كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: "مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، إلَّا وَغَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ"، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَجَدْتُهُ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، أَخْرَجَهُ عبد الرازق فِي مُصَنَّفِهِ فِي الطَّلَاقِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ مَا اجْتَمَعَ حَلَالٌ وَحَرَامٌ إلَّا غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ، قَالَ سُفْيَانُ: وَذَلِكَ فِي الرَّجُلِ يَفْجُرُ بِامْرَأَةٍ، وَعِنْدَهُ ابْنَتُهَا أَوْ أُمُّهَا، فَإِنَّهُ يُفَارِقُهَا، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سنته: رَوَاهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٌ ضَعِيفٌ، وَالشَّعْبِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مُنْقَطِعٌ، انْتَهَى.
فصل في الرمي
فصل في الرمي الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَ الصَّيْدِ إذَا غَابَ عَنْ الرَّامِي، وَقَالَ: "لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلْته"، قُلْت: رُوِيَ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا. فَالْمُسْنَدُ: عَنْ أَبِي رَزِينٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ. فَحَدِيثُ أَبِي رَزِينٍ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَزِينٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّيْدِ يَتَوَارَى عَنْ صَاحِبِهِ قَالَ: "لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلْته"، انْتَهَى. وكذلك رواه الطبري فِي مُعْجَمِهِ,
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ أَبِي رَزِينٍ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ كَذَلِكَ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ، وَمِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، وَأَعَلَّهُ بِالْإِرْسَالِ، وَأَقَرَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ عَلَيْهِ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَبْيٍ قَدْ أَصَابَهُ بِالْأَمْسِ، وَهُوَ مَيِّتٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَرَفْتُ فِيهِ سَهْمِي، وَقَدْ رَمَيْتُهُ بِالْأَمْسِ، فَقَالَ: "لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ سَهْمَك قَتَلَهُ أَكَلْته، وَلَكِنْ لَا أَدْرِي، وَهَوَامُّ الْأَرْضِ كَثِيرَةٌ"، انْتَهَى. وَابْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ وَاهٍ. وَأَمَّا الْمُرْسَلُ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَبْيًا، فَقَالَ: "مِنْ أَيْنَ أَصَبْت هَذَا"؟ قَالَ: رَمَيْتُهُ، فَطَلَبْتُهُ، فَأَعْجَزَنِي حَتَّى أَدْرَكَنِي الْمَسَاءُ، فَرَجَعْت، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ اتَّبَعْتُ أَثَرَهُ، فَوَجَدْته فِي غَارٍ، وَهَذَا مِشْقَصِي فِيهِ أَعْرِفُهُ، قَالَ: "بَاتَ عَنْك لَيْلَةً، فَلَا آمَنُ أَنْ تَكُونَ هَامَّةٌ أَعَانَتْك عَلَيْهِ، لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَمَيْتُ صَيْدًا، فَتَغَيَّبَ عَنِّي لَيْلَةً، فَقَالَ عليه السلام: "إنَّ هَوَامَّ الْأَرْضَ كَثِيرَةٌ"، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ1 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عن أبي ثعلبة الخنشي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يُدْرِكُ صَيْدَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ قَالَ: "كُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ"، انْتَهَى، زَادَ فِي لَفْظٍ آخَرَ: وَقَالَ فِي الْكَلْبِ أَيْضًا: "كُلْهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، إلَّا أَنْ يُنْتِنَ، فَدَعْهُ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَفِيهِ: وَإِنْ رَمَيْتَ بِسَهْمِك، فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ غَابَ عَنْك يَوْمًا فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إلَّا أَثَرَ سَهْمِك، فَكُلْ إنْ شِئْت، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: وَإِنْ رَمَيْت الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَدِيٍّ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرْمِي الصَّيْدَ، فَيَقْتَفِي أَثَرَهُ الْيَوْمَيْنِ، أَوْ الثَّلَاثَةَ، ثُمَّ يَجِدْهُ مَيْتًا، وَفِيهِ سَهْمُهُ، قَالَ: "يَأْكُلُ إنْ شَاءَ"، وَلَمْ يَصِلْ سَنَدُهُ بِهَذَا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ1 عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا أَهْلُ صَيْدٍ، وَإِنَّ أَحَدَنَا يَرْمِي الصَّيْدَ، فَيَغِيبُ عَنْهُ اللَّيْلَةَ وَاللَّيْلَتَيْنِ، فَيَتْبَعُ الْأَثَرَ، فَيَجِدُهُ مَيْتًا، قَالَ: "إذَا وَجَدْتَ السَّهْمَ فِيهِ، وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِهِ، وَعَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَك قَتَلَهُ، فَكُلْهُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حسن صحيح، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَرْمِي بِسَهْمِي، فأصيب، فلا أقدر عليه إلَّا بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، فَقَالَ: "إذَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا خَدْشٌ إلَّا رَمْيَتُك، فَكُلْ، وَإِنْ وَجَدْتَ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِ رَمْيَتِك، فَلَا تَأْكُلْهُ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَنْتَ قَتَلْتَهُ أَمْ غَيْرُك" , انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، يُبَاحُ أَكْلُهُ إذَا غاب مطلقاً، قال مَالِكٌ: مَا لَمْ يَبِتْ، فَإِذَا بَاتَ لَا يَحِلُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: "وَإِنْ وَقَعَتْ رَمِيَّتُك فِي الْمَاءِ، فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَنَّ الْمَاءَ قَتَلَهُ، أَوْ سَهْمُك"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ3 عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "إذَا رَمَيْتَ سَهْمَك، فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قُتِلَ، فَكُلْ، إلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ"، وَزَادَ مُسْلِمٌ: "فَإِنَّك لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ، أَوْ سَهْمُك"، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام فِي الْمِعْرَاضِ: "مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ4 عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرْسِلُ الْكِلَابَ الْمُعَلَّمَةَ، فَيُمْسِكْنَ عَلَيَّ وَأَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ، قَالَ: "إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَك الْمُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْك"، قُلْت: وَإِنْ قَتَلَ؟ قَالَ: "وَإِنْ قَتَلَ، مَا لَمْ يُشْرِكْهُ كَلْبٌ، لَيْسَ مَعَهُ"، قُلْت: فَإِنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ، فَأَصِيدُ، قَالَ: "إذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ، فَكُلْ، وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ، فَقَتَلَ، فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّهُ وَقِيذٌ" , انْتَهَى الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ فَكُلْ" , قُلْت مَرَّ فِي الذَّبَائِحِ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ، فَهُوَ مَيْتٌ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ1 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ثَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي وافد اللَّيْثِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ، وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ"، انْتَهَى، لِأَبِي دَاوُد، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ أَتَمُّ ثُمَّ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يَجُبُّونَ أَسْنِمَةَ الْإِبِلِ، وَيَقْطَعُونَ أَلْيَاتِ الْغَنَمِ، فَقَالَ عليه السلام: "مَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ، وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالدَّارِمِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، والدارقطني فِي سُنَنِهِ فِي آخِر الضَّحَايَا، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الذَّبَائِحِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ2 حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ بْنِ كَاسِبٍ عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " مَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ، فَهُوَ مَيْتَةٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا حُمَيْدٍ بْنُ الرَّبِيعِ ثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى بِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في معجمه الوسط حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ عَلِيٍّ المرزوي ثَنَا يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ ثَنَا ابْنُ نَافِعٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ قَطْعِ أَلْيَاتِ الْغَنَمِ، وَجَبِّ أَسْنِمَةِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: "مَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيْتٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَقَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ الْمِسْوَرُ بْنُ الصَّلْتِ مُسْنَدًا، وَخَالَفَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، فَأَرْسَلَهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرْ أَبَا سَعِيدٍ، وَلَا نَعْلَمْ أَحَدًا قَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ إلَّا الْمِسْوَرَ بْنَ الصَّلْتِ، وَلَيْسَ بِالْحَافِظِ، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ بِلَالٍ أَسْنَدَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَلَمْ أَجِدْهُ مُرْسَلًا، إلَّا فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْرَجَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَجُبُّونَ الْأَسْنِمَةَ، فَقَالَ عليه السلام، الْحَدِيثَ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقْطَعُونَ أَلْيَاتِ الغنم، وأسمنة الْإِبِلِ، فَذَكَرَهُ، الثَّانِي: قَوْلُهُ: لانعلم أَحَدًا قَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ إلَّا الْمِسْوَرَ، فَقَدْ تَابَعَ الْمِسْوَرَ عَلَيْهِ سليمان بن بلال، كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَابَعَهُ أَيْضًا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "كُلُّ شَيْءٍ قُطِعَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيْتٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ خَارِجَةُ فِيمَا أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ كَذَلِكَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَضَعَّفَ خَارِجَةَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَمَشَّاهُ، فَقَالَ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، فَإِنَّهُ يغلط، ولا يتعمد، انْتَهَى. قَالَ الْبَزَّارُ: وَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: الْمِسْوَرُ بْنُ الصَّلْتِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَالْمِسْوَرُ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، فَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ1 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ نَاسًا يَجُبُّونَ أَلْيَاتِ الْغَنَمِ، وَهِيَ أَحْيَاءٌ، قَالَ: "مَا أُخِذَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ، فَهُوَ مَيْتَةٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وابن الهذلي، واسمه: سلمى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَلَمْ يُضَعِّفْهُ عَنْ أَحَدٍ. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ" , قُلْت: غَرِيبٌ،2 وَجَدْتُ
فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدُونٍ، قَالَ: قَالَ إسْحَاقُ الْمَوْصِلِيُّ: كُنْتُ يَوْمًا عِنْدَ الرَّشِيدِ أُغَنِّيهِ، وَهُوَ يَشْرَبُ، فَدَخَلَ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ، فَقَالَ لَهُ: مَا وَرَاءَك؟ قَالَ: خَرَجَ إلَيَّ ثَلَاثُ جَوَارٍ: مَكِّيَّةٌ، وَالْأُخْرَى مَدَنِيَّةٌ، وَالْأُخْرَى عِرَاقِيَّةٌ، فَقَبَضَتْ الْمَدَنِيَّةُ عَلَى آلَتِي، فَلَمَّا أَنْعَظَ، قَبَضَتْ الْمَكِّيَّةُ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ الْمَدَنِيَّةُ: مَا هَذَا التَّعَدِّي، أَلَمْ تَعْلَمِي أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ظَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أحيى أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ" , فَقَالَتْ الْمَكِّيَّةُ: أَلَمْ تَعْلَمِي أَنْتِ أَنَّ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ، لَا لِمَنْ أَثَارَهُ"، فَدَفَعَتْهُمَا الثَّالِثَةُ عَنْهُ، ثُمَّ أَخَذَتْهُ، وَقَالَتْ: هَذَا لِي وَفِي يَدِي حَتَّى تَصْطَلِحَا، انْتَهَى.
كتاب الرهن
كِتَابُ الرَّهْنِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا، وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا لَهُ مِنْ حَدِيدٍ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ: ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ2 فِي الْبُيُوعِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَلَقَدْ رَهَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لِأَهْلِهِ، مُخْتَصَرٌ، وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ3 عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ دِرْعَهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ، عَلَى ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَخَذَهَا رِزْقًا لِعِيَالِهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهَذَا الْيَهُودِيُّ اسْمُهُ: أَبُو الشَّحْمِ، هَكَذَا وَقَعَ مُسَمًّى فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبُيُوعِ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قال عليه السلام: "لايغلق الرَّهْنُ قَالَهَا ثَلَاثًا لِصَاحِبِهِ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ،
وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 فِي الْبُيُوعِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لايغلق الرَّهْنُ مِمَّنْ رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ" , انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَعْلَى الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، لِاخْتِلَافٍ فِيهِ عَلَى أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، وَقَدْ تَابَعَ زِيَادَ بْنَ سَعْدٍ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي دَاوُد الْحَرَّانِيِّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيُّ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ أَحَادِيثَهُمْ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ: هَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرٍ الْأَصَمِّ الْأَنْطَاكِيِّ ثَنَا شَبَابَةُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، فَذَكَرَهُ، وَصَحَّحَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَأَرَاهُ إنَّمَا تَبِعَ فِي ذَلِكَ أَبَا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْبَرِّ، فَإِنَّهُ صَحَّحَهُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ هَذَا لَا أعرف حاله، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي كِتَابِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مِنْ حَالِهِ شَيْئًا، إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ أَحَادِيثَ مُنْكَرَةً: مِنْهَا هَذَا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ الْأَصَمُّ الْبَزَّارُ الْأَنْطَاكِيُّ لَيْسَ بِذَاكَ الْمُعْتَمَدِ، وَقَدْ رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، وَابْنِ عُلَيَّةَ وَمَعْنِ بْنِ عِيسَى، وَابْنِ فُضَيْلٍ، وَرَوَى عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقَوْلُهُ: "لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ"، مِنْ كَلَامِ سَعِيدٍ، نَقَلَهُ عَنْهُ الزُّهْرِيُّ، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، انْتَهَى. قُلْت: يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرْنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لايغلق الرَّهْنُ مِمَّنْ رَهَنَهُ"، قُلْت لِلزُّهْرِيِّ: أَرَأَيْت قَوْلَ الرَّجُلِ: لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ، أَهُوَ الرَّجُلُ يَقُولُ: إنْ لَمْ آتِكَ بِمَالِك، فَالرَّهْنُ لَك؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ مَعْمَرٌ: ثُمَّ بَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ هَلَكَ لَمْ يَذْهَبْ حَقُّ هَذَا، إنَّمَا هَلَكَ مِنْ رَبِّ الرَّهْنِ، لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِمَّنْ رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ" انْتَهَى. وَلَمْ يَرْوِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مُسْنَدًا أَصْلًا، وَكَذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ بِهِ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَغُنْمُهُ زِيَادَتُهُ، وَغُرْمُهُ هَلَاكُهُ وَنَقْصُهُ، انْتَهَى. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مُتَّصِلًا أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى عَدِيدَةٍ، ذَكَرَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ، وَأَجْوَدُ طُرُقِهِ الْمُتَّصِلَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ:
وَقَدْ صَحَّحَ اتِّصَالَ هَذَا الْحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَعَبْدُ الْحَقِّ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَغَيْرِهِمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ مُرْسَلًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ مُرْسَلًا، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: فِي الْكِتَابِ: قَالَهَا ثَلَاثًا، لَمْ أَجِدْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ. وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ زَادَ فِي مَتْنِ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: كَانُوا يَرْهَنُونَ، وَيَقُولُونَ: إنْ جِئْتُك بِالْمَالِ إلَى وَقْتِ كَذَا، وَإِلَّا فَهُوَ لَك، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَلِكَ، انْتَهَى. وَيَنْظُرُ الدَّارَقُطْنِيُّ هَلْ فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ؟ 1. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام للمرتهن بعد ما نَفَقَ فَرَسُ الرَّهْنِ عِنْدَهُ: " ذَهَبَ حَقُّك"، قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يُحَدِّثُ أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ فَرَسًا، فَنَفَقَ فِي يَدِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُرْتَهِنِ: "ذَهَبَ حَقُّك" , انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي أَثْنَاءِ الْبُيُوعِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ بِهِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أحكامه هو مُرْسَلٌ، وَضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَمُصْعَبُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، ضَعِيفٌ، كَثِيرُ الْغَلَطِ، وَإِنْ كَانَ صَدُوقًا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "إذَا عُمِّيَ الرَّهْنُ فَهُوَ بِمَا فِيهِ" , قُلْت: رُوِيَ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا. فَالْمُسْنَدُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ غَالِبٍ ثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ رَوْحٍ عَنْ هشام بن زيادة عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا لَا يَثْبُتُ عَنْ حُمَيْدٍ، وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَيْخِنَا كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، قَالَ: وَهَذَا بَاطِلٌ عَنْ حَمَّادٍ، وَقَتَادَةَ، وَإِسْمَاعِيلُ هَذَا يَضَعُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: الْأَوَّلُ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ، وَهُوَ غُلَامُ خَلِيلٍ، كَانَ كَذَّابًا، يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ رَوْحٍ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: مَجْهُولٌ، وَهِشَامُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَنْفَرِدُ عَنْ الثِّقَاتِ بِالْمُعْضَلَاتِ، وَفِي الثَّانِي: إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ،
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يَضَعُ الْحَدِيثَ1، وَسَعِيدُ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا الْمُرْسَلُ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَهْلٍ الرَّمْلِيِّ ثَنَا الْوَلِيدُ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: مُرْسَلٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ طَاوُسٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءً، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: إنَّ نَاسًا يُوهِمُونَ فِي قَوْلِهِ عليه السلام: "الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ"، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرْنَا الثِّقَةُ مِنْ الْفُقَهَاءِ، إذَا هَلَكَ وَعُمِّيَتْ قِيمَتُهُ، يُقَالُ حِينَئِذٍ لِلَّذِي رَهَنَهُ: زَعَمْتَ أَنَّ قِيمَتَهُ مِائَةُ دِينَارٍ، أَسَلَّمْتَهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا، وَرَضِيتَ بِالرَّهْنِ، وَيُقَالُ لِلْآخَرِ: زَعَمْتَ أَنَّ ثَمَنَهُ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ، فَقَدْ رَضِيتَ بِهِ عِوَضًا مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا، وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ2 بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: أَدْرَكْتُ مِنْ فُقَهَائِنَا الَّذِينَ يُنْتَهَى إلَى قَوْلِهِمْ: مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ فِي مَشْيَخَةٍ مِنْ نُظَرَائِهِمْ، أَهْلِ فِقْهٍ، وَصَلَاحٍ، وَفَضْلٍ، فَذَكَرَ مَا جَمَعَ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ فِي كِتَابِهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، أَنَّهُمْ قَالُوا: الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ، إذَا كَانَ هَلَكَ، وَعُمِّيَتْ قِيمَتُهُ، وَيَرْفَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ الثِّقَةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ، مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي كَيْفِيَّتِهِ، قُلْت: قَوْلُهُ: عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ فِي الرَّهْنِ، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي أَثْنَاءِ الْبُيُوعِ أَخْبَرْنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ بَيْنَهُمَا فِي الرَّهْنِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ3 عَنْ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إذَا كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ، فَإِنْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ، فَإِنْ لَمْ تُصِبْهُ جَائِحَةٌ، فَإِنَّهُ يُرَدُّ الْفَضْلُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَمَا رَوَاهُ خِلَاسٌ عَنْ عَلِيٍّ أَخَذَهُ مِنْ صَحِيفَةٍ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ: وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إذَا كَانَ الرَّهْنُ أَفْضَلَ مِنْ الْقَرْضِ، أَوْ كَانَ الْقَرْضُ، أَفْضَلَ مِنْ الرَّهْنِ، ثُمَّ هَلَكَ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْهُ، قَالَ: إذَا كَانَ الرَّهْنُ أَقَلَّ رُدَّ الْفَضْلُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ.
قَوْلُهُ: وَمَذْهَبُنَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعُمَرَ، قُلْت: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ، قَالَ فِي الرَّجُلِ يَرْتَهِنُ الرَّهْنَ، فَيَضِيعُ، قَالَ: إنْ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا فِيهِ رَدَّ عَلَيْهِ تَمَامَ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ، فَهُوَ أَمِينٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالطَّحَاوِيُّ عَنْهُ، قَالَ: إذَا كَانَ الرَّهْنُ بِأَكْثَرَ مِمَّا رَهَنَ بِهِ، فَهُوَ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ، وَإِذَا كَانَ بِأَقَلَّ رَدَّ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: هَذَا لَيْسَ بِمَشْهُورٍ عَنْ عُمَرَ، وَالرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ غَرِيبٌ. قَوْلُهُ: وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: الْمُرْتَهِنُ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَامِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إذا كَانَ الرَّهْنُ أَكْثَرَ مِمَّا رَهَنَ بِهِ فَهَلَكَ، فَهُوَ بِمَا فِيهِ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ، وَإِذَا كَانَ أَقَلَّ مِمَّا رَهَنَ بِهِ فَهَلَكَ، رَدَّ الرَّاهِنُ الْفَضْلَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ عُمَر حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عِمْرَانَ الْقَطَّانِ عَنْ مَطَرٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: إذَا كَانَ الرَّهْنُ أَكْثَرَ مِمَّا رَهَنَ بِهِ فَهُوَ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ، وَإِذَا كَانَ أَقَلَّ رَدَّ عَلَيْهِ، انْتَهَى. بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ قَوْلُهُ: وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَتَيْنِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ.
كتاب الجنايات
كتاب الجنايات تحريم قتل المسلم ... كِتَابُ الْجِنَايَاتِ قَوْلُهُ: وَقَدْ نَطَقَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ: مِنْ السُّنَّةِ يَعْنِي الْإِثْمَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ: قُلْت: الْأَحَادِيثُ فِي تَحْرِيمِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ كَثِيرَةٌ جِدًّا: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ1 عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَحِلُّ دم امرىء يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ
التِّرْمِذِيُّ فِي الدِّيَاتِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْقَوَدِ وَالْبَاقُونَ فِي الْحُدُودِ وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ لَا يَحِلُّ دَمُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إلَّا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ: التَّارِكُ لِلْإِسْلَامِ"، الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ، مُحِيلًا عَلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَمْ يَسُقْ الْمَتْنَ، وَلَفْظُهُ: قَالَ الْأَعْمَشُ: وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 فِي الْإِيمَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 عَنْ أَنَسٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَهَذَا وَهْمٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مُسْلِمًا رَوَاهُ، الثَّانِي: أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَيْسَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَوَقَعَ مِثْلُ هَذَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ، أَخْرَجَهُ فِي الْمَغَازِي عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ بِسَنَدِهِ، وَقَالَ فِيهِ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَابْنُ إسْحَاقَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ3 فِي الْفِتَنِ، وَمُسْلِمٌ فِي الْحُدُودِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا، أَلَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ "؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا"؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "أَلَيْسَ بِذِي الْحِجَّةِ"، قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا"؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ"؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1 فِي الْحُدُودِ فِي بَابِ ظَهْرُ الْمُؤْمِنِ حِمًى عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "أَلَا أَيُّ شَهْرٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً"؟ قَالُوا: أَلَا شَهْرُنَا هَذَا، قَالَ: "أَلَا أَيُّ بَلَدٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً"؟ قَالُوا: أَلَا بَلَدُنَا هَذَا، قَالَ: " أَلَا أَيُّ يَوْمٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً"؟ قَالُوا: أَلَا يَوْمُنَا هَذَا قَالَ: "فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، إلَّا بِحَقِّهَا، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْت"، مُخْتَصَرٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 في الحج بَابِ الْخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا"؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا"؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: "فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا"؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا" ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 فِي الْفِتَنِ حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ دِهْقَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زَكَرِيَّا عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ، إلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا، أَوْ مُؤْمِنًا قَتَلَ مُؤْمِنًا عمداً"، فقال هانىء بْنُ كُلْثُومٍ: سَمِعْتُ مَحْمُودَ بْنَ الرَّبِيعِ يُحَدِّثُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا فَاعْتَبَطَ4 بِقَتْلِهِ، لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا"، قَالَ لَنَا خَالِدٌ: ثُمَّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَكَرِيَّا عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ معنقاً5 صالحاً، مالم يُصِبْ دَمًا حَرَامًا، فَإِذَا أَصَابَ دَمًا حَرَامًا بَلَّحَ"، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْحُدُودِ1 وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. وَبَعْضُهُ فِي الْبُخَارِيِّ وَأَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لايزال الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الْمُحَارَبَةِ2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ صَفْوَانَ بْن عِيسَى عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَائِذِ اللَّهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ، إلَّا الرَّجُلَ يَمُوتُ كَافِرًا، أَوْ الرَّجُلَ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ3 عَنْ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ مَوْقُوفًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ من حديث ابن عَدِيٍّ، انْتَهَى. قُلْتُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الدِّيَاتِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ مَرْفُوعًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى4 ذَكَرْنَاهَا فِي أَحَادِيثِ الْكَشَّافِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ5 عَنْ أَبِي الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرَانِ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ، وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ، لَأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ الْخُدْرِيِّ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ في معجمه الوسط عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ6 عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ
كَلِمَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى"، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَلَهُ طُرُقٌ أخرى، ذكرناها فِي أَحَادِيثِ الْكَشَّافِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 فِي الْحُدُودِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إذَا أَصْبَحَ إبْلِيسُ بَثَّ جُنُودَهُ، فَيَقُولُ: مَنْ أَضَلَّ الْيَوْمَ مُسْلِمًا أَلْبَسْته التَّاجَ، فَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى عَقَّ وَالِدَيْهِ، فَيَقُولُ: يُوشِكُ أَنْ يَبَرَّهُمَا، وَيَجِيءُ الْآخَرُ فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى طَلَّقَ زَوْجَتَهُ، فَيَقُولُ: يُوشِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَ، فَذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ، إلَى أَنْ قَالَ: وَيَقُولُ الْآخَرُ لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى قَتَلَ، فَيَقُولُ أَنْتَ أَنْتَ، وَيُلْبِسُهُ التَّاجَ"، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرْنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يَحُولَنَّ بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ وَهُوَ يَرَى بَابَهَا مِلْءُ كَفٍّ مِنْ دَمِ امرىء مُسْلِمٍ أَهْرَاقَهُ، بِغَيْرِ حِلِّهِ"، مُخْتَصَرٌ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ2 مِنْ قَوْلِ جُنْدُبٍ أَنَّ أَصْحَابَهُ قَالُوا لَهُ: أَوْصِنَا، فَقَالَ: أَوَّلُ مَا يُنْتِنُ مِنْ الْإِنْسَانِ بَطْنُهُ، فَمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا طَيِّبًا، فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ بِمِلْءِ كَفٍّ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ , فَلْيَفْعَلْ، أَخْرَجَهُ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ. الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "الْعَمْدُ قَوَدٌ". قُلْتُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا، قَالَ الْأَوَّلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَقَالَ الثَّانِي: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، قَالَا: ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعَمْدُ قَوَدٌ، إلَّا أَنْ يَعْفُوَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ"، انْتَهَى. لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَزَادَ إسْحَاقُ: وَالْخَطَأُ عقل لاقود فِيهِ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ قَتِيلُ الْعَصَا وَالْحَجَرِ، وَرَمْيِ السَّهْمِ فِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً مِنْ أَسْنَانِ الْإِبِلِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 بِلَفْظِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَكَذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ4 عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قُتِلَ في عمياء، أو رمياء تَكُونُ بَيْنَهُمْ بِحِجَارَةٍ، أَوْ بِالسِّيَاطِ، أَوْ ضَرْبٍ بِعَصًا، فَهُوَ خَطَأٌ، وَعَقْلُهُ عَقْلُ الْخَطَإِ، وَمَنْ قَتَلَ عَمْدًا، فَهُوَ قَوَدٌ، وَمَنْ حَالَ دُونَهُ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ، وَلَا عَدْلٌ" , انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ حَزْمٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ1 مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بن عمرو عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْعَمْدُ قَوَدٌ، وَالْخَطَأُ دِيَةٌ"، انْتَهَى. وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِجَدِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو فَهُوَ مُرْسَلٌ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ2 فِي تَرْجَمَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وُلِدَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ عَشْرٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَقَالَ لِأَبِيهِ عَمْرٍو: سَمِّهِ مُحَمَّدًا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "لاميراث لِلْقَاتِلِ". قُلْت: روي من حديث أبي هريرة، ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ومن حديث عمر، ومن حديث ابن عباس. فحديث أبي هريرة: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 فِي الْفَرَائِضِ وَابْنُ مَاجَهْ فِيهِ وَفِي الدِّيَاتِ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ تَرَكَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، انْتَهَى. وَعَزَا شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ هَذَا الْحَدِيثَ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ إلَى النَّسَائِيّ، وَلَمْ أَجِدْهُ، وَلَا عَزَاهُ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ، مَعَ أَنَّ الشَّيْخَ، وَاَلَّذِي قَلَّدَهُ تَرَكَا ابْنَ مَاجَهْ، لَكِنِّي وَجَدْت الدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ4 رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ النَّسَائِيّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إسْحَاقُ مَتْرُوكٌ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ فِي مَشَايِخِ اللَّيْثِ لِئَلَّا يُتْرَكَ مِنْ الْوَسَطِ انْتَهَى. فَلَعَلَّهُ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد5 فِي الدِّيَاتِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ
يُقَوِّمُ دِيَةَ الْخَطَإِ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ، إلَى أَنْ قَالَ فِي آخِرِهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، فَوَارِثُهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ، وَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا"، مُخْتَصَرٌ. وَمُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ الدِّمَشْقِيُّ فِيهِ مَقَالٌ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ مَرْفُوعًا، لَيْسَ لِلْقَاتِلِ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ، انْتَهَى. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ"، قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَيَّاشٍ خَطَأٌ، انْتَهَى. وَضَعَّفَ ابْنُ الْقَطَّانِ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، مِنْ غَيْرِ الشَّامِيِّينَ، وَهِيَ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَغَيْرِهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ1 فِي الدِّيَاتِ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ قتل ابنه، فَأَخَذَ مِنْهُ عُمَرُ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ: ثَلَاثِينَ حِقَّةً، وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً، فقال أين أخو الْمَقْتُولِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَيْسَ لِقَاتِلٍ مِيرَاثٌ" , انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ، وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ رَوَاهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ: هُوَ الصَّوَابُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عُمَرَ فِيهِ انْقِطَاعٌ، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْن أَبِي دَاوُد ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ بِأَنَّ سَعِيدًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ إلَّا نَعْيَهُ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ مُطْلَقًا، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ بِمُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ هَذَا، قَالَ: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَأَقَرَّهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا3 عَنْ أَبِي حَمَّةَ عَنْ أَبِي قُرَّةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوُهُ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِأَبِي حَمَّةَ، وَبِاللَّيْثِ، قَالَ: وَأَبُو حَمَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو يُوسُفَ، قَالَ: وَلَا أَعْرِفُ حاله4 وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ
إلَّا ابْنَ الْجَارُودِ فِي كِتَابِ الْكُنَيْ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ حَالًا، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: وَأَبُو قُرَّةَ هَذَا أَظُنُّهُ مُوسَى بْنَ طَارِقٍ، وَكَانَ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَيْثٌ هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ1 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عُمَرَ الْمَدَنِيُّ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَيْبَةَ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْأَشْجَعِيُّ، قَالَ: كُنْت أُدَاعِبُ امْرَأَتِي، فَأَصَابَتْ يَدِي بَطْنَهَا فَمَاتَتْ وَذَلِكَ فِي غَزْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ فَأَتَيْتُهُ، فَأَخْبَرْته عَنْ امْرَأَتِي، وَأَنِّي أَصَبْتهَا خَطَأً، فَقَالَ: "لَا تَرِثْهَا"، انْتَهَى. حَدِيثٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ: رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ2 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَا: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَقَالَ: مُحَمَّدُ بْن يَحْيَى عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَقَالَ: "لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ، وَالْمَرْأَةُ تَرِثُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا وَمَالِهِ، وَهُوَ يَرِثُ من دينها وَمَالِهَا، مَا لَمْ يَقْتُلْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَمْدًا، فَإِنْ قَتَلَ صَاحِبَهُ عَمْدًا لَمْ يَرِثْ مِنْ دِيَتِهِ وَمَالِهِ شَيْئًا، وَإِنْ قَتَلَ صَاحِبَهُ خَطَأً وَرِثَ مِنْ مَالِهِ، وَلَمْ يَرِثْ مِنْ دِيَتِهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ هَذَا هُوَ الطَّائِفِيُّ، وَهُوَ ثِقَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ: وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ هَذَا أَظُنُّهُ الصَّلْتَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ كَلَامَ الدَّارَقُطْنِيِّ، أَوْ يَكُونُ تَوْثِيقُ الدَّارَقُطْنِيِّ لَهُ سَاقِطًا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ مَاجَهْ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ بِالْوَاوِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي أَطْرَافِ ابْنِ عَسَاكِرَ وَهُوَ خَطَأٌ، نَبَّهَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ، وَفَرَّقَ شَيْخُنَا فِي التَّهْذِيبِ بَيْنَ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ، وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الطَّائِفِيِّ، وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ الطَّائِفِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ مَجْرُوحٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يروي عن الثقات مالا يُشْبِهُ حَدِيثَ الْأَثْبَاتِ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَهَذَا خَطَأٌ، فَإِنَّ الْحَسَنَ بْنَ صَالِحٍ هَذَا هُوَ ابْنُ حُيَيِّ، وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ، الْمُخْرَجِ لَهُمْ فِي الصَّحِيحِ، وَاَلَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ هُوَ آخَرُ، مُخْتَلَفٌ فِي نِسْبَتِهِ، يَرْوِي عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ. وَيُقَالُ لَهُ: الْعِجْلِيّ،
وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الضُّعَفَاءِ، وَحَكَى كَلَامَ ابْنِ حِبَّانَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَشَرَةٌ، لَيْسَ فِيهِمْ مَجْرُوحٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ: قَتِيلُ السَّوْطِ، وَالْعَصَا، وَفِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَلَا إنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ: مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَعُقْبَةُ بْنُ أَوْسٍ وَثَّقَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَالْعِجْلِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ مَعَ جَلَالَتِهِ، والقاسم وَثَّقَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَابْنُ حِبَّانَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا عَنْ خَالِدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ خَالِدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عُقْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرْسَلًا، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي الْحُدُودِ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عن القاسم بن ربيعة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عُقْبَةَ بْنَ أَوْسٍ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَلَا يَضُرُّهُ الِاخْتِلَافُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ وَعُقْبَةُ بْنُ أَوْسٍ بَصْرِيٌّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ، فَكَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: "لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصْرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، أَلَا إنَّ كُلَّ مَأْثَرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ تَحْتَ قَدَمَيَّ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ سِقَايَةِ الْحَاجِّ، وَسِدَانَةِ الْبَيْتِ"، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا إنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ، مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا، مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ: مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَرَوَاهُ ابْنُ
أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِيهِمَا، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرزاق رواه الطبراني فيمعجمه، والدارقطني فِي سُنَنِهِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَهُوَ حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، لِضَعْفِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرْنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "شِبْهُ الْعَمْدِ قَتِيلُ الْحَجَرِ وَالْعَصَا، فِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ، مِنْ أَسْنَانِ الْإِبِلِ" مُخْتَصَرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "عَقْلُ شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظٌ، مِثْلُ عَقْلِ الْعَمْدِ، وَلَا يُقْتَلُ صَاحِبُهُ، وَذَلِكَ أَنْ يَنْزُوَ الشَّيْطَانُ بَيْنَ النَّاسِ، فيكون رمياً في عمياء فِي غَيْرِ ضَغِينَةٍ وَلَا سِلَاحٍ"، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ يُعْرَفُ بِالْمَكْحُولِ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: إذَا حَدَّثَ عَنْهُ ثِقَةٌ فَحَدِيثُهُ مُسْتَقِيمٌ، انْتَهَى. وَهَذَا دَاخِلٌ فِي الْأَوَّلِ. حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الدِّيَاتِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا شِبْهُ عَمْدٍ، فِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا"، انْتَهَى. الْآثَارُ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا، قَالَ: قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا شِبْهُ عَمْدٍ، وَأَخْرَجَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ قَالُوا: مَا أَصَبْت بِهِ مِنْ حَجَرٍ، أَوْ سَوْطٍ، أَوْ عَصًا فَأَتَى عَلَى النَّفْسِ، فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَفِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ، وَأَخْرَجَ عَنْ إبْرَاهِيمِ النَّخَعِيّ، قَالَ: شِبْهُ الْعَمْدِ كُلُّ شَيْءٍ تَعَمَّدَ بِهِ بِغَيْرِ حَدِيدٍ، وَلَا يَكُونُ شِبْهُ الْعَمْدِ إلَّا فِي النَّفْسِ، وَلَا يَكُونُ دُونَ النَّفْسِ، انْتَهَى. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَعْنِي الْقَتْلَ بِالْمُثَقَّلِ: مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال: قال سول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قُتِلَ فِي عمياء أو رمياء بحجر أو سوطاً، أَوْ عَصًا، فَعَلَيْهِ عَقْلُ الْخَطَإِ"، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، لَكِنَّهُ رُوِيَ مُرْسَلًا.
وَحَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: كُلُّ شَيْءٍ خَطَأٌ، إلَّا السَّيْفَ، وَفِي كُلِّ خَطَأٍ، أَرْشٌ، رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي عَازِبٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ: وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ وَرْقَاءَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَرَاكٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، مَرْفُوعًا: كُلُّ شَيْءٍ خَطَأٌ إلَّا مَا كَانَ بِحَدِيدَةٍ، وَلِكُلِّ خَطَإٍ أَرْشٌ، انْتَهَى. وَمُسْلِمُ بْنُ أَرَاكٍ هُوَ أَبُو عَازِبٍ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: اسْمُهُ مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَأَبُو عَازِبٍ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَالْحَدِيثُ مَدَارُهُ عَلَى جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَقَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَهُمَا غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِمَا، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ بِحَدِيثِ أَنَسٍ1 أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَخَ رَأْسَ امْرَأَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَقَتَلَهَا، فَرَضَخَ عليه السلام رَأْسَهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا يُخْبِرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ نَشَدَ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنِينِ، فَجَاءَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ، فَقَالَ كُنْت بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ، فَضَرَبْت إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمِسْطَحٍ فَقَتَلَتْهَا وَجَنِينَهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِهَا بِغُرَّةٍ، وَأَنْ تُقْتَلَ بِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ3: وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَذَكَرَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ شَكَّ فِي قَتْلِ الْمَرْأَةِ بِالْمَرْأَةِ، فَأَخْبَرَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِدِيَتِهَا، وَبِغُرَّةٍ فِي جَنِينِهَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ4 مِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ علاقة عن مِرْدَاسٍ أَنَّ رَجُلًا رَمَى رَجُلًا بِحَجَرٍ فَقَتَلَهُ، فَأَقَادَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، لِقَضِيَّةِ عُمَرَ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَعَنْ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَا: أَوَّلُ مَنْ فَرَضَ الْعَطَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَفَرَضَ فِيهِ الدِّيَةَ كَامِلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، ثُلُثَا الدِّيَةِ فِي سَنَتَيْنِ، وَالنِّصْفُ فِي سَنَتَيْنِ، وَالثُّلُثُ فِي سَنَةٍ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ فِي عَامِهِ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أُخْبِرْتُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَعَلَ الدِّيَةَ الْكَامِلَةَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَجَعَلَ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي سَنَتَيْنِ، وَمَا دُونَ النِّصْفِ فِي سَنَةٍ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الدِّيَةَ فِي الْأَعْطِيَةِ فِي ثَلَاثِ سنين والنصف فِي سَنَتَيْنِ، وَالثُّلُثَ فِي سَنَةٍ، وَمَا دُونَ الثُّلُثِ فَهُوَ فِي عَامِهِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: الدِّيَةُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا عَلَى أَهْلِ الدَّرَاهِمِ، وَعَلَى أَهْلِ الدَّنَانِيرِ أَلْفُ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَا شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ، وَقَضَى بِالدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثٌ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ فِي عَطِيَّاتِهِمْ، وَقَضَى بِالثُّلُثَيْنِ فِي سَنَتَيْنِ وَثُلُثٍ فِي سَنَةٍ، وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَهُوَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ1: وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ، انْتَهَى.
باب ما يوجب القصاص
باب ما يوجب القصاص الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 فِي كِتَابِ الْعِلْمِ، وَفِي مَوْضِعَيْنِ فِي الدِّيَاتِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: سَأَلْت عَلِيًّا هَلْ عندكم شيء مما لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ3 عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا، وَالْأَشْتَرُ إلَى عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه، فَقُلْت لَهُ: هَلْ عَهِدَ إلَيْك رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً؟ قَالَ: لَا، إلَّا مَا فِي كِتَابِي هَذَا، فَأَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ، فَإِذَا فِيهِ: الْمُؤْمِنُونَ تَكَافَأَ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ،
وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، أَلَا لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: سَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد أَيْضًا، وَابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ"، انْتَهَى. قال فيالتنقيح: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ حَدَّثَنَا الدَّارِمِيُّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: وُجِدَ فِي قَائِمَةِ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُؤْمِنُونَ تَكَافَأَ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ"، مُخْتَصَرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي السِّيَرِ. حَدِيثٌ آخَرُ: فِي الْبَابِ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ2 عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَحِلُّ قَتْلُ مُسْلِمٍ إلَّا فِي إحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: زَانٍ مُحْصَنٌ، فَيُرْجَمُ، وَرَجُلٌ يَقْتُلُ مُسْلِمًا مُتَعَمِّدًا، أَوْ رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ فَيُحَارِبُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَيُقْتَلُ، أَوْ يُصْلَبَ، أَوْ يُنْفَى مِنْ الْأَرْضِ"، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: هُوَ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، انْتَهَى. وَفِي هَذَا اللَّفْظِ بَيَانٌ لِلْمُجْمَلِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَدْ يَأْخُذُ الْحَنَفِيَّةُ بِهَذَا فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ بالذمي، والحر ب3العبد، وَلَمْ يَعْتَذِرْ عَنْهُ بِشَيْءٍ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ، قُلْت: رُوِيَ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا. فَالْمُسْنَدُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ4 عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَطَرٍ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ مُسْلِمًا بِمُعَاهَدٍ، وَقَالَ: "أَنَا أَكْرَمُ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَالصَّوَابُ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، مُرْسَلٌ، وَابْنُ الْبَيْلَمَانِيِّ ضَعِيفٌ، لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ إذَا وَصَلَ الْحَدِيثَ، فَكَيْفَ بِمَا يُرْسِلُهُ! ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرْسَلٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ5 وَقَالَ: حَدِيثُ عَمَّارِ بْنِ مَطَرٍ هَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وَصْلُهُ، وَذِكْرُ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ،
وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ النَّبِيِّ، مُرْسَلٌ، وَالْآخَرُ رِوَايَةً عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ رَبِيعَةَ، وَإِنَّمَا يَرْوِيهِ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَى عَمَّارِ بْنِ مَطَرٍ الرَّهَاوِيِّ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقْلِبُ الْأَسَانِيدَ، وَيَسْرِقُ الْأَحَادِيثَ حَتَّى كَثُرَ ذَلِكَ فِي رِوَايَاتِهِ، وَسَقَطَ عَنْ حَدِّ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَرَاوِيهِ غَيْرُ ثِقَةٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا الْمُرْسَلُ: فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْحَضْرَمِيِّ، فَمُرْسَلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتَلَ معاهد مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَدَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَقَالَ: "أَنَا أَوْلَى مَنْ أَوْفَى بِذِمَّتِهِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بِهِ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَنْبَأَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبٍ كَاتِبِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بِهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَحَبِيبٌ هَذَا ضَعِيفٌ، وَلَا يَصِحُّ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْبَيْلَمَانِيِّ وَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ، وَضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ، وَإِنَّمَا اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ انْتَهَى. وَأَمَّا مُرْسَلُ الْحَضْرَمِيِّ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صَالِحٍ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ، قَتَلَهُ غِيلَةً، وَقَالَ: "أَنَا أَوْلَى، أَوْ أَحَقُّ مَنْ أَوْفَى بِذِمَّتِهِ"، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: فِي كِتَابِهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذَانِ مَجْهُولَانِ، وَلَمْ أَجِدْ لَهُمَا ذِكْرًا، انْتَهَى. وَنَقَلَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ1 عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ عليه السلام فِي زَمَنِ الْفَتْحِ: "لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ" , ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ عَنْ الْوَاقِدِيِّ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ عَنْ خرنيق بِنْتِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، قَالَ: قَتَلَ خراش بن أمية بعد ما نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْقَتْلِ، فَقَالَ: " لَوْ كُنْتُ قَاتِلًا مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ لَقَتَلْتُ خِرَاشًا بِالْهُذَلِيِّ" , يَعْنِي لَمَّا قَتَلَ خِرَاشٌ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ: وَهَذَا الْإِسْنَادُ، وَإِنْ كَانَ وَاهِيًا، وَلَكِنَّهُ أَمْثَلُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، قَالَ: هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ الْفَتْحِ، قَالَ: وَحَدِيثُنَا مُتَّصِلٌ، وَحَدِيثُ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ مُنْقَطِعٌ، لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ نَقْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ: قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْبَيْلَمَانِيِّ رَوَى أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ قَتَلَ كَافِرًا، كَانَ لَهُ عَهْدٌ إلَى مُدَّةٍ، وَكَانَ الْمَقْتُولُ رَسُولًا، فَقَتَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ، قَالَ: وَهَذَا خَطَأٌ، فَإِنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَهْرًا، وَعَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ قَتَلَ رَجُلَيْنِ وَدَاهَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ لَهُ: "قَتَلْتَ رَجُلَيْنِ لَهُمَا مِنِّي عَهْدٌ لَأَدِيَنَّهُمَا"، انْتَهَى. الْآثَارُ: رَوَى الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ الْأَسَدِيُّ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي الْجَنُوبِ الْأَسَدِيِّ قَالَ: أُتِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ: فَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَجَاءَ أَخُوهُ، فَقَالَ: قَدْ عَفَوْتُ، فَقَالَ: لَعَلَّهُمْ فَزَّعُوكَ، أَوْ هَدَّدُوكَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّ قَتْلَهُ، لَا يَرُدُّ عَلَيَّ أَخِي، وَعَوِّضُونِي، قَالَ: أَنْتَ أَعْرَفُ، مَنْ كَانَ لَهُ ذِمَّتُنَا، فَدَمُهُ كَدَمِنَا، وَدِيَتُهُ كَدِيَتِنَا انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَحُسَيْنُ بن ميمون هو الخندقي، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، قَلَّ مَنْ رَوَى عَنْهُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ: رُبَّمَا يخطىء، قَالَ: وَنَحْمِلُهُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: وَدَمُهُ مُحَرَّمٌ كَتَحْرِيمِ دِمَائِنَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ عَلِيٍّ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا لَا يَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا يَقُولُ بِخِلَافِهِ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ رَجُلًا مُسْلِمًا قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ، فَأَقَادَ مِنْهُ عُمَرُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ، فَكَتَبَ فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُرْفَعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا، وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا، فَدُفِعَ الرَّجُلُ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: حُنَيْنٌ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ، فَقَتَلَهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ لَمْ يُقْتَلْ، فَلَا تَقْتُلُوهُ، فَرَأَوْا أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يُرْضِيَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ، انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: شَهِدْتُ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدِمَ إلَى أَمِيرِ الْحِيرَةِ، أَوْ قَالَ أَمِيرِ الْجَزِيرَةِ فِي رَجُلٍ مُسْلِمٍ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ: أَنْ ادْفَعْهُ إلَى وَلِيِّهِ، فَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، قَالَ: فَدَفَعَهُ إلَيْهِ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَأَنَا أَنْظُرُ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ1 حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: مَرَرْتُ بِالْبَقِيعِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ عُمَرُ، فَوَجَدْتُ أَبَا لُؤْلُؤَةَ، وَالْهُرْمُزَانَ، وَجُفَيْنَةَ يَتَنَاجَوْنَ، فَلَمَّا رَأَوْنِي ثَارُوا، فَسَقَطَ مِنْهُمْ خِنْجَرٌ لَهُ رَأْسَانِ، وَنِصَابُهُ وَسَطُهُ، فَلَمَّا قُتِلَ عُمَرُ رَآهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَإِذَا هُوَ الْخِنْجَرُ الَّذِي وَصَفَهُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَانْطَلَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ، وَمَعَهُ السَّيْفُ، فَقَتَلَ الْهُرْمُزَانَ، وَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ السَّيْفِ، قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَعَدَا عَلَى جُفَيْنَةَ، وَكَانَ مِنْ نَصَارَى الْحِيرَةِ، فَقَتَلَهُ، وَانْطَلَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ إلَى ابْنَةِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ صَغِيرَةٍ تَدَّعِي الْإِسْلَامَ فَقَتَلَهَا، وَأَرَادَ أَنْ لَا يَتْرُكَ مِنْ السَّبْيِ يَوْمَئِذٍ أَحَدًا إلَّا قَتَلَهُ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْمُهَاجِرُونَ، فَزَجَرُوهُ، وَعَظَّمُوا عَلَيْهِ مَا فَعَلَ، وَلَمْ يَزَلْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَتَلَطَّفُ بِهِ حَتَّى أَخَذَ مِنْهُ السَّيْفَ، فَلَمَّا اُسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ دَعَا الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ، وَقَالَ لَهُمْ: أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي فَتَقَ فِي الدِّينِ مَا فَتَقَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ، وَبَعْضُ الصَّحَابَةِ بِقَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَقَالَ جُلِّ النَّاسِ: أَبْعَدَ اللَّهُ جُفَيْنَةَ، وَالْهُرْمُزَانَ، أَتُرِيدُونَ أَنْ تُتْبِعُوا عُبَيْدَ اللَّهِ أَبَاهُ، إنَّ هَذَا الرَّأْيَ سُوءٌ، وَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ هَذَا قَدْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ لَك عَلَى النَّاسِ سُلْطَانٌ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَلَى كَلَامِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَوَدَى الرَّجُلَيْنِ، وَالْجَارِيَةَ، فَلَمَّا وَلِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَرَادَ قَتْلَهُ، فَهَرَبَ مِنْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ، فَقُتِلَ أَيَّامَ صِفِّينَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ أَشَارُوا عَلَى عُثْمَانَ بِقَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَقَدْ قَتَلَ الْهُرْمُزَانَ، وَجُفَيْنَةَ، وَهُمَا ذِمِّيَّانِ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا أَشَارُوا عَلَيْهِ لِقَتْلِهِ ابْنَةَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ صَغِيرَةً تَدَّعِي الْإِسْلَامَ لَا لِقَتْلِهِ الْهُرْمُزَانَ، وَجُفَيْنَةَ، قُلْنَا: قَوْلُهُمْ لَهُ: أَبْعَدَ اللَّهُ جُفَيْنَةَ، وَالْهُرْمُزَانَ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ قَتْلَهُ بِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ لِمَذْهَبِهِ بِخَبَرِ الْهُرْمُزَانِ، وَجُفَيْنَةَ، وَأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَتَلَهُمَا، فَأَشَارَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَفِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِقَتْلِهِ بِهِمَا، وَكَانَا ذِمِّيَّيْنِ، وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَتَلَ ابْنَةً صَغِيرَةً لِأَبِي لُؤْلُؤَةَ، تَدَّعِي الْإِسْلَامَ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَأَيْضًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْهُرْمُزَانَ كَانَ يَوْمَئِذٍ كَافِرًا، بَلْ كَانَ أَسْلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْبَرَنَا، وَأَسْنَدَ عَنْ الشَّافِعِيِّ ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: حَاصَرْنَا تُسْتَرَ، فَنَزَلَ الْهُرْمُزَانُ عَلَى حُكْمِ عُمَرَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي قُدُومِهِ عَلَى عُمَرَ، وَأَمَانِهِ لَهُ، قَالَ أَنَسٌ، فَأَسْلَمَ الْهُرْمُزَانُ، وَفَرَضَ لَهُ عُمَرُ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: فَرَضَ عُمَرُ لِلْهُرْمُزَانِ دِهْقَانِ الْأَهْوَازِ أَلْفَيْنِ حِينَ أَسْلَمَ،
وَكَوْنُهُ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ حِينَ مَسَّهُ السَّيْفُ، كَانَ إمَّا تَعَجُّبًا، أَوْ نَفْيًا لِمَا اتَّهَمَهُ بِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: وَأَمَّا أَنَّ عَلِيًّا مِمَّنْ أَشَارَ بِقَتْلِهِ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ، لَا يَثْبُتُ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ". قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. فَحَدِيثُ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ1 فِي الدِّيَاتِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مَسَانِيدِهِمْ قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي حَجَّاجٍ: صَدُوقٌ، لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، يُدَلِّسُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ العرزمي عن عمر بْنِ شُعَيْبٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: كَانَ الْحَجَّاجُ يُدَلِّسُ، فَيُحَدِّثُنَا بِالْحَدِيثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مِمَّا يُحَدِّثُهُ الْعَرْزَمِيُّ، وَالْعَرْزَمِيُّ مَتْرُوكٌ، قَالَ: وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَ قِصَّةً، وَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يُقَادُ الْأَبُ مِنْ ابْنِهِ" لَقَتَلْتُكَ، هَلُمَّ دِيَتَهُ، فَأَتَاهُ بِهَا، فَدَفَعَهَا إلَى وَرَثَتِهِ، وَتَرَكَ أَبَاهُ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَالْبَيْهَقِيُّ رَوَاهُ كَذَلِكَ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَكَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عِيسَى الْقُرَشِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَتْ جَارِيَةٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَتْ: إنَّ سَيِّدِي اتَّهَمَنِي، فَأَقْعَدَنِي عَلَى النَّارِ، حَتَّى أَحْرَقَ فَرْجِي، فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: هَلْ رَأَى ذَلِكَ مِنْك؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: فَاعْتَرَفْت لَهُ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: لَا، فَقَالَ عُمَرُ: عَلَيَّ بِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَتُعَذِّبُ بِعَذَابِ اللَّهِ؟! قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اتَّهَمْتهَا فِي نَفْسِهَا، قَالَ: هَلْ رَأَيْتَ ذَلِكَ عَلَيْهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاعْتَرَفَتْ لَك بِهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ أَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يُقَادُ مَمْلُوكٌ مِنْ مَالِكٍ، وَلَا وَلَدٌ مِنْ وَالِدِهِ" لَأَقَدْتهَا مِنْك، ثُمَّ بَرَزَهُ، فَضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: اذْهَبِي، فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَنْتِ مَوْلَاةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، أَخْرَجَهُ فِي الْعِتْقِ وَفِي الْحُدُودِ وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: فَقَالَ:
عُمَرُ بْنُ عِيسَى القرشي، منكر الحديث، قُلْت: أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي ضُعَفَائِهِ، وَأَعَلَّاهُ بِعُمَرَ بْنِ عِيسَى، وَأَسْنَدَا عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا1 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، إلَّا مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ وَقَالَ إنَّهُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. قُلْت: تَابَعَهُ قَتَادَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ. فَحَدِيثُ قَتَادَةَ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِهِ. وَحَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 عَنْهُ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَسَكَتَ. وَحَدِيثُ الْعَنْبَرِيِّ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا3 عَنْهُ عَنْ عَمْرٍو بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ سُرَاقَةَ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ4 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، قَالَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِيدُ الْأَبَ مِنْ ابْنِهِ وَلَا يُقِيدُ الِابْنَ مِنْ أَبِيهِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ، وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِصَحِيحٍ، وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نُقِيدُ الْأَبَ مِنْ ابْنِهِ، وَلَا نُقِيدُ الِابْنَ مِنْ أَبِيهِ"، انْتَهَى. قَالَ: وَالْمُثَنَّى، وَابْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفَانِ، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: حَدِيثُ سُرَاقَةَ فِيهِ الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ، وَفِي لَفْظِهِ اخْتِلَافٌ، فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَوَاهُ بِعَكْسِ لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ رِوَايَةِ حَجَّاجٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عُمَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ، فَقَالَ: حَدِيثُ إسْمَاعِيلَ بن عياش إن أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَأَهْلِ الْحِجَازِ شِبْهُ لَا شَيْءَ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حديث حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ1 عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ ثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يُقَادُ وَالِدٌ مِنْ وَلَدِهِ"، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَابْنُ لَهِيعَةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَمْ يَسْمَعْ ابْنُ لَهِيعَةَ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ شَيْئًا، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ الْيَمَانِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَمُحَمَّدٌ، وَيَعْقُوبُ لَا يُحْتَجُّ بِهِمَا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، إلَى أَنْ قَالَ فِيهِ: عَنْ جَدِّهِ عَنْ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، فَيُنْظَرُ مُسْنَدُ أَحْمَدَ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ، وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا"، انْتَهَى. وَيَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ ضَعِيفٌ جِدًّا. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: " لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ. فَحَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ3 عَنْ الْحُرِّ بْنِ مَالِكٍ عَنْ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَا قود إلا بالسيف، اتتهى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: عَنْ أَبِي بَكْرَةَ إلَّا الْحُرَّ بْنَ مَالِكٍ، وَكَانَ لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَحْسَبُهُ أَخْطَأَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّ النَّاسَ يَرْوُونَهُ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا، انْتَهَى. قُلْت: بَلْ تَابَعَهُ الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا4 فَأَخْرَجَاهُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ الْأَيْلِيِّ عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِالْوَلِيدِ، وَقَالَ: أَحَادِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ لا يحتج به، قُلْت: أَخْرَجَ لَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَوَثَّقَهُ، وَالْمُرْسَلُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْبَزَّارُ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْحَسَنِ، مَرْفُوعًا: لَا قَوَدَ إلَّا بِحَدِيدَةٍ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ أَشْعَثَ، وَعَمْرٌو عَنْ الْحَسَنِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ النُّعْمَانِ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا1 عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي عَازِبٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ" , انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَلَفْظُهُ، قَالَ: الْقَوَدُ بِالسَّيْفِ، وَلِكُلِّ خَطَأٍ أَرْشٌ، وَقَالَ: لَا نعلم رَوَاهُ عَنْ النُّعْمَانِ إلَّا أبو عَازِبٍ وَلَا عَنْ أَبِي عازب إلا جابر الْجُعْفِيَّ، انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: وَأَبُو عَازِبٍ مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو لا أعلم روى عنه إلا جابر الْجُعْفِيَّ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ فَقَدْ وَثَّقَهُ الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَنَاهِيكَ بِهِمَا، فَكَيْفَ يَقُولُ هَذَا، ثُمَّ يَحْكِي الِاتِّفَاقَ عَلَى ضَعْفِهِ؟! هَذَا تَنَاقُضٌ بَيِّنٌ، قَالَ: وَأَبُو عَازِبٍ اسْمُهُ مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو، وَقَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: اسْمُهُ مُسْلِمُ بْنُ أَرَاكٍ، كَمَا تَقَدَّمَ تَسْمِيَتُهُ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي حَدِيثِ الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَطُرُقُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَبِهَذَا الْإِسْنَادُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا بِلَفْظِ: كُلُّ شَيْءٍ خَطَأٌ إلَّا السَّيْفَ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بِلَفْظِ: كُلُّ شَيْءٍ خَطَأٌ إلَّا السَّيْفَ، وَالْحَدِيدَةَ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: قَالَ: لَا عَمْدَ إلَّا بِالسَّيْفِ، وَسَيَأْتِي، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ2 حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ السَّمَيْدَعِ الْأَنْطَاكِيُّ ثَنَا مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ النَّصِيبِيُّ ثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي معن عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ سَوَاءً، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ الْكَرِيمِ، وَضَعَّفَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 فِي الْحُدُودِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرَقْمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ سَوَاءٌ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِسُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ، وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَأَبِي دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، قَالُوا: هُوَ مَتْرُوكٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا1 عَنْ مُعَلَّى بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا قَوَدَ فِي النَّفْسِ وَغَيْرِهَا إلَّا بِحَدِيدَةٍ" , انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَمُعَلَّى بْنُ هِلَالٍ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَلِلشَّافِعِيِّ فِي الْمُمَاثَلَةِ بِالْقِصَاصِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ: إنَّمَا سَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَ الْعُرَنِيِّينَ لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2 وَبِحَدِيثِ الْيَهُودِيِّ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا أَنَّ جَارِيَةً مِنْ الْأَنْصَارِ، قَتَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ، عَلَى حُلِيٍّ لَهَا، رَضَّ رَأْسَهَا بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَسَأَلُوهَا مَنْ صَنَعَ بِك هَذَا؟ فُلَانٌ؟ فُلَانٌ؟ حَتَّى ذَكَرُوا لَهَا يَهُودِيًّا، فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ، فَأَقَرَّ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرُضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ3 فِي بَابِ الْإِشَارَةِ فِي الطَّلَاقِ هَكَذَا، وَفِيهِ أَنَّهُ أَقَرَّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَلَا يُعَارَضُ هَذَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ، فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا4 لِأَنَّ الرَّجْمَ، وَالرَّضَّ، وَالرَّضْخَ كُلَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الضَّرْبِ بِالْحِجَارَةِ، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ فِيهِ أَيْضًا دَعْوَى النَّسْخِ، لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ تَارِيخٌ، وَلَا سَبَبَ يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ، قَالَ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ، بِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ ابْتِدَاءً، لَا عَلَى طَرِيقِ الْمُكَافَأَةِ، انْتَهَى. قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ: وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} ، وَبِقَوْلِهِ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي الْمُكَاتَبِ يَتْرُكُ وَفَاءً، هَلْ يَمُوتُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا؟ قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْمُكَاتَبِ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ -وَيُرْوَى- شِبْهِ الْعَمْدِ"، قُلْت: تَقَدَّمَ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ"، قُلْت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ5 وَفِي الْمَعْرِفَةِ: أَنْبَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ إجَازَةً ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ مَنْصُورٍ
ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيِّ ثَنَا بِشْرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ يَزِيدَ بْن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ عَرَّضَ عَرَّضْنَا لَهُ1 وَمَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ، وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ"، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: فِي هَذَا الْإِسْنَادِ مَنْ يُجْهَلُ حَالُهُ، كَبِشْرٍ، وَغَيْرِهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ، قَتِيلُ السَّوْطِ، وَالْعَصَا، وَفِيهِ، وَفِي كُلِّ خَطَأٍ أَرْشٌ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَبِمَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مصنفهما، والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سننيهما2 عن جابر الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي عَازِبٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ شَيْءٍ خَطَأٌ إلَّا السَّيْفَ، وَلِكُلِّ خَطَأٍ أَرْشٌ"، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَأَعَلَّهُ بِأَبِي عَازِبٍ، وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَةٍ فِيهَا ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلطَّبَرَانِيِّ: كُلُّ شَيْءٍ خَطَأٌ إلَّا السَّيْفَ، وَالْحَدِيدَةَ. وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: حَدِيثُ: أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ، قَتِيلُ السَّوْطِ، وَالْعَصَا، وَفِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِجَمِيعِ طُرُقِهِ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَتْ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَمَانِ أَبِي حُذَيْفَةَ، قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّيَةِ، قُلْت: رُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ عُرْوَةَ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ، وَمُسْنَدًا عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الْوَاقِدِيِّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: قَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: لَمَّا انْصَرَفَ الرُّمَاةُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ، وَفِي آخِرِهِ: وَكَانَ الْيَمَانِ حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ، وَرِفَاعَةُ بْنُ وَقْشٍ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ قَدْ رُفِعَا فِي الْآطَامِ مَعَ النِّسَاءِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: مَا نَسْتَبْقِي مِنْ أَنْفُسِنَا، وَمَا الَّذِي بَقِيَ مِنْ أَجَلِنَا، فَلَوْ لَحِقْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُنَا الشَّهَادَةَ، فَفَعَلَا، فَأَمَّا رِفَاعَةُ، فَقَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ، وَأَمَّا الْيَمَانُ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ، وَحُذَيْفَةُ يَقُولُ: أَبِي أَبِي، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ، حَتَّى قَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِيَتِهِ أَنْ تُخْرَجَ، فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ بِدَمِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَزَادَهُ ذَلِكَ خَيْرًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، وَيُقَالُ: إنَّ الذي
أَصَابَهُ عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، مُخْتَصَرٌ، فَمُرْسَلُ عُرْوَةَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا مُطَرِّفٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: كَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ شَيْخًا كَبِيرًا، فَرُفِعَ فِي الْآطَامِ مَعَ النِّسَاءِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَخَرَجَ يَتَعَرَّضُ لِلشَّهَادَةِ، فَجَاءَ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَابْتَدَرَهُ الْمُسْلِمُونَ فَرَشَقُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ، وَحُذَيْفَةُ يَقُولُ: أَبِي أَبِي، فَلَا يَسْمَعُونَهُ مِنْ شُغُلِ الْحَرْبِ، حَتَّى قَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، قَالَ: وَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَادَتْ حُذَيْفَةَ عِنْدَهُ خَيْرًا، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، فَقَالَ فِيهِ: وَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَدِيَهُ، فَتَصَدَّقَ بِهِ حُذَيْفَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ حُذَيْفَةَ أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ ثَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: لَمَّا اخْتَلَطَ النَّاسُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَجَالُوا تِلْكَ الْجَوْلَةَ، اخْتَلَفَتْ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حُسَيْلٍ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ، فَضَرَبُوهُ بِسُيُوفِهِمْ، وَابْنُهُ حُذَيْفَةُ يَقُولُ: أَبِي أَبِي، فَلَمْ يَفْهَمُوا حَتَّى قَتَلُوهُ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِيَتِهِ أَنْ تُخْرَجَ، فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَزَادَهُ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَيُقَالُ: إنَّ الَّذِي أَصَابَهُ يَوْمَئِذٍ عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، انْتَهَى. وَأَمَّا مُرْسَلُ الزُّهْرِيِّ: فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ فِي بَابِ الْمَغَازِي حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عن ابن شهاب الزُّهْرِيِّ، فَذَكَرَ قِصَّةَ أُحُدٍ بِطُولِهَا، وَقَالَ فِي آخِرِهَا: ثُمَّ سَمَّى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ مَنْ قُتِلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَذَكَرَ فِيهِمْ الْيَمَانِ أَبَا حُذَيْفَةَ، وَاسْمُهُ حُسَيْلُ بْنُ جُبَيْرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي عَبْسٍ، أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ، زَعَمُوا فِي الْمَعْرَكَةِ، لَا يَدْرُونَ مَنْ أَصَابَهُ، فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ بِدَمِهِ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ، قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَخْطَأَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ فَرَشَقُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ، يَحْسِبُونَهُ مِنْ الْعَدُوِّ، وَإِنَّ حُذَيْفَةَ لَيَقُولُ: أَبِي أَبِي، فَلَمْ يَفْقَهُوا قَوْلَهُ، حَتَّى فَرَغُوا مِنْهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، قَالَ: وَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَادَتْ حُذَيْفَةَ عِنْدَهُ خَيْرًا، مُخْتَصَرًا. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ في مصنفه أَوَاخِرِ الْقِصَاصِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَحَاطَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ أُحُدٍ بِالْيَمَانِ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ بِأَسْيَافِهِمْ، وَحُذَيْفَةُ يَقُولُ: أَبِي أَبِي، فَلَمْ يَفْهَمُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرحمين، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَزَادَهُ عِنْدَهُ خَيْرًا، وَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ: فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 فِي الْفَضَائِلِ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِيهِمَا كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أُحُدٍ رَفَعَ حُسَيْلَ بْنَ جَابِرٍ، وَهُوَ الْيَمَانُ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، وَثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فِي الْآطَامِ مَعَ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَهُمَا شيخان كبيران: لا أبالك! مَا تَنْتَظِرُ، فَوَاَللَّهِ إنْ بَقِيَ لِوَاحِدٍ مِنَّا مِنْ عُمُرِهِ، إلَّا ظَمَأُ حِمَارٍ، أَفَلَا نَلْحَقُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُنَا مِنْهُ الشَّهَادَةَ، فَأَخَذَا أَسْيَافَهُمَا، ثُمَّ خَرَجَا حَتَّى دَخَلَا فِي النَّاسِ، وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِمَا، فَأَمَّا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ، وَأَمَّا الْيَمَانُ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلُوهُ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَبِي أَبِي، قَالُوا: وَاَللَّهِ إنْ عَرَفْنَاهُ، وَصَدَقُوا، قَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدِيَهُ، فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَزَادَهُ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ كَذَلِكَ، وَزَادَ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِيهِ، قَالَ: وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي الْبُخَارِيِّ2 لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الدِّيَةِ، أَخْرَجَهُ فِي الدِّيَاتِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: صَرَخَ إبْلِيسُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي النَّاسِ: يَا عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولَاهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ، حَتَّى قَتَلُوا الْيَمَانَ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَبِي أَبِي فَقَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ، قَالَ: وَكَانَ انْهَزَمَ مِنْهُمْ قَوْمٌ حَتَّى لَحِقُوا بِالطَّائِفِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" , قُلْت: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ رَجُلًا دَعَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ إلَى وَلِيمَةٍ، فَلَمَّا جَاءَ لِيَدْخُلَ سَمِعَ لَهْوًا، فَلَمْ يَدْخُلْ، فَقَالَ لَهُ: لِمَ رَجَعْتَ؟ قَالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ، فَهُوَ مِنْهُمْ، وَمِنْ رَضِيَ عَمَلَ قَوْمٍ كَانَ شَرِيكَ مَنْ عَمِلَ بِهِ". انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ فِي كِتَابِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ، فَلَمَّا حَضَرَ إذَا هُوَ
بِصَوْتٍ، فَرَجَعَ فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَدْخُلُ، قَالَ: إنِّي أَسْمَعُ صَوْتًا، وَمَنْ كَثَّرَ سَوَادًا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ، وَمَنْ رَضِيَ عَمَلًا كَانَ شَرِيكَ مَنْ عَمِلَهُ، انْتَهَى. وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي اللِّبَاسِ1 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي مُنِيبٍ الْجُرَشِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" , انْتَهَى. وَابْنُ ثَوْبَانَ ضَعِيفٌ. وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ ثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ سَوَاءً، وَقَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ، فَوَقَفَهُ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَقَالَ: لَمْ يُتَابَعْ صَدَقَةُ عَلَى رِوَايَتِهِ هَذِهِ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ مُرْسَلًا، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ فِي تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بْنِ مَحْمُودٍ فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ قُتَيْبَةَ ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَصْبَهَانِيُّ ثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ" , وَفِي آخِرِهِ: "ومن تشبه بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"، انْتَهَى. وَهُوَ فِي أَحَادِيثِ الْكَشَّافِ. فَصْلٌ الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا فَقَدْ أُطِلَّ دَمُهُ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ2 فِي تَحْرِيمِ الدَّمِ مِنْ طَرِيقِ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ ثَنَا الْفَضْلُ بن موسى السيناني عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ شَهَرَ سَيْفَهُ، ثُمَّ وَضَعَهُ، فَدَمُهُ هَدَرٌ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ
فِي مُسْنَدِهِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ أَيْضًا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَزَادَ يَعْنِي وَضَعَهُ ضَرَبَ بِهِ انْتَهَى. وَلَيْسَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي مُسْنَدِ إسْحَاقَ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ زَادَهَا مِنْ الرُّوَاةِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَ مَعْمَرٌ بِهِ مَوْقُوفًا، وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ بِهِ أَيْضًا مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي آخِرِ الْجِهَادِ عَنْ وُهَيْبٍ عَنْ مَعْمَرٍ بِهِ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا، وَاَلَّذِي أَسْنَدَهُ ثِقَةٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ أَشَارَ بِحَدِيدَةٍ إلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ قَتْلَهُ فَقَدْ وَجَبَ دَمُهُ"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يَخْرُجَاهُ، انْتَهَى. وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ2 فِي الْإِيمَانِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ سَلَّ عَلَيْنَا السَّيْفَ فَلَيْسَ مِنَّا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ هُوَ، وَالْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا"، وَأَخْرَجَاهُ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ، وَتَفَرَّدَ بِالْأَوَّلِ. الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "قَاتِلْ دُونَ مَالِك"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْمُخَارِقِ أَبِي قَابُوسَ. فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْوَسَطِ فِي بَابِ الْقَافِ فِي تَرْجَمَةِ قُهَيْدِ3 بْنِ مُطَرِّفٍ الْغِفَارِيِّ، فَقَالَ: قَالَ لِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ قُهَيْدِ بْنِ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْخُذَ مَالِي! قَالَ: "أَنْشَدَهُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ ثَلَاثًا"، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، قَالَ: "قَاتِلْ دُونَ مَالِك"، قَالَ: فَإِنْ قُتِلْتُ؟ قَالَ: "فِي الْجَنَّةِ"، قَالَ: فَإِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: "فِي النَّارِ"، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ لِي أَبُو صَالِحٍ: ثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو
بِهِ، نَحْوَهُ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ عَمْرِو بْن أَبِي عَمْرٍو بِهِ سَوَاءً، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ1 فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِي؟ قَالَ: "فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ"، قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: "قَاتِلْهُ"، قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: "فَأَنْتَ شَهِيدٌ" قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلَتُهُ؟ قَالَ: "هُوَ فِي النَّارِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ هُوَ، وَالْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ"، انْتَهَى. وَلِمُسْلِمٍ فِيهِ قِصَّةٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُخَارِقِ: فَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا الْمُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ قَابُوسَ بْنِ الْمُخَارِقِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِي؟ قَالَ: "ذَكِّرْهُ بِاَللَّهِ"، قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ ذَكَّرْتُهُ بِاَللَّهِ فَلَمْ يَذْكُرْ؟ قَالَ: "اسْتَعِنْ عَلَيْهِ بِالسُّلْطَانِ"، قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ السُّلْطَانُ قَدْ نَأَى عَنِّي؟ قَالَ: "اسْتَعِنْ بِمَنْ يَحْضُرُك مِنْ الْمُسْلِمِينَ"، قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَحْضُرْنِي أَحَدٌ؟ قَالَ: "قَاتِلْ دُونَ مَالِك حَتَّى تُحْرِزَ مَالَك، أَوْ تُقْتَلَ، فَتَكُونَ مِنْ شُهَدَاءِ الْآخِرَةِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ قَانِعٍ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ ثَنَا ابْنُ السِّمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ سِمَاكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ بِهِ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ قَابُوسَ، لَمْ يَقُلْ فِيهِ: عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ جَاءَنِي رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَبْتَزَّ مَالِي، الْحَدِيثَ. وَقَالَ: مَعْنَى يَبْتَزُّ أَيْ يُجَرِّدُنِي ثِيَابِي، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ، فَرَوَاهُ عَمَّارُ بن رزيق، وَأَبُو الْأَحْوَصِ، وَأَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ قَابُوسَ عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ قَابُوسَ مُرْسَلًا، لَمْ يَقُولَا: عَنْ أَبِيهِ، وَالْمُسْنَدُ أَصَحُّ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
بَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَوْلُهُ: فِي الْقِصَاصِ فِي الْعَيْنِ الْمَقْلُوعَةِ وَأَنَّهُ مَأْثُورٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَصِفَتُهُ أَنْ تُحْمَى الْمِرْآةُ، وَتُقَابَلَ بِهَا عَيْنُهُ حَتَّى يَذْهَبَ ضَوْءُهَا، بَعْدَ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى وَجْهِهِ، قُطْنٌ رَطْبٌ، قُلْت: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ الْعُقُولِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالَ: لَطَمَ رَجُلٌ رَجُلًا، فَذَهَبَ بَصَرُهُ، وَعَيْنُهُ قَائِمَةٌ، فَأَرَادُوا أَنْ يُقِيدُوهُ مِنْهُ، فَأَعْيَا عَلَيْهِمْ، وَعَلَى النَّاسِ، كَيْفَ يُقِيدُونَهُ، وَجَعَلُوا لَا يَدْرُونَ كَيْفَ يَصْنَعُونَ، فَأَتَاهُمْ عَلِيٌّ، فَأَمَرَ بِهِ، فَجُعِلَ عَلَى وَجْهِهِ كُرْسُفٌ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهِ الشَّمْسَ، وَأَدْنَى مِنْ عَيْنِهِ مِرْآةً، فَالْتَمَعَ بَصَرُهُ، وَعَيْنُهُ قَائِمَةٌ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَا: لَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إلَّا فِي السِّنِّ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، قَالَا: لَيْسَ فِي الْعِظَامِ قِصَاصٌ، مَا خَلَا السِّنَّ وَالرَّأْسَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ"، قُلْت: غَرِيبٌ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عمر، قال: إنا لانقيد مِنْ الْعِظَامِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْعِظَامِ قِصَاصٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، الْحَدِيثَ". قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وأنها لم تَحِلُّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إمَّا أَنْ يُعْطَى الدِّيَةَ، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ"، انْتَهَى. هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ1 فِي كِتَابِ الْحَجِّ فِي بَابِ تَحْرِيمِ مَكَّةَ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ2 فِي كِتَابِ الْعِلْمِ: إمَّا أَنْ يُعْقَلَ، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ، وَلَفْظُهُ فِي اللُّقَطَةِ إمَّا أَنْ يُفْدَى، وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ، وَلَفْظُهُ فِي الدِّيَاتِ:
إمَّا أَنْ يُودَى، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ1 إمَّا أَنْ يَعْفُوَ، وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَ، وَلَفْظُ النَّسَائِيّ2 فِي الْقَوَدِ إمَّا أَنْ يُقَادَ، وَإِمَّا أَنْ يُفْدَى، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ3: إمَّا أَنْ يَقْتُلَ، وَإِمَّا أَنْ يُفْدَى، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فيالمعرفة: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ وَقَعَ مِنْ أَصْحَابِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَالْمُوَافِقُ مِنْهَا بِحَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ أَوْلَى، انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَبِي شُرَيْحٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ4 عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا إنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ، وَإِنِّي عَاقِلَتُهُ، فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ قَتِيلٌ، فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ: إمَّا أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ أَوْ يَقْتُلُوا"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: ثَنَا يَحْيَى عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، سَمِعْت أَبَا شُرَيْحٍ، فَذَكَرَهُ، وَأَخْرَجَهُ ابن ماجه، أبو دَاوُد أَيْضًا5 عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ أُصِيبَ بِدَمٍ، أَوْ خَبْلٍ، وَالْخَبْلُ: الْجُرْحُ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إحْدَى ثَلَاثٍ: أَنْ يَقْتُلَ، أَوْ يَعْفُوَ، أَوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ"، مُخْتَصَرٌ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ: حَدِيثُ: "مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ"، اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ الرُّوَاةِ فِيهِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَلْفَاظٍ: أَحَدُهَا: إمَّا أَنْ يَقْتُلَ، وَإِمَّا أَنْ يُفَادِيَ، الثَّانِي: إمَّا أَنْ يَعْقِلَ أَوْ يُقَادَ، الثَّالِثُ: إمَّا أَنْ يُفْدَى، وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَ، الرَّابِعُ: إمَّا أَنْ يُعْطَى الدِّيَةَ، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ، الْخَامِسُ: إمَّا أَنْ يَعْفُوَ أَوْ يَقْتُلَ، السَّادِسُ: يَقْتُلُ أَوْ يُفَادَى، السَّابِعُ: مَنْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا، وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ، الثَّامِنُ: إنْ شَاءَ فَلَهُ دَمُهُ، وَإِنْ شَاءَ فَعَقْلُهُ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ، وَهُوَ الْمُخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ، وَقَدْ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِظَاهِرِهِ، وَقَالَ: لَوْ اخْتَارَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ الدِّيَةَ، وَأَبَى الْقَاتِلُ إلَّا الْقِصَاصَ، أُجْبِرَ الْقَاتِلُ عَلَى الدية. ولاخيار لَهُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُجْبَرُ، وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ، قَالَ: وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ مِنْ الْإِجْمَالِ فِي قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} فَاحْتَمَلَتْ الْآيَةُ عِنْدَ قَوْمٍ أَنْ يَكُونَ {مَنْ} وَاقِعَةً عَلَى الْقَاتِلِ، وَ {عُفِيَ} مِنْ الْعَفْوِ عَنْ الدَّمِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُتَّبِعَ بِالْمَعْرُوفِ هُوَ وَلِيُّ الدَّمِ، وَأَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْأَدَاءِ بِإِحْسَانٍ هُوَ الْقَاتِلُ، وَإِذَا تَدَبَّرْت الْآيَةَ عَرَفْت مَنْشَأَ الْخِلَافِ، وَلَاحَ لَك مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ أَيُّ الْقَوْلَيْنِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ بِتَوْرِيثِ امْرَأَةِ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ، مِنْ عَقْلِ زَوْجِهَا أَشْيَمَ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. فَحَدِيثُ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ1 عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أبي عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الدِّيَةُ لِلْعَاقِلَةِ، لَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا شَيْئًا حَتَّى قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ: كَتَبَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُوَرِّثَ امرأة أشيم الضابي مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا، فَرَجَعَ عُمَرُ، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْفَرَائِضِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الدِّيَاتِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِيهِمَا وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ2 أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: مَا أَرَى الدِّيَةَ إلَّا لِلْعَصَبَةِ، لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ، فَهَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا؟ فَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلَابِيُّ، وَكَانَ عليه السلام اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْأَعْرَابِ: كَتَبَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا، فَأَخَذَ بِهِ عُمَرُ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ، وَزَادَ: وَكَانَ قُتِلَ خَطَأً، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَابْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ، وَصَحَّحَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ وَقَالَ: إنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ إلَّا نَعْيَهُ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ سَمَاعَهُ مِنْهُ الْبَتَّةُ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشُّعَيْثِيِّ عَنْ زُفَرَ بْنِ وَثِيمَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى الضَّحَّاكِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَتِهِ، انْتَهَى. وَزُفَرُ بْنُ وَثِيمَةَ مَجْهُولُ الْحَالِ، قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَتَفَرَّدَ عَنْهُ الشُّعَيْثِيُّ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَدُحَيْمٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشُّعَيْثِيِّ عَنْ زُفَرَ بْنِ وَثِيمَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ زُرَارَةَ بْنَ جَزْءٍ، قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى الضَّحَّاكِ ان سُفْيَانَ أَنْ يُوَرِّثَ، الْحَدِيثَ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْمُؤْتَلِفِ، وَالْمُخْتَلِفِ: وَزُرَارَةُ بْنُ جُزْءٍ لَهُ صُحْبَةٌ، رَوَى عَنْهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، قَالَ: وَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ هَكَذَا يَعْرِفُهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ،
باب القصاص فيما دون النفس
وَأَهْلُ العربية يقولون: بفتح الجم، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ1 فِي مُعْجَمِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشُّعَيْثِيِّ عَنْ زُفَرَ بْنِ وَثِيمَةَ الْبَصْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا، انْتَهَى. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ صَحَابِيٌّ، يُكَنَّى أَبَا أُمَامَةَ، تُوُفِّيَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَوْ تَمَالَأَ عليه أهل صنعاء لقتلهم جَمِيعًا، قُلْت: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ2 أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَتَلَ نَفَرًا: خَمْسَةً، أَوْ سَبْعَةً بِرَجُلٍ قَتَلُوهُ غِيلَةً، وَقَالَ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أهل صنعاء لقتلهم بِهِ، انْتَهَى. وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ في موطأه، وَالشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَلَمْ يَصِلْ بِهِ سَنَدَهُ، وَلَفْظُهُ: وَقَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ غُلَامًا قُتِلَ غِيلَةً، فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ اشْتَرَكَ فِيهِ أَهْلُ صنعاء لقتلهم بِهِ، وَقَالَ مُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ: إنَّ أَرْبَعَةً قَتَلُوا صَبِيًّا، فَقَالَ عُمَرُ مِثْلَهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَتَلَ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ بِرَجُلٍ، وَقَالَ: لَوْ اشْتَرَكَ فِيهِ أَهْلُ صنعاء لقتلهم، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مُطَوَّلًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ حَيَّ بْنَ يَعْلَى أَخْبَرَنَا أَنَّهُ سَمِعَ يَعْلَى يُخْبِرُ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَأَنَّ اسْمَ الْمَقْتُولِ أَصِيلٌ، قَالَ: كَانَتْ امْرَأَةٌ بِصَنْعَاءَ لَهَا رَبِيبٌ، فَغَابَ زَوْجُهَا، وَكَانَ لَهَا أَخِلَّاءُ، فَقَالُوا: إنَّ هَذَا الْغُلَامَ هُوَ يَفْضَحُنَا، فَانْظُرُوا كيف تصنعون به، فتمالأوا عَلَيْهِ وَهُمْ سَبْعَةُ نَفَرٍ مَعَ الْمَرْأَةِ، فَقَتَلُوهُ، وَأَلْقَوْهُ فِي بِئْرِ غِمْدَانَ، فَلَمَّا فُقِدَ الْغُلَامُ خَرَجَتْ امْرَأَةُ أَبِيهِ، وَهِيَ الَّتِي قَتَلَتْهُ، وَهِيَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا تُخْفِ عَلَيَّ مَنْ قَتَلَ أَصِيلًا، قَالَ: وَخَطَبَ يَعْلَى النَّاسَ فِي أَمْرِهِ، قَالَ: فَمَرَّ رَجُلٌ بَعْدَ أَيَّامٍ بِبِئْرِ4
غِمْدَانَ، فَإِذَا هُوَ بِذُبَابٍ عَظِيمٍ أَخْضَرَ يَطْلُعُ مِنْ الْبِئْرِ مَرَّةً، وَيَهْبِطُ أُخْرَى، قَالَ: فَأَشْرَفَ عَلَى الْبِئْرِ، فَوَجَدَ رِيحًا مُنْكَرَةً، فَأَتَى إلَى يَعْلَى، فَقَالَ: مَا أَظُنُّ إلَّا قَدْ قَدَرْتُ لَكُمْ عَلَى صَاحِبِكُمْ، وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَأَتَى يَعْلَى حَتَّى وَقَفَ عَلَى الْبِئْرِ وَالنَّاسُ مَعَهُ، فَقَالَ أَحَدُ أَصْدِقَاءِ الْمَرْأَةِ، مِمَّنْ قَتَلَهُ: دَلُّونِي بِحَبْلٍ، فَدَلَّوْهُ، فَأَخَذَ الْغُلَامَ، فَغَيَّبَهُ فِي سِرْبٍ مِنْ الْبِئْرِ، ثُمَّ رَفَعُوهُ، فَقَالَ: لَمْ أَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ، فَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ: دَلُّونِي، فَدَلَّوْهُ، فَاسْتَخْرَجَهُ، فَاعْتَرَفَتْ الْمَرْأَةُ، وَاعْتَرَفُوا كُلُّهُمْ، فَكَتَبَ يَعْلَى إلَى عُمَرَ فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ اُقْتُلْهُمْ، فَلَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ، انْتَهَى. وَفِي الْبَابِ: مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: خَرَجَ رِجَالٌ سَفْرٌ، فَصَحِبَهُمْ رَجُلٌ، فَقَدِمُوا، وَلَيْسَ مَعَهُمْ، فَاتَّهَمَهُمْ أَهْلُهُ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: شُهُودَكُمْ أَنَّهُمْ قَتَلُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِلَّا حَلَفُوا بِاَللَّهِ مَا قَتَلُوهُ، فَأَتَى بِهِمْ إلَى عَلِيٍّ، وَأَنَا عِنْدَهُ، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمْ، فَاعْتَرَفُوا، فَأَمَرَ بِهِمْ، فَقُتِلُوا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَتَلَ سَبْعَةً بِرَجُلٍ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَوْ أَنَّ مِائَةً قَتَلُوا رَجُلًا قُتِلُوا بِهِ، انْتَهَى.
باب الشهادة في القتل
باب الشهادة في القتل قَوْلُهُ: لِظَاهِرِ مَا وَرَدَ بِإِطْلَاقِهِ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَمِنْ حَدِيثِ عبد الله بن عمر، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. أَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 فِي الْأَدَبِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ الطِّبِّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ"؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ، الْحَالِقَةُ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَزَادَ فِيهِ: لَا أَقُولُ: الْحَالِقَةُ الَّتِي تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي
النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْخَمْسِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي الْبَابِ السَّادِسِ وَالسَّبْعِينَ عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِهِ، قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ، قَالَ، فَذَكَرَهُ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ مَوْقُوفًا. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: فَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ رَاشِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ"، انْتَهَى. إلَّا أَنَّ الطَّبَرَانِيَّ، قَالَ، عِوَضَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ: عَنْ أَبِي عبد الرحمن الحبلي عَنْ ابْنِ عَمْرٍو بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ1 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَرَادَةَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ كُرَيْبٌ عن ان عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دَبَّ إلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ، هِيَ الْحَالِقَةُ، حَالِقَةُ الدِّينِ، لَا حَالِقَةُ الشَّعْرِ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؟ صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ"، انْتَهَى. وَضَعَّفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَرَادَةَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمَا، وَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ ثَنَا أَبُو إسْحَاقَ الْأَصْبَهَانِيُّ ثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ فَارِسٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْبُخَارِيِّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَجَّاجٍ ثَنَا يُونُسُ بْنُ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَصَلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَخُلُقٍ حَسَنٍ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ ثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ الْحَرَّانِيِّ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّرَائِفِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ: كَانَ مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجِمٍ فِي قَتْلِهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا، وَفِي آخِرِهَا، قَالَ: ثُمَّ إنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه أَوْصَى فَكَانَتْ وَصِيَّتُهُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَوْصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى، وَدِينِ الْحَقِّ، لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْت، وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أُوصِيكُمَا يَا حَسَنُ وَيَا حُسَيْنُ، وَجَمِيعَ أَهْلِي وَوَلَدِي، وَمَنْ يَبْلُغُهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ رَبِّكُمْ، وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مسلمون، واعتصوا بحبل الله جميعاً، ولاتفرقوا فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إنَّ صَلَاحَ ذَاتِ الْبَيْنِ أَعْظَمُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ"، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
كتاب الديات
كِتَابُ الديات ما يجب فيه الدية كاملة ... كتاب الدِّيَاتِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "أَلَا إنَّ قتيل خطأ العمد كقتيل السَّوْطِ وَالْعَصَا، وَفِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ: أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا" , قُلْتُ: تَقَدَّمَ فِي الْجِنَايَاتِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَلَا إنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ، مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ: مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا"، انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي: كِتَابِهِ. قَوْلُهُ: وَهَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ بِالتَّغْلِيظِ أَرْبَاعًا، قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، قَالَا: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فِي شبه العمد، خمس وعشرين حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتُ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتُ مَخَاضٍ، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ. وَأَمَّا اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ: فَمِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي الْمُغَلَّظَةِ أَرْبَعُونَ جَذَعَةً خَلِفَةً، وَثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ بَنَاتُ لَبُونٍ، وَفِي الْخَطَإِ ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ بَنَاتُ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بني لَبُونٍ ذُكُورٌ، وَعِشْرُونَ بَنَاتُ مَخَاضٍ، انْتَهَى. وَأَبُو عِيَاضٍ ثِقَةٌ، احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا1 عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَضَى عُمَرُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً، وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً، مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلِ، عَامِهَا كُلُّهَا خَلِفَةٌ، انْتَهَى. إلَّا أن مجاهد لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا2 عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: في شبه العمد أثلاثاً: ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ ثَنِيَّةً، إلَى بَازِلِ، عَامِهَا كُلُّهَا خَلِفَةٌ، انْتَهَى. وَعَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ فِيهِ مَقَالٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ عَلِيٌّ نَحْوَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ أَبُو مُوسَى وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، يَقُولَانِ: فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جذعة، وأربعون خلفة، مابين ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلِ عَامِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مُغِيرَةَ بِهِ سَوَاءً. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ" , قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: وَإِنَّ فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي قَتِيلِ الْخَطَإِ بِالدِّيَةِ أَخْمَاسًا: عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ3 عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ خِشْفِ بْنِ مَالِكٍ الطَّائِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي دِيَةِ الْخَطَإِ عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنِي مَخَاضٍ ذُكِرَ"، انْتَهَى. بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَابْنِ مَاجَهْ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ: قَضَى، كَلَفْظِ الْمُصَنِّفِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. قُلْتُ: هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ
بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قال: في الخطأ أخماساً، فَذَكَرَهُ. وَبِسَنَدِ السُّنَنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وإسحاق بن راهويه في مسانيدهم، والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا، وَأَطَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ الْكَلَامَ عَلَيْهِ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ عَنْهُ الَّذِي لَا مَطْعَنَ فِيهِ، وَلَا تَأْوِيلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قال: دية الخطأ أخماساً: عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ بَنِي مَخَاضٍ، ثُمَّ أَسْنَدَهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ، فَذَكَرَهُ. وَهَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَقَدْ رَوَى نَحْوَهُ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ أَسْنَدَهُ كَذَلِكَ، قَالَ: وَأَبُو عُبَيْدَةَ أَعْلَمُ بِحَدِيثِ أَبِيهِ، وَبِمَذْهَبِهِ، وَبِفُتْيَاهُ مِنْ خِشْفِ بْنِ مَالِكٍ، وَنُظَرَائِهِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ أَتْقَى لِرَبِّهِ، وَأَشَحُّ عَلَى دِينِهِ مِنْ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا، وَيُفْتِيَ بِخِلَافِهِ، أَلَا تَرَاهُ كَيْفَ فَرِحَ الْفَرَحَ الشَّدِيدَ حِينَ وَافَقَتْ فُتْيَاهُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِ خِلَافُ ذَلِكَ؟ وَمِمَّا يَشْهَدُ لِرِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ مَا رَوَاهُ وَكِيعٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، وَغَيْرُهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: دِيَةُ الخطأ أخماساً، فَذَكَرَهُ نَحْوُ أَبِي عُبَيْدَةَ، ثُمَّ أَسْنَدَهُ كَذَلِكَ، قَالَ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا إرْسَالٌ يَعْنِي بَيْنَ إبْرَاهِيمَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَلَكِنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَبِرَأْيِهِ، وَبِفُتْيَاهُ، قَدْ أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ أَخْوَالِهِ: عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَيْ يَزِيدَ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ الْقَائِلُ: إذَا قُلْتُ لَكُمْ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَهُوَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَإِذَا سمعته من رجل سَمَّيْته لَكُمْ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ الْمَرْفُوعَ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ بَنِي الْمَخَاضِ لَا نَعْلَمُهُ رَوَاهُ عَنْهُ إلَّا خِشْفَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ إلَّا زَيْدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ حَرْمَلٍ الْجُشَمِيُّ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ لَا يَحْتَجُّونَ بِخَبَرٍ يَنْفَرِدُ بِرِوَايَتِهِ رَجُلٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْعَمَلُ عِنْدَهُمْ بِالْخَبَرِ إذَا كَانَ رَاوِيهِ عَدْلًا مَشْهُورًا، أَوْ رَجُلًا قَدْ ارْتَفَعَ عَنْهُ اسْمُ الْجَهَالَةِ، فَصَارَ حِينَئِذٍ مَعْرُوفًا، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَانْفَرَدَ بِخَبَرٍ، وَجَبَ التَّوَقُّفُ عَنْ خَبَرِهِ ذَلِكَ، حَتَّى يُوَافِقَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ خَبَرَ خِشْفِ بْنِ مَالِكٍ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ إلَّا حَجَّاجَ
بْنَ أَرْطَاةَ، وَهُوَ رَجُلٌ مَشْهُورٌ بِالتَّدْلِيسِ، وَبِأَنَّهُ يُحَدِّثُ عَمَّنْ لَمْ يَلْقَهُ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، قَالَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ: كُنْتُ يَوْمًا عِنْدَ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، فَقَالَ لِي: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ الزُّهْرِيِّ شَيْئًا، وَلَا مِنْ إبْرَاهِيمَ، وَلَا مِنْ الشَّعْبِيِّ، وَلَا مِنْ فُلَانٍ، وَلَا مِنْ فُلَانٍ حَتَّى عَدَّ سَبْعَةَ عَشَرَ، أَوْ بِضْعَةَ عَشَرَ، كُلُّهُمْ قَدْ رَوَى عَنْهُ الْحَجَّاجُ، ثُمَّ زَعَمَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُمْ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ، وَأَيْضًا فَقَدْ تَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ، بَعْدَ أَنْ جَالَسُوهُ وَخَبَرُوهُ، وَكَفَاكَ بِهِمْ عِلْمًا بِالرِّجَالِ وَنُبْلًا. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الثِّقَاتِ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ الْحَجَّاجِ عَلَى اللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، وَخَالَفَهُمَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، وَهُوَ ثِقَةٌ، فَرَوَاهُ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ خِشْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَطَإِ أَخْمَاسًا: عِشْرُونَ جِذَاعًا، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بَنِي مَخَاضٍ ذُكُورًا، فَجَعَلَ مَكَانَ الْحِقَاقِ بَنِي لَبُونٍ، ثُمَّ أَسْنَدَهُ كَذَلِكَ، قَالَ: وَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: بَنِي لَبُونٍ، ثُمَّ أَسْنَدَهُ كَذَلِكَ، قَالَ: وَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ , فَقَالَ: {خُمُسًا جِذَاعًا , خُمُسًا حِقَاقًا , وَخُمُسًا بَنَاتِ لَبُونٍ , وَخُمُسًا بَنَاتِ مَخَاضٍ , وَخُمُسًا بَنِي لَبُونٍ ذُكُورًا} , فَجَعَلَ مَكَانَ بَنِي الْمَخَاضِ بَنِي اللَّبُونِ , مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ , ثُمَّ أَسْنَدَهُ كَذَلِكَ , قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، وَعَمْرُو بْنُ هَاشِمٍ أَبُو مَالِكٍ الْجَنْبِيُّ، وَأَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ كُلُّهُمْ عَنْ الْحَجَّاجِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قال: دية الخطأ أخماساً لَمْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ أَخْرَجَ رِوَايَاتِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الصَّحِيحَ، لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، وَهُمْ ثِقَاتٌ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْحَجَّاجُ رُبَّمَا كَانَ يُفَسِّرُ الْأَخْمَاسَ بِرَأْيِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَدِيثِ، فَيَتَوَهَّمُ السَّامِعُ أَنَّهُ مِنْ الْحَدِيثِ، وَيُقَوِّيهِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ حَفِظَ عَنْهُ: عِشْرِينَ بَنِي لَبُونٍ، مَكَانَ الْحِقَاقِ، وَعَبْدُ الْوَاحِدِ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ حَفِظَا عَنْهُ: عِشْرِينَ حِقَّةً، مَكَانَ بَنِي لَبُونٍ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ فِي دِيَةِ الْخَطَإِ أَقَاوِيلُ مُخْتَلِفَةٌ، لَا نَعْلَمُ رُوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ ذِكْرُ بَنِي مَخَاضٍ، إلَّا فِي حَدِيثِ خِشْفِ بْنِ مَالِكٍ هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَحَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ كَلَامَ الدَّارَقُطْنِيِّ هَذَا، ثُمَّ قَالَ: وَيُعَارِضُ قَوْلَ الدَّارَقُطْنِيِّ هَذَا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، فَكَيْفَ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ ذِكْرِ هَذَا، ثُمَّ إنَّمَا حَكَى عَنْهُ فَتْوَاهُ، وَخِشْفٌ رُوِيَ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَتَى كَانَ الْإِنْسَانُ ثِقَةً،
فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ، وَكَيْفَ يُقَالُ عَنْ الثِّقَةِ مَجْهُولٌ؟ وَاشْتِرَاطُ الْمُحَدِّثِينَ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ اثْنَانِ لَا وَجْهَ لَهُ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ " التَّنْقِيحِ ": وَكَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ هَذَا لَا يَخْلُو مِنْ مَيْلٍ، وَخِشْفٌ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ، وَابْنُ حِبَّانَ ذَكَرَهُ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: لَيْسَ بِذَاكَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَجْهُولٌ، وَزَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ هُوَ الْجُشَمِيُّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، وأخرجاه لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّهُ يَقْضِي بِعِشْرِينَ ابْنَ لَبُونٍ، مَكَانَ ابْنِ مَخَاضٍ، وَمَالِكٌ مَعَ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدُ مَعَنَا،1 وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: دِيَةُ الْخَطَإِ خَمْسَةُ أَخْمَاسٍ، عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ ذُكُورٌ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، ثُمَّ ضَعَّفَ حَدِيثَ خِشْفٍ بِمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ ابْنُ المنذر3: إنما صار الشاففعي إلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهَا، وَالسُّنَّةُ وَرَدَتْ بِمِائَةٍ من الإبل مطلقاً، فَوَجَدْنَا قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ أَقَلَّ مَا قِيلَ، لِأَنَّ بَنِي الْمَخَاضِ أَقَلُّ مِنْ بَنِي اللَّبُونِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ4 بِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فِي الَّذِي وَدَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ5 وَبَنُو الْمَخَاضِ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الصَّدَقَاتِ، وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ عليه السلام تَبَرَّعَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ حُكْمًا، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا، وَغَيْرُهُمْ، إنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عليه السلام اشْتَرَاهَا مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ أَنْ مَلَكُوهَا، ثُمَّ دفعوها إلَى أَهْلِ الْقَتِيلِ، انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ لَهُ طُرُقٌ أُخْرَى ضَعِيفَةٌ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ6 عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قال في الخطأ أخماساً: عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً،
وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو مِجْلَزٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَكُلُّهَا مُنْقَطِعَةٌ أَبُو إسْحَاقَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلْقَمَةَ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، وَإِبْرَاهِيمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مُنْقَطِعٌ بِلَا شَكٍّ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عليه السلام قَضَى فِي الدِّيَةِ مِنْ الْوَرِقِ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، قُلْتُ: أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عمرو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بني عدي قتل، ففجعل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنَ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَذْكُرُ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ ابْنَ عَبَّاسٍ غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ الْمَكِّيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، سَمِعْنَاهُ مَرَّةً يَقُولُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فِي الدِّيَةِ، انْتَهَى. قَالَ: وَمُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَكِّيُّ الْخَيَّاطُ أُمِّيًّا مُغَفَّلًا، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ: رُبَّمَا وَهِمَ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: صَالِحٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ هَذَا هُوَ الطَّائِفِيُّ: أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، وَمُسْلِمٌ فِي الِاسْتِشْهَادِ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ مَرَّةً: إذَا حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ يُخْطِئُ، وَإِذَا حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: الصَّوَابُ مُرْسَلٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ الْمُرْسَلُ أَصَحُّ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ2 قَالَ أَبِي: الْمُرْسَلُ أَصَحُّ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ قَضَى مِنْ دَرَاهِمَ كَانَ وَزْنُهَا سِتَّةً، وَهِيَ كَانَتْ كَذَلِكَ، قُلْت: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ3 مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ فَرَضَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ فِي الدِّيَةِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَمِنْ الْوَرِقِ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْهَيْثَمِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: فَرَضَ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: صَدَقُوا، وَلَكِنَّهُ فرضها اثني عشرألفاً وَزْنَ سِتَّةٍ، فَذَلِكَ عَشَرَةُ آلَافٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَخْبَرَنِي الثَّوْرِيُّ عَنْ مُغِيرَةَ الضَّبِّيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَتْ الدِّيَةُ: الْإِبِلُ، كُلُّ بَعِيرٍ مِائَةً وَعِشْرِينَ
دِرْهَمًا، وزن ستة، ففذلك عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، قَالَ: وَقِيلَ لِشَرِيكٍ: إنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَانَقَ رَجُلًا مِنْ الْعَدُوِّ فَضَرَبَهُ، فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا، فَسَلَتَ وَجْهَهُ، حَتَّى وَقَعَ ذَلِكَ عَلَى حَاجِبِيهِ، وَأَنْفِهِ، وَلِحْيَتِهِ، وَصَدْرِهِ، فَقَضَى فِيهِ عُثْمَانُ بِالدِّيَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ يَوْمَئِذٍ وَزْنَ سِتَّةٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ عُمُرَ مُنْقَطِعَةٌ، وَكَذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ، وَرَوَى عَنْ عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ1 فِي بَابِ الصَّدَقَةِ قَالَ: حَدَّثْتُ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: زَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ عَلَى أَرْبَعِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا، وَزْنَ سِتَّةٍ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانَتْ الدَّرَاهِمُ أَوَّلًا الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنَ سِتَّةِ مَثَاقِيلَ، ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ، وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ إلَى يَوْمِنَا، وَبَسَطَ الْكَلَامَ، وَقَدْ لَخَّصْنَاهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِضَّةِ وَفِي التَّجْرِيدِ لِلْقُدُورِيِّ: لَا خِلَافَ أَنَّ الدِّيَةَ أَلْفُ دِينَارٍ، وَكُلُّ دِينَارٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، ولهذا جهل نِصَابُ الذَّهَبِ عِشْرِينَ دِينَارًا، وَنِصَابُ الْوَرِقِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالدِّيَةِ فِي الْقَتِيلِ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْهَيْثَمِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ، قَالَ: وَضَعَ عُمَرُ الدِّيَاتِ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ مُسِنَّةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَةَ حُلَّةٍ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُبَيْدَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ جَعَلَ فِي الدِّيَةِ مِنْ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَمِنْ الْغَنَمِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَمِنْ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِمِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ يَوْمَئِذٍ النِّصْفُ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى اُسْتُخْلِفَ عُمَرُ، فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: أَلَا إنَّ الْإِبِلَ قَدْ غَلَتْ، قَالَ: فَفَرَضَهَا عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ، قَالَ: وَتَرَكَ دِيَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرْفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ مِنْ الدِّيَةِ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ فِي الْأَثَرِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ فِي كِتَابٍ
لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ شَاوَرَ السَّلَفَ حِينَ جَنَّدَ الْأَجْنَادَ، فَكَتَبَ أَنَّ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ، أَوْ قِيمَةَ ذَلِكَ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: الدِّيَةُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا عَلَى أَهْلِ الدَّرَاهِمِ، وَعَلَى أَهْلِ الدَّنَانِيرِ أَلْفُ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَعَلَى أهل البقر مائتا بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَا شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ، انْتَهَى. وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ قَالَ: ذَكَرَ عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الطَّعَامِ شَيْئًا لَمْ يَحْفَظْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ عَنْ عَطَاءٍ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: مُرْسَلٌ، وَفِيهِ ابْنُ إسْحَاقَ. قَوْلُهُ: وَالتَّقْدِيرُ بِالْإِبِلِ عُرِفَ بِالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ: قُلْت: تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ، رُوِيَ هَذَا اللَّفْظُ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ، وَمَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: أَمَّا الْمَوْقُوفُ، فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: عَقْلُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عَقْلِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ، وَفِيمَا دُونَهَا، انْتَهَى. وَقِيلَ: إنَّهُ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُحَدِّثْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، مَعَ أَنَّهُ أَدْرَكَ جَمَاعَةً مِنْهُمْ، وَأَمَّا الْمَرْفُوعُ، فأخرجه الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ" قَالَ: وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَكْحُولٍ، وَعَطَاءٍ، قَالُوا: أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، فَقَوَّمَ عُمَرُ تِلْكَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَلْفَ دِينَارٍ، واثني عشر أألف دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَإِذَا كَانَ الَّذِي أَصَابَهَا مِنْ الْأَعْرَابِ، فَدِيَتُهَا خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ3.
قَوْلُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ مَا دُونَ الثُّلُثِ، لَا يَنْتَصِفُ، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: جِرَاحَاتُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ سَوَاءٌ، إلَى الثُّلُثِ، فَمَا زَادَ، فَعَلَى النِّصْفِ، وهو منقطع، وأخرجه أَيْضًا2 عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ الْمُسَيِّبِ، كَمْ فِي إصْبَعِ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: عَشْرٌ، قَالَ: كَمْ فِي اثنين؟ قَالَ: عِشْرُونَ، قَالَ: كَمْ فِي ثَلَاثٍ؟ قَالَ: ثَلَاثُونَ، قَالَ: كَمْ فِي أَرْبَعٍ؟ قَالَ: عِشْرُونَ، قَالَ رَبِيعَةُ: حِينَ عَظُمَ جَرْحُهَا، وَاشْتَدَّتْ مُصِيبَتُهَا نَقَصَ عَقْلُهَا؟ قَالَ: أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟ قَالَ رَبِيعَةُ: عَالِمٌ مُتَثَبِّتٌ، أَوْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي إنَّهَا السُّنَّةُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُنَّا نَقُولُ بِهِ، ثُمَّ وَقَفْتُ عَنْهُ، وَأَنَا أسأل الْخِيَرَةَ، لِأَنَّا نَجِدُ مَنْ يَقُولُ السُّنَّةَ، ثُمَّ لَا نَجِدُ نَفَاذًا بِهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْقِيَاسُ أَوْلَى بِنَا فِيهَا، انْتَهَى. وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ: رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ3 حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ الرَّمْلِيُّ عَنْ ضَمْرَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " عَقْلُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ، حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتِهَا"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي أَوَائِلِ الْحُدُودِ مِنْ سُنَنِهِ. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَابْنُ جُرَيْجٍ حِجَازِيٌّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "عَقْلُ الْكَافِرِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِ" قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. فَحَدِيثُ ابْنِ عَمْرٍو: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ4 فَأَبُو دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "دِيَةُ الْمُعَاهَدِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ"، انْتَهَى. وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ عَمْرٍو بِهِ: دِيَةُ عَقْلِ الْكَافِرِ، نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَالنَّسَائِيُّ كَذَلِكَ، وَلَفْظُهُ: عَقْلُ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَفِي لَفْظٍ: عَقْلُ الْكَافِرِ نِصْفُ عَقْلٍ الْمُؤْمِنِ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَمْرٍو بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ عَقْلَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، انْتَهَى. وَبِسَنَدِ
أَبِي دَاوُد وَمَتْنِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ وَلَفْظُ ابْنِ رَاهْوَيْهِ قَالَ: دِيَةُ الْكَافِرِ، وَالْمُعَاهَدِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ دِيَةَ الْمُعَاهَدِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ" , انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام جَعَلَ دِيَةَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَرْبَعَةَ آلَافٍ، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ الْعُقُولِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 وَزَادَ: وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ عَقْلَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَلَى النِّصْفِ مِنْ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَهُوَ مُعْضِلٌ. قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يُعْرَفْ رَاوِيهِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، فِيهِ نَظَرٌ. الْآثَارُ: فِيهِ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ: فَحَدِيثُ عُمَرَ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا فُضَيْلٍ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَضَى فِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَفِي الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةٍ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ2 ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إنِّي لَأَذْكُرُ يَوْمَ نَعَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيّ عَلَى الْمِنْبَرِ، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِهَذَا إلَى أَنَّ سَعِيدًا عَنْ عُمَرَ غَيْرُ منقطع، ورواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ عُمَرَ بِنَحْوِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عُثْمَانَ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا3 أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ صَدَقَةَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَضَى عُثْمَانُ فِي دِيَةِ الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ بِهِ سَوَاءً، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَنَافِعٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ عليه السلام: "دِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ" , قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ" , انْتَهَى. وَوَقَفَهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَلَى سَعِيدٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: دِيَةُ كُلِّ مُعَاهَدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ، انْتَهَى. أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ أَبِي سَعْدٍ الْبَقَّالِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَى الْعَامِرِيَّيْنِ بِدِيَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ لَهُمَا عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَبُو سَعْدٍ الْبَقَّالُ اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ، انْتَهَى. وَسَعِيدُ بْنُ مَرْزُبَانَ فِيهِ لِينٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الضُّعَفَاءِ الَّذِينَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُمْ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 فِي الْحُدُودِ عَنْ أَبِي كُرْزٍ، قَالَ: سَمِعْت نَافِعًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَدَى ذِمِّيًّا دِيَةَ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَبُو كُرْزٍ هَذَا مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ نَافِعٍ غَيْرُهُ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْفِهْرِيُّ، انْتَهَى. وَأَعَادَهُ قَرِيبًا مِنْهُ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "دِيَةُ ذِمِّيٍّ دِيَةُ مُسْلِمٍ"، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا1 عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ دِيَةَ الْمُعَاهَدِ كدية المسلم، وَقَالَ: عُثْمَانُ الْوَقَّاصِيُّ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ ثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، قَالُوا: دِيَةُ الْمُعَاهَدِ دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ2 بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كَانَ عَقْلُ الذِّمِّيِّ مِثْلَ عَقْلِ الْمُسْلِمِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَمَنِ أَبِي بَكْرٍ، وَزَمَنِ عُمَرَ، وَزَمَنِ عُثْمَانَ، حَتَّى كَانَ صَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إنْ كَانَ أَهْلُهُ أُصِيبُوا بِهِ، فَقَدْ أُصِيبَ بِهِ بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَاجْعَلُوا لِبَيْتِ الْمَالِ النِّصْفَ، وَلِأَهْلِهِ النِّصْفَ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ، ثُمَّ قُتِلَ آخَرُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْ أَنَّا نَظَرْنَا إلَى هَذَا الَّذِي يَدْخُلُ بَيْتَ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَجَعَلْنَاهُ وَضِيعًا عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَعَوْنًا لَهُمْ، قَالَ: فَمِنْ هُنَالِكَ وَضَعَ عَقْلَهُمْ إلَى خَمْسِمِائَةٍ، قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ، وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، نَحْوَهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ بَرَكَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ ثَنَا الْوَلِيدُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الدِّيَةَ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، دِيَةُ الْمُسْلِمِ، وَالْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيّ سَوَاءً فَلَمَّا اُسْتُخْلِفَ مُعَاوِيَةُ صَيَّرَ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ عَلَى النِّصْفِ، فَلَمَّا اُسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَدَّهُ إلَى الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِبَرَكَةَ الْحَلَبِيِّ، وَقَالَ: سَائِرُ أَحَادِيثِهِ بَاطِلَةٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَصَالِحٍ، قَالُوا: عَقْلُ كُلِّ مُعَاهَدٍ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ، كَعَقْلِ الْمُسْلِمِينَ، جَرَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. الْآثَارُ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: دِيَةُ الْمُعَاهَدِ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، انْتَهَى. وَقَالَ ذَلِكَ عَلِيٌّ أَيْضًا، انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، والدارقطني فِي سُنَنِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، وَقَالَ: هُمَا مُنْقَطِعَانِ، إلَّا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَعْضُدُ الْآخَرَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا2 أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَرُفِعَ إلَى عُثْمَانَ فَلَمْ يَقْتُلْهُ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ أَلْفَ دِينَارٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ ثنا زحمويه ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ثَنَا ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ رضي الله عنهما يَجْعَلَانِ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ الْمُعَاهَدَيْنِ دِيَةَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَهُ نَحْوَهُ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: دِيَةُ كُلِّ ذِمِّيٍّ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَهُوَ قَوْلِي، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَبِذَلِكَ قَضَى أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَبِهِ ظَهَرَ عَمَلُ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، قُلْتُ: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَانَ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُثْمَانَ، فَلَمَّا كَانَ مُعَاوِيَةُ أَعْطَى أَهْلَ الْقَتِيلِ النِّصْفَ، وَأَلْقَى النِّصْفَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي النِّصْفِ، وَأَلْقَى مَا كَانَ جَعَلَ مُعَاوِيَةُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: ولم يقض أن أذاكرعمر بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَأُخْبِرَهُ أَنَّ الدِّيَةَ كَانَتْ تَامَّةً لأهل الدية، قُلْت لِلزُّهْرِيِّ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: دِيَتُهُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، فَقَالَ: إنَّ خَيْرَ الْأُمُورِ مَا عُرِضَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ} ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ4 وَقَالَ: وَقَدْ رَدَّهُ الشَّافِعِيُّ بِكَوْنِهِ مُرْسَلًا، انْتَهَى. قُلْنَا: يَلْزَمُ الشَّافِعِيَّ أَنْ يَعْمَلَ
بِمِثْلِهِ، لِأَنَّهُ أُرْسِلَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرحمن، كما تقدم، لاسيما وَقَدْ عَمِلَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ، مِثْلُ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، حَيْثُ رُوِيَ عَنْهُ، إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا، وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ، وَبِذَلِكَ قَضَى الْعُمْرَانِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَيُؤَيِّدُهُ التَّصْرِيحُ بِهِمَا فِي النُّسْخَةِ الْأُخْرَى، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ أَصْحَابُنَا ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْهُ.
فصل فيما دون النفس
فَصْلٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ: " فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ"، وَهَكَذَا هُوَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَأَعَادَهُ الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا بِأَتَمَّ مِنْهُ، فَحَدِيثُ سَعِيدٍ لَمْ أَجِدْهُ، وَأَمَّا كِتَابُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ1, وَأَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ كِتَابًا إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ فِيهِ الْفَرَائِضُ، وَالسُّنَنُ، وَالدِّيَاتُ، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَقَرَأَ2 عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، هَذِهِ نُسْخَتُهَا: مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] ، إلَى شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبْدِ كَلَالٍ، وَنُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ كَلَالٍ، قِيلَ: ذِي رُعَيْنٍ، وَمَعَافِرَ، وَهَمْدَانَ، أَمَّا بَعْدُ، وَكَانَ فِي كِتَابَتِهِ أَنَّ مَنْ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ، فَإِنَّهُ قَوَدٌ، إلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، وَأَنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْأَنْفِ إذَا أوعب جَدْعُهُ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْيَدِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عَشَرَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلْ بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ، انْتَهَى. وَرَوَيَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ كِتَابًا، الْحَدِيثَ، لَيْسَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَا أَبُوهُ، ولاجده، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَذَكَرَهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ
فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَهُوَ قَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ بِطُولِهِ فِي الصَّدَقَاتِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِهِ مُسْنَدًا، وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بِهِ مُسْنَدًا، وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بِهِ أَيْضًا مُسْنَدًا. مَا جَاءَ فِي اللِّسَانِ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ1 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ كَامِلَةً"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عن أشعث عن االزهري، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي اللِّسَانِ إذَا اُسْتُؤْصِلَ الدِّيَةُ كَامِلَةً"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوُهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ إذَا مَنَعَ الْكَلَامَ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ إذَا قُطِعَتْ الْحَشَفَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا غَرِيبُ الْمَتْنِ، لَا يُرْوَى إلَّا مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَضَعَّفَ الْعَرْزَمِيَّ، وَقَالَ: إنَّ عَامَّةَ مَا يَرْوِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، انْتَهَى، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ3 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ بِأَنَّ فِي اللِّسَانِ الدِّيَةَ، انْتَهَى. مَا جَاءَ فِي الْمَارِنِ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ4 أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ، قَالَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي عِنْدَهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فِي الْأَنْفِ إذَا قُطِعَ مَارِنُهُ الدِّيَةُ"، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي الْأَنْفِ إذا استؤصل مَارِنُهُ الدِّيَةُ"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: كَانَ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: فِي الْأَنْفِ إذَا اُسْتُوْعِبَ مَارِنُهُ الدِّيَةُ، انْتَهَى. مَا جَاءَ فِي الذَّكَرِ: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "فِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ
بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الذَّكَرِ الدِّيَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ إذَا اُسْتُؤْصِلَ، أَوْ قُطِعَتْ حَشَفَتُهُ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فِي اللِّسَانِ الدية، وفي الذَّكر الدِّيَةُ"، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الْعَقْلِ، بِأَنَّ فِي الذَّكَرِ الدِّيَةَ، وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةَ. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ، ذَهَبَ بِهَا الْعَقْلُ، وَالْكَلَامُ، وَالسَّمْعُ، وَالْبَصَرُ، قُلْتُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا فِي زَمَانِ الْجَمَاجِمِ، فَنَعَتَ نَعْتَهُ، فَقِيلَ: ذَاكَ أَبُو الْمُهَلَّبِ، عَمَّ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: رَمَى رَجُلٌ رَجُلًا بِحَجَرٍ فِي رَأْسِهِ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَهَبَ سَمْعُهُ، وَعَقْلُهُ، وَلِسَانُهُ، وَذَكَرُهُ فَلَمْ يَقْرَبْ النِّسَاءَ، فَقَضَى فِيهَا عُمَرُ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ، وَهُوَ حَيٌّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَوْفٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ2. الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: رُوِيَ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ، قُلْتُ: غَرِيبٌ، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي الْعَيْنِ نِصْفُ الْعَقْلِ، خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ عَدْلُهَا مِنْ الذَّهَبِ، أَوْ الْوَرِقِ، أَوْ الشَّاءِ، وَفِي الْيَدِ نِصْفُ الْعَقْلِ، خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ عَدْلُهَا مِنْ الذَّهَبِ، أَوْ الْوَرِقِ، أَوْ الْبَقَرِ، أَوْ الشَّاءِ، وَفِي الرِّجْلِ نِصْفُ الْعَقْلِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ عَدْلُهَا مِنْ الذَّهَبِ، أَوْ الْوَرِقِ، أَوْ الْبَقَرِ، أَوْ الشَّاءِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الْعَقْلِ بِأَنَّ فِي الذَّكَرِ الدِّيَةَ، وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةَ، وَرَوَى مَالِكٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ عَنْ الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي الْعُقُولِ، فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ: وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ، وَفِي الرِّجْلِ خَمْسُونَ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ: كَانَ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، نَحْوُ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَذَكَرَهُ بِنَحْوِ حَدِيثِ مَالِكٍ أَيْضًا، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ دَهْثَمِ بْنِ قِرَانٍ عَنْ نِمْرَانَ بْنِ جَارِيَةَ بْنِ ظُفَرَ الْحَنَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ مِنْ نِصْفِ سَاعِدِهِ، فَخَاصَمَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَضَى لَهُ بِخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ لَهُ: "خُذْهَا بَارَكَ اللَّهُ لَك فِيهَا"، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: وَدَهْثَمُ بْنُ قُرَّانَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَوَافَقَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ عَلَيْهِ. الْحَدِيثُ الثَّانِيَ عَشَرَ: وَفِيمَا كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، قُلْتُ: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ. الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "وَفِي كُلِّ إصْبَعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ غَالِبٍ التَّمَّارِ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ هِلَالٍ عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْأَصَابِعُ سَوَاءٌ، عَشْرٌ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ شُعْبَةَ عَنْ غَالِبٍ التَّمَّارِ عَنْ مَسْرُوقٍ بِهِ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا حُمَيْدٍ بْنُ هِلَالٍ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دِيَةُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ سَوَاءٌ، عَشْرَةٌ مِنْ الْإِبِلِ لِكُلِّ إصْبَعٍ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَمَا قِيلَ فِي عِكْرِمَةَ، فَشَيْءٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَلَا يُعَرِّجُ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَيْهِ، فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَّى بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَيْنَ الْأَسْنَانِ فِي الدِّيَةِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ4 عَنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مَطَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الْأَصَابِعُ كُلُّهَا سَوَاءٌ، فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ5 عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ
عَنْ عَمْرٍو بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ، وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إلَى الْكَعْبَةِ: "فِي الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ"، انْتَهَى. وَبِالسَّنَدَيْنِ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ مُعْضَلًا، فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَزَادَ: أَوْ قِيمَةُ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ، أَوْ الْوَرِقِ، أَوْ الْبَقَرِ، أَوْ الشَّاءِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي الْأَصَابِعِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، مُخْتَصَرٌ. وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: تَقَدَّمَ فِي كِتَابِهِ، وَفِي كُلِّ إصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ عَشَرَةٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَحَدِيثُ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي الأنف إذا استوعب جَدْعُهُ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ، وَفِي الرِّجْلِ خَمْسُونَ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ، وَفِي كُلِّ إصْبَعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ عَشْرٌ"، انْتَهَى. قَوْلُهُ: "وَالْأَصَابِعُ كُلُّهَا سَوَاءٌ"، لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، يُرِيدُ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ، وَقَدْ وَرَدَ مَا هُوَ أَصْرَحُ مِنْهُ، أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ2 إلَّا مُسْلِمًا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذِهِ، وَهَذِهِ سَوَاءٌ يَعْنِي الْإِبْهَامَ، وَالْخِنْصَرَ" , انْتَهَى. الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: "وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ"، قُلْتُ: لَيْسَ هَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ3 عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْأَسْنَانُ سَوَاءٌ الثَّنِيَّةُ، وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ، وَهَذِهِ، وَهَذِهِ سَوَاءٌ"، انْتَهَى. وَزَادَ أَبُو دَاوُد فِيهِ: الْأَصَابِعُ سَوَاءٌ، وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ مَاجَهْ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، انْتَهَى. وَوَهِمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، فَعَزَاهُ لِلتِّرْمِذِيِّ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد4 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَسْنَانِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فِي كُلِّ سِنٍّ، مُخْتَصَرٌ، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَفِي السُّنَنِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ عُمَرَ، نَحْوُهُ. قَوْلُهُ: وَالْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ، لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَرُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ، قُلْت: تَقَدَّمَ لِأَبِي دَاوُد، وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: الْأَصَابِعُ وَالْأَسْنَانُ سَوَاءٌ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْمَلِيُّ ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ، وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ، وَهَذِهِ، وَهَذِهِ سَوَاءٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ، إلَّا عَبْدَ الصَّمَدِ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيه مُخْتَصَرًا، انْتَهَى.
فصل في الشجاج
فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَضَى بِالْقِصَاصِ فِي الْمُوضِحَةِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا طَلَاقَ قَبْلَ مِلْكٍ، وَلَا قِصَاصَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ"، انْتَهَى. وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ الْحَسَنِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْضِ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِشَيْءٍ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ حُكُومَةَ عَدْلٍ، قُلْت: حَدِيثُ إبْرَاهِيمَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ حُكُومَةٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ. وَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ غَرِيبٌ، وَعَنْ شُرَيْحٍ نَحْوُ ذَلِكَ، رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: فِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْآمَّةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، فَإِذَا ذَهَبَ الْعَقْلُ، فَالدِّيَةُ كَامِلَةً، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ عُشْرٌ، وَنِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُوضِحَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْجِرَاحَات حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَلَا تَكُونُ الْمُوضِحَةُ إلَّا فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ، ولا تكون الجائقة إلَّا فِي الْجَوْفِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: رُوِيَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ: "فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْهَاشِمَةِ عشر، وفي المنقلة خمس عَشْرَةَ، وَفِي الْآمَّةِ، -وَيُرْوَى:-
الْمَأْمُومَةِ، ثُلُثُ الدِّيَةِ"، قُلْتُ: تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْهَاشِمَةِ، لَكِنْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ1 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: فِي الدَّامِيَةِ بَعِيرٌ، وَفِي الْبَاضِعَةِ بَعِيرَانِ، وَفِي الْمُتَلَاحِمَةِ ثَلَاثٌ، وَفِي السِّمْحَاقِ أَرْبَعٌ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ، وَفِي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الرَّجُلِ يُضْرَبُ حَتَّى يَذْهَبَ عَقْلُهُ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَفِي جَفْنِ الْعَيْنِ رُبْعُ الدِّيَةِ، وَفِي حَلَمَةِ الثَّدْيِ رُبْعُ الدِّيَةِ، انْتَهَى. وَهَذَا مَوْقُوفٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي آخِرِ الْحُدُودِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ ثَنَا مَكْحُولٌ، قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُوضِحَةِ بِخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ الثُّلُثُ، وَفِي الْجَائِفَةِ الثُّلُثُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ2 عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "في المواضح خَمْسٌ خَمْسٌ"، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُوضِحَةِ بِخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ عَدْلِهَا مِنْ الذَّهَبِ، أَوْ الْوَرِقِ، أَوْ الشَّاءِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ عَدْلُهَا مِنْ الذَّهَبِ، أَوْ الْوَرِقِ، أَوْ الشَّاءِ، أَوْ الْبَقَرِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 عَنْ خَالِدِ بْنِ إلْيَاسَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ الشِّفَاءِ أُمِّ سُلَيْمَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ أَبَا جَهْمِ بْنَ غَانِمٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَأَصَابَ رَجُلًا بِقَوْسِهِ، فَشَجَّهُ مُنَقِّلَةً، فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسٍ فَرِيضَةً، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "فِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ"، قُلْتُ: تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَفِي الجائفة ثلث الدية، وَتَقَدَّمَ فِي مُرْسَلِ مَكْحُولٍ، وَأَشْعَثَ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ، وَأَشْعَثُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الْجَائِفَةِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عِنْدَ الْبَزَّارِ. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ حَكَمَ فِي جَائِفَةٍ نَفَذَتْ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي عَاصِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ
ابْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: قَضَى أَبُو بَكْرٍ بِالْجَائِفَةِ إذَا نَفَذَتْ فِي الْجَوْفِ مِنْ الشِّقَّيْنِ، بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَضَى أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَائِفَةِ تَكُونُ نَافِذَةً بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ، وَقَالَ: هُمَا جَائِفَتَانِ، قَالَ سُفْيَانُ: وَلَا تَكُونُ الْجَائِفَةُ إلَّا فِي الْجَوْفِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا يَرْمُونَ، فَرَمَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ خَطَأً، فَأَصَابَ بَطْنَ رَجُلٍ، فأنفذه إلى ظهره، فدووي فَبَرَأَ، فَرُفِعَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَضَى فِيهِ بِجَائِفَتَيْنِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه قَضَى بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجُلٍ أُنْفِذَ مِنْ شِقَّيْهِ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ، وَقَالَ: هُمَا جَائِفَتَانِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو، فذكره. وأخرجه الْبَيْهَقِيُّ1. فَصْلٌ الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ"، قُلْت: تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ. الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: قَالَ عليه السلام: "يُسْتَأْنَى فِي الْجِرَاحَةِ سَنَةً" , قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تُقَاسُ الْجِرَاحَاتُ، ثُمَّ يُسْتَأْنَى بِهَا سَنَةً، ثُمَّ يُقْضَى فِيهَا بِقَدْرِ مَا انْتَهَتْ"، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَيَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ البيهقي عن أبي لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَأَعَلَّهُ بِابْنِ لَهِيعَةَ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلًا طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِدْنِي، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "لَا تَعْجَلْ حَتَّى يَبْرَأَ جُرْحُكَ"، قَالَ: فَأَبَى الرَّجُلُ، إلَّا أَنْ يَسْتَقِيدَ، فَأَقَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَعَرَجَ الرَّجُلُ الْمُسْتَقِيدُ، وَبَرَأَ الْمُسْتَقَادُ مِنْهُ، فَأَتَى الْمُسْتَقِيدُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
عَرَجْتُ مِنْهُ، وَبَرَأَ صاحبي، فقال عليه السلام: "أَلَمْ آمُرْكَ أن لا تسقيد حَتَّى يَبْرَأَ جُرْحُك، فَعَصَيْتنِي؟ فَأَبْعَدَكَ اللَّهُ، وَبَطَلَ عَرَجُك"، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ مَنْ كَانَ بِهِ جُرْحٌ أَنْ لَا يَسْتَقِيدَ حَتَّى تَبْرَأَ جِرَاحَتُهُ، فَإِذَا بَرَأَ اسْتَقَادَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ، قَالَ: ذَكَرَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجُلٍ طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ فِي رِجْلِهِ، الْحَدِيثَ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَظَاهِرُ هَذَا الِانْقِطَاعُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ، بِلَفْظِ أَحْمَدَ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا2 ثُمَّ قَالَ: مَا جَاءَ بِهِ هَكَذَا إلَّا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخُوهُ عُثْمَانُ، وَأَخْطَآ فِيهِ3 وَقَدْ خَالَفَهُمَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرٍو مُرْسَلًا، وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْهُ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ مُرْسَلًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ أَنَّ رَجُلًا طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ فِي رِجْلِهِ، الْحَدِيثَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُقْضَى مِنْ الْجُرْحِ حَتَّى يَنْتَهِيَ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا يَرْوِيهِ سُفْيَانُ، وَأَبَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ مُرْسَلًا، وَهُوَ عِنْدَهُمْ أَصَحُّ، عَلَى أَنَّ الَّذِي أَسْنَدَهُ ثِقَةٌ جَلِيلٌ وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُسْتَأْنَى بِالْجِرَاحَاتِ سَنَةً"، انْتَهَى. ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ، وَذَكَرَ أَسَدُ بْنُ مُوسَى حَدِيثَ يَحْيَى، وَيَحْيَى، وَيَزِيدُ مَتْرُوكَانِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَطَّانِ قَوْلَهُ: عَلَى أَنَّ الَّذِي أَسْنَدَهُ ثِقَةٌ، وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: فَإِنَّ أَصْحَابَ عَمْرٍو هُمْ الْمُخْتَلِفُونَ، فَأَيُّوبُ يُسْنِدُ عَنْهُ، وَأَبَانُ، وَسُفْيَانُ يُرْسِلَانِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَهَذَا اخْتِيَارٌ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ، أَنْ لَا يُعِلَّ رِوَايَةَ ثِقَةٍ، يُوَصِّلُ بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ أَتَاهُ مَقْطُوعًا، أَوْ أَسْنَدَهُ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ مُرْسَلًا، فَقَدْ يَكُونُ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْ غَيْرُهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَصْلُ وَالْإِرْسَالُ كِلَاهُمَا عَنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ ثِقَةٍ، لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ عِنْدَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، أَوْ حَدَّثَ بِهِ فِي حَالَيْنِ، فَقَدْ
يَكُونُ غَابَ عَنْهُ حَتَّى تَذَكَّرَ، أَوْ رَاجَعَ كِتَابَهُ، وَهَذَا كَمَا يَقُولُ أحدنا: قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عنده بسنده، وإنما الشَّأْنُ فِي أَنْ يَكُونَ الَّذِي يُسْنِدُ مَا رَوَاهُ غَيْرُهُ مَقْطُوعًا، أَوْ مُرْسَلًا غَيْرَ ثِقَةٍ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ، أَمَّا إذَا كَانَ ثِقَةً فَإِنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ فِي هَذَا الْأَصْلِ، وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ، فَطَائِفَةٌ مِنْ المحدثن مِنْهُمْ الْبَزَّارُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حديث أبي سعيد االخدري: لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، إلَّا لِخَمْسَةٍ، أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا أَرْسَلَهُ جَمَاعَةٌ، وَأَسْنَدَهُ ثِقَةٌ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الثِّقَةِ، قَالَ: وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى الرَّأْيِ الْأَوَّلِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ فَقَدْ اضْطَرَبَ فِي أَحْكَامِهِ، فَتَارَةً صَارَ إلَى الرَّأْيِ الْأَوَّلِ، وَتَارَةً إلَى الرَّأْيِ الثَّانِي، قَالَ: وَأَوْلَى بِالْقَبُولِ مَا إذَا أَرْسَلَ ثِقَةٌ، وَأَسْنَدَهُ ثِقَةٌ آخَرُ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُبَالَ بِإِرْسَالِ جَمَاعَةٍ إذَا وَصَلَهُ ثِقَةٌ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يُبَالَى بِإِرْسَالِ وَاحِدٍ إذَا وَصَلَهُ غَيْرُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ1 سَأَلْت أَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، فَرَوَى ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا طَعَنَ رَجُلًا فِي رُكْبَتِهِ بِقَرْنٍ، الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ أَنَّ رَجُلًا طَعَنَ، قَالَ: فَسَمِعْت أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ: حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَشْبَهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الذِّمَارِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رُفِعَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ، فَقَالَ الْمَطْعُون: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِدْنِي، قَالَ: "دَاوِهَا، وَاسْتَأْنَ بِهَا حَتَّى تَنْظُرَ إلَى مَا يَصِيرُ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِدْنِي، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَبِسَتْ رجل الذي استقاده، وبرىء الَّذِي اُسْتُقِيدَ مِنْهُ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَتَهَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ3 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُسْتَقَادُ مِنْ الْجُرْحِ حَتَّى يَبْرَأَ"، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: إسْنَادُهُ صَالِحٌ، وَعَنْبَسَةُ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: هُوَ مُرْسَلٌ مَقْلُوبٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُسْتَقَادَ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ، انْتَهَى. وَمُجَالِدٌ فِيهِ مَقَالٌ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا4 عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ حُمَيْدٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُمَوِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَيَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا جُرِحَ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقِيدَ
فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسْتَقَادَ مِنْ الْجَارِحِ حَتَّى يَبْرَأَ الْمَجْرُوحُ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُمَوِيُّ رَوَى لَهُ ابْنُ مَاجَهْ حَدِيثًا وَاحِدًا، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ: يُخَالِفُ فِي رِوَايَتِهِ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ، وَلَا نَعْلَمُ رَوَى عَنْهُ غَيْر ابْنِ كَاسِبٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ بُدَيْلُ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى طَرِيفِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ قَاضِيًا بِالشَّامِّ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطِّلِ ضَرَبَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ بِالسَّيْفِ، فَجَاءَتْ الْأَنْصَارُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: الْقَوَدُ، فَقَالَ: "يَنْتَظِرُ، فَإِنْ بَرَأَ صَاحِبُكُمْ، فَاقْتَصُّوا، وَإِنْ يَمُتْ نُقِدْكُمْ"، فَعُوفِيَ، فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ هَوَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَفْوِ، قَالَ: فَعَفَوْا عَنْهُ، فَأَعْطَاهُ صَفْوَانُ جَارِيَةً، فَهِيَ أُمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ1: وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْتَظِرُ بِالْجُرْحِ إلَى أَنْ يَبْرَأَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حنيقة، وَمَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَخَذُوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصَّ، وَلَا يَنْتَظِرَ، مُحْتَجًّا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ عليه السلام أَقَادَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَظِرَ، قَالَ الْحَازِمِيُّ: وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، ثُمَّ سَاقَهُ بِسَنَدِ أَحْمَدَ وَمَتْنِهِ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، فَإِنْ صَحَّ سَمَاعُ ابْنِ جُرَيْجٍ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ يَقْوَى الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِمَنْ يَدَّعِي النَّسْخَ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَا يَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ، عَمْدًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا صُلْحًا، وَلَا اعْتِرَافًا"، قُلْت: غَرِيبٌ مَرْفُوعًا، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ2 عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: الْعَمْدُ، وَالْعَبْدُ، وَالصُّلْحُ، وَالِاعْتِرَافُ لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ، عَمْدًا، ولاعبداً، وَلَا صُلْحًا، وَلَا اعْتِرَافًا، انتهى. ورواه أبو الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ فِي آخِرِ كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ كَذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ الْعَبْدِ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: مَعْنَاهُ أَنْ يَقْتُلَ الْعَبْدُ حُرًّا، فَلَيْسَ عَلَى عَاقِلَةِ مَوْلَاهُ شَيْءٌ مِنْ جِنَايَتِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي رَقَبَتِهِ، وَاحْتَجَّ كَذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ، عَمْدًا، وَلَا صُلْحًا، وَلَا اعْتِرَافًا، وَلَا مَا جَنَى الْمَمْلُوكُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَعَلَ الْجِنَايَةَ للمملوك، قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: إنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ يُجْنَى عَلَيْهِ،
يَقْتُلُهُ حُرٌّ، وَيَجْرَحُهُ، فَلَيْسَ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي شَيْءٌ، إنَّمَا ثَمَنُهُ فِي مَالِهِ خَاصَّةً، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَذَاكَرْت الْأَصْمَعِيَّ فِيهِ، فَقَالَ: الْقَوْلُ عندي ما قاله ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَعَلَيْهِ كَلَامُ الْعَرَبِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَكَانَ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَنْ عَبْدٍ، وَلَمْ يَكُنْ: وَلَا تَعْقِلُ عَبْدًا، انْتَهَى. وَأَعَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَعَاقِلِ. وَحَدِيثُ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ1 عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حُسَيْنٍ أَبِي مَالِكٍ النَّخَعِيّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ الشَّعْبِيِّ، وَعُمَرَ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حُسَيْنٍ، غَيْرُ قَوِيٍّ، وَالْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ أَبِي إدْرِيسَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ مِنْ قَوْلِهِ، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حُسَيْنٍ أَبُو مَالِكٍ النَّخَعِيّ ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعٌ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي، وَأَبَا زُرْعَةَ، يَقُولَانِ: الشَّعْبِيُّ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَجْعَلُوا عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ قَوْلِ مُعْتَرِفٍ شَيْئًا"، انْتَهَى. وَالْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ هَذَا أَظُنُّهُ الْمَصْلُوبَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَأَصَابَ فِي شَكِّهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَعَلَ عَقْلَ الْمَجْنُونِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وقال: عمده وخطأه سَوَاءٌ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ3 قَالَ: رُوِيَ أَنَّ مَجْنُونًا سَعَى عَلَى رَجُلٍ بِسَيْفٍ، فَضَرَبَهُ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عَلِيٍّ، فَجَعَلَ عَقْلَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَقَالَ: عَمْدُهُ وخطأه سَوَاءٌ، وَأَخْرَجَ4 عَنْ جَابِرٍ الجعفي فيه عَنْ الْحَكَمِ، قَالَ: كَتَبَ عمر: لايؤمن أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا، وعمد الصبي، وخطأه سَوَاءٌ، فِيهِ الْكَفَّارَةُ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ عَبْدَهَا فَاجْلِدُوهَا الْحَدَّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مُنْقَطِعٌ، وَرِوَايَةُ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ فيه ضعيف، قَالَ: عَمْدُ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ ثُمَّ سَاقَهُ بِسَنَدِهِ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: عَمْدُ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَعْرِفَةِ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ بِمُرَّةَ، انْتَهَى.
فصل في الجنين
فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ الْحَدِيثُ الْحَادِيَ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ: "فِي الْجَنِينِ غُرَّةٌ عَبْدٌ،، أَوْ أَمَةٌ، قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ، وَيُرْوَى: أَوْ خَمْسُمِائَةٍ"، قُلْت: الْأَوَّلُ غَرِيبٌ، وَرِوَايَةُ: أَوْ خَمْسُمِائَةٍ، عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمِهِ1 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمُرِّيِّ ثَنَا الْمِنْهَالُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ تَمَّامٍ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ فِينَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ، لَهُ امْرَأَتَانِ: إحدهما هُذَلِيَّةٌ، وَالْأُخْرَى عَامِرِيَّةٌ، فَضَرَبَتْ الْهُذَلِيَّةُ بَطْنَ الْعَامِرِيَّةِ، بِعَمُودِ خِبَاءٍ، أَوْ فُسْطَاطٍ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَانْطَلَقَ بِالضَّارِبَةِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَهَا أَخٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ: عِمْرَانُ بْنُ عُوَيْمِرٍ، فَلَمَّا قَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دُوهْ"، فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَدِي مَنْ لَا أَكَلَ وَلَا شَرِبَ، وَلَا صَاحَ، فَاسْتَهَلَّ؟ وَمِثْلُ هَذَا يُطَلُّ فَقَالَ عليه السلام: "دَعْنِي مِنْ رَجَزِ الأعراب، فيه غرة، عبداً، أَوْ أَمَةٌ، أَوْ خَمْسُمِائَةٍ، أَوْ فَرَسٌ، أَوْ عِشْرُونَ وَمِائَةُ شَاةٍ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لَهَا ابْنَيْنِ، هُمَا سَادَةُ الْحَيِّ، وَهُمْ أَحَقُّ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْ أُمِّهِمْ، قَالَ: "أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تَعْقِلَ عَنْ أُخْتِك مِنْ وَلَدِهَا"، قَالَ: مَا لِي شَيْءٌ أَعْقِلُ، قَالَ: يَا حَمَلَ بْنَ مَالِكٍ وَكَانَ يَوْمَئِذٍ عَلَى صَدَقَاتِ هُذَيْلٍ، وَهُوَ زَوْجُ الْمَرْأَتَيْنِ، وَأَبُو الْجَنِينِ الْمَقْتُولِ اقْتَضِ مِنْ تَحْتِ يَدِك مِنْ صَدَقَاتِ هُذَيْلٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ شَاةٍ، فَفَعَلَ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بن شيب الْعَسَّالُ الْأَصْبَهَانِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْبَجَلِيُّ ثَنَا سَلَمَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، وَاسْمُ أَبِي الْمَلِيحِ أُسَامَةُ بْنُ عُمَيْرٍ الْهُذَلِيُّ، ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْأَلْفِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، وَصَفْوَانُ بْنُ الْمُغَلِّسِ، قَالَا: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ يُوسُفَ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ امْرَأَةٍ خَذَفَتْ امْرَأَةً، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَلَدِهَا بخمسمائة، ونهى عن الحذف، انْتَهَى. وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يَرْوِيه عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ، إلَّا يُوسُفَ بْنَ صُهَيْبٍ، وَهُوَ رَجُلٌ مَشْهُورٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَوَّمَ الْغُرَّةَ خَمْسِينَ دِينَارًا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ3 عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: الْغُرَّةُ
خَمْسُمِائَةٍ يعني درهماً قَالَ: رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: هِيَ خَمْسُونَ دِينَارًا، انْتَهَى. وَرَوَى إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ طَارِقٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: الْغُرَّةُ خَمْسُمِائَةٍ، وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ الْغُرَّةُ خَمْسُونَ دِينَارًا، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَضَى فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْخَمْسِمِائَةِ، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ. الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ فِي الْجَنِينِ غُرَّةً عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلَةِ، وَبَرَّأَ زَوْجَهَا، وَوَلَدَهَا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى التَّيْمِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نَضْلَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَاقِلَتِهَا بِالدِّيَةِ، وَغُرَّةٍ فِي الْحَمْلِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْغُرَّةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، انْتَهَى. وَبِهَذَا السَّنَدِ وَالْمَتْنِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَأَخْرَجَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَيْضًا1 قَالَ: كَانَتْ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ هُذَيْلٍ امْرَأَتَانِ، فَغَارَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، فَرَمَتْهَا بِفِهْرٍ، أَوْ عَمُودِ فُسْطَاطٍ، فَأَسْقَطَتْ، فَرَجَعَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ، فَقَالَ وَلِيُّهَا: أَنَدِي مَنْ لَا صَاحَ، وَلَا اسْتَهَلَّ وَلَا شَرِبَ، وَلَا أَكَلَ فَقَالَ عليه السلام: "أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْأَعْرَابِ"؟ وَجَعَلَهَا عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ، انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ2 حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نَضْلَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ هُذَيْلٍ، فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِعَمُودٍ، فَقَتَلَتْهَا، فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: كَيْفَ نَدِي مَنْ لَا صَاحَ، وَلَا أَكَلَ وَلَا شَرِبَ، وَلَا اسْتَهَلَّ فَقَالَ: "أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْأَعْرَابِ"؟ فَقَضَى فِيهِ غُرَّةً، وَجَعَلَهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَرْأَةِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ3 عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ ثَنَا شُعْبَةُ بِهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ فِي الْجَنِينِ: "دُوهْ"، وَقَالُوا: أَنَدِي مَنْ لَا صَاحَ، وَلَا اسْتَهَلَّ، الْحَدِيثَ. قُلْت: الْأَوَّلُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ حَمَلِ بْنِ مالك بن االنابغة الهذلي، أنه كاانت عِنْدَهُ امْرَأَةٌ، فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أُخْرَى، فَتَغَايَرَتَا، فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ، فَطَرَحَتْ وَلَدًا مَيِّتًا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دُوهْ"، فَجَاءَ وَلِيُّهَا فَقَالَ: أَنَدِي مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ، وَلَا اسْتَهَلَّ فَمِثْلُ ذَلِكَ بطل فَقَالَ: "رَجَزُ الْأَعْرَابِ، نَعَمْ دُوهْ، فِيهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ، وأمة، أَوْ وَلِيدَةٌ"، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَيْضًا أَوَّلَ الْفَصْلِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْمَلِيحِ فِي قِصَّةِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُمْ: "دُوهْ". حَدِيثُ: أَنَدِي، هُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ1 وَابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي قِصَّةِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ أَيْضًا، وَفِيهِ: أَنَدِي مَنْ لَا صَاحَ وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد2 وَأَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمِهِ، والدارقطني فِي سُنَنِهِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي الْقِصَّةِ: أَنَدِي مَنْ لَا صَاحَ، وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَسْبَاطٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْقِصَّةِ أَيْضًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نَدِيهِ، وَمَا اسْتَهَلَّ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ، قَتَلَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، إلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَتْ الْعَاقِلَةُ: أَنَدِي مَنْ لَا شَرِبَ، وَلَا أَكَلَ وَلَا صَاحَ فَاسْتَهَلَّ، الْحَدِيثَ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: بَلَغَنَا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جعل الْغُرَّةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ، قُلْت: غَرِيبٌ. الْحَدِيثُ الخامس والعشرين: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ صَحَّ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بِالدِّيَةِ، وَالْغُرَّةِ يَعْنِي إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا، ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ. قُلْت: نَظَرْت الْكُتُبَ السِّتَّةَ إلَّا النَّسَائِيّ فَلَمْ أَجِدْهُ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَاَلَّذِي فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ3 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ بِغُرَّةِ عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ إنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا، وَلِزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ، وَقَالَ: قَدْ يُوهِمُ هَذَا الْخَبَرُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْقَاتِلَةَ هِيَ الَّتِي مَاتَتْ، ثُمَّ ذكر أخباراً تدل على أن المقنولة هِيَ الَّتِي مَاتَتْ: مِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ
عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه نَاشَدَ النَّاسَ فِي الْجَنِينِ، فَقَامَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ، فَقَالَ: كُنْت بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ، فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، فَقَتَلَتْهَا، وَجَنِينَهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ، وَأَنْ تُقْتَلَ بِهَا انْتَهَى. وَهَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 فِي الْفَضَائِلِ، وَالْمَرْأَتَانِ اسْمُهُمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد2 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ اسْمُ إحْدَاهُمَا مُلَيْكَةَ، وَالْأُخْرَى أُمُّ غُطَيْفٍ، وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيُّ3 عَنْ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ، قَالَ: كَانَتْ أُخْتِي مُلَيْكَةُ، وَامْرَأَةٌ مِنَّا، يُقَالُ لَهَا: أُمُّ عفيفة، بنت مسروح، نحت حَمَلِ بْنِ النَّابِغَةِ، فَضَرَبَتْ أُمُّ عَفِيفٍ مُلَيْكَةَ، بِمِسْطَحِ بيتها، وهي حامل، فقتلها، وَذَا بَطْنِهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِالدِّيَةِ، وَفِي جَنِينِهَا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَلَدِهِ، فَقَالَ أَخُوهَا الْعَلَاءُ بْنُ مَسْرُوحٍ: يَا رَسُولَ الله أنعزم مَنْ لَا أَكَلَ وَلَا شَرِبَ، وَلَا نَطَقَ، وَلَا اسْتَهَلَّ فَمِثْلُ هَذَا يُطَلُّ فَقَالَ عليه السلام: "أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْجَاهِلِيَّةِ"، انْتَهَى.
باب ما يحدثه الرجل في الطريق
بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ حَدِيثٌ: قَالَ عليه السلام: "لا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي لُبَابَةَ، وَثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَائِشَةَ. فَحَدِيثُ عُبَادَةَ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ4 فِي الْأَحْكَامِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُغَلِّسِ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ خَالِدٍ النُّمَيْرِيُّ عن الفضل بْنِ سُلَيْمَانَ النُّمَيْرِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ جَدِّ أَبِيهِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنْ لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي أَطْرَافِهِ: وَأَظُنُّ إسْحَاقَ لَمْ يُدْرِكْ جَدَّهُ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا5 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، قَالَ: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، وَعَنْهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو ثَنَا زَائِدَةُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَرْفُوعًا، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 فِي الْأَقْضِيَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: وَإِبْرَاهِيمُ هَذَا هُوَ ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ، وَفِيهِ مَقَالٌ، فَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 فِي الْبُيُوعِ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، مَنْ ضَرَّ ضَرَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ شَقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سننه: لاضرر، وَلَا ضِرَارَ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْحَسَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَافِظِ الْمَعْرُوفُ بِقُبَيْطَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُعَاذٍ النَّصِيبِيِّ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ بِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَعَبْدُ الْمَلِكِ هَذَا لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ، وَلَا يُعْرَفُ مَنْ ذَكَرَهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ3 فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيهِ أَبُو سَعِيدٍ، وَعَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَوَهِمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، فَعَزَاهُ لِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا4 عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: أَرَاهُ عَنْ ابْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: لَا ضَرَرَ، وَلَا ضَرُورَةَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي لُبَابَةَ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا ضَرَرَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا ضِرَارَ"، وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّةً. وَأَمَّا حَدِيثُ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ الْمَكِّيُّ ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ بْنِ كَاسِبٍ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، مَوْلَى مُزَيْنَةُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ"، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسِ بْنِ كَامِلٍ ثَنَا حِبَّانُ بْنُ بِشْرٍ الْقَاضِي، قَالَ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ"، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ"، انْتَهَى. فِيهِ الْوَاقِدِيُّ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ راشد ثَنَا رَوْحُ بْنُ صَلَاحٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا ضَرَرَ ولا ضرار"، انتهى. وسكت عَنْهُ، وَرَوَاهُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد الْمَكِّيُّ ثَنَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ الرَّاسِبِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ مَشْمُولٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ نَافِعِ بْنِ مَالِكٍ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ"، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الْقَاسِمِ، إلَّا نَافِعُ بْنُ مَالِكٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ2 قِيلَ: الضرار، وَالضِّرَارُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَيَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا، وَقِيلَ: هُمَا مُتَغَايِرَانِ، فَقِيلَ: بِمَعْنَى الْفِعْلِ وَالْمُفَاعَلَةِ، كَالْقَتْلِ، وَالْقِتَالِ، أي لا يضر أحداً ابْتِدَاءً، وَلَا يُضَارُّهُ إنْ ضَارَّهُ، وَقِيلَ: الضَّرَرُ الِاسْمُ، وَالضِّرَارُ الْفِعْلُ، انْتَهَى.
باب جناية البهيمة، والجناية عليها
بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ، وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي فَارِسَيْنِ اصْطَدَمَا أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ دِيَةِ الْآخَرِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّ دِيَةِ الْآخَرِ، قُلْتُ: الْأَوَّلُ: غَرِيبٌ، وَالثَّانِي: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْقَسَامَةِ أَخْبَرَنَا أَشْعَثُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلَيْنِ صَدَمَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَضَمَّنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ يَعْنِي الدِّيَةَ، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيٍّ فِي فَارِسَيْنِ اصْطَدَمَا، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ضَمَّنَ الْحَيَّ لِلْمَيِّتِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأحمر عن أشعث عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْفَارِسَيْنِ يَصْطَدِمَانِ، قَالَ: يَضْمَنُ الْحَيُّ دِيَةَ الْمَيِّتِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ"، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَالرِّجْلُ جُبَارٌ، قُلْت: الْأَوَّلُ: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، فَرَوَوْهُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ1 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجُوهُ إلَّا أَبَا دَاوُد، وَابْنَ مَاجَهْ2 عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الدِّيَاتِ، وَمُسْلِمٌ فِي الْحُدُودِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْأَحْكَامِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الزَّكَاةِ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الدِّيَات، قَالَ أَبُو دَاوُد: الْعَجْمَاءُ الْمُنْفَلِتَةُ الَّتِي لَا يَكُونُ مَعَهَا أَحَدٌ، وَتَكُونُ بِالنَّهَارِ، وَلَا تَكُونُ بِاللَّيْلِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: الْجُبَارُ: الْهَدَرُ الَّذِي لَا يُغْرَمُ، انْتَهَى. وَفِي الْمُوَطَّإِ قَالَ مَالِكٌ: الْجُبَارُ، أَيْ لَا دِيَةَ فِيهِ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد3 فِي الدِّيَاتِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْعَارِيَّةِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الرِّجْلُ جُبَارٌ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ،4 وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، وَهُوَ وَهَمَ لَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَخَالَفَهُ الْحُفَّاظُ عَنْ الزهري: منهم مَالِكٌ، وَيُونُسُ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَمَعْمَرٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَالزُّبَيْدِيُّ، وَعُقَيْلٌ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَكُلُّهُمْ رَوَوْهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ: الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، والبئر جُبَارٌ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الرِّجْلَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقِيلَ إنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ مَعْرُوفٌ بِسُوءِ الْحِفْظِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ: وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ أَبُو مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ الْوَاسِطِيُّ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُقَدِّمَةِ، وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَفِيهِ مَقَالٌ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْجِنَايَاتِ عَنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إيَاسٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، نَحْوُهُ سَوَاءً، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ، وَهُوَ وَهَمَ، لَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ عن شهبة، انْتَهَى. طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ ثَنَا حَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "العجماء جُبَارٌ، وَالرِّجْلُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ"، انْتَهَى. وَهُوَ مُعْضَلٌ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ، قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَيَّةَ إسْمَاعِيلَ بْنِ يَعْلَى الثَّقَفِيِّ ثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَمْرِو بْنِ وُهَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: لَمْ يَقْضِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا ثَلَاثَ قَضِيَّاتٍ: فِي الْآمَّةِ، وَالْمُنَقِّلَةِ، وَالْمُوضِحَةِ، فِي الْآمَّةِ: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ: خَمْسَ عَشْرَةَ، وَفِي الْمُوضِحَةِ: خَمْسًا، وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبْعَ ثَمَنِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي ضُعَفَائِهِ، وَأَعَلَّهُ بِإِسْمَاعِيلَ أَبِي أُمَيَّةَ، وَضَعَّفَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ تَوْثِيقٍ. قَوْلُهُ: وَهَكَذَا قَضَى فِيهِ عُمَرَ، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَيْهِ: أَنَّ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبْعَ ثَمَنِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الوهاب الثقفي عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبْعُ ثَمَنِهَا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَضَى عُمَرُ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ ثَمَنِهَا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: أَتَانِي عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ أَنَّ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبْعَ ثَمَنِهَا، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: عَنْ عَلِيٍّ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ الرُّبْعُ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي رَجُلٍ نَخَسَ دَابَّةً عَلَيْهَا رَاكِبٌ، فَصَدَمَتْ آخَرَ فَقَتَلَتْهُ، أَنَّهُ عَلَى النَّاخِسِ، لَا عَلَى الرَّاكِبِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ بِجَارِيَةٍ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ، فَمَرَّ عَلَى
رَجُلٍ وَاقِفٍ عَلَى دَابَّةٍ، فَنَخَسَ رَجُلٌ الدَّابَّةَ، فَرَفَعَتْ رِجْلَهَا، فَلَمْ يُخُطِ عَيْنَ الْجَارِيَةِ، فَرُفِعَ إلَى سَلْمَانَ بْنِ أبي رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيِّ، فَضَمَّنَ الرَّاكِبَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: عَلَى الرَّجُلِ، إنَّمَا يُضَمِّنَ النَّاخِسَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الْمَسْعُودِيُّ بِهِ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ شُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ.
باب جناية المملوك، والجناية عليه
بَابُ جنَايَةِ الْمَمْلُوكِ، وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ قوله: اختلف الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم في العبد الجاني، هل يَدْفَعُ، أَوْ يَفْدِي، أَوْ يُبَاعُ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ حُصَيْنٍ الْحَارِثِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: مَا جَنَى العبد ففي رقبته، ويخبر مَوْلَاهُ، إنْ شَاءَ فَدَاهُ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَنْقُصُ فِي الْعَبْدِ عَشْرَةٌ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ عَشْرَةَ آلَافٍ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا عَنْ النَّخَعِيّ، وَالشَّعْبِيِّ، قَالَا: لَا يَبْلُغُ بِدِيَةِ الْعَبْدِ دِيَةَ الْحُرِّ، انْتَهَى.
فصل في جناية المدبر، وأم الولد
فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَضَى بِجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَوْلَاهُ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ السَّلُولِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: جِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَوْلَاهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ النَّخَعِيّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ رضي الله عنهم أجمعين.
باب القسامة
بَابُ الْقَسَامَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام لِلْأَوْلِيَاءِ: "فَيُقْسِمُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ1 عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلِ
بْنِ زَيْدٍ، وَمُحَيِّصَةَ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ حَتَّى إذَا كَانَا بِخَيْبَرَ تَفَرَّقَا فِي بَعْضِ مَا هُنَالِكَ، ثُمَّ إذَا مُحَيِّصَةُ يَجِدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا، فَدَفَنَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُوَ، وَحُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَتَكَلَّمَ قَبْلَ صَاحِبِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْكُبْرَ الْكُبْرَ"، يُرِيدُ السِّنَّ، وَفِي لَفْظٍ: "كَبِّرْ كَبِّرْ"، فَصَمَتَ، وَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ، وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا، فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتَلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ، فَقَالَ لَهُمْ: "أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ"؟ قَالُوا: وَكَيْفَ نَحْلِفُ، وَلَمْ نَشْهَدْ؟ وَفِي لَفْظٍ1: "يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ"؟ قَالُوا: أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ، كَيْفَ نَحْلِفُ، قَالَ: "فَيَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ"، قَالُوا: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ، وَفِي لَفْظٍ2: كَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ، قَالَ سَهْلٌ: فَلَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، وَمَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَقَالَا فِيهِ: "أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ"، وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى، فَبَدَأَ بِقَوْلِهِ: "تُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا"، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ الْبُخَارِيَّ، وَمُسْلِمًا أَخْرَجَا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَبِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى الْبِدَايَةِ بِالْأَنْصَارِ، انْتَهَى. وَرِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ3 وَلَفْظُهُ: "أَفَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا، يَحْلِفُونَ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْتُلُوهُ"؟ قَالُوا: وَكَيْفَ نَرْضَى بِأَيْمَانِهِمْ، وَهُمْ مُشْرِكُونَ؟ قَالَ: "فَيُقْسِمُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ"، ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسُقْ مَتْنَهُ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ وُهَيْبٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَفِيهِ تَقْدِيمُ الْيَهُودِ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ4 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: "الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، ضَعَّفَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَغَيْرُهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ5 عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَحَجَّاجُ
بْنُ أَرْطَاةَ ضَعِيفٌ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ الْعَرْزَمِيِّ عَنْهُ، وَالْعَرْزَمِيُّ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَلَمْ يُحْسِنْ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ إذْ أَحَالَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى بَابِ الدَّعْوَى وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ فِي الدَّعْوَى الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَهُوَ حَدِيثٌ آخر، غير هَذَا. وَاعْلَمْ أَنَّ شَطْرَ الْحَدِيثِ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، رَوَوْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ1 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ"، انْتَهَى. وَلَفْظُ الْبَاقِينَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 فِي الرَّهْنِ وَفِي الشَّهَادَاتِ وَفِي التَّفْسِيرِ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْقَضَاءِ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَحْكَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ عليه السلام بَدَأَ بِالْيَهُودِ فِي الْقَسَامَةِ، وَجَعَلَ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ، لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قاال: كَانَتْ الْقَسَامَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتِيلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وُجِدَ فِي جُبٍّ لِلْيَهُودِ، قَالَ: فَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ بِالْيَهُودِ، فَكَلَّفَهُمْ قَسَامَةَ خَمْسِينَ، فَقَالَتْ الْيَهُودُ: لَنْ نَحْلِفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ: "أَفَتَحْلِفُونَ"؟ فَأَبَتْ الْأَنْصَارُ أَنْ تَحْلِفَ، فَأَغْرَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ دِيَتَهُ، لِأَنَّهُ قُتِلَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ بِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ بِهِ. أَحَادِيثُ الْبَابِ: فِيهِ أَحَادِيثُ مُسْنَدَةٌ، وأحاديث مرسلة. فالمسند مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الدِّيَاتِ، وَمُسْلِمٌ فِي الْحُدُودِ3 عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبْرَزَ سَرِيرَهُ يَوْمًا لِلنَّاسِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي الْقَسَامَةِ؟ قَالُوا: الْقَوَدُ بِهَا حَقٌّ، الْحَدِيثُ بِطُولِهِ، إلَى أَنْ قَالَ يَعْنِي الْأَنْصَارَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَاحِبُنَا
كَانَ يَتَحَدَّثُ مَعَنَا، فَخَرَجَ بَيْنَ أَيْدِينَا، فَإِذَا نَحْنُ بِهِ يَتَشَحَّطُ فِي الدَّمِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "بِمَنْ تَظُنُّونَ"؟ قَالُوا: نَرَى أَنَّ الْيَهُودَ قَتَلَتْهُ، فَأَرْسَلَ إلَى الْيَهُودِ، فدعاهم، فقال: "أنتم قَتَلْتُمْ هَذَا"؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: "أَتَرْضَوْنَ نَفَلَ خَمْسِينَ مِنْ الْيَهُودِ مَا قَتَلُوهُ"؟ فَقَالُوا: مَا يُبَالُونَ أَنْ يقتلوه أجمعين، ثم ينفلون، قَالَ: "أَفَتَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ"؟ قَالُوا: مَا كُنَّا لِنَحْلِفَ، فَوَدَاهُ عليه الصلاة والسلام، مِنْ عِنْدِهِ، مُخْتَصَرٌ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الدِّيَاتِ1 عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بُشَيْرٍ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ انْطَلَقُوا إلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقُوا فِيهَا، فَوَجَدُوا أَحَدَهُمْ قَتِيلًا، وَقَالُوا لِلَّذِينَ وُجِدَ فِيهِمْ: قَتَلْتُمْ صَاحِبَنَا؟ قَالُوا: مَا قَتَلْنَا، وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلًا، فَانْطَلَقُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْطَلَقْنَا إلَى خَيْبَرَ، فَوَجَدْنَا أَحَدَنَا قَتِيلًا، فَقَالَ لَهُمْ: "تَأْتُونِي بِالْبَيِّنَةِ2 عَلَى مَنْ قَتَلَهُ"؟ قَالُوا: ما لنا ببينة، قَالَ: "فَيَحْلِفُونَ"؟ قَالُوا: لَا نَرْضَى بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلَّ دَمُهُ، فَوَدَاهُ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ أَعْنِي أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد3 عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِلْيَهُودِ، وَبَدَأَ بِهِمْ: "يَحْلِفُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا"، فَأَبَوْا، فَقَالَ للأنصار: "اسْتَحْلِفُوا"؟ قَالُوا: نَحْلِفُ عَلَى الْغَيْبِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةً عَلَى يَهُودَ، لِأَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ: مَا مَنَعَك عَلَى أَنْ تَأْخُذَ بِحَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ؟ قَالَ: مُرْسَلٌ، وَالْقَتِيلُ أَنْصَارِيٌّ، والأنصاريون بِالْعِنَايَةِ أَوْلَى بِالْعِلْمِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ يَهُودَ قَتَلَتْ مُحَيِّصَةُ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ لِقَسَامَتِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا خَمْسِينَ رَجُلًا، أَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنْ قَتْلِهِ، فَنَكَلَتْ يَهُودُ عَنْ الْأَيْمَانِ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي حَارِثَةَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا خَمْسِينَ رَجُلًا أَنَّ يَهُودَ قَتَلَتْهُ غِيلَةً، وَيَسْتَحِقُّونَ بِذَلِكَ الَّذِي يَزْعُمُونَ، فَنَكَلَتْ بَنُو حَارِثَةَ عَنْ الْأَيْمَانِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَضَى بِعَقْلِهِ عَلَى يَهُودَ، لِأَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَفِي دِيَارِهِمْ، انْتَهَى. وَفِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَيَأْتِيَانِ فِي حَدِيثِ الْجَمْعِ بَيْنَ الدِّيَةِ، وَالْقَسَامَةِ. الْمَرَاسِيلُ: فِيهِ عَنْ الْمُسَيِّبِ، وَعَنْ الْحَسَنِ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. فَحَدِيثُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: تَقَدَّمَ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ: فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِيَهُودِ، فَأَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا، فَرَدَّ الْقَسَامَةَ عَلَى الْأَنْصَارِ، فَأَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَقْلَ عَلَى يَهُودَ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ دِيَارٍ، أَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، فَإِنْ نَكَلُوا أُحْلِفَ الْمُدَّعُونَ، وَاسْتَحَقُّوا، فَإِنْ نَكَلَ الْفَرِيقَانِ، كَانَتْ الدِّيَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، انْتَهَى. أَثَرٌ: رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَدَأَ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فِي الْقَسَامَةِ بِالْأَيْمَانِ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ1. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ: " تُبْرِئُكُمْ الْيَهُودُ بِأَيْمَانِهَا" , قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ سَهْلٍ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ السِّتَّةُ. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام جَمَعَ بَيْنَ الدِّيَةِ، وَالْقَسَامَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ سَهْلٍ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ زِيَادٍ، قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ سَهْلٍ2 لَيْسَ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الدِّيَةِ، وَالْقَسَامَةِ،
وَحَدِيثُ ابْنِ زِيَادٍ غَرِيبٌ، وَرَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَامِينَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتْ الْقَسَامَةُ فِي الدَّمِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُقِدَ تَحْتَ اللَّيْلِ، فجاءت الأنصار يوم خيبر، فَقَالُوا: إنَّ صَاحِبَنَا يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ، فَقَالَ: "أَتَعْرِفُونَ قَاتِلَهُ"؟ قَالُوا: لَا، إلَّا أَنَّ الْيَهُودَ قَتَلَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اخْتَارُوا مِنْهُمْ خَمْسِينَ رَجُلًا، فَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ"، ثُمَّ خُذُوا الدِّيَةَ مِنْهُمْ، فَفَعَلُوا، انْتَهَى. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَمْ نَسْمَعْهُ إلَّا مِنْ أَبِي كُرَيْبٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَامِينَ1 هَذَا، فَقَدْ رَوَى عَنْهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْر، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وُجِدَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ قَتِيلًا فِي دَالِيَةِ نَاسٍ مِنْ الْيَهُودِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ إلَيْهِمْ، فَأَخَذَ مِنْهُمْ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ خِيَارِهِمْ، فَاسْتَحْلَفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُ، وَلَا عَلِمْت قَاتِلًا، ثُمَّ جَعَلَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةَ، فَقَالُوا: لَقَدْ قَضَى بِمَا فِي نَامُوسِ مُوسَى، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الْكَلْبِيُّ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى تَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِالْكَلْبِيِّ، وَقَدْ خَالَفَتْ رِوَايَتُهُ هَذِهِ رِوَايَةَ الثِّقَاتِ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الدِّيَةِ، والقسامة على وداعة، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَسُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ قَتِيلًا وُجِدَ بَيْنَ وداعة، وَشَاكِرٍ، فَأَمَرَ عُمَرُ أَنْ يَقِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا، فَوَجَدُوهُ إلى وداعة أَقْرَبَ، فَأَحْلَفَهُمْ عُمَرُ خَمْسِينَ يَمِينًا، كُلُّ رَجُلٍ مَا قَتَلْتُ، وَلَا عَلِمْتُ قَاتِلًا، ثُمَّ أَغْرَمَهُمْ الدِّيَةَ، قَالَ الثَّوْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْأَزْمَعِ، أَنَّهُ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا أَيْمَانُنَا دَفَعَتْ عَنْ أَمْوَالِنَا، وَلَا أَمْوَالُنَا دَفَعَتْ عَنْ أَيْمَانِنَا، فَقَالَ عُمَرُ: كَذَلِكَ الْحَقُّ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْأَزْمَعِ قَالَ وُجِدَ قتيل بين وداعة، وَأَرْحَبَ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ، ثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الشَّعْبِيِّ، بِنَحْوِهِ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ بِنَحْوِهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 عَنْ عُمَرَ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ صَفْوَانَ
بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا حَجَّ عُمَرُ حَجَّتَهُ الْأَخِيرَةَ الَّتِي لَمْ يَحُجَّ غَيْرَهَا، غُودِرَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتِيلًا فِي بَنِي وَادِعَةَ، فبعث إليهم، وذلك بعد ما قَضَى النُّسُكَ وَقَالَ لَهُمْ: هَلْ عَلِمْتُمْ لِهَذَا الْقَتِيلِ قَاتِلًا مِنْكُمْ؟ قَالَ الْقَوْمُ: لَا، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُمْ خَمْسِينَ شَيْخًا، فَأَدْخَلَهُمْ الْحَطِيمَ، فَاسْتَحْلَفَهُمْ بِاَللَّهِ رَبِّ هَذَا الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَرَبِّ هَذَا الْبَلَدِ الْحَرَامِ، وَالشَّهْرِ الْحَرَامِ، أَنَّكُمْ لَمْ تَقْتُلُوهُ، وَلَا عَلِمْتُمْ لَهُ قَاتِلًا، فَحَلَفُوا بِذَلِكَ، فَلَمَّا حَلَفُوا قَالَ: أَدُّوا دِيَتَهُ مُغَلَّظَةً فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ، أَوْ مِنْ الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ دِيَةٌ، وَثُلُثُ دِيَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ سِنَانٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَا تُجْزِئُنِي يَمِينِي مِنْ مَالِي؟ قَالَ: لَا، إنَّمَا قَضَيْتُ عَلَيْكُمْ بِقَضَاءِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذُوا دِيَتَهُ دَنَانِيرَ، وَثُلُثُ دِيَةٍ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عُمَرُ بْنُ صُبَيْحٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى تَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِعُمَرَ بْنِ صُبَيْحٍ، وَقَدْ خَالَفَتْ رِوَايَتُهُ هَذِهِ رِوَايَةَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ1 عَنْ الشَّافِعِيِّ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بين خيوان، ووداعة، أَنْ يُقَاسَ مَا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَقْرَبَ أَخْرَجَ إلَيْهِ مِنْهُمْ خَمْسِينَ رَجُلًا، حَتَّى يُوَافُوهُ مَكَّةَ، فَأَدْخَلَهُمْ الْحِجْرَ، فَأَحْلَفَهُمْ، ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ، فَقَالُوا: مَا دَفَعَتْ أَمْوَالُنَا عَنْ أَيْمَانِنَا، وَلَا أَيْمَانُنَا عَنْ أَمْوَالِنَا؟ فَقَالَ عُمَرُ: كَذَلِكَ الْأَمْرُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ غَيْرُ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، فَقَالَ عُمَرُ: حَقَنْتُمْ دِمَاءَكُمْ بِأَيْمَانِكُمْ، وَلَا يُطَلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: سَافَرْتُ خيوان، ووداعة أربعة عشر سَفْرَةً، وَأَنَا أَسْأَلُهُمْ عَنْ حُكْمِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْقَتِيلِ، وَأَنَا أَحْكِي لَهُمْ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِيهِ، فَقَالُوا: هَذَا شَيْءٌ مَا كَانَ بِبَلَدِنَا قَطُّ، قَالَ الشَّافِعِيُّ2 وَنَحْنُ نَرْوِي بِالْإِسْنَادِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ بَدَأَ بِالْمُدَّعِينَ، فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفُوا، قَالَ: "فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا"، وَإِذْ قَالَ: تُبْرِئُكُمْ فَلَا تَكُونُ عَلَيْهِمْ غَرَامَةٌ، فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلْ الْأَنْصَارَ أَيْمَانَهُمْ، وَدَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَى يَهُودَ وَالْقَتِيلُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ شَيْئًا، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ لَمَّا قَضَى بِالْقَسَامَةِ وَافَى إلَيْهِ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا، فَكَرَّرَ الْيَمِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، حَتَّى يُتِمَّ خَمْسِينَ ثُمَّ قَضَى بِالدِّيَةِ، وَعَنْ شُرَيْحٍ، وَالنَّخَعِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ، قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ بِنَقْصٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْهُذَلِيِّ عَنْ أَبِي مَلِيحٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَدَّ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانَ، حَتَّى وَفَّوْا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
فِي مُصَنَّفِهِ بِتَغْيِيرٍ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَحْلَفَ امْرَأَةً خَمْسِينَ يَمِينًا عَلَى مَوْلًى لَهَا أُصِيبَ، ثُمَّ جَعَلَ عليه دِيَةً. انْتَهَى. حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ فِي الْبَابِ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الْقَسَامَةِ أَنْ يَحْلِفَ الْأَوْلِيَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدَدٌ يَبْلُغُ الْخَمْسِينَ، رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ، بَالِغًا مَا بَلَغُوا، انْتَهَى. أَثَرٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ: رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ الْأَسَدِيُّ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُسَاحِقٍ الْعَامِرِيِّ عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ أَبُو بَكْرٍ أَنْ افْحَصْ لي عن دوادي، وَكَيْفَ كَانَ أَمْرُ قَتْلِهِ، إلَى أَنْ قَالَ: فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إلَى الْمُهَاجِرِ: أَنْ ابْعَثْ إلَيَّ بِقَيْسِ بْنِ مَكْشُوحٍ فِي وِثَاقٍ، فَبَعَثَ بِهِ إلَيْهِ فِي وثاق، فلما دخل جَعَلَ قَيْسٌ يَتَبَرَّأُ مِنْ قَتْلِ دَاوُدِيٍّ، وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا قَتَلَهُ، فَأَحْلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ خَمْسِينَ يَمِينًا، عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْدُودَةً عَلَيْهِ، بِاَللَّهِ مَا قَتَلَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لَهُ قَاتِلًا، ثُمَّ عَفَا عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ مُخْتَصَرٌ، وَهُوَ بِتَمَامِهِ فِي قِصَّةِ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ. قَوْلُهُ: وَعَنْ شُرَيْحٍ، وَالنَّخَعِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ، قُلْت: حَدِيثُ شُرَيْحٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، بَلَغَ عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: جَاءَتْ قَسَامَةٌ، فَلَمْ يُوَفُّوا خَمْسِينَ، فَرَدَّدَ عَلَيْهِمْ الْقَسَامَةَ، حَتَّى أَوْفَوْا، انْتَهَى. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: إذَا كَانُوا أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ رَدَدْتَ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانَ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ النَّخَعِيّ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: إذَا لَمْ تَبْلُغْ الْقَسَامَةُ، كَرَّرُوا حَتَّى يَحْلِفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، نَحْوَهُ سَوَاءً، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أُتِيَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ، فَأَمَرَ أَنْ تُذَرَعَ، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ أَبِي إسْرَائِيلَ الْمُلَائِيِّ، وَاسْمُهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ قَتِيلًا وُجِدَ بَيْنَ حَيَّيْنِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقَاسَ، إلَى أَيِّهِمَا أَقْرَبُ، فَوُجِدَ أَقْرَبَ إلَى أَحَدِ الْحَيَّيْنِ بِشِبْرٍ، قَالَ الْخُدْرِيِّ: كأني أَنْظُرَ إلَى شِبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَلْقَى دِيَتَهُ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا بِلَفْظِ: فَأَلْقَى دِيَتَهُ عَلَى أَقْرَبِهِمَا، وَأَعَلَّاهُ بِأَبِي إسْرَائِيلَ، فَضَعَّفَهُ ابْنُ عَدِيٍّ
عَنْ قَوْمٍ، وَوَثَّقَهُ عَنْ آخَرِينَ، وَقَالَ الْبَزَّارُ: أَبُو إسْرَائِيلَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَبُو إسْرَائِيلَ، قَالَ النَّسَائِيُّ فِيهِ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَكَانَ يَسُبُّ عُثْمَانَ رضي الله عنه، قَالَ: وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: إنَّمَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو إسْرَائِيلَ الْمُلَائِيُّ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ الصَّبِيِّ بْنِ أَشْعَثَ بْنِ سَالِمٍ السَّلُولِيِّ، سَمِعْت عَطِيَّةَ الْعَوْفِيَّ عَنْ الْخُدْرِيِّ بِهِ، وَلَيَّنَ الصُّبَيّ هَذَا، وَقَالَ: إنَّ فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ مَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَلَمْ أَرَ لِلْمُتَقَدِّمِينَ فِيهِ كَلَامًا، وَرَوَاهُ عَنْ عَطِيَّةَ أَبُو إسْرَائِيلَ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ لَمَّا كُتِبَ إلَيْهِ فِي الْقَتِيلِ الَّذِي وُجِدَ بين وداعة، وَأَرْحَبَ، كَتَبَ بِأَنْ يَقِيسَ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ، فَوَجَدَ الْقَتِيلَ إلَى وَادِعَةَ أَقْرَبَ، فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالْقَسَامَةِ، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْأَزْمَعِ، قَالَ: وُجِدَ قَتِيلٌ بِالْيَمَنِ بَيْنَ وَادِعَةَ، وَأَرْحَبَ، فَكَتَبَ عَامِلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَيْهِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ أَنْ قِسْ مَا بَيْنَ الْحَيَّيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَقْرَبَ، فَخُذْهُمْ بِهِ، قَالَ: فَقَاسُوا، فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إلَى وَادِعَةَ، فَأَخَذْنَا، وَأَغْرَمْنَا، وَأَحْلَفْنَا، فَقُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أتحلفنا، وتعزمنا؟! قَالَ: نَعَمْ، فَأَحْلَفَ مِنَّا خَمْسِينَ رَجُلًا بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُ، وَلَا عَلِمْتُ قَاتِلًا، انْتَهَى. الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام جَعَلَ الْقَسَامَةَ، وَالدِّيَةَ عَلَى يَهُودِ خَيْبَرَ، وَكَانُوا سُكَّانًا بِهَا، قُلْت: تَقَدَّمَ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أَقَرَّ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ، وَكَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْخَرَاجِ، قُلْتُ: أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَهْلَ خَيْبَرَ لَمْ يَكُونُوا سُكَّانًا، وَإِنَّمَا كَانُوا مُلَّاكًا، وَالصَّحِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ أَبُو عُمَرَ وَغَيْرُهُ أَنَّ خَيْبَرَ فُتِحَتْ كُلُّهَا عَنْوَةً وَأَنَّهَا قُسِّمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، إلَّا حِصْنَيْنِ مِنْهَا، يُسَمَّى أَحَدُهُمَا: الْوَطِيحَةَ، وَالْآخَرُ: السَّلَالِمَ، فَإِنَّ أَهْلَهُمَا سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ مَا عندهم، وَيَحْقِنَ لَهُمْ دِمَاءَهُمْ، فَفَعَلَ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَتْرُكَهُمْ فِي أَرْضِهِمْ، وَيَعْمَلُونَ فِيهَا عَلَى نِصْفِ الْخَارِجِ، فَفَعَلَ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهُمْ مَتَى شَاءَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا أَنَّهُ أَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ، مِلْكًا لَهُمْ، إذْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِي فَتْحِ الصُّلْحِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ اسْتَمَرُّوا كَذَلِكَ، إلَى زَمَانِ عُمَرَ، فَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ، وَقَدْ ذَكَرَ الكصنف فِي بَابِ الْغَنَائِمِ أَنَّهُ عليه السلام قَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ.
كتاب المعاقل
كِتَابُ الْمَعَاقِلِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ لِلْأَوْلِيَاءِ: "قُومُوا فَدُوهُ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْجَنِينِ، وَتَقَدَّمَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَأَصْرَحُ فِي اللَّفْظِ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّ الدِّيَةَ كَانَتْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ الْعَشِيرَةِ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ أَنْ يَعْقِلُوا مَعَاقِلَهُمْ، وَأَنْ يَفْدُوا عَانِيَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْلَ قُرَيْشٍ عَلَى قُرَيْشٍ، وَعَقْلَ الْأَنْصَارِ عَلَى الْأَنْصَارِ، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ الْعُقُولِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: أَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى امْرَأَةٍ، يَطْلُبُهَا فِي أَمْرٍ، فَقَالَتْ: يَا وَيْلَهَا مَا لَهَا، وَلِعُمَرَ، فَبَيْنَا هِيَ فِي الطَّرِيقِ، اشْتَدَّ بِهَا الْفَزَعُ، فَضَرَبَهَا الطَّلْقُ، فَدَخَلَتْ دَارًا، فَأَلْقَتْ وَلَدَهَا، فَصَاحَ الصَّبِيُّ صَيْحَتَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ، فَاسْتَشَارَ عُمَرُ الصَّحَابَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ، إنَّمَا أَنْتَ وَالٍ، وَمُؤَدِّبٌ، قَالَ: وَصَمَتَ عَلِيٌّ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، مَاذَا تَقُولُ؟ قَالَ: إنْ قَالُوهُ بِرَأْيِهِمْ، فَقَدْ أَخْطَأَ رَأْيُهُمْ، وَإِنْ قَالُوا فِي هَوَاكَ، فَلَمْ يَنْصَحُوا لَكَ، أَرَى أَنَّ دِيَتَهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّكَ أَنْتَ أَفْزَعْتهَا، فَأَلْقَتْ وَلَدَهَا بِسَبَبِهِ، قَالَ: فَأَمَرَ عُمَرُ عَلِيًّا أَنْ يَضْرِبَ دِيَتَهُ عَلَى قُرَيْشٍ، فَأَخَذَ عَقْلَهُ مِنْ قُرَيْشٍ، لِأَنَّهُ خَطَأٌ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ لَمَّا دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ، جَعَلَ الْعَقْلَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْهُمْ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الدِّيَاتِ حَدَّثَنَا حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَسَنٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الْحَكَمِ، قَالَ: عُمَرُ أَوَّلُ مَنْ جَعَلَ الدِّيَةَ عَشْرَةً عَشْرَةً فِي عطيات الْمُقَاتِلَةِ، دُونَ النَّاسِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَعَنْ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَا: أَوَّلُ مَنْ فَرَضَ الْعَطَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَفَرَضَ فِيهِ الدِّيَةَ كَامِلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَخْرَجَ فِي كِتَابِ الْأَوَائِلِ مِنْ الْمُصَنَّفِ أَيْضًا حَدَّثَنَا غَسَّانُ بْنُ مُضَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ فَرَضَ الْفَرَائِضَ، وَدَوَّنَ الدَّوَاوِينَ، وَعَرَّفَ الْعُرَفَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ النَّخَعِيّ، وَالْحَسَنِ، إنَّمَا قَالَا: الْعَقْلُ عَلَى أَهْلِ
الدِّيوَانِ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ جَعَلَ الدِّيَةَ فِي الْأَعْطِيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَفِي لَفْظٍ: أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثٌ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ فِي أَعْطِيَاتِهِمْ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثِ سِنِينَ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، قُلْت: تَقَدَّمَا فِي الْجِنَايَاتِ. قَوْلُهُ: لَا يَعْقِلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ صَبِيٌّ، وَلَا امْرَأَةٌ، قُلْت: غَرِيبٌ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ"، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ، عَمْدًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا صُلْحًا، وَلَا اعْتِرَافًا، وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ"، قُلْت: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ عَبَّاسٍ، مَوْقُوفًا عليه، وَمَرْفُوعًا، فَالْمَوْقُوفُ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالْمَرْفُوعُ غَرِيبٌ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ: أَرْشُ الْمُوضِحَةِ، وَلَكِنْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ النَّخَعِيّ قَالَ: لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ، وَلَا يُعْقَلُ الْعَمْدُ، وَلَا الصُّلْحُ، وَلَا الِاعْتِرَافُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَرْبَعَةٌ لَيْسَ فِيهِنَّ عَقْلٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي مَالِهِ خَاصَّةً: الْعَمْدُ وَالِاعْتِرَافُ، وَالصُّلْحُ، وَالْمَمْلُوكُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: الْعَمْدُ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ، وَالِاعْتِرَافُ، وَالصُّلْحُ، لَا تَحْمِلُهُ عَنْهُ الْعَاقِلَةُ، هُوَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي الْعِشْرِينَ الدِّيَاتِ مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أَوْجَبَ أَرْشَ الْجَنِينِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي الْجَنِينِ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ.
كتاب الوصايا
كِتَابُ الْوَصَايَا مدخل ... كتاب الوصايا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ، زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ، فَضَعُوهَا حَيْثُ شِئْتُمْ أَوْ قَالَ: حَيْثُ أَحْبَبْتُمْ، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَمِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَمِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ عُبَيْدٍ.
فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو الْمَكِّيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ، بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ، زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ، إلَّا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُوَ وَإِنْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، فَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ مُعَاذٍ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ2 وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ثَنَا عُتْبَةُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ، زِيَادَةً فِي حَسَنَاتِكُمْ، لِيَجْعَلَهَا لَكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مَوْقُوفًا، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، فَذَكَرَهُ. وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَأَعْلَى مَنْ رَوَاهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ طَرِيقًا غَيْرَ هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَضَمْرَةُ مَعْرُوفَانِ، وَقَدْ اُحْتُمِلَ حَدِيثُهُمَا، انْتَهَى. قُلْت: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ بِهِ. وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ أَبِي إسْمَاعِيلَ الْأَيْلِيِّ، مَوْلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ الصنابجي، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ مَوْتِكُمْ، زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ"، انْتَهَى. وَأَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ تَضْعِيفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ، وَقَالَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: يُحَدِّثُ بِالْأَبَاطِيلِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ خَالِدِ بْنِ عُبَيْدٍ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ الْحَوْطِيُّ ثَنَا أَبِي ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَقِيلِ بْنِ مُدْرِكٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عُبَيْدٍ السُّلَمِيُّ عَنْ أَبِيهِ خَالِدِ بْنِ عُبَيْدٍ السُّلَمِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعْطَاكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ ثُلُثَ أَمْوَالِكُمْ، زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ"، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام فِي حَدِيثِ سَعْدٍ: "الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ" , بَعْدَ مَا نَفَى وَصِيَّتَهُ بِالْكُلِّ، وَالنِّصْفِ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي مَالًا كَثِيرًا، وَإِنَّمَا تَرِثُنِي ابْنَتِي، أَفَأُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: "لَا"، قَالَ: فَبِالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: "لَا"، قَالَ: فَالنِّصْفُ؟ قَالَ: "لَا"، قَالَ: فَبِالثُّلُثِ؟ قَالَ: "الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إنَّ صَدَقَتَك مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ، وَإِنَّ نَفَقَتَك عَلَى عِيَالِك صَدَقَةٌ، وَإِنَّ مَا تَأْكُلُ امْرَأَتُك مِنْ مَالِك صَدَقَةٌ، وَإِنَّك أَنْ تَدَعَ أَهْلَك بِخَيْرٍ"، أَوْ قَالَ: "بِعَيْشٍ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ"، انْتَهَى. بِلَفْظِ مُسْلِمٍ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1 فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ فِي بَابِ قَوْلِهِ عليه السلام: "اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ"، وَفِي الْمَغَازِي، وَفِي الْفَرَائِضِ وَفِي الْوَصَايَا، وَفِي كِتَابِ الْمَرْضَى وَفِي كِتَابِ الطِّبِّ، وَفِي الدَّعَوَاتِ، وَالْبَاقُونَ فِي الْوَصَايَا، وَقَوْلُهُ: أَفَأُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ، عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ فِي الْوَصَايَا وَمَنْ عَدَاهُ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الْكُلَّ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الثُّلُثَيْنِ، فَمَا بَعْدَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا بِلَفْظِ الْمُصَنِّفِ سَوَاءً حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: عَادَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْت لَهُ: أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْت: فَالنِّصْفُ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْت: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْأَدَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ2 فِي الْفَضَائِلِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أُنْزِلَتْ فِي آيَاتٌ مِنْ الْقُرْآنِ، فَذَكَرَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَمَرِضْتُ، فَأَرْسَلْتُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَانِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَقْسِمُ مَالِي حَيْثُ شِئْت، قَالَ: فَأَبَى، قُلْت: فَالنِّصْفُ؟ قَالَ: فَأَبَى، قُلْت: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: وَسَكَتَ، فَكَانَ بَعْدُ الثُّلُثُ جَائِزًا، مُخْتَصَرًا. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: الْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَفَسَّرُوهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَبِالْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ3 عَنْ عُمَرَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هند عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: "الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ الْكَبَائِرِ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرُهُ بِلَفْظِ: الْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي ضُعَفَائِهِ بِلَفْظِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ: لَا يَعْرِفُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرَ عُمَرَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمِصِّيصِيِّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ بِهِ مَوْقُوفًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ الصَّحِيحُ، وَرَفْعُهُ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ ثَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ بِهِ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ دَاوُد بن أبي هند مَوْقُوفًا، وَزَادَ: ثُمَّ تَلَا: {غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ} ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ رَوَوْهُ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ، فَوَقَفُوهُ: مِنْهُمْ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، وَبِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَعَبْدُ الْأَعْلَى، وَلَفْظُهُ: فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، وَعَبْدِ الْأَعْلَى: الْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ الْكَبَائِرِ1, وَفِي الْبَاقِي: الضِّرَارُ. حَدِيثٌ فِي الْبَابِ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ2 عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْحُدَّانِيِّ عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنِي شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّ الرَّجُلَ، لَيَعْمَلُ أَوْ الْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً، ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ، فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ"، قَالَ: وَقَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} حَتَّى بَلَغَ: {الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ3 مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ شَهْرٍ بِمَعْنَاهُ، وَرَوَاهُ كَذَلِكَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، وَعَنْهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَلَفْظُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْخَيْرِ سَبْعِينَ سَنَةً، فَإِذَا أَوْصَى حَافَ فِي وَصِيَّتِهِ، فَخُتِمَ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ، فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الشَّرِّ سَبْعِينَ سَنَةً، فَيَعْدِلُ فِي وَصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرِ عَمَلِهِ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ، فيدخل الجنة، ثُمَّ قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ، إلَى آخِرِهِ. الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: "لَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 فِي الْأَقْضِيَةِ عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبي طالب، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ لقاتل وصية" , انتهى. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: مُبَشِّرٌ مَتْرُوكٌ يَضَعُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَقَالَ: لَا يَرْوِيهِ عَنْ حَجَّاجٍ غَيْرُ
مُبَشِّرٍ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، مَنْسُوبٌ إلَى الْوَضْعِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: قَالَ أَحْمَدُ: مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ أَحَادِيثُهُ مَوْضُوعَةٌ، كَذِبٌ، انْتَهَى. الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه السلام: "إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَالْبَرَاءِ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ عَمْرٍو الْجُمَحِيِّ. فَحَدِيثُ أبي أمامة: أخرجه أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ1 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فَقَالَ: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: قَالَ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ: مَا رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الشَّامِيِّينَ فَصَحِيحٌ، وَمَا رَوَاهُ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ، وَهَذَا رَوَاهُ عَنْ شَامِيٍّ ثِقَةٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. فَالتِّرْمِذِيُّ عن أَبِي عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، وَلَفْظُهُ، فَلَا يَجُوزُ لِوَارِثٍ وَصِيَّةٌ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، قَالَ الْبَزَّارُ: وَلَا نَعْلَمُ لِعَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا هَذَا الْحَدِيثَ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَى لَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدِيثًا آخَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ وَبَرَةً مِنْ بَعِيرِهِ، وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! إنَّهُ لَا يَحِلُّ لِي بَعْدَ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ لِي، وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ مَغَانِمِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَزِنُ هَذِهِ الْوَبَرَةَ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي أطرافه: وكذلك رواه خماعة عَنْ قَتَادَةَ بِنَحْوِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ هَمَّامٌ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمَسْعُودِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ قَتَادَةَ، فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ: ابْنَ غَنْمٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ليث بن أبي مسلم، وَأَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، وَمَطَرٌ عَنْ شَهْرٍ، انْتَهَى. قُلْت: حَدِيثُ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ
عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، وَحَدِيثُ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، أَخْرَجَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي أَوَاخِرِ السِّيرَةِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْهُ عَنْ شَهْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ. وَحَدِيثُ أَنَسٍ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ1 أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ"، انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَشَيْخُنَا الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ فِي تَرْجَمَةِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا هُوَ السَّاحِلِيُّ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، هَكَذَا رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مَزِيدٍ الْبَيْرُوتِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، شَيْخٍ بِالسَّاحِلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: إنِّي لَتَحْت نَاقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي الْفَرَائِضِ2 عَنْ يُونُسَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَيُونُسُ بْنُ راشد قاضي حران، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: كَانَ مُرْجِئًا، انْتَهَى. وَكَأَنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَهُ حَسَنٌ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: وَقَدْ وَصَلَهُ يُونُسُ بْنُ رَاشِدٍ، فَرَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا3 عَنْ سَهْلِ بْنِ عَمَّارٍ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْوَلِيدِ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ: "لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ"، انْتَهَى. وَسَهْلُ بْنُ عَمَّارٍ كَذَّبَهُ الْحَاكِمُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، الْحَدِيثَ. لَيْسَ فِيهِ: إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ، وَلَيَّنَ حَبِيبًا هَذَا، وَقَالَ: أَرْجُو أَنَّهُ مُسْتَقِيمُ الرِّوَايَةِ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْهَرَوِيِّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بِأَحْمَدَ هَذَا، وَقَالَ: هُوَ أَخُو يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، وَأَكْبَرُ مِنْهُ، وَأَقْدَمُ مَوْتًا، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَحَدِيثُ زَيْدٍ، وَالْبَرَاءِ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ مُوسَى بْنِ عُثْمَانَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَالْبَرَاءِ، قَالَا: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ، وَنَحْنُ نَرْفَعُ غُصْنَ الشَّجَرَةِ عَنْ رَأْسِهِ، فَقَالَ: "إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِي، وَلَا لِأَهْلِ بَيْتِي، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَلَيْسَ لِوَارِثٍ وَصِيَّةٌ"، انْتَهَى. وَأَعَلَّهُ بموسى هذا، وقاال: إنَّ حَدِيثَهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَلِيٍّ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ نَاصِحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، الْوَلَدُ لِمَنْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِيهِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ"، انْتَهَى. وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَ نَاصِحٍ هَذَا عَنْ النَّسَائِيّ، وَمَشَّاهُ هُوَ، وَقَالَ: إنَّهُ مِمَّنْ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا1 عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: الدَّيْنُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ، وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ. وَحَدِيثُ خَارِجَةَ بْنِ عَمْرٍو: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُدَامَةَ الْجُمَحِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ عَمْرٍو2 الْجُمَحِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَأَنَا عِنْدَ نَاقَتِهِ: "لَيْسَ لِوَارِثٍ وَصِيَّةٌ، قَدْ أَعْطَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ"، انْتَهَى. وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ ثَنَا إسْحَاقُ بْنُ عِيسَى بْنِ نَجِيحٍ3 الطَّبَّاعُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ، وَأَنْ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَيُرْوَى فِيهِ: إلَّا أَنْ تُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ، قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِ. الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ، وَمِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ كُلْثُومٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
فَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ1 حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَكِيمِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ، الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ"، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ2 قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ غَيْرُ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَلَا يَثْبُتُ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: فَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَيْضًا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَذَكَرَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ كُلْثُومٍ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 فِي أَوَاخِرِ الزَّكَاةِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَكَانَتْ قَدْ صَلَّتْ إلَى الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: سَنَدُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ4 فِي بَابِ الصَّدَقَةِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْمَكِّيِّ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: "الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ"، انْتَهَى. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رَوَاهُ عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، فَلَمْ يُسْنِدْهُ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَجَازَ وَصِيَّةَ يَفَاعٍ، وَهُوَ الَّذِي رَاهَقَ الْحُلُمَ، قُلْت: رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ5 فِي الْقَضَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَمْرَو
بْنَ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: ههنا غُلَامًا يَفَاعًا، لَمْ يَحْتَلِمْ، مِنْ غَسَّانَ، وَوَارِثُهُ بِالشَّامِ، وَهُوَ ذُو مَالٍ، وَلَيْسَ له ههنا إلَّا ابْنَةُ عَمٍّ لَهُ، فَقَالَ عُمَرُ، فَلْيُوصِ لَهَا، فَأَوْصَى لَهَا بِمَاءٍ يُقَالُ لَهُ: بِئْرُ جُشَمَ، قَالَ عمر: فَبِيعَتْ بِثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَابْنَةُ عَمِّهِ هِيَ أُمُّ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، انْتَهَى. قال البيهقي1 وعمر بْنُ سُلَيْمٍ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، إلَّا أَنَّهُ مُنْتَسِبٌ لِصَاحِبِ الْقِصَّةِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ سُلَيْمٍ2 الْغَسَّانِيَّ أَوْصَى، وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ، أَوْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ، بِبِئْرٍ لَهُ، قُوِّمَتْ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا، فَأَجَازَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَصِيَّتَهُ، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي بكر بن عمر بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَوْصَى غُلَامٌ بِنَا لَمْ يَحْتَلِمْ، لِعَمَّةٍ لَهُ بِالشَّامِ بِمَالٍ كَثِيرٍ، قِيمَتُهُ ثَلَاثُونَ أَلْفًا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَجَازَ وَصِيَّتَهُ، انْتَهَى.
باب الوصية بثلث المال
بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ السَّهْمَ هُوَ السُّدُسُ، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي معجمه الوسط3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ أَبِي قيس عن هذيل بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ، فَجَعَلَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّدُسَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَبُو قَيْسٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَعْمَشُ، وَغَيْرُهُمْ، انْتَهَى. وَلَفْظُ الطَّبَرَانِيِّ: أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ لِرَجُلٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمًا مِنْ مَالِهِ، فَمَاتَ الرَّجُلُ، وَلَمْ يَدْرِ مَا هُوَ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ لَهُ السُّدُسَ مِنْ مَالِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي قَيْسٍ إلَّا الْعَرْزَمِيُّ، وَلَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّصِلًا، إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى.
وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ الْبَزَّارِ، وَقَالَ الْعَرْزَمِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَأَبُو قَيْسٍ لَهُ أَحَادِيثُ يُخَالَفُ فِيهَا، وَاسْمُ أَبِي قَيْسٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَرْوَانَ، انْتَهَى. وَرَوَى الْإِمَامُ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ السَّرَقُسْطِيُّ فِي كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ فِي بَابِ كَلَامِ التَّابِعِينَ وَهُوَ آخِرُ الْكِتَابِ فِي تَرْجَمَةِ شُرَيْحٍ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ثَنَا الْعَبَّاسُ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: السَّهْمُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ السُّدُسُ، وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَذَكَرَ فِي التَّنْقِيحِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ الْحَسَنِ فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ، قَالَ: لَهُ السُّدُسُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، انْتَهَى. بَابُ الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ [خَالٍ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ]
فصل: في الوعيد على ترك الزكاة أو الحج
فصل: في الوعيد على ترك الزكاة أو الحج ... فَصْلٌ قَوْلُهُ: ثُمَّ تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ، وَالْحَجُّ عَلَى الْكَفَّارَاتِ لِمَزِيَّتِهِمَا عَلَيْهَا فِي الْقُوَّةِ، إذْ قَدْ جَاءَ فِيهَا مِنْ الْوَعِيدِ مَا لَمْ يَأْتِ فِي الْكَفَّارَةِ، قُلْتُ: أَمَّا حَدِيثُ الْوَعِيدِ فِي تَرْكِ الزَّكَاةِ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 عن زيد بن سلم عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا، إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَتُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ، وَجَبِينُهُ، وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا ردت أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إمَّا إلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إلَى النَّارِ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْإِبِلُ؟ قَالَ: "وَلَا صَاحِبُ إبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لها بقاع قرقر، فتطأه بِأَخْفَافِهَا، وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا، كُلَّمَا مر عليه أولادها، رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يوم كان مقداره أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إمَّا إلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إلَى النَّارِ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ؟ قَالَ: "وَلَا صَاحِبُ بَقَرٍ، وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، فَتَنْطَحُهُ بقرونها، وتطأه بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ"، الْحَدِيثُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي شِدْقَيْهِ- ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ"، ثُمَّ تَلَا: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الْآيَةُ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، فَوَقَفَهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، فَخَالَفَ فِي الْإِسْنَادِ، وَقَالَ فِيهِ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ، هَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ عِنْدِي خَطَأٌ، وَرِوَايَةُ مَالِكٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ هِيَ الصَّحِيحَةُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ1 عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلٍ، وَلَا بَقَرٍ، وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا، إلَّا أُقْعِدَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بقاع قرقر، تطأه ذَاتُ الظِّلْفِ بِظِلْفِهَا، وَتَنْطَحُهُ ذَاتُ الْقَرْنِ بِقَرْنِهَا، لَيْسَ فِيهَا يَوْمَئِذٍ جَمَّاءُ، وَلَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ، وَمَا مِنْ صَاحِبِ مَالٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إلَّا تَحَوَّلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَتْبَعُ صَاحِبَهُ حَيْثُمَا ذَهَبَ، وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ، وَيُقَالُ: هَذَا مَالُك الَّذِي كُنْت تَبْخَلُ بِهِ، فَإِذَا رَأَى أَنَّهُ لا بد مِنْهُ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي فِيهِ، فَجَعَلَ يَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ، وَجَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ سَمِعَا شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ يُخْبِرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ، إلَّا مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، حَتَّى يُطَوِّقَ عُنُقَهُ"، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الْآيَةُ، انْتَهَى. وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ3 مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ يُبَلِّغُهُ حَجَّ بَيْتِ رَبِّهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ، فَلَمْ يَفْعَلْ سَأَلَ الرَّجْعَةَ"، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: اتَّقِ اللَّهَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، إنَّمَا يَسْأَلُ الرَّجْعَةَ الْكَافِرُ، فَقَالَ: أَنَا أَقْرَأُ بِهِ عَلَيْك قُرْآنًا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ} إلَى آخِرِ السُّورَةِ، ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ أَبِي جَنَابٍ بِهِ مَوْقُوفًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الْكَلْبِيِّ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَرْفَعُوهُ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَبُو جَنَابٍ الْقَصَّابُ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي حَيَّةَ، وَلَيْسَ
بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِأَبِي جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ، وَالسَّعْدِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَعَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ، وَيَحْيَى الْقَطَّانِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي عَامِرٌ الْعُقَيْلِيُّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَأَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ، فَأَمَّا أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَالشَّهِيدُ، وَعَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ، وَنَصَحَ سَيِّدَهُ، وَفَقِيرٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ، وَأَمَّا أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ: فَسُلْطَانٌ مُسَلِّطٌ، وَذُو ثَرْوَةٍ مِنْ الْمَالِ لَمْ يُعْطِ حَقَّ مَالِهِ، وَفَقِيرٌ فُجُورٌ"، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَاكِمُ: وَهَذَا أَصْلٌ فِي الْبَابِ تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: آكِلُ الرِّبَا، وَمُؤْكِلُهُ، وَشَاهِدُهُ، وَلَاوِي الصَّدَقَةِ، مَلْعُونُونَ، عَلَى لِسَانِ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: هَذَا صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ2 فِي الْفِتَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عبيد اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَنْ يَمْنَعَ قَوْمٌ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، ولولا البهائم لم تمطروا"، انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَقِيلِ بْنِ أَزْهَرَ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْقَاسِمِ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، سَمِعْت الزُّهْرِيَّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ صَلَّى الصَّلَاةَ، وَلَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي كِتَابِ الْإِمَامِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَانِعُ الزَّكَاةِ فِي النَّارِ"، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ: رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ السَّلَفِيُّ، فِيمَا خَرَّجَهُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ، وَسَعْدُ بْنُ سِنَانٍ مُخْتَلَفٌ فِي اسْمِهِ، وَفِي تَوْثِيقِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. أَحَادِيثُ الْحَجِّ: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ3 عَنْ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ الْبَاهِلِيِّ ثَنَا أَبُو إسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ مَلَكَ زَادًا، وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ، وَلَمْ يَحُجَّ، فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَهِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ،
وَالْحَارِثُ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ: فَلَا يَضُرُّهُ يَهُودِيًّا مَاتَ، أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ إسْنَادًا عَنْ عَلِيٍّ إلَّا هَذَا الْإِسْنَادَ، وَهِلَالٌ هَذَا بَصْرِيٌّ، حَدَّثَ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ: عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ، وَمُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَغَيْرُهُمَا، وَلَا نَعْلَمُهُ يَرْوِي عَنْ عَلِيٍّ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى. وَهَذَا يَدْفَعُ قَوْلَ التِّرْمِذِيِّ فِي هِلَالٍ: إنَّهُ مَجْهُولٌ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ جَهَالَةَ الْحَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي كِتَابَيْهِمَا، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهِلَالٌ هَذَا لَمْ يُنْسَبْ، وَهُوَ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرٍو، وَيُكْنَى أَبَا هَاشِمٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَالْحَدِيثُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ، وَلَمْ يُرْوَ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقٍ أَصْلَحَ مِنْ هَذَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَعِلَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعْفُ الْحَارِثِ، وَالْجَهْلُ بِحَالِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ الْبَاهِلِيِّ. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ1 أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْحَجِّ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ، أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ، أَوْ مَرَضٌ حَابِسٌ، فَمَاتَ، وَلَمْ يَحُجَّ، فَلْيَمُتْ إنْ شَاءَ يَهُودِيًّا، وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا"، انْتَهَى. وَأَرْسَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سَلَّامٍ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَلَيْثٌ هَذَا هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ عَلَى مَا فِيهِ أَصْلَحُهَا، وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَبْعَثَ رِجَالًا إلَى هَذِهِ الْأَمْصَارِ، فَيَنْظُرُوا كُلَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ جِدَةٌ، وَلَمْ يَحُجَّ، فَيَضْرِبُوا عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ، ما هم بمسلمين، ماهم بِمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ شَرِيكٍ غَيْرُ يَزِيدَ مُسْنَدًا، قَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ2: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ أَنْبَأَ شَاذَانُ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ ليث عن سَابِطٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا وَإِنْ كَانَ إسْنَادًا غَيْرَ قَوِيٍّ، فَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُعَيْمٍ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غَنْمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ: مَنْ مَاتَ، وَهُوَ مُوسِرٌ لَمْ يَحُجَّ،
فَلْيَمُتْ عَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءَ، يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ شَرِيكٍ مُرْسَلًا، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ ابْنِ سَابِطٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرْسَلًا، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، فَذَكَرَهُ، هَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ لَيْثٍ، مُرْسَلًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَنْ عُمَرَ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عرزم، وَيُقَالُ: عَرْزَبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قال: قال عمر، انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ التَّنْقِيحِ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقُطَامِيِّ ثَنَا أَبُو الْمُهَزِّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ وَجَعٍ حَابِسٍ، أَوْ حَاجَةٍ ظَاهِرَةٍ، أَوْ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، فَلْيَمُتْ، أَيَّ الْمِلَّتَيْنِ شَاءَ: إمَّا يَهُودِيًّا، وَإِمَّا نَصْرَانِيًّا"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقُطَامِيِّ قَالَ الْفَلَّاسُ: كَانَ كَذَّابًا، وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: رَوَى عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِنُسْخَةٍ مَوْضُوعَةٍ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْوَاحِدِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْوَسِيطِ أَخْبَرَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ أَحْمَدَ الصُّوفِيُّ أَنْبَأَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي مُوسَى ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ الْفَرَحِ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمِ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ لَمْ يَحُجَّ، وَلَمْ يُحَجَّ عَنْهُ، لَمْ يُقْبَلْ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَلٌ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ أَبِي أُمَامَةَ، بِسَنَدِ الدَّارِمِيِّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ إنْ صَحَّ، فَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا كَانَ لَا يَرَى تَرْكَهُ مَأْثَمًا، وَلَا فِعْلَهُ بِرًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
باب الوصية للأقارب
بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ، إلَّا فِي الْمَسْجِدِ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 كِلَاهُمَا فِي الصَّلَاةِ
عَنْ يحيى بن إسحاق بْنِ دَاوُد الْيَمَامِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ، إلَّا فِي الْمَسْجِدِ"، انْتَهَى. سَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْيَمَامِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الْجَمَلِ، ضَعِيفٌ، وَعَامَّةُ مَا يَرْوِيه بِهَذَا الْإِسْنَادِ، لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُكَيْنٍ الشَّقَرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْر الْغَنَوِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَمُحَمَّدُ بْنُ سُكَيْنٍ الشَّقَرِيُّ مُؤَذِّنُ مَسْجِدِ بَنِي شَقِرَةَ، ذَكَرَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ سَوَاءً، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَعُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ الْمُحَارِبِيُّ الْقُرَشِيُّ، مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى مَالِكٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَغَيْرِهِمَا، لَا يَحِلُّ ذِكْرُهُ فِي الْكِتَابِ، إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ، فَكَيْفَ الرِّوَايَةُ عَنْهُ؟!، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ حِبَّانَ بِسَنَدِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ بِهِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ لَا يُسَاوِي حَدِيثُهُ شَيْئًا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ هُشَيْمِ، وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ، قِيلَ: وَمَنْ جَارُ الْمَسْجِدِ؟ قَالَ: مَنْ أَسْمَعَهُ الْمُنَادِي، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا، وَيُنْظَرُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله: وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ: إنَّ الْجِوَارَ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا بَعِيدٌ، وَمَا يُرْوَى فِيهِ ضَعِيفٌ، قُلْت: رُوِيَ مُسْنَدًا، وَمُرْسَلًا. فَالْمُسْنَدُ فِيهِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ. فَحَدِيثُ كَعْبٍ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ السَّفَرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَزَلْت مَحَلَّةَ بَنِي فُلَانٍ، وَإِنَّ أَشَدَّهُمْ لِي أَذًى أَقْرَبُهُمْ لِي جِوَارًا، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيًّا أَنْ يَأْتُوا بَابَ الْمَسْجِدِ، فَيَقُومُوا عَلَيْهِ، فَيَصِيحُوا: "أَلَا إنَّ أَرْبَعِينَ دَارًا جِوَارٌ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ خَافَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ"، قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ: أَرْبَعِينَ دَارًا؟ قَالَ: أَرْبَعِينَ هَكَذَا، وَأَرْبَعِينَ هَكَذَا، انْتَهَى. وَيُوسُفُ بْنُ السَّفَرِ أَبُو الْفَيْضِ فِيهِ مَقَالٌ. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ أَبِي الْجَنُوبِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَقُّ الْجِوَارِ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا، وَهَكَذَا وَهَكَذَا، وَهَكَذَا وَهَكَذَا، يَمِينًا وَشِمَالًا، وَقُدَّامَ وَخَلْفَ"، انْتَهَى. وَعَنْ أَبِي يَعْلَى رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ، وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ السَّلَامِ بْنِ أَبِي الْجَنُوبِ، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي صُفْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أوصاني جبرئيل عليه السلام بِالْجَارِ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا، عَشَرَةٌ مِنْ هَاهُنَا , وَعَشَرَةٌ مِنْ هَاهُنَا , وَعَشَرَةٌ مِنْ هَاهُنَا , وَعَشَرَةٌ مِنْ هَاهُنَا"، انْتَهَى. وَقَالَ: في إسناده ضعيف. وَأَمَّا الْمُرْسَلُ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْوَانَ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي ثَنَا هِقْلُ بْنُ زِيَادٍ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "السَّاكِنُ مِنْ أَرْبَعِينَ دَارًا جَارٌ"، قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ: وَكَيْفَ أَرَبَعُونَ دَارًا؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ، وَخَلْفَهُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ"، انْتَهَى. وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْوَانَ1 هَذَا هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاطَرِيُّ، وَهُوَ صَدُوقٌ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ أَعْتَقَ كُلَّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا، إكْرَامًا لَهَا، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ أَصْهَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْت: هَكَذَا فِي الْكِتَابِ: صَفِيَّةُ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَصَوَابُهُ جَوَيْرِيَةَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي الْعَتَاقِ2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسحااق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: وَقَعَتْ جَوَيْرِيَةَ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، أَوْ ابْنِ عَمٍّ لَهُ، [لَفْظُ الْوَاقِدِيِّ بِالْوَاوِ وَابْنِ عَمٍّ لَهُ، قَالَتْ: فَتَخَلَّصَنِي ثَابِتٌ مِنْ ابْنِ عَمِّهِ بِنَخَلَاتٍ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ كَاتَبَنِي ثابت على مالا طَاقَةَ لِي بِهِ، فَأَعِنِّي الْحَدِيثُ رَجَعَ إلَى رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ] فَكَاتَبَتْ عَلَى نَفْسِهَا، وَكَانَتْ امْرَأَةً مُلَاحَةً، تَأْخُذُ الْعَيْنَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَاءَتْ تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابَتِهَا، فَلَمَّا قَامَتْ عَلَى الْبَابِ رَأَيْتُهَا، فَكَرِهْتُ مَكَانَهَا، وَعَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيرى
سَبِيلَ الَّذِي رَأَيْتُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا جَوَيْرِيَةَ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَقَدْ كَانَ من أمري مالا يَخْفَى عَلَيْك، وَإِنِّي وَقَعْت فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَإِنِّي كَاتَبْت عَلَى نَفْسِي، فَجِئْت أَسْأَلُك فِي كِتَابَتِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَهَلْ لَك إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ"؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: "أؤدي عنك كتابك، وَأَتَزَوَّجُكِ"؟ قَالَتْ: نَعَمْ يَا رسول الله، قال: "قَدْ فَعَلْت"، قَالَتْ: فَتَسَامَعَ النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ، فَأَرْسَلُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ يَعْنِي مِنْ السَّبْيِ فَأَعْتَقُوهُمْ، وَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَمَا رَأَيْنَا امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا، أُعْتِقَ فِي سَبِيلِهَا مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ رَاهْوَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْحَادِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْفَضَائِلِ1 رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ، وَلَفْظُ الْوَاقِدِيِّ فِي الْمَغَازِي حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ ثَوْبَانَ عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَخْرَجَ الْخُمُسَ عَنْهُ، ثُمَّ قَسَمَهُ بَيْنَ النَّاسِ، فأعطى الفارسين سَهْمَيْنِ، وَالرَّاجِلَ سَهْمًا، فَوَقَعَتْ جَوَيْرِيَةَ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ فِي قِسْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ عَمٍّ لَهَا، يُقَالُ لَهُ: صَفْوَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَذِيمَةَ، فَقُتِلَ عَنْهَا، فَكَاتَبَهَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى نَفْسِهَا، عَلَى تِسْعِ أَوْرَاقٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَكَانَتْ امْرَأَةً حُلْوَةً، لَا يَكَادُ يَرَاهَا أَحَدٌ إلَّا أَخَذَتْ نَفْسَهُ، قَالَتْ: فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدِي إذْ دَخَلَتْ جَوَيْرِيَةَ تَسْأَلُهُ فِي كِتَابَتِهَا، فَكَرِهْتُ دُخُولَهَا، وَعَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي رَأَيْتُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّك رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَا جَوَيْرِيَةَ بِنْتُ الْحَارِثِ، سَيِّدِ قَوْمِهِ، وَقَدْ أَصَابَنِي مِنْ الْأَمْرِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَوَقَعْتُ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، فَكَاتَبَنِي عَلَى مَا لَا طَاقَةَ لِي بِهِ، وَمَا أَكْرَهَنِي عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنِّي رَجَوْتُك صَلَّى اللَّهُ عليك، أعني في فكاكي، فقال: "أو خير مِنْ ذَلِكَ"؟ قَالَتْ: مَا هُوَ؟ قَالَ: "أُؤَدِّي عَنْكِ كتابك، وَأَتَزَوَّجُكِ". قَالَتْ: نَعَمْ يَا رسول الله، قال: "قَدْ فَعَلْتُ"، فَأَدَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنْ كِتَابَتِهَا، وَتَزَوَّجَهَا، وَخَرَجَ، فَخَرَجَ الْخَبَرُ إلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْتَرَقُّونَ؟! فَأَعْتَقُوا مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ سَبْيِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَبَلَغُوا مِائَةُ أهل بيت، قال: فَلَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ عَلَى قَوْمِهَا أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهَا، انْتَهَى. هَكَذَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي، وَالْحَاكِمُ نَقَصَ مِنْهُ التَّارِيخَ، وَزَادَ فِيهِ قَوْلَهُ: وَذَلِكَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ، وَزَادَ فِيهِ2 مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى: وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ رَأْسَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَسَيِّدَهُمْ،
وَكَانَتْ ابْنَتُهُ جَوَيْرِيَةَ اسْمُهَا بَرَّةُ، فَسَمَّاهَا عليه السلام جُوَيْرِيَةَ، لِأَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: خَرَجَ مِنْ بَيْتِ بَرَّةَ، وَيُقَالُ1 إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ كُلِّ أَسِيرٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَيُقَالُ: جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ أَرْبَعِينَ مِنْ قَوْمِهَا، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي سِيرَتِهِ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ بِسَنَدِ أَبِي دَاوُد وَمَتْنِهِ، سَوَاءً، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ: رَأَيْت عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ ابْنِ إسْحَاقَ، وَقَالَ: عَلِيٌّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَتَّهِمُ مُحَمَّدَ بْنَ إسْحَاقَ، وَقَالَ لِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ أَنَّ الزُّهْرِيَّ كَانَ يَتَلَقَّفُ الْمَغَازِيَ مِنْ ابْنِ إسْحَاقَ، فِيمَا يُحَدِّثُهُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَاَلَّذِي يُذْكَرُ عَنْ مَالِكٍ فِي ابْنِ إسْحَاقَ لَا يَكَادُ يَتَبَيَّنُ، وَكَانَ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ يَقُولُ: أَخْرَجَ إلَيَّ مَالِكٌ كُتُبَ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ فِي الْمَغَازِي، وَغَيْرِهَا. فَانْتَخَبْتُ مِنْهَا كَثِيرًا، وَقَالَ لِي إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ كَانَ عِنْدَ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ محمد بن إسحاق نحواً مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ فِي الْأَحْكَامِ، سِوَى الْمَغَازِي، وَكَانَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَدِيثًا فِي زَمَانِهِ، وَلَوْ صَحَّ عَنْ مَالِكٍ تَنَاوُلُهُ مِنْ ابْنِ إسْحَاقَ، فَلَرُبَّمَا تَكَلَّمَ الْإِنْسَانُ فَيَرْمِي صاحبه بشئ وَاحِدٍ، وَلَا يَتَّهِمُهُ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بن المنذر عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحِ: نَهَانِي مَالِكٌ عَنْ شَيْخَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ أَكْثَرَ عَنْهُمَا فِي الْمُوَطَّإِ، وَهُمَا ممن يَحْتَجُّ بِهِمَا، وَلَمْ يَنْجُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ النَّاسِ، وَذَلِكَ نَحْوُ مَا يُذْكَرُ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي كَلَامِهِ فِي الشَّعْبِيِّ، وَكَلَامِ الشَّعْبِيِّ فِي عِكْرِمَةَ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ أَهْلُ الْعِلْمِ إلَى ذَلِكَ، وَلَا سَقَطَتْ عَدَالَةُ أَحَدٍ إلَّا بِبُرْهَانٍ ثَابِتٍ، وَحُجَّةٍ، وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر، قَالَ: سَمِعْت شُعْبَةَ يَقُولُ: مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ أَمِيرُ الْمُحَدِّثِينَ لِحِفْظِهِ، وَرَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ إدْرِيسَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَاحْتَمَلَهُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: نَظَرْتُ كِتَابَ ابْنِ إسْحَاقَ، فَمَا وَجَدْتُ عَلَيْهِ إلَّا فِي حَدِيثَيْنِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا صَحِيحَيْنِ، وَمَا ذُكِرَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَيْفَ يَدْخُلُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ عَلَى امْرَأَتِي؟ إنْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ، فَجَائِزٌ أَنْ تَكْتُبَ إلَيْهِ فَإِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَرَوْنَ الْكِتَابَ جَائِزًا، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لِأَمِيرِ السَّرِيَّةِ كِتَابًا، وَقَالَ لَهُ: "لَا تَقْرَأْ حَتَّى تَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا"، فَلَمَّا بَلَغَ فَتَحَ الْكِتَابَ، وَقَرَأَهُ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ، وَالْأَئِمَّةُ، يَقْضُونَ بِكِتَابِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ، وَجَائِزٌ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْهَا، وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَهِشَامٌ لَمْ يَشْهَدْ، انْتَهَى كَلَامُهُ بحروفه.
كتاب الخنثى
كِتَابُ الخنثى كيفية إرث الخنثى ... كتاب الْخُنْثَى حَدِيثٌ: سُئِلَ عليه السلام عَنْ الْخُنْثَى كَيْفَ يُورَثُ؟ قَالَ: "مِنْ حَيْثُ يَبُولُ"، قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي عَنْ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَوْلُودٍ وُلِدَ، لَهُ قُبُلٌ، وَذَكَرٌ، مِنْ أَيْنَ يُورَثُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ حَيْثُ يَبُولُ"، انْتَهَى1 وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ2 في الفرائض، وعده ابن عدي مِنْ مُنْكَرَاتِ الْكَلْبِيِّ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْكَلْبِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو النَّخَعِيّ عَنْ الْكَلْبِيِّ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَمْرٍو النَّخَعِيّ يَضَعُ الْحَدِيثَ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ فِي الْفَرَائِضِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَدِيٍّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ مِنْ أَضْعَفِ إسْنَادٍ يَكُونُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَدِيٍّ، وقال: البلاء فيه من الكلبي ن وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ كَذَّابُونَ: سُلَيْمَانُ النَّخَعِيّ، وَالْكَلْبِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ، انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْفَرَائِضِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ االشعبي عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ وَرَّثَ خُنْثَى مِنْ حَيْثُ يَبُولُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ كَثِيرٍ الْأَحْمَسِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ أُتِيَ فِي خُنْثَى، فَأَرْسَلَهُمْ إلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ: يُورَثُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ، حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ مُغِيرَةَ وَسِمَاكٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ بِهِ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَحْوَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ نَحْوَهُ، وَزَادَ، فَإِنْ كَانَا فِي الْبَوْلِ سَوَاءً، فَمِنْ حَيْثُ سَبَقَ، انْتَهَى.
مسائل شتى
مَسَائِلُ شَتَّى حَدِيثٌ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدَّى وَاجِبَ التَّبْلِيغِ مَرَّةً بِالْعِبَارَةِ، وَتَارَةً بِالْكِتَابَةِ إلَى الْغُيَّبِ، قُلْت: أَمَّا تَبْلِيغُهُ عليه السلام بِالْعِبَارَةِ، فَمَعْرُوفٌ، وَأَمَّا بِالْكِتَابَةِ إلَى الْغُيَّبِ فَفِي
الصَّحِيحَيْنِ1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ، وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ مَعَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى عَظِيمِ بُصْرَى لِيَدْفَعَهُ إلَى قَيْصَرَ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إلَى قَيْصَرَ، الْحَدِيثُ بِطُولِهِ، إلَى أَنْ قَالَ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: ثُمَّ دَعَا قَيْصَرُ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُرِئَ، فَإِذَا فِيهِ: "بسم الله الرحمن الرحيم، مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوك بِدَاعِيَةِ اللَّهِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِك اللَّهُ أَجْرَك مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْت، فإن عليك إثم الأريسين، ويا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، أَنْ لَا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ، وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا: اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" مُخْتَصَرٌ، وَالْكِتَابُ لَمْ يُخْتَصَرْ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَعْنِي الصَّحِيحَ. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَاهُ أَيْضًا2 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ قَالَ: "إنَّك تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 فِي الْجِهَادِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى كِسْرَى، وَقَيْصَرَ، وَإِلَى النَّجَاشِيِّ، وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ، يَدْعُوهُمْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ4 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَنْ لَا يَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَفِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ، ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ1 فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا قُرَّةُ، قَالَ: سَمِعْت يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الله، قال: كنا بالمريد، فَجَاءَ رَجُلٌ أَشْعَثُ الرَّأْسِ بِيَدِهِ قِطْعَةُ أَدِيمٍ أَحْمَرَ، فَقُلْنَا لَهُ: كَأَنَّك مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ؟ قَالَ: أَجَلْ، قُلْنَا: نَاوِلْنَا هَذِهِ الْقِطْعَةَ الْأَدِيمَ الَّتِي فِي يَدِك، فَنَاوَلَنَاهَا، فَقَرَأْنَاهَا، فَإِذَا فِيهَا: "مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إلَى بَنِي زُهَيْرِ بْنِ أُقَيْشٍ، إنَّكُمْ إنْ شَهِدْتُمْ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَقَمْتُمْ الصَّلَاةَ، وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ، وَأَدَّيْتُمْ الْخُمُسَ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَسَهْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَهْمَ الصَّفِيِّ، أَنْتُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ"، فَقُلْنَا لَهُ: مَنْ كَتَبَ لَك هَذَا الْكِتَابَ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ الشَّاعِرُ، صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسُمِّيَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ2 فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ أَنْ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، قَالَ: فَمَا قَرَأَهُ إلَّا رَجُلٌ مِنْهُمْ، مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ، فَهُمْ يُسَمَّوْنَ بَنِي الْكَاتِبِ، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، وَابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ " بسم الله الرحمن الرحيم، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، صَاحِبِ مُوسَى، وَأَخِيهِ، وَالْمُصَدِّقِ لِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى، أَلَا إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لَكُمْ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَأَهْلَ التَّوْرَاةِ وَإِنَّكُمْ تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ: إنَّ محمداّ رَسُولُ اللَّهِ، وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ، إلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَإِنِّي أُنْشِدُكُمْ بِاَللَّهِ الَّذِي أَيْبَسَ الْبَحْرَ لِآبَائِكُمْ، حَتَّى أنجاكم مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ، إلَّا أَخْبَرْتُمُونَا هَلْ تَجِدُونَ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ، فَإِنْ كُنْتُمْ لَا تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ، فَلَا كُرْهَ عَلَيْكُمْ، قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الْغَيِّ، وَإِنِّي أَدْعُوكُمْ إلَى اللَّهِ، وَإِلَى نَبِيِّهِ"، انْتَهَى. حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الرِّدَّةِ حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَهْمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيِّ بالبحرين، ليال بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ، مُنْصَرَفَهُ عليه السلام
مِنْ تَبُوكَ، وَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوك إلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ، أَسْلِمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَك مَا تَحْتَ يَدَيْك، وَاعْلَمْ أَنَّ دِينِي سَيَظْهَرُ إلَى مُنْتَهَى الْخُفِّ وَالْحَافِرِ". وَخَتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ. فَخَرَجَ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ إلَى الْمُنْذِرِ، وَمَعَهُ نَفَرٌ: فِيهِمْ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَوْصِ بِهِمْ خَيْرًا"، وَقَالَ لَهُ: "إنْ أَجَابَك إلَى مَا دَعْوَتُهُ إلَيْهِ، فَأَقِمْ حَتَّى يَأْتِيَك أَمْرِي، وَخُذْ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ"، قَالَ الْعَلَاءُ: فَاكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ كِتَابًا يَكُونُ مَعِي، فَكَتَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَائِضَ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْحَرْثِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، عَلَى وَجْهِهَا، وَقَدِمَ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ عَلَيْهِ، فَقَرَأَ الْكِتَابَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مَا دَعَا إلَيْهِ حَقٌّ، وَأَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَأَكْرَمَ مَنْزِلَهُ. وَرَجَعَ الْعَلَاءُ، فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَهُ، فَسُرَّ، انْتَهَى. ثُمَّ أَسْنَدَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: وَجَدْتُ هَذَا الْكِتَابَ فِي كُتُبِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَنَسَخْتُهُ، فَإِذَا فِيهِ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى، وَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا يَدْعُوهُ فِيهِ إلَى الْإِسْلَامِ، فَكَتَبَ الْمُنْذِرُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا بَعْدُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّي قَرَأْتُ كِتَابَك عَلَى أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ1 فَمِنْهُمْ مَنْ أَحَبَّ الْإِسْلَامَ، وَأَعْجَبَهُ، وَدَخَلَ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ، وَبِأَرْضِي مَجُوسٌ، وَيَهُودٌ، فَأَحْدِثْ إلَيَّ فِي ذَلِكَ أَمْرًا، فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "بسم الله الرحمن الرحيم، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى، سَلَامٌ عَلَيْك، فَإِنِّي أَحْمَدُ إليك الله الذي لاإله إلَّا هُوَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ، وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَنْصَحْ، فَإِنَّمَا يَنْصَحُ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّهُ مَنْ يُطِعْ رُسُلِي، وَيَتَّبِعْ أَمْرَهُمْ، فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ نَصَحَ لَهُمْ، فَقَدْ نَصَحَ لِي، وَإِنَّ رُسُلِي قَدْ أَثْنَوْا عَلَيْك خَيْرًا، وَإِنِّي شَفَّعْتُك فِي قَوْمِك، فَاتْرُكْ لِلْمُسْلِمِينَ مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ، وَعَفَوْتُ عَنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَإِنَّك مَهْمَا تَصْلُحْ، فَلَنْ نَعْزِلَك عَنْ عَمَلِك، وَمَنْ أَقَامَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ، أَوْ مَجُوسِيَّةٍ، فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ"، قَالَ: فَأَسْلَمَ الْمُنْذِرُ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَمَاتَ قَبْلَ رِدَّةِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ، وَذَكَرَ ابْنُ قَانِعٍ أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ بْنُ سَالِمٍ: وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ. كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى كِسْرَى مَلِكِ الْفُرْسِ: وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَيْضًا2 مِنْ حَدِيثِ الشِّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَبْدَ الله بن حذاقة السَّهْمِيَّ، مُنْصَرِفَهُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ، إلَى كِسْرَى، وَبَعَثَ مَعَهُ كتاباً مختوماً، فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، مَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إلَى كِسْرَى
عَظِيمِ فَارِسَ، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى وَآمَنَ بِاَللَّهِ، وَرَسُولِهِ، وَشَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَدْعُوك بِدَاعِيَةِ اللَّهِ، فَإِنِّي أَنَا رَسُولُ اللَّهِ إلَى النَّاسِ كَافَّةً، لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا، وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، فَإِنْ أَبَيْت، فَإِنَّ عَلَيْك إثْمَ الْمَجُوسِ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حذاقة: فَانْتَهَيْتُ إلَى بَابِهِ، فَطَلَبْتُ الْإِذْنَ عَلَيْهِ، حَتَّى وَصَلْت إلَيْهِ فَدَفَعْت إلَيْهِ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُرِئَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ وَمَزَّقَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ"، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، مُخْتَصَرًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، بَعَثَ بِكِتَابِهِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ، قَالَ: فَحَسِبْت أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ، انْتَهَى. كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ: وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى النَّجَاشِيِّ كِتَابًا، وَأَرْسَلَهُ مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، فِيهِ: "بسم الله الرحمن الرحيم، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ، أَسْلِمْ أَنْتَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إلَيْك اللَّهَ، الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، الْمَلِكَ الْقُدُّوسَ، السَّلَامَ الْمُؤْمِنَ، الْمُهَيْمِنَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عِيسَى ابن مريم، رروح اللَّهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ الْبَتُولِ، فَحَمَلَتْ بِهِ، فَخَلَقَهُ مِنْ رُوحِهِ، وَنَفَخَهُ، كَمَا خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وَإِنِّي أَدْعُوك إلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، والمولاة عَلَى طَاعَتِهِ، وَأَنْ تَتَّبِعَنِي، وَتُؤْمِنَ بِاَلَّذِي جَاءَنِي، فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَإِنِّي أَدْعُوك وَجُنُودَك إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ بَلَّغْتُ وَنَصَحْتُ، فَاقْبَلُوا نَصِيحَتِي، وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى" قَالَ: فَكَتَبَ إلَيْهِ النَّجَاشِيُّ: بسم الله الرحمن الرحيم، إلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، مِنْ أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ، سَلَامٌ عَلَيْك يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مِنْ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَبَرَكَاتُ اللَّهِ، الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ بَلَغَنِي كِتَابُك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِ عِيسَى، فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنَّ عِيسَى لَا يَزِيدُ عَلَى مَا ذَكَرْت ثُفْرُوقًا1 وَإِنَّهُ كَمَا ذَكَرْت، وَقَدْ عَرَفْنَا مَا بُعِثْتَ بِهِ إلَيْنَا، وَقَدْ قَرَّبْنَا ابْنَ عَمِّك، وَأَصْحَابَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ صَادِقًا مُصَدَّقًا، وَقَدْ بَايَعْتُك، وَبَايَعْتُ ابْنَ عَمِّك، وَأَسْلَمْتُ على يديه، لله ررب الْعَالَمِينَ، انْتَهَى. كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُقَوْقِسِ: وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى الْمُقَوْقِسِ، مَعَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ "بسم الله الرحمن الرحيم: مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إلَى الْمُقَوْقِسِ عَظِيمِ الْقِبْطِ، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوك بِدَاعِيَةِ الْإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِك
اللَّهُ أَجْرَك مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْت فَإِنَّ عَلَيْك إثْمَ الْقِبْطِ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} "، وَخَتَمَ الْكِتَابَ، فَخَرَجَ بِهِ حَاطِبٌ حَتَّى قَدِمَ الإسكندية، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ: اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ كَانَ قَبْلَك رَجُلٌ زَعَمَ أَنَّهُ الرَّبُّ الْأَعْلَى، فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى، فَانْتَقَمَ بِهِ، ثُمَّ انْتَقَمَ مِنْهُ، فَاعْتَبِرْ بِغَيْرِك، وَلَا يَعْتَبِرْ غَيْرُك بِك، اعْلَمْ أَنَّ لَنَا دِينًا لَنْ نَدَعَهُ إلَّا لِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، الْكَافِي بِهِ اللَّهُ مَا سِوَاهُ، إنَّ هَذَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا النَّاسَ، فَكَانَ أَشَدَّهُمْ عَلَيْهِ قُرَيْشٌ، وَأَعْدَاهُمْ لَهُ يَهُودُ، وَأَقْرَبَهُمْ مِنْهُ النَّصَارَى، وَلَعَمْرِي مَا بِشَارَةُ مُوسَى بِعِيسَى، إلَّا كَبِشَارَةِ عِيسَى بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا دُعَاؤُنَا إيَّاكَ إلَى الْقُرْآنِ، إلَّا كَدُعَائِك أَهْلَ التَّوْرَاةِ، إلَى الْإِنْجِيلِ، وَكُلُّ نَبِيٍّ أَدْرَكَ قَوْمًا، فَهُمْ مِنْ أُمَّتِهِ، فَالْحَقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَأَنْتَ مِمَّنْ أَدْرَكَهُ هَذَا النَّبِيُّ، وَلَسْنَا نَنْهَاك عَنْ دِينِ الْمَسِيحِ، بَلْ نَأْمُرُك بِهِ، فَقَالَ الْمُقَوْقِسُ: إنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ هَذَا النَّبِيِّ، فَرَأَيْتُهُ لَا يَأْمُرُ بِمَزْهُودٍ فِيهِ، وَلَا يَنْهَى عَنْ مَرْغُوبٍ عَنْهُ، وَلَمْ أَجِدْهُ بِالسَّاحِرِ الضَّالِّ، وَلَا الْكَاهِنِ الْكَاذِبِ، وَوَجَدْت مَعَهُ آلَةَ النبوة بإخراج الخبأ، وَالْإِخْبَارِ بِالنَّجْوَى، وَسَأَنْظُرُ فِي ذَلِكَ، وَأَخَذَ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَهُ فِي حُقٍّ مِنْ عَاجٍ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ، وَدَفَعَهُ إلَى جَارِيَةٍ لَهُ، ثُمَّ دَعَا كَاتِبًا لَهُ يُكْتَبُ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَكَتَبَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بسم الله الرحمن الرحيم، لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، مِنْ الْمُقَوْقِسِ عَظِيمِ الْقِبْطِ، سَلَامٌ، أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ قَرَأْتُ كِتَابَك، وَفَهِمْتُ مَا ذَكَرْتَ فِيهِ، وَمَا تَدْعُو إلَيْهِ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ نَبِيًّا بَقِيَ، وَكُنْت أَظُنُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِالشَّامِ، وَقَدْ أَكْرَمْتُ رَسُولَك، وَبَعَثْتُ إلَيْك بِجَارِيَتَيْنِ، لَهُمَا مَكَانٌ فِي الْقِبْطِ عَظِيمٌ، وَبِكِسْوَةٍ، وَبَغْلَةٍ لِتَرْكَبَهَا، وَالسَّلَامُ عَلَيْك، وَدَفَعَ الْكِتَابَ إلَى حَاطِبٍ، وَأَمَرَ لَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَخَمْسَةِ أَثْوَابٍ، وَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إلَى صَاحِبِكَ، وَلَا تَسْمَعْ مِنْك الْقِبْطُ حَرْفًا وَاحِدًا، فَإِنَّ الْقِبْطَ لَا يُطَاوِعُونِي فِي اتِّبَاعِهِ، وَأَنَا أَضِنُّ بِمُلْكِي أَنْ أُفَارِقَهُ، وَسَيَظْهَرُ صَاحِبُك عَلَى الْبِلَادِ، وَيَنْزِلُ بِسَاحَتِنَا هَذِهِ أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَارْحَلْ مِنْ عِنْدِي، قَالَ: فَرَحَلْت مِنْ عِنْدِهِ، وَلَمْ أُقِمْ عِنْدَهُ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا قَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكَرْت له ما قاله لِي، فَقَالَ: "ضَنَّ الْخَبِيثُ بِمُلْكِهِ، وَلَا بَقَاءَ لِمُلْكِهِ"، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: اسْمُهُ جُرَيْجُ بْنُ مِينَاءَ، أَثْبَتَهُ أَبُو عُمَرَ فِي الصَّحَابَةِ، ثُمَّ ضَرَبَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ، وَكَانَتْ شُبْهَتُهُ فِي إثْبَاتِهِ إيَّاهُ فِي الصَّحَابَةِ، رِوَايَةً رَوَاهَا ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْمُقَوْقِسُ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَحًا مِنْ قَوَارِيرَ، فَكَانَ يَشْرَبُ فِيهِ، انْتَهَى. قُلْت: عَدَّهُ ابْنُ قَانِعٍ فِي الصَّحَابَةِ، وَرَوَى لَهُ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا قَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا مِنْدَلٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، قَالَ
النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ، وَعَدَّهُ أَبُو نُعَيْمٍ، وَابْنُ مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ، وَغَلِطَا فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَاتَ نَصْرَانِيًّا، انْتَهَى. كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جَيْفَرٍ، وَعَبْدٍ ابْنَيْ الْجُلُنْدَى، الْأَزْدِيَّيْنِ، مَلِكَيْ عُمَانَ، مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ " بسم الله الرحمن الرحيم، مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، إلَى جَيْفَرٍ، وَعَبْدٍ ابْنَيْ الْجُلُنْدَى، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكُمَا بِدَاعِيَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمَا تَسْلَمَا، فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَى النَّاسِ كَافَّةً، لِأُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا، وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَإِنَّكُمَا إنْ أَقْرَرْتُمَا بِالْإِسْلَامِ، وَلَّيْتُكُمَا، وَإِنْ أَبَيْتُمَا أَنْ تُقِرَّا بِالْإِسْلَامِ، فَإِنَّ مُلْكَكُمَا زَائِلٌ عَنْكُمَا، وَخَيْلِي تَحُلُّ بِسَاحَتِكُمَا، وَتَظْهَرُ نُبُوَّتِي عَلَى مُلْكِكُمَا ". وَكَتَبَهُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ، وَخَتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: فَخَرَجْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إلَى عُمَانَ، فَقَدِمْتُ عَلَى عَبْدٍ، وَكَانَ أَسْهَلَ الرَّجُلَيْنِ، فَقُلْت لَهُ: إنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْك، وَإِلَى أَخِيك، فَقَالَ: أَخِي الْمُقَدَّمُ عَلَيَّ بِالسِّنِّ وَالْمُلْكِ، أَنَا أُوصِلُك إلَيْهِ، فَيَقْرَأُ كِتَابَك، ثُمَّ سَأَلَنِي أَيْنَ كَانَ إسْلَامِي؟ فَقُلْت لَهُ: عِنْدَ النَّجَاشِيِّ، وَأَخْبَرْته أَنَّ النَّجَاشِيَّ أَسْلَمَ، فَقَالَ: مَا أَظُنُّ أَنَّ هِرَقْلَ عَرَفَ بِإِسْلَامِهِ، قُلْت: بلى، قَالَ: مِنْ أَيْنَ لَك؟ قُلْت: كَانَ النَّجَاشِيُّ يُخْرِجُ خَرْجًا، فَلَمَّا أَسْلَمَ، قَالَ: وَاَللَّهِ لَوْ سَأَلَنِي دِرْهَمًا وَاحِدًا مَا أَعْطَيْته، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ هِرَقْلَ، قِيلَ لَهُ: أَتَدَعُ عَبْدَك لَا يُخْرِجُ لَك خَرْجًا، وَيَدِينُ دِينًا مُحْدَثًا؟ فَقَالَ: وَمَا الَّذِي أَصْنَعُ؟ رَجُلٌ رَغِبَ فِي دِينٍ، وَاخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ، وَاَللَّهِ لَوْلَا الضَّنُّ بِمُلْكِي، لَصَنَعْت مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ، فَقَالَ: اُنْظُرْ يَا عَمْرُو مَا تَقُولُ، إنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَصْلَةٍ فِي الرَّجُلِ أَفْضَحَ لَهُ مِنْ الْكَذِبِ، فَقُلْت لَهُ: وَاَللَّهِ مَا كَذَبْت، وَإِنَّهُ لَحَرَامٌ فِي دِينِنَا فَقَالَ: وَمَا الَّذِي يَدْعُو إلَيْهِ؟ قُلْت: يَدْعُو إلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَيَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَالْبِرِّ وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَيَنْهَى عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَعَنْ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَعَنْ الزِّنَا، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَعِبَادَةِ الْحَجَرِ وَالْوَثَنِ، وَالصَّلِيبِ، فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا، لَوْ كَانَ أَخِي يُتَابِعُنِي، لَرَكِبْنَا إلَيْهِ حَتَّى نُؤْمِنَ بِهِ، وَلَكِنَّ أَخِي أَضَنُّ بِمُلْكِهِ، مِنْ أَنْ يَدَعَهُ، قُلْت: إنَّهُ إنْ أَسْلَمَ مَلَّكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمِهِ، قَالَ: ثُمَّ أَخْبَرَ أَخَاهُ بِخَبَرِي، فَدَعَانِي، فَدَخَلْت عَلَيْهِ، وَدَفَعْت إلَيْهِ الْكِتَابَ، فَفَضَّهُ، وَقَرَأَهُ، ثُمَّ دَفَعَهُ إلَى أَخِيهِ، فَقَرَأَهُ مِثْلَهُ، إلَّا أَنَّ أَخَاهُ أَرَقُّ مِنْهُ، وَقَالَ لِي: مَا صَنَعَتْ قُرَيْشٌ؟ قُلْت: مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا وَأَسْلَمَ إمَّا رَاغِبًا فِي الْإِسْلَامِ، وَإِمَّا مَقْهُورًا بِالسَّيْفِ، وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ فِي الْإِسْلَامِ، وَعَرَفُوا بِعُقُولِهِمْ مَعَ هِدَايَةِ اللَّهِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي ضَلَالٍ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا بَقِيَ غَيْرَك، وَأَنْتَ إنْ لَمْ تسلم، توطئك الخيل، وتبيد خضرائك، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ، قَالَ: دَعْنِي يَوْمًا هَذَا، قَالَ: فَلَمَّا خَلَا بِهِ أَخُوهُ، قَالَ: مَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ؟ وَقَدْ ظَهَرَ أَمْرُ هَذَا الرَّجُلِ، وَكُلُّ مَنْ أَرْسَلَ إلَيْهِ أَجَابَهُ؟ قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ أَرْسَلَ إلَيَّ، وَأَجَابَ هُوَ
وَأَخُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ جَمِيعًا، وَخَلَّيَا بَيْنِي وَبَيْنَ الصَّدَقَةِ، وَالْحُكْمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وكانا لي عوناً إلى مَنْ خَالَفَنِي، انْتَهَى1. كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ، مَلِكِ الشَّامِ، مَعَ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ، هَكَذَا عِنْدَ الْوَاقِدِيِّ، وَعِنْدَ ابْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ جَبَلَةُ بْنُ الْأَيْهَمِ، عِوَضَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ، ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ شُجَاعًا إلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ، وَهُوَ بِغُوطَةِ دِمَشْقَ2 فَكَتَبَ إلَيْهِ، مَرْجِعَهُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَآمَنَ بِهِ، وَصَدَّقَ، وَإِنِّي أَدْعُوك إلَى أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، يَبْقَى لَك مُلْكُك". وَخَتَمَ الْكِتَابَ، وَدَفَعَهُ إلَى شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَيْهِ انْتَهَيْتُ إلَى حَاجِبِهِ، فَقُلْت لَهُ: إنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إلَيْهِ، فَقَالَ لِي: إنَّك لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَى يَوْمِ كَذَا، فَأَقَمْتُ عَلَى بَابِهِ يَوْمَيْنِ، أوثلاثة، وَجَعَلَ حَاجِبُهُ وَكَانَ رُومِيًّا، اسْمُهُ مُرَيٌّ يَسْأَلُنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يَدْعُو إلَيْهِ، فَكُنْت أُحَدِّثُهُ، فَيَرِقُّ قَلْبُهُ، حَتَّى يَغْلِبَهُ الْبُكَاءُ، وَقَالَ: إنِّي قَرَأْتُ فِي الْإِنْجِيلِ صِفَةَ هَذَا النَّبِيِّ، وَكُنْتُ أَرَى أَنَّهُ يَخْرُجُ بالشام، وأنا أؤمن بِهِ، وَأُصَدِّقُهُ، وَكَانَ يُكْرِمُنِي، وَيُحْسِنُ ضِيَافَتِي، وَيُخْبِرُنِي عَنْ الْحَارِثِ بِالْيَأْسِ مِنْهُ، وَيَقُولُ: هُوَ يَخَافُ قَيْصَرَ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ الْحَارِثُ يَوْمَ جُلُوسِهِ أَذِنَ لِي عَلَيْهِ، فَدَفَعْتُ إلَيْهِ الْكِتَابَ، فَقَرَأَهُ، ثُمَّ رَمَى بِهِ، وَقَالَ: مَنْ يَنْتَزِعُ مِنِّي مُلْكِي، أَنَا سَائِرٌ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ بِالْيَمَنِ جِئْتُهُ، عَلَيَّ بِالنَّاسِ، فَلَمْ يَزَلْ يَسْتَعْرِضُ3 حَتَّى اللَّيْلِ، وَأَمَرَ بِالْخَيْلِ أَنْ تُنَعَّلَ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْ صَاحِبَك بِمَا تَرَى، وَكَتَبَ إلَى قَيْصَرَ يُخْبِرُهُ خَبَرِي، فَصَادَفَ قَيْصَرَ بِإِيلِيَاءَ، وَعِنْدَهُ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، وَقَدْ بَعَثَهُ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَرَأَ قَيْصَرُ كِتَابَ الْحَارِثِ، كَتَبَ أَنْ لَا تَسِرْ إلَيْهِ، وَالْهُ عَنْهُ، وَوَافِنِي بِإِيلِيَاءَ، قَالَ: وَرَجَعَ الْكِتَابُ، وَأَنَا مُقِيمٌ، فَدَعَانِي، وَقَالَ: مَتَى تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ إلَى صَاحِبِك؟ قُلْت: غَدًا، فَأَمَرَ لِي بِمِائَةِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ، وَوَصَّلَنِي الْحَاجِبُ بِنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ، وَقَالَ لِي: اقْرَأْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنِّي السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُ أَنِّي مُتَّبِعٌ دِينَهُ، قَالَ شُجَاعٌ: فَقَدِمْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: "بَادَ مُلْكُهُ"، وَأَقْرَأْته السَّلَامَ، وَأَخْبَرْته بِمَا قَالَ، فَقَالَ عليه السلام: "صَدَقَ"، انْتَهَى.
كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1 إلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ، مَعَ سَلِيطِ بْنِ عَمْرٍو الْعَامِرِيِّ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيٍّ، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى، اعْلَمْ أَنَّ دِينِي سَيَظْهَرُ إلَى مُنْتَهَى الْخُفِّ وَالْحَافِرِ، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَجْعَلْ لَك مَا تَحْتَ يَدَيْك"، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى سَلِيطٍ أَنْزَلَهُ وَحَيَّاهُ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَتَبَ إلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَحْسَنَ مَا تَدْعُو إلَيْهِ وَأَجْمَلَهُ، وَأَنَا شَاعِرُ قَوْمِي، وَخَطِيبُهُمْ، وَالْعَرَبُ تَهَابُ مَكَانِي، فَاجْعَلْ إلَيَّ بَعْضَ الْأَمْرِ أَتَّبِعْك، وَأَجَازَ سَلِيطًا بِجَائِزَةٍ، وَكَسَاهُ أَثْوَابًا، مِنْ نَسْجِ هَجَرَ، فَقَدِمَ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، وَقَرَأَ كِتَابَهُ، فَقَالَ: "وَاَللَّهِ لَوْ سَأَلَنِي شَيْئًا بِهِ مِنْ الْأَرْضِ مَا فَعَلْتُ، بَادَ، وَبَادَ مَا فِي يَدَيْهِ"، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الفتح، جاءه جبرئيل عليه السلام بِأَنَّ هَوْذَةَ مَاتَ، فَقَالَ عليه السلام: "أَمَا إنَّ الْيَمَامَةَ سَيَخْرُجُ بِهَا كَذَّابٌ، يَتَنَبَّأُ، يُقْتَلُ بِهَا بَعْدِي"، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ يَقْتُلُهُ؟ قَالَ: "أَنْتَ وَأَصْحَابُك"، فَكَانَ كَذَلِكَ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَقِّ وَالصَّوَابِ. (*)