نصاب الاحتساب

السَّنَامي

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين الْحَمد لله الحسيب الرَّقِيب على نواله إِيمَانًا واحتسابا وَالصَّلَاة على رَسُوله مُحَمَّد الحسيب النسيب وَآله مَا لَا يُحْصى كتابا وَلَا حسابا وَبعد فقد جمع عَبده الغريق فِي بَحر فَضله الطامي عمر بن مُحَمَّد بن عوض السنامي ألهمه الله تَعَالَى تقواه فِيمَا يكْتب وَيجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من

حَيْثُ لَا يحْتَسب فِي تصنيف هَذَا الْكتاب وَهُوَ نِصَاب الاحتساب مسَائِل اختصب بِالنِّسْبَةِ الى حسب منصب الْحِسْبَة من كتب مُعْتَبرَة بَين الْفُقَهَاء معول عَلَيْهَا عِنْد الْعلمَاء بَعْدَمَا تحمل فِي جمعه نصبا وكمل فِي قَيده نصبا وَصرف إِلَى تنقيحه وتصحيحه مُدَّة مديدة وتكلف فِي ترتيبه وتهذيبه شدَّة شَدِيدَة ليَكُون للمبتلي بِهِ آيَة يعرف بهَا فِيمَا يحْتَاج اليه غَايَة وَهِي مرتبَة على أَبْوَاب

في تفسير اللفظين المتداولين في هذا الكتاب أحدهما الاحتساب والثاني الحسبة

الْبَاب الاول فِي تَفْسِير اللَّفْظَيْنِ المتداولين فِي هَذَا الْكتاب أَحدهمَا الاحتساب وَالثَّانِي الْحِسْبَة فالاحتساب لُغَة يُطلق لمعنيين أَحدهمَا من الْعدَد والحساب ذكر فِي الْمغرب احتسب بالشَّيْء اعْتد بِهِ وَجعله فِي الْحساب وَمِنْه احتسب عِنْد الله تَعَالَى خيرا إِذا قدمه وَمَعْنَاهُ اعتده فِيمَا يدّخر عِنْد الله تَعَالَى وَعَلِيهِ حَدِيث إبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ إِنِّي أحتسب خطاي هَذِه أَي اعتدها فِي سَبِيل الله تَعَالَى وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام من صَامَ رَمَضَان إِيمَان واحتسابا غفر لَهُ

مَا تقدم من ذَنبه أَي صَامَ وَهُوَ يُؤمن بِاللَّه تَعَالَى وَرَسُوله ويعتد صَوْمه عِنْد الله تَعَالَى وَالثَّانِي الْإِنْكَار وَذكر فِي الصِّحَاح احتسب عَلَيْهِ كَذَا أَي أنكرته عَلَيْهِ قَالَ ابْن دُرَيْد والحسبة أَيْضا لمعنيين أَحدهمَا بِمَعْنى الْحساب مصدر كالقعدة والركعة وَالثَّانِي التَّدْبِير يُقَال فلَان حسن الْحِسْبَة فِي الْأَمر أَي حسن التَّدْبِير لَهُ وَفِي الشَّرْع هِيَ الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ إِذا ظهر تَركه وَالنَّهْي عَن الْمُنكر إِذا ظهر فعله ذكر فِي كتاب أَحْكَام السُّلْطَان وَوجه

الِاسْتِعَارَة أما الاحتساب فَإِنَّهُ إِن كَانَ بِالْمَعْنَى الأول وَهُوَ يتَعَدَّى بِالْيَاءِ فَهُوَ يحْتَسب بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر عِنْد الله أجرا فَكَأَنَّهُ من قبيل تَخْصِيص الْعَام وَإِن كَانَ بِمَعْنى الْإِنْكَار فَهُوَ من قبيل تَسْمِيَة الْمُسَبّب بِالسَّبَبِ لِأَن الْإِنْكَار على الْغَيْر سَبَب بإزالته وَهُوَ الإحتساب لِأَن الْمَعْرُوف إِذا ترك فَالْأَمْر بِإِزَالَة تَركه أَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالْمُنكر إِذا فعل فَالْأَمْر بإزالته هُوَ النَّهْي عَن الْمُنكر وَأما الْحِسْبَة فَإِنَّهَا إِن كَانَت بِمَعْنى الْحساب فَهُوَ نَظِير الأول من الاحتساب وَإِن كَانَ بِمَعْنى الثَّانِي فَهُوَ كَذَلِك وَإِن كَانَ بِمَعْنى الثَّانِي فَهُوَ كَذَلِك وَإِن كَانَ التَّدْبِير عَاما وَلكنه أُرِيد بِهِ تَدْبِير خَاص وَهُوَ تَدْبِير أقامة الشَّرْع فِيمَا بَين الْمُسلمين وَسمي بِهِ لِأَنَّهُ أحسن وُجُوه التَّدْبِير ثمَّ الْحِسْبَة فِي الشَّرِيعَة عَام تتَنَاوَل كل مَشْرُوع

يفعل لله تَعَالَى كالآذان وَالْإِقَامَة وآداء الشَّهَادَة مَعَ كَثْرَة تعدادها وَلِهَذَا قيل الْقَضَاء بَاب من أَبْوَاب الْحِسْبَة وَقيل الْقَضَاء جُزْء من أجراء الاحتساب وَفِي الْعرف مُخْتَصّ بِأُمُور أَحدهَا إِرَاقَة الْخُمُور وَالثَّانِي كسر المعازف وَالثَّالِث إصْلَاح الشوارع بفصولها من وضع الْمِيزَاب واتخاذ الدكاك على الْبَاب وَالرَّابِع منع جُلُوس الباعة عَلَيْهَا وَالْخَامِس منع سوق الْحمير والبقور للخشابين والأجرين وَنَحْوهم وَالسَّادِس منع ربط النَّاس دوابهم فِيهَا وَالسَّابِع منع عمَارَة الحيكان فِي شَيْء من الشوارع وَالثَّامِن منع شغل هَوَاء الشَّارِع بالجناح وَيُسمى بيرون داشت

التَّاسِع منع المبرز فِي الْجِدَار بِحَيْثُ يكون إِزَالَة النَّجَاسَة مِنْهُ بالوقوع فِي الشَّارِع والعاشر منع الظلة وَالْحَادِي عشر النّظر بَين الْجِيرَان فِي التَّصَرُّفَات الْمضرَّة كالنظر وسد الضَّوْء لَا فِيمَا يرجع إِلَى الْملك كغصب قِطْعَة من الأَرْض وَالثَّانِي عشر تَقْوِيم الموازين وَالثَّالِث عشر تفحص السنجات وَالرَّابِع عشر تنقية دكان الطباخين والخبازين وَنَحْوهم وَالْخَامِس عشر نفحص نظافة القفاع ودكانه وَالسَّادِس عشر إسبال الْإِزَار على الْكَعْبَيْنِ وَالسَّابِع عشر زجر النَّاس عَن الْغناء وَالنوح

وَالثَّامِن عشر منع الرِّجَال عَن التَّشَبُّه بِالنسَاء وَمنع النِّسَاء عَن التَّشَبُّه بِالرِّجَالِ وَالتَّاسِع عشر أَمر التنبولين بِطَهَارَة مَائِهِمْ وثيابهم وتنقية نورتهم عَن الْحَصَاة وَالْعشْرُونَ إحراق المعازف وَكسرهَا يَوْم الْأَضْحَى فِي الْمصلى وَغَيرهَا وَالْحَادِي وَالْعشْرُونَ منع النَّاس عَن تطيير الحمامات وَالثَّانِي وَالْعشْرُونَ منع البغايا وتعزيرهن وَمنع أوليائهن ومواليهن وأزواجهن وَالثَّالِث وَالْعشْرُونَ أَمر أهل الذِّمَّة بتطهير الْأَوَانِي الَّتِي يبيعون فِيهَا المايعات من الدّهن وَاللَّبن وَالرَّابِع وَالْعشْرُونَ أَمر الغسالين بِإِقَامَة السّنة وَاجْتنَاب الْبِدْعَة فِي غسل الْمَوْتَى وحفر الْقُبُور وَالْحمل وزجرهم عَن الغلاء فِي أَخذ

الْأجر وَنصب الصلحاء وَذَوي الْخِبْرَة بِهَذِهِ الْأُمُور فِي هَذِه الْمصلحَة وَالْخَامِس وَالْعشْرُونَ تفحص الْجَامِع يَوْم الْجُمُعَة والمصلى يَوْم الْعِيدَيْنِ وإخلاؤهما عَن البيع وَالشِّرَاء وَمنع الْفُقَرَاء عَن التخطي وَمنع وَالْقصاص عَن الْقَصَص المفتريات وَمنع النِّسَاء السائلات عَن الدُّخُول فِيهِ وَمنع الصّبيان المجانين مِنْهُ وَالسَّادِس وَالْعشْرُونَ وَدفع الْحَيَوَانَات الؤذية عَن العمرانات كَالْكَلْبِ الْعَقُور وَغَيره وَالسَّابِع وَالْعشْرُونَ النَّهْي عَن النجش والتطفيف وَالثَّامِن وَالْعشْرُونَ منع النَّاس عَن الْوُقُوف فِي مَوَاضِع التهم كتحدث الرِّجَال مَعَ النِّسَاء فِي الشوارع وَالتَّاسِع وَالْعشْرُونَ منع النقاشين والصباغين والصواغين عَن اتِّخَاذ

التماثيل ذَوَات الرّوح وَكسر الصُّور وَالثَّلَاثُونَ منع الْمُسلمين عَن الِاكْتِسَاب الْفَاجِر كاتخاذ الْأَصْنَام وَالْمَعَازِف الصنج وَبيع النَّبِيذ والبنج وَالْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ منع الطباخين والخبازين فِي أول نَهَار رَمَضَان عَن بيع الطَّعَام على مِثَال غير رَمَضَان وَالثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ منع النَّاس عَن اتخاد الْقُبُور الكاذبة وَخُرُوج النَّاس إِلَى زِيَادَة بعض المتبركين أَو بعض الْمَسَاجِد على مشابهة الْخُرُوج إِلَى الْحَج وَالثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ منع النِّسَاء عَن التبرج والتفرج بِالْخرُوجِ إِلَى النظارات وزيارة الْقُبُور

وَالرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ منع النَّاس عَن التَّصَرُّف فِي الْمَقَابِر بِلَا ملك وَالْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ منع المطلسمة والسحار والكهان عَن منكراتهم وَالسَّادِس وَالثَّلَاثُونَ نهي أصحب الْحمام عَن منكراتهم وَأمرهمْ بتطهير المياة وإخلاء الْحمام عَن الأمارد وَدخُول العراة فِيهِ وَنهي الْحجام عَن حلق الْعَانَة واللحية وَأمرهمْ باتخاذ الْحجاب بَين النِّسَاء وَالرِّجَال وَالسَّابِع وَالثَّلَاثُونَ منع أهل الذِّمَّة عَن الرّكُوب كَهَيئَةِ الْمُسلمين ولباس الصَّالِحين واتخاذهم معابدهم فِي بِلَاد الْمُسلمين وَالثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ منع الْمُسلمين عَن الدُّخُول فِي معابدهم للتبرك

والتماس الحوائح من نساكهم وَالتَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ منع الْمُسلمين عَن الرَّسْم برسوم الْكفَّار فِي ولادتهم وصحبتهم وصحبة صبيانهم وعماراتهم وزراعاتهم وركوبهم فِي الْبَحْر وَالْأَرْبَعُونَ منع الْمُسلمين عَن تعلم علم النُّجُوم بِمَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الدّين وتصديق النَّاس الكهنة والمنجمين وَالْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ منع أهل الذِّمَّة عَن إِظْهَار شَعَائِر كفرهم فِي مواسمهم فِي بِلَاد الْمُسلمين وَالثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ منع اللاعبين بالنرد وَالشطْرَنْج وتفريق جمعهم وَأخذ

بساطهم وتماثيلهم وَالثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ منع القوابل عَن إِسْقَاط جَنِين الْحَوَامِل وَالرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ منع الجراحين عَن الْجب والخصاء فِي النَّاس وَالْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ منع الحجامين عَن مس الأجنبيات إِلَّا لضَرُورَة لَا بُد مِنْهَا وَعَن حجامة الحبالى فِي أَوَان مضرتها بالحجامة وَالسَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ منع النَّاس عَن الْإِقَامَة فِي الْمَسَاجِد وَوضع الْأَمْتِعَة فِيهَا وَالسَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ منع الَّذِي مَسّه الشَّيْطَان باللمم عَن التَّكَلُّم بِالْغَيْبِ

واجتماع النَّاس عِنْده زاعمين أَنه صَادِق فِي إخْبَاره بِالْغَيْبِ وَهُوَ كفر والمستحل لَهُ والمصدق لَهُ مُرْتَد وَالثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ منع الخطاط ومعلم النَّحْو ومعلم الْقُرْآن بِأَجْر عَن الْجُلُوس فِي الْمَسَاجِد وَالتَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ منع الْمعلم وَنَحْوه عَن أَخذ شَيْء باسم النيروز والمهرجان وَالْخَمْسُونَ تعزيز الْآبِق ورده على مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ من بَاب الْحِسْبَة أَيْضا إِلَّا أَن الْأُجْرَة إِنَّمَا تجب برد الْآبِق وَإِن كَانَ من بَاب الأحتساب لإِجْمَاع الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ

الاحتساب على من يستخف بالحروف والكواغد ونحوها

الْبَاب الثَّانِي الاحتساب على من يستخف بالحروف والكواغد وَنَحْوهَا وَمن اسْتَأْجر للتعليم بساطا أَو مصلى كتب عَلَيْهِ فِي النسيج الْملك لله تَعَالَى يكره بَسطه والعقود عَلَيْهِ واستعماله وَلَو قطع حرف من حُرُوفه أَو خيط على بعض الْحُرُوف حَتَّى لَا تبقى الْكَلِمَة مُتَّصِلَة لَا تسْقط الْكَرَاهَة لِأَنَّهُ بقيت الْحُرُوف وللحروف المفردة حُرْمَة لِأَن نظم الْقُرْآن وأخبار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِوَاسِطَة هَذِه الْحُرُوف وَقد رُوِيَ أَن وَاحِدًا من الْأَئِمَّة رأى نَاسا يرْمونَ هدفا وعَلى الهدف مَكْتُوب أَبُو جهل لَعنه الله تَعَالَى فَمَنعهُمْ عَن ذَلِك وَمضى لوجهه ثمَّ

وجدهم قد محوا اسْم الله تَعَالَى وَكَانُوا يرْمونَ كَذَلِك فَقَالَ إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ لأجل الْحُرُوف وَقَالَ العَبْد أصلحه الله تَعَالَى هَذَا هُوَ الأَصْل فِي جمع الْمَوَاضِع وعَلى هَذَا الْقيَاس يمْنَعُونَ عَن كِتَابَة قَوْله الْعِزّ والإقبال وَنَحْوه وعَلى الْعَصَا والطشت والابريق والقدح وغلاف السُّرُوج وَنَحْوهَا لِأَنَّهَا كلهَا مستعملة مبتذلة فتصان الْحُرُوف عَن الأبتذال وَفِي الْمُلْتَقط الْحُرُوف المفردة لَو كتبت على شَيْء مِمَّا ذكرنَا يمْنَع عَن اسْتِعْمَالهَا صونا لَهَا عَن الأبتذال وَفِي الملتفظ الْحُرُوف المفردة تحترم لِأَنَّهَا من الْقُرْآن وَأما النَّهْي عَن اسْم أبي جهل فَهَذَا مِمَّا يبعد وَيكرهُ اسْتِعْمَال الكواغد فِي وليمه ليمسح بهَا وَكَانَ بعض مَشَايِخنَا وَهُوَ الْحَاكِم الإِمَام يشدد فِيهِ ويزجر عَنهُ زجرا بليغا قَالَ العَبْد أصلحه الله تَعَالَى فعلى هَذَا الْقيَاس يمْنَعُونَ عَن اتخاد الطشت فِي الْوَلِيمَة من الكواغد واتخاذ

الصُّورَة من الكواغد فِي الْعِيد وَلَيْلَة النّصْف من شعْبَان لِأَنَّهُ استخفاف بِهِ قَالَ الشَّيْخ السَّيِّد الإِمَام نَاصِر الدّين فِي الْمُلْتَقط وَلم يرد الشَّيْخ بالكاغد الرَّدِيء الَّذِي لَا يصلح للكتابة وَهُوَ غير مُرَاد لِأَنَّهُ مَشْهُور بَين عُلَمَاء سَمَرْقَنْد من غير نَكِير وَلَعَلَّ الْكَرَاهَة فِي الْجيد الَّذِي يصلح للكتابة وَفِي وَصَايَا الْمُلْتَقط كتب ورسائل يسْتَغْنى عَنْهَا وفيهَا اسْم الله تَعَالَى يمحى عَنْهَا ثمَّ يلقى فِي المَاء الْكثير الْجَارِي أَو يدقن فِي أَرض طيبَة أَو يفعل ذَلِك قبل المحو وَلَا يحرق بالنَّار كَذَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد بن مقَاتل الرَّازِيّ فعلى هَذَا لَو غسلهَا بِالْمَاءِ الْكثير الْجَارِي وَاتخذ مِنْهُ قَرَاطِيس كَانَ أفضل وَفِي الْفَتَاوَى الْخَانِية كاغد مَكْتُوب فِيهِ اسْم الله تَعَالَى جعل فِيهِ شَيْء

قَالَ أَبُو بكر الاسكاف يكره سَوَاء كَانَت الْكِتَابَة فِي ظَاهره أَو بَاطِنه بِخِلَاف الْكيس إِذا كتب عَلَيْهِ اسْم تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا بَأْس بِهِ لِأَن الْكيس يعظم جدا والكاغد لَا وَذكر أَبُو اللَّيْث رَحْمَة الله تَعَالَى فِي بستانه وَلَا يبنغي أَن يضع الْكتاب على التُّرَاب وَفِي الْمُحِيط وَغَيره وَيكرهُ تَصْغِير الْمُصحف وَإِن يَكْتُبهُ بقلم رَقِيق لما رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ رأى مُصحفا صَغِيرا فِي يَد رجل فَقَالَ من كتبه فَقَالَ أَنا فَضَربهُ بالدره وَقَالَ عظموا الْقُرْآن ذكره الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي بستانه فِي بَاب الْفَوَائِد

مسألة

مَسْأَلَة ذكر فِي الذَّخِيرَة وَلَا يجوز الِاسْتِئْجَار على تَعْلِيم الْقُرْآن لِأَنَّهُ من بَاب الْحِسْبَة وَلَا تجب الْأُجْرَة على فعل الاحتساب وَجَوَاز الْإِجَازَة لظُهُور التواني فِي الْأُمُور الدِّينِيَّة وَلَا نقطاع وظائف المعلمين عَن بَيت المَال وَقلة الْمُرُوءَة فِي الْأَغْنِيَاء أما فِي ذَلِك الزَّمَان فَإِنَّمَا كره أَصْحَابنَا ذَلِك لقُوَّة حرصهم على الْحِسْبَة ووفور عطائهم فِي بَيت المَال وَكَثْرَة الْمُرُوءَة فِي التُّجَّار والأغنياء فَكَانُوا مستغنين عَن أَخذ الْأُجْرَة

في الاحتساب على المخنث

الْبَاب الثَّالِث فِي الاحتساب على المخنث غزل الرجل إِذا كَانَ على مِثَال غزل الْمَرْأَة يكره لِأَنَّهُ تشبه بِهن وروى القَاضِي الإِمَام الشّعبِيّ فِي كتاب الِاسْتِحْسَان من كِفَايَته بِإِسْنَادِهِ عَن رَسُول الله لعن الله تَعَالَى المونثين من الرِّجَال والمذكرات من النِّسَاء وَذكر فِي شرح الْكَرْخِي وَغَيره أَنه كَانَ فِي بَيت أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا هيت المخنث فَلَمَّا حاصر رَسُول الله الطَّائِف قَالَ هيت لعمر بن أبي

مسألة

سَلمَة إِذا فتح الله تَعَالَى علينا الطَّائِف دللتك على نَادِيَةَ بنت غيلَان فَإِنَّهَا تقبل بِأَرْبَع وتدبر بثمان فَقَالَ رَسُول الله هَذَا الْخَبيث يعرف هَذَا لَا يدْخل عَلَيْكُم قَالَ العَبْد أصلحه الله تَعَالَى ثَبت بِهَذَا الْخَبَر أَن دُخُول المخنث فِي الْبَيْت كَانَ جَائِزا فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام ثمَّ نسخ فَلَا يتْرك فِيمَا بَين النِّسَاء لِأَنَّهُ مَنْسُوخ فيحتسب على من يَدعُوهُ إِلَى بَيته للنوح بَين النِّسَاء لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا لنَفس دُخُوله بَين النِّسَاء الأجنبيات وَالثَّانِي لنوجه ذكر فِي الْمغرب هيث بِالْبَاء بعد الْهَاء وَقيل هُوَ تَصْحِيح هنب بالنُّون وَالْبَاء قَوْله تقبل بِأَرْبَع عني بالأربع عُكَن الْبَطن وبالثماني فِي أطرافها لِأَن لكل عكنة طرفين إِلَى جنبيها مَسْأَلَة وَيخرج المخنث من الْبيُوت لما سنرويه فِي بَاب الاحتساب بِالْإِخْرَاجِ

في الفرق بين المحتسب المنصوب والمتطوع

الْبَاب الرَّابِع فِي الْفرق بَين الْمُحْتَسب الْمَنْصُوب والمتطوع وَذَلِكَ من وُجُوه أَحدهَا إِذا عجز المتطوع عَن الاحتساب فَهُوَ مَعْذُور وَإِذا عجز الْمَنْصُوب فَهُوَ غير مَعْذُور لِأَنَّهُ يُمكنهُ أَن يَسْتَعِين بأعوانه فَإِن لم يكفه أعوانه فبأعوان السُّلْطَان وَأما المتطوع فيستعين بِأَهْل الصّلاح فَإِن لم يعنه أحد يعْذر فِي ذَلِك يَعْنِي لَا يكون آثِما بِتَرْكِهِ وَأما ثَوَاب الاحتساب فَلَا يَنَالهُ إِلَّا بِفِعْلِهِ لِأَن الْأجر جَزَاء الْعَمَل وَيَقُول بِقَلْبِه وَلسَانه إِن هَذَا مُنكر يسْتَحق الثَّوَاب عَلَيْهِ لقَوْل ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حسب امْرِئ مِنْكُم إِذا رأى مُنْكرا لَا يَسْتَطِيع لَهُ تغييرا أَن يعلم الله لَهُ من قلبه أَنه كَارِه وَعَن بعض الصَّحَابَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ إِذا رأى أحد مِنْكُم مُنْكرا لَا يَسْتَطِيع النكير عَلَيْهِ

فَلْيقل ثَلَاث مَرَّات اللَّهُمَّ إِن هَذَا مُنكر فَإِذا قَالَ ذَلِك فَلهُ ثَوَاب من أَمر بِالْمَعْرُوفِ وَنهي عَن الْمُنكر وَالثَّانِي أَن الْمُحْتَسب الْمَنْصُوب كِفَايَته فِي بَيت المَال من الْجِزْيَة وَالْخَرَاج وَنَحْوهمَا لِأَنَّهُ عَامل للْمُسلمين مَحْبُوس لَهُم فَيكون كِفَايَته فِي مَالهم وَصَارَ كأرزاق الْوُلَاة والقضاة والغزاة والمفتين والمعلمين من الْمُلْتَقط بِخِلَاف المتطوع لِأَنَّهُ غير مَحْبُوس لذَلِك وَالثَّالِث إِن الْحِسْبَة قد تجب على الْمَنْصُوب بِحَسب عقد آخر وعَلى غير الْمَنْصُوب لَا تجب إبتداء نطيرة إِذا رأى الْمُودع سَارِقا يسرق الْوَدِيعَة فَلم يمنعهُ وَهُوَ يقدر على مَنعه ضمنه لِأَنَّهُ بترك الْمَنْع ترك الْحِفْظ الْمُلْتَزم فَيضمن وَأما الْمَنْصُوب فَلَا يضمن فِيمَا قصر فِيهِ لِأَن التَّضْمِين لَا يلْحق الْحَاكِم وَنَحْوه وَإِلَّا لامتنع النَّاس عَن التَّقْلِيد فَيلْزم الضَّرَر الْعَام فَلَو امْتنع النَّاس عَن الاستيداع يلْزم الضَّرَر الْخَاص فَافْتَرقَا وَالرَّابِع مَا ذكر فِي الْفَصْل الرَّابِع عشر من جنايات الذَّخِيرَة من حفر بِئْرا فِي الطَّرِيق الْعَام ليستقي مِنْهَا المَاء فَوَقع فِيهَا إِنْسَان ضمنه وَإِن كَانَ

مَا أَقَامَ حَسبه لِأَنَّهُ جِنَايَة من حَيْثُ إِنَّه أبطل حق الْمُرُور على النَّاس وأبطل الرَّأْي وَالتَّدْبِير على الإِمَام أَيْضا لِأَنَّهُ فعله بِغَيْر إِذْنه فَفعل ذَلِك مِنْهُ جِنَايَة وَالْإِمَام لَو فعله لَا يضمن لِأَنَّهُ صَاحب ولَايَة

في التعزير

الْبَاب الْخَامِس فِي التَّعْزِير الأَصْل أَن الْإِنْسَان يُعَزّر لجل التُّهْمَة وَعَلِيهِ مسَائِل مِنْهَا إِذا رأى الإِمَام رجلا جَالِسا مَعَ الْفُسَّاق فِي مجْلِس الشّرْب عزره وَإِن كَانَ هُوَ لَا يشرب وَمِنْهَا إِذا رأى الإِمَام رجلا يمشي مَعَ السراق عزره وَمِنْهَا الْمُدعى عَلَيْهِ بِالسَّرقَةِ إِذا أنكر السّرقَة حُكيَ عَن الْفَقِيه ابي بكر الْأَعْمَش إِن الإِمَام يعْمل فِيهِ بأكبر راية فَإِن كَانَ أكبر رايه أَنه سَارِق وَأَن المَال عِنْده عزره ويجور لَهُ ذَلِك أَلا يرى أَن إِرَاقَة الدَّم بأكبر الرَّأْي جَائِز فَإِن من دخل على غَيره شاهرا سلاحه وَوَقع عِنْد ذَلِك فِي قلبه أَنه دخل ليَقْتُلهُ حل لَهُ قَتله وَعَامة الْمَشَايِخ أَن الإِمَام يعزره لِأَنَّهُ وجده فِي مَوضِع التُّهْمَة وَالْإِنْسَان يُعَزّر لأجل التُّهْمَة كُله من متفرقات سَرقَة الذَّخِيرَة مَسْأَلَة وَالْفرق بَين الْحَد وَالتَّعْزِير من وُجُوه

أَحدهَا أَن الْحَد مُقَدّر شرعا وَالتَّعْزِير مفوض إِلَى رَأْي الإِمَام وَالثَّانِي أَن الْحُدُود تندرئ بِالشُّبُهَاتِ وَالتَّعْزِير يجب مَعَ الشُّبُهَات وَالثَّالِث أَن الْحَد لَا يشرع على الصَّبِي وَالتَّعْزِير يشرع عَلَيْهِ وَالرَّابِع أَن الْحَد يُطلق على الذِّمِّيّ إِذا كَانَ مُقَدرا وَالتَّعْزِير لَا يُطلق عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُسمى عُقُوبَة لِأَن التَّعْزِير شرع للتطهير وَالْكَافِر لَيْسَ من أهل التَّطْهِير وَإِنَّمَا يُسمى فِي حق أهل الذِّمَّة إِذا كَانَ غير عُقُوبَة من مَبْسُوط شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ فِي بَاب أَحْكَام أهل الذِّمَّة ولوجوب التَّعْزِير أَسبَاب

مِنْهَا رجل لَهُ غَرِيم جَاءَ إِنْسَان وانتزعه من يَده يُعَزّر وَلَكِن لَا ضَمَان عَلَيْهِ أما التَّعْزِير فَلِأَنَّهُ جنى وَأما عدم الضَّمَان فَلِأَنَّهُ لم يتْلف المَال وَفِي الْخَانِية لَو قَالَ أَنا لَا أعمل بفتوى الْفُقَهَاء أَو لَيْسَ كَمَا قَالَ الْعلمَاء فَإِنَّهُ يُعَزّر وَلَا يكفر وَالتَّعْزِير يثبت مَعَ الشُّبْهَة وَلِهَذَا يسْتَخْلف فِيمَا يُوجب التَّعْزِير وَيحكم فِيهِ بِالنّكُولِ من شرح أدب القَاضِي للخصاف وَذكر فِي الذَّخِيرَة قَالَ أَبُو حنيفَة رَحْمَة الله تَعَالَى لَا يبلغ بِهِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَقَالَ أَبُو

يُوسُف لَا يبلغ بِهِ ثَمَانِينَ سَوْطًا وَاخْتلفت الرِّوَايَات عَن ابي يُوسُف بعد ذَلِك قَالَ فِي رِوَايَة بِضَرْب إِلَى تِسْعَة وَسبعين سَوْطًا وَقَالَ فِي رِوَايَة إِلَى خَمْسَة وَسبعين وَالْأول أصح وَقَول مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْكتب مُضْطَرب ذكر فِي بعض الْمَوَاضِع مَعَ أبي حنيفَة وَفِي بَعْضهَا مَعَ أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى وَاعْلَم بِأَن التَّعْزِير قد يكون بِالْحَبْسِ وَقد يكون بالصفع وتفريك الْأذن وَقد يكون بالْكلَام العنيف وَقد يكون بِالضَّرْبِ وَعَن أبي يُوسُف أَن التَّعْزِير

من السُّلْطَان بِأخذ المَال جَائِز فِي غير حد وَلَا خلاف بَين الْعلمَاء أَنه لَا يبلغ بِهِ الْحَد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بلغ حدا فِي غير حد فَهُوَ من الْمُعْتَدِينَ وَبعد هَذَا اعْتبر أَبُو حنيفَة حد العبيد وَذَلِكَ أَرْبَعُونَ سَوْطًا فَقَالَ ينقص عَنهُ سَوط وَيضْرب تِسْعَة وَثَلَاثِينَ سَوْطًا وَأَبُو يُوسُف اعْتبر حد الْأَحْرَار وَذَلِكَ ثَمَانُون سَوْطًا وَقَالَ ينقص عَنهُ سَوط وَيضْرب تِسْعَة وَسبعين على أصح الرِّوَايَتَيْنِ وَهَذَا الِاخْتِلَاف فِي أقْصَى التَّعْزِير وَأما أدناه فَهُوَ مفوض إِلَى رَأْي الإِمَام يُقيم بِقدر مَا يرى الْمصلحَة فِيهِ قَالَ العَبْد ذكر فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن أبي بردة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا يجلد فَوق عشرَة أسواط إِلَّا فِي حد من حُدُود الله تَعَالَى

مسألة

فَهَذَا يدل على أَنه لَا يجوز الزِّيَادَة على الْعشْرَة وَلَكِن أَجمعُوا على أَنه يجوز فَكَانَ الِاقْتِصَار عَلَيْهِ أولى وتسخيم الْوَجْه لَا يجوز لِأَنَّهُ مثله فَإِن قيل رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سخم وَجه شَاهد الزُّور فَنَقُول عساه رأى مِنْهُ مصلحَة خَاصَّة من شرح الْمَنْظُومَة فِي شرح مَسْأَلَة شُهُود الزُّور وَأما مَا اعتاده أهل الْحِسْبَة من إطافة السوقيين بعد تَحْقِيق جنايتهم وخيانتهم فأصله مَا ذكر فِي شرح أدب إطافة السوقين بعد تَحْقِيق جنايتهم وخيانتهم فأصله مَا ذكر فِي شرح أدب القَاضِي للخصاف أَن شَاهد الزُّور يُطَاف بِهِ ذكره فِي الْبَاب التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ مِنْهُ مَسْأَلَة إِذا مَاتَ من التَّعْزِير هَل يجل الضَّمَان على المعزر الْجَواب مَا ذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير الخاني أَرْبَعَة شهدُوا على رجل بِمَا يُوجب التَّعْزِير فعزره الإِمَام وَمَات مِنْهُ فَلَا ضَمَان قَالَ الشَّافِعِي يجب ضَمَانه فِي بَيت المَال وَلَو شهدُوا بِمَا يُوجب الْحَد فَضرب وَمَات فِيهِ لَا يجب الضَّمَان

بالاجماع وَالشَّافِعِيّ يحْتَج إِلَى الْفرق بَين الْحَد وَالتَّعْزِير فَقَالَ التَّعْزِير مَشْرُوع للتأديب فَيكون مُبَاحا كتأديب الْوَلَد وَالزَّوْجَة فيتقيد بِشَرْط السَّلامَة وَلنَا أَن التَّعْزِير وَاجِب كالحد لِأَنَّهُ جَزَاء فعل محضور فَيكون وَاجِبا بِخِلَاف التَّأْدِيب لِأَنَّهُ غير وَاجِب بل هُوَ مُبَاح وَفِي الذَّخِيرَة عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى فِي وَال عزّر مائَة فَمَاتَ الرجل قَالَ لَا أضمنه لِأَنَّهُ قد جَاءَ أَن أَكثر مَا عزروا مائَة وَلم يموتوا فَإِن زَاد على الْمِائَة فَنصف الدِّيَة على بَيت المَال لِأَنَّهُ خطأ من الْوَالِي فَإِن جَاءَ مِنْهُ مَا يعلم أَنه تَعَمّده فَلَيْسَ بخطأ وَهَذَا فِي التّلف بالتعزير وَأما إِذا تلف بالأعلاء فَهُوَ ضَامِن وعَلى عَاقِلَته الدِّيَة لِأَنَّهُ خطأ الاعلاء مُبَاح مُقَيّد بِشَرْط السَّلامَة من شرح أدب القَاضِي للخصاف وَذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير الخاني فِي الشَّهَادَات وَلَا يسجى وَجهه أَي وَجه شَاهد الزُّور عِنْد التشهير لِأَنَّهُ يخل بالتشهير قَالَ العَبْد وَمن هَذَا أَخذ بكشف الرَّأْس وَالْوَجْه عِنْد

الإطافة فِي الْأَسْوَاق وَمن الْأَسْبَاب الْمُوجبَة للتعزير إِذا أَخذ رجل مَعَ أَجْنَبِيَّة وعاينوا مِنْهُ عَلَيْهَا شَيْئا من الدَّوَاعِي بِدُونِ الْجِمَاع فَإِنَّهُ يبلغ التَّعْزِير أقصاه من الذَّخِيرَة وَيضْرب فِي التَّعْزِير أَشد الضَّرْب وَيجمع فِي عُضْو وَاحِد إِذا كَانَ أقل التَّعْزِير وَإِن كَانَ أقصاه يفرق وَعَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ التَّعْزِير لَا يضْرب إِلَّا على الظّهْر والإلية قَالَ ويجرد الظّهْر عِنْد الضَّرْب وَذكر فِي الْفَصْل الثَّامِن عشر من سير الذَّخِيرَة وَإِذا أَدخل الْمُسلم فِي مصر الْمُسلمين خمرًا أَو خنزيرا فَرَأى الإِمَام أَن يؤدبه بأسواط ويحبسه حَتَّى يظْهر تَوْبَته من ذَلِك الْفِعْل لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ صَار مستوجبا للتعزير بارتكاب مَا لَا يحل وَهُوَ إِظْهَار الْخمر وَالْخِنْزِير فِي مصر الْمُسلمين فَإِن اقْتصر على أحدعما أما الضَّرْب أَو الْحَبْس فَلهُ ذَلِك لِأَن ذَلِك بطرِيق التَّعْزِير وَقد يكون التَّعْزِير بعقوبتين وَقد يكون بعقوبة واحده وَأما إِن فعله ذمِّي فَإِن كَانَ جَاهِلا بِحرْمَة هَذَا الْفِعْل يتْرك وَيعلم وَإِن كَانَ عَالما عزّر بِالْحَبْسِ وَالضَّرْب أَو بِأَحَدِهِمَا كَمَا قُلْنَا ويحتسب على الذِّمِّيّ أَن يتشبه بِالْمُسْلِمين فِي ثِيَابهمْ وركوبهم وسروجهم فَلَا يلبسُونَ ثوبا يخْتَص بِأَهْل الصّلاح وَالْعلم وَلَا يركبون الْخَيل إِلَّا إِذا كَانَ

فِيهِ ضَرُورَة بِأَن اسْتَعَانَ بهم الإِمَام للمحاربة وَلَا يمْنَعُونَ من ركُوب الْحمار لِأَنَّهُ رُبمَا لَا يقدر على الْمَشْي وَلَا يمْنَعُونَ عَن ركُوب الْبَغْل أَيْضا لِأَنَّهُ من نسل الْحمار وَلَا تكون سروجهم مثل سروجنا بل يكون مثل الأكاف فَنَقُول يمْنَعُونَ عَن لبس الرِّدَاء والعمائم والدراعة الَّتِي يلبسهَا عُلَمَاء الدّين لِأَن فِيهِ شرفا وَكَذَلِكَ يمْنَعُونَ أَن يكون شرال نعلهم كشراك نعلنا وخفهم كخفنا دفعا للمشابهة بَيْننَا وَبينهمْ وَالْمعْنَى فِيهِ أَن الْكَافِر يهان وَالْمُسلم يكرم وَفِي المشابهة بَينهمَا ترك أحد الْأَمريْنِ وَلِأَنَّهُم لَو تشبهوا لنا لصار تشبهنا بهم أَيْضا فَإِن المشابهة تقوم بَين وَفِي تشبهنا بهم وَعِيد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام من تشبه بِقوم فَهُوَ مِنْهُم ثمَّ اخْتلفُوا أَن إِحْدَى العلامات الثَّلَاث تَكْفِي إِمَّا فِي الرَّأْس أَو الْبدن أَو الرجلَيْن يشْتَرط الْكل وَأفْتى الشَّيْخ أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْفضل أَن الْوَاحِدَة فِي

النَّصْرَانِي والثنتين فِي الْيَهُودِيّ وَالثَّلَاث فِي الْمَجُوسِيّ قَالَ العَبْد وكفار دِيَارنَا شَرّ من الْمَجُوس فَيلْزم عَلَيْهِم الْأَخْذ بِثَلَاث عَلَامَات وَهل يَأْكُل مَعَ الْكَافِر فَإِن كَانَ مرّة أَو مرَّتَيْنِ لتأليف قلبه على الْإِسْلَام فَلَا بَأْس بِهِ فَإِن عَلَيْهِ السَّلَام أكل مَعَ كَافِر مرّة فحملناه على أَنه كَانَ لتأليف قلبه على الْإِسْلَام وَلَكِن تكره المداومة عَلَيْهِ لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام انه قَالَ من الْجفَاء أَن تؤاكل من غير أهل دينك وَحمل هَذَا الحَدِيث على المداومة أَو يحمل الحَدِيث الأول على أَن كَانَت نِيَّته تأليف قلبه على الْإِسْلَام تَوْفِيقًا بَين الْحَدِيثين كُله من الذَّخِيرَة فِي الْفَصْل الثَّامِن عشر من السّير وَذكره فِي شرح أدب القَاضِي للخصاف فِي الْبَاب الثَّلَاثِينَ أَن التَّعْزِير قد يكون بعبوس الْوَجْه وَذكر فِي شرح الْكَرْخِي أَن عمر رأى قوما لبسوا الْحَرِير فَتغير وَجهه وَأعْرض عَنْهُم وَتَمَامه يعرف فِي بَاب الاحتساب فِي لبس الثِّيَاب وَمن مُوجبَات التَّعْزِير كِتَابَة الصكوك والخطوط بالتزوير وَتَمَامه يعرف فِي بَاب الاحتساب على الْقُضَاة وأعوانهم وَمن مُوجبَات التَّعْزِير سقِِي الابْن

الصَّغِير الْخمر وَيعرف فِي بَاب الاحتساب بِسَبَب الغلمان وَمِنْهَا الممازحة فِي أَحْكَام الشَّرِيعَة وَيعرف فِي بَاب الاحتساب على الْقُضَاة وَمِمَّا يُوجب التَّعْزِير مَا إِذا دفع إِنْسَان بكرا فَزَالَتْ عذرتها بِالدفع اتِّفَاقًا وَفِي وجوب الْمهْر على الدَّافِع اخْتِلَاف كُله من متفرقات حُدُود الذَّخِيرَة وَمِمَّا يُوجب التَّعْزِير مَا ذكره ابْن رستم عَن مُحَمَّد فِيمَن قطع ذَنْب برذون أَو حلق شعر جَارِيَة وَذَلِكَ ينقصها قَالَ لَا شَيْء عَلَيْهِ إِلَّا أَنه يُؤَدب لِأَن الذَّنب يطول وَالشعر ينْبت يَعْنِي لَو قضينا بِالْأَرْشِ لَعَلَّه ينْبت الشّعْر وَيطول الذَّنب وَعَاد الى حَاله كَمَا كَانَ فَيجب رد الْأَرْش فَلَا يُفِيد الْقَضَاء من جنايات الذَّخِيرَة وَمِنْهَا مَا لَو أكره السُّلْطَان رجلا على قتل مُسلم بِغَيْر حق أَو وعده بقوله إِن لم تقتله أَقْتلك فَقتله فالقصاص على السُّلْطَان وَالتَّعْزِير على الْقَاتِل

عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى لِأَنَّهُ فعل فعلا مُنْكرا من الْكِفَايَة فِي الْإِكْرَاه وَمِنْهَا أَنه إِذا أكره رجل غَيره على الزِّنَا فزنا يجب على الَّذِي أكرهه التَّعْزِير وعَلى هَذَا الزَّانِي الْحَد على قَول مُحَمَّد وَزفر رحمهمَا الله وَهُوَ قَول أبي حنيفَة أَولا ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ يجب الْحَد للشُّبْهَة وَلَكِن يُعَزّر وَيجب التَّعْزِير من الْكِفَايَة فِي الْإِكْرَاه وَمِنْهَا أَنه إِذا رأى إنْسَانا جَالِسا مَعَ الْفُسَّاق فِي مجْلِس الْفسق يعزره وَإِن كَانَ هُوَ لَا يشرب الْخمر وَكَذَا لَو رَآهُ يمشي مَعَ السراق يعزره وَكَذَا لَو ادّعى إِنْسَان على آخر سَرقَة وَمَعَهُ مَتَاعه وَهُوَ مُنكر وَلَا شَاهد عَلَيْهِ قَالَ عَامَّة الْمَشَايِخ أَنه يعزره لِأَنَّهُ وجده فِي مَوضِع التُّهْمَة وَالْإِنْسَان يُعَزّر لأجل التُّهْمَة من سَرقَة الذَّخِيرَة وَفِي سير الْمُحِيط إِذا جَاءَ أحد الْخَصْمَيْنِ إِلَى صَاحبه بفتوى الْأَئِمَّة فَقَالَ

مسألة

صَاحبه لَيْسَ كَمَا أفتوا أَو قَالَ لَا أعمل بِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ التَّعْزِير لِأَنَّهُ بَاشر مُنْكرا مَسْأَلَة فِي الْفَصْل الرَّابِع وَالْعِشْرين من شَهَادَات الذَّخِيرَة من الْفسق مَا لَا يُوجب التَّعْزِير كيمين الْغمُوس وَالْبيع الْفَاسِد وَالْإِجَارَة الْفَاسِدَة وَالتَّعْزِير قد يكون بالقيد أَيْضا ذكره فِي كَرَاهِيَة الْجَامِع الصَّغِير الخاني وَيجوز تَقْيِيد الداعر وَالسَّفِيه مَسْأَلَة وَذكر فِي بَاب الْقَتْل من جنايات الْخَانِية وَلَو سقَاهُ سما حَتَّى مَاتَ فَهُوَ على وَجْهَيْن إِن دفع إِلَيْهِ السم حَتَّى أكل وَلم يعلم بِهِ فمانت لَا قصاص فِيهِ وَلَا دِيَة وَيحبس وَيُعَزر وَلَو أوجر إيجارا تجب الدِّيَة على عَاقِلَته وَإِن دفع إِلَيْهِ فِي شربه فَشرب وَمَات لَا تجب الدِّيَة لِأَنَّهُ شرب بِاخْتِيَارِهِ إِلَّا أَن الدَّافِع خدعه فَلَا يجب فِيهِ إِلَّا التَّعْزِير

مسألة

مَسْأَلَة وَمن مُوجبَات التَّعْزِير الزّهْد الْبَارِد وَفِي اليواقيت رُوِيَ أَن رجلا وجد تَمْرَة ملقاة فِي سوق الْمَدِينَة فِي زمن عمر بن الْخطاب فَأَخذهَا وَقَالَ من فقد هَذِه التمرة وَهُوَ يُكَرر كَلَامه ويعرفها وَيظْهر زهده وَمرَاده من هَذَا الْكَلَام إِظْهَار رزهده وورعه وديانته على النَّاس فَسمع عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَلَامه وَعرف مُرَاده فَقَالَ كل يَا بَارِد فَإِنَّهُ ورع بغضه الله تَعَالَى وضربه بِالدرةِ مَسْأَلَة وَمن مُوجبَات التَّعْزِير إباق الْمَمْلُوك ذكر فِي الذَّخِيرَة وَإِذا أَخذ الإِمَام الأبق حَبسه إِلَى أَن يَجِيء لَهُ طَالب وَيكون هَذَا الْحَبْس بطرِيق التَّعْزِير وَبِهَذَا الْمَعْنى يَقع الْفرق بَين الأبق والضال فَإِن القَاضِي لَا يحبس الضال لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق التَّعْزِير مَسْأَلَة وَذكر الشَّيْخ أَبُو بكر الرَّازِيّ الْمَعْرُوف بالحصاص فِي كتاب أَحْكَام

الْقُرْآن فِي قَوْله تَعَالَى فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله فَأمر بقتالهم إِلَى أَن يرجِعوا إِلَى الْحق فَدلَّ على أَن التَّعْزِير يجب إِلَى أَن يعلم إقباله إِلَى تَوْبَته إِذا كَانَ التَّعْزِير للزجر والردع وَلَا مِقْدَار لذَلِك مَعْلُوم فِي الْعَادة كَمَا أَن قتال الْبُغَاة لما كَانَ للردع وَجب فعله إِلَى أَن يرتدعوا وينزجروا قَالَ أَبُو بكر إِنَّمَا اقْتصر من لم يبلغ بالتعزير الْحَد على ذَلِك لما رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ من بلغ حدا فِي غير حد فَهُوَ من الْمُعْتَدِينَ

في الاحتساب على الفقراء

الْبَاب السَّادِس فِي الاحتساب على الْفُقَرَاء مَسْأَلَة هَل يجوز أَن يبْنى لهَؤُلَاء المبتدعة مَوَاضِع يبتدعون فِيهَا الْجَواب ذكر فِي قتاوى أبي اللَّيْث رجل بنى رِبَاطًا للْمُسلمين على أَن يكون فِي يَده مَا دَامَ حَيا فَلَيْسَ لأحد أَن يُخرجهُ من يَده مَا لم يظْهر مِنْهُ أَمر يُوجب الْإِخْرَاج من يَده كشرب الْخمر فِيهِ أَو مَا يشبه ذَلِك من الْفسق الَّذِي لَيْسَ فِيهِ رِضَاء الله تَعَالَى لِأَن شَرط الْوَاقِف يجب اعْتِبَارهَا وَلَا يجوز تَركهَا إِلَّا للضَّرُورَة

مسألة

قَالَ العَبْد فَلَمَّا كَانَ الخانقاه يخرج من يَد بانيه لفسقه فَكيف يتْرك فِي الخانقاه فَاسق أَو مُبْتَدع مَسْأَلَة هَل يجوز لبس الْحَدِيد كَمَا هُوَ عَادَة الحيدريين الْجَواب لَا يجوز لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا وَفِي يَده خَاتم من ذهب فَأمره أَن يطرحه فَجعل فِي يَده حَلقَة من حَدِيد فَقَالَ إذهب فَاطْرَحْهُ فَهَذَا من حلية أهل النَّار ذكره الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي بستانه وَرُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رأى رجلا لبس خَاتم حَدِيد فَقَالَ مَالِي أرى عَلَيْك حلية أهل النَّار ذكر فِي الْكَرَاهِيَة من شرح الْكَرْخِي وَغَيره وَفِي الحَدِيث الذَّهَب حلية الْمُشْركين وَالْفِضَّة حلية الْمُسلمين وَالْحَدِيد حلية أهل النَّار ذكر فِي بَاب اللّبْس من شرعة الْإِسْلَام

مسألة

مَسْأَلَة لبس الذَّهَب أَكثر إِثْمًا أم لبس الْحَدِيد الْجَواب لبس الْحَدِيد لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رأى رجلا وَفِي يَده خَاتم ذهب فَأمره أَن يطرحه فَجعل فِي يَده حَلقَة من حَدِيد فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذهب فأطرحه فَهَذَا شَرّ من ذَلِك هَذَا حلية أهل النَّار ذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي بستانه فِي بَاب الْخَاتم فيبغي لكل مُسلم أَن يحْتَسب عَلَيْهِم ليتركوا بدعتهم وَمَا يتشبهون بِهِ من الزخرفة وَمَا حكى بِأَن الشَّيْخ قطب الدّين الحيدر كَانَ يلْبسهُ فَذَلِك افتراء وَالشَّيْخ مِنْهُ برَاء وَإِن بثت فعله فِي غلباته فدين الله تَعَالَى لَا يغلب وَشرع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يسلب بمخالفة مغلوب سقط عَنهُ الْقَلَم وارتفع عَنهُ الْأَلَم وَلحق بالمجانين والأطفال وَسكن الْبَوَادِي وَالْجِبَال وَكَانَ لَا يحْسب برد قَاتل وحر محرق ثمَّ أَنه فِيمَا حُكيَ

مسألة

عَنهُ أَن كَانَ صَادِقا كَأَنَّهُ أَخذ حديدا حارا من كير حداد وَصَارَ كقصعة وألقاه على عُنُقه فَلَو بلغُوا حَاله فليفعلوا الْحَدِيد الْحَار كَمَا فعل حَتَّى يحترقوا وَيذْهب عَن الْمُسلمين شرهم مَسْأَلَة هَل يجوز حلق اللِّحْيَة كَمَا يَفْعَله الجوالقيون الْجَواب لَا يجوز ذكر فِي جنايات الْهِدَايَة وكراهية التَّجْنِيس والمزيد قَالَ رَسُول

مسألة

الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اُحْفُوا الشَّوَارِب وَاعْفُوا اللحى كَمَا هِيَ أَي قصوا الشَّوَارِب واتركوا اللحى كَمَا هِيَ وَلَا تحلقوها وَلَا تنقصوها من الْقدر الْمسنون وَهُوَ القبضة مَسْأَلَة هَل يجوز لَهُم وللحيدريين لبس الجوالق والكساء الغليظ الْجَواب ورد فِي الْخَبَر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهى عَن الشهرتين فِي اللبَاس اللَّبن الأرفع والغليظ الْأَقْوَى لِأَنَّهُ اشتهار بذلك وامتياز عَن الْمُسلمين بِهِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام كن فِي النَّاس كواحد من النَّاس فَإِن قيل لبس المرقع مَحْمُود لِأَنَّهُ لِبَاس الْأَنْبِيَاء والصلحاء وَأَنه لِبَاس الشُّهْرَة فَنَقُول المرقع إِذا كَانَ للزهد مَحْمُود لما روى أَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لما رفع إِلَى الله تَعَالَى نظرت مَلَائِكَة السَّمَاء إِلَى مرقعه فوجدوا فِيهِ أَرْبَعمِائَة رقْعَة مُخْتَلفَة فتعجبوا من ذَلِك فَقَالَ الله تَعَالَى لَو كَانَ أَرْبَعَة آلَاف لَكَانَ خيرا لَهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلم يكن مَعَه شَيْء من الدُّنْيَا إِلَّا هَذَا المرقع وقصعة خزف يشرب مِنْهُ فَرَأى رجلا يشرب بِيَدِهِ فَألْقى الخزف وَقَالَ أَنا عني عَن هَذَا وَأما هَذَا المرقع الْمَعْهُود

مسألة

فَهُوَ للشهرة فَلَيْسَ بمحمود مَسْأَلَة هَل يجوز الرقص فِي السماع الْجَواب لَا يجوز وَذكر فِي الذَّخِيرَة أَنه كَبِيرَة وَمن أَبَاحَهُ من الْمَشَايِخ فَذَلِك الَّذِي صَارَت حركاته كحركات المرتعش وَأَنه أَيْضا لَيْسَ فِي الشَّرْع رخصَة بِهِ وَذكر فِي العوارف أَنه لَا يَلِيق بِمنْصب الْمَشَايِخ الَّذين يقْتَدى بهم لِأَنَّهُ يشابه اللَّهْو وَأَنه يباين حَال الْمُمكن مَسْأَلَة هَل يجوز السماع لَهُم فَيُقَال إِن كَانَ السماع سَماع الْقُرْآن أَو الموعظة يجوز وَيسْتَحب وَإِن كَانَ سَماع الْغناء فَهُوَ حرَام لِأَن التَّغَنِّي واستماع الْغناء حرَام أجمع عَلَيْهِ الْعلمَاء وبالغوا فِيهِ وَمن أَبَاحَ من الْمَشَايِخ الصُّوفِيَّة فلمنتخلى عَن الْهوى وتحلى بالتقوى فَيحْتَاج إِلَى ذَلِك احْتِيَاج الْمَرِيض إِلَى الدَّوَاء وعلامته أَن يكون منسلخا عَن الشَّهَوَات مستهويا بِذكر الله تَعَالَى فِي الخوات مفرغا يَدَيْهِ عَن

الْأَخْذ والاعطاء مُجَردا عَن الذَّم وَالثنَاء مُخْتَلفا بالواردات يُرِيد أَن يتنفس الصعداء ويعالج مَا غلب عَلَيْهِ بشوقه إِلَى مَوْلَاهُ من الدَّاء ثمَّ إِنَّه رخصه وَله شَرَائِط أَحدهَا أَن لَا يكون فيهم أَمْرَد وَالثَّانيَِة أَن لَا يكون جَمِيعهم إِلَّا من حنسهم لَيْسَ فيهم فَاسق وَلَا أهل الدُّنْيَا وَلَا امْرَأَة وَالثَّالِثَة أَن تكون نِيَّته فِي القَوْل الْإِخْلَاص لَا أَخذ الْأجر وَالطَّعَام وَالرَّابِعَة أَن لَا يجتمعوا لأجل طَعَام أَو نظر إِلَى فتوح وَالْخَامِسَة لَا يَقُولُونَ إِلَّا مغلوبين وَالسَّادِسَة لَا يظهرون الوجد إِلَّا صَادِقين وَقَالَ بَعضهم الْكَذِب أَشد من الْغَيْبَة كَذَا وَكَذَا سنة وَتَمَامه يعرف فِي كتبهمْ وَالْحَاصِل أَنه لَا رخصَة فِي بَاب السماع فِي زَمَاننَا لِأَن جنيدا رَحمَه الله تَابَ عَن السماع فِي

مسألة

زَمَانه وَقَالَ إِنَّمَا تبت لفقد الإخوان ولفقد القَوْل المخلص المتخلص من الْهوى وَآفَة الطمع مَسْأَلَة إِذا جَاءَ الْفَقِير للسؤال وَأَرَادَ أَن يقبل يَد الْمَسْئُول مِنْهُ هَل يناول يَده لقيبلها أَو يمْنَعهَا عَنهُ الْجَواب ذكر فِي الْمُحِيط إِن أَرَادَ بِهِ أَي بتقبيل الْيَد أَن ينَال شَيْئا من عرض الدُّنْيَا فَهُوَ مَكْرُوه قَالَ العَبْد وَإِذا كَانَ تقبيله مَكْرُوها فَالْأَفْضَل أَن يناول يَده شَفَقَة عَلَيْهِ ومنعا لَهُ عَن الْمَكْرُوه وَأَنه خير من أَن يَنْفَعهُ بِشَيْء من طَعَام الدُّنْيَا لِأَنَّهُ يَنْفَعهُ فِي الدُّنْيَا وَمنع يَده يَنْفَعهُ فِي العقبى مَسْأَلَة بعض السُّؤَال يضْربُونَ الطبل على الْأَبْوَاب هَل يجوز لَهُم أم لَا الْجَواب لَا يجوز ضرب الطبل إِلَّا للحرب أَو للسَّفر فَهَذَا لَيْسَ بِوَاحِد مِنْهُمَا فَلَا يجوز قَالَ العَبْد وَأحب أَن لَا يعْطى مثل هَذَا السَّائِل زجرا لَهُ عَن مَعْصِيّة

مسألة

وأفحش من هَذَا المطرب الَّذِي يسْأَل ويتغنى على الْأَبْوَاب فَهَذَا أولى أَن لَا يعْطى شَيْئا نهيا لَهُ عَن منكره والْحَدِيث لَا تَأْكُل إِلَّا طَعَام تَقِيّ وَلَا يَأْكُل طَعَامك إِلَّا تَقِيّ فَإِن قيل رُوِيَ أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام عُوقِبَ بِمَنْعه الطَّعَام عَن مَجُوسِيّ فِي قصَّة طَوِيلَة فَنَقُول لَعَلَّه لم يُؤمر يَوْمئِذٍ بالتبلغ اليه وَأما نَحن فمأمورون بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر بل إِعَانَة لَهُم على مَا هم فِيهِ من القبائح والبدع مَسْأَلَة بعض السُّؤَال يَجْلِسُونَ على القوارع ويعرضون ثيابًا مصورة قُبُور بعض المتبركين وبلادهم ويضربون المزمار عِنْد ذَلِك ويجتمع عَلَيْهِم بعض الجهلة والسفهاء فَمَاذَا يصنع بهم الْجَواب ينهون عَن ذَلِك وَإِن رأى الْمُحْتَسب الْمصلحَة فِي تمزيق ذَلِك الثَّوْب

مسألة

فخرقه فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَنَّهُ محتهد فِيهِ فَصَارَ ككسر المعازف مَسْأَلَة وَمن بدع بعض الْفُقَرَاء أَنهم يتركون شعر رَأْسهمْ ناشرا مغبرا فِيهِ الدَّرن وَالْقمل وَلَا يدهنون وَلَا يرجلون وَلَا يحلقون وَلَا يفرقون فَإِنَّهُم متبدعون لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يدهن شعر رَأسه غبا وَلِأَنَّهُ دأب بعض النساك من الهنود وَلِأَن فِيهِ إخلالا بالنظافة المندوبة وَتَمَامه يعرف فِي بَاب الاحتساب على من يدع شعر الرَّأْس مَسْأَلَة إِذا قَالَ لآخر وَهُوَ فَقير دروشي بدنجتي است فَهُوَ خطأ عَظِيم وَمن الْمُحرمَات الْمُعْتَادَة بَين الْفُقَرَاء أَنهم يلبسُونَ الصُّوف ليظهروا أَنهم فُقَرَاء وَهُوَ كَبِير لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام أَرْبَعَة من الْكَبَائِر لبس الصُّوف لطلب الدُّنْيَا وادعاء محبَّة الصَّالِحين وَترك فعلهم وذم الْأَغْنِيَاء وَالْأَخْذ مِنْهُم وَرجل لَا يرى الْكسْب للنَّاس

وَيَأْكُل من كسب النَّاس من تَفْسِير الْكَشَّاف فِي أول سُورَة هود

في الاحتساب على الظالم بإعانة المظلوم

الْبَاب السَّابِع فِي الاحتساب على الظَّالِم بإعانة الْمَظْلُوم وَهَذَا بَاب غَرِيب يجْتَهد فِي حفظه ذكر فِي شرح الْكَرْخِي عَن مُحَمَّد رَحمَه الله فِي رجل رأى رجلا يقتل أَبَاهُ مُتَعَمدا وَأنكر الْقَاتِل أَن يكون قَتله أَو قَالَ لِابْنِهِ فِيمَا بَينه وَبَينه أَنِّي قتلت أَبَاك لِأَنَّهُ قتل أبي عمدا أَو لِأَنَّهُ ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام فاستحللت قَتله بذلك وَلَا يعلم ابْنه بِشَيْء مِمَّا قَالَ الْقَاتِل وَارِث للمقتول غير ابْنه هَذَا فالابن فِي سَعَة من قتل الْقَاتِل إِذا أَرَادَ قَتله وَمن رَآهُ أَيْضا يقتل أَبَاهُ فَهُوَ فِي سَعَة من إِعَانَة الابْن على قَتله وَكَذَلِكَ لَو لم ير قَتله وَلَكِن أقرّ عِنْده بذلك بَين يَدَيْهِ وَادّعى بعض مَا وصفت لَك فَإِنَّهُ يَسعهُ قَتله ويسع من سَمعه أَو عاينه أَيْضا معونته وَذَلِكَ لِأَنَّهُ شَاهده يقتل أَبَاهُ فقد وَجب عَلَيْهِ الْقصاص فِي الظَّاهِر ودعواه اسْتِحْقَاق الْقَتْل يجوز أَن يكون وَيجوز

أَن لَا يكون فَلم يثبت الِاسْتِحْقَاق بِالِاحْتِمَالِ وَلذَلِك جَازَ وَلذَلِك جَازَ ان يقْتله وَكَذَلِكَ لَو لم يُشَاهِدهُ وَلكنه أقرّ لِأَن الْإِقْرَار يثبت حكمه بِنَفسِهِ وَحكم من يعنيه حكمه لِأَنَّهُ مَعُونَة على اسْتِيفَاء حق وعَلى أَمر بِمَعْرُوف فَجَاز ذَلِك وَلَو كَانَ الْإِقْرَار شَهَادَة فَإِن اتَّصل بِالْقضَاءِ فَهُوَ كَمَا مر وان لم يتَّصل بعد لَا يجوز لِابْنِهِ قَتله وَلَا من سمع الشَّهَادَة عونة لِأَن الشَّهَادَة لَا تحقق الِاسْتِحْقَاق بهَا قبل الْقَضَاء قَالَ العَبْد فَإِذا كَانَ كل وَاحِد من الْمُسلمين جَازَ لَهُ أَن يُعينهُ فالمحتسب أولى بِهِ وَذكر فِيهِ وَلَو أَن عبدا فِي يَد رجل فَشهد شَاهِدَانِ أَن هَذَا الثَّوْب أَو العَبْد لِأَبِيهِ وغصبه هَذَا مِنْهُ وَالَّذِي فِي يَدَيْهِ يجْحَد ويدعيه لنَفسِهِ فَلَيْسَ يسع للْوَارِث أَن يَأْخُذ الشَّيْء من يَد من هُوَ فِي يَدَيْهِ حَتَّى يقْضِي القَاضِي لَهُ بِشَهَادَتِهِمَا لما بَينا أَن الشَّهَادَة لَا يتَعَلَّق بهَا الِاسْتِحْقَاق قبل الحكم فَلَا يجوز لَهُ أَن يَأْخُذ المَال قبل الحكم وَلَو كَانَ الْوَارِث عاين الَّذِي فِي يَده وَهُوَ يَأْخُذهُ من ابيه وَسعه أَخذه مِنْهُ وَأَن يُقَاتل عَلَيْهِ ووسع من عاين ذَلِك مِنْهُ أَن يُعينهُ على ذَلِك وَإِن أَتَى على نَفسه أَو امْتنع وَهُوَ فِي مَوضِع لَا يقدر فِيهِ رَفعه إِلَى السُّلْطَان

ليَأْخُذ لَهُ حَقه لِأَنَّهُ إِذا عاينه بغضب فقد تحقق الإستحقاق وَكَذَا لَو أقرّ عِنْده على مَا بَينا أَن الْإِقْرَار يثبت حكمه بِنَفسِهِ وَإِنَّمَا جَازَ قِتَاله عَلَيْهِ إِذا امْتنع لِأَنَّهُ ظَالِم فَجَاز أَن يُقَاتل عَلَيْهِ لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من قتل دون مَا لَهُ فَهُوَ شَهِيد قَالَ العَبْد عرف بِهَذَا أَن الْمُحْتَسب يجوز لَهُ ثلثا مَا يجوز للْقَاضِي دون الثُّلُث فِي كل قَضِيَّة أَحدهمَا إِذا عاين السَّبَب يجوز لَهُ أَن يحكم بِهِ وَالثَّانِي إِذا أقربه الْخصم فَإِنَّهُ يجوز لَهُ أَن يحكم بِهِ وَأما الَّذِي لَا يجوز لَهُ فَهُوَ مَا إِذا شهد عِنْده شَاهِدَانِ بِحَق فَلَا يجوز لَهُ الحكم بذلك مَا لم يقْض القَاضِي بِهِ

في الاحتساب على النساء

الْبَاب الثَّامِن فِي الاحتساب على النِّسَاء سفر الْحرَّة بِغَيْر محرم لَا يجوز وعبدها الْأَجْنَبِيّ سَوَاء فِي عدم جَوَاز السّفر مَعهَا فحلا كَانَ أَو مجبوبا أَو خَصيا مَسْأَلَة الْحرَّة تمنع من كشف الْوَجْه والكف والقدم فِيمَا يَقع عَلَيْهِ نظر الْأَجْنَبِيّ لِأَنَّهَا لَا تأمن عَن شَهْوَة بعض الناظرين إِلَيْهَا إِلَّا إِذا كَانَت عجوزا فَيجوز النّظر إِلَى وَجههَا وَيحل مصافحتها إِذا أَمن الشَّهْوَة وَفِي شرح الْكَرْخِي النّظر إِلَى وَجه الْأَجْنَبِيَّة الْحرَّة لَيْسَ بِحرَام وَلَكِن يكره بِغَيْر حَاجَة لِأَنَّهُ لَا يُؤمن من الشَّهْوَة وَالْأولَى للْمَرْأَة أَن لَا تزور قبرا سوى قبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لعن الله زائرات الْقُبُور

والْحَدِيث وَإِن كَانَ يدل على الْحُرْمَة وَلكنه نسخ بقوله عَلَيْهِ السَّلَام كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور إِلَّا فزوروها وَلَا تَقولُوا هجرا وَإِن زارت قبر ميت لم تحضر وَقت مَوته كَانَت معذورة لما روى أَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ مَاتَ خَارج مَكَّة على اثْنَي عشر ميلًا فَنقل إِلَى مَكَّة وَدفن فَجَاءَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا حَاجَة أَو معتمرة وزارت قَبره وَقَالَت إِنَّا وَالله لَو شهتدك مَا زرتك قَالَ السَّرخسِيّ يَعْنِي أَن ترك الزِّيَارَة أولى وَلَكِن بيّنت فِي زيارتها عذرها وَهُوَ أَنه فَاتَ عَنْهَا لقاؤه عِنْد مَوته وزارت قَبره ليَكُون قَائِما مقَام لِقَائِه عِنْد الْمَوْت ويحتسب على الْمَرْأَة إِذا خرجت من بَيت زَوجهَا بِغَيْر إِذْنه للحمام أَو خرجت غير مُتَقَنعَة وَأما إِذا خرجت للحمام بِإِذن زَوجهَا متقعنة لعذر بِأَن كَانَت مَرِيضَة أَو نفسَاء يُبَاح لَهَا وَلَو خرجت بِغَيْر عذر بِإِذن زَوجهَا مُتَقَنعَة قيل يُبَاح لَهَا

وَإِلَيْهِ مَال السَّرخسِيّ وَقيل لَا يُبَاح لَهَا لما روى أَن نسَاء حمص دخلن على عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَت انتن من اللائي يدخلن الْحمام فَقُلْنَ نعم فَأمرت بِإِخْرَاجِهِنَّ عَن مَوضِع جلوسهن أما ركُوب الْمَرْأَة على السرج إِن كَانَ بِعُذْر كَالْحَجِّ وَالْعمْرَة وَالْجهَاد فَلَا بَأْس بِهِ إِذا كَانَت مستترة لِأَنَّهُ صَحَّ أَن نسَاء الْمُهَاجِرين يركبن الأفراس ويخرجن عَن مَوضِع جلوسهن للْجِهَاد وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يراهن وَلَا ينهاهن وَكَذَلِكَ بَنَات خَالِد بن الْوَلِيد يركبن ويخرجن للْجِهَاد ويسقين الْمُجَاهدين فِي الصُّفُوف ويداوين الْجَرْحى قَالَ يحْتَسب على النِّسَاء اتِّخَاذ الخلاخل فِي أرجهلن لِأَن اتخاد الخلاخل فِي رجل الصَّغِيرَة مَكْرُوه فَفِي الْمَرْأَة الْبَالِغَة أَشد كَرَاهِيَة لِأَن مبْنى حالهن على السّتْر وَفِيه إظهارهن مَعَ انه من أَسبَاب اللَّهْو

ويحتسب على الرجل وَالْمَرْأَة إِذا كَانَا فِي خلْوَة وَكَانَا اجنبيين لِأَن النَّهْي فِيهِ غير وَاحِد إِلَّا إِذا كَانَ لَهُ على الْمَرْأَة حق فَلهُ أَن يلازمها وَيجْلس مَعهَا وَيقبض على ثِيَابهَا وَهَذَا لَيْسَ بِحرَام فَإِن هربت وَدخلت الخربة فَأَرَادَ الرجل أَن يدْخل تِلْكَ الخربة لَا بَأْس بِهِ إِذا كَانَ الرجل يَأْمَن على نَفسه فِي ذَلِك فَيكون بَعيدا عَنْهَا يحفظها بِعَيْنيهِ لِأَن هَذِه الْخلْوَة ضَرُورَة فَإِن قيل الْعرف فِي دِيَارنَا أَن يَأْخُذ أعوان الْمُحْتَسب البغايا بأيديهن ويقيمون التَّعْزِير عَلَيْهِنَّ مأخوذات وَمَسّ الْأَجْنَبِيَّة حرَام فَإِن هم وَقَعُوا فِي حرَام مُتَيَقن لدفع حرَام مظنون فَنَقُول الْمس هُوَ الْمُبَاشرَة بِالْيَدِ من غير حَائِل وَمَسّ الْأَجْنَبِيَّة إِذا كَانَ بِحَائِل يجوز للضَّرُورَة الدُّنْيَوِيَّة فَمَا ظَنك فِي الضَّرُورَة الدِّينِيَّة أَلا ترى أَن الْمَرْأَة إِذا وَقعت فِي طين أَو ردغة يحل للرجل الْأَجْنَبِيّ أَن يَأْخُذهَا بِيَدِهَا بِحَائِل وَيَنْبَغِي أَن يتَّخذ الرجل جَارِيَة لخدمته دَاخل الْبَيْت دون العَبْد الْبَالِغ لِأَن خوف الْفِتْنَة فِي العَبْد أَكثر من الْأَحْرَار الْأَجَانِب لِأَن الْملك يقلل الحشمة والمحرمية منفية والشهوة دَاعِيَة فَلَا يُؤمن من الْفِتْنَة

قيل من اتخذ عبدا لخدمته دَاخل الْبَيْت فَهُوَ كسحان والفحل والخصي فِيهِ سَواد وَكَذَا المحبوب الَّذِي لم يجِف مَاؤُهُ لِأَنَّهُ ينزل بالسحق فَلَا يُؤمن من الْفِتْنَة وَأما الَّذِي جف مَاؤُهُ فقد رخص فِيهِ مَشَايِخنَا وَهُوَ قَول بعض الْمُفَسّرين فِي قَوْله تَعَالَى أَو التَّابِعين غير أولي الأربة من الرِّجَال ولوقوع الْأَمْن من الْفِتْنَة وَالأَصَح انه لايحل ذَلِك لِأَن قَوْله قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم مُحكم وَقَوله {أَو التَّابِعين} مُجمل وَالْعَمَل بالمحكم أولى وَالْجَارِيَة الْبَالِغَة إِذا عرضت للْبيع لَا تعرض إِلَّا مَسْتُور ظهرهَا وبطنها لِأَن ظهر الْأمة وبطنها عَورَة وَفِي الْخَانِية من بلغه أَن امْرَأَة أَتَت بِمَعْصِيَة فَأَرَادَ أَن يكْتب إِلَى زَوجهَا فَإِن علم أَن كِتَابَته إِلَى الزَّوْج تَنْفَع وَيقدر الزَّوْج على منعهَا يحل لَهُ أَن يكْتب اليه وَأَن علم أَنه لَا يقدر على منعهَا لَا يكْتب كَيْلا تقع بَينهمَا الْمُخَاصمَة فَإِن سَأَلَ سَائل أَن الْمُحْتَسب إِذا أَخذ بعض البغايا وَأمر بالتعزير رُبمَا تنكشف رؤوسهن أَو ذراعهن أَو أقدامهن وَهَذَا مُنكر آخر فَالْجَوَاب عَنهُ

مَا رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى بلغه نائحة فِي نَاحيَة من الْمَدِينَة فَأَتَاهَا حَتَّى هجم عَلَيْهَا فِي منزها فضربها بِالدرةِ حَتَّى سقط خمارها فَقيل لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أخمارها قد سقط فَقَالَ إِنَّه لَا حُرْمَة لَهَا فِي الشَّرِيعَة تكلمُوا فِي قَوْله أَنه لَا حُرْمَة لَهَا فَمنهمْ من قَالَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لما اشتغلت بِمَا لَا يحل لَهَا فِي الشَّرِيعَة فقد أسقطت بِمَا صنعت حُرْمَة نَفسهَا والتحقت بالإماء وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا روى عَن أبي بكر الْأَعْمَش انه خرج إِلَى بعض الرستاق وَكَانَت النِّسَاء على شط نهر كاشفات الرؤوس والذراع فَذهب أَبُو بكر الْأَعْمَش فَجعل يخالطهن وَلَا يتحامى عَن النّظر اليهن فَقيل لَهُ كَيفَ فعلت هَذَا فَقَالَ إِنَّه لَا حُرْمَة لَهُنَّ يَعْنِي أَنَّهُنَّ مِمَّن أذهبن حُرْمَة أَنْفسهنَّ هَكَذَا ذكر فِي شرح أدب القَاضِي للخصاف فِي آخر الْبَاب الثَّلَاثِينَ وَذكر فِي الْكِفَايَة الشعبية وَلَا يجوز للمعتدة عَن موت أَو طَلَاق بَائِن أَن تخرج من بَيت الزَّوْج بِإِذن الزَّوْج وَلَا بِغَيْر إِذْنه وَلَيْسَ لَهَا أَن تُسَافِر لَا مَعَ الْمحرم وَلَا مَعَ غَيره وَإِذا فعلت صَارَت عاصية فِي لعنة الله تَعَالَى وَالْمَلَائِكَة وَلَيْسَ لَهَا أَن تمشط بالأسنان الضيقة وَلها أَن تمشط بالأسنان الواسعة وَفِي الْفَتَاوَى

مسألة

الظهرية وتجتنب الْمُعْتَدَّة كل زِينَة كالكحل والحناء والخضاب والدهن والتحلي والتطيب وَلبس المطيب والمصبوغ بالمعصفر والزعفران إِلَّا إِذا كَانَ غيلا وَلَيْسَ الْخَزّ والقصب مَسْأَلَة وَإِن رأى الْمُحْتَسب رجلا مَعَ امْرَأَة فِي الطَّرِيق يتحدثان فَمَاذَا يصنع بهما وري أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ رأى رجلا مَعَ امْرَأَة يتحدثان فِي الطَّرِيق فضربهما بِالدرةِ فَقَالَ الرجل هِيَ امْرَأَتي فَقَالَ لَهُ لَو كَانَت امْرَأَتك فَلم تدْخلهَا فِي بَيْتك حَتَّى لَا يتهمك أحد فِي الطَّرِيق ثمَّ نَدم عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على ضربهما وتفكر فِي ذَلِك فجَاء إِلَى أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ والقى إِلَيْهِ وسَادَة فَقَالَ عمر لم أحضر لهَذَا وَإِنَّمَا جئْتُك لتفتح عني عقدَة فِي قلبِي فَقَالَ لَا تلمني فَإِنِّي سَمِعت روسول الله تَعَالَى يَقُول من دخل عَلَيْهِ

مسألة

أَخ مُسلم فَألْقى إِلَيْهِ وسَادَة لَهُ غفر الله تَعَالَى لَهما جَمِيعًا قبل أَن يجلس عَلَيْهَا ثمَّ قَالَ عمر إِنِّي رَأَيْت رجلا مَعَ امْرَأَة يتحدثان فِي الطَّرِيق فضربتهما فَقَالَ الرجل هِيَ امْرَأَتي فندمت على ذَلِك فَقَالَ أبي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنْت مؤدب الْمُسلمين فَالْوَاجِب عَلَيْك أَن تحفظ الْمُسلمين فِي الطَّرِيق فَلَو كَانَت امْرَأَته فمل يدخلهَا الْبَيْت فَفرج بذلك عمر رَضِي الله عَنهُ ثمَّ جعل أبي يبكي فَقَالَ لَهُ عمر إِنَّمَا جئْتُك لتفرج عني فَلم تبْكي فَقَالَ تذكرت حَدِيثا سمعته عَن رَسُول الله تَعَالَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا اجْتمع الْأَولونَ وَالْآخرُونَ يَوْم الْقِيَامَة يَأْتِي الْإِسْلَام بِأَحْسَن صُورَة ويطلبك وَيَقُول أعزّك الله تَعَالَى يَا عمر كَمَا أعززتني قَالَ فَسجدَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأعْتق سَبْعَة رِقَاب شكرا لله من قسْمَة الْمِيرَاث من الْكِفَايَة مَسْأَلَة إعتادت النِّسَاء الْخُرُوج إِلَى بعض الْمَقَابِر للتبرك فَهَل لَهُنَّ ثَوَاب أَو يجب عَلَيْهِنَّ احتساب الْجَواب ذكر فِي الْكِفَايَة الشعبية فِي بَاب خُرُوج النِّسَاء إِلَى الْمَقَابِر سُئِلَ القَاضِي عَن جَوَاز خُرُوج النِّسَاء إِلَى الْمَقَابِر يَوْم الْخَمِيس فَقَالَ لَا تسْأَل عَن الْجَوَاز وَالنِّسَاء فِي مثل هَذَا وَإِنَّمَا تسْأَل عَن مِقْدَار مَا يلْحقهَا من اللَّعْن فِيهِ وَأعلم أَنَّهَا كلما نَوَت

الْخُرُوج كَانَت فِي لعنة الله تَعَالَى وَمَلَائِكَته عَلَيْهِم السَّلَام وَإِذا خرجت تحفها الشَّيَاطِين من كل جَانب وَإِذا أَتَت الْقَبْر تلعنها روح الْمَيِّت وَإِذا رجعت كَانَت فِي لعنة الله تَعَالَى كَذَلِك حَتَّى تعود وَفِي الْخَبَر أَيّمَا امْرَأَة خرجت إِلَى مَقْبرَة تلعنها مَلَائِكَة السَّمَاوَات السَّبع وملائكة الْأَرْضين السَّبع فتمشي فِي لعنة الله تَعَالَى عز وَجل وَأَيّمَا امْرَأَة دعت للْمَيت بِخَير فِي بَيتهَا وَلَا تخرج من بَيتهَا يُعْطِيهَا الله تَعَالَى ثَوَاب حجَّة وَعمرَة وَعَن سلمَان وَأبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صلى ذَات يَوْم خرج من الْمَسْجِد فَوقف على بَاب دَاره فَأَتَت فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَيْن جِئْت فَقَالَت كنت خرجت إِلَى منزل فُلَانَة الَّتِي مَاتَت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل ذهبت إِلَى قبرها فَقَالَت معَاذ الله تَعَالَى أَن أفعل بَعْدَمَا سَمِعت مِنْك مَا سَمِعت فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو زرت قبرها لم تريحي رَائِحَة الْجنَّة دلّ ذَلِك على أَنه لَا يُبَاح للْمَرْأَة تشييع الْجِنَازَة

مسألة

وروى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لما قدم الْمَدِينَة خرج إِلَى جَنَازَة فَرَأى النِّسَاء يتبعن الْجِنَازَة فَقَالَ لَهُنَّ أحملن مَعَ من يحْتَمل فَقُلْنَ لَا فَقَالَ اتصلين مَعَ من يصل فَقُلْنَ لَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام انصرفن مَأْزُورَات غير مَأْجُورَات مَسْأَلَة ذكر فِي شرح الطَّحَاوِيّ وذوو الرَّحِم الْمحرم أولى بِإِدْخَال الْمَرْأَة فِي الْقَبْر من غَيرهم وكل ذِي رحم محرم أقرب مِنْهَا فَهُوَ أولى من الأباعد فَإِن لم يكن لَهَا ذُو رحم محرم فَلَا بَأْس للأجانب فِي وَضعهَا فِي قبرها وَلَا يحْتَاج إِلَى إيتان النِّسَاء للوضع مَسْأَلَة امْرَأَة دخلت فِي بَيت غَيرهَا بِغَيْر إِذن صَاحبه هَل يحْتَسب عَلَيْهَا الْجَواب إِذا كَانَت الْمَرْأَة ذَات رحم محرم من صَاحب الْبَيْت حل لَهَا الدُّخُول بِغَيْر إِذْنه وَكَذَا إِذا كَانَ زوج الْمَرْأَة ذَا رحم محرم مِنْهُ حل لَهَا الدُّخُول فِي منَازِل محارم زَوجهَا بِغَيْر إذْنهمْ وَهَذَا غَرِيب يجْتَهد فِي حفظه ذكر فِي سَرقَة

مسألة

الْمُحِيط وَلِهَذَا لَو سرقت من بَيت محارم زَوجهَا لَا قطع عَلَيْهَا عِنْد أبي حنيفَة وَأما فِي غير ذَلِك ف يحْتَسب عَلَيْهَا كَمَا يحْتَسب على الرجل لقَوْله تَعَالَى {لَا تدْخلُوا بُيُوتًا غير بُيُوتكُمْ حَتَّى تستأنسوا وتسلموا على أَهلهَا} مَسْأَلَة ذكر فِي كتاب الْحَج من التَّجْنِيس والمزيد الْمَرْأَة الْمُحرمَة ترخي إِلَى وَجههَا وتجافي عَن زَوجهَا دلّت الْمَسْأَلَة على ان الْمَرْأَة الْمُحرمَة منهية عَن إِظْهَار وَجههَا للأجانب من غير ضَرُورَة لِأَنَّهَا منهية عَن تَغْطِيَة الْوَجْه لحق النّسك وَلَوْلَا أَن الْأَمر كَذَلِك لم يكن لهَذَا إِلَّا رخاء فَائِدَة مَسْأَلَة ذكر فِي النَّوَازِل فِي كتاب النِّكَاح سُئِلَ ابو بكر عَن امْرَأَة قطعت شعرهَا قَالَ عَلَيْهَا أَن تستغفر الله تَعَالَى وتتوب وَلَا تعود إِلَى مثله قيل فَإِن فعلت ذَلِك بِإِذن زَوجهَا قَالَ لَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق قيل لَهُ لم لَا يجوز ذَلِك لَهَا قَالَ لِأَنَّهَا شبهت نَفسهَا بِالرِّجَالِ وَقد قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لعن الله تَعَالَى المتشبهين من الرِّجَال بِالنسَاء والمتشبهات من النِّسَاء بِالرِّجَالِ وَلِأَن الشّعْر

مسألة

للْمَرْأَة بِمَنْزِلَة اللِّحْيَة للرجل فَكَمَا لَا يحل للرجل أَن يقطع لحيته لَا يحل للْمَرْأَة أَن تقطع شعرهَا قيل لَهُ وَإِذا وصلت الْمَرْأَة شعرهَا بِشعر غَيرهَا قَالَ لَا يحل لَهَا ذَلِك ويحتسب على المشاطة حَتَّى لَا يعفل مثل ذَلِك مَسْأَلَة وَتخرج الْمَرْأَة المسترجلة من الْبيُوت لما سترويه فِي بَاب الاحتساب بالإخراح وَذكر فِي الْمغرب لعن الله النامصة والمتنمصة والواشرة والمتوشرة والواصلة وَالْمسْتَوْصِلَة والواشمة والمستوشمة النمص نتف الشّعْر وَمِنْه المنماص المنقاش وأشرالأسنان ووشرها حددها وائتشرت أَي فعلت ذَلِك بِنَفسِهَا والواصلة أَن تصل شعرهَا بِشعر غَيرهَا من الأدميين والوشم تفرج الْجلد وغرزه بالأبرة وحشوه بالنيل والكحل أَو دُخان الشَّحْم وَغَيره من السوَاد لعن رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام الفاعلة أَولا ثمَّ الْمَفْعُول بهَا ثَانِيًا

في الاحتساب بسبب الغلمان

الْبَاب التَّاسِع فِي الاحتساب بِسَبَب الغلمان يكره اتِّخَاذ الخلاخل فِي رجل الصَّغِير وَلَا يَنْبَغِي أَن تخضب يَد الصَّبِي وَرجله بالنحناء وَيحرم على الصَّبِي شرب الْخمر وَأكل الْميتَة وَالْإِثْم على الَّذِي سقَاهُ وَأكله وَفِي الْمُلْتَقط الناصري وَيكرهُ للذكور الصغار لبس الخلخال والسوار وَفِيه أَن الْغُلَام إِذا بلغ مبلغ الرِّجَال وَلم يكن صبيحا فَحكمه حكم الرِّجَال وَإِن كَانَ صبيحا فَحكمه حكم النِّسَاء وَهُوَ عَورَة من قرنه إِلَى قدمه يَعْنِي لَا يحل النّظر إِلَيْهِ عَن شهور فَأَما السَّلَام وَالنَّظَر عَن غير شَهْوَة فَلَا بَأْس بِهِ وَلِهَذَا لم يُؤمر بالنقاب وَفِي اسْتِحْسَان الْكِفَايَة الشعبية حُكيَ أَن وَاحِدًا من الْعلمَاء مَاتَ فرأوه فِي الْمَنَام وَقد إسود وَجهه فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ رَأَيْت غُلَاما فِي مَوضِع كَذَا فَنَظَرت إِلَيْهِ فَاحْتَرَقَ وَجْهي فِي النَّار

وَرُوِيَ فِي الْأَخْبَار أَن وَاحِدًا من الْعباد رُؤِيَ فِي الْمَنَام بعد مَا مَاتَ فَقيل لَهُ مَا فعل الله تَعَالَى بك قَالَ كل ذَنْب استغفرت الله تَعَالَى مِنْهُ فغفر لي إِلَّا ذَنبا استحييت أَن أسْتَغْفر الله تَعَالَى مِنْهُ فعذبت بذلك الذَّنب فَقيل لَهُ وَمَا هُوَ فَقَالَ نظرت إِلَى غُلَام بِشَهْوَة وَفِي الْأَخْبَار أَن عبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا كَانَ جَالِسا على بَاب فَرَأى غُلَاما صبيحا قد أقبل فِي السِّكَّة فَدخل دَاره فَلَمَّا قَالُوا ذهب خرج من الدَّار فَقيل يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن هَذَا من عنْدك أم سَمِعت شَيْئا من النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول النّظر اليهم حرَام وَالْكَلَام مَعَهم حرَام ومجالستهم حرَام قَالَ القَاضِي سَمِعت الإِمَام يَقُول إِن كل امْرَأَة شَيْطَانَيْنِ وَمَعَ كل غُلَام ثَمَانِيَة عشر شَيْطَانا الْأَمْرَد إِذا كَانَ صبيحا فَأَرَادَ أَن يخرج فِي طلب الْعلم فلأبيه أَن يمنعهُ من كَرَاهِيَة الْخَانِية وعَلى هَذَا الْقيَاس منع الْمُحْتَسب النَّاس من صُحْبَة الأمارد والصباح بِغَيْر ضَرُورَة وَكَانَ مُحَمَّد بن الْحسن صبيحا وَكَانَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجلسه فِي درسه خلف ظَهره أَو خلف سَارِيَة الْمَسْجِد حَتَّى لَا يَقع عَلَيْهِ بَصَره

مَخَافَة من خِيَانَة الْعين مَعَ كَمَال تقواه وَذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي بستانه وَيكرهُ مجالسة الْأَحْدَاث وَالصبيان والسفهاء لِأَنَّهُ يذهب المهابة وَذكر فِي شرح الطَّحَاوِيّ الْكَبِير يكره لِبَاس الْحَرِير للرِّجَال وَالصبيان من الذُّكُور وَكَذَلِكَ الذَّهَب وَالْفِضَّة لما روى عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام أَخذ حَرِيرًا فَجعله فِي يَمِينه وَأخذ ذَهَبا فِي شِمَاله وَقَالَ إِن هذَيْن حرَام على ذُكُور أمتِي وَذَلِكَ عُمُوم فِي الرِّجَال وَالصبيان فَإِن قيل بِأَن الصّبيان لَا يجوز أَن يتناولهم حكم التَّحْرِيم قبل وَيجوز أَن يتناولهم تبعا لنا بِأَن لَا نلبسهم إِيَّاهَا وروى مسعر عَن عبد الْملك بن ميسرَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر

رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا ننزعه عَن الغلمان ونتركه على الْجَوَارِي يَعْنِي الْحَرِير وَمن سقى ابْنا صَغِيرا لَهُ خمرًا يُعَزّر وَلَا يجب الْحَد من حُدُود الْمُلْتَقط وَفِي سير الْمُحِيط بِأَن الْفَاسِق إِذا سقى وَلَده الْخمر أَو أمره بِهِ فجَاء أقرباؤه ونثروا الدَّرَاهِم وَالسكر فقد كفرُوا

في الاحتساب في الأكل والشرب والتداوي

الْبَاب الْعَاشِر فِي الاحتساب فِي الْأكل وَالشرب والتداوي رجل يَأْكُل وسط الْخبز وَيتْرك جوانبه إِن أضاع جوانبه إِن أضاع جوانبه يكره وَإِن أعْطى غَيره ليأكلها لَا يكره لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة اخْتِيَار رغيف لنَفسِهِ من دون رغيف آخر وَمسح السكين والاصبع بالرغيف إِن لم يَأْكُل الرَّغِيف بعده يكره وَإِن أكله فَكَذَلِك عِنْد بعض الْمَشَايِخ وَعند بعصهملا بَأْس غسل الْيَد بالنخالة إِن لم يبْق فِيهِ دَقِيق لَا يكره وَالْغسْل بالدقيق يكره وَعَن أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله تَعَالَى أَنه لَا يكره وَالْأكل مُتكئا إِن كن للتكبر يكره وَإِلَّا فَلَا أكل الطين مَكْرُوه وَذكر الْحلْوانِي إِن كَانَ يضر يكره وَإِن كَانَ يتَنَاوَلهُ قَلِيلا أَو يَفْعَله أَحْيَانًا فَلَا بَأْس بِهِ قَالَ العَبْد وَيُقَاس على هَذَا أَنه يُبَاح النورة مَعَ

الْوَرق الْمَأْكُول فِي ديار الْهِنْد لِأَنَّهُ قَلِيل نَافِع فَإِن الْغَرَض الْمَطْلُوب من الْوَرق الْمَذْكُور لَا يحصل بِدُونِهَا وضع المملحة على الْخبز يكره وَوضع الْملح لَا يكره وَتَعْلِيق الْخبز على الخوان يكره وَوضع الْخبز تَحت الْقَصعَة يكره وَقيل لَا يكره كل ذَلِك فِي الْخبز الْأكل وَالشرب فِي أواني الْمُشْركين قبل الْغسْل يكره وَلَا يحرم لاحْتِمَال التلوث قَالَ العَبْد مَا ابتلينا من شِرَاء السّمن والخل وَاللَّبن والجبن وَسَائِر الْمَائِعَات من الهنود وَذَلِكَ لاحْتِمَال التلوث فِي أوانيهم فَإِن نِسَاءَهُمْ لَا يتوقين عَن السرقين وَكَذَا يَأْكُلُون لحم مَا قَتَلُوهُ وَذَلِكَ كل ميتَة فعلى الْمُحْتَسب إِن لم يجد بدا مِنْهُم أَن يستوثق عَلَيْهِم أَن يجتنبوا عَن السرقين وَالْميتَة فَإِن شقّ عَلَيْهِم يَأْمُرهُم أَن يُعْطوا أوانيهم مُسلما يغلسها ويغسلوا أَيْديهم بمرأى من مُسلم وَإِلَّا فالإباحة فَتْوَى والتحرز تقوى وَقد قَالَ الله تَعَالَى يَسْأَلُونَك مَاذَا

أحل لَهُم) إِلَى قَوْله {طَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب حل لكم} من غير فصل بَين الذَّبِيحَة وَغَيرهَا وَكَذَلِكَ لَا بَأْس بِطَعَام الْمَجُوس كُله إِلَّا الذَّبِيحَة فَإِن ذبيحتهم حرَام رفع الذلة حرَام فِي كل حَال إِلَّا أَن يَأْذَن صَاحب الضِّيَافَة فِيهَا نصا التَّدَاوِي بِالْخمرِ أَو بِحرَام آخر إِن لم يتَيَقَّن فِيهِ الشِّفَاء لَا يجوز بِلَا خلاف لِأَن الْحُرْمَة بِيَقِين لَا تتْرك بِالشَّكِّ فِي الشِّفَاء وَإِن تَيَقّن بالشفاء فِيهِ وَله دَوَاء آخر سَوَاء قيل لَا يجوز أَيْضا لعدم تحقق الضَّرُورَة وَإِن تَيَقّن بالشفاء فِيهِ وَلَا دَوَاء لَهُ سواهُ قيل لَا يجوز لقَوْل ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَا جعل شفاؤكم فِيمَا حرم عَلَيْكُم وَقيل يجوز قِيَاسا على شرب الْخمر حَالَة الْعَطش وَالْجَوَاب عَن الْأَثر إِنَّه لم يبْق محرما للضَّرُورَة فَلَا يكون الشِّفَاء فِي الْخمر فللمحتسب أَن يبْعَث إِلَى الْأَطِبَّاء أَمينا يستوثق عَلَيْهِم أَلا يأمروا مَرِيضا بالتداوي بالمحرمات إِلَّا بِمَا ذَكرْنَاهُ من الشَّرْط ويحتسب على الْحجام والفصاد وَصَاحب العلق فِي فعلهم بِامْرَأَة حَامِل

قبل تحرّك الْوَلَد أَو عِنْد قرب الْولادَة لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَن تحتجم وتفتصد ويلقى العلق على الظّهْر قبل تحرّك الْوَلَد وَحَال قرب الْولادَة وَأما بعد تحرّك الْوَلَد وَلم تقرب الْولادَة لَا بَأْس بِهِ وَيَنْبَغِي أَن لَا ينْتَظر الادام إِذا حضر الْخبز وَيَأْخُذ فِي الْأكل قبل أَن يُؤْتى بالادام إِكْرَاما للخبز قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أكْرمُوا الْخبز فَإِنَّهَا من بَرَكَات السَّمَاء وَالْأَرْض قَالَ العَبْد وَهَذَا فِي بَيته وَأما فِي الضِّيَافَة فينتظر الْإِذْن وَيكرهُ لحم الْخَيل عِنْد أبي حنيفَة ويحتسب على من يَأْكُلهُ بِالْمَنْعِ والزجر لَا بِالضَّرْبِ وَالْحَبْس لِأَنَّهُ مَوضِع الْخلاف فِي ذَبَائِح الْمُلْتَقط وَعَن أبي الْقَاسِم الصفار أَنه كره ذبح الشَّاة الْحَامِل إِذا كَانَت مشرفة على الْولادَة وَفِي بُسْتَان الْفَقِيه أبي اللَّيْث فِي بَاب اللَّحْم روى هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا تقطعوا اللَّحْم بالسكين كَمَا تقطع الْأَعَاجِم

وَلَكِن انهسوا فَإِنَّهُ أهنأ وأمرأ دلّ سِيَاق الحَدِيث أَن النَّهْي نهي الشَّفَقَة لَا نهي التَّحْرِيم وَدلّ أَنه تشبه بالأعاجم فَكَانَ دَلِيلا على الْكَرَاهَة

في الاحتساب على اللعب

الْبَاب الْحَادِي عشر فِي الاحتساب على اللّعب يكره اللّعب بالشطرنج والنرد وَالْأَرْبَعَة عشر وكل لَهو وَالْمرَاد من الْكَرَاهِيَة الْحُرْمَة وَذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير الخاني أما الشطرنج فَمَا كَانَ قمارا فَهُوَ حرَام بِالْإِجْمَاع وَمَا خلا من الْقمَار فَهُوَ عَبث وَأَنه حرَام لقَوْله تَعَالَى {أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا} أَي لتقبثوا وَلقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَهو الْمُؤمن بَاطِل إِلَّا فِي الثَّلَاث تأديبه فرسه ورميه عَن قوسه وملاعبته مَعَ أَهله وَفِي رِوَايَة كل لعب الْمُؤمن حرَام الحَدِيث وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام مَا ألهاك عَن ذكر الله فَهُوَ ميس وَقَالَ عَطاء رَحمَه الله تَعَالَى الميسر كل قمار حَتَّى لعب الصّبيان بالكعاب وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه مر بِقوم يَلْعَبُونَ بالشطرنج فَقَالَ مَا هَذِه

التمائيل الَّتِي أَنْتُم لَهَا عاكفون وَلِأَن الْغَالِب من اللّعب بهَا التشاغل عَن الصَّلَاة وَالْكَلَام الْبَاطِل وَلَا يجوز أَن يُقَال يتَعَلَّم بهَا الْحَرْب لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَن فعل اللّعب يقْصد بِهِ الْقرْبَة وَقد قَالَ الله تَعَالَى لَا تتخدوا آياتي هزوا وَذكر البستي فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {وَأَن تستقسموا بالأزلام} قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ ووكيع أَنه الشطرنج قَالَ العَبْد وَهَذَا لَا يعرف عقلا بِالظَّاهِرِ أَنَّهُمَا قَالَاه سَمَاعا وَفِي كَلِمَات الْكفْر من الذَّخِيرَة سُئِلَ الْفَقِيه أَبُو بكر العياض عَمَّن كَانَ يلْعَب بالشطرنج فَقَالَت لَهُ امْرَأَته لَا تلعب بالشطرنج فَإِنِّي سَمِعت الْعلمَاء يَقُولُونَ من يلْعَب بالشطرنج فَهُوَ من أَعدَاء الله تَعَالَى فَقَالَ الزَّوْج بِالْفَارِسِيَّةِ أَي زن من دشمن خدايم نشكنم وببازم فَقَالَ للسَّائِل هَذَا أَمر صَعب على قَول عُلَمَائِنَا يَنْبَغِي أَن تبين امْرَأَته ثمَّ يجدد النِّكَاح وَقَالَ غَيره لَا يكفر وَمن اللّعب الَّذِي يحْتَسب ب سَببه هُوَ اللّعب بالحمام وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه

مسألة

الله تَعَالَى السفلة من يلْعَب بالحمام ويقامر مَسْأَلَة هَل يجوز اللّعب بالشطرنج إِذا كَانَ لتشحيذ الخاطر وتهذيب الْفَهم الْجَواب ذكر فِي التَّجْنِيس والمزيد رجل قَالَ اللّعب بالشطرنج لتهذيب لفهم غير محرم ثمَّ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ اكر ايْنَ بازي كه من ميكنم حرامست ازكتاب يَا ازخبر يَا ازقياس زَان ازوي نِيَّة طَلَاق وَقع الطَّلَاق على امْرَأَته لِأَن اللّعب بالشطرنج حرَام بآثار الصَّحَابَة وبقياس صَحِيح فَإِن قيل رُوِيَ عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَن اللّعب بالشطرنج لَا بَأْس بِهِ فَهَل يجوز للمحتسب أَن يحْتَسب عَلَيْهِ وَكَيف يجوز لعِلَّة يتعلل بِأَنَّهُ يُقَلّد فِيهِ مذْهبه فَنَقُول ذكر الْغَزالِيّ رَحمَه الله فِي خلاصته أَنه مَكْرُوه عِنْد الشَّافِعِي أَيْضا فَلَعَلَّ مَا وَقع فِي كتبنَا من قَوْله الأول وَالله أعلم بِالصَّوَابِ

في الاحتساب على القضاة وأعوانهم

الْبَاب الثَّانِي عشر فِي الاحتساب على الْقُضَاة وأعوانهم وَلَا يُجيب القَاضِي دَعْوَة خَاصَّة كدعوة رجل فِي مقدمه من سَفَره ولايقبل هَدِيَّة إِلَّا من ذِي رحم محرم أوممن جرت عَادَته قبل الْقَضَاء بمهاداته وَلَا يكون لَهما خُصُومَة إِلَيْهِ وَكَذَا يجوز من الْوَالِي الَّذِي ولاه الْقَضَاء بمهاداته وَلَا يكون لَهما خُصُومَة إِلَيْهِ. وَكَذَا يجوز من الْوَالِي الَّذِي ولاه لِأَن الظَّاهِر أَن الْوَالِي لَا يهدي إِلَيْهِ فِي القضايا فَإِنَّهُ لَا يقدر الْوَالِي أَن يبسط يَده على من ولاه وَذكر فِي شرح أدب القَاضِي للخصاف اخْتلفُوا فِي جَوَاز الدُّخُول فِي الْقَضَاء مُخْتَارًا وَالصَّحِيح أَن الدُّخُول فِي الْقَضَاء رخصَة والامتناع عَنهُ عَزِيمَة وَذكر فِي الظَّهِيرِيَّة وَلَا يجوز للْقَاضِي الاستقراض والاستعارة وَلَا يَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يبع وَيَشْتَرِي بِنَفسِهِ بل يُفَوض ذَلِك إِلَى غَيره وَعَن مُحَمَّد رَحمَه

مسألة

الله تَعَالَى قَالَ لَا بَأْس بِأَن يفعل ذَلِك فِي غير مجْلِس الْقَضَاء وَالصَّحِيح أَنه لَا يفعل ذَلِك لَا فِي مجْلِس الْقَضَاء وَلَا فِي غَيره لِأَن النَّاس يساهلونه فِي ذَلِك فَيكون بِمَنْزِلَة الارتشاء وَلَا يعين أحد الْخَصْمَيْنِ فِيمَا اخْتَصمَا اليه فَلَا يُفْتى وَلَا يُبَاح لبواب القَاضِي أَن يَأْخُذ على الْإِذْن للدخول شَيْئا وَفِي آخر عتاق الملتقظ رجل كتب كتاب عتق زورا وَكتب عَلَيْهِ شَهَادَات لأقوام معلومين زورا ففر العَبْد إِلَى بِلَاد الْكفْر فَلَا ضَمَان على الْكَاتِب وَيُعَزر وَفِي سير الْمُلْتَقط حُكيَ أَن قَاضِيا سُئِلَ عَن رجل قتل حائكا فَقَالَ عَلَيْهِ إدانته فِي الْبَيْت فَأتى بِهِ الْمَأْمُون فَقَالَ مَا زحت فَقَالَ وَيحك أتستهزئ بِأَحْكَام الله تَعَالَى ثمَّ ضربه حَتَّى مَاتَ تَحت السِّيَاط وَقَالَ الْفَقِيه يَكْفِيهِ أَن يعزره مَسْأَلَة التعليقات الْمَعْهُودَة فِي خطوط المهور إِيمَان بِغَيْر الله تَعَالَى وَأَنَّهَا حرَام والحالف بهَا آثم وَالْكَاتِب لَهَا معِين على الْمعْصِيَة فيحتسب على الْكَاتِب كَيْلا يعين النَّاس على هَذِه الْمعْصِيَة وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّهَا حرَام لما رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه

قَالَ حَلَفت بِأبي يَوْمًا فَسمِعت قَائِلا يَقُول لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ فَمن كَانَ حَالفا فَيحلف بِاللَّه تَعَالَى أَو لِيَسْكُت فَالْتَفت فَإِذا هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا حَلَفت بعد ذَلِك من إِيمَان الْكِفَايَة وَلَا يَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يَأْخُذ الْأجر على الْكِتَابَة أَو على السّجل إِلَّا قد ر مَا يَأْخُذ غَيره وَمَا سنته الْقُضَاة فِي بِلَادنَا ظلما صَرِيحًا وَهُوَ أَن يَأْخُذُوا من الْأَنْكِحَة شَيْئا ثمَّ يجيزون أَوْلِيَاء الزَّوْج وَالزَّوْجَة بالمناكحة فَإِنَّهُم إِن لم يرْضوا بِشَيْء من أوليائهما لم يجيزوا بذلك فَإِنَّهُ حرَام للْقَاضِي وللمناكحين وَأما الدَّافِع فإنكان لَا حلية لَهُ إِلَّا الدَّافِع كَانَ لَا حِيلَة لَهُ إِلَّا الدّفع فَإِنَّهُ لَا بَأْس عَلَيْهِ وَإِن كَانَ لَهُ حِيلَة أُخْرَى فَهُوَ أَيْضا آثم وَحكمه حكم الرِّشْوَة فَإِن الْآخِذ بهَا آثم والدافع إِن كَانَ يدْفع لدفع الظُّلم فَلَا إِثْم عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ أَيْضا آثم وَمن ذَلِك إِذا عينوا رجلا وَاحِدًا قساما بَين النَّاس يقسم بِأَجْر وَأَنه غير مَشْرُوع ذكر فِي الْهِدَايَة وَغَيرهَا وَلَا يجْبر القَاضِي النَّاس على قسام وَاحِد للمحتسب أَن يحْتَسب على القَاضِي إِذا فعل ذَلِك زجرا لَهُ عَمَّا لَا يحل لَهُ

في الاحتساب على من يتصرف في المقابر ما يجوز وما لا يجوز

الْبَاب الثَّالِث عشر فِي الاحتساب على من يتَصَرَّف فِي الْمَقَابِر مَا يجوز وَمَا لَا يجوز وَفِي الْمُلْتَقط مَقْبرَة قديمَة لم يبْق من آثَار الْمقْبرَة شَيْء لَيْسَ للنَّاس أَن ينتفعوا بهَا وَلَا بِالْبِنَاءِ فِيهَا وَلَا بإرسال الدَّوَابّ فِي حشيشها وَأما الاحتشاش مِنْهَا فَهُوَ أيسر وَفِي وَصَايَاهُ إِذا دفن الْمَيِّت فِي مَوضِع من قبل وَلم تبْق عِظَامه وَلَا غَيرهَا يجوز أَن يدْفن فِيهِ ميت آخر وَإِذا حفر قبرا فَوجدَ فِيهِ عِظَام الْمَيِّت فَعَلَيهِ أَلا يُحَرك الْعِظَام وَفِي الحَدِيث أَنه نهى عَلَيْهِ السَّلَام عَن وَطْء الْقُبُور والدفن فَوْقه أَشد وَفِي كتاب الْحَظْر وَالْإِبَاحَة من الْفَتَاوَى الْخَانِية رجل حفر قبرا فِي غير ملكه ليدفن فِيهِ مَيتا لَهُ فَدفن غَيره فِيهِ فَإِنَّهُ لَا ينبش الْقَبْر وَلَكِن يضمن قيمَة حفره حَتَّى يحْفر بهَا حُفْرَة أُخْرَى فيدفن فِيهَا وَعَن أبي يُوسُف إِذا دفن الْمَيِّت فِي أَرض غَيره بِغَيْر إِذن الْمَالِك إِن شَاءَ الْمَالِك أَمر بِإِخْرَاج الْمَيِّت فِي أَرض غَيره بِغَيْر إِذن الْمَالِك إِن شَاءَ الْمَالِك أَمر بِإِخْرَاج الْمَيِّت وَإِن شَاءَ يُسَوِّي الأَرْض ويزرع وَفِي وقف الذَّخِيرَة قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى إِذا جعل أرضه مَقْبرَة

مسألة

للْمُسلمين جَازَ وَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع فِيهَا بعد تَمامهَا أَن يقبر فِيهَا إِنْسَان وَاحِد أَو أَكثر بِإِذْنِهِ وَهل يشْتَرط فِيهَا التَّسْلِيم إِلَى التولي اخْتلف الْمَشَايِخ وَيَسْتَوِي فِي الدّفن فِيهَا الْغَنِيّ وَالْفَقِير مَسْأَلَة مَقْبرَة كَانَت للمجوس أَرَادوا أَن يجعلوها مَقْبرَة للْمُسلمين فَهِيَ على وَجْهَيْن إِن اندرست آثَارهم فَلَا بَأْس بِهِ وَإِن بقيت آثَارهم بِأَن بَقِي من عظامهم شَيْء فَإِنَّهُ ينبش وينقل ذَلِك ثمَّ تجْعَل مَقْبرَة للْمُسلمين أَلا يرى أَن مَوضِع مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مَقْبرَة للْمُشْرِكين فنبش وَاتخذ مَسْجِدا وَفِي شرح الطَّحَاوِيّ فِي آخر كتاب الصَّلَاة وَكره أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَطْء الْقُبُور وَالْجُلُوس عَلَيْهَا وَأَن تقضي حَاجَة فِيهَا من بَوْل أَو غَائِط أَو غَيره وَيكرهُ النّوم على الْقُبُور وَالصَّلَاة عِنْدهَا مَسْأَلَة وضع الرَّأْس على الْقَبْر للنوم هَل يجوز أم لَا

الجواب

الْجَواب فِي الْإِحْيَاء قَالَ أَبُو قلَابَة رَحمَه الله أَقبلت من الشَّام إِلَى الْبَصْرَة فَنزلت الخَنْدَق وتطهرت وَصليت رَكْعَتَيْنِ بلَيْل ثمَّ وضعت رَأْسِي على قبر فَنمت ثمَّ انْتَبَهت وَإِذا صَاحب الْقَبْر يشتكيني وَيَقُول لقد آديتني مُنْذُ اللَّيْلَة دلّ على أَن على الْمَيِّت يتَأَذَّى بِوَضْع الرَّأْس على الْقَبْر فَيكْرَه

في الاحتساب في من يخبر المحتسب بالمنكرات

الْبَاب الرَّابِع عشر فِي الاحتساب فِي من يخبر الْمُحْتَسب بالمنكرات رجل يرتكب الْمعاصِي فَإِن أعلم رجل بِحَالهِ السُّلْطَان ليزجره فَلَا إِثْم فِيهِ وَفِي الْخَانِية إِن علم أَن السُّلْطَان يقدر على منع الرّعية والحشم عَن معاصيهم حل لَهُ أَن يكْتب إِلَيْهِ وَإِن علم أَنه لَا يقدر لَا يكْتب كَيْلا تقع الْعَدَاوَة بِغَيْر مَنْفَعَة وَرُوِيَ أَن رجلا جَاءَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن رجلا يأتيني وَيُرِيد مَالِي فَقَالَ ذكره بِاللَّه تَعَالَى فَإِن لم يتَذَكَّر قَالَ اسْتَعِنْ بالسلطان قَالَ فَإِن لم يكن لَهُ سُلْطَان قَالَ اسْتَعِنْ بِمن حولك من الْمُسلمين قَالَ فَإِن لم يكن حَولي أحد من الْمُسلمين فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاتل دون مَالك حَتَّى تكون شَهِيدا فِي الْآخِرَة أَو تمنع مَالك قبل

في الاحتساب في المسجد

الْبَاب الْخَامِس عشر فِي الاحتساب فِي الْمَسْجِد رجل يَبِيع التعويذ فِي الْمَسْجِد وَيكون التعويذ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْفرْقَان فَيَأْخُذ عَلَيْهِ مَالا وَيَقُول إِنِّي أدفَع الْهَدِيَّة قَالَ لَا يحل لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ إِذا دفع الْهَدِيَّة لَا يحل لَهُ أَخذ المَال على الْهَدِيَّة وَهَذِه الْعلَّة لَا تخْتَص بِالْمَسْجِدِ فتعم الاحتساب فِي الْمَسْجِد وَغَيره وَمسح الرجل فِي التُّرَاب المنبسط فِي الْمَسْجِد وحصيره وَفِي البوارى لَا يحل وَأما التُّرَاب الْمُجْتَمع والحصير المنخرق فَلَا بَأْس بِهِ مَسْأَلَة معلم جلس فِي الْمَسْجِد أَو وراق يكْتب فِي الْمَسْجِد فَإِن كَانَ الْمعلم والوراق بِأَجْر يكره لَهما إِلَّا أَن يَقع لَهما ضَرُورَة وَفِي الْخَانِية عَن مُحَمَّد بن سَلمَة

رَحمَه الله إِذا قعد الرجل فِي الْمَسْجِد خياطا فِيهِ ويحفظ الْمَسْجِد عَن الصّبيان وَالدَّوَاب لَا بَأْس بِهِ للضَّرُورَة ويحتسب على من يتَنَفَّل قبل صَلَاة الْعِيد فِي الْمصلى وعَلى من يصلى صَلَاة الْجِنَازَة فِي الْمَسْجِد الَّذِي تُقَام فِيهِ الْجَمَاعَة لِأَنَّهُ مَكْرُوه ويحتسب على من يظْهر على سطح الْكَعْبَة وعَلى سطوح سَائِر الْمَسَاجِد لِأَن الظُّهُور عَلَيْهَا مَكْرُوه وَلَا يتَّخذ فِي الْمَسْجِد بِئْر المَاء وَمَا كَانَ قَدِيما يتْرك كبئر زَمْزَم خياط يخيط الثَّوْب فِي الْمَسْجِد يكره ذَلِك لما روى أَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ رأى خياطا كَانَ يخيط الثَّوْب فِي الْمَسْجِد فكره ذَلِك وَأمره أَن يخرج من الْمَسْجِد وَيكرهُ أَن يُصَلِّي مواجها للْإنْسَان لِأَنَّهُ يصير كالمعظم لَهُ البزاق فِي الْمَسْجِد لَا يلقى فَوق البوارى وَلَا تَحت البوارى لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إِن الْمَسْجِد ينزوي من النخامة كَمَا ينزوي الْجلد من النَّار وَأما البواري فَلِأَنَّهَا تتبع للمساجد فتلحق بهَا وَيَنْبَغِي أَن يَأْخُذ النخامة بكمه أَو بِشَيْء آخر من ثِيَابه وَإِن اضْطر إِلَى ذَلِك كَانَ الْإِلْقَاء فَوق البواري أولى من الْإِلْقَاء تَحت البواري لِأَن البواري لَيست فِي الْمَسْجِد حَقِيقَة غرس الشّجر فِي الْمَسْجِد إِن كَانَ لنفع النَّاس بظله وَلَا يضيق على النَّاس وَلَا يفرق الصُّفُوف لَا بَأْس بِهِ وَإِن كَانَ لنفع لنَفسِهِ بِوَرَقَة أَو ثَمَرَة أَو يفرق الصُّفُوف أَو كَانَ فِي مَوضِع تقع بِهِ المشابهة بَين الْبيعَة وَالْمَسْجِد يكره

السَّائِل إِذا آذَى النَّاس بتخطي رقابهم فِي الْمَسْجِد لَا يَنْبَغِي أَن يتَصَدَّق عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِعَانَة لَهُ على الْإِثْم فِي الْمَسْجِد وَفِي الْمُلْتَقط وَيكرهُ التَّصَدُّق على الْفُقَرَاء فِي الْجَامِع لِأَنَّهُ إِعَانَة على التخطي إِلَى رِقَاب الْمُسلمين وَبَالغ مَشَايِخنَا فِي التَّشْدِيد فِيهِ وَكثر القَوْل فِيهِ وَقَالَ خلف بن أَيُّوب رَحمَه الله لَو كنت قَاضِيا لم أقبل شَهَادَة من يتَصَدَّق فِي الْمَسْجِد الْجَامِع وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو بكر بن اسماعيل الزَّاهِد رَحمَه الله هَذَا فلس يحْتَاج إِلَى سبعين فلسًا لتصير كَفَّارَة لَهُ وَفِي الملتقظ الناصري وَلَو كَانَ فِي الْمَسْجِد عش خطَّاف أَو خفاش يقذر الْمَسْجِد لَا بَأْس برميه بِمَا فِيهِ من الْفِرَاخ ذكر فِي الْمُلْتَقط فِي مجْلِس النَّهْي عَن التَّصَدُّق على سُؤال الْمَسْجِد الْجَامِع وَفِي الْكِفَايَة الشعبية وَفِي الْمُلْتَقط سُئِلَ القَاضِي هَل يجوز التَّصَدُّق على الْفُقَرَاء فِي وَقت الْخطْبَة أَو قبله على سُؤال

الْمَسْجِد الْجَامِع أم لَا قَالَ أما فِي وَقت الْخطْبَة فَلَا يجوز التَّصَدُّق بِحَال من الْأَحْوَال وَإِن خَافَ الْهَلَاك على السَّائِل لِأَن وَقت الْخطْبَة لَا يجوز أَن يشْتَغل فِيهَا بِالصَّلَاةِ وَهِي رَأس الْعِبَادَات وأساسها وَلَا يجوز التَّسْبِيح والتهليل وَقِرَاءَة الْقُرْآن فضلا عَن التَّصَدُّق وَأما قبل الْخطْبَة فَهُوَ على وَجْهَيْن إِن كَانَ السَّائِل يلْزم مَكَانَهُ وَلَا يَدُور من صف إِلَى صف وَلَا يتخطى رِقَاب النَّاس فالتصدق عَلَيْهِ جَائِز ويثاب عَلَيْهِ وَأما إِذا كَانَ يتخطى رِقَاب فالتصدق عَلَيْهِ حرَام وَمن تصدق عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُشَارِكهُ فِي وزره الَّذِي يَعْتَرِيه من الْمُرُور بَين يَدي الْمُصَلِّي وتشويشه فِي الْقِرَاءَة وتخطي وقاب النَّاس فالتصدق عَلَيْهِ حرَام وَهُوَ مَلْعُون رُوِيَ عَن رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَادِي إِلَّا ليقمْ أَعدَاء الله تَعَالَى فَلَا تقوم أحد إِلَّا سُؤال الْمَسَاجِد لِأَن الْمَسَاجِد إِنَّمَا بنيت للصَّلَاة وَالذكر لَا للكسب والشكاية من الله تَعَالَى فَإِن الله تَعَالَى قَالَ {وَأَن الْمَسَاجِد لله} فالدنيا وَالْآخِرَة وَمَا فيهمَا لله تَعَالَى وَلَكِن إِنَّمَا خص الْمَسَاجِد بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ لشرفها وفضلها وَهِي بيُوت الله تَعَالَى والمؤمنون أَوْلِيَاء الله تَعَالَى وأحباؤه وَالْإِنْسَان إِذا جَاءَ دَار ملك وَهُوَ جَالس مَعَ أصدقائه فيشكو مِنْهُ بَين يَدي أصدقائه فَإِن الْملك يغْضب عَلَيْهِ ويسخط فَكَذَلِك هَهُنَا قَالَ العَبْد وَالْقِيَاس أَن لَا يجوز التَّصَدُّق أصلا على

سُؤال الْجَامِع لما ذكر فِي الحَدِيث وَلَكِن استحسنوا فِي الَّذِي لَا يتخطى بالنصوص الْعَامَّة فِي التَّصَدُّق وَحقّ السَّائِل وَفِي كتاب الْحَظْر وَالْإِبَاحَة من الْخَانِية قَالَ أَبُو بكر العياض من أخرج عَن الْجَامِع سُؤال الْمَسَاجِد أَرْجُو أَن يغْفر الله تَعَالَى لَهُ بإخراجهم عَن الْمَسَاجِد قَالَ العَبْد فَبِهَذَا ثَبت جَوَاز إِخْرَاج الْمُحْتَسب إيَّاهُم عَن الْجَامِع وَتحقّق وعد الْمَغْفِرَة لَهُ ولأعوانه عَلَيْهِ وَذكر فِي التَّنْجِيس والمزيد الْمُخْتَار أَنه إِذا كَانَ السَّائِل لَا يتخطى رِقَاب النَّاس وَلَا يمر بَين يَدي الْمُصَلِّي وَلَا يسْأَل النَّاس إلحافا وَيسْأل لأمر لَا بُد مِنْهُ فَلَا بَأْس بالسؤال والإعطاء لِأَن السُّؤَال كَانُوا يسْأَلُون على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَسْجِد حَتَّى رُوِيَ أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَنهُ تصدق بِخَاتمِهِ وَهُوَ فِي الرُّكُوع فمدحه الله تَعَالَى بقوله {وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ} فَإِن تخطى رِقَاب النَّاس ويمر بَين يَدي الْمُصَلِّي وَلَا يُبَالِي فالتصدق على مثله مَكْرُوه لما قُلْنَا وَذكر فِي الْخُلَاصَة وَلَا يتلكم حَال الْخطْبَة وَإِن كَانَ أمرا بِالْمَعْرُوفِ أَو نهيا عَن الْمُنكر وَلَو لم يتَكَلَّم لَكِن أَشَارَ بِيَدِهِ أَو بِعَيْنِه حِين رأى مُنْكرا أَنه لَا

بَأْس بِهِ قَالَ العَبْد فأعوان الْمُحْتَسب يَنْبَغِي أَن لَا يدفعوا الْفُقَرَاء بالْكلَام حَالَة الْخطْبَة بل يدفعونهم بِالْإِشَارَةِ رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه سلم على رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ يخْطب فَرد عَلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ وَمَا يحْتَسب عَلَيْهِ فِي الْمَسَاجِد سنة ذكرت فِي حَدِيث وَاحِد رَوَاهُ الشَّيْخ أَبُو بكر الْجَصَّاص فِي كِتَابه أَحْكَام الْقُرْآن فِي قَوْله تَعَالَى {فِي بيُوت أذن الله أَن ترفع} قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام جَنبُوا مَسَاجِدكُمْ صِبْيَانكُمْ وَمَجَانِينكُمْ وَرفع أَصْوَاتكُم وَبَيْعكُمْ وَشِرَاكُمْ وَإِقَامَة حُدُودكُمْ الحَدِيث عملت فِي وَقت اشتغالي بِشَيْء من الْحِسْبَة فَكنت أمرت أَن لَا يتْرك فِي الْمَسْجِد الْجَامِع يَوْم الْجُمُعَة صبي وَلَا مَجْنُون وَلَا شَيْء يُبَاع من المَاء والمروحة والمسواك وَغير ذَلِك مِمَّا كَانَ جرت الْعَادة بِبيعِهِ قبل ذَلِك وَفِي الْخَانِية وَلَا بَأْس للمعتكف أَن يَبِيع وَيَشْتَرِي وَأَرَادَ بِهِ الطَّعَام وَمَا لَا بُد مِنْهُ أما إِذا أَرَادَ أَن يَأْخُذ متجرا فَيكْرَه لَهُ ذَلِك وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث فِي تَفْسِير أم الْمعَانِي عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ جَنبُوا مَسَاجِدكُمْ غِلْمَانكُمْ يَعْنِي صِبْيَانكُمْ وَمَجَانِينكُمْ وسل سُيُوفكُمْ وَرفع أَصْوَاتكُم وحدودكم وخصومتكم وَبَيْعكُمْ وَشِرَاكُمْ وَجَمِّرُوهَا يَوْم جمعكم وَاجْعَلُوا على أَبْوَابهَا مطاهركم وَذكر فِي الظَّهِيرِيَّة وَيكرهُ أَن يتَوَضَّأ فِي الْمَسْجِد إِلَّا أَن يكون

موضعا اتخذ لذَلِك وَيكرهُ أَن يتَّخذ طَرِيقا فِي الْمَسْجِد إِلَّا إِذا كَانَ يعْذر فَحِينَئِذٍ لَا بَأْس بِهِ وَلَا بَأْس بِالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِد لغير الصَّلَاة لَكِن لَو تلف شَيْء يضمن وَيكرهُ الْجُلُوس فِي الْمَسْجِد للمصيبة ثَلَاثَة أَيَّام أَو أقل وَفِي غير الْمَسْجِد رخص رخص للرِّجَال ثَلَاثَة أَيَّام وَالتّرْك أَو فِي من الْخَانِية وَمن الْمُحِيط وَتكره الصَّلَاة فَوق الْكَعْبَة وَكَذَلِكَ الصعُود على سطحها إِلَّا لحَاجَة إِصْلَاحه أَو نَحوه وَكَذَلِكَ الصعُود على سطح كل مَسْجِد مَكْرُوه وَلِهَذَا إِذا اشْتَدَّ الْحر يكره أَن يصلى بِالْجَمَاعَة فَوق السَّطْح إِلَّا إِذا ضَاقَ الْمَسْجِد فَحِينَئِذٍ لَا يكره الصعُود على سطحه للضَّرُورَة وَأما شدَّة الْحر فلانها توجب الضَّرُورَة وَإِنَّمَا يحصل بِهِ زِيَادَة الْمَشَقَّة وَبهَا يزْدَاد الْأجر كُله من الْمُحِيط وَغَيره وَفِي وقف الْمُحِيط مَسْجِد ضَاقَ على أَهله وَلَا يسعهم إِلَّا أَن يزِيدُوا فِيهِ فَسَأَلَهُمْ بعض الْجِيرَان أَن يجْعَلُوا ذَلِك الْمَسْجِد لَهُ ليدْخل هُوَ فِي دَاره ويعطيهم مَكَانَهُ عوض مَا هُوَ خير لَهُ فيسع فِيهِ أهل الْمحلة قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله لَا يسعهم ذَلِك وَفِي الْمُنْتَقى إِذا بنى رجل مَسْجِدا وَبنى فَوْقه غرفَة وَهُوَ فِي يَده فَلهُ ذَلِك وَإِن خلى بَينه وَبَين النَّاس ثمَّ جَاءَ بعد ذَلِك يَبْنِي لَا يتْرك إِذا جعل أرضه مَسْجِدا وَشرط من ذَلِك لنَفسِهِ شَيْئا لَا يَصح بِالْإِجْمَاع وَفِي الْفَصْل الثَّانِي وَالْعِشْرين من وقف الْمُحِيط سُئِلَ القَاضِي الإِمَام شمس

الْإِسْلَام الأوزجندي عَن مَسْجِد لم يبْق لَهُ قوم وَخرب مَا حوله وَاسْتغْنى النَّاس عَنهُ هَل يجوز جعله مَقْبرَة قَالَ لَا وَلَا يمْنَع من بسط الْمصلى فِي الْمَسْجِد لِأَنَّهُ ذكر فِي الفتاوي من بسط الْمصلى فِي الْمَسْجِد أَو نزل فِي الرِّبَاط فجَاء آخر فَإِن كَانَ فِي الْمَكَان سَعَة لَا يزاحم الأول لِأَنَّهُ إيحاش للْأولِ وَإِن لم يكن فِيهِ سَعَة يزاحمع فَدلَّ أَنه لَيْسَ بمنكر وَلَو زاحم الأول وَفِي الْمَكَان سَعَة جَازَ وَيكرهُ كَمَا لَو حضر رجل فِي ارْض مُبَاحَة وفيهَا سَعَة فَغير آخر فِي تِلْكَ الحفرة جَازَ وَيكرهُ من الْمُحِيط فِي الْفَصْل الثَّانِي وَالْعِشْرين من الْوَقْف وَيكرهُ نقش الْمَسْجِد بالجص وَمَاء الذَّهَب إِذا كَانَ للرياء وزينة الدُّنْيَا وَلَا يكره إِذا كَانَ لتعظيم الدّين لِأَن عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فعل ذَلِك بِمَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه متوافرون فَلم يُنكره مِنْهُم أحد فَإِن قيل رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن فِي هَذِه الْأمة مسخا وقذفا

وخسفا وَقَالَ فِيهِ وَذَلِكَ إِذا زخرفت الْمَسَاجِد وورقت الْمَصَاحِف فَنَقُول نحمل حَدِيث الْمَنْع على الْوَجْه الأول وَفعل عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَتكره صَلَاة الْجِنَازَة فِي الْمَسْجِد قَالَ العَبْد وَبَعض النَّاس اعتادوا أَن وَاحِدًا لَو مَاتَ فِي اللَّيْل وَلَا يتهيأ لَهُم الْإِخْرَاج إِلَى الْمقْبرَة يضعونه فِي الْمَسْجِد فَإِنَّهُ مَكْرُوه ذكر فِي شرح الْكَرْخِي قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَنبُوا مَسَاجِدكُمْ صِبْيَانكُمْ لِأَنَّهُ لَا يُؤمن مُهِمّ النَّجَاسَة وَهَذَا العنى مَوْجُود فِي الْمَيِّت والمضمضة تكره فِي الْمَسْجِد كَالْوضُوءِ من التَّجْنِيس والمزيد وَفِيه لَا يلْزم الحصم خَصمه فِي الْمَسْجِد بني لذكر الله تَعَالَى وَلِهَذَا الْمَعْنى وَالنَّوْم فِي الْمَسْجِد كرهه بعنض السّلف فَإِن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ لَا تتخذه مبيتا وَلَا مقيلا وَرخّص فِيهِ بَعضهم وَالْأَشْبَه أَنه يكره لِأَن الْمَسَاجِد مَا أعدت لذَلِك وَيكرهُ كَلَام الفضول أَو الشغب وَالْخُصُومَة فِي الْمَسْجِد والمعتكف إِذا بَاعَ أَو اشْترى للتِّجَارَة يكره لِأَن الْمَسْجِد بني للصَّلَاة لَا للتِّجَارَة كُله من التَّجْنِيس والمزيد ويحتسب على من يتخطى رِقَاب النَّاس لِأَن تخطي رقابهم مُنكر فَيجب عَلَيْهِ النَّهْي عَنهُ ذكر فِي الْكِفَايَة الشعبية وَلَا يجوز أَن يتخطى رِقَاب النَّاس لِأَنَّهُ رُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ لِأَن أشْرب قدحا من النَّار أحب إِلَيّ من أَن أشْرب قدحا من خمر وَلِأَن أشْرب قدحا أحب إِلَيّ من أَن أترك

صَلَاة الْجُمُعَة وَلِأَن أترك صَلَاة الْجُمُعَة أحب إِلَيّ من أتخطى رِقَاب النَّاس وروى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من تخطى رِقَاب النَّاس يُؤْتى يَوْم الْقِيَامَة وَيجْعَل قنطرة حَتَّى يمر النَّاس عَلَيْهِ وَلَا يقْعد على الْقصاص يَوْم الْجُمُعَة فقد ذكره قبل الصَّلَاة فَإِنَّهُ رُوِيَ فِي خبر أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام نهى عَن التحلق يَوْم الْجُمُعَة قبل الصَّلَاة إِلَّا أَن يكون عَالما بِاللَّه تَعَالَى يذكر بأيام الله تَعَالَى وينفقه فِي دين الله تَعَالَى وَيتَكَلَّم فِي الْجَامِع بِالْغَدَاةِ فيجلس إِلَيْهِ فَيكون جَامعا بَين البكور إِلَى الْجُمُعَة وَالِاسْتِمَاع إِلَى الْعلم ذكر فِي قوت الْقُلُوب من الْجُمُعَة وَذكر فِيهِ والقصص عِنْدهم بِدعَة وَكَانُوا يخرجُون الْقصاص من الْجَوَامِع وَرُوِيَ عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه جَاءَ إِلَى مَحَله من الْمَسْجِد فَإِذا فِيهِ قاص يقص فَقَالَ لَهُ قُم عَن مجْلِس فَقَالَ لَا أقوم فَإِنِّي قد سبقتك إِلَيْهِ فَأرْسل ابْن عمر

رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَى صَاحب الشرطة فأقامه دلّ الْأَثر على أَشْيَاء أَحدهَا أَن الْقَصَص لَو كَانَت من السّنة لما حل لِابْنِ عمر رَضِي الله عَنهُ أَن يقيمه من مَجْلِسه لَا سِيمَا وَقد سبقه إِلَى الْموضع وَهُوَ يروي النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لَا يقيمن أحدكُم أَخَاهُ من مَجْلِسه وَلَكِن ليقل تَفَسَّحُوا وَكَانَ ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَقُول إِذا قَامَ الرجل من مَجْلِسه لَا يجلس فِيهِ حَتَّى يعود إِلَيْهِ وَالثَّانِي إِنَّه كَانَ لَهُم مجْلِس معِين فِي الْمَسْجِد وَمن النَّاس من كرهه وَالْحجّة عَلَيْهِ مَا ذَكرْنَاهُ وَالثَّالِث وَهُوَ أَن الشكاية إِلَى صَاحب الشرطة من جور من اعْتدى جَائِزَة وَذكر فِيهِ أَن قَاصا كَانَ يجلس بِفنَاء حجرَة عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا ويقص فَأرْسلت إِلَى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن هَذَا قد أذاني بقصصه وشغلني قَالَ فَضَربهُ عمر رَضِي الله عَنهُ حَتَّى كسر عَصَاهُ على ظَهره ثمَّ طرده دلّ الْخَبَر على أَحْكَام أَحدهَا أَن الْقَصَص بِدعَة وَالثَّانِي إِن الشكاية إِلَى الْمُحْتَسب من الْمُتَعَدِّي جَائِزَة وَالثَّالِث ضرب الْقَاص بالعصا جَائِز وَالرَّابِع وطرد الْقَاص جَائِز بل هُوَ سنة

وَذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث رَحمَه الله فِي التَّنْبِيه رُوِيَ عَن بعض الزهاد أَنه قَالَ مَا استندت فِي الْمَسْجِد إِلَى شَيْء وَلَا طولت قدمي فِيهِ وَلَا تَكَلَّمت بِكَلَام الدُّنْيَا وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك ليقتدى بِهِ وَذكر الْفَقِيه فِي التَّنْبِيه أَيْضا حُرْمَة الْمَسْجِد خَمْسَة عشر أَولهَا أَن يسلم وَقت الدُّخُول إِذا كَانَ الْقَوْم جُلُوسًا غير مشغولين بدرس وَلَا يذكر وَإِن لم يكن فِيهِ أحد أَو كَانُوا فِي الصَّلَاة فَيَقُول السَّلَام علينا من رَبنَا وعَلى عباد الله الصَّالِحين وَالثَّانِي أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يجلس لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لكل شَيْء تَحِيَّة وتحية الْمَسْجِد رَكْعَتَانِ وَالثَّالِث وَأَن لَا يَشْتَرِي فِيهِ وَلَا يَبِيع وَالرَّابِع أَن لَا يسل فِيهِ السَّيْف وَالْخَامِس أَن لَا يطْلب فِيهِ الصالة وَالسَّادِس أَن لَا يدْفع فِيهِ الصَّوْت فِي غير ذكر الله تَعَالَى وَالسَّابِع أَن لَا يتَكَلَّم فِيهِ من أَحَادِيث الدُّنْيَا وَالثَّامِن أَن لَا يتخطى رِقَاب النَّاس وَالتَّاسِع أَن لَا يُنَازع فِي الْمَكَان والعاشر أَن لَا يضيق على أحد فِي الصَّفّ وَالْحَادِي عشر أَن لَا يمر بَين يَدي الْمُصَلِّي

مسألة

وَالثَّانِي عشر أَن لَا يبزق فِيهِ وَالثَّالِث عشر أَن لَا يفرقع أَصَابِعه فِيهِ وَالرَّابِع عشر أَن ينزهه عَن النَّجَاسَات وَالصبيان والمجانين وَإِقَامَة الْحُدُود وَالْخَامِس عشر أَن يكثر فِيهِ ذكر الله تَعَالَى وَذكر فِي كَلِمَات الْكفْر من سير الذَّخِيرَة سُئِلَ الشَّيْخ عبد الْكَرِيم عَن رجل قيل لَهُ يَا يَك درم بده تابعمارت مَسْجِد صرف كنم يَا بِمَسْجِد مَا فرشوا بنماز فَقَالَ الرجل من نه بِمَسْجِد آيم ونه دِرْهَم دهم مرا بِمَسْجِد جه كار وَهُوَ مصر على ذَلِك قَالَ لَا يكفر وَلَكِن يُعَزّر مَسْأَلَة إِذا ضَاقَ الْمَسْجِد لِكَثْرَة الحضار فِيهِ فجَاء رجل وَأَرَادَ أَن يُصَلِّي وَفِيه رجل جَالس مشتغل بِالذكر وَالتَّسْبِيح أَو لَيْسَ بمشتغل بالتسبيح للمحتسب أَن يزعج الْقَاعِد عَن مَكَانَهُ الَّذِي يُرِيد الصَّلَاة فِيهِ الْجَواب لَهُ ذَلِك ذكر فِي الْفَصْل السَّادِس عشر من جنايات الذَّخِيرَة إِذا ضَاقَ

مسألة

الْمَسْجِد على الْمُصَلِّي كَانَ للْمُصَلِّي أَن يزعج الْقَاعِد عَن مَوْضِعه حَتَّى يُصَلِّي فِيهِ وَإِن كَانَ الْقَاعِد مشتغلا بِذكر الله تَعَالَى أَو بالتدريس أَو بِقِرَاءَة الْقُرْآن أَو بالاعتكاف مَسْأَلَة الْقعُود فِي الْمَسْجِد لِلْعِبَادَةِ ولغير الْعِبَادَة مَأْذُون فِيهِ شرعا أَلا يرى أَن أهل الصّفة كَانُوا يلازمون الْمَسَاجِد وَكَانُوا ينامون فِيهَا وَيَتَحَدَّثُونَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ اثم وَلم يرو أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يمنعهُم من ذَلِك وَلَيْسَ لأحد أَن يمنعهُم عَن ذَلِك مَسْأَلَة رجل يَبُول فِي الْمَسْجِد هَل يمْنَع مِنْهُ فِي حِين بَوْله الْجَواب يصبر حَتَّى يفرغ مِنْهُ المَاء لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رأى أَعْرَابِيًا يَبُول فِي الْمَسْجِد فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تزرموه ثمَّ دعى بِدَلْو من مَاء فصب عَلَيْهِ

في الاحتساب على من يحضر للتعزية في المسجد والمقابر في اليوم الثاني والثالث من الموت وبيان ما فيه من الأمور المحرمة والمكروهة

الْبَاب السَّادِس عشر فِي الاحتساب على من يحضر للتعزية فِي الْمَسْجِد والمقابر فِي الْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث من الْمَوْت وَبَيَان مَا فِيهِ من الْأُمُور الْمُحرمَة والمكروهة أَحدهَا ترك سُجُود التِّلَاوَة فِي ذَلِك الْجمع ذكر فِي شرح الطَّحَاوِيّ الْكَبِير وَيكرهُ ترك السُّجُود عِنْد التِّلَاوَة فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا لقَوْله تَعَالَى {وَإِذا قرئَ عَلَيْهِم الْقُرْآن لَا يَسْجُدُونَ} ذمهم على ترك السُّجُود عِنْد التِّلَاوَة وعمومه يقتضى وُجُوبهَا عِنْد تِلَاوَة سَائِر الْقُرْآن إِلَّا أَن الْجَمِيع متفقون على سُقُوطه فِيمَا عدا مَوضِع السُّجُود فخصصناها من اللَّفْظ وأبقينا حكمه فَإِن قيل فَهَذَا إِنَّمَا يكون فِي التّرْك وَلَعَلَّ الثَّانِي يسْجد بعْدهَا أَو لَا يكون تَارِكًا للسُّجُود عِنْد التِّلَاوَة فَيكون مَكْرُوها على أَن تَأْخِيرهَا مُطلقًا يَعْنِي سَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَو مَكْرُوهَة من شرح الطَّحَاوِيّ وَالثَّانِي الْجُلُوس للمصيبة فَإِنَّهُ إِن كَانَ فِي الْمَسْجِد يكره وَعَن أبي اللَّيْث رَحمَه الله أَنه لَا يكره من التَّجْنِيس والمزيد وَإِن كَانَ فِي الْبَيْت وَنَحْوه لَا يكره وَالْأَفْضَل تَركه وَقد عرف فِي بَاب الاحتساب فِي بَاب الْمَوْتَى أَنه مُطلق يتَقَيَّد بِالْبَيْتِ وَلَا بالحظيرة

وَالثَّالِث بسط الْفرش فِي أَيَّام التَّعْزِيَة فَإِنَّهُ من أقبح القبائح وَقد عرف فِي بَاب الاحتساب فِي بَاب الْمَوْتَى وَأَنه مُطلق وَلَا يتَقَيَّد بِالْبَيْتِ وَلَا بالحظيرة وَالرَّابِع الْقيام لأجل الدَّاخِل فِي قِرَاءَة الْقُرْآن وَأَنه حرَام إِلَّا فِي الْأَب والأسناذ من الْخَانِية وَالْخَامِس قِرَاءَة الْقُرْآن المبتدعة بِتَغَيُّر نظم الْقُرْآن على طَرِيق الْغناء وَأَنه حرَام واستماعه أَيْضا حرَام من الْمُحِيط فِي بَاب الْكَرَاهَة وَالسَّادِس إِحْضَار المجامر المصورة بتماثيل ذَوَات الْأَرْوَاح كالبازي وَنَحْوه فَإِنَّهُ مَكْرُوه لِأَنَّهُ لَا يحضر ثمَّة ملك من الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام وَذكر فِي كَرَاهِيَة الْمُحِيط واتخاذ الصُّور فِي الْبيُوت وَالثيَاب فِي غير حَال الصَّلَاة على نَوْعَيْنِ نوع يرجع إِلَى تعظيمها فَيكْرَه وَنَوع يرجع إِلَى تحفيرها فَلَا يكره وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا كَانَت الصُّورَة على الْبسَاط المفروش لَا يكره وَإِذا كَانَ الْبسَاط مَنْصُوبًا يكره وَذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير الخاني وَإِن كَانَت الصُّورَة خَلفه أَو تَحت قَدَمَيْهِ لَا تكره الصَّلَاة لِأَنَّهُ استهانة بهَا وَلكنه يكره كَرَاهِيَة جعل الصُّورَة فِي الْبَيْت الحَدِيث جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَإِن قيل إِذا لم يكن مصورا فَمَا يكره فِيهِ فَنَقُول ذكر فِي جنائز الْمُحِيط رُوِيَ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام خرج فِي جَنَازَة فَرَأى امْرَأَة فِي يَدهَا مجمر

فصاح عَلَيْهَا وطرجها فَإِذا كَانَ مصورا فَفِيهِ مَعْنيانِ وَإِذا لم يكن مصورا فَفِيهِ معنى وَاحِد وَالسَّابِع أَخذ الْمَصَاحِف من النَّاس إِذا فرغ صدر الْمجْلس من قِرَاءَته وَفِيه منع النَّاس عَن الْقِرَاءَة بمحافظة جاه النَّاس وَفِي ترك الْعَمَل لأجل النَّاس خطر عَظِيم وَالثَّامِن حُضُور النِّسَاء للزيارة وَأَنه على خلاف الشَّرْع وَقد عرف فِي بَاب الاحتساب على النِّسَاء وَالتَّاسِع السماع والرقص على الْقَبْر وَأَنه حرَام عرف من بَاب الاحتساب على أهل النِّيَاحَة والعاشر الْكَذِب الصَّرِيح فَإِنَّهُم يحْضرُون لمحافظة جاه ولي الْمَيِّت وَيَقُولُونَ نحضر لله تَعَالَى لزِيَادَة الْمَيِّت فَإِن قيل كَيفَ يعرف قصدهم وَهُوَ مبطن فَنَقُول ذلت عَلَيْهِ عَلَامَات أَحدهَا إِذا مَاتَ أَمِير طالح يحْضرُون على قَبره أَكثر مِمَّا يحْضرُون على قبر فَقير صَالح فَلَو كَانَ الله تَعَالَى لَكَانَ الْأَمر على الْعَكْس وَالثَّانيَِة إِذا لم يحضر وَاحِد على قبر ميت يتَأَذَّى بذلك أولياؤه فَلَو لم يكن هَذَا لأجلهم لَا يتأذون بِتَرْكِهِ وَالثَّالِثَة إِذا حضر وَاحِد يَعْتَذِرُونَ مِنْهُ وَالْحَادِي عشر يشربون الشربة عِنْد الْقُبُور وَفِي الحَدِيث الْأكل فِي الْمَقَابِر يقسي الْقلب وَفِي رِوَايَة من عَلَامَات قسوة الْقلب الْأكل فِي الْمَقَابِر

وَالثَّانِي عشر يقطعون أوراق الْأَشْجَار ويتخذون منع شَيْئا على صُورَة الْأَشْجَار ويزينون بهَا حول الْقَبْر وَقطع الشّجر الرطب وَقطع الْكلأ بِغَيْر حَاجَة منهى عَنهُ وَفِي المناهي نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقطع شَيْء من نَبَات الأَرْض عشبا ثمَّ قَرَأَ وَإِن من شَيْء أَلا يسبح بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَا تفقهون تسبيحهم والقيد بالعشب لِأَن الاحتشاش عشبا غَالِبا لَا يكون للْحَاجة إِذْ الْآيَة تدل على إِطْلَاق النَّهْي إِلَّا أَنه أُبِيح للْحَاجة وَذكر فِي جنائز خُلَاصَة الْفَتَاوَى وَيكرهُ قلع الْحَطب والحشيش الرطب من غير حَاجَة وَالثَّالِث عشر وَهُوَ أَن الْقُرَّاء يقرأون جَهرا قبل الدّفن أَو بعده وَأهل الْمُصِيبَة يشتغلون بِالنَّاسِ وَالْقِرَاءَة جَهرا عِنْد قوم مشاغيل مَكْرُوه من الْمُحِيط وَغَيره ذكر فِي الْمُحِيط قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الْقُبُور مَكْرُوه عِنْد أبي حنيفَة وَعند مُحَمَّد لَا يكره ومشايخنا أخذُوا بقول مُحَمَّد رَحمَه الله قَالَ الصَّدْر الشَّهِيد وَقَالَ الشَّيْخ الْجَلِيل أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْفضل تكره الْقِرَاءَة فِي الْمقْبرَة جَهرا وَأما

المخافتة فَلَا بَأْس بِهِ وَعَن الشَّيْخ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ لَا بَأْس بِأَن يقْرَأ على الْمَقَابِر سُورَة الْملك سَوَاء أُخْفِي أَو أَجْهَر وَأما غَيرهَا فَإِنَّهُ لَا يقْرَأ فِي الْمَقَابِر وَالرَّابِع عشر أَن بعض الْحَاضِرين يجهرون بِالْقُرْآنِ فِي الْجمع وَأَنه مَكْرُوه ذكر فِي الْمُحِيط وَمن قَالَ من الْمَشَايِخ أَن ختم الْقُرْآن جَهرا بِالْجَمَاعَة وَيُسمى بِالْفَارِسِيَّةِ أشكاراخواندن مَكْرُوه تمسك بِمَا روى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكره رفع الصَّوْت عِنْد قِرَاءَة الْقُرْآن وَالْخَامِس عشر وَهُوَ أَن مس الطّيب فِي الْيَوْم الثَّالِث تشبه بِالنسَاء لِأَنَّهُ يحرم على الْمَرْأَة الْحداد على ميتها فَوق ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا على زَوجهَا فتمس الطّيب فِي الثَّالِث لِئَلَّا يزِيد الْحداد على ثَلَاثَة أَيَّام فَإِنَّهَا لَو مست فِي الرَّابِع لازداد الْحداد بِشَيْء من الْيَوْم الرَّابِع وَهُوَ حرَام رُوِيَ أَن أم حَبِيبه رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا دعت بِطيب فِي الْيَوْم الثَّالِث من نعي أَبِيهَا أبي سُفْيَان

فمسحت بِهِ عارضيها وذراعيها وَقَالَت أَنِّي كنت عَن هَذَا لغنية لَوْلَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله تَعَالَى يَقُول لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه تَعَالَى وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميت فَوق ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا على زوج فَإِنَّهَا تحد عَلَيْهِ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا قَالَ العَبْد فَهَذَا الرَّسْم الَّذِي اعتاده النَّاس بإمساس مَاء الْورْد فِي الْيَوْم الثَّالِث تشبه بذلك فيجتنب مِنْهُ لَا لِأَنَّهُ تطيب بل لِأَنَّهُ تشبه بِالنسَاء كَمَا يجْتَنب الْحِنَّاء فَإِنَّهُ طيب بِالْحَدِيثِ وَلكنه تشبه بِالنسَاء وَالسَّادِس عشر وَهُوَ أَن شَاعِرًا يقوم ويمدح الْمَيِّت بِمَا لم يفعل وَأَنه كذب واستماع الْكَذِب حرَام وَالسَّابِع عشر وَهُوَ أَن مُعَرفا يقوم فِي صف النِّعَال ويعد وَيقْرَأ بعد الْخَتْم سُورَة الْإِخْلَاص ثَلَاثًا والفاتحة مرّة وَهُوَ قَائِم وَالنَّاس قعُود وَأَنه بِدعَة وَلم ينْتَقل هَذَا الصنع من السّلف وَمن ادّعى فَعَلَيهِ الْبَيَان كَيفَ وَفِيه الاستهانة بِالْقُرْآنِ لِأَن قارئه فِي حَالَة الْقِرَاءَة يشبه بِأَنَّهُ يخْدم الصُّدُور والحضور فِي ذَلِك الْمجْلس أَلا يرى كَيفَ يتَوَجَّه إِلَيْهِم سَوَاء كَانُوا فِي جِهَة الْقبْلَة أَولا وَكَيف يَأْخُذ بيدَيْهِ ويضعهما مَوضِع الْوَضع فِي الصَّلَاة وينتظر أَمر الصَّدْر الَّذِي فِي

الْمجْلس لهَذَا الصنع فَإِذا أمره يرْكَع لَهُ خدمه معهودة بَين هَؤُلَاءِ الغرورين بالجاه ثمَّ إِنَّه يتصنع بِهَذَا الْآيَات كَأَنَّهُ يُغني وَأَنَّهَا بِدعَة أُخْرَى فِي بِدعَة أولى ثمَّ يَأْخُذ على قِرَاءَته أجرا من أَوْلِيَاء الْمَيِّت كَأَنَّهُ إِجْبَار لَهُم لِأَن الْمُعْتَاد كالمعقود وَأَنه بِدعَة أُخْرَى ظلمات بَعْضهَا فَوق بعض وَالثَّامِن عشر هُوَ أَنهم يلبسُونَ الْقَبْر بِثِيَاب الْحَرِير إِذا كَانَ الْمَيِّت من أهل الجاه مِمَّن كَانَ يلبس فِي حَيَاته وَأَنه شَهَادَة مِنْهُم على الْمَيِّت بِأَنَّهُ كَانَ فَاجِرًا وَذكر الْمَيِّت بعد مَوته بجريمته منهى عَنهُ وَالتَّاسِع عشر وَهُوَ أَنهم يلقون على قبر الصلحاء ثوبا مَكْتُوبًا فِيهِ سُورَة الْإِخْلَاص والقاء الْقُرْآن على الأَرْض استهانة بِهِ لِأَن هَذَا الثَّوْب إِنَّمَا يلقى تَعْظِيمًا للْمَيت فَيصير هَذَا الثَّوْب مبتذلا مُسْتَعْملا وابتذال كتاب الله تَعَالَى من أَسبَاب عَذَاب الله تَعَالَى وَذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي بستانه وَلَا يَنْبَغِي أَن يضع الْكتاب على الأَرْض وَالْعشْرُونَ وَهُوَ أَنهم يحْضرُون الْمَصَاحِف فِي الْمَقَابِر ويضعونها فِي الْمجْلس وَلَا يقرأون وينتظرون حُضُور الصَّدْر فَإِذا فتح الْمُصحف وَأخذ النَّاس فِي الْقِرَاءَة ثمَّ حضر الصَّدْر بغضب الصَّدْر عَلَيْهِم ويظنه اسْتِخْفَافًا بِهِ واستحقارا لجاهه ومنصبه وَهل هُوَ إِلَّا أَمر النَّفس الأمارة بالسوء والحضور فِي مثل هَذَا إِعَانَة مِنْهُم لَهُ عَلَيْهِ لِأَن النَّاس لَو لم يحضروه فعلى من يَدعِي الجاه هَذَا الْمَغْرُور والإعانة على الْمعْصِيَة منهى عَنهُ قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان} ألم يسمع هَذَا الصَّدْر أَن الْمَنْع عَن التِّلَاوَة من سنة الْكفَّار فَإِن

قيل أَنهم يقدرُونَ على الْقِرَاءَة عَن ظهر قلب فَنَقُول وَلَكِن الْقِرَاءَة بِالنّظرِ عبَادَة وَحمل الْمُصحف عبَادَة أَيْضا فَكَانَ منعا عَن العبادتين وَلِأَن إِحْضَار الْمُصحف فِي الْمجْلس للْقِرَاءَة مَعَ توقف الْقِرَاءَة نوع من الاستخفاف بالمصحف كَمَا قيل إِذا حضر الطَّعَام يُؤْكَل وَلَا ينْتَظر للأدام لِأَنَّهُ استخفاف بِالطَّعَامِ وَالْحَادِي وَالْعشْرُونَ إِذا كَانَت مَقْبرَة الْمَيِّت بعيدَة عَن منزل بعض النَّاس يخرد من بَيته قبل صَلَاة الْفجْر بعد طُلُوع الصُّبْح ليمكنه الْحُضُور ثمَّة مَعَ النَّاس وَأَنه مَكْرُوه ذكر فِي الْفَصْل الْخَامِس عشر فِي الْإِمَامَة والاقتداء من الْخُلَاصَة رجل يصلح للْإِمَامَة وَلَا يؤم أهل الْمحلة ويؤم أهل مَحَله أُخْرَى فِي شهر رَمَضَان قَالَ لَا يَنْبَغِي أَن يخرج إِلَى تِلْكَ الْمحلة قبل دُخُول وَقت الْعشَاء وَلَو ذهب بعد دُخُول وَقت الْعشَاء يكره ذَلِك وَصَارَ بِهِ كمن سَافر بعد دُخُول وَقت الْجُمُعَة فَإِنَّهُ يكره وَالثَّانِي وَالْعشْرُونَ هُوَ أَن فِي الْحُضُور لليوم الثَّانِي وَالثَّالِث ترك الْجُلُوس فِي مَوضِع الصَّلَاة وَأَنه مُسْتَحبّ وَالْجمع مُمكن بِأَن يقعدوا إِلَى طُلُوع الشَّمْس ثمَّ يغدوا إِلَى الزِّيَارَة لَو كَانَ حَال الْمَقْصُود الزِّيَارَة وَأما لَو كَانَ الْمَقْصُود المراءاة فَكفى بِهِ عارا وَالْجُلُوس فِي مَوضِع الصَّلَاة بعد الْفجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس مُسْتَحبّ من التَّجْنِيس والمزيد بل هُوَ يَنْبَغِي أَن يكون سنته لما ذكر فِي قوت الْقُلُوب كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى الْغَدَاة قعد فِي مصلاة حَتَّى تطلع الشَّمْس وَفِي بَعْضهَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَقد ندب إِلَى ذَلِك فِي غير خبر وَجَاء فِي فَضَائِل الْجُلُوس من بعد صَلَاة الصُّبْح إِلَى طُلُوع الشَّمْس وَفِي الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ بعد ذَلِك مَا لَا يعد وَصفه

وَالثَّالِث وَالْعشْرُونَ هُوَ أَنهم يسجون قبر الْمَيِّت بِثَوْب فِي الْيَوْم الثَّالِث وَغَيره من أَيَّام الزِّيَارَة الْمَعْهُودَة وتسجية الْقَبْر غير مَشْرُوع أصلا فِي حق الرِّجَال وَبعد تَسْوِيَة اللَّبن فِي حق النِّسَاء وَمر عَليّ رَضِي الله عَنهُ تَعَالَى بِقَبْر رجل قد سجي فَنهى عَن ذَلِك وَقَالَ إِنَّمَا هُوَ رجل من الزهاد

في الاحتساب على الخطباء

الْبَاب السَّابِع عشر فِي الاحتساب على الخطباء عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهُمَا قَالَا فِي حَدِيث الْمِعْرَاج ثمَّ أَتَى على قوم تقْرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حَدِيد كلما قرضت عَادَتْ كَمَا كَانَت فَقلت من هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل فَقَالَ هَؤُلَاءِ خطباء الْفِتْنَة ذكر فِي شرح الْكَرْخِي قَالَ أَبُو الْحسن لَا تطول الْخطْبَة فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بتقصير الْخطْبَة وَقد قَالَ الْحسن عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى يخْطب

خطْبَة خَفِيفَة يفْتَتح بِالْحَمْد لله تَعَالَى ويثني عَلَيْهِ ويتشهد وَيُصلي على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام ويعض وَيذكر وَيقْرَأ سُورَة وَيجْلس جلْسَة خَفِيفَة ثمَّ يقوم فيخطب أُخْرَى يفْتَتح بِالْحَمْد لله ويثني عَلَيْهِ ويتشهد وَيُصلي على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَيَدْعُو للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَيكون قدر الْخطْبَتَيْنِ قدر سُورَة من طوال الْمفصل ذكر فِي قوت الْقُلُوب وَمن خشِي الْفِتْنَة والآفة فِي قربه من الإِمَام بِأَن يستمع مَا يجب عَلَيْهِ إِنْكَاره أَو يرى مَا يلْزم الْأَمر فِيهِ أَو النَّهْي عَنهُ من لبس حَرِير أَو ديباج كَانَ بعده من الصُّفُوف الْمُتَقَدّمَة أصلح لِقَلْبِهِ وأجتمع لهمه وَفِي هَذَا الزَّمَان نَوْعَانِ من مُنكرَات الخطباء أَحدهمَا أَنهم يَقُولُونَ فِي خطبهم كَلِمَات يجب النَّهْي عَنْهَا وَالثَّانِي يلبسُونَ طيالسة الْحَرِير وَالنَّهْي عَنْهَا وَاجِب وَفِي سير الْمُحِيط حُكيَ عَن إِمَام الْهدى أبي مَنْصُور الماتريدي إِن من قَالَ لسلطان زَمَاننَا أَنه

عَادل فقد كفر وَبَعْضهمْ قَالُوا لَا يكفر قَالَ العَبْد فعلى الخطباء أَن يحترزوا عَن هَذِه الْكَلِمَات لِئَلَّا يخْتَلف فِي إِيمَانهم سُئِلَ دَاوُد عَن الخطباء الَّذين يخطبون على المنابر يَوْم الْجُمُعَة مَا قَالُوا فِي القاب السُّلْطَان فَإِنَّهُم يَقُولُونَ السُّلْطَان الْعَادِل وَالسُّلْطَان الْعَالم الْأَعْظَم شهنشاه مَالك رِقَاب الْأُمَم سُلْطَان أَرض الله مَالك بِلَاد الله نَاصِر عباد الله معِين خَليفَة الله تَعَالَى هَل يجوز أم لَا قَالَ لَا يجوز على الْإِطْلَاق وَالتَّحْقِيق لِأَن بعض الفاظه كفر وَبَعضه كذب قَالَ أَبُو مَنْصُور الماتريدي السَّمرقَنْدِي رَحمَه الله تَعَالَى من قَالَ للسُّلْطَان الَّذِي بعض أَفعاله جور عَادل على الْإِطْلَاق فَهُوَ كَافِر لِأَنَّهُ لَو كَانَ بعض أَفعاله ظلما وجورا وَهُوَ سَمَّاهُ عادلا على الْإِطْلَاق فقد اعْتقد الظُّلم والجور عدلا وَمن اعتقدهما هَكَذَا فَهُوَ كَافِر وَأما شهنشاه الْأَعْظَم فَهِيَ من خَصَائِص أَسمَاء الله تَعَالَى بِدُونِ وصف الْأَعْظَم فَلَا يجوز وصف الْعباد بذلك وَأما مَالك رِقَاب الْأُمَم كذب لِأَن الرّقاب اسْم جمع والأمم جمع وَفِي تَسْمِيَة مَالك رِقَاب الْأُمَم مَا يتَنَاوَل الْإِنْس وَالْجِنّ وَالْمَلَائِكَة وَغَيرهَا من الْحَيَوَانَات وَأما سُلْطَان أَرض الله وَأَخَوَاتهَا على الْإِطْلَاق كذب وَلَا يجوز الْكَذِب فِي عُمُوم الْأَحْوَال فَكيف يجوز فِي مَكَان الرَّسُول سيد الْأَنَام قَالَ لَو ابتلى الْإِنْسَان بِهِ وَقَالَ السُّلْطَان الْأَعْظَم أَو قَالَ السُّلْطَان الْعَادِل واعتقد بِقَلْبِه تلقيا أَو مجَازًا يُرْجَى فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى أَن لَا يَأْثَم

لِأَنَّهُ يجوز أَن يُسمى الْأَبْيَض بالأسود وَالْأَعْمَى بالبصير على طَرِيق الْمجَاز فَكَذَلِك هَا هُنَا وَلكنه مترخص وَصَاحب الْعَزِيمَة وَهُوَ التارك لمثل هَذِه الْكَلِمَات هُوَ الْأَفْضَل وَالدُّخُول فِي أَمر السلاطين فِي زَمَاننَا هَذَا مَعَ التَّحَرُّز عَن مثل هَذِه الجرائم غير مُمكن فالأسلم ترك الخطابة والاشتغال بالتقوى المستطابة فَإِن جاه الْأُخْرَى أبقى وزخارف الدُّنْيَا لَا يطمئن بهَا إِلَّا الأشقى وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى وَالله أعلم

في الاحتساب على من حلف بغير الله تعالى او حلف به

الْبَاب الثَّامِن عشر فِي الاحتساب على من حلف بِغَيْر الله تَعَالَى اَوْ حلف بِهِ مَسْأَلَة لَا يجوز أَن يحلف وَيَقُول لعمر فلَان ولعمرك فَإِن قَالَ ذَلِك يكون إِثْمًا وَإِن قَالَ لعمر فلَان وبر فِي يَمِينه فَإِنَّهُ يكون كَبِيرَة قَالَ بَعضهم يكفر وَقَالَ بَعضهم لَا يكفر وَلَا يجوز أَن يحلف بِهَذَا فَإِذا حلف فَلَيْسَ لَهُ أَن يبره وَيجب أَن يُخَالف وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لَئِن أَحْلف بِاللَّه تَعَالَى كَاذِبًا أحب إِلَيّ من أَن أَحْلف بِغَيْر الله تَعَالَى صَادِقا وَعَن ابْن مَسْعُود إِن الْحلف بِغَيْر الله تَعَالَى إشراك وَمثله عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَلَا يجوز للْحَاكِم أَن يحلف بِالطَّلَاق أَو الْعتاق وَالْحج لما ذكرنَا قَالَ العَبْد فَكل تَعْلِيق فَهُوَ حلف بِغَيْر الله تَعَالَى وَأَنه غير جَائِز والحالف والمستحلف بهَا آثم مرتكب للكبيرة وَأما إِذا ألح الْخصم قبل يجوز للْقَاضِي أَن يحلف بِالطَّلَاق وَالْعتاق إحْيَاء لحقوق النَّاس من الْهِدَايَة وَالْأول من الْكِفَايَة فِي الْإِيمَان وَذكر فِي سير الْمُحِيط فِي كَلِمَات الْكفْر وَفِي الْجَامِع الْأَصْغَر قَالَ عَليّ

الرَّازِيّ رَحمَه الله تَعَالَى الله أَخَاف على من يَقُول بحياتي وحياتك وَمَا أشبه ذَلِك الْكفْر فلولا أَن الْعَامَّة يَقُولُونَ وَلَا يعلمُونَ لَقلت أَنه شرك لِأَنَّهُ لَا يَمِين إِلَّا بِاللَّه تَعَالَى فَإِذا حلف بِغَيْر الله تَعَالَى فقد أشرك

في الاحتساب على من يتكلم بكلمات الكفر

الْبَاب التَّاسِع عشر فِي الاحتساب على من يتَكَلَّم بِكَلِمَات الْكفْر وَفِي هَذِه الْمسَائِل أَمر يتَعَلَّق بالمفتي وَأمر يتَعَلَّق بالمحتسب وَأمر يتَعَلَّق بالقائل فَأَما مَا يتَعَلَّق بالمحتسب فَكل كلمة توجب الْكفْر بِكُل وَجه أَو بِوَجْه يُوجب الْكفْر دون وَجه أَولا يجب أصلا وَلكنه فِيهَا إساءة أَو خطأ فَإِن الْمُحْتَسب يمْنَع من ذَلِك كُله وَلَكِن يمْنَع فِي كل بَاب يقدر جريمته وَالتَّقْدِير فِيهِ مفوض إِلَى رَأْيه يفعل بِقدر مَا يعلم أَنه ينزجر بِهِ إِن كَانَ لَهُ راي وَإِلَّا يرجع إِلَى أهل الْعلم وَلَا يبلغ حد الْحُدُود وَأما مَا يتَعَلَّق بالمفتي وَالْقَائِل يجب أَن يعلم أَنه إِذا كَانَ فِي الْمَسْأَلَة وُجُوه توجب التَّكْفِير وَوجه وَاحِد يمْنَع التَّكْفِير فعلى الْمُفْتِي أَن يمِيل إِلَى الْوَجْه الَّذِي يمْنَع التَّكْفِير تحسينا للظن بِالْمُسلمِ ثمَّ إِن كَانَ نِيَّة الْقَائِل الْوَجْه يمْنَع التَّكْفِير فَهُوَ مُسلم وَإِن كَانَ يُرِيد بِهِ الْوَجْه الَّذِي يُوجب التَّكْفِير فَلَا تَنْفَعهُ فَتْوَى الْمُفْتِي

وَيُؤمر بِالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوع عَن ذَلِك وبتجديد النِّكَاح بَينه وَبَين امْرَأَته وَمن أَتَى بِلَفْظَة الْكفْر مَعَ علمه أَنَّهَا لَفْظَة الْكفْر عَن اعْتِقَاده فقد كفر وَإِن لم يعْتَقد أَو لم يعلم أَنَّهَا لَفْظَة الْكفْر وَلَكِن أَتَى بهَا عَن اخْتِيَار فقد كفر عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَلَا يعْذر بِالْجَهْلِ وَإِن لم يكن قَاصِدا فِي ذَلِك بِأَن أَرَادَ أَن يلتفظ بِلَفْظ آخر فَجرى على لِسَانه لَفْظَة الْكفْر من غير قصد وَذَلِكَ نَحْو أَن أَرَادَ أَن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله فَجرى لِسَانه أَن مَعَ الله إِلَهًا آخر أَو أَرَادَ أَن يَقُول بِحَق آنكه توخداي وَمَا بند كانيم كَانَ مجْرى على لِسَانه الْعَكْس لَا يكفر وَفِي الْأَجْنَاس عَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى نَص أَن من أَرَادَ أَن يَقُول أكلت فَقَالَ كفرت أَنه لَا يكفر قَالُوا هَذَا مَحْمُول على مَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَأَما القَاضِي لَا يصدقهُ وَمن أضمر بالْكفْر أَو هم بِهِ فَهُوَ كَافِر وَمن أَرَادَ أَن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله وَقَالَ لَا إِلَه فَلم يصل إِلَّا الله لَا يكفر لِأَنَّهُ عقد على الْإِيمَان وَمن كفر بِلِسَانِهِ طَائِعا وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان فَهُوَ كَافِر وَلَا يَنْفَعهُ مَا فِي قلبه لِأَن الْكَافِر إِنَّمَا يعرف من الْمُؤمن بِمَا نطق بِهِ فَإِذا نطق كَانَ كَافِرًا وَعند الله تَعَالَى وَلَو قَالَ إِن كَانَ غَدا كَذَا فَأَنا أكفر قَالَ أَبُو الْقَاسِم فَهُوَ كَافِر من سَاعَته وَفِي سير

مسألة

الْأَجْنَاس من عزم على أَن يَأْمر غَيره بالْكفْر كَانَ كَافِرًا وَمن خطر بِبَالِهِ أَشْيَاء توجب الْكفْر وَلم يتَكَلَّم بهَا وَهُوَ كَارِه لذَلِك لَا يضرّهُ وَهُوَ مَحْض الْإِيمَان وَمن تكلم بِكَلِمَة توجب الْكفْر وَضحك بِهِ غَيره يكفر الْمُتَكَلّم والضاحك وَلَو تكلم بذلك وَقبل الْقَوْم ذَلِك مِنْهُ فقد كفرُوا وَمن رَضِي بِكفْر نَفسه فقد كفر وَمن رَضِي بِكفْر غَيره فقد اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ وَقَالُوا فِي السّير الْكَبِير مَسْأَلَة تدل على أَن الرضاء بِكفْر الْغَيْر لَيْسَ بِكفْر وَصُورَة مَا ذكر فِي السّير الْكَبِير الْمُسلمُونَ إِذا أخذُوا أَسِيرًا وخافوا أَن يسلم فكمموه أَي شدوا فَمه بِشَيْء حَتَّى لَا يسلم أَو ضربوه حَتَّى يشْتَغل بِالضَّرْبِ فَلَا يسلم فقد أساؤا فِي ذَلِك فَلم يقل فقد كفرُوا وَأَشَارَ الشَّيْخ الإِمَام شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ إِلَى أَن هَذِه الْمَسْأَلَة لَا تصلح دَلِيلا لِأَن تَأْوِيل هَذِه الْمَسْأَلَة أَن الْمُسلمين يعلمُونَ أَنه لَا يسلم حَقِيقَة وَلَكِن يظْهر الْإِسْلَام بِغَيْر اعْتِقَاد لينجو عَن شَرّ الْقَتْل

فَلَا يكون هَذَا رِضَاء مِنْهُم بِكُفْرِهِ وَذكر شيخ الْإِسْلَام فِي شرح السّير أَن الرِّضَا بِكفْر الْغَيْر إِنَّمَا يكون كفرا إِذا كَانَ يستجير الْكفْر ويستحسنه أما إِذا كَانَ لَا يستجيزه وَلَا يستحسنه لَكِن أحب الْمَوْت وَالْقَتْل على الْكفْر لمن كَانَ شريرا مؤذبا بطبعه حَتَّى ينْتَقم الله مِنْهُ فَهَذَا لَا يكون كفرا وَمن تَأمل قَول اله تَعَالَى {رَبنَا اطْمِسْ على أَمْوَالهم وَاشْدُدْ على قُلُوبهم فَلَا يُؤمنُوا} الْآيَة يظْهر لَهُ صِحَة مَا ادعيناه وعَلى هَذَا إِذا ادّعى على ظَالِم أماتك الله تَعَالَى على الْكفْر أَو قَالَ سلب الله تَعَالَى عَنْك الْإِيمَان أَو دعى عَلَيْهِ بِالْفَارِسِيَّةِ خداي تَعَالَى جانت بكافري بستاند فَهَذَا لَا يكون كفرا إِذْ لَا يستحسن الْكفْر وَلَا يستجيزه وَلَكِن تمنى أَن يسلب الله تَعَالَى عَنهُ الْإِيمَان حَتَّى ينْتَقم الله تَعَالَى مِنْهُ على ظلمه وإيذائه بالخلق وَقد عثرنا على رِوَايَة أبي حنيفَة رَحمَه الله إِن الرضاء بِكفْر الْغَيْر كفر من غير تَفْصِيل ثمَّ مَا يكون كفرا بِلَا خلاف يُوجب إحباط الْعَمَل وَيلْزم لَهُ إِعَادَة الْحَج إِن كَانَ قد حج وَيكون وَطْء امْرَأَته زنا وَالْولد الْمُتَوَلد فِي هَذِه الْحَالة يكون ولد الزِّنَا وَإِن أَتَى بِكَلِمَة الشَّهَادَة بعد ذَلِك إِذا كَانَ الْإِتْيَان على دَرَجَة الْعَادة وَلم يرجع عَمَّا قَالَ لَا يحكم بإيمانه حَتَّى يرجع عَمَّا قَالَ لِأَن الاتيان بِكَلِمَة الشَّهَادَة على وَجه الْعَادة لَا يرفع الْكفْر وَمَا كَانَ فِي كَونه كفرا اخْتِلَاف فَإِن قَائِله يُؤمر بتجديد النِّكَاح وَالتَّوْبَة وَالرُّجُوع عَن ذَلِك بطرِيق الِاحْتِيَاط وَأما مَا كَانَ خطأ من الْأَلْفَاظ فَلَا يُوجب الْكفْر فقائله مُؤمن على حَاله وَلَا يُؤمر بتجديد النِّكَاح وَلَكِن يُؤمر با لَا ستغفار وَالرُّجُوع عَن ذَلِك

في الاحتساب على الوالدين والأولاد

الْبَاب الْعشْرُونَ فِي الاحتساب على الْوَالِدين وَالْأَوْلَاد وَاعْلَم بِأَن الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر لَا يسْقط بِحَق الْأُبُوَّة والأمومة لِأَن النُّصُوص مُطلقَة وَلِأَن الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر لمَنْفَعَة الْمَأْمُور والمنهى وَالْأَب وَالأُم أَحَق أَن يُوصل الْوَلَد إِلَيْهِمَا الْمَنْفَعَة وَقَالَ الله تَعَالَى خَبرا عَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَنه سَأَلَ أَبَاهُ عَن الْحجَّة على دينه الْبَاطِل وَبَين تعريضا حجَّته على بطلَان دين أَبِيه قَالَ الله تَعَالَى خَبرا عَنهُ {يَا أَبَت لم تعبد مَا لَا يسمع وَلَا يبصر وَلَا يُغني عَنْك شَيْئا} فَلَمَّا ظهر عجزة وَتبين قبح دينه أخبرهُ عَن نَفسه بِأَنَّهُ أُوتِيَ من الْعلم مَا لم يُؤْت ذَلِك إِيَّاه فَقَالَ يَا أَبَت قد جَاءَنِي من الْعلم مَا لم يأتك الْآيَة فَلَمَّا أثبت أَنه عَالم وَأَبوهُ جَاهِل أمره بِالْمَعْرُوفِ ووعده وَعدا حسنا فَقَالَ فاتبعني أهدك صراطا سويا وَنَهَاهُ عَن الْمُنكر وَبَين لَهُ مَادَّة الْمُنْكَرَات وَهِي مُتَابعَة الشَّيْطَان وَبَين مذمة الشَّيْطَان فَقَالَ {يَا أَبَت لَا تعبد الشَّيْطَان إِن الشَّيْطَان كَانَ للرحمن عصيا} ثمَّ بَين الْوَعيد على مُخَالفَته فَقَالَ يَا أَبَت أَنِّي أَخَاف أَن يمسك عَذَاب من الرَّحْمَن

فَتكون للشَّيْطَان وليا) ثمَّ إِن الْوَلَد إِذا أَمر أَبَاهُ يتبع الْخَلِيل وَيبين الدَّلِيل ويلين الْقلب العليل وَيهْدِي السَّبِيل فَإِن أَجَابَهُ فبها وَإِن عَارضه بمكروه أعرض عَنهُ بِمَعْرُوف وَلَا يتَعَرَّض لَهُ بعد ذَلِك ويشتغل بالاستغفار لِأَن الْخَلِيل لما سمع من أَبِيه مَكْرُوها وَهُوَ قَوْله تَعَالَى خَبرا عَن أَبِيه {لَئِن لم تَنْتَهِ لأرجمنك واهجرني مَلِيًّا} فاعرض الْخَلِيل بِمَعْرُوف وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {سَلام عَلَيْك} ووعد لَهُ بالاستغفار فَقَالَ {سأستغفر لَك رَبِّي} وَقد أنْجز وعده فَقَالَ {واغفر لأبي إِنَّه كَانَ من الضَّالّين} وَلِهَذَا ذكر فِي شرعة الْإِسْلَام وَالسّنة فِي أَمر الْوَالِدين بِالْمَعْرُوفِ أَن يأمرهما بِهِ مرّة فَإِن قبلا فبها وَإِن كرها سكت عَنْهُمَا واشتغل بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَار لَهما فَإِن الله تَعَالَى يكفية مَا يهمه من أَمرهمَا وَمن بلغه مَعْصِيّة رجل يحل لَهُ أَن يكْتب إِلَى أَبِيه أَن علم أَن أَبَاهُ يقدر على مَنعه وَإِلَّا فَلَا كَيْلا تقع الْعَدَاوَة بَينهمَا غَرَض من الْخَانِية وَذكر فِي غضب الْمُلْتَقط وَيحل للْأُم أَن تمنع ابْنهَا من الْجِهَاد وَأَن امْتنع بقولِهَا فَإِن لم يمْتَنع لَا تَمنعهُ

في الاحتساب في الخصومة الواقعة بين الجيران

الْبَاب الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِي الاحتساب فِي الْخُصُومَة الْوَاقِعَة بَين الْجِيرَان رجل هدم بَيته فَلم يبن وَالْجِيرَان يتضررون بِهِ كَانَ لَهُم جبره على الْبناء إِذا كَانَ قَادِرًا لِأَن لَهُم ولَايَة دفع الضَّرَر هَكَذَا ذكر هُنَا وَالْمُخْتَار أَنه لَيْسَ لَهُم ذَلِك لِأَن الْمَرْء لَا يجْبر على بِنَاء ملكه رجل لَهُ دَار أَن يرفع بناءه ويمنعه الْجَار أَن مَنعه لِأَنَّهُ يسد عَلَيْهِ الضَّوْء فَلهُ الْمَنْع لِأَن الضَّوْء من الْحَوَائِج الْأَصْلِيَّة فَإِن مَنعه لِأَنَّهُ يسد عَلَيْهِ الشَّمْس وَالرِّيح فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُمَا من الْحَوَائِج الزَّائِدَة وَالْأَصْل أَن من تصرف فِي ملكه تَصرفا يضر بجاره ضَرَرا بَينا يمْنَع منع وَإِلَّا فَلَا وَعَلِيهِ الْفَتْوَى وَاصل آخر فِي الْعُلُوّ والسفل أَن تصرف صَاحب الْعُلُوّ إِن كَانَ يضر بالسفل بِيَقِين أَو شكّ أَنه يضر أَو لَا يملك صَاحب الْعُلُوّ ذَلِك بِغَيْر إِذن صَاحب السّفل بِلَا خلاف وَأما إِذا علم بِيَقِين أَنه لَا يضر اخْتلفُوا فِيهِ وَالْمُخْتَار أَنه

يملك وأصل آخر أَن من تصرف فِي ملكه تَصرفا يَزُول بِهِ نفع جَاره بِملك الْمُتَصَرف لَا يمْنَع من ذَلِك وَإِن سخط جَاره كَمَا لَو كَانَ لرجل شَجَرَة يستظل بهَا جَاره أَرَادَ الْمَالِك قلعهَا لَا يمْنَع الْمَالِك عَن ذَلِك وكما مر من مَسْأَلَة بِنَاء الْجِدَار فِي أول الْبَاب وأصل آخر أَن الِانْتِفَاع بِملك الْغَيْر إِنَّمَا يجوز إِذا لم يمنعهُ الْمَالِك فَإِن مَنعه لَا يجوز والهواء ملك لمن هُوَ مَالك الأَرْض وَالْبناء وَالْوَارِث وَالْمُشْتَرِي قائمان مقَام أَصلهمَا كَمَا لَو اشْترى رجل ضَيْعَة وفيهَا أَغْصَان متدلية من شَجَرَة ضَيْعَة بجنبها أَو ورثهَا فللوارث وَالْمُشْتَرِي أَن يَأْمر الْجَار بتفريغ هَوَاء ضيعته قَالَ العَبْد فعلى قِيَاس هَذَا إِذا مَال الْحَائِط إِلَى دَار الْجَار بِحَيْثُ يشغل من هَوَاء دَار جَارة شَيْئا فَلهُ أَن يَأْمُرهُ بتفريغ هوائه وَنقض حَائِطه وَإِن كَانَ لَا يخَاف على وُقُوعه وعَلى قِيَاس هَذَا لَا يجوز لأحد أَن يَبْنِي فَوق الْقُبُور بَيْتا أَو مَسْجِدا لِأَن مَوضِع الْقَبْر حق للمقبور وَلِهَذَا لَا يجوز نبشه إِذا كَانَ الْقَبْر فِي ملكه وَملكه بعد فِي قَبره بَاقٍ لاحتياجه إِلَيْهِ فَلَا يجوز لأحد من ورثته أَو جِيرَانه التَّصَرُّف على هَوَاء قَبره ثمَّ فِي مَسْأَلَة الشَّجَرَة إِذا لم يقطع صَاحب الشَّجَرَة غُصْن شجرته وَلَا يفرغ هواءه هَل للْجَار أَن يقطع غُصْن الشَّجَرَة وَجَوَابه أَنه يقطع بِغَيْر إِذن الْجَار روى ذَلِك عَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى قَالُوا وَهَذِه الْمَسْأَلَة على وَجْهَيْن أَحدهمَا إِنَّه إِن أمكنه أَن يفرغ هواءه بِغَيْر الْقطع بِأَن يسحب غصنه

بِحَبل لَا يقطع فَإِن لم يفعل يَأْمُرهُ الْحَاكِم بذلك وَإِن لم يُمكنهُ فَالْأولى أَن يسْتَأْذن الْمَالِك فِي قطعه فَإِن أذن قطع وَإِن لم يَأْذَن يرفع الْأَمر إِلَى الْحَاكِم حَتَّى يَأْذَن لَهُ وَإِن قطعه بِنَفسِهِ فَهَذَا على وَجْهَيْن إِن قطعه فِي مَوضِع لَا يكون الْقطع فِي مَوضِع آخر أَنْفَع لَا يضمن وَإِن كَانَ الْقطع فِي مَوضِع آخر أَعلَى مِنْهُ أَو أَسْفَل أَنْفَع ضمن وَإِن كَانَ الْقطع من جَانب صَاحب الشَّجَرَة أقل ضَرَرا لَيْسَ للْجَار أَن يقطعهُ من جَانب نَفسه وَلَكِن يرفع الْأَمر إِلَى القَاضِي ليأمره بِالْقطعِ فَإِن لج وَأبي بعث القَاضِي أَمينا جتى يقطعهُ من جَانب صَاحب الشَّجَرَة وَمَا أنْفق الْجَار فِي الْقطع فَهُوَ مُتَبَرّع دَار فِي سكَّة غير نَافِذَة لرجل وَاشْترى بجنبها بَيْتا ظَهره فِي هَذِه السِّكَّة وبابه فِي سكَّة أُخْرَى وَأَرَادَ أَن يفتح لهَذَا الْبَيْت بَابا فِي هَذِه السِّكَّة لَيْسَ لَهُ ذَلِك وَلأَهل السِّكَّة أَن يمنعوه عَن ذَلِك وَقيل لَهُ ذَلِك وَلَو أَرَادَ أَن يفتح بَابا لهَذَا الْبَيْت فِي دَاره ليدْخل من الْبَيْت فِي دَاره ويتطرق من دَاره إِلَى السِّكَّة فَإِنَّهُ لَا يكون لأهل السِّكَّة أَن يمْنَعُونَ عَن ذَلِك إِلَّا إِذا آجر الْبَيْت من رجل وَترك الدَّار لنَفسِهِ ليدْخل الْمُسْتَأْجر الْبَيْت من طَرِيق السِّكَّة فِي الدَّار فَيدْخل من الدَّار فِي الْبَيْت الْمُسْتَأْجر فَيمْنَع من ذَلِك وَأَن أجر الْبَيْت وَالدَّار لَا يمْنَع لِأَن الْمُسْتَأْجر يقوم مقَام الْأجر فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة لِأَن الْمَار وَاحِد وَفِي الأولى اثْنَان فَيكون لَهُم حق الْمَنْع دَار فِي سكَّة غير نَافِذَة بَين وَرَثَة فاقتسموها بَينهم فَأَرَادَ أَن يفتح كل وَاحِد

مِنْهُم بَابا فِي هَذِه السِّكَّة فَلهم ذَلِك وَلَا يكون لأهل السِّكَّة أَن يمنعوهم عَن ذَلِك دَار لرجل بَابهَا فِي سكَّة نَافِذَة وَقد كَانَت فِي الْقَدِيم بَابهَا فِي سكَّة غير نَافِذَة فَبَاعَهَا من رجل فَأَرَادَ المُشْتَرِي أَن يفتح بَابا فِي غير تِلْكَ السِّكَّة فَإِن أقرّ أهل السِّكَّة كلهم بذلك فَلهُ ذَلِك لِأَن المُشْتَرِي قَائِم مقَام البَائِع وَإِن أَنْكَرُوا يحلف وَاحِد فَإِن حلف سقط حفه إِلَّا بِبَيِّنَة وَإِن نكل وَاحِد يحلف وَاحِد وَاحِد إِلَى أَن ينكل الْكل فَإِن نكل الْكل ثَبت حَقه فَلهُ فتح الْبَاب فِيهَا أهل السِّكَّة إِذا أَرَادوا أَن يجْعَلُوا دربا أَو يسدوا رَأس السِّكَّة لَيْسَ لَهُم ذَلِك لِأَن مثل هَذِه السِّكَّة وَإِن كَانَت ملكا لأَهْلهَا ظَاهرا لَكِن للعامة فِيهَا نوع من الْحق أَيْضا وَهُوَ أَنه إِذا ازْدحم النَّاس فِي الطَّرِيق كَانَ لَهُم أَن يدخلُوا حَتَّى يخف الازدحام وَلِهَذَا لَا يكون لَهُم أَن يبيعوها وَلَا أَن يقتسموها بَينهم قَالَ أَبُو حنيفَة الطَّرِيق إِذا كَانَت غير نَافِذَة فلاصحابه أَن يضعوا فِيهِ الْخشب ويربطوا الدَّوَابّ وَأَن يتوضأوا فِيهِ فَإِن عطب إِنْسَان بِمَاء الْوضُوء والخشبة وَالدَّابَّة فَلَا ضَمَان على الرابط والمتوضئ والواضع وَلكُل صَاحب دَار الِانْتِفَاع بِفنَاء دَاره مَا لَيْسَ لغيره من القاء الثَّلج والطين والحطب وربط الدَّوَابّ وَالْقعُود وَبِنَاء الدّكان والتنور وَلَكِن بِشَرْط السَّلامَة قَالُوا وَبِنَاء الدّكان والتنور يجوز فِي الْعَامَّة وَأما فِي الْخَاصَّة فَلَيْسَ لَهُم ذَلِك إِلَّا بِإِذن جَمِيع أهل السِّكَّة وَلَيْسَ الْأَهْل السِّكَّة أَن يحفروا فِيهَا بِئْرا لصب المَاء وَإِن اجْتَمعُوا على ذَلِك كلهم

وَفِي فَتَاوَى الفضلي لأهل السِّكَّة ربط الدَّوَابّ بِفنَاء دَاره وَلَيْسَ لَهُ بِنَاء الْآجر وَأَن فعل وَاحِد مِنْهُم فَلِكُل وَاحِد مِنْهُم أَن يَأْخُذ بِنَقْض الْآجر لِأَنَّهُ مُشْتَرك وَالِانْتِفَاع بِالْبَيْتِ الْمُشْتَرك جَائِز والربط انْتِفَاع وَلَيْسَ لأحد الشُّرَكَاء الْبناء فِيهِ وَإِذا أَرَادَ الرجل أَن يتَّخذ طينا فِي زقاق غير نَافِذَة أَن ترك من الطَّرِيق قدر مُرُور النَّاس وَيَرْفَعهُ سَرِيعا ويتخذ فِي الْأَحَايِين مرّة لم يمْنَع من ذَلِك دَار فِي محلّة عامرة أَرَادَ صَاحبهَا أَن يخربها لَهُ ذَلِك فِي الْقيَاس وَفِي الِاسْتِحْسَان لَيْسَ لَهُ ذَلِك وَعَلِيهِ فَتْوَى أبي الْحسن الْكَرْخِي وعَلى الْقيَاس فَتْوَى الصَّدْر الشهديد حسام الدّين رَحمَه الله وَالضَّرَر الْبَين مثل أَن يوهن دوران الرَّحَى للطحان جِدَار الْجَار أَو ريح دورانه فَلَو أَرَادَ وَاحِد أَن يتَّخذ فِي دَاره خراسا فللجار مَنعه لما ذكرنَا وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَن أبي يُوسُف فِيمَن يتَّخذ فِي دَاره حَماما ويتأذى مِنْهُ الْجِيرَان من دخانها فَلهم مَنعه إِلَّا أَن يكون دُخان الْحمام مثل دخانهم وَمِنْهَا مَا لَو اتخذ الْمسكن الْقَدِيم اصطبلا وَيجْعَل حوافر الدَّوَابّ غلى جدارالجار يمْنَع من ذَلِك لِأَنَّهُ يوهن الْبناء وَلَو خرب الْجِدَار بذلك قيل لَا يضمن لِأَن فعل الدَّابَّة جَبَّار وَلَو ضمن إِنَّمَا يضمن لإدخال الدَّابَّة فِي الْمسكن وَأَنه لَيْسَ بمتعد فِيهِ

وَمِنْهَا رجل لَهُ شَجَرَة فرصاد قد بَاعَ أَغْصَانهَا فَإِذا ارتقاها المُشْتَرِي اطلع على عورات الْجَار قَالَ يرفع الْجَار إِلَى القَاضِي حَتَّى يمنعهُ من ذَلِك قَالَ الصَّدْر الشَّهِيد فِي واقعاته الْمُخْتَار أَن المُشْتَرِي يُخْبِرهُمْ فِي وَقت الارتقاء مرّة أَو مرَّتَيْنِ حَتَّى يستروا أنفسهم لِأَن هَذَا جمع بَين الْحَقَّيْنِ وَأَن لم يفعل يرفع الْجَار إِلَى القَاضِي فَإِن رأى القَاضِي الْمَنْع كَانَ لَهُ ذَلِك وَمِنْهَا أَنه لَو فتح كوَّة فِي جِدَاره حَتَّى وَقع نظره مِنْهَا إِلَى نسَاء جَاره على رِوَايَة كتاب الْقِسْمَة لَا يمْنَع وَالْفَتْوَى على أَنه يمْنَع وَفِي الْمُلْتَقط الناصري أَن خبازا أَتَّخِذ حانوتا فِي وسط البزازين يمْنَع من ذَلِك وَكَذَا كل ضَرَر عَام وَبِه أفتى أَبُو الْقَاسِم قَالَ العَبْد وَلذَلِك كنت أمنع الجصاصين من اتِّخَاذ مطبخ الجص بَين سوق نوهته وَفِي شرب الْمُلْتَقط جِدَار بَين رجلَيْنِ وَبَيت أَحدهمَا أَعلَى بِذِرَاع أَو

بذراعين فعلَيْهِمَا جَمِيعًا بِنَاؤُه الْأَسْفَل إِلَى الْأَعْلَى وَإِن كَانَ بَيت احدهما أَعلَى بأَرْبعَة أَذْرع أَو نَحْو ذَلِك بِقدر مَا يُمكن أَن يتَّخذ بِنَاء فإصلاحه على صَاحب السّفل حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى مَوضِع الْبَيْت الآخر لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة حائطين سفل وعلو يَعْنِي إِذا لم يكن هَذَا التَّفَاوُت مخوفا وَفِي الْفَتَاوَى النسفية أهل الذِّمَّة إِذا جعلُوا دُورهمْ بَين مصر الْمُسلمين مَقْبرَة لَا يمْنَعُونَ عَنهُ لِأَنَّهُ تصرف فِي ملكهم وَتَمَامه فِي بَاب الاحتساب على أهل الذِّمَّة وَفِي الْفَتَاوَى النسفية أَيْضا سُئِلَ عَن دارين لجارين سطح أَحدهمَا أَعلَى من الْأُخْرَى وسيل مَاؤُهَا على الْأُخْرَى فَأَرَادَ صَاحب السُّفْلى أَن يرفع سطحه أَو يَبْنِي على سطحه علوا هَل يحل لَهُ ذَلِك قَالَ نعم لِأَنَّهُ يتَصَرَّف فِي ملكه قيل هَل لجاره أَن يمنعهُ من ذَلِك لما فِيهِ من الْعَجز من مسيل مَاء سطحه إِلَى دَار قَالَ لَا وَلَكِن لَهُ أَن يُطَالِبهُ أَن يُوَجه مَاءَهُ بِأَن سطحه يسيله إِلَى طرف مِنْهُ بميزاب يَجعله إِلَى دَاره أَو فِي بنائِهِ قيل أَن انْتقض بِنَاء هَذِه الدَّار الَّتِي إِلَيْهَا المسيل بِغَيْر صنع صَاحبه أَو بثقب صَاحبه هَل لصَاحب المسيل تَكْلِيف جَاره إِعَادَة الْبناء والعمارة لإسالة الماي فِي دَاره قَالَ لَا وَله أَن يبنيه ويعمره بِنَفسِهِ بِمَالِه ثمَّ يمْنَع صَاحبه عَن الِانْتِفَاع بِهِ إِلَى أَن يُعْطِيهِ مَا أنْفق فِيهِ

في تفضيل منصب الاحتساب

الْبَاب الثَّانِي وَالْعشْرُونَ فِي تَفْضِيل منصب الاحتساب وَهُوَ ثَابت من وُجُوه أَحدهمَا تَفْضِيل الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالثَّانِي تَفْضِيل النَّهْي عَن الْمُنكر وَالثَّالِث توعيد التارك لَهما أَو لأَحَدهمَا وتعزيزه من حَيْثُ الْكتاب وَالسّنة والأثر قَالَ الله تَعَالَى الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بَعضهم أَوْلِيَاء بعض يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أفضل الْأَعْمَال الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَشَنَآن الْفَاسِقين يَعْنِي بغضهم فَمن أَمر بِالْمَعْرُوفِ شدّ ظهر الْمُؤمنِينَ وَمن نهى عَن الْمُنكر رغم أنف الْمُنَافِقين وَرُوِيَ سعيد عَن قَتَادَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ ذكر لنا أَن رجلا أَتَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ يَوْمئِذٍ بِمَكَّة فَقَالَ أَنْت الَّذِي تزْعم أَنَّك رَسُول الله قَالَ نعم قَالَ أَي الْأَعْمَال أحب إِلَى الله تَعَالَى قَالَ الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ ثمَّ صلَة الرَّحِم قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ ثمَّ الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر قَالَ أَي الْأَعْمَال أبْغض إِلَى الله تَعَالَى قَالَ الْإِشْرَاك بِاللَّه تَعَالَى قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ ثمَّ

قطيعة الرَّحِم قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ ثمَّ ترك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من قوم يكون فيهم رجل يعْمل بِالْمَعَاصِي ويقدرون أَن يُغيرُوا عَلَيْهِ فَلَا يغيرون إِلَّا عمهم الله تَعَالَى بِالْعَذَابِ قبل أَن يموتوا وَقَالَ الله تَعَالَى {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر} يَعْنِي أَنْتُم خير أمة وَيُقَال مَعْنَاهُ وكنتم مكتوبين فِي اللَّوْح خير أمة أخرجت للنَّاس أخرجكم الله تَعَالَى لأجل النَّاس لكَي تأمروا بِالْمَعْرُوفِ يَعْنِي بالصالحات وتنهوا عَن الْمُنكر يَعْنِي تمْنَعُونَ أهل الْمعاصِي من الْمعْصِيَة فالمعروف مُوَافقا للْكتاب وَالسّنة وَالْعقل وَالْمُنكر مَا كَانَ مُخَالفا للْكتاب وَالسّنة وَالْعقل وَقَالَ الله تَعَالَى {ولتكن مِنْكُم أمة يدعونَ إِلَى الْخَيْر ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر} وَقد ذمّ الله تَعَالَى أَقْوَامًا بترك النَّهْي عَن الْمُنكر قَالَ الله تَعَالَى {كَانُوا لَا يتناهون عَن مُنكر فَعَلُوهُ} يَعْنِي لَا يُنْهِي بَعضهم بَعْضًا عَن الْمُنكر فَقَالَ {لبئس مَا كَانُوا يصنعون} يَعْنِي هلا ينهاهم علماؤهم وفقهاؤهم وقراؤهم عَن القَوْل الْفَاحِش وَأكل الْحَرَام {لبئس مَا كَانُوا يصنعون} وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله تَعَالَى إِن الله تَعَالَى لَا يعذب الْعَامَّة بِعَمَل الْخَاصَّة وَلَكِن إِذا ظَهرت الْمعاصِي فَلم ينكروا فقد اسْتحق الْقَوْم جَمِيعًا للعقوبة وَذكر أَن الله تَعَالَى أوحى إِلَى يُوشَع بن نون أَنِّي مهلك من قَوْمك أَرْبَعِينَ الْفَا من خيارهم وَسِتِّينَ ألفا من شرارهم فَقَالَ يَا رب هَؤُلَاءِ أشرار فَمَا بَال الأخيار قَالَ إِنَّهُم لم يغضبوا

بغضبي وأكلوهم وشاربوهم وَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام مثل المداهن فِي حُقُوق الله تَعَالَى وَالْوَاقِع فِيهَا والقائم عَلَيْهَا كَمثل ثَلَاثَة كَانُوا فِي سفينة فاقتسموا مَنَازِلهمْ فَصَارَ لأَحَدهم أَسْفَلهَا فَبينا هم فِيهَا إِذْ أَخذ الْقدوم فَقَالُوا لَهُ مَا تُرِيدُ فَقَالَ أخرق فِي مَكَاني خرقا فَيكون المَاء أقرب إِلَيّ وَيكون هَذَا لي ومهراق مائي فَقَالَ بَعضهم أتركوه أبعده الله تَعَالَى يخرق من حَقه مَا يَشَاء وَقَالَ بَعضهم لَا تَدعُوهُ يخرقها فيهلكنا وَيهْلك نَفسه فَإِنَّهُم إِن أخذُوا على يَدَيْهِ نجا ونجوا وَإِن لم يَأْخُذُوا على يَدَيْهِ هَلَكُوا وَهلك وَعَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ لتأمرن بِالْمَعْرُوفِ ولتنهون عَن الْمُنكر أَو يسلطن الله تَعَالَى عَلَيْكُم سُلْطَانا ظَالِما لَا يجل كبيركم وَلَا يرحم صغيركم وَيَدْعُو خياركم فَلَا يُسْتَجَاب لَهُم ويستنصرون فَلَا ينصر لَهُم وَيَسْتَغْفِرُونَ فَلَا يغْفر لَهُم وروى حُذَيْفَة بن الْيَمَانِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتأمرن بِالْمَعْرُوفِ ولتنهون عَن الْمُنكر أَو ليوشك أَن الله تَعَالَى يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا من عِنْده ثمَّ لتدعونه فَلَا يستجيب لكم قَالَ العَبْد وَمن الْحَاصِل على ترك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر حب الدُّنْيَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أَنْتُم الْيَوْم على بَيِّنَة من ربكُم يَعْنِي على بَيَان قد بَين الله تَعَالَى لكم طريقكم مَا لم يظْهر فِيكُم سكرتان سكرة الْعَيْش وسكرة الْجَهْل فَأنْتم الْيَوْم تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون

عَن الْمُنكر وتجاهدون فِي سَبِيل الله وستحولن عَن ذَلِك إِذا فَشَا فِيكُم حب الدُّنْيَا فَلَا تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَلَا تنهون عَن الْمُنكر وتجاهدون فِي غير سَبِيل الله فالقائمون يَوْمئِذٍ بِالْكتاب سرا وَعَلَانِيَة كالسابقين الْأَوَّلين من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار قَالَ وَمن حب الدُّنْيَا محبَّة النَّاس قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ إِذا رَأَيْت الْقَارئ محب فِي جِيرَانه مَحْمُود عِنْد إخوانه فَاعْلَم أَنه مداهن وَذكر فِي الرَّوْضَة وتارك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر كتارك الصَّلَاة وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ كالمصلي وكما لَا يحل ترك الصَّلَاة كَذَلِك لَا يحل ترك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام يحْشر يَوْم الْقِيَامَة أنَاس من أمتِي من قُبُورهم إِلَى الله تَعَالَى على صُورَة القردة والخنازير بِمَا داهنوا أهل الْمعاصِي وَكفوا عَن نهيهم وهم يَسْتَطِيعُونَ وَعَن درة بنت أبي لَهب أَنَّهَا قَالَت يَا رَسُول الله من خير النَّاس قَالَ أَتْقَاهُم للرب وأوصلهم للرحم وَأمرهمْ بِالْمَعْرُوفِ وأنهاهم عَن الْمُنكر وَعنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ كل كَلَام ابْن آدم عَلَيْهِ لَا لَهُ إِلَّا أَمر بِمَعْرُوف أَو نهي عَن الْمُنكر وَذكر الله تَعَالَى وَمن فضائله مَا حكى أَن زاهدا من التَّابِعين كسر ملاهي مَرْوَان بن الحكم الخلفية فَأتى بِهِ وَأمر أَن يلقى بَين الْأسد فألقي فملا دخل ذَلِك

الْموضع أفْتَتح الصَّلَاة فجَاء ت الْأسد وحركت ذنبها حَتَّى اجْتمع إِلَيْهِ مَا كَانَ فِي ذَلِك الْبَيْت من الْأسد وَجعلت تلحسه بألسنتها وَهُوَ يُصَلِّي وَلَا يُبَالِي فَلَمَّا أصبح مَرْوَان قَالَ مَا فعل بزاهدنا قَالَ ألقِي بَين يَدي الْأسد قَالَ أنظروا هَل أَكلته فَجَاءُوا فوجودوا الْأسد قد أستأنسوا بِهِ فتعجبوا من ذَلِك فأخرجوه وَحَمَلُوهُ إِلَى الْخَلِيفَة فَقَالَ لَهُ مَا كنت تخَاف مِنْهُم قَالَ لَا كنت مَشْغُولًا متفكرا طول اللَّيْل لم أتفرغ إِلَى خوفهم قَالَ بِمَاذَا تفكر قَالَ هَذِه الْأسد وحوش وَقد جَاءُوا إِلَيّ يلحسون ثيانبي بألسنتها كنت أتفكر أَن لُعَابهَا طَاهِر أم نجس فتفكري هَذَا مَنَعَنِي عَن الْخَوْف مِنْهَا فتعجب مِنْهُ وخلى سَبيله فَإِن قيل مَا ذكرْتُمْ وَأَن دلّ على فَضِيلَة الاحتساب وَلَكِن عندنَا مَا يأباه بَيَانه وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} تعلق قوم بِظَاهِر هَذِه الْآيَة فِي ترك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَرَأَوا فِيهَا رخصَة فِي ترك فرضين من فروض الدّين وَلم يعرفوا تَأْوِيل الْآيَة وأقوال الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فِيهِ وبيانها وَاجِب ومعرفتها فَرِيضَة وَقد مدح الله تَعَالَى فِي كِتَابه الصَّالِحين بِهِ وَجعله الْمقَام الْأَعْلَى من مقَام التائبين بست

درحات لقَوْله تَعَالَى التائبون والعابدون إِلَى قَوْله {الآمرون بِالْمَعْرُوفِ والناهون عَن الْمُنكر} والدلائل فِيهِ من الْكتاب وَالسّنة بأَمْره مُتَعَدد يُمكن إِنْكَاره فَلَا تعَارض بَين هَذِه الْآيَة وَبَين مَا ذكرنَا من وُجُوه أَحدهَا أَن من شَرط التَّعَارُض التَّسَاوِي فِي الشَّرْط والاطلاق بَين الحجتين فقولنا النَّهَار مَوْجُود لَا يناقص قَوْلنَا النَّهَار لَيْسَ بموجود إِذا غربت الشَّمْس وَهَذِه الْآيَة مَشْرُوطَة بِشَرْط الاهتداء بقوله تَعَالَى إِذا اهْتَدَيْتُمْ فَكَانَ عدم الضَّرَر بلزم النَّفس شُرُوطًا بِشَرْط الأهتداء وَمن الاهتداء مُتَابعَة الدَّلَائِل الدَّالَّة على فَرضِيَّة الْحِسْبَة وَالثَّانِي إِن قَوْله من ضل لَا يتَنَاوَل الْمعْصِيَة لِأَن الضلال على الاطلاق هُوَ الْكفْر لِأَن الْمُسلم مهتد وَإِن أقترف ذَنبا فَكَانَ المُرَاد هُوَ الْكَافِر لَا يكون هَا هُنَا إِلَّا ذِمِّيا وَالذِّمِّيّ لَا يتَعَرَّض لَهُ لبذله الْجِزْيَة فَكَانَت هَذِه الأية ساكتة عَن الاحتساب فِي حق الْمُسلمين كَيفَ وَأَن السِّيَاق وَهُوَ تَحْرِيم الْبحيرَة والسائبة نَازل فِي الْكفَّار وَالثَّالِث وَهُوَ أَنه لَا تعَارض بَينهمَا لاختلافهما فِي الْوَقْت فَإِن مَا ذكرنَا من الْآيَة وَارِدَة حَال قُوَّة الدّين وَغَلَبَة المهتدين وَهَذِه الْآيَة حَال ضعف الدّين

وَغَلَبَة المفسدين مَا رَوَاهُ ثَعْلَبَة الْخُشَنِي عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يثبت التَّعَارُض مَعَ إختلاف الْوَقْت بَين الحجتين وَلَا يُقَال التَّقْيِيد لَا يثبت بِخَبَر الْوَاحِد لأَنا نقُول الاحتساب مَشْهُور فِي الصَّحَابَة خطب أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقَالَ إِنَّكُم تأولون هَذِه الْآيَة وَقَرَأَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل} الْآيَة وَأَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن النَّاس إِذا عمل فيهم بِالْمَعَاصِي وَلم يُغيرُوا أوشك أَن يعمهم الله تَعَالَى بعقابه فَأخْبر أَنه لَا رخصَة فِيهَا وَجَاء رجل إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ إِنِّي لأعمل بأعمال الْبر كلهَا إِلَّا خَصْلَتَيْنِ قَالَ وَمَا هما قَالَ الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر قَالَ لقد طمست سَهْمَيْنِ من سِهَام الْإِسْلَام إِن شَاءَ الله تَعَالَى غفر لَك وَإِن شَاءَ عذبك وَعَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه قيل لَهُ لَو جَلَست فِي هَذِه الْأَيَّام لَا تَأمر وَلَا تنهي وَذكر الْآيَة فَقَالَ أها لَيست لي وَلَا لَا صَحَابِيّ لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الا فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب وَنحن الشاهدون وَلَكِن هَذِه الأقوام يجيئون من بعدِي إِن قَالُوا لم يضل مِنْهُم وَعَن عبد الله رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن بني إِسْرَائِيل لما وَقع فيهم النَّقْص جعل الرجل يرى أَخَاهُ يرى أَخَاهُ على الذَّنب فينهاه عَنهُ ثمَّ يلقاه من الْغَد فَلَا يمنعهُ مَا يرى مِنْهُ بِأَن يكون خليطه وأكيله وشريبه فَضرب الله تَعَالَى قُلُوب بَعضهم بِبَعْض فَنزلت فيهم {لعن الَّذين كفرُوا من بني إِسْرَائِيل على لِسَان دَاوُد} إِلَى

قَوْله {كَانُوا لَا يتناهون عَن مُنكر فَعَلُوهُ} الْآيَة ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْخُذُوا بيد الظَّالِم فتناصروه على الْحق وَقَالَ حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ ذَات يَوْم للنَّبِي مَتى يتْرك النا الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وهما سيد الْأَعْمَال قَالَ إِذا أَصَابَهُم مَا أصَاب بني إِسْرَائِيل قَالَ قلت وَمَا أصَاب بني إِسْرَائِيل قَالَ إِذا كَانَت المداهنة فِي خياركم فداهنوا فجاركم وَجَاء الْملك فِي صغَار كم وَالْفِقْه فِي أشراركم فَعِنْدَ ذَلِكُم تلبسكم فتْنَة وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ قيل أَو قلت يَا رَسُول الله تخسف الأَرْض وفيهَا الصالحون قَالَ نعم بأدهانهم وسكوتهم عَن أهل الْمعاصِي وَعَن عبد الرَّحْمَن عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ إِن أُنَاسًا من أمتِي يحشرون من قُبُورهم على صُورَة القردة والخنازير بِمَا كَانُوا داهنوا النَّاس وآكلوهم وشاربوهم وجالسوهم وَعَن أبن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَيْسَ منا من لم يوقر كَبِيرنَا وَيرْحَم صَغِيرنَا وَيَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وينه عَن الْمُنكر قَالَ مَالك بن دِينَار قَرَأت فِي الزبُور من كَانَ

لَهُ جَار يعْمل بِالْمَعَاصِي فَلم يَنْهَهُ فَهُوَ شَرِيكه وَفِي شرعة الْإِسْلَام وَأعظم الْوَاجِب على من يخالط النَّاس الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَلَا ينفع عمل لله تَعَالَى مَعَ ترك الْغَضَب لله تَعَالَى قَالَ بِلَال بن سعد إِن الْمعْصِيَة إِذا أخفيت لم تضر إِلَّا صَاحبهَا وَإِذا أعلنت أضرت الْعَامَّة وَكَانَ الثَّوْريّ رَحمَه الله تَعَالَى إِذا رأى الْمُنكر وَلَا يَسْتَطِيع أَن يُغَيِّرهُ بَال دَمًا فَحق على كل مُسلم أَن يكون فِي الحمية والغيرة والصلابة بِهَذَا الْمَكَان ويغتنم الْكَلِمَة الْحق عِنْد الْأَمِير الجائر فَإِنَّهَا من أفضل الْجِهَاد وَدخل عبد الرَّحْمَن على الْحجَّاج فَقَالَ يَا حجاج فَلَا يسرف فِي الْقَتْل أَنه كَانَ منصورا قَالَ الْحجَّاج لأسقين الأَرْض من دمك قَالَ مَا فِي بطن الأَرْض خير مِمَّا على ظهرهَا قَالَ لاذيقنك الْعَذَاب الْأَدْنَى دون الْعَذَاب الْأَكْبَر فَقَالَ لَو علمت يَا حجاج أَنَّك تقدر على ذَلِك لعبدتك من دون الله تَعَالَى رُوِيَ بِأَن الله تَعَالَى أوحى إِلَى الْمَلَائِكَة أَن عذبُوا قَرْيَة كَذَا قَالَ فصاحت الْمَلَائِكَة إِلَى رَبهم قَالُوا يَا رب أَن فيهم عَبدك فلَانا العابد قَالَ الله تَعَالَى سمعوني ضجيجه فيهم فَإِن وَجهه لم يتَغَيَّر غَضبا لمحارمي وَقَالَ رجل لِقَتَادَة أَنِّي أَرَاك تقع فِي أهل الْأَهْوَاء فَلَا آمن عَلَيْك أَن يُقَاتِلُوك فيقتلوك فَقَالَ أما أَنَّك قد

نصحتني فَلَا بُد لي أَن أكافيك إِذا هم قتلوني فَمَا بَقِي من أَجلي فَهُوَ لَك وَمَا بَقِي من رِزْقِي فَهُوَ عَلَيْك صَدَقَة وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أَيّمَا قوم حَضَرُوا ظَالِما بظُلْم فَلم يَقُولُوا لَهُ جَمِيعًا ظلمت يعمهم الله تَعَالَى بعذابه وخطب مُعَاوِيَة يَوْمًا على مِنْبَر دمشق فَقَالَ أَيهَا النَّاس عَلَيْكُم بِالشَّام فَإِنَّهَا الأَرْض المقدسة ومنازلهم الْأَنْبِيَاء وَأَرْض الْمَحْشَر والمنشر أَيهَا النَّاس لَا تمنعوا موتى فَأَنِّي لكم جنَّة وَالله لَو ولد أَبُو سُفْيَان النَّاس كَانُوا كلهم حلماء أما من أحد مِنْكُم من يجيبني فَقَامَ صعصعه فَقَالَ أما قَوْلك عَلَيْكُم بِبِلَاد الشَّام فَإِنَّهَا الأَرْض المقدسة فَإِن الأَرْض لَا تقدس النَّاس بل أَعْمَالهم تقدسهم وَأما قَوْلك أَرض الْمَحْشَر والمنشر فَإِن الْمَحْشَر لَا يبعد عَن الْمُؤمن وَلَا يقرب الْكَافِر وَأما قَوْلك منَازِل الْأَنْبِيَاء فلعمري من نزل منَازِل الْأَنْبِيَاء لَا يدْخل مداخلهم فِي الْآخِرَة وَإِنَّمَا يدْخل مداخلهم من عمل بأعمالهم وَأما قَوْلك لَو ولد أَبُو سُفْيَان النَّاس كَانُوا كلهم حلماء فقد ولد من هُوَ خير من أبي سُفْيَان النَّاس وَفِيهِمْ الْحَلِيم وَالسَّفِيه وَأما قَوْلك إِنِّي لكم جنَّة فَكيف إِذا احترقت الْجنَّة وعطلت السّنة وَاخْتلفت الألسن فَقَالَ مُعَاوِيَة لحقت بِوَجْهِك فِي النَّار قَالَ فَمن ذَلِك

أقرّ قَالَ لَا أَرض لَك إِنَّك كَائِن هَهُنَا قَالَ إِن الأَرْض لله يُورثهَا من يَشَاء من عباده فَقَالَ مُعَاوِيَة لأسيرنك فِي الْبِلَاد ولأحمينك عَن الرشاد قَالَ إِذا أجد فِي الأَرْض سَعَة وَفِي مفارقتك درعة وَذكر فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة رجل سمى الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ الغوغاء إِن قَالَ ذَلِك على وَجه الرَّد والانكار يخَاف عَلَيْهِ الْكفْر وَكَذَا لَو قيل لرجل لَا تَأمر بِالْمَعْرُوفِ قَالَ مراجة كارست وَقيل لرجل فلانرا أَمر مَعْرُوف كن فَقَالَ مرا أوجه كروه است فَقَالَ مرا أزَوجهُ آزاراست أَو قَالَ مرا أورارواست أَو قَالَ من عافيت كزيده أم أَو قَالَ مراباني فُضُولِيّ جه كار وَالله تَعَالَى أعلم

في الاحتساب على من كشف عورته أو نظر إلى عورة غيره

الْبَاب الثَّالِث وَالْعشْرُونَ فِي الاحتساب على من كشف عَوْرَته أَو نظر إِلَى عَورَة غَيره النّظر إِلَى عَورَة الْغَيْر وَإِن كَانَت غَلِيظَة يجوز للمحتسب كَمَا إِذا رأى رجلا يَزْنِي بِامْرَأَة فَإِن كَانَت بنية الْحِسْبَة يجوز لَهُ أَن ينظر إِلَى عورتهما كالسكين فِي الغمد لِأَن فِيهِ ضَرُورَة وَيَتَّقِي الشَّهْوَة مَا اسْتَطَاعَ لِأَنَّهَا حرَام فِي الْكِفَايَة الشعبية فِي الِاسْتِحْسَان أوحى الله تَعَالَى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ان اتَّقِ الله تَعَالَى فِي النّظر فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْء يستوحب سخطي مَا يسْتَوْجب النّظر وَعَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه قَالَ لعن الله تَعَالَى النَّاظر والمنظور إِلَيْهِ وَمن لم يستر الرّكْبَة يُنكر عَلَيْهِ بِرِفْق لِأَن فِي كَونهَا عَورَة إختلافا مَشْهُورا وَمن لم يستر الْفَخْذ يعنف عَلَيْهِ وَلَا يضْرب لِأَن فِي كَونه عَورَة خلاف عِنْد بعض أهل الحَدِيث وَمن لم يتسر السوءة يُؤَدِّي ان لج لِأَنَّهُ لَا خلاف فِي كَونهَا عَورَة من

كَرَاهِيَة الْهِدَايَة وَقَالَ الله تَعَالَى وَقل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم ويحفظوا فروجهم ذَلِك أزكى لَهُم وَالله خَبِير بِمَا يصنعون {وَقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن وَلَا يبدين زينتهن} الْآيَة ذكر الإِمَام نَاصِر الدّين البستي رَحمَه الله تَعَالَى الله من أَبْصَارهم فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا أَن من هُنَا زَائِدَة أَي يغضوا أَبْصَارهم وَهَذَا قَول السّديّ وَالثَّانِي أَنَّهَا مستعملة فِي مُضر تَقْدِيره يغضوا أَبْصَارهم عَمَّا لَا يحل لَهُم من النّظر وَهَذَا قَول قَتَادَة وَالثَّالِث أَنَّهَا مستعملة فِي الْمظهر لِأَن غض أَبْصَارهم عَن الْحَلَال لَا يلْزم وَإِنَّمَا يلْزم غضها عَن الْحَرَام فَلذَلِك دخل حرف التَّبْعِيض فِي غض الْأَبْصَار أَي لَا يغضوا أَبْصَارهم عَن كل الْأَشْيَاء بل عَن بَعْضهَا وَهُوَ الْحَرَام وَهَذَا قَول ابْن شَجَرَة والنظرة الأولى عَفْو وَالَّتِي تَلِيهَا عمد وَفِي الْأَثر يَا ابْن آدم لَك النظرة الأولى فَمَا بَال الثَّانِيَة قَالَ الْجَصَّاص خص هَذَا بِمَا إِذا كَانَت الأولى سَهوا فَإِنَّهَا تكون عفوا فَأَما إِذا كَانَت الأولى عمدا وَالثَّانيَِة سَهوا فَلَا تحل الأولى وَلَا الثَّانِيَة ويحفظوا فروجهم أَي يعفوا والعفاف إِنَّمَا يكون عَن الْحَرَام فَلذَلِك لم يدْخل

التَّبْعِيض كَمَا دخل فِي غض الْأَبْصَار وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة المُرَاد حفظ الْفرج عَن الْأَبْصَار حَتَّى لَا ينْكَشف وكل مَوضِع ذكر فِيهِ الْفرج فَهُوَ فِي الزِّنَا إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضُوع فَإِن المُرَاد بِهِ السّتْر وَسميت فروجا لِأَنَّهَا منافذ الْجوف ومسالك الطّرق وَقَالَ الثعالبي روى عبَادَة بن الصَّامِت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اضمنوا لي سِتا من أَنفسكُم أضمن لكم الْجنَّة أصدقوا إِذا حدثتم وأوفو إِذا وعدتم وأدوا أماناتكم واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم وَكفوا أَيْدِيكُم وَعَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي خبر مَرْفُوع النّظر إِلَى محالسن الْمَرْأَة سهم مَسْمُوم من سِهَام ابليس فَمن رد بَصَره إبتغاء ثَوَاب الله تَعَالَى بدله بذلك عبَادَة تسيره إِلَى الْجنَّة وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ بَيْنَمَا رجل يُصَلِّي إِذْ مرت بِهِ امْرَأَة فَنظر إِلَيْهَا واتبعها بَصَره فَذَهَبت عَيناهُ الزِّينَة مَا تتزين بِهِ الْمَرْأَة من الثِّيَاب والحلي وَنَحْوهمَا قَالَ الله تَعَالَى خُذُوا

زينتكم عِنْد كل مَسْجِد) قَالَ الشَّاعِر (يَأْخُذن زينتهن أحسن مَا ترى ... فَإِذا عطلن فهن غير عواطل) والزينة الظَّاهِرَة لَا يجب سترهَا وَلَا يحرم النّظر إِلَيْهَا لقَوْله تَعَالَى {إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} وفيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا أَنَّهَا الثِّيَاب وَهَذَا قَول ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَالثَّانِي هُوَ الْكحل والخاتم وَهَذَا قَول ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ والمسور بن مخرمَة وَالثَّالِث الوجة والكفان وَهَذَا قَول الْحسن وَسَعِيد بن جُبَير وَعَطَاء

وَأما الْبَاطِنَة فقد قَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ هِيَ القرط والقلادة والدملج والخلخال وَاخْتلف فِي السوار فَروِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا من الزِّينَة الْبَاطِنَة وَهُوَ أشبه لمجاوزة الْكَفَّيْنِ فَأَما الخضاب فَإِن كَانَ فِي الْكَفَّيْنِ فَهُوَ من الزِّينَة الظَّاهِرَة وَإِن كَانَ فِي الْقَدَمَيْنِ فَهُوَ من الْبَاطِنَة وَهَذِه الزِّينَة يحرم النّظر إِلَيْهَا من الْأَجَانِب دون الْمَحَارِم وَرُوِيَ أَن الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا كَانَا يدخلَانِ على أختهما أم كُلْثُوم وَهِي تمتشط وَزَعَمت الضوفية أَن الزِّينَة الظَّاهِرَة هِيَ الدُّنْيَا فَلَا يتظاهر بهَا ويتفاخر بزينتها إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا وَقَالُوا أَيْضا إِنَّهَا الطَّاعَة الظَّاهِرَة وَالطَّاعَة الْبَاطِنَة والتأويلان بعيدان قَالَ الْجَصَّاص قَالَ أَصْحَابنَا يُرِيد بِهِ الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ لِأَن الْكحل من زِينَة الْوَجْه والخاتم من زِينَة الْكَفَّيْنِ فَإِذا أَبَاحَ النّظر إِلَى زِينَة الْوَجْه والخاتم كَانَ ذَلِك إِبَاحَة النّظر إِلَى الْوَجْه وَكَذَلِكَ الْكَفّ قَالَ

وَيدل على ذَلِك أَن الْمَرْأَة يجوز لَهَا أَن تصلي مكشوفة الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ وَلَو كَانَت من الْعَوْرَة لم يجز لَهَا ذَلِك قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي كتاب الِاسْتِحْسَان كُنَّا نشك فِي الْمَرْأَة تصلي وَظهر قدميها مكشوفة حَتَّى وجدت رِوَايَة عَن الْحسن عَن أبي حنيفَة أَن صلَاتهَا جَائِزَة وعَلى قِيَاس هَذَا يجوز النّظر إِلَى ظهر قدميها وَهَذَا إِذا كَانَ النّظر بِغَيْر شَهْوَة وَأما إِذا كَانَ النّظر للشهوة فَإِنَّهُ لَا يجوز إِلَّا عِنْد الْأَعْذَار وَهِي الشَّهَادَة من القَاضِي وَمن الشَّاهِد وَإِذا أَرَادَ أَن يَتَزَوَّجهَا جَازَ لَهُ النّظر إِلَيْهَا وَإِن اشْتهى وَعند الْحَاجة إِلَى العلاج وَسَأَلَهُ عَلَيْهِ السَّلَام الْمُغيرَة بن شُعْبَة عَن امْرَأَة يُرِيد أَن يَتَزَوَّجهَا فَقَالَ لَو نظرت إِلَيْهَا لَكَانَ أولى أَن يُؤْدم أَي يؤلف وَيجمع وَقَوله تَعَالَى وَليَضْرِبن بخموهن على جُيُوبهنَّ الْخمر المقانع أمرن بإلقائها على صدورهن تغظية لنحورهن وَيُقَال كَانَت قمصانهن مفروجات الْجُيُوب كالدرعة تبدو مِنْهَا صدورهن فامرن بإلقاء الْخمر عَلَيْهَا لتسترها وكني عَن الصُّدُور بالجيوب لِأَنَّهَا ملبوسة عَلَيْهَا {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا لبعولتهن} أَي الزِّينَة الْبَاطِنَة يجوز ابداؤها لزَوجهَا وَذَلِكَ لاستدعائه إِلَيْهَا ورغبته فِيهَا وَلذَلِك

لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من النِّسَاء السلتاء والمرهاء فالسلتاء الَّتِي لَا تخضب والمرهاء الَّتِي تكتحل وَلعن المتسوفة والمغسلة فالمتسوفة الَّتِي إِذا دَعَاهَا زَوجهَا إِلَى الْمُبَاشرَة قَالَت سَوف أفعل والمغسلة الَّتِي إِذا دَعَاهَا زَوجهَا قَالَت إِنِّي حَائِض وَلَيْسَ كَذَلِك وَلعن العائضة والمعوضة فالعائضة الْحَائِض الَّتِي لَا تعلم زَوجهَا بحيضها حَتَّى يُصِيبهَا والمعوضة الَّتِي تَدعِي أَنَّهَا حَائِض وَلَيْسَت بحائض لينكل عَن إصابتها فُصُول من أَحْكَام الْآيَة من كَلَام الْجَصَّاص قَالَ أَبُو بكر قَوْله وَليَضْرِبن بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبهنَّ فِيهِ دَلِيل على أَن صدر الْمَرْأَة ونحرها عَورَة لَا يجوز للْأَجْنَبِيّ النّظر إِلَيْهَا مِنْهَا قَالَ وَقَوله تَعَالَى {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} يَقْتَضِي ظَاهره إِبَاحَة إبداء مَوَاضِع الزِّينَة الظَّاهِرَة وَهُوَ الْوَجْه وَالْيَد لِأَن فِيهَا السوار وَالْقلب وَقَوله لَا يبدين زينتهن إِلَّا لبعولتهن وآبائهن إِلَخ هَذِه الْآيَة تَقْتَضِي إِبَاحَة النّظر للمذكورين إِلَى مَوضِع الزِّينَة الْبَاطِنَة وَعَن ابراهيم قَالَ ينظرُونَ إِلَى مَا فَوق الدرْع من الْأذن وَالرَّأْس قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ لَا معنى لتخصيص الْأذن وَالرَّأْس بذلك إِذا لم يخصص الله تَعَالَى شَيْئا من مَوَاضِع الزِّينَة دون مَا ذكر مَعَه فَاقْتضى عُمُومه إِبَاحَة النّظر إِلَى مَوَاضِع

الزِّينَة لهَؤُلَاء الْمَذْكُورين كَمَا اقْتضى إباحتها للزَّوْج وَلما ذكر الله تَعَالَى مَعَ الْآبَاء ذَوي الْأَرْحَام الَّذين يحرم عَلَيْهِم نِكَاحهنَّ تَحْرِيم مُؤَبَّدًا دلّ ذَلِك على أَن من كَانَ فِي التَّحْرِيم بمثابتهن فَحكمه حكمهم مثل زوج الْبِنْت وَأم الْمَرْأَة والمحرمات من الرضَاعَة ونحوهن وَهَذَا التَّحْرِيم مَقْصُور على الْحَرَائِر لِذَوي محارمهن لِأَنَّهُ خلاف فَإِن للْأَجْنَبِيّ النّظر إِلَى شعر الْأمة وَعَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يضْرب الْأمة على ستر الرَّأْس وَيَقُول أتتشبهن بالحرائر يادفار وَلَا خلاف أَن للْأمة أَن تُسَافِر بِغَيْر محرم فَكَأَن سَائِر النَّاس لَهَا كذوي الْمَحَارِم للحرائر حَتَّى جَازَ لَهُم السّفر بِهن وَرُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه تَعَالَى وَالْيَوْم الآخر أَن تُسَافِر سفرا فَوق ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا مَعَ ذَوي رحم محرم أَو زوج فَلَمَّا داز للْأمة أَن تُسَافِر بِغَيْر محرم علمنَا أَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْحرَّة لِذَوي محرمها فَمَا يستباح النّظر إِلَيْهِ مِنْهَا من الْمَحَارِم يستباح إِلَيْهِ من الْأمة رُوِيَ أَن الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا كَانَا يدخلَانِ على أختهما أم كُلْثُوم وَهِي تمتشط قَالَ وَالْآيَة مَخْصُوصَة فِي نظر الرِّجَال دون النِّسَاء لِأَن الْمَرْأَة يجوز لَهَا أَن تنظر من الْمرْآة مَا يجوز للرجل أَن ينظر من الرجل وَهُوَ السُّرَّة وَمَا فَوْقهَا وَمَا تَحت الرّكْبَة والمحظور عَلَيْهَا من بَعضهنَّ بِبَعْض مَا تَحت السُّرَّة إِلَى الرّكْبَة

قَوْله تَعَالَى أَو نسهائهن أَي نسَاء الْمُؤْمِنَات لَا يحل لامْرَأَة أَن تتجرد بَين يَدي امْرَأَة مُشركَة إِلَّا أَن تكون المشركة أمة لَهَا وَقَوله تَعَالَى أوما ملكت أيمانهن تَأَوَّلَه ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وام سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم على أَن للْعَبد أَن ينظر إِلَى شعر مولاته وَقَالَ ابْن مَسْعُود وَمُجاهد وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَسَعِيد بن الْمسيب ان العَبْد لَا ينظر إِلَى شعر مولاته وَهُوَ مَذْهَب أَصْحَابنَا إِلَّا أَن يكون ذَا رحم محرم مِنْهَا وتأولوا قَوْله تَعَالَى {أَو مَا ملكت أيمانهن} على الأماء لِأَن العَبْد وَغَيره من الْأَجْنَبِيّ فِي التَّحْرِيم مَعَ الْحر سَوَاء قَالَ وَفَائِدَة تَخْصِيص النِّسَاء فِي قَوْله تَعَالَى {أَو نسائهن} أَن جمع مَا ذكر قبلهن هم الرِّجَال فَكَانَ جَائِزا أَن يظنّ ظان أَن الرِّجَال مخصوصون بذلك إِذا كَانُوا ذَوي محارم فَبين إِبَاحَة النّظر إِلَى هَذِه المواقع للنِّسَاء سَوَاء كن ذَوَات محارم أَو غير ذَوَات محارم ثمَّ عطف على ذَلِك الْإِمَاء بقوله {أَو مَا ملكت أيمانهن} لِئَلَّا يظنّ أَن الاباحة مَقْصُورَة على الْحَرَائِر من النِّسَاء دون الْإِمَاء كَمَا كَانَ قَوْله {وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم} على الْحرار دون الأماء الأيامي جمع الايم وَهُوَ من لَا زوج لَهُ من رجل وَامْرَأَة يُقَال رجل ايم وَامْرَأَة أيمة وَفِي الحَدِيث نَعُوذ بِاللَّه تَعَالَى من الأيمة والعيمة وَالْغنيمَة وَالْأَيمَة

أَن تبقى بِلَا زوج والعيمة شَهْوَة اللَّبن والغيمة أَن لَا تروى من شرب المَاء وَقَوله تَعَالَى {شهيدين من رجالكم} أَي الْأَحْرَار لاضافتهم إِلَيْنَا كَذَلِك قَوْله {أَو نسائهن} مَحْمُول على الْحَرَائِر ثمَّ عطف عَلَيْهِنَّ الْإِمَاء فأباح لَهُنَّ مثل مَا أَبَاحَ فِي الْحَرَائِر وَقَوله {أَو التَّابِعين غير أولي الإربة من الرِّجَال} رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَمُجاهد رَضِي الله عَنْهُم قَالُوا التَّابِع الَّذِي يتبعك ليصيب من طَعَامك وَلَا حَاجَة لَهُ فِي النِّسَاء وَقَالَ الْجَصَّاص فِيهِ ثَمَانِيَة أوجه أَحدهمَا انه الصَّغِير الَّذِي لَا حَاجَة لَهُ فِي النِّسَاء لصغره هُوَ قَول ابْن زيد وَالثَّانِي مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه الَّذِي لَا تَسْتَحي مِنْهُ النِّسَاء وَالثَّالِث قَول عِكْرِمَة أَنه هُوَ الْعنين وَالرَّابِع قَول مُجَاهِد وَعَطَاء وَطَاوُس وَالْحسن انه هُوَ الأبله

وَالْخَامِس قَول بَعضهم انه هُوَ الأحمق الَّذِي لَا إرب لَهُ فِي النِّسَاء وَهُوَ قَول قَتَادَة وَالسَّادِس انه الْمَجْنُون لفقد إربه وَهُوَ قَول مأثور وَالسَّابِع أَنه الشَّيْخ الْهَرم وَهُوَ قَول يزِيد بن أبي حبيب وَالثَّامِن انه المستطعم الَّذِي لَا يهمه إِلَّا بَطْنه وَهُوَ قَول مُجَاهِد وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنه كَانَ يدْخل فِي أَزوَاج النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام مخنث وَكَانُوا يعدونه من غير الوي الإربة قَالَت فَدخل النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ ينعَت امْرَأَة فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أرى هَذَا يعلم مَا هَا هُنَا لَا يدْخل عَلَيْكُم فحجبوه وَعَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام دخل عَلَيْهَا وَعِنْدهَا مخنث فَأقبل على أخي أم سَلمَة فَقَالَ يَا عبد الله لَو فتح الله تَعَالَى لكم الطَّائِف دللتك على بنت غيلَان فَإِنَّهَا تقبل بِأَرْبَع وتدبر بثمان فَقَالَ أرى هَذَا يعرف مَا هَا هُنَا لَا يدخلن عليكن فأباح النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام دُخُول المخنث عَلَيْهِنَّ حِين ظن أَنه من غير أولي الإربة فَلَمَّا عرف أَنه يعرف أَحْوَال النِّسَاء وأوصافهن علم أَنه من أولي الإربة والإربة الْحَاجة وَهِي من الإرب فِي قَول قطرب وَيُقَال هُوَ من الإرب

وَهُوَ الْعقل قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله روى فِي خبر عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يقبل نِسَاءَهُ وَهُوَ صَائِم وَكَانَ أملككم لإربه أَي لِحَاجَتِهِ ويروى أَنه الإربة بِالْكَسْرِ وَسُكُون الرَّاء أَي لعقله والطفل الَّذين لم يظهروا على عورات النِّسَاء فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لم يكشفوا عَن عورات النِّسَاء وَلم يطلعوا عَلَيْهَا لعدم شهوتهم وَالثَّانِي لم يعرفوا عورات النِّسَاء لعدم تمييزهم وَالثَّالِث لم يطبقوا جمع النِّسَاء فَأَما الشَّيْخ فَإِن بقيت فِيهِ شَهْوَة فَهُوَ كالشاب وَإِلَّا فَلَا بَأْس بنظره إِلَى الزِّينَة الْبَاطِنَة وقرأت فِي بعض الْكتب أَن مُعَاوِيَة دخل دَار النِّسَاء وَمَعَهُ خصي مجبوب فتنفرت مِنْهُ امْرَأَة فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة امْرَأَة فَقَالَت أَتَرَى أَن المثله بِهِ قد أحلّت مَا حرم الله تَعَالَى من النّظر فتعدب من فطنتها وفقهها والعورة إِنَّمَا سميت عَورَة من العور لِأَنَّهُ يجب غض الْبَصَر عَنْهَا قَالَ الْفَقِيه بل هِيَ من العوراء لِأَنَّهُ يكْشف من العوراء كَمَا يُسمى الشَّيْء باسم سَببه كَمَا قيل لِلْفَرجِ سوأة لِأَنَّهُ إِذا انْكَشَفَ يسوء صَاحبه كَمَا يسوء بِظُهُور الْعَوْرَة

وَلَا يضربن بأرجلهن ليعلم مَا يخفين من زينتهن قَالَ قَتَادَة كَانَت الْمَرْأَة تضرب رجلهَا إِذا مشت لتسمع قعقعة خلْخَالهَا فنهين عَن ذَلِك لِأَنَّهُ فِي معنى التبرج لقَوْله تَعَالَى وَلَا يتبرجن تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى قَالَ الشَّيْخ أَبُو بكر الْآيَة تدل على معَان كَثِيرَة مِنْهَا أَن النَّهْي إِذا كَانَ مَعَ إخفاء صَوت الحلى فبإخفاء صَوت النِّسَاء أولى وَهُوَ يدل على صِحَة القَوْل بِالْقِيَاسِ الْحلِيّ على الْخَفي وَفِيه دَلِيل على أَن الْمَرْأَة منهية عَن رفع صَوتهَا بالْكلَام لِأَنَّهَا أقرب إِلَى الْفِتْنَة من صَوت الخلخال وَلذَلِك كره أَصْحَابنَا آذان النِّسَاء وَيدل على حظر النّظر إِلَى وَجههَا للشهوة إِذا كَانَ أقرب للزِّينَة وأدعى إِلَى الْفِتْنَة

في الاحتساب على من يظهر القبور الكاذبة ويشبه المقابر بالكعبة

الْبَاب الرَّابِع والعشروان د فِي الاحتساب على من يظْهر الْقُبُور الكاذبة وَيُشبه الْمَقَابِر بِالْكَعْبَةِ رُوِيَ فِي الْأَخْبَار أَن قوما خَرجُوا على هَيْئَة الْحَاج إِلَى زِيَارَة بَيت الْمُقَدّس فردهم عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وضربهم بِالدرةِ وَقَالَ لَهُم أتريدون أَن تجْعَلُوا بَيت الْمُقَدّس كالمسجد الْحَرَام وَإِنَّمَا فعل ذَلِك عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لما أَنهم فعلوا فعلا مُحدثا وَلَا يجوز لأحد فِي دَار الْإِسْلَام أَن يشْتَغل بالمحدثات من تواريخ الْكِفَايَة الشعبية

في الاحتساب بسبب الصورة في البيت

الْبَاب الْخَامِس وَالْعشْرُونَ فِي الاحتساب بِسَبَب الصُّورَة فِي الْبَيْت ويحتسب على من يزخرف الْبَيْت بنقش فِيهِ تصاوير لِأَن الصُّورَة فِي الْبَيْت سَبَب لِامْتِنَاع الْمَلَائِكَة من دُخُوله قَالَ جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَنا لَا ندخل بَيْتا فِيهِ كلب أَو صُورَة وَلَو زخرفه بنقش لَا صُورَة فِيهِ لَا بَأْس بِهِ جَاءَ ذَلِك عَن ابْن سِيرِين رَحمَه الله تَعَالَى وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى {يعْملُونَ لَهُ مَا يَشَاء من محاريب وتماثيل} أَي تماثيل غير ذِي روح وَفِي الْمُلْتَقط الناصري وَلَو انْهَدم بَيْتا مصورا بِهَذِهِ الأصباع تماثيل الرِّجَال والطيور ضمن قيمَة الْبَيْت وأصباغه غير مَضْمُونَة

في الاحتساب في الدراهم والدنانير وغيرهما من أنواع الأثمان

الْبَاب السَّادِس وَالْعشْرُونَ فِي الاحتساب فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَغَيرهمَا من أَنْوَاع الْأَثْمَان وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله فِي ضرب الدَّرَاهِم الْجِيَاد فِي غير دَار الضَّرْب سرا لَا يَنْبَغِي أَن يفعل ذَلِك أحد لِأَنَّهُ مَخْصُوص بالسلاطين من الْمُلْتَقط الناصري مَسْأَلَة إِذا كتب على الدَّرَاهِم سُورَة من الْقُرْآن لَا يجوز مَسّه للمحدث وَلَا للْجنب وَلَا يجوز وضع الْقدَم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْمُصحف إِلَّا أَن يكون فِي الصُّورَة لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الغلاف للمصحف فَيجوز مس صرته وَلَكِن لَا يجوز وضع صرته تَحت الْقدَم كَمَا لَا يجوز وضع الْمُصحف فِي الغلاف تَحت الْقدَم فَإِن قيل ذكر فِي الْفَتَاوَى إِذا وضع الرجل الْمُصحف أَو الْكتاب تَحت الرَّأْس إِن كَانَ للْحِفْظ فَلَا بَأْس بِهِ هَا هُنَا أَيْضا لَو وضع صرة الدَّرَاهِم للْحِفْظ تَحت الْقدَم بنبغي أَن لَا يكون بِهِ بَأْس فَنَقُول الْحِفْظ عِنْد النّوم مُحْتَاج إِلَيْهِ وَوضع الرَّأْس لَيْسَ للإهانة بِخِلَاف وضع الْقدَم لِأَنَّهُ للاهانة فَيخرج عَلَيْهِ الاحتساب على الصيارفة فِي وضع صرة الدَّرَاهِم تَحت أَقْدَامهم وفيهَا حُرُوف مَكْتُوبَة فَلَا يجوز إهانتها ذكر فِي قوت الْقُلُوب وَيكرهُ الْمُعَامَلَة باملزيفة وَكَذَلِكَ بدرهم تكون الْفضة فِيهِ مَجْهُولَة

أَو مستهلكة وَكَذَلِكَ بِمَا لَا يعرف فيمته وَمَا يخْتَلط بِالْفِضَّةِ من غَيرهَا فَلَا يمتاز مِنْهُ وَقد كَانَ بعض السّلف يشدد فِي ذَلِك ويحرمه مِنْهُم الثَّوْريّ وفضيل ابْن عَيَّاش رَحمَه الله ووهب بن الْورْد الْمَكِّيّ وَابْن الْمُبَارك وَبشر بن الْحَارِث والمعافى بن عمرَان وَيُقَال أَن كل قِطْعَة مزيفة ينقصها صَاحبهَا يجدهَا ملصقة فِي صحيفَة بِعَينهَا وَصورتهَا مَكْتُوب بِخَمْسَة آلَاف سَيِّئَة على قدر وَزنهَا بِكُل وزن ذرة مِنْهَا سَيِّئَة والذرة قِطْعَة من هبأة من شُعَاع الشَّمْس وَعَن بعض الْغُزَاة فِي سَبِيل الله تَعَالَى أَنه قَالَ حملت على فرسي لأتناول

علجا كَافِرًا ففرفرسي ثمَّ رجعت ثمَّ دنا مني العلج فَحملت عَلَيْهِ ثَانِيَة لأتناوله ففر فرسي ثمَّ حملت عَلَيْهِ ثَالِثَة وَقد قرب مني ففر بِي فرسي وَلم أكن أعتاده مِنْهُ فَرَجَعت حَزينًا فَجَلَست إِلَى جنب فسطاطي منكسرا للَّذي فَاتَنِي من أَخذ العلج قَالَ فَوضعت رَأْسِي على عَمُود الْفسْطَاط فَنمت وفرسي قَائِم بَين يَدي فَرَأَيْت فِي النّوم كَأَن فرسي يخاطبني وَيَقُول لي بِاللَّه تَعَالَى عَلَيْك أردْت أَن تَأْخُذ العلج ثَلَاث مَرَّات وَأَنت بالْأَمْس اشْتريت لي علفا وَدفعت ثمنه درهما زيفا لَا يكون هَذَا أبدا قَالَ فانتبهت فَزعًا فَذَهَبت إِلَى العلاف فَقلت لَهُ أخرج لي الدَّرَاهِم الَّتِي أشتريت بهَا مِنْك بالْأَمْس الْعلف فأخرجها إِلَيّ فَأخذت مِنْهَا الدِّرْهَم المزيف فَقَالَ أَنِّي كنت قد جوزت هَذَا الدِّرْهَم عَلَيْك بالْأَمْس قَالَ فأبدلته وأنصرفت وَقَالَ عبد الْوَهَّاب سَأَلت بشرا عَن الْمُعَامَلَة بالمزيفة فَقَالَ سَأَلت الْمعَافي عَنْهَا فَقَالَ سَأَلت الثَّوْريّ عَنْهَا فَقَالَ حرَام وَقَالَ أَحْمد رَحمَه الله يكره التِّجَارَة والمعاملة بالمزيفة والمكحلة وَقد كَانَ

بعض الْعلمَاء يَقُول إِنْفَاق دِرْهَم مزيف أَشد من سَرقَة مائَة دِرْهَم لِأَن سَرقَة مائَة دِرْهَم مَعْصِيّة وَاحِدَة وَأما إِنْفَاق دِرْهَم مزيف بِدعَة أحدثها فِي الدّين وَإِظْهَار سنة سَيِّئَة يعْمل بهَا بعده وإفساد لأحوال الْمُسلمين فَيكون عَلَيْهِ وزره بعد مَوته إِلَى مائَة سنة أَو أَكثر مَا بَقِي الدِّرْهَم يَدُور فِي أَيدي النَّاس وَيكون عَلَيْهِ إِثْم مَا أفسد وَنقص من أَمْوَال النَّاس إِلَى آخر فنائه وانفراضه قَالَ وإنفاق الدِّرْهَم أردأ على من يُعلمهُ أكبر وَأَشد ذَنبا على من لم يعرفهُ لِأَن الأول متعمد وَالثَّانِي مُخطئ وَلَكِن الْخَطَأ فِي حق الْعباد غير مَوْضُوع قَالَ وَمن وجد درهما زيفا فليلقه وَلَا يُنْفِقهُ وَقيل إِلْقَاء المزيف أفضل من التَّصَدُّق بأمثاله جِيَاد أَو أفضل من كَثْرَة الصَّلَاة وَالصَّوْم وَذكر فِي متفرقات صرف الذَّخِيرَة قَالَ وَلَا بَأْس بِأَن يَشْتَرِي ستوقه إِذا بَين وَأرى للسُّلْطَان أَن يكسرها لَعَلَّهَا تقع فِي يَد من لَا يبين ذكر فِي الْإِمْلَاء وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله وأكره للرجل أَن يُعْطي الزُّيُوف والبهرجة والستوقة والمزيفة والمكحلة والتجارية وَأَن بَين ذَلِك وَجوز بهَا

عِنْد الْأَخْذ من قبل لِأَن إنفاقها ضَرَر على الْعَوام وَمَا كَانَ ضَرَرا عَاما فَهُوَ مَكْرُوه وَلَيْسَ يصلحه رِضَاء هذَيْن من أَن ذَلِك يضر بالجاهل بِهِ وَيُدَلس بِهِ الْفَاجِر وكل شَيْء لَا يجوز بَين النَّاس فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَن يقطع ويعاقب صَاحبه إِذا أنفقهُ أَو صرفه قَالَ العَبْد وَمن الظُّلم الْمَعْرُوف من السلاطين أَنهم يضْربُونَ دَرَاهِم فِي نوبتهم ويروجونها بَين النَّاس بِأَكْثَرَ من قيمتهَا فَإِذا انْتَهَت نوبتهم عَادَتْ قيمتهَا إِلَى قدرهَا فيضربها كثير من النَّاس فَإِنَّهُم خصماء على ذَلِك الظَّالِم يَوْم الْقِيَامَة وَسُئِلَ الْحجَّاج عَمَّا يَرْجُو بِهِ النجَاة فَذكر أَشْيَاء مِنْهَا أَنِّي مَا أفسدت النُّقُود على النَّاس

في الاحتساب على أهل الذمة

الْبَاب السَّابِع وَالْعشْرُونَ فِي الاحتساب على أهل الذِّمَّة وَفِي الْمُلْتَقط الناصري وَلَا أدع الْمُشرك يضْرب البربط قَالَ مُحَمَّد كل شَيْء أمنع مِنْهُ فَإِنِّي أمنع مِنْهُ الْمُشرك إِلَّا الْخمر وَالْخِنْزِير وَفِي الْفَتَاوَى النسفية سُئِلَ عَن قوم من الْيَهُود اشْتَروا دورا أَو بستانا من دور الْمُسلمين فِي مصر وَاتَّخذُوا مَقْبرَة لَهُم هَل يمْنَعُونَ عَن ذَلِك فَقَالَ لَا لأَنهم ملكوها فيفعلون مَا شَاءُوا كالمسلمين وَلَو أردوا أَن يتخذوها بيعَة أَو كَنِيسَة لَهُم يمْنَعُونَ عَن ذَلِك لما فِيهِ من إِظْهَار باطلهم وتشهير ضلاهم وَفِي ذَلِك مذلة الْإِسْلَام وَأَهله وَفِي اتِّخَاذ الْمقْبرَة لَا ضَرَر فَيجوز الْكَافِر لَا يجوز لَهُ مس الْمُصحف من كَرَاهِيَة الْخَانِية وَذكر فِي الظَّهِيرِيَّة وَأَن اغْتسل الْكَافِر ثمَّ مس الْمُصحف فَلَا بَأْس بِهِ ذكر فِي الذَّخِيرَة روى مُحَمَّد فِي السّير الْكَبِير بِإِسْنَادِهِ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا خصاء فِي الْإِسْلَام وَلَا كَنِيسَة وَنَحْوهَا

وَرُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ تَأْوِيل لاخصاء فِي مثانته وَأما تَأْوِيل وَلَا كَنِيسَة فَالْمُرَاد مِنْهُ إِحْدَاث الْكَنَائِس فِي أَمْصَار الْمُسلمين مَعْنَاهُ وَلَا يجوز لأهل الذِّمَّة إِحْدَاث الْكَنَائِس فِي أَمْصَار الْمُسلمين وَلَو أَرَادوا أَن يَفْعَلُوا ذَلِك فالإمام يمنعهُم عَنهُ وَهَذَا فِي الْأَمْصَار أما فِي الْقرى فَلَا يمْنَعُونَ من ذَلِك فِي ظَاهر الرِّوَايَة إِن قلت جمَاعَة الْمُسلمين فِيهَا أَو كثرت وَعَن أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه إِذا كثر فِيهَا أهل الْإِسْلَام منعُوا مِنْهُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْمصدر نَفسه حَتَّى ي منعُوا عَن إِظْهَار بيع الهمر والخنازير وَبيع الرِّبَا فِي الْقرى كَمَا يمْنَعُونَ عَنهُ فِي الْأَمْصَار وكما يمْنَعُونَ عَن البيع وَالْكَنَائِس وبيوت النيرَان يمْنَعُونَ عَن بيع الْخمر وَالْخِنْزِير وَبيع الرِّبَا وَيمْنَعُونَ عَن إِدْخَال الْخُمُور والخنازير فِي الْأَسْوَاق على سَبِيل الشُّهْرَة لِأَن فِيهِ اسْتِخْفَافًا بِالْمُسْلِمين وَمَا صالحناهم ليستخقوا بِالْمُسْلِمين وَكَذَلِكَ إِن خضر لَهُم عيد يخرجُون فِيهِ صليبهم فليضعوا ذَلِك فِي كنائسهم الْقَدِيمَة وَلَا يخرجوه من الْكَنَائِس حَتَّى يظهروه فِي الْمصر وَلَو أَخْرجُوهُ خفِيا حَتَّى أَخْرجُوهُ إِلَى غير الْمصر وأظهروه لَا يمْنَعُونَ من ذَلِك مَعْنَاهُ إِذا جاوزوا أفنية الْمصر لِأَن فنَاء الْمصر كجوفه فِي حكم إِقَامَة الْجُمُعَة والعيد فَكَذَلِك فِي حق مَنعهم عَن إِظْهَار الصَّلِيب وَيمْنَعُونَ عَن ضرب الناقوس فِي غير كنائسهم الْقَدِيمَة وَكَذَلِكَ يمْنَعُونَ عَن ضربه فِي كنائسهم الْقَدِيمَة إِذا كَانَ صَوته يُجَاوز ابنيتهم وَكَذَلِكَ يمْنَعُونَ عَن تزوج الْمَحَارِم وَعَن جَمِيع مَا هُوَ حرَام فِي الْإِسْلَام على سَبِيل الشُّهْرَة وَالْعَلَانِيَة لِأَن فِيهِ اسْتِخْفَافًا بِالْمُسْلِمين ومعارضة الْحق بِالْبَاطِلِ قَالَ العَبْد وَمن ذَلِك جرت عَادَة أهل الْحِسْبَة بِمَنْع الذِّمِّيّ عَن أكل التنبول

نَهَارا جهارا فِي شهر رَمَضَان وَلَو انْهَدَمت بيعَة أَو كَنِيسَة قديمَة فِي مصر فأرادوا أَن يبنوها فَإِن جعلوها أوسع من الأولى منعُوا عَنهُ وَكَذَا لَو حولوه عَن مَوْضُوع من الْمصر إِلَى مَوضِع آخر من ذَلِك الْمصر منعُوا عَنهُ وَلَو بذلوا عَلَيْهِ عوضا وَلَو اشْترى ذمِّي دَارا فِيمَا بَين أَمْصَار الْمُسلمين قيل يمْنَع من ذَلِك وَقيل لَا يمْنَع وَقيل إِذا اخْتلف بِشِرَائِهِ جمَاعَة مَسْجِد الْمحلة منع عَن ذَلِك وَإِلَّا فَلَا وَلَو اتخذ فِيهِ بَيت عبَادَة أَن جمع فِيهِ النَّاس منع مِنْهُ وَإِن اتخذ لنَفسِهِ خَاصَّة مَوضِع عبَادَة لَا يمْنَع منع وَإِن أَرَادَ أَن يَجْعَل فِيهِ صومعة يتخلى فِيهَا كَمَا تخلى أَصْحَاب الصوامع منع مِنْهُ لِأَن هَذَا شَيْء يشْتَهر بِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَة اتِّخَاذ الْكَنِيسَة لجماعتهم والكنيسة الْقَدِيمَة إِن كَانَت فِي مصر كَانَ قَرْيَة قبل ذَلِك ثمَّ صَار مصرا أَو فتح صلحا على أَن يتْركُوا فِيهَا كنائسهم لَا يمْنَعُونَ مِنْهُ وَإِذا فتحت عنْوَة وَلَكِن تركت كنائسهم فِيهَا لكَونهَا قَرْيَة ثمَّ صَارَت مصرا تُقَام فِيهِ الْحُدُود وَيصلى فِيهِ الْجُمُعَة والأعياد يمْنَعُونَ مِنْهُ دفعا للمشابهة بَين شَعَائِر الْإِسْلَام وشعائر الْكفْر وَفِي الصُّلْح لَا بُد من وَفَاء الْعَهْد وكل مصر من أَمْصَار الْمُسلمين يُصَلِّي فِيهِ الْجُمُعَة وتقام فِيهِ الْحُدُود لَا يَنْبَغِي لمُسلم وَلَا لكَافِر أَن يدْخل فِيهِ خمرًا وَلَا خنزيرا ظَاهرا فَإِن أَدخل الذِّمِّيّ الْخمر مصرا من أَمْصَار الْمُسلمين فَإِن كَانَ جَاهِلا رد الإِمَام عَلَيْهِ مَتَاعه وَأخرجه من الْمصر وَأخْبرهُ أَنه إِن عَاد أدبه لِأَن

الْخمر حَلَال فِي دينه وَمعنى قَوْله إِن كَانَ جَاهِلا أَنه لَا يعلم أَنه لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يفعل ذَلِك فَإِن كَانَ عَالما أَنه لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يفعل ذَلِك فالإمام لَا يريق خمره وَلَا يذبح خنزيره لِأَنَّهُ مَال عِنْدهم وَلَكِن رأى أَن يؤدبه بِالضَّرْبِ أَو بِالْحَبْسِ فعل ذَلِك وَإِن أتلف خمره مُسلم ضمن إِلَّا إِذا كَانَ إِمَامًا يرى أَن يفعل ذَلِك بِهِ على وَجه الْعقُوبَة فَفعل أَو أَمر إنْسَانا بِهِ لَا يضمن لِأَنَّهُ مُجْتَهد فِيهِ وكل قَرْيَة من قرى أهل الذِّمَّة أَو مصر من أَمْصَار أهل الذِّمَّة أظهرُوا فِيهَا شَيْئا من الْفسق مِمَّا لم يصالحوا عَلَيْهِ كَالزِّنَا وَنَحْوه من الْفَوَاحِش الَّتِي تحرم عِنْدهم يمْنَعُونَ عَن ذَلِك كَمَا يمْنَع الْمُسلم لِأَنَّهُ لَيْسَ بديانة مِنْهُم وَكَذَلِكَ يمْنَعُونَ عَن السكر لِأَن السكر لَا يحل عندنَا قل أصلا وَكَذَلِكَ يمْنَعُونَ عَن إِظْهَار بيع المزامير والطنبور وَإِظْهَار الْغناء وَغير ذَلِك مِمَّا منع مِنْهُ الْمُسلم وَمن كسر شَيْئا فِي ذَلِك فَلَا ضَمَان كَمَا لَو كسرلمسلم وَهَذَا قَوْلهمَا وَأما قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله يضمن الكاسر قِيمَته بِغَيْر اللَّهْو كَمَا لَو كَسره لمُسلم وَالْحَاصِل أَن فِيمَا سوى الْخمْرَة وَالْخِنْزِير وَنِكَاح الْمَحَارِم وَعبادَة غير الله تَعَالَى حَال أهل الذِّمَّة كَحال الْمُسلمين مِمَّا يمْنَع عَنهُ الْمُسلم يمْنَع عَنهُ أهل الذِّمَّة وَلَو طلب قوم من أهل الْحَرْب الصُّلْح على أَن يصيروا ذمَّة لَهُم ذَلِك على أَن للْمُسلمين أَن يتخذوا مصرا فِي أَرضهم لم يمنعوهم من أَن يحدثوا بيعَة أَو كَنِيسَة وَأَن يظهروا فِيهِ بيع الْخُمُور والخنازير فَلَا يَنْبَغِي للْمُسلمين أَن يصالحوهم على ذَلِك وَلَو صالحوهم على ذَلِك كَانَ لَهُم أَن ينقضوا الصُّلْح لِأَنَّهُ صلح بِخِلَاف الشَّرْع وَكَذَا لَو شرطُوا فِي إِظْهَار الرِّبَا

واستئجار الزواني عَلَانيَة لَا يجوز الْوَفَاء بِهِ لما مر وَفِي سير الْمُلْتَقط لَا بَأْس برد السَّلَام على أهل الذِّمَّة وَلَا يزِيد فِي الْجَواب على قَوْله وَعَلَيْك وَإِن كَانَ إِلَيْهِ حَاجَة فَلَا بَأْس بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ وَيكرهُ المصافحة مَعَ أهل الذِّمَّة فَإِن قلت هَل يحْتَسب على الْمُسلم إِذا شَارك ذِمِّيا الْجَواب قُلْنَا نعم أما فِي المعوضة فَلِأَنَّهَا غير جَائِزَة بَين الْمُسلم وَالذِّمِّيّ فَكَأَن الاحتساب عَلَيْهِ لدفع التَّصَرُّف الْفَاسِد وَأما فِي الْعَنَان فَلِأَنَّهَا مَكْرُوهَة بَين الْمُسلم وَالذِّمِّيّ فِي شرح الطَّحَاوِيّ فَكَأَن الاحتساب لدفع الْمَكْرُوه

في الاحتساب على المسافرين

الْبَاب الثَّامِن وَالْعشْرُونَ فِي الاحتساب على الْمُسَافِرين وَإِذا حمل الْمُصحف أَو شَيْء من كنت الشَّرِيعَة على دَابَّة فِي جوالق وَركب صَاحب الجوالق على الجوالق إِن كَانَ فَوق الجوالق ثوب آخر يحول بَينه وَبَين الجوالق لَا يكره لِأَنَّهُ جلس على الثَّوْب لَا على الجوالق أَلا يرى أَنه لَو وضع الْمُصحف فِي بَيت لَا بَأْس بِالنَّوْمِ على سطحه كَذَا هَا هُنَا وَإِن لم يكن فَوْقه شَيْء آخر فَلَا يكره أَيْضا لِأَن قَصده الْحِفْظ دون الابتذال وَلِهَذَا لَو جعل الْمُصحف فِي جوالق وَجلسَ عَلَيْهِ للْحِفْظ أَو نَام عَلَيْهِ فَلَا بَأْس بِهِ السّفر مَعَ الْمَرْأَة على وَجْهَيْن إِن كَانَ محرمها فَهُوَ على وَجْهَيْن إِن امن الشَّهْوَة على نَفسه وَعَلَيْهَا جَائِز وَإِن لم يَأْمَن الشَّهْوَة أما على نَفسهَا أَو على نَفسه بِأَن كَانَ أكبر رَأْيه أَنه مشته أَو شكّ فِيهِ لَا يجوز وَإِن لم يكن محرمها فَهُوَ على وَجْهَيْن إِن كَانَت حرَّة لَا تحل الْخلْوَة بهَا وَلَا المسافرة مَعهَا وَإِن كَانَت أمة فَقيل جَائِز المسافرة بهَا وَقيل لَا وَمن جوز فِيهَا بَينهم اخْتِلَاف

فِي أَنه يجوز لَهُ الْإِنْزَال والإركاب إِذا أمنا الشَّهْوَة قيل لَا يجوز لِأَنَّهُ قد يشتهيها وَقيل يجوز لتحقيق الضَّرُورَة فِي السّفر إِلَى ذَلِك وَمن سَأَلَ مُسلما من أهل الذِّمَّة عَن طَرِيق الْبيعَة فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يدل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِعَانَة على الْمعْصِيَة وَلَا بَأْس بِالدّلَالَةِ من الْبيعَة إِلَى البيث وَإِذا كَانَ الرجل مبتليا بِصُحْبَة الْفجار فِي سَفَره لِلْحَجِّ أَو للغزو لَا يتْرك الطَّاعَة بصحبتهم وَلَكِن يكرههُ بِقَلْبِه وَلَا يرضى بِهِ فَلَعَلَّ الْفَاسِق يَتُوب ببركة كَرَاهَة قلبه وَذكر فِي الْكِفَايَة الشعبية أَن خَاتمًا وشقيقا خرجا فِي سفر فصحبهما شيخ فَاسق فَكَانَ يضْرب بالمعازف فِي الطَّرِيق وَكَانَ يطرب ويغني وَكَانَ حَاتِم ينْتَظر أَن ينهاه شَقِيق فَلم يفعل ذَلِك فَلَمَّا كَانَ فِي أخر الطَّرِيق وَأَرَادُوا يتفرفوا قَالَ لَهما ذَلِك الشَّيْخ الْفَاسِق لم أر أثقل مِنْكُمَا قد طربت بَين أيديكما كل الطَّرب فَلم تنظرا إِلَى طربي فَقَالَ لَهُ حَاتِم يَا شيخ أعذرنا فَإِن هَذَا شَقِيق وَأَنا حَاتِم فَتَابَ الرجل وَكسر ذَلِك المعزف وَجعل يتتلمذ عِنْدهمَا ويخدمهما فَقَالَ

شَقِيق لحاتم رَأَيْت صَبر الرِّجَال وَيكرهُ للرجل أَن يقْضِي حَاجته فِي الطَّرِيق أَو فِي ضفة النَّهر أَو تَحت شَجَرَة مثمرة أَو شَجَرَة يستظل النَّاس تحتهَا لما روى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ من قضى حَاجته تَحت شَجَرَة مثمرة أَو على طَرِيق عَام اَوْ على ضفة نهر جَار فَعَلَيهِ لعنة الله تَعَالَى وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ

في الاحتساب بالاحراق

الْبَاب التَّاسِع وَالْعشْرُونَ فِي الاحتساب بالاحراق وَمِنْه إحراق المعازف يَوْم الْأَضْحَى فِي مصلى الْعِيد وَيُقَال أَنه يكره لِأَنَّهُ شغل الْمَسْجِد بالنَّار وَالْمَعَازِف وَالْمَسْجِد مَا أعد لذَلِك فَجَوَابه أَن يُقَال مصلى الْعِيد لَهُ حكم الْمَسْجِد فِي حق جَوَاز الِاقْتِدَاء وَإِن انفصلت الصُّفُوف وَأما فِيمَا عدا ذَلِك فَلَا رفقا بِالنَّاسِ وَلَو أحرق الْمُحْتَسب مَتَاع من يَبِيع على الشوارع يضمن إِلَّا إِذا فَسَادًا فِي ذَلِك وَرَأى الْمصلحَة فِي إحراقه فَلَا يضمن إحراق بَيت الْخمار الْمَشْهُور بذلك لَا يضمن إِذا علم أَنه لَا ينزجر بِدُونِهِ لتعيينه طَرِيقا للحسبة فَإِن قيل لم خص الْأَضْحَى بإحراق المعارف فَنَقُول وَالله أعلم لوجوه أَحدهَا هُوَ أَن بعض النَّاس يَزْعمُونَ أَن ضرب الدُّف والغناء بِهِ يَوْم الْعِيد جَائِز لما روى أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ دخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْده جاريتان تُغنيَانِ بالدف فزجرهما أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ

فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دعهما فَإِنَّهُ يَوْم عيد وَهَذَا الحَدِيث مَتْرُوك بقوله تَعَالَى {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} وَلما كَانَ هَذَا الحَدِيث متروكا أظهر أهل الاحتساب إحراق المعازف فِي هَذَا الْيَوْم ليَكُون فعلهم وإجماعهم على هَذَا فِي دَار الْإِسْلَام أجمع حجَّة قَاطِعَة على أَن هَذَا الحَدِيث غير مَعْمُول بِهِ وَالثَّانِي وَهُوَ ان يَوْم الْعِيد يَوْم سرُور وحبور قُلُوب أهل الصّلاح والورع تفرح بإحراق الملاهي فأظهروا إحراقها مُبَالغَة فِي تَحْصِيل مسرتهم وَالثَّالِث وَهُوَ أَن الْحجَّاج فِي هَذَا الْيَوْم مناسكهم خَمْسَة أَحدهَا الذّهاب من منى إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام وَالثَّانِي الطّواف بِالْبَيْتِ الْعَتِيق وَالثَّالِث إِقَامَة السّنَن من الْحلق وقص الْأَظْفَار وَنَحْوهَا وَالرَّابِع رمي الْجمار وَالْخَامِس القربان فسيفعل غير الْحجَّاج فِي ذَلِك خمس عبادات أُخْرَى مُوَافقَة لَهُم أَحدهَا الذّهاب إِلَى الْمصلى مُوَافقَة لذهاب إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام وَالثَّانِي صَلَاة الْعِيد مُوَافقَة لَهُم فِي الطّواف لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة وَالثَّالِث إحراق المعازف مُوَافقَة لَهُم فِي الْحلق وَنَحْوه لأَنهم يزيلون الْبِدْعَة ويقيمون السّنة وَهَذِه المعازف بِدعَة فتحرق إِزَالَة لَهَا

وَالرَّابِع رمي الْعَوام الْجمار عِنْد إحراق المعازف مُوَافقَة للحجاج فِي رمي الْجمار وَالْخَامِس يضحون مُوَافقَة لَهُم فِي القرابين وَفِي كتاب الْحَظْر والاباحة من الْخَانِية رجل وطئ بَهِيمَة قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِن كَانَت الْبَهِيمَة للواطئ يُقَال لَهُ أذبحها وأحرقها وَإِن لم تكن الْبَهِيمَة للواطئ كَانَ لصَاحِبهَا أَن يَدْفَعهَا إِلَى الْوَاطِئ بِالْقيمَةِ ثمَّ يذبحها الْوَاطِئ ويحرقها إِن لم تكن مأولة وَإِن كَانَت مِمَّا يُؤْكَل يذبح وَلَا يحرق قَالَ العَبْد وَالْأَصْل فِي إحراق آلَات السَّيِّئَات قَوْله تَعَالَى وَانْظُر إِلَى الهك الَّذِي ظلت عَلَيْهِ عاكفا لنحرفنه قَالَ السّديّ إِن مُوسَى أَمر بِذبح الْعجل فَسَالَ دَمه ثمَّ أحرق لَحْمه فَصَارَ رَمَادا ثمَّ ذراه فِي الْبَحْر والتمسك بِهِ من وُجُوه أَحدهَا أوعد مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سامريا بإحراق عجله لِأَن السِّيَاق يدل على التهديد وَالتَّشْدِيد عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْله {فَاذْهَبْ فَإِن لَك فِي الْحَيَاة أَن تَقول لَا مساس} والايعاد إِنَّمَا يكون بِمَا يسوء الْموعد فَكَانَ إحراق عجله إيحاشا وإساءة إِلَى السامري وإيحاش الْمُسِيء وإساءته حسن شرعا بل

وَاجِب عقلا وطبقا فَكَذَا هُنَا يكون إحراق المعازف إيحاشا لأَهْلهَا فَكَانَ حسنا وَالثَّانِي وَهُوَ أَنه أوعده أَن يحرق عجله فَكَانَ الإحراق جَائِزا شرعا وَإِلَّا لما أوعده وَالثَّالِث وَهُوَ أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أحرقه فَكَانَ إحراقه سنة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيجوز لنا أَيْضا لِأَن مَا كَانَ مَشْرُوعا فِي الْأُمَم الخالية فَهُوَ مَشْرُوع لنا إِلَّا أَن ثَبت نُسْخَة وَلم يثبت نسخ الإحراق فَيبقى فَإِن قيل الْفرق وَاضح بَين الْعجل وَالْمَعَازِف لِأَن الْعجل كَانَ معبودا بَاطِلا وَالْمَعَازِف آلَات الذَّنب لَا غير فَنَقُول حُرْمَة الاتخاذ والامساك يجمعهما فجواز الاحراق أَيْضا ينتظمها لِأَن حُرْمَة الامساك أَيْضا عِلّة للاضاعة والاتلاف والاحراق طَرِيق صَالح لَهُ وَالشَّرْع ورد بِهِ فِي الْعجل فَيكون واردا فِي المعازف معنى وَذكر فِي الْبَاب الثَّلَاثِينَ من شرح أدب القَاضِي للخصاف أَن عمر رَضِي الله عَنهُ خطب فِي النَّاس فَقَالَ إِن فِي بَيت فلَان وَفُلَان مُسكرا وَالرجل من قُرَيْش وَالرجل من ثَقِيف يُسمى الثَّقَفِيّ مشردا وَإِنِّي آتِي بيوتهما فَإِن كَانَ حَقًا أحرقهما فَسمع الْقرشِي بذلك فحذر وَأخرج مَا فِي بَيته وَلم يفعل الثَّقَفِيّ قَالَ فَأتى بَيت الْقرشِي فَلم يجد فِيهِ شَيْئا فَأتى بَيت الثَّقَفِيّ فَوجدَ فِيهِ الْخمر فَأحرق الْبَيْت وَقَالَ مَا أَنْت بمرشد فَائِدَة الحَدِيث جَوَاز الاعلان فَإِن عمر رَضِي الله عَنهُ لما بلغه الْخَبَر أعلن واشتغل بِالْخطْبَةِ والوعظ والقرشي اتعظ بوعظه والثقفي مَا أتعظ فَأحرق بَيته لِأَنَّهُ أوعد بذلك فَلَا يَلِيق بالسياسة أَن لَا يحرق وَلم يرو

عَن اصحابنا فِي إحراق الْبَيْت شَيْء وَإِنَّمَا روى عَنْهُم فِي هدم الْبَيْت وَكسر الذنان وَذكر فِي الْفَصْل الثَّامِن من كتاب الصَّلَاة من الْمُحِيط قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لقد هَمَمْت أَن آمُر رجلا يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَأنْظر إِلَى أَقوام يتخلفون عَن الْجَمَاعَة فأحراق بُيُوتهم وَهَذَا يدل على جَوَاز إحراق بَيت الَّذِي يتَخَلَّف عَن الْجَمَاعَة لِأَن الْهم على الْمعْصِيَة لَا يجوز من الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ مَعْصِيّة فَإِذا علم جَوَاز إحراق الْبَيْت على ترك النسة الْمُؤَكّدَة فَمَا ظَنك فِي إحراق الْبَيْت فِي ترك الْوَاجِب وَالْفَرْض وَمَا ظَنك فِي إحراق آلَات الْمعْصِيَة وَذكر فِي الذَّخِيرَة فِي الْفَصْل الثَّامِن عشر من السّير وَإِذا أَدخل الْمُسلم خنزيرا فِي مصر الْمُسلمين وَهُوَ يتهم بتناول ذَلِك ذبح خنزيره وأحرق بالنَّار وَإِن كَانَ لَا يتهم بذلك وَقَالَ إِنَّمَا هِيَ لذِمِّيّ ترك وَيُؤمر بألا يعود إِلَى مثله

في الفرق بين المحتسب وبين المتعنت

الْبَاب الثَّلَاثُونَ فِي الْفرق بَين الْمُحْتَسب وَبَين المتعنت نهر فِي سكَّة غير نَافِذَة غرس رجل على شطه فِي فنَاء دَاره شَجَرَة فَأَرَادَ رجل من الشُّرَكَاء أَن يقطع تِلْكَ الشَّجَرَة وَفِي تِلْكَ السِّكَّة أَشجَار مثلهَا وَلم يتَعَرَّض لَهَا هَذَا الرجل سوى هَذِه الشَّجَرَة قَالَ لَيْسَ لَهُ أَن يقْلع لِأَنَّهُ متعنت وَلَيْسَ بمحتسب لِأَنَّهُ لَو كَانَ محتسبا لتعرض لجَمِيع الْأَشْجَار فِي هَذِه السِّكَّة وَقَالَ الفقية أَبُو الْقَاسِم الصفار رَحمَه الله تَعَالَى إِنَّمَا يلْتَفت إِلَى خُصُومَة المخاصم فِي التَّصَرُّف الْمُحدث فِي طَرِيق الْعَامَّة وَفِي الْفُرَات إِذا لم يكن لَهُ مثل الَّذِي يُخَاصم فِيهِ إِذا كَانَ لَهُ مثل مَا يُخَاصم عَلَيْهِ لَا يتلفت إِلَى خصومته لِأَنَّهُ متعنت فِي هَذِه الْخُصُومَة لِأَنَّهُ لَو أَرَادَ دفع الضَّرَر عَن الْعَامَّة لَا بتدأ بِنَفسِهِ فَلَمَّا لم يبْدَأ بِنَفسِهِ يحكم أَن قَصده التعنت وَمن أَرَادَ أَن ينْقض جنَاحا خَارِجا فِي الطَّرِيق الجادة لَا يكون لَهُ ذَلِك إِلَّا أَن يكون رجلا محتسبا يتَعَرَّض لجَمِيع الْأَشْيَاء لِأَنَّهُ إِذا تعرض لوَاحِد دون الثَّانِي كَانَ مُتَعَنتًا

في الاحتساب على من يكتب التعويذ ويستكتبه

الْبَاب الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ فِي الاحتساب على من يكْتب التعويذ ويستكتبه وَفِي الْفَتَاوَى الْخَانِية امْرَأَة أَرَادَت أَن تضع لَهَا تعويذا ليحبها زَوجهَا بَعْدَمَا كَانَ يبغضها ذكر فِي الْجَامِع الْأَصْغَر أَن ذَلِك حرَام وَذكر فِي تَفْسِير أم الْمعَانِي تكره الرقي العبرانية والسريانية وَتَعْلِيق التمائم وَهِي التعويذات وَعَن أبي بشر الانصاري أَنه قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام فِي بعض أَسْفَاره قَالَ عبد الله حسبت أَنه قَالَ وَالنَّاس فِي مبيتهم فَأرْسل رَسُولا لاتبقين فِي رَقَبَة بعير قلادة من وتر أَو غَيره إِلَّا قطعت

وَفِي رِوَايَة من وتر أَو قلادة من صَحِيح البُخَارِيّ قَالَ العَبْد ويتسدل بِهَذَا الحَدِيث على منع النَّاس أَن يعلقوا على أَوْلَادهم التمائم والخيوط والخرزات وَغير ذَلِك مِمَّا يخْتَلف أَنْوَاعه ويظنون أَن ذَلِك يَنْفَعهُمْ أَو يدْفع عَنْهُم الْعين وَمَسّ الشَّيْطَان وَنَحْو ذَلِك مِنْهُ نوع من الشّرك فَإِن النَّفْع والضر بيد الله تَعَالَى لَا بِغَيْرِهِ بِخِلَاف الرتيمة وَهِي الْخَيط الَّذِي يرْبط بالاصبع أَو الْخَاتم للتذكر فَإِنَّهُ لَا بَأْس بِهِ للْحَاجة روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يفعل ذَلِك من شرح الْكَرْخِي وَفِي الْمغرب فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن التمائم والرقي والتولة من الشّرك قَالَ الْأَزْهَرِي التمائم وَاحِدهَا تَمِيمَة وَهِي خَرَزَات كَانَ الْأَعْرَاب يعلقونها على أَوْلَادهم يَتَّقُونَ بهَا النَّفس أَي الْعين يزعمهم فَهُوَ بَاطِل وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام من علق تَمِيمَة فقد أشرك

وَرُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قطع التميمة من عنق الْفضل وَعَن النَّخعِيّ أَنه كَانَ يكره كل شَيْء يعلق على صَغِير أَو كَبِير وَيَقُول هُوَ من التمائم فَإِن قيل ذكر فِي الْمغرب قَالَ الفتبي وَبَعْضهمْ يتَوَهَّم أَن المعاذات هِيَ التمائم وَلَيْسَ كَذَلِك إِنَّمَا التميمة الخرز وَلَا بَأْس بالمعاذات إِذا كبت فِيهَا الْقُرْآن وَأَسْمَاء الله تَعَالَى فَيَقُول القتيبي كَانَ من أهل اللُّغَة وَيَقُول فِي بَاب الْفِقْه لَا تتْرك قَول النَّخعِيّ وَغَيره من الْفُقَهَاء

في الاحتساب على من يأخذ شيء على الاحتساب من الناس

الْبَاب الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ فِي الاحتساب على من يَأْخُذ شَيْء على الاحتساب من النَّاس وَمَا رسم فِي الْبِلَاد لأهل الْحِسْبَة إِن كَانَ فِي أهل الذِّمَّة فَلَا شكّ فِي جَوَازه لِأَنَّهُ صَار من أَمْوَال أهل الذِّمَّة وَإِن أَخذ من الْمُسلمين فَإِن كَانَ بِقدر أجره أعوان الْمُحْتَسب وَلَا رزق لَهُم من بَيت المَال فَلَا بَأْس بِهِ لأَنهم يعْملُونَ لَهُم فَيَأْخُذُونَ كفايتهم مِنْهُم وَإِن زادوا عَلَيْهِ أَو كَانَ لَهُم رزق من بَيت المَال فَهُوَ حرَام لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من الْمُسلم قهرا وَغَلَبَة بِغَيْر رِضَاهُ فَلَا يجوز لقَوْله تَعَالَى وَلَا تَأْكُلُوا اموالكم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تكون تِجَارَة من ترَاض مِنْكُم ذكرا جصاص فِي أَحْكَام الْقُرْآن من ضرب الضرائب على النَّاس حل دَمه وَكَانَ بعض الْمَشَايِخ يُفْتِي بِكفْر أعوانه وَنحن لَا نفتي بكفرهم إِذْ لم يستحلوا ظلمهم وفسقهم أما إِذا استحلوا ذَلِك فقد أجمع الْمُسلمُونَ على تكفيرهم فَإِن أَخذ الْمُحْتَسب غير مرسوم ينظر أَن أَخذه ليسامح فِي مُنكر أَو يداهن فِيهِ أَو يقصر فِي مَعْرُوف فَهُوَ أَيْضا حرَام لِأَنَّهُ أحد أَنْوَاع الرِّشْوَة وَأَنَّهَا حرَام كَمَا ذكر فِي أدب القَاضِي للخصاف

والرشوة على أَرْبَعَة أوجه إِمَّا أَن يرشوه لِأَنَّهُ قد خَوفه فيعطيه الرِّشْوَة ليدفع الْخَوْف عَن نَفسه أَو يرشوه ليسوي أمره بَينه وَبَين السُّلْطَان أَو يرشوه ليتقلد الْقَضَاء من السُّلْطَان أَو يرشو للْقَاضِي ليقضي لَهُ فَفِي الْوَجْه الأول لَا يحل الْأَخْذ لِأَن الْكَفّ عَن التخويف كف عَن الظُّلم وَأَنه وَاجِب حَقًا للشَّرْع فَلَا يحل أَخذه لذَلِك وَيحل للمعطى الاعطاء لِأَنَّهُ جعل المَال وقاية للنَّفس وَهَذَا جَائِز مُوَافق للشَّرْع فَكَذَلِك تَقول فِي الْمُحْتَسب إِذا خوف إنْسَانا بظُلْم وَأَعْطَاهُ ذَلِك الانسان ليدفع عَن نَفسه ذَلِك الْخَوْف يجوز للمعطي وَيحرم على الْمُحْتَسب وَفِي الْوَجْه الثَّانِي أَيْضا لَا يحل الْأَخْذ لِأَن الْقيام بِأُمُور الْمُسلمين وَاجِب بِدُونِ المَال فَهُوَ يَأْخُذ المَال ليقيم مَا وَجب عَلَيْهِ الْإِقَامَة بِدُونِ المَال فَلَا يحل لَهُ الْأَخْذ وَفِي الْوَجْه الثَّالِث لَا يحل الْأَخْذ والاعطاء وَهَكَذَا تَقول فِي أَصْحَاب محتسب الممالك إِذْ أَخذ شَيْئا من النواب على الاحتساب على الْقُضَاة ليسووا أَمرهم فِي نياتهم بَينهم وَبَين تملك الْحِسْبَة فَهُوَ حرَام كَمَا فِي الرِّشْوَة فِي بَاب السَّعْي بَين الْقُضَاة وَبَين السُّلْطَان ليوليهم على الْقَضَاء

وَأما فِي الرَّابِع فَفِيهِ حرَام الْأَخْذ سَوَاء كَانَ الْقَضَاء بِحَق أَو بظُلْم أما الظُّلم فلوجهين أَحدهمَا أَنه رشوة وَالثَّانِي انه سَبَب للْقَضَاء بالجور وَأما الْحق فلوجه وَاحِد وَهُوَ أَخذ المَال لإِقَامَة الْوَاجِب وَأما الاعطاء فَإِن كَانَ لجور لَا يجوز وَإِن كَانَ لحق جَازَ لما بَينا وَهَكَذَا نقُول فِي الْمُحْتَسب لَا يجوز أَن يَأْخُذ شَيْئا من أَرَادَ أَن يحْتَسب عَلَيْهِ لِأَن احتسابه إِن كَانَ لجور فللمعنيين وَإِن كَانَ لحق فلمعني وَاحِد كَمَا مر وَذكر أَنه قيل لعمر بن عبد الْعَزِيز يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَالك لَا تقبل الْهَدِيَّة وَكَانَ رَسُول الله تَعَالَى يقبلهَا قَالَ عمر أَنَّهَا كَانَت على عهد رَسُول الله هَدِيَّة وَأَنَّهَا لنا رشوة أَشَارَ عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى أَن الزَّمَان قد فسد وَالْمهْدِي لَا يلْتَمس مَا لَا يحل لَهُ فِي الشَّرِيعَة فَلَو قيل كَانَ رشوة وَهَذَا لَا يتَصَوَّر فِي زمَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن الشوكه لَهُ بِنَفسِهِ فَكَانَت الْهَدِيَّة لَهُ وهدايا الْأُمَرَاء للْمُسلمين أَجْمَعِينَ لِأَن شوكتهم بهم قَالَ العَبْد فعلى هَذَا نقُول أَن الْمُحْتَسب أَو القَاضِي إِذا أهْدى إِلَيْهِ مِمَّن يعلم أَنه يهدي لاحتياجه إِلَى الْقَضَاء والحسبة لَا يقبل وَلَو قبل كَانَ رشوة وَأما مِمَّن يعرف أَنه يهدي للتودد والتحبب لَا للْقَضَاء والحسبة فَلَا بَأْس بِالْقبُولِ مِنْهُ وَذكر فِيهِ أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم كَانُوا يتوسعون فِي

قبُول الْهَدَايَا بَينهم وَهَذَا لِأَن الْهَدِيَّة كَانَت عَادَتهم وَكَانُوا لَا يلتسمون مِنْهُم شَيْئا وَإِنَّمَا كَانُوا يهْدُونَ للتودد والتجبب وَكَانُوا يستوحشون برد هداياهم فَلَا يتَمَكَّن فِيهِ معنى الرِّشْوَة فَلهَذَا كَانُوا يقبلونها

في الاحتساب في باب العلم

الْبَاب الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ فِي الاحتساب فِي بَاب الْعلم والمعلم لَا يناظر فِي الْمَسْأَلَة الكلامية إِذا لم يعرفهَا على وَجههَا من الْمُلْتَقط الناصري وَمِنْه كره جمَاعَة الِاشْتِغَال بِعلم الْكَلَام قَالَ السَّيِّد نَاصِر الدّين وتأويله عندنَا كَثْرَة المناظرة والمجادلة فِيهِ بِحَيْثُ تُؤدِّي إِلَى إثارة الْبدع والفتن وتشويش العقائد أَو يكون المناظر فِيهِ قَلِيل الْفَهم أَو طَالبا للغلبة لَا للحق فَأَما معرفَة الله تَعَالَى وتوحيده وَمَعْرِفَة النُّبُوَّة وَالَّذِي تنطوي عَلَيْهِ عقائدنا فَلَا يمْنَع مِنْهُ وَفِي الْخَانِية الفقيهان إِذا تكلما فِي مَسْأَلَة إِن كَانَ الْبَذْل على أَحدهمَا جَازَ وَإِن كَانَ الْبَذْل من الْجَانِبَيْنِ لَا يجوز وَفِي الظَّهِيرِيَّة قَالَ الشَّيْخ الإِمَام صدر الْإِسْلَام ابو الْيُسْر نظرت فِي الْكتب الَّتِي صنفها المتقدمون فِي علم التَّوْحِيد فَوجدت بَعْضهَا للفلاسفة مثل

إِسْحَاق الْكِنْدِيّ والاسفراييني وأمثالهما وَذَلِكَ كُله خَارج عَن الدّين الْمُسْتَقيم وزيع عَن الطَّرِيق القويم لَا يجوز المطالعة وَالنَّظَر فِي تِلْكَ الْكتب وَلَا يجوز إِِمْسَاكهَا فَإِنَّهَا مشحونة بالشرك والضلال قَالَ وَوجدت أَيْضا تصانيف كَثِيرَة فِي هَذَا الْفَنّ للمعتزلة مثل عبد الْجَبَّار الرَّازِيّ والجبائي والكعبي النظام وَغَيرهم لَا يجوز إمْسَاك تِلْكَ الْكتب وَالنَّظَر فِيهَا كَيْلا تحدث الشكوك وَلَا يتَمَكَّن

الْخلَل فِي العقائد وَكَذَلِكَ المجسمة صنفوا كتبا فِي هَذَا الْفَنّ مثل مُحَمَّد الهيصم وَأَمْثَاله لَا يحل النّظر فِي تِلْكَ الْكتب وَلَا إِِمْسَاكهَا فَإِنَّهُم شَرّ أهل الْبدع وَقد صنف الْأَشْعَرِيّ كتبا كَثِيرَة لتصحيح مَذْهَب الْمُعْتَزلَة ثمَّ إِن الله تَعَالَى لما تفضل عَلَيْهِ بِالْهدى صنف كتابا ناقضا لما صنف لتصحيح مَذْهَب الْمُعْتَزلَة إِلَّا أَن أَصْحَابنَا من أهل السّنة خطأه فِي بعض الْمسَائِل فَمن وقف على الْمسَائِل الَّتِي أَخطَأ فِيهَا أَبُو الْحسن وَعرف خطأه فَلَا بَأْس بِالنّظرِ فِي كتبه وإمساكها قَالَ العَبْد وَلما اطَّلَعت على هَذِه الرِّوَايَة بِأَن كتب الْمُعْتَزلَة الْمُشْتَملَة على اعْتِقَادهم وَبَيَان مَذْهَبهم الْخَبيث لَا يجوز إِِمْسَاكهَا وَكَانَ عِنْدِي الْكَشَّاف للزمخشري

وَفِيه مَذْهَب الاعتزال فِي كل صفحة وورقة فَأَخْرَجته من بَيْتِي وَمَا بِعته بِثمن مَخَافَة أَن يحرم ثمنه أَن يحرم كَحُرْمَةِ ثمن الْخمر وَالْميتَة وَالْخِنْزِير معلم صبيان قَالَ الْيَهُود خير من الْمُسلمين بِكَثِير فَإِنَّهُم يقضون حُقُوق معلم صبيانهم يكفر من الذَّخِيرَة فِي كَلِمَات الْكفْر وَمِمَّا يحْتَسب على الْعَالم أَنه إِذا سُئِلَ من أعلم النَّاس فَيَقُول أَنا أعلم لِأَن الْأَدَب أَن يرد الْعلم إِلَى الله تَعَالَى وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا رُوِيَ أَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ قَامَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام خَطِيبًا فِي بني إِسْرَائِيل فَسئلَ أَي النَّاس أعلم فَقَالَ أَنا أعلم النَّاس فعتب الله عَلَيْهِ إِذْ لم يرد الْعلم إِلَى الله تَعَالَى فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ أَن عبد من عبَادي فِي مجمع الْبَحْرين هُوَ أعلم مِنْك قَالَ يَا رب وَكَيف ألحق بِهِ فَقيل لَهُ أحمل حوتا فِي مكتل فَإِذا فقدته فَهُوَ ثمَّة من صَحِيح البُخَارِيّ

في الاحتساب على السحرة والزنادقة والرقية ونحوهم

الْبَاب الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ فِي الاحتساب على السَّحَرَة والزنادقة والرقية وَنَحْوهم وَفِي الْخَانِية رجل يتَّخذ لعبة ليفرق بَين الْمَرْأَة وَزوجهَا بِتِلْكَ اللعبة قَالُوا هُوَ مُرْتَد يحكم بردته وَيقتل إِذا كَانَ يعْتَقد لَهَا أثرا ويعتقد التَّفْرِيق من اللعبة لِأَنَّهُ كَافِر والساحر إِذا تَابَ قبل أَن يُؤْخَذ تقبل تَوْبَته وَإِن أَخذ ثمَّ تَابَ لم تقبل تَوْبَته وَكَذَا الزنديق وَالْمَعْرُوف الدَّاعِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي سير الْمُحِيط سُئِلَ القَاضِي الْفضل عَن معنى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من أَتَى كَاهِنًا وَصدقه بِمَا يَقُول فقد كفر بِمَا أنزل على مُحَمَّد فَقَالَ الكاهن السَّاحر وَتَمَامه فِي بَاب الطَّيرَة والتكهن مَسْأَلَة ذكرى فِي يَوَاقِيت الْمَوَاقِيت فِي الحدائق وَمَا يتَّصل بهَا أخبرنَا القاسمي قَالَ أخبرنَا المستغفري قَالَ وجدت بِخَط نصوح بن وَاصل الوزاراني على ظهر

جُزْء قَالَ قَتَادَة لسَعِيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ رجل بِهِ طب وَيُؤْخَذ من امْرَأَته الْحل عَنهُ والنشرة قَالَ لَا بَأْس إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الاصلاح وَمَا ينفع فَلم ينْه عَنهُ قَالَ نصوح فَسَأَلَنِي حَمَّاد بن شَاكر فَمَا الْحل وَمَا النشرة فَلم أَعْرفهُمَا قَالَ أما الْحل فَإِن الرجل إِذا لم يقدر على مجامعة أَهله وأطاق مَا سواهَا فَإِن الْمُبْتَلى بذلك يَأْخُذ حُرْمَة قضبان وَيطْلب فأسا ذَا فقارين ويضعه فِي وسط تِلْكَ الحزمة ثمَّ يؤجج نَارا فِي تِلْكَ الحزمة حَتَّى إِذا حمي الفأس استخرجه من النَّار وبال على حَده فَإِنَّهُ يبرأ بِإِذن الله تَعَالَى وَأما النشرة فَإِنَّهُ يجمع أَيَّام الرّبيع من كل ورد المفازه مَا قدر عَلَيْهِ وَورد الْبَسَاتِين ثمَّ يلقيها فِي أناء نظيف وَيجْعَل فِيهِ مَاء عذبا ثمَّ يغلي ذَلِك المَاء مَعَ الْورْد غليا يَسِيرا ثمَّ يعصر حَتَّى إِذا برد المَاء أَفَاضَ ذَلِك المَاء على بدنه فَإِنَّهُ يبرأ بِإِذن الله تَعَالَى

في الاحتساب فيما يجوز التصرف في ملك الغير وغير الملك عقارا أو عروضا

الْبَاب الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ فِي الاحتساب فِيمَا يجوز التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر وَغير الْملك عقارا أَو عرُوضا إِذا ضَاقَ الْمَسْجِد على أَهله وبجنبه أَرض لرجل تُؤْخَذ أرضه مِنْهُ بِالْقيمَةِ كرها هَكَذَا روى عَن الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فعلوا ذَلِك بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَفِي الْمُلْتَقط الناصري عَن الْفَقِيه ابو جَعْفَر رَحمَه الله فِي ناؤس بِجنب أَرض لَيْسَ لَهَا قيمَة لَهُ أَن يجوزها إِلَى أرضه وَإِن كَانَت لَهُ قيمَة وَهُوَ من ناؤس الْجَاهِلِيَّة فَهُوَ بِمَثَابَة الأَرْض الْموَات وَإِن كَانَ من ناؤس بعد الْإِسْلَام فَهُوَ لقطَة وَفِي سير الْمُلْتَقط جند نزل قَرْيَة فَنزل رجل منزل رجل وَصَاحب الْبَيْت كَارِه إِن كَانُوا فِي غَزْو لَا بَأْس

في الاحتساب في اتلاف البنج على المسلم وتعزير اكله وشاربه

الْبَاب السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ فِي الاحتساب فِي اتلاف البنج على الْمُسلم وتعزير اكله وشاربه ذكر فِي شرح الْكَرْخِي وَقد قَالُوا أَن شرب البنج يجوزللتداوي فَإِذا أَزَال الْعقل لم يجز قَالَ العَبْد أصلحه الله تَعَالَى سَمِعت شيخس وأستاذي الْعَالم الْفَاضِل كَمَا الدّين السنامي أَن شَابًّا من أهل بُخَارى سَأَلَ الشَّيْخ الْعَالم الْمُجْتَهد بَقِيَّة السّلف حميد الدّين الضَّرِير رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ على الْمِنْبَر عَن البنج فَلم يجبهُ بِشَيْء ثمَّ سَأَلَهُ فِي أُسْبُوع آخر فَلم يجبهُ فَسَأَلَهُ فِي الْأُسْبُوع الثَّالِث فَغَضب عَلَيْهِ وَقَالَ أَي رندك بنشين تاهفته ويكر جَوَاب بكويم فَلَمَّا نزل عَن منبره أَتَى صدر جهان بُخَارى وَقَالَ مروا كبار الْعلمَاء ومجتهديهم أَن يحضروا فَجمع الْعلمَاء الَّذين كَانُوا من أهل الْفَتْوَى وَالِاجْتِهَاد فِي زماته فَقَالَ افْتَحْ

لنا بَاب خزانَة الْكتب وَأمرهمْ أَن ينْظرُوا فِي الْكتب هَل يَجدوا رِوَايَة فِي حُرْمَة البنج عَن أَصْحَابنَا فنظروا فِيهَا فوجدوا رِوَايَة عَن أبي حنيفَة أَن البنج حرَام فَأَجْمعُوا على حرمته لما رَأَوْا من الْمصلحَة فِيهِ فان اجْتِمَاع الْفُسَّاق عَلَيْهِ كاجتماعهم على المسكرات فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْوَعْظ صعد الإِمَام حميد الدّين الْمِنْبَر وَأخذ فِي الْوَعْظ والنصيحة فَقَالَ فِي تضاعيف كَلَامه أَيْن السَّائِل عَن البنج فَقَامَ الشَّاب وَقَالَ هَا أَنا ذَاك فَقَالَ وجدنَا رِوَايَة عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله الله أَنه حرَام وأجمعنا على ذَلِك فَثَبت بِهَذَا الاجماع أَنه حرَام وَذكر فِي شَأْن قَوْله وَمن ذهب عقله بالبنج لَا يَقع طَلَاقه وَلَا يَصح إِقْرَاره قلت إِنَّمَا لَا يَقع طَلَاق البنج إِذا لم يعلم أَنه بنج أما إِذا علم وأقدم على أكله يَقع طَلَاقه وَذكر صَاحب الْمُحِيط فِي هَذَا تَفْصِيلًا مَنْقُولًا عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله أَن السكر من البنج حرَام وَأَن طرق البنج وَاقع وَيحد شَاربه إِذا سكر مِنْهُ وَهَكَذَا عِنْد الشَّافِعِي فَإِن قيل ذكر فِي الْهِدَايَة وَغَيرهَا أَنه مُبَاح فَلَا يعْتَبر خبر الْوَاحِد مُخَالفا فَنَقُول خبر الْوَاحِد إِذا كَانَ فَقِيها يجب الْعَمَل بِهِ وَنقل الْإِجْمَاع مثل نقل الحَدِيث وَأما رِوَايَة الْهِدَايَة فَلَا ننكره وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن لَا يكون فِيهِ رِوَايَة أُخْرَى على أَنه ذكر فِي التَّعْلِيق على مَذْهَب الشَّافِعِيَّة أَن البنج حرَام فَإِذا انْعَقَد إِجْمَاع الْمُتَأَخِّرين على قَول مُجْتَهد يصير إِجْمَاعًا مُعْتَبرا لَا يجوز لمن بعدهمْ خِلَافه قَالَ العَبْد وَالدَّلِيل على أَن البنج حرَام ظَاهر لِأَن أهل الطِّبّ ذكرُوا البنج من السمُوم والسم بأنواعه حرَام فَكَذَا البنج وَلِأَنَّهُ مُضر يتَوَلَّد مِنْهُ كثير من الْأَمْرَاض يعرف ذَلِك فِي كتب الطِّبّ والمضر

حرَام كالطين فَإِن قَالَ لَو كَانَ مضرا لم يَأْكُلهُ الْعُقَلَاء ولظهر ضَرَره فيهم فَنَقُول لَعَلَّهُم يَأْكُلُون بِمَا يدْفع ضَرَره وَبِه لَا يعرف أَنه غير مُضر فَإِنَّهُ جابس بَارِد على طبيعة الْمَوْت فَلَو أكله آكل وَلم يَأْكُل بعده طَعَاما فِيهِ سمن أَو دهن لقَتله فَعلم أَنه مُضر وَمَا كَونهم عقلاء فَهُوَ على خلاف الْإِجْمَاع فَإِن فِي الْعرف إِذا عير إِنْسَان بالْخَطَأ فِي القَوْل وَالْفِعْل يَقُولُونَ أَنه بنجي وَلِأَن الْحَيَوَان الْمُجَرّد عَن الْعقل والهوى ينفر عَنهُ فَإِن الْبَقر وَالْبَعِير والشاه لَا تَأْكُله وَالْإِنْسَان إِذا غلب عَلَيْهِ الْهوى أكله فَكَأَنَّهُ صَار أضلّ من الْبَهِيمَة فَإِذا ثَبت هَذَا عرفنَا أَن عرف أهل الْحِسْبَة فِي إِضَاعَة البنج مَشْرُوع لَا يضمنُون بِهِ وَفِي الذَّخِيرَة ذكر عبد الْعَزِيز التِّرْمِذِيّ قَالَ سَأَلت أَبَا حنيفَة وسُفْيَان الثَّوْريّ رحمهمَا الله تَعَالَى عَن رجل شرب البنج فارتفع إِلَى رَأسه فَطلق امْرَأَته قَالَ أَن كَانَ حِين شرب يعلم أَنه بنج فَهِيَ طَالِق وَإِن كَانَ شرب وَهُوَ لَا يعلم أَنه بنج لَا يُطلق

في الاحتساب على من استعمل الذهب والفضة وغيرهما

الْبَاب السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ فِي الاحتساب على من اسْتعْمل الذَّهَب وَالْفِضَّة وَغَيرهمَا وَيكرهُ الْأكل وَالشرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة والأدهان قَالُوا هَذَا إِذا كَانَ يسْتَعْمل الدّهن من الْآنِية فَأَما إِذا كَانَ يصبهُ على يَده ثمَّ اسْتَعْملهُ فَلَا بَأْس بِهِ وَكَذَا إِذا أَخذ الطَّعَام من آنِية الْفضة وَوَضعه على خبز أَو نَحوه ثمَّ أكمل لَا بَأْس بِهِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الرجل وَالْمَرْأَة يَعْنِي فِيمَا سوى التحلي فَأَما التحلي لَهُنَّ بالابريسم وَالذَّهَب جَائِز والإناء المفضض إِن اسْتعْمل مَوضِع الْفضة يكره وَإِن اسْتعْمل مَوضِع الْخشب لَا يكره عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى خلافًا لأبي يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله وعَلى هَذَا الْإِنَاء المضبب والكرسي المضبب بِالذَّهَب وَالْفِضَّة أَن قعد مَوضِع الذَّهَب أَو الْفضة يكره اتِّفَاقًا وَإِن قعد على الْخشب فعلى الْخلاف الْمَذْكُور وتذهيب السّقف والمزامير والمجامر على هَذَا الْخلاف وتذهيب الْمُصحف على هَذَا الْخلاف وَالْبَاب والسرج واللجام يُقَاس عَلَيْهِ وَالْحَاصِل أَن أَبَا حنيفَة رَحمَه الله اعْتبر حُرْمَة الِاسْتِعْمَال فِيمَا يتَّصل بِبدنِهِ صُورَة وَقَالَ الأَصْل فِي الْأَشْيَاء

الْإِبَاحَة الِانْتِفَاع بهَا وَالْحُرْمَة تعَارض الأَصْل وَالنَّص ورد فِي تَحْرِيم الشّرْب وَالْأكل فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة وكل مَا يشبه الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الِاسْتِعْمَال يلْحق بِهِ وَمَا عداهُ بَقِي على أصل الْإِبَاحَة أما أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد قَالَا بِحرْمَة اسْتِعْمَال الذَّهَب وَالْفِضَّة لما فِيهِ من التَّشَبُّه بالأكاسرة والجبابرة فَكل مَا كَانَ بِهَذَا الْمَعْنى يكره وَهَذَا إِذا كَانَ يخلص وَأما التمويه فَهُوَ أَن يَجْعَل الذَّهَب وَالْفِضَّة مَاء بِحَيْثُ لَا يخلص بعد ذَلِك لَا بَأْس بِهِ بِالْإِجْمَاع لِأَن الذَّهَب وَالْفِضَّة بالتمويه يهْلك معنى لبس الجوشن من الذَّهَب وَالْفِضَّة لَا بَأْس بِهِ فِي الْحَرْب قَالُوا وَهَذَا قَوْلهمَا وعَلى قَول أبي حنيفَة يكره الْحَرِير وَيَنْبَغِي أَن لَا يتقلد سَيْفا ذَا حلية من الذَّهَب وَإِن كَانَ فِي الْحَرْب قَالُوا وَهَذَا قَوْلهمَا وَأما عِنْد أبي حنيفَة فَلَا بَأْس بِهِ وَالْفرق بَينهمَا بَين الحلى والجوشن أَن الذَّهَب وَالْفِضَّة على الجوشن يزلق السهْم وَحلية السَّيْف لَا ينفع شَيْئا وَالْقعُود على سَرِير الذَّهَب قيل الْخلاف فِيهِ فِي افتراش الْحَرِير وَذكر الْحلْوانِي أَنه يكره اتِّفَاقًا وَفِي النَّوَادِر عَن أبي حنيفَة أَن الْقعُود على كرْسِي الذَّهَب للرِّجَال حرَام والخاتم تَركه أفضل لمن لَا يحْتَاج إِلَى الْخَتْم وَلمن يحْتَاج إِلَيْهِ

كالسلطان أَو القَاضِي إجَازَة عَامَّة أهل الْعلم وَهَذَا إِذا كَانَ من الْفضة وَأما من الْحَدِيد والصفر والرصاص وَشبهه فَهُوَ حرَام على الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا وَأما من الذَّهَب فَيجوز للنِّسَاء وَيحرم على الرِّجَال عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَقَالَ بعض الْعلمَاء لَا بَأْس بِهِ وَفِي التَّخَتُّم بِحجر يُقَال ثَبت اخْتِلَاف الْمَشَايِخ وَظَاهر عُمُوم النَّهْي فِي الْكتاب يدل على الْحُرْمَة وَإِذا تختم الرجل بِالْفِضَّةِ يَجْعَل الفص من قبل الْكَفّ وَالْمَرْأَة تظهر الفص للزِّينَة ويلبس فِي الختصر الْيُسْرَى دون سَائِر الْأَصَابِع وَلَو لبس فِي أَي أصْبع سواهُ جَازَ وَلَا ينقش فِيهِ بتمثال إِنْسَان أَو طير أَو هوَام الأَرْض من الْمُلْتَقط الناصري

في الاحتساب في الثياب

الْبَاب الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ فِي الاحتساب فِي الثِّيَاب يمْنَع من الْحَرِير والديباج وكل ثوب لَهُ أبريسيم وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ سداه غير أبريسم وَلحمَته أبريسم يمْنَع مِنْهُ أَيْضا وَكَذَا يمْنَع من لِبَاس الْحمرَة وَأَن قَطعنَا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إيَّاكُمْ والحمرة فَإِنَّهَا زِيّ الشَّيْطَان والبطانة والظهارة فِي الْحُرْمَة سَوَاء والحشو يجوز من أبريسم الثَّوْب إِذا تنجس يمْنَع جَوَاز الصَّلَاة لَا يجوز لبسه فِي غير الصَّلَاة إِلَّا إِذا لم يجد غَيره وَيكرهُ لبس الثَّوْب المعصفر والمزعفر للرِّجَال إِلَّا أَن يكون ثوبا من الْقطن لَونه أَحْمَر خلقه لما رُوِيَ عَن أبن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه قَالَ تهاني رَسُول الله عَن لبس الْأَحْمَر فَهُوَ مَنْسُوخ بِهِ وَإِن كَانَ بعده فَهُوَ مَحْمُول

على أَنه كَانَ من قطن لَونه أَحْمَر خلقته وَذكر الْحَاكِم فِي الْمُنْتَقى وَلَا خير فِي أَن يلبس الرجل ثوبا فِيهِ كتاب من ذهب أَو فضَّة وَلَا بَأْس للْمَرْأَة بِهِ وَلم يذكر أَنه قَول من وَذكر الْقَدُورِيّ أَنه قَول أبي يُوسُف قَالَ وعَلى الْقيَاس قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله لَا يكره وَيَنْبَغِي أَن يلبس فِي عَامَّة الْأَوْقَات الْوسط ويلبس أحسن مَا يجد فِي بعض الْأَوْقَات إِظْهَار لنعم الله تَعَالَى فَإِن ذَلِك مَنْدُوب إِلَيْهِ وَلَا يلبس أحسن مَا يجد فِي جَمِيع الْأَوْقَات لِأَنَّهُ يُؤْذِي المحتاجين وَكَذَلِكَ لَا يَنْبَغِي فِي الشتَاء أَن يتظاهر بَين الجبتين أَو ثَلَاثَة إِذا كَانَ يدْفع الْبرد بِمَا دونه لِأَنَّهُ يُؤْذِي المحتاجين وَهُوَ منهى عَن اكْتِسَاب سَبَب أَذَى الْغَيْر وَفِي تَفْسِير الْكسَائي فِي أول سُورَة هود خرج عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي حَال خِلَافَته وَعَلِيهِ ثِيَاب غِلَاظ فَقيل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو لبست أَلين من هَذَا لَكَانَ خيرا قَالَ اسْكُتْ فَإِن هَذَا أخشع لقلبي وأشبه لشعار الصَّالِحين وَأحسن للْمُؤْمِنين أَن يقتدوا بِهِ وَفِي الْمُلْتَقط الناصري وَإِذا شدّ الزنار وَأخذ العسلي أَو لبس قلنسوة الْمَجُوس جادا أَو هازلا كفر إِلَّا إِذا فعل ذَلِك خديعة فِي الْحَرْب وَهُوَ طَلِيعَة الْمُسلمين

وَفِي بَاب تَقْبِيل الْيَد من الْكِفَايَة الشعبية التَّاجِر إِذا دخل دَار الْحَرْب فَشد الزنار على وَسطه وَألقى العسلي على كتفه يكفر لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يضر الْإِسْلَام وَفِي إِيمَان الْفَتَاوَى الْخَانِية وَيكرهُ لبس التكة من الْحَرِير فِي قَوْلهم جَمِيعًا لِأَنَّهُ مُسْتَعْمل للحرب وَإِن لم يكن لابسا قَالَ العَبْد وبهذه الْعلَّة على أَن موي بند من الْحَرِير أَيْضا مَكْرُوه لِأَنَّهُ مُسْتَعْمل أَيْضا وفيهَا من أوجب على نَفسه أَن يلبس الصُّوف حَتَّى يَمُوت أَن نوى الْعَادة فَلهُ أَن يلبس غَيره وَلَيْسَ هَذَا من الْقرْبَة بِشَيْء بل يكره الشُّهْرَة فِي اللبَاس وَأَن نوى الْيَمين كَانَ يَمِينا قَالَ العَبْد وعَلى هَذَا الْقيَاس يكره لبس الجوالق وَنَحْوه لِأَنَّهُ لِبَاس شهرة وامتياز عَن النَّاس وَطلب الدُّنْيَا روى أَبُو ذَر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أَرْبَعَة من الْكَبَائِر لبس الصُّوف لطلب الدُّنْيَا وادعاء محبَّة الصَّالِحين وَترك فعلهم وذم الْأَغْنِيَاء وَالْأَخْذ مِنْهُم وَرجل لَا يرى الْكسْب للنَّاس وَيَأْكُل من كسب النَّاس وَفِي تَفْسِير الْكسَائي فِي أول سُورَة هود ويحتسب على من يلبس ثوبا فِيهِ تصاوير لِأَنَّهُ يشبه حَامِل الصَّنَم وَلِهَذَا يكره أَن يصلى بِهَذَا الثَّوْب ويحتسب

على الذِّمِّيّ إِذا تشبه بِأَهْل الْعلم وَالصَّلَاح فِي الثَّوْب وَتَمَامه فِي بَاب الاحتساب على الذِّمِّيّ وَذكر فِي شرح الْكَرْخِي رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنفذ جَيْشًا فعنموا عنائم فَلَمَّا رجعُوا تلقاهم وَقد لبسوا الْحَرِير والديباج فَلَمَّا رَآهُمْ تغير وَجهه وَأعْرض عَنْهُم فَقَالُوا أَعرَضت عَنَّا فَقَالَ انزعوا عَنْكُم ثِيَاب أهل النَّار فنزعوا ذَلِك قَوْله تلقاهم أَي اسْتَقْبَلَهُمْ دلّ الحَدِيث على أَحْكَام أَحدهَا تلقي الْغُزَاة عِنْد دُخُولهمْ لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ تلقاهم وَالثَّانِي تزين الْمُسَافِر عِنْد الدُّخُول فِي مصرهم لأحبائهم لأَنهم لبسوا الْحَرِير والديباج زاعمين أَنه يحل لَهُم فتزينوا بِهِ وَالثَّالِث يَنْبَغِي لمن يرى غَيره فِي لِبَاس حريرأو ديباج أَن يغْضب عَلَيْهِ لذَلِك حَتَّى يرى أثر غَضَبه فِي وَجهه وَالرَّابِع يَنْبَغِي لمن يرى غَيره فِي لِبَاس حَرِير أَو ديباج أَن لَا يكلمهُ وَلَا يضْحك فِي وَجهه بل يعرض عَنهُ لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ أعرض عَنْهُم وَالْخَامِس أَن الْغَازِي وَغَيره فِي حرمه لبس الْحَرِير سَوَاء عِنْد عدم الْحَرْب لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ أنكر عَلَيْهِم وهم غزَاة وَالسَّادِس يُؤمر لَا بس الْحَرِير بنزعه لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَمرهم بِهِ وَالسَّابِع يجوز أَن يُقَال ثوب الْحَرِير لِبَاس أهل النَّار لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ

وَالثَّامِن أَن الْجَاهِل بِتَحْرِيم الْحَرِير إِذا لبسه يسْتَحق أدنى التَّعْزِير وَهُوَ الْأَعْرَاض والتغيير لِأَنَّهُ عمر رَضِي الله عَنهُ لم يعزرهم بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَالتَّاسِع يجوز للَّذي أعرض عَنهُ أَمَامه وَتغَير عَلَيْهِ أَن يسْأَله عَن سَببه كَمَا سَأَلُوا عمر رَضِي الله عَنهُ والعاشر إِذا أَمر الْمُحْتَسب رجلا بِنَزْع ثوب الْحَرِير عَنهُ يأتمره وَينْزع فِي الْحَال وَلَا يلبث لأَنهم نزعوا فِي الْحَال عقيب أمره لِأَن الْفَاء للتعقيب قَالَ العَبْد وَمَا عرفت فِي لِبَاس الْحَرِير فأعرفه فِي كل مُنكر لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْعلَّة وَذكر فِي شرح الْكَرْخِي كَانَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يرى بَأْسا بِأَرْبَع أَصَابِع حَرِير من عرض الثَّوْب قلت فَإِن كَانَ قلنسوة فَهِيَ من أَربع أَصَابِع فِي عرض ثوب قَالَ لَا يَنْبَغِي ذَلِك لِأَن مِقْدَار أَرْبَعَة أَصَابِع فِي جملَة الثَّوْب تَابع فَلَا يمْنَع مِنْهُ كَالْعلمِ فِي الثَّوْب وَأما القلنسوة من الْحَرِير فَلَيْسَتْ تَابِعَة لغَيْرهَا فَيكْرَه كَمَا يكره الثَّوْب من الْحَرِير

في الاحتساب على من ينظر بغير حل

الْبَاب التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ فِي الاحتساب على من ينظر بِغَيْر حل ذكر فِي شَهَادَات الْمُلْتَقط عَن خلق بن أَيُّوب أَن من خرج لينْظر إِلَى قدوم الْأَمِير فَلَيْسَ بِعدْل وَذكر فِي الْخَانِية أَن من خرج ينظر إِلَى قدومه للعبرة كَانَ عدلا وَأَن خرج للهو فَلَيْسَ بِعدْل وَذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي بستانه لَا يجوز لأحد أَن ينظر فِي بَيت غَيره بِغَيْر أُذُنه فَإِن فعل فقد أَسَاءَ وأثم فِي فعله فَإِن نظر ففقأ صَاحب الْبَيْت عينه اخْتلفُوا فِيهِ قيل لَا شَيْء عَلَيْهِ وَقيل عَلَيْهِ الضَّمَان وَبِه نَأْخُذ وَأما من قَالَ لَا ضَمَان فقد ذهب إِلَى مَا روى أَبُو شهَاب عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا اطلع فِي بَيت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَمَعَ رَسُول الله شَيْء يحك بِهِ رَأسه فَلَمَّا رَآهُ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَو أعلم أَنَّك تنظر إِلَى لطعنتك بِهِ إِنَّمَا جعل

الْأذن من أجل الإبصار وروى أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أَن أمرا اطلع عَلَيْك بِغَيْر إِذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عَلَيْك جنَاح وَأما من قَالَ يجب عَلَيْهِ الضَّمَان فَلقَوْله تَعَالَى {من اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ بِمثل مَا اعْتدى عَلَيْكُم} وَيحْتَمل أَن الْخَبَر على وَجه الْوَعيد لَا على وَجه الْحَقِيقَة وَيحْتَمل أَن المُرَاد من فَقَأَ الْعين أَن يَجْعَل فِي بَابه حِجَابا يمْنَع عَن النّظر كَأَنَّهُ فَقَأَ عين النَّاظر إِلَيْهِ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لِبلَال رَضِي الله عَنهُ قُم فاقطع لِسَانه لشاعر وَأَرَادَ بِهِ دفع شَيْء وَلم يرد بِهِ الْقطع الْحَقِيقِيّ فَكَذَا هُنَا

في الاحتساب على أهل الاكتساب

الْبَاب الْأَرْبَعُونَ فِي الاحتساب على أهل الِاكْتِسَاب بيع المكعب المفضض من الرِّجَال إِذا علم أَنه يلْبسهُ يكره قَالَ العَبْد وَيُقَاس عَلَيْهِ بيع القلنسوة من النسيج وَالْحَرِير وَبيع القباء وَنَحْوه من الأبريسم فكله يكره لِأَنَّهُ مَخْصُوص بِالنسَاء وَجعل الْإِنْسَان خَصيا أَو مجبوبا حرَام وَإِن كَانَ مَمْلُوكا وَيُعَزر مرتكبه وَفِي شرح الطَّحَاوِيّ الْكَبِير كره أَبُو حنيفَة كسب الخصيان وملكهم واستخدامهم لِأَنَّهُ لَوْلَا رَغْبَة النَّاس فِيهَا لما أخصوا فَكَانَ فِي اقتنائهم مَعُونَة على إخصائهم وَذَلِكَ مثله وَهُوَ محرم لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الأخصاء والقابلة تمنع من المعالجة لإِسْقَاط الْوَلَد بعد مَا استبان خلقه وَأما قبله فَقيل لَا بَأْس بِهِ كالعزل وَقيل يكره لِأَن مآل المَاء بَعْدَمَا وَقع فِي الرَّحِم الْحَيَاة فَإِنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَى صنع آخر فَبعد ذَلِك تنفخ فِيهِ الرّوح وَإِذا كَانَ مآله الْحَيَاة كَانَ لَهُ حكم الْحَيَاة للْحَال كَمَا بَيْضَة صيد الْحَرَام لما كَانَ مآلها الْحَيَاة

كَانَ لَهَا حكم الصَّيْد حَتَّى لَو أتلف محرم بَيْضَة الْحرم ضمن بِخِلَاف الْعَزْل لِأَن مَاء الرجل لَا تنفخ فِيهِ الرّوح إِلَّا بعد صنع آخر وَهُوَ الْإِلْقَاء فِي الرَّحِم فَلَا يكون مآله الْحَيَاة على أَن الْعَزْل يكره على قَول عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمُدَّة استبانة الْخلق وَنفخ الرّوح مقدرَة بِمِائَة وَعشْرين يَوْمًا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام يجمع خلق أحدكُم فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَة الحَدِيث قَالَ العَبْد فِي التَّقْدِير بِهَذِهِ الْمدَّة على سَبِيل الْعُمُوم بالتمسك بِهَذَا الحَدِيث نظرا لِأَن قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام أحدكُم خَاص فَيكون تَقْدِير نفخ الرّوح فِي صُورَة خَاصَّة كَذَلِك لَا على سَبِيل الْعُمُوم كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَابْعَثُوا أحدكُم بورقكم} وَقَوله تَعَالَى {فَخذ أَحَدنَا مَكَانَهُ} على أَن الْأَطِبَّاء يُنكرُونَ عُمُومه بالتجربة الَّتِي يجْرِي إنكارها مجْرى إنكارالحقائق وَلِأَن مُدَّة الْولادَة مُخْتَلفَة فَكيف يكون مُدَّة الاستبانة وَاحِدَة وَلِأَن علم مَا فِي الرَّحِم مَفْقُود فَكيف علم أَوْصَافه وَمن الِاكْتِسَاب الَّتِي يحْتَسب على أَرْبَابهَا النوح والغناء وحرفة القوال والسحرة واتخاذ الْخمر واتخاذ المزامير من الخسب وَالْجَلد والخزف وتصوير

الصُّور وَحلق لحى الرِّجَال وَرَأس النِّسَاء تشبها بِالرِّجَالِ والمشاطة يحْتَسب عَلَيْهَا فِي وصل شعر الْإِنْسَان بِشعر الْمَرْأَة ليزِيد من قونها يَوْم الزفاف لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لعن الله تَعَالَى الْوَاصِلَة وَالْمسْتَوْصِلَة وَتَعْلِيم الْبَازِي بالطير الْحَيّ يَأْخُذهُ ويعذبه يكره وَإِن أَرَادَ تَعْلِيم الْبَازِي يُعلمهُ بالطير الْمَذْبُوح وَعَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَصْغِير الْمُصحف حجما بِأَن يكْتب بقلم رَقِيق مَكْرُوه وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَزفر وَالْحسن رَحِمهم الله من الْمُلْتَقط الناصري رَحمَه الله تَعَالَى الله وَعَن مَالك بن أنس أَنه يخرج كل جُمُعَة من السُّوق من لَيْسَ يعلم التِّجَارَة وَفِي الْفَتَاوَى الْخَانِية وَلَا بَأْس بِبيع الزنار من النَّصَارَى والقلنسوة من الْمَجُوس لِأَن فِي ذَلِك إذلالا لَهُم وفيهَا أَيْضا إسكاف أمره إِنْسَان أَن يتَّخذ لَهُ خفا مَشْهُورا على زِيّ الْمَجُوس أَو الفسقة وَزَاد فِي الْأجر قيل لَا يَنْبَغِي أَن يفعل ذَلِك وَكَذَا الْخياط إِذا أَمر أَن يخيط ثوبا على زِيّ الْفُسَّاق وَلَو أَن مُسلما آجر نَفسه ليعْمَل فِي الكنسية ويعمرها لَا بَأْس بِهِ لِأَنَّهُ لَا مَعْصِيّة فِي عين الْعَمَل وَإِن أجر نَفسه من نَصْرَانِيّ ليضْرب الناقوس كل

يَوْم بِخَمْسَة دَرَاهِم وَفِي عمل آخر وَيُعْطى لَهُ كل يَوْم دِرْهَم قَالُوا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يُؤَاجر نَفسه مِنْهُم وَيطْلب الرزق فِي عمل آخر وَيَأْمُر الْمُحْتَسب الْحداد أَن يتَّخذ بَين الطَّرِيق وَبَين دكانه حِجَابا لِئَلَّا يتطاير الشرر إِلَى الطَّرِيق وَذكر الْفَتَاوَى الْخَانِية حداد جلس فِي دكانه إِلَى جَانب طَرِيق الْعَامَّة فَأوقد نَارا على حَدِيدَة لَهُ فَاخْرُج الْحَدِيد فَضَربهُ بِمِطْرَقَةٍ فتطاير مَا يتطاير من الْحَدِيد المحمى وَخرج ذَلِك من حانوته وَقتل رجلا أَو فَقَأَ عينه أَو أحرق ثَوْبه أَو قتل دَابَّته كَانَ ضَمَان مَا تلف بذلك من المَال وَالدَّابَّة فِي مَال الْحداد ودية الْقَتْل وَالْعين يكون على عَاقِلَته لِأَن مَا طَار من دق الْحداد وضربه كجناية بِيَدِهِ لَا عَن قصد ويحتسب على بَائِع اللَّبن إِذا خلط المَاء بلينه لِأَنَّهُ غش وخيانه وَفِي الحَدِيث من غَشنَا فَلَيْسَ منا وَفِي سير الأتقياء بِالْفَارِسِيَّةِ زني بوداندر

روزكار عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ شير فروختي روزي أَمِير الْمُؤمنِينَ أورايديد وكفهت هيج آب نكرده أَي اندرين شير كفت ني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كنت سوكند خوري كه آب نكرده أَي كفت خورم دختري بوداين زن راكفت آب مي اخكنى اندرين شير مسلمان راخيانت ميكني وبيش أَمِير الْمُؤمنِينَ دوروغ ميكوني ونيز بخداوند سوكند دروغ مي خوري عمر رَضِي الله تَعَالَى عَن آن زن را أدب كردكه آب بش أزاين نيكفتي أندرشير بش بسرخود عَاصِم راكف ايْنَ دختررا بزن كن كه خداوند تَعَالَى بَركت كند اندرا وبزني كرو وَعمر بن الْعَزِيز ازنسل ايشان بود وخلافت بوي زسيد وبكي از أولياي خداي تَعَالَى بود ومناقت أودر كتابها مسطوراست ودرين روايت فوايد بسيارست الأولى يجوز للمحتسب أَن يطوف فِي السُّوق كَمَا كَانَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يطوف حَتَّى لقى تِلْكَ الْمَرْأَة الثَّانِيَة يجوز لَهُ أَن يتفحص أَحْوَال السوقة من غير أَن يُخبرهُ أحد بخيانتهم لِأَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سَأَلَهَا عَن حَالهَا فَإِن قيل يَنْبَغِي أَن لَا

يجوز لِأَنَّهُ تحبس وَقد قَالَ الله تَعَالَى وَلَا تحبسسوا فَنَقُول التَّجَسُّس طلب للشر والإيذاء وَطلب الْخَيْر لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر لَيْسَ للشر والإيذاء بل للخير وَالْمَنْفَعَة فَيجوز لِأَنَّهُ غير دَاخل فِي لُغَة التَّجَسُّس لذَلِك فَلَا يدْخل تَحت النَّهْي وَالله أعلم وَالثَّالِثَة كَانَ أهل السُّوق فِي ذَلِك الزَّمَان أَيْضا كَذَّابين خوانين كَمَا كَانَت تِلْكَ الْمَرْأَة فَمَا ظَنك فِي رماننا هَذَا وَالرَّابِعَة يجوز للمحتسب أَن يخوف أهل السُّوق بِالْيَمِينِ كَمَا قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لتِلْك الْمَرْأَة أتحلفين وَالْخَامِسَة يجوز للْوَلَد أَن يمْنَع وَالِديهِ عَن الْكَذِب كَمَا منعت تِلْكَ الْبِنْت أمهَا وَالسَّادِسَة يجوز للْوَلَد أَن يخبر الْمُحْتَسب بِمَعْصِيَة وَالِديهِ إِذا علم الْولدَان الْوَالِدَان لَا يمتنعان بموعظته كَمَا أخْبرت تِلْكَ الْبِنْت عمر رَضِي الله عَنهُ عَن مَعْصِيّة أمهَا إِذْ لَو لم يجز لمنع عمر رَضِي الله عَنهُ تِلْكَ الْبِنْت عَن ذَلِك وَالسَّابِعَة إِذا اطلع الْمُحْتَسب على خِيَانَة فِي اللَّبن وَغَيره يجوز أَن يُؤَدب الخائن عَلَيْهَا كَمَا أدب عمر رَضِي الله عَنهُ تِلْكَ الْمَرْأَة على خيانتها فِي اللَّبن وَالثَّامِنَة تؤدب الْمَرْأَة على خيانتها كَمَا يُؤَدب الرجل لاشْتِرَاكهمَا فِي

الْمعْصِيَة الْمُوجبَة للتعزير والتأديب كَمَا أدب عمر رَضِي الله عَنهُ تِلْكَ الْمَرْأَة والتاسعة الصَّغِير إِذا تكلم يحِق على خلاف الْعَادة يكون دَلِيلا على خَيره لِأَنَّهُ خَالف طبعه فِي صغره حَيْثُ ترك المداهنة الَّتِي فِي طبعه مخلوقة وَأثر رِضَاء الله تَعَالَى مَعَ قلَّة عقله فيستدل بِهِ أَنه يكون أهْدى وأرشد فِي كبره لتأييده حِينَئِذٍ بِكَمَال الْعقل وَلِهَذَا أَمر عمر رَضِي الله عَنهُ ابْنه أَن يتَزَوَّج تِلْكَ الْبِنْت لما سمع مِنْهَا كلمة الْحق على وَجه والدتها والعاشر المنظور فِي التَّزَوُّج خير ديني لَا علو فِي الْحَرْف وَلَا علو فِي الشّرف فَإِن عمر رَضِي الله عَنهُ أَمر ابْنه وَهُوَ قرشي ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يتَزَوَّج بنت سوقية بائعة اللَّبن والحادية عشرَة فراسة عمر رَضِي الله عَنهُ حَيْثُ ظهر من نسلها مثل عمر ابْن عبد الْعَزِيز وَالثَّانيَِة عشرَة إطاعة الْوَلَد للوالد أولى من مُتَابعَة عقله كَمَا أطَاع عَاصِم أَبَاهُ فبورك فِي نَسْله وَهَذِه الْحِكَايَة بِتَمَامِهَا فِي الصَّلَاة على الْجَنَائِز فِي الْكِفَايَة الشعبية وَيكرهُ الاحتكار والتلقي فِي الْمَوَاضِع الَّتِي يضر ذَلِك بأَهْله لِأَن النَّهْي عَن الاحتكار وتلقى الركْبَان مَحْمُول على حَال يضر بأَهْله فِي شرح الطَّحَاوِيّ الْكَبِير وَيكرهُ بيع السِّلَاح من أهل الْحَرْب وَمن أهل الْفِتْنَة وعساكر الْفِتْنَة لِأَنَّهُ مَعُونَة لَهُم عَلَيْهَا

وَفِي ذَبَائِح الْمُلْتَقط وَيحل أَخذ الطير بِاللَّيْلِ وَمَا ورد من النَّهْي فَذَلِك للشفقة أَن صَحَّ لِأَن الله تَعَالَى أحل الصَّيْد مُطلقًا وَفِي شَهَادَات الْمُلْتَقط وان أَخذ سوق النخاسين مقاطعة ضمن شهد على ذَلِك الصَّك فَهُوَ مَلْعُون وَكَذَا أَن شهدُوا بِالْإِقْرَارِ بِالدَّرَاهِمِ وَقد عرفُوا السَّبَب وَلَو شهدُوا وَلم يعرفوا السَّبَب جَازَ وفيهَا لَا تقبل شَهَادَة من بيع الْمُغنيَة على غنائها مَسْأَلَة طحن الْحُبُوب بالدواب يكره أَولا الْجَواب ذكر فِي شرعة الْإِسْلَام ويطحن الْبر وَالشعِير بِيَدِهِ وَلَا يطحن بالدواب ذكر الْفَقِيه فِي بستانه وَيكرهُ للتاجر أَن يحلف لأجل ترويج السّلْعَة وَيكرهُ أَن يصلى على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي عرض سلْعَته وَهُوَ أَن يَقُول صلى الله تَعَالَى على مُحَمَّد مَا أَجود هَذَا يخلاف مَا لَو صلى مُذَكّر لتجويد كَلَامه لِأَن البَائِع يَأْخُذ صلَاته حطاما دنيويا والمذكر لَا من الذَّخِيرَة وَغَيره وَذكر فِي سير الذَّخِيرَة فِي كَلِمَات الْكفْر قَالَ رهي واراكارنيم وازدوار خوريم فقد قيل هَذَا خطأ عَظِيم من الْكَلَام من يرى الرزق من كَسبه إِذا قَالَ تافلان برجاست وَقَالَ مراتااين بازوبرجابست مراروزي كم نيايد فَإِن بعض مَشَايِخنَا يكفر وَقَالَ بَعضهم يخْشَى عَلَيْهِ الْكفْر وَفِيه إِذا قَالَ الرزق من الله تَعَالَى وَلَكِن زبندة جنيش خواهد فوَاللَّه فقد قيل هَذَا شرك لِأَن حَرَكَة العَبْد أَيْضا من الله تَعَالَى وَهُوَ يرى الرزق فِي الْحَرَكَة وَمن

أَرَادَ ان يَبِيع شَيْئا وَفِيه عيب وَهُوَ يعلم بِهِ يَنْبَغِي لَهُ أَن يبين الْعَيْب وَلَا يُدَلس قَالَ فَإِن بَاعَ وَلم يبين الْعَيْب قَالَ يصير فَاسِقًا مَرْدُود الشَّهَادَة وَالصَّحِيح أَنه لَا يصير مَرْدُود الشَّهَادَة لِأَنَّهُ صَغِيرَة ذكر فِي بَاب خِيَار الْعَيْب من بُيُوع الْفَتَاوَى الْخَانِية وَذكر فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن سعيد بن أبي الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ كنت عِنْد ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا إِذْ أَتَاهُ رجل فَقَالَ يَا ابْن عَبَّاس أَنِّي إِنْسَان إِنَّمَا معيشتي من صَنْعَة يَدي وَأَنِّي أصنع هَذِه التصاوير فَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ الا أحَدثك بِمَا سَمِعت عَن رَسُول الله قَالَ بلَى قَالَ سمعته عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول من صور صُورَة فَإِن الله تَعَالَى يعذبه حَتَّى ينْفخ فِيهِ الرّوح وَلَيْسَ بنافخ فِيهَا أبدا فربى الرجل ربوة شَدِيدَة وأصفر وَجهه فَقَالَ وَيحك أَن أَبيت إِلَّا أَن تصنع فَعَلَيْك بِهَذَا الشّجر وكل شَيْء لَيْسَ فِيهِ الرّوح وَمِمَّا يحْتَسب على الْمُسلم أَن يدْخل الْأَشْيَاء فِي دَار الْحَرْب قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى لَا بَأْس بِأَن يحمل الْمُسلم إِلَى أهل الْحَرْب مَا شَاءَ إِلَّا الكراع وَالسِّلَاح والمسبي لِأَن الْمُسلم مَأْمُور مَنْدُوب إِلَى التباعد عَن الْمُشْركين قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا تستضيئوا بِنَار الْمُشْركين وَقَالَ أَنا برِئ

من كل مُسلم مَعَ مُشْرك يتَرَاءَى ناراهما وَفِي حمل الْأَمْتِعَة إِلَيْهِم للتِّجَارَة نوع مقاربة مَعَهم قَالَ فَالْأولى أَن لَا يفعل إِلَّا أَنه لَا بَأْس بذلك فِي الطَّعَام وَالثيَاب وَنَحْو ذَلِك لما روى أَن ثُمَامَة أسلم فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويطفح الْميرَة على أهل مَكَّة وَكَانُوا يمتازون مِنْهَا فَكَتَبُوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَلُون أَن يَأْذَن لَهُ فِي حمل الطَّعَام إِلَيْهِم فَأذن لَهُ فِي ذَلِك وَأهل مَكَّة يَوْمئِذٍ كَانُوا حَربًا مَعَ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام فَعرفنَا أَنه لَا بَأْس بذلك وَلِأَن الْمُسلمين يَحْتَاجُونَ إِلَى بعض مَا فِي دِيَارهمْ من الأردية والأمتعه فَإِذا منعناهم مَا فِي دِيَارنَا إِلَيْهِم فهم يمْنَعُونَ أَيْضا عَنَّا مَا فِي دِيَارهمْ من الأردية والأمتعه فَإِذا منعناهم مَا فِي دِيَارنَا إِلَيْهِم فهم يمْنَعُونَ أَيْضا عَنَّا مَا فِي دِيَارهمْ فَحمل بعض مَا يُوجد فِي دِيَارنَا إِلَيْهِم أَمر لَا بُد مِنْهُ وَلِهَذَا أرخصنا للْمُسلمين فِي ذَلِك إِلَّا فِي الكراع وَالسِّلَاح والمسبى مَنْقُول عَن إِبْرَاهِيم وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وعمربن عبد الْعَزِيز وَذَلِكَ لأَنهم يتقوون بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاح على قتال الْمُسلمين وَقد أمرنَا بِكَسْر شوكتهم وَقتل مُقَاتلَتهمْ قَالَ شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ فِي السّير الْكَبِير المُرَاد من الكراع الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير والثيران الَّتِي يحمل عَلَيْهَا الْمَتَاع وَالْمرَاد من السِّلَاح مَا يكون معدا لِلْقِتَالِ اسْتعْمل فِي الْحَرْب أَو لَا يسْتَعْمل وأجناس السِّلَاح مَا كبر مِنْهُ وَمَا صغر حَتَّى الإبرة والمسلة فِي كَرَاهِيَة الْحمل إِلَيْهِم على السوَاء وَكَذَلِكَ

الْحَدِيد أصل السِّلَاح وَكَذَا الْحَرِير والديباج يكره حمله إِلَيْهِم والقز الَّذِي هُوَ غير مَعْمُول كَذَلِك لِأَنَّهُ يتقوى بِهِ على الْحَرْب بِخِلَاف الثِّيَاب الرقَاق من الابريسم وَالْحَاصِل أَن مَا لَيْسَ بسلاح بِعَيْنِه فَإِن كَانَ الْغَالِب وَلَا بَأْس بِإِدْخَال الْقطن وَالثيَاب إِلَيْهِم لِأَن الْغَالِب فِيهِ اسْتِعْمَاله للبس لَا لِلْقِتَالِ وَإِن كَانَ الْغَالِب عِنْدهم بِأَنَّهُم يُقَاتلُون بالجبايات المحشوة من الْقطن لم يحل ادخاله النسْر الْحَيّ والمذبوح وَمَعَهَا أَجْنِحَتهَا يمْنَع إدخالها إِلَيْهِم لِأَن الْغَالِب عَلَيْهِم أَنه يدْخل الريش للنشاب والنبل وَكَذَلِكَ الْعقَاب إِذا كَانَ يَجْعَل من ريشها ذَلِك أَيْضا وَإِذا أَرَادَ الْمُسلم أَن يدْخل دَار الْحَرْب بِأَمَان للتِّجَارَة وَمَعَهُ فرسه وسلاحه وَهُوَ لَا يُرِيد بَيْعه مِنْهُم لَا يمْنَع من ذَلِك وَلَكِن إِن اتهمَ على شَيْء من ذَلِك يسْتَحْلف بِاللَّه تَعَالَى مَا يدْخلهُ للْبيع وَلَا يَبِيعهُ فِي دَار الْحَرْب حَتَّى يخرج إِلَّا من ضَرُورَة فَإِن حلف تَركه ليدخله لانْتِفَاء التُّهْمَة وَكَذَا إِذا أَرَادَ حمل الْأَمْتِعَة إِلَيْهِم فِي الْبَحْر فِي السَّفِينَة لِأَن السَّفِينَة مركب يتقوى بِهِ على الْحَرْب فيستحلف فِيهَا أَيْضا وَأما الذِّمِّيّ إِذا أَرَادَ الدُّخُول إِلَيْهِم بِأَمَان يمْنَع أَن يدْخل فرسا مَعَه أَو برذونا أَو سِلَاحا لِأَن الظَّاهِر أَنه يدْخل ذَلِك إِلَيْهِم للْبيع مِنْهُم لِأَن دينه لَا يمنعهُ عَن ذَلِك إِلَّا أَن يكون الذِّمِّيّ مَأْمُونا عَلَيْهِ وَإِن أَرَادَ

الذِّمِّيّ أَن يدْخل عَلَيْهِم البغال وَالْحمير والسفن والعجلة لَا يمْنَع من ذَلِك وَلَكِن يسْتَحْلف أَنه لَا يدْخلهُ للْبيع وَلَا يَبِيعهَا مِنْهُم حَتَّى يُخرجهَا من دَار الْحَرْب إِلَّا من ضَرُورَة احْتِيَاطًا بِقدر الْإِمْكَان وَالْحَرْبِيّ الْمُسْتَأْمن يمْنَع من ذَلِك كُله لِأَنَّهُ من أهل الْحَرْب فَالظَّاهِر أَنه يدخلهَا ليقيم فِيهَا وَيكون حَربًا على الْمُسلمين استقوى بهَا إِلَّا أَن يكون مكاريا يحمل سقاء أَو روايا من مُسلم أَو ذمِّي فَحِينَئِذٍ لَا يمْنَع من ذَلِك لِأَن الظَّاهِر أَنه يقْصد تَحْصِيل الْكِرَاء لنَفسِهِ وَأَنه يرجع كَمَا يدْخل وَإِذا كَانَ أهل الْحَرْب أقوياء إِذا دخل عَلَيْهِم التَّاجِر بِشَيْء من هَذَا لم يَدعُوهُ ليخرج بِهِ وَلَكنهُمْ يعطونه ثمنه فَإِنَّهُ يمْنَع الْمُسلم وَالذِّمِّيّ من إِدْخَال الْخَيل وَالسِّلَاح وَالرَّقِيق إِلَيْهِم لعدم الضَّرُورَة الْمَانِعَة بِخِلَاف البغال وَالْحمير والثيران وَالْإِبِل للضَّرُورَة إِلَيْهَا فِي الرّكُوب وَالْحمل فَإِنَّهُ لَا يمْنَع من ذَلِك بِقدر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ للرُّكُوب وَالْحمل لَا مَا سواهُ وَهَذَا اسْتِحْسَان وَفِي الْقيَاس يمْنَع من جَمِيع ذَلِك لما فِيهِ من قُوَّة أهل الْحَرْب وَلَا رخصَة فِيهِ أصلا وَوجه الِاسْتِحْسَان أَن التَّاجِر لَا يُمكنهُ الْمَشْي وَحمل الْمَتَاع على ظَهره وَالتِّجَارَة لَا بُد لَهُ مِنْهَا فَرخص فِيهَا كُله من الذَّخِيرَة فِي السّير

في الاحتساب على المماليك

الْبَاب الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ فِي الاحتساب على المماليك وَيكرهُ للرجل أَن يَجْعَل الرَّايَة فِي عنق عَبده وَلَا يكره لَهُ تَقْيِيده لِأَن الرَّايَة مثله وإشهاروالقيد عُقُوبَة والمثلة منهى مِنْهَا والعقوبة مُسْتَحقَّة على أَهلهَا كالضرب للتأديب وَذكر فِي شرح الْكَرْخِي أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم كَانَ لَهُم خدم من العلوج وَكَانُوا يرجعُونَ إِلَى قَوْلهم فِي المأكل قَالَ العَبْد وَهَذَا يدل على أَن اسْتِخْدَام الْكَافِر لَا يكره سَوَاء كَانَ عبدا أَو جيرا وَفِي الشَّهَادَات لَو شتم أَهله ومماليكه فاعتاد ذَلِك كل سَاعَة وَيَوْم لَا تقبل شَهَادَته وَإِن كَانَ أَحْيَانًا تقبل يَعْنِي مَا دون الْقَذْف فَأَما الْقَذْف فَيسْقط الْعَدَالَة وَذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي التنبه عَن عَامر الشّعبِيّ أَنه قَالَ استسقى رجل

من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل بَيت فدعَتْ الْمَرْأَة خَادِمهَا فأبطأت عَلَيْهَا فقذفها فَقَالَ أما أَنَّك ستحدين لَهَا يَوْم الْقِيَامَة أَو تقيمين أَرْبَعَة يشْهدُونَ أَنَّهَا كَمَا قلت فأعتقتها فَقَالَ لَهَا عَسى أَن يكفر هَذَا عَنْك وَذكر فِي جنايات الذَّخِيرَة إمْسَاك الْجَعْد فِي الْغُلَام حرَام هُوَ المروى عَن أَصْحَابنَا رَحِمهم الله إِنَّمَا يمسكون الْجَعْد فِي الْغُلَام للأطماع الْفَاسِدَة ويتبنى على هَذَا لَو حلق جعد عبد إِنْسَان وَنبت مَكَانَهُ أَبيض يلْزم النُّقْصَان وَلَيْسَ طَرِيق معرفَة النُّقْصَان فِي هَذِه الصُّورَة أَن ينظر إِلَى قيمَة العَبْد وَبِه جعد وَإِلَى قِيمَته وَلَا جعد بِهِ وَإِنَّمَا طَرِيقَته أَن ينظر إِلَى قِيمَته وأصول شعره نابتة وَإِلَى قِيمَته وأصول شعره غير نابتة لِأَن إمْسَاك الْجَعْد حرَام وجهة الْحَرَام لَا تعْتَبر شرعا وَعَن هَذَا قيل إِذا نبت الشّعْر وَلم ينْبت جعد لَا شَيْء على الحلاق وَيكرهُ الغل من الْحَدِيد فِي العَبْد وَالْأمة وَهُوَ الطوق من الْحَدِيد الَّذِي يمنعهُ من أَن يُحَرك رَأسه لِأَنَّهُ مُعْتَاد الظلمَة وَلِأَنَّهُ عُقُوبَة أهل النَّار فَيكْرَه كالإحراق بالنَّار وَفِي الْجَامِع الصَّغِير الخاني قَالُوا وَهَذَا كَانَ فِي ومانهم عِنْد قلَّة الاباق أما فِي زَمَاننَا لَا بَأْس بِهِ لقلَّة الأباق خُصُوصا فِي الهنود مَسْأَلَة هَل يجوز للغلام أَن يَسْتَعْدِي على مَوْلَاهُ إِذا ضربه الْجَواب ذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي التَّنْبِيه عَن عَطاء بن يسَار أَن أَبَا ذَر ضرب وَجه غُلَام فاستعدى عَلَيْهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لَا

تضربوا وُجُوه الْمُسلمين فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ والبسوهم مَا تلبسُونَ فَإِن رابوكم فبيعوهم وَفِي بُيُوع الْمُلْتَقط الناصري وَإِذا أَسَاءَ على عبد فرفعه إِلَى القَاضِي وَشهِدت جِيرَانه بذلك لَا يجْبر على بَيْعه وَينْهى الْمولى عَن ذَلِك فَإِذا عَاد أدب بِالضَّرْبِ وَالْحَبْس كَذَا عَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى

فيما يتعلق بمسائل الموتى

الْبَاب الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ فِيمَا يتَعَلَّق بمسائل الْمَوْتَى لَا يتْرك للغسال أَن يَأْخُذ أجره على غسل الْمَيِّت وَأما حمل الْمَيِّت وحفر قَبره وَدَفنه فَلَا بَأْس لِأَن الأول حَسبه وَالثَّانِي لَا وَذكر الْقَدُورِيّ إِن كَانَ فِي مَوضِع لَا يجد من يغسلهُ أَو يحملهُ غير هَؤُلَاءِ فَلَا أجر لَهُم وَإِن كَانَ ثمَّة أنَاس غَيرهم فَلهم الْأجر رفع الصَّوْت عِنْد الْجِنَازَة يكره وَاخْتلف فِي تَفْسِيره فَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد مِنْهُ النوحة وتمزيق الثِّيَاب وخمش الْوَجْه وَذَلِكَ مَكْرُوه وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد مِنْهُ مَا كَانَ أَن يقوم رجل بعد مَا اجْتمع الْقَوْم للصَّلَاة وَيَدْعُو للْمَيت وَيرْفَع صَوته وَذَلِكَ مَكْرُوه لِأَن السّنة فِي الْأَدْعِيَة الْخفية وبهذه الْحجَّة ظَهرت أَن المراثى الْمَعْهُودَة فِي بَلْدَتنَا مَكْرُوهَة لِأَن فِيهَا مُبَالغَة الثَّنَاء والجهد بِالدُّعَاءِ وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد مِنْهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ أهل الْجَاهِلِيَّة من الإفراط فِي مدح الْمَيِّت عِنْد جنَازَته حَتَّى كَانُوا يذكرُونَ مَا يشبه الْمحَال وَاصل الثَّنَاء لَيْسَ

بمكروه لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي حق ابْن رَوَاحه حِين اسْتشْهد كَانَ أولنا وصُولا وآخرنا قفولا وَكَانَ يُصَلِّي الصَّلَاة لوَقْتهَا قَوْله أولنا وصُولا أَي أولنا خُرُوجًا إِلَى الْقِتَال وَهُوَ مُسْتَحبّ لِأَنَّهَا مسارعة إِلَى الْعِبَادَة وآخرنا قفولا أَي رُجُوعا عَن الْجِهَاد وَأَنه مُسْتَحبّ أَيْضا لِأَنَّهُ يدل على شدَّة الرَّغْبَة فِيهِ وَكَانَ يُصَلِّي الصَّلَاة لوَقْتهَا وَأَنه أَيْضا صفة مدح لِأَنَّهُ مُحَافظَة للصَّلَاة فَعلم أَن الْمَدْح للْمَيت جَائِز والمدح المتجاوز عَن الْحَد الْمَشْرُوع وَهُوَ أَن يمدح بِمَا لَا يكون فِيهِ حرَام دفن الْمَيِّت والقتيل فِي مَقَابِر قوم مَاتَ فيهم أحب وَنَقله ميلًا وميلين لَا بَأْس بِهِ وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ قيل يكره وَإِلَيْهِ مَال السَّرخسِيّ وَقيل لَا يكره قلع شوك أَو حشيش نبت على الْقُبُور إِن كَانَ رطبا يكره قلعه وَإِن كَانَ يَابسا لَا يكره لِأَنَّهُ مَا دَامَ رطبا يسبح وَيحصل للْمَيت بتسبيحه أنس وَفِي وَصَايَا الْمُلْتَقط الَّذِي يلقى تَحت الْمَيِّت فِي الْقَبْر كَالثَّوْبِ والمقرمة لَا بَأْس بِهِ وَفِي وَصَايَاهُ اتِّخَاذ الْقَارئ عِنْد الْقَبْر بِدعَة وَلَا معنى لصلة الْقَارئ بقرَاءَته وَلم يَفْعَله أحد من الْخُلَفَاء وَالصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ

الْوَصِيَّة بعمارة قبر أَبِيه للتجصيص لَا للزِّينَة يجوز عَن أبي الْقَاسِم فَمن أوصى أَن يطين قَبره أَو يضْرب على قَبره قبَّة أَو يدْفع إِلَى إِنْسَان شَيْئا ليقْرَأ على قَبره فَالْوَصِيَّة بَاطِلَة أهل الذِّمَّة إِذا جعلُوا أَرضًا مَمْلُوكَة لَهُم مَقْبرَة لم يمنعوا عَن ذَلِك لِأَنَّهَا ملكهم فَيجوز تصرفهم فِيهَا كَيْفَمَا شَاءُوا وَتَمَامه فِي بَاب الاحتساب على أهل الذِّمَّة وَفِي الْفَتَاوَى الْخَانِية وَإِذا مَاتَت الْمَرْأَة حَامِلا فدفنت فرؤيت فِي الْمَنَام أَنَّهَا قَالَت ولدت لَا ينبش قبرها وَمَسْأَلَة النوح اخْتصّت بِبَاب على حِدة وَذكر فِي الظَّهِيرِيَّة وَلَا بَأْس بِالْجُلُوسِ لأهل الْمُصِيبَة فِي الْبَيْت ثَلَاثَة أَيَّام وَالنَّاس يأتونهم ويعزونهم وَالتّرْك أفضل من الْخَانِية وَيكرهُ الْجُلُوس على بَاب الدَّار لِأَنَّهُ عمل أهل الْجَاهِلِيَّة وَنهى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام عَن ذَلِك وَمَا يصنع فِي بِلَاد الْعَجم من فرش الْبسط وَالْقِيَام على قوارع الطَّرِيق من أقبح القبائح ويحتسب على من سطح الْقَبْر كَمَا هُوَ عَادَة بعض الجهلة من المتشبهين بالصوفيه لِأَن السّنة فِي الْقَبْر على مَذْهَبنَا التسنيم وَلَا بَأْس بِنَقْل الْمَيِّت إِلَى ميل أَو ميلين وَيكرهُ الزِّيَادَة على ذَلِك وَذكر فِي الْخَانِية وَإِذا مَاتَ الانسان لَا بَأْس بِأَن يُؤذن قرَابَته وأخوانه بِمَوْتِهِ وَيكرهُ النداء فِي الْأَسْوَاق وَفِي الْجَامِع الصَّغِير الخاني

وَقد اسْتحْسنَ بعض الْمُتَأَخِّرين من الْفُقَهَاء النداء فِي الْأَسْوَاق للجنازة لكَي يرغب النَّاس فِي الصَّلَاة عَلَيْهَا وَكره ذَلِك بَعضهم وَالْأول أصح وَفِي الْخَانِية وَيَنْبَغِي أَن يكون غاسل الْمَيِّت على الطهار وَيكرهُ أَن يكون حَائِضًا أَو جنبا وَيكرهُ رفع الصَّوْت بِالذكر حَال حمل الْجِنَازَة وَعَن إِبْرَاهِيم كَانُوا يكْرهُونَ أَن يَقُول الرجل هُوَ يمشي مَعهَا اسْتَغْفرُوا لَهُ غفر الله تَعَالَى لَكِن وَيكرهُ أَن يقوم الرجل إِذا رأى جَنَازَة غير وَهُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهُ كَانَ فِي ابْتِدَاء الاسلام ثمَّ نسخ بعده وَيكرهُ الْآجر فِي اللَّحْد إِذا كَانَ يَلِي الْمَيِّت أما فِيمَا وَرَاءه لَا يأس بِهِ وَلَا يَنْبَغِي إِخْرَاج الْمَيِّت من الْقَبْر بَعْدَمَا دفن إِلَّا إِذا كَانَت الأَرْض مَغْصُوبَة أَو أخذت بِالشُّفْعَة فَإِن وَقع فِي الْقَبْر مَتَاع فَعلم ذَلِك بَعْدَمَا أهالوا عَلَيْهِ التُّرَاب بنبش وَيسْتَحب فِي الْقَتِيل دَفنه فِي الْمَكَان الَّذِي مَاتَ فِيهِ فِي مَقَابِر أُولَئِكَ الْقَوْم وَإِن نقل قبل الدّفن إِلَى ميل أَو ميلين فَلَا بَأْس بِهِ وَكَذَا لَو مَاتَ فِي غير بَلَده يسْتَحبّ تَركه فَإِن نقل إِلَى مصر آخر لَا بَأْس بِهِ لما رُوِيَ أَن يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام مَاتَ بِمصْر وَنقل إِلَى الشَّام بعد زمَان وَسعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ مَاتَ فِي ضَيْعَة على أَرْبَعَة فراسخ من الْمَدِينَة وَنقل على أَعْنَاق الرِّجَال إِلَى الْمَدِينَة بَعْدَمَا دفن وَلَا يَنْبَغِي إِخْرَاجه بعد مُدَّة طَوِيلَة أَو

قَصِيرَة إِلَّا بِعُذْر والعذر مَا قُلْنَاهُ وَقَالَ شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ وَقَول مُحَمَّد فِي الْكتاب لَا بَأْس بِنَقْل الْمَيِّت قدر ميل أَو ميلين بَيَانه أَن النَّقْل من بلد إِلَى بلد مَكْرُوه امْرَأَة مَاتَ وَلَدهَا فِي غير بَلَدهَا فَدفن فَأَرَادَتْ نبش الْقَبْر وَحمل الْمَيِّت إِلَى بَلَدهَا لَيْسَ لَهَا ذَلِك لما قُلْنَا كُله من الْخَانِية وَفِي الْوَقْف فِي فصل الرِّبَاط والمقابر الْمَيِّت بَعْدَمَا دفن لَا يخرج من غير عذر أَلا ترى أَن كثيرا من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم دفنُوا فِي أَرض الْحَرْب وَلم يحولوا وَلم يخرجُوا وَيجوز إِخْرَاجه بِعُذْر والعذر أَن تكون الأَرْض مغضوبة أَو أَخذهَا الشَّفِيع بِالشُّفْعَة وَيكرهُ أَن يدْفن بِالسِّلَاحِ والجلود والفرو والحشو والخف والقلنسوة من الْمُحِيط وَغَيره وَعَن عمر رَضِي الله عَنهُ تكفن الْمَرْأَة فِي خَمْسَة أَثوَاب وَالرجل فِي ثَلَاثَة {وَلَا تَعْتَدوا إِن الله لَا يحب الْمُعْتَدِينَ} أخبر أَن الزِّيَادَة على الْخَمْسَة فِي الْمَرْأَة وعَلى الثَّلَاثَة فِي الرجل من الاعتداء وَفِي خُنْثَى الْهِدَايَة وتكفن كَمَا تكفن الْجَارِيَة يَعْنِي خَمْسَة أَثوَاب لِأَنَّهُ إِذا كَانَ أُنْثَى فقد أُقِيمَت سنة وَإِن كَانَ ذكرا فقد زَاد على الثَّلَاثَة وَلَا بَأْس بذلك وَالْأولَى فِي خرقَة النِّسَاء أَن تكون بِقدر مَا تصل من الثديين إِلَى الفخذين ليَكُون أستر لَهَا وَلَا بَأْس بنشر الطّيب من الزَّعْفَرَان والورس فِي الرجل وَيكرهُ للرجل الْكَفَن من الْحَرِير والابريسم

والمعصفر وَالْمَرْأَة تكفن فِيهِ رجل مَاتَ وَلَا شَيْء لَهُ يفترض على النَّاس أَن يكفنوه فَإِن لم يقدروا عَلَيْهِ سَأَلُوا النَّاس ثوبا لَهُ لِأَنَّهُ لَا يقدر على السُّؤَال بِنَفسِهِ خلاف الْحَيّ لِأَنَّهُ يقدر بِنَفسِهِ فَلَا يحْتَاج إِلَى السُّؤَال وَيكرهُ أَن يتَقَدَّم الْجِنَازَة كل الْقَوْم وَإِن يكن بَعضهم أمامها جَازَ وَلَا بَأْس بالركوب فِي الْجِنَازَة إِذا كَانَ بَعيدا عَن الْجِنَازَة وَإِن كَانَ قَرِيبا مِنْهَا يكره لِأَن السَّبِيل فِي إتباع الْجِنَازَة بطرِيق التذلل لَا بطرِيق التكبر وَلَا يتبع الجناز بِنَار وَذكر فِي وَصَايَا شرح الطَّحَاوِيّ رَحمَه الله شِرَاء الْكَفَن من أُمُور الْحِسْبَة أَنه لَو لم يوص رجل وَلَيْسَ لَهُ وَرَثَة فلأصحابه أَن يبيعوا من مَاله ويشتروا لَهُ كفنا قَالَ وَلَا يصلى على جَنَازَة كَافِر وَلَا يقوم على قَبره لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تصل على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره} أَي حِين يدْفن رُوِيَ ذَلِك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا دَلِيل على أَن الْمُسلم يَنْبَغِي أَن يصلى عَلَيْهِ ويقام على قَبره حَتَّى يدْفن رُوِيَ ذَلِك عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَذكر فِي أَحْكَام الْجَصَّاص قَالَ إِلَّا أَن يَمُوت الْكَافِر وَلَا ولي لَهُ إِلَّا مُسلم فَإِنَّهُ يدفنه للضَّرُورَة وَلَكِن لَا يُرَاعى فِيهِ سنة فِي الْغسْل والدفن وَلَكِن يغسلهُ غسل الثَّوْب النَّجس وَلَا يَضَعهُ فِي الْقَبْر بل يلقيه كالجيفة الملقاة فِي الْمَزَابِل فَإِن قيل روى أَنه عَلَيْهِ

السَّلَام قَامَ على قبر عبد الله بن أبي سلول الْمُنَافِق قُلْنَا ذَلِك قبل نزُول هَذِه الْآيَة فنسخ فعله عَلَيْهِ السَّلَام بِهَذِهِ الْآيَة من أَحْكَام الْجَصَّاص

في إراقة الخمر وقتل الخنزير

الْبَاب الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ فِي إِرَاقَة الْخمر وَقتل الْخِنْزِير قَالَ وَإِذا اطلع الْمُحْتَسب على خمر الْمُسلم وإراقها لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي إراقتها أما الإراقة فَلِأَنَّهُ نهى عَن الْمُنكر وَأما عدم الضَّمَان فَلِأَنَّهُ محسن وَمَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل وَأَن أراق خمر ذمِّي فَإِن كَانَ غير الْمُحْتَسب فَهُوَ على وَجْهَيْن إِن إراقها بَعْدَمَا اشْتَرَاهَا أَو قبل مَا اشْتَرَاهَا فَإِن إراق مُسلم خمر ذمِّي بَعْدَمَا اشْتَرَاهَا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِن لم يكن المريق محتسبا لِأَنَّهُ لما بَاعهَا مِنْهُ فقد سلطه على إتلافها وَمن سلط غَيره على إِتْلَاف مَاله فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي اتلاف كمن قتل دَابَّة غَيره بأَمْره أَو قطع يَد عَبده بِإِذْنِهِ وَلَا يجب عَلَيْهِ الثّمن أَيْضا لِأَن الْمُسلم لَا يُؤْخَذ بِثمن الْخمر وَإِن أتلفهَا بِغَيْر الشِّرَاء ضمن لِأَن الْخمر لَهُم كالخل لنا وَمن أتلف خل الْمُسلم ضمن فَكَذَا إِذا أتلف خمر الذمى وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يضمن لِأَن الْخمر لَيست بِمَال فِي دَار الْإِسْلَام وَجَوَابه لَا يضمن لِأَنَّهُ مُجْتَهد فِيهِ فَلهُ أَن يعْمل بِمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده وَتَمَامه فِي بَاب الاحتساب على أهل الذِّمَّة وَفِي الْفَصْل الثَّامِن عشر

من سير الذَّخِيرَة وكل مصر من أَمْصَار الْمُسلمين تجمع فِيهِ الْجمع وتقام فِيهِ الْحُدُود فَلَيْسَ لمُسلم وَلَا كَافِر أَن يدْخل فِيهِ خمرًا وَلَا خنزيرا ظَاهرا فَإِن أَدخل فِيهِ مُسلم خمرًا أَو خنزيرا وَقَالَ إِنَّمَا مَرَرْت مجتازا أَو إِنَّمَا أُرِيد أَن أخلل الْخمر أَو قَالَ لَيْسَ هَذَا لي وَإِنَّمَا هِيَ لغيري وَلم يخبر لمن هِيَ فَإِنَّهُ ينظر إِن كَانَ رجلا متدينا لَا يتهم على ذَلِك خليت سَبيله وَأمر بِهِ أَن يخلل الْخمر لِأَن ظَاهر حَاله يدل على صدق خَبره وَالْبناء على الظَّاهِر وَاجِب حَتَّى يتَبَيَّن خِلَافه وخصوصا فِيمَا لَا يُمكن الْوُقُوف على حَقِيقَة الْحَال وَإِن كَانَ رجلا يتهم بتناول ذَلِك اريقت خمره وذبحت خنازيره واحرقت بالنَّار لِأَن ظَاهر حَاله يدل على أَن قَصده ارْتِكَاب الْحَرَام فَيمْنَع عَن ذَلِك على سَبِيل النَّهْي عَن الْمُنكر

في الاحتساب على أصحاب الزروع والباغات

الْبَاب الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ فِي الاحتساب على أَصْحَاب الزروع والباغات ذكر فِي شرح الْكَرْخِي روى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَنه يكره أَن يُغير الأَرْض بالعذرة وَكَانَ ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِذا دفع أرضه مُزَارعَة شَرط على الْمزَارِع أَن يغيرها بالعذرة وروى عَن سعد رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ بِغَيْر أرضه بالعذرة وَعَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ يجوز اسْتِعْمَال الْعذرَة فِي الأَرْض وروى عَنهُ أَنه لَا يجوز وَقَالَ مُحَمَّد أَن غلب التُّرَاب عَلَيْهَا جَازَ وَالصَّحِيح أَن يمْنَع إستمعالها إِلَّا أَن يغلب عَلَيْهِ التُّرَاب لِأَن عين النَّجَاسَة يكره الِانْتِفَاع بهَا كَالْخمرِ فَإِذا غلب عَلَيْهِ التُّرَاب زَالَ حكم الْعين وَصَارَت النَّجَاسَة تَابِعَة فَيجوز الِانْتِفَاع بهَا كَالثَّوْبِ النَّجس فَلَمَّا جَازَ الِانْتِفَاع بِهِ جَازَ بَيْعه قَالَ ذكر فِي قوت الْقُلُوب رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَة فترغبوا فِي الدُّنْيَا

في الاحتساب على من يفعل في جسده أو شعره أو في اسمه بدعة

الْبَاب الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ فِي الاحتساب على من يفعل فِي جسده أَو شعره أَو فِي اسْمه بِدعَة الخضاب للرِّجَال بالحمرة سنة فِي اللِّحْيَة وبالسواد إِن كَانَ فِي الْغَزْو لترهيب الْعَدو فَهُوَ مَحْمُود بِاتِّفَاق الْمَشَايِخ وَإِن فعل لتزيين نَفسه عِنْد النِّسَاء وليحبب نَفسه إلَيْهِنَّ فَذَلِك مَكْرُوه عِنْد عَامَّة الْمَشَايِخ رَحِمهم الله وبنحوه ورد الْأَثر عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَبَعْضهمْ جوزوا ذَلِك من غير كَرَاهَة وَلَا يَنْبَغِي خضاب الْيَد وَالرجل للذكور صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا وَلَا بَأْس بِهِ للنِّسَاء من الْمُلْتَقط وَلَا بَأْس بثقب أذن الطِّفْل من النِّسَاء وَفِيه دَلِيل على أَن ثقب اذن الطِّفْل من الذُّكُور مَكْرُوه فيحتسب على من فعله التَّسْمِيَة باسم لم يذكرهُ الله تَعَالَى فِي كِتَابه وَلَا نبيه فِي سنته وَلَا سبقه الْمُسلمُونَ تكلمُوا فِيهِ الأولى أَن لايفعل ذَلِك تحرزوا عَن الْبِدْعَة وَلَا بَأْس إِذا طَالَتْ لحيته أَن يَأْخُذ من أطرفها وَلَا بَأْس بِأَن يقبض على لحيته فَإِن زَاد على قَبضته مِنْهَا شَيْء يسير جزه وَإِن كَانَ مَا زَاد طَويلا تَركه من

الْمُلْتَقط الناصري وَفِي الْفَتَاوَى الْخَانِية رُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ حلقت رَأْسِي فخطأني الْحجام فِي ثَلَاثَة مِنْهَا أَنِّي جَلَست مستديرا الْقبْلَة فَقَالَ اسْتقْبل الْقبْلَة وناولته الْجَانِب الْأَيْسَر فَقَالَ الْأَيْمن واردت أَن أذهب بعد الْحلق فَقَالَ ادفن شعرك فَرَجَعت ودفنته وَفِي هَذِه الرِّوَايَة فَوَائِد كَثِيرَة ثَلَاث عرفت بِاللَّفْظِ وَهِي آدَاب الْحلق وَالرَّابِعَة علم أَن أَبَا حنيفَة كَانَ محلوقا وَالْخَامِسَة إِن النَّصِيحَة تسمع وَإِن كَانَت من نَازل فَإِن أَبَا حنيفَة اسْتمع النَّصِيحَة من الحلاق وأطاعه بِمَا أمره الْحجام وَالسَّادِسَة لَا يستنكف الْعَاقِل أَن تذكر معايبه بَين أخوانه بَعْدَمَا تَابَ مِنْهَا ليعلم بِهِ غَيره فَلَا يسترعيه مِنْهُ أَيْضا كَمَا ذكر أَبُو حنيفَة وَالسَّابِعَة أَن الْأَمر بِالْفِعْلِ يعبر بِهِ عَن الْفِعْل بِنَفسِهِ لَا سِيمَا فعل لَا يُمكن أَن يَفْعَله الانسان بِنَفسِهِ فَهُوَ كَفِعْلِهِ بِنَفسِهِ ويعبر بِهِ عَنهُ فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ حلقت رَأْسِي وَمَعْلُوم أَن المُرَاد بِهِ الْأَمر بحلق الرَّأْس فَهَذِهِ الْحَقِيقَة تركت للتعذر وَفِي الْمُلْتَقط وَصلى الشَّافِعِي بَعْدَمَا حلق وعَلى ثَوْبه شعر كثير فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ مَتى بليت فَرُبمَا انحططت إِلَى مَذْهَب الْعرَاق وَفِي هَذِه الرِّوَايَة فَوَائِد كَثِيرَة أَحدهَا أَن الشَّافِعِي محلوقا

وَالثَّانيَِة أَنه كَانَ يَأْخُذ بمذهبنا فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ بِنَفسِهِ وَيتْرك مذْهبه وَالثَّالِثَة أَن الشّعْر المحلوق من الرَّأْس إِذا كَانَ على الثَّوْب لَا يمْنَع عندنَا جَوَاز الصَّلَاة وَإِن كثر وَالرَّابِعَة أَنه إِنَّمَا سمي الْعَمَل بمذهبنا انحطاطا لَا لِأَنَّهُ يقْدَح فِي مَذْهَبنَا وَلَكِن لَعَلَّه أَنه لما أَخذ بالأسهل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كَانَ انحطاطا فِي زَعمه

في الاحتساب في فعل البدع من الطاعات وترك السنن

الْبَاب السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ فِي الاحتساب فِي فعل الْبدع من الطَّاعَات وَترك السّنَن قِرَاءَة الْقُرْآن جَهرا عِنْد قوم مشاغيل لَا يَسْتَمِعُون لَهُ يكره لِأَنَّهُ استخفاف بِالْقُرْآنِ وَلِهَذَا كره بعض مَشَايِخنَا التَّصَدُّق على المتكدي الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن فِي الْأَسْوَاق زجرا لَهُ عَن ذَلِك قِرَاءَة الْفَاتِحَة بعد الْمَكْتُوبَة لأجل الْمُهِمَّات مخافتة أَو جَهرا مَعَ الْجمع مَكْرُوهَة وَكَذَلِكَ قِرَاءَة سُورَة الْكَافِرُونَ مَعَ الْجمع مَكْرُوهَة لِأَنَّهَا بِدعَة لم ينْقل ذَلِك عَن الصَّحَابَة وَلَا عَن التَّابِعين فَإِن قيل ذكر فِي الْفَتَاوَى وَيكرهُ الدُّعَاء عِنْد ختم الْقُرْآن فِي شهر رَمَضَان وَعند ختم الْقُرْآن بِجَمَاعَة لِأَن هَذَا لم ينْقل عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَلَا عَن الصَّحَابَة وَمَعَ هَذَا رَأينَا أَلا يحْتَسب على من يَدْعُو فَنَقُول قَالَ الْفَقِيه أَبُو الْقَاسِم الصفار لَوْلَا أَن أهل هَذِه الْبِلَاد قَالُوا أَنه يمنعنا عَن الدُّعَاء وَإِلَّا لمنعتهم عَنهُ ذكره فِي الْخَانِية أَنه لَا يمْنَع عَن التَّغَنِّي بِقِرَاءَة الْقُرْآن قيل لَا يكره لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ منا قَالَ أَكثر الْمَشَايِخ هُوَ مَكْرُوه وَلَا يحل الِاسْتِمَاع لِأَن فِيهِ تَشْبِيها بِفعل الفسقة فِي حَال فسقهم وَلِهَذَا كره هَذَا النَّوْع فِي الآذان وَلَا أحب أَن يَقُول الْقَارئ أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم أَن الله هُوَ

السَّمِيع الْعَلِيم لِأَنَّهُ يصير فاصلا بَين التَّعَوُّذ وَالْقِرَاءَة وَيَنْبَغِي أَن يكون الْقِرَاءَة مُتَّصِلَة بالتعوذ ذكره بعض مَشَايِخنَا النقوش فِي الْمِحْرَاب وحائط الْقبْلَة مَكْرُوه لِأَنَّهُ يشغل قلب الْمُصَلِّي إِذا نظر فِيهِ وَرُوِيَ أَنه أهدي إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام ثوب معلم فصلى فِيهِ ثمَّ نَزعه فَقَالَ كَانَ شغلني علمه عَن ذَلِك وَذكر الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر فِي شرح السّير أَن نقش الْحِيطَان مَكْرُوه قل أَو كثر أما نقش السّقف إِن قل يرخص فِيهِ وَالْكثير مَكْرُوه إِذا كبروا بعد الصَّلَاة على أثر الصَّلَاة يكره وَأَنه بِدعَة يَعْنِي سوى يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق الفقاعي إِذا قَالَ عِنْد فتح الفقاع صلى الله تَعَالَى على مُحَمَّد أَو قَالَ ذكل الطرائقي يَأْثَم وَلَا يُؤجر بِهِ وَبِه أَخذ الْفَقِيه من الْمُلْتَقط وَذكر فِي الخاني الحارس فِي الحراسة إِذا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله أَو مَا أشبه ذَلِك قَالُوا يكون إِثْمًا لِأَنَّهُ يَأْخُذ بذلك عوضا قَالَ العَبْد وَعِنْدِي أَنه يُثَاب عَلَيْهِ لِأَن الْأجر يَأْخُذهُ على الحراسة لَا على الذّكر لِأَنَّهُ لَو حرس بِكَلَام آخر يسْتَحق الْأجر فَعلم أَنه فِي الذّكر محتسب لامستأجر ولأنا لَو منعناه عَن الذّكر وَأَنه يحْتَاج إِلَى كَلَام يجْهر بِهِ فَلَا يُؤمن عَلَيْهِ أَن يَقع فِي الْغناء وَأَنه حرَام وَذكر فِي الْمُحِيط فِي بَاب الْأَذَان رُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه قَالَ إِذا اجْتمع أهل

بَلْدَة على ترك الآذان قاتلناهم وَلَو ترك وَاحِد ضَرَبْنَاهُ وحبسناه وَكَذَلِكَ سَائِر السّنَن وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا امْتَنعُوا عَن إِقَامَة الْفَرْض نَحْو صَلَاة الْجُمُعَة وَسَائِر الْفَرَائِض يُقَاتلُون وَلَو امْتنع وَاحِد ضَربته وَأما السّنَن فنحو صَلَاة الْعِيد وَصَلَاة الْجَمَاعَة وَالْأَذَان فَأَنِّي آمُرهُم وأضربهم وَلَا أقاتلهم لتقع التَّفْرِقَة بَين الْفَرَائِض والنوافل وَالسّنَن وَمُحَمّد رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول الْأَذَان وَصَلَاة الْعِيد وَإِن كَانَت من السّنَن إِلَّا أَنَّهَا من أَعْلَام الدّين فالإصرار على تَركهَا إستخفاف بِالدّينِ فيقاتلون على ذَلِك لهَذَا وَقد نقل عَن مَكْحُول أَنه قَالَ السّنة سنتَانِ سنة أَخذهَا هدى وَتركهَا لَا بَأْس بِهِ وَسنة أَخذهَا هدى وَتركهَا ضَلَالَة كالآذان وَالْإِقَامَة وَصَلَاة الْعِيد وَالْجَمَاعَة يُقَاتلُون على الضَّلَالَة إِلَّا أَن الْوَاحِد إِذا ترك ذَلِك يضْرب وَيحبس لترك سنة مُؤَكدَة وَلَا يُقَاتل لِأَن تَركه لَا يُؤَدِّي إِلَى الاستخفاف بِالدّينِ وَيحرم الترهب وَهُوَ الاعتزال عَن النِّسَاء وَتَحْرِيم غشيانهن على نَفسه وَجعل نَفسه بِمَنْزِلَة الرهبانيين وَأَنه حرَام فِي ديننَا وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا رَهْبَانِيَّة فِي الْإِسْلَام وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَيْسَ فِي ديننَا الترهب وَقَالَ من ترهب فَلَيْسَ

منا وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام رَهْبَانِيَّة هَذِه الْأمة الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَإِقَامَة الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة من الذَّخِيرَة فِي الْفَصْل الثَّامِن عشر من السّير وَذكر فِي شرح الْكَرْخِي لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يدانيه إِلَّا بِهِ وأكره أَن يَقُول أَسأَلك بِحَق فلَان أَو بِحَق أنبيائك أَو رسلك أَو بِحَق الْبَيْت والمشعر الْحَرَام وَنَحْوه فِي ذَبَائِح الْمُلْتَقط لَا يمْنَع من التَّكْبِير فِي الْأَسْوَاق أَيَّام الْعشْر وَلَا فِي طَرِيق الْمصلى

فيما تسقط به فريضة الاحتساب

الْبَاب السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ فِيمَا تسْقط بِهِ فَرِيضَة الاحتساب وَهُوَ أَن يكون عَاجِزا عَن إِقَامَته قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ائْتَمرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهوا عَن الْمُنكر فَإِذا رَأَيْت الدُّنْيَا مُؤثرَة وشحا مُطَاعًا وَإِعْجَاب كل ذِي رَأْي بِرَأْيهِ فَعَلَيْك نَفسك فَإِن من بعدكم أَيَّام الصَّبْر والتمسك يَوْمئِذٍ بِمثل الَّذِي انتم عَلَيْهِ كَأَجر خمسين عَاملا قَالُوا يَا رَسُول الله كَأَجر خمسين عَاملا مِنْهُم قَالَ لَا بل كَأَجر خمسين عَاملا مِنْكُم وَعَن مَسْرُوق فِي قَوْله تَعَالَى إِن أرضي وَاسِعَة قَالَ إِذا رَأَيْتُمْ الْفَاجِر فَلم تستطيعوا أَن تغيرُوا فانفروا فِي وَجهه وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ من فر من أثنين فقد فر وَمن فر من ثَلَاثَة لم يفر قَالَ سُفْيَان رَحمَه الله سَمِعت ابْن شبْرمَة يَقُول وَهَكَذَا الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَانَا رجلَيْنِ أَمر وَإِن كَانُوا ثَلَاثَة فخافهم فَهُوَ فِي سَعَة من

تَركهم وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رَأَيْت الْمُنكر فَلم تستطع لَهُ تغييرا فحسبك أَن تعلم أَنَّك تنكره بقلبك وَعَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رَأَيْتُمْ أمرا لَا تَسْتَطِيعُونَ تَغْيِيره فَاصْبِرُوا حَتَّى يكون الله تَعَالَى هُوَ مغيره قَالَ العَبْد وَهَذَا إِذا لم يسْأَله عَن شَيْء فَإِن سُئِلَ فَلَا يحل لَهُ أَن يُجيب إِلَّا بِالْحَقِّ قيل إِنَّه لما دخل أَبُو إِسْحَاق الفرازي على هَارُون الرشيد بالمعصية كتب إِلَيْهِ يُوسُف بن إسباط أَنَّك قد دخلت على هَذَا الرجل فَلم تَأمره وَلم تَنْهَهُ وَقد رَأَيْت مَا أظهر من الْحَرِير والديباج فَكتب أَبُو إِسْحَاق أَنَّك لم تذكر فِي الْإِسْلَام إِلَّا الْحَرِير والديباح فَأَيْنَ الدِّمَاء والفروج وَالْأَمْوَال وَأَنه كَانَ يُقَال إِذا خَافَ الْعَالم فَهُوَ فِي سَعَة مَا لم يسْأَل وَإِنِّي لم أسأَل عَن شَيْء رجل يَدعُوهُ الْأَمِير فيسأله عَن أَشْيَاء فَإِن تكلم بِمَا يُوَافق الْحق يَنَالهُ

الْمَكْرُوه فَلَا يَنْبَغِي أَن يتَكَلَّم بِخِلَاف الْحق وَهَذَا إِذا لم يخف الْقَتْل أَو تلف بعض جسده أَو أَخذ مَاله فَإِن خَافَ ذَلِك فَلَا بَأْس بِهِ وَالدَّلِيل على أَن الْعَاجِز عَن إِقَامَة الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر إِذا سكت عَن ذَلِك وَكره الْمعْصِيَة بِقَلْبِه يعْذر فِيهِ وَلَا تعم بلية بالعصاة قصَّة الْقرْيَة الَّتِي كَانَت حَاضِرَة الْبَحْر عَن عِكْرِمَة أَنه قَالَ أتيت ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ يقْرَأ فِي الْمُصحف ويبكي فدنوت مِنْهُ حَتَّى أخذت بلوح الْمُصحف قلت مَا يبكيك قَالَ يبكيني هَذِه الورقات وَهُوَ يقْرَأ سُورَة الْأَعْرَاف وَقَالَ هَل تعرف تَأْوِيله قلت نعم أَن الله تَعَالَى أسكنها قوما من الْيَهُود وابتلاهم بحيتان حرمهَا عَلَيْهِم يَوْم السبت وأحلها لَهُم فِي سَائِر الْأَيَّام فَإِذا كَانَ يَوْم السبت خرجت عَلَيْهِم الْحيتَان وَإِذا ذهب السبت غاصت فِي الْبَحْر حَتَّى يغوص لَهَا الطالبون فَإِن الْقَوْم اجْتَمعُوا وَاخْتلفُوا فِيهَا فَقَالَ فريق أَن الله تَعَالَى حرم عَلَيْكُم يَوْم السبت أكلهَا فصيدوها فِي السبت وكلوها فِي سَائِر الْأَيَّام وَقَالَ الْآخرُونَ بل حرم عَلَيْكُم أَن تصيدوها أَو تنفروها أَو تؤذوها وَالثَّالِث سَاكِت فَكَانَت ثَلَاث فرق فرقة على أَيْمَانهم وَفرْقَة على شمائلهم وَفرْقَة وَسطهمْ فَقَامَتْ الْفرْقَة الْيُمْنَى فَجعلت تنهاهم فِي يَوْم السبت وَجعلت تَقول الله يحذركم وَأما الْفرْقَة الْيُسْرَى فَأَمْسَكت أيديها وكفت ألسنتها وَأما الْوُسْطَى فَوَثَبت على السّمك فَأَخَذته وَجعلت الْفرْقَة

الْأُخْرَى الَّتِي كفت أيديها وَلم تَتَكَلَّم تَقول لم تعظون قوما الله مهلكهم أَو معذبهم قَالُوا أَي الَّذين ينهون معذرة إِلَى رَبهم ولعلهم يَتَّقُونَ فَدخل الَّذين أَصَابُوا السّمك الْمَدِينَة وَأبي الْآخرُونَ أَن يدخلُوا مَعَهم الْمَدِينَة فَجعلُوا ينادون من فِيهَا فَلم يجبهم أحد فَقَالُوا لَعَلَّ الله خسف بهم أَو رموا بِالْحِجَارَةِ فأرسلوا رجلا ينظر فحملوا رجلا على سلم فَأَشْرَف عَلَيْهِم فَإِذا هم قردة يتعاوون لَهُم أَذْنَاب قد غير الله من صورهم فصاح أَن الْقَوْم قد صَارُوا قردة فكسروا الْأَبْوَاب ودخلوا مَنَازِلهمْ فَجعلُوا لَا يعْرفُونَ لسانهم وَيَقُولُونَ ألم ننهكم عَن مصية الله تَعَالَى ونوصيكم فيشيرون برؤوسهم أَي بلَى ودموعهم تسيل على خدودهم فَأخْبر الله تَعَالَى أَنه أنجى الَّذين ينهون عَن السوء وَأخذ الَّذين ظلمُوا ثمَّ اخْتلف النَّاس أَنهم كم كَانُوا من الْفرق قَالَ بَعضهم كَانُوا فرْقَتَيْن ناهية وعاصية فنجت الناهية وَهَلَكت العاصية وَقَالَ قوم كَانُوا أَربع فرق صنف يَأْخُذُونَ السّمك وصنف يداهنون وصنف يسكتون ويبغضون وصنف ينهون فنجت الفرقتان الساكتة والناهية وَهَلَكت الفرقتان المداهنة والعاصية كُله من تَفْسِير الْفَقِيه أبي اللَّيْث

وَفِي تَفْسِير الإِمَام نَاصِر الدّين البستي قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ لَيْت شعري مَا فعل الله تَعَالَى بالذين قَالُوا لم تعظون قوما الله مهلكم قَالَ عِكْرِمَة قلت جعلني الله فدَاك نجت أَلا تراهم كَيفَ كَرهُوا ذَلِك وخافوا عَلَيْهِم قَالَ عِكْرِمَة فكساني ابْن عَبَّاس وَقَالَ يمَان بن زياب نجت الناهية والكارهة وَهَلَكت الْخَاطِئَة وَذكر فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة وَغَيرهَا رجل يقْرَأ الْقُرْآن جَهرا ويلحن فِيهِ وَيسمع غَيره يلحنه فَهَل لَهُ أَن ينهاه على لحنه قيل أَن علم أَنه يَنْفَعهُ ذَلِك يَأْمُرهُ بِهِ وَإِن علم أَنه يعاديه بذلك رخص تَركه لِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ الائتمار فَإِذا فَاتَ ذَلِك لَا يجب الْأَمر والعزيمة أَن يَأْمُرهُ وَإِن لحق بِهِ ضَرَر لِأَنَّهُ عساه مرَارًا أَن يفتح عَلَيْهِ بَاب التَّوْبَة وَكَذَا إِذا أمره مرَارًا وأدبه وَلم يتأدب بِهِ إِن تَركه فَهُوَ رخصَة وَإِن أمره فَهُوَ عَزِيمَة لِأَن الْإِنْسَان لَا يعرف مَتى يَتُوب عَن الْعِصْيَان ذكر فِي الْكِفَايَة الشعبية رُوِيَ أَن أَبَا محجن الثَّقَفِيّ كَانَ يدمن شرب الْخمر فحده عمر رَضِي الله عَنهُ مرّة فَلم ينزجر عَن ذَلِك فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْحَد ثَانِيًا فَلم ينزجر فوكله عمر رَضِي الله عَنهُ إِلَى سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ

وَكَانَ لسعد صَاحب فِي الْجَيْش فَأمره أَن يحملهُ أَيْنَمَا ذهب فقيده صَاحِبَة وَكَانَ يحملهُ من منزل إِلَى آخر حَتَّى بلغُوا قرب الْقَادِسِيَّة وَكَانَ سعد يخرج كل يَوْم للمحاربة والمبارزة وَكَانَ الْعَدو قدمُوا ثلثمِائة وَسبعين ميلًا بَين يَدي الْمُسلمين فَمَرض سعد يَوْمًا وَلم يسْتَطع أَن يحارب فَصَعدَ السَّطْح وَجعل ينظر من بعيد إِلَى محاربتهم وَكَانَ يرى الْهَزِيمَة على الْمُسلمين فضجر بذلك وَكَانَ يَقُول فِي نَفسه لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وَكَانَ أَبُو محجن فِي ذَلِك الْبَيْت فَسمع ذَلِك وَقَالَ لَا مرأة سعد بن أبي وَقاص عَليّ عهد الله تَعَالَى وميثاقه أَن أَذِنت لي حَتَّى أخرج وأحارب عَدو الله تَعَالَى وأعود ثَانِيًا فخلت سَبيله فَقَالَ لَهَا أَبُو محجن أَعْطِنِي فرسا وسلاحا فَأَعْطَتْهُ رمكة بلقاء وَكَانَ مركب سعد رَضِي الله عَنهُ وَدفعت إِلَيْهِ درعه وَرمحه ومغفرة فجَاء وَحَارب محاربة شَدِيدَة حَتَّى انهزم الْعَدو ثمَّ رَجَعَ وَقيد نَفسه فَنزل سعد من السَّطْح وَقَالَ كَانَت الْهَزِيمَة على الْمُسلمين إِلَّا أَن الله تَعَالَى أظهر رجل على رمكه بلقاء مثل رمكتي هَذِه وَمَعَهُ رمح مثل رُمْحِي وَدرع مثل دِرْعِي فقاتل حَتَّى انهزم الْعَدو ثمَّ رَجَعَ فَقَالَت امْرَأَته ذَلِك الرجل أَبَا محجن فَإِنَّهُ لما سمع الْهَزِيمَة على الْمُسلمين حلف بِاللَّه تَعَالَى ليقاتلن ثمَّ ليرجعن فخليت سَبيله وأعطيته مركبك وسلاحك فَبكى سعد وَكتب إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ مَا صنع أَبُو محجن فَكتب عمر رَضِي الله عَنهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من عبد الله عمر إِلَى أبي محجن اتَّقِ الله يَا أَبَا

مسألة

محجن فَلَمَّا رأى أَبُو محجن ذَلِك بَكَى وَقَالَ لسعد إِنِّي تبت إِلَى الله تَعَالَى فَلَا أشْرب الْخمر بعد هَذَا فَإِن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حَتَّى الْآن يضربني بِسَوْطِهِ والآن خوفني بِاللَّه تَعَالَى مَسْأَلَة إِذا كثرت الْمُنْكَرَات وَلَا يقدر الْمُؤمن على دَفعه فيسكت وَلَا يتَكَلَّم بِشَيْء هَل يَأْثَم أم لَا الْجَواب إِذا عجز عَن الاحتساب فَلَا يَأْثَم بِتَرْكِهِ لِأَن التَّكْلِيف بِقدر الوسع وَلَكِن يَنْبَغِي أَن يكون حَزينًا بذلك مغتما روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ يَأْتِي على أمتِي زمَان يذوب قلب الْمُؤمن كَمَا يذوب الْملح فِي المَاء لِكَثْرَة مَا يرى من الْمُنكر وَلَكِن لَا يقدر على دَفعه من الْكِفَايَة الشعبية مَسْأَلَة إِذا رأى مُنْكرا فِي الصَّلَاة هَل يتم الصَّلَاة أَو يقطعهَا الْجَواب إِذا كَانَ أمرا لَا يفوت بإتمام الصَّلَاة يُتمهَا لَا مَكَان الْجمع بَين العبادتين وَإِن كَانَ يفوت بإتمام الصَّلَاة ينظر إِن كَانَ النَّهْي عَن الْمُنكر لأجل نَفسه فَالْأَفْضَل أَن

يتم الصَّلَاة لِأَن صلَاته أَنْفَع لَهُ من كل مَا سواهُمَا وَلَو قطعهَا جَازَ دفعا للضَّرَر عَن نَفسه نَظِيره إِذا شرع رجل فِي الصَّلَاة بَين يَدَيْهِ شَيْء من مَتَاعه فجَاء سَارِق وإراد أَن يسرقه إِن كَانَ شَيْئا لَا يبلغ فِي قِيمَته درهما يُتمهَا لِأَن مَا دون الدِّرْهَم لَا عِبْرَة لَهُ وَإِن كَانَ درهما جَازَ لَهُ أَن يقطعهَا ثمَّ يَقْضِيهَا إِن كَانَ نفلا دفعا للضر عَنهُ وَلَكِن الْأَفْضَل أَن لَا يقطعهَا لِأَنَّهُ روى أَن تَمِيم الدَّارِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه نزل عَن فرسه وَشرع فِي الصَّلَاة فجَاء سَارِق وَركب فرسه وَذهب بِهِ فَقيل لَهُ لم لَا تقطع الصَّلَاة فَقَالَ استحيت من الله تَعَالَى أَن أقطع الصَّلَاة لأجل فرس فيمته اثْنَا عشر ألفا وَإِن كَانَ فِيهِ مصلحَة غَيره فَالْأَفْضَل أَن يقطع الصَّلَاة إِن لم يفعل يَأْثَم كَمَا إِذا رأى أعمى أشرف على سُقُوط فِي بِئْر أَو إنْسَانا يغرق فِي المَاء وَلَا يقدر على الْخُرُوج فَالْوَاجِب على الْمُصَلِّي أَن يقطع الصَّلَاة ويعين أَخَاهُ الْمُسلم حَتَّى يخرج عَن التَّهْلُكَة وَكَذَلِكَ إِذا رأى فِي الصَّلَاة إنْسَانا يسرق مَال غَيره كَانَ لَهُ أَن يقطعهَا ويمنعه مِنْهَا كُله من الْكِفَايَة الشعبية فِي بَاب الْوَدِيعَة قَالَ وَأَن تعجل فِي الصَّلَاة لإِزَالَة مُنكر كَانَ أقرب إِلَى السّنة فَمَا إِذا أتمهَا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إِنِّي لأَقوم فِي الصَّلَاة أُرِيد أَن أطول فِيهَا فَأَسْمع بكاء الصَّبِي فأتجوز فِي صَلَاتي كَرَاهَة أَن أشق على أمه وَفِي رِوَايَة فأتجوز فِي صَلَاتي مِمَّا أعلم من شدَّة وجد أمه من بكائه من // صَحِيح البُخَارِيّ //

في الاحتساب على المفرط في التواضع للناس

الْبَاب الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ فِي الاحتساب على المفرط فِي التَّوَاضُع للنَّاس يحْتَسب على من سجد لغير الله تَعَالَى أَو انحنى لَهُ أَو قبل الأَرْض بَين يَدَيْهِ قَالَ الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر من قبل الأَرْض بَين يَدي السُّلْطَان والأمير وَسجد لَهُ فَإِن كَانَ على وَجه التَّحِيَّة لَا يكفر وَلَكِن يصير آثِما مرتكبا للكبيرة وَإِن سجد بنية الْعِبَادَة للسُّلْطَان وَلم تحضره النِّيَّة فقد كفر وَفِي الْمُلْتَقط الناصري وَإِذا سجد لغير الله تَعَالَى حَقِيقَة كفر والانحناء للسُّلْطَان أَو لغيره مَكْرُوه لِأَنَّهُ يشبه فعل الْمَجُوس وتقبيل يَد غير الْعَالم وَغير السُّلْطَان الْعَادِل قيل يكره مُطلقًا وَقيل إِن أَرَادَ تَعْظِيم الْمُسلم لَا يكره وَإِن أَرَادَ بِهِ الدُّنْيَا يكره كَانَ بشر رَحمَه الله يَقُول تَقْبِيل يَد الْمَأْمُون فسق قَالَ العَبْد فَلَو كَانَ بشر حَيا فِي زَمَاننَا وَرَأى أَفعَال أَئِمَّتنَا عِنْد دُخُولهمْ على ذِي سُلْطَان فَمَاذَا يَقُول فِي شَأْنهمْ وَلما كَانَ تَقْبِيل أَيْديهم هَذَا فَكيف يكون تَقْبِيل أَرجُلهم وأسوأ من ذَلِك تَقْبِيل حافر الْفرس إِذا أعْطى السُّلْطَان وَاحِدًا فرسه وَفِي الْمُلْتَقط الناصري والتواضع لغير الله تَعَالَى حرَام وَفِي بَاب تَقْبِيل الْيَد من الْكِفَايَة الشعبية إِذا سجد لغير الله تَعَالَى يكفر لِأَن

مسألة

وضع الْجَبْهَة على الأَرْض لَا يجوز لغير الله تَعَالَى لما رُوِيَ أَن أَعْرَابِيًا جَاءَ إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن النَّاس قد آمنو بك وَأما أَنا فَلَا أُؤْمِن بك حَتَّى تريني برهانا خَالِصا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أذهب إِلَى تِلْكَ الشَّجَرَة وَقل لَهَا أَن رَسُول الله تَعَالَى يَدْعُوك فَذهب فَقَالَ لَهَا فتمايلت الشَّجَرَة من أطرافها الْأَرْبَع حَتَّى انقلعت من الأَرْض وَجَاءَت مَعَه إِلَى النَّبِي فَقَالَ لَهَا عودي إِلَى مَكَانك فَعَادَت إِلَى مَكَانهَا وَقَامَ كل عرق مِنْهَا إِلَى مَوْضِعه كَمَا كَانَ فَقَالَ الْأَعرَابِي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله ثمَّ قَالَ يَا رَسُول الله كَمَا أَنِّي سَأَلت مِنْك برهانا خَالِصا فَأذن لي حَتَّى أُصَلِّي لَك صَلَاة الْخمس وأسجد لَك سَجْدَة فَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام لَو جَازَت السَّجْدَة لغير الله تَعَالَى لأمرت الْمَرْأَة أَن تسْجد لزَوجهَا وَالْمعْنَى فِي ذَلِك أَن هَذِه عبَادَة خَالِصَة لله تَعَالَى فَمن أَتَاهَا لغير الله تَعَالَى يكفر لِأَنَّهُ أشرك بِهِ وَفِي فَتَاوَى الْخَانِية قوم يقرأون الْقُرْآن من الْمَصَاحِف أَو يقْرَأ وَاحِد فَدخل عَلَيْهِ وَاحِد من الأجلة والأشراف فَقَامَ الْقَارئ لأَجله قَالُوا إِن دخل عَلَيْهِ عَالم أأبوه أَو أستاذه الَّذِي علمه الْعلم جَازَ لَهُ أَن يقوم لأَجله وَمَا سوى ذَلِك لَا يجوز مَسْأَلَة الرُّكُوع لغير الله تَعَالَى وَالسُّجُود لغير الله تَعَالَى وتقبيل يَد غير الْعَالم

الجواب

وَالسُّلْطَان الْعَادِل يجوز كرها أم لَا الْجَواب رُوِيَ أَن مبارزا أسر بالروم على عهد عمر رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ قَوِيا هيوبا فَدَعَاهُ كلب الرّوم وببابه سلم مَمْدُود حَتَّى لَا يدْخل عَلَيْهِ أحد إِلَّا على هَيْئَة الرَّاكِع فَلَمَّا دخل فَرَأى ذَلِك إبي أَن يدْخل عَلَيْهِ على هَيْئَة الرَّاكِع وَقَالُوا لَهُ أَدخل قَالَ إِنِّي أستحي من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أَدخل على كَافِر على هَيْئَة الرَّاكِع فَأمر كلب الرّوم أَدخل حَتَّى فتحُوا السلسلة فَدخل عَلَيْهِ وَتكلم مَعَه فَأطَال الْكَلَام ثمَّ قَالَ كلب الرّوم أَدخل فِي ديننَا حَتَّى أَضَع خَاتمِي على يدك وَأُعْطِيك ولَايَة الرّوم بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى تفعل مَا تشَاء فَقَالَ الرجل ولَايَة الرّوم كم تكون من الدُّنْيَا فَقَالَ كلب الرّوم الثُّلُث أَو الرّبع فَقَالَ الرجل لَو صَارَت الدُّنْيَا كلهَا جوهرا أَحْمَر وأعطوني إِيَّاهَا بَدَلا من أَن لَا أسمع الْأَذَان يَوْمًا مَا قبلت ذَلِك قَالَ كلب الرّوم وَمَا الْأَذَان فَقَالَ هُوَ أَن تَقول أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَقَالَ كلب الرّوم أَنه قد ثَبت حب مُحَمَّد فِي قلبه فَلَا يمكننا أَن ندفع ذَلِك عَنهُ فِي هَذِه السَّاعَة ثمَّ أَمر أَن يوضع قدر عَظِيم وَيجْعَل فِيهِ الدّهن فَإِذا أَخذ فِي الغليان يلقى فِيهِ فَلَمَّا أَخذ فِي الغليان فأرادوا أَن يلقوه فِيهِ قَالَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَدخل من هَذَا الْجَانِب وَخرج من الْجَانِب

الآخر بِقدر الله تَعَالَى فتعجبوا من ذَلِك فَأمر كلب الرّوم أَن يحبس فِي بَيت مظلم وَيمْنَع عَنهُ الطَّعَام وَالشرَاب فمنعوا عَنهُ ذَلِك وَكَانُوا يلقون إِلَيْهِ كل يَوْم من الكوة لحم الْخِنْزِير وَالْميتَة فَكَانَ هَؤُلَاءِ يحبونَ أَن يتَنَاوَل من ذَلِك فَلم يفتحوا عَلَيْهِ الْبَاب أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَلَمَّا كَانَ رَأس الْأَرْبَعين دخلُوا عَلَيْهِ ووجدوا ذَلِك كُله مَوْضُوعا لم يَأْكُل مِنْهُ شَيْئا فَقَالُوا لَهُ لم لَا تَأْكُل هَذَا وَهُوَ حَلَال فِي دين مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد الضَّرُورَة فَقَالَ لَهُم هَل فرحتم بذلك فَقَالُوا نعم قَالَ إِنَّمَا تركت الْأكل لمغايظتكم فَقَالَ لَهُ كلب الرّوم إِن لم تَأْكُل ذَلِك فاسجد لي حَتَّى أخلي سَبِيلك وسبيل من مَعَك من الْأُسَارَى فَقَالَ لَهُ السُّجُود فِي دين مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام لَا يحل إِلَّا لله تَعَالَى فَقَالَ لَهُ كلب الرّوم إِذن قبل يَدي حَتَّى أخليك وأخلي من مَعَك فَقَالَ لَا يحل هَذَا إِلَّا للْأَب أَو السُّلْطَان الْعَادِل أَو الْأُسْتَاذ فَقَالَ غذان قبل جبهتي حَتَّى أخلي سَبِيلك قَالَ أفعل ذَلِك بِشَرْط وَاحِد هُوَ أَن أقبل جبهتك فافعل كَمَا أُرِيد فَقَالَ أفعل مَا شِئْت قَالَ فَوضع كمه على جَبهته ثمَّ قبله وَنوى بذلك تَقْبِيل كمه فخلي سَبيله وسبيل من مَعَه من الْأُسَارَى وَأَعْطَاهُ مَالا كثيرا فَكتب إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ لَو كَانَ هَذَا الرجل فِي بِلَادنَا وعَلى ديننَا لَكنا نعتقد عِبَادَته فَلَمَّا جَاءَ إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَهُ لَا تمنح هَذَا المَال لنَفسك وَلَكِن شَارك فِيهِ أَصْحَاب رَسُول الله فَإِنَّهُم محتاجون دلّ على أَحْكَام مِنْهَا هَذِه الْأَشْيَاء فِي حَالَة الْإِكْرَاه أَيْضا لَا يحل مَعَه فعلهَا

وَفِي واقعات الناطفي إِذا قَالَ أهل الْحَرْب للْمُسلمِ أَسجد للْملك وَإِلَّا قتلناك فَالْأَفْضَل لَهُ أَن لَا يسْجد لِأَنَّهُ كفر صُورَة فَالْأَفْضَل للانسان أَن لَا يَأْتِي بِمَا هُوَ كفر صُورَة وَإِن كَانَ فِي حَال الْإِكْرَاه والانحناء للسُّلْطَان أَو لغيره يكره لِأَنَّهُ يشبه فعل الْمَجُوس وتقبيل يَد غير الْعَالم وَالسُّلْطَان الْعَادِل إِن كَانَ مُسلما وَنوى بِهِ أكرام الْمُسلم لَا بَأْس بِهِ وَإِن أَرَادَ عبَادَة لَهُ أَو ليسأل مِنْهُ شَيْئا من عرض الدُّنْيَا فَهُوَ مَكْرُوه وَكَانَ الصَّدْر الشَّهِيد يُفْتِي بِالْكَرَاهَةِ فِي هَذَا الْفَصْل من غير تَفْضِيل كُله من الْمُحِيط وَفِي تذكرة الْأَوْلِيَاء نقلست كه توانكري تواضع كرده بود أزبهرما أَو كفت كَفَّارَة آن هزارخنم كردنست

في الفرق بين المحتسب المنصوب وبين المحتسب المتطوع

الْبَاب التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ فِي الْفرق بَين الْمُحْتَسب الْمَنْصُوب وَبَين الْمُحْتَسب المتطوع رُوِيَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رأى أحد مِنْكُم مُنْكرا فليغيره بِيَدِهِ فَإِن لم يسْتَطع فبلسانه فَإِن لم يسْتَطع فبقلبه وَذَلِكَ أَضْعَف فعل أهل الْإِيمَان قَالَ بَعضهم التَّغَيُّر بِالْيَدِ لِلْأُمَرَاءِ وباللسان للْعُلَمَاء وبالقلب للعامة وَالثَّانِي أَن المتطوع إِذا علم أَنهم يسمعُونَ كَلَامه يجب عَلَيْهِ أَن يَأْمُرهُم وينهاهم وَإِلَّا فَلَا وَلِهَذَا لَو رأى رجل على ثوب مُسلم نَجَاسَة أَكثر من قدر الدِّرْهَم إِن وَقع فِي قلبه أَنه لَو أخبرهُ اشْتغل بِغسْلِهِ لم يَسعهُ أَن لَا يُخبرهُ لِأَن الْإِخْبَار مُفِيد وَإِن وَقع فِي قلبه أَنه لَو أخبرهُ لَا يلْتَفت إِلَى كَلَامه كَانَ فِي سَعَة أَن لَا يُخبرهُ لِأَن الْإِخْبَار لَا يُفِيد وَأما الْمُحْتَسب الْمَنْصُوب فَإِن علم أَنهم لَا يَسْتَمِعُون يجب عَلَيْهِ الْأَمر

لِأَنَّهُ لأقدر على الْجَبْر على الانقياد بِخِلَاف المتطوع الثَّالِث حريق وَقع فِي محلّة فهدم إِنْسَان دَار غَيره بِغَيْر أَمر صَاحبهَا حَتَّى انْقَطع الْحَرِيق من دَاره فَهُوَ ضَامِن إِذا لم يفعل بِأَمْر السُّلْطَان لِأَنَّهُ أتلف ملك الْغَيْر لَكِن يعْذر فَيضمن فَلَا يَأْثَم كالمضطر بِأخذ طَعَام غَيره يكره صَاحبه لَا يَأْثَم وَيضمن قَالَ يحْتَسب فِيهِ كالسلطان لِأَنَّهُ نَائِبه فِي إِقَامَة الْحِسْبَة وَهَذَا من الْحِسْبَة لِأَنَّهُ أوقع للضَّرَر الْعَام بتحمل الضَّرَر الْخَاص وَالرَّابِع أَن المتطوع فِي الْأَمر بالعروف على وُجُوه لَو علم أَنه لَو أمره بِهِ يطيعه يجب عَلَيْهِ إِقَامَة الْحِسْبَة وَلَو علم أَنه لَا يأتمر بأَمْره فَهُوَ على وَجْهَيْن أما أَن يَقع بَينهمَا عَدَاوَة ويصل مِنْهُ إِلَى الْأَمر مَكْرُوه بِقَذْف أَو شتم أَو لَا يَقع فَإِن لم يَقع فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَمر وَإِن شَاءَ ترك وَالْأَمر أفضل إحرازا للثَّواب وَإِن علم أَنه لَو أَمر ضربه أَو شَتمه فَهُوَ على وَجْهَيْن إِن علم أَنه يصبر على أذاهم فالترك رخصَة وَالْأَمر عَزِيمَة ومجاهدة فِي سَبِيل الله تَعَالَى وَإِن علم أَنه لَا يُغير فالترك أفضل توقيا عَن الْفِتْنَة وَهَذَا كُله لَا يَتَأَتَّى فِي الْمُحْتَسب الْمَنْصُوب لِأَنَّهُ يقدر على دفع الْمَكْرُوه عَن نَفسه بأعوانه وَأَعْوَان سُلْطَانه وَالْخَامِس التَّصَرُّف المضر فِي طَرِيق الْعَامَّة لكل وَاحِد أَن يُزِيلهُ لِأَن الْحق للعامة وَالْأولَى أَن يرفع إِلَى الْحَاكِم حَتَّى يَأْمر بِالْقَلْعِ وَالْحَاكِم فِي هَذَا

هُوَ الْمُحْتَسب لِأَن أَمر الشوارع مفوض إِلَيْهِ وَالسَّادِس هُوَ أَن الْمَنْصُوب للحسبة لَا يضمن بِإِتْلَاف المعازف عِنْد أبي حنيفَة والمتطوع يضمن عِنْده وَالْحِيلَة أَن لَا يضمن المتطوع أَيْضا أَن يستوهبه من الْمَالِك فَإِن وهبه يكسرهُ وَلَا يضمن إِجْمَاعًا وَعَن ابْن الْمُبَارك أَنه أَتَى على قدم يضْربُونَ بالطنبور فَقَالَ لَهُم هبوا هَذَا لي فدفعوه إِلَيْهِ فَضرب بِهِ الأَرْض وكسره فَقَالُوا يَا شيخ خدعتنا وَالسَّابِع هُوَ أَن المتطوع يحْتَاج فِي احتسابه إِلَى إخلاص النِّيَّة لِأَنَّهُ قربَة أما الْمَنْصُوب فَهُوَ فرض عَلَيْهِ والرياء لَا يدْخل فِي الْفَرْض وَذكر فِي الْكِفَايَة الشعبية حكى عَن أبي بكر العياض أَنه خرج إِلَى رِبَاط فَرَأى فتيانا فَوق تِلْكَ يشربون الْخمر فَأَخَذته الحمية وقصدهم فَلَمَّا دنا مِنْهُم سلوا عَلَيْهِ السيوف والسكاكين فهرب مِنْهُم ثمَّ أخْلص النِّيَّة لله تَعَالَى فَعَاد لعيهم فَهَرَبُوا مِنْهُ

في بيان سبب انتساب الاحتساب إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه

الْبَاب الْخَمْسُونَ فِي بَيَان سَبَب انتساب الاحتساب إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَعَ أَن سَائِر الصَّحَابَة كَانُوا يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ وَكَانُوا يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر وَهُوَ مُتَعَدد الأول رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ حبب إِلَيّ من الدُّنْيَا ثَلَاث الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَقد أقيم فِي الله تَعَالَى هَكَذَا ذكر فِي الصَّوْم فِي الصَّيف من يَوَاقِيت الْمَوَاقِيت للْإِمَام نجم الدّين النَّسَفِيّ رَحمَه الله وَالثَّانِي رُوِيَ فِي الْأَخْبَار أَن علم الْعدْل يَوْم الْقِيَامَة يكون بيد عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وكل عَادل تَحت لوائه يَوْم الْقِيَامَة ذكر فِي الْكِفَايَة الشعبية فِي مجْلِس الْمُرْتَد مَتى تقسم أَمْوَاله فَإِن قيل كَيفَ يُقَال أَنه كَانَ عادلا وَقد ظلم ابْنه أبي شحمة لِأَنَّهُ نقل أَنه ضربه حَتَّى مَاتَ وَضرب بعد مَوته مَا بَقِي من جلداته وَضرب الْحَد ليَمُوت وَضرب الْمَيِّت ظلم

فَنَقُول ذكر فِي آخر الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة ذكر المستغفري فِي معرفَة الصَّحَابَة أَن مَا يذكر النَّاس أَن عمر رَضِي الله عَنهُ ضرب ابْنه أَبَا شحمة حَتَّى مَاتَ وَضرب الْبَاقِي بعد مَوته فَهُوَ كذب قَالُوا هُوَ من أكاذيب مُحَمَّد بن تَمِيم الرَّازِيّ وَكَانَ كثير الأكاذيب ووضاع الْأَحَادِيث وَالصَّحِيح أَنه اندملت جراحه وعاش بعد ذَلِك ثمَّ مَاتَ حتف أَنفه وَالثَّالِث هُوَ أَن الاحتساب إِزَالَة الْمعاصِي والمنكرات وإزالتها لَا يُمكن إِلَّا بعد إِزَالَة وَسْوَسَة الشَّيْطَان من النَّاس وَأَن عمر رَضِي الله عَنهُ مَنْصُوص عَلَيْهِ بِأَن الشَّيْطَان يفر من ظله فَكَانَ نِسْبَة الْحِسْبَة إِلَيْهِ أولى وَالرَّابِع أَن احتساب عمر رَضِي الله عَنهُ كَانَ يجرى على الأَرْض المتزلزلة رُوِيَ فِي الْأَخْبَار أَنه وَقعت الزلزلة فِي الأَرْض فِي وَقت عمر رَضِي الله عَنهُ فَخرج مَعَ أَصْحَابه وَضرب بِالدرةِ على الأَرْض فَقَالَ اسكني بِإِذن الله تَعَالَى فسكنت وَالْخَامِس أَن أمره بِالْمَعْرُوفِ كَانَ ينفذ على المَاء الْجَارِي رُوِيَ أَن النّيل قد غَار مَاؤُهُ فِي زمن عمر رَضِي الله عَنهُ فَسَأَلَ النَّاس عمر رَضِي الله عَنهُ بذلك وَقَالَ هَل كَانَ غَار قبل ذَلِك فِي الْجَاهِلِيَّة قَالُوا نعم قَالَ وَمَا صَنَعُوا بِهِ فَقَالُوا إِنَّهُم

يوقعون فِيهِ بكرا بثيابها وحليها فينبع المَاء قَالَ فَكتب عمر رَضِي الله عَنهُ من عبد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى وَادي النّيل أما أَنا فَلَا أشتغل برسم الْجَاهِلِيَّة وَلَكِن سيري بِإِذن الله تَعَالَى وَأمر أَن تلقى تِلْكَ الرقعة فِي وَادي النّيل فنبع وَهُوَ يسير كَذَلِك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فِي بَاب الحكايات وَالْأَخْبَار المتفرقة من الْكِفَايَة الشعبية

في الملاهي وأواني الخمر

الْبَاب الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ فِي الملاهي وأواني الْخمر وَإِذا كسر الْمُحْتَسب ملاهي أَو دنان خمر أَو شقّ زقها لَا يضمن فَإِن فعل ذَلِك غير الْمُحْتَسب فَإِن كَانَ ذَلِك الدن للخمار وَالْعود للْمُغني ذكر مُحَمَّد رَحمَه الله فِي كتاب الكيسانيات لم يضمن فِي قَوْلهم جَمِيعًا لِأَنَّهُ لَو تَركهَا عَاد إِلَى فعله الْقَبِيح بِهِ وَإِن كَانَ لغيره فَعِنْدَ أبي يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله لَا يضمن أَيْضا وَعَلِيهِ الْفَتْوَى قلعا لمادة الْمعْصِيَة وشفاء صُدُور الصلحاء وَعَلِيهِ عمل التَّابِعين وَحكي أَن زاهدا كسر خوابي خمر سُلَيْمَان بن عبد الْملك الْخَلِيفَة فَأتى بِهِ ليعاقبه وَكَانَ للخليفة بغلة تقتل من ظَفرت بِهِ وَاتفقَ رَأْي وزرائه أَن يلقى الزَّاهِد بَين يَدي البغلة لتقتله فألقي إِلَيْهَا فخضعت لَهُ وَلم تقتله فَلَمَّا أَصْبحُوا نظرُوا إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ صَحِيح الْوَجْه فَعَلمُوا أَن الله تَعَالَى حفظه فاعتذروا إِلَيْهِ وخلوا سَبيله

مسألة

مَسْأَلَة ضرب الملاهي كالضرب بالقضيب وَغَيره حرَام لِأَنَّهُ من الملاهي قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إستماع الملاهي مَعْصِيّة وَالْجُلُوس عَلَيْهَا فسق والتلذذ بهَا من الْكفْر وَهَذَا خرج على وَجه التَّشْدِيد لعظم الذَّنب إِلَّا إِن سمع بَغْتَة فَيكون مَعْذُورًا وَالْوَاجِب أَن يجْتَهد مَا أمكنه حَتَّى لَا يسمع لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَدخل اصبعيه فِي أذنية مَسْأَلَة رجل لَهُ زق خمر فشق رجل زقه وأراق الْخمر على سَبِيل الْحِسْبَة لَا يضمن الْخمر وَيضمن الزق لِأَن الْخمر غير مُتَقَوّم إِلَّا إِذا فعل ذَلِك وَهُوَ إِمَام يرى ذَلِك فَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُخْتَلف فِيهِ وَنَظِيره الذِّمِّيّ إِذا أظهر بيع الْخمر وَالْخِنْزِير فِي دَار الْإِسْلَام يمْنَع فَإِن أهرقه رجل أَو قتل خنزيره يضمن إِلَّا أَن يكون إِمَامًا يرَاهُ فَلَا يضمن لِأَنَّهُ مُخْتَلف فِيهِ وَفِي أشربة الْمُلْتَقط وَلَو كسر جيابا فِيهَا خمر لرجل مُسلم يُرِيد أَن يتخذها خلا ضمن الكسار اتِّفَاقًا وَفِي الْفَتَاوَى النسفية اجْتمع قوم من الأتراك وَغَيرهم يَوْمًا فِي مَوضِع الْفساد فنهاهم شيخ الْإِسْلَام عَن الْمُنكر فَلم ينزجروا فاستعدى الْمُحْتَسب قوما من

بَاب السَّيِّد الإِمَام الْأَجَل وَبعث ليفرقوهم ويريقوا خمورهم فأتوهم مَعَ جمَاعَة من الْفُقَهَاء فظفروا بِبَعْض الْخُمُور فأراقوها وَجعلُوا الْملح فِي بعض الدنان للتخليل فَأخْبر الشَّيْخ بذلك فَقَالَ لَا تدعوا كَذَلِك وأكسروا الدنان كلهَا وأريقوا مَا بَقِي وَإِن جعل فِيهَا الْملح وَفِي الْفَتَاوَى الْخَانِية وَلَو أمسك شَيْئا من هَذِه الملاهي وَالْمَعَازِف كره وَيَأْثَم وَإِن كَانَ لَا يستعملها لِأَن إمْسَاك هَذِه الْأَشْيَاء للهو عَادَة وَفِي الصَّلَاة المسعودية وَبَعض أزبزركان جَنِين كفته اندكه درآن خانه كه مي ديا آلت فَسَاد بود جنان كه نرد وشطرنج يادرخانه كه دروي جرس بود درآن خانه فرشته نيايد ودر آن خانه كه نماز كذاردن نكرده بود خواهد إِمَام زاهد فَخر الدّين حَدِيثي روايت كرده است باسناد درست از سيد عَالم صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم كه در هركا رواني كه درآن كاروان جرس بوددراين كاردان هيج بَركت نبودت

في بيان اداب الاحتساب

الْبَاب الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ فِي بَيَان اداب الاحتساب يَنْبَغِي للْآمِر بِالْمَعْرُوفِ أَن يَأْمر بالسر أَن اسْتَطَاعَ ذَلِك ليَكُون ابلغ فِي الموعظة والنصيحة وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من وعظ أَخَاهُ فِي الْعَلَانِيَة فقد شانه وَمن وعظه فِي السِّرّ فقد زانه فَإِن لم تَنْفَعهُ الموعظة فِي السِّرّ يَأْمُرهُ بالعلانية لتعين الْجَهْر بِهِ وَيَنْبَغِي للَّذي يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ أَن يقْصد بِهِ وَجه الله تَعَالَى وإعزاز الدّين وَلَا يكون لحميه نَفسه لِأَنَّهُ إِن يقْصد بِهِ وَجه الله تَعَالَى وإعزاز الدّين نَصره الله تَعَالَى ووفقه لذَلِك وَإِن كَانَ أمره لحمية نَفسه خذله الله تَعَالَى فَإِنَّهُ بَلغنِي عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَنه ذكر أَن رجلا مِمَّن كَانَ قبلنَا مر بشجرة يعبد من دون الله تَعَالَى فَغَضب وَقَالَ هَذِه الشَّجَرَة تعبد من دون الله تَعَالَى ثمَّ إِنَّه ذهب إِلَى بَيته وَأخذ فأسه وَركب حِمَاره ثمَّ توجه نَحْو

الشَّجَرَة ليقطعها فَلَقِيَهُ أبليس عَلَيْهِ لعنة الله فِي الطَّرِيق على صُورَة إِنْسَان فَقَالَ لَهُ إِلَى أَيْن قَالَ رَأَيْت شَجَرَة تعبد من دون الله تَعَالَى فَأعْطيت الله تَعَالَى عهدا أَن أركب حماري وآخذ فأسي وأتوجه نَحْوهَا فأقطعها فَقَالَ إِبْلِيس عَلَيْهِ مَا يسْتَحق مَا لَك وَلها فادعها فَأَبْعَده الله تَعَالَى فَلم يرجع فَقَالَ إِبْلِيس عَلَيْهِ مَا ارْجع وَأَنا أُعْطِيك كل يَوْم أَرْبَعَة دَرَاهِم فَترفع طرف فراشك فَإنَّك تجدها فَقَالَ لَهُ وَتفعل ذَلِك قَالَ نعم ضمنت ذَلِك كل يَوْم فَرجع إِلَى منزله فَوجدَ ذَلِك يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَو مَا شَاءَ الله تَعَالَى فَلَمَّا أصبح بعد ذَلِك وَرفع طرف فرَاشه فَلم ير شَيْئا ثمَّ مكث يَوْمًا آخر فَلَمَّا رأى أَنه لم يجد الدَّرَاهِم أَخذ الفأس وَركب الْحمار وَتوجه نَحْو الشَّجَرَة فَلَقِيَهُ إِبْلِيس عَلَيْهِ اللعنه على صُورَة إِنْسَان فَقَالَ لَهُ إِلَى أَيْن تُرِيدُ فَقَالَ شَجَرَة تعبد من دون الله تَعَالَى أُرِيد أَن أقطعها فَقَالَ لَهُ ابليس لعيه مَا يسْتَحق لَا تطِيق ذَلِك أما الْمرة الأولى فَكَانَ خُرُوجك غَضبا لله تَعَالَى فَلَو اجْتمع أهل السَّمَاء وَالْأَرْض مَا ردوك وَأما الْآن فَإِنَّمَا خرجت حَيْثُ لم تَجِد الدَّرَاهِم فلئن تقدّمت ليدفن عُنُقك فَرجع إِلَى بَيته وَترك الشَّجَرَة وَيَنْبَغِي أَن يكون عَالما بالعروف وَالْمُنكر لِأَن الْجَاهِل لَا يحسن الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فَلَعَلَّهُ يَأْمر بالمنكر وَينْهى عَن الْمَعْرُوف فَيظْهر فِيهِ عَلامَة الْمُنَافِقين قَالَ الله {المُنَافِقُونَ والمنافقات بَعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وَينْهَوْنَ عَن الْمَعْرُوف} وَيَنْبَغِي أَن يكون احتسابه بِرِفْق ولين قَالَ الله تَعَالَى لمُوسَى وَهَارُون حِين

بعثهما إِلَى فِرْعَوْن {فقولا لَهُ قولا لينًا} وَيَنْبَغِي أَن يكون صبورا حَلِيمًا لقَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن لُقْمَان وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وانهى عَن الْمُنكر وأصبر على مَا أَصَابَك وَيَنْبَغِي أَن يكون عَاملا بِمَا يَأْمر لكَي يعْتَبر بِهِ قَالَ الله خَبرا عَن شعب عَلَيْهِ السَّلَام وَمَا أُرِيد أَن أخالفكم إِلَى مَا أنهاكم عَنهُ وَلِئَلَّا يدْخل فِي وَعِيد قَوْله تَعَالَى {أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم} وَرُوِيَ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ رَأَيْت لَيْلَة أسرى بِي رجَالًا تقْرض شفاههم بمقاريض من نَار فَقلت من هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل فَقَالَ خطباء أمتك الَّذين يأمرون النَّاس بِالْبرِّ وينسون أنفسهم وَيَنْبَغِي أَن لَا يكون مرِيدا إِلَّا الاصلاح بِقدر مَا يَسْتَطِيع لقَوْله تَعَالَى خَبرا عَن شعب عَلَيْهِ السَّلَام أَن أُرِيد إِلَّا الاصلاح مَا اسْتَطَعْت وَيَنْبَغِي أَن يعلم أَن توفيقه على الاحتساب بِاللَّه تَعَالَى وَيكون توكله عَلَيْهِ لقَوْله تَعَالَى خَبرا عَن شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب

مسألة

مَسْأَلَة إِذا ترك الْمُحْتَسب مَعْرُوفا أَو ارْتكب مَنْهِيّا هَل يجب عَلَيْهِ أَن يَأْمر بِهِ غَيره أَو ينهاه عَنهُ الْجَواب نعم لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام مروا بِالْمَعْرُوفِ وَإِن لم تعملوا بِهِ وأنهوا عَن الْمُنكر وَإِن لم تنتهو عَنهُ قَالَ العَبْد وَيكون ثَوَاب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر إِن كَانَ مخلصا فِيهِ وَعَلِيهِ وزر مخالفتهما إِن لم يتب والوعيد فِي حَقه شَدِيد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام يُؤْتى بِالرجلِ يَوْم الْقِيَامَة فَيلقى فِي النَّار فتندلق أقتاب بَطْنه فيدور بهَا كَمَا يَدُور الْحمار بالرحى قَالَ فيجتمع عَلَيْهِ أهل النَّار فَيَقُولُونَ لَهُ يَا فلَان مَا لَك أما اكنت تَأمر بِالْمَعْرُوفِ وتنهى عَن الْمُنكر فَيَقُول بلَى كنت آمُر بِالْمَعْرُوفِ فَلَا آتيه وأنهى عَن الْمُنكر وآتيه قَالَ العَبْد وللصوفيه فِي الاحتساب شَرط آخر وَهُوَ أَن لَا يرى نَفسه فِي الاحتساب فَإِن رَآهَا فِيهِ ترك حُكيَ عَن أبي بكر الشبلي رَحمَه الله أَن سفينة مشحونة بخواب من خمر

حملت من مصر للخليفة فَألْقى نَفسه فِيهَا فَجعل يَأْخُذ وَاحِدًا ويريقها كلهَا وَالْقَوْم سكُوت من هيبته حَتَّى بَقِي وَاحِد فَلم يرقها فَأتى بِهِ إِلَى الْخَلِيفَة وَهُوَ المعتصم فَقَالَ لَهُ لم فعلت هَذَا قَالَ أيد الله تَعَالَى الْخَلِيفَة لَو علمت أَن فِي بَطْنك خمرًا لشققته بِهَذِهِ الحربة فَقَالَ لَهُ المعتصم أَنا أعلم مَا قصدك من هَذَا قصدك أَن أَقْتلك حَتَّى تصير شَهِيدا فَلَا أفعل مَا قصدت ثمَّ قَالَ لم تركت الخابية الْوَاحِدَة فَقَالَ حِين كنت أريقها لم أكن أرى نَفسِي فِيهَا فَلَمَّا لم يبْق إِلَّا وَاحِد رَأَيْت نَفسِي عِنْدهَا فتركتها وَلم أريقها بِمُرَاد نَفسِي وَيَنْبَغِي أَلا يخَاف فِي احتسابه إِلَّا الله تَعَالَى بل يَسْتَعِين بِهِ وَيدخل فِيهِ متوكلا على الله تَعَالَى لقَوْله تَعَالَى {أتخشونهم فَالله أَحَق أَن تخشوه إِن كُنْتُم مُؤمنين} وَحكي أَن أَبَا غياث الزَّاهِد كَانَ يسكن بمقابر بُخَارى فَدخل الْمَدِينَة ليزور خَاله فِي الله تَعَالَى وَكَانَ غلْمَان الْأَمِير نصر بن أَحْمد والمغنون يخرجُون من دَاره مَعَهم المعازف والملاهي وَكَانَ هُنَاكَ ضِيَافَة عِنْد الْأَمِير فَلَمَّا رَآهُمْ الزَّاهِد

قَالَ يَا نفس وَقع الْأَمر إِن نهيت فَفِيهِ خوف تلفك وَإِن سكت فَأَنت شريكهم فَرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء واستعان بِاللَّه تَعَالَى وَأخذ الْعَصَا وَحمل عَلَيْهِم حَملَة فَوَلوا منهزمين مُدبرين إِلَى دَار السُّلْطَان وخلفهم الزَّاهِد فَأرْسل إِلَيْهِ فَأتى الزَّاهِد فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان أما تعلم أَن من خرج على السُّلْطَان يتغذى فِي السجْن فَقَالَ لَهُ غياث أما علمت أَن من يخرج على الرَّحْمَن يتعشى فِي النيرَان فَقَالَ لَهُ الْأَمِير من ولاك الْحِسْبَة قَالَ الَّذِي ولاك الامارة قَالَ ولاني الْإِمَارَة الْخَلِيفَة قَالَ غياث ولاني الْحِسْبَة رب الْخَلِيفَة فَقَالَ الْأَمِير وليتك الْحِسْبَة بسمرقند قَالَ عزلت نَفسِي عَنْهَا قَالَ الْعجب فِي أَمرك تحتسب حَيْثُ لم تُؤمر وتمتنع حَيْثُ تُؤمر قَالَ لِأَنَّك إِذا وليتني عزلتني وَإِذا ولاني رَبِّي لم يعزلني أحد قَالَ الْأَمِير سل حَاجَة قَالَ أترد عَليّ شَبَابِي قَالَ الْأَمِير لَيْسَ ذَلِك إِلَيّ سل أُخْرَى قَالَ أكتب إِلَى مَالك خَازِن جنهم أَن لَا يُعَذِّبنِي قَالَ لَيْسَ ذَلِك إِلَيّ سل أُخْرَى قَالَ أكتب إِلَى رضوَان أَن يدخلني الْجنَّة قَالَ لَيْسَ ذَلِك إِلَيّ قَالَ فَأَنا مَعَ الرب الَّذِي هُوَ مَالك الْحَوَائِج كلهَا لَا أسأله حَاجَة إِلَّا أجابني إِلَيْهَا فخلى الْأَمِير سَبيله فَذهب وَذكر فِي شرعة الْإِسْلَام وشرائط الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ ثَلَاثَة الأول صِحَة النِّيَّة فِيهِ وَهُوَ أَن يُرِيد إعلاء كلمة الله تَعَالَى وَالثَّانِي معرفَة الْحجَّة وَالثَّالِث الصَّبْر على مَا يُصِيبهُ من الْمَكْرُوه

وَيجب أَن يكون فِيهِ ثَلَاث خِصَال رفق فِيمَا يَأْمر بِهِ وَينْهى عَنهُ قَالَ الله تَعَالَى فبمَا رَحْمَة من الله لنت لَهُم وَلَو كنت فظا غليظ الْقلب لَا نفضوا من حولك فَإِن الغلظة لَا تزيد إِلَّا فَسَادًا وحلم فِي ذَلِك عَمَّا يَنَالهُ من الْمَكْرُوه وَفقه كَيْلا يصير أمره بِالْمَعْرُوفِ مُنْكرا وَفِي شرح أدب القَاضِي للخصاف إِذا دخل القَاضِي الْمَسْجِد فَلَا بَأْس بِأَن يسلم على الْخُصُوم يُرِيد بِهِ تَسْلِيمًا عَاما ثمَّ اخْتلف الْمَشَايِخ فَمنهمْ من قَالَ إِن سلم عَلَيْهِم فَلَا بَأْس بِهِ وَإِن ترك وَسعه لتبقى وتكثر الحشمة وَلِهَذَا جرى الرَّسْم أَن الْوُلَاة والأمراء إِذا دخلُوا لَا يسلمُونَ لتبقى الهيبة وتكثر الحشمة فَإِن ترك وَتَأَول بِهَذَا فَلَا بَأْس بِهِ وَإِلَى هَذَا القَوْل مَال صَاحب الْكتاب وَمِنْهُم من قَالَ عَلَيْهِ أَن يسلم وَلَا يَسعهُ التّرْك وَهَكَذَا الْوَالِي والأمير إِذا دخل عَلَيْهِ أَن يسلم وَلَا يَسعهُ التّرْك لِأَنَّهُ سنة فَلَا يَسعهُ ترك السّنة بِسَبَب تقلد الْعَمَل هَذَا هُوَ الْكَلَام وَقت الدُّخُول فَأَما إِذا جلس للْحكم فَلَا يسلم على الْخُصُوم وَلَا يسلمُونَ عَلَيْهِ فعلى هَذَا قيس أَن الْمُحْتَسب لَا يسلم على أهل السُّوق فِي طَوَافه للحسبة ليبقى على الهيبة وَفِي الْكِفَايَة الشعبية حُكيَ عَن أبي الْقَاسِم الْحَكِيم أَنه قيل لَهُ كَيفَ تَأمر بِالْمَعْرُوفِ فَقَالَ أكرورييش كولي شكتن حرمت بودوجون أزيس كولي غيبت

بودواكربجاي ماني ترك نصيحت بودت وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ لَا يَخْلُو من هَذِه الْأَوْجه الثَّلَاثَة فَكيف تصنع قَالَ إِن كَانَ أكبر مِنْك فالسبيل أَن تريه عَاقِبَة ذَلِك وتقبحه عَلَيْهِ وَتقول إِن ذَلِك الشَّيْء حرَام وَأَنه يعيب من يَفْعَله وتسأله إِن من ابتلى بِهَذَا فَكيف يفعل بِهِ حَتَّى يَقُول بِنَفسِهِ أَنه يعيب عَنهُ حُكيَ أَن حسنا وَحسَيْنا رَضِي الله عَنْهُمَا خرجا إِلَى الصَّحرَاء فرأيا شَيخا يتَوَضَّأ وَلَا يحسن الْوضُوء فَقَالَا مَعَ أَنفسهمَا أَنه شيخ فَكيف تَقول لَهُ أَنَّك لَا تعلم الْوضُوء لَعَلَّه يغْضب من ذَلِك فاتفقا على أَن يجيئا إِلَيْهِ ليتعلما مِنْهُ الْوضُوء فدنيا مِنْهُ وَقَالا يَا شيخ أنظر إِلَيْنَا أَيّنَا أحسن علما بِالْوضُوءِ فَتَوَضَّأ بَين يَدَيْهِ وَهُوَ ينظر إِلَيْهِمَا فَقَالَ أنكما تحسنان الْوضُوء وَلَكِنِّي لَا أحْسنه فتعلمت مِنْكُمَا وَإِن كَانَ مثلك فِي السن تشفع إِلَيْهِ وترفق بِهِ ثمَّ تَأمره لِئَلَّا يضيق قلبه كَمَا حُكيَ عَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إس تُضَاف مِائَتي مَجُوسِيّ فَلَمَّا أكلُوا الطَّعَام قَالُوا لَهُ مَا تَأْمُرنَا يَا إِبْرَاهِيم قَالَ إِن لي إِلَيْكُم حَاجَة فَقَالُوا مَا حَاجَتك فَقَالَ اسجدوا لرَبي مرّة وَاحِدَة فتشاوروا فِيمَا بَينهم وَقَالُوا إِن هَذَا الرجل قد اصْطنع مَعْرُوفا كثيرا فَلَو سجدنا لرَبه مرّة وَاحِدَة ثمَّ رَجعْنَا إِلَى آلِهَتنَا لَا يضر ذَلِك فسجدوا جَمِيعًا فَلَمَّا وضعُوا رؤوسهم على الأَرْض نَاجِي ربه فَقَالَ إلهي أَنِّي جهدت جهدي حَتَّى حملتهم على هَذَا وَلَا طَاقَة لي فَوق هَذَا وَإِنَّمَا التَّوْفِيق وَالْهِدَايَة بِيَدِك اللَّهُمَّ أشرح صُدُورهمْ بِالْإِسْلَامِ فَرفعُوا رؤوسهم من السُّجُود فأسلموا

جَمِيعًا وَمن آدَاب الاحتساب مَا رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يعس ذَات لَيْلَة فَنظر إِلَى مِصْبَاح من خلل بَاب فَاطلع فَإِذا قوم هم على شراب فَلم يدر كَيفَ يصنع فَدخل الْمَسْجِد فَأخْرج عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فجَاء بِهِ إِلَى الْبَاب فَنظر وَقَالَ وَكَيف ترى أَن نعمل فَقَالَ أرى وَالله تَعَالَى قد آتَيْنَا مَا نَهَانَا الله تَعَالَى عَنهُ لأَنا تحبسنا واطلعنا على عَورَة قوم ستروا دُوننَا وَمَا كَانَ لنا أَن نكشف ستر الله فَقَالَ مَا أَرَاك إِلَّا قد صدقت فانصرفا وَفِي هَذَا الْخَبَر فَوَائِد أَحدهَا أَن العسس شُرُوع بل هُوَ سنة عمر رَضِي الله عَنهُ وَالثَّانِي أَن الْمُحْتَسب يَنْبَغِي لَهُ أَن يشاور أَصْحَابه فِيمَا أشكل عَلَيْهِ كَمَا سَأَلَ عمر رَضِي الله عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَالثَّالِث أَن التَّجَسُّس للمحتسب أَيْضا منهى عَنهُ وَرُوِيَ نَحْو هَذَا أَن عمر رَضِي الله عَنهُ كَانَ يعس مَعَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فَأطلع من خلال بَاب فَإِذا شيخ بَين يَدَيْهِ شراب وقينة مغنية فتسور فَقَالَ عمر مَا أقبح شَيخا مثلك أَن يكون على مثل هَذِه الْحَال فَقَامَ الرجل فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أنْشدك الله تَعَالَى أَن تصغي حَتَّى أَتكَلّم قَالَ قل قَالَ إِن كنت عصيت الله تَعَالَى وَاحِدَة فقد عصيته انت فِي ثَلَاث قَالَ مَا هن قَالَ تجسست وَقد نهاك الله تَعَالَى عَنهُ

مسألة

حَيْثُ قَالَ {وَلَا تجسسوا} وتسورت وَقد قَالَ الله {وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا} إِلَى قَوْله {وَأتوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا} وَدخلت بِغَيْر أذن وَسَلام وَقد قَالَ الله تَعَالَى {لَا تدْخلُوا بُيُوتًا غير بُيُوتكُمْ حَتَّى تستأنسوا وتسلموا على أَهلهَا} فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ صدقت فَهَل أَنْت غَافِر لي فَقَالَ غفر الله عَنهُ ويبكي وَيَقُول ويل لعمر إِن لم يغْفر الله تَعَالَى لَهُ وَقد يجد الرجل يختفي بِهَذَا عَن أَهله وَولده والآن يَقُول رَآنِي الْأَمِير دلّ ذَلِك على أَن الْمُحْتَسب لَا يتجسس وَلَا يتسور وَلَا يدْخل بَيْتا بِلَا إِذن فَإِن قيل ذكر فِي بَاب من يظْهر الْبدع فِي الْبيُوت أَنه يجوز للمحتسب الدُّخُول بِلَا إِذن فَنَقُول ذَلِك فِيمَا ظهر وَهَذَا فِيمَا ستر ذكر فِي مُشَاهدَة أهل المراقبة من قوت الْقُلُوب للشَّيْخ أبي طَالب الْمَكِّيّ رَحمَه الله مَسْأَلَة الْمُحْتَسب أَن يطوف فِي الْأَسْوَاق أولى أَو أَن يَدْعُو أهل السُّوق إِلَى بَيته للتفحص عَنْهُم

الجواب

الْجَواب إِن الطّواف فِي الْأَسْوَاق أولى لِأَن فِي دُعَائِهِمْ إِلَيْهِ منعا لَهُم من أَعْمَالهم وَهُوَ إِضْرَار بهم بِغَيْر تَحْقِيق جِنَايَة مِنْهُم بِخِلَاف القَاضِي حَيْثُ يَدْعُو الْخصم إِلَيْهِ لِأَن الْخصم ظَاهرا ظَالِم فيحال بَينهم وَبَين أشغالهم وَفِي الْأَخْبَار أَن كلب الرّوم أرسل إِلَى عمر هَدَايَا من الثِّيَاب والجبة فَلَمَّا دخل الرَّسُول الْمَدِينَة قَالَ إين دَار الْخَلِيفَة وبناؤه فَقيل لَهُ لَيْسَ لَهُ دَار عَظِيمَة كَمَا توهمت إِنَّمَا لَهُ بَيت صَغِير فدلوه عَلَيْهِ فَأَتَاهُ فَوجدَ لَهُ بَيْتا صَغِيرا حَقِيرًا قد اسود بَابه لطول الزَّمَان فَطَلَبه فَلم يصادفه وَقيل أَنه خرج إِلَى السُّوق لِحَاجَتِهِ وحوائج الْمُسلمين أَي للاحتساب فَخرج الرَّسُول إِلَى طلبة فَوَجَدَهُ نَائِما تَحت ظلّ حَائِط قد توسد بِالدرةِ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ عدلت فأمنت فَنمت حَيْثُ شِئْت وأمراؤنا ظلمُوا فاحتاجوا إِلَى الْحُصُون والجيوش فِي الْإِيمَان من الْكِفَايَة مَسْأَلَة وَيسْتَحب للمحتسب وَغَيره إِذا دخل السُّوق أَن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيي وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير فَإِنَّهُ رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من قَالَ ذَلِك كَانَ لَهُ بِعَدَد من فِي السُّوق عشر حَسَنَات وَفِي قوت الْقُلُوب كَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ إِذا دخل السُّوق يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْكفْر والفسوق وَمن شَرّ مَا

مسألة

أحاطت بِهِ السُّوق اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من يَمِين فاجرة وصفقة خاسرة وَكَانَ الْحسن يَقُول من ذكر الله تَعَالَى فِي الْأَسْوَاق يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة لَهُ ضوء كضوء الْقَمَر وبرهان كبرهان الشَّمْس وَمن اسْتغْفر الله تَعَالَى فِي السُّوق غفر الله تَعَالَى لَهُ بِعَدَد أَهلهَا مَسْأَلَة وَيسْتَحب الرِّفْق فِي الاحتساب على الذِّمِّيّ أَيْضا لما رُوِيَ أَن الْيَهُود أَتَوا إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالُوا السَّلَام عَلَيْك فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام وَعَلَيْكُم فَقَالَت عَائِشَة السَّلَام عَلَيْكُم ولعنكم الله تَعَالَى فَقَالُوا السَّلَام عَلَيْكُم فَقَالَ رَسُول الله مهلا يَا عَائِشَة السَّلَام عَلَيْكُم ولعنكم الله تَعَالَى وَغَضب عَلَيْكُم فَقَالَ رَسُول الله مهلا يَا عَائِشَة عَلَيْك بالرفق إياك والعنف والعنف وَالْفُحْش قَالَت أَو لم تسمع مَا قَالُوا قَالَ أولم تسمعي مَا رددت عَلَيْهِم فيستجاب لي فيهم وَلَا يُسْتَجَاب لَهُم فِي

في الاحتساب على من يظهر البدع في البيوت وفي هجوم المحتسب على بيوت المفسدين بلا اذنهم

الْبَاب الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ فِي الاحتساب على من يظْهر الْبدع فِي الْبيُوت وَفِي هجوم الْمُحْتَسب على بيُوت المفسدين بِلَا اذنهم كِتَابَة الرّقاع فِي أَيَّام النيروز والزاقها بالأبواب مَكْرُوه لِأَن فِيهِ إهانة اسْم الله تَعَالَى وَاسم نبيه ذكر فِي كَرَاهِيَة شرح الْكَرْخِي رَحمَه الله قَالَ بشر سَمِعت أبي يُوسُف رَحمَه الله فِي دَار سمع فِيهَا صَوت مَزَامِير ومعازف قَالَ ادخل عَلَيْهِم أَي بِغَيْر اذنهم لارتكابهم الْمُنكر لِأَن الْمَنْع مِنْهُ وَاجِب وَلَو لم يجز الدُّخُول بِغَيْر إذْنهمْ لم يكن الْمَنْع وَلِأَنَّهُم أسقطوا حرمتهم بِفعل الْمُنكر فَجَاز هتكا لَهُم وَذكر فِي أدب القَاضِي من الْمُحِيط فِي الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي الْقَدُورِيّ وَيسْتر الْبَاب قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس بالهجوم على المفسدين وَالدُّخُول إِلَى بُيُوتهم من غير اسْتِئْذَان إِذا سمع فِيهِ صَوت فَسَاد لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن

الْمُنكر وَذكر فِيهِ قَالَ صَاحب الْإِيضَاح وسع فِي الهجوم على الْخصم بعض أَصْحَابنَا قَالُوا أَرَادَ بِهِ أَبُو يُوسُف وَقد رُوِيَ أَنه كَانَ يفعل فِي زمن قَضَائِهِ وَقد روى هِشَام عَن مُحَمَّد مثل هَذَا أَيْضا وَأَصله مَا رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه هجم على بَيت رجلَيْنِ أَحدهمَا قرشي وَالْآخر ثقفي بلغه أَن فِي بيتهما شرابًا فَوَجَدَهُ فِي بَيت أَحدهمَا دون الآخر وَكَذَلِكَ هجم على بَيت نايحة بِالْمَدِينَةِ وأخرجها وعلاها بِالدرةِ حَتَّى سقط الْخمار عَن رَأسهَا وَصُورَة الهجوم على الْخُصُوم أَن يكون لرجل على رجل دين فتوارى الْمَدْيُون فِي منزله وَتبين ذَلِك للْقَاضِي يبْعَث القَاضِي إثنين من أمنائه ومعهما جمَاعَة من أعوان القَاضِي وَمن النِّسَاء إِلَى منزله بَغْتَة حَتَّى يهجموا على منزله وَيقف الأعوان بِالْبَابِ وحول الْمنزل وعَلى السَّطْح حَتَّى لَا يُمكنهُ الْهَرَب ثمَّ يدْخل النِّسَاء الْمنزل من غير اسْتِئْذَان وحشمة فيأمرن حرم الْمَطْلُوب حَتَّى يدخلن فِي زَاوِيَة ثمَّ يدْخل أعوان القَاضِي ويفتشون الدَّار غرفَة غرفَة وَمَا تَحت الستور حَتَّى إِذا

وجدوه أَخْرجُوهُ وَإِذا لم يجدوه يأمرون النِّسَاء حَتَّى يفتشن النِّسَاء فَرُبمَا يتَوَارَى بَين النِّسَاء وَمِمَّا يحْتَسب على الْإِنْسَان على مَا يظْهر من الْبدع فِي بَيته ترك الْجَمَاعَة فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعد تاركها بإحراق بَيته والْحَدِيث فِي بَاب الإحراق

فيما يمنع المحتسب من الطريق وما لا يمنع

الْبَاب الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ فِيمَا يمْنَع الْمُحْتَسب من الطَّرِيق وَمَا لَا يمْنَع فِي صلح الْمُلْتَقط المتاعب الَّتِي تكون فِي الطَّرِيق لَيْسَ لأحد أَن يُخَاصم فِيهَا وَلَا يرفعها وَعَلِيهِ الْفَتْوَى والمثاعب الموازيب وَسَيَأْتِي مَا يُخَالف هَذَا من بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالصبيان الَّذين يَلْعَبُونَ بالجوز وَغَيره إِن كَانُوا فِي الطَّرِيق يمنعهُم سَوَاء كَانُوا يَلْعَبُونَ بالقمار أَو غَيره لأَنهم ظلمُوا النَّاس بشغل الطَّرِيق وَلَكِن لَا تكسر جوزتهم لما روى أَن أَبَا حنيفَة رَحمَه الله كَانَ يتمشى مَعَ سُفْيَان الثورى وَكَانَ فِي الطَّرِيق صبية يَلْعَبُونَ فوطئ جوزتهم وَكسرهَا فَقَالَ لَهُ الصَّبِي يَا شيخ غَدا الْقصاص فَغشيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاق قَالَ لَهُ سُفْيَان مَا هَذِه الجزعة والشدة من قَول صبي فَقَالَ خشيت أَن الْمَلَائِكَة هم الَّذين لقنوه من زَكَاة الْكِفَايَة الشعبية وَإِن كَانُوا فِي غير الطَّرِيق أَن كَانُوا يَلْعَبُونَ قمارا ينعهم أَيْضا لِأَنَّهُ حرَام وَإِن كَانُوا يَلْعَبُونَ بِغَيْر قمار لَا يمنعهُم لِأَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَ يَشْتَرِي الْجَوْز لصبيانه يَوْم الْعِيد فيلعبون بِهِ ويأكلون مِنْهُ وَهَكَذَا كَانَ يفعل عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ

مسألة

رجل رفع طينا أَو تُرَابا من طَرِيق الْمُسلمين فَهُوَ على وَجْهَيْن إِمَّا أَن كَانَ فِي أَيَّام الردغ والأوحال أَو لم يكن فَفِي الأول جَازَ لِأَنَّهُ تنقية الطَّرِيق وَفِي الثَّانِي أَن كَانَ يضر بالعامة لَا يجوز لِأَن النَّفْع الْخَاص لَا يتَحَمَّل مَعَ الضَّرَر الْعَام وَمِمَّا يمْنَع مِنْهُ إيقاف الدَّابَّة فِي الطَّرِيق ورش المَاء فِيهِ مَسْأَلَة قصار أوقف حمارة فِي الطَّرِيق فعطف بِهِ إِنْسَان وَهُوَ لَا يعلم بِهِ يضمن الْقصار لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ وَإِن تعمد الْمُرُور عَلَيْهِ وَقد أبصره لَا يضمن لِأَنَّهُ مُخْتَار فِيهِ رجل رش المَاء فِي الطَّرِيق فَمر الْحمال بِهِ فزلق ضمن الراش لِأَنَّهُ مُعْتَد وَإِن عطب إِنْسَان إِن كَانَ لم يجد طَرِيقا آخر ضمن أَيْضا لِأَنَّهُ مُضْطَر فِي الْمُرُور وَالْمُخْتَار أَن الرش إِن كَانَ لتسكين الْغُبَار لَا بَأْس أما الزِّيَادَة عَلَيْهِ لَا تحل زقاق فِيهِ دور فَغطّى أحد أربابه بعضه وَنصب عمدا متلاصقة بجدار رجل وَبنى فَوْقه غرفَة فَاشْترى رجل دَارا فِي ذَلِك الزقاق وَلم تكن لَهُ وَقت

الْبناء فِي الزقاق دَار فَلهُ أَن يَأْخُذهُ ويرفعها لِأَنَّهُ قَائِم مقَام البَائِع سكَّة نَافِذَة فِي وَسطهَا مزبلة فَأَرَادَ وَاحِد مِنْهُم أَن يفرغ مزبلة بَيته ويحوله إِلَى هَذَا المزبلة فتأذى بِهِ الْجِيرَان كَانَ لَهُم مَنعه عَن ذَلِك وَلكُل وَاحِد من عرض النَّاس ذَلِك لِأَن من أحدث تَصرفا فِي السِّكَّة النافذة ويتضرر بِهِ الْعَامَّة كَانَ لكل وَاحِد مِنْهُم حق الْمَنْع وَإِنَّمَا يتخصص أهل السِّكَّة بسكة غير نَافِذَة رجل اتخذ كنيفا فِي دَاره وأشرعه إِلَى طري الْمُسلمين أَو كَانَ لَهُ داران احداهما يمنة وَالْأُخْرَى يسرة وَبَينهمَا طَرِيق للْمُسلمين فَبنى عَلَيْهِ ظله فَهَذَا على وَجْهَيْن إِمَّا أَن يضر بِالطَّرِيقِ أَو لَا يضر فَفِي الأول لَا يَسعهُ أَن يفعل وَفِي الثَّانِي وَسعه وَمن خاصمه من الْمُسلمين قبيل الْبناء قله أَن يمنعهُ وَبعد الْبناء لَهُ أَن يهدم لِأَن الْحق لَهُم وَإِذا أَرَادَ الرجل إِحْدَاث ظله فِي طَرِيق الْعَامَّة وَلَا يضر بالعامة فَالصَّحِيح من مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله أَن لكل وَاحِد من آحَاد الْمُسلمين حق الْمَنْع وَحقّ الطرح وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله لَهُ حق الْمَنْع من الْأَحْدَاث وَله حق الطرح وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله لَيْسَ لَهُ حق الْمَنْع وَلَا حق الطرح وَإِن كَانَ يضر الْمُسلمين فَلِكُل وَاحِد من آحَاد الْمُسلمين حق الْمَنْع والطرح فِي السِّكَّة الْخَاصَّة وَلَا يعْتَبر الضَّرَر وَيعْتَبر إِذن الشُّرَكَاء رجل لَهُ ظلمه فِي سكَّة غير نَافِذَة فَلَيْسَ لأَصْحَاب السِّكَّة أَن يهدموها إِذا لم يعلم كَيفَ كَانَ أمرهَا وَإِن علم أَنه بناها على السِّكَّة هدمت وَلَو كَانَت السِّكَّة نَافِذَة هدمت فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله إِن كَانَ

فِي ضَرَر هدمت لِأَن الأَصْل أَن مَا كَانَ على طَرِيق الْعَامَّة إِذا لم يعرف حَالهَا تجْعَل حَدِيثا حَتَّى كَانَ للْإِمَام رَفعهَا وَمَا كَانَ فِي سكَّة غير نَافِذَة إِذا لم يعلم بِحَالِهَا أَو علم بِحَالِهَا تجْعَل قديمَة حَتَّى لَا يكون لأحد رَفعهَا وَالسِّكَّة الْخَاصَّة أَن تكون مُشْتَركَة بَين قوم أَو أَرض مُشْتَركَة بَينهم بنوا فِيهَا مسَاكِن وحجرا وَرفعُوا بَينهم طَرِيقا حَتَّى يكون الطَّرِيق ملكا وَأما إِن كَانَت السِّكَّة فِي الأَصْل أحيطت بِأَن بنوا دَارا وَتركُوا هَذَا الطَّرِيق للمرور فَالْجَوَاب فِيهِ كالجواب فِي الْعَامَّة لِأَن هَذَا الطَّرِيق بَقِي على ملك الْعَامَّة هَكَذَا قَالَ الشَّيْخ الْمَعْرُوف بخواهر زادة وَعَن شمس الْأَئِمَّة الْحلْوانِي أَنه كَانَ يَقُول فِي حد السِّكَّة الْخَاصَّة أَن يكون فِيهَا قوم يخصون أما إِذا كَانَ فِيهَا قوم لَا يخصون فَهِيَ سكَّة عَامَّة وَعَن الْفَقِيه أبي جَعْفَر رَحمَه الله أَن للمحتسب أَن يُخَاصم فِي وضع المثاعب أَي الموازيب الشاخصة إِلَى الطَّرِيق وَأَن يُخَاصم فِي رَفعهَا لِأَنَّهُ تعدى أَلا يرى إِلَى مَا ذكر فِي كتاب الدِّيات فِي المتاعب الشاخصة إِلَى الطَّرِيق سقط فَأصَاب الْمَار فَإِن أَصَابَهُ بالطرف الْخَارِج إِلَى الطَّرِيق ضمن صَاحب المتعب وَأَن أَصَابَهُ الطّرف الدَّاخِل فِي ملكه لَا ضَمَان وَإِن كَانَ لَا يدْرِي بِأَيّ الطَّرفَيْنِ أَصَابَهُ فِي الْقيَاس لَا يضمن وَفِي الِاسْتِحْسَان يضمن النّصْف من الْخَانِية وَمَا ذكر من قبل يُخَالف هَذَا

سكَّة غير نَافِذَة لرجل فِيهَا دَار فَأَرَادَ أَن يفتح فِيهَا بَابا أَعلَى من بَاب دَاره أَو أَسْفَل مِنْهُ لَا يمْنَع وَعَلِيهِ الْفَتْوَى الطَّرِيق إِذا كَانَ وَاسِعًا فَبنى فِيهِ أهل الْمحلة مَسْجِدا للعامة وَلَا يضر ذَلِك بِالطَّرِيقِ فَلَا بَأْس بِهِ ويحتسب على من يمر فِي الْمَقَابِر إِلَّا إِذا كَانَ الطَّرِيق قَدِيما فِيهِ وَمن وجد فِي الْمقْبرَة طَرِيقا فَلَا بَأْس أَن يمر فِيهِ إِذا لم يَقع فِي قلبه أَنه مُحدث ويحتسب على من يجلس فِي الطَّرِيق لبيع السّلْعَة إِذا للنَّاس فِيهِ ضَرَر وَلِهَذَا لَا يَنْبَغِي أَن يَشْتَرِي مِمَّن يجلس على الطَّرِيق إِذا كَانَ فِي جُلُوسه ضَرَر وَهُوَ الْمُخْتَار وَإِن لم يكن فِي جُلُوسه ضَرَر لسعة الطَّرِيق فَلَا بَأْس بِالشِّرَاءِ مِنْهُ وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى فِي الرجل إِذا طين جِدَار دَاره وشغل بِهِ طَرِيق الْمُسلمين فَالْقِيَاس أَنه ينْقض وَفِي الِاسْتِحْسَان لَا ينْقض وَيتْرك على حَاله وَرُوِيَ على النَّصْر بن مُحَمَّد الْمروزِي صَاحب أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يطين دَاره نَحْو السِّكَّة خدشه ثمَّ طينه كَيْلا يَأْخُذ شَيْئا من الْهَوَاء وَكَانَ لِأَحْمَد بن حَنْبَل تلميذ قديم هجره بِسَبَب أَنه طين بَاب دَاره من جَانب الشَّارِع وَأخذ من الجادة قدر ظفر فَقَالَ أَنه لَا يَنْبَغِي لمثلي أَن أعلمهُ علم الْإِسْلَام وَفِي الْمُلْتَقط الناصري كنيف أَو ميزاب أَو ظله فِي شَارِع إِلَى طَرِيق غير نَافِذَة

جَاءَ جَاره فخاصمه قلعه على كل حَال وَإِن كَانَ قَدِيما قَالَ مُحَمَّد هَذَا إِذا أضرّ بِالطَّرِيقِ فَإِن لم يضر بِالطَّرِيقِ ترك وَالْأول قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله وَفِي جنايات الْمُلْتَقط وَلَو أَرَادَ حفر بِئْر بالوعة فِي السِّكَّة وسد رَأسهَا لَهُم أَن يمنعوه وَفِي الْفَتَاوَى النسفية سُئِلَ عَن محتسب ينْهَى قطانا عَن وضع الْقطن على طَرِيق الْعَامَّة فَقيل وَسعه وَلَا يعود إِلَى مثله فَإِن رَآهُ فَأوقد النَّار على قطنه وَأحرقهُ أمرا بِالْمَعْرُوفِ فِي الزّجر هَل يضمن مثل ذَلِك ام لَا فَقَالَ نعم إِلَّا إِذا علم فَسَادًا فِي ذَلِك أَو رأى الْمصلحَة فِي إحراقه فَلَا يضمن قَالَ وَكَذَلِكَ كسر الدنان وشق الزقاق وإراقة الْخمر وإحراق بَيت الْخمار الْمَعْرُوف بذلك الْمَشْهُور بذلك رُوِيَ فِي إِبَاحَة ذَلِك أثر وَلَو أَن رجلا حفر بِئْرا فِي سوق الْعَامَّة أَو بنى فِيهِ دكانا فَعَطب بِهِ شَيْء أَن فعل ذَلِك بِإِذن الإِمَام لَا يكون ضَامِنا وَبِغير إِذْنه يكون ضَامِنا وَكَذَا لَو أوقف الدَّابَّة فِي السُّوق فَإِن كَانَ موضعا معينا لإيقاف الدَّابَّة فَأوقف الدَّابَّة فِي ذَلِك الْموضع أَن عينوا ذَلِك الْموضع بِإِذن السُّلْطَان فَمَا عطب بِهِ لم يكن ضَامِنا وَأَن عينوا بِغَيْر إِذن السُّلْطَان لم يكن ضَامِنا لِأَن السُّلْطَان إِذا أذن بذلك يخرج ذَلِك الْموضع من أَن يكون طَرِيقا فَيتَعَيَّن لإيقاف الدَّوَابّ وَبِغير إِذن السُّلْطَان لَا يخرج من أَن يكون طَرِيقا حَائِط وَقع فِي الشَّارِع للمحتسب أَن يَأْمر صَاحبه بتفريغ الطَّرِيق فَإِن

كَانَ يفرغ وَقد شهد عَلَيْهِ فَعَطب إِنْسَان أَو تلف مَال بذلك ضمن من الْخَانِية فِي الْجِنَايَات وَفِي الْحَضَر وَالْإِبَاحَة من الْخَانِية رجل رش المَاء فِي السُّوق قَالَ أَبُو بكر لَا رخصَة فِيهِ وَأَن كثر الْغُبَار قَالَ أَبُو نصر الدبوسي لَا بَأْس بذلك فتسكين الْغُبَار وَالزِّيَادَة على ذَلِك لَا تحل قَالَ العَبْد أصلحه الله تَعَالَى فَالْخِيَار إِلَى الْمُحْتَسب يمِيل إِلَى أَي الْقَوْلَيْنِ أصوب عِنْده فِي منع النَّاس عَن إِرَاقَة المَاء فِي الشوارع وَمنع القفاعي والسقائي وَنَحْوهمَا مِمَّا لَهُم الْعَادة الْجَارِيَة بإراقة المَاء فِي الشوارع وَفِي الْفَتَاوَى الْخَانِية سكَّة غير نافدة ألْقى وَاحِد من أَهلهَا فِي فنَاء دَاره تُرَابا أَو أوقف دَابَّته على بَابه أَو وضع حجر ليضع قدمه عَلَيْهِ فِي الْخُرُوج وَالدُّخُول وَمَا أشبه ذَلِك مِمَّا كَانَ من بَاب السُّكْنَى إِذا فعل ذَلِك فِي فنَاء دَاره لَا يضمن وَإِن فعل ذَلِك فِي طَرِيق الْمُسلمين ضمن وَلَا يحْتَسب على إيقاف الدَّوَابّ والأرقاد فِي السُّوق لِأَن الإِمَام أذن بِهِ وَفِي الْفَتَاوَى الْخَانِية رجل أوقف دابه فِي سوق الدَّوَابّ فأتلفت الدَّابَّة شَيْئا لَا يضمن صَاحبهَا لِأَن إيقاف الدَّوَابّ فِي سوق الدَّوَابّ يكون بِإِذن الْوَالِي فَلَا يكون مَضْمُونا وَكَذَلِكَ إيقاف السفن فِي الشط لِأَن الإِمَام أذن بِهِ

مسألة

مَسْأَلَة هَل للمحتسب أَن يمْنَع الْمَار عَن الْجُلُوس فِي الطَّرِيق الْجَواب إِن جلس للاستراحة بِأَن عيى لَا يمْنَع من ذَلِك إِذا كَانَ لَا يضر بالمارة وَلَكِن لَو تلف بِهِ إِنْسَان ضمن لِأَنَّهُ مُبَاح لَهُ بِشُرُوط السَّلامَة وَإِن قعد بِغَيْر حَاجَة يمْنَع مِنْهُ ذكر فِي جنايات الذَّخِيرَة فِي الْفَصْل السَّادِس عشر وَذكر فِي الْبَاب الْخَامِس من العوارف رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه أَمر بقلع ميزاب كَانَ فِي دَار الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب إِلَى طَرِيق بَين الصَّفَا والمروة فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس قلعت مَا أَن رَسُول الله وَضعه بِيَدِهِ فَقَالَ إِذا لَا يردهُ إِلَى مَكَانَهُ غير يدك وَلَا يكون لَك سلم غير عاتق عمر رَضِي الله عَنهُ فإقامة على عَاتِقه ورده إِلَى مَوْضِعه فِيهِ فَوَائِد أَحدهَا أَن الْمِيزَاب إِذا كَانَ فِي الشوارع يقْلع لِأَن مَا بَين الصَّفَا والمروة شَارِع وَهَذَا يُؤَيّد مَا ذَكرْنَاهُ أخيرا وَيُخَالف مَا ذكر فِي أول الْبَاب وَالثَّانيَِة أَن الْوَالِي يستبد بقلعة من غير شُهُود وَلَا دَعْوَى لِأَن الشَّهَادَة وَالدَّعْوَى لم تذكر فِي هَذَا الحَدِيث وَالثَّالِثَة وَهُوَ أَن اذن الْمَالِك وحضوره وَإِقْرَاره بِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيا فِيهِ لَا يشْتَرط لِأَنَّهُ لم يرو إِقْرَار الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَلَا حُضُوره وَالرَّابِعَة يسْتَدلّ بِهِ على قلع كل مُضر فِي الشَّارِع بِدلَالَة هَذَا الحَدِيث وَإِن لم يُخَاصم فِيهِ أحد ذكر فِي كَرَاهِيَة شرح الْكَرْخِي رَضِي الله عَنهُ

وَالْخَامِسَة وَهُوَ أَن الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر يَسْتَوِي فِيهِ الخامل والوجيه والخسيس والشريف لِأَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَقَامَ النَّهْي عَن الْمُنكر على الْعَبَّاس وَهُوَ وجيه شرِيف وَالسَّادِسَة وَهُوَ أَن خبر الْوَاحِد الْعدْل مَقْبُول لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ قبل رِوَايَة الْعَبَّاس رَحمَه الله وَالسَّابِعَة مَنْفَعَة الرَّاوِي لَا توجب تُهْمَة فِي رِوَايَته إِن كَانَ عدلا لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ قبل رِوَايَة عَبَّاس فِيمَا يَنْفَعهُ وَالثَّامِنَة وَهُوَ أَن فعل رَسُول الله مَحْمُول على أَنه مَشْرُوع سَوَاء كَانَ قبل النُّبُوَّة أَو بعده مَا لم يُوجد دَلِيل على أَنه زلَّة لِأَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لم يستفسر من الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام وضع قبل النُّبُوَّة أَو بعده والتاسعة وَهُوَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ لَعَلَّه إِنَّمَا أَمر عباسا رَضِي الله عَنهُ بِوَضْعِهِ بِيَدِهِ لتَكون الْعهْدَة عَلَيْهِ وَفِيه إِيمَاء إِلَى أَن خبر الْوَاحِد لَا يُوجب الْعلم الْعَاشِرَة وَهُوَ أَن فِي الإطاعة إِذا كَانَ ترك الْأَدَب فالإطاعة أولى لِأَن ترك الْأَدَب أَهْون من ترك الْغَرَض وَوضع عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قدمه على عاتق عمر رَضِي الله عَنهُ يُؤَيّدهُ والحادية عشرَة وَالثَّانيَِة عشرَة وهما اللَّتَان قصدهما شيخ الشُّيُوخ فِي كِتَابه من

الْقيام بِخِدْمَة الأخوان لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ خدم عباسا رَضِي الله عَنهُ بِنَفسِهِ وَاحْتِمَال الْأَذَى من الأخوان لِأَن عباسا رَضِي الله عَنهُ لم يظْهر غَضَبه فِي ذَلِك وَالثَّالِثَة عشرَة وَهُوَ أَن إصْلَاح أُمُور الْبَيْت ومرمته من سنة الصَّحَابَة لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَمر عباسا أَن يضع ميزاب بَيته بِنَفسِهِ وَالرَّابِعَة عشرَة وَهُوَ أَن التصرفل فِي الشَّارِع إِذا كَانَ قَدِيما يُعَاد فِي مَوْضِعه ذَلِك دون غَيره من الْمَوَاضِع لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ أمره برده إِلَى مَوْضِعه وَالْخَامِسَة عشرَة دلّ على جَوَاز وضع الرجل على عاتق آخر بِإِذْنِهِ لِأَن عباسا وضع رجله على عاتق عمر بِإِذْنِهِ فيتفرغ عَلَيْهِ جَوَاز وضع الرجل على عاتق الْمَمْلُوك إِذا كَانَ يُطيق وعَلى جَوَاز الِاسْتِئْجَار بِحمْل الْإِنْسَان وَوُجُوب الْأُجْرَة وَالسَّادِسَة عشرَة دلّ على أَن وضع الْإِنْسَان الْمِيزَاب فِي بَيت الْعم سنة لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام وضع الْمِيزَاب فِي بَيت الْعَبَّاس فيتفرغ عَلَيْهِ جَمِيع المرمات فِي بيُوت الْمَحَارِم أَجْمَعِينَ وَيُقَاس عَلَيْهِ جَمِيع أَنْوَاع الْخدمَة وَالسَّابِعَة عشرَة دلّ على تواضع الرَّسُول بِحَيْثُ يخْدم بِنَفسِهِ فِي بَيت عَمه فَمَا ظَنك بِخِدْمَة تقصيد بِهِ لنَفس عَمه

وَالثَّامِنَة عشرَة أَن الْمِيزَاب الْخَارِج لَا يقطع وَلَا يكسر إِذا أمكن قلعة بل يقْلع لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ قلعه وألفقه فِيهِ أَن دفع التَّعَدِّي بِدُونِ إِتْلَافه مُمكن والتاسعة عشر إِزَالَة الظُّلم الْعَام إِذا كَانَ لَا يُمكن إِلَّا بِضَرَر خَاضَ يزَال وَإِن كَانَ فِيهِ إِزَالَة الْحق فَإِن جَانب الْمِيزَاب على الْجِدَار حق خَاص وَلِهَذَا لَو أصَاب الْمِيزَاب الْخَارِج رجلا ينظر إِن كَانَ أَصَابَهُ من جَانب الحارج يضمن وَإِن أَصَابَهُ من الدَّاخِل لَا يضمن وَخُرُوجه ظلم عَام فَلَمَّا لم يكن دفع الظُّلم الْعَام إِلَّا بقلعه أصلا يقْلع كُله كَمَا قلعه عمر رَضِي الله عَنهُ وَلم يلْتَفت إِلَى ضَرَره فيتفرغ الدُّخُول فِي الْبَيْت للْآمِر بِالْمَعْرُوفِ والناهي عَن الْمُنكر بِغَيْر إِذن صَاحب الْبَيْت لِأَن إِشَاعَة الْمعْصِيَة ظلم عَام وَالدُّخُول فِي الْبَيْت بِغَيْر الْإِذْن ضَرَر خَاص وَالْعشْرُونَ فِيهِ مَنَاقِب عمر رَضِي الله عَنهُ من وُجُوه أَحدهَا صلابته فِي الدّين حَيْثُ لم يداهن فِي ميزاب الْعَبَّاس وَالثَّانيَِة تواضعه وَالثَّالِثَة انقياده للحق حِين رَجَعَ عَن قَضَائِهِ والحادية وَالْعشْرُونَ إِن الْمُحْتَسب إِذا احتسب ثمَّ علم أَنه أَخطَأ يرجع عَن ذَلِك ويتفرغ عَلَيْهِ رُجُوع الْحَاكِم وَالثَّانيَِة وَالْعشْرُونَ أَن الْمُحْتَسب إِذا أَخطَأ لَا شَيْء على أعوانه فِيمَا فَعَلُوهُ بأَمْره لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ لم يحكم عَلَيْهِم بِشَيْء وَيتَفَرَّع عَلَيْهِ أعوان القَاضِي والوالي

وَالثَّالِثَة وَالْعشْرُونَ أَن الْمُحْتَسب إِذا أَخطَأ لَا يضمن قَضَاء وَلَكِن يعْتَذر عَمَّن أضره بخطئه ديانه كَمَا رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ لَوْلَا ذَلِك لما أعَان عباسا على وضع الْمِيزَاب فِي مَوْضِعه لِأَن الأولى ترك وضع الْمِيزَاب حَتَّى لَا يضر بِالْمُسْلِمين فِي سَعْيهمْ بَين الجبلين وَالرَّابِعَة وَالْعشْرُونَ يسْتَدلّ بِهِ لإِثْبَات أَن الْوَالِي يجوز لَهُ أَن يَأْمر غَيره بقلع الْمِيزَاب الْمُنكر لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَمر غَيره بِهِ والوالي مثل عمر رَضِي الله عَنهُ فِي الْولَايَة فَكَانَ لَهُ ذَلِك دلَالَة فيتفرغ عَلَيْهِ جَوَاز أمره بقلع غَيره من الْمُنْكَرَات ثمَّ يتفرغ مِنْهُ نصب الْمُحْتَسب لِأَنَّهُ لما جَازَ الْأَمر لغيره بِالنَّهْي عَن الْمُنكر جَازَ الْأَمر لغيره بِالْمَعْرُوفِ أَيْضا وَنصب الْمُحْتَسب لَيْسَ إِلَّا لذَلِك ثمَّ يتفرغ مِنْهُ جَوَاز اتِّخَاذ الْمُحْتَسب أعوانا لنَفسِهِ فِي احتسابه ثمَّ يتفرغ مِنْهُ ترزيقهم من بَيت المَال لِأَنَّهُ إِذا جَازَ لَهُ اتخاذهم وَرُبمَا لَا يجد من يُعينهُ فِي حسبته فَلَا بُد لَهُ من ترزيقهم وَالْخَامِسَة وَالْعشْرُونَ يسْتَدلّ بِهِ أَن الْمُحْتَسب إِذا أَمر غَيره بقلع مُنكر يجوز لَهُ أَن يطيعه فَإِذا جَازَ لَهُ إطاعته يجب إطاعته لِأَن إطاعه الْوَالِي فِيمَا يجوز تجب إِلَّا إِذا كَانَ مَعْرُوفا بالظلم ويتفرغ عَلَيْهِ أَمر القَاضِي بالحدود وَالْقصاص وَالسَّادِسَة وَالْعشْرُونَ لَو ادّعى رَافِضِي أَن عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّمَا قلع الْمِيزَاب

معاداة لبني هَاشم فَجَوَابه أَنه لَو كَانَ للعداوة لما عَاد إِلَى الْوَضع فِي مَكَانَهُ بالتواضع وَالسَّابِعَة وَالْعشْرُونَ يجوز للخصم أَن يواجه الْمُحْتَسب بِالْكِنَايَةِ من الظُّلم جَهرا كَمَا واجه عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ عمر رَضِي الله عَنهُ بقوله قلعت مَا كَانَ رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام وَضعه بِيَدِهِ وَهُوَ كِنَايَة عَن فعله مَا لَا يجوز وَلكنه لَا يُصَرح بِهِ والمعقول فِيهِ وَهُوَ أَنه محسن بِقَصْدِهِ فَلَا يكون ظلما مَحْضا إِلَّا إِذا أصر عَلَيْهِ والجهر بالسوء من القَوْل إِنَّمَا يجوز فِي الظُّلم الْمُطلق وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِك فَلَا يُصَرح بِهِ وَأما الْكِنَايَة فَلَا بُد مِنْهَا ليتوصل الْمُسْتَحق إِلَى حَقه والمحتسب يخرج من خطئه والثامنه وَالْعشْرُونَ خبر الْوَاحِد حجَّة قَطْعِيَّة فِي حق السَّامع مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلذَلِك أَمر الْعَبَّاس بِوَضْعِهِ إِيَّاه دون غَيره والتاسعة وَالْعشْرُونَ خبر الْفَقِيه إِذا كَانَ مُخَالفا للْقِيَاس الصَّحِيح يتْرك الْقيَاس قَالَ مَالك رَحمَه الله لَا يتْرك الْقيَاس للمالكي أَن يحْتَج بقول عمر رَضِي الله عَنهُ إِذا لَا يردهُ إِلَى مَكَانَهُ غير يدك لِأَنَّهُ لَو كَانَ مَقْبُولًا لجَاز رده بِغَيْر عَبَّاس وَأَنه مُخَالف للْقِيَاس على غَيرهَا من الشوارع وَجَوَابه أَنه لَو لم يقبل عمر رَضِي الله عَنهُ ذَلِك لما ترك عباسا يَضَعهُ وَأما قَوْله إِذا لَا يردهُ يحْتَمل أَن يكون لأجل أَن عباسا أولى بِهِ لوجوه

أَحدهَا أَنه رَآهُ فعمله مَعَ الْعلم اليقيني وَالثَّانِي أَنه عَامل لنَفسِهِ وَالثَّالِث ليحصل بِهِ تواضع عمر رَضِي الله عَنهُ وَالثَّلَاثُونَ الْقيَاس الصَّحِيح إِذا خَالف خبر الْوَاحِد وَخبر الْوَاحِد مُجمل يحمل عَلَيْهِ وَلَا يتْرك الْقيَاس كَمَا هَذَا الْخَبَر فَإِنَّهُ يحمل الْخَبَر على الْمِيزَاب الْقَدِيم وَالْفرق بَين الْقَدِيم والجديد هُوَ أَن هَذَا التَّصَرُّف ظَاهرا فِي غير الْملك وَالْحَاجة إِلَى ثبات كَونه ظلما فِي الْقَدِيم وَالظَّاهِر لَا يحْتَج بِهِ للإثبات فِي الْجَدِيد لدفع أَنه محق فِي الْأَحْدَاث وَالظَّاهِر يصلح حجَّة فِي الدّفع والواحدة وَالثَّلَاثُونَ لَا يجب على الْمُحْتَسب إِعَادَة مَا أزاله إِنَّمَا ظهر خطأه وَإِنَّمَا يجب عَلَيْهِ أَن يَأْذَن صَاحبه فِي الْوَضع فِيهِ لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ مَا رده بِنَفسِهِ وَلَا أَمر أعوانه بل أذن للْعَبَّاس فِيهِ وَالثَّانيَِة وَالثَّلَاثُونَ هُوَ أَن صَاحب الْمِيزَاب الْقَدِيم لَا يَأْثَم فِيمَا يحصل من الضَّرَر وَلَا يضمن إِلَّا لما وَضعه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا أذن عمر رَضِي الله عَنهُ فِي رده وَلِأَن الْمِيزَاب الْخَارِج لَا يَخْلُو من الضَّرَر وَلَا سِيمَا فِي الشَّارِع كثير الزحام مثل الشَّارِع بَين الجبلين وَالثَّالِثَة وَالثَّلَاثُونَ قَالَ أهل الْبَصْرَة من الصوفيه كَون الصُّوفِي ضَعِيفا فِي بدنه أولى من كَونه قَوِيا وَالْمُخْتَار أَنه لَيْسَ كَذَلِك لِأَن هَذَا النَّوْع من خدمه

الأخوان لايؤتى بِهِ إِلَّا بِالْقُوَّةِ وَالرَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ وَهُوَ أَن الْجَهَالَة لَا تمنع صِحَة التَّبَرُّع بالمنافع لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَمر عباسا بِالِانْتِفَاعِ بعاتقه وَلم يبين مدَّته وَالْفِقْه فِيهِ هُوَ أَنه غير لَازم فَلَا يُفْضِي إِلَى الْمُنَازعَة بِخِلَاف الْإِجَارَة وَالْخَامِسَة وَالثَّلَاثُونَ فِيهِ بَيَان زهد عمر رَضِي الله عَنهُ فِي نَفسه وَفِي جاهه وَالسَّادِسَة وَالثَّلَاثُونَ ارْتِفَاع بِنَاء الْبَيْت بِقدر قامة رجلَيْنِ من الصَّحَابَة يجوز لِأَن بناءهم كَانَ هَكَذَا وَإِلَّا لما احْتَاجَ عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ إِلَى وضع قدمه على عاتق عمر رَضِي الله عَنهُ وَالسَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ أَن اللَّفْظ الصَّرِيح إِذا نَعته لَا يوضع لمعناه وَلَا يثبت بِهِ حكم الصَّرِيح فَإِن العاتق نعت من الْعتْق لَا يُفِيد بِهِ حكما لِأَنَّهُ مَوْضُوع لِمَعْنى آخر وَالثَّامِنَة وَالثَّلَاثُونَ بِنَاء بيُوت مَكَّة مَمْلُوكَة لأَهْلهَا وَإِلَّا لما كَانَ عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَحَق بِوَضْع ميزابه بِخِلَاف الأَرْض لِأَن فِيهَا خلاف والتاسعة وَالثَّلَاثُونَ الْعِمَارَة بِقدر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ لَيْسَ بمحظور لِأَن وضع الْمِيزَاب لصيانة المرمة عَن الخراب فَلَو كَانَ مَحْظُورًا ل سعى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إلقائه وَالْأَرْبَعُونَ الْبناء لَيْسَ من الْحَرْف الخسيسة لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَملهَا مرّة وَاحِدَة وَهُوَ مَعْصُوم عَمَّا ينْسب إِلَى الخساسة أبدا

والحادية وَالْأَرْبَعُونَ ذكر فِي الذَّخِيرَة التَّصَرُّف فِي السِّكَّة النافذة يحمل على الحَدِيث وَفِي غير النافذة يحمل على الْقَدِيم وَلم يذكر فِيهِ الدَّلِيل وَهَذَا الدَّلِيل يصلح دَلِيلا على الأول لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ عمل على الحَدِيث وَإِلَّا لما أزاله وَالثَّانيَِة وَالْأَرْبَعُونَ فَإِن إهانة القَاضِي نَفسه لَا تجوز لِأَنَّهُ يذهب مهابة الْقُضَاة وَهَذَا الْفِعْل فِي الشَّارِع إهانة عرف فَكيف يَفْعَله عمر فَنَقُول الْجَواب من وَجْهَيْن أَحدهمَا هَذَا عرف زَمَاننَا فَلَعَلَّهُ مَا كَانَ الْعرف فِي زمانهم ذَلِك وَالثَّانِي مُحَافظَة الْقُضَاة على مهابتهم وَاجِبَة وَلَا شكّ أَن المهابة لَو كَانَت لَهُم من جِهَة الْمَعْنى بِأَن مَلأ الله تَعَالَى قُلُوب الناظرين إِلَيْهِم رعْبًا وهيبة لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى مُحَافظَة الصُّورَة والهيبة المعنونة تحصل بخشيتهم من الله تَعَالَى فَإِن من خَافَ الله تَعَالَى خَافَ مِنْهُ كل شَيْء وَسَببه إحْيَاء اللَّيْل لِأَن النعاس عَلامَة الأمنه وَعمر رَضِي الله عَنهُ كَانَ كَذَلِك فَلم يجنح إِلَى مُحَافظَة الصُّورَة وَقيل المُرَاد من القانتين هُوَ مَجِيء اللَّيْل بِالْقيامِ وَالثَّالِثَة وَالْأَرْبَعُونَ يجوز للوالي عِنْد طَوَافه فِي الشوارع أَن ينظر يمنه ويسرة إِلَى الْبيُوت لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ لَو لم ينظر كَيفَ أبْصر الْمِيزَاب فَإِن قيل ذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي بستانه فِي بَاب الْخُرُوج من الْمنزل

وَيسْتَحب للرجل إِذا خرج من الْمنزل أَن بغض بَصَره فَلَا ينظر يَمِينا وَشمَالًا من غير حَاجَة وَيجْعَل بَصَره حَيْثُ يضع قَدَمَيْهِ لِأَن النّظر يُورث الشَّهَوَات فَإِذا نظر يغْفل عَن الطَّرِيق فتصيبه آفَة وَهُوَ لَا يشْعر قَالَ العَبْد أصلحه الله تَعَالَى والفقيه اسْتثْنى مَوضِع الْحَاجة والوالي مُحْتَاج إِلَيْهِ لإِزَالَة المتعدى من الطَّرِيق فَيجوز أَن ينظر إِلَى مَا يحْتَاج إِلَيْهِ للاحتساب وَالرَّابِعَة وَالْأَرْبَعُونَ إِذا أَزَال الْمُحْتَسب الْمِيزَاب فِي الْمَطَر وَخرب السّقف لَا يَأْثَم الْمُحْتَسب وَلَا يضمن لِأَنَّهُ لم ينْقل أَن عمر رَضِي الله عَنهُ أصلح بعد إِزَالَة الْمِيزَاب طَرِيق مَاء السّقف فِي الْحَال وَالْفِقْه أَن التَّأْخِير هَا هُنَا إِلَى أَن يصلح الْمَالِك لَا يضر ظَاهرا بِخِلَاف التَّأْخِير فِي حسم يَد السَّارِق الْخَامِسَة والأبعون من أحدث فِي الشَّارِع شَيْئا يُبَاح لَهُ الأنتفاع بِهِ مَا لم يضر لِأَن أحداثه لَيْسَ بمنكر بِعَيْنِه إِذْ لَو كَانَ مُنْكرا بِعَيْنِه لَاسْتَحَقَّ الْمُحدث الْمَلَامَة وَلم ينْقل عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه لَام عباسا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِيهِ وَالسَّادِسَة وَالْأَرْبَعُونَ الْحِيلَة لدفع الْمَكْرُوه جَائِزَة بل هُوَ سنة كوضع الْمِيزَاب فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَافِع بِعَيْنِه بل هُوَ حِيلَة لدفع مضرَّة الْمَطَر ويتفرغ مِنْهُ جَوَاز الصُّلْح على الْإِنْكَار وَدفع المتوالي وَالْوَصِيّ الْأُجْرَة لصيانة الْوَقْف وَمَال الْيَتِيم

وَالسَّابِعَة وَالْأَرْبَعُونَ لَا يُقَال بَيت الْمدر والخشب من طول الأمد لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رمه وَمَا نقل عَن بعض الزهاد أَنه لم يدْخل تَحت سقف فَلَمَّا رأى فِيهِ على الْخُصُوص مصلحَة نَفسه وَمَا يُقَال أَن الْغَرَض بَيت الْوَبر والحشيش حَاصِل فَلَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ قَاصِر وَالثَّامِنَة وَالْأَرْبَعُونَ سكن مَكَّة لأَهْلهَا لَا يكره بِخِلَاف الْجَوَاز بهَا عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَنَّهُ لَو كَانَ مَكْرُوها لما ترك بهَا بَيت بعد الْإِسْلَام والتاسعة وَالْأَرْبَعُونَ الْوُقُوف فِي الشَّارِع لمرمة الْبَيْت يجوز لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَمر عباسا أَن يرد ميزابه من جَانب الشَّارِع وَلم يَأْمُرهُ أَن يصعد سقفه وَيَردهُ وَالْخَمْسُونَ الْوُقُوف بِهِ فِي الشَّارِع لإِزَالَة مَا يشغل الشَّارِع يجوز للمحتسب لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَزَال الْمِيزَاب وَهُوَ وَاقِف فِي الشَّارِع والحادية وَالْخَمْسُونَ وضع الْمِيزَاب فِي السّقف لَيْسَ من طول الأمد لِأَن وشعه مسنون وَطول الأمد حرَام وَالْفِقْه فِيهِ وَهُوَ أَن فِيهِ صِيَانة عمله عَن الْبطلَان وصيانة مَاله عَن الضّيَاع وَهُوَ وَاجِب وَأما أَنه لَو نوى بذلك أَنه يبْقى حَيا حَتَّى ينْتَفع بِهِ إِلَى كَذَا مُدَّة فَهُوَ طول الأمل وَلَو نوى إِقَامَة السّنة أَو صِيَانة الْعَمَل عَن الْبطلَان وَالْمَال عَن الإضاعة أَو لينْتَفع بِهِ أحد من الْمُسلمين أما هُوَ أَو من يَرث دَاره فَهُوَ مثاب بِهِ

في الاحتساب في الصلاة

الْبَاب الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ فِي الاحتساب فِي الصَّلَاة ويحتسب كل مُسلم على امْرَأَته إِن تركت الصَّلَاة فَإِن كَانَت امْرَأَته لَا تصلي قطّ وَلَا مهر لزَوجهَا فَالْأولى أَن يطلقهَا وَيجوز للرجل ضرب الْمَرْأَة على ترك الصَّلَاة ضربا لَا ينقص مِنْهَا جمالا ويحتسب على من لم يحضر الْجَمَاعَة ويوعده على ذَلِك بإحراق بَيته عرف ذَلِك بِحَدِيث ذكر فِي بَاب الاحتساب بالإحراق ويحتسب على إِمَام يقوم فِي الطاق بِحَيْثُ يغيب عَن نظر الْمُعْتَدِينَ الَّذين عَن يَمِين الصَّفّ ويساره لِأَنَّهُ يمْنَع عَن الِاقْتِدَاء بِهِ وَكَانَت محاريب الْكُوفَة كَذَلِك قَدِيما وَقد رُوِيَ كَرَاهَة ذَلِك عَن السّلف بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ سُجُوده فِي الطاق وقيامه فِي الْمَسْجِد لِأَنَّهُ لَا يمْنَع النّظر من شرح الطَّحَاوِيّ الْكَبِير ويحتسب على من يُوَقت شَيْئا من الْقُرْآن بِشَيْء من الصَّلَاة ذكر من شرح الْكَبِير وَيكرهُ أَن يتَّخذ شَيْئا من الْقُرْآن مؤقتا لشَيْء من الصَّلَاة وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَو أُبِيح ذَلِك لم يُؤمن على مر الزَّمَان أَن يَظُنّهُ النَّاس مسنونا أَو وَاجِبا كَمَا قد سبق ذكره الْآن إِلَى ظن كثير من الْجُهَّال فِي مثله حَتَّى إِذا ترك الإِمَام قِرَاءَة سُورَة

مسألة

الْجُمُعَة فِي لَيْلَة الْجُمُعَة وَقِرَاءَة ألم السَّجْدَة فِي يَوْم الْجُمُعَة يستنكروه فقصد أهل الْعلم حياطة الدّين وصيانته أَن يلْحق بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ ويحتسب على من يُصَلِّي بِغَيْر تَعْدِيل وطمأنينة وَيَقُول لَهُ صل فَإنَّك لم تصل لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَه لأعرابي حِين أخف الصَّلَاة وَإِن خَافَ أَن يغْضب الْمُصَلِّي عَلَيْهِ يلين فِي كَلَامه أَو يحتال لَهُ بحيلة لما رُوِيَ عَن الْفَقِيه أبي عبد الله الْخَوَارِزْمِيّ أَنه رأى رجلا فِي الْمَسْجِد يُخَفف الصَّلَاة فَلَمَّا فرغ الرجل من صلَاته ذهب بِهِ إِلَى بَيته وطبخ لَهُ طبق حلوى وَقدمه إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ أَكنت مَرِيضا فَقَالَ الرجل لَا فَقَالَ ظَنَنْت أَنَّك كنت مَرِيضا حَيْثُ خففت الصَّلَاة فَقَامَ الرجل وَتَابَ وَرجع عَمَّا كَانَ يصنع ذكره فِي الْكِفَايَة الشعبيه فِي مجْلِس آخر فِي الصَّلَاة على الْجِنَازَة وعَلى الشَّهِيد وَفِيه فِي صَلَاة التراويخ وَمن ترك صَلَاة وَاحِدَة فَإِنَّهُ يصير فَاسِقًا لَا تقبل شَهَادَته وَلَا يصلح للْقَضَاء وَلَا الْوِصَايَة وإمامة الْمُسلمين وَيسْتَحق التَّعْزِير وَيكون صَاحب كَبِيرَة كَمَا لَو زنى أَو سرق أَو قتل مُسلما بِغَيْر حق وَعَن أبي حنيفَة رَحمَه الله أَن من ترك الصَّلَاة ثَلَاثَة أَيَّام فقد اسْتحق الْقَتْل مَسْأَلَة د سُئِلَ عَن محتسب رأى جارا لَا يحضر الْجَمَاعَة أَو أَجِيرا لَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة هَل لَهُ أَن يعذرهُ يعْذر الْأَجِير أَو يَأْمُرهُ بِالصَّلَاةِ

الجواب

الْجَواب ذكر فِي إجارات الْمُحِيط فِي الْفَصْل الثَّالِث إِذا اسْتَأْجر رجلا يَوْمًا لعمل كَذَا فَعَلَيهِ أَن يعْمل ذَلِك الْعَمَل إِلَى تَمام الْمدَّة وَلَا يسشتغل بِشَيْء آخر سوى الْمَكْتُوبَة وَفِي فَتَاوَى أهل سَمَرْقَنْد وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا لَهُ أَن يُؤَدِّي السّنة أَيْضا وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يُؤَدِّي نقلا وَعَلِيهِ الْفَتْوَى وَفِي غَرِيب الرِّوَايَة قَالَ أَبُو عَليّ الدقاق رَحمَه الله تَعَالَى الْمُسْتَأْجر لَا يمْنَع الْأَجِير فِي الْمصر من إتْيَان الْجُمُعَة وَيسْقط من الْأجر بِقدر اشْتِغَاله بذلك إِن كَانَ بَعيدا وَإِن كَانَ قَرِيبا لم يسْقط عَنهُ شَيْئا من الْأجر وللمحتسب أَن يحْتَسب على النَّاس إِذا فعلوا فِي صلَاتهم أمرا مَكْرُوها وَأَنه كثيرا لَا يحْتَملهُ هَذَا الْمُخْتَصر وَأَنه يعرف فِي موَاضعه من كتب الصَّلَاة وَفِي الْفَتَاوَى من دخل مَسْجِدا قد أذن فِيهِ وَلم يصل تِلْكَ الصَّلَاة يكره أَن يخرج حَتَّى يُصَلِّي إِلَّا إِذا خرج لحَاجَة يُرِيد الرُّجُوع أَو يَنْتَظِم بِهِ أَمر جمَاعَة أُخْرَى وَإِن كَانَ قد صلى لَا بَأْس بِأَن يخرج إِلَّا إِذا أَخذ الْمُؤَذّن فِي الْإِقَامَة فَحِينَئِذٍ لَا يخرج إِلَّا فِي الْفجْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي بستانه وَيكرهُ أَن يُصَلِّي الرجل وَهُوَ ناعس وَلَو فعل جَازَ إِذا جَاءَ بِأَفْعَال الصَّلَاة وبالقراءة لِأَن أنسا رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِن

النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل مَسْجِدا فَرَأى حبلا ممدودا بَين ساريتين فَقَالَ مَا هَذَا الْحَبل قَالُوا لفُلَان إِذا غلب عَلَيْهِ النعاس يتَعَلَّق بِهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَليصل مَا عقل فَإِذا خشِي أَن يغلب فلينم الحَدِيث رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد هَمت أَن آمُر بحطب ثمَّ آمُر بِالصَّلَاةِ فَيُؤذن لَهَا ثمَّ آمُر رجلا فيؤم النَّاس ثمَّ أُخَالِف إِلَى رجال فَأحرق عَلَيْهِم بُيُوتهم

الاحتساب في الدواب

الْبَاب السَّادِس وَالْخَمْسُونَ الاحتساب فِي الدَّوَابّ وَفِيه وُجُوه أَحدهَا ذكر فِي الصَّلَاة فِي السَّفِينَة من الْمُحِيط لَا يُبَاح الْجُلُوس على ظهر الدَّابَّة للقرار على مَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا تَتَّخِذُوا دوابكم كراسي وَلِهَذَا لَو صلى على بعير لَا يسير لَا يجوز إِلَّا فِي حَال الْخطْبَة فَإِنَّهُ يجوز فعل ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالثَّانِي روى الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مر بِبَعِير مَعْقُول فِي صدر النَّهَار فَقضى حَاجته ثمَّ رَجَعَ وَالْبَعِير على حَاله فَقَالَ لصَاحبه مَا علفت هَذَا مُنْذُ الْيَوْم قَالَ لَا قَالَ لَهُ أَنه ليحاجك يَوْم الْقِيَامَة يَعْنِي يخاصمك إِلَى الله تَعَالَى من تَنْبِيه الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث رَحمَه الله وَالثَّالِث وَلَا يلقى الْقمل حيه لما فِيهِ من ترك الْمُرُوءَة من التَّجْنِيس والمزيد وَلَا يحرق الْقمل وَإِن عضت رُوِيَ أَن نَبيا من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة

وَالسَّلَام عضه نمل فَأحرق بَيت النَّمْل فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ أَن عضتك نملة وَاحِدَة فَلم أحرقت الْكل أما أَنَّهَا كَانَت تذكر الله تَعَالَى من الْفَتَاوَى الْمَذْكُورَة وَالرَّابِع مَا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ اضربوها على النفار وَلَا تضربوها على العثار وَالْفِقْه أَن الأول من سوء خلقه فَيضْرب عَلَيْهِ ليحسن خلقه وَالثَّانِي من ضعفه فَلَا يَنْفَعهُ الضَّرْب بل يزِيدهُ ضعفا وَأَرْبَعَة أُخْرَى فِي سُورَة الْمَائِدَة أَحدهَا وَهُوَ أَن لَا يَجْعَل بحيرة وَالثَّانِي أَن لَا يَجْعَل سائبة وَالثَّالِث هُوَ أَن لَا يَجْعَل وصيلة وَالرَّابِعَة هُوَ أَن لَا يَجْعَل حام وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {مَا جعل الله من بحيرة وَلَا سائبة وَلَا وصيلة وَلَا حام} ألآية تدل على أَنه لَا يجوز تَحْرِيم مَا أحل الله تَعَالَى فعل هَذَا من طير عصفورا إِن كَانَ نِيَّته التخليص يُؤجر عَلَيْهِ وَإِن كَانَت نِيَّته تَحْرِيم الِانْتِفَاع بِهِ يَأْثَم فالمشروع أَن يَنْوِي نتطييره تخليصه وترويحه ويبيحه لمن يَأْخُذهُ فَيَقُول هَذَا لمن أَخذه مُبَاح ليَكُون من أَخذه غير آثم بذلك لِأَن ملك الأول لم يزل فَلَو لم يبح للثَّانِي كَانَ مُنْتَفعا بِملك الأول وَأَنه لَا يجوز وَلَو علم الْآخِذ أَنه خلصه أحد فَحكمه حكم اللّقطَة كَمَا فِي الْجَمَاعَة وَفِي ذَبَائِح الْمُلْتَقط أَنه يكره ذبح الشَّاة الْحَامِل إِذا كَانَت مشرفة على الْولادَة

مسألة

قَالَ أَبُو الْقَاسِم وَلَا يقتني كَلْبا إِلَّا لصيد أَو زرع أَو مَاشِيَة لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من أقتنى كَلْبا إِلَّا كلب صيد أَو زرع أَو مَاشِيَة نقص من أجره كل يَوْم قِيرَاط وَالْكَلب الْأسود البهيم أسود من كل الْكلاب لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَوْلَا أَن الْكلاب أمة من الْأُمَم لأمرت بقتلها وَلَكِن اقْتُلُوا مِنْهَا كل أسود بهيم فَإِنَّهُ شَيْطَان وَالْمعْنَى فِيهِ أَنه أضرّ الْكلاب وأعقرها وَالْكَلب إِلَيْهِ أسْرع وَهُوَ دَاء يُصِيب الْكلاب مثل الْجُنُون فَإِذا عضت قتلت وَهُوَ مَعَ هَذَا أقلهَا نفعا وأسوأها حراسة وأبعدها من الصَّيْد وأكثرها نعاسا وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ شَيْطَان يُرِيد أَنه أخبثها من تَفْسِير أم الْمعَانِي فِي وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ شَيْطَان يُرِيد أَنه أخبثها من تَفْسِير أم الْمعَانِي فِي قَوْله تَعَالَى مكلبين مَسْأَلَة إِذا ركب الْحمار رجلَانِ يحْتَسب عَلَيْهِمَا أم لَا الْجَواب إِن كَانَ الْحمار يطيقهما فَلَا يمنعان عَن ذَلِك لما رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام ركب على حمَار على أكاف عَلَيْهِ قطيفة وأروف أُسَامَة وَرَاءه من صَحِيح البُخَارِيّ

في الاحتساب على الطيرة والتكهن والتنجيم ونحوها

الْبَاب السَّابِع وَالْخَمْسُونَ فِي الاحتساب على الطَّيرَة والتكهن والتنجيم وَنَحْوهَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام من استقسم أَو تكهن أَو تطير طيرة ترده عَن سَفَره لم ينظر إِلَى الدَّرَجَات العلى وَالْمرَاد من قَوْله استقسم وَهُوَ الَّذِي ورد بِهِ النَّهْي فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَن تستقسموا بالأزلام} أَي وَحرم عَلَيْكُم الاستقسام وَهُوَ طلب الْقسم والحظ وَالنّصب وَمَا قدر لكم من الأرزاق وَالْأَفْعَال بالإزلام وَهِي القداح الَّتِي كَانُوا يجلونها عِنْد الْعَزْم على الْمسير ويقتسمون بهَا لحم الْجَزُور وَعَن أبي عُبَيْدَة سمى أستقساما لأَنهم كَانُوا يطْلبُونَ قسم الرزق والحوائج مِنْهَا وَقَالَ الْمبرد وَهُوَ من الْقسم الَّذِي هُوَ الْيَمين لأَنهم التزموا بالقدح ويلزمونه بِالْيَمِينِ وَفِي الازلام قَالَ الْحسن كَانُوا يتخذون السِّهَام وَكَانَ

مَكْتُوبًا على بَعْضهَا أَمرنِي رَبِّي وعَلى بَعْضهَا لم يكْتب شَيْء فَمن أهمه سفرا أَو أمرا من الْأُمُور أخرج الْقرعَة بهَا فَإِن خرج السهْم الْمَكْتُوب عَلَيْهِ أَمرنِي رَبِّي أقصاه وَقَالَ أمرت بِالْخرُوجِ لَا بُد لي من ذَلِك وَيخرج فَإِن كره الْخُرُوج خرج غير بعيد ثمَّ رَجَعَ وَلَا يدْخل من بَاب بَيته بل ينقب ظهر بَيته مِنْهُ يدْخل وَمِنْه يخرج إِلَى أَن يتَّفق لَهُ الْخُرُوج فَإِن خرج السهْم الْمَكْتُوب نهاني رَبِّي تَركه وَإِن خرج الثَّالِث أجال القداح حَتَّى يخرج أحد الْأَوَّلين وَكَانَ ذَلِك من أَعمال الْجَاهِلِيَّة فنهوا عَنهُ كالعمل بالنجوم وَالْكهَانَة والقيافة وكل مَا لَا يثبت بهَا حجَّة عقلية أَو شَرْعِيَّة كُله من أم الْمعَانِي وَذكر البستي فِي تَفْسِيره والازلام القداح الَّتِي كَانُوا يجْعَلُونَ عَلَيْهَا عَلَامَات أفعل وَلَا تفعل ويعملون على مَا يخرج بِهِ القداح قَوْله تَعَالَى {ذَلِكُم فسق} أَي هَذِه ضَلَالَة ومعصية واستحلاله كفر وأصل الْقرعَة فِي الْحُقُوق على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا مَا يكون تطيبا للنفوس كالقرعة فِي الْقِسْمَة وَقسم النِّسَاء وَتَقْدِيم الْخُصُومَة إِلَى القَاضِي وَإِخْرَاج الْمَرْأَة إِلَى السّفر من جملَة نِسَائِهِ وَهَذَا جَائِز لِأَنَّهُ نفي المظنة ورد التُّهْمَة وَلَيْسَ فِيهِ نقل حق من شخص وَلَا إبِْطَال حق

وَالثَّانِي مَا أدعاه أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي العبيد يعتقهم الْمَرِيض وَلَا مَال لَهُ غَيرهم فَلَا قرعَة فِيهِ عندنَا وَهُوَ من جنس الميسر لِأَنَّهُ نقل حق من شخص إِلَى شخص وحرمان قوم دون قوم وَذكر فِي المناهي قَالَ عبد الله من خرج من بَيته ثمَّ رَجَعَ لم يرجعه إِلَّا طيره رَجَعَ مُشْركًا أَو عَاصِيا وَذكر فِي التَّجْنِيس والمزيد وَتعلم النُّجُوم حرَام إِلَّا مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي معرفَة الْقبْلَة وَفِي الزَّوَال وَذكر فِي الْمُحِيط وَإِذا صاحت الهامة فَقَالَ رجل يَمُوت الْمَرِيض كفر الْقَائِل عِنْد بعض الْمَشَايِخ وَإِذا خرج الرجل إِلَى السّفر فصاح العقعق فَرجع من سَفَره فقد كفر عِنْد بعض الْمَشَايِخ سُئِلَ الفضلي عَن معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَتَى كَاهِنًا وَصدقه بِمَا يَقُول فقد كفر بِمَا أنزل على مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ الكاهن السَّاحر فَقيل لَهُ هَذَا الرجل أَو الْمَرْأَة تَقول أَنا أعلم المسروقات هَل يدْخل تَحت هَذَا الْخَبَر قَالَ نعم قيل لَهُ فَإِن قَالَ هَذَا الرجل أَنا أخبر عَن أَخْبَار الْجِنّ قَالَ وَإِن قَالَ هَكَذَا فَهُوَ سَاحر كاهو وَمن صدقه فقد كفر لِأَن أخباره تقع على الْغَيْب والغيب لَا يُعلمهُ إِلَّا الله تَعَالَى أَلا ترى إِلَى قَوْله تَعَالَى فَلَمَّا خر تبينت الْجِنّ إِن لَو كَانُوا يعْملُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب المهين فَعلم أَن الْغَيْب لَا يُعلمهُ حَتَّى وَلَا

مسألة

جنى وَأما التفاؤل فَلَا يمْنَع مِنْهُ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام حول رِدَاءَهُ فِي الاسْتِسْقَاء وَذكر فِي الْهِدَايَة أَنه كَانَ تفاؤلا يَعْنِي قلب علينا الْحَال كَمَا قلبنا رداءنا وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ قلت يَا رَسُول الله تَعَالَى إِنِّي أسمع مِنْك حَدِيثا كثيرا أنساه وَقَالَ أبسط رداءك فبسطته فغرف بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ ضمه فضممته فَمَا نسيت شَيْئا بعده قَالَ العَبْد أصلحه الله تَعَالَى وَهَذَا الْبسط والغرف وَالضَّم لَيْسَ وَالله تَعَالَى أعلم إِلَّا تفاؤلا وَإِلَّا فالعلم لَيْسَ مِمَّا يسْقط على الرِّدَاء وَيُمكن فِيهِ الغرف وَالضَّم وَلَكِن التفاؤل يحصل بِهِ يَعْنِي كَمَا بسطت رِدَائي توقيا كَمَا يسْقط فِيهِ فَكَذَلِك أصغيت سَمْعِي لما يَقع فِيهِ من الْكَلَام وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غرف بِيَدِهِ وَأَرَادَ بِهِ كَمَا إِذا أعْطى شخص شَيْئا كثيرا من الرزق يغْرف باليدين فَكَذَا أَعْطَيْت شَيْئا كثيرا من الْعلم وكما يُؤمر بِضَم مَا وضع من الْجَوَاهِر والدرر فِي رِدَائه أمره بِهِ وَهُوَ ضم كَمَا يضم السَّاقِط فِي الرِّدَاء مَسْأَلَة يجوز التفاؤل والفأل بِالْكَلِمَةِ الْحَسَنَة كَمَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا عدوى وَلَا طيره ويعجبني الفأل قيل وَمَا الفأل قَالَ الْكَلِمَة الصَّالِحَة يسْمعهَا أحدكُم

في الاحتساب على الطباخ

الْبَاب الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ فِي الاحتساب على الطباخ وَأَنه أَنْوَاع أَحدهَا يمْنَع عَن طبخ مَا يكره أكله من أَجزَاء مَا يُؤْكَل لَحْمه وَمَا يحرم فَأَما مَا يحرم فَهُوَ الدَّم والجنين إِذا لم يتم خلقه وَإِذا تمّ خلقه فَفِيهِ الْخلاف الْمَعْرُوف فِي الْمَنْظُومَة وَأما مَا يكره فَهُوَ عشرَة الغدة والقبل والدبر وَالذكر والخصيان والمرارة والمثانة ونخاع الصلب أما الدَّم فَلقَوْله تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم} وَأما مَا سواهُ فَلِأَنَّهَا من الْخَبَائِث وَالثَّانِي يمْنَع من بيع الطَّعَام المنتن لِأَنَّهُ خَبِيث وَلِهَذَا يمْنَع من أكل لُحُوم الْجَلالَة لِأَنَّهُ يُوجد مِنْهَا ريح مُنْتِنَة

وَالثَّالِث أَنهم يمْنَعُونَ عَن البيع وَالشِّرَاء فِي حَال إِقَامَة الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة فِي قوت الْقُلُوب وَفِي أَخْبَار السّلف كَانُوا يجْعَلُونَ أول النَّهَار للآخرة وَآخره لدنياهم وَيُقَال أَن الهريسة والرؤوس لم يكن يَبِيعهَا فِي السُّوق إِلَّا الصّبيان وَأهل الذِّمَّة لِأَن الهراسين والرواسين يكونُونَ فِي الْمَسَاجِد إِلَى طُلُوع الشَّمْس

في بيان كلمات الكفر والمعصية

الْبَاب التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ فِي بَيَان كَلِمَات الْكفْر وَالْمَعْصِيَة وَفِيه فُصُول فصل فِي كَلِمَات الْكفْر بِلَا تَفْصِيل وَالْأَصْل فِيهِ أَنه إِذا وصف الله تَعَالَى بِمَا لَا يَلِيق بِهِ كالظلم وَالنَّوْم والضلال وَالنِّسْيَان والطمع وَغَيره أَو سخر باسم من أَسْمَائِهِ أَو بِأَمْر من أوامره أَو أنكر وعده أَو وعيده كفر أَو قَالَ فَلَا نرا خداي افريده است وازييش خود رانده أَو قَالَ وبرابر سمان خداست ويرزمين فلَان أَو قَالَ أرى الله تَعَالَى فِي الْجنَّة لِأَنَّهُ يزْعم أَن الله تَعَالَى فِي الْجنَّة وَالْحق أَن يُقَال يرى الله من الْجنَّة أَو قَالَ أَنه مَكَاني زتو خَالِي نه تودر هيج مَكَاني أَو قَالَ خداي برتوستم كند جنانكه توبر من ستم كردى أَو قَالَ لَو أنصف الله يَوْم الْقِيَامَة انتصفت مِنْك أَو إِن قضى الله يَوْم الْقِيَامَة بِالْحَقِّ اخذتك بحقي أَو قَالَ جلس الله للانصاف أَو قَامَ للانصاف أَو قَالَ خداي دادرا

استاده است أَو قَالَ خداي دادرا نشست أَو قَالَ رجل إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَلِأَن كاربكني فَقَالَ بِي إِن شَاءَ الله بكنم أَو مَاتَ رجل فَقَالَ آخر خدايرا أوصِي بايست أَو قَالَ لرجل لَا يمرض هَذَا مِمَّن نسبه إِلَى الله تَعَالَى أَو منسى الله أَو قَالَ لأمرأته ترا حق خداي نمى بايد داد فَقَالَت لَا أَو قَالَ رجل لغيره لَا تتْرك الصَّلَاة فَإِن الله تَعَالَى يؤاخذك بهَا أَو يعاقبك فَقَالَ ذَلِك الْغَيْر لَو أَخَذَنِي الله تَعَالَى أَو عاقبني الله تَعَالَى مَعَ مَا بِي من الْمَرَض ومشقة الْوَلَد وَسَائِر الأشغال فقد ظَلَمَنِي أَو قَالَ خداي بازربان توبسر نيايد من جكونه آيم أَو قَالَ باخداي سربسر كرديم أَو إدعى أَنه يعلم سر الله تَعَالَى أَو إدعى أَنه يعلم الْغَيْب أَو قَالَ رجل تزوج امْرَأَة بِغَيْر شُهُود وَقَالَ خداي را وَرَسُوله أَو كوام كردم أَو قَالَ خداي را وفرشتكان اركواه كردم لِأَنَّهُ اعْتقد أَن الرَّسُول وَالْملك يعلم الْغَيْب وَيَنْبَغِي لَهُ أَن يَقُول فرشته دست راست وفرشته دست جب كواه كردم لِأَنَّهُمَا يعلمَانِ ذَلِك لِأَنَّهُمَا لَا يغيبان عَنهُ أَو قَالَ من بوده ونابوده بدانم أَو لم يقر بِبَعْض الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام أَو عَابَ نَبيا بِشَيْء أَو لم يرض بِسنة من سنَن الْمُرْسلين أَو قَالَ لَو كَانَ فلَان رَسُول الله لَا أُؤْمِن بِهِ أَو قَالَ لَو أَمرنِي الله تَعَالَى بِأَمْر كَذَا لم أفعل أَو قَالَ إِن كَانَ مَا قَالَه الْأَنْبِيَاء حَقًا نجونا أَو قَالَ أَنا رَسُول الله أَو قَالَ من بيغامبرم يُرِيد بِهِ بيغام أَو قَالَ لَا أَدْرِي أَن

النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أنسيا أَو جنيا أَو قَالَ جن عَلَيْهِ السَّلَام أَو قَالَ رجل لامْرَأَته مراسين نيست فَقَالَت لَا أصدقك فَقَالَ الرجل لَو شهِدت عنْدك الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة لَا تصدقيهم فَقَالَت نعم لَا أصدقهم أَو قَالَ مَا همه يسر جولاه يجكان باشيم عقيب قَول غَيره أَن آدم صلوَات الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينسج الكرباس وَأَنه استخف بِنَبِي الله آدم عَلَيْهِ السَّلَام أَو قَالَ رجل ايْنَ بِي أَو بيست عقيب قَول غَيره كلما يَأْكُل رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام يلحس اصابعه الثَّلَاث أَو قَالَ جه كارايد بسنت بست لِأَنَّهُ يستخف بِالسنةِ أَو قَالَ لَو صَارَت الْقبْلَة إِلَى هَذِه الْجِهَة مَا صليت أَو قَالَ لَو أَعْطَانِي الله الْجنَّة لَا أريدها دُونك أَو لَا أدخلها دُونك أَو قَالَ لَو أمرت أَن أَدخل الْجنَّة مَعَ فلَان لَا أدخلها أَو قَالَ لَو أَعْطَانِي الله الْجنَّة لَا أريدها وَأُرِيد الرُّؤْيَة أَو أنكر آيَة من الْقُرْآن أَو قَالَ إِن الْقُرْآن مَخْلُوق حَقِيقَة أوقرأ الْقُرْآن على ضرب الدُّف والقضيب أَو قَالَ بوست ازقل هُوَ الله أحد بريد أَو قَالَ ألم نشرح راكرييان كزفتي أَو قَالَ لمن يقْرَأ عِنْد الْمَرِيض يس ردهَا نش مِنْهُ أَو قَالَ لغيره أَي كَونه ترازانا اعطيناك أَو قَالَ لغيره دستار ألم نشرح رابسته أَي أَو قَالَ لَا تجب الصَّلَاة عَليّ وَهُوَ بَالغ عَاقل أَو لم امْر بهما يَعْنِي جحود أَو قَالَ رجل بَعْدَمَا

قيل لَهُ صلي قرطبان بودكه نماز كند وكار برخويشتن دراز كند أَو قَالَ دير است كه بيكارى بسربرودن أَو قَالَ كه تواند ايْنَ كارا بسربردن أَو قَالَ خردمند بكارى نيايدكه بسر نتواند بردن أَو قَالَ مردمان ازبهرما مي كنند أَو قَالَ باش تاماه رَمَضَان إيد تاجمله نمازها بكنيم أَو قَالَ نمازي ميكنم جيري بسر نمي ايد أَو قَالَ قونماز كردِي سر بسر كرديم أَو قَالَ نماز كراكنم مَا درويد رمن مرده اند أَو قَالَ زنده اند أَو قَالَ نما زكرده وناكرده بكسانست أَو قَالَت جند نماز كنم مرابدل بكرفت أَو قَالَ نماز جيزي نيست كه اكربما نده كنده شود أَو قَالَ بزمين فرود شود أَو خوش كَا ريست بِي نمازي أَو قيل لرجل هَل تَجِد حلاوة الطَّاعَة أَو قيل نمازكن تاحلاوت نمازيابي فَقَالَ ذَلِك الرجل تومكن تا حلاوت بِي نمازي يابي أَو قيل

لعبد صل فَقَالَ لَا أُصَلِّي فَإِن الثَّوَاب يكون للْمولى أَو قيل لرجل صلي فَقَالَ أَن الله تَعَالَى نقص من مَالِي فانقص من حَقه أَو قَالَ لمن يُصَلِّي فِي رَمَضَان ايْنَ خود بسياراست أَو قَالَ زيادت مي ايد كل صَلَاة فِي رَمَضَان تَسَاوِي سبعين صَلَاة يكفر أَو قَالَ عِنْد دُخُول شهر رَمَضَان امداين ماه كراين أَو قَالَ جَاءَ الضَّيْف الثقيل أَو قَالَ جندازين روزه كه مرادل بكرفت أَو تشاجر رجلَانِ فَقَالَ أَحدهمَا لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَقَالَ الآخر لَا حول بيكانيست أَو قَالَ لَا حول راجه كنم أَو قَالَ لَا حول را بكاسه نتوان شكستن أَو سمع رجل تسبيحا فَقَالَ ذَلِك الرجل سُبْحَانَ الله رابوست بازكردي أَو أكل طَعَاما حَرَامًا وَقَالَ عِنْد الْأكل بِسم الله لاستخفافه باسم الله عز وَجل أَو قَالَ عِنْد أَخذ الْخمر بِسم الله أَو قَالَهَا عِنْد الزِّنَا أَو عِنْد الْقمَار أَو قَالَ عِنْد سَمَاعه الآذان كذبت يَا مُؤذن أَو أنكر الْقِيَامَة وَالْجنَّة أَو النَّار وَالْمِيزَان أَو السراط أَو الْحساب أَو الصحايف الْمَكْتُوبَة فِيهَا أَعمال الْعباد أَو قَالَ لرجل أد الْعشْرَة الَّتِي عَلَيْك وَإِلَّا أخذتك بهَا يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ أدلي عشرَة أُخْرَى بدان جهان بيست باز وهمت

أَو قيل لظَالِم باش تا بمحشر فَقَالَ مرا با محشوجه كار وَإِن كَانَ فِي اعْتِقَاده أَن الْقِيَامَة كائنة لِأَنَّهُ استخفاف أَو قَالَ لَا أَخَاف الْقِيَامَة أَو قَالَ فلَان لفُلَان بدين قيامت أَو قيل لرجل اترك الدُّنْيَا لأجل الْآخِرَة فَقَالَ لَا أترك النَّقْد بِالنَّسِيئَةِ أَو تصدق على فَقير شَيْئا من مَال حرَام يَرْجُو الثَّوَاب وَعلم الْفَقِير بذلك فَدَعَاهُ وَأمن الْمُعْطى أَو قَالَ مجيبا لَهُ درين جهان يَك حَلَال بخور بيار تالورا سجده كنم أَو قَالَ خوش كاريست حرَام خوردن أَو قيل لرجل كل الْحَلَال فَقَالَ مرا حرَام شَدِيد أَو قَالَ الْخمر حَلَال أَو قَالَ حُرْمَة الْخمر مَا ثبتَتْ بِنَصّ الْقُرْآن أَو قَالَ اينهاكه علم مي اموزند داستانها سِتّ كه مي اموزند أَو قَالَ باداست أَنْج ميكونيد أَو قَالَ تزويد است أَو قَالَ من علم حَيّ را منكرم أَو قَالَت امْرَأَة لزَوجهَا انر كَنِيسَة امدي وَقد رَجَعَ من مجْلِس الْعلم أَو قيل لرجل اذْهَبْ معي إِلَى مجْلِس الْعلم فَقَالَ من يقدر على الْإِتْيَان بِمَا يَقُولُونَ أَو قَالَ مرابا مجْلِس علم جه كار أَو قَالَ علم دركاسه ثريد نتوان كردن أَو قَالَ درن بايد علم جه

كارايد أَو قَالَ فَسَاد كردن باز وانشمندي أَو قَالَت امْرَأَة لعنت برسوي وانشمند باد أَو قَالَ لعالم ذكر الْحمار فِي است علمك وَأَرَادَ بِهِ الدّين أَو رجل يجلس على مَكَان مُرْتَفع ويتشبه بالمذكرين وَمَعَهُ جمَاعَة يسألونه الْمسَائِل وَيضْحَكُونَ ثمَّ يضربونه وَكَذَا لَو لم يجلس على مَكَان مُرْتَفع وَلَكِن يستهزئ بالمذكرين ويسخر وَالْقَوْم يَضْحَكُونَ مِنْهُ وَكَذَا لَو تشبه بالمعلمين أجمع وَيَأْخُذ الْخَشَبَة بِيَدِهِ وَيجْلس الصّبيان حوله ويستهزئ بالعلمين وَالْقَوْم يَضْحَكُونَ مِنْهُ وَلَو ألْقى الْفَتْوَى على الأَرْض وَقَالَ ايْنَ جه شرعت وَقد عرض عَلَيْهِ خَصمه فَتْوَى جَوَاب الْأَئِمَّة واستفتى رجلا عَالما فِي طَلَاق فَأفْتى فِي وُقُوعه فَقَالَ المستفتي من طَلَاق ملاق دانم بَادر بايدكه بخانه بوذ أَو قَالَ قَصْعَة ثريد خبر من الْعلم أَو قيل لرجل يشْرَح آي فَقَالَ أَي فَقَالَ بياده بيارتابروم كه بِي جبر نمي روم لِأَنَّهُ عاند الشَّرْع أَو قَالَ يَا من شريعت واين حيلها سود نداد أَو قَالَ مرا أولى است شريعت جه كنم أَو قَالَ ايْنَ مرد وجان بتوسيرد أَو قَالَ مَرِيض عِنْد شدَّة مَرضه إِن شِئْت توفنى مُسلما وَإِن شِئْت توفني كَافِرًا أَو قَالَ الْمَرِيض أخذت وَلَدي وَأخذت مَالِي وَكَذَا وَكَذَا فَمَاذَا تفعل أَيْضا وماذا بَقِي لم تَفْعَلهُ وَإِن ادّعى أَنه

جرى على لِسَانه من غير قصد لَا يصدق أَو قَالَ لامْرَأَته يَا كافره يَا يَهُودِيَّة يَا مَجُوسِيَّة فَقَالَت همجنينم مرا طَلَاق ده أَو قَالَت اكر همجنينمي باتو نبا شمي أَو قَالَ اكر همجنينمي باتو صَحِبت ندارمي أَو قَالَت تومرا نداري وَكَذَا لَو قَالَ الزَّوْج ذَلِك أَو قَالَ الزَّوْج لامْرَأَته عقيب قَوْلهَا لزَوجهَا جون مغ حجت اكند شده أَو قَالَ الزَّوْج بس جندين كاه بامغ باشيده أَو قَالَ بامغ جرابا شيده أَو قَالَ رجل لبيْك لمن يُنَادي وَيَقُول يَا كَافِر يَا يَهُودِيّ يَا مَجُوسِيّ أَو قَالَ أرى همجنين كير أَو قَالَ جندان برنجا نيدم كه كَافِر خواستم شدن أَو قَالَ أَنا ملحد وَإِن قَالَ مَا علمت أَنه كفر لَا يعْذر أَو قَالَ كَافِر شده كير أَو قَالَ فَاسق حِين وعظ ودعي إِلَى التَّوْبَة ازين بس ايْنَ همه كلاه مهان برسرنهم أَو قَالَت الْمَرْأَة لزَوجهَا كَافِر بودن بهتراز باتو بودن أَو قَالَت الْمَرْأَة لزَوجهَا أَن حقرتني بعد ذَلِك أَو قَالَت إِن تشتر لي بِكَذَا أكفر أَو رأى نَصْرَانِيَّة سَمِينَة فتمنى أَن يكون هُوَ نَصْرَانِيّا حَتَّى يَتَزَوَّجهَا أَو وضع قلنسوة الْمَجُوسِيّ على رَأسه بِغَيْر ضَرُورَة كدفع الْبرد أَو غَيره بَان الْبَقَرَة لَا تعطيه اللَّبن بِدُونِهَا أَو شدّ الْمُسلم الزِّنَاد على وَسطه أَو

وضع العسلي على كتفه وَدخل دَار الْحَرْب للتِّجَارَة أَو مر رجل بسكة النَّصَارَى وهم يشربون الْخمر وَمَعَهُمْ أَصْحَاب اللَّهْو فَقَالَ الْمَار أَي نكوي عشرت رس برميان بايدبست وبا ايشان درنده راخوش كَذَا شته أَو قَالَ النَّصْرَانِيَّة خير من المجزسية أَو قَالَ رجل لكَافِر أسلم تراجه امده بودازين خويش أَو قَالَ للسُّلْطَان أَو غَيره من الْجَبَابِرَة أَي خداي أَو قَالَ أَي خداي نزرك أَو قَالَ حِين شُرُوعه فِي الْفساد لأَصْحَابه بياييد تايك جاغوش بزييم أَو قَالَ شاد مباد انكس كه بشادي مَا شاد نيست أَو قَالَ رجل حِين اشْتغل بِالْفَسَادِ مسلماني اشكار ميكينم أَو قَالَ مسلماني اشكار اشد أَو قَالَ اكرازين خمر بر يزِيد جِبْرِيل ببر خويشن برداردش أَو قَالَ عركه مست بِي خورد مسلماني نيست أَو قَالَ الْفَاسِق انك تصبح كل يَوْم تؤذي الله وَخلق الله فَقَالَت خوش مي ارْمِ أَو قَالَ للعاصي ايْنَ نيز راهست ومذهبي أَو ارْتكب رجل صَغِيرَة فَقيل لَهُ تب إِلَى الله فَقَالَ من جه كردم تاتو بِهِ كنم باكويد أَو قَالَ من جه كرده أم كه تَوْبَة من بايد كرده أَو قَالَ فَاسق فِي مجْلِس الشَّرَاب لجَماعَة من الصلحاء باييد أَي

كَافِرَانِ تا مسلماني بينيد أَو قيل لرجل مرا بِحَق يارى ده فَقَالَ الرجل بِحَق ياري هوكس دهد بِهِ نَا حق ياري دهم أَو قَالَت امْرَأَة من خادي جه دانم من خويش بدوزخ نهادة ام أَو ضرب رجل غَيره فَقَالَ الْمَضْرُوب مرا مزن اخر مُسلما نم فَقَالَ الضَّارِب لعنت برتو باد وبر مسلماني تو أَو قَالَ فلَان كَافِر تراست ازمن أَو قَالَ هرجه فلَان كويد بكنم واكرهمه كفر كويد أَو قَالَ از مسلماني ميزارم أَو قَالَ تالب دوزخ روم وَليكن اندرنيايم أَو شكّ فِي ايمانه أَو قَالَ لَا أَدْرِي بِحَقِيقَة الايمان أَو قيل لرجل صف دينك فَقَالَ لَا أَدْرِي فَفِي هَذِه الْمسَائِل لَا خلاف أَنه يكفر وَهَذِه كَلِمَات الْكفْر التقطتها من الْمُحِيط والذخيرة وَلَا خلاف فِيهَا وَأما مَا فِيهَا خلاف فتركتها لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ فعلى الْمُفْتِي أَن يمِيل إِلَى عدم التَّكْفِير والمختصر فِي صفة الايمان أَن يَقُول مَا امرني الله تَعَالَى قبلته وَمَا نهاني الله تَعَالَى عَنهُ انْتَهَيْت عَنهُ فَإِذا اعْتقد ذَلِك وأقرا بِلِسَانِهِ كَانَ إِيمَانًا صَحِيحا وَكَانَ مُؤمنا وَالْكل من سير الذَّخِيرَة وَالله تَعَالَى أعلم

في الاحتساب على البدع في الانكحة

الْبَاب السِّتُّونَ فِي الاحتساب على الْبدع فِي الانكحة وَأَنَّهَا أَنْوَاع الأول إِحْضَار المغنين وَإِظْهَار الْغناء فَإِنَّهُ حرَام الثَّانِي إِظْهَار المعازف والملاهي وَأَنه حرَام الثَّالِث إِظْهَار لعب اللاعبين وَأَنه حرَام الرَّابِع ستر حيطان الْبَيْت بالثياب الجميلة تزينا وَأَنه مَكْرُوه عندنَا وَحرَام عِنْد أَحْمد بن حنيل الْخَامِس ركُوب الْخَيل وَالطّواف بِالْبَلَدِ من غير حَاجَة فِي جمع النَّاس وَفِيه مكروهات واشتغالهم بِمَا لَا يعنيهم السَّادِس إستعمال الدَّوَابّ من غير حَاجَة وَمَنْفَعَة السَّابِع شغل الشوارع وتضييقها على النَّاس من غير حَاجَة الثَّامِن الْمَقْصُود مِنْهُ المراءاة بالثياب الجميلة تزيينا وَأَنَّهَا للطاعة مَعْصِيّة

فالمعصية أولى قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين خَرجُوا من دِيَارهمْ بطرا ورئاء النَّاس} والبطر والرياء فِي هَذَا الْخُرُوج مَوْجُود فَيكون فِيمَا ورد بِهِ النَّص التَّاسِع يكون فِي ركوبهم وَمَعَهُمْ المغنون والقراء وقراءتهم إِن كَانَ قُرْآنًا فيخاف عَلَيْهِ الْكفْر لِأَنَّهُ إهانة بِهِ واستخفاف وَإِن كَانَ غير ذَلِك فَهُوَ حرَام الْعَاشِر يكون فِيهِ الْخلق مَعَهم الْأَهْل وَالْأَصْحَاب واللعابون وَأَنه حرَام الْحَادِي عشر يكون فِيهِ الجلوة وَإِظْهَار النِّسَاء وظهورهن للْجَمَاعَة مَكْرُوه فيكف فِي الجلوة وَلَا سِيمَا إِذا كَانَت الجلوة بِمحضر الرِّجَال وَهَذِه الْمَرْأَة الَّتِي يجلى بهَا بِمحضر الرِّجَال لَا تبقى مخدرة مستورة من الْخَانِية وَلَا حد فِي شَفَاعَة هَذَا الْفِعْل لِأَن كشف السّتْر من الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة حرَام فَكيف بالبنت الْكَرِيمَة يفضحها أَبوهَا وأخوها الثَّانِي عشر إِحْضَار المجامر المصورة فِي مجْلِس العقد وَهُوَ مَكْرُوه لمَكَان الصُّورَة الثَّالِث عشر إجلاس الخاصب على الْحَرِير وَأَنه مُخْتَلف فِيهِ الرَّابِع عشر غزل الْخَيط بمعاينة الْخَاطِب وَدفعه إِلَى سَاحر ليسحر بَين

الزَّوْجَيْنِ بالمحبة والألفة ولتكون الْمَرْأَة غَالِيَة على الزَّوْج وَالسحر بِجَمِيعِ أَنْوَاعه حرَام وَكفر عِنْد بعض الْعلمَاء الْخَامِس عشر الشّرْب فِي أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة فِي مجْلِس أنكحة الْمُلُوك وَلَا شكّ فِي حرمته السَّادِس عشر أفراط الْعَاقِد فِي مدح أَوْلِيَاء الزَّوْج وَالزَّوْجَة إِلَى مَا هُوَ كذب صَرِيح وَهُوَ حرَام قَالَ الله تَعَالَى {وَيُحِبُّونَ أَن يحْمَدُوا بِمَا لم يَفْعَلُوا} السَّابِع عشر لبس الزَّوْج الْحَرِير عِنْد عقده فَإِن قيل الدُّف فِي النِّكَاح جَائِز بِالْحَدِيثِ الْمَعْرُوف فَنَقُول ذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث السَّمرقَنْدِي فِي بستانه هِيَ كِنَايَة عَن إعلان النِّكَاح وَلم يرو ضرب الدُّف نَفسهَا وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ

في الاحتساب على بدع شعر الرأس

الْبَاب الْحَادِي وَالسِّتُّونَ فِي الاحتساب على بدع شعر الرَّأْس ذكر فِي سير الْمُحِيط رجل قَالَ لآخر احْلق رَأسك أَو قلم أظفارك فَإِن هَذِه سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ذَلِك الرجل على سَبِيل الرَّد وَالْإِنْكَار لَا أفعل يكفر وَكَذَا فِي سَائِر السّنَن وَذكر فِي جنايات الذَّخِيرَة إمْسَاك الْجَعْد فِي الْغُلَام حرَام هُوَ الْمَرْوِيّ عَن أَصْحَابنَا لأَنهم أَي النَّاس إِنَّمَا يمسكون الْجَعْد فِي الْغُلَام للأطماع الْفَاسِدَة وَتَمَامه فِي بَاب المماليك وَفِي الْمُحِيط يكره أَن يُصَلِّي وَهُوَ عاقص شعره لحَدِيث ابْن رَافع عَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نهى أَن يُصَلِّي الرجل وَرَأسه معقوص والعقص الْأَحْكَام والشد وَالْمرَاد من العقص عِنْد بعض الْمَشَايِخ أَن يَجْعَل شعره على هامته وشده بضمغ أَو غَيره ليتلبد وَعند بَعضهم أَن يلف ذوائبه حول رَأسه كَمَا يَفْعَله النِّسَاء بعض الْأَوْقَات وَعند

بَعضهم أَن يجمع الشّعْر كُله من قبل الْقَفَا ويمسكه بخيط أَو خرقَة كَيْلا يُصِيب الأَرْض إِذا سجد وَفِي الْمُنْتَقى وَيكرهُ القزع لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام نهى عَنهُ وَهُوَ أَن يحلق جَوَانِب الرَّأْس وَيتْرك وَسطه أَو على الْعَكْس وَفِي الصِّحَاح القزع أَن يحلق رَأس الصَّبِي وَيتْرك فِي مَوَاضِع مِنْهُ الشّعْر مُتَفَرقًا وَذكر فِي الاحياء القزع دأب أهل الشطارة أما الْإِرْسَال فكرهه الْغَزالِيّ فِي زَمَاننَا لِأَنَّهُ صَار شعار العلوية فَإِنَّهُ إِذا لم يكون علويا كَانَ تلبيسا وَذكر فِي الاحياء مَا يجْتَمع فِي شعر الرَّأْس من الدَّرن وَالْقمل فالتنظيف عَنهُ مُسْتَحبّ بِالْغسْلِ والترجيل والتدهين إِزَالَة للشعث وَكَانَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يدهن الشّعْر ويرحله وَيَأْمُر بِهِ وَيَقُول أدهنوا غبا وَدخل على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام رجل ثَائِر الرَّأْس أَشْعَث اللِّحْيَة فَقَامَ عَلَيْهِ السَّلَام أما كَانَ لهَذَا دهن يكرم بِهِ شعره ثمَّ قَالَ يدْخل أحدكُم كَأَنَّهُ شَيْطَان

مسألة

مَسْأَلَة سدل الشّعْر مَنْسُوخ بِدُونِ الْفرق ذكر فِي صَحِيح البخارى عَن أبن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام يحب مُوَافقَة أهل الْكتاب فِيمَا لم يُؤمر بِهِ وَكَانَ أهل الْكتاب يدلسون الشّعْر وَكَانَ الْمُشْركُونَ يفرقون رؤوسهم فسد النَّبِي ناصيته ثمَّ فرق بعده مَسْأَلَة لَا بَأْس بالقصة والقفا فِي الْغُلَام لما ذكر فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن نَافِع أَنه سمع ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ يَقُول سَمِعت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام انه نهى عَن القزع قَالَ عبد الله قلت وَمَا القزع فَأَشَارَ إِلَيْنَا عبد الله إِلَى ناصيته وَقَالَ إِذا خلق الصَّبِي وَترك هَا هُنَا شعرًا وَأَشَارَ عبد الله إِلَى ناصيته قَالَ عبد الله وعاودته فَقَالَ أما الْقِصَّة والقفا للغلام فَلَا بَأْس بهما وَلَكِن القزع أَن يتْرك بناصيته شعر وَلَيْسَ فِي رَأسه غير وَكَذَلِكَ شقّ رَأسه هَذَا وَهَذِه الْقِصَّة بِرَفْع الْقَاف وفتحه

في الاحتساب على المذكر وعلى سامعي التذكير

الْبَاب الثَّانِي وَالسِّتُّونَ فِي الاحتساب على الْمُذكر وعَلى سامعي التَّذْكِير وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن لَا يفعل فِي مجْلِس التَّذْكِير كثير مِنْهَا مَا ذكره الإِمَام المدقق فَخر الْإِسْلَام عَليّ الْبَزْدَوِيّ فِي أُصُوله فِي بَاب السّنة من جلس مجْلِس السماع أَي سَماع الحَدِيث وَهُوَ يشْتَغل عَنهُ بِنَظَر فِي كتاب غير الَّذِي يقْرَأ أَو يخط بقلم أَو يعرض عَنهُ بلهو أَو لعب أَو يغْفل عَنهُ ل نوم أَو كسل فَلَا ضبط لَهُ وَلَا أَمَانَة وَيخَاف عَلَيْهِ أَن يحرم حَظه وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى وَلَا تقوم الْحجَّة بِمثلِهِ وَلَا يتَّصل الْإِسْنَاد بِخَبَرِهِ إِلَّا مَا يَقع من ضَرُورَة فَإِنَّهُ عَفْو وَصَاحبه مَعْذُور وَذكر السَّرخسِيّ أَن من حر مجْلِس السماع واشتغل بِقِرَاءَة كتاب آخر غير مَا يقْرَأ

مسألة

الْقَارئ أَو بِكِتَابَة شَيْء آخر أَو اشْتغل بتحدث أَو لَهو أَو اشْتغل عَن السماع بغفلة أَو نوم فَإِن سَمَاعه لَا يكون صَحِيحا مُطلقًا إِلَّا أَن مَا لَا يُمكن التَّحَرُّز عَنهُ من السَّهْو والغفلة يَجْعَل عفوا للضَّرُورَة فَأَما عِنْد الْقَصْد فَهُوَ غير مَعْذُور وَلَا يُؤمن أَن يحرم بِسَبَب ذَلِك حَظه نَعُوذ بِاللَّه تَعَالَى مِنْهُ وَفِي هَذِه الرِّوَايَة فَوَائِد مُخْتَصَّة مِنْهَا منع الحَدِيث فِي مجْلِس السماع وَمِنْهَا عدم الْغَفْلَة وَمِنْهَا تَفْسِير الْعذر وَهُوَ مَا وَقع من السَّهْو والغفلة بِغَيْر قصد وَلَا يُمكن التَّحَرُّز عَنهُ قَالَ العَبْد أصحله الله وَلأَجل ذَلِك أمنع أَصْحَابِي الْحَاضِرين فِي مجْلِس تذكيري عَن النعاس والتحدث فِيمَا بَينهم وَالشرب لِأَنَّهُ لَهو والترويح بالمروحة لِأَنَّهُ من اللَّهْو مَسْأَلَة هَل يحضر مجْلِس الْوَعْظ النِّسَاء وَهل يحضر الْمُذكر النِّسَاء بِالْمَوْعِظَةِ وَهل يجوز أَن يَأْمر الْمُذكر جمع الصَّدَقَة وَهل للنَّاس التَّصَدُّق بأَمْره الْجَواب كُله يجوز لما رُوِيَ عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ شهِدت مَعَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم عيد فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قبل الْخطْبَة بِلَا آذان وَإِقَامَة فتوكأ على بِلَال فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَوعظ النَّاس وَذكرهمْ وَأمرهمْ بتقوى الله تَعَالَى ثمَّ مضى متوكئا على بِلَال حَتَّى أَتَى على النِّسَاء ووعظهن وذكرهن فأمرهن بتقوى الله تَعَالَى فَقَالَ تصدقن وَذكر شَيْئا من أَمر جَهَنَّم فَقَامَتْ امْرَأَة من سفرة النِّسَاء سفعاء الْخَدين فَقَالَت لم يَا رَسُول الله فَقَالَ لأنكن تفشين الشكاية واللعنة

مسألة

وتكفرن العشير فَجعلْنَ يَأْخُذن من حليهن وأقراطهن وخواتيمهن وطرحنه بَين يَدي بِلَال يتصدقن بِهِ كَذَا ذكر فِي يَوَاقِيت الْمَوَاقِيت فِي بَاب الْعِيد فَإِذا عرف أَن جَمِيع ذَلِك جَائِز فَلَيْسَ للمحتسب وَلَا لغيره أَن يمْنَع ذَلِك وَلَو منع كَانَ مخطئا لما ذَكرْنَاهُ مَسْأَلَة هَل يجوز للمذكر أَن يقْرَأ على الْمِنْبَر كَمَا اعتاده مذكرو زَمَاننَا أم لَا الْجَواب فِي الحَدِيث من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يوضع الْأَخْبَار وَيرْفَع الأشرار وَأَن تقْرَأ الْمُثَنَّاة على رُؤُوس النَّاس والمثناة الَّتِي سميت بِالْفَارِسِيَّةِ دوبيتي من الصِّحَاح وَالْفِقْه فِي مَنعه هُوَ غناء وَأَنه حرَام فِي غير الْمِنْبَر فَمَا ظَنك فِي مَوضِع معد للوعظ والنصيحة قَالَ العَبْد وَقد ظَفرت على هَذَا الحَدِيث بَعْدَمَا كنت أَجْلِس للعامة فِي المنابر بِتَوْفِيق الله تَعَالَى أَكثر من ثَلَاثِينَ سنة فحمدت الله تَعَالَى على أَنِّي لم أفعل هَذَا وَإِن كنت قبل لم أعلم بِحرْمَة هَذَا الْفِعْل وَلَكِن لم أذكر مثناه يَعْنِي دوبيتي قطّ فِي مِنْبَر مَا جَلَست فِيهِ وَمَا كَانَ لذَلِك إِلَّا بِإِحْسَان الله تَعَالَى وعصمته فَلهُ الْحَمد حمدا كثيرا دَائِما مُبَارَكًا فِيهِ غير مُنْقَطع

في الاحتساب فيما يقام به التعزير وتعليق الدرة على باب المحتسب وغير ذلك مما يناسبه

الْبَاب الثَّالِث وَالسِّتُّونَ فِي الاحتساب فِيمَا يُقَام بِهِ التَّعْزِير وَتَعْلِيق الدرة على بَاب الْمُحْتَسب وَغير ذَلِك مِمَّا يُنَاسِبه وَأما آلَات التَّعْزِير فأشياء أَحدهَا الْيَد وفيهَا طريقتان إِحْدَاهمَا التعريك وَالثَّانيَِة الصفع وَقد مر فِي بَاب التَّعْزِير وَأما الوكز فَلَا لِأَنَّهُ مِمَّا يُفْضِي إِلَى الْهَلَاك قَالَ تَعَالَى {فوكزه مُوسَى فَقضى عَلَيْهِ} الثَّانِي السَّوْط الَّذِي لَا ثَمَرَة لَهُ روى أَن عليا رَضِي الله عَنهُ لما أَرَادَ أَن يُقيم الْحَد كسر ثَمَرَته الثَّالِث الْعَصَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا ترفع عصاك على أهلك وَالرَّابِع الدرة وَقد مر دَلِيله فِي بَابهَا مَسْأَلَة تَعْلِيق الدرة على بَاب الْمُحْتَسب مَشْرُوع أم لَا

الجواب

الْجَواب ذكر فِي الْمُحِيط فِي بَاب التَّعْزِير قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لَا رحم الله امْرأ علق سَوْطه حَيْثُ يرَاهُ أَهله قَالَ العَبْد أصلحه الله تَعَالَى شَأْنه لَو احْتج فَقِيه بِهَذَا الحَدِيث على أَن تَعْلِيق الدرة على بَاب الْمُحْتَسب قربه كَانَ لَهُ ذَلِك لِأَن تَعْلِيق الرجل السَّوْط فِي الْبَيْت حَيْثُ يرَاهُ أهل الْبَيْت تقويما لَهُم عَن الإعوجاج لِأَن حَاجته إِلَى تَقْوِيم أهل بَيته خَاصَّة وَولَايَة تعزيره بِالسَّوْطِ مَخْصُوصَة بأَهْله وَالرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام وعد لَهُ بِالرَّحْمَةِ فَلَو علق الْمُحْتَسب تقويما لعامة أهل مصره وولايته تعميما فَكَانَ قربه وَكَانَ أولى وَالْخَامِس الجريد وَالسَّادِس النِّعَال لما روى أنس رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام ضرب فِي الْخمر بِالْجَرِيدِ وَالنعال وَالله تَعَالَى أعلم

في الاحتساب بالاخراج من البيت

الْبَاب الرَّابِع وَالسِّتُّونَ فِي الاحتساب بالاخراج من الْبَيْت وَيخرج الْمُحْتَسب المخنثين من الرِّجَال والمترجلة من النِّسَاء من الْبَيْت وَذكر فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه قَالَ لعن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المخنثين المتشبهين من الرِّجَال والمترجلات من النِّسَاء وَقَالَ أخرجوهم من بُيُوتكُمْ فَأخْرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فُلَانَة وَأخرج عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فلَانا مَسْأَلَة وَإِذا أَتَت الْمَرْأَة الغريبة للتعزية فتنوح على الْمَيِّت هَل يجوز للمحتسب أَن يُخرجهَا من بَيت غَيره إِذا لم يُخرجهَا أَهله الْجَواب نعم لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ أخرج أُخْت أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من بَيته حِين ناحت عَلَيْهِ من // صَحِيح البُخَارِيّ // تمّ بعون الله الْملك الْمعِين

§1/1